خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان

عبد الرحيم الطحان

التعريف بالشيخ

اسمه: هو العلامة الحافظ أبي حمزة عبد الرحيم بن أحمد بن محمود طحان النعيمي ، وقيل يرجع نسبه إلى آل البيت الطيبين من نسب علي ابن الحسين ابن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهما، كما أخذت هذا النقل من أكثر من شخص منهم من هو من أهل حلب الشام، صفاته الخلقية والخلقية: ليس بالطويل ولا بالقصير أبيض اللون مشرب بالحمرة عريض المنكبين وكثيف اللحية مفتول الساعدين والكتفين، ترى في عينيه الإخبات والخشية نحسبه والله حسيبه ويشهد على ذلك من رأه، يلبس العمامة ذات الذوابة ومن صفاته الخلقية: أنه هين لين نحسبه والله حسيبه، شديد التواضع مع طلبة العلم حتى يشهد على هذا القول أحد من قابلة عندما قال كأني أنا الشيخ وهو التلميذ لشدة إنصاته واحترامه لطلبة العلم، وكذلك مما أعرفه عنه أنه كثير ما يلهج بذكر الله جل وعلا والصلاة على النبي (عليه الصلاة والسلام) ، حتى أنك تظن أنه نحسبه والله حسيبه أنه قوي الصلة بالذكر، ومن صفاته أنه يشتد غضبه عندما يطعن أو يحرف في الدين أو يبهت أو ينقص عن قدر إمام من أئمة الدين لذلك تسمعه في أشرطة الردود يتوسع في بسط أدلة التي تثبت خطأ المخالف، رحلة تلقيه للعلم: فقد درس العلامة عبد الرحيم الطحان مرحلة الإبتدائي في المملكة العربية السعودية ومرحلة المتوسط في حلب الشام والجامعة في المدينة المنورة تحديداً في الجامعة الإسلامية وقد أخذ الأول على طلاب الجامعة وقد أكمل دراسات العليا الدكتوراه في الجامع الأزهر وأخذ فيها رسالة الدكتوراه وأظنه في تفسير القرآن وعلومه المرتبة الأول مع الشرف على الجامعة (أي الجامع الأزهر) في السبعينات، شيوخه: وقد تلقى العلم من علماء كثر نذكر منهم مما أعرفهم وأعتذر أنني لا أعرف أسماء كل من تلقى العلم عنهم: 1- العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله (صاحب أضواء البيان) . 2- العلامة محمد أبو الخير زين العابدين رحمه الله. 3- العلامة عبد الرحمن زين العابدين رحمه الله. 4- العلامة المختار الشنقيطي رحمه الله والد العلامة محمد المختار الشنقيطي المدرس في الحرم المدني. 5- عبد الله سراج الدين رحمه الله. ممن درس عليه في جامعة الإمام محمد ابن سعود: 1- الشيخ عوض القرني. 2- الشيخ د. عائض بن عبد الله القرني. 3- الشيخ د. سعيد بن مسفر القحطاني. وكذلك يقال ممن درس عليه الشيخ علي بن عبد الخالق القرني. مما لبس على الناس حول العلامة الطحان: ولا يخفى على طالب العلم الذي يسعى جاهدا إلى البحث عن الحقيقة أن العلامة الطحان حفظه الله ربي الرحمن قد ظلم وافتري عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله، نذكر منها ما أشيع عنه أنه طرد من السعودية!!!! وهذا غير صحيح فمن يعلم عن العلامة الطحان أنه كان يدرس في منطقة أبها ثم نقل إلى فرع جامعة الإمام محمد ابن سعود بالدولة الإمارات ثم بعدها نقل إلى فرع الجامعة بإندونسيا ثم بعدها قدم العلامة الطحان استقالته واستقر بعدها في قطر، فأين قول من يجعجع بهذه التلفيقات!!!! وغيره الكثير مما كذب عليه وما نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل. الشيخ والسلفيّة الشيخ سنّي سلفي أثريّ، سليم العقيدة والمنهج. كيف لا وهو يرى الخروج عن الأئمة الأربعة حرام، وقد بسط في ذلك كلا مقنعا، مستشهدا بكلام من سبقه من أئمة الإسلام ومنهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وما أثير حول عقيدته من اتّهامه بالصوفية كذب صراح، وتهمة باطلة، وليتّق الله من يقول هذا. لقد حذّر الشيخ في غير مرّة من الصوفية وأئمتها وبيّن عوارها وكشف منهجها. وهذه الحقيقة واضحة كوضوح الشمس، ولا يقول خلاف ذلك إلّا جاهل مقلّد، أو حاقد مفتري. الشيخ والوهابية نعم، ترد كلمة الوهابية على لسان الشيخ مرارا -ولا أتّفق معه في ذلك- ولكن يكذب من يقول بأنّ الشيخ لديه موقف معادي لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب، ولا أدلّ على ذلك من استشهاده بكلام الشيخ محمد في مواعظه، وعقيدة الشيخ ودعوته مطابقة لما عند شيخ الإسلام ابن عبد الوهاب. الشيخ والشيخ الألباني ما أستطيع قوله هنا، أنّه قد ظلم وأجحف ولم ينصف من رمى باللوم والخطأ والذنب كلّه على الشيخ الطحّان وحده، ولست أريد اللمز أو التعريض بالشيخ الألباني، فالشيخان عيناي في رأسي، وما وقع بينهما قد وقع بين الصحابة قبلهما، وطبيعة البشر الاختلاف، وموقفي وموقفك أن نستزيد من علمهما ونغضّ الطرف عمّا جرى بينهما. بقي أن أقول: قد سمعت الشيخ مرّة يشكر جهد الشيخ الألباني تلميحا لا تصريحا. والله أعلم. الشيخ والشيخ ابن باز لم أسمعه مرة واحدة يذكره بذم، ومن خلال ما عرفته عنه، يستحيل لديّ أن يكون قد ذمّه بشيء. والله أعلم. نقطة مهمّة الشيخ لديه شدّة وقوّة وغلظة ليس مردّها إلى خلل في العقيدة، أو تطرّف في المنهج. كلّا والله، بل مردّها إلى طبعه وسجيّته، وهذا حال البشر، فعمر بن الخطّاب معروف بالقوة، وأبو بكر موصوف باللين. وكذلك الشيخ الطحّان، يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم. وهذا الموضع مزلّة اقدام حيث رمي الشيخ بما ليس فيه بلا تثبّت. وهذا الأمر -والله أعلم- هو سبب ما حصل له من التضييق والفصل والترحيل. أسأل الله أن يوفّقه للصواب، وأن يفرّج كربته. وقد سمعته مرّة يتكلّم عن تناقض استخرجه من فتاوى ابن تيمية، وكان في حديثه فظّ العبارة. ومن سمعه لأوّل مرّة ظنّ أنّه من أعداء شيخ الإسلام، ولو تروّى قليلا لوجد أنّه دائما يردد "الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البريّة" ودائما ما يستشهد بكلامه، وقد وصفه مرّة بأنّه صاحب العدل والإنصاف، وكذلك يستشهد الشيخ بكلام ابن القيم ويقول فيه القول الحسن. ومرّة سمعته يروي حديثا في سنده معاوية. فوقف عند معاوية قليلا، وقال كلاما ربما يظنّ الجاهل منه أنّه شيعيّ، ولو تحرّى لبان أنّ الشيخ يترضّى عنه ويقول فيه خيرا، وهو على منهج السلف في عدالة الصحابة أجمعين، وقد قرّر ذك وكرّره في غير موضع. الشيخ والحكّام الشيخ موافق لمنهج السلف في التعامل مع السلاطين، فحضور مجالسهم، وأخذ عطيّاتهم، والتردد على أبوابهم ليست من شيم العلماء عنده، وهو يربّي طلابه على هذا ونعم ما فعل. ومع ذلك فلم أسمعه يدعوا إلى الخروج أو التكفير، بل هو يندّد بأهل التكفير والتفجير ويبيّن عظيم مصاب الأمّة منهم. علم الشيخ ودينه لقد ملئ الشيخ علما من رأسه إلى أخمص قدميه، ولا أبالغ أنّه يقف في مصاف كبار علماء هذا العصر. فإن أردت الفقه فلا تسل، وإن أردت التفسير فهو بحره، وإن أردت الحديث فهو طبيبه. وسبحان الذي وهبه الحفظ! وسبحان الذي وهبه الفصاحة في المنطق! وقلّما تجده يلحن أو يتردّد بل هو بليغ اللسان طليقه. وقد أوتي لطافة وظرافة وحسن اختيار للكلام. والشيخ من أهل الدين والورع والزهد حسب ما ظهر لي ولا أزّكي على الله أحدا. فهو بكّاء ذو قلب خاشع، تلمس من حديثه الصدق والإيمان. ويعلم الله أنّه مدرسة في التقوى والتوكّل على الله، أسأل الله أن يزيده من فضله، وأن يلحقنا به.

التوحيد

محاضرات في التوحيد للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} آل عمران102، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} النساء1، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} الأحزاب 70-71. أما بعد: فمن رحمة الله الكريم بعباده أن أرسل إليهم الرسل الكرام - عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام -، وأنزل عليهم الكتب ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليجنبهم الزيغ والفجور. وقد ختم ربنا الرسل الكرام بخير خلقه نبينا محمد - عليهم جميعاً أتم صلاة وأكمل سلام - وأنزل عليه خاتمة الكتب وأحكمها، وأجمعها، وأبلغها ألا وهو القرآن العظيم المحفوظ في الصدور والسطور، وهو منبع الهدى والنور، لا يتطرق إليه زيادة ولا نقصان، فقد تكفل بحفظه الرحيم الرحمن.

وقد قام رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بمهمة البيان والبلاغ أحسن قيام، فدعا إلى الله على بصيرة، وبيّن للناس ما نزل إليهم من ربهم، ففتح الله القدير بنبينا البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، وهدى به من الضلالة، وأنقذ به من الجهالة، وشرح به الصدور، وأنار به العقول، ولم يقبضه إلى جواره الكريم حتى أعز به الدين، وترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك (¬1) . ¬

_ (¬1) المحجة "بفتحتين" جادة الطريق. انظر ما يتعلق بذلك في صفحة: (2) من هذا المبحث المبارك. هذا وقد ورد في الكتب السابقة صفة نبينا - صلى الله عليه وسلم - فمن ذلك ما رواه عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهم أجمعين - فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة؟ فقال: أجل: والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} الأحزاب45، وحرزاً للأميين، وأنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لست بفظ، ولا غليظ، ولا صخّابٍ في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن بعفو، ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح به أعيناً عمياً وآذاناً سماً، وقلوباً غلفاً. أخرجه الأئمة: أحمد في المسند: 2/174 بإسناد صحيح كما قال الشيخ أحمد شاكر: (10/151) رقم و (6622) . والبخاري في البيوع - باب كراهية السخب في الأسواق-: (4/342) ، وفي التفسير - سورة "الفتح" باب - "3": (8/585) بشرح ابن حجر فيهما، ورواه البخاري في الأدب المفرد - باب الانبساط إلى الناس: (38-39) وابن سعد في الطبقات: (1/362) ..وانظر صفة نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الكتب السابقة، في سنن الدارمي - المقدمة باب "2" (1/4-8) وأول كتاب فضائل القرآن: (2/434) وشرح الزرقاني للمواهب اللدنية: (6/188-204) .

ومن رحمة الرب الكريم، أن هيأ رجالاً صالحين، في كل زمانٍ وحين، وبثهم في جميع أقطار الأرضين، ليخلفوا النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى رب العالمين، فهم الذين يصعدون بكلمة الحق ويعلونها، ويتصدون للمحدثات فينكرونها وللشبهات فيزيلونها، ويستأصلونها، وهم الأكياس العُدُول، وليس للمهتدي (للمهتدي) المسترشد عن قولهم عدول، وفي الأثر: "يرث هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين (¬1) ¬

_ (¬1) الأثر رواه البيهقي في السنن الكبرى - كتاب الشهادات - باب الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث، فيقول: كفوا عن حديثه، لأنه يغلط أو يحدث بما لم يسمع، أو أنه لا يبصر الُفتْيا: (10/209) عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنه أيضاً عن الثقة من شيوخه - على حد تعبير العذري - مرفوعاً. ورواه الخطيب في شرف أصحاب الحديث: (28-29) - باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل هذا العلم من كل خلق عدوله - عن أبي هريرة، وأسامة بن زيد، وعن إبراهيم العذري أيضاً مرفوعاً في الجميع، ورواه في أول الكتاب "شرف أصحاب الحديث" أيضاً: (11) عن معاذ، وابن مسعود مرفوعاً. هذا وقد روي الحديث مرفوعاً من رواية: أنس، وابن عمر، وأبي أمامة، وابن عمرو، وجابر وابن عباس، وعلي، وأبي بكر - رضي الله عنهم أجمعين - انظر تفصيل ذلك مع الكلام على درجة الحديث في جمع الجوامع: (1/995) ، وتهذيب الأسماء واللغات القسم الأول: (17) ، ومقدمة ابن الصلاح، ومحاسن الاصطلاح: (219-220) الثاني مطبوع في حاشية الأول، والتقييد والإيضاح (138-139) ، وفتح المغيث: (1/275-279) وتدريب الراوي: (199-201) وتوضيح الأفكار: (2/127-133) ، وكنز العمال: (5/210) ، وتذكرة السامع والمتكلم: (9) ، وقواعد التحديث: (48-49) ، والجرح والتعديل: (1/17) - باب في عدول حاملي العلم، وأنهم ينفون عنه التحريف والانتحال. وحاصل: أقوال الأئمة في درجته: أنه حديث صحيح عند الإمام أحمد، وحسن عند الإمام العلائي وضعيف عند الإمامين البُلقيني، والعراقي. ولعل قول الإمام العلائي يجمع بين القولين المتباعدين فهو ضعيف، ولتعدد طرقه ارتفع إلى درجة الحسن. والحديث الحسن من أقسام الحديث المقبول ولذلك قال القاسمي في قواعد التحديث: وتعدد طرقه يقضي بحسنه كما جزم به العلائي والله تعالى أعلم.

". نسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم، ومن محبيهم، إنه كريم رحيم. هذا، وقد أسندت إليّ محاضرات التوحيد في قسم الدراسات الإسلامية في كلية البنات في أبها لطالبات السنتين الثانية والثالثة، وليس لموضوعات المنهجين كتب مصنفة في ذلك حسب تلك الموضوعات، فاستخرت الله الكريم في كتابة صفحات تشتمل على تلك الموضوعات، فشرح الجليل صدري لذلك، فاستعنت به -، وهو الذي لا يخيب من رجاه واستعان به -، وشرعت في تنفيذ ما استخرت، وفي نيتي طباعة ما يتيسر جمعه من تلك الموضوعات، كلما بلغ عشر صفحات لتكون بين أيدي الطالبات، قبل إلقاء المحاضرات. والله الكريم أسألُ تحقيق ذلك فهو على كل شيءٍ قدير. وهذا المسلك الذي سأقول به - إن شاء الله تعالى - أراني مضطراً إليه، رجاء النفع المترتب عليه ومن الطبيعي أن يحصل بسبب ذلك بعثرة في العبارات، وعدم صَقَل للكلمات. ولولا ما ذكرت من عذر الاضطرار، لما أقدمت على ذلك الفعل في ليلٍ أو نهار، وقد أسندت إليّ تلك المحاضرات بعد مضي أسبوعين من الدراسات: فلو كان عندي متسع من وقتي، لترويت في أمري، وعرضت ما أكتبه على غيري، طلباً للوصول إلى الكمال المستطاع، فقد حذر سلفنا الصالح من إخراج المصنفات قبل تحريرها وتهذيبها، وتكرار النظر في ترتيبها وتبويبها، فالمُصَنِف ينشر عقله وفكره بين الناس، ويستدل بتصنيفه على مقدار عقله، وشأن ذهنه، ودرجة ذوقه، ومن صنف فقد اسْتُهدِف، وهو في سلامةٍ من أفواه الناس ما لم يصنف.

وقد أولى سلفنا الأبرار تهذيب الكتب، وتحرير المصنفات عناية عظيمة، فالإمام الشافعي - عليه رحمة الله تعالى - يقول: إذا رأيتم الكتاب فيه إلحاقٌ وإصلاحٌ فاشهدوا له بالصحة (¬1) . وعقد الإمام ابن عبد البر - عليه رحمة الله تعالى - في كتابه جامع بيان العلم وفضله، باباً بهذا الخصوص فقال - باب معارضة الكتاب - ونقل فيه بسنده عن هشام بن عروة قال: قال لي أبي: يا بني أكتبت؟ قلت: نعم، قال: عارضت؟ قلت: لا، قال: لم تكتب، ثم ساق ابن عبد البر بسنده إلى الأوزاعيّ ويحيى بن أبي كثير - عليهم جميعاً رحمة الله تعالى - أنهما قالا: مثل الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يدخل الخلاء ولا يستنجي (¬2) . والذي دفع السلف الكرام إلى تلك العناية العظيمة بمعارضة المصنفات وتحريرها، هو تلافي القدر الأكبر من الأخطاء بحيث يعز بعد ذلك وجود مالا يحمد في الكتاب وتصل درجته إلى الندرة، إذ قلما يسلم كتاب من خطأٍ، والكريم من عدت سقطاته كما قال الأحنف بن قيس (¬3) - عليه رحمة الله تعالى - وقال الإمامان المزني، ومَعْمَر - عليهما رحمة الله تعالى - لو عورض كتاب سبعين مرة - وقال معمر: مائة مرة لوجد فيه خطأ (¬4) . ¬

_ (¬1) انظر آداب الشافعي ومناقبه للإمام ابن أبي حاتم الرازي: (34) . (¬2) انظر جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: (77-78) . (¬3) انظر مُوضِّح أوهام الجمع والتفريق: (1/6) ويقرر هذا الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (3/225) فيقول: من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته. (¬4) انظر قول المزني في موضح أوهام الجمع والتفريق - (1/6) ، وقول معمر في جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: (1/78) ، وفي رد المختار: (1/19) : وقال المزني: قرأت كتاب الرسالة على الشافعي ثمانين مرة، فما من مرة إلا وكان يقف على خطأٍ، فقال الشافعي: هيه أبى الله - جل وعلا - أن يكون كتاباً صحيحاً غيرُ كتابه.

وإذا كان لابد من وجود قصور وتقصير في جهد البشر مع المعارضة، والتحرير، والتنقيح، والتهذيب، إذ كيف يعصم من الخطأ من كان وصفه "ظَلُوماً جَهُولاً". فكيف سيكون جهد العبد الضعيف كاتب هذه الصفحات، مع ضيق الأوقات، أسألُ الله العظيم رب الأرض والسموات، أن تكون تلك الأخطاء في الشكليات والترتيبات لا في المقاصد والغايات، ولا في تقرير الحقائق البينات. كما أسأله - جل وعلا - أن يجعل أعمالنا من الصالحات، خالصة لوجهه الكريم، وأستغفر الله العظيم. وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه نبينا محمدٍ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم أجمعين. والحمد لله رب العالمين وكتب الفقير إلى رحمة الرحمن عبد الرحيم بن أحمد الطحان 3/1/1404هـ بسم الله الرحمن الرحيم علم التوحيد: علم التوحيد مركب إضافي، جعل علماً على العلم المعهود، فينبغي تعريفه باعتبار كونه مركباً إضافياً، وباعتبار كونه علماً، للإحاطة بالمعنى من جميع الوجوه، وبجميع الاعتبارات. معنى التوحيد: التوحيد لغة: مصدر وَّحَدَ يُوَحِّدُ، وهو العلم بأن الشيء واحد، وفي الاصطلاح: إفراد الله - جل وعلا - بالعبادة، مع الجزم بانفراده في ذاته، وصفاته، وأفعاله، فلا نظير له ولا شبيه (¬1) . معنى العلم: ¬

_ (¬1) انظر بيان ذلك وإيضاحه في فتح الباري: (13/344) نقلا ً عن كتاب الحجة للإمام أبي القاسم التيمي، وانظر لسان العرب أيضاً: (4/464) "وحد"، واسم كتاب "الحجة" "الحجة في بيان المحجة" كما في كشف الظنون: (1/631) ، وهدية العارفين: (1/211) ، ومؤلفه الإمام الحافظ الكبير شيخ الإسلام أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الملقب بِقِوام السنة، ما عاب عليه أحد قولاً ولا فعلا ً توفي سنة (535هـ) - عليه رحمة الله تعالى -، انظر ترجمته العطرة في المنتظم: (10/90) ، وتذكرة الحافظ (4/1277-1282) ، والبداية والنهاية: (12/217) ، والعلو: (192) ، وطبقات المفسرين للسيوطي: (37) وغير ذلك.

يطلق العلم في اللغة بإزاء معنيين: أ- الاعتقاد الجازم، قال الله - جل جلاله -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} من سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - 19، ومما ينبغي التنبيه له أن الاعتقاد الجازم تارة يكون حقاً، وذلك بمطابقته للواقع عن دليل، كاعتقاد المسلمين بأن الله - جل وعلا - واحدٌ لا شريك له. وقد يكون الاعتقاد الجازم باطلا ً، وينحصر ذلك في عدم مطابقة الاعتقاد للواقع، كاعتقاد النصارى بأن الله ثالثُ ثلاثةٍ - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - (¬1) . ¬

_ (¬1) وقد أشار ربنا - جل وعلا - بألطف إشارة، وأوجز عبارة إلى بطلان دعوى ألوهية عيسى وأمه - على نبينا وعليهما الصلاة والسلام - فقال في سورة المائدة 75: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} فهما محتاجان للطعام كما هما محتاجان أيضاً لإخراجه عن طريق استلزام أكل الطعام لدفع الفضلات فلو منع عنهما الطعام ماتا جوعاً، ولو احتبس في بطنهما ماتا حرجاً وضيقاً، ومن كان هذا شأنه فالألوهية منتفية عنه بداهة، فالقيام بالنفس، والغنى عن الغير مما تستلزمه الألوهية، انظر تقرير هذا وإيضاحه في تفسير ابن كثير: (2/81) وروح المعاني: (6/209) ، ومن اللطائف المتعلقة بهذا الموضوع ما في البداية والنهاية: (10/215) وتاريخ بغداد: (5/273) أن ابن السماك / محمد صَبِيح ت: (183) قال لهارون الرشيد لما أتى بقلة ٍ فيها ماء مبرد: بكم كنت مشترياً هذه الشربة لو منعتها؟ فقال بنصف ملكي، فلما شرب، قال: أرأيت لو منعت خروجها من بدنك بكم كنت تشتري ذلك؟ فقال: بنصف ملكي الآخر، قال: إن ملكاً قيمة نصفه شربة ماء، وقيمة نصفه الآخر بولة لخليق أن لا يتنافس فيه.

ب- ويأتي العلم بمعنى غلبة الظن، ومنه قول الله - تبارك وتعالى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} الممتحنة الآية 10. فالمراد من قوله - جل وعلا -: "فإن علمتموهن" أي: غلب على ظنكم إيمانهن عن طريق الأمارات، وذلك بأن تستحلف المرأة المهاجرة أنها ما خرجت من بغض زوجها، ولا عشقها لرجل في غير بلدها، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماساً لدنيا بل هاجرت حباً لله - جل جلاله، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. وإنما كان العلم هنا بمعنى غلبة الظن؛ لأن الركن الأعظم لقبول الإيمان محله الجنان، وذلك مما لا يطلع عليه إنس ولا جان، إنما استأثر بعلمه الرحيم الرحمن، فلا يطلع على ما في القلوب إلا علام الغيوب - سبحانه وتعالى - (¬1) . معنى "العلم" في الاصطلاح: تنوعت عبارات العلماء في تحديد معنى العلم في الاصطلاح إلى أقوال كثيرة وأولاها عندي بالقبول أن يقال في تحديده: هو صفة ينكشف بها المطلوب (¬2) . معنى "علم التوحيد" باعتباره علماً مركباً على العلم المعهود: ¬

_ (¬1) انظر تقرير ذلك وإيضاحه في كتب التفسير ففي مدارك التنزيل: (5/188) " فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ " العلم الذي تبلغه طاقتكم، وهو الظن الغالب بظهور الأمارات، وتسميه الظن علماً يؤذن بأن الظن، وما يقضي إليه القياس جارٍ مجرى العلم ... إلخ وقد تتابع المفسرون على هذا انظر: مفاتيح الغيب: (29/306) ، والبحر والمحيط: (8/256) وإرشاد العقل السليم: (8/239) والسراج المنير: (4/265) ، وروح البيان: (9/482) ، وفتح القدير: (5/215) ، وروح المعاني: (28/76) . (¬2) انظر تنوع تلك العبارات وتفصيلها في إرشاد الفحول: (4) .

علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية ـ من أدلتها الثابتة اليقينية (¬1) . موضوع علم التوحيد: يبحث علم التوحيد في ثلاثة أشياء، عليها مداره، وهي: 1- ذات الله - جل جلاله - من حيث ما يتصف به، وما يتنزه عنه، وما يجب له على عباده. 2- ذوات الرسل الكرام - عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام - من حيث ما يلزمهم، وما يجوز في حقهم، وما يستحيل عليهم، وبيان حقوقهم على أممهم. 3- السمعيات من حيث وجوب اعتقادها، والمراد بالسمعيات: الأخبار المتعلقة بيوم القيامة وما يكون فيه من إهانةٍ أو إكرامٍ، وما يسبقه من حوادث جسام، وما يرتبط بذلك من تفصيلات وأحكام (¬2) . ثمرة علم التوحيد، وفائدته: أعظم ثمرات "علم التوحيد" وأبرز فوائده ثلاث، وهي: 1- معرفة الله - تبارك وتعالى - معرفة حقيقية. 2- انشراح الصدر، وطمأنينة القلب عن طريق الوقوف على الأدلة القطعية. 3- الفوز بالسعادة الأبدية (¬3) . فضل "علم التوحيد" ومنزلته: علم التوحيد أشرف العلوم رتبة، وأرفعها منزلة، وأعلاها درجة. وبيان هذا: أن منزلة كل علم تتبين بالنظر في خمسة أمور، فإن تمت فيه، فمقام ذلك العلم ليس شيء يضاهيه، وتلك الجوانب هي: 1- موضوعه: وعلم التوحيد أشرف العلوم موضوعاً، لتعلقه برب العالمين، وبصفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين - عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم - وبما يتعلق بيوم الدين، ومن المعلوم أن المتعلِق - بكسر اللام - يشرف بشرف المتعلَق - بفتحها. 2- معلومه: وعلم التوحيد أشرف العلوم معلوماً، كيف لا، وهو مراد الله الشرعي الدال عليه وحيه، الجامع للعقائد الحقة. ¬

_ (¬1) انظر تحفة المريد: (1/12) . (¬2) انظر ذلك مختصراً في تحفة المريد: (1/12) . (¬3) انظر ذلك مختصراً في تحفة المريد: (1/12) .

3- وثاقة (¬1) دليله: وعلم التوحيد أقوى العلوم دليلاً، حيث يدل عليه صرائح العقول والنقل الصحيح المتلقى بالقبول. 4- غايته وفائدته: وعلم التوحيد أعلا العلوم غاية، وأعظمها فائدة، وهي باختصار حصول السعادة في جميع الأحوال والأطوار. 5- شدة الاحتياج إليه: ولعلم التوحيد في ذلك نصيب لا يدانيه فيه علم من العلوم حيث طولب به جميع المكلفين، فحاجتهم إليه ضرورية ماسة، ولا يسقط عنهم في حين من الأحايين (¬2) . وإنما اشتدت الحاجة إلى علم التوحيد، لعظم غايته، وعدم الاستغناء عن فائدته، فسعادة المرء في الدارين متوقفة عليه، فالجنة لا يدخلها إلا الموحدون الأبرار، ولن ينال المشرك رحمة العزيز الغفار، قال الله – عز وجل - {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} غافر10 وقال – جل وعلا - إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} المائدة72. وفي الدنيا لن يستريح فكر الإنسان، ولن يهدأ باله إلا إذا أزيلت عنه العقدة الكبرى عن طريق تبصيره بمن أوجده، ولم أوجده، وإلى أي شيء سيصير وما صلته بهذا الكون الفسيح، وما الذي كان قبل هذا الكون، وماذا سيكون بعده؟. فإذا بصر بذلك عن طريق الأدلة اليقينية المقنعة انشرح صدره واستنار فكره، واطمأن قلبه، فيحيى حياة طيبة. ¬

_ (¬1) بفتح الواو: وَثِقَ يَثِقُ – بالكسر فيهما – وثاقة: الشيء الوثيق المحكم – كما في اللسان: (12/250) "وثق". (¬2) انظر تلك الأمور مفرقة في الذريعة إلى مكارم الشريعة: (121) ، وبصائر ذوي التمييز: (1/44-45) ، وشرح الطحاوية: (13) ، وروح المعاني: (1/5) ، وتحفة المريد: (1/12) وانظر تفضيل بعض أنواع العلم على غيرها، وبيان علة ذلك في الإحياء: (1/35-51) ، وجامع بيان العلم وفضله: (2/36-40) .

وإذا لم يهتد لإزالة العقدة الكبرى عن طريق الأدلة المقنعة إما لعدم بلوغه ذلك ووقوفه عليه، أو لعناده وجحوده، فالعجماوات خير منه قال الله – تبارك وتعالى -: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} الأنعام122، وقال – جل وعلا - {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} الأعراف179. ولقد بين لنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – حال المؤمن الموحد، وحال المشرك الجاحد في هذه الحياة الدنيا فقال: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خيرٌ وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" (¬1) . وهذه الخيرية، وتلك السعادة هما جنة الله العاجلة قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول: إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب الزهد – باب المؤمن أمره كله خير – رقم: (2999) والإمام أحمد في مسنده: (4/332،333) 6/15-16 عن صهيب – رضي الله عنهم أجمعين – ورواه أحمد في المسند عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه: (1/173، 177، 182) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (7/209) رواه أحمد بأسانيد رجال الصحيح أ. هـ ورواه أيضاً الإمام أحمد عن أنس بن مالك - رضي الله عنهم أجمعين – في (2/117، 184) ، وأبو يعلى أيضاً كما في مجمع الزوائد: (7/210) وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، وأحد أسانيد أبي يعلى رجاله رجال الصحيح غير أبي بحر ثعلبة وهو ثقة أهـ.

وهذه الجنة هي محبة الله تعالى، ومعرفته ودوام ذكره، والسكون إليه، والطمأنينة إليه وإفراده بالحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإراداته، هو جنة الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين، وحياة العارفين. ولو لم يكن للموحد جزاء إلا ما يحصله في عاجلة من اللذة والانشراح والراحة والطمأنينة والأنس والبهجة، لكفى به جزاءً، وكفى بفوته حسرة وعقوبة، فوالله، ثم والله ما طابت الدنيا إلا بمعرفته ومحبته وطاعته، وما طابت الجنة إلا برؤيته ومشاهدته، وأهل الدنيا هم المساكين خرجوا منها وماذا ذاقوا أطيب فيها (¬1) وهم وإن هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال، إن أثر ذل المعصية لفي قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر جميع ذلك في الوابل الصيب من الكلم الطيب: (63-62) ، وذكر بعضه في إغاثة اللهفان: (1/72) . (¬2) هو من كلام الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – كما في إغاثة اللهفان: (2/118) وروضة المحبين: (102) ، والبرذون: الدابة معروف، والأنثى برذونة، وجمعه: براذين – والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العراب، انظر لسان العرب – فصل الباء من حرف النون: (16/195) ، وقال السخاوي في فتح المغيث: (1/280) هو الجافي الخلقة الجَلْد على السير في الشعاب والوعر، من الخيل غير العربية، وأكثر ما يجلب من بلاد الروم، أهـ ويعرف عندنا ببلاد الشام بالكديش، وقال المطرزي في المغرب: البرذون: التركي من الخيل، وانظر تهذيب اللغة: (5/55) والمخصص لابن سيده: (6/205) ، والهملجة والهملاج: حسن سير الدابة في سرعة وبخترة كما في اللسان "همج" (3/217) ، والطقطقة: صوت قوائم الخيل على الأرض الصلبة كما في اللسان (طقق) : (12/95) .

ولتلك الاعتبارات كان علم التوحيد أصل العلوم الدينية، وما سواه من علوم الشرع فرع ولله در الإمام أبي حنيفة – عليه رحمة الله تعالى – ما أفقهه، وأبعد نظره عند ما سمي ما جمعه في أصول الدين بـ "الفقه الأكبر" (¬1) وللإمام ابن القيم – نور الله مرقده – كلام محكم متين، في بيان منزلة علم التوحيد بين سائر علوم الدين، فقال ما نصه: إن كل آية في القرآن متضمنة للتوحيد شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن: 1- إما خبر عن الله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري. 2- وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي. 3- وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته. 4- وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده. 5- وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد. فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه، وجزائه، وفي شأن الشرك، وأهله، وجزائهم (¬2) . أقسام التوحيد ¬

_ (¬1) والكتاب مطبوع، وهو صغير الحجم، كبير الشأن، يقع في أربع صفحات من الحجم الكبير وقد شرحه الشيخ الملا على القاري في سبعين ومائة صفحة من القطع الكبير والكتابان مطبوعان معاً في مصر سنة 1323هـ، وأعيد طبعهما بالأوفست في بيروت سنة 1399هـ. (¬2) انظر مدارج السالكين: (3/449-450) ، ومنه أخذ العلامة ابن أبي العز الحنفي ذلك وقيده في شرح الطحاوية: (35) ، والشيخ ملا على القاري في شرح الفقه الأكبر: (8) دون عزو لمصدر ذلك في الكتابين، ومن بركة العلم إضافته لقائله، وقد أحسن الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في فتح المجيد: (11) حيث عزا ذلك الكلام لقائله الهمام العلامة ابن القيم – عليه رحمة الرحيم الرحمن –.

ينقسم التوحيد الذي نزلت به كتب الله – جل وعلا – ودعا إليه رسله الكرام – عليهم صلوات الله وسلامه – إلى قسمين: الأول: توحيد في القصد والطلب، والإرادة والعمل، وهو المعروف بـ "توحيد الألوهية"، "توحيد العبادة" ويقوم هذا القسم من التوحيد على ركنين، وأساسين متينين: أ) أن لا يعبد إلا الله – تبارك وتعالى –. ب) أن تكون عبادته بما شرع، لا بالأهواء والبدع. وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وبهما يحصل ترجمانها، فالشق الأول من الشهادة يدل على إفراد الله بالعبادة، فالإله معناه: المعبود، ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحقٍ سواه (¬1) . والشطر الثاني من الشهادة يدل على وجوب متابعة النبي – صلى الله عليه وسلم – والالتزام بشرعه. وقد جمع الله العظيم هذين الأصلين في كثير من آي القرآن الحكيم، فقال – جل وعلا {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} الكهف 110، وقال – جل وعلا – رداً على اليهود والنصارى حين زعم كل منهم أن الجنة خاصة بهم، ولن يدخلها غيرهم: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة112وقال – عز وجل - {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النساء125. ¬

_ (¬1) ألف الإمام الزركشي كتاباً حافلاً في معنى "لا إله إلا الله" طبع في مصر 1982م بتحقيق على محي الدين القره داغي، بلغت صفحات الكتاب مع التحقيق والتعليق قرابة مائتي صفحة، وقرر في (80-81) أن الخبر مقدر، وتقديره بحق أحسن ما يقال في ذلك، لتكون الكلمة جامعة لثبوت ما لا يستحيل نفيه، ونفي ما يستحيل ثبوته.

فالعمل الصالح هو الإحسان، وهو فعل الحسنات، والحسنات هي: ما أحبه الله – جل جلاله -، ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب، ويدخل في هذا المباح إذا قصد به الطاعة، وخرج بذلك أمران: أالبدع المحدثة في دين الله – جل وعلا – فليست من المحسنات، ولا من العمل الصالح ولا يحبها الله، ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم – وهي مردودة على صاحبها، ووبال عليه كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ" وفي رواية لمسلم – رحمه الله – "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"ٌ (¬1) . ب وخرج ما نهي الله عنه مما لا يجوز فعله، كالفواحش والظلم، فليس ذلك من الحسنات، ولا من الأعمال الصالحات. ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الصلح – باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود – (5/301) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الأقضية – باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور – رقم (1718،1719) ، وانظر في سنن أبي داود – كتاب السنة – باب في لزوم السنة: (5/12) وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب في تعظيم حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتغليظ على من عارضه: (1/7) ، ومسند الإمام أحمد: (6/270) ، ورواية الإمام مسلم الثانية علقها الإمام البخاري بصيغة الجزم في كتاب البيوع – باب النجش: (85-4/355) ، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً": (13/17) بشرح ابن حجر فيها، ورواها الإمام ابن أبي عاصم في السنة: (1/28) رقم (52) ورواها الإمام أحمد في المسند: (6/136) ، وورد الحديث بلفظ آخر عند أبي داود في المكان المتقدم ولفظه: "من صنع أمراً على غير أمرنا فهو ردٌ" وجميع الروايات المتقدمة عن أمنا عائشة – رضي الله عنها –.

وقد بين لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – الحلال من الحرام، وتركنا على المحجة الواضحة البيضاء، ليلها كنهارها، ولا يزيغ عنها إلا هالك (¬1) ¬

_ (¬1) المحجة بفتحتين: جادة الطريق كما في مختار الصحاح: (139) "حجج" وفي مسند الإمام أحمد: (4/126) ، ومستدرك الإمام الحاكم: (1/96) – كتاب العلم – وسنن الإمام ابن ماجه – المقدمة – باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين: (1/16) بسند صحيح، وفي كتاب السنة أيضاً للإمام ابن أبي عاصم: (1/27) رقم (48) بسند حسن كما في الترغيب والترهيب: (1/88) عن العرباض بن سارية – رضي الله تعالى عنه – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"..

ففي الصحيحين عن النعمان بن بشير – رضي الله تعالى عنهما – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما متشبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلَحَتْ صَلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (¬1) . هذا ما يتعلق بالركن الثاني: وهو: أن تكون – عبادة الله جل وعلا – بما شرع، لا بالأهواء والبدع، فالاعتصام بالسنة نجاة، قال الإمام مالك – رحمه الله تعالى -: السنة مثل سفينة نوح – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب فضل من استبرأ لدينه -: (1/126) وكتاب البيوع – باب الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات: (4/290) بشرح ابن حجر فيها، وصحيح مسلم – كتاب المساقاة – باب أخذ الحلال وترك الشبهات رقم: (1599) ورواه أبو داود في كتاب البيوع – باب في اجتناب الشبهات -: (3/623) رقم (3329،3330) والترمذي في أول كتاب البيوع – باب ما جاء في ترك الشبهات – (3/502) رقم (1205) ، والنسائي في كتاب البيوع – باب اجتناب الشبهات في الكسب: (7/213) وفي كتاب الأشربة – باب الحث على ترك الشبهات: (8/293) وابن ماجه في كتاب الفتن – باب الوقوف عند الشبهات: (2/1318) ، والدارمي في أول كتاب البيوع – باب في الحلال بين والحرام بين: (2/245) ، وأحمد في المسند: (4/267، 269، 270، 271، 275) . (¬2) انظر ذلك مع التفصيل والتوضيح في مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (4/137) .

وأما الركن الأول فيدل عليه قوله – تبارك وتعالى - {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} الكهف 110، وقوله {أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ} والمراد: إفراد الله - جل وعلا – بالعبادة، وإخلاص الدين لله وحده، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسم – يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" (¬1) . ¬

_ (¬1) الحديث أول حديث في صحيح البخاري – كتاب بدء الوحي -: (1/9) ، وكرره في ستة مواضع أخرى كتاب الإيمان – باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى: (1/135) ، وكتاب العتق باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق: (5/160) ، وفي كتاب فضائل الصحابة – باب هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم – إلى المدينة: (226) ، وفي كتاب النكاح – باب من هاجر أو عمل خيراً لتزويج امرأة فله ما نوى: (9/115) ، وفي كتاب الإيمان والنذور – باب النية في الإيمان: (11/572) ، وفي كتاب الحيل – باب في ترك الحيل، وأن لكل امرئ ما نوى: (12/327) بشرح ابن حجر في الجميع، وانظره في صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب إنما الأعمال بالنية رقم (1907) ورواه أبو داود – كتاب الطلاق – باب فيما عنى بالطلاق والنيات: (2/6519) ، والترمذي- كتاب الجهاد باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا: (4/180) ، والنسائي – كتاب الطهارة – باب النية في الوضوء: (1/51) ، وفي كتاب الطلاق – باب الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه: (6/129) ، وفي كتاب الإيمان – باب النية في اليمين: (7/12) ، وابن ماجة في كتاب الزهد – باب النية: (2/1413) وأحمد في المسند: (1/25،47) .

وهذه الأحاديث الثلاثة عليها تدور جميع الأحاديث، وهي أصول الإسلام كما روى ذلك الإمام أحمد – نضر الله وجهه ونور مرقده – (¬1) . ووجه ذلك أن حديث النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – يدل أن النبي – صلى الله عليه وسلم - بين لنا جميع ما يتعلق بحياتنا فعلاً وتركاً، فيجب علينا الأخذ بالحلال، والبعد عن الحرام، وما اشتبه علينا أمره، نتوقف فيه حتى يتبين لنا حكمه (¬2) . وذلك المسلك منا ينبغي أن يكون على الكيفية الواردة عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – دون زيادة أو نقصان، أو تغيير، وهذا هو مدلول حديث أمنا عائشة – رضي الله عنها –. أما حديث عمر – رضي الله عنه – فيدل على أنه لا بد من حسن الباطن كما حسن العمل في الظاهر، فذلك مسلك عباد الله المخلصين، أما الاختلاف بينهما، ومغايرتهما لبعضهما فشأن المنافقين – نسأل الله الكريم طهارة القلوب من جميع الآفات والعيوب. ¬

_ (¬1) انظر جامع العلوم والحكم: (10) وانظر ما يتعلق بهذا الموضوع في شرح النووي لصحيح مسلم: (13/53) ، وفتح الباري: (1/11) ، والفتح المبين: (49) ، والفتوحات الربانية على الأذكار النواوية: (64-65) . (¬2) وفي مستدرك الحاكم – كتاب الرقاق: (4/319) بإسناد صحيح أقره الذهبي، وسنن الترمذي – كتاب صفة القيامة – باب (من درجات المتقين) : (7/160) وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب الورع والتقوى: (2/1409) ، وسنن البهيقي: (5/335) كتاب البيوع – باب كراهية مبايعة من أكثر ماله من الربا وثمن المحرم، ومعجم الطبراني الكبير كما في جمع الجوامع: (1/919) عن عطية السعدي قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "إن الرجل لا يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذراً لما به بأس".

هذا وقد أولى السلف الصالح ركني توحيد العبادة عناية عظيمة، فجعلوهما نُصْبَ أعينهم وسألوهما من ربهم فعمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – كان يقول: اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً. والفضل بن عياض – عليه رحمة الله تعالى – يقول في تفسير قول الله تعالى شأنه -: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} الملك2: أخلصه، وأصوبه، قالوا يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً، والخالص أن يكون لله – جل وعلا -، والصواب أن يكون على السنة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر أثري عمر والفضيل – رضي الله عنهما – مع الكلام على ركني توحيد العبادة في مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (10/172-174) ، (1/310-311) ، وانظر قول الفضيل أيضاً في جامع العلوم والحكم " (10-11) ، ومدارج السالكين: (1/83-84) ، ومجموع الفتاوى أيضاًً: (11/600) ، (1/333) والفضيل عياض هو سيد المسلمين في وقته كما قال الشيخ ابن تيمية: (11/600) "مجموع الفتاوى" وقد أخرج حديثه الستة إلا ابن ماجه، وهو ثقة إمام عابد كما في تقريب التهذيب: (2/113) وفي الميزان: (3/361) شيخ الحرم، وأحد الأثبات، مجمع على ثقته وجلالته أهـ ومن أقواله التي تدل على عظيم حاله: إني لأعصي الله، فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي كما في حلية الأولياء: (8/109) ، وصفة الصفوة: (2/238) ، وقوت القلوب: (1/377) ، والإحياء: (4/53) ، ومختصر منهاج القاصدين: (281) ، وفي الكتب الثلاثة الأخيرة أيضاً أنه كان يقول: الاحتلام عقوبة، ولا تفوت أحداً صلاة في جماعة إلا بذنب يحدثه انظر ترجمته العطرة في الحلية: (8/84-139) ، وصفة الصفوة: (2/237-247) ، وقال مؤلفه: اقتصرنا على هذا القدر من أخبار الفضيل، لأنا قد أفردنا لكلامه ومناقبه كتابً فمن أراد الزيادة فلينظر في ذلك الكتاب وانظر سبب توبته في تفسير القرطبي: (17/250) وكتاب التوابين: (207-208) والبداية والنهاية: (10/199) .

فلابد من هذين الركنين في العبادة ليكون المكلف على الصراط المستقيم، ومن عباد الله الصادقين الفائزين، فعلى هذا المنهج سار جميع الأنبياء والمرسلين – عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى التسليم – قال الله - جل جلاله -: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام 161-163، وقال – سبحانه وتعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} الأنبياء25 وقد أخبرنا – صلى الله عليه وسلم – عن هذه الحقيقة بقوله: "الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد" (¬1) . ¬

_ (¬1) رواه البخاري في كتاب الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – باب (48-7/478) بشرح ابن حجر، ومسلم في كتاب الفضائل – باب فضائل عيسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – رقم (143-145) ، وأبو داود – كتاب السنة – باب في التخيير بين الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – (55) ، وأحمد في المسند: (2/319، 406، 437، 463، 482، 541) عن أبي هريرة - رضي الله عنه – ومعنى الحديث كما في شرح النووي: (15/120) ، وفتح الباري: (6/489) أن أصل دينهم واحد، وإن اختلفت فروع الشرائع، كحال الأخوة لأب نسبتهم واحدة، وأمهاتهم متعددة وقيل للإخوة من أب: أولاد علات لأن العلة هي الضرة وأبوهم كان ناهلا ً من الأولى ثم علَّ ممن بعدها والنهل هو الشرب الأول، والعلل هو الشرب الثاني، فهم قد اتفقوا ماءً لا إناءً، أما الإخوة الأشقاء فيقال لهم بنو الأعيان لأنهم اتفقوا ماءً وإناءً، وأما الأخوة من أم فيقال لهم بنو الأخياف وهم المختلفون الذين لا يستوفون حيث اختلفوا ماءً واتفقوا إناءً فنسبوا إلى آباء شتى. انظر لسان العرب خيف، علل، عين.

وهذا القسم من التوحيد – توحيد العبادة – هو الذي جرى بسببه النزاع والقتال بين الرسل الكرام – عليهم أفضل الصلاة، وأتم التسليم – وبين أقوامهم، ولن يزال ذلك مستمراً بين المؤمنين والكافرين إلى يوم الدين. كما قال الله – جل وعلا -: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} الأنفال 39-39، والفتنة هي: الشرك كما ورد في تفسير الطبري عن ابن عباس وغيره – رضي الله عنهم أجمعين - (¬1) ¬

_ (¬1) انظر تفسير الطبري: (9/162) ، وعلى ذلك تتابع المفسرون، انظر مثلا ً: زاد المسير: (3/357) وتفسير ابن كثير: (2/308-309) ، وروح المعاني: (9/207) ، وقد ثبت هذا المعنى عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" انظر صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم: (1/75) بشرح ابن حجر وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويؤمنوا بجميع ما جاء به النبيّ – صلى الله عليه وسلم – رقم (36) ..

وقال – جل وعلاج مخبراً عن عداوة المجرمين من كافرين ومنافقين للمؤمنين: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} البقرة217، وهذا في الكافرين وقال في بيان عداوة المنافقين للمؤمنين: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} النساء89 (¬1) . وهذا لقسم من التوحيد – توحيد العبادة – يتضمن القسم الثاني، وهو: توحيد الإثبات والمعرفة بنوعيه: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، لأن من أفرد الله بالعبادة حسبما شرع فقد أقر بأن الله خالق كل شيء ومدبره، وله الأسماء الحسنى، والصفات العلى فما أفرد ربه بالعبادة إلا لاتصافه بذلك، فتوحيد الإثبات والمعرفة بنوعيه " توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات " داخل في توحيد العبادة فاعلم (¬2) . ? موقف المكلف نحو هذا القسم من توحيد "توحيد الألوهية": ينحصر موقف المكلف نحو هذا القسم من التوحيد في أحد أمرين: ¬

_ (¬1) من سورة النساء: (89) وتقريراً لمدلول الآية قال عثمان بن عفان – رضي الله تعالى عنه – كما في الحسبة: (86) لشيخ الإسلام: ودت الزانية لو زنى النساء كلهن. (¬2) انظر إيضاح ذلك في مجموع الفتاوى: (1/302، 154 -155) ، وإغاثة اللهفان: (1/230/135) ومدارج السالكين: (1/32-33) .

أ) إما أن يريده، ويعمل به، ويحبه، فيحصل له بذلك الاهتداء ويرضى عنه رب الأرض والسماء قال الله – عز وجل -: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} والظلم هو الشرك بذلك فسره رسولنا – صلى الله عليه وسلم – ففي الصحيحين عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: لما نزلت:" الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ " شق ذلك على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقالوا: أينا لا يظلم نفسه؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم" (¬1) . ¬

_ (¬1) الآية الأولى من سورة الأنعام: (82) ، والثانية من سورة لقمان: (13) ، والحديث في صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب صدق الإيمان وإخلاصه -: (2/134) بشرح النووي، وورد الحديث مكرراً في صحيح البخاري في خمسة أماكن في كتاب الأنبياء – باب قول الله: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النساء125: (6/389) ، وفي باب قول الله، {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} لقمان12: (6/465) ، وفي كتاب التفسير سورة لقمان – باب لا تشرك بالله: (8/513) ، وفي كتاب استتابة المرتدين – باب إثم من أشرك بالله، وعقوبته في الدنيا والآخرة: (12/264) ، وفي باب ما جاء في المتأولين: (12/302) بشرح ابن حجر في الجميع، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند: (1/378، 424، 444) . هذا وقد ورد الحديث في صحيح البخاري في ثلاثة أماكن أيضاً بلفظ لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} الأنعام82 قال أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أينا لم يظلم نفسه؟ فأنزل الله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان13، انظر كتاب الإيمان – باب ظلم دون ظلم -: (1/87) وكتاب أحاديث الأنبياء – باب قول الله {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} لقمان12: (6/465) ، وكتاب التفسير – سورة الأنعام – باب: يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} الأنعام82 (8/94) ، بشرح بن حجر في الجميع أيضاً. واعلم أن الرواية الأولى تفيد أن آية لقمان كانت معلومة للصحابة الكرام، ولذلك ذكرهم بها أما الرواية الثانية فيقول ظاهرها على أن سؤال الصحابة – رضي الله عنهم – كان سبباً لنزول آية لقمان، وللتوفيق بين الروايتين قال الإمام النووي: (2/143) : هاتان الروايتان إحداهما تبين الأخرى، فيكون لما شق عليهم أنزل الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان13، واعلم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الظلم المطلق هناك المراد به المقيد، وهو الشرك، فقال لهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك: ليس الظلم على إطلاقه وعمومه كما ظننتم، إنما هو الشرك، كما قال لقمان لابنه. أ. وقال الإمام ابن حجر في الفتح: (1/88) : يحتمل أن يكون نزلها – أي آية لقمان – وقع في الحال، فتلاها عليهم، فتلتئم الروايتان. أهـ.

وفي الصحيحين أيضاً وغيرهما عن معاذ بن جبل - رضي الله تعالى عنه – قال: بينما أنا رديف النبي – صلى الله عليه وسلم – ليس بيني وبينه إلا آخر الرحل فقال: "يا معاذ! قلت: لبيك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسعديك، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ! قلت: لبيك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسعديك ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ! قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال حق الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، ثم سار ساعة، ثم قال: يا معاذ! قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق العباد على الله أن لا يعذبهم " (¬1) . ¬

_ (¬1) ورد الحديث في الصحيحين في أماكن متعددة، فرواه البخاري في سبعة أماكن، كما رواه أيضاً غير الشيخين، وسأقتصر في تخريجه على مكان واحد في الصحيحين خشية الإطالة انظر صحيح البخاري – كتاب اللباس – باب إرداف الرجل خلف الرجل: (10/397) بشرح ابن حجر، وانظر صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً: (10/230) بشرح النووي، وقد ورد في بعض روايات الصحيحين أن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: أفلا أبشر به الناس؟ قال "لا تبشرهم فيتكلوا" وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً، والتأثم أي: خشية الوقوع في الإثم والتوفيق بين إخبار معاذ – رضي الله عنه – مع نهي النبي – صلى الله عليه وسلم – له عن الإخبار، أجاب العلماء بأربعة أجوبة: 1- مال ابن حجر في الفتح: (1/227) إلى أن معاذاً حمل النهي عن التبشير على التنزيه لا على التحريم. 2- قال القاضي عياض كما في الفتح: (1/227) ، وشرح النووي: (1/241) : لعل معاذاً لم يفهم النهي، لكن كسر عزمه عما عرض له من تبشيرهم، قال ابن حجر والرواية صريحة في النهي فالأولى ما تقدم. 3- قال ابن الصلاح كما في شرح النووي: (1/241) : منعه من التبشير العام خوفاً من أن يسمع ذلك من لا خبرة له، ولا علم فيغتر ويتكل، وأخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – على الخصوص من أمن عليه الاغترار والاتكال من أهل المعرفة، فإنه أخبر به معاذاً، فسلك هذا المسلك، فأخبر به من الخاصة من رآه أهلا ً لذلك، قال النووي: وهذا الوجه ظاهر، لكن قال ابن حجر في الفتح: (1/227) والأول أوجه، لكونه أخر ذلك إلى وقت موته. 4- في شرح الأبِّيِّ: (1/126) ، وشرح النووي: (1/241) نقلا ً عن القاضي عياض أيضاً: احتمال كون معاذ اعتبر ذلك منسوخاً بالأحاديث الدالة على التبشير، لكن الذي يظهر للعبد الضعيف عبد الرحيم: ضعف هذا القول بسبب التأخير إلى وقت الموت، فالأولى اعتماد ما مال إليه ابن حجر.

وهذا الحق الذي أوجبه رب العالمين، على المكلفين، نفعه عائد إليهم في الدنيا ويوم الدين القلوب لا تسكن إلا لباريها، ولا تطمئن إلا بهاديها، كما قرر ربنا هذا في كتابه – وهو أعلم بمن خلق: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد28، فالإيمان بالرحمن، محبته وعبادته وإجلاله وذكره والتوكل عليه، والإنابة إليه هو غذاء الإنسان وقوته، وصلاحه وقوامه، كما عليه أهل الإيمان، ودلت السنة والقرآن، وشهدت به الفطرة والجَنَان لا كما يقوله من قل نصيبه من التحقيق والعرفان، وبخس حظه من الإحسان: إن عبادته وذكره تكليف ومشقة: أ) لمجرد الابتلاء والامتحان. ب) أو لمجرد التعويض بالثواب المنفصل، كالمعاوضة بالأثمان. جـ) أو لمجرد رباضة النفس وتهذيبها ليرتفع بذلك عن درجة البهيم من الحيوان. كما هي مقالات من بخس حظه من معرفة الرحمن، وقل نصيبه من ذوق حقائق الإيمان، وفرح بما عنده من زبد الأفكار وزُبالة الأذهان. إنما عبادته ومعرفته وتوحيده وشكره قرة عين الإنسان، وأفضل لذة للروح والجنان، وأطيب نعيم ناله من كان أهلا ً لهذا الشأن، فما طابت الدنيا إلا بمعرفته ومحبته، ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته. وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول، وإن وقع ذلك ضمناً وتبعاً في بعضها، ولأسباب اقتضته لابد منها، بل هي من لوازم هذه النشأة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ذلك مع زيادات عليه لتوضيحه وتقريره في إغاثة اللهفان: (1/26-42، 71-72) ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: (1/24-32) ، وانظر لزاماً الوابل الصيب من الكلم الطيب: (52-120) فقد قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – وفي ذكر الله أكثر من مائة فائدة، ثم وسع الكلام في ذلك، وأتى بما لن تظفر به في كتاب آخر فاغتنمه وكن من الشاكرين.

وأما الحق الذي أوجبه ربنا – جل ثناؤه – للعباد على نفسه فهو ثابت بحكم وعده الصدق، وقوله الحق، الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر، ولا الخلف في الوعد محض تفضل منه وكرم وليس للمخلوق حق على خالقه. ما لِلعِبَادِ عليهِ حَقٌ واجِبُ ... كَلا ولا سعىٌ لديْه ضَائعُ إنْ عُذِبُوا فبعدْ لِه أوْ نُعمِوا ... فبفضله وهو الكريمُ الواسعُ (¬1) وقد ثبت عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "لو عذب الله أهل سمواته، وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم" (¬2) . ب) وإما أن يرد ذلك المكلفُ، ولا يمتثله، ويكرهه ويبغضه، فيكون بذلك من أهل الشقاء ويلازمه العذاب والبلاء، قال الله – جل جلاله –: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} النحل36. ¬

_ (¬1) انظر بيتي الشعر في الوابل الصيب: (4) ، وتعليل أهل السنة للحق الذي أوجبه ربنا على نفسه في فتح الباري: (11/339) ، ومجموع الفتاوى: (18/150) . (¬2) رواه أبو داود في كتاب السنة – باب في القدر -: (5/75) ، وابن ماجه في المقدمة – باب في القدر -: (1/30) ، وأحمد في المسند: (5/182،285،189) ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة: (1/1099) وابن حبان كما ورد في موارد الظمآن – كتاب القدر – باب ما قضى الله على عباده فهو العدل: (450) عن زيد بن ثابت – رضي الله تعالى عنه – وقد حسن إسناد الحديث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (10/106) وحكم الشيخ الألباني عليه بالصحة. وورد الحديث من رواية عمران بن حصين، وابن مسعود، وأبي بن كعب – رضي الله عنهم – عند الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات كما في مجمع الزوائد: (7/198) .

.. والطاغوت: فعلوت من الطغيان، وهو: تجاوز الحد في العصيان، وقد حده الإمام بن القيم – نور الله مرقده – حداً جامعاً فقال: الطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده: من معبودٍ، أو متبوع ٍ أو مطاع، فطاغوت كل قوم: 1- من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم –. 2- أو يعبدونه من دون الله – جل وعلا –. 3- أو يتبعونه على غير بصيرة من الله – تبارك وتعالى –. 4- أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله – جل جلاله –. فهذه طواغيت العالم، إذا تأملتها، وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله – جل جلاله – إلى عبادة الطواغيت، وعن طاعة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى طاعة الطاغوت ومتابعته (¬1) . ... روى ابن جرير في تفسيره، والترمذي في سننه وغيرهما عن عدي بن حاتم – رضي الله عنه – قال: أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي! اطرح هذا الوثن من عنقك، قال: فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ} لتوبة31 قال: قلت يا رسول الله! إنا لسنا نعبدهم، فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: قلت بلى، قال: فتلك عبادتهم". ¬

_ (¬1) انظر تعريف الطاغوت في المفردات: (304) حرف الطاء، وانظر كلام ابن القيم في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: (16) ، وفي كتابه العظيم، "أعلام الموقعين": (1/50) .

ولفظ الترمذي: "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه" (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تفسير ابن جرير: (10/81) ، وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة التوبة -: (5/278) ، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغُطَيْف بن أعْين ليس بمعروف في الحديث (أهـ) وحكم الترمذي على الحديث بالغرابة ورد في طبعة مصر، وحمص من بلاد الشام وفي الطبعة المصرية أيضاً مع شرحه عارضة الأحوذي، لكن ورد في الطبعة الهندية مع شرحه تحفة الأحوذي: هذا حديث حسن غريب إلخ، بزيادة لفظ "حسن" قبل غريب، ونسب السيوطي في الدر المنثور: (3/230) تحسين الحديث إلى الترمذي، وزاد نسبة الحديث وعزوه إلى ابن سعد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبهيقي في سننه وتبعه على ذلك الشوكاني في فتح القدير: (2/355) وبين العبارتين فرق كبير، لأن قوله: حسن غريب، فيه الحكم بقبول الحديث مع انفراد الراوي به، وهذا لا يتمشى مع قول الترمذي في غطيف: ليس بمعروف، إلا بكلفة كأن يقال: حسن الترمذي الحديث باعتبار شواهده، أما قوله: هذا الحديث غريب، فالمراد منه بيان ضعف الحديث لتعليله ذلك بقوله: وغطيف ليس بمعروف، وأكثر نسخ سنن الترمذي على هذا الحكم وهذا هو المعول، وعليه الاعتماد، ولذلك حكم ابن حجر في التقريب: (2/106) على غطيف بأنه ضعيف، ونقل ابن حجر في تهذيب التهذيب: (8/250) ، تضعيفه عن الدارقطني، وتوثيقه عند ابن حبان، ومع المعلوم أن مذهب ابن حبان في التوثيق مهجور، مخالف للجمهور، لأنه يعتبر الثقة من روى عنه راو ٍ مشهور ولم يتبين جرحه، قال ابن حجر في لسان الميزان: (1/14) وهذا مذهب عجيب، هذا وقد ورد للحديث ما يشهد له، وربما يتقوى به، فيرتقي إلى درجة الحسن، فقد وردت آثار عن حذيفة، وابن عباس – رضي الله عنهم – وعن بعض التابعين أيضاً تشهد للحديث المتقدم فانظرها في تفسير الطبري: (10/81) ، والدر المنثور: (3/231) ولذلك قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (2/161) : لكن في الباب عن حذيفة – رضي الله عنه – موقوفاً أخرجه الطبري، وربما يتقوى به، (1هـ) وقد استشهد به ابن القيم في إغاثة اللهفان: (2/319) وحكم بصحته الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ في فتح المجيد: (101) ، ونقل في: (106) تحسينه عن الترمذي وسكت على ذلك الشيخ محمد حامد الفقي محقق الكتاب، والشيخ إسماعيل الأنصاري مصححه والمشرف على طباعته، والحديث قد استشهد به شيخنا في الأضواء: (4/83) وابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: (1/98، 7/97) ونص على حسنه، ولعل ذلك لشواهده فاعلم.

القسم الثاني من أقسام التوحيد: توحيد في الإثبات والمعرفة – ويشتمل على نوعين: ? توحيد الربوبية، ومبناه على الإقرار بأن الله – جل وعلا – موجود، وخالف كل شيء، موجده ومدبره، وهذا النوع من التوحيد مما فطر الله الجليل قلوب العباد على معرفته، والإقرار به، وللاستدلال عليه طريقان، دل على كل منهما كلام الرحيم الرحمن، وهما: أ) الاستدلال بصنعة الله وأفعاله عليه، فالمخلوقات تدل على خالقها، والعوالم علامة على موجدها، وقد لفت ربنا الكريم أنظار العالمين إلى هذه الحقيقة في كثير من آي الذكر الحكيم، وإليك بعض حديثه عن خلق الإنسان، فذلك من أشد الأشياء لصوقاً بنا؛ لأنه قد مر علينا، ومن المعلوم: أن علم الإنسان بأحوال نفسه أظهر من علمه بأحوال غيره. قال ربنا – جل جلاله -: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} الطور35 ثبت في صحيح البخاري وغيره عن جبير بن مطعم – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} الطور 35، 36 كاد قلبي يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، وفي رواية المسند: فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة الطور: (8/603) ، وكتاب المغازي – باب "12": (7/323) بشرح ابن حجر فيهما، وسنن ابن ماجه – كتاب إقامة الصلاة – باب القراءة في صلاة المغرب: (1/272) وانظر رواية المسند: (4/83، 85) وقوله: صدع من الصدع، وهو: الشَّق في الشيء الصُّلْب، كما في اللسان: (10/61) "صدع" والمعنى: كأنما انشق قلبي، وتمزق لشدة تأثره بسماع القرآن، ولذلك عبر عن هذا أيضاً بقوله: كاد قلبي أن يطير، كما في بلوغ الأماني: (3/225) . وكان قدوم جبير لأجل فداء أسرى بدر كما في صحيح البخاري – كتاب الجهاد – باب فداء المشركين -: (6/168) بشرح ابن حجر، وكان جبير بن مطعم إذ ذاك مشركاً، كما في المسند في المكانين المتقدمين، وأسلم جبير بعد ذلك بين الحديبية، وفتح مكة أي بين سنة ست وثمان للهجرة المباركة، وقيل: أسلم يوم فتح مكة كما في أسد الغابة: (1/234) والإصابة: (1/226) القسم الأول–.

.. والسبب الذي من أجله جرى لجبير ما جرى، أن وجود المخلوقات من غير خالق مستحيل، فإذا أنكروه وجحدوه، فهل خلقوا أنفسهم؟ إن ذلك أشد استحالة وأعظم بطلاناً، إذ كيف يتصور أن يخلق من لا وجود له؟ وكيف يتأتى من المعدوم التكوين والإيجاد؟ وإذا بطل الأمران، قامت عليهم الحجة بأن خالقهم الملك الرحمن، رب ما سيكون وما قد كان، لا إله إلا هو، ذو الجلال والإكرام. ... وحاصل معنى الآية الكريمة، أوجدوا من غير مبدع خلقهم؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؟ والجواب الذي لا جواب غيره: لا هذا ولا ذاك، فهم يعلمون أنهم لم يكونوا من غير مكون كونهم ويعلمون – أيضاً – أنهم لم يكونوا أنفسهم، وعلمهم بذلك فطري لا يختلف فيه اثنان، وإذا انتفى الأمران تعين أن خالقهم هو الرحيم الرحمن، كما قال ربنا جل جلاله –: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} الواقعة 58-59 وقال – جل شأنه –: {إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} (¬1) . ... فآية الطور أشارت إلى دليل عظيم، تكرر ورده في كلام رب العالمين، وهو دليل السبر والتقسيم حسب المقرر عند الأصوليين، والمعروف بالتقسيم والترديد عند الجدليين. وضابط هذا الدليل العظيم أنه متركب من أصلين: أحصر أوصاف المحل، ويعبر عنه "بالتقسيم" عند الجدليين والأصوليين. ¬

_ (¬1) الآية (6،5) من سورة آل عمران، وانظر إيضاح معنى آية الطور في مجموع الفتاوى: (2/11) وتفسير ابن كثير: (4/244) ، وفتح الباري: (8/603) ، وروح المعاني: (27/37) ، وتفسير القرطبي: (17/74) ، ومفاتيح الغيب: (28/259) ،والسراج المنير: (4/118) ، ومدارج التنزيل: (5/102) ، ومعالم التنزيل، ولباب التأويل: (6/252) الأول مطبوع على هامش الثاني.

ب اختبار تلك الأوصاف المحصورة، وإبطال ما هو باطل منها، وإبقاء ما هو صحيح، ويعبر عن هذا "بالسَّبْر"عند الأصوليين، "وبالترديد" عند الجدليين. قال شيخنا الكريم محمد الأمين الشنقيطي – نور الله مرقده وفي غرف الجنان أرقده –: ومن أمثلة السَّبْر والتقسيم، في القرآن العظيم، قول رب العالمين: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} فكأنه – تعالى – يقول: لا يخلو الأمر من واحدة من ثلاث حالات بالتقسيم الصحيح: الأول: أن يكونوا خلقوا من غير شيء: أي بدون خالق أصلاً. الثانية: أن يكونوا خلقوا أنفسهم. الثالثة: أن يكون خلقهم خالق غير أنفسهم. ولا شك أن القسمين الأوليين باطلان، وبطلانهما ضروري كما ترى، فلا حاجة إلى إقامة الدليل عليه لوضوحه (¬1) . والثالث الحق الذي لا شك فيه، وهو – جل وعلا – خالقهم المستحق منهم أن يعبدوه جل وعلا – (¬2) . ¬

_ (¬1) قال الإمام القرطبي في تفسيره: (2/201-202) : فإن قيل: فما أنكرت أنها أحدثت أنفسها؟ قيل: هذا محال، لأنها لو أحدثت نفسها لم تخل من أن تكون أحدثتها وهي موجودة أو هي معدومة فإن أحدثتها وهي معدومة كان محالاً، لأن الإحداث لا يتأتى إلا من حي عالم قادر مريد، وما ليس بموجود لا يصح وصفه بذلك، وإن كانت موجودة فوجودها يغني عن إحداث نفسها، وأيضاً فلو جاز ذلك لجاز أن يحدث البناء نفسه، وكذلك التجارة والنسج، وذلك محال، وما أدى إلى المحال محال. (¬2) انظر أضواء البيان: (4/368-369) ، وانظر كلام الأصوليين على دليل السَّبْر والتقسيم في روضة الناظر: (2/293-309) ، وفواتح الرحموت: (2/295-302) والتحرير: (464-469) ، وأصول الفقه للخضري: (357-360) . ولهذا الدليل العظيم، نفع عميم، فقد ألهمه ربنا الكريم، لبعض الأجلة من أئمة المسلمين، فقضى بسببه على فتنة عظيمة في الدين ففي تاريخ بغداد: (4/151-152) ومناقب الإمام أحمد: (350-356) والبداية والنهاية: (10/320) ، وتاريخ الخلفاء: (342) عن محمد المهدي بن الخليفة الواثق قال: كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلاً أحضرني فجيء برجل [وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الأذرمي شيخ أبي داود، والنسائي كما في التقريب: (1/446) ، وتهذيب التهذيب: (6/5) ، والأذرمي نسبة إلى أذرمة من أعمال نصيين كما في اللباب: (1/38) ، ومراصد الاطلاع: (1/47) ] مكبل بالحديد، فدخل على والدي فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال له: عليك السلام، فقال الرجل: بئسما أدبك به مؤدبك يا أمير المؤمنين، قال الله – تعالى – {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} النساء86 والله ما حييتني بأحسن منها ولا رددتها عليّ، فقال الخليفة الواثق لابن أبي دؤاد [وهو أحمد بن أبي دؤاد جهميّ بغيض قلَّ ما روي كما في الميزان: (1/97) ، وفي اللسان: (1/171) ، ويقال: إن الإمام أحمد كان يطلق عليه الكفر (1هـ) ، وفي البداية والنهاية: (10/319) ولى القضاة للمعتصم، ثم للواثق، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن، وأن الله لا يُرى في الآخرة.... وقد ابتلاه الله قبل موته بأربع سنوات بالفالج، وحرمه لذة الطعام والشراب والنكاح، فدخل عليه أحد أهل السنة فقال له: ما جئتك عائداً، وإنما جئتك لأعزينك في نفسك، وأحمد الله الذي سجنك في جسدك الذي هو أشد عليك من كل سجن، ثم خرج داعياً عليه، فازداد مرضه، ثم صودر ماله، ثم هلك سنة 241هـ ومن مخازيه ما في تاريخ الخلفاء: (341) أنه في سنة 231هـ استفك الواثق من الروم ألفاً وستمائة أسير مسلم، فقال ابن أبي دؤاد: من قال من الأسارى: (القرآن مخلوق) خلصوه وأعطوه دينارين ومن امتنع دعوه في الأسر] إن الرجل متكلم فناظره، فقال ابن أبي دؤاد: أحبرني عن القرآن هو مخلوق أم لا؟ فقال له الشيخ: والله ما أنصفتني، السؤال لي، وليس لك، هل علم هذه المسألة رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي – رضي الله عنهم – أم لم يعلموها؟ فقال ابن أبي دؤاد: لم يعلموها، فقال الشيخ: شيء لم يعلمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي – رضي الله عنهم – علمته أنت؟ فقال ابن أبي دؤاد: أقلني جوابي، والمسألة بحالها، أقول: قد علموها، فقال الشيخ: أفوسعهم أن لا يتكلموا به ويسكتوا عنه، ولا يدعوا الناس إليه، أم لم يسعهم؟ فقال ابن أبي دؤاد: بلى وسعهم، فقال الشيخ: فشيءٌ وسع رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي – رضي الله عنهم – لا يسعك أنت؟ فانقطع ابن أبي دؤاد، قال محمد المهدي الواثق: فقام والدي إلى حجرة أخرى، واستلقى على ظهره، وأعاد كلام الشيخ، فقال شيء لم يعلمه رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -، لا أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي – رضي الله عنهم – يعلمه ابن أبي دؤاد؟ شيء وسع رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه السكوتُ عنه؟ ألا يسع ابن أبي دؤاد السكوت عنه؟ ثم قام: فدخل المجلس، وقال: فكوا وثاق الشيخ، واعتذر له، وأكرمه، وأعطاه أربعمائة دينار، وقال لابن أبي دؤاد: قم وسقط من عينه، ثم أمر أن لا يمتحن أحد بخلق القرآن. قال ابن كثير في البداية بعد سرد هذه القصة: كما ذكرها الخطيب بإسناد فيه بعض من لا يعرف، وفي تهذيب التهذيب: (6/5) قلت: القصة مشهورة، حكاها المسعودي وغيره، ورواها السياري في الألقاب بإسناد له، قال فيه: إن المناظر هو الشيخ الأذرمي، ورواها محمد بن النجار في ترجمة محمد بن الجهم السامي، قال شيخنا في الأضواء: (4/379) : ويستأنس لهذه القصة بما ذكر الخطيب: (14/18) : وكان ابن ابي دؤاد قد استولى على الواثق، وحمله على التشدد في المحنة، ودعاء الناس إلى القول بخلق القرآن، ويقال: إن الواثق رجع عن ذلك 1هـ. وفي مناقب الإمام أحمد: (350) يقول ابن الجوزي: وقد روي أن الواثق ترك امتحان الناس بسبب مناظرة جرت بين يديه، رأى أن الأولى ترك الامتحان، وقال في: (356) : قلت: وقد روي أن الواثق رجع عن القول بخلق القرآن قبل موته 1هـ، قال شيخنا في الأضواء: (4/380) وعلى كل حال فهذه القصة لم تزل مشهورة عن العلماء، صحيحة الاحتجاج، فيها إلقاء الخصم الحجر، وحاصل هذه القصة التي ألقم بها هذا الشيخ – الذي كان مكبلاً بالقيود، ويراد قتله – أحمد بن أبي دؤاد حجراً، وهو هذا الدليل العظيم، والذي هو السَّبْر والتقسيم، فكان الشيخ المذكور يقول لابن أبي دؤاد: مقالتك هذه التي تدعو الناس إليها لا تخلو بالتقسيم الصحيح من أحد أمرين: إما أن يكون النبي – صلى الله عليه وسلم –، وخلفاؤه الراشدون – رضي الله تعالى عنهم 0 عالمين بها، أو غير عالمين بها – ولا واسطة بين العلم وغيره، فلا قسم ثالث ألبتة، ثم إنه رجع بالسَّبْر الصحيح إلى القسمين المذكورين، فبين أن السَّبْر الصحيح يظهر أن أحمد بن أبي دؤاد ليس على كل تقدير من التقديرين، ما على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان عالماً بها، هو وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم – وتركوا الناس، ولم يدعوهم إليها، فدعوة ابن أبي دؤاد إليها مخالفة لما كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم – من عدم الدعوة إليها، وكان يسعه ما وسعهم. وإما على كون النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم – غير عالمين بها، فلا يمكن ابن أبي دؤاد أن يدعي أنه عالم بها، مع عدم علمهم بها، فظهر ضلاله على كل تقدير، ولذلك سقط من عين الواثق، وترك الواثق لذلك امتحان أهل العلم، فكان هذا الدليل العظيم أول مصدر تاريخي لضعف هذه المحنة الكبرى، حتى أزالها الله بالكلية على يد المتوكل، وفي هذا منقبة تاريخية عظيمة لهذا الدليل المذكور.

وقد أمرنا ربنا – تعالى شأنه – بالنظر إلى بداية الإنسان والتأمل في أصل تكوينه، فقال – جل جلاله –: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (¬1) . إنها آية عظيمة، جليلة فخيمة، حيث أن تلك النطفة المختلطة من ماء الرجل والمرأة (¬2) عندما تستقر في رحم الأنثى، ويأذن ربنا اللطيف الخبير بتكوينها، وخلق بشر منها، تتعلق بالرحم، وتكون لاصقة به، وكلما مضى عليها زمن ازداد لصوقها، وقوي تماسكها، فتحول بعد أربعين إلى علقة، ثم إلى مضغة، ثم إلى عظام تكسى بلحم، ولا يزال الجنين في ازدياد في الحجم، وشدة تعلق بالرحم، حتى يصل إلى غاية يمكنه الاستغناء فيها عن رحم أمه لو خرج منه فيقل تماسكه بالرحم، ويصاحب ذلك كبر حجمه، وثقل وزنه، ونشاط جسمه، ليسهل عليه الخروج، عندما يأذن له بذلك الملك المعبود. ¬

_ (¬1) الآية: (5-7) من سورة الطارق، والترائب جمع تريبة، قال ابن الجوزي في تفسير زاد المسير: (9/83) قال الزجاج: قال أهل اللغة أجمعون: الترائب: موضع القلادة من الصدر. (¬2) كما قال ربنا – جل جلاله –: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} الإنسان2، والنطفة والنطافة: القليل من الماء، والجمع نطف ونطاف، قال أبو منصور اللغوي العرب تقول للمويهة القليلة: نطفة، وللماء الكثير نطفة، وهو بالقليل أخص وبه سمي المني نطفة لقلته، قال ابن منظور: وتقول العرب: نطف ينطف إذا قطر قليلاً قليلاً، انظر جميع ذلك في اللسان: (11/49) "نطف" وعلى هذا فالمني سمي نطفة لقلته، ولكونه يقطر قليلاً قليلاً، والنطفة تقال لمني الرجل والمرأة كما هو دليل آية الإنسان " مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ " أي أخلاط من ماء الرجل والمرأة، حسبما أحبر ربنا في سورة الطارق " يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ".

فحال الأجنة في بطون أمهاتها، كحال الثمار على أشجارها، عندما تبلغ غايتها، ويتم نضجها، لا يبقى إلا انفصالها، لثقلها، وكمالها، وضعف العروق الممسكة بها، وهكذا الجنين تنتهك عنه تلك الأغشية وتنفصل العروق التي تمسكه بين المشيمة والرحم، وتنصب تلك الرطوبات المزلقة، فتعينه بإزلاقها وثقله وانتهاك الحجب وانفصال العروق على الخروج، فينفتح الرحم انفتاحاً عظيماً جداً، ولابد مع ذلك من انفصال بعض المفاصل العظيمة، ثم تلتئم في أسرع زمان وقد اعترف بذلك حذاق الأطباء والمشرحين، فقالوا: لا يتم ذلك إلا بعناية إلهية، وتدبير تعجز عقول الناس عن إدراك كيفيته، فسبحان الله رب العالمين، وتبارك الله أحسن الخالقين (¬1) . إي وربي لا يتم خروج المولود إلا بعناية إلهية، ورعاية ربانية، وأكثر الخلق في غفلة عن هذه القضية، كما قال رب البرية – جل وعلا –: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} عبس 17-20. ¬

_ (¬1) انظر هذا مع زيادة عليه في تحفة المورود بأحكام المولود: (224-227) .

تأمل ذلك يا عبد الله حق التأمل، واعلم أن جميع الخلائق لو اجتمعوا على إعادة المولود إلى المكان الذي خرج منه لعجزوا، كما أنهم لو اجتمعوا على تكوينك ورعايتك في بطن أمك وقد أحاطت بك الظلمات لعجزوا وفشلوا وخسروا، فلا متصرف في ذلك، ولا متعهد لما هنالك إلا الرب المالك، قال الله – جل شأنه –: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} النجم32، قال – جل جلاله –: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (¬1) . وفي تلك الظلمات ركب رب الأرض والسموات العظام ببعضها، وكساها لحماً، وجعل فيها العروق والعصب، وفتح مجاري البول والغائط، وفتح العيون والآذان، وفرق الأصابع وشد رؤوسها بالأظافر إلى غير ذلك من غرائب صنعه، وعجائبه، وكل هذا في تلك الظلمات. لا إله إلا الله، وسبحان الله كيف كانت تلك النطفة وإلام صارت، يقول ربي – جل ثناؤه –: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون 12-14. ¬

_ (¬1) من سورة الزمر: (6) والظلمات الثلاث في قول أكثر المفسرين كما في تحفة المودود: (194) فهو قول الجمهور كما في زاد المسير: (7/164) ولم يذكر سواه ابن كثير في تفسيره: (4/46) وشيخنا في الأضواء: (5/27) هي: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة التي هي كالغشاوة والوقاية على الولد.

إن تلك الصورة المهينة التي كانت في غاية الحقارة بُدِلت إلى صورة فخيمة كريمة في منتهى الجلالة، كما قال الله – تبارك وتعالى –: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (¬1) . حقاً إن صورة الإنسان أجمل صور المخلوقات وأبهاها، وأظرفها وأحلاها، وفي تلك الصور من الآيات العظام ما يسوق المؤمن لعبادة الله ذي الجلال والإكرام، كما أشار إلى ذلك الكلام الرحمن: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الذاريات21. ¬

_ (¬1) من سورة التين: 4 ومن طريف ما يُروى ما في تفسير الرازي: (32/11) ، والسراج المنير: (4/558) أن عيسى بن يوسف الهاشمي كان يحب زوجته حباً شديداً، فقال لها يوماً: أنت طالقٌ ثلاثاً إن لم تكوني أحسن من القمر، فنهضت، واحتجبت عنه، وقالت طلقتني، فبات بليلةٍ عظيمة، فلما أصبح غدا على دار المنصور، فأخبره الخبر، فاستحضر الفقهاء، واستشارهم، فأفتى الكل بالحِنْث إلا يحيى بن أكثم فإنه قال لا يحنث، فقيل له: خالفت شيوخك، فقال: الفتوى بالعلم، ولقد أفتى من هو أعلم منا، وهو الله - جل وعلا – فقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} التين4 فالإنسان أحسن الأشياء ولا شيء أحسن منه، نسأل الله الكريم الغفار – كما أعطانا أحسن الأشكال – أن يوفقنا لأحسن الأفعال، وأن يعاملنا بأحسن الفِعَال، فيتجاوز عن ذنوبنا، ويستر عيوبنا، ويكرمنا بالأنس به في الدنيا، والنظر إلى وجهه الكريم في الآخرة، إنه سميعٌ مجيبٌ.

ثم تَفَّكرْ – يا عبد الله – في رعاية الله لك، وعنايته بك بعد خروجك من الدنيا، حيث والى ربنا عليك إنعامه وبره، وواصل إحسانه ولطفه، فساق لك غذاءً خالصاً سائغاً، موافقاً لتغذيتك وصحتك، وفي تكوين تلك الغذاء من الأعاجيب العجيبة، والأسرار البديعة، والحكم العالية الجليلة، التي تضطر صرائح العقول وتلجئها إلى الإقرار بأن فاعل ذلك هو الله الحكيم الرحيم الغفور، وبيان ذلك كما قرر الإمام الرازي – عليه رحمة الله – في تفسيره، وإليك كلامه مع طوله، ففيه ما يقوي الإيمان، ويربط القلوب بالرحيم الرحمن. الأول: خلق الله – سبحانه وتعالى – في أسفل المعدة منفذاً يخرج منه ثُفْلُ الغذاء فإذا تناول الإنسان غذاءً، أو شَرْبة ً رقيقة ً انطبق ذلك المنفذ انطباقاً كلياً لا يخرج منه شيء من ذلك المأكول والمشروب إلى أن يكمل انهضامه في المعدة، وينجذب ما صفا منه إلى الكبد ويبقى الثقل هنالك فحينئذ ينفتح ذلك المنفذ، وينزل منه ذلك الثُّفْل. ... وهذا من العجائب التي لا يمكن حصولها إلا بتدبير الفاعل الحكيم، لأنه متى كانت الحاجة إلى بقاء الغذاء في المعدة حاصلة انطبق ذلك المنفذ، وإذا حصلت الحاجة إلى خروج ذلك الجسم عن المعدة انفتح، فحصول الانطباق تارة والانفتاح أخرى بحسب الحاجة وتقدير المنفعة مما لا يتأتى إلا بتقدير الفاعل الحكيم. الثانية: أود الله – جل جلاله – في الكبد قوة تجذب الأجزاء اللطيفة الحاصلة في ذلك المأكول، أو المشروب، ولا تجذب الأجزاء الكثيفة، وخلق في الأمعاء قوة تجذب تلك الأجزاء الكثيفة التي هي الثُّفْل، ولا تجذب الأجزاء اللطيفة ألبتة، ولو كان بالعكس لاختلفت مصلحة البدن، ولفسد نظام هذا التركيب.

الثالث: أودع الله – سبحانه وتعالى – في الكبد قوة ً هاضمة ً طابخة ً، حتى أن تلك الأجزاء اللطيفة تنطبخ في الكبد وتنقلب دماً، ثم إنه – تعالى – أودع المرارة قوة ً جاذبةً للصفراء وفي الطِّحال قوة ً جاذبة ً للسوداء، وفي الكِلْية قوة ً جاذبة ً لزيادة المائية، حتى يبقى الدم الصافي الموافق لتغذية البدن، وتخصيص كل واحد من هذه الأعضاء بتلك القوة والخاصية لا يمكن إلا بتقدير الحكيم العليم. الرابع: وفي الوقت الذي يكون الجنين في رحم الأم يَنْصَبُّ من ذلك الدم نَصِيبٌ وافر إليه حتى يصير مادة لنمو أعضاء ذلك الولد، وازدياده، فإذا انفصل ذلك الجنين عن الرحم ينصب ذلك النصيب إلى جانب الثدي، ليتولد منه اللبن الذي يكون غذاءً له، فإذا كبر الولد لم ينصب ذلك لا إلى الرحم، ولا إلى الثدي، بل ينصب على مجموع بدن المتغذي، فانصباب ذلك الدم في كل وقت إلى عضو آخر انصباباً موافقاً للمصلحة والحكمة لا يتأتى إلا بتدبير العزيز الحكيم. الخامس: عند تولد اللبن في الضِّرْع يحدث الله - جل جلاله – في حُلْمة الثدي ثقوباً صغيرة ومساماً ضيقة، وجعلها بحيث إذا اتصل المص، أو الحلب بتلك الحلمة انفصل اللبن عنها في تلك المسام الضيقة، ولما كانت المسام ضيقة جداً فحينئذ لا يخرج منها إلا ما كان في غاية الصفاء واللطافة، وأما الأجزاء الكثيفة فإنه لا يمكنها الخروج من تلك المنافذ الضيقة فتبقى في الداخل والحكمة في إحداث تلك الثقوب الصغيرة، والمنافذ الضيقة في رأس حُلْمة الثدي أن يكون ذلك كالمصفاة، فكل ما كان لطيفاً خرج، وكل ما كان كثيفاً احتبس في الداخل، ولم يخرج، فبهذا الطريق يصير اللبن خالصاً موافقاً لبدن الصبي سائغاً للشاربين.

السادس: ألهم الله الكريم ذلك الصبيّ إلى المص، فإن الأم كلما ألقمت حُلْمة الثدي في فم الصبيّ فذلك الصبيّ في الحال يأخذ في المص، فولا أن الإله الرحيم ألهم ذلك الطفل الصغير ذلك العمل المخصوص لم يحصل الانتفاع بتخليق ذلك اللبن في الثدي. السابع: اللبن مخلوقٌ من فضلة الدم، والدم خلق من الغذاء الذي تم تناوله، وقد حصل في اللبن أجزاء ثلاثة في طبائع متضادة، فما فيه من الدهن يكون حاراً رطباً، وما فيه من المائية يكون بارداً رطباً، وما فيه من الجُبْنِيَّة يكون بارداً يابساً، وهذه الطبائع ما كانت حاصلة في الغذاء الذي تم تناوله، فظهر بهذا أن هذه الأجسام لا تزال تنقلب من صفة إلى صفة، ومن حالةٍ إلى حالة، مع أنه لا يناسب بعضها بعضاً، ولا يشاكل بعضها بعضاً، وذلك دليلٌ على حدوث تلك الأحوال بتدبير حكيم رحيم يدبر أحوال هذا العالم على وفق مصالح العباد، فسبحان من تشهد جميع ذرات العالم الأعلى والأسفل بكمال قدرته، ونهاية حكمته ورحمته، وله الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تفسير الرازي: (20/66-67) ، ونقله باختصار الشربيني في السراج المنير: (2/242-243) .

والمتبصر في حال المولود حين ولادته يرى أن النفوس الإنسانية في أول خلقتها أقل فهماً وذكاءً من فطنة سائر الحيوانات، ألا ترى ولد الدجاجة لما يخرج من قشر البيضة يميز بين العدوِّ والصديق، فيهرب من الهرة، ويلتجئ إلى الأم، ويميز بين الغذاء الذي يوافقه، والغذاء الذي لا يوافقه، وأما ولد الإنسان فإنه حال انفصاله عن بطن الأم لا يميز ألبتة بين العدوَّ والصديق ولا بين الضار والنافع، فظهر أن الإنسان في أول الحدوث أنقص حالاً، وأقل فطنة من سائر الحيوانات، ثم إنه بعد يقوى عقله، ويعظم فهمه، ولا يدانيه في ذلك حيوان ما، فانتقال الإنسان من تلك البلادة المفرطة إلى هذه الكياسة المفرطة لابد وأن يكون بتدبير إلهٍ مختار حكيم ينقل الأنفس الإنسانية من نقصانها إلى كمالاتها، ومن جهالاتها إلا معارفها بحسن الحكمة والاختيار، كما قال العزيز الغفار: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} وقال – جل وعلا –: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬1) . ¬

_ (¬1) الآيتان من سورة النحل: (4، 78) وانظر مفاتيح الغيب: (19/225-226) فمنه أخذ تقرير ذلك الكلام، وفيه في: (4/201) عن عليّ – رضي الله تعالى عنه –: "سبحان من بصَّر بشحم وأسمع بعظم وأنطق بلحم"، وهو في روح البيان: (1/13) دون نسبة إلى أحد.

ومما ينبغي التنبه له غاية الانتباه، ومراعاته أتم المراعاة، أن الله الكريم الذي تعهد الإنسان بالتربية الرفيقة عند ما كان في ظلمات ثلاث، ثم والى عليه إحسانه وبره بعد خروجه من بطن أمه أتم عليه نعمه، وأسبغ عليه حاجته في جميع مراحل حياته، ليربط قلبه به، ويخلصه من العبودية لغيره، فجعل ربنا – جل جلاله – اليسر والسهولة في تحصيل الحاجات بمقدار الاحتياج إليها، فكلما كانت الحاجة إلى الشيء أشد كان وجدانه أسهل وأيسر، ولذلك لما كان احتياج الإنسان إلى الهواء أعظم الحاجات حتى لو انقطع عنه لحظة لمات كان وجدانه أسهل من وجدان كل شيء، وبعد الهواء الماء، فإن الحاجة إلى الماء – أيضاً – شديدة لكن دون الحاجة إلى الهواء، ولذلك سهل وجدان الماء لكن دون سهولة وجدان الهواء –، فوجدان الهواء أسهل وأيسر، لأن الماء لابد فيه من تكلف الاغتراف، بخلاف الهواء، فإن الآلات المهيأة لجذبه حاضرة أبداً، ثم يلي الحاجة إلى الماء الحاجة إلى الطعام، وهي مع شدتها وضرورتها دون الحاجة إلى الماء فلذلك كان تحصيل الطعام، أصعب من تحصيل الماء. ويلي الحاجة إلى الطعام الحاجة إلى الملابس، وهي مع عدم الاستغناء عنها فإن الاحتياج إليها دون الاحتياج إلى الطعام، لذلك كان تحصيلها أصعب من تحصيل الطعام. وهكذا فكلما خفت الحاجة إلى الشيء، كلما صعب الحصول عليه، ففي تحصيل الكماليات من أنواع الزينة والجواهر ما فيه من الصعوبة، والأمر كما قال الشاعر: سبحانَ مَنْ خَصَّ القليلَ بِعِزَّهِ ... والناسُ مُسْتَغْنُونَ عن أجْنَاسِهْ وأذلَّ أنْفاسَ الهواء ِ وكُلُّ ذِي ... نَفَس ٍ لمُحْتاج ٌ إلى أنْفَاسِهْ (¬1) ¬

_ (¬1) انظر هذا التحليل والتقرير في مفاتيح الغيب: (4/201) .

.. وبالختام فما في الإنسان من آيات عظام، تدل على أن خالقه العزيز الحكيم الرحمن، يستحيل حصرها، والوقوف على عشر معشارها ن وما ظهر لنا من تلك الآيات، يحتاج شرحه إلى مجلدات ويكفيك في ذلك قول رب البريات، وخالق الأرض والسموات: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الذاريات21، قال الإمام القرطبي – عليه رحمة الله تعالى –: أولم ينظروا في ذلك نظر تفكر وتدبر، حتى يستدلوا بكونها محلا ً للحوادث والتغييرات على أنها محدثات، وأن المحدث لا يستغني عن صانع يصنعه، وأن ذلك الصانع حكيمٌ عالمٌ مدبرٌ سميعٌ بصيرٌ متكلمٌ، لأنه لو لم يكن بهذه الصفات لكان الإنسان أكمل منه، وذلك محال، فالإنسان إذا تفكر بهذا التنبيه بما جعل له من العقل في نفسه رآها مدبرة، وعلى أحوال شتى مصرفة، كان نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم لحماً وعظماً، فيعلم أنه لم ينقل نفسه من حال النقص إلى حال الكمال، لأنه لا يقدر على أن يحدث لنفسه في الحال الأفضل التي هي كمال عقله، وبلوغ أشده عضواً من الأعضاء، ولا يمكنه أن يزيد في جوارحه جارحة، فيدله ذلك على أنه في حال نقصه، وأوان ضعفه عن فعل ذلك أعجز، وقد يرى نفسه شاباً ثم كهلا ً وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى حال الشيخوخة والهرم، ولا اختاره لنفسه، ولا في وسعه أن يزايل حال المشيب، ويراجع قوة الشباب. ... فيعلم بذلك أنه ليس هو الذي فعل تلك الأفعال بنفسه، وأن له صانعاًٌ صنعه، وناقلا ً نقله من حال إلى حال، ولولا ذلك لم تتبدل أحواله بلا ناقل ولا مدبر. وقال بعض الحكماء:

.. إن كل شيء في العالم الكبير له نظير في العالم الصغير الذي هو بدن الإنسان، فحواس الإنسان أشرف من الكواكب المضيئة، والسمع والبصر منها بمنزلة الشمس والقمر في إدراك المدركات بها، وأعضاؤه تصير عند البلى تراباً من جنس الأرض وفيه من جنس الماء العروق وسائر رطوبات البدن، ومن جنس الهواء فيه الروح والنَّفس، ومن جنس النار فيه المِرَّة والصفراء، وعروقه بمنزلة الأنهار في الأرض، وكبده بمنزلة العيون التي تستمد منها الأنهار لأن العروق تستمد من الكبد، ومثانته بمنزلة البحر لانصباب ما في أوعية البدن إليها كما تنصب الأنهار إلى البحر، وعظامه بمنزلة الجبال التي هي أوتاد الأرض، وأعضاؤه كالأشجار، فكما أن لكل شجر ورقاً أو ثمراً فكذلك لكل عضو فعل، أو أثر، والشعر على البدن بمنزلة النبات والحشيش على الأرض، ثم إن الإنسان يحكي بلسانه كل صوت حيوان، ويحاكي بأعضائه صنيع كل حيوان، فهو العالم الصغير مع العالم الكبير، مخلوقٌ محدث لصانع واحد لا إله إلا هو، ولا رب سواه (¬1) . ب- الطريق الثاني للاستدلال على توحيد الربوبية: ... الاستدلال به – جل وعلا – عليه، وعلى أفعاله، وصنعه، وهذه الطريقة أعظم من الأولى ولها شأنٌ خطيرٌ، وقدرٌ جليلٌ، وهي طريقة أرباب البصائر، الذين وقفوا على حقائق الأمور وأعطوا كل ذي حق ٍ حقه. ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين بين منازل "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ": (1/60) ، وفي الحكم العطائية: (27-28) : شتان بين من يستدل به، أو يستدل عليه، به عرف الحق لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله، والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه، وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه؟، ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه؟، زاد ابن عباد النَّفَري شارح الحكم: ومتى فقد حتى تكون الآثار الموجودة هي التي تدل عليه؟، وأنشد: عَجِبْتُ لَمِنْ يَبْغي عليكَ شَهادةً ... وَأنْتَ الذي أشْهَدْتَهُ كُلَّ مَشْهَدِ

.. والفرق بين هذه الطريقة والتي قبلها كالفرق بين من يستدل بنفس وجود النهار على وجوده، وبين من يستدل على النهار بآثاره وعلاماته ولوازمه، وشتان شتان ما بين الاستدلالين، قال الإمام ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام تقيّ الدين بن تيمية – قدس الله روحهما – ورفع درجتهما – يقول: كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء؟ وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت: وليسَ يَصِحُّ في الأذهَان ِ شيءٌ ... إذا احتاج النَّهارُ إلى دَلِيل ... قال العلامة ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: ومعلوم أن وجود الرب – تبارك وتعالى – أظهر للعقول والفطر من وجود النهار، ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهمهما (¬1) . وقد قرر الإمام ابن تيمية – روح الله روحه – الاستدلال بهذه الطريقة، وأشاد بها، وهاك خلاصة ما ذكره في ذلك: إذا كان ما سوى الله – جل وعلا – من الموجودات: الأعيان، والصفات يستدل بها سواء كانت حية أو لم تكن، بل ويستدل بالمعدوم، فلأن يستدل بالحي القيوم أولى وأحرى. قالوا ائتِنَا بِبَرَاهِينَ، فَقُلتُ لَهُمْ ... أنّى يقومُ على البُرْهَان ِ بُرْهَانُ ومن أسمائه – جل وعلا – الهادي، ولهذا يذكر عن بعضهم أنه قال: عرفت الأشياء بربي ولم أعرف ربي بالأشياء، وقال بعضهم: هو الدليل لي على كل شيء، وإن كان كل شيء عليه دليلا ً، وقيل لابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – بماذا عرفت ربك؟ فقال: من طلب دينه بالقياس لم يزل دهره في التباس، خارجاً عن المنهاج، ظاعناً في الاعوجاج، عرفته بما عرَّف به نفسه، ووصفته بما وصف به نفسه. فأخبر أن معرفة القلب حصلت بتعريف الله – جل وعلا – وهو نور الإيمان، وأن وصف اللسان حصل بكلام الله، وهو نور القرآن، وهذا كما قال القائل: ¬

_ (¬1) انظر تفسير القرطبي: (2/202-203) ، ونحوه في تفسير روح البيان: (9/158) .

ولذلك قال المشايخ: اليقين واردات ضرورية ترد على النفوس وتعجز عن ردها، قال الشيخ إسماعيل الكوراني (¬1) لمتكلم أنتم تقولون: إن الله يعرف بالدليل، ونحن نقول: إنه تعرف إلينا فعرفناه يعني: أنه تعرف بنفسه، وبفضله. والحق، الحي، القيوم – جل جلاله – هو رب كل شيء ومليكه، ومؤصل كل أصل ومسبب كل سبب وعلة، فهو الدليل والبرهان، والأول والأصل الذي يستدل به العبد ويفزع إليه ويرد جميع الأواخر إليه في العلم، وذلك هو سبيل الهدى وطريقه. والاستدلال بهذه الطريقة أكمل من الاستدلال بالطريقة الأولى وأظهر، قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – وأما الاستدلال بالصانع فله شأنٌ، وهو الذي أشارت إليه الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – بقولهم لأممهم: "أَفِي اللهِ شَكٌّ" من سورة إبراهيم: (10) أي أيُشَكُ في الله حتى يطلب إقامة الدليل على وجوده؟ وأي دليل أوضح وأظهر من هذا المدلول؟ فكيف يستدل على الأظهر بالأخفى؟ ثم نبهوا على الدليل بقولهم: "فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ " (¬2) . قال مقيد هذه الصفحات – غفر الله له جميع السيئات –: الذي يدل على مكانة هذا الدليل ومتانته أمران: ¬

_ (¬1) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (2/18-19) ، والشيخ إسماعيل الكوراني الذي نقل عنه الشيخ ابن تيمية، هو: إسماعيل على الكوراني الزاهد، كان عابداً قانتاً صادقاً أماراً بالمعروف نهاءً عن المنكر، ذا غلظة على الملوك، ونصيحةٍ لهم، توفي سنة (644) بدمشق – عليه رحمة الله تعالى – انظر شذرات الذهب: (5/230) والذيل على الروضتين: (179) . (¬2) انظر مدارج السالكين: (1/60) ، وآية (10) من سورة إبراهيم {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} .

أولهما: أن من أسماء الله الجليل "الهادي" وهذا الاسم المبارك شامل لجميع أنواع الهدايات، وأعلا تلك الهدايات وأكملها، وأعظمها وأكرمها هدايته من اصطفاه وشرح صدره لمعرفته حتى استدل بتلك المعرفة عليه، وعلى صفاته، وأفعاله – جل جلاله – ولا إله غيره. ... فهو الذي هدى قلوب الصادقين إلى معرفته به، وشرح نفوسهم إلى طاعته، وجعل قرة أعينهم بحلاوة مناجاته. ... قال الإمام الغزالي – عليه رحمة الرب الباري – الهادي، هو: الذي هدى خواص عباده أولا ً إلى معرفة ذاته، حتى استشهدوا بها على معرفة ذاته، وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد منه في قضاء حاجاته، فهدى الطفل إلى التقام الثدي عند انفصاله، والفرخ إلى التقاط الحب وقت خروجه، والنحل إلى بناء بيته على شكل التسديس لكونه أوفق الأشكال لبدنه وأحوالها , أبعدها عن أن يتخللها فُرج ضائعة، وشرح ذلك مما يطول، وعنه عبر قول الله – تبارك وتعالى –: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} طه50، وقوله – جل جلاله –: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} (¬1) . ¬

_ (¬1) وانظر المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى: (140-141) ، وانظر أيضاً تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج: (64) ولوامع البينات في شرح أسماء الله – تعالى - الحسنى والصفات: (348-349) ففيهما نحو ما ذكر الغزالي.

الأمر الثاني: غنى الرب – جل جلاله – الذاتي، يدل على كماله وجلاله، وعلى كون المخلوقات بأسرها في قبضته، وتحت تصرفه، فالفقر ذاتي لها، لا ينفك عنها، قال الله – تبارك وتعالى - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فاطر15 قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – بين سبحانه وتعالى في هذه الآية أن فقر العباد إليه أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم، كما أن كونه غنياً حميداً ذاتي له، فغناه وحمده ثابت له لذاته لا لأمر أوجبه، وفقر من سواه إليه ثابت له لذاته لا لأمر أوجبه، فلا يعلل هذا الفقر بحدوث ولا إمكان، بل هو ذاتي للفقير، فحاجة العبد إلى ربه لذاته لا لعلة أوجبت تلك الحاجة، كما أن غنى الرب – سبحانه وتعالى – لذاته، لا لأمر أوجبه غناه، فالفقير بذاته محتاج إلى الغنيّ بذاته، فما يذكر من إمكان وحدوث واحتياج فهي أدلة على الفقر لا أسباب له، ولهذا كان الصواب في مسألة علة احتياج العالم إلى الرب – سبحانه وتعالى – غير القولين اللذين تذكرهما الفلاسفة والمتكلمون، فإن الفلاسفة قالوا: علة الحاجة: الإمكان، والمتكلمون قالوا: علة الحاجة الحدوث، والصواب أن الإمكان، والحدوث متلازمان، وكلاهما دليل الحاجة والافتقار، وفقر العالم إلى الله – جل وعلا – أمر ذاتي لا يعلل، فهو فقير بذاته إلى ربه الغني بذاته (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر طريق الهجرتين وباب السعادتين: (6) وقرر في صفحة: (59) أن حاجات العباد إلى الله – جل جلاله – بعدد أنفاسهم بل أكثر، فالعبد له في كل نفس ولحظة وطرفة عين عدة حوائج إلى الله – جل وعلا – لا يشعر بكثير منها، فأفقر الناس إلى الله – تبارك وتعالى – من شعر بهذه الحاجات وطلبها من معدنها بطريقها 1هـ وقد قرر شيخ الإسلام في كتاب الحسنة والسيئة صفحة: (223) ضمن شذرات البلاتين أن أنفع الدعاء، وأعظمه وأحكمه، دعاء الفاتحة: "اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ" فالعبد محتاج إلى الهدى في كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب، ولا يحصل الاهتداء إلا بالعلم النافع، وإرادة العمل به، ووجود القدرة على ذلك، قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: (320) والمجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، ومالا نريد فعله تهاوناً وكسلا ً مثل ما نريده، أو أكثر منه، أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، فنحن محتاجون إلى الهداية التامة.

فمن عرف ربه بالغنى المطلق، عرف نفسه بالفقر المطلق، وقد حكى الإمام ابن القيم عن شيخه الإمام ابن تيمية – عليهما رحمة الله تعالى – مما يدل على رسوخه في هذا المقام، وإليك عبارته: ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية – قدر الله روحه – من ذلك أمراً لم أشاهده من أحدٍ غيره، وكان يقول كثيراً: مالي شيءٌ ولا مني شيء ولا في شيء، وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت: أنا المُكَدّى وابنُ المُكَدّى ... وهكذا كانَ أبي وجَدّي ... وكان إذا أثني عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعد إسلاماً جيداً، وبعث إليّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه: أنا الفقيرُ إلى ربّ البَريّات ِ ... أنا المسكينُ في مجموع حَالاتي أنا الظلومُ لنفسي، وهي ظالمتي ... والخيرُ إنْ يأتِنا مِنْ عِنْدِهِ ياتي لا أستطيعُ لنفسي جَلْبَ مَنْفَعَةٍ ... ولا عَنِ النفس ِ لي دفعُ المَضَرّاتِ وليسَ لي دونَهُ مَوْلىً يُدَبِرُنِي ... ولا شَفيعٌ إذا حَاطَتْ خَطِيئاتي إلا بإذن ٍ من الرحمن ِ خالقِنا ... إلى الشَّفِيع ِ كما قَدْ جا في الاياتِ وَلسْتُ أمْلِكُ شيئاً دونَه أبَدَاً ... ولا شَريكٌ أنا في بَعْض ِ ذرَّاتِ ولا ظَهيرٌ له كيْ يَسْتَعينَ بهِ ... كما يكونُ لأرْبَابِ الوِلايَاتِ والفَقْرُ لي وَصْفُ ذاتٍ لازِمٌ أبَداً ... كما الغِنى أبَداً وَصْفٌ له ذاتِي وهذه الحالُ حالُ الخَلق ِ أجْمَعِهِمْ ... وَكُلُّهُمْ عِنْْدهُ عَبْدٌ لََهُ آتي فَمَنْ بَغَى مَطْلباً مِنْ غَيْر خَالِقِهِ ... فهْو الجَهُولُ الظلومُ المُشْرِكُ العَاتي والحمدُ للهِ ملءَ الكَوْن ِ أجْمَعِهِ ... ما كانَ مِنْهُ مِنْ بعدُ قَدْ ياتي (¬1) ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين: (1/524-525) وفي الحكم العطائية: (77) : فاقتك لك ذاتيه، وخير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود فاقتك، وترد فيه إلى وجود ذلتك. ... إنْ كُنْتَ مُرْتَاداً بُلوغ َ كَمَال ِ وفي شرح الشَّرنُوبي للحكم العطائية: (65) أبيات لطيفة تدور حول نظم شيخ الإسلام، فدونكها: 0@اللهَ قلْ وَذرِ الوجودَ وما حَوى فالكُلُّ دونَ اللهِ إنْ حَققتَهُ ... عدمٌ على التفصيل ِ والإجْمَال ِ واعْلمْ بأنّك والعوالمُ كُلُّهَا ... لولاهُ في مَحْو ٍ وفي اضْمِحْلال ِ مَنْ لا وُجودَ لِذاتِهِ مِنْ ذاتِهِ ... فوجودُهُ لولاهُ عَيْنُ مُحال ِ والعَارفونَ بربهم لمْ يَشْهدُوا ... شيئاً سوى المُتَكَبّر ِ المُتَعَال ِ ورأواْ سِواهُ على الحقيقةِ هَالِكاًج ... في الحال والمَاضي والاسْتِقْبَال ِ وانظر مجموع الفتاوى: (1/42،46) حيث قرر الإمام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية – أن الأشياء مفتقرة إلى الخالق لذواتها لا لأمر آخر جعلها مفتقرة إليه، بل فقرها لازمٌ لها لا يمكن أن تكون غير فقيرة إليه كما أن غنى الرب – جل جلاله – وصف لازم له، ولا يمكن أن يكون غير غني، وهو غني بنفسه لا بوصف جعله غنياً.

.. وبالختام، فالطريقان سديدان، للاستدلال على الكريم المنان، والطريق الثاني منهج أهل العرفان، أما الطريق الأول فهو أظهر عند العوام، ولذلك عرجوا عليه في البيان، ونبههم عليه آيات القرآن، كما لفت أنظارهم إليه أئمة الإسلام، وقد مر تقرير هذا الدليل ببيان أحوال خلق الإنسان، وإليك ثلاثة أدلة أخرى حسان: 1- قيل لأعرابي: ما الدليل على وجود الرب – جل جلاله –؟ فقال: يا سبحان الله إن البَعْرَ ليدل على البَعير، وإن آثار الأقدام لتدل على المسير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟ 2- سئل الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى – عن الدليل على وجود الخالق، فقال: هذا ورق التوت، طعمه ولونه، وريحه، وطبعه واحد، تأكله دودة القز فيخرج منها الأبْرَيْسم، وتأكله النحل فيخرج منها العسل، وتأكله الأنعام فتلقيه بعراً وروثاً، وتأكله الظباء فيخرج منها المسك، فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحدة. 3- قيل لأحد الصالحين: بم عرفت ربك؟ فقال: بنحلة، بأحد طرفيها تعسل، وبالآخر تلسع والعسل مقلوب اللسع (¬1) . ... وإذا كان هذا الدليل مقبولاً، والمشاركة فيه محمودة، فأقول لو سئلت عن دليل معرفتي بربي: عرفته – جل وعلا – بنقض العزائم، وفتور الهمم، قال الله – تبارك وتعالى –: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} الأنفال24 *موقف المكلف نحو هذا النوع من التوحيد: ... تقدم أن موقف المكلف نحو توحيد العبادة "توحيد الألوهية" ينحصر في أمرين: الالتزام العملي بمضمون ذلك التوحيد مع المحبة، أو الإعراض الفعلي عنه مع الكراهة، فتعلقه بأعمال المكلفين وعزماتهم. ¬

_ (¬1) انظر تفسير الرازي: (2/99-100) ، وتفسير ابن كثير: (1/58-59) ، والحكاية الثالثة في تفسير الرازي فقط فاعلم.

.. أما هذا النوع من التوحيد "توحيد الربوبية" فموقف المكلف نحوه منحصر – أيضاً – في أمرين، لكنه يختلف عن ذينك الأمرين، وذلك لأن المكلف نحو هذا النوع من التوحيد: ? إما أن يقر به بلسانه، ويعتقده بجنانه. ? وإما أن ينكره باللسان، ويجحده بالجنان وباختصار يمكن أن يقال: إن هذا النوع من التوحيد: توحيد علمي قولي نظري، فلا تعلق لفعل المكلف به. وإذا اختلف موقف المكلف نحو هذا النوع من التوحيد عن موقفه نحو توحيد "العبادة" و"الألوهية"، فإن موقف الرسل الكرام – عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام – نحو هذا النوع من التوحيد يختلف عن موقفهم نحو توحيد القصد والطلب، حيث لم يجعلوا توحيد الربوبية محور دعوتهم، وليس ذلك النوع من التوحيد غاية بعثتهم وإرسالهم – عليهم صلوات الله وسلامه –. وسبب ذلك: ... أن توحيد الربوبية أقر بمضمونه الخلق أجمعين، مع أنهم غير الله يعبدون ويطيعون، وإلى الطاغوت يتحاكمون، فعنها يصدرون، وإليها يَرِدُون، فتوحيد الربوبية لا يكفي لخروج الإنسان من الشرك إلى التوحيد الخالص، وإفراد الله بالعبادة، كما بين لنا ربنا – جل وعلا – هذا في آيات كثيرة منها: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} لقمان25 وقوله – جل وعلا –: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} الزخرف9. ... فإن قيل: إن الله – جل وعلا – حكى عن بعض العتاة المفسدين إنكارهم لهذا النوع من التوحيد، فكيف التوفيق بين هذا وبين ما أخبر به ربنا – تعالى شأنه – من تسليم الكافة بهذا النوع من التوحيد؟

.. والجواب – أيدك الله – أن إنكار من أنكر هذا النوع من التوحيد فمن باب الجحود والعناد، وطلب العلو في الأرض بالفساد، مع يقين المنكر في قلبه بحقيقة الأمر قال الله – تبارك وتعالى - {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً} الإسراء 101-102. ... والآية الكريمة – كما ترى – تدل بوضوح على أن فرعون الطاغية يعلم في قرارة نفسه ويوقن بقلبه صدق نبي الله موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – بما وقف عليه من المعجزات العظام ولذلك لم يرد دعواه إلا بالقيلات الفارغة، والمدافعة الباطلة، فقال له كليم الله موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام –: " لَقَدْ عَلِمْتَ " وهذه الآية المباركة التي تقرر علم فرعون بالحقيقة مع إنكاره لها، ومجادلته بالباطل ليدحضها، نظير الآية التي في سورة النمل: (13-14) والتي فيها الإخبار بجحود فرعون العاتي للآيات الكبار، مع استيقانه بأنها من العزيز الجبار، قال الله – جل وعلا –: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} .

.. ولفظ الجحود معناه كما في المفردات: نفي ما في القلب إثباته، وإثبات ما في القلب نفيه، أ. هـ ولذلك قال الإمام ابن كثير – رحمه الله تعالى – " وَجَحَدُوا بِهَا " أي في ظاهر أمرهم " وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ " أي علموا في أنفسهم أنها حق من عند الله – تبارك وتعالى – ولكن جحدوها، وعاندوها وكابروها – " ظُلْماً وَعُلُوّاً ": أي ظلماً من أنفسهم سجية ملعونة " وَعُلُوّاً " أي استكباراً عن اتباع الحق أ. هـ وقال الإمام القرطبي – عليه رحمة الله تعالى –: وهذا يدل على أنهم كانوا معاندين أ. هـ وفي تفسير الرازي – عليه رحمة الله تعالى –: فائدة ذكر "الأنفس" أنهم جحدوها بألسنتهم، واستيقنوها في قلوبهم وضمائرهم، والاستيقان أبلغ من الإيقان أ. هـ ونحوه في روح المعاني (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المراجع المتقدمة على الترتيب: المفردات: 88 حرف الجيم، وتفسير ابن كثير: (3/357) وتفسير القرطبي: (13/163) ، ومفاتيح الغيب: (24/184) ، وروح المعاني: (19/168) وفي مجموع فتاوى شيخ الإسلام: (7/631) وكان فرعون في الباطن عارفاً بوجود الصانع وإنما استكبر كإبليس وأنكر وجوده.

وهذا الحال الذي حكاه ربنا – جل جلاله – عن فرعون المارد هو حال أمثاله من العتاة المنكرين لهذا النوع من التوحيد، إنكارهم قاصر على اللسان مع استيقان الحق بالجنان: "ولا يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال: إن للعالم صانعان، وهما في الصفات والأفعال متماثلان، فالنصارى – عليهم لعنة الله – القائلون بالتثليث لا يثبتون للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض، بل متفقون على أن صانع العالم واحد، ولذلك يقولون: باسم الأب، والابن، والروح القدس، إله واحد، وقولهم في التثليث متناقض في نفسه، وقولهم في الحلول أفسد منه، ولهذا كانوا مضطربين في فهمه، وفي التعبير عنه، لا يكاد أحد منهم يعبر عنه بمعنىً معقول، ولا يكاد اثنان يتفقان على معنىً واحد فإنهم يقولون: هو واحد بالذات، ثلاثة بالأقنوم، والأقانيم يفسرونها تارة بالخواص وتارة بالصفات وتارة بالأشخاص، وقد فطر الله الجليل العباد على فساد هذه الأقوال بعد التصور التام" (¬1) . ... وإذا كان هذا النوع من التوحيد سلم به عامة الناس، واستيقنه كافتهم، ولم يجعله الرسل الكرام – عليهم صلوات الله وسلامه – محور دعوتهم، وليس هو الغاية من رسالتهم وبعثتهم، فلِمَ تكرر ذكره في آي القرآن، وعرض بمختلف الأشكال والألوان؟ ... وإليك الجواب يا طالب العرفان – شرح الله الكريم صدري وصدرك بنور الإيمان، وطاعة الرحمن –: إن توحيد الربوبية سلمت به البرية، وذلك يستلزم (¬2) ¬

_ (¬1) ما بين القوسين مأخوذ من شرح الطحاوية بتصرف يسير: (24-25) ، وفي مجموع الفتاوى: (2/37-38) يقرر شيخ الإسلام – عليه رحمة الرحيم الرحمن – أن توحيد الربوبية لم ينازع في أصله أحد من بني آدم، وإنما نازعوا في بعض تفاصيله، ونحوه في مدارج السالكين: (1/62) . (¬2) تقدم أن توحيد العبادة يتضمن توحيد الربوبية وقررت هنا أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد العبادة ولبيان معنى التضمن والالتزام أقول: دلالة الألفاظ الوظيفية ثلاثة أقسام: الأولى: دلالة المطابقة وهي: دلالة اللفظ على تمام ما وضع له. الثانية: دلالة التضمن وهي: دلالة اللفظ على جزء المعنى في ضمنه. الثالثة: دلالة الالتزام وهي: دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعنى لازم له. انظر روضة الناظر: (2/14) ، وشرح السُلم: (6) ، وإليك أبيات السلم: دلالة اللفظ على ما وافَقَهْ ... يَدْعُونَها دِلالة المُطابَقهْ وجُزْئه تَضَمُناً وما لَزِمْ ... فهو التزامٌ إنْ بِعَقل التزِمْ

توحيد الألوهية، فكما أنه لا خالق ولا مدبر إلا الله – جل وعلا –، فلا ينبغي أن يعبد إلا هو، وإذا كان من سواه لا يملك لنفسه – فضلا ً عن غيره – نفعاً ولا ضراً، وليس له من الأمر شيءٌ، فكيف يسوى مع رب العالمين، أو يعبد من دون الله العظيم؟ ... والمتأمل آيات القرآن الكريم، يرى أن الله يدعو إلى توحيد الألوهية، والالتزام به، عقب سرد الأدلة الدالة على ربوبيته، قال الله – تبارك وتعالى –: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (¬1) . ¬

_ (¬1) الأعراف: (54-56) ، وفي تفسير المنار: (8/456) : بعد أن بين الله – جل وعلا – لأمة الدعوة توحيد الربوبية، وذكرهم بالآيات والدلائل أمرهم بما يجب أن يكون لزاماً لها من توحيد الإلهية، وهو إفراده – تبارك وتعالى – بالعبادة، وروحها ومخها الدعاء فقال: " ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ".

.. وقد قرر الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – العلاقة بين توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية وبين السبب في الإكثار من ذكر الأول فقال: الباب الذي يدخل منه إلى توحيد الألوهية هو توحيد الربوبية، أي: باب توحيد الألوهية هو توحيد الربوبية، فإن أول ما يتعلق القلب بتوحيد الربوبية ثم يرتقي إلى توحيد الألوهية، كما يدعو الله – سبحانه وتعالى – في كتابه بهذا النوع من التوحيد على النوع الآخر، ويحتج عليهم به، ويقررهم به، ثم يخبر أنهم ينقضونه بشركهم به في الألوهية، قال الله – جل وعلا –: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} الزخرف87، أي: فأين يصرفون عن شهادة أن لا إله إلا الله، وعن عبادته وحده، وهم يشهدون: أنه لا رب غيره، ولا خالق سواه وكذلك قوله – تبارك وتعالى –: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} المؤمنون 84-85، فتعلمون أنه إذا كان هو وحده مالك الأرض ومن فيها، وخالقهم وربهم ومليكهم فهو وحده إلههم ومعبودهم، فكما لا رب لهم غيره، فهكذا لا إله لهم سواه، {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} المؤمنون: 86-89، وهكذا قوله – جل وعلا – في سورة النمل: 59-65: {ُقلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ

قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} . ... ولهذا كان الصحيح من القولين في تقدير الآية: أإلهٌ مع الله فعل هذا؟ حتى يتم الدليل فلابد من الجواب بلا، فإذا لم يكن معه إله فعل كفعله، فكيف تعبدون آلهة أخرى سواه؟ فعُلِمَ أن إلهية ما سواه باطلة، كما أن ربوبية ما سواه باطلة بإقراركم وشهادتهم. ... ومن قال: المعنى: هل مع الله إله آخر؟ من غير أن يكون المعنى: فعل هذا، فقوله ضعيف لوجهين: أحداهما: أنهم كانوا يقولون: مع الله آلهة أخرى، ولا ينكرون ذلك.

الثاني: أنه لا يتم الدليل ولا يحصل إفحامهم وإقامة الحجة عليهم إلا بهذا التقدير، أي فإذا كنتم تقولون: إنه ليس معه إله آخر فعل مثل فعله، فكيف تجعلون معه إلهاً آخر لا يخلق شيئاً، وهو عاجز؟ وهذا كقوله – جل جلاله –: {أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الرعد16، وقوله – جل وعلا –: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} لقمان11، وقوله – تبارك وتعالى –: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} النحل17، وقوله – سبحانه وتعالى –: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} (¬1) ¬

_ (¬1) النحل: 20، وقوله: "يدعون" بالغيب قراءة يعقوب وعاصم، وقرأ الباقون بالخطاب "تدعون" كما في تقريب النشر: (132) ، والقراءتان بمعنىً واحد كما في حجة القراءات: (387) ، وصلة الآية بما قبلها: أن الله – جل وعلا – عدد نعمه على عباده حيث سخر لهم ما في السموات والأرض وبين أن ما عداه ليس له مشاركة في شيء من ذلك، وفي هذه الآية شرع ربنا – جل جلاله – في تحقيق كون آلهتهم بمعزل عن استحقاق العبادة، ووضح ذلك غاية الإيضاح بحيث لا تبقى شائبة ريب وذلك عن طريق تعداد أحوالها المنافية لذلك منافاة ظاهرة، وشرحت مع ظهورها للتنبيه على حماقة المشركين حيث لا يفهمون إلا بالتصريح، يضاف إلى هذا أن في بيان حال المعبودات من دون الله بعد نفي المشابهة والمشاركة بينها وبين الله – جل وعلا – إشارة إلى الدليل على ذلك النفي كما في روح المعاني: (14/119) ..

النحل20 وقوله – تبارك وتعالى –: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} الفرقان3، وهو كثير في القرآن، وبه تتم الحجة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين: (1/411-412) ، ونحوه في مجموع الفتاوى: (1/155-156) ، وإغاثة اللهفان: (1/30) ، وإغاثة اللهفان: (2/210) ، ومجموع الفتاوى: (1/156) أن قبيلة نزار كانت تقول في إهلالها بالحج: لبيك اللهم لبيك ... لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك ... تملكه وما ملك فكانوا يوحدونه بالتلبية، ويدخلون معه آلهتهم، ويجعلون ملكها بيده، ولذلك قال الله – جل وعلا - {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} يوسف106، أي: ما يوحدونني بمعرفة حقي، غلا جعلوا معي شريكاً من خلقي.

.. وقد استعمل النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا الأسلوب في دعوة الناس إلى إفراد ربهم بالعبادة، واحتج عليهم بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، ففي سنن الترمذي وغيره عن عمران بن حصين – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبي: "يا حصين كم تعد اليوم إلهاً؟ قال أبي: سبعة، ستة في الأرض، وواحداً في السماء، قال: فأيهم تعبد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: يا حصين أما لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك، قال: فلما أسلم حصين، قال: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: علمني الكلمتين اللتين وعدتني، فقال: قل: اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي" وفي رواية ابن خزيمة: "يا حصين كم إلهاً تعبد اليوم؟ قال سبعة في الأرض، وإله في السماء، قال: فإذا أصابك الضر من تدعو؟، قال: الذي في السماء، قال: فإذا هلك المال من تدعو؟ قال: الذي في السماء، قال: فيستجيب لك وحده، وتشركهم معه" وفي الاستيعاب لابن عبد البر: وروينا عن الحسن البصري – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – أنه قال: بلغنا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لحصين: يا حصين ما تعبد؟ قال: أعبد عشرة آلهة، قال: وما هم، وأيهم؟ قال: تسعة في الأرض، وواحد في السماء، قال: فمن لحاجتك؟ قال: الذي في السماء، قال: فمن لطلبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: فمن لكذا؟ كل ذلك يقول: الذي في السماء، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: فالغ ِ التسعة (¬1) . ¬

_ (¬1) الحديث في سنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب 370: (9/159) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ونقل الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (4/342) تحسين الترمذي للحديث وأقره، وكتاب التوحيد لابن خزيمة: (121) ، والاستيعاب: (1/333) على هامش الإصابة، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات كرواية الترمذي: (424) وكذلك الذهبي في كتاب العلو: (24) ورواه ابن الأثير في أسْدِ الغابة: (2/26) بسنده من طريق الترمذي بروايته، ورواه الذهبي أيضاً من طريق ابن خزيمة برواية ابن خزيمة والحديث رواه مختصراً الإمام أحمد في المسند: (2/444) ، ورواه النسائي في السنن الكبرى بسند صحيح كما في الإصابة: (1/337) ، والحديث قد استشهد به أئمة الإسلام منهم ابن قدامة في لمعة الاعتقاد: (10/11) ، وابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: (1/91) ، وابن القيم في مدارج السالكين: (1/44) مختصراً واستشهد به كاملا ً في إغاثة اللهفان: (1/74) مع عزوه للمسند والترمذي.

فتوحيد الربوبية باب توحيد الألوهية، وقد ولج من ذلك الباب إلى عبادة الملك الوهاب، عدد من الأكياس أولي الألباب، بعد أن كانوا من العتاة الأرجاس في تباب، روى الإمام الحاكم في مستدركه وغيره عن عروة – رحمهم الله جميعاً – قال: فر عكرمة بن أبي جهل يوم الفتح عامداً إلى اليمن فركب في سفينة، فلما جلس فيها نادى باللات والعزى، فقال أصحاب السفينة: لا يجوز ههنا أحد يدعو شيئاً إلا الله وحده مخلصاً، فقال عكرمة: والله لئن كان في البحر وحده، إنه في البر وحده أقسم بالله لأرجعن إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – فرجع إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبايعه فقبل منه، وفي رواية أبي يعلى والبزار بسند رجاله ثقات أن عكرمة لما فر يوم الفتح ركب البحر، فأصابتهم عاصفٌ، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ههنا، فقال عكرمة: لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص، ما ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك عليّ عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً، فأضع يدي في يده، فلأجدنه عفواً كريماً، فجاء فأسلم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المستدرك – كتاب معرفة الصحابة – ذكر مناقب عكرمة: (3/241) ، ورواية أبي يعلى والبزار في مجمع الزوائد: (6/169) كتاب المغازي والسير – باب غزوة الفتح – ورجال أبي يعلى والبزار ثقات كما قال الهيثمي، ورواية أبي يعلى ساقها ابن الأثير في أسْدِ الغابة: (4/70) بسنده، وعزا ابن حجر في الإصابة: (2/496) تخريج الرواية إلى الدارقطني، وابن مردويه أيضاً، وانظر خبر عكرمة وإسلامه في سيرة ابن هشام: (4/92) مع الروض الأنف، والبداية والنهاية: (4/298) ، وكان عكرمة – رضي الله تعالى عنه – يتحدث بعظيم فضل الله عليه حيث شرح صدره للإسلام ونجاه من الشرك والآثام، روى الطبري مرسلا ً عن ابن أبي مُليكة بسند صحيح كما في مجمع الزوائد: (9/385) أن عكرمة كان إذا اجتهد في اليمين، قال والذي نجاني يوم بدر، وكان يأخذ المصحف فيضعه على وجهه ويبكي، ويقول: كلام ربي، كتاب ربي، وقصة وضعه المصحف على وجهه في المستدرك: (3/243) وسنن الدارمي: (2/440) وسند ذلك صحيح إلى ابن أبي مُليكة كما في التبيان في آداب حملة القرآن: (99) .

النوع الثاني من توحيد الإثبات والمعرفة: "توحيد الأسماء والصفات": ... ويقوم هذا النوع من التوحيد على الإيمان – عن طريق اللسان، والجنان – بما وصف الله الكريم نفسه، وبما وصفته به رسله الصادقون – عليهم صلوات الله وسلامه – إثباتاً ونفياً وسيأتي تفصيل ما يتعلق بهذا النوع من أنواع التوحيد، مع التحذير من الفرق الزائغة التي ضلت في هذا النوع من التوحيد، وانحرفت عن المسلك السديد، وزاغت عن المنهج الرشيد فذلك من الموضوعات المقررة في منهج مادة التوحيد. صفوة البحث المتقدم وخلاصته: ينقسم توحيد ذي الجلال والإكرام، إلى ثلاثة أقسام: أولا ً: توحيد الألوهية: ويقال له: "توحيد العبادة" والكلام فيه من باب الإنشاء، إي هو توحيد في القصد والطلب، ولذلك ينحصر موقف المكلف نحوه في: امتثاله مع حبه، أو الإعراض عنه مع بغضه، وهذا النوع من التوحيد، هو الغاية من إيجاد المخلوقات، ولأجله بعث الرسل الكرام بالرسالات – عليهم صلوات الله وسلامه – ويقوم هذا النوع من التوحيد على دعامتين، تتلخصان فيما قاله الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – إياك أريد، بما تريد (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين: (3/398) ، وفيه في: (3/174) وصف جليل لمن هذا شأنه، فدونكه: إن سئل عن شيخه؟ قال: الرسول – صلى الله عليه وسلم – وعن طريقه؟ قال: الاتباع، وعن خرقته؟ قال: لباس التقوى، وعن مذهبه؟ قال: تحكيم السنة، وعن مقصوده ومطلبه؟ قال: "يُرِيدُونَ وَجْهَهُ " الأنعام52 وعن رباطه، وعن خانكاه؟ قال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ} النور وعن نسبه؟ قال: أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه ... إذا افْتخروا بقيس ٍ أو تميم وعن مأكله ومشربه؟ قال: "مالك ومالها، معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء، وترعى الشجر، حتى تلقى ربها" أ. هـ وقوله "مالك ولها" إلخ يشير إلى الحديث الوارد في ضالة الإبل وهو مروي في الصحيحين وغيرهما وسأقتصر في تخريجه على موضع واحد من صحيح البخاري وهو – كتاب العلم – باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره: (1/186) بشرح ابن حجر، ولفظ الحديث عن زيد بن خالد الجهنيّ – رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سأله رجل عن اللقطة، فقال: اعرف وكاءها – أو قال: وعاءها – وعفاصها، ثم عرفها سنة، ثم استمتع بها، فإن جاء ربها فأدها إليه قال: فضالة الإبل؟ فغضب حتى احمرت وجنتاه – أو قال: احمر وجهه – فقال: "ومالك ولها؟ معها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء، وترعى الشجر، حتى تلقى ربها " قال: فضالة الغنم؟ قال: لك، أو لأخيك، أو للذئب".

وقد أعرض أكثر الناس عن هذا النوع من التوحيد، وعكفوا على عبادة الطواغيت. ثانياً: توحيد الربوبية: والكلام فيه من باب الخبر، إذ هو توحيد في الإثبات والمعرفة، وينحصر موقف المكلف نحوه في التصديق، أو التكذيب، ويقوم هذا النوع من التوحيد على الإقرار بأن الله موجود ورب كل شيء ومليكه، وليس في العالم من ينازع في أصل هذا المبدأ، خلا ما وجد من بعضهم من جحود ونكران باللسان، مع كون قلوبهم موقنة به غاية الإيقان. ثالثاً توحيد الأسماء والصفات: والكلام فيه كسابقه، فهو من باب الخبر، وموقف المكلف نحوه منحصر في التصديق، أو التكذيب، وقد نازع في هذا النوع من التوحيد أهل الزيغ والضلالات، معولين في تلك المنازعات والمشاقات، على ما ورثوه عن الروم، واليونان، والفرس من فلسفات، تاركين وراءهم ظهرياً كلام فاطر الأرض والسموات، وهدي خير البريات – صلى الله عليه وسلم – ومسلك المؤمنين والمؤمنات في القرون المفضلات. ... حفظنا الله الكريم من سائر الرديات والبليات، ومَنّ علينا بفضله وكرمه، وواسع جوده ورحمته بأطيب الصفات الزاكيات، إنه سميع قريب مجيب الدعوات. تنبيهات ... تقدم أن توحيد الربوبية مركوز في فطر الناس، كما أقر به الكافة، لكن تنوعت طرق استدلالهم عليه إلى طريقتين: الاستدلال بالصنعة على صانعها، وبالمخلوقات على خالقها، أو الاستدلال بالله – جل وعلا – على الله – تبارك وتعالى – وعلى صفاته وأفعاله، وكل من الطريقتين سديد رشيد وإن كان الثاني أجل وأحكم، وأقوى وأقوم. ... ومع وضوح الأمر في توحيد الربوبية وظهوره فقد أثار عتاة الشياطين من عفاريت الجن ومردة الإنس حوله شبهتين، تكدرت بهما قلوب بعض المؤمنين، وما أسرع زوالهما عندما يعتصم الإنسان بالرحمن، ويعي حقيقة الكلام، ويستعيذ بالله من شياطين الإنس والجان، وإليك تفصيل ذلك يا طالب الهدى والعرفان. الشبهة الأولى:

إذا كان الله – جل وعلا – خالق كل شيءٍ، فمن خلق الله؟ - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً – وإليك الجواب – ألهمنا الله الرشد والصواب –: إن السنة المطهرة أشارت إلى تلك الشبهة الفظيعة المنكرة، وأرشدت إلى دفعها بطرق مقررة ثابتة معتبرة، ففي الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لن يبرح الناس يتساءلون، حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله؟ (¬1) ". ... وقد أرشدنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – إلى ما يلزمنا نحو تلك الشبهة التي يحبك أطرافها شياطين الإنس والجن جهارة وخفية، وتدور تلك الإشارات على واحد من أمرين، وفي الجمع بينهما فوز بالحسنيين: ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب ما يكره من كثرة السؤال ـ ومن تكلف مالا يعنيه: (13/265) ، بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان الوسوسة، وما يقوله من وجدها: (1/121-122) ، ورواه الإمام مسلم عن أبي هريرة أيضاً – نفس المصدر، ورواه أحمد في المسند من رواية أبي هريرة في: (2/282،317) ، ومن رواية أنس في: (3/102) ، ومن روايتهما رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة – باب 152: (1/292-293) ، وأبو عوانة في مسنده: (1/81-82) بألفاظ متقاربة في الجميع ورواه البزار – كما في كشف الأستار عنهم جميعاً – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الناس يقولون: كان الله قبل كل شيء، فما كان قبله؟ ".

الأول: الاستعاذة بالرحمن من وساوس الشيطان، وذلك لأن تلك الشبهة ليس لها ظل من الحقيقة إنما هي هذيان، زخرفة الشيطان، وأوحى به إلى من هو على شاكلته من بني الإنسان، فتولى الإرجاف بها الفريقان، من شياطين الإنس والجان، كما قال ربنا الرحمن: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} الأنعام112،وإذا استعاذ بالله العظيم من الشيطان، صرف عنه ما يزينه له من البهتان، كما دل على ذلك ثلاث آيات من القرآن (¬1) ¬

_ (¬1) الأولي في سورة "الأعراف": 199-200 {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، والثانية في سورة "المؤمنين" 96-98 {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} ، والثالثة في سورة "فصلت" 34-36 {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ، قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره: (1/15) أمر الله – جل وعلا – بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه، ليرده طبعه عما هو في من الأذى بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل، لأنه شرير بالطبع، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن، لا أعلم لهن رابعة 10هـ وقد أشار الإمام ابن الجزري – رحمه الله تعالى – إلى مضمون الآيات الثلاثة كما ذكر ابن كثير فقال في النشر: (1/256) : وقد قلت في ذلك وفيه أحسن الاكتفاء وأملح الاقتفاء: شيطانُنَا المُغْوِيُّ عدوٌّ فاعْتَصِمْ ... باللهِ مِنْهُ والتَج ِ وتَعَوّذِ وَعَدُوّكَ الإنسيّ دَارِ وِدَادَهُ ... تمْلِكْهُ وادْفَعْ بالتي فإذا الذي

وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك، فليستعذ بالله، ولينته (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب بدء الخلق – باب صفة إبليس وجنوده: (6/336) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها: (1/120) ، ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة: (1/294) ، والبغوي في شرح السنة – كتاب الإيمان – باب رد الوسوسة: (1/113) ، وأبو عَوانة في مسنده: (1/82) .

الثاني: استحضار صفات الله – جل وعلا – التي دل العقل على وجوب اتصاف الخالق بها، ولزومها له فبالوقف على ذلك واستحضاره تتلاشى تلك الشبهة الفاسدة، ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله" زاد الإمام مسلم وغيره في وراية أخرى: "ورسله"، وروه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار من حديث عائشة – رضي الله عنهم أجمعين – بسند رجاله ثقات بزيادة أخرى، ولفظ الحديث: "إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقرأ: آمنت بالله ورسله، فإن ذلك يذهب عنه (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان الوسوسة في الإيمان، وما يقوله من وجدها: (1/119-120) وانظره بالرواية الأولي في سنن أبي داود – كتاب السنة – باب في الجهمية –: (5/92) ومسند أبي عَوانة: (1/82) ، ومسند الحُمَيْدي: (1/33) ، ورواية البزار في كشف الأستار: (1/34) ، وانظر زيادة "ورسله" في شرح السنة – كتاب الإيمان – رد الوسوسة –: (1/113) ، وفي المسند: (2/131) ، ورواه في: (5/214) عن خزيمة بن ثابت، وكذلك الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد: (1/32) ورواه ابن أبي عاصم أيضاً من حديث عائشة في كتاب السنة: (1/293) ، والطبراني في الأوسط، والكبير كما في مجمع الزائد: (1/34) ورجاله رجال الصحيح خلا أحمد بن محمد بن نافع الطحان شيخ الطبراني.

.. وإنما كان ذلك القول مُذهِباً لتلك الشبهة، وداحضاً لها، لأن من استحضر صفات الله اللازمة له اندفع عنه ذلك الوهم، بأسرع من اندفاع السهم، فالله الجليل خالق كل شيءٍ، وهو الأول الذي ليس قبله شيءٌ، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء وقد بلَّغ الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – ذلك لأقوامهم ودلت عليه عقول الناس، وهو مركوز في فطرهم، ولذلك ينبغي من اعترته تلك الشبهة أن يقول: آمنت بالله وبالرسول – صلى الله عليه وسلم – زيادة في التسليم، والإيقان، والقبول. ... وقد أمرنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – باستحضار صفات الله اللازمة، عند حدوث تلك الشبهة الغاشمة – روى الإمام أحمد في المسند، وغيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ليَسْألنكم الناس عن كل شيء، حتى يقولوا: الله خلق كل شيء، فمن خلقه؟ قال يزيد بن الأصم (الراوي عن أبي هريرة) فحدثني نَجْمة بن صبيغ السلمي أنه رأى ركباً أتوا أبا هريرة – رضي الله تعالى عنه – فسألوه عن ذلك، فقال: الله أكبر، ما حدثني خليلي – صلى الله عليه وسلم – بشيء إلا وقد رأيته، وأنا أنتظره، قال جعفر (الراوي عن يزيد) بلغني أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا: الله كان قبل كل شيء، والله خلق كل شيء والله كائن بعد كل شيء (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر المسند: (3/539) ، وهو في كتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/292) بسند مفصل لأن جعفر بُرْقان قال بلغني إلخ وجعفر من أتباع التابعين مات سنة خمسين ومائة، وقيل بعدها كما في التقريب: (1/129) ، ورواه البهيقي في الأسماء والصفات: (10-11) ، وفيه قال سفيان قال جعفر بن بُرْقان: فحدثني رجل آخر عن أبي هريرة، قال جعفر كان يرفعه ... الحديث ثم رواه أيضاً عن طريق آخر وفيه: قال عبد الرزاق: قال مَعْمَر وزاد فيه رجل آخر فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقولوا: "الله كان قبل كل شيء ... الحديث".

.. وورد عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – الأمر بقراءة سورة الإخلاص عند وسوسة الشيطان بتلك الشبهة المنكرة، روى ذلك أبو داود وغيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول فذكر نحو الحديث المتقدم: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ، فمن خلق اللهَ؟ فإذا قالوا ذلك، فقولوا: "اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ" ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً، وليستعذ من الشيطان (¬1) . ... فإذا وقف المكلف على صفات الله المذكورة في سورة الإخلاص زال عنه سريعاً ذلك الوسواس لأن كل لفظة في تلك السورة تدحض تلك الشبهة المبتورة. ... فلفظ "الأحد" وإن كان هو والواحد يرجعان إلى أصل واحد إذ أصل "أحد" "وحد" قلبت الواو همزة للتخفيف، فإنهما يفترقان استعمالاً وعرفاً من ثلاث جهات: 1- الواحد يدخل في الأحد، دون العكس. 2- الواحد أصل العدد، والأحد راجع إلى نفي التعدد والكثرة. ¬

_ (¬1) انظر سنن أبي داود – كتاب السنة – باب في الجهمية –: (5/92) ، قال المنذري في تهذيب السنن: (7/91) وأخرجه النسائي، وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وفي إسنادة أيضاً: سلمة بن الفضل قاضي الري ولا يُحتج به أ. هـ، والحديث قد ورد في المسند: (2/387) من طريق آخر عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لا يزالون يسألون حتى يقال: هذا، الله خالقنا، فمن خلق الله؟ قال أبو هريرة: فوالله إني لجالس يوماً إذ قال لي رجل من أهل العراق: هذا، الله خلقنا، فمن خلق الله؟ قال أبو هريرة: فجعلت أصبعي في أذني، ثم صُحْتُ، فقلت: صدق الله ورسوله الله الواحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواًً أحد".

3- الواحد يثبت مدلوله ولا يتعرض لنفي ما سواه، ولذلك يستعمل في الإثبات، تقول: رأيت رجلا ً واحداً، أما الأحد فيثبت مدلوله، ويتعرض لنفي ما سواه، ولذلك يستعمل في النفي، تقول: ما رأيت أحداً، ولذلك لما قال ربنا – جل وعلا –: "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " أتبعه بقوله: "لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" (¬1) وعلى هذا، فلفظ "الأحد" في أسماء الله – جل وعلا – مشعر بوجوده الخاص به، الذي لا يشاركه فيه غيره، فهو واحد في ربوبيته وألوهيته. ... ولفظ "الصمد" يدل على بطلان تلك الوسوسة وفسادها، لأم هذا الاسم الكريم، يدور على معنيين، إليهما ترجع جميع أقوال المفسرين: المعنى الأول: السيد الكامل سُؤدُدِهِ، المصمود إليه في الحوائج، المقصود في الرغائب، المستغاث به عند الكروب والمصائب. ¬

_ (¬1) من سورة البقرة: (163) وذلك لأنه قد يخطر ببال أحد خاطر شيطاني فيقول: هب أن إلهنا واحد فلغيرنا إله غيره، فقال "لا إله إلا هو" كما في شرح الطحاوية: (55) وانظر إيضاح ما تقدم وتقريره في مفاتيح الغيب: (32/178-179) ، وفتح الباري: (13/357) ، وفيه: (ب، ج) فقط، وفي روح المعاني: (30/271-272) ، ولوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات: (308-314) تفصيل وإسهاب في الفرق بين الأحد والواحد، وما يتعلق بذلك فانظره إن شئت، وفي شرح أسماء الله الحسنى للزجاج: (58) : قال أهل العربية: "الأحد" أصله "وحد" ثم قلبت الواو همزة، وهذا في الكلام عزيز جداً أن تقلب الواو المفتوحة همزة ولم نعرف له نظيراً إلا أحرفاً يسيرة منها: أناة، وانظر لسان العرب "وحد": (4/461) .

المعنى الثاني: الذي لا جَوْفَ له ولا عَيْبَ فيه، فهو الذي يُطعِم ولا يُطعَم، ويَغلب ولا يُغلب، وهو الغنيّ عن العالمين (¬1) . ... والمعنيان – كما ترى – يستأصلان تلك الوسوسة، ويذهبانها، لأن فرض كونه مخلوقاً لغيره يتنافى مع السيادة الكاملة، والغنى التام. ... ولفظ "لم يلد" ينفي تلك الشبهة الشنيعة أيضاً، لأنه إذا كانت ولادته لغيره مستحيلة في حقه – جل وعلا – لاستلزام ذلك ثلاثة محاذير لا يمكن أن يتصف بواحد منها ربنا العليّ الكبير، وهي: 1- استدعاء الولادة انفصال مادة منه، وذلك يتنافى مع ما تقدم من كونه "أحداً"، "صمداً". 2- اقتضاء كون المولود من جنس والده، والله – جل وعلا – ليس كمثله شيء، فهو "أحد" ليس يجانسه أحد. 3- الغرض من الولد: الإعانة، وامتداد الأثر، عن طريق مساعدة الولد، وقيامه بعد والده، وهذا يتنافى مع كونه "صمداً فهو الغني عن العالمين، حي، دائم، باق ٍ، لا يشوب ذلك نقص في حين من الأحايين، وهو ملجأ الخلائق أجمعين (¬2) . فاستحالة ولادته من غيره أعظم، وأظهر. وقوله: "ولم يولد": صريح في بطلان كونه حادثاً لمحدث، ومفعولاً لفاعل، فالمولودية تقتضي ثلاثة أشياء يستحيل قيام واحد منها برب الأرض والسماء وهي: أ) سبق العدم، وذلك يتنافى مع أحدية الله وصمديته. ب) الانفصال من الغير، ولا يمكن اجتماع هذا مع الموصوف بالأحدية والصمدية. ¬

_ (¬1) انظر تفصيل القولين في مفاتيح الغيب: (32/181) ، وزاد المسير: (9/267) والمقصد الأسنى: (126) ولوامع البينات: (315-318) ،وفي أول تفسير سورة الإخلاص لشيخ الإسلام – عليه رحمه الله تعالى – ضمن مجموع الفتاوى: (17/214-504) : "الصمد" للسلف فيه أقوال متعددة قد يُظن أنها مختلفة، وليست كذلك بل كلها صواب، والمشهور منها قولان أ. هـ وهما المذكوران. (¬2) انظر تقرير ذلك في روح المعاني: (30/275) ، وروح البيان: (10/539) ، وانظر تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: (9/616-621) .

جـ) مجانسته لمن ولد منه، ويستحيل اتصاف الأحد الصمد بذلك. (¬1) ¬

_ (¬1) انظر بيان ذلك في روح المعاني: (30/275) ، وروح البيان أيضاً: (10/359) ، ومحاسن التأويل: (17/294) ، والسراج المنير: (4/610) . واعلم أن ربنا – جل وعلا – قدم نفي ولادته لغيره على نفي ولادته من غيره، مع أن المولودية تسبق الوالدية في الشاهد فكل والد مولود دون العكس لأنه وُجد مَنْ نَسَبَ الوالدية إلى الله – جل وعلا – مِنْ مشركي العرب، واليهود، والنصارى، ولم يدع أحد أن له والداً فلهذا بدأ بالأهم. ونفى في هذه السورة الولد عنه – سبحانه وتعالى – بقوله "لم يلد" مع أنه نفاه في سورة أخرى بقوله: "لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً" آخر الإسراء، وأول الفرقان، لأن الولد يكون من جهتين: 1- أن يتولد منه مثله وهذا هو الولد الحقيقي، وهو الولد الصلبي. 2- أن يتخذه ولداً عن طريق التبني دون كونه متولداً منه - فنُفِيّ الأمران عن الرحمن في سور القرآن، وجاء النفي في سورة الإخلاص بصيغة النفي الأخص "لم يلد" لأن هذه السورة مختصة بصفة الله ونسبه، ونفي اتخاذ الولد لا يلزم نفي الولادة، انظر إيضاح ذلك في مفاتيح الغيب: (32/183) ، وروح المعاني: (30/275) ، والسراج المنير: (4/610) ، وتتمة أضواء البيان: (9/616-621) .

.. وقوله "ولم يكن له كفواً أحد": تحقيق لمعنى "الأحد"، "الصمد" فخُتمت السورة الكريمة بما بُدئت به، وقرر في ختامها النفي الوارد في وسطها، لأن نفي الكفء يستلزم نفي الوالدية، والمولودية، كما يستلزم ذلك اللفظ نفي المصاهرة عن الله – جل جلاله – وكل ذلك تأكيد وتقرير وإثبات لمعنى الأحدية، والصمدية، فالله هو الغني المقصود، وهو الإله المعبود، لا مثيل له، ولا عديل، ولا شبيه، ولا نظير في ذاته، وصفاته، وأفعاله، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (¬1) . ¬

_ (¬1) من سورة الشورى: 11، وفي جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن – صلى الله عليه وسلم – من أن "قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن: (107-108) ، والمقصود هنا أن صفات التنزيه يجمعها هذان المعنيات المذكوران في هذه السورة: أحدهما: نفي النقائص عنه وذلك من لوازم إثبات صفات الكمال، فمن ثبت له الكمال التام انتفى عنه النقصان المضاد له، والكمال من مدلول اسم "الصمد". والثاني: أنه ليس كمثله شيء في صفات الكمال الثابتة وهذا مدلول اسم "الأحد"، فهذان الاسمان العظيمان "الأحد"، "الصمد" يتضمنان تنزيهه عن كل نقص وعيب، وتنزيهه في صفات الكمال أن لا يكون له مماثل في شيء منها، واسمه "الصمد" يتضمن إثبات جميع صفات الكمال فتضمن ذلك إثبات جميع صفات الكمال، ونفي جميع صفات النقص، فالسورة تضمنت كل ما يجب نفيه عن الله – جل وعلا – وتضمنت أيضاً كل ما يجب إثباته من وجهين: من اسمه "الصمد" ومن جهة أن ما نُفي عنه من الأصول والفروع والنظراء مستلزم ثبوت صفات الكمال أيضاً، فإن كل ما يُمْدح به الرب – تبارك وتعالى – من النفي فلابد أن يتضمن ثبوتاً، بل وكذلك كل ما يمدح به من شيء، من الموجودات من النفي فلابد أن يتضمن ثبوتاً وإلا فالنفي المحض معناه عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء فضلا ً عن أن يكون صفة الكمال.

.. فهذه السورة صفة الرحمن، ونسب الكريم المنان، كما ثبت ذلك عن خير الأنام، نبينا محمد – عليه الصلاة والسلام – ومن قرأها عند نزعات الشيطان، ذهب عنه الوساوس والأوهام. ... وقد ورد في الصحيحين وغيرهما التصريح بكونها صفة الرحمن فعن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجلا ً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ "قل هو الله أحد" فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟، فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن – عز وجل – فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: أخبروه أن الله يحبه" (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – أول كتاب التوحيد –: (13/347) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب صلاة المسافرين – باب فضل قراءة "قل هو الله أحد": (1/557) ، وسسن النسائي – كتاب افتتاح الصلاة – باب الفضل في قراءة "قل هو الله أحد": (2/132) ، والأسماء والصفات للبيهقي: (280) وانظر فتح الباري: (2/258) لتعلم اسم الرجل المبهم أمير السرية فقد قيل: إنه كلثوم بن الهدم.

.. وورد في المسند، وسنن الترمذي، وغيرهما التصريح بكون سورة الإخلاص نسب الرحمن، وبَوّبَ الإمام ابن أبي عاصم على ذلك كتاباً بهذا الخصوص في كتاب السنة، فقال: باب نسبة الرب – تبارك وتعالى – ورووا بأسانيدهم عن أبي بن كعب – رضي الله عنه – أن المشركين قالوا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم –: انْسُبْ لنا ربك، فأنزل الله تعالى: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ"، و"الصمد": الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت، ولا يورث، "ولم يكن له كفواً أحد"، قال: لم يكن له شبيه، ولا عِدْلٌ، وليس كمثله شيء (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المسند: (5/134) ، وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة الإخلاص –: (9/86) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/297-298) ورواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد: (41) ، والبيهقي في الأسماء والصفات: (9، 32،207) ، والطبري في تفسيره: (30/221) ، والحاكم في المستدرك – كتاب التفسير – سورة الإخلاص: (2/540) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وأخرجه البخاري في تاريخه، والبغوي في معجمه، وابن المنذر، وأبو الشيخ في العظمة كما في الدر المنثور: (6/410) وفتح القدير: (5/513) ، والحديث من جميع طرقه يدور على أبي جعفر الرازي واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان وهو صدوق سيء الحفظ فهو ضعيف كما في التقريب: (2/406) ، ومع هذا فقد صححه الحاكم، وأقره الذهبي، ولعل ذلك لشواهده، ولذلك قال الشيخ البنا في بلوغ الأماني: (18/344) والحديث له طرق كثيرة تَعْضُدُهُ أ..هـ، فرواه ابن جرير: (30/221) عن عكرمة مرسلا ً ورواه هو أيضاً وابن الضريس كما في الدر: (6/410) والترمذي – المكان المتقدم – عن أبي العالية مرسلا ً، قال الترمذي: هذا أصح، أي من الحديث المتصل عن أبي العالية عن أبيّ بن كعب المتقدم، ورواه ابن جرير أيضاً والطبراني في الأوسط، وأبو يعلى كما في مجمع الزوائد: (7/146) ، وأبو نعيم في الحلية: (4/335) ، والبيهقي في الأسماء والصفات: (279) وابن المنذر كما في الدر: (6/410) وحَسّنَ السيوطي إسناده عن جابر – رضي الله عنه – بلفظ: جاء أعرابي إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: انْسُبْ لنا ربك ... الحديث، ورواه الطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – بلفظ: قالت قريش ... الحديث.

وأخرجه ابن جرير وغيره عن قتادة – رحمه الله تعالى – قال: جاء ناسٌ من اليهود إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: انْسُبْ لنا ربك، فنزلت: "قل هو الله أحد" حتى ختم السورة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تفسير بن جرير: (30/222) ، ورواه عن قتادة ابن المنذر، وعبد الرازق كما في الدر: (6/410) ورواه ابن جرير أيضاً: (30/221) وابن المنذر كما في الدر: (6/410) عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى – ورواه البيهقي في الأسماء والصفات وابن أبي حاتم وابن عديّ كما في الدر: (6/410) عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – بلفظ: إن اليهود جاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – منهم كعب بن الأشرف، وحييّ بن أخطب فقالوا: يا محمد! صف لنا ربك الذي بعثك، فأنزل الله.... الحديث، ورواه الطبراني بسند رجاله ثقات غير أنه منقطع كما في مجمع الزوائد: (7/146، 9/326) وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الحلية كما في الدر: (6/410) عن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام أن عبد الله بن سلام – رضي الله عنهم – قال لأحبار اليهود: إني أردت أن أحْدِثَ بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل – على نبينا وعليهما الصلاة والسلام – عهداً، فانطلق إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو بمكة، فوافاهم وقد انصرفوا من الحج، فوجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمنىً، والناس حوله، فقام مع الناس، فلما نظر إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: أنت عبد الله بن سلام؟ قال: قلت نعم، قال: ادْنُ، فدنوت منه، قال: أنشدك بالله يا عبد الله بن سلام أما تجدني في التوراة رسول الله – صلى الله عليه وسلم؟، فقلت له: انعت ربنا، قال: فجاء جبريل حتى وقف بين يديْ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: "قل هو الله أحد...." إلى آخر السورة، ورواه أبو الشيخ في العظمة، وأبو بكر السمرقندي في فضائل "قل هو الله أحد" عن أنس – رضي الله تعالى عنه –، ورواه الطبراني في السنة عن الضحاك أيضاً مرسلا ً كما في الدر: (6/410) بنحو ما تقدم. وللتوفيق بين الروايات المتقدمة الدالة على نزول هذه السورة في مكة جواباً للمشركين، وبين هذه الروايات الدالة على نزول السورة في المدينة جواباً لليهود باستثناء رواية حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام الدالة على نزول السورة في مكة بسبب سؤال جَدِّهِ عبد الله بن سلام – رضي الله عنه –. للتوفيق بين ذلك أقول: إن السورة قد تكرر نزولها تعظيماً لشأنها وتفخيماً لقدرها، فنزلت بمكة عندما سأل المشركون، وعبد الله بن سلام أيضاً النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – عن نسب الرحمن – جل جلاله – وعن صفته، ثم نزلت بعد ذلك في المدينة المنورة عندما سأل اليهود رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك مرة أخرى. والمصير إلى هذا الوجه من التقرير هو عول عليه الأئمة المشاهير؛ لأن إعمال الأدلة كلها خير من إهمال بعضها، ولا يصار إلى النسخ أو الترجيح، إلا عند تعذر الجمع الصحيح قال الإمام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: وسورة "قل هو الله أحد" أكثرهم على أنها مكية، وقد ذكر في أسباب نزولها سؤال المشركين بمكة، وسؤال الكفار من أهل الكتاب اليهود بالمدينة، ولا منافاة، فإن الله – جل وعلا – أنزلها بمكة أولاً، ثم لما سُئل نحو ذلك أنزلها مرة أخرى، وهذا مما ذكره طائفة من العلماء، وقالوا: إن الآية أو السورة قد تنزل مرتين أو أكثر أ. هـ: (190) من جواب أهل العلم والإيمان، وإلى هذا جنح الإمام الزركشيّ – رحمة الله تعالى عليه – في البرهان: (1/29-30) حيث قال: وقد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه، وتذكيراً به عند حدوث سببه، وخوف نسيانه ... ومن ذلك ما ورد في "قل هو الله أحد" أنها جواب للمشركين بمكة، وأنها جواب لأهل الكتاب بالمدينة أ. هـ. وقد اضطرب موقف السيوطيّ نحو الروايات المتقدمة فقال في الإتقان: (1/55) : "سورة الإخلاص" فيها قولان لحديثين في سبب نزولها متعارضين، وجمع بعضهم بينهما بتكرر نزولها، ثم ظهر لي بعد ترجيح أنها مدنية، كما بينته في أسباب النزول أ. هـ ولم يبين ذلك في أسباب النزول – رحمه الله تعالى – إنما قال في لباب المنقول: (245) عقيب الروايات الثانية: استدل بهذا على أنها مدنية ولم يزد على ذلك حرفاً. أما الإمام ابن جرير – رحمه الله تعالى – فلم يفعل شيئاً نحو الروايات، إنما قال: (30/221) ذكر أن المشركين سألوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن نسب رب العزة – حل وعلا – فأنزل الله هذه السورة جواباً لهم، وقال بعضهم: بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه، فقالوا: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فَأنْزِلَتْ جواباً لهم 10هـ وهذا المسلك سلكه أكثر المفسرين فسردوا الروايات في ذلك دون جمع أو ترجيح، والمسلك الذي قدمته هو المتعيَّن الذي لا ينبغي سواه، فعضّ عليه بالنواخذ وكن من الشاكرين، والحمد لله رب العالمين.......

ومما ينبغي معرفته والإحاطة به ودرايته، أن السبب الذي من أجله أرشدنا النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الأمرين المتقدمين: الاستعاذة بالله من الشيطان، وقراءة صفة الرحمن – جل جلاله – عند حصول ذلك الزور والبهتان، كونُ تلك الوساوسَ من الهذيان، ومنكر الأوهام، فلا يحتاج ردها إلى قوة بيان، وعظيم حجة وبرهان، وذلك لمنافاتها لما هو مركوز في فطرة الإنسان ويدل على ذلك أمران مُسلّمان، عند أولي النهى والأحْلام، وإليك البيان:

الأول: التسلسل في المؤثرات كالتسلسل في العلل والمعلولات، وهو التسلسل في الفاعلين والمفعولات ممتنع باتفاق العقلاء، لأنه يؤدي إلى ترتيب أمور غير متناهية فيستحيل تسلسل الفاعلين والخالقين، والمحدثين، مثل أن يقول: هذا المُحدَث له مُحدِث، وللمُحدِث مُحدِث آخر إلى مالا يتناهى، فهذا مما اتفقت عليه العقلاء على امتناعه؛ لأن كل مُحدِث لا يوجد بنفسه فهو معدوم باعتبار نفسه، وهو ممكن باعتبار نفسه، فإذا قُدِّرَ من ذلك مالا يتناهى لم تصر الجملة موجودة واجبة بنفسها فإن انضمام المُحدَث إلى المُحدِث، والمَعْدُوم إلى المَعْدُوم، والممكن إلى الممكن لا يخرجه عن كونه مفتقراً إلى الفاعل له، بل كثرة ذلك تزيد حاجتها وافتقارها إلى الفاعل، وافتقار المحدَثَين الممكِنين أعظم من افتقار أحدهما، كما أن عدم الإثنين أعظم من عدم أحدهما، فالتسلسل في هذا والكثرة لا تخرجه من الافتقار والحاجة، بل تزيده حاجة وافتقاراً، فلو قُدِرَ من الحوادث والمعدومات والممكِنات مالا نهاية له، وقُدِرَ أن بعض ذلك معلول لبعض، أولم يُقدَّر ذلك فلا يوجد شيء من ذلك إلا بفعل صانع لها، خارج عن هذه الطبيعة المشتركة المستلزِمة للافتقار والاحتياج، فلا يكون فاعِلها معدوماً ولا مُحدَثاً، ولا ممكِناً يقبل الوجود والعدم، بل لا يكون إلا موجوداً بنفسه واجب الوجود لا يقبل العدم، قديماً ليس بِمُحدَث، فإن كل ما ليس كذلك فإنه مفتقر إلى مَنْ يخلقه وإلا لم يوجد (¬1) . ¬

_ (¬1) هذا نص كلام الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – في منهاج السنة النبوية: (1/162) مع تصرف يسير، وانظر بطلان التسلسل وامتناعه وتعريفه في مجموع الفتاوى: (8/152) والتعريفات: (49) والمواقف: (90) ، وحاشية الأمير: (57-60) ، وفتح الباري: (13/273-274) وفيه أيضاً: (6/341) : قال الخطابي قوله: "من خلق ربك" كلام متهافت ينقض آخره أوله، لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقاً، ثم لو كان السؤال متجهاً لاستلزم التسلسل، وهو محال، وقد أثبت العقل أن المُحدَثات مفتقرة إلى مُحدِث فلو كان هو مفتقراً إلى محدِث لكان من المُحدَثات أ. هـ.

وخلاصة هذا الدليل: أنه لو فُرِض أن الله – جل وعلا – خالقاً، فسيعاد السؤال: من خلق ذلك الخالق أيضاً؟ وهكذا كلما يقدر وجود خالق خلق من قبله، يقال أيضاً: من خلقه؟ وذلك مالا نهاية له، وهو مستحيل، لأن الممكنات بأسرها لابد لها من موجود واجب الوجود، غني بذاته، رجح أحد الاحتمالين في حقها: الوجود أو العدم على الآخر، وذلك هو الله رب العالمين، لم يكن قبله شيء، وخلق كل شيء. الثاني: الدور القُبْلي السَّبْقي ممتنع أيضاً باتفاق العقلاء، وهو: توقف الشيء على ما توقف عليه، مثل أن يقال: لا يكون هذا إلا بعد هذا، ولا هذا إلا بعد هذا، أي: لو فرضنا أن زيداً أوجد عمراً، وأن عمراً أوجد زيداً، لزم أن زيداً مُتقدِم على نفسه متأخر عنها، وأن عمراً كذلك، وكون الشيء سابقاً على نفسه مسبوقاً بها مستحيل، فلو فُرِض أن الله – جل وعلا – خلقه خالق، وذلك الخالق إن عاد أمرُ خلقه إلى الله فهذا هو الدور حيث رجع إلى مبدئه وهو مستحيل، وإن عاد أمر خلقِه إلى غير الله واستمر هكذا إلى مالا نهاية فهذا هو التسلسل، وهو مستحيل أيضاً كما عرفت (¬1) . ... وبالختام: فتلك الشبهة باطلة من أساسها عند الأنام، ولا يختلف في ذلك عاقلان؛ لاستلزامها للدور والتسلسل وهما باطلان، فالعلم بانتهاء الموجودات إلى موجود واجب الوجود لذاته مركوز في فطرة الإنسان، وقامت على ذلك الحجة والبرهان، وأوجبته عقول الإنس والجان. ¬

_ (¬1) انظر إيضاح هذا، وتقريره في منهاج السنة النبوية: (1/163) ، ومجموع الفتاوى: (8/153) ، والتعريفات: (93) ، وتحفة المريد: (1/48) ، وحاشية الأمير: (57-58) .

.. ولذلك كان الاسترسال في مناقشة تلك الشبهة وتفنيدها كالاسترسال في مناظرة مكابر ينكر طلوع الشمس مع ظهورها ووضوحها، ولا شك أن الإعراض عن هذا وذاك مما يكرم العقول ولا يهينها، ويحفظ المروءة ويصونها، ويكرم الأديان ولا يشينها، قال الإمام الطِيْبيّ – طيب الله نراه –: إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر، ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج، لأن العلم باستغناء الله – جل وعلا – عن الموجود أمر ضروري لا يقبل المناظرة، ولأن الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلا حيرة، ومن هذا حاله فلا علاج له إلا الملجأ إلى الله – عز وجل – والاعتصام به (¬1) . الشبهة الثانية: تتلخص في أنه إذا كان الله – تبارك وتعالى – خالق كل شيء ومدبره، وهو على كل شيء قدير، فهل يقدِر أن يخلق مثله، أو لا يقدر؟. ¬

_ (¬1) انظر قول الطِيْبيّ في فتح الباري: (6/341) والطيبي بكسر الطاء المشددة نسبة إلى الطِيْب: بُليدة بين واسط وخوزستان كما في مراصد الاطلاع: (2/899) واللباب: (2/394) ، وهو الحسن ابن محمد بن عبد الله الطيبي كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنة، مقبلا ً على نشر العلم متواضعاً حسن المعتقد، شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة، مظهراً فضائحهم، كان يشتغل بالتفسير من شروق الشمس إلى زوالها، ومن ثم على العصر في شرح صحيح البخاري توفي سنة 743هـ بعد أن فرغ من درس التفسير، وتوجه إلى مجلس الحديث، فصلى النافلة وجلس ينتظر الصلاة فقضى نحبه – عليه رحمة الله تعالى – انظر ذلك وغيره من ترجمته العطرة في الدرر الكامنة: (1/156-257) وطبقات المفسرين للداودي: (1/146-147) ، والبدر الطالع: (1/229) وشذرات الذهب: (6/137-138) ، وبغية الوعاة: (1/522-523) وكشف الظنون: (1/720) ، ومفتاح السعادة: (2/101-102) .

وهذه الشبهة يقال: إنها وقعت زمن أمير المؤمنين هارون الرشيد – عليه رحمة الله تعالى – حيث كتب إليه ملك الهند: هل يقدِر الخالق – جل جلاله – أن يخلُق مثله؟ فسأل هارون الرشيد أهل العلم عن ذلك، فبدر شابٌ فقال: هذا السؤال محال؛ لأن المخلوق مُحدَث، والمُحدَث لا يكون مثل القديم، فاستحال أن يقال: يقدَر أن يَخْلُق مثله، أو لا يقدر، كما يستحيل أن يقال في القادر العالم: يقدِر أو يصير عاجزاً جاهلا ً (¬1) . وحاصل تلك الشبهة أنها باطلة متهافتة ينقضُ بعضها بعضاً؛ وذلك لأن الرب – جل وعلا – هو الأول الذي ليس قبله شيء، فكيف سيكون المخلوق بعده مثله؟ هذا تناقض واضح، وهذيان مكشوف، فالمخلوق المدلول عليه في تلك الشبهة المنكرة بـ "يَخْلُقُ" حادث والله – جل جلاله – قديم فأنى يكونان متماثلين؟ ولذلك كان ذلك السؤال من قبيل الهذيان، وساقط الكلام، ولا يقال في الجواب عليه: نعم أو لا، لأن السؤال متناقض فاسد، إنما يصحح للمشتبه السؤال، ليزال عنه الغباء والضلال، ويبين له أن مُتعلِّق قدرة الله – تبارك وتعالى – الممكنات وهي التي يتصور وجودها وعدمها فتنفذ قدرة الله – جل وعلا – ما شاء الله – جل جلاله – من ذلك، أما الواجبات، وهي: ما لا يتصور في العقل عدمها فلا تعلق للقدرة بها لأنه لا يصح إعدامها لأنها لا تقبل العدم ولا يصح أيضاً إيجادها لأنها موجودة، فإيجادها تحصيل حاصل، وكما لا تعلق للقدرة بالواجبات فلا تعلق لها أيضاً بالمستحيلات وهي: ما لا يتصور في العقل، فلو تعلقت القدرة بالمستحيل لما صح إيجاده، لأنه لا يقبل الوجود، ولا يصح أيضاً إعدامه، لأنه معدوم، وذلك تحصيل حاصل. ¬

_ (¬1) الكلام على هذه الشبهة مأخوذ من فتح الباري: (13/274.)

وبذلك تعلم أن هذه الشبهة وما شابهها قد يكون لها في الظاهر شيء من البريق والوجاهة لكن عند التأمل في محتواها يتبين للعاقل أنها في أحط دركات السفاهة والتفاهة، وهذا هو سبيل أهل الزيغ والضلال، تزيين زندقيتهم بمعول من الأقوال، ليخدعوا بذلك بعض قاصري النظر من نساء ورجال، روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن الجوزيّ في كتاب الأذكياء – عليهما رحمة الله تعالى – أن أبا الهُذيل قال: أول ما ناظرت ولي أقل من خمس عشرة سنة، بلغني أن رجلا ً يهودياً قدم البصرة، وقد قطع عامة متكلميهم، فقلت لعمي: يا عم، امض بي إلى هذا اليهودي أكلمه، فقال لي: يابني هذا اليهودي قد غلب جماعة متكلمي أهل البصرة، فمن أخذك أن تُكلم ما لا طاقة لك بكلامه؟ فقلت له: لابد من أن تمضي بي إليه، وما عليك مني غلبني أو غلبته، فأخذ بيدي ودخلنا على اليهودي، فوجدته يقرر الناس بنبوة موسى – علي نبينا وعليه الصلاة والسلام – ثم يجحدهم نبوة نبينا – صلى الله عليه وسلم – ويقول: نحن على ما اتفقنا عليه من صحة نبوة موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – إلى أن نتفق على غيره، فنقر به، قال أبو الهذيل: قد خَلْتُ عليه، فقلت له: أسألك أو تسألني؟ فقال لي: يا بنيّ أوَ ما ترى ما أفعله بمن هو أكبر منك؟ فقلت له: دَعْ عنك هذا واخْتَرْ، إما أن تسألني، أو أسألك؟ قال: بل أسألك، خبرني أليس موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – نبياً من أنبياء الله قد صحت نبوته، وثبت دليله؟ [وثبت دليله] تُقِرُ بهذا، أو تجحده فتخالف صاحبك؟ فقلت له: إن الذي سألتني عنه عن أمر موسى – علي نبينا وعليه الصلاة والسلام – عندي على أمرين، أحدهما: أني أقِرُ بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبينا، وأمَرَ باتباعه، وبشر به وبنبوته، فإن كان عن هذا تسألني فأنا مُقِر بنبوته، وإن كان موسى الذي تسألني عنه لا يُقِرُ بنبوة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – ولم يأمر باتباعه ولا بشر به، فلست

أعرفه، ولا أقر بنبوته بل هو عندي شيطان مَخْزيّ، فتحيّر لمَّا ورد عليه ما قلته له، وقال لي: فما تقول في التوراة؟ قلت: أمر التوراة أيضاً على وجهين، إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى الذي أقرَّ بنبوة محمد – صلى الله عليه وسلم – فهي التوراة الحق، وإن كانت أنزلت على الذي تدعيه فهي باطل غير حق، وأنا غير مصدق بها، فقال لي: أحتاج إلى أن أقول لك شيئاً بيني وبينك فظننت أنه سيقول من الخير، فتقدمت إليه فسارّني فقال: أمُّك كذا وكذا، وأمّ من علمك لا يُكني، وقدر أني أثب به، فيقول: وثبوا بي، وشغبوا عليّ فأقبلت على من كان بالمجلس، فقلت: أعزكم الله، أليس قد وقفتم على مسألته إياي وعلى جوابي إياه؟ قالوا لي: نعم، فقلت: أليس عليه واجب أن يرد على جوابي؟ قالوا: نعم، قلت لهم: إنه لما سارني شتمني بالشتم الذي يوجب الحد، وشتم من علمني، وإنما قدر أن أثب به، فيدعي أنا واثبناه وشغبنا عليه، وقد عرفتكم شأنه بعد انقطاعه، فأخذته الأيدي بالنعال، فخرج هارباً من البصرة وقد كان له بها دين كثير فتركه، وخرج هارباً لما لحقه من الانقطاع (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تاريخ بغداد: (3/366-367) ، وكتاب الأذكياء: (133-134) ، وأشار ابن حجر إلى القصة في لسان الميزان: (5/414) ، فقال: قال أبو الهذيل: أول ما ناظرت لي خمس عشرة سنة فذكر مناظرته مع اليهودي بالبصرة وأبو الهذيل هو: محمد بن الهذيل العلاف ركن المعتزلة، ودعامة المبتدعة، توفي سنة 235 وقيل 227 ومن الإنصاف الاعتراف بفضله ورجاحة عقله في مناظرته لليهودي الخبيث، وانظر حال أبي الهذيل في الكتب المتقدمة وفي شذرات الذهب: (2/85) ، ومقالات الإسلاميين: (1/217) .

وبالختام: إن قلوب الناس على ثلاثة أقسام، قلب محشو بالإيمان، وقلب مملوء بالكفر والطغيان، وقلب فيه طاعة وعصيان، فالأول: خالٍ من الوساوس، والثاني: مملوء بالخبائث، قد استراح منه الشيطان، لأنه ساواه أو زاد عليه في الفجور والطغيان، والثالث: يغير الشيطان عليه عند غفلته ويهرب منه عند يقظته، وللإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – في هذا كلام محكم متين، فدونكه لتأخذ بأحسن ما فيه، وتكون من المفلحين المهتدين. القلوب الثلاثة: قلب خالٍ من الإيمان، وجميع الخير، فذلك قلب مظلم، قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه؛ لأنه قد اتخذه وطناً، وتحكم فيه بما يريد، وتمكن منه غاية التمكن. القلب الثاني: قلب استنار بنور الإيمان، وأوقد فيه مصباحه لكن عليه ظلمة الشهوات، وعواصف الأهوية، فللشيطان إقبال وإدبار ومجالات ومطالع، فالحرب دول وسجال وتختلف أحوال هذا الصنف بالقلة والكثرة، فمنهم من أوقات غلبته لعدوه وأكثر ومنهم من هو تارة وتارة. القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان، قد استنار بنور الإيمان، وانقشعت عنه حجب الشهوات وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق ولذلك إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم، فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رُجِم فاحترق وليست السماء بأعظم حرمة من المؤمن، وحراسة الله – جل وعلا – له أتم من حراسة السماء فالسماء متعبد الملائكة، ومستقر الوحي، وفيها أنوار الطاعات، وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة والمعرفة والإيمان، وفيه أنوارها، فهو حقيق أن يُحرس ويُحفظ من كيد العدو، فلا ينال منه شيئاً إلا خطفة ً، وقد مُثِل ذلك بمثال حسن وهو: ثلاث بيوت: بيت المَلِك فيه كنوزه وذخائره وجواهره وبيت العبد فيه كنوز العبد وذخائره وجواهره، وليست كجواهر الملك وذخائره، وبيتٌ خالٍ صفر لا شيء فيه، فجاء اللص يسرق من أحد البيوت، فمن يسرق؟.

فإن قلت: من البيت الخالي كان محالاً، لأن البيت العالي ليس فيه شيء يسرق، ولهذا قيل لابن عباس – رضي الله عنهما –: عن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها، فقال: وما يصنع الشيطان بالقلب الخرب؟. وإن قلت: يسرق من بين الملك كان ذلك كالمستحيل الممتنع، فإن عليه من الحرس ما لا يستطيع اللصوص الدنو منه، كيف وحارسه الملك نفسه؟؟ وكيف يستطيع اللصوص الدنو منه؟ وحوله من الحرس والجند ما حوله؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث فهو الذي يشُن عليه الغارات. فليتأمل اللبيب هذا المثال حق التأمل، ولينزله على القلوب فإنها على منواله (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الوابل الصيب: (32-33) ، والقلب الخالي من الإيمان مثله كما قال القائل كما في مفاتيح الغيب: (18/117) ، وروح المعاني: (12/215) : وكنتُ امرءاً مِنْ جُندِ إبليس فانتهى ... بي الحالُ حتى صارَ إبليسُ مِنْ جُنْدِي فلو ماتَ قبلي كنتُ أحسِنُ بَعْدَهُ ... طرَائِقَ فِسْق ٍ ليس يُحسِنُها بَعْدي

واعلم أن الشعور بالوسوسة من قبل من لم تصل قلوبهم للمرتبة الكاملة المقدسة، دليل على صحة إيمانهم، حيث كرهوا ما يحط من منزلتهم، ويضع من قدرهم عند ربهم، ولا يكون هذا إلا عند حياة القلوب، وإلا، فما لِجُرْج ٍ بميت إيلام، روى الإمام مسلم وغيره – عليهم رحمة الله تعالى – عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: جاء ناس من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: "وقد وجدتموه" قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان" وفي رواية لمسلم وغيره أيضاً عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: سئل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الوسوسة، فقال: "تلك محض الإيمان"، وفي لفظ لأبي داود عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم – قال: جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء، لأن يكون حُمَمَة ً أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" وفي رواية للطبراني عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – وسأله رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت آخرتي، فقال: "لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن (¬1) ، ¬

_ (¬1) الحديث بالرواية الأولى أخرجه الأئمة الكرام: مسلم في صحيحه – كتاب الإيمان – باب بيان الوسوسة في الإيمان، وما يقوله من وجدها: (1/119) ، وأبو داود في سننه – كتاب الأدب – في رد الوسوسة: (5/336) ، وأحمد في المسند: (2/397-441) ، وأبو عوانة في مسنده: (1/78) ، والبزار ورجاله أئمة ثقات كما في مجمع الزوائد: (1/35) لكن من رواية عُمارة بن أبي الحسن، أو ابن حسن عن عمه – رضي الله تعالى عنه – ورواه ابن أبي عاصم في السنة – باب في الوسوسة في أمر الرب تبارك وتعالى –: (1/295-297) من رواية أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وعُمارة بن أبي حسن الأنصاري المازني مرسلا ً – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ورواه الطبراني في الصغير من رواية (ابن) ابن عباس – رضي الله عنهما – بسند رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني منتصر كما في مجمع الزوائد: (1/34) . وانظر الرواية الثانية عن ابن مسعود – رضي الله عنه – في صحيح مسلم – المكان المتقدم – ورواها الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وشيخ الطبراني ثقة كما في مجمع الزوائد: (1/34) وأبو داود الطيالسي: (1/29) منحة المعبود، وأبو عوانة في مسنده: (1/79) والبغوي في شرح السنة – كتاب الإيمان – باب العفو عن حديث النفس – بلفظ "ذلك محض الإيمان" أو "صريح الإيمان" والحديث رواه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أحمد في المسند: (2/456) وابن أبي عاصم في السنة – المكان المتقدم، وعن أنس - رضي الله تعالى عنه – أبو يعلى بسند رجاله رجال الصحيح إلا يزيد بن أبان الرقاش في مجمع الزوائد: (1/33-34) ،وعن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – أحمد في المسند: (6/106) ، وأبو يعلى بنحوه كما في مجمع الزوائد: (1/34) وفي إسنادهما شَهْرُ بن حَوْشَب. وانظر الرواية الثالثة عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – في سنن أبي داود – المكان المتقدم – وكتاب السنة لابن أبي عاصم – المكان المتقدم أيضاً – ومسند أحمد: (1/340) ، وشرح السنة للبغوي – المكان المتقدم أيضاً – ورواه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد: (1/34) عن معاذ بن جبل – رضي الله تعالى عنه – وهو في وراية ذر بن عبد الله عن معاذ ولم يدركه. وانظر الرواية الرابعة في مجمع الزوائد: (1/34) ، وفيه: رواه الطبراني في الصغير، والأوسط وفي إسناده سيف بن عُميرة الكوفي، قال الأزديّ: يتكلمون فيه 1هـ وسيف بن عُميرة: صدوق له أوهام كما في التقريب: (1/344) ، وانظر كلام الأزدي في الميزان: (2/256) ، وتهذيب التهذيب: (4/296) وفيه قال ابن حجر: قلت: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يُغرِبُ أ. هـ.

قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى – قوله: "ذلك صريح الإيمان" "تلك محض الإيمان" معناه: استعظام الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به فضلا ً عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا ً محققاً، وانتفت عنه الريبة والشكوك. وقيل: معناه: أن الشيطان إنما يوسوس لمن آيَسَ من إغوائه، فيُنكِدُ عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه، وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء، ولا يقصر في حقه على الوسوسة، بل يتلاعب به كيف أراد، فعلى هذا معنى الحديث: سبب الوسوسة محض الإيمان، أو: الوسوسة علامة محض الإيمان، وهذا القول اختيار القاضي عياض – عليه رحمة الله تعالى – (¬1) . شرح الله الكريم صدورنا، ويسر أمورنا، وغفر ذنوبنا، وستر عيوبنا، ونوّر قلوبنا، إنه سميع مجيب ... شروط التكليف بالتوحيد يشترط للتكليف بالتوحيد أربعة شروط وهي: الأول: العقل: ¬

_ (¬1) انظر شرح النووي لصحيح مسلم: (2/154) ، وقد أطال الشيخ محمد عبد الله دراز في شرح الحديث في كتابه المختار فانظره ففيه فوائد: (491-522) ، وانظر علامات مرض القلب وصحته في إغاثة اللهفان: (1/68) فما بعدها.

وهو الوصف الذي يفارق به الإنسان سائر البهائم، ويتمكن بسببه من تحصيل العلوم النظرية، وتدبير الصناعات الخفيَّة الفكرية، فهو غريزة يتهيأ بها الإنسان لإدراك العلوم، ونور يقذف في القلب يستعد به الإنسان لإدراك حقائق الأشياء، كما في الإحياء، وفي القاموس المحيط: والحق أنه نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية، وابتداء وجوده عند اجتنان الولد، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ أ. هـ وسمي العقل عقلا ً لكونه يعقل صاحبه عن فعل القبيح الذي يميل إليه بطبعه كما في الزواجر لابن حجر (¬1) فالدابة عقالها الحبل والإنسان عقاله العقل. ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم على الترتيب: إحياء علوم الدين: (1/90) ، القاموس المحيط: (4/19) ، "عقل" الزواجر عن اقتراف الكبائر: (2/150) ، وانظر اللسان: (3/486) ، "عقل" وفيه: وسمي العقل عقلا ً لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، أي يحبسه، وانظر هذا البحث الشريف في الذريعة إلى مكارم الشريعة: (80/108) ، والمفردات: (342) ، وذم الهوى: (5-11) ، وروضة العقلاء ونزهة الفضلاء: (16-26) .

والعقل بهذا الاعتبار، مجرد منحة من الله الواحد القهار، لا دخل فيه للكسب والاختيار وهو الذي يقال له: العقل المطبوع، ولا يوجد تكليف بدونه، وإذا أخذ الله ما وهب أسقط ما أوجب، ولذلك لما ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – فتان القبور، قال عمر – رضي الله تعالى عنه – أتُردُّ علينا عقولنا يا رسول الله؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: نعم، كهيئتكم اليوم، فقال عمر – رضي الله تعالى عنه –: بِفِيهِ الحَجَر (¬1) قال الإمام الغزالي – عليه رحمة الملك الباري –: العقل منبع العلم، ومطلعه وأساسه، والعلم يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة، والنور من الشمس، والرؤية من العين، فكيف لا يشرف ما هو وسيلة السعادة في الدنيا والآخرة، أو كيف يُسْتَرابُ فيه. ¬

_ (¬1) الحديث رواه ابن حبان في صحيحه: (197) كتاب الجنائز – باب في الميت يَسمعُ ويُسألُ – من موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، ورواه أحمد في المسند: (2/172) ، ونقله الذهبي في الميزان: (1/624) من كتاب ابن عدي وبسنده في ترجمة حُيي بن عبد الله المعافري المصري، ورواه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد: (3/47) – كتاب الجنائز – باب السؤال في القبر كلهم من رواية عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح 10هـ وحُيي بن عبد الله المعافري المصري ليس من رجاله أحد الصحيحين فلا يُطلق عليه أنه من رجال الصحيح فاعلم، إنما هو من رجال السنن الأربعة وهو صدوق يَهِمُ كما في التقريب: (1/209) وقد حكم الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله تعالى - على إسناد الحديث بأنه صحيح، انظر المسند (10/140) رقم: (6603) ، وفي الحديث الشريف دلالة على قوة إيمان الفاروق، وثبات يقينه. نسأل الله الكريم أن يتكرم علينا بالاتصاف بمسلك سلفنا الصالحين، إنه جواد رحيم.

والبهيمة مع قصور تمييزها تحتشم العقل، حتى إن أعظم البهائم بدناً وأشدها ضراوة، وأقواها سطوة، إذا رأى صورة الإنسان احتشمه وهابه لشعوره باستيلائه عليه، لما خُصّ به من إدراك الحيل (¬1) . هذا، ويطلق العقل أيضاً على العلم الذي يحصله الإنسان بذلك الوصف، ويكتسبه بتلك الغريزة فيحصل له بذلك إدراك عواقب الأمور، وقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة، وهو بهذا الاعتبار من الأمور المكتسبات، ولابد للإنسان في تحصيله من جهد ومشقات، ويقال له: العقل المسموع وهو الثمرة، والغاية القصوى من العقل المطبوع، كما أن العقل المطبوع هو الأساس للعقل المسموع، قال عليّ – رضي الله تعالى عنه –: رأيتُ العقلَ عَقْلَين ِ ... فمطبوع ٌ ومَسْموع ُ ولا يَنْفَع ُ مَسْموع ٌ ... إذا لم يكُ مَطبوعُ كما لا تنفعُ الشمسُ ... وضوءُ العين ِ ممنوع ُ (¬2) ... ويقابل العقل المطبوع الجنون، وعنده يرتفع التكليف عن العباد، ويقابل العقل المسموع الجهل والفساد، والكفر والفسوق والعناد، وبه يحصل التباب، ويصلى الإنسان أليمَ العذاب. ¬

_ (¬1) انظر إحياء علوم الدين: (1/88) الباب السابع في بيان شرف العقل من كتاب العلم. (¬2) ورد نسبة ذلك إلى عليّ – رضي الله تعالى عنه – في الإحياء: (1/91) ، والمفردات: (342) ، والذريعة إلى مكارم الشريعة: (81) ولم يُنسَبْ لقائل في روضة العقلاء: (18) .

.. وبذلك التفصيل تعلم أيها المسترشد – علمني الله وإياك – أن كل موطن ورد فيه مدح الإنسان والثناء عليه لاتصافه بالعقل، أو جاء فيه ذمه، والحط عليه لعدم اتصافه بالعقل فالمراد منه في الحالتين العقل بالاعتبار الثاني، وهو العقل المسموع، فاسمع ولا تكن من الغافلين، قال الله – جل وعلا –: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} العنكبوت43، وقال – تبارك وتعالى –: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} آل عمران190، وقال – جل جلاله –: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} ص29، وقال – جل ثناؤه –: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} الرعد19 والزمر 9، وقال تعالى شأنه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى} طه54 وقال – عز سلطانه –: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ} الفجر5، وقال – سبحانه وتعالى –: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ق37 ففي جميع هذه الآيات الكريمات وقع الثناء على الإنسان باعتبار اتصافه بالعقل بالمعنى الثاني، وهو العقل المسموع، وجاء التعبير عنه باللب لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه كاللباب واللب من الشيء، وأطلق عليه النُهْية لكونه ينهي عن القبائح، وسمي بالحِجْر لأن الإنسان في منع منه مما تدعو إليه نفسه (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إيضاح ذلك في المفردات: حرف اللام: (446) ، وحرف النون: (507) ، وحرف الحاء: (109)

.. وأما ما ورد من ذم الإنسان لتفريطه بالعقل بالوصف الثاني وهو العقل المسموع فقول الله – جل جلاله –: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} البقرة171، وقوله – بتارك وتعالى –: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} الأعراف179، وقوله – عز وجل –: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} الفرقان 43-44، وقوله – جل وعلا –: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج46، وقوله – جل جلاله – فيما حكاه عن أصحاب النار: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} الملك10.

.. وقد ورد في سنة نبينا – صلى الله عليه وسلم – ما يشير إلى اختلال العقول بالوصف الثاني آخر الزمان ففي المسند وسنن ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن بين يدي الساعة لهَرْجاً، قال، قلت: يا رسول الله ما الهرجُ؟ قال: القتلُ، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته، فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: لا تُنْزَعُ عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن ابن ماجه – كتاب الفتن – باب التثبت في الفتنة: (2/1309) والمسند: (4/414،392) ..

" وفي المسند أيضاً ومعجم الطبراني الأوسط عن النعمان بن بشير – رضي الله تعالى عنهما – قال: صَحِبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسمعناه يقول: "إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ثم يمسي كافراً، ويمسي مؤمناً يبيع أقوام خلاقهم بعرض من الدنيا يسير" قال الحسن – رحمه الله تعالى –: والله لقد رأيناهم صوراً ولا عقول، أجساماً ولا أحلام، فراشي نار، وذُبّانُ طمع يغدون بدرهمين، ويروحون بدرهمين،، يبيع أحدهم دينه بثمن العَنْزِ (¬1) " وقد أكثر العلماء من الأشعار الحكيمة المحكمة في ذلك، منها ما في المدخل: ذهبَ الرجالُ المُقْتدى بِفعَالِهمْ ... والمُنْكرون لكل أمْر ٍ مُنْكر ِ وبَقيتُ في خَلَفِ يُزَكي بَعضُهم ... بعضاً ليَدْفَعُ معْورٌ عن معْوَر ِ أبُنَيَّ إنَّ مِن الرجال ِ بَهيمَة ً ... في صورة ِ الرجل ِ السميع ِ المُبْصر ِ فَطِن ٌ بكل مُصيبة ٍ في ماله ... فإذا أصيب بدينه لم يَشْعُر ِ ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/273) ، ومجمع الزوائد: (7/309) وقال الهيثمي: فيه مبارك بن فضاله وثقة جماعة وفيه لين، وبقية رجاله رجال الصحيح 10هـ وللحديث شواهد كثيرة ثابتة صحيحة منها ما في صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن: (1/110) ، وسنن الترمذي – كتاب الفتن – باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم: (6/355) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا" ورواه الترمذي عن أنس أيضاً وأشار إلى رواية جندب، والنعمان بن بشير، وأبي موسى – رضي الله عنهم أجمعين –.

فَسََل ِ الفقيهَ تَكُنْ فقيهاً مِثْلَه ... مَنْ يَسْع في عِلْم ٍ بِلُبّ ٍ يَظْفَر ِ (¬1) ... نسأل رب الأرض والسماء، أن يحفظنا من مرض الشبهات والشهوات، لتكون عقولنا من الزاكيات الطاهرات، ولنسلم مما خافه علينا رسول الله خير البريات – عليه أفضل السلام وأزكى الصلوات – حيث قال فيما رواه عنه الأئمة الثقات: "إنما أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجهم، ومضلات الهوى (¬2) " فمن وقي من هذين المرضين فاز بسعادة الدارين. الشرط الثاني البلوغ: وبه يستدل على تمام العقل عند الإنسان، واكتمال قواه التفكيرية، ومعرفته القضايا المصيرية، والصغير بمعزل عن جميع ذلك، فلا تكليف عليه. ¬

_ (¬1) انظر المدخل لابن الحاج: (2/12) ، ونقل الشيخ إسماعيل بن إبراهيم الخطيب الحسني السلفي هذه الأبيات في كتابه تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن وزاد عليها أبياتاً أخرى لطيفة في صفحة: (138) ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، ومن ذلك: ... بَهائمٌ في صُورة ِ الرجال ِ قول بعضهم: 0@واعلمْ بأنَّ عُصْبَة َ الجُهَّال ِ وقول آخر: لا تَخْدَعَنَّكَ اللحى ولا الصُّوَرْ< ... تسعة أعْشار ِ مَنْ ترى بَقَرْ تَراهُمُ كالسَّحاب ِ مُنْتَشِرا ... وليسَ فيه لطالبٍ مَطَرْ في شَجَر ِ السَّرْو ِ منهم شبَهٌ ... له رُواء وماله ثَمَرْ وقول آخر: لا بَأسَ بالقوم من طُول ٍ ومِنْ غِلظٍ ... جِسمُ البِغال ِوأحْلامُ العَصافير ِ وفي فتح الخلاق في مكارم الأخلاق للدجوي أبيات لطيفة رقيقة منها: (8) ، وهي أيضاً في روضة المحبين: (10) ما وهبَ الله لامرئٍ هِبَة ً ... أشْرفَ من عقله ومن أدَبِهْ هما جَمالُ الفَتى فإنْ عُدِما ... فإنَّ فَقْدَ الحياة ِ أجملُ بهْ (¬2) الحديث رواه الإمام أحمد في المسند: (4/420-423) ، قال الهيثمي في المجمع: (7/306) ورجاله رجال الصحيح وقال في: (1/188) ورواه البزار، والطبراني في الثلاثة، ورجاله رجال الصحيح، وانظر رواية البزار في كشف الأستار: (1/82) .

وهذان الشرطان دل عليهما كلام خير الأنام – عليه الصلاة والسلام – أخرج أئمة الإسلام عن عدة من الصحابة الكرام – عليهم من الله الرحمة والرضوان – أن النبي – عليه الصلاة والسلام – قال: "رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يحتلم، وعن المعتوه حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ"، وفي رواية: "رفع القلم عن ثلاثة، عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم (¬1) ¬

_ (¬1) الحديث رواه الحاكم في المستدرك – كتاب البيوع –: (2/59) عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – واللفظ له، وعنها رواه أبو داود في الحدود – باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً –: (4/558) ، والنسائي في كتاب الطلاق – باب متى يقع طلاق الصبي –: (6/127) ، وابن ماجه في كتاب الطلاق – باب طلاق المعتوه والصغير والنائم: (1/658) ، والدارمي في كتاب الحدود – باب رفع القلم عن ثلاثة: (2/171) ، وابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الحدود – باب فيمن لا حد عليه: (359) ، وابن الجاورد في المنتقى: (77) ، وأحمد في المسند: (6/100،101) وأشار إليه الترمذي في أول كتاب الحدود: (5/111) ، والحديث صحيح قال عنه الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وقد أخرجه الأئمة من رواية علي – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – انظر سنن أبي داود، وسنن ابن ماجه، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم في الأمكنة المتقدمة، ورواه الحاكم أيضاً في: (4/389) كتاب الحدود، الطيالس – منحة المعبود – كتاب الحدود – باب لا يجب الحد إلا على مكلف: (1/297) ، وابن خزيمة في صحيحه – جماع أبواب الفريضة عند العلة تحدث – باب ذكر الخبر الدال أن أمر الصبيان بالصلاة قبل البلوغ على غير الإيجاب –: (2/102) ، والدارقطني: (3/139) - كتاب الحدود والترمذي في كتاب الحدود – باب فيمن لا يجب عليه الحد: (5/110-111) ، وقال: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم وأحمد في المسند: (1/158،140،118،116) ، والبيهقي في السنن الكبرى: (6/57) كتاب الحجر – باب البلوغ بالاحتلام: (7/359) – كتاب الطلاق – باب لا يجوز طلاق الصبي حتى يبلغ ولا طلاق المعتوه حتى يفيق، وعلقه البخاري في صحيحه عن عليّّ موقوفاً في كتاب النكاح – باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون: (9/388) ، وفي كتاب الحدود – باب لا يرجم المجنون والمجنونة: (12/120) بشرح ابن حجر وانظر الشرح لترى من وصل ذلك، قال ابن حجر وقد أخذ الفقهاء بمقتضى هذه الأحاديث وحديث علي صحيح كحديث عائشة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي. والحديث روي عن غير عائشة وعليّ فرواه الحاكم: (4/389) – كتاب الحدود – عن أبي قتادة، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عباس، ورواه البزار عن أبي هريرة، ورواه الطبراني أيضاً عن ابن شداد بن أوس وثوبان – رضي الله عنهم أجمعين – كما في مجمع الزوائد: (6/521) – كتاب الحدود – باب رفع القلم عن ثلاثة – فانظر حال تلك الروايات في ذينك الكتابين، وفي نصب الراية: (4/164-165) .

". وحده البلوغ الذي يحصل به، ويتحقق بوجوده، واحدٌ من خمسة أشياء، اثنان منها خاصان بالنساء وهما: 1- الحيض: وهو الدم الخارج من رحم امرأة تمت تسع سنين، لا عن ولادة ولا عن داء. 2- الحبل: وهو ثبوت كونها حاملاً وأما الأشياء الثلاثة المشتركة بين الذكور والإناث فهي: 1- خروج المني من القبل: وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد، ويحصل به البلوغ كيفما خرج في يقظة أو منام، بجماع أو احتلام، أو بغير ذلك من أحوال خروجه عند الأنام.

2- نبات العانة: وهي الشعر الخشن الذي يكون حول القبل، ويلزم أخذه (¬1) ¬

_ (¬1) وليس لذلك مدة محددة، بل تؤخذ كلما طالت شريطة أن لا تزيد المدة عن أربعين ليلة كما ثبت في صحيح مسلم – كتاب الطهارة – باب خصال الفطرة: (3/146) بشرح النووي، وسنن أبي داود – كتاب الترجل – باب الشارب: (4/414) ، وسنن النسائي – كتاب الطهارة – باب التوقيت في ذلك (تقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الشارب) : (1/19) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الطهارة – باب الفطرة: (1/108) ، وسنن البيهقي – كتاب الطهارة – باب الأخذ من الأظفار: (1/150) ، ومسند الإمام أحمد: (3/255،203،122) ، وسنن الترمذي – كتاب الأدب – باب ما جاس في التوقيت في تقليم الأظافر وقص الشارب: (8/9) عن أنس – رضي الله تعالى عنه – قال: "وُقِّتَ لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر ونتف الإبط، وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة" والمعتمد أن السنة في إزالة شعر العانة الحلق بالموسى في حق الرجل والمرأة معاً، ويجزئ القص، والنتف، والنورة كما في شرح صحيح مسلم للإمام النووي: (3/148) ، والمجموع: (1/389) ، والمغنى: (1/71) ، ومن العجيب عَدُ الإمام ابن العربي في أحكام القرآن: (1/501) نتف العانة من النمص حيث قال: وأهل مصر ينتفون شعر العانة، وهو منه أي: من النمص – فإن السنة حلق العانة، ونتف الإبط، فأما نتف الفرج فإنه يرخيه ويؤذيه، ويبطل كثيراً من المنفعة فيه 1هـ ونقل الإمام القرطبي في تفسيره: (5/392) هذا وسكت عليه، وقد كرر الإمام ابن العربي نحو ذلك الكلام في العارضة: (10/216) ، فقال: ونساء مصر ينتفن شعر ذلك الموضع حتى يربو ويجثم ولكنه مع الانتهاء إلى الكهولة يسترخي ويسترسل، فيعاف ويسترذل أ. هـ. والذي يفهم من كلام الإمام ابن حجر في الفتح: (10/344) ميله إلى التفريق بين الذكر والأنثى في هذه المسألة، حيث قال: ولو قيل: الأولي في حقها التَّنُور مطلقاً لما كان بعيداً أ. هـ فتأمل ذلك.

ولا اعتبار للزغب، وهو الشعر الضعيف الناعم، ولا للخضرة، وهي تغير يصحب بشرة القبل عند اقتراب خروج الشعر. 3- اكتمال السن خمس عشرة سنة (¬1) ¬

_ (¬1) انظر تفصيل القول في تلك الأمور في المغني: (1/513-515) ومنار السبيل: (1/386) وعند الشافعية كما في الوجيز: (1/76) ، اعتبار نبات العانة في حق أولادً الكفار لعسر الوقوف على سنهم، ولهم في أولاد المسلمين وجهان، أصحهما عدم اعتبار ذلك علامة على البلوغ لسهولة مراجعة آبائه لمعرفة سنه كما في المنهاج وشرحه السراج الوهاج: (230) ، وقد انفرد الحنفية فلم يعتبروا الإنبات علامة على البلوغ كما في رد المحتار: (6/153) ، ولا ينبغي أن يعول على قولهم لمخالفته النص الثابت في السنن بإسناد صحيح حسن عن كعب القرظي – رضي الله تعالى عنه – قال: كنت من سبي قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت، وفي رواية: فكشفوا عن عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني في السبي، انظر سنن أبي داود – كتاب الحدود – باب في الغلام يصيب الحد: (4/561) ، وسنن الترمذي – كتاب السير – باب ما جاء في النزول على الحكم: (5/319) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون الإنبات بلوغاً إن لم يعرف احتلامه ولا سنه، وهو قول أحمد وإسحاق أ..هـ وانظر الحديث في سنن النسائي – كتاب الطلاق – باب متى يقع طلاق الصبي: (6/126-127) وسنن ابن ماجه – كتاب الحدود – باب من لا يجب عليه الحد: (2/849) ، ومسند أحمد: (4/383،341،310، 5/372،312) ، وصحيح ابن حبان – كتاب الحدود – باب حد البلوغ: (360) موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، وسنن الدارمي – كتاب السير – باب حد الصبي متى يقتل –: (2/223) ، وشرح معاني الآثار: (3/216-217) ، وسنن البيهقي – كتاب الحجر – باب البلوغ بالإنبات –: (6/57-58) ، وفيه أيضاً عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: إذا أصاب الغلام، فارتبت فيه: احتلم أم لا، فانظر إلى عانته، وكما انفرد الحنفية في عدم اعتبار الإنبات دليلا ً على البلوغ فقد انفرد المالكية أيضاً في تحديد البلوغ بالسن فقالوا المدة المقدرة للبلوغ هي ثماني عشرة سنة، كما في الشرح الكبير: (3/46) معه حاشية الدسوقي، ونقل عن مالك أيضاً تحديد المدة بسبع عشرة سنة، كما في تفسير القرطبي: (5/35) ، ونقل عن أبي حنيفة تحديد المدة بثماني عشرة سنة للذكر، وسبع عشرة سنة للأنثى، لكن المعتمد عند الحنفية خمس عشرة سنة لكل منهما كما ورد في رد المحتار: (6/153) ، وكما أنه لا تعويل على قول الحنفية في عدم اعتبار الإنبات، فلا تعويل أيضاً على قول المالكية في تحديد المدة بما زاد على خمس عشرة سنة، لأنه يصادم النص أيضاً ففي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر – رضي الله عنهم أجمعين – قال: عرضني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم أحد في القتال، وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز – وهو يومئذ خليفة رحمهم الله تعالى جميعاً – فحدثته هذا الحديث فقال: إن هذا لحد بين الصغير والكبير، فكتب إلى عماله أن يفوضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة، ومن كان دون ذلك، فاجعلوه في العيال أ. هـ هذا لفظ الحديث في صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب بيان سن البلوغ: (3/1490) ، وانظره في صحيح البخاري – كتاب الشهادات – باب بلوغ الصبيان وشهادتهم: (5/276) ، وكتاب المغازي – باب غزة الخندق –: (7/492) بشرح ابن حجر فيهما، وانظره في سنن أبي داود – كتاب الحدود – باب في الغلام يصيب الحد: (4/561) ، وكتاب الخراج والإمارة – باب متى يُفْرضُ للرجل في المقاتلة؟: (3/362) ، وسنن الترمذي – كتاب الجهاد – باب ما جاء في حد بلوغ الرجل، ومتى يفرض له: (6/32) ، وسنن النسائي – كتاب الطلاق – باب متى يقع طلاق الصبي؟: (6/127) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الحدود – باب من لا يجب عليه الحد: (2/850) ، ومنحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود: (1/297) ، ومسند أحمد: (2/17) ، وشرح معاني الآثار – كتاب الحدود – باب بلوغ الصبي بدون احتلام فيكون في معنى البالغين: (3/218) ، وقد قوَّى الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار: (3/220) هذا القول من حيث النظر أيضاً، وخلاصة ما قاله: أن الغالب على الذكور والإناث الاحتلام في سن خمس عشرة سنة والحكم للأمر الغالب، لا للخاص أ. هـ. وقرر الإمام أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن: (2/320) القول باعتماد الإنبات، وخمس عشرة سنة في بلوغ من اتصف بأحدهما، ورد على الحنفية والمالكية معاً، وختم الكلام بقوله: والسن التي اعتبرها النبي – صلى الله عليه وسلم – أولى من سن لم يعتبرها، ولا قام في الشرع دليل عليها، وكذلك اعتبر النبي – صلى الله عليه وسلم – الإنبات في بني قريظة، فمن عذيري ممن يترك أمرين اعتبرهما النبي – صلى الله عليه وسلم – فيتأوله، ويعتبر ما لم يعتبره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لفظاً، ولا جعل له في الشريعة نظراً

الشرط الثالث: بلوغ الدعوة ... ودل على اشتراط هذا الأمر لتكليف العباد بتوحيد رب الأرض والسماء آيات كثيرة، وأحاديث وفيرة، سأقتصر منها على عشر آيات كريمات، وعلى أحاديث خير البريات – عليه أفضل السلام وأتم الصلوات –. ... أما الآيات الكريمات، ففي بعضها يخبر – جل وعلا – أنه لن يعذب المكلفين، حتى يرسل إليهم الرسل الصادقين – عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم – قال الله – تبارك وتعالى –: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} الإسراء15 وفي بعضها يخبر – جل وعلا – أنه ما عاقب أمة إلا من بعد إرسال الرسل الكرام – عليهم صلوات الله وسلامه – إليهم، قال الله – جل وعز –: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} الشعراء208-209، وقال – جل وعلا –: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} القصص59، وفي بعضها يخبر – جل وعلا – أنه لو عذب الناس قبل إرسال الرسل الكرام – عليهم صلوات الله وسلامه – إليهم، لاحتجوا على ربهم بأنه لم يرسل إليهم ما يهديهم به، قال الله – جل ثناؤه –: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} طه 134، وقال – جل وعلا –: {وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} القصص 47وقد أخبرنا ربنا – جل وعلا – أنه أرسل الرسل الكرام – عليهم صلوات الله وسلامه – ليقطع ذلك الكلام فقال – عز شأنه –: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ

وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً} النساء 163-165، وقال – تبارك وتعالى - {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} الأنعام 155-157، وفي بعض الآيات يخبر – جل وعلا – أن إرسال الرسل الكرام – عليهم صلوات الله وسلامه – قد وقع على أحسن ما يرام وبلغوا دعوة الله وبينوها أحسن بيان، لذلك بن ينفع الكفار أمنياتهم، ولن تقبل منهم اعتذاراتهم وتعليلاتهم قال – جل جلاله –: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}

الزمر 54-59، وفي بعض ... الآيات يخبر – جل وعلا – أن الكفار عندما يساقون إلى النار تقول لهم خزنة جهنم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} الملك 8 وهكذا تكرر عليهم الخزنة هذا القول بعد أن يلقون فيها، فيعترفون ويقرون بأن الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – جاءتهم، ولكنهم كذبوهم وكفروا بما أنزل عليهم، قال الله – جل وعز –: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} الزمر 70-71، وقال – تبارك وتعالى –: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ} الملك 6-11.

.. هذه عشر آيات من القرآن الكريم، تقرر أن الله العظيم، لا يؤاخذ المكلفين، إلا بعد أن يرسل إليهم رسله الصادقين – عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم – وقد ثبت هذا المعنى عن نبينا الأمين – عليه صلاة الله وسلامه – في أحاديث كثيرة رواها عنه أئمة الدين، منها ما في صحيح البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب، فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد – صلى الله عليه وسلم – وأمته، فنشهد أنه قد بلغ: وهو قوله – جل ذكره –: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} البقرة143، والوسط العدل.

والحديث رواه الإمام أحمد وابن ماجه – رحمهم الله جميعاً – بلفظ أتم من هذا وأشمل، وهذا لفظ ابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " يجيء النبي ومعه الرجلان، ويجيء النبي ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك وأقل، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتدعى أمة محمد، فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم، فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبينا بذلك أن الرسل قد بلغوا، فصدقناه، قال: فذلكم قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} البقرة143 (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر رواية الحديث الأولى في صحيح البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – باب 3: (6/371) ، وكتاب التفسير – تفسير سورة البقرة – باب 13: (8/171) ، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب 19 –: (13/316) بشرح ابن حجر في الأماكن الثلاثة، وانظر الحديث في سنن الترمذي – كتاب التفسير – تفسير سورة البقرة: (8/158) ، ومسند أحمد: (3/32) ، وانظر الرواية الثانية في سنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب صفة أمة محمد – صلى الله عليه وسلم –: (2/1432) رقم 4284 ومسند أحمد: (3/58) ، قال ابن حجر في الفتح: (8/172) ، ورواه النسائي – أي في السنن الكبرى، والاسماعيلي، أي في مستخرجه على البخاري.

والحديث صريح في أن الحجة لا تقوم على المكلفين إلا بعد بلوغهم شرع رب العالمين، ولذلك سيسأل ربنا كل واحد عن هذا الأمر، لئلا يكون له عذر، كما في صحيح البخاري عن عدي بن حاتم – رضي الله تعالى عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "وليَلْقيَّن اللهَ أحدُكم يوم يلقاه وليس بينه وبيه تَرْجمان يترجم له، فيقولن: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك؟ فيقول: بلى (¬1) " إشكال ورده: ... إن قيل: إن الإقرار بوجود الواحد القهار، ووجوب تعظيمه ثابت في العقول، فلم توقف إيجاب ذلك على مجيء الرسول – صلى الله عليه وسلم –؟. والجواب: ... إن سبب ذلك يدور على أمرين اثنين: ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب المناقب – باب علامات النبوة في الإسلام –: (6/610) بشرح ابن حجر ورواه ابن خزيمة في التوحيد: (152) .

أولهما: إن العقل وإن دل على الإقرار بوجود الخالق، ووجوب تعظيمه، وشناعة الشرك، وقبح المصير إليه، فلا عقاب على ترك ذلك الواجب والتلبس بضده إلا بعد الشرع المطهر، كما دل على ذلك الآيات المتقدمات، وللإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – في تحقيق هذا الموضوع كلام حسن قيم، هذه خلاصته: والحق أن وجوب التوحيد ثابت بالعقل والسمع، والقرآن على هذا يدل، فإنه يذكر الأدلة والبراهين العقلية على التوحيد، ويبين حسنه، وقبح الشرك عقلا ً وفطرة، ويأمر بالتوحيد، وينهى عن الشرك، ولهذا ضرب الله – سبحانه وتعالى – الأمثال وهي الأدلة العقلية، وخاطب العباد بذلك خطاب من استقر في عقولهم وفطرهم حسن التوحيد ووجوبه وقبح الشرك وذمه، والقرآن مملوء بالبراهين العقلية الدالة على ذلك، كقوله – جل وعلا –: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحج 73-74، ولكن ههنا أمر آخر، وهو أن العقاب على ترك هذا الواجب يتأخر على حين ورود الشرع، كما دلت على ذلك الآيات الكريمات، فقوله – جل وغلا –: {ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} الأنعام131 يدل على أنهم ظالمون قبل إرسال الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – وأنه لا يهلكهم بهذا الظلم قبل إقامة الحجة عليهم.

.. ولهذا كان الصواب وجوب التوحيد بالسمع والعقل، وإن اختلفت جهة الإيجاب، فالعقل يوجب بمعنى اقتضائه لفعله، وذمه على تركه وتقبيحه لضده، وإذا لم يكن حُسْنُ التوحيد، وقُبْحُ الشرك معلوماًَ بالعقل مستقراً في الفطر، فلا وثوق بشيء من قضايا العقل، فهذه القضية من أجلِّ القضايا البديهيات، وأوضح ما ركب الله – جل وعلا – في العقول والفطر، والسمع يوجبه بهذا المعنى، ويزيد إثبات العقاب على تركه، والإخبار عن مقت الرب – جل وعلا – لتاركه، وبغضه له، وهذا قد يُعْلم بالعقل أيضاً فإنه إذا تقرر قبح الشيء وفحشه بالعقل، وعلم ثبوت كمال الرب – جل جلاله – بالعقل أيضاً، اقتضى ثبوت هذين الأمرين علم العقل بمقت الرب – تبارك وتعالى – لمرتكبه، وأما تفاصيل العقاب، وما يوجبه مقت الرب – جل وعلا – فإنما يعلم بالسمع (¬1) . ثانيهما: أن العقول وإن دلت على ذلك، فتلك الدلالة على وجه الإجمال، ولابد من تفصيل ما يجب لله – جل وعلا – على عباده من حقوق وواجبات، وما يتصف به من صفات الكمال، وبيان ما يضاد ذلك الحال، فالعقول لا تهدى لتفاصيل ذلك، فيلزم التفصيل والبيان، لرفع اللبس والإبهام، وذلك عن طريق الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – ورحمة الله على الإمام ابن القيم حيث يقول في بيان مكانة الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – ووظيفتهم: وكان الناس في لَبْس ٍ عظيم ٍ ... فجاؤا بالبيان ِ فأظهروهُ وكان الناس في جَهْل عظيم ٍ ... فجاؤا باليقين فأذهبوه ُ وكان الناس في كُفْر عظيم ٍ ... فجاؤا بالرَّشَادِ فأبْطلوه ُ (¬2) الشرط الرابع للتكليف بالتوحيد: ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين: (1/488-492) مع تصرف يسير، واختصار كثير. (¬2) انظر مدارج السالكين: (1/406) ، وصفحة: (112/113) من هذا المبحث المبارك.

.. سلامة إحدى حاستي السمع والبصر، لأنه بسلامة إحدى هاتين الحاستين يتم حصول إعلامه بالمطلوب منه عن طريق السماع أو الرؤية، أما إذا فقدا معاً فلا يتأتى إخباره، ولا يحصل إبلاغه، فحكمه حكم فاقد العقل، ومن كان هذا حاله فالقلم مرفوع عنه، كما تقدم تقرير هذا، مع بيان ما يدل عليه (¬1) . مسألة مهمة: ... تقدم أن شروط التكليف بالتوحيد أربعة، وإذا انخرم واحد منها فلا عقاب في تلك الحال على من فرط في توحيد الله ذي الجلال، ويترتب على هذا مسألة تدور في البال، وهي: ما مصير الذين لم تكتمل فيهم شروط التكليف بالتوحيد في الآخرة؟ وللجواب على هذا السؤال تُحتَّمُ الأدلة تقسيمَ هذه المسألة إلى قسمين، إليك بيان الحكم في كل قسم: القسم الأول: أن يكون من لم تكتمل فيه شروط التكليف بالتوحيد من أولاد المسلمين الذين ماتوا صغاراً، فلأهل السنة الكرام فيهم قولان: ¬

_ (¬1) انظر صفحة: (49-53) من هذا المبحث المبارك، وانظر حاشية الأمير: (30)

1- الوقف في أمرهم، وتفويض حالهم إلى ربهم – جل وعلا – قال بهذا جماعة من أهل الفقه والحديث منهم الحمادان – ابن سلمة بن دينار، وابن زيد بن درهم (¬1) ، وعبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهُوْيَهْ (¬2) – رحمهم الله جميعاً –. ¬

_ (¬1) وكل منهما ثقة إمام، والفرق بينهما في العبادة والورع كالفرق بين مقدار اسميْ والديْهما في الصرف كما في ميزان الاعتدال: (1/592) نقلا ً عن الإمام أحمد، ونص كلامه: الفضل بينهما كفضل الدينار على الدرهم، وانظر توجيه القول في تهذيب التهذيب: (3/11) . (¬2) هو شيخ الشيخين وغيرهما وقرين الإمام أحمد – رحمهم الله جميعاً – وهو الذي حرك عزيمة البخاري لتصنيف كتابه الجامع الصحيح كما في تهذيب التهذيب: (1/216) ، وهدي الساري: (7) واعلم أن كلمة " راهُوْيَهْ " ونظائرها كسَيْبُوَيهْ، وخالُوْيَهْ، ومَرْدُوْيَهْ، تضبط عند المحدثين بضم ما قبل الواو، وسكون الواو، وفتح الياء مع إسكان الهاء، وهذا هو ضبطها بالفارسية، وإنما ذهب المحدثون إلى هذا لأنهم لا يحبون وَيْهْ كما في تدريب الراوي: (226) نقلا ً عن الحافظ أبي العلاء العطار، وفي المقاصد الحسنة: (454) : ويه اسم شيطان، ورواه أبو عمر التوقاني في معاشرة الأهلين له عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – من قوله، وكذا عن إبراهيم النخعي أيضاً، وأما أهل اللغة فيضبطون ما تقدم بفتح الواو وما قبلها، وسكون الياء، ثم هاء ساكنة، انظر تفصيل ذلك في تدريب الراوي: (226) ، وتهذيب الأسماء واللغات: (2/258) – القسم الأول – وطبقات المفسرين للداودي: (1/19) ، وبغية الوعاة: (1/428) ، ووفيات الأعيان: (3/465، 4/281) ، ومعجم الأدباء: (1/255) ، وكشف الخفاء: (2/340) ، وتمييز الطيب من الخبيث: (188) .

.. وعمدة هذا القول ما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: دُعي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – طوبى لهذا عصفورٌ من عصافير الجنة، لم يعمل السوء، ولم يدركه، قال: "أوغير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلا ً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا ً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر – صحيح مسلم – كتاب القدر – باب معنى مولود يولد على الفطرة، وحكم موتى أطفال الكفار وأطفال المسلمين: (16/212) بشرح النووي، ورواه النسائي في كتاب الجنائز – باب الصلاة على الصبيان: (4/46) ،وابن ماجه في المقدمة – باب في القدر –: (1/32) ، وأحمد في المسند: (6/208،41) ، والآجري في الشريعة: (196) والبهقي في الاعتقاد: (165) ، وأبو داود الطيالسي كما في منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبو داود – أول كتاب القدر –: (1/30) ، وقد أبعد النجعة الإمام القرطبي في التذكرة: (609) فاقتصر في عزو الحديث إلى أبي داود الطيالسي فقط.

.. وليس في الحديث الشريف دلالة على ذلك القول عند التحقيق، لأن الحديث يدل على أنه لا يُشهد لكل طفل من أطفال المؤمنين بالجنة، وإن أطلق على أطفال المؤمنين في الجملة أنهم في الجنة، لكن الشهادة للمعين ممتنعة، وهذا كما يشهد للمؤمنين مطلقاً أنهم في الجنة، ولا يشهد لمعين بذلك، إلا من شهد له النبي – صلى الله عليه وسلم – فهذا وجه الحديث الشريف الذي يشكل على كثير من الناس، ورده الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – وقال: لا يصح، ومن يشك أن أولاد المسلمين في الجنة، وتأوله قوم تأويلات بعيدة، أفاد ذلك الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى –: توقف فيه – أي في الحكم بالجنة لمن مات من أطفال المسلمين – بعض من لا يعتد به لحديث عائشة – رضي الله تعالى عنها – وأجاب العلماء بأنه لعله نهاها عن المسارعة على القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع، ويحتمل أنه – صلى الله عليه وسلم – قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة (¬1) ¬

_ (¬1) انظر القولين في طريق الهجرتين: (520) ، وتهذيب السنن لابن القيم: (7/83) ،وشرح صحيح مسلم: (16/207) ، وفي قول النووي: توقف بعض من لا يعتد به، شيء من المجازفة، فقد قال بذلك القول أئمة أعلام صالحون كرام، وليت النووي قال: توقف فيه بعضهم لكان أقوى وأقوم، وبذلك عبر الحافظ في الفتح: (3/245) عندما نقل كلام النووي. وقال الأبَّي في شرح صحيح مسلم: (7/93) نقلا ًعن القاضي عياض بعد أن حكى الإجماع على أن أولاد الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – في الجنة إذا ماتوا صغاراً: وكذلك أولاد المسلمين عند الجمهور، وتوقف في ذلك بعض العلماء ... إلخ وهي عبارة سديدة محكمة رشيدة، وهكذا حكى الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان: (1/159) ، توقف بعض العلماء في أولاد المسلمين، ثم زاد الحليمي تعليلا ً آخر لإنكار النبي – صلى الله عليه وسلم – على أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – فقال: يحتمل أن يكون إنكار النبي – صلى الله عليه وسلم – عليها لأن القطع بأن الصبي في الجنة قطع بإيمان أبويه، ويحتمل أن يكونا منافقين فيكون الصبي ابن كافرين 1هـ ملخصاً، وقد نقل ذلك عنه القرطبي في التذكرة: ((608)) ، وهو قول غريب وتعليل عجيب وسيأتيكم بيان حكم أولاد المشركين عما قريب إن شاء السميع المجيب.

ذهب جمهور العلماء إلى نجاتهم والحكم لهم بدخول الجنة وبعضهم حكى الاتفاق على هذا وتقى الخلاف في هذه المسألة، وقال الإمام ابن كثير في تفسيره – عليه رحمة الله تعالى –: أما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء – أي: في نجاتهم وكونهم من أهل الجنة – كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفراء عن الإمام أحمد رحمهم الله جميعاً – أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة، وهذا هو المشهور بين الناس وهو الذي نقطع به إن شاء الله – عز وجل – ثم حكم على القول الأول القائل بالوقف فيهم بأنه غريب جداً أ. هـ وقول الإمام أحمد نقله الإمام ابن القيم في طريق الهجرتين وقال بمضمونه الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم، وعبارته: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة (¬1) ، قال كاتب هذه الصفحات – غفر الله الكريم له الزلات – لا إجماع في هذه المسألة على الصحيح والقول بنجاة أولاد المسلمين ودخولهم الجنة هو القول الصحيح الذي يدل عليه النقل الثابت الصحيح من آيات القرآن وأحاديث نبينا خير الأنام عليه الصلاة والسلام. ¬

_ (¬1) انظر تفسير ابن كثير: (3/32) ، وطريق الهجرتين وباب السعادتين: (506) وشرح النووي لصحيح مسلم: (16/207) ، وانظر حكاية هذا القول عن الجمهور مع الميل إلى قبوله وتصحيحه في المنهاج في شعب الإيمان: (1/160) ، والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: (608) ، وإلى هذا القول مال البخاري كما يشعر بذلك صنيعه في صحيحه كما في الفتح: (3/245)

أما القرآن الكريم فقد وردت بالإشارة إلى ذلك في آيتين من آي الذكر الحكيم الآية الأولى: قول ربنا – تبارك وتعالى –: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} المدثر38-43، وأصحاب اليمين يشمل أولاد المسلمين الذين ماتوا صغاراً كما يشمل اللفظ أيضاً المؤمنين والملائكة وتفسيره بالأول ثابت عن صحابيين جليلين – رضي الله عنهم أجمعين – الأول على بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه – روى الحاكم وغيره بإسناد صحيح عن علي – رضي الله تعالى عنه – في قوله عز وجل –: " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ " قال: هم أطفال المسلمين (¬1) . والثاني ابن عمر –رضي الله تعالى عنهما – أخرج ذلك عنه ابن المنذر وغيره – رحمهم الله جميعاً– (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر المستدرك – كتاب التفسير – سورة المدثر: (2/507) ، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي ورواه عنه الطبراني أيضاً: (29/104) وعبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور: (6/285) وساقه الفراء في معاني القرآن: (3/5) بالسند إلى عليّ – رضي الله تعالى عنه –. (¬2) روى ذلك عن ابن عمر سعيدُ بنُ منصور، وابنُ أبي شبية، وابنُ المنذر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – كما في الدر: (6/285) . وقد ورد عن السلف الصادقين تفسير أصحاب اليمين بالملائكة وبالمؤمنين المخلصين والآية شاملة لجميع ذلك على الصحيح وقد رجح الفراء في معاني القرآن: (3/205) ، والخازن في لباب التأويل: (7/179) تفسيرهم بأولاد المسلمين لأمرين: أ- لم يكتسبوا إثماً يرتهنون به. ب- ذكر ربنا جل وعلا – في وصفهم: {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} المدثر، وهذا إنما يليق بالولدان لأنهم لم يعرفوا الذنوب، فسألوا: " مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ "، وقد نقل الرازي في تفسيره: (30/210) وابن الجوزي في زاد المسير: (8/411) ترجيح الفراء وأقراه وفي تفسير الطبري: (29/104) تعليل لذلك القول كما علل به القراء وانظر تفسير الآية الكريمة في روح المعاني: (29/131-132) ،وتفسير القرطبي: (19/86-87) ، ومعالم التنزيل: (7/179) ، ومدارك التنزيل: (5/291) .

الآية الثانية: قول الله – جل وعلا –: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} الطور21. ... وهذه الآية الكريمة تحتمل أمرين، كل منهما منقول مأثور، والجمع بينهما هو الذي تقتضيه صرائح العقول، والقول الثاني منهما، يدل على مسألتنا، وإليك تفصيلهما:

1- تحتمل الآية الكريمة أن المؤمنين إذا تبعتهم ذريتهم في الإيمان، فآمنت الذرية كما آمنوا يلحق الله العظيم الذرية بآبائهم في المنزلة، والدرجة يوم الدين، وإن لم يبلغوا عملهم ولم يستحقوا منزلتهم تفضيلا ً من الله وكرماً، وامتناناً ولطفاً لتقر أعين الآباء، وليكتمل الأنس والصفاء، ثبت في المستدرك وغيره بإسناد صحيح عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: إن الله – جل وعلا – يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} الطور21، يقول: وما نقصناهم، وقد روى البزار ذلك عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ولفظه: قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته، وإن كانوا دونه في العمل لتقرَّبهم عينه" ثم قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} الطور21 ثم قال: وما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر أثر ابن عباس الموقوف في المستدرك – كتاب التفسير – سورة الطور –: (2/468) ، وسكت عنه الحاكم والذهبي، وانظره في تفسير الطبري: (27/15-16) ، ورواه عنه سعيد بن منصور، وهناد بن السري وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في السنن كما في الدر المنثور: (6/119) وفي لفظ لأبي حاتم عنه قال: هم ذرية المؤمن يموتون على الإسلام فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم لحقوا بآبائهم، ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوا شيئاً، وحديثه المرفوع رواه البزار كما في مجمع الزوائد – كتاب التفسير – سورة الطور: (7/114) وقال الهيثمي: فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري، وفيه ضعف 1هـ رواه ابن مَرْدُوْيَهْ أيضاً كما في الدر المنثور: (6/119) ورواه النحاس في الناسخ والمنسوخ كما في تفسير القرطبي: (17/66) وقال: فصال الحديث مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وكذا يجب أن يكون، لأن ابن عباس لا يقول هذا إلا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأنه إخبار عن الله – عز وجل – بما يفعله، وروي ابن مَرْدُوْيَهْ أيضاً كما في الدر: (6/119) والطبراني في الصغير والكبير عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به" وقرأ ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ" الآية، قال الهيثمي: فيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، وهو ضعيف.

وعلى هذا القول فالمراد من الذرية الأولاد الكبار، وقوله:"بإيمان" في محل نصب الحال من الفاعلين وهم الذرية الكبار الذين تبعوا آبائهم في الإيمان، ولذلك قال النسفي: نُلحِقُ الأولاد بإيمانهم وأعمالهم درجات الآباء، وإن قصرت أعمال الذرية عن أعمال الآباء 10هـ ويصح الجار والمجرور "بإيمان" متعلقاً بالإتباع - أي اتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجملة قاصر عن رتبة إيمان الآباء، وإليه مال الألوسي (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر قول النسفي في مدارك التنزيل: (5/99) ، وانظر ذلك التقدير في تفسير القرطبي: (17/67) وانظر قول الألوسي في روح المعاني: (27/32) ، وهو في البحر المحيط أيضاً: (8/148) ، وإرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: (8/148) .

2- تحتمل الآية المباركة أيضاً: أن الله – جل ثناؤه – يلحق الأبناء الصغار وإن لم يبلغوا زمن الإيمان بآبائهم المؤمنين في درجتهم ومنزلتهم في جنات النعيم، ليتم للآباء السرور العظيم، تفضيلا ً وإحسانا ً من أرحم الراحمين، وهذا القول كسابقه نقل موقوفاًَ على ابن عباس – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ولفظه: "إن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار"، قال الحافظ في الفتح: وهذا أصح ما ورد في تفسير هذه الآية، وبه جزم ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري: (3/245) ، وانظر أثر ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – الموقوف في تفسير الطبري: (27/15) ونقله الطبري أيضاً عن الضحاك، وجابر بن زيد – رحمهم الله جميعاً – ورواية على – رضي الله تعالى عنه – المرفوعة رواها عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند: (1/134-135) وهي في مجمع الزوائد – كتاب القدر – باب ما جاء في الأطفال –: (7/217) وقال الهيثمي: وفيه محمد بن عثمان لم أعرفه 10هـ والحديث استشهد به الحافظ في الفتح: (3/245) وقال: هذا أصح ما ورد في تفسير الآية، ولم يتكلم على الرواية بشيء، وصنيعه ذلك أن تلك الرواية في درجة الحسن على أقل تقدير حسبما أفصح. عن مسلكه في هدي الساري: (4) وقد أورد الحديث ابن كثير في تفسيره: (4/242) ، والسيوطي في الدر المنثور: (6/119) ، والذهبي في الميزان: (3/642) ، وقال: إن الخبر منكر، ومحمد بن عثمان لا يدري من هو فتشت عنه في أماكن، ونقل ذلك ابن حجر في لسان الميزان: (5/279) وقال: قلت: والذي يظهر لي أنه هو الواسطي المتقدم، أي في: (5/278) وقد ذكر في ترجمته أن الأزدي ضعفه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحافظ في تعجيل المنفعة: (372) قال شيخنا الذهبي ذكره ابن حبان في الثقات أ..هـ وبهذا تعلم أن قول الهيثمي المتقدم في محمد بن عثمان صدر منه قبل رؤيته لترجمة محمد بن عثمان في ثقات ابن حبان، أو ذهل عنه حال الكلام عليه في المجمع، والحديث قد أعله ابن القيم في طريق الهجرتين: (510) من وجهين: أحدهما أن محمد بن عثمان مجهول والثاني أن زادان لم يدرك علياً – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أ. هـ وكلا الوجهين غير مسلمين، أما زادان فقد أدرك علياً وروى عنه، وهو من رجال مسلم والسنن الأربعة كما في تهذيب التهذيب: (3/302) ، وميزان الاعتدال: (3/63) ،وأما محمد بن عثمان فقد علمت ما جرى حوله من كلام، وقد عقب الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند: (2/259) على كلام الأزدي فيه، بقوله: يغلو في التضعيف بغير حجة، وعقب على كلام الذهبي بقوله: دعوى الذهبي أن الخبر منكر لا دليل عليها، وليس في معناه نكارة، ولذلك قال الشيخ أحمد شاكر: إسناد الحديث حسن على الأقل إن شاء الله تعالى أ. هـ وقد قدمت أن صنيع الحافظ في الفتح يشير إلى ذلك والله أعلم وما ورد في الحديث لشريف من أن أولاد المشركين مع آبائهم فسيأتيك عما قريب تفصيل القول في ذلك – إن شاء الله تعالى – مع الجمع بين أطراف الأدلة. ... انظر روح المعاني: (27/33) ، وتفسير القرطبي: (17/67) ، والحكم للولد بالإيمان تبعاً لأحد أبويه مقرر في الشريعة فالمولود يتبع خير أبوية ديناً، ويتبع أمه في الحرية والرق، ويتبع أباه في النسب كما في حاشية العنقري على الروض المربع: (3/205) .

.. وعلى هذا القول فالمراد من الذرية الأولاد الصغار، ويكون قوله – جل وعلا –: "بإيمان" متعلقاً بأحد أمور ثلاثة: أ- بألحقنا أي: ألحقنا بسبب إيمان الآباء بهم ذريتهم الصغار الذين ماتوا، ولم يبلغوا التكليف فهم في الجنة مع آبائهم. ب- يجوز أن يتعلق "بإيمان" بقوله: "واتبعتهم" على معنى اتبعتهم بهذا الوصف، بأن حكم لهم به تبعاً لآبائهم ـ فكانوا مؤمنين حكماً لصغرهم وإيمان آبائهم، والصغير يحكم بإيمانه تبعاً لأحد أبويه المؤمن، ذكر هذا والذي قبله الإمام الألوسي – عليه رحمة الله تعالى –. جـ- قال القرطبي في تفسيره – عليه رحمة الله تعالى –: إن جُعلت الذرية ههنا للصغار كان قوله – جل وعلا – "بإيمان" في موضع الحال من المفعولين، وكان التقدير: بإيمان من الآباء.

.. والآية المباركة – كما قدمت تحتمل القولين، والقول بهما هو المتعين فالله – جل وعلا – يتكرم على المؤمنين يوم القيامة فيلحق الذرية الكبار بدرجة الآباء – وإن لم تؤهلهم أعمالهم لدرجات آبائهم – فضلا ً منه ومنة، ويلحق أيضاً الذرية الصغار بدرجة آبائهم، وأن لم يصدر منهم عمل ما لانعدام تكليفهم لصغرهم، وقد رجح الطبري القول الأول ولم يرد القول الثاني، بل ذكر أن له ما يقرره، وإذا كان الطبري رجح القول الأول فإن القول الثاني قد رجحه القاضي منذر بن سعيد البَلُّوطي، وقال به الإمام الشافعي – رحمهم الله جميعاً – وعبارته في كتاب الأم: إن الله – عز وجل – بفضل نعمته أثاب الناس على الأعمال أضعافهما، ومن ّ على المؤمنين بأن ألحق بهم ذرياتهم، ووفر عليهم أعمالهم، فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} الطور21 فلما منّ على الذراري بإدخالهم جنته بلا عمل كان أن منّ عليهم بأن يكتب لهم عمل البر في الحج وإن لم يجب عليهم، ثم قال وقد جاءت الأحاديث في أطفال المسلمين أنهم يدخلون الجنة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر نسبة ما تقدم وتفصيله في تفسير الطبري: (27/16) ، ونسب الألوسي في تفسيره: (27/32) ترجيحَ القول الأول إلى معظم العلماء , وأكثرهم، وإليه يظهر ميل ابن كثير في تفسيره: (4/242) وانظر قول القاضي منذر بن سعيد في البحر المحيط: (8/149) وروح المعاني: (27/32) ومنذر بن سعيد البَلُّوطي هو القاضي العادل الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، وبقي في القضاء في الأندلس ستة عشر عاماً لم يحفظ عليه جور في قضية ولا قسم بغير سوية، جمع صنوف الخير، والتقوى والزهد، ومواقفه مع الأمراء لا تقل عن مواقف الحسن البصري – رحمهم الله جميعاً – توفي سنة 366هـ انظر سيرته العطرة وترجمته المباركة الفاخرة في البداية والنهاية: (11/288) ، وشجرة النور: (1/90) وشذرات الذهب: (3/17) وانظر قول الشافعي في الأم: (2/11) ونقله عنه البيهقي في الاعتقاد: (168) . ... وبوقوفك على ما تقدم لن تتوقف في رد كلام القاسمي في محاسن التأويل: (16/212) حيث قال: وأما من قال في معنى الآية: إن المؤمن ترفع له ذريته فيلحقون به، وإن كانوا دونه في العمل فلا تقتضيه الآية تصريحاً ولا تلويحاً أ. هـ.

.. والقول الثاني في الآية الكريمة يقرر القول الصحيح القويم في دخول أطفال المسلمين جنة رب العالمين والله – تعالى – أعلم. ... وأما دلالة السنة المشرفة على دخول أطفال المسلمين الجنة المباركة فمتعددة متنوعة سأقتصر على اثنين منها: 1- الدلالة الأولى ثبوت شفاعة الأولاد لآبائهم وأمهاتهم إذا ماتوا صغاراً: ... روى البخاري في كتاب الجنائز – باب ما قيل في أولاد المسلمين – عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحِنثَ إلا ادخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم". ... وورد في الصحيحين وغيرهما اعتبار ذلك الفضل لمن مات له اثنان من أولاده، ولفظ الحديث عند البخاري عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنهم أجمعين – أن النساء قلن للنبي – صلى الله عليه وسلم –: اجعل لنا يوماً فوعظهن، وقال: "أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجاباً من النار، فقالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان". ... وتلك الفضيلة يحصلها الرجال أيضاً كما تحصلها النساء، وقد وردت بذلك روايات متعددة وأحاديث كثيرة صحيحة، ومنها ما في المسند ومعجم الطبراني الكبير بسند رجاله ثقات عن أبي ثعلبة الأشجعي – رضي الله تعالى عنه – قال قلت مات لي يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولدان في الإسلام، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "من مات له ولدان في الإسلام أدخل الله – عز وجل – الجنة بفضل رحمته إياهما" قال: فلما كان بعد ذلك لقيني أبو هريرة – رضي الله تعالى عنهما – فقال لي: أنت الذي قال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الولدين ما قال؟ قلت: نعم، فقال: لئن قاله لي أحب إليه من مُلْكي حِمْص وفلسطين" أي: لو حصل لي ما حصل لك لكان أحب إلي من ملكي لحصن وفلسطين، وما يحويانه من متاع ثمين.

.. وقد وردت الأحاديث الشريفة بزف تلك البشارة العظيمة لمن قدم ولداً واحداً أيضاً ففي سنن الترمذي عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "من كان له فرطان من أمتي أدخله الله بهما الجنة، فقالت عائشة – رضي الله تعالى عنها –: فمن كان له فرط من أمتك؟ قال: فأنا فرط أمتي، لن يصابوا بمثلي (¬1) ¬

_ (¬1) انظر الرواية الأولى عن أنس – رضي الله تعالى عنه – في صحيح البخاري بشرح ابن حجر: (3/244) ورواها البخاري أيضاً في كتاب الجنائز – باب فضل من مات له ولد فاحتسب: (3/118) بشرح ابن حجر والأدب المفرد: (25) وانظرها في سنن النسائي – كتاب الجنائز – باب من يتوفى له ثلاثة –: (4/21) وسنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ما جاء في ثواب من أصيب بولده –: (1/512) والمسند: (3/152) وشرح السنة للبغوي – كتاب الجنائز – باب ثواب من مات له ولد فاحتسب: (5/453) ، والحديث رواه ابن حبان بنحوه ولفظه: "من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة" انظر موارد الظمآن – كتاب الجنائز – باب موت الأولاد: (185) ، وقد روي معنى ذلك الحديث عن غير أنس – رضي الله تعالى عنه – فرواه البخاري في كتاب الجنائز – باب فضل من مات له ولد فاحتسب: (3/118) ، وفي كتاب الإيمان – باب 9: (11/541) بشرح ابن حجر ورواه في الأدب المفرد: ومسلم في كتاب البر – باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه: (4/2028) والبغوي في شرح السنة – العنوان السابق: (5/450-451) ، والترمذي في كتاب الجنائز – باب ما جاء في ثواب من قدم ولداً: (3/365) والنسائي في كتاب الجنائز – باب من يتوفى له ثلاثة: (4/21) وابن ماجه في كتاب الجنائز – باب ما جاء في ثواب من أصيب بولده: (1/512) ، وأحمد في المسند: (2/479،473،276،240) ومالك في الموطأ – كتاب الجنائز – باب الحسبة في المصيبة: (1/235) والحميدي في مسنده: (2/444) ، والطيالسي: (2/46) منحة المعبود، كلهم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين بلفظ "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار، إلا تحلة القسم" ورواه النسائي في المكان المتقدم أيضاً، وأحمد في المسند: (2/510) وسنده جيد كما في تخريج الإحياء: (2/27) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته الجنة، وقال: يقال لهم ادخلوا الجنة، قال: فيقولون: حتى يجيء أبوانا، قال ثلاث مرات، فيقولون مثل ذلك، فيقال لهم: ادخلوا الجنة أنتم وأبواكم"، وقد روى هذه الرواية الطبراني في الكبير عن حبيبة – رضي الله تعالى عنها – كما في مجمع الزوائد: (3/7) ، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح خلا يزيد بن أبي بكرة ولم أجد من ترجمه، وأعاده بإسناد آخر، ورجاله ثقات وليس فيه يزيد بن أبي بكرة، والله أعلم 10هـ وقال المنذري في الترغيب والترهيب: (3/77) ، إسناده حسن جيد ورواه مسلم في المكان المتقدم، وأحمد في المسند: (2/536،419) والبخاري في الأدب المفرد: (24) عن أبي هريرة أيضاً – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: أتت امرأة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بصبي لها، فقالت: يا نبي الله ادع الله لي، فلقد دفنتُ ثلاثة، قال: "دفنتِ ثلاثة؟ قالت: نعم، قال: لقد احتظرت بحظار شديد من النار" وفي المسند: (5/83) ، ومعجم الطبراني الكبير كما في مجمع الزوائد: (3/6) عن امرأة يقال لها رجاء – رضي الله تعالى عنها – قالت: كنت عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ جاءته امرأة بابن لها، فقالت: يا رسول الله، ادع لي فيه بالبركة، فإنه قد توفي لي ثلاثة، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "أمنذ أسلمت؟ قالت: نعم، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جُنّة حصينة فقال لي رجل: اسمعي يا رجاء ما يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح، إلا أن الطبراني سماها رحما أ. هـ ورواه أحمد في نفس المكان عن ابن سيرين عن ماوية عن رجل من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – قال الهيثمي في نفس المكان أيضاً: رجاله رجال الصحيح خلا ماوية شيخة ابن سيرين أ. هـ ورواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الكبير عن عثمان بن أبي العاص – رضي الله عنهم أجمعين – ولفظه "لقد استجن جُنّة حصينة من سلف له ثلاثة أولاد في الإسلام" ولفظ البزار "بِجُنة كنيفة" وفيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة وهو ضعيف كما في مجمع الزوائد: (3/6) وما قبله يشهد له، وروى أحمد في المسند: (5/164،159،153،151) وابن حبان كما ورد في الظمآن: (185) ، والنسائي في كتاب الجنائز – باب من يتوفى له ثلاثة: (3/21) والبخاري في الأدب المفرد: (25) عن أبي ذر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا غفر الله لهما بفضل رحمته إياهم" ورواية ابن حبان وإحدى روايات المسند: "إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم"، وروي أحمد في المسند: (4/184،183) ، وابن ماجه في كتاب الجنائز – باب ما جاء في ثواب من أصيب بولده: (1/512) عن عتبة السلمي – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل" والحديث في درجة الحسن نص على ذلك المنذري في الترغيب والترهيب: (3/75) وابن حجر في الفتح: (3/121) فرجاله كلهم على شرط البخاري إلا شرحبيل بن شفعة الشامي فقد انفرد ابن ماجه عنه من الستة وهو صدوق كما في التقريب: (1/349) ، وانظر بلوغ الأماني: (19/140) فقد حكم البنا عليه بقوله: وسنده جيد وفي المسند: (3/14) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من قدم ثلاثة من ولده حجبوه من النار" وهو حديث صحيح كما في بلوغ الأماني: (19/143) ورواه مُسدَّد كما في المطالب العالية: (1/195) عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – موقوفاً عليها من قولها وهو في معجم الطبراني الأوسط عنها مرفوعاً بلفظ "من قدم شيئاً" إلخ فيه أبو يحيى التيمي وهو ضعيف، وقال ابن عدي له أحاديث حسنة وبقية رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: (3/9) وروى أحمد في المسند: (4/386) والطبراني في الثلاثة كما في المجمع: (10/279) ورجال أحمد ثقات وقال المنذري في الترغيب والترهيب: وإسناده حسن عن عمرو بن عبسة – رضي الله تعالى عنه – فقال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "أيما رجل مسلم قدم لله – عز وجل – من صلبه ثلاثة لم يبلغوا الحنث، أو امرأة فهم له سترة من النار" وفي رواية أخرى في المسند أيضاً: "من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة برحمته إياهم"، وفي المسند: (4/144) ومعجم الطبراني الكبير كما في المجمع: (3/5) ورجال الطبراني ثقات كما في المجمع والترغيب والترهيب: (3/77) عن عقبة بن عامر – رضي الله تعالى عنه – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله وجبت له الجنة" وفي المسند: (6/431،376) ، ومعجم الطبراني الكبير كما في المجمع: (3/6) ، عن أم سليم وهي أم أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قالت سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من امرأين مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله الجنة بفضل الله ورحمته إياهم" وفي لفظ آخر في المسند: "ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته، قالها ثلاثاً" قال الهيثمي: فيه عمرو بن عاصم الأنصاري لم أجد من وثقه ولا من ضعفه، وبقية رجاله الصحيح أ. هـ وعمرو بن الأنصاري روى له البخاري في الأدب المفرد كما في تهذيب التهذيب: (8/59) وحكم عليه ابن حجر في التقريب: (2/73) بأنه مقبول وروى الطبراني كما في المجمع: (3/7) والترغيب والترهيب: (3/77) عن عبد الرحمن بن بشير الأنصاري – رضي الله تعالى عنه – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد النار إلا عابر سبيل" يعني الجواز على الصراط المستقيم قال الهيثمي: رجاله موثقون خلا شيخ الطبراني أحمد بن مسعود المقدس لم أجد من ترجمه، وقال المنذري: إسناده لا بأس به، وله شواهد كثيرة، وروى ابن شيبة في المصنف: (2/145) عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما من مؤمنين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهما"، وروي أيضاً في نفس المكان عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "من احتسب ثلاثة من ولده لم يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم" وروى البزار بسند رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: (3/8) والطبراني في الكبير بسند صحيح كما في الترغيب والترهيب: (3/78) عن زهير بن علقمة قال: جاءت امرأة من الأنصار – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بابن لها قد مات، فقالت: يا رسول الله، إنه قد مات لي ابنان سوى هذا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "لقد احتظرت من النار بحظار شديد". ... وأما الرواية الثانية التي فيهما اعتبار ذلك الفضل لمن قدم ولديه فقط فرواها البخاري في كتاب العلم – باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم؟: (1/195) ، وفي كتاب الجنائز – باب فضل من مات له ولد فاحتسب: (3/118) ، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب 9: (13/292) ، بشرح ابن حجر في الجميع، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب – باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه: (4/2028) ، وأحمد في المسند: (3/72،34) ، والبغوي في شرح السنة – كتاب الجنائز – باب ثواب من مات له ولد فاحتسبه: (5/454) ، والحديث رواه مسلم أيضاً في المكان المتقدم، وأحمد في المسند: (2/278،246) والحميدي في مسنده: (2/444) عن أبي هريرة وعلقه البخاري في كتاب الجنائز – باب 6: عن شريك عن أبي سعيد وأبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: (3/118) بشرح ابن حجر، ووصله ابن أبي شيبة كما في الفتح: (3/122) ورواه أيضاً في الأدب المفرد: (25) ، ولفظ الحديث أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "ما من امرأة تقدم ثلاثة من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة، فقالت امرأة: أو اثنان؟ قال: أو اثنان" ورواه النسائي في كتاب الجنائز – باب ثواب من احتسب ثلاثة من صلبه: (4/20) عن أنس – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة، فقامت امرأة فقالت: أو اثنان؟ قال: أو اثنان، قالت المرأة: يا ليتني قلت واحداً" ورواه مالك في الموطأ – كتاب الجنائز – باب الحسبة في المصيبة: (1/135) عن أبي النضر السلمي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار، فقالت امرأة عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: يا رسول الله أو اثنان؟ قال: أو اثنان" وروى أحمد في المسند: (3/306) بسند رجاله ثقات كما في المجمع: (3/7) ، وابن حبان كما في موارد الظمآن: (185) , والبخاري في الأدب المفرد: (25) عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهم أجمعين- قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم دخل الجنة" قال: قلنا يا رسول الله واثنان؟ قال: واثنان" قال محمود

في جنة النعيم يوم الدين، أن من كان سببا ً في حجب أبويه عن النار، ودخولهما الجنة مع الأبرار فهو أولا في حصول ذينك الأمرين له، لأنه أصل الرحمة وسببها، ولهذا كان الصحيح في عود الضمير في قوله: "بفضل رحمته إياهما" إلى الله – عز وجل – والمعنى: بفضل رحمة الله – جل وعلا – للأولاد كما دل على هذا رواية ابن ماجه، ولفظها عن أنس – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته إياهم" ورواها أحمد في المسند بلفظ "ما من رجل مسلم يموت له ثلاثة من ولده لم يبلغوا الحنث إلا أدخل الله – عز وجل – أبويه الجنة بفضل رحمته إياهم" وروى النسائي وأحمد وابن حبان عن أبي ذر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم"، وفي المسند وسنن النسائي عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة، قال: يقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم" هذا لفظ النسائي ولفظ المسند: "إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته الجنة" وباقي الحديث بنحو رواية النسائي، وروى أحمد عن أم سُليم – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أنها سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من امرأين مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله الجنة بفضل رحمته إياهم" وفي رواية عنها في المسند أيضاً "ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته.

قالها ثلاثاً (¬1) ". الدلالة الثانية الإخبار عنهم بأنهم في الجنة: ¬

_ (¬1) تقدم تخريج تلك الروايات تخريجاً مطولاً، وما ذكر من الاستدلال بتلك الروايات على كون الأولاد في الجنة أفاده الحافظ في الفتح: (3/244) ، وقد عد العلماء أن من مقاصد النكاح وفوائده تحصيل الولد وبه يتوصل إلى فضائل كثيرة وأبرزها: إبقاء جنس الإنسان لعبادة الرحمن – جل جلاله – وإقرار عين النبي – صلى الله عليه وسلم – بكثرة أمته، والانتفاع بدعاء الولد إن عاش، وطلب الشفاعة بموته إن مات. انظر تفصيل ذلك مع الكلام على مقاصد النكاح وفوائده السبعة وهي: حصول الولد، والتحصن من الحرام، والتخلص من الفضلات، والأنس بالجنس وترويح النفس بذلك، وكثرة العشيرة ومجاهدة النفس، وتذكرة لذة الآخرة، وفي كتاب الإحياء: (2/22-34) ، وفي شرحه أيضاً زيادة تقرير: (5/285-324) .

.. ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة – رضي الله عنهم أجمعين –: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: قال نعم، صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه، أو قال: أبويه، فيأخذ بثوبه، أو قال بيده، كما آخذ أنا بِصَنِفَةِ ثوبك هذا، فلا يتناهى، أو قال: فلا ينتهي حتى يدخله الله وإياه الجنة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب البر والصلة والآداب – باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه –: (16/182) بشرح النووي، ومسند الإمام أحمد: (2/510) ، وشرح السنة للبغوي – كتاب الجنائز – باب ثواب من مات له ولد فاحتسبه: (5/152) ،والأدب المفرد – باب فضل من مات له الولد: (24) وصنفة الثوب بفتح الصاد وكسر النون طرفه، والدعاميص جمع دُعموص بضم الدال وأصل الدعموص دويبة تكون في الماء لا تفارقه أي: أن هذا الصغير في الجنة لا يفارقها، كما في شرح النووي وذكر المنذري في الترغيب والترهيب: (3/76) معنىً ثانياً للدعموص فقال: وقيل: هو اسم للرجل الزوار للملوك الكثير الدخول عليهم والخروج لا يتوقف على إذن منهم، ولا يخاف أين ذهب من ديارهم، شبه به الطفل لكثرة ذهابه في الجنة حيث شاء لا يمتنع من بيت فيها، ولا موضع أ. هـ.

وفي مسند الإمام أحمد بسند رجاله ثقات عن بعض أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: "يقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة، قال: فيقولون: يا رب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا، قال: فيأتون، قال: فيقول الله – عز وجل –: مالي أراهم مُحْبَنْطِئينَ، ادخلوا الجنة، قال: فيقولون: يا رب آباؤنا وأمهاتنا، قال: فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/105) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (3/11) ورجاله ثقات 1هـ وقد رواه ابن حبان في الضعفاء من طريق آخر لا يصح كما في تخريج أحاديث الإحياء: (2/22) ، ومعنى: محبنطئين: متغضبين مستبطئين ممتنعين، جمع محبنطئ كما في اللسان: (1/51) "حبطأ". وقد تقدمت أحاديث عن أبي هريرة وحبيبة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – تدل على امتناع دخول الأولاد الجنة حتى يدخلها آباؤهم وأمهاتهم فانظرها في التخريج الموسع للحديث العظيم الدال على الفضل الكريم لمن مات له ثلاثة من أولاده القاصرين.

وفي مسند الإمام أحمد، وصحيح ابن حبان، ومستدرك الحاكم، وسنن النسائي، وغيرها واللفظ للأخير عن معاوية بن قرة عن أبيه – رضي الله تعالى عنهما – قال: كان نبي الله – صلى الله عليه وسلم – إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: "مالي لا أرى فلاناً؟ قالوا: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بُنَيّه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي – صلى الله عليه وسلم – فسأله عن بُنِّيه، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: أيما كان أحب إليك: أن تمتع به عمرك، أو لا يأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله – صلى الله عليه وسلم – بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي، لهو أحب إليّ، قال: فذاك لك" وفي رواية الحاكم وغيره: "فقال رجل: أله خاصة أو لكلنا؟ قال: بل لكلكم (¬1) ¬

_ (¬1) انظر مسند أحمد: (3/436،5/35) ، وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان – كتاب الجنائز – باب موت الأولاد: (185) ، ومستدرك الحاكم – كتاب الجنائز –: (1/384) ، وسنن النسائي – كتاب الجنائز – باب الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة: (4/20) ،وباب في التعزية: (4/95) ، وسنن البيهقي: (4/60،59) ، ومنحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود: (2/46) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (3/10) والمنذري في الترغيب والترهيب: (3/79) رجال أحمد رجال الصحيح - وسند النسائي صحيح كما في تعليق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط على جامع الأصول: (9/594) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي، وقد روي الحديث في المسند: (3/467) عن حوشب – رضي الله تعالى عنه – بنحو رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – ولفظ الرواية: عن حسان بن كريب أن غلاماً منهم توفي فوجد عليه أبواه أشد الوجد، فقال حوشب صاحب النبي – صلى الله عليه وسلم –: ألا أخبركم بما سمعت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في مثل ابنك؟ إن رجلا ً من أصحابه كان له ابن قد أدِّبَ أو دَبَّ وكان يأتي مع أبيه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم إن ابنه توفي، فوجد عليه أبوه قريباً من ستة أيام لا يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "لا أرى فلاناً" قالوا: يا رسول الله إن ابنه توفي فوجد عليه، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يا فلان، أتحب لو أن ابنك عندك الآن كأنشط الصبيان نشاطاً؟ أتحب أن ابنك عندك أجرأ الغلمان جرأة؟ أتحب أن ابنك عندك كهلا ً كأفضل الكهول؟ أو يقال لك: ادخل الجنة ثواب ما أخذ منك؟ ". قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (3/9) فيه ابن لهيعة، وفيه كلام. وروى نحوه الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وفيه إبراهيم بن عبيد من التابعين وهو ضعيف وبقية رجاله موثقون كما في مجمع الزوائد: (3/10) ، ولفظ الحديث: أن رجلا ً من الأنصار كان له ابن يروح إذا راح إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فسأله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عنه، فقال: أتحبه؟ فقال: يا نبي الله – صلى الله عليه وسلم – نعم فأحبك الله كما أحبه، فقال إن الله تعالى أشد لي حباً منك له، فلم يلبث أن مات ابنه ذاك، فراح إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد أقبل عليه تيه (أي: حيرة) فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجزعت؟ قال: نعم: فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: أما ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يلاعبه تحت ظل العرش؟ قال: بلى يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ".

". وفي مسند الإمام أحمد، ومستدرك الحاكم وغيرهما بإسناد صحيح عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "أولاد المؤمنين في جيل في الجنة يكلفهم إبراهيم وسارَّة، حتى يردَّهم إلى آبائهم يوم القيامة (¬1) ". وثبت في مسند البزار بسند رجاله رجال الصحيح غير محمد بن معاوية بن مالج وهو ثقة عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سئل من في الجنة؟ فقال: "النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموؤدة في الجنة (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر مسند الإمام أحمد: (2/326) ، ومستدرك الحاكم: (1/384) – كتاب الجنائز – وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (7/219) عن طريق الإمام أحمد فيه عبد الرحمن بن ثابت وثقه المديني وجماعة وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله ثقات أ. هـ وقد حكم عليه ابن حجر في التقريب: (1/474) بأنه صدوق يخطئ، وهو من رجال السنن الأربعة والبخاري في الأدب المفرد 1هـ ورواية الحاكم تقوي سند المسند، وتشد من أزره. (¬2) انظر مجمع الزوائد: (7/219) ، ورواه الطبراني بحذف الموؤدة عن الأسود بن سريع – رضي الله تعالى عنه – وفيه جماعة وثقهم ابن حبان وضعفهم غيره وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه البزار عن أنس – رضي الله تعالى عنه – بلفظ "المولود في الجنة، والموؤدة في الجنة، وذكر ثالثاً فذهب عني" وفيه مختار بن مختار تكلم فيه الأزدي. وابن إسحاق مدلس وبقية رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: (7/219) .

وفي هذا الوجه من الدلالة والذي قبله بيان شافٍ كافٍ للحكم بدخول أولاد المسلمين جنة النعيم فضلا ً وكرماً من رب العالمين ولذلك عول على هذا القول جمهور المسلمين، ولم يذهب إلى الوقف في أمرهم إلا عدد قليل من المؤمنين، وهم بهذه الأدلة القوية من المحجوجين، والعلم عند رب العالمين مالك يوم الدين. وقبل الانتقال إلى بيان الشق الثاني من السؤال، وهو تفصيل المقال، في حكم أطفال أهل الشرك والضلال، ومن يشابههم في ذلك الحال، أحب أن أنبه إلى قول صار إليه بعض أهل الاعتزال في بيان مصير أولاد المسلمين في المآل، قال الأشرس النجس ثُمامة بن أشرس النَّحِس: إن إبراهيم ابن رسول الله الأمين – عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم –، وجميع أولاد المسلمين، الذين يموتون قبل كونهم بالغين، لا يدخلون الجنة في حين من الأحايين، بل يصيرون إلى تراب الأرضين (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر نسبة ذلك له، مع شيء من ترجمته المظلمة، وتعداد ضلالاته في الفصل في الملل والأهواء والنحل: (4/148-150) ، والملل والنحل للشهرستاني: (1/77) وفيه: إن ثُمامة كان جامعاً بين سخافة الدين وخلاعة النفس، وتاريخ بغداد: (7/145-148) ، وميزان الاعتدال: (1/371-372) ، ولسان الميزان: (2/83-84) ، والفرق بين الفرق: (172-175) .

وهذا الكلام باطل بشقيه، أما في أولاد المسلمين فلما علمت من الأدلة والبراهين، الدالة على كونهم في جنات النعيم، وأما بطلان ذلك في ولد نبينا الهادي الأمين – عليهما أفضل الصلاة وأتم التسليم – فالأمر أظهر، وقد تقدم حكاية الإجماع على كون أولاد الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام جميعاً – في الجنة، إذا ماتوا قبل البلوغ، وهذا الإجماع مبني على أدلة صحيحة غراء منها ما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن البراء بن عازب – رضي الله تعالى عنه – قال: لما توفي إبراهيم، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن له مرضعاً في الجنة (¬1) " وفي صحيح مسلم وغيره عن أنس ابن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: إنه لما توفي إبراهيم، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن إبراهيم ابني مات وإنه في الثَّدْى، وإن له لَظِئْرين تكملان رضاعه في الجنة (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب ما قيل في أولاد المسلمين: (3/244) ، وفي كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة: (6/320) ، وفي كتاب الأدب – باب من سمى بأسماء الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام -: (10/577) بشرح ابن حجر في الجميع وانظره في مسند الإمام أحمد: (4/304،302،300،297،289،284،283) وفي المكان الأول من المسند زيادة في آخر الحديث وهي: "وهو صدّيق" وانظره في سنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وذكر وفاته: (1/484) من وراية ابن عباس، والحسين بن علي – رضي الله تعالى عنهم –. (¬2) انظر صحيح مسلم – كتاب الفضائل – باب رحمته – صلى الله عليه وسلم – الصبيان والعيال، وتواضعه وفضل ذلك: (4/1808) ، ومسند الإمام أحمد: (3/112) .

وفي ثبوت هذا لإبراهيم، ولد نبينا سيد المرسلين – عليهم جميعاً أفضل الصلاة والتسليم – رجاء عظيم في حصول ذلك لأولاد المسلمين، وقد تقدم عند بيان ثبوت الفضل العظيم لمن قدم ولداً من المسلمين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – عزّى أحد أصحابه بموت ولده، فقال له: "أما ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يلاعبه تحت ظل العرش؟ قال: بلى يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –". القسم الثاني: من انخرمت فيه بعض شروط التكليف بتوحيد رب العالمين من غير أولاد المسلمين. تشتمل هذه المسألة على أطفال المشركين ومن لم تبلغهم دعوة رب العالمين، والهالكين الفترة والمجانين ومن في حكمهم، وللناس في مصيرهم في الآخرة أقوال متعددة، هاك تفصيلها، وبيان قيمة كل قول منها: الأول: الوقف فيهم وتفويض أمرهم إلى ربهم، فلا يجزم لهم بجنة ولا نار، بل يوكل حالهم إلى العزيز الغفار، وحجة هذا القول أربعة أمور: أ) جواب النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك ففي الصحيحين عن أبي هريرة وابن عباس – رضي الله تعالى عنهم – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سئل عن أطفال المشركين، من يموت منهم صغيراً، فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين (¬1) ". ب) لا يرتبط بذلك حكم دنيوي، فلا فائدة من البحث في ذلك. ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب ما قيل في أولاد المشركين –: (3/245) ، وفي كتاب القدر – باب الله أعلم بما كانوا عاملين: (11/493) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب القدر – باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين: (4/2049) ، وانظره في سنن النسائي – كتاب الجنائز – باب أولاد المشركين: (4/47-48) ، وهو في سنن أبي داود في كتاب السنة – باب في ذراري المشركين: (5/84-85) من رواية ابن عباس فقط، وكذلك هو في المسند: (1/215) ورواه أحمد أيضاً عن أبي هريرة في: (2/518،393،259) .

جـ) تعارض الأدلة في هذه المسألة كما سترى عند تعداد الأقوال فيها والسلامة في السكوت، وتفويض الحكم فيها إلى ذي العزة والجبروت. د) ثبوت نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الكلام في ذلك، ففي المستدرك وصحيح ابن حبان عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لا يزال أمر هذه الأمة مواتياً أو مقارباً ما لم يتكلموا في الولدان والقدر (¬1) " ... وهذا القول منقول عن الحماديَنْ ابن سلمة بن دينار، وابن زيد بن درهم، وعبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه كما في فتح الباري ونقل عن ابن عباس، ومحمد ابن الحنفية، والقاسم بن محمد كما في طريق الهجرتين، وإليه مال البغوي في شرح السنة (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر المستدرك – كتاب الإيمان –: (1/33) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا نعلم له علة، وأقره الذهبي، وانظره في موارد الظمآن – كتاب القدر – باب النهي عن الكلام في القدر والولدان: (451) ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح، والطبراني في الكبير والأوسط كما في المجمع: (7/202) ، ونقله ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل: (8/402) ، عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – موقوفاً عليه من قوله، ونسب تخريجه إلى إسحاق بن راهويه، ومحمد بن نصر المروزي بواسطة ابن عبد البر، وما ذكره ابن القيم في طريق الهجرتين: (509) من أن في القلب من رفعه شيء غير سديد. (¬2) انظر فتح الباري: (3/246) ، وطريق الهجرتين: (528-529) ، وشرح السنة: (1/155) ، وهذا القول: شامل لقول من قال بالوقف فيهم، أو هم تحت المشيئة، أو أمسك عن الكلام، أو كره الخوض في هذه المسألة، فاعلم وفي درء تعارض العقل والنقل: (8/397) كان أحمد يقف فيه، تارة يقف عن الجواب وتارة يردهم إلى العلم بقوله: "الله أعلم بما كانوا عاملين" وهذا أحسن جوابيه.

.. وهذا القول منقوض، ولذلك فهو مردود، فالحديث الشريف لا يدل على الوقف في هذه المسألة وإنما وكل علم ما كانوا يعلمون لو عاشوا إلى الله – سبحانه وتعالى – والمعنى: الله أعلم بما كانوا يعملون لو عاشوا، فهو – سبحانه وتعالى – يعلم القابل للهدى العامل به لو عاش، والقابل منهم للكفر المؤثر له لو عاش، لكن لا يدل هذا على أنه يجزيهم بمجرد علمه فيهم بلا عمل يعملونه، وإنما يدل على أنه يعلم منهم ما هم عاملون بتقدير حياتهم. ... وعلى هذا فليس في الحديث دلالة على نفي امتحانهم في الآخرة، وهو القول الحق في هذه المسألة كما سيأتينا عما قريب. ... وأما عدم تعلق حكم دنيوي بهذه المسألة، فلا يدل ذلك على وجوب الوقف فيهم، بل ولا على استحبابه، لأن معرفة أحكام الشارع الثابتة من جملة المطلوبات ويثيب على معرفته رب الأرض والسموات ولا مبرر للوقف في هذه المسألة لتعارض الأدلة، لأن الجمع بينها ممكن وهو في غاية اليسر والسهولة فما الداعي لتجاوزه إلى الأمر الرابع (¬1) ¬

_ (¬1) وهو الوقف، لأن الأخبار إن تعارضت يجمع بينها أولاً، ولا يعدل عن ذلك إذا أمكن، فإعمال الدليلين خير من إهمال أحدهما، وإلا يصار إلى النسخ وإلا إلى الترجيح، فإذا لم يكن نتوقف عن العمل بها كلها، كما في فتح المغيث: (3/78) ، ونزهة النظر: (39-40) ، وتدريب الراوي: (388) ، وتيسير مصطلح الحديث: (56-57) ،وللترجيح طرق كثيرة ذكر منها الحازمي في الاعتبار: (9/23) خمسين وجهاً، وقال: وثم وجوه أخر أضربنا عن ذكرها كيلا يطول بها هذا المختصر أ. هـ وسرد العراقي في نكته على ابن الصلاح: (245-250) مائة وجه، وعشرة وجوه، وقال: وثم وجوه أخر للترجيح إلخ.

.. وأما نهي النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الكلام في الولدان فالمراد منه ذم من تكلم فيهم بغير علم، أو ضرب النصوص بعضها بعض فيهم، وأما من تكلم فيهم بعلم وحق فلا لوم، ولا ذم (¬1) . الثاني: الحكم لهم بالجنة، والحجة في ذلك ثلاثة أمور: أ- آيات القرآن العظيم المصرحة بعدم تعذيب الله للعباد قبل إرسال الرسل الكرام – عليهم صلوات الله وسلامه – إليهم، وإنزال الكتب عليهم، ولذلك يعترف الكفار عندما يدخلون النار، بأن النذر جاءتهم، ودعوة الله بلغتهم، لكنهم كذبوا واستكبروا، وقد تقدمت الآيات الدالة على ذلك عند بيان شروط التكليف بالتوحيد، وقد أخبر ربنا – جل وعلا – أن النار لا يصلاها إلا الكفار، فقال – عز وجل –: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} الليل 14-16 وقال – تبارك وتعالى: {وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} آل عمران131. ... وإذا لم يكن هؤلاء من أهل النار، فهم من أهل الجنة، فهي دار الفضل والله ذو الفضل العظيم. ب- ثبوت الدلالة الشريعة في السنة الصحيحة: ¬

_ (¬1) أفاد الجواب الأولَ والأخيرَ الإمامُ ابنُ القيم ِ في طريق الهجرتين: (509،507) .

.. ورد في صحيح البخاري في حديث سمرة بن جندب – رضي الله تعالى عنه – الطويل في قص النبي – صلى الله عليه وسلم – رؤياه على أصحابه، وفيه: "إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا: انطلق، وإني انطلقت معهما فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال، قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ فقالا له: إنا سنخبرك: أما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم – صلى الله على نبينا وعليه وسلم تسليماً كثيراً – وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأولاد المشركين" قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: فهذا الحديث صريح في أنهم في الجنة، وؤيا الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – وحيٌ (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب التعبير – باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح: (12/438-439) ، وفي كتاب الجنائز – باب 93: (3/252) بشرح ابن حجر فيهما، وانظره في المسند: (5/9، 14-15) وانظر قول ابن القيم في طريق الهجرتين: (513) ، ونحوه في فتح الباري: (12/445) ، وقوله " فأتينا على روضة معتمة بضم الميم وسكون المهملة، وكسر المثناة، وتخفيف الميم، وبعدها هاء تأنيث، ولبعضهم بفتح المثناة، وتشديد الميم، والذي يظهر أن ذلك من العتمة، وهو شدة الظلام، فوصفها بشدة الخضرة كقوله – جل وعلا –: "مدهامتان" الرحمن 64 أي سوداوان من شدة خضرتهما، كما في الفتح: (12/443) .

.. وروى أبو يعلى بسند رجاله ثقات عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم، فأعطانيهم (¬1) ". ... وقد تقدم عند البحث في أولاد المسلمين، قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "النبي في الجنة والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والموؤدة في الجنة"، والمولود شامل للصغير من أولاد المسلمين والمشركين، ويؤكد هذا المعنى لفظ "المؤودة " التي وئدت من قبل أبويها المشركين. جـ- دلالة المعقول، المستمدة مما جاء به نبينا الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبيان ذلك بعدة أمور: ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد – كتاب القدر – باب في أولاد المشركين: (7/219) قال الهيثمي: رواه أبو يعلى من طرق، ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن المتوكل، وهو ثقة 10هـ وقال الحافظ في فتح الباري: (3/246) : إسناده حسن والمراد من اللاهين: الأطفال كما دل على هذا رواية البزار والطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بعض مغازيه فسأله رجل – فقال: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما تقول في اللاهين، قال: فسكت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم يرد عليه كلمة، فلما فرغ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من غزوه وطاف، فإذا هو بغلام قد وقع وهو يعبث بالأرض، فنادى مناديه: أين السائل عن اللاهين؟ فأقبل الرجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن قتل الأطفال، ثم قال: الله أعلم بما كانوا عاملين، هذا من اللاهين " قال الهيثمي في المجمع: (7/18) فيه هلال بن خباب وهو ثقة وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح 1هـ واستشهد به الحافظ في الفتح: (3/46) ، ونسبه إلى البزار وصنيعه يقضي بحسن الحديث.

1- الجنة دار فضل الله – جل وعلا – والنار عدله، ولا يستقيم في عدل الملك الرحمن تعذيب من لم توجد فيه شروط التكليف من إنس وجان كما أخبر بذلك الرحيم الرحمن وإذا انتفى دخول هؤلاء دار الجحيم، ثبت كونهم من أهل جنة النعيم، فليس في الآخرة إلا دار الإحسان، ودار العقوبة لأهل العصيان. 2- يستحيل تعذيب هؤلاء، لأن تعذيبهم إما مع تكليفهم بالإيمان، أو بدون تكليف، والقسمان ممتنعان: فيمتنع بالأدلة المتقدمة في شروط التكليف بالتوحيد، ومن أن الله المجيد، لا يعذب أحداً من العبيد، إلا بعد قيام الحجة، ووضوح المحجة. 3- لا يصح تعذيب هؤلاء لانتفاء الإيمان عنهم، لأنهم يشتركون في ذلك مع أطفال المسلمين، فالإيمان الفعلي لم يوجد منهم أجمعين، ولا يصح القول بأن منع العذاب عن أطفال المسلمين بسبب تبعيتهم لآبائهم بخلاف أطفال المشركين، لأن الله لا يعذب أحداً بذنب غيره كما قال الله – جل وعلا –: {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} يس54، وقال – جل جلاله –: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} الزمر7.

4- أولاد المشركين مولودون على الفطرة، ولم يطرأ عليهم ما يغيرها، فينبغي الحكم لهم بالجنة، وقد ثبت عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – الإخبار بولادة المولودين على فطرة رب العالمين، ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه –: اقرؤوا إن شئتم: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم30 (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب 79: (3/219) ، وباب ما قيل في أولاد المشركين: (3/245-246) ، وكتاب التفسير – سورة الروم – باب "لا تبديل لخلق الله": (8/512) ، وفي كتاب القدر – باب الله أعلم بما كانوا عاملين: (11/493) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب القدر – باب معنى كل مولود يولد على الفطرة: (4/2047-2049) ، وسنن الترمذي في كتاب القدر – باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة: (6/312) ، وسنن أبي داود – كتاب السنة – باب في ذراري المشركين: (5/86) ، وموطأ مالك – كتاب الجنائز باب جامع الجنائز: (1/241) ، وشرح السنة للبغوي – كتاب الإيمان – باب أطفال المشركين: (154-161) ، ومسند أحمد: (2/481،410،393،346،315،275،253) ، وكتاب الاعتقاد للبيهقي:: (164) وكتاب الشريعة للآجري: (194-195) ، وقال الآجري: ولحديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – طرق كثيرة 10هـ وقد رواه أحمد في المسند من حديث الأسود بن سريع – رضي الله تعالى عنه –: (3/435-4/24) ، وأشار الترمذي إلى رواية الحديث عن الأسود بن سريع فقال: وفي الباب عن الأسود بن سريع – رضي الله تعالى عنه – ورواه أحمد: (3/353) أيضاً عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال الهيثمي في المجمع: (7/218) فيه أبو جعفر الرازي وهو ثقة، وفيه خلاف، وبقية رجاله ثقات، انظر الحديث من رواية سمرة بن جندب وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أجمعين – عند البزار في مجمع الزوائد: (7/218) .

والفطرة التي ولد عليها المولودون هي الإسلام ليس إلا، ولا يصح تفسيرها بغير ذلك أبداً، يدل على هذا أمور كثيرة أبرزها حديث عياض بن حمار المجاشي – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني في يومي هذا كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرِّمَتْ عليهم ما أحللت لهم، وأمَرَتْهُم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً (¬1) ". ¬

_ (¬1) رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الجنة وصفة نعيمها – باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار –: (4/2197) رقم 2865 والإمام أحمد في المسند: (4/266،162) .

وهذا المعنى ينسجم تمام الانسجام مع حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – فكل عبد مولود على الفطرة، وهي الحنيفية السمحة، وذلك يستلزم الإقرار بالخالق، ومحبته، وإخلاص الدين له، عند بلوغه، وجريان الأحكام عليه إذا سلمت الفطرة من المعارض، فالتغيير طارئ ولهذا مثل النبي – صلى الله عليه وسلم – حال العباد الذين ولدوا على الفطرة ثم نقلوا عنها بتغيير، مغير بحال البهيمة التي ولدت سليمة جمعاء، ثم غيرت صورتها بالجدع والخصاء، وكل منهما تغيير، الأول تغيير لما خلقت عليه النفس، وهيئت له، والثاني تغيير لما خلق عليه البدن، وكُوِّن له (¬1) ¬

_ (¬1) روى ابن أبي عاصم في كتاب السنة: (1/85) بسند ضعيف عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "مغير الخُلُق ِ كمغير الخَلْق ِ"..

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: الدلائل الدالة على أنه أراد: فطرة الإسلام كثيرة، ألفاظ الحديث التي في الصحيح، مثل قوله "على الملة" وعلى هذه الملة، ومثل قوله في حديث عياض بن حمار – رضي الله تعالى عنه –: "خلقت عبادي حنفاء كلهم " وفي لفظ: "حنفاء" مسلمين ومثل تفسير أبي هريرة وغيره من رواة الحديث – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ذلك، وهم أعلم بما سمعوا، وأيضاً، فإنه لو لم يكن المراد بالفطرة الإسلام لما سألوا عقب ذلك: "أرأيت من يموت من أطفال المشركين وهو صغير؟ " لأنه لو لم يكن هناك ما يغير الفطرة لما سألوه، والعلم القديم وما يجرى مجراه لا يتغير، وكذلك قوله: "فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" بين فيه أنهم يغيرون الفطرة التي فطر الناس عليها، وأيضاً فإنه شبه ذلك بالبهيمة التي تولد مجتمعة الخلق لا نقص فيها، ثم تجدع بعد ذلك، فعلم أن التغيير وارد على الفطرة السليمة التي ولد العبد عليها، وأيضاً، فإن الحديث مطابق للقرآن، لقوله تعالى: "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا" وهذا يعم جميع الناس، فعلم أن الله فطر الناس كلهم على فطرته المذكورة، وفطرة الله أضافها إليه إضافة مدح لا إضافة ذم، فعلم أنها فطرة محمودة، لا مذمومة.

يبين ذلك أنه قال: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا " وهذا نصب على المصدر الذي دل عليه الفعل الأول عند سيبوية وأصحابه فدل على أن إقامة الوجه للدين حنيفاً هو فطرة الله التي فطر الناس عليها وأطال شيخ الإسلام في تقرير ذلك الكلام فكتب قرابة مائتي صفحة أتى فيها بما يشرح صدور الأنام، وخلص إلى القول بأن الآثار المنقولة عن السلف الكرام لا تدل إلا على ولادة الناس على الإسلام (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر درء تعارض العقل والنقل: (8/371-372) ، وانظر المسألة كاملة فيه: من (8/359) فما بعدها، وهذا القول هو الذي قرره الحافظ – عليه رحمة الله تعالى – في فتح الباري: (3/248) فقال أشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام، قال ابن عبد البر – عليه رحمة الله تعالى – وهو المعروف عند عامة السلف وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" الإسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في آخر الحديث: واقرؤوا إن شئتم: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" وبحديث عياض بن حمار – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربه – جل وعلا –: "إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فاجتالتهم الشياطين عن دينهم" الحديث، وقد رواه غيره فزاد فيه "حنفاء مسلمين" ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى: "فطرة الله" لأنها إضافة مدح، وقد أمر نبيه – صلى الله عليه وسلم – بلزومها، فعلم أنها الإسلام 1هـ وقد قرر الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – تفسير الفطرة بالإسلام، وبين غلط المخالفين في هذه المسألة العظيمة الشأن، ونقل خلاصة كلام شيخه شيخ الإِسلام – عليهما الرحمة والرضوان –، وجعل تلك المسألة خاتمة كتابه الجليل: شفاء العليل: (283-307) وبهذا التفسير جزم البخاري في صحيحه في تفسير سورة الروم فقال والفطرة: الإسلام: (8/512) بشرح ابن حجر..

والقول بمصير هؤلاء إلى الجنة هو الذي جزم به البخاري كما في فتح الباري، واختاره ابن الجوزي كما في ردء العقل والنقل، قال النووي: وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون (¬1) . وهذا القول مع وجاهته وقوة دليله ومتانته، فينبغي الجمع بينه وبين القول بامتحان هؤلاء في الدار الآخرة يوم الدين، حسبما دل على ذلك أحاديث خاتم الأنبياء والمرسلين – على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم – وسيأتيك بيان وجه الجمع عند ذكر ذلك القول، وهو آخر الأقوال، وما أبدع قول الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – في هذا المجال، إذ قال: وهذه حجج – كما ترى – قوة وكثرة، ولا سبيل إلى دفعها، وسيأتي – إن شاء الله تعالى – فصل النزاع في هذه المسألة، والقول بموجب هذه الحجج الصحيحة كلها، على أن عاداتنا في مسائل الدين كلها دقها وجلها أن نقول بموجبها، ولا نضرب بعضها ببعض، ولا نتعصب لطائفة على طائفة، بل نوافق كل طائفة على ما معها من الحق، ومخالفها فيما معها من خلاف الحق، لا نستثني من ذلك طائفة ولا مقالة، ونرجو من الله – جل وعلا – أن نحيا على ذلك، ونموت عليه، ونلقى الله به، ولا قوة إلا بالله (¬2) . القول الثالث: الحكم عليهم بالنار وبئس القرار، ويدل على هذا أمران: 1- لم يصدر من هؤلاء الإيمان برب العالمين، وهو السبب الذي يتوصل به إلى جنة النعيم، وينجو العبد بواسطته من نار الحميم – ولا يعترض على هذا بأطفال المؤمنين، فتبعيتهم لآبائهم دلت عليها أدلة الشرع المبين، والله يختص برحمته من يشاء، وهو ذو الفضل العظيم. ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري: (3/246) ، وردء تعارض العقل والنقل: (8/435) ، وشرح صحيح مسلم: (16/208) . (¬2) انظر كلام ابن القيم في طريق الهجرتين وباب السعادتين: (516) .

2- ورود الأحاديث بذلك عن الصادق الأمين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – ففي سنن أبي داود بإسناد صحيح قويم عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: قلت يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذراري المؤمنين؟ فقال: "من آبائهم" فقلت: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، قلت: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذراري المشركين؟ قال: "من آبائهم" قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" (¬1) . وروى أبو داود في سننه عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "الوائدة والمؤودة في النار" ورواه الإمام أحمد في المسند وفيه زيادة عن سمرة بن يزيد الجعفي قال انطلقت أنا وأخي – رضي الله تعالى عنهما – إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قلنا يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن أمنا مُليكة كانت تصل الرحم، وتقري الضعيف، وتفعل وتفعل هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: "لا" قلنا: فإنها كانت وأدت أختأً لنا في الجاهلية، فهل ذلك نافعها شيئاٍ؟ قال: الوائدة والمؤودة في النار، إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنها (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر سنن أبي داود – كتاب السنة - باب في ذراري المشركين: (5/85) ، قال الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (10/122) وهو حديث صحيح وانظر الحديث في المسند: (6/84) . (¬2) انظر سنن أبي داود – كتاب السنة – باب في ذراري المشركين: (5/90) ، ومسند أحمد: (3/478) قال الهيثمي في مجمع الزوايد: (1/118-119) رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني في الكبير بنحوه 10هـ وقال ابن القيم في طريق الهجرتين: وهذا إسناد لا بأس به وقد ساقه ابن حزم في الفصل: (4/62-63) بنحوه وانظر الكلام على معنى الحديث في بذل المجهود من حل ألفاظ أبي داود: (18/251) ، بلوغ الأماني: (1/95) .

وروي في حديث ضعيف في المسند وغيره عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنه – قالت: ذكرت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أطفال المشركين، فقال: "إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار (¬1) ". وروي أيضاً في حديث آخر ضعيف عند الطبراني وأبي يعلى عن أمنا خديجة – رضي الله تعالى عنها – قالت: قلت يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أين أطفالي منك؟ قال: "في الجنة" قلت: بلا عمل؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" قلت: فأين أطفالي من قَبْلكَ؟ قال: "في النار" قلت: بلا عمل؟ قال: "لقد علم الله ما كانوا عاملين (¬2) " ¬

_ (¬1) انظر المسند: (6/208) ، ونحوه في مسند الطيالسي كما في منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود: (2/234) ولفظه قالت: "سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أطفال المشركين، فقال: "هم في النار"، قلت: فما تقول في أطفال المسلمين؟ قال: "هم في الجنة" قلت: وكيف ولم يدركوا الأعمال، ولم تجر عليهم الأقلام؟ قال: "ربك أعلم بما كانوا عاملين" وفي سندي أحمد والطيالسي أبو عقيل مولى بُهيَّة وهو يحي بن المتوكل، قال الهيثمي في المجمع: (7/217) : ضعفه جمهور الأئمة أحمد وغيره، ويحيى بن معين، ونقل عنه توثيقه في رواية من ثلاثة أ. هـ وقال ابن القيم في طريق الهجرتين: (209) يحيى بن المتوكل لا يحتج بحديثه، فإنه في غاية الضعف وقال الحافظ في الفتح: (3/246) هو حديث ضعيف جداً، لأن في إسناده، أبا عقيل مولى بُهيَّة، وهو متروك، أ. هـ وقد حكم عليه ابن حجر في التقريب: (2/256) بأنه ضعيف وهو أسد من حكمه عليه بالترك، والحكم عليه بالضعف ثابت عند الجميع كما نقل ابن حجر ذلك عن ابن عبد البر في تهذيب التهذيب: (11/271) والحديث المتقدم أورد الذهبي في الميزان: (4/404) في ترجمته. (¬2) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (7/218) ورجال الطبراني وأبي يعلى ثقات، إلا أن عبد الله بن الحارث بن نوفل، وابن بريدة لم يدركا خديجة – رضي الله تعالى عنها.

وقد تقدم عند الاستدلال على كون أولاد المسلمين في الجنة، قول نبينا – صلى الله عليه وسلم –: "إن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار". وهذا القول لا يسلم له الدليل الأول، بل هو مردود، لأنه إذا كان لا يدخل الجنة إلا المؤمنون فالنار لا يدخلها إلا الكافرون المعاندون الجاحدون، وهؤلاء ليسوا كذلك، فقد قامت الأدلة القطعية على أنه لا تكليف على العبيد، إذا لم تكتمل فيهم شروط التوحيد.

وأما الدليل الثاني فلو لم يكن فيه إلا الروايات الضعيفة لكان مردوداً كسابقه، لكن بعض تلك الروايات صحيحة ثابتة، والروايات الضعيفة في معناها، فلم تخرج عن محتواها، وسيأتيك توجيه تلك الروايات عند بيان القول الحق في هذه المسألة، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك عند القول الثاني السابق قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: في حديث عائشة – رضي الله تعالى عنها – ما يدل على أن الذين يلحقون بآبائهم منهم هم الذين علم الله أنهم لو عاشوا لاختاروا الكفر، وعملوا به، فهؤلاء مع آبائهم، ولا يقتضي أن كل واحد من الذرية مع أبيه في النار، فإن الكلام في هذا الجنس سؤالاً وجواباً، والجواب يدل على التفصيل، فإن قوله – صلى الله عليه وسلم –: "الله أعلم بما كانوا عاملين" يدل على أنهم متباينون في التبعية بحسب نياتهم في معلوم الله – جل وعلا – فيهم، بقي أن يقال: إن الحديث يدل على أنهم يلحقون بآبائهم من غير عمل، ولهذا فهمت عائشة – رضي الله تعالى عنها – ذلك منه، فقالت: بلا عمل؟ فأقرها عليه، فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين"، ويجاب عن هذا بأن الحديث إنما دل على أنهم يلحقون بهم بلا عمل عملوه في الدنيا، وهو الذي فهمته عائشة – رضي الله تعالى عنها –، ولا ينفي هذا أن يلحقوا بهم بأسباب آخر، يمتحنهم بها في عرصات القيامة، كما سيأتي بيانه إن شاء الله – تعالى – فيحنئذ يلحقون بآبائهم، ويكونون منهم بلا عمل عملوه في الدنيا، وعائشة – رضي الله تعالى عنها – إنما استشكلت لحاقهم بهم بلا عمل عملوه مع الآباء، وأجابها النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن الله – سبحانه وتعالى – يعلم منهم ما هم عاملوه، ولم يقل لها: إنه يعذبهم بمجرد علمه فيهم، وهذا ظاهر بحمد الله، لا إشكال فيه (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر طريق الهجرتين، وباب السعادتين: (508-509) .

وهذا القول الثالث القائل بدخول أولاد المشركين ومن في حكمهم النار، قال به القاضي أبو يعلى من الحنابلة كما قال الشيخ ابن تيمية، ونسبه الإمام ابن القيم – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – إلى جماعة المتكلمين، وأهل التفسير دون تسمية أحد منهم، ونسبه ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل إلى الأزارقة من الخوارج، وحكاية هذا القول عن الإمام أحمد – رحمة الله تعالى عليه – غلط عليه كما قال الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – (¬1) . القول الرابع: في خصوص أولاد المشركين الذين ماتوا قبل كونهم بالغين: ... خلاصة هذا القول: أن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا والآخرة، فلا يفردون عنهم بحكم في الدارين، فكما هم منهم في الدنيا فهم منهم في الآخرة. ¬

_ (¬1) انظر درء تعارض العقل والنقل: (8/435،398) ، وطريق الهجرتين: (509) والفصل: (4/60) ونقل الحافظ في الفتح: (3/246) عن الشيخ ابن تيمية تغليط من نسب هذا القول إلى الإمام أحمد – رحمهم الله جميعاً – ومن العجيب نسبة الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: (/208) هذا القول إلى الأكثرين.

.. والفرق بين هذا القول، وبين القول السابق القائل أنهم في النار: أن صاحب هذا القول يجعلهم معهم تبعا لهم، حتى لو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهما لم يحكم لأفراطهما بالنار، أما صاحب القول الآخر فيقول، هم في النار في كل حال، لكونهم لسيوا بمسلمين، فلم يدخلوها، هذا ما حكاه ابن القيم – رحمه الله تعالى – ولم ينسب هذا القول لقائل، وفي مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري – رحمه الله تعالى – نسبة هذا القول لبعض الخوارج حيث قال: صنف منهم – من الخوارج – يزعمون أن أطفال المشركين حكمهم حكم آبائهم يعذبون في النار، واختلف هذا الصنف في الآباء إذا انتقلوا بعد موت أطفالهم عن أديانهم، فقال قائلون: ينتقلون إلى حكم آبائهم – وقال قائلون: هم على الحال التي كان عليها آباؤهم في حال موتهم، لا ينتقلون بانتقالهم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر طريق الهجرتين: (517) ، ومقالات الإسلاميين: (1/190) ، وقد حكى ابن حزم في الفصل: (1/60-61) هذا المذهب عن الأزارقة من الخوارج ونقل ذلك عنه الحافظ في الفتح: (3/246) وليس فيه التعرض لبيان حكم الأطفال إذا انتقل آباؤهم إلى الإيمان بعد موتهم.

.. وأبرز ما يمكن أن يستدل به لهذا القول أدلة القول السابق، ويضاف إليها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن الصَّعْب بن جَثَّامَة – رضي الله تعالى عنه – قال: سئل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الذراري من المشركين؟ يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم، فقال: "هم منهم". وفي لفظ عن الصَّعْب بن جَثَّامَة – رضي الله تعالى عنه – قال: قلت يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين، قال: "هم منهم"، وفي لفظ عن الصعب بن جثامة – رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل له: لو أن خيلا ً أغارت من الليل فأصابت من أبناء المشركين؟ قال: "هم منهم" (¬1) . ¬

_ (¬1) هذه روايات صحيح مسلم – كتاب الجهاد والسير – باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد: (3/1364-1365) وانظر روايات الحديث في صحيح البخاري – كتاب الجهاد – باب أهل الدار يبيتون فيهم الولدان والذراري: (6/146) بشرح ابن حجر، وسنن الترمذي – كتاب السير – باب ما جاء في النهي عن قتل النساء والصبيان: (5/297-298) ، وسنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب في قتل النساء: (3/123-124) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الجهاد – باب الغارة والبيان وقتل النساء والصبيان: (2/947) والمسند: (4-73،72،71،38) .

.. ولا حجة لهذا القول في تلك الأدلة، أما الأدلة السابقة في القول الثالث فقد تقدم الكلام عليها وخلاصته، أن إلحاق الأبناء بالآباء بلا عمل عملوه في الدنيا لا ينفي إلحاقهم بهم بأسباب أخر، وهو ما سيكون في امتحانهم في عرصات القيامة كما سيأتي تحقيق ذلك، ولذلك قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى -: حديث ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: "الوائد والموؤدة في النار" ليس فيه أن هذا حكم كل واحد من أطفال الشركين، وإنما يدل على أن بعض أطفالهم في النار، وأن من هذا الجنس – وهن الموؤدات – من يدخل النار، وكونها موؤدة لا يمنع من دخولها النار بسبب آخر، وليس لمجرد أن كونها موؤدة هو السبب الموجب لدخول النار، حتى يكون اللفظ عاماً في كل موؤدة، وهذا ظاهر ولكن كونها موؤدة لا يرد عنها النار إذا استحقتها بسبب ففرق بين أن يكون جهة كونها موؤدة وهي التي استحقت بها دخول النار، وبين كونها غير مانعة من دخول النار بسبب آخر (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر طريق الهجرتين، وباب السعادتين: (519) .

.. وأما حديث الصَّعْب بن جَثَّامَة – رضي الله تعالى عنه – فليس فيه تعرض للعذاب بنفي أو إثبات، وإنما فيه: أنهم تبع لآبائهم في الحكم، وأنهم إذا أصيبوا في الجهاد والبيات لم يُضْمَنُوا بدية ولا كفارة وهذا مُصَرَّحٌ به في حديث الصَّعْب – رضي الله تعالى عنه – أنه في الجهاد، والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يقل: هم معهم، وإنما قال: "هم منهم" "هم من آبائهم" وفرق بين الحرفين، فكونهم منهم لا يقتضي أن يكونوا معهم في أحكام الآخرة، بخلاف كونهم معهم فإنه يقتضي أن يثبت لهم أحكام الآباء في الدنيا من التوارث والحضانة والنسب، وغير ذلك من أحكام الإيلاد، والله – جل وعلا – يخرج الطيب من الخبيث، والمؤمن من الكافر، أفاد ذلك الإمام ابن القيم، وقال شيخ الإسلام – عليهما الرحمة والرضوان – منشأ الاشتباه في هذه المسألة اشتباه أحكام الكفر في الدنيا بأحكام الكفر في الآخرة، فإن أولاد الكفار لما كانوا يجري عليهم أحكام الكفر في أمور الدنيا، مثل ثبوت الولاية عليهم لآبائهم، وحضانة آبائهم لهم وتمكين آبائهم من تعليمهم وتأديبهم، والموارثة بينهم وبين آبائهم واسترقاقهم إذا كان آبائهم محاربين وغير ذلك، صار يظن من يظن أنهم كفار في نفس الأمر كالذي تكلم بالكفر وعمل به، ثم قرر الشيخ – رحمه الله تعالى – أن حكم الدار الآخرة غير حكم الدار الدنيا، فقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن في الباطن يكتم إيمانه، ولا يعلم المسلمون حاله، فإذا قاتلوا الكفار قتلوه، وهو في الآخرة من المؤمنين أهل الجنة كما أن المنافقين تجري عليهم في الدنيا أحكام المسلمين، وهم في الآخرة في الدرك الأسفل من نار الجحيم (¬1) . القول الخامس: هم خدم أهل الجنة ومماليكهم، وهم معهم بمنزلة أرقائهم ومماليكهم في الدنيا: وهذا القول خاص بأطفال المشركين كسابقه. ¬

_ (¬1) انظر درء تعارض العقل والنقل: (8/432-433) ، وطريق الهجرتين: (518-519) .

وحجة هذا القول: ما ورد عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – من الخبر بذلك، والحديث بذلك عنه – صلى الله عليه وسلم – في درجة الحسن روى الطبراني في الكبير والأوسط، والبزار عن سمرة بن جندب – رضي الله تعالى عنه – قال: سألنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن أولاد المشركين، فقال "هم خدم أهل الجنة (¬1) ". وروى البزار، والطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "أطفال المشركين خدم أهل الجنة" ورواه أبو يعلى بلفظ "الأطفال خدم أهل الجنة (¬2) " وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن يزيد الرقاشي قال: قلنا لأنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه –: يا أبا حمزة ما تقول في أطفال المشركين؟ فقال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لم تكن لهم سيئات فيعاقبوا بها، فيكونوا من أهل النار، ولم تكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من ملوك أهل الجنة هم خدم أهل الجنة (¬3) ". وقد ذكر ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح اختلافاً في ولدان الجنة هل هم من ولدان الدنيا، أم أنشأهم الله – جل وعلا – في الجنة إنشاءً. وحاصل ما قاله: ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد: (7/219) قال الهيثمي: وفيه عباد بن منصور وثقه يحيى القطان وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات وقد ضعف سنده الحافظ في الفتح: (3/246) . (¬2) انظر مجمع الزوائد: (7/219) قال الهيثمي: وفي إسناد أبي يعلى: يزيد الرقاشي وهو ضعيف وقال فيه ابن معين: رجل صدق، وثقه ابن عدي، وبقية رجالهما رجال الصحيح. (¬3) انظر منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود: (2/235) رقم 2822 وسنده ضعيف لوجود يزيد بن أبان الرقاشي، وبذلك حكم عليه الحافظ في الفتح: (3/246) والحديث لتلك الطرق لا يزال عن درجة الحسن وقد حكم بصحته الشيخ الألباني في صحيح الجامع وزياداته: (32583) .

1- قال علي بن أبي طالب، والحسن البصري – رضي الله تعالى عنهما –: هم أولاد المسلمين الذين يموتون، ولا حسنة لهم، فيكونون خدم أهل الجنة وولدانهم، ومن أصحاب هذا القول من قال هم أطفال المشركين فجعلهم الله خدماً لأهل الجنة، وروى حديث أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – المتقدم، وحكم على طرقه بالضعف. 2- الأشبه أن الولدان مخلوقون من الجنة كالحور العين خدماً لهم وغلاماناً (¬1) . والقول بأن أطفال المشركين خدم لأهل جنات النعيم ينبغي فهمه على ضوء النصوص المثبتة لامتحانهم في عرصات الموقف يوم الدين، فمن أطاع منهم فقد يكون من أهل الجنة من الغلمان، فترة أو في جميع الأزمان، ويا فوز من يحظى بتلك الرتبة في ذلك الأوان، والعلم بحقيقة ذلك عند الرحيم الرحمن. ¬

_ (¬1) انظر حادي الأرواح: (147-148) ، وكرر ما ذكره هنا فيما يتعلق بحديث أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – في كتابه طريق الهجرتين، وباب السعادتين: (517) .

القول السادس: يكونون في منزلة بين المنزلتين بين الجنة والنار (¬1) . ... وحجة هذا القول أنه لم يصدر من هؤلاء إيمان يؤهلهم لدخول جنة ربهم، وليس لآبائهم فوز يلحقون بهم تكميلا ً لثوابهم، زيادة في نعيمهم، ولا يستحق هؤلاء دخول النار لانعدام التكليف في حقهم. ... وقد فسرت تلك المنزلة بالأعراف وهو السور بين الجنة والنار، قال الإمام ابن القيم: قال عبد العزيز الكناني – عليهم رحمة الله جميعاً – أهل الأعراف هم الذين ماتوا في الفترة. ¬

_ (¬1) وتكون في الآخرة، وهي بهذا تختلف عن المنزلة بين المنزلتين عند المعتزلة والتي هي إحدى أصولهم الخمسة الباطلة التي هدموا بها دين الله الحق، ويعنون بالمنزلة بين المنزلتين أي الفاسق الملي ليس بمؤمن ولا كافر، إنما ننزله منزلة بينهما فهي في أحكام الدنيا، أما في الآخرة فالمتصف بالمنزلة بين المنزلتين مخلد في نار جهنم، فالمعتزلة والخوارج متفقون على الحكم بالخلود في نار جهنم على مرتكب الكبيرة، ومختلفون في الحكم عليه في الدنيا فالخوارج يكفرونه، والمعتزلة يقولون: إنه في منزلة بين المنزلتين، وهذه البدعة التي أتوا بها هي التي تسبب عنها تسميتهم بالمعتزلة لأنهم عندما قالوا ذلك طردهم الحسن البصري من مجلسه، فاعتزلوا حلقته فسموا معتزلة، انظر إيضاح هذا في مجموع الفتاوى: (3/182-183) وانظر أصولهم الخمسة وتفنيدها في مجموع الفتاوى: (13/357-358) ، وشرح الطحاوية: (474-475) .

.. وهذا القول عقب عليه الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – بقوله: والقائلون بهذا: إن أرادوا أن هذا المنزل مستقرهم أبداً، فإنه لا دار للقرار إلا الجنة أو النار، وإن أرادوا أنهم يكونون فيه مدة ثم يصيرون إلى دار القرار فهذا ليس بممتنع (¬1) . القول السابع: يصيرون تراباً، ولا يحصلون ثواباً ولا يلاقون عذاباً: ... قال بهذا المبتدع الضال ثُمامة بن أشرس كما في فتح الباري، وقال الذهبي في الميزان: ثُمامة بن أشرس من كبار المعتزلة، ومن رؤوس الضلالة، وقال ابن حزم: كان ثمامة يقول: إن المقلدين من اليهود والنصارى والمجوس، وعباد الأوثان لا يدخلون النار يوم القيامة، لكن يصيرون تراباً وكذلك جميع أولاد المسلمين الذين يموتون قبل الحلم وجميع مجانين الإسلام لا يدخلون الجنة أبداً لكن يصيرون تراباً (¬2) . ... وقد تقدم بيان فساد ما يتعلق بقوله في أولاد المؤمنين، وهذا القول يقربه في الفساد والنكران فلا دليل له إلا التخرصات والأوهام. ¬

_ (¬1) انظر طريق الهجرتين: (516) وعبد العزيز الكناني توفي بعد الأربعين ومائتين كان ناصراً للسنة ناظر بشراً المريسي المعتزلي فأفحمه، ودخل على ركن الاعتزال أحمد بن أبي دؤاد عندما أصيب بالفالج فقال له: لم آتك عائداً ولكن جئت لأحمد الله أن سجنك في جلدك، ونقل السبكي في طبقات الشافعية: (2/144) أنه دخل على المأمون فضحك المعتصم من دمامته فقال الكناني: يا أمير المؤمنين لِمَ يضحك هذا لم يصطف الله يوسف – على نبينا – وعليه الصلاة والسلام – لجماله، وإنما اصطفاه لدينه وبيانه. (¬2) انظر فتح الباري: (3/246) ،وميزان الاعتدال: (1/371-372) ، والفصل في الملل والأهواء والنحل: (4/148-149) .

القول الثامن: يمتحنون في عرصات القيامة، ويرسل إليهم هناك رسول، فمن أطاع الرسول دخل الجنة ومن عصاه أدخله الله النار، وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة وبعضهم في النار قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: وبهذا يتآلف شمل الأدلة كلها، وتتوافق الأحاديث الشريفة، ويكون معلوم الله – حل وعلا – الذي أحال عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث يقول: "الله أعلم بما كانوا عاملين" يظهر حينئذ، ويقع الثواب والعقاب عليه حال كونه معلوماً خارجياً لا علماً مجرداً ويكون النبي – صلى الله عليه وسلم – قد رد جوابهم إلى علم الله فيهم – والله يرد ثوابهم وعقابهم إلى معلومه منهم، فالخبر عنهم مردود إلى علمه، ومصيرهم مردود إلى معلومه، وقد جاءت بذلك آثار كثيرة يؤيد بعضها بعضاً (¬1) . ... قال عبد الرحيم – غفر الله له ولوالدين والمسلمين – الأدلة على صحة هذا القول كثيرة وقوية أبرزها خمسة أمور ثابتة مرضية: ¬

_ (¬1) انظر طريق الهجرتين: (521) وتقدم تخريج حديث "الله أعلم بما كانوا عاملين" تخريجاً كاملاً.

1- الأحاديث الصحيحة النبوية روى الأئمة: ابن حبان وأحمد والبزار – رحمهم الله تعالى – وغيرهم بسند رجاله رجال الصحيح عن الأسود بن سريع – رضي الله تعالى عنه – أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "أربعة يمتحنون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هَرِم، ورجل مات في فترة فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام، وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام، والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهَرِم فيقول: رب لقد جاء الإسلام، وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتانا لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم: أن ادخلوا النار، قال: فواالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/24) ، وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان – كتاب القدر – باب فيمن لم تبلغهم الدعوة: (452) ، وانظر رواية البزار في مجمع الزوائد: (7/216) قال الهيثمي: رجال أحمد والبزار رجال الصحيح ورواه الطبراني بنحوه. والحديث رواه البيهقي في كتاب الاعتقاد: (169) ، وقال: هذا إسناد صحيح. ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده كما في مسالك الحنفا ضمن الحاوي: (2/204) ، ورواه أيضاً أبو نعيم في المعرفة، وابن مردويه كما في الدر المنثور: (4/168) قال ابن القيم في طريق الهجرتين: (225) قال الحافظ عبد الحق: قد جاء هذا الحديث وهو صحيح فيما أعلم.

ورواه الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً مثل حديث الأسود بن سريع – رضي الله تعالى عنه – غير أنه قال في آخره: "فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ومن لم يدخلها يسحب إليها (¬1) . ورواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – المرفوعة، رواها ابن جرير الطبري، وغيره موقوفة عليه من قوله بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وأنت خبير أن مثل ذلك لا يقال من قبل الرأي، فله حكم الرفع. ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/24) ، ورواه البيهقي في الاعتقاد: (169) وقال: هذا إسناد صحيح ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده وابن مردويه في تفسيره كما في مسالك الحنفا ضمن الحاوي: (2/204) والدر المنثور (4/168) ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (7/216) رجال أحمد رجال الصحيح، وانظر الحديث في كتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/176) ، وصححه الشيخ الألباني في تعليقه عليه.

ولفظ الرواية: إذا كان يوم القيامة جمع الله – تبارك وتعالى – نَسَمَ الذين ماتوا في الفترة، والمعتوه والأصم، والأبكم، والشيوخ الذين جاء الإسلام وقد خرفوا، ثم أرسل رسولاً: أن ادخلوا النار، فيقولون كيف ولم يأتنا رسول؟ وايم الله لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً، ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل، قال أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه –: اقرؤوا إن شئتم: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (¬1) ". ¬

_ (¬1) الآية 15 من سورة الإسراء، وانظر تفسير الطبري: (15/41) ، ورواه عبد الرازق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم كما في مسالك الحنفا ضمن الحاوي: (2/205) ، والدر المنثور: (4/168) وحكم عليه السيوطي في الأول بأن إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال: ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع أ. هـ وقال ابن القيم في طريق الهجرتين: (524) في الجمع بين روايتي أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – المرفوعة والموقوفة: وهذا لا يضر الحديث أي رواية الحديث موقوفاً – فإنه إن سلك طريق ترجيح الزائد لزيادته فواضح، وإن سلك طريق المعارضة فغايتها، تحقق الوقف، ومثل هذا لا يقدم عليه بالرأي إذ لا مجال له فيقبل بجزم بأن هذا توقيف لا عن رأي أ. هـ.

وروى الحاكم وغيره بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن ثوبان – رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم – عز وجل –: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون ربنا لم ترسل إلينا رسولا ً، ولم يأتنا أمر، ولو أرسلت إلينا رسولاً لكنا أطوع عبادك لك، فيقول لهم ربهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني؟ فيقولون نعم، قال: فيأخذ مواثيقهم على ذلك، فيأمرهم أن يعمدوا لجهنم فيدخلونها، قال: فينطلقون حتى إذا جاؤوها رأوا لها تغيظاً وزفيراً، فيرجعوا إلى ربهم، فقالوا: ربنا فرقنا منها، فيقول: ألم تعطوني مواثيقكم لتطيعوني؟ اعمدوا لها فادخلوها، فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا، فرجعوا فقالوا: ربنا لا نستطيع أن ندخلها، قال: فيقول: ادخلوها داخرين، قال: فقال: نبي الله – صلى الله عليه وسلم – لو دخلوها أول مرة كانت عليهم برداً وسلاماً (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر المستدرك كتاب الفتن والملاحم: (4/450) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، وأقره الذهبي، ورواه البزار أيضاً كما في مجمع الزوائد: (10/347) لكن بإسنادين ضعيفين.

وروى أبو يعلى والبزار عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود، والمعتوه، وبمن مات في الفترة، وبالشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب – تبارك وتعالى – لعنق من النار: ابرز، فيقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا ً من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليهم، ادخلوا هذه، فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب أنى ندخلها، ومنها كنا نفر؟ قال: ومن كتب له السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً، قال فيقول الله – تبارك وتعالى –: أنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد: (7/216) قال الهيثمي: وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح، ورواه البيهقي في الاعتقاد: (170) ، وقاسم بن أصبغ وابن عبد البر في التمهيد كما في الدر المنثور: (4/168) وأشار الحافظ في الفتح: (3/246) إلى رواية البزار لهذا الحديث.

وأخرج البزار عن أبي سعد الخدري – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: يؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود، فيقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتاب ولا رسول ويقول المعتوه: أي رب لم تجعل لي عقلا ً أعقل به خيراً ولا شراً، ويقول المولود: لم أدرك العمل، قال فيرفع لهم النار، فيقال لهم: رِدُوها، أو قال: ادخلوها، فيدخلها من كان في علم الله سعيداً إن لو أدرك العمل، قال: ويمسك عنها من كان في علم الله شقياً إن لو أدرك العمل، فيقول – تبارك وتعالى –: "إياي عصيتم، فكيف برسلي بالغيب (¬1) " ... وروى الطبراني في الأوسط والكبير عن معاذ بن جبل مرفوعاً نحو حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد: (7/216) ، وقال الهيثمي: فيه عطية العوفي وهو ضعيف قال ابن القيم في طريق الهجرتين: (525) هذا وإن كان فيه عطية فهو ممن يعتبر بحديثه ويستشهد به، وإن لم يكن حجة 1هـ وقال السيوطي في مسالك الحنفا ضمن الحاوي: (2/204) في إسناده عطية العوفي فيه ضعف والترمذي يحسن حديثه، وهذا الحديث له شواهد تقتضي الحكم بحسنه وثبوته أ. هـ وقد أشار الحافظ في الفتح: (3/246) إلى رواية البزار هذه. (¬2) انظر مجمع الزوائد: (7/217) قال الهيثمي فيه: عمرو بن واقد وهو متروك عند البخاري وغيره، ورمي بالكذب، وقال محمد بن المبارك الصوري: كان يتبع السلطان وكان صدوقاً، وبقية رجال الكبير رجال الصحيح، قال ابن القيم في طريق الهجرتين: هذا وإن كان عمرو بن واقد لا يحتج به، فله أصل وشاهد والأصول تشهد له، وفي الباب أحاديث غير هذا أ..هـ وقد أشار الحافظ في الفتح: (3/246) إلى رواية الطبراني هذه والحديث رواه أبو نعيم في الحلية: (5/127،9/305-306) من طريق عمرو بن واقد وذكر الذهبي الحديث في ترجمة عمرو بن واقد في الميزان: (3/292) مع عدة أحاديث وعقب عليها بقوله: وهذه الأحاديث لا تعرف إلا من رواية عمرو بن واقد وهو هالك. ورواه أيضاً الحكيم الترمذي في نوادر الأصول كما في الدر المنثور: (4/169) ، وفيه أيضاً أن الحكيم الترمذي روى عن عبد الله بن شداد – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً ما يدل على امتحان ذراري المشركين فانظر الرواية إن شئت.

وهذه أحاديث متعددة يشد بعضها بعضاً، ويشهد لها أصول الشرع وقواعده، والقول بمضمونها هو مذهب السلف والسنة كما في طريق الهجرتين للإمام ابن القيم، وقال الحافظ في الفتح: قد صحت مسألة الامتحان في حق المجنون , ومن مات في الفترة من طرق صحيحة، وحكى البيهقي في كتاب الاعتقاد – أنه المذهب الصحيح، وقال في الإصابة: والحديث ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم، ومن مات في الفترة، ومن ولد أكمه أعمى أصم، ومن ولد مجنوناً، أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ونحو ذلك، وأن كلا منهم يدلي بحجة، ويقول: لو عقلت، أو ذكرت لآمنت، فترفع لهم نار ويقال ادخلوها، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن امتنع أدخلها كرهاً. هذا معنى ما ورد من ذلك، وقد جمعت طرقه في جزء منفرد (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر طريق الهجرتين: (525) ، وفتح الباري: (3/246) ، والإصابة: (4/118) ، ومن العجيب ادعاء الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان: (1/159) أن الحديث ليس بثابت، وهو مخالف لأصول المسلمين أ. هـ ونقل ذلك عنه القرطبي في التذكرة: (611) وأقره، وكرر نحو ذلك الأبِّيُّ في شرح صحيح مسلم: (1/670) فحكم بالضعف على الأحاديث الواردة في ذلك، ونقل ابن القيم في طريق الهجرتين: (525) نحو هذا عن ابن عبد البر، وعقب عليه بقوله: إسناده حديث الأسود بن سريع – رضي الله تعالى عنه – أجود من كثير من الأحاديث التي يحتج بها في الأحكام، وقال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل: (8/437) وهذا القول منقول عن غير واحد من السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم – رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ... وقد روي به آثار متعددة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حسان يصدق بعضها بعضاً، وهو الذي حكاه الأشعري في "المقالات" عن أهل السنة والحديث، وذكر أنه يذهب إليه، وعلى هذا القول تدل الأصول المعلومة بالكتاب والسنة.

2- تجتمع شمل الأدلة بهذا القول، ويزال ما بينها من تعارض ظاهري، فبعض من يمتحن يدخل الجنة، وبعضهم يدخل النار، ويظهر معلوم الله الواحد القهار، الذي أحال عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: "الله أعلم بما كانوا عاملين". 3- ليس في تكليف الممتحنين بإلقاء أنفسهم في نار الجحيم، تكليف بما ليس في وسع المخلوقين، إنما هو تكليف بما فيه مشقة شديدة، وهو كتكليف بني إسرائيل قتل أولادهم وأزواجهم وآبائهم حين عبدوا العجل كما قال الله – جل وعلا –: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} البقرة54. يضاف إلى هذا أنهم لو امتثلوا ما أمروا به، وأطاعوه فدخلوا النار وألقوا أنفسهم فيها لما ضرهم ذلك، وكانت عليهم برداً وسلاماً، فليس التكليف بذلك بممتنع ولا بما لا يستطاع. 4- لا ينقطع التكليف إلا بعد دخول دار القرار، الجنة أو النار، أما في عرصات القيامة فلا ينقطع كما لا ينقطع في البرزخ، ومن أجاب في الدنيا طوعاً واختياراً أجاب الملكين عما يسألانه في البرزخ، ومن امتنع من الإجابة في الدنيا مُنِع منها في البرزخ وليس تكليفه في البرزخ وهو غير قادر قبيحاً، بل هو مقتضى الحكمة الإلهية، لأنه مكلف وقت القدرة وأبى، فإذا كلف وقت العجز، وقد حيل بينه وبين العقل كان عقوبة له وحسرة، وقد دلت الأحاديث المتقدمة على أن التكليف لا ينقطع إلا بعد دخول الجنة أو النار.

5- هذا هو مذهب أهل السنة والحديث، وقد دلت عليه صحاح الأحاديث، فالأخذ به متعين جِدٌ نفيس (¬1) نسأل الله أن يصرف عنا لهو الحديث، وأن يحفظنا من كل وصف خبيث، إنه سميع مجيب. حكم تعلم علم التوحيد لعلم التوحيد حالتان: لا تخرج عنهما مباحثه العظام، وهما: أولا ً: حالة إجمالية: والعلم بها فريضة حتمية على كل مكلف من البرية، وتقوم تلك الحالة على الإيمان بوجود الله – جل وعلا – وأنه رب كل شيء ومليكه، وله على عباده حق العبادة فيجب صرف أنواع العبادات إليه، ويحرم صرف شيء من ذلك إلى غيره، وتقوم أيضاً على الإيمان بأن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد بلغ دعوة الله – جل وعز – فيجب تصديقه فيما أخبر، وامتثال ما أمر به، وترك ما عنه نهى وحذر – عليه صلوات الله وسلامه – ويحرم صرف شيء من ذلك لغيره. ثانياً: حالة تفصيلية: والعلم بها واجب كفائي، والناس يتفاوتون في معرفة ذلك، وبذلك يتفاضلون فكل من أحاط علماً بمسائل التوحيد، وقام بموجبها فهو أفضل العبيد، وله الدرجات العلى عند الرب المجيد. قال شيخ الإسلام – عليه رحمة ربنا الرحمن –: من شروط الإيمان: وجود العلم التام، ولهذا كان الصواب أن الجهل ببعض أسماء الله وصفاته لا يكون صاحبه كافراً، إذا كان مقراً بما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم –، ولم يبلغه ما يوجب العلم بما يجهله على وجه يقتضي كفره إذا لم يعلمه (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر تفصيل تلك الأقوال في طريق الهجرتين: (521-528) ، وفتح الباري: (3/246) ، وكتاب الاعتقاد للبيهقي: (169-170) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (8/436-437) . (¬2) انظر مجموع الفتاوى: (7/538) ، وتقرير ذلك في تحفة المريد: (1/21) وحاشية الأمير: (24) .

والمقرر عند أهل السنة الطيبين أن أول واجب على المكلفين، توحيد رب العالمين، قال الإمام ابن تيمية شيخ المسلمين – عليه رحمة أرحم الراحمين –: إن السلف والأئمة متفقون على أن أول ما يؤمر به العباد الشهادتين، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب البلوغ، والشهادة تتضمن الإقرار بالصانع – تبارك وتعالى – وبرسوله – صلى الله عليه وسلم – لكن مجرد المعرفة بالصانع لا يصير به الرجل مؤمناً، بل ولا يصير مؤمناً بأن يعلم أنه رب كل شيء حتى يشهد أن لا إله إلا الله و، لا يصير مؤمناً بذلك حتى يشهد أن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ذلك في درء تعارض العقل والنقل: (8/11) ، ونقل في: (8/7) عن أبي بكر بن المنذر أنه قال: أجمع كل من أحفظ عنه العلم على أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ إلى الله من كل دين يخالف دين الإسلام، وهو بالغ صحيح يعقل: أنه مسلم، فإن رجع بعد ذلك فأظهر الكفر كان مرتداً، يجب عليه ما يجب على المرتد، ونحوه في المغنى: (10/100) حيث قرر الإمام ابن قدامة أن من تلفظ بالشهادتين، ونطق بهما ثبت إسلامه، وزال عنه كفره وآثامه.

وقال الإمام ابن قيم الجوزية – عليه رحمة رب البرية –: التوحيد أول دعوة الرسل – عليهم صلوات الله وسلامه – وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله – تبارك وتعالى – قال الله – جل وعلا –: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} الأعراف59، وقال هود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – لقومه: {اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} الأعراف65، وقال شعيب – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – لقومه: {اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} الأعراف85، وقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} النحل36.

فالتوحيد مفتاح دعوة الرسل – عليهم صلوات الله وسلامه – ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لرسوله معاذِ بن ِ جبلٍ – رضي الله تعالى عنه – وقد بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب (¬1) ¬

_ (¬1) انظر الحديث في صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام: (1/50-51) ، وصحيح البخاري – كتاب الزكاة – باب وجوب الزكاة –: (3/261) ، وباب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة –: (3/223) ، وباب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا: (3/357) ، والجملة الأخيرة منه في كتاب المظالم – باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم –: (5/100-101) وكتاب المغازي – باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع –: (8/64) ، وكتاب التوحيد – باب ما جاء في دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته إلى توحيد الله – تبارك وتعالى –: (13/347) بشرح ابن حجر في الجميع، وسنن الترمذي – كتاب الزكاة – باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة –: (2/390-243) ، وسنن أبي داود – كتاب الزكاة – باب في زكاة السائمة –: (2/242) ، وسنن النسائي – كتاب الزكاة – باب وجوب الزكاة –: (5/3) وباب إخراج الزكاة من بلد إلى بلد –: (5/41) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزكاة – باب فرض الزكاة: (1/568) ، وسنن الدارمي – كتاب الزكاة – باب فضل الزكاة –: (1/379) ، والمسند: (1/233) ، وشرح السنة – كتاب الزكاة – باب وجوب الزكاة –: (5/472-473) ، وانظر الجملة الأخيرة منه في سنن الترمذي – كتاب البر والصلة – باب ما جاء في دعوة المظلوم –: (6/220) ، والجملة التي قبلها في سنن الدارمي – كتاب الزكاة – باب النهي عن أخذ الصدقة من كرائم الأموال: (1/384) .

وقال – صلى الله عليه وسلم –: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (¬1) ¬

_ (¬1) الحديث ورد من رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله: (1/52) ، وسنن الترمذي – كتاب الإيمان – باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله –: (7/267) ،وسنن النسائي – كتاب الجهاد – باب وجوب الجهاد –: (6-5-7) ، وأول كتاب تحريم الدم –: (7/72-74) ، وسنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب على ما يقاتل المشركون؟: (3/101) ،وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب في الإيمان –: (1/27) ، وكتاب الفتن – باب الكف عمن قال لا إله إلا الله –: (2/1295) ، والمسند: (2/528،527،502،482،475،439،423،377،345،314) ، وشرح السنة – كتاب الإيمان – باب البيعة على الإسلام وشرائعه والقتال مع من أبى –: (1/65-66) . وورد من رواية أبي هريرة عن عمر لما قال أبي بكر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الحديث، في صحيح البخاري – كتاب الزكاة – باب وجوب الزكاة –: (3/62) ، وكتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم – باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نُسبوا إلى الردة –: (12/275) ، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب الاقتداء بسنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (13/250) وعَلَّقَهُ على عُمَرَ في باب 28: (13/339) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – المكان المتقدم – وسنن أبي داود – وأول كتاب الزكاة: (2/198) ، وسنن الترمذي – المكان المتقدم – وسنن النسائي – المكانين المتقدمين، وكتاب الزكاة باب مانع الزكاة – (5/10-11) ، والمسند: (1/19،11، 2/423) ، وشرح السنة – كتاب الزكاة باب القتال مع مانعي الزكاة –: (5/488) ، وورد من رواية أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – في صحيح البخاري كتاب الصلاة – باب فضل استقبال القبلة –: (1/497) بشرح ابن حجر، وسنن الترمذي – كتاب الإيمان – باب ما جاء في قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: أمرت بقتالهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة –: (7/269) ، سنن النسائي – المكان الثاني مما تقدم – وكتاب الإيمان وشرائعه – باب على ما يقاتل الناس؟: (8/96) ، وسنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب على ما يقاتل المشركون؟: (3/101) ، والمسند: (3/224،199) وشرح السنة – المكان الأول –. وورد من رواية أنس بن مالك أن أبا بكر قال لعمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وعندما كلمه في شأن المرتدين: إنما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الحديث، في سنن النسائي – المكانين المتقدمين أولا ً. وورد الحديث من رواية ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – في صحيح البخاري – كتاب الإيمان باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم: (1/75) بشرح ابن حجر –، وصحيح مسلم – المكان المتقدم، وشرح السنة – المكان الأول. وورد من رواية جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – في صحيح مسلم – المكان المتقدم – وفي سنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة الغاشية –: (9/74) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الفتن – باب الكف عمن قال: لا إله إلا الله: (2/1295) ، والمسند: (3/394،339،332،300) . وورد من رواية أوس بن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – في سنن النسائي – أول كتاب تحريم الدم: (7/74-75) وإسناده صحيح كما في تعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (1/249) وسنن ابن ماجه – المكان المتقدم – آنفاً، وسنن الدارمي – كتاب السير – باب في القتال على قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله: (2/218) ، والمسند: (4/8-9) . وورد من رواية معاذ بن جبل في سنن ابن ماجه – المقدمة – باب في الإيمان –: (1/28) والمسند: (5/246) . وورد من رواية النعمان بن بشير – رضي الله تعالى عنه – في سنن النسائي – في المكان المتقدم آنفاً – وسنده حسن كما في تعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (1/248) . وورد من رواية رجل صحابي لم يسم في سنن النسائي أيضاً في المكان المتقدم آنفاً.

" ولهذا كان الصحيح أن أول ما يجب على المكلف: شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر ولا القصد إلى النظر، ولا الشك، كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم، فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة (¬1) ¬

_ (¬1) الحديث رواه أبو داود في كتاب الجنائز – باب في التلقين –: (3/483) عن معاذ بن جبل – رضي الله تعالى عنه – وعنه رواه الحاكم في المستدرك – كتاب الجنائز –: (1/351) ، قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقد كنت أمليت حكاية أبي زُرعة، وآخر كلامه كان سياقة هذا الحديث، وأقره الذهبي، وقد جعل البخاري ذلك ترجمة باب لأول كتاب الجنائز – فقال: باب في الجنائز، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة: (3/109) بشرح ابن حجر، وما أشار إليه الحاكم من وقوع حكاية لأبي زُرعة الرازي تدل على حسن خاتمته، وأنه من أولياء الله وصفوته، فإليك حاصلها، مَنّ الله الكريم علينا بمثلها، وروى ابن حاتم في الجرح والتعديل: (1/345-346) ، قال سمعت أبي يقول: مات أو زُرعة مطعوناً مبطوناً يعرق جبينه في النزع، فقلت لمحمد بن مسلم: ما تحفظ في تلقين الميت: لا إله إلا الله؟ فقال محمد بن مسلم: يروي عن معاذ بن جبل – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فمن قبل أن يستتم رفع أبو زُرعة رأسه وهو في النزع، فقال: روى عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل عن النبي – صلى الله عليه وسلم –: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة فصال في البيت ضجة ببكاء من حضر، وكان يقول في مرضه الذي مات فيه، اللهم إني أشتاق إلى رؤيتك، فإن قال لي بأي عمل اشتقت إليه؟ قلت: برحمتك يا رب أ. هـ. توفي أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم سنة مائتي وأربع وستين – عليه رحمة رب العالمين – لم يخلف مثله علما وفقهاً، وصيانة وصدقاً، قال إسحاق بن راهُوْيَهْ: كل حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل، ولما نزل أبو زرعة ضيفاً على الإمام أحمد – عليهما رحمة الله تعالى – لم يُصَّل ِ الإمام أحمد إلا الفرائض، وقال: اعتضت بنوافلي مذاكرة الشيخ، انظر هذا وغيره من ترجمته المباركة العطرة في الجرح والتعديل: (1/328-349) ،وتاريخ بغداد: (10/326-337) ، وتهذيب التهذيب: (7/30-34) ، وشذرات الذهب: (2/147-149) ، والبداية والنهاية: (11/37) ، وتذكرة الحفاظ: (2/557،558) ، وطبقات الحنابلة: (1/199-203) .

فهو أول واجب، وآخر واجب، فالتوحيد: أول الأمر وآخره (¬1) . قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: وإنما الإقرار بتوحيد رب العالمين أول واجب على الكافرين، لأن دين الله الإسلام هو ما فطر الله عليه الإنس والجان، كما ثبت ذلك من خير الأنام نبينا – عليه الصلاة والسلام –: كل مولود يولد على الفطرة. وإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لتوقف صحة توحيد المكلف على النظر، ولا على الشك الموصل إلى سقر، ولا على بقية الأقوال التي أوصلها أهل الزيغ إلى اثني عشر، ولذلك قرر الإمام ابن حجر – عليه رحمة الله تعالى – أن قول الله – جل وعلا – {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم30، وقوله – صلى الله عليه وسلم – "كل مولود يولد على الفطرة" ظاهران في دفع تلك الأقوال، ودحضها من أساسها، ونقل عن أبي جمرة عن أبي الوليد الباجي عن أبي جعفر السِّمْناني – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – وهو من رؤوس الأشاعرة وكبارهم – أن تلك الأقوال من مسائل أهل الاعتزال، وبقيت في مذهب الأشعرية، والله المستعان. ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين: (3/443-444) ، ومثله في: (1/134-135) ، وفي مجموع الفتاوى: (10/51) وجميع الرسل – عليهم الصلاة والسلام – افتتحوا دعوتهم بهذا الأصل ثم قرر ذلك بالآيات المتقدمة، وفي: (1/76) قرر أن الشهادتين أصل الدين، وأن النطق بهما أول واجب على المكلفين.

فاعلم هذا يا أخا الإسلام، وحذار حذار من تلوث الأذهان بقاذورات علم الكلام، وشرح الله صدورنا للإيمان، ومَنّ علينا باتباع خير الأنام – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام – (¬1) . بعد تلك الجولة المباركة في بيان أقسام التوحيد، نرجع لمدارسة الموقف السديد، نحو صفات الرب المجيد، وسأتكلم على هذا الموضوع المفيد، ضمن أربعة مباحث على التحديد، وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. 1- مصادر توحيد الأسماء والصفات: ... إن طريق الإيمان بأسماء الرب وصفات الرحمن منحصر فيما جاء به نبينا – عليه الصلاة والسلام – من آيات القرآن، والأحاديث الصحيحة الحسان، وسار عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، إذ يستحيل قطعاً عدم بيان النبي – صلى الله عليه وسلم – ما يتصف به ربنا – جل وعلا – من أسماء حسنى، وصفات كريمة عظمى، بياناً واضحاً محكماً، يدفع كل الشك، ويزيل كل شبهة، ويرفع كل وهم، ويدحض كل باطل، يدل على ذلك أمور كثيرة أبرزها: ¬

_ (¬1) تقدم في هذه الكتاب المبارك في صفحة:...... تخريج حديث كل مولود يولد على الفطرة، وانظر كلام الإمام ابن حجر في الفتح: (1/70-71، 13/349-355) وانظر تشتت أقوال علماء الكلام في بيان أول واجب على الأنام، ووصولها إلى اثني عشر قولا ً في تحفة المريد: (1/34) ، وحاشية الأمير: (38) ولو لم يكن في علم الكلام إلا ما قرره المعتزلة اللئام، من أن أول ما يجب على الإنسان الشك في توحيد الرحمن، لكفى العاقل إعراضاً عن ذلك الهذيان والبهتان، وقد أطال شيخ الإسلام – عليه رحمة ربنا الرحمن – في تفنيد تلك الأوهام فانظر درء تعارض العقل والنقل: (8/3-15، 349-359) .

أ- رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها الهدى والنور، وإرشاد العباد لأقوم الأمور، كما قرر ذلك العزيز الغفور، فقال: {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} إبراهيم1، وقال – جل وعلا – في آخر سورة الشورى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ} الشورى53. وقد أمَرَ اللهُ نبيَّنا – صلى الله عليه وسلم – أن يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يوسف108، وشهد له ربنا – جل جلاله – بأنه بعثه داعياً إليه، وسراجاً منيراً – فداه أبي وأمي – فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} الأحزاب 45-46.

وإذا كان هذا حال رسالة نبينا – صلى الله عليه وسلم – فمن المحال في العقل والدين أن يترك النبي – صلى الله عليه وسلم – باب الإيمان بالله – جل وعلا – والعلم به ملتبساً مشتبهاً، لا يميز في ذلك بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وما يجوز له، وما يمتنع عليه، لأن معرفة هذا أصل الدين، وأساس الهداية، أفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب، وحصلته النفوس، أدركته العقول، قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – أصل الدين وأصل أعماله وإرادته محبة الله – جل وعلا – والأنس به، والشوق إلى لقائه، والرضا به وعنه، كما أن معرفته والعلم بأسمائه وصفاته وأفعاله أجَلّ علوم الدين كلها، فمعرفته أجل المعارف، وإرادة وجهه أجل المقاصد، وعبادته أشرف الأعمال، والثناء عليه بأسمائه وصفاته ومدحه بذلك وتمجيده أشرف الأقوال، وذلك أساس الحنيفية ملة إبراهيم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فمن كان بالله – سبحانه وتعالى – وأسمائه وصفاته أعْرف، وفيه أرغب، وله أحب، وإليه أقرب وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يعرف إلا بالذوق والوجد، ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حباً لغيره، وأنساً به، وكلما ازداد له حباً ازداد له عبودية وذلاً، وخضوعاً ورقاً، وحرية عن رق غيره (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إغاثة اللهفان: (2/197،195) ، وانظر ما لمشهد الصفات من آثار طيبات في نفوس المؤمنين والمؤمنات في مدارج السالكين: (1/417) ، وفي: (3/345-361) حرر الكلام وأطال، وأتى بما يشرح الصدر، وينير العقل، ويطرب البال، فانظره لزاماً، فما إخالك تعثر عليه في مكان آخر تماماً وصفوة ذلك الكلام: أنه لا يستقر للعبد قدم من الإيمان، حتى يؤمن بصفات الرحيم الرحمن، فذلك أساس الإسلام وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان، فهو مبدأ الطريق، ووسطه، وغايته وهو روح السالكين، وهاديهم إلى الوصول إلى رب العالمين، ومحرك عزماتهم إذا فتروا، ومثير هممهم إذا قصروا فَسَيْرُهُم على الشواهد، ومن لا شاهد له فلا سير له، ولا طلب ولا سلوك وأعظم الشواهد صفات محبوبهم، ونهاية مطلوبهم، وذلك هو العلم الذي رفع لهم في السير فشمروا إليه. ... وقال مقيد هذه الأسطر – ستره الله تعالى – لقد صدق الإمام ابن القيم ونصح، فيما قرر ووضح فالذي يحرك العزمات إلى رب الأرض والسموات ويجعل الحياة الدنيا جنة من الجنات، معرفة صفات الله المباركات، وإن شئت التحقق من ذلك وأنت له غير سالك – من الله الكريم عليها جميعاً بمعرفته حقاً، وبمعاملته إخلاصاً وصدقاً – فاستمع لأثر صفتين من صفات رب العالمين، في نفوس المكلفين من متقدمين ومتأخرين. أثر صفة الضحك: روى الإمام أحمد في المسند: (4/13،12،11) وابن ماجه في المقدمة – باب فيما أنكرت الجهمية: (1/64) والدارمي في رده على المريسي: (533) ضمن كتاب عقائد السلف ورواه الطيالسي: (2/77) منحة المعبود والبيهقي في الأسماء والصفات: (473) وابن أبي عاصم في كتاب السنة – باب ما ذكر من ضحك ربنا – عز وجل –: (1/244) ، والدارقطني في الصفات، والطبراني أيضاً كما في جمع الجوامع: (1/565) عن أبي رَزِين ٍ – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيرِهِ – أي قرب تغير الحال من ضيق إلى فرج – قال، قلت يا رسول الله! أيضحك الرب – عز وجل؟ قال: نعم قلت: لن نعدم من رب يضحك خيراً" والحديث رواه الخطيب في تاريخ بغداد: (13/44) وابن خزيمة في كتاب التوحيد – باب ذكر إثبات ضحك ربنا – عز وجل –: 235 عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن الله – عز وجل – ليضحك من إياسة العباد وقنوطهم، وقربه منهم" قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أيضحك ربنا؟ قال: "إي والذي نفسي بيده إنه ليضحك" فقلت: إذاً لا يعدمنا منه خيراً إذا ضحك، وأشار إلى هذه الرواية البيهقي في الأسماء والصفات: (473) . والحديث بالطريق الأول رجاله ثقات احتج بهم مسلم، إلا وكيع بن عُدُس، ويقال: حُدُس فهو من رجال الأربعة ومقبول كما في التقريب: (2/331) وذكره ابن حبان في الثقات كما في تهذيب التهذيب: (11/131) . وفي الطريق الثاني سَلْم بن سالم البَلَخي، ضعفه الأئمة بل اتُفِقَ على ضعفه كما في الميزان: (2/185) ، واللسان: (3/63) ، وفيه خارجة بن مصعب متروك كما في التقريب: (1/200) . والحديث لطرقه وشواهده حسن، وقد نص على تحسينه شيخ الإسلام – عليه رحمة الله تعالى – في الواسطية: (97) ، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/139) ، ولفظه "عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غَيْرِهِ، ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب" وهو قريب من لفظ رواية الإمام أحمد الثالثة وأشار إليه محتجاً به الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: (3/348) . وصفة الضحك تواترت بها الأحاديث عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – في وصف ربنا – جل جلاله – أقطع بذلك، وأسأل عنه يوم القيامة، قال الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد: (230) باب ذكر إثبات ضحك ربنا – عز وجل – بلا صفة تصف ضحكه – جل ثناؤه – لا، ولا يُشَّبهُ ضحكُه بضحك المخلوقين وضحكهم كذلك بل نؤمن بأنه يضحك كما أعلم النبي – صلى الله عليه وسلم – ونسكت عن صفة ضحكه – جل وعلا – إذ الله – عز وجل – استأثر بصفة ضحكه لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي – صلى الله عليه وسلم –، مصدقين بذلك بقلوبنا منصتون عما لم يبين لنا مما استأثر الله – تبارك وتعالى – بعلمه أ. هـ. وانظر مدارج السالكين: (1/216) وفيه ليس في إثبات هذه الصفة محذور ألبتة فإنه ضحك ليس كمثله شيء. وانظر لزاماً رد الدارمي على المريسي: (530-537) ضمن كتاب عقائد السلف. فانظر – رعاك الله – إلى استبشار الصحابة الأطهار بتلك الصفة للكريم الغفار، وفي أسْدِ الغابة: (4/311) ، والإصابة: (3/42) وسيرة ابن هشام: (3/39) ، والسيرة الحلبية: (2/411) ، والبداية والنهاية: (3/271) عن ابن إسحاق قال: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث وهو ابن عَفْراء – رضي الله تعالى عنه – قال يوم بدر: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما يُضْحِكُ الربَّ من عبده؟ قال: غَمْسُهُ يَدَهُ في العَدُوّ حَاسِراً – أي: لا درع له، ولا مغفر – فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فاتل حتى قتل. – رضي الله تعالى عنه –. ثانيا: أثر صفة اتصاف ربنا بمغفرة الذنوب، وبتوبته على أهل الخطايا والعيوب: ثبت في صحيح البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام –: (6/512) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب التوبة – باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله –: (4/2118) ، ورقم 2766، وسنن ابن ماجه – كتاب الديات – باب هل لقاتل مؤمن توبة؟: (2/875) ، ومسند أحمد: (3/72،20) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا نَصَفَ الطريقَ – أي: بلغ نصفها – أتاه الموت فاختصمت فيه ملائمة الرحمة، وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة" وفي رواية في الصحيحين: "فأوحى الله إلى هذه أن تقرَّبي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي" زاد البخاري وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له" والحديث رواه الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – ورواه أيضاً عن معاوية بن أبي سفيان – رضي الله تعالى عنهما – بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير أبي عبد رب وهو ثقة، ورواه أبو يعلى بنحوه كذلك، ورواه الطبراني أيضاً عن أبي بُلْوَة َ البَلَوِيِّ وكان من أصحاب الشجرة – رضي الله تعالى عنه – ورواه أيضاً عن ابن مسعود موقوفاً عليه بسند رجاله رجال الصحيح وله حكم الرفع لأنه لا يُدْرَكًُ بالرأي، وفي تلك الروايات شيء من الاختلاف في السياقة فانظره في مجمع الزوائد: (10/211-213) كتاب التوبة – باب في مغفرة الله – تعالى – للذنوب العظام وسعة رحمته –. فانظر – وفقك الله تعالى – إلى أي شيء أدى إليه جهل الراهب بصفات الرب الواهب، ثم تأمل جواب العالم السديد لمعرفته بصفات الرب المجيد، كيف هدى الله – تبارك وتعالى – بجوابه المجرمين من العبيد. والحقيقة أنه لولا اتصاف ربنا الكريم بمغفرة الذنوب، وقبوله توبة من يتوب لضاقت الأرض بما رحبت على الصديقين، بل تضيق عليهم أنفسهم في كل مكان وحين، إذ لا يخلو أحد من تقصير، وتقصير كل ٍ بحسبه، وإذا كان هذا حال الطيبين، فما بالك بحال العتاة المفسدين، فحمداً لله حمداً على ما وصف به نفسه، وأكرمنا بمعرفة ذلك ليهدأ رَوْعُنا، وتطمئن قلوبنا، وتنشرح صدورنا، فَعِلْمُ الأسماء الحسنى، والصفات العلى، مع القيام بما يقتضيه ذلك الِعْلمُ من عبدوية لله – جل وعلا – عن طريق تعلق القلب بتلك الأسماء والصفات، ودعاء الله بها حسبما يتلاءم معها من الأحوال والأوقات، شأنٌ عظيم؛ لأن كل مطلوب يُسألُ بالمناسب من أسماء الملك الكريم كما في مدارج السالكين،: (1/448) ، وفيه في: (1/431) نقلا ً عن الإمام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى –: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية. قال عبد الرحيم – غفر الله له وللمسلمين، ومن تدبر الأدلة الشرعية أيقن بذلك غاية الإيقان، وإليك حديثان من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – هما خاتمة الكلام في هذه المسألة التي هي أوسع مسائل الإسلام. ثَبَتَ في صحيح مسلم – كتاب البر – باب تحريم الظلم –: (4/1994) رقم 2577 عن أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما روى عن الله – تبارك وتعالى – أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار ٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكْسِكُمْ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار , وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكن لن تبلغوا ضَرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُصُ المِخْيَط ُ إذا أدخل البخر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم أياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذل

ب- ترك النبي – صلى الله عليه وسلم – الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وتحقيقاً لذلك فقد علمهم كل شيء حتى الخِراءة َ كما ثبت في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قيل لسلمان الفارسي – رضي الله تعالى عنه – قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخِراءة َ، فقال سليمان: أجل، قلد نهانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو بعظم" (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الطهارة – باب الاستطابة: (1/323) ، وسنن الترمذي – كتاب الطهارة – باب الاستنجاء بالحجارة: (1/27) ، وسنن أبي داود – كتاب الطهارة – باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة: (1/17) ، وسنن النسائي – كتاب الطهارة – باب النهي عن الاكتفاء في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار: (1/36) وباب النهي عن الاستنجاء باليمين: (1/40) وسنن ابن ماجه – كتاب الطهارة – باب الاستنجاء بالحجارة، (1/115) ، والمسند: (5/439،438،437) ، وانظره في منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود: (1/47) ، ومنتقى ابن الجارود: (20) ، وسنن البيهقي الكبرى – كتاب الطهارة – جماع أبواب الاستطابة: (1/112،102،91) . والقائل ذلك الكلام، للصحابي سلمان – رضي الله تعالى عنه – من المشركين اللئام كما ورد في رواية الأئمة الكرام أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه والبيهقي. وورد في رواية الطيالسي تعيين كونه من أهل الكتاب أي من اليهود وهم المشركون، وفي جهنم خالدون. واعلم أن أفضل أحوال الاستطابة وأكملها أن يزيل المتطهر النجاسة بحجراً أو ورق ثم يستعمل الماء، وذلك لتخف النجاسة، وتقل مباشرتها باليد، ولتحصل النظافة على أبلغ وجه، فإن اقتصر على إحداهما فالماء أفضل لأنه يزيل عين النجاسة وأثرها أما الحجر وما في حكمه فزيل العين دون الأثر، ولذلك كان الاستنجاء بالماء مروءة آدمية ووظيفة شرعية كما في أحكام القرآن لابن العربي: (2/1015) ، ونقله عنه القرطبي في تفسيره: (8/261) وثبت في سنن الترمذي – كتاب الطهارة – باب ما جاء في الاستنجاء بالماء: (1/31) ، وسنن النسائي – كتاب الطهارة – باب الاستنجاء بالماء: (1/39) ، ومسند أحمد: (6/236،171،130،130،114،113،95) عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت للنساء: مرن أزواجكن أن يتطيبوا بالماء فإني أستحييهم منه، وإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يفعله" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وإذا كان هذا حال النبي – صلى الله عليه وسلم – في بيان أمور الدين وإن دقت، فيستحيل في حقه قطعاً أن يترك تعليم الناس ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية، وزُبْدة الرسالة الإلهية، فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مُسْكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول – صلى الله عليه وسلم – على غاية التمام. جـ- إذا ثبت أن بيان ذلك ضروري، فحال النبي – صلى الله عليه وسلم – يحتم ذلك البيان على أتم وجه وأبلغه، وأحسنه وأحكمه، وذلك لاتصاف النبي – صلى الله عليه وسلم – بثلاثة أمرو تستدعي وتوجب ذلك الحصول، فهو – فداه أبي وأمي – أعلم الخلق بربه – جل جلاله – وهو أنصح الخلق للخلق، وهو أبلغ البرية بياناً، وأفصحهم لساناً، وإذا وُجد المقتضِي، وانتفى المانع وجب الحصول كما تحتمه صرائح العقول. د- إذا كان بيان أسماء الله – جل وعلا – وصفاته قد وقع من الرسول – صلى الله عليه وسلم – لأمته على أتم ما يرام، فمن المحال أن يكون خير وأفضل قرونها قصروا في هذه الباب، زائدين فيه، أو ناقصين عنه. ... ومن المحال أيضاً أن تكون القرون الفاضلة غير عالمين، أو ليسوا قائلين في هذا الباب بالحق المبين، لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول – وذلك هو الجهل – أو اعتقاد نقيض الحق، وقول خلاف الصدق – وذلك هو الضلال والزيغ – وكل من الأمرين ممتنع.

.. أما وجه امتناع الأول – وهو جهلهم بأسماء الله تعالى وصفاته – فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم، أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب، والسؤال عنه، ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده، وأعظم مطالبه، وليس النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدانية، فكيف يتصور – مع قيام هذا المقتضِي الذي هو من أقوى المقتضيات أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم؟ هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق وأشدهم إعراضاً عن الله – جل وعلا – وأعظمهم انكباباً على طلب الدنيا، والغفلة عن ذكر الله – تبارك وتعالى – فكيف يقع في أولئك؟!. ... ثم لو فرضنا جهلهم بالحق في هذا الباب فإن جهل من بعدهم بأسماء الله وصفاته أولى وأحرى، لأن معرفة ذلك متوقف عن طريق بيان النبي – صلى الله عليه وسلم – وتابعوهم بإحسان – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – هم الواسطة بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبين الأمة، فإذا انتفى عنهم العلم بأسماء الله وصفاته يلزم أن لا يكون عند أحد علم في هذا الباب، وذلك ممتنع بلا ارتياب. ... وإذا انتفى جهل السلف الصالح بأسماء الله وصفاته، وثبت علمهم بذلك عن طريق التفصيل فلا يصح أن يقال: إنهم كتموا الحق، ولم يبينوه، فمن عرف حالهم في تبليغ الدين، وحرصهم على نشر هدي سيد المرسلين – عليه صلوات الله وسلامه – عَلِمَ عِلْمَ اليقين استحالة ذلك على سلفنا الكرام الصادقين – رضي الله عنهم أجمعين –. ... على أنه يقال: لو فرضنا كتمان السلف الصالح لذلك مع علمهم به، لفلا يمكن لمن بعدهم معرفة أسماء الله وصفاته، لأن السلف الكرام هو الواسطة والبيان، كما تقدم على ذلك البرهان، وبذلك تعلم انتفاء الجهل عنهم الكتمان، في صفات الرحيم الرحمن، وما نقل عنهم من إيضاح لذلك وبيان هو في غاية الإحكام والإتقان، ويدفع عنهم كل تخرص ووهم وهذيان.

.. وأما وجه امتناع اعتقاد السلف الصالح نقيض الحق وقولهم خلاف الصدق في أسماء الله وصفاته أن ذلك يستلزم أحد أمرين لا ثالث لهما، وهما: إما جهلهم أو سوء قصدهم وإرادة إضلال من بعدهم، وقد تقدم بيان فساد كل منهما في حقهم، ويزاد هنا أن سوء القصد لو صدر منهم وأمكن فيهم، وصح عليهم لانعدمت الثقة في سائر أبواب الدين، وهذا ضلال مبين، يلزم منه القدح في شريعة رب العالمين، ونبذ هداه المحكم المتين: وقد فطن العلماء من الأئمة الطيبين، لهذا المكر اللعين، فقال شيخ المحدثين، الإمام أبو زُرْعة الثقة الأمين – عليه رحمة رب العالمين –: إذا رأيت الرجل بنتقص أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاعلم أنه زنديق، لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدَّى إلينا هذا القرآنَ، وأحاديث النبي – عليه الصلاة والسلام – الصحابة ُ الكرامُ – عليهم من الله الرحمة والرضوان – ويريد الزنادقة جرح شُهودِنا ليبطلوا كتاب ربنا، وسنة نبينا – صلى الله عليه وسلم – والجرح بهم أولى، وهم زنادقة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر قول أبي زُرْعة في كتاب الكفاية في علم الرواية: (49) وانظر تفصيل الأمور الأربعة الدالة على بيان النبي – صلى الله عليه وسلم – لأسماء الله الكريمة، وصفاته العظيمة في أول الرسالة الحموية، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (5/6-12) ، ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: (1/4-8) ، وفتح رب البرية بتلخيص الحموية: (5-7) ، ومدارج السالكين: (3/348-361) ودرء تعارض العقل والنقل: (1/72-78) .

وإذ قد تبين لك – أيها المسترشد – أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – بين للناس أسماء الله وصفاته – جل وعلا – بياناً سديداً، مفصلا ً كافياً، واسعاً دقيقاً شافياً، تعلم علم اليقين أن الأخذ بذلك هو الصراط المستقيم، والتسليم له هو المنهج المحكم المتين، وعن ذلك الطريق يحصل النور المبين، وتفهم صفات رب العالمين، ومن انحرف عن ذلك المسلك القويم، فهو من الضالين الزائغين، إذ لا تعويل على العقول والآراء، في صفات رب الأرض والسماء ـ ولا دخل لقواعد المتكلمين وهَوَسات المتنطعين في صفات رب العالمين، فالعقل مع النقل كالعين مع الشمس، فكما أن الرؤية لا تحصل بدون عين سليمة، وشمس طالعة، فكذلك الاهتداء لا يحصل إلا بوجود عقل يستنير بوحي رب الأرض والسماء، فالعقل كالعين، ونور الوحي كنور الشمس، وكما أن العين لا ترى بدون نور مهما اشتدت قوة نظرها، فالعقل لا يهتدي بدون وحي مهما قويت ألمعيته وذكاؤه وكم من ذكي غير زكي (¬1) . ... ومن رحمة الله – تبارك وتعالى – على العباد، أن رفع عنهم التكليف إذا لم يتوفر فيهم سبب الاهتداء والسداد، فلا تكليف على فاقد العقل، كما أنه لا تكليف عند عدم وجود النقل، ولولا العقل لم يكن الدين باقياً، ولولا الدين لأصبح العقل تائهاً حائراً، وباجتماعهما يحصل الفلاح والرشاد ويتم الهدى والسداد، وفي ذلك أنشد الإمام أحمد – نضر الله وجهه –: دينُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - محمدٍ أخْبَارُ ... نِعمَ المَطيّة ُ للفَتى الآثارُ لا ترْغَبَنّ عن ِ الحَديثِ وأهلهِ ... فالرأيُ ليْلٌ والحديثُ نَهَارُ ¬

_ (¬1) انظر مثال العقل مع النقل في تلبيس إبليس: (2) ، والذريعة إلى مكارم الشريعة: (106) ، وإحياء علوم الدين: (1/91) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (1/138) ، وشرح الطحاوية: (149-150) ، ومجموع الفتاوى: (4/247) .

ولرُبّمَا جَهِلَ الفتى أثرَ الهُدى ... والشّمْسُ بَازغة لها أنْوارُ (¬1) ... وهذه المسألة هي الأساس الفارق بين أهل السنة، وأهل البدعة، وبين أهل الحق، وأهل الزندقة، فأعطها حقها من الدراية والرعاية لتكون من المعتدين، ومن حزب الله المفلحين، قال الإمام الرباني أبو المُظَفَّر ِ السَّمْعانيُّ – عليه رحمة الله تعالى –: اعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل، فإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعاً للمعقول. ¬

_ (¬1) انظر جامع بيان العلم وفضله: (2/35) ، والأبيات في شرف أصحاب الحديث: (76) منسوبة لعَبْدَة بَن ِ زيادٍ الأصبهانيِّ.

وأما أهل السنة فقالوا: الأصل في الدين الاتباع، والعقول تبع، ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي، وعن الأنبياء – عليهم صلوات الله تعالى وسلامه – ولبطل معنى الأمر والنهي، ولقال من شاء ما شاء، ولو كان الدين بني على المعقول، وجب أن لا يجوز للمؤمنين قبول أشياء أمروا بها حتى يعقلوها، ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذكر صفات الله – عز وجل – وما تعبد الناس من اعتقاده، وكذلك ما ظهر بين المسلمين، وتداولوه بينهم، ونقلوه عن سلفهم، إلى أن أسندوه إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – من ذكر عذاب القبر، وسؤال الملكين والحوض، والميزان، والصراط، وصفات الجنة، وصفات النار، وتخليد الفريقين فيهما، أمور لا تدرك حقائقها بعقولنا، وإنما ورد الأمر بقبولها، والإيمان بها، فإذا سمعنا شيئاً من أمور الدين، وعقلناه، وفهمناه فلله الحمد في ذلك والشكر، ومنه التوفيق، وما لم يمكنا إدراكه وفهمه، ولم تبلغه عقولنا آمنا به، وصدقناه، واعتقدنا أن هذا من قَبِلَ ربوبيته وقدرته، واكتفينا في ذلك بعلمه ومشيئته قال – تبارك وتعالى – في مثل هذا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} الإسراء85، وقال – جل وعلا –: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} البقرة255. ثم نقول لهذا القائل الذي يقول: بني ديننا على العقل، وأمرنا باتباعه: أخبرنا إذا أتاك أمر من الله – جل جلاله – يخالف عقلك، فبأيهما تأخذ؟ بالذي تعقل، أو بالذي تؤمر؟ فإن قال: بالذي أعقل فقد أخطأ، وترك سبيل الإسلام، وإن قال: إنما آخذ بالذي جاء من عند الله فقد ترك قوله. فالواجب علينا أن نقبل ما عقلناه إيماناً وتصديقاً، وما لم نعقله تسليماً واستسلاماً، وهذا معنى قول من قال من أهل السنة: إن الإسلام قنطرة لا تُعبر إلا بالتسليم.

وقال السمعاني – أيضاً – رحمه الله تعالى –: إن الله – تبارك وتعالى – أسس دينه وبناه على الاتباع، وقبوله بالعقل، فمن الدين معقول وغير معقول، والاتباع في جميعه واجب، ومن أهل السنة من قال بلفظ آخر فقال: إن الله – جل وعلا – لا يعرف بالعقل، ولا يعرف مع عدم العقل، ومعنى هذا: أن الله – تبارك وتعالى – هو الذي يُعَّرف العَبْدَ ذاتَهُ، فيعرف الله بالله لا بغيره، لقوله – عز وجل –: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} القصص56، ولم يقل: ولكن العقل والآيات في هذا المعنى كثيرة، فالله – جل ثناؤه – هو المُعَّرفُ إلا أنه إنما يُعِّرفُ العَبْدَ نَفْسَهُ مع وجود العقل، لأنه سبب الإدراك والتميز، لا مع عدمه، ونظير هذا أن الولد لا يكون مع فقد الوطء، ولا يكون بالوطء، بل يكون بإنشاء الله – تبارك وتعالى – وخلقه. وقال بعض أهل المعرفة: إنما أعطينا العقل لإقامة العبودية، لا لإدراك الربوبية، فمن شغل ما أعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية، ولم يدرك الربوبية، ومعنى قولنا: أعطينا العقل لإقامة العبودية: أنه آلة التمييز بين القبيح والحسن، والسنة والبدعة، والرياء والإخلاص ولولاه لم يكن تكليف، ولا توجه أمر ولا نهى، فإذا استعمله الإنسان على قدره ولم يجاوز به حده أداه ذلك إلى العبادة الخالصة، والثبات على السنة، واستعمال المستحسنات وترك المستقبحات.

وقال بعضهم: العقل حجة الله – عز وجل – على جميع الخلق؛ لأنه سبب التكليف، إلا أن صاحبه لا يستغني عن التوفيق في كل وقت، ونفس العقل بالتوفيق كان، والعقل محتاج في كل وقت إلى توفيق جديد من الله – جل وعلا – ولو لم يكن كذلك لكان العقلاء مستغنيين عن الله – جل وعلا – بالعقل، فيرتفع عنهم الخوف والرجاء، ويصيرون آمنين من الخذلان، وهذا تجاوز عن درجة العبودية، وتعد عنها، ومحال من الأمر، إذ ليس من الحكمة أن يُنزِّلَ اللهُ – جل وجلاله – أحداً غير منزلته، فإذا أغنى عبيده عن نفسه، فقد أنزلهم غير منزلتهم، وجاوز بهم حدودهم، ولو كان هذا هكذا لاستوى الخلق والخالق في معنى من معاني الربوبية، والله – جل وعلا – ليس كمثله شيء في جميع المعاني (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر كلام الإمام السمعاني في رسالته المباركة: الانتصار لأهل الحديث والتي قد اختصرها الإمام السيوطي في كتابه النافع صون المنطق عن فن المنطق والكلام في خمس وثلاثين صفحة وذلك الكلام في: (179-182) .

وللإمام ابن تيمية – أسكنه الكريم الغرف العلية – كلام متين، وتحقيق محكم ثمين، حول هذا الموضوع العظيم، في كتابه النفيس القويم، والمسمى بدرء تعارض العقل والنقل، وبموافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، إليك شذرة من ذلك،، وشيئاً من النور هنالك، قال – رحمه الله تعالى –: إذا تعارض الشرع والعقل وجب تقديم الشرع؛ لأن العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به، والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به، ولا العلم بصدقه موقوف على كل ما يخبر به العقل قال بعضهم: يكفيك من العقل أن يعلمك صدق الرسولَ – صلى الله عليه وسلم – ومعاني كلامه، وقال آخر: العقل مُتَوَل ٍِ، ولى الرسول – صلى الله ليه وسلم – ثم عزل نفسه؛ لن العقل دل على أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – يجب تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والعقل يدل على صدق الرسول – صلى الله عليه وسلم – دلالة عامة مطلقة، وهذا كما أن العامَّي إذا علم عين المفتي، ودل غيره عليه، وبين له أنه مفتٍ، ثم اختلف العامي الدال والمفتي، وجب على المستفتي أن يقدم قول المفتي فإذا قال له العامي: أنا الأصل في علمك بأنه مفتٍ، فإذا قدمت قوله على قولي عند التعارض قدحت في الأصل الذي به علمت أنه مفتٍ، قال له المستفتي: أنت لما شهدت أنه مفتٍ، ودللت على ذلك شهدت بموجب تقليده دون تقليدك، كما شهد به دليلك، وموافقتي لك في هذا العلم المعين لا يستلزم أني أوافقك في أعيان المسائل، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفتٍ، وأنت إذا علمت أنه مفتٍ باجتهاد واستدلال، ثم خالفته باجتهاد واستدلال كنت مخطئاً في الاجتهاد والاستلال الذي خالفت به من يجب عليك تقليده، واتباع قوله، وإن لم تكن مخطئاً في الاجتهاد والاستدلال الذي به علمت أنه عالم مفتٍ يجب عليك تقليده، هذا مع علمه بأن المفتي يجوز عليه الخطأ، والعقل يعلم أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – معصوم في خبره عن الله –

تبارك وتعالى – لا يجوز عليه الخطأ، فتقديمه قول المعصوم على ما يخالفه من استدلاله العقلي أولى من تقديم العامي قوله المفتي على قوله الذي يخالفه. وكذلك – أيضاً – إذا علم الناس وشهدوا أن فلاناً خبير بالطب أو بالقيافة – وهي معرفة الآثار – أو الخرص – وهو الحرز –: ويقال: على حرز ما على النخل من الرطب تمراً – أو تقويم السلع ونحو ذلك وثبت عند الحاكم أنه عالم بذلك دونهم، أو أنه أعلم منهم بذلك، ثم نازع الشهود الشاهدون لأهل العلم بالطب والقيافة والخرص والتقويم أهل العلم بذلك، وجب تقديم قول أهل العلم بالطب والقيافة والخرص والتقويم، على قول الشهود الذين شهدوا لهم – وإن قالوا: نحن ركينا هؤلاء، وبأقوالنا ثبتت أهليتهم فالرجوع في محل النزاع إليهم دوننا يقدح في الأصل الذي ثبت به قولهم، كما قال بعض الناس: إن العقل مُزكّ الشرع ومعدله، فإذا قدم الشرع عليه كان قدحاً فيمن زكاه وعدله، فيكون قدحاً فيه. قيل لهم: أنتم شهدتم بما علمتم من أنه من أهل العلم بالطب أو التقويم أو الخرص أو القيافة، ونحو ذلك، وأن قوله في ذلك مقبول دون قولكم، فلو قدمنا قولكم عليه في هذه المسائل لكان ذلك قدحاً في شهادتكم وعلمكم بأنه أعلم منكم بهذه الأمور، وإخباركم بذلك لا ينافي قبول قوله دون أقوالكم في ذلك، إذ يمكن إصابتكم في قولكم: نحن أعلم ممن هو أعلم منا فيما ينازعنا فيه من المسائل التي هو أعلم بها منا، بل خطؤكم في هذا أظهر.

ومن المعلوم أن مباينة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لذوي العقول أظهر من مباينة أهل العلم بالصناعات العلمية والعملية والعلوم العقلية الاجتهادية كالطب والقيافة والخرص والتقويم، لسائر الناس فإن من الناس من يمكنه أن يصير عالماً بتلك الصناعات العلمية والعملية كعلم أربابها بها، ولا يمكن من لم يجعله الله رسولاً إلى الناس أن يصير بمنزلة من جعله الله – تبارك وتعالى – رسولاً إلى الناس فإن النبوة لا تنال بالاجتهاد كما هو مذهب أهل الملل (¬1) . وإذا كان الأمر كذلك فإذا علم الإنسان بالعقل أن هذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلم أنه أخبر بشيء، ووجد في عقله ما ينازعه في خبره، كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه، وأن لا يقدم رأيه على قوله، ويعلم أن عقله قاصر بالنسبة إليه، وأنه أعلم، بالله – تعالى – وأسمائه وصفاته واليوم الآخر منه، وأن التفاوت الذي بينهما في العلم بذلك أعظم من التفاوت الذي بين العامة، وأهل العلم بالطب. ¬

_ (¬1) أي جميع أهل الديانات لا خلفا بينهم في كون النبوة محض فضل من الله – جل وعلا – يعطيه من يشاء من عباده، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ولم يخالف في هذا إلا حثالة البشر من الفلاسفة فقالوا: إن النبوة مكتسبة للعبد بمباشرة أسباب خاصة، ويفسرون النبوة بأنها صفاء وتَجَل ٍ للنفس يحدث لها من الرياضات بالتخلي عن الأمور الذميمة، والتخلق بالأخلاق الحميدة، وهذه الضلالة إحدى ضلالاتهم المكفرة – عليهم لعنة الله رب العالمين – انظر تحفة المريد: (2/30) وحاشية الأمير: (113) ، وفي الجوهرة: (14) ولمْ تكُنْ نبوة ٌ مُكْتسَبَة ْ ... وَلَوْ رَقى في الخير ِ أعْلا عَقَبَة ْ بلْ ذاكَ فَضْلُ اللهِ يُؤتِيه لِمَنْ ... يَشاءُ جلّ الله واهبَ المِنَنْ

فإذا كان عقله يوجب أن ينقاد لطبيب يهودي فيما أخبره من مقدرات من الأغذية والأشربة والأضمدة والمسهلات، واستعمالها على وجه مخصوص، مع ما في ذلك من الكلفة والألم، لظنه أن هذا أعلم بهذا منى، وأني إذا صدقته كان ذلك أقرب إلى حصول الشفاء لي مع علمه بأن الطبيب يخطئ كثيراً وأن كثيراً من الناس لا يشفى بما يصفه الطبيب بل قد يكون استعماله لما يصفه سببا في هلاكه. ومع هذا فهو يقبل قوله، ويقلده، وإن كان ظنه واجتهاده يخالف وصفه، فكيف حال الخلق مع الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام –؟

والرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – صادقون مصدَّقون، لا يجوز أن كون خبرهم على خلاف ما أخبروا به قط، والذين يعارضون أقوالهم بعقولهم عندهم من الجهل والضلال ما لا يحصيه إلا ذو الجلال – سبحانه وتعالى – فكيف يجوز أن يعارض ما لم يخطئ قط بما لم يصب في معارضته له قط (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر درء تعارض العقل والنقل: (1/138-142) وهذا الكتاب فيه ما يشرح الصدور وينير الألباب فعليك به فلن تعثر على مثله، قال الإمام ابن القيم في طريق الهجرتين وباب السعادتين: (195) : تظافر على إيمان المؤمنين الشريفة المنزلة، والفطرة المكملة، والعقل الصريح، فكانوا هم العقلاء حقاً وعقولهم هي المعيار فمن خالفها فقد خالف صريح المعقول والقواطع العقلية، ومن أراد معرفة هذا فليقرأ كتاب شيخنا وهو بيان موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح، فإنه كتاب لم يَطْرُقِ العالَمَ له نظير في بابه، فإنه هدم فيه قواعد أهل الباطل فخرت عليهم سقوفه من فوقهم، وشيد فيه قواعد أهل السنة والحديث، أحكمها ورفع أعلامها، وقررها بمجامع الطرق التي تقرر بها الحق من العقل والنقل والفطرة والاعتبار، فجاء كتاباً لا يستغني من نصح نفسه من أهل العلم عنه، فجزاه الله عن أهل العلم والإيمان أفضل جزاء، وجزى العلم والإيمان عنه كذلك، وكرر نحو هذا في: (301) وأشاد بالكتاب بما يتناسب مع مكانته عند أولي الألباب فقال في الكافية الشافية: (164) : فاقرأ تصانيفَ الإمام حقيقة ً ... شيخ ِ الوجودِ العَالم ِ الربّاني ج أعني أبا العباس أحمد ذلك البَحْرُ ... ما في الوجودِ له نظيرٌ ثان ِ ج واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثان ِ

قال عبد الرحيم – أكرمه الله بجنات النعيم –: ليت شعري أي عقل سنحتكم إليه، ونعول عليه إذا جعلناه أصلاً للدين، ومصدراً للتشريع القويم؟ أعقل بيجن أم لينين؟ أو عقل كارتر أم عباد الشياطين؟ أو عقل عباد البقر، أم عباد الفروج؟ أو عقل عباد الأصنام أم زنادقة الأنام؟ وبعض هؤلاء ذكاؤه مشهود، لكنه لا يرتفع عن مستوى الثعالب والقرود، إذ لا خير في ذكاء لم يصحبه زكاء، ولن يحصل ذلك إلا بوحي رب الأرض والسماء، ففتح باب التعويل على العقل بدون الاهتداء بالنقل فتح لباب الفوضى على مصراعيه، ليقول من شاء ما شاء، وليس بعد هذا البلاء بلاء. ومن أجل ذلك ذم سلفنا الكرام علم الكلام، وحذروا منه أهل الإيمان، وحكموا على أتباعه بالزيغ والعصيان، قال الإمام الشافعي – عليه رحمة الله تعالى –: لأن يلقى العبد ربه بكل ذنب خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من علم الكلام، ولقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت مسلماً يقوله وحكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال: هذا جزاء من تلك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام، وقال في ذلك شعراً: كلُ العلوم سوى القرآن مشغَلة ٌ ... إلا الحديثَ وإلا الفِقْهَ في الدين ِ العِلمُ ما كانَ فيه قالَ حَدّثَنَا ... وما سوى ذاكَ وسْواسُ الشّياطِينِ

وكما يقول: لو علم الناس ما في الكلام لفروا منه كما يفرون من الأسد، وقال: الكلام يلعن أهل الكلام، ومن ارتدى بالكلام لا يفلح، وأفتى هو وغيره – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – بأن من أوصى لعلماء بلده لا يدخل فيهم المتكلمون، ولو أوصى إنسان بوقف كتبه العلمية لا يدخل فيها كتب الكلام الردية (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر نسبة تلك الأقوال إلى الإمام الشافعي في آداب الشافعي ومناقبه: (148،182- 188) ومناقب الشافعي للبيهقي: (2/452-462) – باب ما جاء عن الشافعي في مجانبة أهل الأهواء وبغضه إياهم وذمه كلامهم، وإزرائه بهم، وصون المنطق: (62،31-73،66،136) وشرف أصحاب الحديث: (78-79) باب من جمع بين مدح أصحاب الحديث وذم أهل الكلام الخبيث، والحلية: (9/116،111) وتبين كذب المفترى: (335-338) ، وشرح السنة: (1/217-218) ، والبداية والنهاية: (10/254) وشذرات الذهب: (2/9) ، وجامع بيان العلم وفضله: (2/95) والانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء: (80) والعلو: (121) وقال مؤلفه الإمام الذهبي: قلت: تواتر عن الشافعي ذم الكلام وأهله، وانظره في درء تعارض العقل والنقل: (1/232) ، وشرح الطحاوية: (21) ، وشرح الفقه الأكبر: (2-3) ، والسنن الكبرى للبيهقي: (10/206) كتاب الشهادات – باب ما ترد به شهادة أهل الأهواء، والاعتصام للشاطبي: (2/332) .

وقال الإمام أحمد – نضر الله وجهه، وفي غرف الجنان أرقده –: من تعاطى الكلام لا يفلح، ومن تعاطى الكلام لم يَخْلُ من أن يتجهَّم، وقال: لست أتكلم إلا ما كان من كتاب، أو سنة، أو عن الصحابة والتابعين – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وأما غير ذلك فالكلام فيه غير محمود، وقال: عليكم بالسنة والحديث وإياكم والخوض والجدال والمراء، فإنه لا يفلح من أحب الكلام، وقال لولده حنبل: لا تجالسهم، ولا تكلم أحداً منهم، فقد أدركنا الناس وما يعرفون هذا، ويجانبون أهل الكلام، وقال: الكلام رديء لا يدعو إلى خير، تجنبوا أهل الجدال والكلام، وعليكم بالسنن وما كان عليه أهل العلم قبلكم فإنهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل البدع، وإنما السلامة في ترك هذا، لم نؤمر بالجدال والخصومات وإذا رأيتم من يحب الكلام فاحذروه، وكان يقول: لا تجالسوا أهل الكلام وإن ذبوا عن السنة، وما زال الكلام عند أهل الخير مذموماً.

قال الإمام الذهبي: قلت: ذم الكلام وتعلمه جاء من طرق كثيرة عن الإمام أحمد وغيره – رحمهم الله جميعاً (¬1) – وقال الإمام أبو يوسف – عليه رحمة الله تعالى –: من طلب العلم بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس، ومن طلب غريب الحديث كُذِبَ، وقال لبِشْر المِرِّيسي: العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم، وإذا صار الرجل رأساً في الكلام قيل: زنديق، أو رمي بالزندقة أراد – رحمه الله تعالى – بالجهل به اعتقاد عدم صحته، فإن ذلك علم نافع، أو أراد به الإعراض عنه وترك الالتفات إلى اعتباره، فإن ذلك يصون علم الرجل، وعقله فيكون علماً بهذا الاعتبار (¬2) . ¬

_ (¬1) وردت جميع تلك النقول عن الإمام أحمد في تاريخ الإسلام للذهبي وقد فُصِلَتْ ترجمة الإمام أحمد في جزء مستقل فانظر تلك الأقوال فيه في: (28/30) ، وانظرها مفرقة في طبقات الحنابلة: (1/62) وجامع بيان العلم وفضله: (2/95) ، ودرء عارض العقل والنقل: (1/232) ، وصون المنطق: (136) وشرف أصحاب الحديث: (6) وقول الإمام أحمد: من تعاطى الكلام لم يَخْلُ من أن يتجهَّم، أي: يصبح جهمياً والجهمية ضالون مضلون ينسبون للزيغ الخبيث جهم بن صفوان، وسيأتيك عما قريب بين ضلالاتهم. (¬2) كما في شرح الطحاوية: (19/20) ، وشرح الفقه الأكبر: (2) ، وانظر قول أبي يوسف في مناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه للذهبي: (44) وفي: (43) كان يقول: لا يفلح من استحلى شيئاً من الكلام وانظر قوله أيضاً في شرف أصحاب الحديث: (5) ، ومناقب أبي حنيفة للموفق المكي: (492) ، مناقب أبي حنيفة للكردي: (409) ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: (29/374) وقال الشيخ ابن تيمية: ويُروى هذا الكلام عن مالك والشافعي – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وانظره في جامع بيان العلم وفضله: (2/132) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (1/232) وصون المنطق: (60) وفي صون المنطق: (75) قال ابن أبي حاتم: كان أبي وأبو زرعة يقولان: من طلب الدين بالكلام ضل..

وقال رجل لأبي عبيد القاسم بن سلام: ما تقول في علم الكلام؟ فقال له: لقد دلك ربك على سبيل الرشد وطريق الحق، وقال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء59، أما دلك فيما دلك عليه ربك من كلامه، وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – ما يغنيك عن الرجوع إلى رأيك وعقلك، وقد نهاك عن الكلام في ذاته وصفاته إلا حسب ما أطلقه لك، قال الله – تبارك وتعالى –: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} الأنعام68 (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صون المنطق: (67-68) ولذلك حكم أئمة الإسلام على علماء الكلام بالزيغ والعصيان قال الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: (2/95) : أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والمَيْزِ والَفهْم ِ، وقال الإمام البغوي في شرح السنة: (1/216) واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه.

واعلم – علمنا الله جميعاً – أن السلف الصالح لم يكرهوا علم الكلام وذموه لمجرد كونه اصطلاحات جديدة على معان ٍ صحيحة، ولا كرهوا أيضاً الدلالة على الحق والمحاجة لأهل الباطل، إنما كرهوه وذموه وحذروا منه لاشتماله على أمور كاذبة مخالفة للحق الثابت في الكتاب والسنة، وأفظع ذلك وأشنعه ما اخترعوه من المقايسة بين الخالق الجليل، والمخلوق الحقير، فأخضعوا صفات الرب المجيد لما هو معرفٌ في صفات العبيد، ثم رتبوا على ذلك نفيها، وتعطيل الرب – جل وعلا – عنها (¬1) ولأصحاب الكلام غير ذلك من الضلالات والآثام التي تَقْشَعِرّ منها جلود المؤمنين الكرام، وستقف على شيء من ذلك في آخر هذا المبحث إن شاء الرحمن. ¬

_ (¬1) ولذلك قال الإمام ابن الجوزي – عليه رحمة الله تعالى – في صيد الخاطر: (267) أصل كل محنة في العقائد قياس أمر الخالق على أحوال الخلق، وكل من قاس صفة الخالق على صفات المخلوقين خرج إلى الكفر، ثم مثل على ذلك بما يلزم الرجوع إليه.

.. قال الإمام الغزالي – عليه رحمة الله تعالى –: وأما منفعته – علم الكلام – فقد يُظَنُّ أن فائدته كشف الحقائق على ما هي عليه، وهيهات فليس في علم الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف، وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي (¬1) ¬

_ (¬1) الحَشْوِيّ: الرذيل التافه قال ابن منظور في اللسان: (18/196) "حشا" والحشو من الكلام: الفضل الذي لا يعتمد عليه، وكذلك هو من الناس، وحَشْوة الناس: رُذالتهم، وحكى اللحباني (أبو الحسن عليّ بن حازم:215) ما أكثر حِشْوة أرضكم، وحشوتها أي حشوها، وما فيها من الدَّغَل، وفلان من حِشْوة بني فلان بالكسر أي: من رُذالتهم أ. هـ وذلك اللفظ من خبيث الكلام، وبه ينبذ أهلُ البدع اللئام، أهلَ السنة الكرام، ويعنون به – سود الله وجوههم – أن أهل الحديث المعرضين عن لهو الحديث رُذالة الناس وسَقَطُهُم، وأول من ابتدع ذلك اللفظ المعتزلة، وأول من تكلم به منهم زعيمهم الضال عمرو بن عُبَيْدٍ، فقال: كان عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – حَشْوياً، ولذلك قال الإمام أبو حاتم علامة الزنادقة تسميتها لأهل الحديث حَشْوية، وقد بين الإمام ابن تيمية أن ذلك اللفظ المستحدث ليس له مسمىً معروف لا في الشرع ولا في اللغة، ولا في العرف العام، لأن الطائفة إما أن تضاف إلى زعيم مذهبها ورأس مقالتها وإما إلى قولها وعملها، ولفظ الحشوية لا ينبني عليها كما في مجموع الفتاوى: (4/23، 86-88، 146-148) ..

ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا، فاسمع هذا ممن خبر الكلام، ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة، وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخر تناسب نوع علم الكلام وتحقق أن الطريق إلى المعرفة من هذا الوجه مسدود (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إحياء علوم الدين: (1/103) لكن مع هذا لم يستطع الغزالي التخلص من تلك البليات كما قال أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد الغزالي دخل في بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر انظر درء تعارض العقل والنقل: (1/5) وقد ألف الغزالي كتابه الإحياء بعد مفارقته الفلسفة ورده على الفلاسفة، ومع ذلك فلا زال في الإحياء شوائب قال الشيخ ابن تيمية – رحمه الله تعالى – كما في مجموع الفتاوى: (10/551) : والإحياء فيه فوائد كثيرة لكن فيه مواد مذمومة، فإن فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين فألبسه ثياب المسلمين، وقد أنكر أئمة الدين على أبي حامد هذا في كتبه، وقالوا: مرَّضه الشِّفاءُ يعني: شفاء ابن سينا وفيه: أحاديث وآثار ضعيفة، بل موضوعة كثيرة، وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وترهاتهم وقد أطال الإمام ابن الجوزي في تلبيس إبليس في نقد كتاب الإحياء فانظره لزاماً. وقد حكم في: (166) على كلام الغزالي بأنه من جنس كلام الباطنية، وقال في: (288) معقباً على تفنيد كلامه: نعوذ بالله من هذه الوساوس، والخيالات الفاسدة وانظر ذم علماء المسلمين والفلاسفة له، لكونه مزج بينهما في النبوات: (81)

.. وكلام الإمام الغزالي في هذا حجة بالغة إذ هو إمام عصره في علم الكلام، ثم رجع عنه بعد طول زمان، وخلفه الإمام الرازي – عليهما رحمة الله تعالى – فسار على طريقتي الغزالي الأولى ثم الأخيرة فقال في كتابه أقسام اللذات بعد أن أمضى أكثر عمره في تقرير البليات والطامات: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تُشفي عليلا ً، ولا تَرْوي غليلا ً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه 5، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} فاطر10 واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الشورى11، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} طه110، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر نقل ذلك عن الرازي في شرح حديث النزول: (176) ، ومجموع الفتاوى: (4/72، 17/346، 19/169) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (160) ، والرد على المنطقيين: (321) ، والبداية والنهاية: (13/56) ، وطبقات المفسرين للداودي: (2/216) ، وشذرات الذهب: (5/22) وفيهما أيضاً وقال ابن الصلاح أخبرني القطب الطوغاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول: يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام وبكى 1هـ وفي لسان الميزان: (4/427) وكان يقول: من التزم دين العجائز فهو الفائز. وانظر إغاثة اللهفان: (1/45) واجتماع الخيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية: (121-122) ، وشرح الفقه الأكبر: (5) ، وشرح العقيدة الطحاوية: (157) ، وكتاب النبوات: (52-53) ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: (9-10) .

وقد تحسر وتأسف كل من دخل في علم الكلام ممن في قلبه نور وإيمان فالإمام أبو المعالي إمام الحرمين – عليه رحمة الله تعالى – يقول: يا أصحابنا لا تشتغلوا بعلم الكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به، وقال عند موته: لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالوابل لي، وها أنذا أموت على عقيدة أميّ (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ذلك في مجموع الفتاوى: (4/73) ، وشرح الطحاوية: (158) ، وشرح الفقه الأكبر: (6) وانظر في الكتب الثلاثة من تحسر أيضاً لدخوله في علم الكلام، وإليك عبارة إمام الحرمين في كتابه العقيدة النظامية: (32-33) وهي من آخر ما ألفه ليتضح لك الحق جلياً قال – رحمه الله تعالى – والذي نرتضيه رأياً وندين الله به عقلا ً اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع وترك الابتداع والدليل السمعي القاطع في ذلك: أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورضي الله تعالى عنهم – على ترك التعرض لمعانيها، ودَرْكِ ما فيها، وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهداً في ضبط قواعد الملة، والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الآي والظواهر مَسُوغاً ومَحْتُوماً لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعاً بأنه الوجه المتبع، فحق على ذي دين: أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب – تبارك وتعالى – أ. هـ. وهذا الكلام حق، وجِدٌ نفيس، وليته قال به من أول الأمر، فاستراح وأراح – رحمنا الله جميعاً ومَنّ علينا بحسن الخاتمة.

.. وبالختام فالنبي – صلى الله عليه وسلم – بين للأنام، شرع الملك العلام، بغاية التفصيل والإحكام فلسنا بحاجة إلى قواعد الفلسفة وعلم الكلام، وغير ذلك من الهذيان والأوهام، قال الإمام ابن تيمية شيخ الإسلام – أسكنه الله غرف الجنان – في رسالته الفذة النادرة، والدرة الفاخرة: معارج الوصول إلى أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول – صلى الله عليه وسلم –: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين جميع الدين أصوله، وفروعه، باطنه وظاهره، علمه وعمله، فإن هذا الأصل هو أصل أصول العلم والإيمان، وكل من كان أعظم اعتصاماً بهذا الأصل كان أولى بالحق علماً وعملا ً. ... وأهل العلم والإيمان متفقون على أن الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – لم يقولوا إلا الحق وهم أعلم الخلق بالحق، فهم الصادقون المصدقون علموا الحق وبينوه.

.. وقد بين لنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – الأدلة والبراهين الدالة على أصول الدين، أحسن تبيين، ودل الناس إلى الأدلة العقلية، وهداهم إلى البراهين اليقينية التي بها يعلمون المطالب الإلهية وبها يعلمون إثبات ربوبية الله – جل وعلا – ووحدانيته، وصفاته وصدق رسوله – صلى الله عليه وسلم – والمعاد، وغير ذلك مما يحتاج إلى معرفته بالأدلة العقلية، فجمع في بيانه – صلى الله عليه وسلم – بين الطريقين السمعي، والعقلي، وليست دلالة الكتاب والسنة على أصول الدين بمجرد الخبر كما تظنه طائفة من الغالطين من أهل الكلام والحديث والفقهاء والصوفية وغيرهم، بل الكتاب والسنة دلا الخلق وهدياهم إلى الآيات والبراهين والأدلة المبيِّنة لأصول الدين (¬1) . ¬

_ (¬1) الرسالة ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام فانظر ذلك الكلام في: (19/155-160) وقد تقدم عند الكلام على توحيد الربوبية: من هذا البحث المبارك دلالة آيات القرآن الكريم على بعض الأدلة العقلية والبراهين المبينة لأصول الدين، فتذكرها ولا تكن من الغافلين، فالأدلة بأنواعها فيما جاء به الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – ثبت في صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب 10: (4/1473) ، وسنن النسائي كتاب البيعة – باب 25: (7/127) ، وسسن ابن ماجه كتاب الفتن – باب 9، ومسند أحمد: (2/191،161) ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله تعالى عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم" وفي المسند: (5/153، 162) والطبراني كما في مجمع الزوائد: (8/263) عن أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – قال: لقد تركنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكِّرنا منه علماً..زاد الطبراني: وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "ما بقي شيء يُقرب من الجنة ويُباعد من النار إلا وقد بُيّن لكم" قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة 1هـ وروى الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن أبي الدرداء كرواية أحمد عن أبي ذر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – كما في مجمع الزوائد: (8/264) .

وقال – رحمه الله تعالى – في القاعدة الجامعة، التامة النافعة في وجوب الاعتصام برسالة خير الأنام – عليه الصلاة والسلام –: إن السعادة والهُدى في متابعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وإن الضلال والشقاء في مخالفته، وكل خير في الوجود إما عام وأما خاص فمنشأه من جهة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وكل شر في العالم مختص بالعبد فسببه مخالفة الرسول – صلى الله عليه وسلم –، أو الجهل بما جاء به.

.. فسعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرسالة، وهي ضرورية لهم، لابد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عُدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة (¬1) . ¬

_ (¬1) ثبت في سنن الترمذي – كتاب الزهد – باب 14: (7/80) بسند حسن غريب، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب مثل الدنيا –: (2/1377) وأقر العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (1/17) تحسين الترمذي، عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكْرَ الله وما والاه، أو عالماً أو متعلماً" والحديث رواه البزار عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً بلفظ "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر أو ذكْرَ الله"، ورواه الطبراني عن أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً بلفظ "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابْتُغِى به وَجْهُ الله – عز وجل"، ورواه أبو نعيم في الحلية: (3/157، 7/90) والضياء المقدسيّ في المختارة عن جابر- رضي الله تعالى عنه – بلفظ "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان منها لله – عز وجل "–: انظر تلك الروايات في الفتح الكبير: (2/16) ، ومجمع الزوائد: (1/122) وروى الدارمي في المقدمة – باب في فضل العلم: (1/94) عن كعب أنه قال: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا متعلمٌ خيراً ومُعَلِمُهُ.

وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة، ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة، وهو من الأموات، قال الله – تبارك وتعالى –: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} الأنعام122 فهذا وصف المؤمن كان ميتاً في ظلمة الجهل، فأحياه الله – جل وعلا – بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نوراً يمشي به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات. ... وقد سمى الله رسالته روحاً، والروح إذا عُدِم فقد فُقِدَت الحياة قال الله – عز وجل –: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الشورى52، فذكر هنا الأصلين، وهما: الروح والنور، فالروح الحياة، والنور النور.

.. وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب فإن آخر ما يقدر بعدم الطبيب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل لعبد نور الرسالة وحياتها مات قلبه موتاً لا ترجى معه الحياة أبداً أو شقى شقاوة لا سعادة معها أبداً فلا فلاح إلا باتباع الرسول – صلى الله عليه وسلم – فإن الله – جل وعلا – خص بالفلاح أتباعه المؤمنين وأنصاره، فقال: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الأعراف157 أي: لا مفلح إلا هم، كما قال – جل وعلا –: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران104 فخص هؤلاء بالفلاح كما خص المتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم، ويؤمنون بما أنزل على رسوله – صلى الله عليه وسلم – وما أنزل من قبله، ويوقنون بالآخرة بالهدى والفلاح فعلم بذلك أن الهدى والفلاح دائران حول رَبْع ِ الرسالة وجوداً وعدماً، ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد، فمن أعظم نعم الله – جل وعلا – على عباده، وأشرف مِنّة عليهم أن أرسل إليهم رسله الكرام – عليهم الصلاة والسلام – وأنزل عليهم كتبه، وبين لهم الصراط المستقيم فمن قبل رسالة الله – تبارك وتعالى – واستقام عليها فهو من خير البرية ومن ردها وخرج عنها فهو من شر البرية، وأسوأ حالاً من الكلب والخنزير، والحيوان البهيم.

.. وليست حاجة أهل الأرض إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – كحاجتهم إلى الشمس والقمر، والرياح والمطر، ولا كحاجة الإنسان إلى حياته، ولا كحاجة العين إلى ضوئها، والجسم إلى الطعام والشراب، بل أعظم من ذلك، وأشد حاجة من كل ما يُقَدَّرُ، ويخطر بالبال، فالرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – وسائط بين الله وبين خلقه في أمره ونهيه، وهم السفراء بينه وبين عباده (¬1) . وهذا الأمر الواضح الحق، عارضه ثلاثة أصناف من الخلق: كما أشار إلى ذلك الإمام عبد الله بن المبارك – عليه رحمة الله تعالى – بقوله: رَأيْتُ الذنُوبَ تُميتُ القُلوب ... ويُورثُكَ الذلّ إدْمانُها وتَركُ الذنوبِ حياةُ القُلوب ... وخَيْرٌ لِنفْسِكَ عِصْيانُها ج وهلْ بَدّلَ الدّينَ إلا المُلوك ... وأحْبارُ سَوْء ورهْبَانُها جج فبَاعُوا النّفُوسَ ولمْ يَرْبَحُوا ... ولمْ تَغلُ في البيْعُ أثمَانُها ج لقدْ رَتَعَ القَوْمُ في جِيفَةٍ ... يَبينُ لذي العقل أنْتَانُها (¬2) ¬

_ (¬1) القاعدة موجودة ضمن مجموع الفتاوى، انظر: (19/93-101) ، ونقل الإمام ابن القيم خلاصة هذا المبحث عن شيخه – عليهما رحمة الله تعالى – معه زيادة تقرير وتوضيح في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية: (5-27) والذي حط عليه كلامه: أن كمال الروح بصفتي الحياة والنور، ولا سبيل إليهما إلا على أيدي الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – والاهتداء بما بعثوا به، وتلقي العلم النافع، والعمل الصالح من مشكاتهم، فانظر كلامه لزاماً فعبارته تطرب الآذان، وتربط القلوب الرحيم الرحمن. (¬2) انظر نسبة ذلك لابن مبارك في جامع بيان العلم وفضله: (1/165-166) ، وحلية الأولياء: (8/279) والجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: (81) ، وإغاثة اللهفان: (2/346) ، وشرح الطحاوية: (152) ، والطبقات الكبرى للشعراني: (1/51) وإعلام الموقعين: (1/10) ، والتذكرة: (740) . وهؤلاء الأصناف الثلاثة مجتمعين وردت الإشارة إليهم في حديث سقيم ففي جمع الجوامع: (1/2) والفتح الكبير: (1/11) ، وكشف الخفاء: (1/18) أخرج الديلمي عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "آفة الدين ثلاثة: فقيه فاجر، وإمام جائز، ومجتهد جاهل" قال المُناوي في فيض القدير: (1/52) : فيه: نَهْشَلٌ بن سعيد بن الوَرْدانيّ، قال الذهبي في الضعفاء: (2/702) قال إسحاق بن راهويه: كان كذاباً، والضحاك لم يلق ابن عباس، ومن ثم قال السيوطي: سنده واهٍ أ. هـ ونَهْشَلٌ من رجال ابن ماجه كما في التقريب: (2/307) وحكم عليه ابن حجر بالترك، وانظر توهينه في الميزان: (4/275) ، والضعفاء الصغير للبخاري: (115) ، والتاريخ الكبير: (8/115) ، والضعفاء والمتروكين للنسائي: (103) ، والجرح والتعديل: (8/496) وحكم الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزياداته: (1/95) على الحديث بالوضع.

.. فالملوك الجائرون، يعترضون على شريعة رب العالمين بالسياسات الجائرة، ويعارضونها بها، ويقدمونها على حكم الله – جل جلاله – ويقولون إذا تعارضت السياسة مع الشرع قدمنا السياسة. ... وعلماء السوء يخرجون عن شريعة الله – تبارك وتعالى – بآرائهم الكاسدة، وأقيستهم الفاسدة المتضمنة مخالفة أمر الله – عز وجل – فيما أحل وحرم، ويقولون: إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل. ... والعُبَاد الجهلة يعارضون حقائق الإيمان، وأحكام الرحيم الرحمن، بما يقوم في نفوسهم من خيالات وأوهام، وأذواق باطلة يزينها لهم الشيطان، ويقولون: إذا تعارض الذوق والكشف مع ظاهر الشرع نقدم الكشف والذوق – ضل سعيهم، وخاب ظنهم –. ... وقبل أن أختم هذا المبحث الجليل سأنبه على ثلاثة أمور لها شأن خطير: أولها: إذا كان طريق العلم بصفات الرحمن – جل وعلا – متوقفاً على ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – من سنة وقرآن، فإن ذلك يشمل أدلة العقول، لأنها مندرجة فيما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – فالمنقول يشمل ما أخبر به الرسول – عليه الصلاة والسلام – كما يشمل ما دل عليه مما يدرك بالبراهين والعقول، قال الإمام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: ما علم بالشرع لا يخلو: إما أن يراد به إخبار الشارع، أو دلالة الشارع، فإذا عُني به ما دل عليه الشارع مثل دلالته على آيات الربوبية، ودلالة الرسالة، ونحو ذلك، فإنه يجتمع في هذا أن يكون شرعياً عقلياً، فإن الشارع لما نبه العقول على الآيات والبراهين والعبر اهتدت العقول فعلمت ما هداها إليه الشارع.

.. واعلم أن عامة مسائل أصول الدين الكبار مثل الإقرار بموجود الخالق وبوحدانيته، وعلمه وقدرته ومشيئته وعظمته، والإقرار بالثواب، وبرسالة محمد – صلى الله عليه وسلم – وغير ذلك مما يعلم بالعقل قد دل الشارع على أدلته العقلية، وهذه الأصول التي يسميها أهل الكلام العقليات، وهي ما تعلم بالعقل، فإنها تعلم بالشرع، لا أعني بمجرد إخباره، فإن ذلك لا يفيد العلم إلا بعد العلم بصدق المُخبِر، فالعلم بها من هذا الوجه موقوف على ما يُعلم بالعقل من الإقرار بالربوبية وبالرسالة، وإنما أعني بدلالته وهدايته، كما أن ما يتعلمه المتعلمون ببيان المعلمين، وتصنيف المصنفين إنما هو لما بينوه للعقول من الأدلة. ... فهذا موضع يجب التفطن له، فإن كثيراً من الغالطين من متكلم ومحدِث ومتفقه وعاميّ وغيرهم يظن أن العلم المستفاد من الشرع إنما هو مجرد إخباره تصديقاً له فقط، وليس كذلك، بل يستفاد منه بالدلالة، والتنبيه والإرشاد جميع ما يمكن ذلك منه من علم الدين. ... وقال أيضاً: إن أصول الدين الحق الذي أنزل الله به كتابه، وأرسل به رسوله – صلى الله عليه وسلم – وهي الأدلة والبراهين، والآيات الدالة على ذلك، قد بينها الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحسن بيان، ودل الناس عليها، وهداهم إلى الأدلة والبراهين اليقينية التي بها يعلمون المطالب الإلهية، وبها يعلمون إثبات ربوبية الله ووحدانيته وصفاته وصدق رسوله – صلى الله عليه وسلم – والمعاد، وغير ذلك مما يحتاج إلى معرفته بالأدلة العقلية، بل ويما يمكن بيانه بالأدلة العقلية وإن كان لا يحتاج إليها، فإن كثيراً من الأمور تعرف بالخبر الصادق، ومع هذا فالرسول – صلى الله عليه وسلم – بين الأدلة العقلية الدالة عليها، فجمع بين الطريقين: السمعي والعقلي.

.. وليست دلالة الكتاب والسنة على أصول الدين بمجرد الخبر كما تظنه طائفة من الغالطين من أهل الكلام والحديث والفقهاء والصوفية وغيرهم، بل الكتاب والسنة دلا وهدياهم إلى الآيات والبراهين، والأدلة المبينة لأصول الدين، وهؤلاء الغالطون الذين أعرضوا عما في القرآن من الدلائل العقلية والبراهين اليقينية صاروا إذا صنفوا في أصول الدين أحزاباً. حزب من يقدمون في كتبهم الكلام في النظر والدليل والعلم، وأن النظر يوجب العلم، وأنه واجب ويتكلمون في جنس النظر، وجنس الدليل، وجنس العلم بكلام قد اختلط فيه الحق بالباطل، ثم إذا صاروا إلى ما هو الأصل والدليل للدين استدلوا بحدوث الأعراض على حدوث الأجسام، وهو دليل مبتدع في الشرع، وباطل في العقل.

والحزب الثاني عرفوا أن هذا الكلام مبتدع، وهو مستلزم مخالفة الكتاب والسنة، وعنه ينشأ القول بأن القرآن مخلوق، وأن الله لا يُرى في الآخرة وليس فوق العرش، ونحو ذلك من بدع الجهمية فصنفوا كتباً قدموا فيها ما يدل على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة من القرآن والحديث وكلام السلف، وذكروا أشياء صحيحة لكنهم قد يخلطون الآثار صحيحها بضعيفها، وقد يستدلون بما لا يدل على المطلوب، وأيضاً فهم إنما يستدلون بالقرآن من جهة إخباره لا من جهة دلالته، فلا يذكرون ما فيه من الأدلة على إثبات الربوبية والوحدانية والنبوة والمعاد، وأنه قد بين الأدلة العقلية على ذلك، ولهذا سموا كتبهم أصول السنة والشريعة، ونحو ذلك وجعلوا الإيمان بالرسول – صلى الله عليه وسلم –قد استقر فلا يحتاج إلى أن يُبَين بالأدلة الدالة عليه، فذمهم أولئك ونسبوهم إلى الجهل، إذ لم يذكروا الأصول الدالة على صدق الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهؤلاء ينسبون أولئك إلى البدعة، بل إلى الكفر لكونهم أصلوا أصولاً تخالف ما قاله الرسول – صلى الله عليه وسلم – والطائفتان يلحقهما الملام لكونهما أعرضتا عن الأصول التي بينها الله بكتابه، فإنها أصول الدين، وأدلته وآياته، فلما أعرض عنها الطائفتان وقع بينهما العداوة كما قال الله – تبارك وتعالى –: {فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} المائدة14.

وقال أيضاً: قد غلط طوائف المتكلمين غلطاً عظيماً، بل ضلوا ضلالاً مبيناً فيظنهم أن الشرع دل على المسائل الأصولية بطريق الخبر الصادق المجرد فقط، والأمر في ذلك ما عليه سلف الأمة أهل العلم والإيمان من أن الله – سبحانه وتعالى – بين من الأدلة العقلية التي يحتاج إليها في العلم بذلك ما لا يَقْدِرُ أحد من هؤلاء قَدْرَهُ، ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخلاصته على أحسن وجه. ثم قرر شيخ الإسلام – عليه من الله الرحمة والرضوان – ذلك الكلام، بأمثلة كثيرة من آي القرآن، إليك واحداً منها فقط: قال الله – جل وعلا –: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الروم28 فالله – سبحانه وتعالى – بين في هذه الآية أن المخلوق لا يكون مملوكه شريكه في ماله حتى يخاف منه كما يخاف من نظيره، بل تمتنعون أن يكون المملوك لكم نظيراً، فكيف ترضون أن تجعلوا ما هو مخلوقي ومملوكي شريكاً لي يُدْعَى ويُعْبَدُ كما أدعى وأعبد؟ كما كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاًً هو لك، تملكه وما ملك، وهذا باب واسع عظيم جداً ليس هذا موضوعه وإنما الغرض التنبيه على أن في القرآن والحكمة النبوية عامة أصول الدين من المسائل والدلائل التي تستحق أن تكون أصول الدين (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الأقوال الثلاثة في مجموع الفتاوى: (19/229-230، 159-161) ودرء تعارض العقل والنقل: (1/28-32) مع تصرف يسير وتقدم في: من هذا المبحث المبارك نقل جزء من القول الثاني، وذكر هناك في الحاشية ما يلزم الرجوع إليه.

ومما ينبغي أن يعلم أن إدراك تلك الأدلة الدالة على أصول الملة يحصل بالنظر العادي، لأن ذلك مما فطر الله العباد على معرفته، والقول بموجبه، والرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – بعثوا لتقرير الفطرة وتكميلها، لا لتغييرها وتحويلها، ولهذا كان مأخذ العقيدة الحقة عند أهل السنة الكرام نصوص الشريعة الربانية والهداية الفطرية، ولا دخل في ذلك للتعمق في النظر العقلي، ولا للتنطع في الكشف الصوفي (¬1) ومن سلك من ذنيك الأمرين، ضل في الدارين، وإيضاح هذا بالأمر الثاني، فدونكه: ¬

_ (¬1) انظر إيضاح ذلك في مجموع الفتاوى: (4/247، 9/313، 10-135) وانظر في التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل: (2/203) فقد تكلم على مآخذ العقيدة الأربعة، وهي: سلفيان: الفطرة والشرع، وخَلَفيان: وهما: النظر العقلي والمتعمق فيه، والكشف الصوفي، وأطال في بيان قيمة كل دليل وأتى بما يشرح الصدر، ويريح البال.

ثانيهما: الذين عولوا على نظر العقول، وأخذوا بما توهموه من أمور دون الالتزام بما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – ضلوا وأضلوا وقد تقدم قريباً اعتراف ثلاثة من أئمة العقول الكبار (إمام الحرمين، والغزالي، والرازي) بأن ما صاروا إليه بعقولهم لم يوصلهم إلا إلى الحيرة والخسارة ومن رحمة الله بهم أن وفقهم للرجوع إلى الحق وتصحيح المسار، فلا يمكن أن يتعارض نقل صحيح مع عقل صريح، وإذا وقع التعارض بينهما فالآفة في أحدهما، فإما لم يصح النقل، أو هناك تخليط في العقل، قال الشيخ ابن تيمية، عليه رحمة الله تعالى –: والرازي متناقض في عامة ما يقوله، يقرر هنا شيئاً ثم ينقضه في موضع آخر، لأن المواد العقلية التي كان ينظر فيها من كلام أهل الكلام المتبدع المذموم عند السلف، ومن كلام الفلاسفة الخارجين عن الملة تشتمل على كلام باطل كلام هؤلاء وكلام هؤلاء، فيقرر كلام طائفة ثم ينقضه في موضوع آخر، وليس هذا تعمداً منه لنصر باطل، بل يقول بحسب ما توافقه الأدلة العقلية في نظره وبحثه، فإذا وجد في المعقول بحسب نظره ما يقدح به في كلام الفلاسفة قدم به، فإن من شأنه البحث الحر بحسب ما يظهر له فهو يقدح في كلام هؤلاء بما يظهر له أنه قادح فيه من كلام هؤلاء، وكذلك يصنع بالآخرين، ولو جمع ما تبرهن في العقل الصريح من كلام هؤلاء وهؤلاء لوجد جميعه موافقاً لما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – مطابقاً لصحيح المنقول، لكن لم يعرف هؤلاء حقيقة ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – وحصل اضطراب في المعقول به، فحصل نقص في معرفة السمع والعقل (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر شرح حديث النزول: (175-177) مع تصرف يسير فيه تقديم وتأخير وقد صدق الشيخ ابن تيمية في قوله: لم يعرف هؤلاء حقيقة ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – فالإمام الذهبي يقول في الميزان: (3/340) : الفخر بن الخطيب الرازي صاحب التصانيف رأس في الذكاء والعقليات لكنه عريّ من الآثار وقد اعترف السبكي في طبقات الشافعية: (8/88) بأن الرازي ليس من أهل الرواية في الحديث، وقد أقر الغزالي في آخر كتابه قانون التأويل وهو مطبوع مع معارج القدس: (246) بأنه مُزْجى البضاعة في الحديث فقال: وبضاعتي في علم الحديث مزجاة، ولذلك حكم شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى: (4/71) بأن أبا المعالي، وأبا حامد الغزالي، وابن الخطيب الرازي، ليس عندهم من المعرفة بالحديث ما يعدون به من عوام أهل الصناعة فضلا ً عن خواصها، ولم يكن الواحد من هؤلاء يعرف البخاري ومسلماً وأحاديثهم إلا بالسماع كما يذكر ذلك العامة، ولا يميزون بين الصحيح المتواتر عند أهل العلم بالحديث وبين الحديث المفترى المكذوب، وكتبهم أصدق شاهد بذلك، ففيها عجائب أ. هـ. قال عبد الرحيم الطحان – ختم الله له بالإحسان –: حقاً إن كتبهم فيها عجائب تدهش الأنام فكم فيها من أحاديث لا خطام لها ولا زمام، وهذا من العيوب الجسام، فمن العبث حقاً عند أولي الأحلام أن يشتغل الإنسان بالفلسفة ومنطق اليونان، ويقضي حياته في هذيان من القول وعلم الكلام وليس عنده خبر عن أصح كتب الإسلام، ولا عن أحاديث خير الأنام – عليه الصلاة والسلام – وقد بلغت السفاهة ببعض علماء الكلام، حداً لا يتصوره إنسان قال الإمام ابن تيمية شيخ الإسلام، في كتابه العظيم نقض منطق اليونان: (82) وحدثني ثقة أنه تولى مدرسة المشهد الحُسيني بمصر بعض أئمة المتكلمين يسمى شمس الدين الأصبهاني فأعطوه جزءاً من الرَّبْعَة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ألَمْصْ حتى قيل له ألف لام ميم صاد. فاعتبر بغيرك أيها المسترشد الهمام لتنجو من الخرافات والأوهام، وتحظى برضوان الله في دار السلام.

.. وسأقرر بمثالين – زيادة عما تقدم – أن الاعتماد على العلوم النظرية العقلية العوجاء، والترهات الكشفية الهوجاء، لن تجلب لصاحبها إلا الشقاء والعناء والبلاء، فتدبر المثالين، وسل الهداية من رب الثقلين – سبحانه وتعالى –: المثال الأول: رجل عول على عقله، وأعرض عن هَدي ربه، فهذى بكلامه هذيان المجانين، وهو الزنديق أبو المعري اللعين، كان ذكياً ولم يكن زكياً (¬1) ، بقي خمساً وأربعين سنة لا يأكل اللحم، ولا البيض، ولا اللبن، ويحرم ذبح الحيوان على طريقة البراهمة من زنادقة الفلاسفة، وكان يتقوت بالنبات وغيره، وأكثر ما كان يأكل العدس (¬2) ، ¬

_ (¬1) لا خير في الذكاء إذا لم يصحبه زكاء، فقوة الذكاء بمنزلة قوة البدن والإرادة، وأهل الرأي والعلم بمنزلة أهل الملك والإمارة وكل من هؤلاء وهؤلاء لا ينفعه ذلك شيئاً إلا أن يعبد الله وحده لا شريك له ويؤمن برسله، وباليوم الآخر كما في مجموع الفتاوى: (18/58) . (¬2) وأرفع شيء في العدس أنه شهوة اليهود، كما قال الإمام ابن القيم في المنار المنيف (52) مجموع الفتاوى: (27/22) ، وزاد المعاد: وما روي من أن العدس قدس على لسان سبعين نبياً، وأنه يرق القلب ويكثر الدمعة ويسرعها، فحديث باطل رواه ابن الجوزي في الموضوعات: (2/294-295) ، والطبراني كما في المجمع: (5/44) ، والبيهقي في شعب الإيمان وابن السنيّ في الطب كما في اللآليء المصنوعة: (2/212) ..وفي تاريخ بغداد: (9/143) سئل ابن المبارك عن الحديث في أكل العدس: أنه قُدِس على لسان سبعين نبياً، فقال: ولا على نبي واحد إنه لمؤذ منفخ، من يحدثكم به؟ قالوا: سَلْم بن سالم البَلَخي، قال: عمن؟ قالوا: عنك، قال: وعني أيضاً، قال ابن القيم في المنار المنيف: (52) ولو قدس فيه نبي واحد لكان شفاء من الأدواء، فكيف بسبعين نبياً؟ وقد سماه الله "أدنى" البقرة 61، ونعى على من اختاره على المنّ والسلوى، وجعله قريناً للثوم والبصل، أفترى أن أنبياء بني إسرائيل – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام – قدسوهُ لهذه العلة والمضار التي فيه: تهييج السوداء، والنفخ والرياح الغليظة، وضيق النفس، والدم الفاسد وغير ذلك من المضار المحسوسة، ويشبه أن يكون هذا الحديث من وضع الذين اختاروهُ على المن والسلوى وأشباههم أ. هـ وانظر الكلام على ذلك الحديث والحكم عليه بالرد والبطلان في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة الشنيعة: (2/243-244) الفصل الثاني، والمقاصد الحسنة: (303) ، وميزان الاعتدال: (2/185، 3/313) ، ولسان الميزان: (3/63) ، وتهذيب التهذيب: (8/213) ، وكشف الخفاء: (2/92) ، وتذكرة الموضوعات: (147) ، والمصنوع في معرفة الحديث الموضوع: (129) ، وموضوعات الصغاني: (57) ، والدرر المنتثرة: (121) ، وأسنى المطالب: (149) .

فقال له رجل لما لا تأكل اللحم؟ فقال: أرحم الحيوان، قال: فما تقول في السباع التي لا طعام لها إلا لحوم الحيوان؟ فإن كان الخالق الذي دبر ذلك فما أنت بأرأف منه، وإن كانت الطبائع المحدثة لذلك فما أنت بأحذق منها، ولا أتقن عملا ً. قال أبو يوسف القَزْوينيُّ: اجتمعت به مرة، فقال لي: لم أهْجُ أحداً قط، قال، قلت: صدقت، إلا الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام –. ... وله أشعار كثيرة تطاول بها على الشرع الحكيم، كل واحد منها يدل على كفره وضلاله، وزندقيته وانحلاله وعمى بصيرته وخباله، فمن ذلك قوله عليه لعنة الله: فلا تَحْسَبْ مَقالَ الرُسْل ِ حَقاً ... ولكنْ قَوْلُ زُور ٍ سَطّروهُ ج وكانَ الناسُ في عيْش ٍ رَغيد ٍ ... فَجاؤا بالمُحال فَكدّروهُ وقد رد عليه الإمام ابن كثير – عليه رحمة الله تعالى – بقوله: وقلت أنا معارضة عليه: فلا تَحْسَبْ مَقالَ الرُسْل ِ ُزوراً ... ولكنْ قَوْلُ حقاً بَلَّغُوهُ وكانَ الناسُ في جَهْل ٍ عظيم ٍ ... فَجاؤا بالبَيَان َ فأوضَحُوهُ ج وفي مدارج السالكين للإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – أبيات فيها رد على المعري اللعين وهي: وكانَ الناسُ في لبْس ٍٍ عظيم ٍ ... فَجاؤا بالبَيَان َ فأظْهَروهُ وكانَ الناسُ في جَهْل ٍ عظيم ٍ ... فَجاؤا باليقين ِ فأذهَبُوهُ

وكانَ الناسُ في كفْر ٍ عظيم ٍ ... فَجاؤا بالرَشاد ِ فأبْطلوهُ (¬1) ومن سفاهة المعري وتفاهته، وسوء رأيه وانطماس بصيرته، أنه لما دخل بغداد وأقام بها سنة وسبعة أشهر قال بها: يدٌ بخمس مئين عَسْجَدٍ وديَتْ ... ما بَالها قُطِعَتْ في رُبْع دِينَار ِ تَنَاقُضٌ مالنا إلا السُكوتُ لهُ ... وأنْ نَعُوذ بموْلانَا مِنَ النّار فعزم الفقهاء على أخذه بهذا وأمثاله منْ ضلالاته، فهرب منها طريداً، فلزم بيته قعيداً، وسمى نفسه رهين الحبسين لذلك، ولعمى بصره، ولو درى أن عمى بصيرته أشنع حبس قيد به لانكف عن ضلاله واتبع ما يسعده في حاله ومآله. ¬

_ (¬1) انظر البداية والنهاية: (12/74) ، ومدارج السالكين: (3/406) قال كاتب هذه الصفحات – غفر الله له السيئات –: انظر – يا أخي – إلى سفاهة تلك العقول الغوية، كيف قلبت العطية بلية، واعتبرت الهدية رزية، أو ما درى أصحاب تلك الآراء الشيطانية أن أعظم نعم الله على البرية، إرسال الرسل ذوي المراتب العلية – عليهم صلوات الله وسلامه بكرة وعشياً – وقد قرر ربنا الكريم تلك الحقيقة في آياته القرآنية، فقال – جل وعلا – {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} آل عمران164 ونحوها في سورة الجمعة 2 {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} فلولا منة الله علينا ببعثة الرسل لكانت العجماوات خيراً منا.

وقد فند العلماء تلك الفرية الشنعاء، قال الإمام ابن كثير – عليه رحمة الرب القدير: وهذا من إفكه، يقول: اليد ديتها خمس مائة دينار، فما لكم تقطعونها إذا سرقت ربع دينار، وهذا من قلة عقله وعلمه، وعمى بصيرته، وذلك أنه إذا جُنِيَ عليها يناسب أن يكون ديتها كثيرة لينزجر الناس عن العدوان، وأما إذا جنت هي بالسرقة فيناسب أن تقل قيمتها لينزجر الناس عن أموال الناس، وتصان أموالهم. وأجاب القاضي عبد الوهاب المالكي – عليه رحمة الله تعالى – كما في فتح الباري: صَيانةُ العُضْو ِ أغْلاها، وأرْخَصَهَا ... صَيانة ُ المَال ِ فافْهمْ حَكمَة َ البَارِي وأجابه علم الدين السخاوي – عليه رحمة الله تعالى – كما في رُوْح المعاني: عِزّ الأمَانَة أغْلاها، وأرْخصَهَا ... ذلّ الخِيَانة فافْهمْ حَكمَة َ البَارِي ... وفي مغني المحتاج الشِّرْبيني – عليه رحمة الله تعالى – سئل الإمام ابن الجوزي – عليه رحمة الله تعالى – عن هذا، فقال: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت (¬1) . ومن حماقته أنه كان يستعجل الموت ظناً منه أنه يستريح، وكان يوصي بترك النكاح، ولا يرى في الإيجاد حكمة إلا العناء والتعب ومصير الأبدان إلى البلى، وأوصى أن يكتب على قبره: هذا جَنَاهُ أبي عليّ ... وما جَنَيْتُ على أحد ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري: (12/89،83) ، ورُوْح المعاني: (6/134) ، ومغنى المحتاج: (4/158) .

قال الإمام ابن الجوزي – عليه رحمة الله تعالى –: تأملت على قوم يدَّعون العقول، ويعترضون على حكمة الخالق، فينبغي أن يقال لهم: هذا الفهم الذي دلكم على رد حكمته أليس هو من مِنْحِهِ؟ أفأعطاكم الكمال ورضي لنفسه بالنقص؟ هذا هو الكفر الذي يزيد في القبح على الجحد، ثم بعد أن ذكر الإمام ابن الجوزي أن أول المعترضين إبليس أتبعه بذكر خليفته المعري، ونقل عنه ما تقدم ثم أتبعه بقوله: هذا لو كان كما يظن كان الإيجاد عبثاً، والحق – جل وعلا – منزه عن العبث، قال – جل جلاله –: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} ص27 فإذا كان ما خُلِق لنا لم يُخْلقْ عبثاً، أفنكون نحن، ونحن مواطن معرفته، ومحال تكليفه قد وجُدِنْا عبثاً، واعجباه أو ما تقتضي العقول بوجوب طاعة الحكيم الذي تَعْجِزُ عن معرفة حِكْمَة مخلوقاته؟ فكيف تعارضه في أفعاله؟ نعوذ بالله – تبارك وتعالى – من الخذلان (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صيد الخاطر: (401-402) ، ونحوه في: (268) ، وانظر ترجمة المعري المظلمة في: المنتظم: (8/184-188) ، والبداية والنهاية: (12/72-76) ، وميزان الاعتدال: (1/112) ، ولسان الميزان: (1/203-208) ، والمختصر في أخبار البشر: (2/176-177) ، وشذرات الذهب: (3/280-282) ، ومعجم الأدباء: (3/107-218) ، وقد عده الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – من القدرية الإبليسية كما في مجموع الفتاوى: (8/260) ، وكان هلاكه سنة تسع وأربعين وأربع مائة، وقد أفضى إلى ما قدم، ونسأل الله الكريم حسن الخاتمة والإمام ابن الجوزي بعد أن حكى في كتابه تلبيس إبليس: (68) غيظ المعري لانتشار كلمة الحق، وثبوت الشرائع بين الخلق، وقرر زندقته وإلحاده في: (78-79) بما نقله من أشعاره المرذولة في إنكار البعث، حكم عليه في: (111) بأنه خسر العاجل والآجل، وفاتته الدنيا والآخرة، وبالختام فللإمام ابن القيم كلام قيم في المعري وأمثاله من السفهاء، ويحذر به مما أحدثوه من البلاء: قال – رحمه الله تعالى – في مدارج السالكين: (3/501) ما أفسد أديان الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – إلا أرباب منازعات العقول ثم قال: وقد هلك بهؤلاء طوائف لا يحصيهم إلا الله – عز وجل – وانحلوا بسببهم من أديان جميع الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – أ. هـ.

المثال الثاني: رجل كان يدعي المكاشفات، ويتكلم بالخرافات، وهو ابن عربي صاحب الفصوص والفتوحات، قال الإمام ابن كثير – عليه رحمة الله تعالى – في ترجمته: أقام بمكة مدة، وصنف فيها كتابه المسمى بالفتوحات المكية، في نحو عشرين مجلداً، فيها ما يعقل وما لا يعقل وما ينكر وما لا ينكر، وما يعرف وما لا يعرف، وله كتابه المسمى بفصوص الحكم فيه أشياء كثيرة ظاهرها كفر صريح أ. هـ. وقال الإمام الذهبي – عليه رحمة الله تعالى – في ميزان الاعتدال: وصنف التصانيف في تصوف الفلاسفة وأهل الوحدة، فقال أشياء منكرة.

عدها طائفة من العلماء مروقاً وزندقة، وعدها طائفة من العلماء إشارات العارفين، ورموزا السالكين وعدها طائفة من متشابه القول، وأن ظاهرها كفر وضلال، وباطنها حق وعرفان، وأنه صحيح في نفسه كبير القدر، وآخرون يقولون: قد قال هذا الباطل والضلال فمن الذي قال إنه مات عليه، فالظاهر عندهم من حاله أنه رجع وأناب إلى الله – جل وعلا – فإنه كان عالماً بالآثار والسنن، قوي المشاركة في العلوم، وقولي أنا فيه: إنه يجوز أن يكون من أولياء الله – جل وعلا – الذين اجتذبهم الحق إلى جنابه عند الموت، وختم له بالحسنى، فأما كلامه فمن فهمه وعرفه على قواعد الاتحادية، وعلم محط القوم، وجمع بين أطراف عباراتهم تبين له الحق في خلاف قولهم، كذلك من أمعن النظر في فصوص الحكم، أو أنعم التأمل لاح له العجب، فإن الذكي إذا تأمل من ذلك الأقوال والنظائر فهو أحد رجلين: إما من الاتحادية في الباطن، وإما من المؤمنين بالله الذي يعدون أن هذه النحلة من أكفر الكفر، نسأل الله العفو، وأن يكتب الإيمان في قلوبنا، فوالله لأن يعيش المسلم جاهلاً خلف البقر، لا يعرف من العلم شيئاً سوى سور من القرآن يصلى بها الصلوات، ويؤمن بالله، وباليوم الآخر خيرٌ له بكثير من هذا العرفان، وهذه الحقائق، ولو قرأ مائة كتاب، أو عمل مائة خلوة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر البداية والنهاية: (13/156) ، وميزان الاعتدال: (3/659-660) ، وانظر الجزء الثاني من مجموع فتاوى شيخ الإسلام – عليه رحمة الله تعالى – فقد كاد أن يكون وقفاً على بيان حال ضلال ابن عربي وزندقيته ففي: (122و364) يحكم على كتاب فصوص الحكم بأنه كفر باطناً وظاهراً، وباطنه أقبح من ظاهره وفي: (240) ينقل عن إبراهيم الجعبري والعز بن عبد السلام – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – أن ابن عربي شيخ سوء بخس مقبوح مكذوب يقول بقدم العالم، ويكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل رسول أرسله الله، ويعقب على قولهما بأن ما ذكراه عنه هو بعض أنواع كفره، فإن حاله لم يكن قد تبين لهما وإلا فليس عند ابن عربي رب وعالم، بل عنده وجود العالم هو وجود الله، وجماع أمر ابن عربي وذويه: هدم أصول الإيمان الثلاثة: الإيمان بالله ـ وبالرسل – عليهم صلوات الله وسلامه – وباليوم الآخر، وفي: (357) يعلل سبب تفصيله لأحوال ابن عربي وأمثاله، وتحذيره من مسلكهم بما خلاصته: إن قولهم كثر وظهر وانتشر وتبعهم كثير من الناس وفضلهم على سائر الصالحين، وسبحان من فرق بين نوع الإنسان فجعل منه من هو أفضل العالمين , وجعل منه من هو شر من الشياطين، وقرر في: (35/144) أن من يستحسن طريقهم فهو مجرم مثلهم، وانظر أيضاً تفصيل حال ابن عربي في كتاب الإمام العلامة برهان الدين البقاعي واسم كتابه: تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي والكتاب في سبعين ومائتي صفحة، وانظر تفسير أبي حبان البحر المحيط: (3/449) فقد عد ابن عربي وجماعة معه وقال: إنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله، يعلم الله ذلك، وشفقة على ضعفاء المسلمين، وليحذروا فهم شر من الفلاسفة الذين يكذبون على الله ورسله – عليهم الصلاة والسلام – ويقولون بقدم العالم، وينكرون البعث وقد أولع جهلة ممن ينتمي إلى التصوف بتعظيم هؤلاء وادعائهم أنهم صفوة الله وأولياؤه، والرد على النصارى والحلولية والقائلين بالوحدة هو من علم أصول الدين أ. هـ وانظر لسان الميزان (4/318) فقد نقل ابن حجر عن شيخه البلقيني تكفير ابن عربي، فسأل الله الكريم أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وأن يحسن خاتمتنا، وأن يجعل خير ساعاتنا ساعة ما نلقاه وهو راض ٍ عنا إنه سميع الدعاء.

وقد عول هذا الرجل على الكشف كثيراً، فرد وأثبت وصحح وضعف بناءً على ذلك حسب زعمه فمن ذلك قوله في الفتوحات المكية: ورد في الحديث الصحيح كشفاً، الغير لثابت نقلاً عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ربه – جل وعز – أنه قال: "كنت كنزاً لا أعرف، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فعرفتهم بي، فبي عرفوني" أ. هـ. قال الألوسي في روح المعاني: والتصحيح الكشفي شِنشِنَة لهم أ. هـ (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الفتوحات المكية: (2/399) ، وروح المعاني: (27/21-22) ، والشنشنة: الخلق والطبيعة كما في صحاح الجوهري: (5/146) فصل الجيم من حرف النون، وفي المثل، شنشنة أعرفها من أخزم. انظر مجمع الأمثال: (1/361) ، وذلك الحديث الذي صححه ابن عربي صاحب الفصوص لا أصل له قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى –: هذا ليس من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا أعرف له إسناداً صحيحاً ولا ضعيفاً، انظر مجموع الفتاوى: (18/336،122) ، وكتاب النبوات: (83) موافقة العلماء له في حكمه في المقاصد الحسنة: (327) ، مختصره تمييز الطيب من الخبيث: (126) ، وتذكرة الموضوعات: (11) ، وتنزيه الشريعة – الفصل الثالث: (1/148) ، وتدريب الراوي: (370) ، والدرر المنتثرة: (193) وأحاديث القصاص: (69) والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: (78) ، والمصنوع في معرفة الحديث الموضوع: (141) ، والأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة: (273) وفيه نقل القاري كلام السخاوي صاحب المقاصد الحسنة ثم قال: لكن معناه صحيح مستفاد من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات56 أي ليعرفوني كما فسره ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – 10هـ، ونقل العَجْلُوني في كشف الخفاء: (2/132) حاصل كلام السخاوي والقاري ثم قال: وهو واقع كلام الصوفية، واعتمدوا عليه، وبَنَوْا عليه أصولاً لهم أ. هـ. قال مقيد هذه الصفات – غفر الله له الزلات – قول القاري: ومعناه صحيح، لا داعي لذكره، ولا معنى له، إذ المطلوب بيان مدى صحة نسبة هذا الكلام لخير الأنام – عليه الصلاة والسلام – وإذا ثبت أنه موضوع فلا داعي للتعليق عليه. يضاف إلى هذا أن ما ذكره غير مسلم فإطلاق لفظ الكنز على الرب – حل وعلا – مما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم بالغيب، والله أعلم، ومن العجيب حقاً تكرار الألوسي في روح المعاني: (1/46، 3/142، 14/216، 27/21) الاستشهاد به وقوله: الثابت عند أهل الله، والمشهور على الألسنة المصحح من طرق الصوفية، وهكذا استشهد به الرازي في تفسيره: (28/234) ، وابن الجوزي في صيد الخاطر: (367) ، وأعجب من ذلك وأغرب أن بعض الصوفية وهو بالي خليفة المتوفي: 960هـ شرح ذلك الحديث في كتاب مستقل كما في كشف الظنون: (2/1040) ، وتوجد منه نسخة في مكتب الأوقاف الإسلامية بحلب رقم 135، وانظر رد تصحيح الأحاديث عن طريق الكشف في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك: (1/53-54) ، وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: (1/79) وفيه: وتصحيح الأحاديث عن كريق الكشف بدعة صوفية مقيتة، وانظر تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي: (190-195) أسطورة الكشف، وتقدم: (111) مآخذ العقيدة.

أي: للصوفية، وهذا الحديث موضوع كما هو مبين في التخريج، ولا يخفى على عاقل منصف أن الحكم على الأحاديث بالصحة أو بالضعف حسبما يظهر شنشنة معوجة، وطريقة منحرفة عن الصراط المستقيم، وللشيخ العلامة المعلمي كلام سديد حول هذا الموضوع، هذه خلاصته: يقول المتصوفة: إن الكشف قد يكون حقاً، وقد يكون من الشيطان، وقد يكون تخيلاً موافقاً لحديث النفس، وصرحوا بأنه كثير ما يكشف للرجل بما يوافق رأيه حقاً كان أو باطلا ً، فالكشف إذن تبع للهوى، فغايته أن يؤيد الهوى ويرسخه في النفس ويحول بين صاحبه وبين الاعتبار والاستبصار، فكان الساعي في أن يحصل له الكشف إنما يسعى في أن يضله الله – عز وجل – ولا ريب أن من التمس الهدى من غير الصراط المستقيم مستحق أن يضله الله – عز وجل – وما يزعمه بعض غلاتهم من أن لهم علامات يميزون بها بين ما هو حق من الكشف، وما هو باطل دعوى فارغة، إلا ما تقدم عن أبي سليمان الداراني – عليه رحمة الله تعالى – وهو قوله: ربما تقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة (¬1) ، ¬

_ (¬1) انظر نسبة ذلك إليه في صفة الصفوة: (4/229) ، والبداية والنهاية: (10/257) ، والاعتصام: (1/94) وأبو سليمان الداراني إمام رباني، اسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي، ودارياً قرية من قرى دمشق في جهة الغرب، ومن درره المنثورة، وحكمه المأثورة: من صفّى صُفِيَ له، ومن كَدّرَ كُدِرَ عليه، وإنما عصى الله من عصاه لهوائهم عليهم، ولو عزوا عليه وكرموا لحجزهم عن معاصيه، وحال بينهم وبينها، وكان يقول: لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، ولأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، وما يسرني أن لي الدنيا من أولها إلى آخرها أنفقها في وجوه البر وأني أغفل عن الله – عز وجل – طرفة عين وإنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً، فأقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب..انظر هذا وغيره من ترجمته العطرة المباركة في حلية الأولياء: (9/254-280) ، وصفة الصفوة: (4/234،223) والرسالة القشيرية: (1/108-110) ، وتاريخ بغداد: (10/248-250) ، والأنساب: (5/271) واللباب: (1/482) ، ووفيات الأعيان: (3/131) ، معجم البلدان: (3/536) ، والبداية والنهاية: (10/259-255) ، وطبقات الصوفية: (75-82) ، والطبقات الكبرى للشعراني: (1/79/80) ، وشذرات الذهب: (2/13) .

والمقصود الشهادة الصريحة التي يفهمها أهل العلم من الكتاب والسنة بالطريق التي كان يفهمها السلف الصالح، فأما ما عرف عن المتصوفة من تحريف النصوص بما هو أشنع وأفظع من تحريف الباطنية، فهذا لا يشهد لكشفهم، بل يشهد عليه أوضح شهادة بأنه من أبطال الباطل (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل: (2/242-243) ، وانظر الاعتصام لزاماً: (1/89-99) فقد نقل الشاطبي – عليه رحمة الله تعالى – عن أكثر من أربعين من أئمة الصوفية الصادقين وجوب التمسك بشريعة الله المطهرة، واتباع السنة المشرفة، وعدم التعويل على الكشف والآراء، والمواجيد والأذواق وبيض الله الكريم وجه الإمام ابن القيم حيث يقول في كتابه القيم مدارج السالكين: (-/324) هل كان في الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – من إذا سمع نص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عارضه بقياسه، أو ذوقه، أو وَجْدهِ، أو عقله، أو سياسته؟ وهل كان قط أحد منهم يقدم على نص رسول الله – صلى اله عليه وسلم – عقلا ً أو قياساً أو ذوقاً أو سياسية أو تقليد مقلد؟ فلقد أكرم الله أعينهم وصانها، أن تنظر إلى وجه مَنْ هذا حالُهُ، أو يكون في زمانهم أ. هـ نسأل الله الكريم أن يَمُنّ علينا بذلك كما مَنّ عليهم به؛ إنه سميع مجيب.

قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – ومن كيد الشيطان ما ألقاه إلى جهال المتصوفة من الشطح والطامات، وأبرزه لهم في قالب الكشف من الخيالات، فأوقعهم في أنواع الأباطيل والترهات، وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات، وأوحى إليهم: أن وراء العلم طريقاً إن سلكوه أفضى بهم إلى كشف العيان، وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن، فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها، وتصفية الأخلاق والتجافي عما عليه أهل الدنيا، وأهل الرياسة والفقهاء وأرباب العلوم، والعقل على تفريغ القلب وخلوه من كل شيء حتى ينقش فيه الحق بلا واسطة تعلم، فلما خلا من صورة العلم الذي جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الباطل، وخيله للنفس حتى جعله كالمشاهدة كشفاً وعياناً، فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل – عليهم الصلاة والسلام – قالوا: لكم العلم الظاهر، ولنا الكشف الباطن، ولكن ظاهر الشريعة وعندنا باطن الحقيقة، ولكن القشور، ولنا اللباب، فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل من النهار، ثم أحالهم في سلوكهم على تلك الخيالات، وأوهمهم أنها من الآيات البينات، وأنها من قِبَل الله – سبحانه وتعالى – إلهامات وتعريفات، فلا تعرض على السنة والقرآن، ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان فليغفر الله لا له – سبحانه وتعالى – ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات والشطحات، وأنواع الهذيان، وكلما ازداد بعداً وإعراضاً عن القرآن، وما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إغاثة اللهفان: (1/119-120) ، ولله در الإمام ابن الجوزي – عليه رحمة الله تعالى – إذ يقول في تلبيس إبليس: (288) ما نصه: قال أبو حامد الغزالي – رحمه الله تعالى – في كتاب الإحياء: (3/47) مقصود الرياضة تفريغ القلب، وليس ذلك إلا بخلوة في مكان مظلم، فإن لم يكن مكان مظلم فليلف رأسه في جيبه، أو يتدثر بكساء أو إزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق، ويشاهد جلال حضرة الربوبية. قلت – القائل ابن الجوزي –: انظر إلى هذه الترتيبات، والعجب كيف تصدر من فقيه عالم ومن أين له أن الذي يسمعه نداء الحق، وأن الذي يشاهده جلال حضرة الربوبية؟ وما يؤمنه أن يكون كا يجده من الوساوس والخيالات الفاسدة، وقد يسلم الإنسان في مثل هذه الحالة من الوساوس، إلا أنه إذا تغشّى بثوبه، وغضّ عينيه تخايل هذه الأشياء، لأن في الدماغ ثلاث قوى، قوة يكون بها التخيل، وقوة يكون بها الفكر، وقوة يكون بها الذكر، وموضوع التخيل البطنان المقدمان من بطون الدماغ، وموضوع التفكر البطن الأوسط من بطون الدماغ، وموضع الحفظ الموضع المؤخر فإن أطرق الإنسان، وغض عينيه جال الفكر والتخيل فيرى خيالات فيظنها ما ذكر من حضرة جلال الربوبية إلى غير ذلك، نعوذ بالله من هذه الوساوس، والخيالات الفاسدة. وحكى ابن الجوزي في: (323) كلام الغزالي في الإحياء (3/18) وهو يشبه القول المتقدم، وعقب ابن الجوزي عليه بعبارات قاسية عادلة فقال: عزيز عليّ أن يصدر مثل هذا الكلام من فقيه، فإنه لا يخفى قبحه، فإنه على الحقيقة طيّ لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة القرآن، وطلب العلم، وعلى هذا المذهب رأيت الفضلاء من علماء الأمصار، فإنهم ما سلكوا هذا الطريق، وإنما تشاغلوا بالعلم أولا ً، وعلى ما رتب أبو حامد الغزالي تخلو النفس بوساوسها وخيالاتها ولا يكون عندها من العلم ما يطرد ذلك فليلعب بها إبليس أي ملعب، فيريها الوسوسة محادثة ومناجاة، ولا ننكر أنه إذا طهر القلب انصبت عليه أنوار الهدى فينظر بنور الله – جل وعلا – إلا أنه ينبغي أن يكون تطهيره بمقتضى العلم لا بما ينافيه – ولا تنافي بين العلم والرياضة، بل العلم يعلم كيفية الرياضة ويعين على تصحيحها، وإنما يتلاعب الشيطان بأقوام أبعدوا العلم، وأقبلوا على الرياضة بما ينهى عنه العلم، والعلم بعيد عنهم، فتارة يفعلون الفعل المنهي عنه، وتارة يؤثرون ما غيره أولى منه، وإنما يفتي في هذه الحوادث العلم، وقد عزلوه فنعوذ بالله من الخذلان أ. هـ. واعلم أن الكشف من خوارق العادات، وخوارق العادات منحصرة في ثلاثة أمور وهي العلم، والقدرة والغنى، ولا تحصل تلك الأمور على وجه الكمال إلا لله – عز وجل – وحده، فهو الذي أحاط بكل شيء علماً وهو على كل شيء قدير، وهو غني عن العالمين، وقد يحصل للعباد جزء من واحد من تلك الأشياء، ومن ذلك سماع العبد ما لا يسمعه غيره، ورؤيته ما لا يراه غيره يقظة أو مناماً، وعلمه ما لا يعلمه غيره إلهاماً أو فراسة فالسماع مخاطبات، والرؤية مشاهدات، والعلم مكاشفات، ويسمى ذلك كله كشفاً، ومكاشفات أي كشف له عنه. وذلك الخارق كشفاً كان أو غيره إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين كان من الأعمال الصالحة، وإن حصل به مباح كان من نعم الله الدنيوية، وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه كان سبباً للعذاب والبغض. وخوارق العادات على اختلاف أنواعها إن اقترن بها الدين نفعت صاحبها، وإلا أهلكته في الدنيا والآخرة، فحال الكرامات كحال الملك والسلطان إن تبعا الدين نفعا، وإلا كانا سبباً في تلف صاحبهما وهلاكه، انظر إيضاح هذا في قاعدة في المعجزات والكرامات لشيخ الإسلام ابن تيمية وهي ضمن مجموع الفتاوى: (10/311-362) ، ومدارج السالكين: (2/170، 3/227-228) وشرح الطحاوية: (448-452) .

قال مقيد هذه الصفات – ستره رب الأرض والسماوات –: نعوذ بالله الجليل مما أدركناه في هذه الأوقات، فقد ظهر أناس بطونهم منتفخة من أكل الحرام، ويتوهمون – مع هذا أنهم متصلون بالملك العلام، وأنه يفتح لهم ما لا يخطر بالحسبان، وقد اجتمعت ببعض أولئك الضلال فقال لي: أنتم أهل القال، ونحن أهل الحال، وأنتم تأخذون من أوراق، ونحن نأخذ من الخلاق، وجرى لي معهم ما يطول، وأسأل الله العظيم أن يقطع دابرهم إنه خير مسئول.

فاستمسك أيها المسترشد بما تركه نبينا – صلى الله عليه وسلم – من قرآن وسنة ورد إليهما جميع أمورك لتكون من المهتدين، ولئلا يلبس عليك الشيطان الرجيم، فهذا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين – رضي الله تعالى عنه – وإمام المُحَدِّثين كما أخبر بذلك الصادق الأمين – عليه صلوات الله وسلامه – بقوله: "لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناس مُحَدَّثُون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة – باب مناقب عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين: (7/42) ، وفي كتاب أحاديث الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – باب ما ذكر عن بني إسرائيل: (6/512) بشرح ابن حجر فيهما، ورواه مسلم في كتاب الصحابة – باب فضائل عمر: (15/166) بشرح النووي، ورواه الترمذي في كتاب المناقب – باب مناقب أبي حفص: (10/182) بشرح تحفة الأحوذي، وروايتا البخاري عن أبي هريرة، وروايتا مسلم والترمذي عن عائشة، ورواه أحمد في المسند: (2/339) عن أبي هريرة وفي: (6/55) عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – واعلم أن قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر" لم يورده نبينا – صلى الله عليه وسلم – مورد الترديد على الراجح، لأن أمته أفضل الأمم وإذا ثبت أن ذلك وجد في غيرهم، فإمكان وجوده فيهم أولى، وعلى هذا فتلك الجملة واردة مورد التوكيد، وهذا كما يقول الرجل: إن يكن لي صديق فإنه فلان، يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء عنه، ونحوه قول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وكلاهما عالم بالعمل، لكن مراد القائل إن تأخير حقي عمل عنده شك في كوني عملت، أفاد ذلك الحافظ في الفتح: (7/- 50-51) وأورد احتمالاً آخر، فقال: وقيل: الحكمة فيه أن وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه، وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون فيهم نبي، واحتمل عنده – صلى الله عليه وسلم – أن لا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك لاستغتائها بالقرآن عن حدوث نبي أ. هـ والأول أولى وهو الذي عول عليه الإمام ابن تيمية في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: (77) حيث ذكر أن الكرامات كثرت في التابعين أكثر منها في الصحابة، وأما ما نعرفه نحن عياناً، ونعرفه في هذا الزمان فكثير أ. هـ وفي الفتح: (7/50) نحوه أيضاً، والله تعالى أعلم.

" وكان مرجعه في جميع أموره الشرع لا ما يلقى في رُوْعِهِ عن طريق إلهام أو يحصل في صدره في يقظة أو منام، حفظنا الله بالإسلام، وحفظ لنا الإيمان، ومن علينا بحسن الختام، إنه كريم رحمن. ثالث الأمور وخاتمتها: وهي خاتمة المبحث الأول الشريف: إذا كان التعويل على العقول والآراء سبب كل فتنة وبلاء، وأصل كل زيغ وشقاء، وقد هلك بسبب ذلك خلق كثير لا يعلمهم إلا رب الأرض والسماء، وهم عند أهل الأرض في عداد الأذكياء، ولكنهم من الزكاء عَرَاء، فالواجب عليك أيها المسترشد أن تلجأ إلى رب الأرض والسماء، وأن تستغيث به أعظم من استغاثة الغريق في لجج الماء، وليحفظك ربنا – جل وعلا – من الفتن والأهواء، ولتكون من الأكياس أهل الاهتداء، وأنفع ما تقوله من الدعاء، ليحصل لك البرء والشفاء ما كان يردده إمام الأنبياء – على نبينا وعليهم جميعاً الصلاة والسلام – عندما يقوم لعبادة مولاه في الليالي الظلماء ثبت في صحيح مسلم والسنن الأربعة عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – أنها قالت: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا قام الليل افتتح صلاته: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب صلاة المسافرين – باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه: (1/534) رقم 770 وسنن النسائي – كتاب قيام الليل- باب بأي شيء تستفتح صلاة الليل: (3/173) ، وسنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب ما تستفتح به الصلاة من الدعاء: (1/487) ، وسنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة بالليل: (9/120) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الصلاة والسنة فيها – باب (ما جاء) في الدعاء إذا قام الرجل من الليل: (1/431) ، وانظر الحديث في المسند أيضاً: (6/156) .

ففي هذا الحديث الشريف الجليل يتوجه نبينا – صلى الله عليه وسلم – إلى العلي القدير، بربوبيته لجبرائيل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إذ حياة القلب بالهداية، وقد وكل الله – جل وعلا – الثلاثة بالحياة، فجبرائيل موكل بالوحي الذي هو سبب حياة القلوب، وميكائيل موكل بالمطر الذي هو سبب حياة الأبدان وسائر الحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم، وعود الأرواح إلى أجسادها، فالتوسل إلى الله – جل وعلا – بربوبيته لهذه الأرواح العظيمة الموكله بالحياة له تأثير عظيم في حصول المطلوب، والله المستعان وعليه التكلان. (¬1) ¬

_ (¬1) انظر هذا في شرح الطحاوية: (159) ، والفتوحات الربانية شرح الأذكار النواوية: (2/140) ، وفي شرح الأبِّي، والسنوسي: (2/397) الثاني مطبوع في حاشية الأول، وشرح النووي لصحيح مسلم: (6/57) نحو ذلك وقد كان نبينا – صلى الله عليه وسلم – يتوسل إلى الله بربوبيته لهؤلاء الملائكة الكرام – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام – بعد ركعتي سنة الفجر ففي المستدرك: (3/622) كتاب معرفة الصحابة – عن أسامة بن عُمَيْر – رضي الله تعالى عنه – أنه صلى مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ركعتي الفجر فصلى قريباً منه فصلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ركعتين خفيفتين، فسمعه يقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمدٍ أعوذ بك من النار" ثلاث مرات..والحديث رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة: (48-49) والطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد: (2/219) ، والبزار – كما في مجمع الزوائد أيضاً: (10/110) ورواه الدارقطني في الأفراد كما في الفتوحات الربانية: (2/139) ورواه عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – أبو يعلى، والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد: (10/104، 110) والحديث صححه الحاكم، وسكت عنه الذهبي، ونص ابن حجر على حسنه كما في الفتوحات الربانية: (2/139) وانظر تحفة الذاكرين: (130) ونزل الأبرار: (77) ومن العجيب اقتصار النووي في الأذكار: (32) على نسبة الحديث إلى ابن السني فقط، وقد كان نبينا – صلى الله عليه وسلم – يتوسل إلى الله – جل وعلا – بربوبيته لأولئك الملائكة الأطهار – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام – في غير ذينك الموضعين ففي سنن النسائي – كتاب الاستعاذة – باب الاستعاذة من حر النار: (8/246) عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أعوذ بك من حر النار ومن عذاب القبر وقد أشار إلى ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد: (10/104) فقال عقب رواية أبي يعلى المتقدمة: رواه النسائي بنحوه، من غير تقييد بركعتي الفجر.

واعلم أيها المهتدي الذكي، أنه لا خلاص لك من عدوك الغوي، إلا بالالتجاء إلى ربك القاهر القوي، فللشيطان سبعة طرق ينصبها للناس، لا يسلم من غوائها إلا الأكياس، وبيانها ضروري ليحترس منها المسترشد الزكي، فدونكها كما قرر الإمام ابن القيم التقي – نضر الله وجهه البهي – فما إخالك تحظى ببيانها في غير تحقيقه القيم النقي. قال – رحمه الله تعالى –: إن الشيطان يريد أن يظفر بالإنسان في عقبةٍ من سبع عقبات، بعضها أصعب من بعض، لا ينزل من العقبة الشاقة إلى ما دونها إلا إذا عجزعن الظفر به فيها. العقبة الأولى: عقبة الكفر بالله – جل وعلا – وبدينه، ولقائه، وبصفات كماله، وبما أخبرت به رسله – عليهم الصلاة والسلام – عنه، فإنه إن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح فإن اقتحم هذه العقبة ونجا منها ببصيرة الهداية، وسلم معه نور الإيمان، طلبه على: العقبة الثانية: وهي عقبة البدعة، إما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله – جل وعلا – به رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأنزل به كتابه، وإما بالتعبد بما لم يأذن به الله – تبارك وتعالى – من الأوضاع والرسوم المحدثة في الدين التي لا يقبل الله منها شيئاً، والبدعتان في الغالب متلازمتان، قل أن تنفك إحداهما عن الأخرى، كما قال بعضهم: تزوجت بدعة الأقوال ببدعة الأعمال، فاشتغل الزوجان بالعرس، فلم يفجأهم إلا أولاد الزنا يعيثون في بلاد الإسلام، تضج منهم العباد والبلاد إلى الله – جل وعلا – وقال شيخنا – هو الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى –: تزوجت الحقيقة الكافرة بالبدعة الفاجرة، فتولد بينهما خسران الدنيا والآخرة، فإن قطع هذه العقبة، وخلص منها بنور السنة واعتصم منها بحقيقة المتابعة، وما مضى عليه السلف الأخيار من الصحابة والتابعين لهم بإحسان – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –.

وهيهات أن تسمح الأعصار المتأخرة بواحد من هذا الضرب، فإن سمحت به نصب له أهل البدع الحبائل، وبغوه الغوائل، وقالوا: مبتدع محدث (¬1) فإذا وفقه الله – جل وعلا – لقطع المبحث الثاني: طريقة أهل السنة الكرام في صفات الرحيم الرحمن – جل وعلا –: تقدم في المبحث السابق أن مصدر الكلام في صفات الملك العلام منحصر فيما بينه خير الأنام – عليه الصلاة والسلام –، وقد تقدم سرد الأدلة الدالة على كون النبي – صلى الله عليه وسلم – بين أسماء الله وصفاته بياناً محكماً سديداً، وفصل الكلام في هذا تفصيلا ً رشيداً فلسنا بعد بيانه وتفصيله بحاجة إلى بيان أحدٍ أو تأويله، ولذلك عول أهل السنة الكرام في إيمانهم بصفات الرحمن على ما ورد في القرآن، وثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم –، وعليه درج الصحابة الكرام، وتابعوهم بإحسان. ¬

_ (¬1) وبذلك تعلم حرص الشيطان على إيقاع الناس في البدع، وتفضيلهم ذلك على إيقاعهم في الكبائر الفظيعة، وذلك لأن أهل الكبائر يشعرون بالتقصير، ورجوعهم إلى الحق سهل، بخلاف أهل البدع الزائغين، فهم يزدرون المتمسك بالحق المبين، وهيهات هيهات أن يوفقوا للعودة إلى الصراط المستقيم، ولذلك قال سفيان الثوري إمام المسلمين – عليه رحمة رب العالمين – كما في شرح السنة: (1/216) ، وتلبيس إبليس: (13) البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها أ. هـ وكل من أعرض عن السنة فهو مبتدع قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في إغاثة اللهفان: (1/214) : المعرض عن التوحيد مشرك شاء أم أبى، والمعرض عن السنة مبتدع ضال شاء أم أبى أ. هـ ولذلك قال العلماء في تعريف البدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه كما في جامع العلوم والحكم: (252) والباعث على إنكار البدع والحوادث: (20) ، وإقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة: (19) ، والاعتصام: (1/37) .

وطريقة إيمان أهل السنة بصفات ربهم منحصرة أيضاً في الطريقة الثابتة عن نبينهم – صلى الله عليه وسلم –، وعليها سار الصالحون من أسلافهم، وتتلخص بكلمتين اثنتين: الإقرار والإمرار، أي: يجرون الصفة كما وردت فيقرون بمضمونها، ويجزمون بأنها على ظاهرها حسبما يليق بكمال الموصوف بها – سبحانه وتعالى – دون محاولة البحث عن حقيقتها وكيفيتها إذ لا يعلم ذلك إلا المتصف بها – جل وعلا –، وليس كمثله شيء، كما أخبر ربنا – جل وعلا – بذلك عن نفسه بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى11 وهذا شامل لنفي المثيل له في الذات والصفات والأفعال.

قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – في أوائل كتاب القيم "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: تنازع الناس في كثير من الأحكام، ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها، وإثبات حقائقها، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بياناً، وأن العناية ببيانها أهم، لأنها من تمام الشهادتين، وإثباتهما من لوازم التوحيد، فبينها الله – سبحانه وتعالى – ورسوله – صلى الله عليه وسلم – بياناً شافياً لا يقع فيه لبس للراسخين في العلم، وآيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس، وأما آيات الصفات فيشترك في فهم معناها الخاص والعام، وأعني فهم أصل المعنى، لا فهم الكنه والكيفية أ. هـ (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: (1/21) ، وانظر تلك الجملة السديدة "أمّروها كما جاءت بلا كيف" عن سلفنا الصالح، ونقلها الإمام الذهبي في كتاب العلو: (103) عن سفيان الثوري، وعقب الذهبي عليها بقوله: وقد بث هذا الإمام الذي لا نظير له في عصره شيئاً كثيراً من أحاديث الصفات، ومذهبه فيها: الإقرار والإمرار، والكف عن تأويلها. وفي: (104) عن الأوزاعي، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد. وفي: (106) كرر ذلك عن الأربعة، وأنهم قالوا: امضها بلا كيف. وفي: (109) عن إسماعيل بن أبي خالد، والثوري، ومسعر. وفي: (113) عن محمد بن الحسن. وفي: (116) عن سفيان ابن عيينه: هي كما جاءت، نقر بها، ونحدث بها، بلا كيف. وفي: (117) عن وكيع: نسلم هذه الأحاديث كما جاءت، ولا نقول كيف كذا، وقال: أدركنا الأعمش والثوري يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها. وفي: (123) عن الحميدي. وفي: (127) عن أبي عبيد القاسم بن سلام..أبو عبيد أعلم مني، ومن الشافعي، وأحمد وقد ألف كتاب غريب الحديث، وما تعرض لأخيار الصفات بتفسير، بل عنده لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب العربي. وفي: (146) عن ابن أبي عاصم. وفي: (147) عن أبي عيسى الترمذي وهو في سننه – كتاب الزكاة – باب ما جاء في فضل الصدقة: (3/24) قال غير واحد من أهل العلم: ثبتت الروايات في هذا، ونؤمن بها، ولا نتوهم، ولا نقول كيف، هكذا روي عن مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمّروها بلا كيف. هذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا هذا تشبيه، وفسروها على غير ما فسره أهل العلم، وفي: (125) عن ابن سريج. وفي: (158) عن الطحاوي. وفي: (159) عن أبي الحسن الأشعري. وفي: (164) عن أبي محمد البربهاري شيخ الحنابلة ببغداد. وفي: (167) عن أبي بكر الإسماعيلي. وفي: (171) عن الدارقطني. وفي: (174) عن ابن الباقلاني قال: وقد بينا دين الأئمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف. وفي: (192) عن أبي القاسم التيمي. وانظر تلك الجملة الرشيدة في تذكرة الحافظ: (1/304) قال الوليد بن مسلم: سألت مالكاً والأوزاعي والثوري، والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الصفات، فقالوا: أمِرّوها كما جاءت بلا كيف. وفي: (2/414) عن الحميدي. وفي: (3/939) عن الحافظ أبي أحمد القصاب قال: مذهب السلف: إمرارها بلا تأويل. وانظر السنن الكبرى للإمام البهقي: (3/3) حيث نقل ذلك عن سفيان الثوري، وشعبه، وحماد بن سلمة، وشريك، وأبي عوانة – رضي الله تعالى عنهم – وعمن تقدم ذكره أجمعين، وعنا معهم آمين، وفي لمعة الاعتقاد: (6) وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف كلهم متفقون على الإقرار والإمرار، والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – من غير تعرض لتأويله. ونحوه في روضة الناظر: (67) وانظر مجموع الفتاوى: (16/401) .

فإثبات أهل السنة الكرام لصفات الكريم الرحمن إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف (¬1) وبعبارة أخرى: تقوم طريقتهم على إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلتها للمخلوقات. إثباتاً بلا تمثيل، وتنزيهاً بلا تعطيل، كما قال العلي الكبير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى11 ففي قوله – جل وعلى –: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" رد للتشبيه والتمثيل، وفي قوله: " وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " رد للإلحاد والتعطيل (¬2) . ¬

_ (¬1) وهذا هو قول الإمام الخطيب البغدادي، ونقله عن السلف الكرام. ففي تذكرة الحافظ: (3/1142) نقلا ً عنه: أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والفصل إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله بين الغالي فيه، والمقصر عنه، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذى فيه حذوه ومثاله، وإذا كان معلوم أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، وفكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف 10هـ ونقل الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ أيضاً: (3/949) نحوه عن شيخ الإسلام الإمام أبي بكر الإسماعيلي. وفي كتاب العلو: (106) عن مفتي المدينة المنورة ابن الماجشون، وفيه في: (171) عن الحافظ بن منده وفي: (177) عن الإمام معمر بن أحمد الأصبهاني، وفي مجموع الفتاوى: (5/59) بعد نق الكلام المتقدم عن الخطيب والخطابي أيضاً: وهذا الكلام قد نقل نحواً منه من العلماء من لا يحصى عددهم مثل الإسماعيلي.....إلخ. (¬2) وهذا هو كلام شيخ الإسلام في الرسالة التدمرية: (8) في بيان طريق السلف المرضية، وفي صفات رب البرية – جل وعلا – وهو في مجموع الفتاوى: (3/4، 6/515) ..

ويمكن أن يقال بناء على ما سبق: إن أهل السنة الكرام يؤمنون بصفات الله – جل وعز – من غير تحريف ولا تمثيل، ولا تشبيه ولا تعطيل، ولا إلحاد في صفات الله الجليل، وهذه المحترزات تتكرر في كتب التوحيد، فإليك بيان ما يراد بها على وجه التحديد. 1- التحريف: معناه في اللغة التغيير والتبديل، وأصله من الانحراف عن الشيء والتحريف عنه قال الله – جل وعلا –: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} البقرة75، وذلك التحريف من اليهود – عليهم لعنة الله – شامل لتحريف اللفظ أي تغييره وتبديله، كما هو شامل لتحريف المعنى وتغييره والأمران منهما فعليهم لعنة ربنا (¬1) . والمراد من التحريف في الاصطلاح: تغيير النص لفظاً، أو معنى، وقد يصاحب التغيير اللفظي تغير في المعنى، وعليه تصبح أقسام التحريف ثلاثة: أولها: تحريف معنوي: ومنه تفسير المؤولة للاستواء في قول رب الأرض والسماء: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه 5 باستولى. وقال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – في القصيدة النونية: نُونُ اليهود ولامُ جهيميٍّ هما ... في وحي ربّ العَرْشِ زائدتان ¬

_ (¬1) أنظر إيضاح هذا في لسان العرب: (10/388) "حرف"، ومختار الصحاح: (148) "حرف" وروح المعاني: (1/298) ، ومفاتيح الغيب: (3/134) ، وتفسير ابن كثير: (1/115) .

ويشير الإمام ابن القيم بقوله: "نون اليهود" إلى قول الله – جل وعز –: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} البقرة ومعنى "حطة": حُط عنا خطايانا، واغفر لنا ذنوبنا، فبدلوا ذلك القول، وقالوا: حنطة في شعرة، كما بدلوا الفعل فدخلوا يزحفون على أستاهم بدلا ً من السجود لربهم.

ولذلك قال ربنا – جل وعلا – عقيب الآيتين المتقدمين: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} البقرة59، {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} الأعراف162 (¬1) ، ¬

_ (¬1) انظر إيضاح هذا في زاد المسير: (1/85-86) ، وتفسير ابن كثير: (1/99) والسراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير: (1/62) ..

وفي المسند عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في قوله – عز وجل –: " وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً " قال: فدخلوا زحفاً، " وَقُولُواْ حِطَّةٌ " قال: بدلوا، فقالوا: حنطة في شعرة، وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: قيل لبني إسرائيل: " وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ " فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاهم، وقالوا: حبة في شعرة (¬1) . وقد أشار الإمام ابن القيم إلى ذلك في القصيدة النونية بقوله: ¬

_ (¬1) انظر الحديث في المسند: (2/312 مصححاً ما ورد في طباعته من تحريف حسبما ذكر الشيخ البنا في الأماني: (18/73)) والشيخ أحمد شاكر في طبعه للمسند: (15/243) 8095 وانظر صحيح البخاري – كتاب أحاديث الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام –: (6/436) ، وكتاب التفسير – سورة البقرة – باب 5: (8/164) ، وسورة الأعراف – باب "قولوا حطة": (8/304) بشرح ابن حجر في الجميع، وانظر صحيح مسلم – أول حديث في كتاب التفسير –: (4/2312) ، وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة البقرة –: (8/155) ، وفيه: "دخلوا متزحفين على أوراكهم" ورواه أبو داود مختصراً في كتاب الحروف والقراءات: (4/296) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – وانفرد أبو داود بذلك كما في تفسير ابن كثير: (1/99) ، ورواه الحاكم في المستدرك في كتاب التفسير: (2/262) عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم – موقوفاً وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي، ورواه أيضاً: (2/321) عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – موقوفاً عليه بلفظ: إن أهل العجل قالوا: هطا سقمانا إزبه مزبه، وهي بالعربية: حنطة حمراء قوية فيها شعرة سوداء، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي، ونقله عنه الحافظ في الفتح: (8/304) .

أمِرَ اليهودُ بأنْ يقولوا حِطَّة ٌ ... فأبواْ وقالوا حِنطَة ٌ لِهَوَان ِ وكذلك الجهميُّ قيل له استوى ... فأبى وزادَ الحرفَ للنُقْصان قال استوى استولى وذا مِنْ جهله ... لغة ً وعقلا ً ما هما سيان عشرون وجهاً تُبْطِلُ التأويلَ باستولى ... فلا تَخْرُجْ عن القرآن قد أفْردَتْ بمصنَّفٍ هو عندنا ... تصنيف حَبْر ٍ عالم ٍ ربّاني ولقد ذكرْنا أربعين طريقة ً ... قد أبطلتْ هذا بحُسْن بيان هي في الصواعق إن تُردْ تحقيقها ... لا تخفى إلى على العُميان نُونُ اليهود ولامُ جهيمي ٍّ هما ... في وحي ربّ العَرْش ِ زائدتان (¬1) ثانيها: تحريف لفظي مقصود متعمد لينتج عنه تحريف في المعنى المطلوب المعتمد: ¬

_ (¬1) انظر الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية: (91) وانظر مجموع الفتاوى: (5/144-149) فقد أبطل شيخ الإسلام تفسير الاستواء بالاستيلاء من اثني عشر وجهاً، وأبطله الإمام ابن القيم من اثنين وأربعين وجهاً. انظر مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: (2/126-152) وسيأتي بيان معنى الاستواء، وتفنيد تفسيره بالاستيلاء عند سرد نماذج من صفات رب الأرض والسماء.

ويروى أن رجلا ً من الجهمية الشياطين، جاء إلى شيخ المسلمين، أبي عمرو بن العلاء الثقة الأمين مقرئ كتاب رب العالمين، وطلب منه قراءة قول الله الكريم: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً} النساء164 بنصب لفظ الجلالة، ومراده بذلك نفي صفة الكلام عن الرحمن – جل وعلا – ليكون المتكلم موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وكلامه مع رب العالمين، بمنزلة أدعية المؤمنين، فهم يسألون مالك يوم الدين، ولا يكلمهم أحكم الحاكمين، فقال الإمام أبو عمرو بن العلاء لذلك العاتي قائد السفهاء: هب أني فعلت ما تريد، فما تقول في قول الرب المجيد: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} الأعراف143 فبهت الجهمي، وانقلب وهو خاسر شقي (¬1) . وروى الخطيب في تاريخ بغداد أن رجلا ً قال لركن الاعتزال، المائل عن الاعتدال عمرو بن عبيد الضال، أخبرني عن قول الله – جل وعلا –: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} المسد1 أكانت في اللوح المحفوظ؟ فقال عمرو الزائغ: ليس هكذا كانت، فقال الرجل: وكيف كانت؟ فقال عمرو الخبيث: كانت تبت يدا من عمل بمثل ما عمل أبو لهب، فقال الرجل: هكذا ينبغي أن تقرأ إذا قمنا إلى الصلاة فغضب عمرو، وقال: لو كان الأمر كما تقول ما كان على أبي لهب من لوم، وليس لله على ابن آدم حجة (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر القصة في الإتحافات السنية شرح العقيدة الواسطية: (145) . (¬2) انظر تاريخ بغداد: (12/170-172، 183) ، ونحو تلك القصة في ميزان الاعتدال: (3/278) وتهذيب التهذيب: (8/71) ، والبداية والنهاية: (10/79) وعلق ابن كثير على ذلك بقوله: وهذا من أقبح الكفر، لعنه الله إن كان قال هذا، وإذا كان مكذوباً عليه فعلى من كذبه عليه ما يستحقه.

وهذا القول من الضال الغوي، المنحرف عن الصراط السوي من ذهاب لبه، وفساد عقله، وانطماس قلبه، وإلا فلو درى ما يقول، لعلم صحة ما أتى به الرسول – صلى الله عليه وسلم – فالله – جل وعلا – قدر الأمور، وكتبها في اللوح المسطور، حسبما علم من حال عباده، فربهم بصير غفور، قال الله – جل وعلا –: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} الحديد22-23، قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى –: وهذه الآية الكريمة العظيمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق – قبحهم الله تعالى –. وقد ثبت عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة" (¬1) . تمت التصحيح إلى هنا *** على الفلاش ¬

_ (¬1) انظر تفسير ابن كثير: (4/314) ، وانظر الحديث في صحيح مسلم – كتاب القدر – باب 2: (4/2044) وسنن الترمذي – كتاب القدر – باب 18: (6/326) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وانظره في المسند: (2/169) وإسناده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (10/114) 6579، وفي كتاب الشريعة للآجري: (176) ، والاعتقاد للبيهقي: (56) كلهم من رواية عبد الله ابن عمرو – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –.

ثالثها: تحريف لفظي غير مقصود، وقد يلازمه تغير في المعنى أيضاً دون قصد له من الفاعل كما أنه لم يقصد ما تسبب إليه من التحريف اللفظي، ويقع في هذا الأمر عوام المسلمين الذين لم يتلقوا القرآن من الأئمة المتقنين، وقد سمعت بأذني فظائع مريرة من تلاواتهم لكلام الله، عندما يكونون في بيوت الله، فمن ذلك مثلا ً قراءة بعض الجهلة المغفلين: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} (¬1) الأنبياء 37 بالعين المكسورة، والجيم الساكنة، وغير ذلك كثير وكثير. ... وهذا القسم الثالث لا غرض لنا ببحثه في علم التوحيد، وإنما ذكرته استكمالا ً للقسمة، واستيفاء للبيان، والقسمان الأولان هما المقصودان بقول أهل السنة الكرام، يجب الإيمان بصفات الرحمن من غير تحريف من قبل الإنسان، وكل من القسمين شر من الآخر من وجه، فأصحاب تحريف الألفاظ عدلوا باللفظ والمعنى جميعاً عما هما عليه، فأفسدوا اللفظ والمعنى، فهم شر من أصحاب تحريف المعنى فقط من هذا الوجه، وأصحاب تحريف المعنى شر من هؤلاء من حيث أنهم أفسدوا المعنى وتركوا اللفظ على حاله، فحصل بينهما التنافر، وكل منهما على ضلال وفي ضلال (¬2) . ¬

_ (¬1) من سورة الأنبياء: (37) ، وانظر تصحيفات شنيعة، مرذولة فظيعة في كتاب أخبار الحمقى والمغفلين لشيخ المسلمين ابن الجوزي – عليه رحمة رب العالمين –: (71-77) . (¬2) كما قرر ذلك الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – انظر: (147) من مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة.

.. 2-3 التمثيل والتشبيه، يقصد بهذين اللفظين إثبات مثيل وشبيه لرب الكونين – جل وعلا – وقياس رب الأرض والسموات، وماله من صفات كريمات ـ على الحالة المعروفة في المخلوقات، وما يقوم بهم من صفات ناقصات قاصرات. وليس بعد شناعة التمثيل والتشبيه شناعة ولا سفاهة، فقبحاً ثم قبحاً لعقول أهل الزيغ والتباب، إذ سوت تلك العقول السقيات القاصرات بين الخالق الملك الوهاب، وبين المخلوق من تراب، وأفٍ وتُفٍ لهاتيك العقول العفنة المرذولة حيث ساء ظنها بفاطرها، ففهمت من صفاته ما تفهمه في حق نفسها، وبذلك حق عليها قول رب كل شيء وربها في مطلع سورة الأنعام: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} الأنعام1 أي يعدلون عن العبادة الخالصة لله رب العالمين، ويسوون به بعض مخلوقاته العاجزين لأن قوله – جل وعلا –: " يَعْدِلُونَ " من العدل، وهو إما بمعنى العدول أو بمعنى التسوية وأتى بـ " ثُمَّ " لدلالة على قبح فعل الكافرين، فخلق الله للسموات والأرض قد تقرر وظهر، وآياته قد سطعت ووضحت، وإنعامه بذلك قد تبين وتحقق، ثم بعد ذلك كله عدل الزائغون عن عبادة ربهم، وسووا به من هو من جنسهم – تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً – (¬1) . ومما ينبغي التنبيه عليه أن كلا من لفظي التشبيه والتمثيل يشمل الآخر، ويدل على ما يدل عليه، وقد يفرق بينهما في الاستعمال فيطلق التمثيل على من سوى الله بمخلوقاته من كل وجه وأما التشبيه فيطلق على من شبه الرب المعبود بالعبد الكنود في أكثر الصفات أو بعضها. ¬

_ (¬1) انظر إيضاح ذلك في الجامع لأحكام القرآن: (6/387) ، وزاد المسير: (3/2) ، ومفاتيح الغيب: (12/152) ، وروح المعاني: (7/84) ، وجامع البيان: (7/93) .

.. وقد وردت النصوص الشرعية في نفي التمثيل والتشبيه عن رب البرية، والإنكار على من فعل ذلك من ذوي العقول الردية، قال الله – جل وعلا –: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} الإخلاص، والكفء هو المثيل المكافيء، والنظير المساوي والتسبيه المعادل (¬1) ¬

_ (¬1) كما في تفسير غريب القرآن لان قتيبه: (542) ، وتحفة الأريب: (229) ، ولسان العرب: (1/134) "كفأ" وزاد المسير: (9/269) ، وجامع البيان: (30/224) ، وقد تقدم في صفحة: (39) أن نفي الكفء يستلزم نفي الوالدية، والمولدية، والمصاهرة عن رب البرية – جل جلاله –..

فالله – جل وعلا – لا يماثله شيء من المخلوقات، ولا نظير له في البريات ولا يشبهه شيء من الموجودات وقال – تبارك وتعالى –: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة 21-22، والأنداد جمع ند، وملخص كلام أهل اللغة والمفسرين فيه أنه: المثل المناوئ، والنظير المخالف، والشبيه المضاهي المقاوم، فالكفء أعم، والند أخص، فالأول يقال في حصول المماثلة بين الشيئين، ولا يقال الثاني إلا إذا كان بين المثلين خلاف ومادة، وخصومة ومشادة، ومنازعة ومضادة، فاللفظ مأخوذ من ند البعير إذا شرد ونفر كما في لسان العرب، وقال الرازي – رحمه الله تعالى –: الند هو المثل المنازع، وناددت الرجل: نافرته، من ند ندوداً إذا نفر، كأن كل واحد من الندين يناد صاحبه، أي ينافره ويعانده، فإن قيل: إنهم لم يقولوا: إن الأصنام – وهكذا سائر المعبودات من دون الرحمن – تنازع الله – جل وعلا –؟ قلنا: لما عبدوها، وسموها آلهة أشبهت حالهم حال من يعتقد أنها آلهة قادرة على منازعته، قيل لهم ذلك على سبيل التهكم، وكما تهكم بلفظ الند شنع عليهم بأنهم جعلوا أنداداً كثيرة لمن لا يصلح أن يكون ند فقط (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم في لسان العرب: (4/430) "ندد" ومفاتيح الغيب: (2/111-112) ، والمفردات في غريب القرآن: (486) ، والجامع لأحكام القرآن: (1/231) ، والبحر المحيط: (1/93) وتفسير ابن غريب القرآن: (43) ، وقد فسر حبر الأمة وبحرها – رضي الله تعالى عنه – الأنداد بالأشباه والأمثال، كما في الإتقان في علوم القرآن: (2/76) واستدل على ذلك بقول لبيد بن ربيعة – ديوانه: (174) أحْمدُ الله فلا نِدَّ له ... بيديْه الخيرُ ما شاء فعل ج والمراد من قوله – جل وعلا –: " وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " أي: تعلمون أنه لا يصلح أن يكون له ند، ولا يمكن حصول ذلك، فما خلقه – جل وعلا – مما تقدم ذكره لا يقدر الذين اتخذتموهم أنداداً على إيجاد شيء من ذلك كما قال ربنا – عز وجل –: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً} الفرقان3، وقال – جل جلاله –: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} النحل17.

وهذا كما قال الله – جل وعلا –: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} مريم 81-82، وقال – جل جلاله –: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} البقرة165، وقال – جل وعلا –: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} إبراهيم30. وكما نفى الله الجليل عن نفسه الكريمة الكفء، والند، وذم من نسب إليه شيئاً منهما، فقد نفى عنه أيضاً ذينك الأمرين عن طريق السمي عنه كما قال – جل وعلا –: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} مريم65 والسمي هو النظير المسامي والشبيه المضاهي وقد فسره ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – بالمثل والشبيه فقال: "هل تعلم له سميا" هل تعلم للرب مثلا ً أو شبيهاً؟ والاستفهام إنكاري بمعنى النفي والمراد من إنكار العلم ونفيه إنكار المعلوم ونفيه على أبلغ وجه وآكده (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر أثر ابن عباس في تفسير الطبري: (16/80) ورواه عنه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور: (4/279) ، وروى الطبري نحوه عن مجاهد، وقتادة، وابن جريج – رحمهم الله جميعاً – وانظر إيضاح ما تقدم في لسان العرب: (19/127) "سما" وزاد المسير: (5/251) والجامع لأحكام القرآن: (11/130) ، والمفردات: (244) ، وروح المعاني: (16/116) ، وتفسير ابن كثير: (3/131) .

وقد نفى الله – جل جلاله – مشابهته لغيره في أي معنى من المعاني عن طريق نفي المثل عنه فقال – عز وجل –: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى11 فنفى المثل عنه – جل وعز – يقتضي نفي المشابهة لغيره في أي معنى من المعاني، لأن لفظ "المثل" أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة وذلك لأن الند يقال: في حال تماثلهما مع حصول النفرة بينهما، والشبه يقال فيما يشارك في الكيفية فقط، والمساوي يقال فيها يشارك في الكمية فقط، والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط، والمثل عام في جميع ذلك، قال الراغب في مفرداته: ولهذا لما أراد الله – جل جلاله – نفي التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال – عز من قائل –: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى11. قال مقيد هذه الكلمات – غفر الله الكريم له الزلات – يتحدد وجه صلة هذه الآية الكريمة بما قبلها بأمرين: 1) لما تقدم التنصيص على خلق أزواجنا من جنسنا، وخلق أزواج الأنعام من جنسها أيضاً، في قوله تعالى – جل وعلا –: " جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً " أي: وخلق للأنعام من جنسها أزواجاً كما خلق لنا من أنفسنا أزواجاً، فلكل جنس ما يلائمه، ولكل صنف ما يشاكله، أتبع ربنا ذلك ببيان مباينته لغيره، وعدم موافقته لهم في معنى من المعاني ومن جملة ذلك وجود مثيل له يزاوجه، ويرتبط به ويلازمه، فقال – جل وعلا –: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " فالمعنى في هذه الآية الكريمة كالمعنى في نفي الكفء في سورة الإخلاص الحكيمة.

2) لما قدم ربنا العزيز، تقرير انفراده بتدبير أمور مخلوقاته على الوجه المحكم البديع، أتبع – جل وعلا – ذلك ببيان نفي حصول شيء من ذلك عن طريق غيره، لأنه – جل جلاله – لا مثيل له في أمر من الأمور، كما قال العزيز الغفور: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الرعد33. ... هذا فيما يتعلق بصلة الآية الكريمة بما قبلها، وأما فيما يتعلق ببيان معنى "كمثله" ففي ذلك ستة أقوال يحتملها كلام الكبير المتعال. أ) الكاف صلة زائدة للتوكيد، والمعنى: ليس مثله شيءٌ. ب) لفظ "مثل" زايد للتوكيد، وأدخل ذلك اللفظ في الكلام لأن معناه كمعنى الكاف فيحصل باجتماعها مزيد توكيد وتقرير، والمعنى: ليس كهو شيءٌُ. جـ) كل منهما باق على أصله، ولا يلزم من الكلام محذور ألبته، لأن نفي مثل المثل يستلزم نفي المثل أيضاً، فلو قدر وجود مثل لله – جل جلاله – لكان لذلك المثل مثل قطعنا وهو الله الإله الحق نفسه،، لأن كل متماثلين يعد كلاهما مثلا ً لصاحبه فلا يتم انتفاء مثل المثل إلا بانتفاء المثل، فثبت أنه لا مثل لله رب العالمين – جل جلاله – ونفى بـ "ليس" الكاف والمثل، وفرق بينهما لتأكيد النفي، وتنبيهاً إلى أنه لا يصح استعمال أحدهما في حق مولانا وربنا – جل وعز –. د) المثل بمعنى الصفة، والمعنى: ليس كصفته صفة تنبيهاً على أنه وإن وصف بكثير مما وصف البشر، فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر.

هـ) الجمع بين الكاف والمثل أفاد نفي المماثلة، وما يقرب منها على أتم وجه، وأحكم صورة، فلو قيل: "ليس مثله شيء" لربما فهم من لفظ المثل: المثل التام في المماثلة، وعليه فيكون النفي للمثل المكافئ فقط، وقد يرتب على ذلك قاصروا النظر، بأنه إذا لم يكن هناك رتبة تضارع الألوهية، فقد يوجد ما يليها، عن طريق حصول شبه ما بين رب العالمين، وبعض عباده المقربين، وذلك المعنى المنظر نُحِيَّ وزال باقتران الكاف مع لفظ المثال، فكأنه قال: ليس هناك شيء يشبه أن يكون مثلا ً لله – جل وعلا – فضلا ً عن أن يكون مثيلا ً له على الحقيقة، وهذا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى على حد قول الله – جل وعز –: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} الإسراء23 حيث نص على النهي عن يسير الأذى صريحاً، وعما فوقه بطريق الأحرى.

و) المراد من لفظ "مثله" ذاته، وعدل عن ذلك، وعن ليس كالله شيء للدلالة على أن من كانت له تلك الصفات الحسنى، وذلك المثل الأعلى، لا يمكن أن يكون له شبيه ولا يتسع الوجود لاثنين من جنسه، فلذلك جيء باللفظين ليؤدي كل منهما معنى المماثلة، وليقوم أحدهما ركناً في الدعوى، والآخر دعامة لها برهاناً. فالتشبيه المدلول عليه "بالكاف لما تصوب إليه النفي تأدى به أصل التوحيد المطلوب، ولفظ "المثل" المصرح به في مقام لفظ الجلالة، أو ضميره نبه على برهان ذلك المطلوب، وهذا مثال من أراد نفي نقيصة من امرئ في خلقه فقال: مثل فلان لا يكذب ولا يبخل، ولا يقصد المشير بتلك الإشارة إلى شخص آخر يماثله وهو منزه عن تلك النقائص، بل مراده من تلك الجملة تبرئة الممدوح والثناء عليه ببرهان كلي، وهو أن من يكون على مثل صفاته، وشيمه الكريمة لا يكون كذلك، لوجود التنافي بين طبيعة هذه الصفات، وبين ذلك النقص الموهوم.

.. وصفوة المقال: إن ذات الله – جل جلاله – ليست كذوات المخلوقات التي تقبل التعدد والاشتراك والتماثل في مفهومها، كلا، فإن الذي يقبل ذلك إنما هو الكمال الإضافي الناقص أما الكما التام المطلق الذي هو قوام في الإلهية في الحي القيوم، وحقيقة ذلك تأبى على العقل أن يقبل فيها المشابهة، والإثنينية، لأنك مهما حققت معرفة الإله معرفة حقيقية، وجدت إنشاءً لكل شيء، وسلطاناً على كل شيء، وعلواً فوق كل شيء، فلو ذهبت تفترض اثنين يشتركان في هذه الصفات لتناقضت، إذ جعل كل واحد منهما سابقاً مسبوقاً، ومنشئاً منشأ ً، مستعلياً مستعلىً عليه، أو لأحلت الكمال المطلق إلى كمال مقيد فيهما، إذ تجعل كل واحد منهما بالإضافة إلى صاحبه ليس سابقاً ولا مستعلياً، فأنى يكون كل منهما إلاهاً، وللإله المثل الأعلى (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إيضاح ما تقدم، وتفصيل الكلام فيه، في زاد المسير: (7/276) ، والسراج المنير: (3/530) ومعالم التنزيل، ولباب التأويل: (6/118) الأول على هامش الثاني، وانظر محاسن التأويل: (14/293) وتفسير ابن كثير: (4/108) ، والمفردات: (462) ، وروح المعاني: (25/18) ، والنبأ العظيم: (132-136) والبيان في إعراب غريب القرآن: (2/345) .

.. وبالختام أقول: إن النصوص الشرعية نفت عن ذات ربنا العلية، الكفء والند والسمي والمثل ودخل في ذلك نفي الشبيه عن الرحمن، كما تقدم على ذلك البرهان، حسب لغة العرب وفهم السلف الكرام، وقد آثر شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية الاقتصار على نفي ما ورد به النص صراحة، فقال: ومن الإيمان بالله بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه رسوله – صلى الله عليه وسلم – من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وذلك سبب ذكره للتمثيل دون التشبيه، فقال: ذكرت في النفي التمثيل، ولم أذكر التشبيه لأن التمثيل نفاه الله بنص كتابه فكان أحب إليّ من لفظ ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر العقيدة في الواسطية: (17/18) ، وهو في مجموع الفتاوى: (3/130) ، وانظر تعليله في الاقتصار على التمثيل في النفي دون التشبيه في مجموع الفتاوى: (3/166) وكان ينبغي عليه حسب تعليله حذف جملة "ومن غير تكييف" لأن نفي الكيفية عن صفات رب البرية دلت النصوص الشرعية على نفيها، ولم يرد نفيها صراحة، فحالها كحال لفظ التشبيه، وقد اعترف بذلك الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – فذكر في المكان السابق أن التكييف مأثور عن السلف، وقد اتفقوا على أن التكييف غير معلوم لنا، فنفيت ذلك إتباعاً لسلف الأمة، وقوله بعد ذلك: وهو أيضاً منفي بالنص أي بدلالة النص والأمران موجودان في لفظ التشبيه كما علمت. ولذلك قرن بينهما الإمام ابن قدامة – عليه رحمة الله تعالى – في لمعة الاعتقاد: (4) والله تعالى أعلم.

وقد تقدم أن النصوص الشرعية دلت على نفي الشبيه عن رب العالمين، وجرى استعمال ذلك اللفظ على ألسنة السلف الروعين، وقد قرر الشيخ ابن تيمية في عدة مواطن فمن ذلك قوله: ما رأيت أحداً منهم – أي من السلف الكرام – نفى الصفات، وإنما ينفون التشبيه، وينكرون على المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه، مع إنكارهم على من ينفي الصفات أيضاً، كقول نُعَيْم بن حماد شيخ البخاري – عليهم رحمة الملك الباري –: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله – جل وعلا – به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله – جل وعلا – به نفسه، ولا بما وصفه به رسوله – صلى الله عليه وسلم تشبيهاً، وكانوا إذا رأوا الرجل قد أغرق في نفي التشبيه من غير إثبات الصفات قالوا: هذا جهمي معطل، وهذا كثير في كلامهم جداً (¬1) . فائدة: زيغ أهل التضليل والتجهيل في التشبيه والتمثيل، منحصر في نوعين: 1) تشبيه الخالق بالمخلوقات، وتمثيله بهم في الذوات أو الصفات، وذلك بأن يفهم من ذات الله الجليلة، وصفاته الحسنى الجميلة، ما يفهمه من ذوات المخلوقات الحقيرات، وصفاتهم الناقصات القاصرات، وقد تقدم دلالة النصوص المحكمات على نفي الكفء والند والمثل والتشبيه عن رب الأرض والسموات، فمن شبه رب العالمين بالبرية، فهو أضل من الحمر الأهلية. 2) تمثيل المخلوق الحقير بالخالق الكبير وتشبيه العبد الذليل بالرب الجليل، فيما يختص به من الأفعال، والحقوق، والصفات. ¬

_ (¬1) انظر مجموع الفتاوى: (5/110) ، وانظر في الرسالة الحموية: (297) ، وقد كرر الشيخ ابن تيمية نحو ذلك، انظر مجموع الفتاوى: (2/126، 5/89،61، 4/153،146) حيث قرر أن لفظ التشبيه وارد ذمه في كلام بعض السلف، وأرادوا بالتشبيه تمثيل الله بخلقه، وانظر قول نعيم بن حماد في كتاب العلو: (126) ، وكرره في (140) .

مثال الأول: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن زيد بن خالد الجهمي – رضي الله تعالى عنه – قال صلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماءٍ كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: اله ورسوله أعلم، قال: قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر الحديث في صحيح البخاري – كتاب الأذان – باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم –: (2/333) وكتاب الاستسقاء – باب 28: (2/522) ، وكتاب المغازي – باب غزوة الحديبية: (7/539) ، وكتاب التوحيد – باب 35: (13/466) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء: (1/83) وسنن أبي داود – كتاب الطب – باب في النجوم –: (4/227) ، وسنن النسائي – كتاب الاستسقاء – باب كراهية الاستمطار بالكواكب: (3/133) والموطأ – كتاب الاستسقاء – باب الاستمطار بالنجوم –: (1/192) ، والمسند: (4/117) ، والنوء من أناء إذا سقط، أو طلع وظهر ونهض والمعنيان حاصلان لأن النجم إذا طلع في المشرق سقط حال وقوعه نجم آخر في المغرب كما في فتح الباري: (2/94) .

.. فمن نسب إنزال المطر إلى النجوم، فقد أعطاها الفعل المختص بالحي القيوم، وذلك شرك يوجب لصاحبه الحميم والسموم (¬1) . ¬

_ (¬1) كما قال ربنا – جل وعلا – في سورة الواقعة: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} الواقعة 41-43 والسموم ريح حارة من النار تنفذ في السموم، والحميم: ماء شديد الحرارة، والظل من يحموم: دخان شديد السواد، ولذلك وصفه ربنا – جل وعلا – بقوله " لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ " أي ذلك الظل ليس ببارد كغيره من الظلال، ولا حسن المنظر. كما في تفسير الجلالين: (428) .

ومثال الثاني: صرف ما يستحقه رب العالمين إلى المخلوقين العاجزين، كالحلف بهم، والتوبة من الذنوب إليهم، ودعائهم، والاستعانة بهم، وما يشبه ذلك ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن الله – عز وجل – ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" وفي لفظ لهما أيضاً: "من كان حالفاً لفلا يحلف إلا بالله" قال ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما –: وكانت قريش تحلف بآبائها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لا تحلفوا بآبائكم (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب مناقب الأنصار – باب أيام الجاهلية –: (7/148) ، وكتاب الأدب – باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلا ً –: (10/516) ، وكتاب الإيمان والنذور – باب لا تحلفوا بآبائكم –: (11/530) ، وكتاب التوحيد – باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذ بها: (13/379) بشرح ابن حجر في الجميع، ورواه الإمام مسلم في كتاب الإيمان – باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى –: (11/105-106) بشرح النووي. وانظره في سنن الترمذي – كتاب الإيمان والنذور – باب كراهية الحلف بغير الله تعالى –: (5/252-254) ، وسنن النسائي – كتاب الإيمان والنذور – باب التشديد في الحلف بغير الله تعالى –: (7/4) ، وباب الحلف بالآباء: (7/5) ، وباب الحلف بالأمهات –: (7/6) ، وباب الحلف بالطواغيت: (7/7) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الكفارات – باب النهي أن يحلف بغير الله تعالى –: (1/677) ، والموطأ – كتاب الإيمان والنذور – باب جامع الإيمان: (2/480) والمسند: (5/262، 2/142،125،86،69،48،20،17،11،8،7) ، والحميدي في مسنده: (2/301،280) ومنصف عبد الرازق –: (8/66) ، والطيالسي – منحة المعبود –: (1/246) ..كلهم من رواية ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – إلا رواية النسائي الثالثة، فعن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – والرابعة عن عبد الرحمن بن سمرة – رضي الله تعالى عنه – وكذلك الأولى وعنه رواه الطبراني في الكبير والبزار كما في مجمع الزائد: (4/77) ، قال الإمام الهيثمي – رحمه الله تعالى – وفي إسناد الطبراني مساتير، وإسناد البزار ضعيف، وانظر سند البزار للحديث في كشف الأستار –: (2/120) – كتاب الإيمان والنذور – باب الحلف بالله تعالى –.

". وفي المستدرك والمسند عن الأسود بن سريع – رضي الله تعالى عنه – قال: أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – بأعرابي أسير، فقال: أتوب إلى الله – عز وجل – ولا أتوب إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "عرف الحق لأهله (¬1) ". فصرف التعظيم الذي يستحقه رب العالمين إلى المخلوقين شرك بالله الكريم قال الله – جل جلاله –: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} يونس106 أي من المشركين، فلا ظلم أشنع من الشرك، كما قال ربنا – جل جلاله – {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان13 (¬2) وقد تقدم حديث عمران بن حصين – رضي الله تعالى عنهما – فتذكره وحذار حذار من الغفلة عنه (¬3) . ¬

_ (¬1) انظر المسند: (3/435) ، والمستدرك: (4/255) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه 1هـ وتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك فقال: قلت: ابن مصعب ضعيف، وفي مجمع الزوائد: (10/199) ورواه الطبراني وفيه محمد بن مصعب، وثقة أحمد وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه البيهقي في شعب الإيمان كما في الجامع الكبير: (1/572) ، والذي حط عليه كلام ابن حجر في التقريب: (2/208) أنه صدوق كثير الغلط، وانظر حاله في الميزان: (4/42) وقد عزا الإمام العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (1/226) الحديث إلى المسند، ومعجم الطبراني، وحكم على سنده بالضعف. (¬2) الآية 13 من سورة لقمان، وفي روح المعاني: (21/85) الظاهر أن هذا من كلام لقمان حكاه عنه ربنا الرحمن، وقيل: هو خبر عن الله تعالى شأنه – منقطع عن كلام لقمان متصل به في تأكيد المعنى. (¬3) تقدم تخريج الحديث في صفحة: (.....) من هذا الكتاب المبارك.

ومثال الثالث: وهو وصف المخلوق بما يختص بوصفه للخالق – جل جلاله – ما ذكره الإمام ابن كثير – عليه رحمة الرب الجليل – في البداية والنهاية، في ترجمة الضال المضل ابن أبي دؤاد، ركن الاعتزال، وإمام الضلال، فقال: ومن مديح أبي تمام لأحمد بن أبي دؤاد: أأحمد إن الحاسدين كثيرٌ ... ومالك إن عُدَّ الكرامُ نظيرُ ج ... ج حللتَ مَحَلا ً فاضلا ً مُتقادِماً ... من المجد والفخر ِ القديم فهورُ فكلا ُّ عنيّ ٍ أو فقير فإنه ... إليك وإن نالَ السماءَ فقيرُ ج فما مِنْ يدٍ إلا إليك مُمَدَّة ... وما رَفْعَة ٌ إلا إليك تُشيرُ ... وعقب الإمام الجليل ابن كثير – عليه رحمة الملك الكبير – على تلك الأبيات بقوله: قد أخطأ الشاعر في هذه الأبيات خطأ ً كبيراً، وأفحش في المبالغة فحشاً كثيراً، ولعله إن اعتقد هذا في مخلوق ضعيف مسكين ضال مضل أن يكون له جهنم، وساءت مصيراً (¬1) . ومثل ذلك الهذيان، مخاطبة أبي فراس لأمير ذلك الزمان، بأبيات تحرم المخاطبة بها لغير الرحيم الرحمن، صاحب الفصل والجود والبر والإحسان، قال ذلك الإنسان: فليت تَحْلو والحياة ُ مَريرة ٌ ... وليت ترضى والأنامُ غِضَابُ ج وليت الذي بيني وبينك عامرٌ ... وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صح منك الوُدُّ فالكلُّ هينٌ ... ولك الذي فوقَ الترابِ ترابُ ¬

_ (¬1) انظر البداية والنهاية: (10/320) ، وتقدم في هذا الكتاب المبارك: 17 ترجمة شيخ الجدل والعناد ابن أبي دؤاد.

.. قال الإمام ابن قيم الجوزية – عليه رحمة رب البرية – معقباً على تلك الأبيات الردية، لصرفها لمناجاة غير ذات ربنا العلية: ومعلوم: أنه لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضى ربنا ومولاها على غيره ولقد أحسن أبو فراس في هذا المعنى إلا أنه أساء كل الإساءة في قوله إذ يقول لمخلوق لا يملك له ولا لنفسه نفعاً ولا ضراً (¬1) . وقال هؤلاء الشعراء جار على عادتهم، في المبالغات الباطلات ـ والشيء من معدنه لا يستبعد وقد بلغ السخف والإسفاف، بالمتنبي الشاعر صاحب الآراء العجاف، أن قال في مدح عبد الله بت يحيى البحتري: فكنْ كما شئتَ يا مَنْ لا شبيهَ له ... وكيف شئت فما خَلْقٌ يدانيكا (¬2) ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين: (2/301) ، وكررها في: (3/178) دون نسبة إلى قائلها، مستشهداً بها على مخاطبة المؤمنين لربهم عندما يرون أعمالهم، فلا يعلم بها غير مولاهم. (¬2) انظر فتح رب البرية يتلخيص الحموية: (11) ومن جملة مجازفات المتنبي – أحمد بن الحسين المتوفى سنة 354هـ - أيضاً، قوله في مدح شجاع بن محمد الطائي: ... وأبوك والثقان أنت محمدُ 0@أنى يكون أبا البرية آدنٌ فالبيت عدا ما فيه من التعقيد اللفظي حيث فصل بين المبتدأ والخبر، وهما "أبوك محمد" وقدم الخبر على المبتدأ تقديماً يدعو إلى اللبس في قوله "والثقلان أنت" عدا ذلك التعسف، لم يسلم كلامه من سخف وهذر كما في البلاغة الواضحة: (7) .

.. وقد حذرنا نبينا الرحيم – صلى الله عليه وسلم – من ذلك المسلك الوخيم فقال: "لا تطروني كما أطرت النصاري ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله (¬1) ". ... فهذه الأنواع الثلاثة ينبغي الحدر منها، والابتعاد عنها في معاملة المخلوق، لأن الأول شرك في الربوبية، والثاني شرك في الألوهية، والثالث شرك في أسماء الله وصفاته العلية، حفظنا الله الكريم بمنه وفضله عن سائر الرديات، ومن علينا بحسن الخاتمة إنه مجيب الدعوات. 4- التكييف: ويقصد بالتكييف: حكاية كيفية لصفات ربنا اللطيف، وتصورها في ذهن العبد الضعيف، والنصوص المتقدمة في نفي التمثيل والتشبيه، تدل على نفي التكييف ضرورة، لأن خطور كيفيةٍ ما في البال، لا يكون إلا فيما له مثال، وإلا لما أمكن تصوره بحال، وليس في الوجود ما يشبه الكبير المتعال. ¬

_ (¬1) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – باب 48: (6/478) بشرح ابن حجر، والدارمي في كتاب الرقاق – باب قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "لا تطروني": (2/320) وأحمد في المسند: (1/55،47،24،23) ، والحميدي في مسنده: (1/16) ، والطيالسي في مسنده – منحة المعبود –: (2/119) ، والترمذي في الشمائل: (172) ، ورواه ابن حبان، وأبو يعلى والعدني – رحمهم الله جميعاً – كما في الجامع الكبير: (1/896) كلهم عن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – ومن هذه الرواية الصحيحة يتبين لك أن ما قاله البوصيري في البردة: (90) ضمن مجموع مهمات المتون – فيه إطراء، وخروج عن هدي خير الأنبياء – عليه وعليهم صلوات الله وسلامه – وهذا هو قوله: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ ُ به ... سواك عند حلول الحادِث العَمم ِ ج ولن يضيقَ رسول الله جاهُك بي ... إذا الكريمُ تحلى باسم من مُنْتَقِم ِ فإنَّ مِنْ جُودِك الدنيا وضَرَّتَها ... ومن علومِك علمَ اللوح ِ والقلم ِ ج

.. وقد ورد عن سلفنا الصالح نفي التكييف، عن ربنا الخبير اللطيف، وقدمت في أول هذا المبحث الشريف، نقل ذلك عن طائفة من ذوي القدر المنيف، وسيأتينا في بحث علو ربنا النقل عن خيار سلفنا، بأن الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ولذلك قال الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: اتفق السلف على أن التكييف غير معلوم لنا، فنفيت ذلك إتباعاً لسلف الأمة، وهو أيضاً – أي التكييف – منفي بالنص، فإن تأويل آيات الصفات يدخل فيها حقيقة الموصوف، وحقيقة صفاته، وهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله الجليل، كما قررت ذلك في قاعدة مفردة، ذكرتها في التأويل والمعنى، والفرق بين علمنا بمعنى الكلام، وبين علمنا بتأويله، وهو أيضاً – أي: التكييف – منفي بدلالة العقل، إذ كنه الباري – جل جلاله – غير معلوم للبشر (¬1) . ثلاثة تنبيهات مهمات: الأول: ما ذكره شيخ الإسلام – عليه رحمة رب الأنام من الفرق بين العلم بمعنى الكلام، وبين العلم بتأويله، والإشارة إلى أن من التأويل ما لا يعلمه إلا الله الجليل، فقد ورد إيضاح ذلك الكلام، وتفصيله من قبل ذلك الإمام، في رسالته الحموية والتدمرية في أحسن بيان، وإليك ملخص ذلك يا طالب الهدى والعرفان: لفظ "التأويل" يراب به ثلاثة معان ٍ: أ) صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح، إلى الاحتمال المرجوح، لدليل يقترن بذلك، وهذا اصطلاح كثير من المتأخرين، وعليه فلا يكون معنى اللفظ الموافق لدلالة ظاهره تأويلا ً على اصطلاح هؤلاء، لأن التأويل صرف اللفظ من الراجح إلى المرجوح، ومن المعنى الظاهر إلى المعنى الخفي. ¬

_ (¬1) انظر صفحة (....) من هذا الكتاب المبارك، وانظر مجموع الفتاوى: (3/167) .

.. وهذا التأويل إن قال عليه دليل فهو صحيح مقبول، وإلا فهو عليل مرذول وخلاصة ذلك الدليل: موافقة التأويل لسياق الكلام، ومراد المتكلم (¬1) ¬

_ (¬1) والأدلة على التفصيل أربعة كما حققها الشيخ ابن تيمية في الرسالة المدنية: (14-15) وهي ضمن مجموع الفتاوى: (6/360-361) ، وهي: 1- كون اللفظ مستعملا ً في ذكل المعنى حسب لغة العرب. 2- وجود دليل صارف عن المعنى المتبادر الظاهر إلى ذلك المعنى الخفي. 3- عدم وجود معارض لذلك الصارف لأن الدليل إذا قام على إرادة الحقيقة امتنع تركها. 4- إقامة الدليل على كون المراد ذلك المعنى الذي حدده في ذلك السياق. وانظر هذا المبحث، وتفصيل الكلام عليه في رسالة الحقيقة والمجاز تقع في مائة صفحة ضمن مجموع الفتاوى: 020/400-4979، ورسالة شيخنا الجليل محمد الأمين الشنقيطي – عليه رحمة الله تعالى – منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز، وانظر فتح رب البرية بتلحيص الحموية: (27) ، وإرشاد الفحول: (175-177) – الباب السابع في التأويل وشروطه – والذي حط عليه كلام الشوكاني: أن شرط قبول هذا النوع من التأويل: موافقته لوضع اللغة، أو عرف الاستعمال، وعادة صاحب الشارع، وكل ما خرج عن هذا فليس بصحيح، وانظر مختصر الصواعق المرسلة: (2/2-106) فصل في كسر الطاغوت الثالث الذي وضعته الجهمية لتعطيل حقائق الأسماء والصفات، ثم تابع الإمام ابن القيم تفصيل الكلام على ما أولوه وحرفوه من صفات الرحمن حتى نهاية صفحة: (332) .

فمن قال: رأيت أسداً يحمل سيفاً، حمل لفظ الأسد "في قوله على الرجل الشجاع، لدلالة سياق الكلام، وموافقة ذلك لمراد المتكلم، وهو تأويل صحيح على هذا القول. وأما من تأويل قول الله – جل وعلا –: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه5باستولى، فهو تأويل باطل لا حقيقة له، وهو من باب التحريف لكلام الله – جل وعلا – عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وآياته كما في درء تعارض العقل والنقل، وقال الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – وما رووه من الحديث، ووقفت من ذلك على ما شاء الله – تبارك وتعالى – من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير، فلم أجد – إلى ساعتي هذه – عن أحد من الصحابة الكرام – رضي الله تعالى عنهم – أنه تأول شيئاً من آيات الصفات، أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف، بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته، وبيان أن ذلك من صفات الله – جل وعلا – وما يخالف كلام المتأولين مالا يحصيه إلا الله – عز وجل – وكذلك فيما يذكرونه آثرين وذاكرين عنهم شيء كثير، والذي أقوله الآن وأكتبه – وإن كنت لك أكتبه فيما تقدم من أجوبتي، وإنما أقوله في كثير من المجالس –: إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة الكرام – رضي الله تعالى عنهم – اختلاف في تأويلها (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر درء تعارض العقل والنقل: (5/382-383) ، ومجموع الفتاوى: (6/394) ، ونحوه في اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية: (49-50) حيث قرر أن ذلك التأويل باطل والسلف الكرام على خلافه، وأفاض الكلام في بطلان ذلك الهذيان من اثنين وأربعين وجهاً في الصواعق المرسلة، كما في مختصر الصواعق: (126-152) .

ب) المعنى الثاني للتأويل، وهو تفسير الكلام وهذا هو الغالب على اصطلاح المفسرين للقرآن، كما يقول الإمام ابن جرير وأمثاله من المصنفين في التفسير: واختلف أهل التأويل، أي: أهل التفسير، وعلى هذا القول يتنزل ما نقل عن ابن عباس، ومجاهد، ومحمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن إسحاق، وابن قتيبة وغيرهم من أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله المتشابه، أي: تفسيره، ويرون عطف قوله: "والراسخون في العلم" على لفظ الجلالة، في قوله – جل جلاله –: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} آل عمران7 (¬1) وهذا حق بهذا الاعتبار. ¬

_ (¬1) الآية 7 من سورة آل عمران، وفي تأويل مشكل القرآن: (98-102) ، ولسنا ممن يزعم: أن المتشابه في القرآن لا يعلمه الراسخون في العلم، ولم ينزل الله – جل وعلا – شيئاً من القرآن إلا لينفع به عباده، ويدل به على معنى أراده، ولو لم يكن للراسخون في العلم حظ في المتشابه إلا أن يقولوا: " آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا " ثم ذكر أن جملة "يقولون" في معنى الحال، كأنه قال: الراسخون في العلم قائلين: أمنا به 10هـ باختصار.

جـ) المعنى الثالث للتأويل، هو: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام فتأويل الأمر: فعله. وتأويل النهي: تركه، وتأويل الخبر: وقوعه وحصوله، فتأويل ما أخبر الله جل وعلا – به في الجنة من الأكل والشرب واللباس والنكاح، هو: الحقائق الموجودة أنفها، لا ما يتصور من معانيها في الأذهان، ويعبر عنه باللسان، وهذا المعنى للتأويل هو المراد في لغة الشرع، قال الله – جل جلاله –: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} الأعراف53 فتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد هو ما أخبر الله به مما يكون فيه من القيامة والحساب والجزاء، والجنة والنار، ونحو ذلك.

كما قال الله – عز وجل – في قصة يوسف لما سجد أبواه وإخوته – على نبينا وعليه الصلاة والسلام –: {وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} يوسف100 فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا، وقال – تبارك وتعالى –: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء59 أي: مآلا وعاقبة، ومنه ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" يتأول القرآن (¬1) . أي: يوقع فعله حسبما أمره به ربنا في القرآن الكريم في سورة "النصر" ولذلك قال سفيان بن عيينة – عليه رحمة الله تعالى –: السنة هي تأويل الأمر والنهي، أي: فعل المأمور، وترك المحظور، لأن تأويل الأمر فعله، وتأويل النهي تركه. ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الأذان – باب التسبيح والدعاء في السجود –: (2/299) وفي كتاب التفسير – سورة النصر – باب 2: (8/733) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم كتاب الصلاة – باب ما يقال في الركوع والسجود –: (1/350) ، وسنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب الدعاء في الركوع والسجود –: (1/546) ، وسنن النسائي – كتاب التطبيق – باب نوع آخر من الدعاء في السجود –: (2/174،173) ، وسنن ابن ماجه – كتاب إقامة الصلاة – باب التسبيح في الركوع والسجود –: (287) ، والمسند: (6/190،49،43) وشرح السنة – كتاب الصلاة – باب ما يقول في الركوع والسجود –: (3/100) والحديث رواه البخاري أيضاً في كتاب الأذان – باب الدعاء في الركوع –: (2/281) ، وفي كتاب المغازي – باب 50: (8/19) ، وفي أول تفسير سورة "النصر" من كتاب التفسير: (8/733) دون قول: "يتأول القرآن".

.. ونظراً لكون المراد من التأويل في لغة الشرع ما يؤول إليه اللفظ ويثير، كان الفقهاء أعلم بالتأويل من أهل اللغة كما قال الإمام أبو عبيد – عليه رحمة الله تعالى – ومثل على ذلك بحديث اشتمال الصماء، ولفظه عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: "نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم عن اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرحل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء (¬1) ¬

_ (¬1) رواه البخاري في كتاب الصلاة – باب ما يسير من العورة –: (1/476) ، وفي كتاب الصوم – باب صوم يوم الفطر –: (4/239) ، وفي كتاب اللباس – باب اشتمال الصماء –: (10/278) ، وباب الاختباء في ثوب واحد –: (10/279) ، وفي كتاب الاستئذان – باب الجلوس كيفما تيسر –: (11/79) بشرح ابن حجر في جميع ما تقدم وأبو داود – في كتاب الصوم – باب في صوم العيدين –: (2/803) وفي كتاب البيوع – باب في بيع الغرر –: (3/673) ، والنسائي – في كتاب الزينة – باب النهي عن اشتمال الصماء: (8/185) ، وابن ماجه – في كتاب اللباس – باب ما نهي عنه في اللباس: (2/1179) وأحمد في المسند: (3/96،95،66،46،13،6) والحديث رواه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أحمد في المسند: (2/529،210،503،496،478،475،464،432) والبخاري في كتاب مواقيت الصلاة – باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس: (2/589) ، وفي كتاب اللباس – باب اشتمال الصماء –: (10/278) بشرح ابن حجر فيهما، وأبو داود في كتاب اللباس – باب في لبسة الصماء –: (4/341) ، والترمذي في كتاب اللباس – باب ما جاء في النهي عن استمال الصماء –: (6/72) ، وابن ماجه في المكان المتقدم، والدارمي في كتاب الصلاة – باب النهي عن اشتمال الصماء –: (1/319) ورواه عن جابر – رضي الله تعالى عنه – أحمد في المسند: (3/349،344،331،327،322،298،297،293) ومسلم في كتاب اللباس والزينة – باب النهي عن اشتمال الصماء، والاختباء في ثوب واحد، وباب في منع الاستلقاء على الظهر، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى –: (3/1661) ، وأبو داود في المكان المتقدم، والترمذي في كتاب الأدب – باب ما جاء في كراهية وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقياً –: (8/13) ، والنسائي في كتاب الزينة – باب النهي عن الاختباء في ثوب واحد –: (8/186) ، ومالك في كتابة صفة النبي – صلى الله عليه وسلم – باب النهي عن الأكل بالشمال –: (2/299) ، ورواه عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – ابن ماجه في المكان المتقدم وهو صحيح ورجاله ثقات كما في الزوائد، وقد أشار الترمذي إلى هذه الرواية وغيرها فقال في: (6/73) : وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وأبي سعيد الخدري وأبي أمامة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

". ... قال أهل اللغة: المراد باشتمال الصماء هو: أن يجلل المكلف جسده بالثوب لا يرفعه منه جانباً، ولا يبقي ما يخرج منه يده، قال ابن قتيبة: سُميت صماء لأنه يسد المنافذ كلها، فتصير كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق، ولا صدع، فالكراهية في هذه الحالة، لئلا يعرض له حاجة من دفع بعض الهوام ونحوها، أو غير ذلك، فيعسر عليه إخراج يده، أو يتعذر عليه ذلك، فليحقه الضرر. ... وأما الفقهاء فقالوا: المراد من اشتمال الصماء هو: أن يلتحف المكلف بثوب ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على أحد منكبيه، فيتعرض فرجه للانكشاف، وعليه فكراهية ذلك لئلا يؤدي إلى انكشاف العورة، فيرتكب السيئات، وتبطل الصلوات (¬1) . وهذا المعنى أوفق بسياق الحديث الشريف، وبمقصود الشارع من تفسير اللغويين، لأن ذلك اللباس الذي ذكروه في تفسير اشتمال الصماء لا يكاد يلبسه أحد، فهو مما فطر الله العباد على التنزه عنه والابتعاد، أما على تفسير الفقهاء اشتمال الصماء، فهو عدا عن مشاهدته من كثير من السفهاء والأغبياء، فمقصود الشارع يتعلق به بلا امتراء، فستر العورات من صميم مسائل الحياء، وكشفها يؤدي إلى حلول سخط رب الأرض والسماء، ورضي الله عن إمام الفقهاء، وشيخ المحدثين الأتقياء، الإمام البخاري عندما أورد هذا الحديث في كتاب الصلاة – وبوب عليه باباً يشير به إلى اختياره لتفسير الفقهاء لحديث اشتمال الصماء، فقال: باب ما يسير العورة، مشيراً بذلك إلى أن اشتمال الصماء لا يحقق ستر العورة، ويؤدي إلى بطلان الصلاة. ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري: (1/477) ، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم –: (14/76) ، وغريب الحديث لأبي عبيد: (2/118) وفيه: الفقهاء أعلم بالتأويل في هذا، ولسان العرب: (15/239) "صمم" والفائق في غريب الحديث: (2/314-315) .

.. وعلى كون المراد من التأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وهو عين موجود خارج الأذهان فلا يعلم تأويل صفات الرحمن – جل جلاله – إلا هو – لأن المراد من التأويل الحقيقة التي يتصف الرب بها، وهي مما انفرد الله – جل وعلا – بعلمها، فالصفات معلومة، وكيفياتها لنا مجهولة، وعليه فيكون الوقف على لفظ الجلالة في الآية السابقة "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ " وهو قول جمهور سلف الأمة وخلفها، وممن أثر عنه ذلك أبي بن كعب وابن مسعود، وابن عباس في رواية عنه – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وهذا بهذا الاعتبار حق صحيح، كما أن القول المتقدم حق صحيح على ذلك الاعتبار، فتنبه لهذا، وإياك والانحراف عن طريق الأخيار (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تفصيل الكلام على الوقف في أية آل عمران في منار الهدى في الوقف والابتداء: (70) والمقصد لتلخيص ما في المرشد في الوقف والابتداء، مطبوع في حاشية منار الهدى، وزاد المسير: (1/354) والدر المنثور: (2/6-7) ، والإتقان: (3/5-14) والجامع لأحكام القرآن: (4/16-19) ، وجامع البيان: (3/122) ، وروضة الناظر: (67-68.)

قال الإمام عباس – رضي الله تعالى عنهما –: تفسير القرآن على أربعة أوجه، تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله – عز وجل – فمن ادعى علمه فهو كاذب (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر اثر ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – في تفسير الطبري: (1/26) ، ورواه عنه عبد الرزاق في تفسيره كما في مجموع الفتاوى: (5/37) ، والبرهان في علوم القرآن: (2/164) ، والإتقان: (4/217) وق مال الطبري إلى تفسير الوجه الذي لا يعذر أحد بجهالته بمسائل الحلال والحرام، والمعنى من تأويله مالا يجوز الجهل به، وخالفه في هذا الفهم الزركشي وتبعه السيوطي فقالا: مالا يعذر أحد بجهله هو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد، وكل لفظ أفاد معنى واحداً جلياً يعلم أنه مراد الله – جل وعلا – فهذا القسم لا يلتبس تأويله 10هـ وما ذكراه مع كونه محتملا ً، فقول الطبري أقوى وأوجه، لاسيما وقد ورد في رواية عن الرزاق التي نقلها الزركسي: وقسم لا يعذر أحد بجهالته، يقول: من الحلال والحرام، ومعلوم أنه ليس كل أحد يظهر له معرفة الحلال والحرام اللذين دلت عليهما نصوص القرآن، بمجرد قراءته كلام الرحمن. والله تعالى أعلم.

هذا كما قال الله – جل وعلا – في حق المتهجدين القانتين: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} السجدة17، وكذلك علم وقت الساعة، ونحو ذلك، فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله – عز وجل – وإن كنا نفهم معاني ما خوطبنا به، ونفهم من الكلام ما قصد إفهامنا إياه (¬1) . ... قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – وصفوة كلام أهل السنة الكرام في الوقف على آية آل عمران أن من فهم من التأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وعين ما هو موجود خارج اللفظ والأذهان، حتم الوقف على لفظ الجلالة، لأن التأويل لا يعلمه أحد من الخلق في هذه الحالة. ... وأما من فهم منه تفسير اللفظ، وفهم معناه، قال بعطف الراسخين في العلم على لفظ الجلالة، لأن التأويل معلوم للمكلفين في هذه الحالة. ... فكل من القولين يكمل أحدهما الآخر، ولا تعارض بينهما ولا تنافر، كما قرر ذلك حبر الأمة – رضي الله تعالى عنه – فيما أخبر به عن أقسام تفسير كلام الله – جل وعلا –. ... ونظير هذه المسألة تماماً ما نقل عن أهل السنة الكرام في تفسير القرآن بالرأي، إذ أجاز بعضهم ذلك واستحسنه، ذمه بعضهم وحرمه، ولا خلاف في الحقيقة بين القولين على الإطلاق إنما اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات، فمن المسلمات أن التفسير بالرأي قسمان: محمود جائز: وهو ما وافق قواعد اللغة، ونصوص الشرع المطهر. ومذموم محرم: وهو ما خرج عنهما، وانخرم فيه أحدهما. ¬

_ (¬1) انظر أقسام التأويل المتقدمة مع تصرف في نقلها في الرسالة التدمرية: (59-61) وهي ضمن مجموع الفتاوى: (/55-58) ، والرسالة الحموية: (245-246) ، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (5/35-37) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (1/14-20، 201-280، 5/233-237، 380-384) وانظر ذلك التقسيم في شرح الطحاوية: (162-164) ومجموع الفتاوى: (17/400-401) ، ومختصر الصواعق المرسلة: (1/10-14) .

.. فمن منع التفسير بالرأي أراد الثاني، ومن أجاز أراد الأول وليس هذا باختلاف، فافهم هذا وكن من أهل العدل والإنصاف (¬1) . ومما ينبغي فهمه فهماً جيداً أن آية آل عمران يتقابل فيها التشابه والإحكام، حيث قسم ربنا الرحمن آيات القرآن إلى قسمين، محكم، ومتشابه، وقد وردت آيات كريمات وصف بها ربنا كتابه بأنه محكم كله، وبأنه متشابه كله، وهذا هو الإحكام العام، والتشابه العام، وهذان الوصفات يجتمعان ولا يفترقان، وإليك تفصيل الكلام في ذلك يا طالب الهدى والعرفان: ¬

_ (¬1) انظر تفصيل ذلك في مقدمة تفسير ابن عطية مطبوع ضمن "مقدمتان في علوم القرآ" 262 باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن، والجرأة عليه، ومراتب المفسرين، وانظر الجامع في أحكام القرآن: (1/32) ، ومجموع الفتاوى: (13/171) ، وتفسير ابن كثير: (1/5) ودقائق التفسير: (1/67-83) وروح المعاني: (1/7) ، والمقدمة الأولى من "مقدمتان في علوم القرآن": (183-206) – الفصل الثامن – والبرهان في علوم القرآن: () 2/161-164، وبستان العارفين: (360-361) ، والموافقات: (3/421-424) وفيه: أعمال الرأي في القرآن جاء ذمه، وجاء أيضاً ما يقتضي أعماله.. والقول فيه: أن الرأي ضربان، أحدهما جاء على موافقة كلام العرب، وموافقة الكتاب والسنة، فهذا لا يمكن إهمال مثله لعالم بهما لأمور ... إلخ ونقله عنه القاسمي في محاسن التأويل: (1/164-167) فصل فيما جاء من إعمال الرأي في القرآن الكريم،،ووافقه، وانظر الجواهر الحسان: (1/11-14) وغرائب القرآن: (1/57-59) ، ومفاتيح السعادة: (2/285-288) ومناهل العرفان: (2/54-59) والمغني في التفسير لعبد الجبار: (16/362-378) ، والحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن: (243-245) ، ومفاتيح الغيب: (7/179) في آداب حملة القرآن: (87-88) ، والإكسير في علم التفسير: (3/16) وإحياء علوم الدين: (1/297-298) ، وجامع الأصول: (2/4-6) .

أولا ً: التشابه الخاص، والإحكام الخاص كما دلت على ذلك آية آل عمران حيث قسم فيها ربنا آيات القرآن إلى قسمين متقابلين محكم ومتشابه، وأبرز ما قيل في تحديد كل منهما: أ) المحكم ما عرف المراد منه، وأمكن العلم به سواء كان ذلك بدليل جلي أو بدليل خفي ويقابله المتشابه، وهو ما لا سبيل للعباد على معرفته، لأن الله – جل وعلا – استأثر بعلمه وذلك كالعلم بوقت الساعة مثلا ً، قالوا في قوله "والراسخون" استئنافية، والوقف لازم على لفظ الجلالة، والراسخون في العلم لا يعلمون المتشابه.

ب) المحكم ما احتمل وجهاً واحداً فقط، والمتشابه ما احتمل أوجهاً، فقول الله – جل وعلا –: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} محمد19 محكم، وقوله – تبارك وتعالى –: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر9 متشابه لأن لفظ "إنا" و "نحن" يتكلم بهما الواحد الذي له شركاء في الفعل، ويتكلم بهما الواحد العظيم الذي له صفات تقوم كل صفة مقام واحد، وله أعوان تابعون لأمره، لا شركاء له، فإذا تمسك النصراني بذنيك اللفظين على تعدد الآلهة، كان المحكم الآية المتقدمة: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} محمد19ونحوها كقوله – جل وعلا –: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} البقرة163 فهو لا يحتمل إلا معنى واحداً يزيل ما في لفظي "إنا" و "نحن" من الاشتباه، ويبين أن ذكر صيغة الجمع فيهما للدلالة على ما يستحقه من العظمة والكبرياء، وما له من الصفات والأسماء، وطاعة الملائكة، وانقياد المخلوقات، قال الإمام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: التشابه الخاص هو مشابهة الشيء لغيره من وجه، مع مخالفته له من وجه آخر، بحيث يشتبه على بعض الناس أنه هو، أو هو مثله، وليس كذلك، والإحكام هو الفصل بينهما، بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر، وهذا التشابه إنما يكون بقدر مشترك بين الشيئين مع وجود الفاصل بينهما، ثم من الناس لا يهتدي للفصل بينهما فيكون مشتبهاً عليه، ومنهم من يهتدي إلى ذلك، فالتشابه الذي لا يتميز معه قد يكون من الأمور النسبية الإضافية، بحيث يشتبه على بعض الناس دون البعض، ومثل هذا يعرف منه أهل العلم ما يزيل عنهم هذا الاشتباه، كما إذا اشتبه على بعض الناس ما وعدوا به في الآخرة بما يشهدونه في الدنيا فظن أنه مثله، فعلم العلماء أنه ليس مثله، وإن كان مشبهاً له من بعض الوجوه.

ومن هذا الشبه التي يضل بها بعض الناس، وهي ما يشتبه فيها الحق بالباطل، حتى تشتبه على بعض الناس، ومن أوتي العلم بالفصل بين هذا وهذا لم يشتبه عليه الحق بالباطل والقياس الفاسد إنما هو من باب الشبهات، لأنه تشبيه للشيء في بعض الأمور بما لا يشبه فيه فمن عرف الفصل بين الشيئين اهتدى للفرق الذي يزول به الاشتباه، والقياس الفاسد، وما من شيئين إلا ويجتمعان في شيءٍ ويفترقان في شيءٍ، فبينهما اشتباه من وجه، وافتراق من وجه، ولهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه، والقياس الفاسد لا ينضبط، كما قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى –: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس، فالتأويل في الأدلة السمعية والقياس في الأدلة العقلية، وهو كما قال: والتأويل الخطأ إنما يكون في الألفاظ المتشابهة، والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة 10هـ وعلى هذا القول فالتشابه يخفي علمه على غير الراسخين في العلم، والواو في قوله "والراسخون في العلم" عاطفة.

ثانيا ً: الإحكام العام، والتشابه العام: كما في قوله – جل وعلا – في مطلع سورة هود: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} هود1 فأخبر أنه أحكمت آياته كلها، وقال – جل وعلا –: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الزمر23 فأخبر أنه كله متشابه، قال الإمام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية – إحكام الكلام وإتقانه، بتميز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغي في أوامره، والقرآن كله محكم بمعنى الإتقان، فقد سماه اله حكيماً بقوله: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} يونس1 فالحكيم بمعنى الحاكم، كما جعله يقص بقوله – جل وعلا –: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} النمل76 وجعله هادياً مبشراً في قوله – جل جلاله –: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} الإسراء9.

.. وأما التشابه الذي يعمه فهو ضد الاختلاف المنفي عنه في قوله – جل وعلا –: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} النساء82 فالتشابه هنا هو تماثل الكلام وتناسبه بحيث يصدق من بعضه بعضاً، فإذا أمر بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر، بل يأمر به، أو بنظيره، أو بملزوماته، وإذا نهى عن شيءٍ لم يأمر به في موضع آخر بل ينهي عنه، أو عن نظيره (¬1) ، بثبوت شيءٍ أو ينفي لوازمه، بخلاف القول المختلف الذي ينقض بعضه بعضاً، فيثبت الشيء تارة، وينفيه أخرى، أو يأمر به وينهي عنه في وقت واحد، ويفرق بين المتماثلين، فيمدح أحدهما ويذم الآخر، فالأقوال المختلفة هنا: هي المتضادة والمتشابهة هي المتوافقة، وهذا التشابه يكون في المعاني، وإن اختلفت الألفاظ، فإذا كانت المعاني يوافق بعضها بعضاً، ويعضد بعضها بعضهاً، ويناسب بعضها بعضاً، ويشهد بعضها لبعض، ويقتضي بعضها بعضاً كان الكلام متشابهاً، بخلاف الكلام الذي يضاد بعضه بعضاً. ... فهذا التشابه العام لا ينفي الإحكام العام، بل هو مصدق له، فإن الكلام المحكم المتقن يصدق بعضه بعضاً، ولا يناقض بعضه بعضاً 10هـ (¬2) . ¬

_ (¬1) في الكلام سقط، هاكه: أو عن ملزوماته إذا لم يكن هناك نسخ، وكذلك إذا أخبر.... (¬2) انظر كلام شيخ الإسلام في الرسالة التدمرية: (64-68) ، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/60-64) وانظر تفصيل الكلام على حكم التشابه والإحكام بنوعيهما الخاص والعام في الإتقان: (3/4) والبرهان: (../68-70) ، وروضة الناظر: (66-68) ، ومباحث في علوم القرآن للشيخ القطان: (214-216) ، ومباحث في علوم القرآن للأستاذ صبحي الصالح: (281-285) ومناهل العرفان: (2/272-275) ، ودفع إيهام الاضطراب: (47-48) وانظر دفع جواز المجاز: (47-48) ، ومفاتيح الغيب: (7/170-171، وتاريخ التشريع: (148-150.

.. وصفوة الكلام أن التشابه العام، والإحكام العالم، يجتمعان ولا يتقابلان في القرآن الكريم محكم في تشابهه، ومتشابه في محكمه، والمراد من الإحكام والتشابه معناه اللغوي، وأما التشابه الخاص، والإحكام الخاص فهما يتقابلان، ولا يجتمعان، فبعض القرآن محكم، وبعضه متشابه والمراد من الإحكام والتشابه معناه الاصطلاحي الشرعي، فاعلم هذا فعلم المرء ينفعه. التنبيه الثاني: المراد من نفي الكيفية عن صفات رب البرية نفي كيفية معلومة لنا، فنحن لا نعلمها، ولها كيفية يتصف بها ربنا – جل وعلا – ويعلمها قطعاً، فقول السلف الكرام ك الكيف غير معقول، وقولهم: أمروها كما جاءت بلا كيف، يراد بمنه نفي علمنا بالكيفية، لا نفي حقيقة الصفة، كما يليق بالله – جل جلاله – ولا نفي علمنا بمعناها، كما تقدم. ... وقد نبتت فرقة من الزائغة ادعت الانتساب إلى السلف الكرام، وحملت لفظ التأويل في آية آل عمران على المعنى الاصطلاحي الأول وهو: صرف اللفظ من الاحتمال الراجح إلى المرجوح، واعتقدوا وجوب الوقف على لفظ الجلالة في آية آل عمران، ورتبوا على ذلك القول بأن لنصوص صفات رب الأرض والسموات معاني تخالف مدلولها المفهوم منها، ولا يعلم تلك المعاني إلا الله – جل جلاله – وهؤلاء هم أهل التضليل، والأوهام والتجهيل، لأن حقيقة قولهم: إن الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – وأتباعهم الأتقياء، جاهلون ضالون، لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من نصوص الصفات. وقد انقسم أهل هذه المقالة الباطلة إلى قسمين: 1- منهم من قال: تُجرى على ظاهرها، وعليه تحمل، ولها تأويل يخالف ظاهرها، لا يعلمه إلا الله – تبارك وتعالى – هذا تناقض واضح، حيث أثبتوا لها تأويلا ً يخالف ظاهرها ومع هذا قالوا: إنها تحمل على ظاهرها. 2- وقال بعضهم: المراد من نصوص الصفات خلاف مدلولها الظاهر وخلاف المفهوم منها ولا يعلم أحد ذلك المراد إلا رب العباد – جل جلاله – وهذا القول مردود لوجوه أبرزها:

أ) أن الله – جل وعلا – أمرنا بتدبر كتابه الكريم، فقال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} ص29، وقال – جل وعلا –: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ} المؤمنون68، وقال – عز وجل –: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} النساء82، وقال – جل وعز –: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} محمد24 فأمر الله الكريم بتدبر كلامه العظيم، دون استثناء شيء منه، معلوم أن التدبر لا يتم إلا بعد فهم معنى الكلام ومعرفة المراد منه، وذلك شامل لنصوص الصفات، ولذلك قال سلفنا الكرام: الاستواء معلوم، ومعرفة معنى اللفظ غير معرفة حقيقة ذلك المعنى وكيفيته، فذلك مما استأثر الله بعلمه، ولذلك قال سلفنا الأبرار: والكيف مجهول، فافهم هذا تحظ بالسلامة والكرامة. ب) إن ذلك القول مع بطلانه متناقض أيضاً، لأنا إذا لم نفهم من نصوص الصفات شيئاً لم يجز لنا، ولا يصح منا، أن نقول: لها تأويل يخالف ظاهرها، ولا يوافقه، لإمكان أن يكون لها معنى صحيح، وذلك المعنى الصحيح لا يخالف الظاهر المعلوم لنا، فإنه لا ظاهر له على قولهم، فلا تكون دلالته على ذلك المعنى دلالة على خلاف الظاهر فلا يكون تأويلا ً.

ولا يجوز نفي دلالته على معان لا نعرفها على هذا التقدير، لأن المعاني التي دلت عليها نصوص الصفات لا نعرفها على حسب قولهم، وإذا لم نفهم اللفظ ومدلوله فلأن لا نعرف المعاني التي لم يدل عليها اللفظ أولى، لأن إشعار اللفظ بما يراد به أقوى من إشعاره بما لا يراد به، فإذا كان اللفظ لا إشعار له بمعنى من المعاني ولا يفهم منه معنى أصلاً لم يكن مشعراً بما أريد به، فلأن لا يكون مشعراً بما لم يرد به أولى. وإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز أن يقال: إن هذا اللفظ متأول بمعنى أنه مصروف عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، فضلا ً عن أن يقال: إن تأويل هذا لا يعلمه إلا الله – جل وعلا –. وخلاصه القول: من ادعى أن المراد من ظاهر نصوص الصفات إجراؤها على مجرد ما ظهر من ألفاظها من غير فهم لمعناها، كان إبطاله للتأويل، أو إثباته تناقضاً، لأن من أثبت تأويلا ً، أو نفاه فقط فهم معنى من المعاني (¬1) . والله – جل وعلا – أعلم. التنبيه الثالث: إن قال قائل: إذا نفيتم علمكم بكيفية صفات ربكم، وقلتم: لا يعلم حقيقة تلك الصفات إلا رب الأرض والسموات، وفندتم قول الذين أجروا نصوص الصفات على ظواهرها، وادعوا وجود تأويل يخالفها، لا يعلمه إلا المتصف بها، كما فندتم قول الذين قالوا: إن ظواهر نصوص الصفات غير مراد، ولا يعلمه إلا رب العباد – جل وعلا – فخبرونا ماذا تقولون أنتم في نصوص صفات ربكم، هل ظاهرها مراد أم لا؟ ¬

_ (¬1) انظر إيضاح ما تقدم في الرسالة التدمرية: (71/72) وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/67-38) والرسالة الحموية: (245-249) ، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (5/41،35) وانظر درء تعارض العقل والنقل: (1/14-14، 201-206) ، والتحفة المهدية: (1/206-209) ، وشرح حديث النزول: (113) وهو ضمن مجموع الفتاوى: (5/476-477) .

والجواب: - حفظنا الله جميعاً من الزيغ والارتياب –: أن لفظ الظاهر صار فيه إجمال واشتراك، وحصل تنازع في تحديد المراد منه، بعد زهور البدع، وانتشار الأهواء، فلابد من تفصيل الكلام في ذلك، ليتبين المحق من الهالك، وينحصر بيان هذه المسألة في أمرين لا ثالث لهما، هاك بيانهما: 1- المراد من لفظ الظاهر في صفات الرب القادر عند السلف الكرام: المعنى اللائق بكمال الرحمن – جل وعلا وذلك مراد قطعاً. 2- زعم علماء الكلام، الذين ساء ظنهم بذي الجلال والإكرام، أن ظواهر نصوص صفات الرحمن يفهم منها ما هو معروف في الإنسان، وبناء على تفسير الظاهر بذلك البهتان، يقول أهل السنة المرام: إن ذلك الظاهر غير مراد قطعاً، ومع ذلك فلا يقرون أهل الكلام، على تسمية ذلك البهتان، بأنه هو الظاهر من صفات ذي الجلال والإكرام، بل يحكمون على تفسيرهم بأنه من قبيل الهذيان، وهو بلا مرية من وساوس الشيطان، فتعالى ثم تعالى ربنا الرحمن أن يفهم من ظاهر كلامه: الضلال والكفران وكيف يعقل لو كان ذلك الكفر هو الظاهر من صفات رب العباد، أن لا يبين الله – جل وعلا – المراد، ليأمن، المكلفون من الانحراف عن سبيل الرشاد.

قال شيخنا الكريم محمد الأمين – عليه رحمة رب العالمين –: أليس الظاهر المتبادر مخالفة الخالق للمخلوق في الذات، والصفات، والأفعال؟ والجواب الذي لا جواب غيره: بلى وهل تشابهت صفات الله – جل وعلا – مع صفات خلقه حتى يقال: إن اللفظ الدال على صفته – تبارك وتعالى – ظاهره المتبادر منه تشبيهه بصفة الخلق؟ والجواب الذي لا جواب غيره: لا فبأي وجه يتصور عاقل أن لفظاً أنزله الله – جل وعلا – في كتابه، دالا ً على صفة من صفات الله – عز وجل – أثنى بها على نفسه يكون ظاهره المتبادر منه مشابهته لصفة الخلق؟ سبحانك هذا بهتان عظيم، فالخالق والمخلوق متخالفان كل التخالف، وصفاتهما متخالفة كل التخالف، فبأي وجه يعقل دخول صفة المخلوق في اللفظ الدال على صفة الخالق؟ أو دخول صفة الخالق في اللفظ الدال على صفة المخلوق، مع كمال المنافاة بين الخالق والمخلوق؟ فكل لفظ دل على صفة الخالق ظاهره المتبادر منه أن يكون لائقاً بالخالق منزهاً عن مشابهة المخلوق، وكذلك اللفظ الدال على صفة المخلوق لا يعقل أن يدخل فيه صفة الخالق. ... فإن قيل: إن هذا القرآن نزل بلسان عربي مبين، والعرب لا تعرف في لغتها كيفية لصفات الله – عز وجل – إلا المعاني المعروفة عندها، فبينوا لنا كيفية ملائمة الصفات لما ذكرتم. ... الجواب: أن العرب لا تدرك كيفيات صفات الله – تبارك وتعالى – من لغتها، لشدة منافاة صفة الله الجليل، لصفة الخلق، فلا تعرف العرب لصفات الله – جل وعز – كيفية، ولا حداً لمخالفة صفاته لصفات الخلق، إلا أنهم يعرفون من لغتهم أصل المعنى، كما قال الإمام مالك وغيره من السلف الكرام – عليهم رحمة الرحيم الرحمن –: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

وقال الإمام الألوسي – عليه رحمة الله تعالى –: كون الرحمة في اللغة: رقة القلب، إنما هو فينا، وهذا لا يستلزم التجوز عند إثباتها لله – جل وعلا – لأنها حينئذ صفة لائقة بكمال ذاته، كسائر صفاته، ومعاذ الله – تبارك وتعالى – أن تقاس صفاته بصفات المخلوقين، وأين التراب من رب الأرباب (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم في الرسالة: (47) وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/43) ، والتحفة المهدية: (1/120-121) ودرء تعارض العقل والنقل: (5/233-235) ، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: (7/444-451) ، وروح المعاني: (1/60) ، وانظر المباينة بين صفات الخالق والمخلوق في مجموع الفتاوى: (12/264-265) .

5- التعطيل في اللغة: الإخلاء والتفريغ، تقول العرب: إبل معطلة: إذا خُلِيَتْ فلا راعي لها وعطل الدار: إذا أخلاها، وعُطِلتْ الفلات والمزارع: إذا تركت فلم تعصر، ولم تحرث، وتَعَطَّلَ الرجل: إذا صار فارغاً لا عمل له، والاسم: العُطْلَة، وتعطيل الحدود: تركها وعدم إقامتها على من وجبت عليه، وكل ما ترك ضياعاً فهو مَعْطَلٌ ومُعَطَّلٌ، قال الله – جل وعلا –: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} الحج45 أي: بئر متروكة لا يسقى منها، ولا ينتفع بمائها، مخلاة لا يردها أحد، لبيود أهلها وموتهم، وفي حديث ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: قيل لنبي – صلى الله عليه وسلم –: إن ميسرة المسجد تعطلت، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "من عَمّرّ ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر (¬1) " أي: خليت ميسرة المسجد، وتركت الصلاة فيها رغبة في الصلاة في ميمنة المسجد. ... والمراد من التعطيل في علم التوحيد: إنكار ما يجب لله – جل وعلا – من الأسماء والصفات كلا ً أو بعضاً، فالمُعطِل يفرغ الرب – تبارك وتعالى – من صفاته التي يتصف بها، ويخليه منها ويجرده عنها. ¬

_ (¬1) انظر لسان العرب: (13/481) "عطل"، والحديث أخرجه ابن ماجه في سننه – كتاب إقامة الصلاة – باب فضل ميمنة الصف –: (1/321) قال في الزوائد: في إسناده ليث بن أبي سليم: ضعيف، وفي التقريب: (2/138) صدوق اختلط أخيراً، ولم يتميز حديثه فترك 1هـ وللحديث شاهد عند الطبراني في الكبير كما في جمع الجوامع: (1/802) ، ومجمع الزوائد: (2/94) قال الهيثمي: وفيه بقية، وهو مدلس وقد عنعنه، ولكنه ثقة.

.. وهذه المقالة الخبيثة تقابل مقالة التشبيه والتمثيل، لكنها أخطر منها وأشنع، وانتشارها في الناس أعظم وأفظع، فمتكلموا هذه المقالة لم يثبتوا إلهاً محموداً بل ولا رباً موجوداً، فهم يعبدون عدماً، كما أن الممثل يعبد صنماً، ولذلك كانت عناية الكتب الإلهية بالرد على هذه المقالة الردية أكثر من عنايتها بالرد على مقالة التمثيل الغبية كما قرر هذا الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية (¬1) . ... ونقل الإمام الذهبي عن الإمام ابن عبد البر – عليهم رحمة الله تعالى – كلاماً في منتهى الإحكام والمتانة، هاك بيانه: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك، وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكروها، ولا يحمل شيئاً منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقر بها نافون للمعبود 10هـ وعقب الإمام الذهبي على كلام الإمام ابن عبد البر بقوله: قلت: صدق الله، إن من تأول سائر الصفات، وحمل ما ورد منها على مجاز الكلام، أداه ذلك السلف إلى تعطيل الرب، وأنه يشابه المعدوم، كما نقل عن حماد بن زيد أنه قال: مثل الجهمية كقوم قالوا: في دارنا نخلة، قيل: لها سعف؟ قالوا: لا، قيل: لها كرب؟ قالوا: لا، قيل: لها رطب وقنو؟ قالوا: لا، قيل: فلها ساق؟ قالوا: لا، قيل فما في داركم نخلة. ¬

_ (¬1) انظر درء تعارض العقل والنقل: (6/348،305) ، ومجموع الفتاوى: (6/515، 5/236،172) ، وفيه: كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفة معطلة، لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله – تبارك وتعالى – وأن كانوا يعلمون أن قولهم مستلزم للتعطيل، بل يصفونه بالوصفين المتناقضين، فيقولون: هو موجود قديم، ثم ينفون لوازم وجوده، فيكون حقيقة قولهم: موجود ليس بموجود، حق ليس بحق، خالق ليس بخالق.

.. قال الإمام الذهبي: قلت كذلك هؤلاء النفاة، قالوا: إلهنا الله – تبارك وتعالى – وهو لا في زمان، ولا في مكان، ولا يرى، ولا يسمع، ولا يبصر، ولا يتكلم، ولا يرضى، ولا يغضب، ولا يريد، ولا، ولا، وقالوا: سبحان المنزه عن الصفات، بل نقول: سبحان الله العظيم السميع البصير المريد، الذي كلم موسى تكليماً، واتخذ إبراهيم خليلا ً، ويُرى في الآخرة. ... المتصف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسله – عليهم الصلاة والسلام – والمنزه عن سمات المخلوقين وعن جحد الجاحدين، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر كتاب العلو للعي الغفار: (182) ، والسعف بفتحتين: غصن النخلة، وكرب النخل: أصول السعف الغلاظ العراض التي تيبس فتصير مثل الكتف واحدتها كربة، والقِنو: العذق وهو من النخل كالعنقود من العنب، انظر لسان العرب، ومختار الصحاح، وانظر نحو ما نقله الذهبي وعقب عليه بما عقب في العلو أيضاً: (107) حيث نقل عن حماد بن زيد أيضاً أنه قال: هذه السلوب نعوت المعدوم، تعالى الله – جل جلاله – عن العدم، بل هو موجود متميز عن خلقه، موصوف بما وصف به نفسه، من أنه فوق العرش بلا كيف، وانظر مجموع الفتاوى: (5/112،110) ففيه تسمية الجهمية لمن أثبت شيئاً من الصفات متشبهاً.

6- الإلحاد، معناه في اللغة: الميل والعدول عن القصد، ومنه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – "اللحد لنا، والشق لغيرنا" واللحد هو الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت لأنه قد أميل عن وسط إلى جانبه (¬1) ، ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه النسائي في كتاب الجنائز – باب اللحد والشق –: (4/66) ، وأبو داود في كتاب الجنائز – باب في اللحد –: (3/544) ، وابن ماجه في الجنائز – باب ما جاء في استحباب اللحد: (1/496) والترمذي في الجنائز – باب ما جاء في قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "اللحد لنا والشق لغيرنا": (3/421) ، والبغوي في شرح السنة – كتاب الجنائز – باب اللحد –: (5/389-390) ، والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الجنائز – باب السنة في اللحد –: (3/408) والطحاوي في شرح مشكل الآثار: (4/48،44) كلهم من رواية ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وزاد ابن ماجه، والبغوي، والبهقي، والطحاوي رواية الحديث أيضاً عن جرير، وأشار الترمذي إلى رواية الحديث عن جرير وغير فقال: وفي الباب عن جرير بن عبد الله، وعائشة، وابن عمر، وجابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ورواية جرير رواها أحمد في المسند: (4/363،359،357) والحميدي في مسنده: (2/353) رقم 808، والطيالسي في مسنده – منحة المعبود –: (1/168) وابن سعد في الطبقات: (2/294) ، وعبد الرزاق في المصنف: (3/477) . والحديث نص الترمذي على تحسينه، فقال: حديث ابن عباس حسن غريب من هذا الوجه، وكذلك الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على شرح السنة: (5/390) والشيخ عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (11/144) ، وذكر الشيخ الألباني في أحكام الجنائز: (145) أن طرق حديث جرير يقوي بعضها بعضاً، وإذا ضمت إلى حديث ابن عباس شدت من عضده، وارتقى إلى درجة الحسن، بل الصحيح 1هـ. واعلم أن اللحد في القبور أفضل من الشق، والشق جائز لجريان العمل عليهما في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في شرح مشكل الآثار –: (4/48) ، ونيل الأوطار: (4/91) ، وفتح الباري: (3/218) والنظر تفصيل الكلام على معنى اللحد في تهذيب اللغة: (4/421-422) ، ولسان العرب: (4/393) "لحد" والمفردات: (448) – كتاب اللام –، وإصلاح المنطق: (9) ، ومجاز القرآن: (1/233) ، وشرح السنة للبغوي: (5/388) ، وصحيح البخاري: (3/212) بشرح ابن حجر – كتاب الجنائز – باب من يقدم في اللحد – وسمي لحداَ لأنه في ناحية وكل جائز ملحد.

وفي سورة النحل يقول ربنا – جل جلاله –: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} النحل103 أي لغة الذي يميلون إليه، ويدعون أنه يعلمه أعجمي، فكيف يعقل صدور هذا الكلام العربي المعجز منه، روى الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أنه قال في قوله – عز وجل –: " إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ " قالوا: إنما يعلم محمداً عبد بن الحضرمي وهو صاحب الكتب، فقال الله – جل وعلا –: " لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المستدرك: (2/357) كتاب التفسير، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه وأقره الذهبي، ورواه البيهقي في شعب الإيمان كما في الدر المنثور: (4/131) والأثر رواه ابن جرير في تفسيره: (14/120) عن مجاهد مرسلا ً، وعنه رواه أيضاً آدم بن أبي إياس، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في شعب الإيمان كما في الدر: (4/131) ، وورد في تفسير ابن جرير: (14/119) تسمية العبد بخبر، وأنه غلام نصراني رومي عن ابن إسحاق أنه بلغه وعن ابن جريح عن عبد الله بن كثير، وورد فيه أيضاً تسميته بيعيش عن قتادة، وعكرمة، ولعل اسمه جبر، ولقبه يعيش وعلى ذلك تتنزل رواية ابن أبي حاتم أيضاً وهي في الدر: (4/131) أنه كان مقيس وفي الإصابة: (1/222) مخنس فلعله لقب آخر له، وهو لقب لعبد آخر كان معه وهو يسار ففي تفسير ابن جرير: (14/120) وتفسير ابن أبي حاتم كما في لباب النقول: (135) ، والإصابة: (1/222) ، وأسماء الصحابة للبغوي كما في الإصابة: (2/447) بسند صحيح عن عبد الله بن مسلم الحضرمي قال: كان لنا عبدان يقال لأحدهما يسار، والآخر يقال له جبر، وكانا صقليين، فكانا يقرآن كتابهما، ويعملان عملهما، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمر بهما فيسمع قراءتهما، فقالوا: إنما يتعلم منهما، فنزلت: " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ " الآية، وورد في رواية الواحدي أنهما كانا نصرانيين من أهل عين التمر، وقد ورد في تفسير ابن أبي حاتم أيضاً كما في الدر: (4/131) عن السدى تكنية أحدهما بأبي اليسر، والذي يظهر للعبد الضعيف: أن اسم أحدهما جبر، والآخر يسار، وبقية الأوصاف ألقاب وكنىً لهما، وقد اتهم المشركون الأغبياء خاتم الأنبياء – عليه وعليهم الصلاة والسلام منا ومن رب الأرض والسماء – بتلقي القرآن الكريم من كل منهما. " كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً " هذا، وقد اتهم الكفار نبينا المختار – صلى الله عليه وسلم – بتلقي كلام العزيز الغفار من غير جبر ويسار ففي تفسير الطبري: (14/119) ، وتفسير ابن أبي حاتم، وابن مردويه كما في الدر المنثور: (4/131) بسند ضعيف عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعلم قيناً – حداداً – بمكة، وكان أعجمي اللسان، وكان اسمه بلعام، فكان المشركون يرون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين يدخل عليه، وحين يخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله – جل وعلا – " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ " الآية. قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – لا مانع من اعتبار جميع ما مضى سبباً لنزول الآية الكريمة، فلما صدرت عنهم تلك الأقوال الأثيمة، أنزل الله العظيم الآية الكريمة، ومن المقرر في كتب علوم القرآن، أن الأسباب قد تتعدد والنازل واحد كما في الإتقان: (1/121-123) وفتح الباري: (8/450) ، وما ورد في تفسير الطبري: (14/120) ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، كما في الدر: (4/131) عن الضحاك في قوله – جل وعلا –: "لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ " قال: كانوا يقولون: إنما يعلمه سليمان الفارسي – رضي الله تعالى عنه – فلابد من تأويله بأن المشركين استمروا على اتهام النبي الأمين – صلى الله عليه وسلم – بتلقي القرآن من الأعجميين، حتى بعد نزل الآية، فقولهم بعد نزول الآية مما يدخل في تفسيرها، وتتضمنه، وتشتمل عليه وليس ذلك سبباً لنزول الآية، لأن إسلام سلمان – رضي الله تعالى عنه – كان بعد الهجرة والآية مكية، والله أعلم..

". ... وفي سورة الحج يقول ربنا – جل وعز –: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} الحج25 والمراد بالإلحاد في الآية الكريمة: أن يميل ويحيد عن دين الله الذي شرعه ويعم ذلك كل ميل وحيدة عن الدين، ويدخل في ذلك دخولاً أولياً: الكفر بالله، والشرك به في الحرم، وفعل شيءٍ مما حرمه، وترك شيءٍ مما أوجبه، فكل مخالفة بترك واجب، أو فعل محرم تدخل في الظلم المذكور (¬1) . ... والمراد من الإلحاد المذموم في الشرع: الانحراف عما يجب اعتقاده، أو عمله وله قسمان: ¬

_ (¬1) كما قرر ذلك شيخنا – عليه رحمة الله تعالى – في أضواء البيان: (5/58-59) ، وقرر زيادة الباء في "بإلحاد" وغيرها في: (4/252-253) ، وكذلك في تفسير الجلالين: (276) ، وكذلك قال النسفي في مدارك التنزيل: (3/269) : "ومن يرد فيه" مراداً عادلاً عن القصد ظالماً، فالإلحاد العدول عن القصد 10هـ وقد ورد التشديد والوعيد على الملحد في حرم الله المجيد ففي صحيح البخاري – كتاب الديات – باب من طلب دم امرئ بغير حق: (12/210) بشرح ابن حجر ورواه البيهقي أيضاً كما في الجامع الكبير: (1/6) عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرئ بغير حق ليريق دمه" وقد قرر شيخنا في الأضواء: (5/64) أن من انتهاك حرمة بيت الله الحرام دخول المصورين لتطوير الطائفين والقائمين، والراكعين والساجدين – حفظنا الله بمنه من الفتن، ووقانا جميع البلايا والمحن، وختم لنا بالحسنى إنه سميع الدعاء.

القسم الأول: إلحاد في أسماء الله الكريمة، وصفاته العظيمة، ولذلك خمسة أنواع، دل على شناعتها، وتهديد المتلبس ببعضها، قول رب الأرض والسماء: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} الأعراف180، وإليك بيان تلك الأنواع: أ) تعطيل أسماء الرب – جل وعلا – عن معانيها، وجحد حقائقها، كقول الجهمية الردية ذوي العقول الآسنة الغبية: إن أسماء الله لا تتضمن صفات، ولا معاني حسنى مباركات، فيطلقون على رب المخلوقات، اسم: السميع، والبصير، والحي، والمتكلم، والمريد، ويقولون: لا سمع له، ولا بصر، ولا حياة، ولا كلام، ولا إرادة تقوم به، وهذا من أعظم الإلحاد وأشنعه في أسماء الله – جل وعلا – شرعاً وعقلا ً، ولغة وفطرة. ب) تشبيه صفات رب الأرض والسموات بصفات المخلوقات – تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً – وإلحاد هؤلاء الضلال، في صفات الكبير المتعال يقابل إلحاد المعطلة أهل الخبال، فأولئك نفوا صفات كماله وجحدوها، وهؤلاء بصفات خلقه مثلوها وشبهوها، وقد حفظ الله الكريم أهل السنة الصادقين، من زيغ الفرقتين، فأثبتوا صفات رب العالمين، ونزهوا الرب عن مشابهة صفاته بصفات المخلوقين، دون تعطيل لها، عن الكمال اللائق بها، فهم وسط في النِحَل، كما أن أهل الإسلام وسط في المِلل، وتوقد مصابيح معارفهم من شجرة مباركة زيتونية، لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء. جـ) اشتقاق أسماء الطواغيت والأنداد من أسماء الله رب العباد – سبحانه وتعالى – كتسمية المشركين اللات من الله، والعزّى من العزيز، ومناة من المنان، وهذا عدول بأسماء ربهم إلى أوثانهم وطواغيتهم.

د) تسمية رب العالمين بما لم يرد في نصوص شرعه الحكيم، كتسمية النصارى الملعونين لله الكريم بالأب، وتسمية الفلاسفة له بأ، هـ عِلّة فاعلة بالطبع، وتسمية الدهريين له بالطبيعة. هـ) وصف الله – تبارك وتعالى – بما يتقدس عنه ويتعالى، كقول أخبث الناس، اليهود الأنجاس إن الله فقير، ويده مغلولة، قال الله – جل وعلا –: {لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} آل عمران181، وقال الله – جل جلاله –: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً} المائدة64. القسم الثاني: إلحاد في آيات الله العظام، ولذلك نوعان وقع فيهما أهل الآثام والأوهام: النوع الأول: إلحاد بعض البرية من ذوي العقول الردية في آيات الله الشرعية وهي: ما أتى به الرسل الكرام – عليهم الصلوات والسلام – من الأخبار والأحكام، عن طريق تحريفها، أو تكذيب أخبارها، أو عصيان أحكامها. النوع الثاني: إلحاد بعض المخلوقات من ذوي العقول المنكوسات في آيات الله الكونيات، وهي: ما خلقه الله، ويخلقه في الأرض والسموات، في جميع الأوقات، عن طريق نسبتها إلى غير فاطرها أو اعتقاد شريك أو معين له فيها (¬1) . سبحانه وتعالى لا إله غيره، ولا رب سواه –. ¬

_ (¬1) انظر تفصيل تلك الأقسام في بدائع الفوائد: (1/169-167) ، ومختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: (2/110-112) ، وفتح رب البرية: (12) ، والإتحافات السنة شرح العقيدة الواسطية: (29-30) .

{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فصلت40. الأدلة المحكمة الحِسان على صحة طريقة أهل السنة الكرام، في إيمانهم بصفات ربهم الرحمن: ... إن الأدلة الدالة على صحة تلك الفرقة الجليلة، في إيمانهم بصفات ربهم الكريمة الجميلة، كثيرة غزيرة، وهي محكمة البيان، ثابتة الأركان، سأقتصر منها على أصلين أصيلين وعلى مثلين مضروبين، ليزول عن القلوب الران والفَيْن، ويتضح الحق لذي عينين، فدونك التفصيل والبيان، وما توفيقي إلا بالرحيم الرحمن: الأصل الأول: الإيمان بالصفات، كالإيمان بالذات: ... وتقرير ذلك الأصل عند أهل العقول الزاكيات، أن الصفات تتبع الموصوفات، فالكلام فيها فرع الكلام في الذات، فهذا هو الذي تقتضيه العقول الصريحات، وتقدم تقرير هذا عن الأئمة الثقات، في أول مبحث طريقة إيمان أهل السنة بالصفات. ... وقد أجمع أهل الإيمان، أن إيماننا بذات الرحمن، يقوم على ثلاثة أركان، إذا انخرم واحد منها خرج الإنسان من دوحة الإيمان، والتحق بزمرة الشيطان، وعبدة الأوثان، وتلك الأركان هي: 1) الثبوت، فلربنا الجليل ذات علية، موجودة خارج الأذهان وجوداً حقيقياً، وليست ذاته – جل وعلا – فكرة وهمية، ولا شطحية خيالة. 2) عدم مشابهة ذات خالق الأرض والسموات، لذوات المخلوقات، فأين التراب من رب الأرباب، وأين المخلوق الحقير من الله العلي الجليل. 3) انتفاء علم المخلوقات بمعرفة كيفية ذات رب البريات، فهو – سبحانه وتعالى – أحد صمد لا والد ولا ولد، ولا يكافئه أحد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ... وبما أن الصفات تقوم تلك الذات، فينبغي أن تعطي تلك الاعتبارات، لأن الصفات تتبع الموصوفات، فيجب القول لزاماً بما يلي:

أ) الصفات ثابتة كثبوت الذات، ولا يعقل وجود ذات متجردة عن الصفات، فالقول بنفي الصفات يلزم منه نفي الذات، ولذلك كان مآل قول المعطلة نفاة الصفات إلى مقالة الفلاسفة نفاة الخالق عن المخلوقات، وإمامهم في ذلك التعطيل فرعون العاتي الحقير وقد صرح بهذه الحقيقة من اطلع على حقيقة المذهبين، مذهب أهل السنة الكرام، ومذهب المعطلة اللئام، قال شيخ الإسلام: كان ابن النفيس المتطبب الفاضل – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – يقول: ليس إلا مذهبان، مذهب أهل الحديث، أو مذهب الفلاسفة (¬1) . ب) تلك الصفات الثابتة لرب الأرض والسموات، لا تماثل صفاتنها ولا تشبهها، كما ذاته كذلك لا تماثل ذواتنا ولا تشبهها. لا ذاتُه تُشْبهها الذواتُ ... ولا حكتْ صفاتهِ الصفاتُ جـ) لا نعلم كيفية تلك الصفات التي يتصف بها رب البريات، كما أننا عاجزون عن معرفة الذات. ¬

_ (¬1) انظر درء تعارض العقل والنقل: (1/203) ، وابن النفيس هو: علي بن أبي الحزم، شيخ صالح، وإمام فاضل، انتهت إليه معرفة الطب مع الذكاء المفرط، والذهن الخارق، توفي سنة سبع وثمانين وستمائة – عليه رحمة الله تعالى –.انظر ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى: (8/305-306) ، والبداية والنهاية: (13/313) ، وشذرات الذهب: (5/401-402) ، عيون الأنبياء في طبقات الأطباء: (2/249) ، والنجوم الزاهرة: (7/377) . وانظر الحكم على المعطلة بما حكم به ابن النفيس في مجموع الفتاوى: (6/51) ، وفيه: إنه متلقى من الفلاسفة، والمشركين البراهمة، واليهود السحرة، وفي: (5/172-173) : فرعون هو إمام النفاة، وانظر تذكرة الحافظ: (1/229) ففيه النقل عن حماد بن زيد – عليه رحمة الله تعالى – قال: إنما يريدون – أي المعطلة – أن يقولوا: ليس في السماء إله، وسند الرواية صحيح ثابت عنه كما في مجموع الفتاوى: (5/52) ، وفيه نقل مثل ذلك عن الإمام عبد الرحمن بن مهدي – عليه رحمة الله تعالى–.

والخلاصة: يجب إثبات الصفات على النحو الذي أثبتت به الذات، وهذا الأمر في منتهى الوضوح والسداد، ولذلك عول عليه أهلُ الرشاد، في إثبات صفات رب العباد – جل وعلا – ودحض مذهب المخالفين من أهل الغباء والعناد، قال الإمام الذهبي – عليه رحمة الله تعالى –: إن نصوص الصفات واضحة، ولو كانت الصفات ترد إلى المجاز، لبطل أن تكون صفات الله – جل وعلا – وإنما الصفة تابعة للموصوف، فهو موجود حقيقة لا مجازاً وصفاته ليست مجازاً، فإذا كان لا مثل له، ولا نظير، لزم أن تكون صفاته لا مثل لها، ولا نظير ونقل عن أبي عمر الطلمنكي – عليه رحمة الله تعالى – أنه قال: لو كانت الأسماء – أي اتفاق الخالق والمخلوقات في مسمى الصفات – توجب اشتباهاً لاشتبهت الأشياء كلها لشمول اسم الشيء لها وعموم تسمية الأشياء به، ثم إننا نسألهم – أي: المعطلة – أتقولون إن الله موجود؟ فإن قالوا نعم، قيل لهم: يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبهاً للموجودين، وإن قالوا: موجود، ولا، ولا يوجب وجوده الاشتباه بينه وبين الموجودات، قلنا: كذلك هو حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم يعني ولا يلزم اشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات 10هـ. وهكذا قال الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية – في الرسالة التدمرية، ونص كلامه: إن الله – جل وعلا – ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله. فإذا كان له – جل وعز – ذات حقيقية لا تماثل الذوات، فالذوات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات. فإذا قال – أي المعطل –: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيته.

قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله، إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له، وتابع له، فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره، وتكليمه، واستوائه ونزوله، وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟ وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر، مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيء، فسمعه وبصره وكلامه، ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر، وهو متصف بصفات الكمال، لا يشابهه فيها سمع المخلوقين، وبصرهم، وكلامهم، ونزولهم، واستوائهم 10هـ وبمثل هذا قرر شيخنا محمد الأمين – عليه رحمة رب العالمين – طريقة أهل السنة المكرمين، وفند أوهام أهل البدع الزائفين، فقال: نقول لمن سأل عن بيان كيفية الصفات: هل عرفت كيفية الذات المقدسة المتصفة بهذه الصفات؟ فلابد أن يقول: لا. فعند ذلك نقول: معرفة كيفية الصفات تتوقف على معرفة كيفية الذات. فالذات والصفات من باب واحد، فكما أن ذاته تخالف جميع الذوات، فإن صفاته تخالف جميع الصفات، ومعلوم أن الصفات تختلف باختلاف موصوفاتها، ألا ترى مثلا ً إلى لفظة "رأس" كلمة واحدة؟ إن أضفتها إلى الإنسان فقلت: رأس الإنسان، وإلى الوادي، قلبت: رأس الوادي، وإلى المال فقلبت: رأس المال، وإلى الجبل قلبت: رأس الجبل، فإن كلمة "الرأس" اختلفت معانيها، وتباينت تبايناً شديداً بحسب اختلاف إضافتها، مع أنها مخلوقة حقيرة، فما بالك بما أضيف من الصفات إلى رب البريات، وما أضيف منها إلى المخلوقات، فإنما تتباين كتباين الخالق والمخلوق، كما لا يخفى (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الأقوال المتقدمة على الترتيب في كتاب العلو للعلي الغفار: (179،175) ، والرسالة التدمرية: (29-30) ، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/25-26) ، وانظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: (7/450-451) ، والتحفة المهدية: (1/66-70) .

ولإمام الأئمة – أثابه الله الجنة – كلام طويل، محكم جميل، في تأييد مذهب البررة المتقين وتفنيد مذهب المعطلة الزائغين، هاك نبذة يسيرة، من تقريراته الوفيرة، قال – رحمه الله تعالى –: استمعوا أيها العقلاء ما يذكر من جنس اللغة السائرة بين العرب هل يقع اسم المشبهة على أهل الآثار، ومتبعي السنن؟ نحن نقول وعلماؤنا جميعاً في الأقطار: إن لمعبودنا – عز وجل – وجهاً كما أعلمنا الله في محكم تنزيله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الرحمن 26-27، فذواه بالجلال والإكرام، وحكم له بالبقاء، ونفى عنه الهلاك ونقول: إن لوجه ربنا – عز وجل – من النور والضياء والبهاء، ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء ٍ أدركه بصره (¬1) ¬

_ (¬1) وفي صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب قوله – عليه السلام –: "إن الله لا ينام" (1/162) عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – قال: قام فينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بخمس كلمات، فقال: "إن الله عز وجل – لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور" – وفي رواية: النار – لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" والحديث رواه ابن ماجه أيضاً في المقدمة – باب فيما أنكرت الجهمية: (1/71) ، وأحمد في المسند: (4/405،401) ، والآجري في الشريعة: (304) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد: (19-20) ، والبيهقي في الأسماء والصفات: (309) والدارمي في رده على بشر المريسي: (160) والوجه صفة ثابتة لربنا – جل وعلا – كما يليق بكماله وجماله – سبحانه وتعالى – قال إمام الأئمة في كتاب التوحيد: (10) نحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق، والشام ومصر مذهبنا أنا نثبت لله – تبارك وتعالى – ما أثبته لنفسه ونقر بألسنتنا، ونصدق بذلك بقلوبنا، من غير أن نشبه وجه خالقنا – جل وعلا – بوجه أحدٍ من المخلوقين، وعز ربنا عن أن نشبهه بالمخلوقين وجل ربنا عن مقالة المعطلين، وعز عن أن يكون عدماً كما قال المبطلون، لأنه ما لا صفة له تعالى الله عما يقول الجهميون الذين ينكرون صفات خالقنا التي وصف الله بها نفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان نبيه وخليله محمد – صلى الله عليه وسلم –.

محجوب عن أبصار أهل الدنيا، لا يراه بشر ما دام في الدنيا الفانية ونقول: إن وجه ربنا القديم لم يزل بالباقي الذي لا يزل، فنفى عنه الهلاك والفناء. ونقول: إن لبني آدم وجوهاً كتب الله – جل وعلا – عليها الهلاك، ونفى عنها الجلال والإكرام غير موصوفة بالنور والضياء والبهاء، التي وصف بها وجهه – تبارك وتعالى – يدرك وجوه بني آدم أبصار أهل الدنيا، لا تحرق لأحد شعرة فما فوقها، لنفي السُبُحات عنها، التي بينها نبينا المصطفى – صلى الله عليه وسلم – لوجه خالقنا. ونقول: إن وجوه بني آدم محدثة مخلوقة لم تكن فكونها الله – جل وعلا – بعد أن لم تكن مخلوقة، أوجدها بعد ما كانت عدماً، وإن جميع وجوه بني آدم فانية غير باقية، تصير جميعاً ميتاً ثم تصير رميماً، ثم ينشئها الله – جل وعلا – بعد ما قد صارت رميماً، فتلقى من النشور والحشر والوقوف بين يدي خالقنا في القيامة، ومن المحاسبة بما قدمت يداه، ونسيه في الدنيا ما لا يعلم صفته غير الخالق الباري، ثم إما تصير إلى الجنة منعمة فيها، أو إلى نار معذبة.

فهل يخطر يا ذوي الحِجَا ببال عاقل مركب فيه العقل، يفهم لغة العرب، ويفهم خطابها ويعلم التشبيه أن هذا الوجه شبيه بذاك الوجه؟ وهل ههنا أيها العقلاء تشبيه وجه ربنا – جل ثناؤه – الذي هو كما وصفنا وبينا صفته من الكتاب والسنة بتشبيه وجوه بني آدم التي ذكرناها، ووصفناها غير اتفاق اسم الوجه، وإيقاع اسم الوجه على وجه بني آدم، كما سمّى الله وجهه وجهاً، ولو كان تشبيهاً من علمائنا لكان كل قائل: إن لبني آدم وجهاً، وللخنازير والقردة، والكلاب، والسباع، والحمير والبغال، والحيات والعقارب وجوهاً قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة، والكلاب، وغيرها مما ذكرت، ولست أحسب أن أعقل الجهمية المعطلة عند نفسه لو قال أكرم الناس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير والقرد، والدب والكلب والحمار والبغل، ونحو هذا، إلا غضب، وإلا خرج من سوء الأدب في الفحش من المنطق من الشتم للمشبه وجهه بوجه ما ذكرنا، ولعله يقذفه، ويقذف أبويه – ولست أحسب أن عاقلا ً يسمع هذا القائل المشبه وجه ابن آدم بوجه ما ذكرنا إلا ويرميه بالكذب والزور والبهت، أو بالعته والخبل، أو يحكم عليه بزوال العقل، ورفع القلم عنه، لتشبيه وجه ابن آدم بوجه ما ذكرنا، فتفكروا يا ذوي الألباب، أوجوه ما ذكرنا أقرب شبهاً بوجه بني آدم، أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم فإذا لم تطلق العرب تشبيه وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السباع والبهائم، واسم الوجه قد يقع على جميع وجوهها كما يقع اسم الوجه على وجوه بني آدم، فكيف يلزمنا أن يقال لنا: أنتم مشبهة ووجوه بني آدم ووجوه من ذكرنا من السباع والبهائم كلها محدثة مخلوقة، قد قضى الله – جل وعلا فناءها وهلاكها، وقد كانت عدماً فكونها الله – عز وجل – وخلقها وأحدثها، وجميع ما ذكرنا من السباع والبهائم لوجوهها أبصار، وخدود، وجباه وأنوف، وألسنة وأفواه، وأسنان وشفاة ولا يقول مركب فيه العقل لأحد من بني آدم: وجهك شبيه بوجه خنزير، ولا عينيك

شبيهة بعين قرد، ولا فمك فم دب، ولا شفتاك كشفتي كلب، ولا خدك خد ذئب، على المشاتمة كما يرمي الإنسان بما ليس فيه، فإذا كان ما ذكرنا على ما وصفنا ثبت عند العقلاء وأهل التمييز، أن من رمى أهل الآثار القائلين بكتاب ربهم، وسنة نبيهم – صلى الله عليه وسلم – بالتشبيه فقد قال الباطل والكذب والزور والبهتان، وخالف الكتاب والسنة، وخرج عن لسان العرب (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب – جل وعز -: (22-24) ، وكرر نحو هذا في أمكنة متعددة من كتابه، وانظر: (35، 51-52) ،وفيه ختم القول بقوله: إن القوم – أي: الجهمية المعطلة لا يفهمون العلم، ولا يحسنون لغة العرب، فيضلون ويضلون، والله نسأل العصمة والتوفيق والرشاد في كل ما نقول وندعو إليه. قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: والكلام كما ترى في منتهى السداد والجود والرشاد ومع ذلك فقد دندن الكوثري حول الكلام، بمنكر من القول والهذيان، فقال في تعليقه على الأسماء والصفات للبيهقي: (301) قول ابن خزيمة في الوجه مما لا يسطره من يعي ما يقول. وقال في: (315-325) : ولابن خزيمة كلام في الوجه والمماثلة لا يدع له وجهاً يواجه به أهل العلم، ومثله لا يلتف إليه في باب الاعتقاد، وقد سبقه إلى تلك الدندنة الرازي في تفسير: (27/150) فقال عن كتاب اين خزيمة: وهو في الحقيقة كتاب الشرك، وفرح الكوثري بذلك، فسود الصحف بتكرار تلك الكلمة المنكرة، انظر تعليقه على كتاب دفع شبه التشبيه: (59) ، ونقل الأستاذ إبراهيم خليفة تلك التعليقة الخبيثة في مذكرة مناهج المفسرين الأزهرية: (35) كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً. إن كتاب التوحيد الذي صنفه إمام الأئمة ليس فيه إلا جمع آيات الصفات، وأحاديثها مع القول بأن تلك الصفات تليق برب الأرض والسموات، ولا يعلم كيفيتها إلا هو – سبحانه وتعالى – وقد ترجم السبكي لإمام الأئمة في طبقات الشافعية الكبرى: (3/109-118) ترجمة عطرة، ورد تهمة الزائغين له بالتشبيه، فقال: إنه برئ مما ينسبه إليه المشبهة، وتفتريه عليه الملحدة، وبراءة الرجل منهم ظاهرة في كتبه وكلامه، ولكن القوم يخبطون عشواء سفهاً، وانظر ترجمته المباركة لتقف على مكانته العالية في المجموع: (1/19، 105) ، والبداية والنهاية: (11/148) وشذرات الذهب: (2/262) ، والجرح والتعديل: (7/196) ، والوافي بالوفيات: (2/196) ومجموع الفتاوى: (3/192) وتذكرة الحفاظ: (2/720-731) ، وفي: (2/753) كرامة له فانظرها لزاماً.

الأصل الثاني: القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر: ... المقصود بهذا الأصل الرد على متأخري الأشعرية أصالة، ويمكن سحب هذا الأصل لتفنيد قول المعتزلة أيضاً، وإليك البيان: ... يتلخص قول متأخري الأشعرية في صفات رب البرية: أنهم يقسمون صفات الرحمن – جل وعلا – إلى أربعة أقسام: 1) نفسية: وهي الوجود فقط، ونسبت هذه الصفة للنفس أي الذات لأن الذات لا تتعقل إلا بها، فلا تتعقل نفسي إلا بوجودها، فالوجود صفة نفسية ثبوتية يدل الوصف بها على نفس الذات دون معنى زائد عليها. 2) سلبية: وهي سلوب تسلب عن الله – جل وعلا – ما لا يليق به من أضدادها. 3) صفات المعاني: وهي سبع: العلم، والحياة، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وهي معان ٍ وجودية قائمة بذات الله – جل وعلا –. 4) صفات معنوية: وهي نفس صفات المعاني فهما متلازمان وأفردت بالذكر لبيان وجوب قيام الصفة بالموصوف، فيقال في الصفات المعنوية: إذا كان متصفاً بالحياة والعلم والقدر والإرادة، والسمع والبصر والكلام، فهو: حي، عليم، قادر، مريد، سميع، بصير، متكلم. ... وقالوا: إن تلك الأقسام الأربعة بصفاتها العشرين، تجب لرب العالمين – تبارك وتعالى – وما عدا تلك الصفات فتدور بين أمرين، ولا تخرج عن قسمين: القسم الأول: إما أن تكون من صفات الأفعال: كالخلق والرزق، والإماتة، والإحياء، وبسط الرزق وقدره ورحمته وغضبه وغير ذلك من أفعاله التي يصف بها ربنا – جل وعلا – نفسه المقدسة. القسم الثاني: وإما أن تكون من الصفات الخبرية: كصفة الوجه، واليدين، وغير ذلك مما ورد به السمع في وصف ربنا – جل جلاله – ولا يوجبه العقل. وللمتأخرين من الأشعرية نحو هذين القسمين موقفان:

أ) رد تلك الصفات إلى صفتي القدرة والإرادة، فقالوا: إن تلك الصفات آثر من آثار القدرة والإرادة، وهذا شامل لسائر صفات الأفعال فيقولون في رد صفة الرحمة مثلاً إلى صفة الإرادة: إرادة الإحسان ويقولون في ردها إلى صفة القدرة: الإحسان نفسه لأن الإحسان فعل يتم بصفة القدرة، ويقولون في رد صفة الغضب إلى صفة الإرادة، إرادة العقوبة، ويقولون فر ردها إلى صفة القدرة، العقوبة نفسها، لأن العقوبة فعل يتم بصفة القدرة. ب) التخيير بين التأويل والتغويض في بعض صفات الأفعال، وجميع الصفات الخبرية، ففي حال تأويل صفتي الرحمة والغضب يقولون ما تقدم، أو يقولون: هما صفتان ثابتتان للرحمن لا يعلم كيفيتهما إلا هو، وهكذا يقولون في صفة الوجه أيضاً، فإذا أولوا قالوا: إنه بمعنى الذات، وإذا فوضوا، قالوا: هو صفة لله – جل وعلا – لا يعلم كيفيتها إلى هو (¬1) . بداية ملف توحيد 4 ونحن معشر أهل السنة المتبعون للحق المبين – لا ننازعهم فيما أثبتوه، إنما ننازعهم في تفريقهم بين ما أثبتوه من الصفات، وقالوا: إن الله – جل وعلا – متصف بها، ولا يعلم كيفيتها إلا هو، وبين باقي الصفات التي ردوها إلى بعض ما أثبتوه، أو أجازوا فيها التأويل أو التفويض وإنما نازعناهم فيما نازعناهم فيه، لأن الصفات كلها تتبع موصوفاً واحداً، والكلام فيها ينبغي أن يكون على وتيرة واحدة، فما يقال في صفة السمع والبصر والكلام يقال في صفة الرحمة والوجه واليدين، والتفريق بينهما في الكلام تفريق بين المتماثلين في الأحكام، وهذا مما ينبغي أن يتنزه عنه أولو النهى والأحلام. ¬

_ (¬1) انظر تفصيل مذهب متأخري الأشعرية في صفات رب البرية – جل جلاله – في تحفة المريد على جوهرة التوحيد: (1/47-70) ، وأم البراهين. ضمن مجموع أمهات المتون: (3-4) وحاشية الأمير على شرح عبد السلام: (56-88) ، ومذكرة مناهج المفسرين الأزهرية للأستاذ إبراهيم خليفة: (12-32) .

فإن قالوا: إن ما عدا ما أثبتناه من الصفات الواجبات، لرب الأرض والسموات، يوهم مماثلة الخالق للمخلوقات، لذلك سلكنا فيه غير ما سلكناه في تلك الصفات الواجبات، فنقول: لا فرق بين الأمرين على الإطلاق، بل القول في أحدهما كالقول في الآخر بلا شقاق لأنك لو قلت: إن إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورحمته، ومقته وغضبه، وهذا هو التمثيل، وأنت لا تقول به، وإن قلت: إن له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به، قيل لك: وكذلك لله – جل وعلا – محبة تليق به، وللمخلوق محبة تليق به، ولله – جل وعز – غضب يليق به، وللمخلوق غضب يليق به. ... فإذا قلت: إن الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، قيل لك: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة، أو دفع مضرة، فإن قلت: هذه إرادة المخلوق، قيل لك: وهذا غضب المخلوق. ... وهكذا يقال أيضاً في الرد عليهم في ردهم الصفات الزائدة على ما أثبتوه إلى صفة القدرة ووجه ذلك أن يقال إن من فسر الرحمة بالإحسان والمثوبة والغضب بالإهانة والعقوبة فكل منهما فعل، ولابد من قيام ذلك بالفاعل أولا ً ثم إيقاعه على المفعول، فهم إن أثبتوا ذلك على مثل ما هو معقول في الشاهد للعباد مثلوا وهم لا يقولون بذلك، وإن أثبتوه على خلاف المعقول في الشاهد للعباد، فنقول لهم كذلك الأمر في الصفات. ... وصفوة الكلام أنه يلزمهم فيما صاروا إليه نظير ما يلزمهم فيما فروا منه، فإن فوضوا العلم بكيفية ما صاروا إليه في النهاية، نقول لهم: فوضوا العلم بذلك إلى الله من البداية، واسلكوا مسلك أهل التقى والهداية. ... فإذا قال الأشعرية المتأخرون: تلك الصفات أثبتناها بالعقل لأن الفعل الحادث يدل على القدرة، والتخصيص يدل على الإرادة والإحكام يدل على العلم، وتلك الصفات مستلزمة للحياة، والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام، أو ضد ذلك، وضده مستحيل لأنه نقص، والله منزه عنه – سبحانه وتعالى – فثبت لله – جل وعز – صفة السمع والبصر والكلام.

.. فالجواب عن ذلك الكلام عند أهل السنة الكرام من وجهين: الوجه الأول: عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين، فهب أن ما سلكت من الدليل العقلي لا يثبت ذلك، فإنه لا ينفيه، وليس لك أن تنفيه بغير دليل، لأن النافي عليه الدليل كما على المثبت. وقد دل عليه السمع، ولم يعارضه عقلي ولا سمعي،، فيجب إثبات ما أثبته الدليل السالم عن المعارضة.

الوجه الثاني: يمكن إثبات ما عدا ما أثبته متأخروا الأشعرية من الصفات بنظير ما أثبتوا به تلك الصفات من العقليات، فيقال مثلا ً، نفع العباد بالإحسان إليهم يدل على الرحمة كدلالة التخصيص على الإرادة، كما قال الله – جل وعلا –: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} النحل5-7، وهكذا إكرام الله – جل وعلا – الطائعين يدل على محبته لهم، وعقابه – جل شأنه – للكافرين يدل على بغضه لهم وغضبه عليهم، كما ثبت ذلك بالشهادة، والخبر من إكرامه أوليائه، وعقاب أعدائه وهكذا أيضاً الغايات المحمودة، في مفعولاته ومأموراته – وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة – تدل على حكمته البالغة كما يدل التخصيص على الإرادة والمشيئة، بل وأولى، لقوة العلة الغائية، ولهذا كان ما في القرآن من بيان ما في مخلوقاته من النعم والحكم أعظم مما في القرآن من بيان ما فيها من الدلالة على محض المشيئة، قال الله – جل وعلا –: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} لقمان 8-11 فمجيء " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ " إلى آخر الآية بعد قوله – جل وعلا –: " وَهُوَ الْعَزِيزُ

الْحَكِيمُ " لقيام الأدلة، والاستشهاد بما ذكر على كمال عزته، وتمام حكمته، لأن خلق الأشياء المذكورة، على تلك الشاكلة والصورة، يدل دلالة واضحة على كامل غزته وبالغ حكمته – سبحانه وتعالى– (¬1) . ... قال كاتب هذه الأسطر – ستره الله في الدنيا والآخرة –: أبرز ما يظهر لي من التحقيقات المرضية في بطلان مذهب متأخري الأشعرية أمران، فتدبرهما يا طالب العلم والعرفان: الأول منهما: يلزم المؤول فيما صار إليه نظير ما يلزمه فيما فر منه تماماً، فإن فوضي العلم إلى الله – جل وعلا – بكيفية ما صار إليه في النهاية، نقول له: فوض العلم بكيفية ذلك إلى المتصف به من البداية، فتفويض العلم بكيفية الصفات إلى رب الأرض والسموات لابد منه، ولا مناص من القول به، والمؤول إذا لم يفوض فيما صار إليه وقع فيما فر منه، فالسعيد السعيد من فوض من البداية ولم يسلك طريق العماية (¬2) . والثاني: لو سئل المؤول: هل تجزم بأن ما صرت إليه هو المراد – جل وعلا – من كلامه؟ لقال: لا، إنما رجت احتمالا ً على احتمال خشية الوقوع في تشبيه صفات ذي الجلال بغيره من المخلوقات. ¬

_ (¬1) كما في مفاتيح الغيب: (25/142) ، وروح المعاني: (21/81) ، والسراج المنير: (3/182) ، وانظر مناقشة متأخري الأشعرية، وتفنيد قولهم في صفات رب البرية التدمرية: (21-23، 30-31) وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/17-19، 26-27) ، وانظر التحفة المهدية: (1/46، 52، 72-74) ، ومختصر الصواعق المرسلة: (22-29) . (¬2) انظر مختصر الصواعق المرسلة: (27/29) فصل في إلزامهم في المعنى الذي جعلوه تأويلا ً نظير ما فروا منه.

.. ولا يخفى فساد هذه الطريقة وشناعتها، فأمر لا يجزم المؤول به، كيف يصير إليه في صفات ربه – جل جلاله – (¬1) . ... يضاف إلى تلك المفسدة الردية، أن في المصير إلى التأويل فتح لباب تأويلات أهل الإلحاد الباطنية، قال الإمام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية – وبهذا احتج الملاحدة كابن سينا وغيره على مثبتي المعاد، وقالوا: القول في نصوص المعاد كالقول في نصوص التشبيه والتجسيم وزعموا أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يبين ما الأمر عليه في نفسه، لا في العلم بالله – تبارك وتعالى – ولا باليوم الآخر، فكان الذي استطالوا به على هؤلاء هو موافقتهم لهم على نفي الصفات، وإلا فلو آمنوا بالكتاب كله حق الإيمان لبطلت معارضتهم، ودحضت حجتهم، ولهذا كان ابن النفيس المتطبب الفاضل يقول: ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث، أو مذهب الفلاسفة (¬2) . ¬

_ (¬1) وقد اعترف بهذا الرازي في مفاتيح الغيب: (7/176-177) فقال: والقول بالظن في ذات الله – تبارك وتعالى – وصفاته، غير جائز بإجماع المسلمين وهذه حجة قاطعة في المسألة، والقلب الخالي عن التعصب يميل إليه، والفطرة الأصيلة تشهد بصحته، وقرر نحوه في: (25/168-170) . (¬2) انظر درء تعارض العقل والنقل: (1/202-203) ، ونحوه في: (6/211، 9/207) وتقدمت ترجمة ابن النفيس في صفحة: (157) ، وقد اعترف الرازي في مفاتيح الغيب: (27/16-17) بأن سلوك مثل تلك الطريقة في التأويل تفضي إلى الطعن في القرآن، وتخرجه عن أن يكون حجة في شيءٍ. وابن سينا المشار إليه في كلام شيخ الإسلام، فيلسوف خبيث ففي مجموع الفتاوى: (13/177) لما ظهرت الملاحدة الباطنية وملكوا الشام وغيرها ظهر فيها النفاق والزندقة الذي هو باطن أمرهم وهو حقيقة قول فرعون إنكار الصانع وعبادته، وخيار ما كانوا يتظاهرون به الرفض، فكان خيارهم وأقربهم إلى الإسلام الرافضة، وظهر بسببهم الرفض والإلحاد، وكان ابن سينا وأهل بينه من أهل دعوتهم قال: وبسبب ذلك اشتغلت بالفلسفة، ونحوه في: (35/135) ، وذكر في: (11/570) أن ابن سينا ذكر في إشارته الترغيب في الغناء، وفي عشق الصور ما يناسب طريقة أسلافه الفلاسفة والصابئين والمشركين، وأحدث ابن سينا فلسفة ركبها من كلام سلفه اليونان، ومما أخذه من أهل الكلام المبتدعين الجهمية ونحوهم، وسلك طريقة الملاحدة الإسماعيلية في كثير من أمورهم العلمية والعملية ومزجه بشيء من كلام الصوفية، وحقيقته توعد إلى كلام إخوته الإسماعيلية القرامطة الباطنية، فإن أهل بيته كانوا من الإسماعيلية أتباع الحاكم الذي كان بمصر وكانوا في زمنه، ودينهم دين أصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم من أئمة منافقي الأمم الذين ليس مسلمين ولا يهود ولا نصارى.

.. واعلم أن هذا الأصل – وهو: إثبات الصفات إثبات لبعضها الآخر والقول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر- كما يصلح للرد به على قول متأخري الأشعرين، يصلح الرد به أيضاً على قول المعتزلة الردية، ويتلخص قول المعتزلة في أسماء الله وصفاته – جل وعلا – أنهم يثبتون الأسماء دون ما تتضمنه من الصفات، وقالوا: إنه عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بصير بلا سمع، ولا بصر وجعلوا تلك الأسماء بمثابة الأعلام المحضة المترادفة، لأنها هي الذات. ... وهذا القول الفاسد في حقيقته، ثم هو متناقض في نفسه. أما فساده فمن ثلاثة أوجه: الوجه الأول: إثبات ونفي معناه مكابرة، وجحد للضروريات، فالاسم يدل على معنى، ولذلك كان كل اسم لربنا – جل وعلا – صفة (¬1) . الوجه الثاني: جعل تلك الأسماء المتعددة الدلالات، المختلفة في الحقائق بمنزلة الأعلام المحضة المترادفة كما هو الحال في لفظ السيف والمهند والصارم والبتار إنكار أيضاً للحقائق، وجحد لما هو ثابت نعم تلك الصفات من قبيل الأسماء المترادفة من حيث دلالتها على ذات واحدة، لكنها متباينة لتعدد الصفات واختلافها فيما بينها، وهكذا الحال في دلالات السيف والمهند والصارم والبتار والحسام من قبيل المترادفة من حيث دلالتها على ذات واحدة، ومن قبيل المتباين من حيث تعدد الصفات وتنوعها حيث لوحظ في المهند النسبة إلى المهند، وقصد بالصارم، والبتار والحسام معنى الصرم والبتر والحسم (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين: (1/159) وفيه: كل اسم له صفة، وللصفة حكم، فهو – سبحانه وتعالى – واحد الذات كثير الأسماء والصفات، فهذه كثيرة في وحدة. (¬2) انظر الرسالة التدمرية: (63) ، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/59) ، وانظر التحفة المهدية: (1/182) واعلم أن نسبة الألفاظ إلى المعاني منحصرة في خمسة أقسام: أ) إن اتحد اللفظ والمعنى في الأفراد سمي كلياً متواطئاً، كالإنسان، والرجل – فكل منهما يطلق علي أشياء متغايرة بالعدد متفقة في المعنى. ب) إن اتحد اللفظ واختلف المعنى في الشدة والضعف سمي كلياً مشككاً، كالبياض، فإن معناه في الورق أقوى من معناه في القميص مثلا ً. جـ) إن اتحد اللفظ وتعدد مسمى مشتركاً، كالعين، تطلق على الباصرة، والجارية، والذهب، والقرء يطلق على الحيض والطهر. د) إن تعدد اللفظ واتحد المعنى سمي مترادفاً، فالأسماء مختلفة والمسمى واحد مثل: الليث والأسد، والعُقار والخمر، وإنسان وبشر. هـ) إن تعدد اللفظ والمعنى أيضاً سميا متباينان مختلفان، فالأسماء مختلفة لمعان ٍ مختلفة أيضاً كالسماء والأرض، والإنسان والفرس، انظر إيضاح هذا في روضة الناظر: (2/15-16) وإيضاح المبهم من معاني السلم: (8) .

الوجه الثالث: إدعاء كون الأسماء الحسنى، وما تدل عليه من صفات علا هي الذات، ادعاء باطل مرفوض، لأن الأسماء وما تدل عليه من صفات تطلق على الذات وتقوم بها وليست هي الذات. ... وأما تناقض ذلك القول: ففي منتهى الظهور والوضوح، لأن الذي دعاهم إلى نفي الصفات خشية التشبيه حيث قالوا: إثبات الحياة والعلم والقدرة وغيرها من الصفات يقتضي تشبيه الخالق بالمخلوقات، لأنا لا نعلم في الشاهد متصفاً بالصفات إلا ما هو جسم، وهذا الوهم الذي تخيلوه من إثبات الصفات يلزمهم أيضاً في إثبات الأسماء لأنا لا نجد في الشاهد ما هو مسمى حي عليم قدير إلا ما هو جسم، فإن ما نفيت لكونك لم تجده في الشاهد إلا للجسم فأنف الأسماء بل وكل شيء، لأنك لا تجده في الشاهد إلا للجسم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الرسالة التدميرة: (24) ، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/20) ، والتحفة المهدية: (1/53) وانظر درء تعارض العقل والنقل: (1/128، 6/130) .

.. قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – لو درى المعتزلة، ومتأخروا الأشعرية، وسائر فرق المعطلة الردية أن اتفاق الخالق الجليل والمخلوق في الصفات وتماثل مسماهما واتحاده لا يلزم منه محظور البتة، ولا يستلزم التشبيه، ولا رائحته، لأن ذلك الاتفاق والاتحاد في المسمى محصور في حالة الإطلاق، وليس للمطلق مسمى موجود خارج الأذهان، والعقل يفهم من المطلق قدراً مشتركاً بين المسميين، وعند الاختصاص يقيد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق، وكل من لم يرسخ في ذهنه فسيأتي بالطامات ـ ويقول المتناقضات، ويسفسط في العقليات، ويقرمط في السمعيات (¬1) ¬

_ (¬1) كما قرر ذلك شيخ الإسلام في الرسالة التدمرية: (13) ، وفي درء تعارض العقل والنقل: (2/15، 5/138-139) ، والسوفسطائية شرذمة من الفلاسفة ينكرون حقائق الأشياء، ونسبت تلك الفرقة الخبيثة إلى مؤسسها الضال سوفسطا..انظر حال تلك الفرقة في تلبيس إبليس: (39-41) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (5/130، 6/106، 7/37، 8/90) والتعريفات: (104-105) فكل من نفى حقائق الأشياء، وجادل بالباطل يقال له سوفسطائي، وأما القرامطة فهم حثالة من الباطنية ينسبون إلى حمدان بن قرمط، يحرفون الكلام عن مواضعه، ويخترعون له تأويلات لا يفهمها إلا أهل الزيغ والضلالات، كتأويلهم الصلوات الخمس بمعرفة أسرارهم، والصيام بكتمان أسرارهم، والحج بزيارة شيوخهم ونحو ذلك مما هو من أعظم أنواع الكفر وأشنعه، كما في درء تعارض العقل والنقل: (5/383) وقرر شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: (35/139-149) أن القرامطة أعظم كفراً وردة من أتباع مسيلمة الكذاب ونحوه من الكذابين، ولهذا يميز بين قبورهم وقبور المسلمين كما يميز بين قبور المسلمين والكفار، وحكم في: (35/149) على النصيرية وسائر أصناف القرامطة الباطنية بأنهم أكفر من اليهود والنصارى، وضررهم على المسلمين أعظم من ضرر الكفار المحاربين، وهم لا يؤمنون بملة من الملل السالفة بل يأخذون كلام الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – المعروف عند علماء المسلمين فيتأولونه على أمور يفتروتها يدعون أنها علم الباطن وقد أطال الكلام في بيان حالهم فحكم عليهم وعلى النصيرية والدروز في: (35/161) بأنهم كفار باتفاق المسلمين، وإن أظهروا الشهادتين، وكرر هذا في كتبه. انظر درء تعارض العقل والنقل: (5/64، 184، 307، 322، 7/37، 76، 82، 123) وانظر تلبيس إبليس: (104-106) ، وكل من حرف النصوص عن معناها فقد سلك القرامطة والنصيرية الباطنية – عليهم لعنات رب البرية –.

– حفظنا الله من البدع المهلكات ومن سائر الرديات، إنه سميع مجيب الدعوات. تنبيه مهم: ... اعلم – علمني الله وإياك – أنني عندما حكيت مذهب الأشعرية في صفات رب البرية أضفته إلى المتأخرين منهم، لأن الإمام أبا الحسن الأشعري استقر على عقيدة أهل السنة والجماعة، وعلى ذلك كان المتقدمين من أتباعه، وأول من مزج بين ما كان عليه الإمام أبو الحسن الأشعري في أول الأمر وبين ما صار إليه: إمام الحرمين، ثم رجع عن ذلك، ثم تبنى المزج بين قولي أبي الحسن المتقدم والمتأخر الغزالي ثم رجع عن ذلك أيضاً، لكن تلك الأقوال دونت في الكتب ونقلت في البلاد فعكف عليها العباد، وهي أقوال باطلة قد ثبت رجوع أصحابها عنها والله المستعان لا إله غيره ولا رب سواه.

.. أما الإمام أبو الحسن فهو على بن إسماعيل الأشعري – عليه رحمة الله تعالى – أقام على مذهب الاعتزال أربعين حولا ً من الأحوال، حتى صار لهم إماماً، في ذلك الضلال ثم رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – ثلاث مرات في شهر رمضان يأمره بترك ذلك الهذيان ونصرة سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فلزم الكتاب والسنة، عول على اعتقاد أهل الجنة، ونبذ أوهام ذي الجِنة، ورد على المعتزلة، وجحرهم في أقماع السمسم، قال في كتابه "مقالات الإسلاميين" تحت عنوان: هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة، جملة ما عليه أهل الحديث والسنة: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يردون من ذلك شيئاً، وأن الله – سبحانه وتعالى – إله واحد فرد صمد، لا إله غيره، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله – سبحانه وتعالى – على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه5، وأن له يدين بلا كيف كما قال: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ص75، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} المائدة64، وأن له عينين بلا كيف كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} القمر14، وأن له وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الرحمن27، ثم قال ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن الله – سبحانه وتعالى – ينزل إلى السماء الدنيا، فيقول: "هل من مستغفر" كما جاء في الحديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أن قال: ويُقِرّون أن الله – سبحانه وتعالى – يجيء يوم القيامة، كما قال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} الفجر22 ثم بعد أن عدد بقية ما عليه أهل السنة والجماعة من أمور الاعتقاد، قال فهذه جملة ما

يأمرون به ويستعملونه، ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم، نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وبه نستعين، وعليه نتوكل، وإليه المصير 10هـ وكذر نحو هذا في كتابه الإبانة عن أصول الديانة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مقالات الإسلاميين: (1/320-325) ، والإبانة عن أصول الديانة: (8-12) ، ونقل ذلك عن الإمام أبي الحسن ابن عساكر في تبيين كذب المفترى فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري: (152-165) ، وابن العماد الحنبلي في الشذرات: (2/304) ، وانظر ترجمة الإمام أبي الحسن الأشعري – عليه رحمة الله تعالى – في تاريخ بغداد: (11/346-347) ، وفيه قال أبو بكر الصيرفي: كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله – جل وعلا – أبا الحسن الأشعري، فجحرهم في أقماع السمسم، وانظر البداية والنهاية: (187، 204) ورجح في المكانين أن وفاته كانت سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، لا ثلاثين وثلاثمائة. وانظر طبقات الشافعية الكبرى: (3/347-444) ، والديباج المذهب: (193-195) ، وتذكرة الحافظ: (3/821) ، وشذرات الذهب: (2/303-305) ، وطبقات المفسرين للداودي: (1/396-398) ، ومفاتيح السعادة ومصباح السيادة: (2/152) والنجوم الزاهرة: (3/209) ، ووفيات الأعيان: (3/284-286) ، والفهرست: (181) ، والمنتظم: (6/332-333) ، والأشعري نسبة إلى أشعر وهي قبيلة مشهورة من اليمن، والأشعر هو نبت بن أدد قيل له ذلك لأن أمه ولدته والشعر على بدنه، ومن تلك القبيلة الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – ومن أولاده الإمام أبو الحسن الأشعري- عليه رحمة الله تعالى – كما في اللباب في تهذيب الأنساب: (1/64) .

.. قال الإمام ابن تيمية: وأما الأشعري نفسه وأئمة أصحابه فلم يختلف قولهم في إثبات الصفات الخبرية، وفي الرد على من يتأولها، كمن يقول: "استوى" بمعنى استولى وهذا مذكور في كتبه كلها، كالموجز الكبير، والمقالات الصغيرة والكبيرة، والإبانة وغير ذلك، وهكذا نقل سائر الناس عنه، حتى المتأخرون، كالرازي الآمدي ينقلون عنه إثبات الصفات الخبرية، ولا يحكون عنه في ذلك قولين، فمن قال: إن الأشعري كان ينفيها، وإن له في تأويلها قولين فقد افترى عليه ولكن هذا فعل طائفة من متأخري أصحابه كأبي المعالي ونحوه، فإن هؤلاء أدخلوا في مذهبه أشياء من أصول المعتزلة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مجموع الفتاوى: (12/203) ، ويصدق هذا النقل المتقدم عن كتابي الإمام أبي الحسن كتاب مقالات الإسلاميين، وكتاب الإبانة فتذكر ولا تغفل.

.. وقال الإمام السبكي في طبقات الشافعية: وعقيدة الإمام أبي الحسن الأشعري وعقيدة الإمام أحمد واحدة، لا شك في ذلك ولا ارتياب، وبه صرح الأشعري في تصانيفه، وكرر غير ما مرة: أن عقيدتي هي عقيدة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، وهذه عبارة الشيخ أبي الحسن في غير موضع من كلامه (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر طبقات الشافعية الكبرى: (4/236) ، وانظر تصريح الإمام أبي الحسن بذلك في كتاب الإبانة: (8) – باب في إبانة قول أهل الحق والسنة – فإن قال لنا قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون، قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها: المتمسك بكتاب ربنا – عز وجل – وبسنة نبينا – صلى الله عليه وسلم – وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ونحن معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل – نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته – قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأن الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ورفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وخليل معظم مفخم، وعلى جميع أئمة المسلمين 10هـ وكتابه الإبانة هو آخر كتاب صنفه، وعليه يعتقد أصحابه في الذب عنه، عند من يطعن عليه، كما في شذرات الذهب: (2/303) .

.. وقد تقدم في هذا الكتاب المبارك عند الكلام على ذم علم الكلام نقل أقوال إمام الحرمين، والغزالي، والرازي – عليهم رحمة الله تعالى – في رجوعهم عما ابتدعوه من التأويل، وتحسرهم على ما فلت منهم، وفات من أعمارهم في تقرير تلك الأباطيل، وتعويلهم بعد ذلك على طريقة السلف الأبرار، قال الإمام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: أول قولي أبي المعالي تأويل الصفات كما ذكر ذلك في الإرشاد إلى قاطع الأدلة، وآخر قوليه تحريم التأويل ذكر ذلك في الرسالة النظامية، واستدل بإجماع السلف على أن التأويل ليس بسائغ، ولا واجب 1هـ.

.. وقد تقدم نقل كلام إمام الحرمين، وهاكه مرة أخرى لأهميته، قال في الرسالة النظامية: وقد اختلف مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق اعتقاد فحواها، وإجراؤها على موجب ما تبدره أفهام أرباب اللسان منها، فرأى بعضهم تأويلها والتزام هذا المنهج في آي الكتاب، وما يصح من سنن الرسول – صلى الله عليه وسلم – وذهب أئمة السلف إلى الانفكاك عن التأويل، وإجراء الظواهر على موارها، وتفويض معانيها إلى الرب – تبارك وتعالى – والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به عقلا ً: إتباع سلف الأمة فالأولى الإتباع، وترك الابتداع، والدليل السمعي القاطع في ذلك: أن إجماع الأمة حُجة متبعة وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورضي الله تعالى عنهم – على ترك التعرض لمعانيها، ودرك ما فيها، وهم صفوة الإسلام، والمستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الآي والظواهر مسوغاً ومحتوماً، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصرهم، وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعاً بأنه الوجه المتبع، فحقٌ على ذي دين: أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب – تبارك وتعالى – وعد إمام القراء وسيدهم: الوقوف على قوله – تبارك وتعالى –: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ " من العزائم، ثم الابتداء بقوله – جل وعلا –: "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" أل عمران 7، ومما استحسن من كلام إمام دار الهجرة – رضي الله تعالى عنه – وهو: مالك بن أنس أنه سئل عن قوله – تبارك وتعالى - {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه5، فقال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عنه بدعة، فلتجر آية الاستواء والمجيء، وقوله:

"لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" ص 75، "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ" الرحمن 27، وقوله: "تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا" القمر 14، وما صح من أخبار الرسول – صلى الله عليه وسلم – كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا (¬1) . ... وبعد هذه الجولة المباركة في تقرير الأصلين الدالين على صحة طريقة أهل السنة الكرام في إيمانهم بصفات الرحيم الرحمن، فإليك ما يقرر طريقتهم الرشيدة في إيمانهم بصفات ربهم المجيدة، بمثلين مضروبين، ليتضح الحق لذي عينين، وليزول عن القلوب الران والفين. المثال الأول: ما يكون في الآخرة من نعيم للمؤمنين، وعذاب لعتاة الأرض المفسدين يدل على صحة مذهب أهل السنة الصادقين، في إيمانهم بصفات رب العالمين، ووجه ذلك: ... أن الله – جل وعلا – أخبرنا عما أعد للمؤمنين في جنات النعيم، من أصناف المطاعم والملابس، والمناكح، والمساكن، فأخبرنا أن فيها لبناً وعسلا ً، وخمراً وماءً، ولحكماً وحريراً وفضة وذهباً، وفاكهة حوراً، وأنهاراً وقصوراً. ... وحقائق تلك الأشياء مخالفة لما هو موجود في الدنيا، وليس بينهما مماثلة، مع موافقتها لها في الأسماء، قال ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –: ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الأسماء (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر مجموع الفتاوى: (12/203) ، والرسالة النظامية: (32-34) ، وصفحة: (.......-.......) من هذا الكتاب المبارك وانظر أضواء البيان: (7/472-475) ففيه إثبات رجوع الإمام أبي الحسن الأشعري إلى مذهب السلف الصالح، وعقب شيخنا على رجوعه بقوله: وقد رجع أيضاً إلى ما استقر عليه أبو الحسن من مذهب السلف كلٌ من أبي المعالي، وأبي حامد الغزالي، والرازي. (¬2) رواه البيهقي موقوفاً بسند جيد كما قال المنذري في الترغيب والترهيب: (4/560) .

.. ومن المعلوم لذي العقول والفهوم أن ما في الجنة مخلوق، وما في الدنيا مخلوق، فإذا توافق مخلوقان في الاسم واتحدا في المسمى، ولم يلزم من ذلك التوافق والاتحاد المماثلة في الحقائق والكيفيات، بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله – جل وعلا – فالخالق إن وافق المخلوقات في الأسماء، واتحد معها في المسمى لا يلزم من ذلك مماثلته لمخلوقاته، ولا مشابهته لهم بوجه من الوجوه، بل إن مباينته للمخلوقات أعظم من مباينة المخلوق في الآخرة للمخلوق الموجود في الدنيا، فافهم هذا تسلم وتغنم. ... وإليك بعض النصوص الدالة على المباينة التامة، والبون الشاسع بين النعيم الموجود في الآخرة والنعيم الموجود في الدنيا، ليتضح لك الحق جلياً.

.. ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "قال الله – تبارك وتعالى –: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر " قال أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – اقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} السجدة17 (¬1) ، ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة –: (6/318) وفي كتاب التفسير – سورة السجدة – باب {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} السجدة17: (8/515) وفي كتاب التوحيد: باب 35: (13/465) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – أول كتاب صفة الجنة –: (4/2174) ، وانظره في سنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة السجدة –: (8/339) وكتاب التفسير – سورة الواقعة –: (9/34) وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب صفة الجنة –: (2/1447) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب ما أعد الله لعباده الصالحين: (2/335) ، والمسند: (2/313، 438، 466، 495) وفي: (2/506) بلفظ "في الجنة ما لا عين رأت.....إلخ"، وانظره في الدر المنثور: (5/476) لترى من خرجه أيضاً، والحديث رواه مسلم في المكان المتقدم من رواية سهل بن سعد الساعدي – رضي الله تعالى عنه –، وهو في المسند: (5/334) ، والمستدرك: (2/413) كتاب التفسير وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقراه الذهبي، وقد تقدم معك إخراج مسلم له فتنبه، ولفظ هذه الرواية: قال سهل: شهدت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مجلساً وصف فيه الجنة، حتى انتهى، ثم قال – صلى الله عليه وسلم – في آخر حديثه: "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" ثم اقترأ هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} السجدة 16-17، وفي المستدرك بسند صحيح أقره الذهبي في المكان المتقدم ورواه الفريابي وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني كما في الدر: (5/176) عن أبي عبيدة قال: قال عبد الله: إنه مكتوب في التوراة، لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ولا يعلمه نبي مرسل، ولا ملك مقرب، قال: ونحن نقرأها: " فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

ومن الطريف الجليل ترجمة المنذري في الترغيب والترهيب لهذا الحديث وما يشبهه بقوله: فصل في أن أعلى ما يخطر على البال أو يجوزه العقل من حسن الصفات المتقدمة فالجنة وأهلها فوق ذلك ومن جملة ذلك النعيم المُعد للمؤمنين أنه لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم، ونعيمهم دائم في جميع الأوقات، فلا تعتريهم شدة، ولا آفة من الآفات، كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من يدخل الجنة ينعم لا يبأس لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه" زاد أحمد والدرامي: "وله في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر (¬1) ". ... وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة – رضي الله تعالى عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً"، فذلك قوله – عز وجل –: {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (¬2) } الأعراف43. ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب صفة الجنة – باب دوام نعيم أهل الجنة –: (4/2181) ، وسنن الترمذي – كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها –: (7/211) ، وفي باب صفة ثياب أهل الجنة –: (7/220) بنحوه، وانظره في سنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس –: (2/332) ، وباب في بناء الجنة –: (2/333) ، والمسند: (2/305، 370، 407، 445، 462) . (¬2) انظر صحيح مسلم – كتاب الجنة – باب في دوام نعيم أهل الجنة –: (4/2182) ، وسنن الترمذي كتاب التفسير – سورة الزمر –: (8/371) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب ما يقال لأهل الجنة إذا دخلوها –: (2/334) .

.. ويقع تنعم المؤمنين بما في جنة النعيم على أتم وجه، فلا يترتب عليه ما يترتب على نعيم الدنيا من آثار ففي صحيح مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن أهل الجنة يأكلون فيها، ويشربون، ولا يتفلون ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتمخضون قالوا: فما بال الطعام؟ قال: جشاء ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الجنة – باب في صفات الجنة وأهلها –: (4/2180) ، وروى أبو داود في كتاب السنة – باب في الشفاعة –: (5/107) صدر الحديث فقط إلى قوله "يشربون" وانظر الحديث كاملا ً في المسند: (3/316، 349، 354، 364) . والحديث رواه الإمام أحمد في المسند: (3/367، 371) ، والطبراني في الكبير والأوسط والبزار ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير ثمامة بن عقبة، وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (10/416) ورواه النسائي أيضاً في السننالكبرى سيند صحيح أيضاً، والحاكم في المستدرك كما في حادي الأرواح: (128) ، والدارمي في سننه – كتاب الرقاق – باب في أهل الجنة ونعيمها –: (2/334) ، وسنده صحيح كما في تعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (10/530) ، وابن مبارك في كتاب الزهد: (12هـ) وابن حبان كما في الموارد: (655) عن زيد بن أرقم – رضي الله تعالى عنه – قال: أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – رجل من اليهود، فقال: يا أبا القاسم، ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها، ويشربون، وقال لأصحابه: إن أقر لي بهذا خصمته، قال: فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "بلى، والذي نفسي بيده، إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب، والشهوة والجماع " قال: فقال له اليهودي: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة، قال: فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "حاجة أحدهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك فإذا البطن قد ضمر" والحديث رواه مسلم في المكان المتقدم، والبخاري في كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة –: (6/318-320) ، وفي كتاب أحاديث الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – باب 1 خلق آدم وذريته: (6/362) بشرح ابن حجر فيهما، ورواه الترمذي في كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة أهل الجنة –: (8/218) ، وابن ماجه في كتاب الزهد – باب في صفة الجنة –: (2/1449) ، وأحمد في المسند: (2/232، 253، 316) عن أبي هريرة – رضي الله تعلى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يتمخضون، ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب، وأمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة – وهي العود – ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى من سوقهما من وراه الحسن من الحسن، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً"، ورواه الإمام أحمد في المسند: (2/357) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – بلفظ "أهل الجنة رشحهم المسك، ووقودهم الألوة".

". ... وقد ثبت أنهم لا ينامون، فهم في النعيم مستغرقون، وبنعمة الله عليهم فرحون، روى الطبراني في معجمه الأوسط، والبزار ورجال البزار رجال الصحيح عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنه – قال: سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقيل: يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا ينامون (¬1) " ... وأما نساء أهل الجنة الطاهرات، من المؤمنات الصالحات القانتات، ومن الحور الحسان الخيرات، فقد ورد في وصفهن ما يبهر العقول، ويدعو العقلاء لفعل كل عمل مبرور، وترك كل عمل مرذول ليحظوا بالأنس بهن في جوار العزيز الغفور. ... وتقدم في تخريج الحديث السابق رواية الصحيحين المصرحة بأن لكل من دخل الجنة من المؤمنين ـ زوجتين كريمتين، يرى من مخ سوقهما من الحسن، من وراء اللحم، وفي رواية الطبراني والبزار عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – عن النبي المختار – صلى الله عليه وسلم – قال: "أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأحسن كوكب دري في السماء، ولكل واحد منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء اللحم، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد – كتاب أهل الجنة – باب أهل الجنة لا ينامون –: (10/415) ورواه نعيم ابن حماد في زيادات الزهد: (79) . (¬2) وإسناده صحيح كما في مجمع الزوائد: (10/411) ، والترغيب والترهيب: (4/529) ، وقال: ورواه البيهقي بإسناد حسن وقال الهيثمي: ورواه الطبراني أيضاً من رواية أبي سعيد الخدري، وقي سنده عطية العوفي، والأكثرون على تضعيفه 10هـ ورواية ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – تشهد له فاعلم.

.. وذلك المقدار الذي يكرم به الأبرار لا ينافي حصول ما هو أكثر من تلك الدار، لدخول القليل في العدد الكثير، ولا منافاة بين العددين عند العالم النحرير (¬1) ¬

_ (¬1) وهذا أولى مما قرره ابن حجر في الفتح: (6/352) من أن الزوجتين من نساء الدنيا، وإنما قلت ذلك لورود التصريح بكون الزوجتين من الحور في المسند: (2/345، 507) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الثياب". وما قلته أولى مما ذكره ابن القيم أيضاً في حادي الأرواح: (160) حيث قال: والأحاديث الصحيحة إنما فيها أن لكل منهم زوجتين، وليس في الصحيح زيادة على ذلك، فإن كانت هذه الأحاديث محفوظة – أي المصرحة بالزيادة – فإما أن يراد بها ما لكل واحد من السراري زيادة على الزوجتين ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلة والكثرة، كالخدم والولدان، وإما أن يراد أنه يعطى قوة من يجامع هذا العدد، ويكون هذا هو المحفوظ، فرواه بعض هؤلاء بالمعنى، فقال: له كذا وكذا زوجة، أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات، ولا ريب أن للمؤمن في الجنة أكثر من اثنتين واستدل على ذلك بخبر أبي موسى – رضي الله تعالى عنه – في الصحيحين وهو مخرج في التعليقة التي تلي هذه التعليقة مباشرة، والتوجيه الأول مردود فقد صحت بذلك الأحاديث ولا يشترك ذكرها في أحد الصحيحين، وكذلك التوجيه الثاني لا يوجد ما يدل عليه وفتح باب التصرف في الرواية من قبل الرواة من غير اضطرار إليه، لا يعول عليه، والتوجيه الثالث مع اعتباره ينقضه قوله: ولا ريب أن للمؤمن في الجنة أكثر من اثنتين، والتحقيق ما قلته: ذِكر القليل لا ينافي الكثير، ثم هم في تلك الكثرة متفاوتون، نسأل الله الكريم أن يجعل لنا من ذلك النصيب الأوفى إنه سميع مجيب.

ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة، طولها ستون ميلا ً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً (¬1) ". ... وفي المسند عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن أدنى أهل الجنة منزلة، إن له لسبع درجات ـ وهو على السادسة، وفوقه السابعة، وإن له لثلاثمائة خادم، ويغدي عليه ويراح كل يوم بثلاثمائة صفحة – ولا أعلمه إلا قال من ذهب – في كل صفحة لون ليس في الأخرى، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره، وإنه ليقول: يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة، وسقيتهم، لم ينقص مما عندي شيئاً، وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الجنة – باب صفة خيام الجنة، وما للمؤمنين فيها من الأهلين: (4/2182) وصحيح البخاري – كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة وأنها ومخلوقة: (6/318) ، وفي كتاب التفسير – سورة الرحمن – باب "حور مقصورات في الخيام": (8/624) بشرح ابن حجر فيهما، وسنن الترمذري – كتاب الجنة – باب ما جاء في صفة غرف الجنة –: (7/213) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب في خيام الجنة –: (2/336) ، والمسند: (4/400، 411، 419.) (¬2) انظر المسند: (2/537) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (10/400) رجاله ثقات على ضعف في بعضهم وفي فتح الباري: (6/325) في سنده شهر بن حوشب، وفيه مقال 1هـ وشهر صدوق وكثير الإرسال والأوهام كما في التقريب: (1/355) ، وللحديث شواهد كثيرة.

.. وورد في سنن ابن ماجه عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما من أحد يدخله الله الجنة، إلا زوجه الله – عز وجل – ثنتين وسبعين زوجة، ثنتين من الحور العين، وسبعين من ميراثه من أهل النار، ما منهن واحدة إلا ولها قبل شهي، وله ذكر لا ينثني" قال هشام بن خالد شيخ ابن ماجه: من ميراثه من أهل النار يعني رجالا ً دخلوا النار، فورث أهل الجنة نساءهم، كما ورثت امرأة فرعون (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر سنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب صفة الجنة –: (2/1452) ، وفي مسند الحديث خالد بن يزيد بن مالك الدمشقي وثقه العجلي، وأبو زرعة الدمشقي، واحمد بن صالح المصري، والجمهور على تضعيفه، وبالغ ابن معين فاتهمه، وقال: بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن، وبالشام كتاب ينبغي أن يدفن، فأما الذي بالعراق فكتاب التفسير عن ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –، وأما الذي بالشام فكتاب الديات لخالد بن يزيد لم يرضى أن يكذب على أبيه حتى كذب على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً – كما في تهذيب التهذيب: (3/126-127) ، وميزان الاعتدال: (1/645) وأورد الحديث في ترجمته وفيه بدل من "سبعين من ميراثه من أهل النار" "سبعين من ميراثه من أهل الجنة" وفي الفتح: (6/325) ""من أهل الدنيا وقال الألفاظ إلى شيء واحد فالنساء من أهل الدنيا، وهن في الجنة، وأزواجهن في النار، لأنهم كفار، والذي حط عليه كلام ابن حجر في التقريب: (1/220) الحكم عليه بالضعف مع كونه فقيهاً، وحكم على الحديث في الفتح: (6/325) بأن سنده ضعيف جداً. قال عبد الرحيم: ومع ذلك فالرواية تخالف الروايات المحفوظة الثابتة من كون السبعين من الحور العين، وما زاد فمن نساء الدنيا، ففي حديث أبي يعلى كما في الفتح: (6/325) وسكت عنه وذلك يشعر بحسنه كما يعلم من صنيعه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً "يدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشيء الله، وزوجتين من ولد آدم" وفي المسند: (4/131) وسنن الترمذي – كتاب الجهاد – باب "من ثواب الشهيد": (5/374) عن المقدام بن معد يكرب – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار، والياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب وحسنه الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (9/504) ، ورواه البزار والطبراني عن عبادة بن الصامت – رضي الله تعالى عنه – ورجال الطبراني ثقات كما في مجمع الزوائد: (5/293) وفي الفتح: (6/16) إسناده حسن، وقد تقدم في التعليقة السابقة رواية المسند المصرحة بأن للرجل اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، سوى أزواجه من الدنيا. وما ذكره شيخ ابن ماجه هشام بن خالد من أمر امرأة فرعون فقد رواه الطبراني كما في تفسير ابن كثير: (4/390) وابن مردويه كما في الدر المنثور: (6/244) عن بريدة – رضي الله تعالى عنه – قال: في تفسير قول الله – جل وعلا –: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} التحريم5، وعد الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – في هذه الآية أن يزوجه بالثيب آسية امرأة فرعون، وبالبكر مريم بنت آل عمران، قال ابن كثير وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة مريم عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: جاء جبريل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فمرت خديجة – رضي الله تعالى عنها – فقال جبريل – عليه السلام –: "إن الله يقرئها السلام، ويبشرها ببيت في الجنة من قصيب، بعيد عن اللهب، لا نصب فيه ولا صخب، من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران، وبيت أسية بنت مزاهم" وروي عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل على خديجة – وهي في الموت – فقال: "يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئهن مني السلام، فقالت يا رسول الله، وهل تزوجت قبلي؟ قلا: لا، ولكن الله زوجني مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وكلثم أخت موسى" على نبينا وعليهم جميعاً الصلاة والسلام، وروي عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "أعلمت أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون فقلت: هنيئاً لك يا رسول الله" وروي مرسلا ً عن ابن أبي داود، وقد حكم ابن كثير على جميع تلك الروايات بالضعف.

وورد في مسند أبي يعلى عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – وفي معجم الطبراني ومسند البزار عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قيل يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنفضي إلى نساءنا في الجنة؟ فقال: "إي والذي نفسي بيده، إن الرجل ليفضي في اليوم الواحد إلى مائة عذراء (¬1) " وفي زوائد نعيم بن حماد على رواية المروزي لكتاب الزهد لابن المبارك: عن كثير بن مرة – رحمه الله تعالى – قال: إن من المزيد في الجنة أن تمر السحابة بأهل الجنة، فتقول: ما تدعون أن أمْطِرَكمْ؟ قال: فلا يدعون بشيء إلا أمطرتهم، قال كثير بن مرة: لئن أشهدني الله ذلك لأقولن أمطرينا جواري مزيناتٍ (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد: (10/416، 417) وقال عن رواية أبي يعلى في إسناده زيد بن أبي الحواري وقد وثقه على ضعف، وبقية رجاله ثقات. وقال عن رواية البزار والطبراني في الأوسط والصغير رجالها رجال الصحيح غير محمد بن ثواب وهو ثقة، ونقل عن البزار رواية أخرى عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه –: قال: سئل النبي – صلى الله عليه وسلم – هل يمس أهل الجنة أزواجهم؟ فقال: نعم بذكر لا يمل، وفرج لا يحفي، وشهوة لا تنقطه" وفي الإسناد عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وهو ضعيف بغير كذب، وبقية رجاله ثقات 1هـ والرواية السابقة تشهد لهذه وقد حكم بصحتها الضياء المقدس كما في فتح الباري: (6/325) . (¬2) انظر زوائد رواية نعيم لكتاب الزهد لابن المبارك: (70) وكثير بن مرة الحمصي ثقة من أئمة التابعين، أدرك سبعين بدرياً كما تهذيب التهذيب: (8/429) .

وتلك النساء قد ورد وصفهن عن خاتم الأنبياء – صلى الله عليه وسلم – بما يحرك عزائم الأتقياء للمسارعة في طاعة رب الأرض والسماء ففي صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "لورحة ٌ في سبيل الله، أو غدوة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيدٍ – يعني سوطه – خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها – يعني: الخمار – خير من الدنيا وما فيها (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري كتاب الجهاد – باب الحور العين، وصفتهن –: (6/15) ، وكتاب الرقاب – باب صفة الجنة والنار –: (11/418) بشرح ابن حجر فيهما وسنن الترمذي – كتاب فضائل الجهاد – باب ما جاء في فضل الغدو الرواح في سبيل الله –: (5/367) ، والمسند: (3/141، 157، 264) ورواه ابن حبان في صحيحه – موارد الظمآن – كتاب صفة الجنة – باب في نساء أهل الجنة –: (654) ، وقد وهم الهيثمي فأورده في الموارد وهو في صحيح البخاري، ورواه أحمد في المسند: (2/483) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – وفي معجم الطبراني الأوسط بسند جيد كما في مجمع الزوائد: (10/418) عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لو اطلعت امرأة من أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً، ولأضاءت ما بينهما، ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" وفي صحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب صفة الجنة – باب في نساء الجنة: (654) ، والمسند: (3/75) ، ومسند أبي يعلى كما في مجمع الزوائد: (10/419) ، وإسنادها حسن عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول، ثم تأنيه امرأته فتضرب على منكبيه، فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرف والمغرب، فتسلم عليه، قال: فيرد السلام، ويسألها من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد، وإنه ليكون عليها سبعون ثوباً أدناها مثل النعمان من طوبى، فينفذها ببصره، حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها من التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمعرب".

" وورد في معجم الطبراني الكبير والأوسط عن أم سلمة – رضي الله تعالى عنها – قالت: قلت: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخبرني عن قول الله – عز وجل –: "حور عين"، قال: حور: بيض، عين: ضخام العيون، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسور، قلت: يا رسول الله، فأخبرني عن قول الله – عز وجل –: "كأنهن الياقوت والمرجان"، قال: صفاؤهن كصفاء الدر الذي في الأصداف لا تمسه الأيدي، قلت يا رسول الله، فأخبرني عن قول الله – عز وجل – "فيهن خيرات حسان" قال: خيرات الأخلاق حسان الوجوه، قالت: قلت يا رسول الله، فأخبرني عن قوله – عز وجل –: "كأنهن بيض مكنون" قال: رقتهن كرقة الجلد الذي في داخل البيضة مما يلي القشرة، قلت: يا رسول الله، فأخبرني عن قوله – عز وجل –: "عرباُ أتراباً" قال: هن اللاتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصاً شمطاً، وخلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى، قال: عرباً: متعشقات متحببات، أترابا: على ميلاد واحد، قالت: قلت يا رسول الله، أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟ قال: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة، قلت: يا رسول الله، وبم ذلك؟ قال: بصلاتهن، وصيامهن، وعبادتهن لله – عز وجل –، أليس الله – عز وجل – وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب، يقلن: ألا ونحن الخالدات فلا نَموتُ أبدا ... ألا ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا جج ... ج ألا ونحن المقيمات فلا نَظعنْ أبدا ... ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا طوبى لمن كنا له وكان لنا

قلت: يا رسول الله، المرأة تتزوج الزوجين والثلاثة والأربعة في الدنيا، ثم تموت، فتدخل الجنة، ويدخلون معها، من يكون زوجها منهم؟ قال: يا أم سلمة، إنها تخير، فتختار أحسنهم خلقاً، فتقول: أيْ رب إن هذا كان أحسنهم خلقاً في دار الدنيا فزوجنيه، يا أم سلمة، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد: (7/119، 10/417-418) ، وفي سند الزوايتين سليمان بن أبي كريمة وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم وابن عدي 10هـ وقال الذهبي في الميزان: (2/221-222) ضعفه أبو حاتم، وقال ابن عدي: عامة أحادثه مناكير، ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً، ثم أورد هذا الحديث في ترجمته، وقال: لا يعرف إلا بهذا السند، وفي لسان الميزان: (3/102) قال العقيلي بعد أن أورد له هذا الحديث: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به 10هـ وذكره المنذري في الترغيب والترهيب: (4/537 مضعفاً له، قال عبد الرحيم: وإنما ذكرت هذا الحديث لأن معناه صحيح تشهد لغة العرب لما فيه من تفسير، وتدل نصوص الشرع على ما فيه من تبشير، ومثل هذا الحديث يتسامح بروايته في مثل هذه المواطن، وغناء الحوريات، والنساء التقيات ثابت عن خير البريات – صلى الله عليه وسلم – ففي معجمي الطبراني والصغير والأوسط بسند رجاله الصحيح كما في مجمع الزوائد: 10/419 والترغيب والترهيب: (4/538) عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط، وإن مما يغنين به: نحنُ الخيراتُ الحِسان ... أزواجُ قوم ٍ إكِرام ينظرون بقرّة أعيان وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا نمتنه ... نحن الآمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه

وبالجملة فحال الجنة فوق ما يخطر ببالنا، أو يدور في خيالنا، كما في سنن ابن ماجه، وصحيح ابن حبان وغيرهما عن أسامة بن زيد – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم لأصحابه: "ألا مُشَمِرٌ للجنة؟ فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، في مقام أبداً، في حبرة ونضرة، وفي دور عالية بهية، قالوا: نحن المشمرون لها يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: قولوا: إن شاء الله، ثم ذكر الجهاد وحض عليه (¬1) . ومن أراد مزيد بيان لما يكون في دار الجنان، فعليه بمطالعة كتاب شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية – عليه رحمة رب البرية –: "حادي الأرواح في بلاد الأفراح". ¬

_ (¬1) انظر سنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب صفة الجنة –: (2/1448) ، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب صفة الجنة – باب فيما في الجنة من الخيرات: (651) وعزاه إليهما الحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: (4/526) ، وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: (4/514، 515) ورواه ابن أبي الدنيا، والبزار، والبيهقي 1هـ والحديث في سنده الضحاك المَعافِري بفتح الميم المهملة، وكسر الفاء مقبلو كما في التقريب: (37491) ، وفي الميزان: (1/327) لا يعرف ما روي عنه سوى محمد بن مهاجر الأنصاري وذكره حبان في ثقاته 10هـ وقال المنذري في الترغيب والترهيب: (4/515) لم أفق فيه على جرح ولا تعديل لغير ابن حبان، بل هو في عداد المجهولين.

وكل ما ورد من أخبار عما ينعم به الأبرار في دار القرار في جوار العزيز الغفار، مخالف لما هو موجود في هذه الدار، كيفية وماهية، مع اتفاقهما في الاسم، واتحادهما في المسمى وكل منهما مخلوق، وذلك لأن الاتحاد والاتفاق في حالة الإطلاق ولكل منهما عن التقييد معنى يخصه فأنى ثم أنى تكون صفات رب العالمين كصفات المخلوق من طين إذا حصل بينهما اشتراك في الاسم، واتفاق في المسمى في حالة الإطلاق، والتجريد عن التقييد؟ نعوذ بالله من سوء الفهم، وانطماس البصيرة، ونسأله – جل وعلا – ذكاء العقل وزكاء السريرة، فهو حسبنا وهادينا ونعمه علينا كثيرة وفيرة.

وإذا كان ما في الجنة الباقية يباين ما في الدنيا الفانية مباينة تامة كاملة، مع اتفاقهما في الاسم، واتحادهما في المسمى، فإن ما في النار يباين أيضاً ما في هذه الدار، مع اشتراك ما فيهما في الاسم، واتحادهما في المسمى، ولن أفيض في بيان ذلك، إنما سأقتصر على مقال فقط مما هنالك، ورد عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – بإسناد صحيح في تفسير قول الله – جل وعلا –: {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} النحل88، أنه قال: زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطِوال (¬1) . ¬

_ (¬1) انظره في المستدرك – كتاب التفسير، وكتاب الأهوال: (2/356، 4/594) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، ورواه الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (7/48، 10/390) ، ورواه أيضاً أبو يعلى كما في المطالب العالية: (3/348) ، والترغيب والترهيب: (4/476) ، وانظره في تفسير ابن جرير: (14/107) وزاد السيوطي في الدر: (4/127) نسبة تخريجه إلى عبد الرزاق، والفرياني، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة وهناد بن السري، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في البعث والنشور.

وفي المسند وغيره بسند حسن عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن في النار حيات كأمثال أعناق البُخت تلسع إحداهن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفاً، وإن في النار عقارب كأمثال البغال الموكفة تلسع إحداهن اللسعة فيجد حموتها أربعين خريفاً (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/191) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (10/390) ورواه الطبراني، وفيه جماعة وثقوا، شطر الحديث الأول رواه الحاكم في المستدرك – كتاب الأهوال –: (4/593) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، ورواه ابن حبان في صحيحه – موارد الظمآن البعث – باب في صفة جهنم –: (649) عزاه المنذري في الترغيب والترهيب: (4/476) لهؤلاء الأربعة ومعنى "البخت" الإبل كما في مختار الصحاح: (54) "بخت"، ومعنى "الموكفة" التي عليها إكاف، وهو ما يوضع على ظهر الحمار والبغل، كما يوضع السرج على الفرس، انظر مختار الصحاح: (760) "وكف"، وتلك العقوبة العظيمة ليست خاصة بالكفار، إنما تشمل جميع الأشرار كما دلت على ذلك صحاح الآثار، ففي المسند: (5/300) ، ومعجم الطبراني الكبير والأوسط، كما في المجمع: (6/258) ، والترغيب والترهيب: (3/279) بسند حسن عن أبي قتادة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من قعد على فراش مُغيبة قيض الله له يوم القيامة ثعباناً"، والمغيبة بضم الميم، وكسر الغين، وبسكونها أيضاً مع كسر الياء: هي التي غاب عنها زوجها، كما في الترغيب والترهيب، وروى الطبراني بسند رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: (6/258) والترغيب والترهيب: (3/279) ، والخرائطي في مساوئ الأخلاق كما في الجامع الكبير: (1/738) عن عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – رفع الحديث، قال: "مثل الذي يجلس على فراش المغيبة مثل الذي ينهشه أسود من أساود يوم القيامة" والأساود: الحيات، واحدة: أسود كما في الترغيب والترهيب.

". ومن المعلوم لكل ذي حِجا أن تلك الحيات والعقارب تشارك حيات الدنيا وعقاربها في الاسم، وتماثلها في المسمى وهي مع ذلك تختلف عنها في الكيفية والماهية، فحجم حيات الآخرة وعقاربها يختلف عن حجم حيات الدنيا وعقاربها، وهكذا تختلف عنها أيضاً في مقدار سمها وشدة ضررها، كما تختلف عنها في ماهيتها وحقيقتها، فهي تؤذي أهل النار بسمها، ولا تتأذى هي بحرها، فلا وجود لذلك التماثل والاتفاق إلا في حالة الإطلاق، وعند التقييد والتخصيص ينفرد كل منهما عن الآخر بما يناسبه من معنى، ويتميز عنه بذلك وإذا كان هذا ثابتاً بين المخلوقات فثبوته أشد وأعظم فيما بين الخالق والمخلوقات، وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم، كما قال ربنا في سورة الروم 27 وفي سورة النحل 60: {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

ولما لم يدرك المشركون ذلك الفرق الفارق بين الصفات والمسميات لركة عقولهم، وانطماس بصيرتهم، وشططتهم وعتوهم، أثاروا لغطأً وضجيجاً، حول ما أنزله الله ليكون لهم هداية وتسديداً قال الله – جل وعلا –: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً} الإسراء60 ثبت في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: " وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ" هي رؤيا عين أريها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلة أسرى به " وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ" هي شجرة الزقوم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة الإسراء – باب وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس: (8/398) ، وفي كتاب مناقب الأنصار – باب المعراج –: (7/203) بشرح ابن حجر فيهما وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة بني إسرائيل: (8/288-289) ، ونحوه في المسند: (1/374) وانظر الأثر في المستدرك – كتاب التفسير –: (2/362-363) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، وأقره الذهبي، وقد تقدمت رواية البخاري له فتنبه، وانظره في تفسير ابن جرير: (15/76) ورواه أيضاً عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والنسائي في الكبرى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في دلائل النبوة كما في الدر المنثور: (4/191) .

ووجه ذلك الاختبار أن المشركين ضجوا، وبالسفاهة عجوا، ونكصوا على أعقابهم وارتدوا فقالوا: كيف يذهب محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى بيت المقدس، ويرجع ببعض ليلة؟ وكيف تكون الشجرة في النار، ولا تحترق؟ والنار تحرق الأشجار، فكيف تنبتها؟ قال ربنا – جل وعلا – في سورة الصافات بعد بيان نعيم المؤمنين في الجنات: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} الصافات 62-66 روى ابن جرير وغيره عن قتادة – رحمهم الله تعالى – قال: لما ذكر الله – جل وعلا – شجرة الزقوم، افتتن الظلمة – أبو جهل وأصحابه – فقالوا: ينبئكم صاحبكم هذا أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فأنزل الله – جل وعلا – ما تسمعون: " إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ" غُُذيت بالنار، ومنها خلقت (¬1) ، ¬

_ (¬1) انظر تفسير ابن جرير: (23/41) ، ورواه عنه عبد بن حميد، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور: (5/277) قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (4/10) ، ومعنى الآية: إنما أخبرناك يا محمد – صلى الله عليه وسلم – بشجرة الزقوم اختباراً نختبر به الناس منهم ممن يكذب، ونحوه فيزاد المسير: (7/62-63، 5/55) ، والسراج المنير: (3/379) ، ومفاتيح الغيب: (26/141-142) ، وفي تفسير ابن جرير: (23/41) وعبد بن حميد كما في الدر: (5/277) عن مجاهد: قال أبو جهل الزقوم: التمرد الزيد أتزقمه، فأنزل الله – جل وعلا – في سورة الدخان: (43-46) : {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} قال الألوسي في روح المعاني: (23/95) قال أبو جهل ما قال استخفافاً بأمرها لا إنكاراً للمدلول اللغوي، وقول أبي جهل العاتي منقول أيضاً عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: لما ذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شجرة الزقوم تخويفاً لهم، قال أبو جهل....إلخ روى ذلك ابن إسحاق وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث كما في الدر المنثور: (4/191) .

فهل يريد المعطلة الأرزال، أن يضارعوا المشركين الأسافل لأن توهم مماثلة صفات رب العالمين، لما هو معروف في المخلوقين الناقصين، مسلك المشركين الضالين، في الزمن القديم، وفيما بعده من الأحايين، قال الإمام القرطبي – عليه رحمة الله تعالى –: وكان هذا القول منهم جهلا ً، إذ لا يستحيل في العقل أني خلق الله في النار شجراً من جنسها لا تأكله النار، كما يخلق الله فيها الأغلال، والقيود والحيات والعقارب، وخزنة النار، وقيل: هذا الاستبعاد الذي وقع للكفار هو الذي وقع الآن للملحدة، حتى جملوا الجنة والنار على نعيم أو عقاب تتخلله الأرواح، وحملوا وزن الأعمال والصراط، واللوح والقلم على معان زوروها في أنفسهم، دون ما فهمه المسلمون من موارد الشرع (¬1) . قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: شجرة الزقوم لأهل الجحيم، كشجرة طوبى لأهل النعيم، والفرق بين الشجرتين، كالفرق بين الدارين، وإليك بعض ما ورد في وصفها مَنّ الله الكريم علينا، بالتمتع بها والأكل من ثمرها، إنه سميع الدعاء. ¬

_ (¬1) انظر تفسير القرطبي: (15/86) ، وتقدم في هذا الكتاب المبارك النقل عن الفاضل ابن النفيس في صفحة (.....) أنه لا يوجد إلا مذهبان مذهب أهل الحديث، ومذهب الفلاسفة التعيس.

ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أن نبينا الأمين – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم" {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} الواقعة30 (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة: (7/319) ، وكتاب التفسير – سورة الواقعة – باب "وظل ممدود": (8/627) ، بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب الجنة وصفة نعيمها – باب إن في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها –: (4/2175) ، وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة الوقعة –: (9/34) وأول كتاب صفة الجنة: (7/209) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب صفة الجنة: (2/1450) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب في أشجار الجنة –: (2/338) ، والمسند: (2/257، 404، 418، 438، 452) ، وفي: (455) بلفظ "سبعين أو مائة"، وفي: (462، 30469/164،ن 185) ورواه الطبراني في تفسيره: (27/105) ، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة، وهناد بن حميد، وابن المنذر وابن مردويه في الدر: (6/175) ،وأما رواية أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – فرواها البخاري في كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار –: (11/416) ، وكتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار: (11/416) بشرح ابن حجر ورواها مسلم في المكان المتقدم، والترمذي في كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة شجر الجنة –: (7/209) ، وابن مردويه كما في الدر: (6/157) وأما رواية سهل بن سعد – رضي الله تعالى عنه – فرواها البخاري – في كتاب الرقاق – باب صفة الجنة والنار –: (11/415) بشرح ابن حجر، ورواها مسلم في صحيحه في المكان المتقدم، والحديث رواه الترمذي عن رواية أنس – رضي الله تعالى عنه – في كتاب التفسير – سورة الواقعة –: (9/34-35) ،وقال: هذا حديث حسن صحيح، قال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (10/501) ، وهو كما قال وانظره في المسند: (3/110، 135، 164، 185، 207، 234) ، وتفسير الطبري: (27/105، 106) وروى نحوه الترمذي في كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة ثمار أهل الجنة –: (7/220) عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله تعالى عنهما – وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب وفي بعض النسخ: هذا حديث حسن غريب، قال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (10/503) وهو حديث حسن.

وتلك الشجرة هي شجرة طوبى كما نقل ذلك الإمام ابن حجر عن الإمام ابن الجوزي – عليهم رحمة الله تعالى – وارتضى ذلك، واستشهد عليه وقواه، وفي القرآن الكريم: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} الرعد29، قال ابن عباس وأبو هريرة – رضي الله تعالى عنهم – طوبى اسم شجرة في الجنة. زاد أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه –: يقول الله لها: تفتقي لعبدي عما شاء فتتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجُمِها، وعن الإبل برحالها وأزمتها، وعما شاء من الكسوة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري: (7/326) ، وانظر أثري ابن عباس وأبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم – في تفسير الطبري: (13/99) ، وروى الأثر عن ابن عباس أيضاً ابن المنذر، وأبو الشيخ، ورواه عن أبي هريرة عبد الرزاق، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور: (4/59.)

وفي المسند، ومعجم الطبراني الكبير والأوسط عن عتبة بن عبد السلمي – رضي الله تعالى عنه – قال: جاء أعرابي إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فسأله عن الحوض، وذكر الجنة ثم قال الأعرابي فيها فاكهة؟ قال: "نعم، وفيها شجرة تدعى طوبى، قال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبيه شيئاً من شجر أرضك، ولكن أتيت الشام؟ قال: لا يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: فإنها تُشبه شجرة بالشام، تدعى "الجَوْزة" تنبت على ساق واحد، وينفرش أعلاها، قال: فما عِظم أصلها؟ قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرماً، قال: فيها عنب؟ قال: نعم، قال: فما عظم العنقود فيها؟ قال: مسيرة شهر للغراب الأبقع لا ينثني ولا يفتر، قال: فما عظم الحبة منه؟ قال: هل ذبح أبوك تيساً من غنمه عظيماً؟ قال: نعم، قال: فسلخ إهابه فأعطاه أمك، فقال: ادبغي هذا، ثم افري لنا منه ذنوباً يروي ما شيتنا؟ قال: نعم، قال: فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: وعامة عشيرتك (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/183) ، ورواية الطبراني في الأوسط والكبير في مجمع الزوائد: (10/413-414) وقال: فيه عامر بن زيد البكالي، وقد ذكره ابن أبي حاتم، ولم يخرجاه، ولم يوثقه، وبقية رجاله ثقات وانظره في تفسير الطبري: (13/100-101) ، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب صفة الجنة – باب شجر الجنة: (652-653) ، وعزاه المنذري في الترغيب والترهيب: (4/521) للبيهقي أيضاً وصنيعه يقضي بحسن الحديث عنده، والحديث رواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه أيضاً كما في الدر المنثور: (4/59) ، ورواه الثعلبي أيضاً في تفسير كما في تفسير القرطبي: (9/317) ،وقال القرطبي وهي حديث صحيح على ما ذكره السهيلي، ذكره أبو عمر في التمهيد، ومنه نقلناه 10هـ واستشهد به الحافظ في الفتح: (7/326) ,صنيعه يقضي بحسنه، كما أفصح عن ذلك في مقدمته: (4) ومعنى قوله: "افري لنا ذنوبا" أي شقي، واصنعي، والذنوب بفتح الذال المعجمة: الدلو، وقيل: لا تسمى ذنوباً إلا إذا كانت ملأى، أو دون الملأى كما في الترغيب والترهيب: (4/522) .

وفي مسند الإمامين أحمد وأبي يعلى عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – أن رجلا ً قال للنبي – صلى الله عليه وسلم –: يا رسول الله، طوبى لمن رآك، وآمن بك، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "طوبى لمن رآني وآمن بي، ثم طوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني" فقال له الرجل: وما طوبى؟ قال: "شجرة في الجنة مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المسند: (3/71) ، ورواية أبي يعلى في مجمع الزوائد: (10/67) ، وانظره في صحيح ابن حبان موارد الظمآن – كتاب المناقب – باب فيمن آمن بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ورآه، من آمن به ولم يره: (573) ، وتفسير ابن جرير: (13/101) ، وتاريخ بغداد: (4/91) ورواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه أيضاً كما في الدر المنثور: (4/59) ، والجامع الكبير: (1/567) . والحديث رواه الطبري في تفسيره: (13/101) عن معاوية بن قرة عن أبيه – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "طوبى هلم وحسن مآب" شجرة غرسها الله بيده ونفخ فيها من روحه بالحُلى والحُلل، وإن أغصانها لترى من رواء سور الجنة" وانظر آثار كثيرة تشبه هذا في الدر المنثور: () 4/58-62، وتفسير ابن جرير: (13/99-101) . وقد ورد التصريح بكون ثياب أهل الجنة تنشق عنها ثمار الجنة، وتخرج من أكمامها في أحاديث كثيرة، منها ما في مسند البزار بسند رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: عن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قام رجل فقال: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخبرنا عن ثياب أهل الجنة، أخلق يخلق، أن نسيج ينسج؟ فضحك بعض القوم، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "مم تضحكون، من جاهل يسأل عالماً؟ أين السائل؟ قال: أنا ذا يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: تنشق عنها ثمار الجنة"، وروى نحوه أبو يعلى، والبزار، والطبراني في الصغير والأوسط، وعن جابر – رضي الله تعالى عنهما – وإسناد أبي يعلى والطبراني رجاله رجال الصحيح غير مجالد بن سعيد وقد وثق كما في مجمع الزوائد: (10/415) وفيه: أن السائل أعرابي، وقال: ثيابنا في الجنة ننسجها بأيدينا......إلخ.

". قال كاتب هذه الأسطر – ستره الله في الدنيا والآخرة –: تفسير النبي – صلى الله عليه وسلم – لطوبى بأنها شجرة في الجنة من باب تفسير اللفظ بأشهر أفراده، وأجود أنواعه، وذلك لا يمنع من حصول خيرات لهم يسرون بها غير ما ينالون من تلك الشجرة المباركة، لأن لفظ "طوبى" مصدر من طاب كبشرى وزلفى، وذلك شامل لما يناله من عيش طيب، وتحصيل كرامة، وإصابة خير، وقرة عين، فدخل في ذلك تنعيمهم بتلك الشجرة الطيبة بسائر ما يحصلونه من الطيبات، هذا أولى من قول الإمام القرطبي – عليه رحمة الله تعالى –: "حيث قال: والصحيح أنها شجرة، للحديث المرفوع الذي ذكرناه 10هـ لأنه لا منافاة بين القولين، بل تفسير "طوبى" بمعناها في اللسان العربي يشمل ما ثبت عن هادينا النبي – صلى الله عليه وسلم –، وذلك التفسير أشمل وأجمع، وأوسع وأنفع (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تفسير القرطبي: (9/317) ، وإلى نحوه ما ذكرت مال الرازي في تفسيره: (19/50) ، وهذه المسألة نظير ما ثبت في صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة "إنا أعطيناك الكوثر": (8/731) بشرح ابن حجر، وتفسير الطبري: (30/208) ، والمستدرك – كتاب التفسير –: (2/537) ،وقال هذا: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وتقدم إخراج البخاري له فتذكر..عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنه – أنه قال في "الكوثر": هو الخير الكثير، الذي أعطاه الله إياه، قال أبو بشر، فقلت لسعيد بن جبير: فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه – صلى الله عليه وسلم – قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (4/558) ،وهذا التفسير يعني النهر وغيره، لأن الكوثر من الكثرة، وهو الخير الكثير، ومن ذلك النهر 1هـ وما ذكره الإمام ابن كثير أولى من قول الحافظ في الفتح: (8/732) ، ولعل سعيداً أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه، لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي – صلى الله عليه وسلم – فلا معدل عنه 10هـ نعم لا معدل لما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا يجوز إخراج ذلك المعنى من لفظ "الكوثر" بحال، وليس في شمول لفظ "الكوثر" للنهر وغيره عدول عن تفسير النبي – صلى الله عليه وسلم – وكلما أمكن تكثير المعاني، وحمل الألفاظ عليها فهو أولى، ولا ينبغي العدول عنه، والله أعلم.

وصفوة المقال: إن شجرة الزقوم التي تخرج في أصل الجحيم، اتفقت في مسمى الشجرة مع شجرة طوبى المعدة للأبرار، والتباين بينهما كالتباين الحاصل بين دار الأبرار، ودار الفجار والأشرار والتباين أيضاً بين ما في الآخرة من نعيم للمؤمنين، وجحيم للكافرين، وبين ما هو موجود في الحياة الدنيا كالتباين بين الدارين، ولا يعلم حقيقته إلا رب الكونين، وليس بين تلك المسميات اتفاق إلى في الأسماء، فالمباينة بين صفات المخلوقين الضعفاء، وبين صفات رب الأرض والسماء، أعظم بلا امتراء، فقبحاً ثم قبحاً لعقول المعطلة، وتباً ثم تباً لتلك العقول السافلة، حيث لم تفهم من صفات الله الجليل، إلا التمثيل بالمخلوق الحقير، تعالى عن ذلك ربنا العلي الكبير: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحج74، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} الزمر67. وقد كان الناس صنفان، نحو صفات الرحمن، ونحو ما يكون في الآخرة من عذاب وإكرام أهل السنة الكرام: يثبتون الأمرين على حقيقتهما كما أخبر الرحمن، ولا يتوهمون كيفية في الأذهان، ويثبتون المباينة بينهما وبين ما هو معروف للإنسان. فلا سفة زنادقة، وباطنية من دين الله مارقة، ينفون الأمرين كليهما، ويحملون النصوص الواردة فيهما، على التلبيس والتخييل، والتمويه والتضليل، والرمز والتزوير – فعليهم لعنة الله الجليل.

ثم نبت صنف ثالث، وهم أهل الكلام، فركبوا مذهباً جديداً جمعوا به بين الكفر والإيمان حيث أثبتوا ما يكون في الآخرة من عذاب وإحسان، وقالوا: إن ذلك حقيقة على غير ما يتوهمه الإنسان، وهذا خلاف ما قرره الفلاسفة أتباع الشيطان، وهو قول أهل السنة الكرام، لكنهم أركسوا بعد ذلك في الهذيان، فحرفوا الكلام عن مواضعه في صفات ربنا الرحمن، فحملوها على الكنايات والرمز ومنكر الأوهام، وهذا خلاف قول أهل الإيمان، وهو قول الفلاسفة اللئام. وبذنيك المسلكين كانوا متناقضين، وبين حزب الإيمان وحزب الشيطان مذبذبين ـ وترتب على قولهم نصرة مذهب الفلاسفة الملعونين، لأنه إذا جاز صرف الكلام عن ظاهره في صفات رب العالمين، حسبما يتخرص بعض المتوهمين، فيجوز أيضاً صرف الكلام عن ظاهره في إخبار رب العالمين، عما يكون في الآخرة من نعيم للمؤمنين، وجحيم للعتاة الطاغين (¬1) . نسأل الله الكريم إيمان الراسخين، والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم، مع عباده المتقين في عليين، آمين أمين والحمد لله رب العالمين. المثال الثاني: "الروح": ... وجود الروح في الإنسان، يدل على صحة طريقة أهل السنة، في إيمانهم بصفات ربهم ذي الجلال والإكرام، ووجه ذلك: أن الروح موصوفة بصفات، توافق الأجسام المشاهدات، ومع ذلك فلا تماثل بين صفات الأرواح، وصفات الأشباح (¬2) ، وبينهما من البون، ما لا يعلمه إلا رب الكونين، وعقول العباد عاجزة عن تكييف الروح، وقاصرة عن تحديدها، لأنهم لم يشاهدوها ولم يشاهدوا لها نظيراً، وحقيقة الشيء لا تدرك إلا بمشاهدته، أو بمشاهدة نظيره. ¬

_ (¬1) انظر إيضاح هذا في رسالة التدمرية: (32-34) وصفحة: (......) من هذا الكتاب المبارك. (¬2) الشبح بفتحتين: الشخص، وقد تسكن باؤه، كما في مختار الصحاح: (349) "شبح".

.. ومن المعلوم لذي العقول والفهوم أن الروح ليست من جنس هذا البدن، ولا من جنس عناصر المخلوقات من التراب والماء، والنار والهواء، ولا من المولدات من تلك العناصر، بل هي من جنس آخر مخالف لهذه الأجناس، فهي مما استأثر بعلمه رب الناس، كما قال ربنا – جل وعلا – {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} الإسراء85، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: بينما أنا أمشي مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في خِرَبِ المدينة – وهو يتوكأ على عسيب معه – فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يجيء فيه بشيء تكرهونه، فقال بعضهم: لنسألنه، فقام رجل منهم، فقال: يا أبا القاسم – صلى الله عليه وسلم – ما الروح؟ فسكت بعلمت أنه يوحى إليه، فقمت من مقامي، فلما نزل الوحي، فقال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} الإسراء85 (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب العلم – باب قول الله تعالى: " وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ": (1/223) ، وكتاب التفسير – سورة الإسراء: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ" (8/401) ، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه: (13/265) ، وخرجه معلقاً عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في باب ما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي أو قياس: (13/290) وخرجه في كتاب التوحيد – باب قوله تعالى – " وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ": (13/440) وباب قول الله تعالى –: " إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ ": (13/442) بشرح ابن حجر في جميع ما تقدم، وانظره في صحيح مسلم – كتاب صفة المنافقين – باب سؤال اليهود للنبي – صلى الله عليه وسلم – عن الروح –: (17/136-137) بشرح النووي، وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة الإسراء: (8/293) وقال: هذا حديث صحيح حسن، والمسند: (1/389، 410، 444) ، وتفسير ابن جرير: (15/104) ، وأسباب النزول للواحدي: (187) ، ومعالم التنزيل للبغوي: (4/181) ، ومعجم الطبراني الصغير: (2/86) ، وانظر من خرجه غير ما تقدم في الدر المنثور: (4/199) .

.. وثبت في المسند والمستدرك وسنن الترمذي وغيرهما عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه عن الروح، فأنزل الله – تبارك وتعالى –: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} الإسراء85، قالوا: أوتينا علماً كبيراً، أتينا التوراة فيها حكم الله، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، فنزلت: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} الكهف 109 (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب التفسير- سورة الإسراء –: (8/292) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه 10هـ وحسنه أيضاً الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (2/218) ، والمسند: (1/255) ، والمستدرك: (2/531) – كتاب التفسير – سورة "إنا أنزلناه"، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وعلقه عن عكرمة عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم – الواحدي في أسباب النزول: (197) ، وعلقه عن ابن عباس البغوي في معالم التنزيل: (4/181) ، وانظر بقية من خرج هذه الرواية في الدر المنثور: (4/199-200) . والسببان في نزول الآية الكريمة – كما ترى – متعارضان، فحديث ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – المروي في الصحيحين وغيرهما يقيد مدنية الآية الكريمة، وحديث ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – المروي في سنن الترمذي وغيره يفيد مكيتها، ويتقوى هذا الخبر أيضاً بمكية سورة الإسراء ولدفع هذا التعارض، وإزالة الإشكال انقسم المفسرون ثلاثة أقسام: ا) قسم جنح إلى تعدد نزول الآية وتكرره، فنزلت بمكة جواباً لسؤال المشركين من قريش ويتفق هذا مع مكية سورة الإسراء، ثم بعد الهجرة المباركة تكرر السؤال عن الروح من قبل المشركين أهل الكتاب اليهود، فانتظر النبي – صلى الله عليه وسلم – نزول الوحي بالجواب، فنزل بما نزل به في مكة، ولعل انتظار النبي – صلى الله عليه وسلم – جواب الوحي، وعدم إجابته بما هو معروف عنده، أنه توقع نزول الوحي بزيادة بيان وإيضاح، ولكن الوحي نزل بما نزل به سابقاً وممن ذهب إلى هذا الأئمة الكرام ابن كثير في تفسيره: (3/60) ، والزركشي في البرهان: (1/30) وابن حجر في الفيتح: (8/401) وحكاه الألوسي في روح المعاني: (15/153) ولم يعترض عليه. وعبارة ابن حجر: ويمكن الجمع بأن يتعدد سبب النزول، بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك، وإن ساغ هذا، وغلا فما في الصحيحين أصح 10هـ وهذا القول هو أسد الأقوال، وأظهرها وبالقبول أولاها، لأن إعمال الدليلين خير من إهمال أحدهما. ب) فريق رجح خير ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – لمزيد قوته، وبلوغه أعلا مراتب الصحة، لإخراج الشيخين له، وأهمل هذا الفريق خبر ابن عباس – رضي الله تعالى عنه – مع صحته، لرجحان الأول عليه، ومن ثم قالوا: إن آية الروح مدنية، ولم يسبق لها نزول في مكة وممن ذهب إلى هذا القول من الأجلة: السيوطي في الإتقان: (1/120) ، وفي لباب النقول: (141) ، وابن القيم في كتاب الروح: (151-153) وحكاه عنه القاسمي في محاسن التأويل: (10/3992) وأقره، ومال إليه الشيخ مناع القطان في مباحث في علوم القرآن: (89) ، وهذا القول فيما يبدو لي حسن الأدلة المقررة ضعيف، لأنه إذا أمكن الجمع بين الدليلين، وإعمالهما معا، فلا يصار إلى النسخ والترجيح بالاتفاق، كما قال الشيخ العراقي في ألفيته: (356) : والمتن إن نافاه متن آخر ... وأمكن الجمع فلا تنافر ج أولا، فإن نسخٌ بدا فاعملْ به ... أولا فرجح واعملنْ بالأشبه قال ابن حجر في نخبة الفكر: (39-40) ، وإن عورض – أي: متن الحديث – بمثله، فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث، أولاً، وثبت المتأخر فهو الناسخ، والآخر المنسوخ، وإلا فالترجيح، ثم التوقف 10هـ والقول بتعدد نزول الآية الكريمة عند تعدد أسباب نزولها المتباعدة في الزمن بحيث لا يمكن القول بنزول الآية عقيب تلك الأسباب لطول المسافة الزمنية: قول معتبر، وهو من أوجه الجمع السديدة، ولا حجة معتبرة لمن منع تعدد نزول الآي كما تزعم ذلك القول العماد الكندي قاضي الإسكندرية المتوفى 720هـ صاحب كتاب الكفيل بمعاني التنزيل، وهو كتاب تفسير ضخم كبير يقع في ثلاث وعشرين مجلدة كبيرة كما في كشف الظنون: (2/1502) وقد حكى ذلك القول عنه السيوطي في الإتقان: (1/131) ورده، وتبعه على ذلك القول الشيخ مناع القطان من المحدثين في كتاب مباحث في علوم القرآن: (89) ولم يعتبرا تعدد النزول من وجوه الجمع المعتبرة بل صارا إلى الترجيح فيما بين الروايات، وهذا خلاف الصواب الذي عليه المحققون من أولي الألباب قال الزركشي في البرهان: (1/29-32) : وقد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه، وتذكيراً به عند حدوث سببه، خوف نسيانه، وانظر تفصيل الموقف نحو النصوص المتعارضة في مقدمة ابن الصلاح معها محاسن الإصلاح: (414-416) ، وفتح المغيث: (3/75-78) ، والتقريب وشرحه تدريب الراوي: (386-392) ، وقد عد الحازمي في مطلع كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار خمسين وجهاً للترجيح: (11/23) ، وقال: فهذا القدر كاف في ذكر الترجيحات، وثم وجوه كثيرة أضربنا عن ذكرها، كيلا يطول بها هذا المختصر 10هـ وقد ذكر هذه الخمسين العراقي في التقييد والإيضاح، وزاد عليها حتى بلغت عشرة ومائة وجه، وقال: وثم وجوه أخر للترجيح في بعضها نظر، وفي بعض ما ذكر أيضاً نظر 10هـ انظر: (286-289) . جـ) رووا السببين ولم يجمعوا بينهما، ولم يسلكوا مسلك الترجيح بينهما، ويشمل هذا القسم غالبية المفسرين، ولا يخفى على طالب العلم النبيه ضعف هذا المسلك وعدم تمشيه مع قواعد العلم المقرر، انظر ذلك المسلك على سبيل المثال في معالم التنزيل: وفي لباب التأويل ك (4/181-182) الأول على هامش الثاني، والتسهيل لعلوم التنزيل: (2/178) ، والبحر المحيط: (6/75) ، والدر المنثور: (4/199، 200) ، وقد اقتصر على أثر ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – الزمخشري في الكشاف: (2/464) ، وأبو السعود في إرشاد العقل السليم: (5/192) ، والصابوني في صفوة التفاسير: (2/170) واقتصر على أثر ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – كل من الطبري في جامع البيان: (15/104-105) ، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (10/323) والخطيب الشربيني في السراج المنير: (2/332) ، وكل ذلك غير سديد فاعلم، والله تعالى أعلم.

.. وإذا كان هذا حال الروح وهي موجودة حية، عالمة قادرة، سميعة بصيرة، تصعد وتنزل وتذهب وتجيء، وتدخل وتخرج، ولها نحو ذلك من الصفات، وتلك الصفات لا تماثل المساهد من المخلوقات، وفالخالق العظيم أولى بمباينته لمخلوقاته المساكين، وإن حصل الاتفاق في الأسماء والصفات، وأهل العقول هم أعجز عن أن يحدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح أو يكيفوها، وإذا كان من نفى صفات الروح جاحداً معطلا ً لها، ومن مثلها بما يشاهده من المخلوقات جاهلا ً ممثلا ً لها بغير شكلها، وهي مع ذلك ثابتة بحقيقة الإثبات، مستحقة لما لها من الصفات، فالخالق – سبحانه وتعالى – أولى أن يكون من نفى صفاته جاحداً معطلا ً، من قاسه بخلقه جاهلا ً به ممثلا ً، وهو سبحانه وتعالى – ثبت بحقيقة الإثبات، مستحق لما له من الأسماء الحسنى والصفات (¬1) . وإليك بعض مباحث متعلقة بالروح، لينكشف لك الحق بوضوح: أولا ً: الروح المسئول عنها في آية الإسراء المتقدمة هي التي بها يحيا البدن، هذا هو الحق ولا يعتد بخلاف هذا القول، وقد أورد الإمام ابن الجوزي – عليه رحمة الله تعالى – ستة أقوال في بيان الروح التي وقع عنها السؤال، وهي: 1- الروح الذي يحيا به البدن. 2- ملك على خلقه هائلة. 3- خلق على صور بني آدم. 4- جبريل – علي نبينا وعليه الصلاة والسلام. 5- القرآن الكريم. 6- عيسى – علي نبينا وعليه الصلاة والسلام. ¬

_ (¬1) انظر إيضاح هذا في الرسالة التدمرية: (36-38) وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/32-34) .

ثم قال الإمام الجوزي قال أبو سليمان الدمشقي – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى –: قد ذكر الله تبارك وتعالى – الروح في مواضع من القرآن، فغالب ظني أن الناقلين نقلوا تفسيره من موضعه إلى موضع لا يليق به وظنوه مثله، وإنما هو – أي المسئول عنه في سورة الإسراء – الروح الذي يحيا به ابن آدم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر زاد المسير: (5/82) ، ودليل القول الأول آية الإسراء على المعتمد، ودليل القول الثاني ما رواه الطبري في تفسيره: (15/104) ، وابن المنذر، وابن حاتم، وابن الأنباري في الأضداد وأبو الشيخ في العظمة، والبيهقي في الأسماء والصفات كما في الدر: (4/200) عن علي – رضي الله تعالى عنه – وعليه يحمل قول الله – جل وعلا –: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} النبأ38، ودليل الثالث ما رواه عبد بن حميد، وأبو الشيخ كما في الدر المنثور: (4/200) ودليل الرابع قول الله – جل وعلا –: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} الشعراء 193-194، ودليل الخامس قول الله – تبارك وتعالى –: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الشورى52، ودليل السادس قول الله – جل وعلا –: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} النساء171، وانظر التوسع في كتاب الروح: (153-154) .

.. وهذا الذي رجحه الدمشقي ومال إليه هو قول معظم المفسرين وجمهورهم، وقد خالف ابن القيم في ذلك فقال في كتابه العظيم "الروح" وأكثر السلف بل كلهم على أن الروح المسئول عنها في الآية ليست أرواح بني آدم، بل هو الروح الذي أخبر الله تعالى عنه في كتابه أنه يقوم يوم القيامة مع الملائكة، وهو ملك عظيم 1هـ وتبعه على الخلاف القاسمي في محاسن التأويل قال: الذي أراه متعيناً في الآية لسابقها ولا حقها، أن المراد بالروح الوحي بالقرآن ... إلخ , إليك بعض من مذهب إلى القول الأول، وعليه عند التحقيق المعول، فابن العربي في أحكام القرآن اقتصر عليه ولم يذكر سواه، فقال: والروح خلق من خلق الله تعالى جعله الله في الأجسام، فأحياها به.. فإذا أراد العبد إنكارها لم يقدر، لظهور آثارها وإذا أراد معرفتها – وهي بين جنبيه – لم يستطع، لأنه قصر عنها، وقصر به دونها، قال أكثر العلماء: إنه سبحانه ركب ذلك فيه عبرة، ليرى أن الباري – تعالى – لا يقدر على جحده لظهور آياته في أفعاله.... إلخ وقال البغوي: وقال قوم: هو الروح المركب في الخلق الذي يحيا به الإنسان، وهو الأصح 1هـ وتبعه على هذا الخازن، وقال الراغب في المفردات: هو المذكور في الآية 1هـ وقال الرازي: أظهرها أن المراد من الروح الذي هو سبب الحياة 1هـ ونقل القرطبي عن أكثر أهل التأويل: أن السؤال وقع عن الروح الذي يكون به حياة الجسد وأقر ذلك.

وفي الكشاف: والأكثر على أنه الروح الذي في الحيوان 1هـ وفي التسهيل: والروح هنا عند الجمهور هو الذي في الجسم 1هـ وفي البحر: والروح على قول الجمهور هنا: الروح التي في الحيوان، وهو اسم جنس، وهو الظاهر، ثم بعد أن حكى الأقوال الأخرى قال: والصحيح من هذه الأقوال القول الأول، والظاهر أنهم سألوا عن ماهيتها وحقيقتها، وقيل: عن كيفية مداخلها الجسد الحيواني، وابنعاثها فيه، وصورة ملابستها له، وكلاهما مشكل لا يعلمه إلا الله تعالى 10هـ وفي الجواهر الحسان: قال الجمهور: وقع السؤال عن الأرواح التي في الأشخاص الحيوانية ما هي، فالروح اسم جنس على هذا، وهذا هو الصواب، وهو المشكل الذي لا تفسير له 1هـ وفي إنشاد العقل السليم: الظاهر أن السؤال كان عن حقيقة الروح الذي هو مدبر البدن الإنساني، ومبدأ حياته 1هـ ونقل الخطيب الشربيني كلام البغوي السابق، وأقره، وقال الألوسي: والظاهر عند المنصف أن السؤال كان عن حقيقة الروح الذي هو مدار البدن الإنساني ومبدأ حياته لأن ذلك من أدق الأمور التي لا يسع أحداً إنكارها، ويشرئب كل إلى معرفتها وتتوفر دواعي العقلاء إليها، وتلك الأذهان عنها، ولا تكاد تعلم إلا بوحي، وزعم ابن القيم ثم بعد أن حكى قوله المتقدم قال: والحق ما ذكرنا، وهو الذي عليه الجمهور كما نص عليه في البحر وغيره نعم ما زعمه ابن القيم مروي عن بعض السلف إلخ.

وقد نقل ابن حجر في الفتح قول الرازي وغيره في أن الروح المسئول عنه هو الروح الذي به حياة الأبدان، ثم قال: وجنح ابن القيم في كتاب "الروح" ثم بعد أن ذكر قوله قال: ولا دلالة في ذلك لما رجحته، بل الراجح الأول (¬1) 1هـ والله تعالى أعلم. ثانياً: لأهل السنة الكرام في الروح تعريفان، لا يخرجان عن الوصف الوارد للروح في السنة والقرآن: التعريف الأول: ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم على الترتيب في كتاب الروح: (151) ، ومحاسن التأويل: (10/3994) وأحكام القرآن لابن العربي: (3/1224) ، وانظر معالم التنزيل، ولباب التأويل الأول على هامش الثاني: (4/182) والمفردات: (205) – كتاب الراء – ومفاتيح الغيب: (21/36) ، وتفسير القرطبي: (10/324) والكشاف: (2/464) ، وكتاب التسهيل: (2/178) ، والبحر المحيط: (/75-76) ، والجواهر الحسان: (2/357) وإرشاد العقل السليم: (5/192) ، والسراج المنير: (2/333) ، وروح المعاني: (15/151-152) وفتح الباري: (8/403) ، وانظر غير ما تقدم من كتب التفسير، ففي فتح القدير: (3/254) وبهذا قال أكثر المفسرين 1هـ وانظر غير ما تقدم: غرائب القرآن ورغائب الفرقان: (15/80-81) ، وفي بلوغ الأماني: (18/196) : الأكثر على أنهم سألوه عن حقيقة الروح الذي في الحيوان، ثم بعد أن سرد الأقوال الأخرى قال: والراجح الأول، يعني: روح الإنسان ... إلخ وانظر درء تعارض العقل والنقل: (10/293) ففيه حكاية القولين عن السلف دون ترجيح لواحد منهما.

قال الإمام الجنيد – عليه رحمة الله تعالى –: الروح شيء موجود استأثر الله – جل وعلا – بعلمه، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه، فلا يجوز للعباد البحث عن الروح بأكثر من أنها موجودة (¬1) . وهذا التعريف – كما ترى – مستمد من آية الإسراء، ولم يخرج عنه قيد شعرة. التعريف الثاني: ¬

_ (¬1) انظر ذلك في تحفة المريد: (2/64-65) ، وحاشية الأمير: (134) ، والإمام الجنيد هو سيد طائفة الصوفية المستقيمين، ومن أحسنهم تعليقاً وتأديباً وتقويماً كما في مجموع الفتاوى: (10/686) وهو الجنيد بن محمد بن الجنيد أبو القاسم الخزاز القواريري، كان أبوه يبيع الزجاج، وكان هو خزازاً، أصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه في بغداد توفي سنة سبع وتسعين ومائتين – عليه رحمة الله تعالى – آتاه الله الجليل الحكمة صبياً، فقال له خاله السري السقطي – وكان عمر الجنيد سبع سنين – يا غلام، ما الشكر؟ فقال: أن لا يعصى الله – عز وجل – بنعمه، فقال له خاله: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك، قال الجنيد: فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها لي، وكل من ترجمه أورد من أقواله السديدة قوله: طريقنا مضبوط بالكتاب والسنة فمن لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، ولم يتفقه لا يقتدي به، انظر ترجمته العطرة في تاريخ بغداد: (7/241-249) ، وحلية الأولياء: (10/255-287) ، وطبقات الحنابلة: (1/127-129) ومختصره لابن القيم: (89-90) ، والمنتظم: (6/105-106) وصفة الصفوة ك (2/416-424) وطبقات الصوفية: (155-163) ، وطبقات الشافعية الكبرى: (2/260-275) ، والبداية والنهاية: (11/113-115) ، والطبقات الكبرى: (1/84-86) ، والرسالة القشيرية: (1/132-136) ووفيات الأعيان: (1/373-375) ، واللباب في تهذيب الإنسان: (3/62) ، وشذرات الذهب: (2/228-230) ، وطبقات الأولياء: (127-136) ، ومجموع الفتاوى: (10/517) ، وأضواء البيان: (4/502) ، ومدارج السالكين: (3/16) .

اختاره الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – لدلالة النصوص الشرعية عليه، فقال: إنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نوراني علوي، خفيف حي، متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي الجسم اللطيف مشابكاً لهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة والإرادة، وإذا فسدت هذه الأعضاء بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول الآثار، فارق الروح البدن، وانفصل إلى عالم الأرواح، وهذا القول، هو الصواب في المسألة، وهو الذي لا يصح غيره، وكل الأقوال سواء باطلة، وعليه دل الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – وأدلة العقل، ثم سرد ستة عشر دليلا ً ومائة دليل على ذلك القول الجليل (¬1) . وذلك التعريف مستقى من واقع الروح، ومما ورد في وصفها من النصوص، فهي موجودة، قائمة بنفسها، يشار إليها، فيصح إطلاق لفظ الجسم عليها، وهي مخالفة بالماهية لهذا الجسم الكثيف، ولذلك هي نورانية علوية خفيفة، ولكونها حية حصل منها الدخول والخروج، والتعارف والتناكر، فهذه الصفات لا تقوم بغير الخير، وواقع اتصالها بالبدن يماثل ما شبهت به من سريان الماء في الورد، والدهن في الزيتون، والنار في الفحم، وإليك سرد بعض النصوص المتعلقة بالروح، ليظهر الأمر في غاية الوضوح. ¬

_ (¬1) انظر كتاب الروح: (178-196) ، وانظر ذلك التعريف في شرح الطحاوية: (347-348) ونقل قريباً منه الإمام النووي عن إمام الحرمين كما في تحفة المريد: (2/65) ، وحاشية الأمير: (134) وذكر الشيخ ابن تيمية في درء تعارض العقل والتقل: (8/52) أن كلام الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – يدل على ذلك.

ثالثاً نماذج من النصوص الثابتة القوية في وصف الروح الإنسانية، ثبت في صحيح مسلم والمسند وسنن أبي داود عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"، والحديث رواه البخاري في صحيحه تعليقاً عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – ووصله في الأدب المفرد ورواه عنها الطبراني وأبو يعلى وفي روايتهما أن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: كانت امرأة بمكة مزّاحة، فنزلت على امرأة مثلها في المدينة، فبلغ ذلك عائشة – رضي الله تعالى عنها – فقالت: صدق حِبِّي، سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" ورواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود بسند رجاله رجال الصحيح، ورواه أيضاً عن سلمان الفارسي – رضي الله تعالى عنه – بعد سرد قصة طريفة، وهي عن الحارث بن عميرة قال: انطلقت إلى المدائن فإذا أنا برجل عليه ثياب خلقان، ومعه أديم أحمر يغزله، فالتفت فنظر إليّ فأومأ بيده مكانك يا عبد الله، فقمت فقلت لمن كان عندي: من هذا الرجل؟ قالوا: هذا سلمان، فدخل بيته فلبس ثياباً بيضاً، ثم أقبل، واخذ بيدي، وصافحني، وساءلني، فقلت له: يا أبا عبد الله ما أريتني فيما مضى، ولا رأيتك، ولا عرفتني، ولا عرفتك، قال: بلى والذي نفسي بيده، لقد عرف روحي روحك حين رأيتك، ألست الحارث بن عميرة؟ قلت: بلى، قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب البرد والصلة والآداب – باب الأرواح جنود مجندة –: (/2031) والمسند: (2/295-527) ، وسنن أبي داود – كتاب الآداب – باب من يؤمر أن يجالس: (5/169) وصحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – باب الأرواح جنود مجندة: (6/369) بشرح ابن حجر، والأدب المفرد – باب الأرواح جنود مجندة –: (131) ، وفيه أيضاً الرواية الأولى، وانظر رواية الطبراني في مجمع الزوائد: (10/373) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وانظر رواية أبي يعلى في فتح الباري: (6/3709،وقال الحافظ: ورويناه في فوائد أبي بكر بن زنبور بهذه القصة وقد عزا الحديث مع القصة المذكورة العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (2/160) إلى مسند الحسن بن سفيان وقال: إن مسند الرواية حسن، وانظر رواية ابن مسعود وسلمان – رضي الله تعالى عنهما – في مجمع الزوائد – المكان السابق –، وقال الهيثمي عن رواية سلمان – رضي الله تعالى عنهما –: رواه الطبراني بأسانيد ضعيفة، والحديث رواه مسدد موقوفاً على ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – بسند صحيح كما في المطالب العالية: (3/267) ، وسيأتيك عما قريب رواية عبد الله بن عمرو، وعلي – رضي الله تعالى عنهم أجمعين: (194) بمعنى هذه الرواية، فانظرها إن شئت.

". قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – تأمل أيها الأخ الكريم، هذا الأمر العظيم الذي تعجز عن الإحاطة بكنهه عقول الخلق أجمعين، وهو مشاهد لهم في كل آن وحين، فالطيب سائر إلى مثله الصالح النفيس، والخبيث منجذب إلى شكله الخسيس التعيس، كانجذاب الحديد إلى المغناطيس، فطوبى ثم طوبى لمن سكن في قلبه حب الرحمن، وتعلق فؤاده بخير الأنام – نبينا محمد عليه الصلاة والسلام – ومال إلى أهل الإيمان، وإن فلت منه شيء من العصيان في بعض الأزمان، حسب القصور الموجود في بني الإنسان، والويل والثبور، لمن ركن إلى الشيطان الغرور، وأحب أهل الزيغ والفجور، وإن كانت الجوارح الظاهرة مشتغلة بالعمل المبرر، ولذلك كان من أعظم البشائر والسرور، عند أهل النهى والعقول، حديث نبينا – صلى الله عليه وسلم –: "المرء مع من أحب" ففي الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – أن رجلا ً سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الساعة، فقال متى الساعة؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "وما أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: وأنت مع من أحببت"، قال أنس – رضي الله تعالى عنه – فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "أنت مع من أحببت" قال أنس – رضي الله تعالى عنه –: "فأنا أحب النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبا بكر وعمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل أعمالهم، وفي رواية في البخاري بعد قول النبي – صلى الله عليه وسلم – للأعرابي: "إنك مع من أحببت" فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم ففرحنا فرحاً شديداً (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب فضائل الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – باب مناقب عمر بن الخطاب: (7/42) ، وكتاب الأدب – باب ما جاء في قول الرجل "ويلك": (10/553) ، وباب علامة الحب في الله – جل وعلا –: (10557) ، وكتاب الأحكام – باب القضاء والفتيا في الطريق: (13/131) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب البر والصلة والآداب – باب المرء مع من أحب: (4/2032) ، وسنن أبي داود – كتاب الأدب – باب إخبار الرجل بمحبته إياه –: (5/345) ، وسنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء أن المرء مع من أحب –: (7/116-117) ، والمسند: (3/104، 110، 159، 165، 167، 168، 172، 173، 178، 192، 198، 200، 102، 107، 208، 213، 222، 226، 227، 228، 255، 268، 276، 283، 288) . والحديث قد روي عن جماعة من الصحابة الكرام منهم عبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري وصفوان بن عسال، وأبو ذر الغفاري، وأبو هريرة، وعلى بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله وغيرهم – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – انظر ذلك في سنن الترمذي – المكان المتقدم – وجامع الأصول: (6/5580-559) قال الحافظ في الفتح: (10/560) : وقد جمع أبو نعيم طرق هذا الحديث في جزء سماه: "كتاب المحبين مع المحبوبين"، وبلغ الصحابة فيه نحو العشرين 10هـ وعده الشيخ الكثائي في نظم المتناثر من الحديث المتواتر: (129) بأنه متواتر. وانظر شرف المحبة، وعلو رتبتها، وعظم منزلتها في شرح الزرقاني على المواهب اللدنية: (6/280-326) ، ومدارج السالكين: (3/42) .

وإليك بعض كلام أئمة الإسلام، في بيان الترابط بين الأنام، حسب ما في أرواحهم من معان وأحكام، قال الإمام الخطابي – عليه رحمة الله تعالى – في شرح حديث: "الأرواح جنود مجنده": إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا، فتأتلف وتختلف، على حسب ما جعلت عليه من التشاكل أو التنافر في بدء الخليقة، ولذلك ترى البر الخبر يحب شكله، ويحن إلى تِرْبِه، وينفر من ضده (¬1) ، ¬

_ (¬1) وفي مسند أبي يعلى بسند حسن كما في مجمع الزوائد: (10/274) عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: ما أحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا ذا تقى..

وكذلك الرّهِق الفاجر، يألف شكله، ويستحسن فعله، وينحرف عن ضده – وفي هذا دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، وأنها كانت موجودة قبل الأجساد، وأنها تبقى بعد فناء الأجساد 10هـ وفي فتح الباري: قال الإمام ابن الجوزي – عليه رحمة الله تعالى –: ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضى لذلك، ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه، وقال القرطبي: الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحاً لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد، وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها، ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر، وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها 1هـ وللإمام الغزالي – عليه رحمة الملك الباري – كلام سديد في ذلك هاك خلاصته، قال – رحمه الله تعالى –: ائتلاف القلوب أمر غامض، فالمودة تستحكم بين شخصين من غير ملاحة في صورة ولا حسن في خَلق، ولاخُلق، ولكن باطنة توجب الألفة والموافقة، فإن شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع، والأشياء الباطنية خفية، ولها أسباب دقيقة ليس في قوة البشر الاطلاع عليها وقد عبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك بقوله: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" فالتناكر نتيجة التباين، والائتلاف نتيجة التناسب الذي عبر عنه بالتعارف، والمشاهدة والتجربة للئتلاف عند التناسب في الطباع والأخلاق باطناً وظاهراً أمر مفهوم، وأما الأسباب التي أوجبت تلك المناسبة فليس في قوة البشر الاطلاع عليها، ولا معنى للخوض فيما لم يكشف سره للبشر، فما أوتينا من العلم إلا قليلا ً قال مالك بن دينا – عليه رحمة الله تعالى –: لا يتفق اثنان في عشرة إلا وفي أحدهما وصف من الآخر، وإن أجناس

الناس كأجناس الطير، ولا يتفق نوعان من الطير إلا وبينهما مناسبة، ورأى يوماً غراباً مع حمامة فعجب من ذلك، وقال: اتفقا وليسا من شكل واحد، ثم طارا فإذا هما أعرجان، فقال: من ههنا اتفقا، ولذلك قال بعض الحكماء: كل إنسان يأنس إلى شكله، كما أن كل طير يطير مع جنسه، وإذا اصطحب اثنان برهة من زمان ولم يتشاكلا في الحال، فلابد أن يفترقاً، وهذا معنى خفي حتى تفطن له بعض الشعراء فقال: وقائل كيف تفارقتما ... فقلت قولا ً فيه إنصاف ج لم يك من شَكْلي ففارقته ... والناس أشْكالوألاف10هـ ... وقد أطال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – في تقرير ذلك المعنى، ورد ما يثار حوله من شبه، في الباب الخامس في دواعي المحبة ومتعلقها من كتاب القيم "روضة المحبين" وخلاصته على سبيل الإيجاز: التناسب بين الأرواح من أقوى أسباب المودة: وكل امرئ يصبو إلى من يناسبه، وهذه المناسبة نوعان: أصلية من أصل الخلقة، وعارضة بسبب المجاوزة، أو الاشتراك في أمر من الأمور، فإن من ناسب قصدك قصده حصل التوافق بينك وبينه، فإذا اختلف القصد زال التوافق، وأما التناسب الأصلي فهو اتفاق أخلاق، وتشاكل أرواح، وشوق كل نفس إلى مشاكلها فإن شبه الشيء ينجذب غليه بالطبع، فتكون الروحان متشاكلتين في أصل الخلقة، فتنجذب كل منهما إلى الأخرى بالطبع، وقد يقع الانجذاب والميل بالخاصية، وهذا لا يعلل، ولا يعرف سببه، كانجذاب الحديد إلى الحجر المغناطيسي، ولا ريب أن وقوع هذا القدر بين الأرواح أعظم من وقوعه بين الجمادات، وإذا كانت المحبة بالمشاكلة والمناسبة ثبتت وتمكنت، وإذا لم تكن بالمشاكلة فإنما هي محبة لغرض من الأغراض تزول عند انقضائه وتضمحل، فمن أحبك لأمر ولى عند انقضائه. ... والمقصود أن المحبة تستدعي مشاكلة ومناسبة، وذكر لبقراط رجل من أهل النقص يحبه فاغتنم لذلك، وقال: أحبني غلا وقد وافقته في بعض أخلاقه، واخذ المتنبي هذا المعنى فقلبه وأجاد فقال:

وإذا أتَتْك مَذمّتي مِنْ ناقصٍ ... فهي الشهادةُ لي بأني فاضلُ ... وأنت إذا تأملت الوجود لا تكاد تجد اثنين يتحابان غلا وبينهما مشاكلة أو اتفاق في فعل أو حال أو مقصد، فإذا تباينت المقاصد والأوصاف والأفعال والطرائق، لم يكن هناك إلا النفرة والبعد بين القلوب. وصفوة الكلام: المحبة قسمان ك محبة عرضية غرضية، فهذه لا يجب الاشتراك فيها في المحبة بين المحب والمحبوب، بل يقارنها مقت المحبوب وبغضه للمحب كثيراً، إلا إذا كان له معه غرض نظير غرضه، فإنه يحبه لغرضه منه، كما يكون بين الرجل والمرأة اللذين لكل منهما غرض مع صاحبه.

والقسم الثاني: محبة روحانية سببها المشاكلة والاتفاق بين الروحين، فهذه لا تكون إلا من الجانبين، فلو فتش المحب المحبة الصادقة قلب المحبوب لوجد عنده من محبته نظير ما عنده أو دونه أو فوقه (¬1) ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم على الترتيب: معالم السنن مع سنن أبي داود: (5/169) ، وفتح الباري: (6/3709 وإحياء علوم الدين: (2/159-160) ، وروضة المحبين: (67-91) ، وقد كرر خلاصة ذلك الكلام بأربع صفحات جياد، في كتابه العظيم، "زاد المعاد": (268-271) ، وقرر نحو ذلك الإمام ابن الجوزي في كتابه ذم الهدى: (297-205) وذكر بيتي الشعر الذين وردا في إحياء علوم الدين وانظر طوق الحمامة: (6/11) ومما قاله: قد علمنا أن سر التمازج والتباين في المخلوقات إنما هو الاتصال والانفصال، والشكل دأباً يستدعي شكله، والمِثل إلى مثله ساكن، وللمجانسة عمل محسوس وتأثير مشاهد، والتنافر في الأضداد، والموافقة في الأنداد، ولو كان علة الحب حسن الصورة الجسدية لوجب ألا يستحسن الأنقص من الصورة، ونحن نجد كثيراً ممن يؤثر الأدنى، ويعلم فضل غيره، ولا يجد محيداً لقلبه عنه، ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لا يساعده ولا يوافقه، فعلمنا أنه شيء في ذات النفس، وربما كانت المحبة لسبب من الأسباب، وتلك تفنى بفناء سببها، فمن ودك لأمر ولى مع انقضائه، ثم ختم الكلام بقوله: وهذا يعينه موجود في البغضة ترى الشخصين يتباغضان لا لمعنى ولا علة، ويستثقل بعضهما بعضاً بلا سبب 10هـ أي بلا سبب ظاهر، ولا علة واضحة مكشوفة، وإنما التنافر لما بين الأرواح من تناكر، حسب حال كل منهما كما في المسند: (2/175، 220) والأدب المفرد – باب الألفة – عن عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن أرواح المؤمنين تلتقي على مسيرة يوم، ما رأى أحدهم صاحبه فقط" وفي رواية: "أن أرواح المؤمنين لتلتقيان على مسيرة يوم وليلة وما رأى واحد منهما صاحبه"، قال الهيثمي في المجمع: (10/274) رجال أحمد وثقوا على ضعف في بعضهم، ورواه الطبراني، وقال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (10/163، 12/12) إسناده صحيح، وفي معجم الطبراني الأوسط بسند ضعيف كما في تخريج أحاديث الأحياء: (2/159) من حديث على – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً: "إن الأرواح في الهواء جند مجندة، تلتقي فتتشام".

10هـ. ... وقد ورد في النصوص الشرعية، وصف الروح البشرية بالدخول والخروج، والإشارة إليها إشارة حسية، ففي صحيح مسلم، وغيره من كتب الحديث المرضية عن أمنا أم سلمة الطيبة التقية زوج خير البرية – صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً – قالت: دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر" فضج ناس من أهله، فقال: "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وأدخله في عقبه الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه". ... ولذلك أمرنا بإغماض بصر الميت بعد موته، لأن بصره تبع روحه، وقد فعل ذلك نبينا – صلى الله عليه وسلم – مع أبي سلمة، – رضي الله تعالى عنه – وفي سنن ابن ماجه بسند حسن عن شداد بن أوس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيراً، فإن الملائكة تؤمن على ما قال أهل الميت" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ألم تروا الإنسان إذا مات ما شخص بصره؟ قالوا: بلى، قال: فذلك حين يتبع بصره نفسه (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الجنائز – باب إغماض الميت والدعاء له إذا حضر –: (2/634) والمسند: (6/297) ، وسنن أبي داود – كتاب الجنائز – باب تغميض الميت: (3/487) وسنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ما جاء في تغميض الميت: (1/467) وشرح السنة – كتاب الجنائز – باب إغماض الميت –: (5/299) ، وانظره في سنن البيهقي – كتاب الجنائز – باب ما يستحب من إغماض الميت إذا مات –: (3/384-385) .

وسأختم الكلام على ما ورد من نصوص عن نبينا – عليه الصلاة والسلام – في وصف أرواح الأنام ببيان ما ورد في علم الأرواح وتصرفها، بعد خروجها من الأشباح ومفارقتها ليعلم الإنسان مدى عجزه وقصوره عن الإحاطة، بمخلوق مثله، فكيف سيطلع على حقيقة صفات ربه؟ (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الحديث الأول في سنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ما جاء في تغميض الميت: (1/468) ، والمسند: (4/125) ، وانظر الحديث الثاني في صحيح مسلم – كتاب الجنائز – باب في شخوص بصر الميت يتبع نفسه –: (2/635) .

.. ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: ترك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قتلى بدر ثلاثاً، ثم أتاهم فقام عليهم فنادهم فقال: "يا أبا جهل بن هشام ما أمية بن خلف بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً" فسمع عمر – رضي الله تعالى عنه – قول النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال يا رسول الله، كيف يسمعوا، وانى يجيبوا، وقد جَيَّفوا؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – "والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا" ثم أمر بهم فسُجِوا، فألقوا في قليب بدر (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها – باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار – عليه وإثبات عذاب القبر – والتعوذ منه –: (4/2203) ، وسنن النسائي – كتاب الجنائز – باب أرواح المؤمنين –: (4/90) ، والمسند: (3/104، 145، 263) وانظر رواية البخاري لكن عن أنس عن أبي طلحة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – في كتاب المغازي – باب قتل أبي جهل: (7/300-301) بشرح ابن حجر، وكذلك رواه مسلم في المكان المتقدم، ورواه البخاري أيضاً من رواية ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – في كتاب الجنائز – باب ما جاء في عذاب القبر –: (3/232) بشرح ابن حجر، والنسائي في المكان المتقدم، ورواه مسلم في المكان المتقدم من رواية أنس عن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وكذلك النسائي في المكان المتقدم، وهو في المسند: (1/27) – وانظره في المسند من رواية أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها: (6/170، 276) ورجال السند ثقات كما في مجمع الزوائد: (6/91) .

.. وقد شرع لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – زيارة القبور، والسلام على الموتى بلفظ السلام عليكم وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان ذلك الخطاب منزلة خطاب المعدوم والجماد كما قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – روى الإمام مسلم – عليه رحمة الله تعالى – في صحيحه عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: قلت كيف أقول لهم يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تعنى في زيارة القبور –: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون (¬1) . ... وفي صحيح مسلم أيضاً عن بريدة – رضي الله تعالى عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكن العافية (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الجنائز – باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها –: (2/671) وسنن النسائي – كتاب الجنائز – باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين: (4/75-76) والمسند: (6/221) ورواه ابن ماجه في كتاب الجنائز – باب ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر –: (1/493) وأحمد في المسند: (6/76، 111) ولفظ ابن ماجه "السلام عليكم دار قوم مؤمنين لنا فرط، وإنا بكم لاحقون – اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم" – منحة المعبود – على إبدال "لا تفتنا" بـ "لا تضلنا" ومثله في مسند الطيالسي: (1/171) . (¬2) انظر صحيح مسلم – كتاب الجنائز – باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها: (2/671) وسنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر –: (1/494) ، وشرح السنة – باب الجنائز – باب ما جاء فيما يقال إذا دخل المقابر: (5/468) ، وهو في المسند: (5/353، 360) بزيادة "أنتم فرطنا، ونحن لكم تبع" بعد قول: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون".

.. وثبت في سنن الترمذي يسند حسن عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: مرَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: "السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم، وأنتم سلفنا ونحن بالأثر (¬1) ". وورد في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أتى المقبرة، فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون (¬2) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الجنائز – باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر –: (4/8) وقال هذا حديث حسن غريب، ووافقه الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (11/157) . (¬2) انظر صحيح مسلم – كتاب الطهارة – باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء –: (1/218) وسنن أبي داود – كتاب الجنائز – باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها –: (3/558) ،وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب ذكر الحوض –: (2/1439) ، وسنن النسائي – كتاب الطهارة – باب حلية الوضوء –: (1/79) ، ونحوه في المسند: (2/300، 3750، 408) ومن العجيب اقتصار – الإمام النووي في الأذكار: (142) على عزو الحديث إلى سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه فقط، مع أنه في صحيح مسلم. قال عبد الرحيم – غفر الله له وللمسلمين –: المعتمد عندي من حيث الدليل ثبوت مشروعية زيارة القبور للإناث والذكور، وما ثبت عن النهي عن ذلك في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم –: "لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج" منسوخ بحديث الإذن في زيارة القبور، وتقدم تعليم النبي – صلى الله عليه وسلم – لأمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – ما تقوله إذا زارت القبور، ويمكن أيضاً حمل النهي على المكثرات للزيارة كما ثبت في بعض روايات الحديث: "لعن الله زوارات القبور" وهذا وجه ثان في الجمع، وهو حسن، وبه قال القرطبي – عليه رحمة الله تعالى – قال الشوكاني في نيل الأوطار –: (4/166) وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر 10هـ وانظر تفصيل هذه المسألة في رد المختار: (2/242) : والأصح أن الرخصة ثابتة لهن، وحاشية الطحاوي: (340) والمختار عن الشافعية عدم دخول النساء في إباحة الزيارة كما في المجموع: (5/311) وحملوا النهي على كراهية التنزيه، وعند المالكية ثلاثة أقوال: المنع، والجواز، والتفرقة بين العجوز والشابة، فيباح للقواعد، ويحرم على الشواب كما في حاشية الدسوقي: (1/422) ، والكافي: (1/283) ، وعند الحنابلة قولان: الكراهية، وعدمها كما في المغني: (2/424) ، والذي مال إليه الإمام ابن تيمية عدم دخول النساء في الإذن بزيارة القبور، كما في المسألة الثالثة عشرة من كتاب الزيارة له ضمن الجامع الفريد: (462-468) – وانظر فتح الباري: (3/148-151) وعمدة القاري: (8/67-70) وختم العيني الكلام في هذه المسألة بقوله: وحاصل الكلام من هذا كله، أن زيارة القبور مكروهة للنساء، بل حرام في هذا الزمان، ولا سيما نساء مصر، لأن خروجهن على وجه فيه الفساد والفتنة، وإنما خصت الزيارة لتكر أمر الآخرة، وللاعتبار بمن مضى، وللتزهد في الدنيا 10هـ، والعيني متوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وهو محمود بن أحمد بن بدر الدين أبو الثناء العيني – عليه رحمة الله تعالى – انظر ترجمته العطرة في شذرات الذهب: (7/286-288) , كلام العيني خاص فيمن خرج على تلك الصورة المؤدية للفساد والفتنة، ومن خرج لزيارة المقابر لتذكر الآخرة، وللاعتبار بمن مضى، وليزهد في الدنيا، فلا حرج عليه، بل ذلك مطلوب منه ذكراً أو أنثى، والله تعالى أعلم. وانظر حديث النهي عن الزيارة "لعن الله زوارات القبور" في سنن النسائي – كتاب الجنائز – باب الجنائز – وباب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور: (4/77) وسنن أبي داود – كتاب الجنائز – باب في زيارة النساء القبور –: (3/558) ، وسنن الترمذي – كتاب الجنائز – باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا –: (2/6) ، والمسند: (1/299، 287، 324، 227) ، والسنن الكبرى للبيهقي – كتاب الجنائز – باب ما ورد في نهيهن عن زيارة القبور –: (4/78) وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الجنائز – باب زيارة القبور –: (200) كلهم من رواية ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وقال الترمذي: حديث ابن عباس حسن، وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة – رضي الله تعالى عنهم – قال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (11/150) وهو كما قال، فإن له شواهد، لكن دون إيقاد لفظ السرج، وإيقاد السرج على القبور منكر 1هـ. قال كاتب هذه الأسطر – ستره الله في الدارين –: وقد عم في هذه الأزمنة، وأزمنة كثيرة قبلها تقديس القبور، والعكوف عندها، والواجب علينا نحن طلبة العلم فطن النفس عن هذه البدع، ثم تحذير الناس منها، فنحن قدوتهم، وبصلاحنا يحصل صلاحهم، ومن أعظم البلايا وأشنع الرزايا في طالب العلم، أن يترك الحق الذي يعرفه للباطل الذي يسير عليه الناس موافقة لهم فيما هم عليه، وهذا مسلك وخيم، وحذرنا منه نبينا الرؤوف الرحيم – صلى الله عليه وسلم – فقال: "لا تكونوا إمة إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا". الحديث أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة – باب ما جاء في الإحسان والعفو –: (6/215) عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – موقوفاً كما في مجمع الزوائد: (1/181) ، وفي إسناده: المسعودي، وقد اختلط، وباقي رجاله ثقات، وانظر روايات متعددة له في جامع العلم وفضله: (1/29، 2/112) . والإمعة هو الرجل الذي لا رأي له، ولا عزم، فهو يتابع كل أحد على رأيه، ولا يثبت على شيء وكذلك الإمرة هو الذي يوافق كل إنسان على ما يريد من أمره كله، كما في غريب الحديث: (4/49) ونحوه في تهذيب اللغة: (3/249) ولسان العرب: (1/349) فصل الألف من حرف العين وفي الفائق في غريب الحديث: (1/7) حرف الهمزة مع الميم: الإمعة الذي يتبع كل ناعق، ويقول لكل أحد أنا معك، لأنه لا رأي له يرجع إليه.

". وهذه الأحاديث الصحيحة تدل على سماع الميت، وشعوره بمن يزوره كما قرر ذلك الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – من وجهين: أولهما: مشروعية السلام على الموتى دليل على سماعهم، لأن ذلك السلام خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان خطابهم بالسلام بمنزلة خطاب الجماد والمعدون، والسلام على من لا يشعر، ولا يعلم بالمسلم محال. بداية ملف توحيد 5 ثانيهما: تسمية المسلم عليهم زائداً، ولولا شعورهم به لما صح تسميته بذلك، فإن المزور إن لم علم بزيارة من زاره لم يصح أن يقال زاره، هذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر كلام الإمام ابن القيم في كتابه القيم "الروح": (5، 8) .

.. ومن أتاه الله معرفة بكلام النبي – صلى الله عليه وسلم – واطلاعاً على هديه لا يتردد في صواب ما قرره الإمام ابن القيم وحقيقته، ففي الصحيحين وغيرهما عن أنس – رضي الله تعالى عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم – قال: "إن الميت إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم، يأتيه ملكان، فيقعدانه، فيقولا له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد – صلى الله عليه وسلم -؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم – فيراهما جميعاً، وأما الكافر – أو المنافق – فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب الميت يسمع خفق النعال: (3/205) ، وباب ما جاء في عذاب القبر –: (3/232) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها – باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه، (4/2200) وسنن أبي داود – كتاب الجنائز – باب المشي في النعل بين القبور –: (3/556) ، وفي كتاب السنة – باب في المسألة في القبر وعذاب القبر –: (5/113-114) ، وسنن النسائي – كتاب الجنائز – باب المسألة في القبر – وباب مسالة الكافر –: (4/79-80) ، والمسند: (3/126) ورواه أبو داود في كتاب السنة – باب في المسألة في القبر وعذاب القبر –: (5/114-116) ، وأحمد في المسند: (4/287، 195) عن البراء بن عازب – رضي الله تعالى عنه – وفي روايته "خفق" بدل "قرع"، وهي واردة في بعض طرق الحديث المتقدم في صحيح مسلم، وجعل ذلك اللفظ ترجمة باب البخاري كما تقدم قال الحافظ في الفتح: (3/106) ترجم البخاري بالخفق، ولفظ المتن بالقرع، إشارة إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الخفق 10هـ وقد وردت تلك الرواية في روايات عدة من الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – فرويت أيضاً عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في المسند: (2/347، 445) ، والطبراني في الأوسط والبزار وسندهما حسن كما في مجمع الزوائد: (3/51-54) ، وابن حبان في صحيحه – موارد الظمآن – كتاب الجنائز – باب في الميت يسمع ويسأل –: (196، 197) ، ورواه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات، وفي الأوسط بإسناد حسن عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – كما في مجمع الزوائد: (3/54) .

.. وقال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت عنهم الآثار بأن الميت يعرف زيارة الحي له، ويستبشر به، وسرد في تقرير ما قاله عنهم، وقائع كثير صدرت منهم، فمن ذلك قوله: وصح عن حماد بن سلمة من ثابت عن شهر بن حوشب أن الصعب بن جثامة وعوف بن مالك كانا متآخين، قال صعب لعوف: أي أخي أينا مات قبل صاحبه فليتراء له، قال: أو يكون ذلك؟ قال: نعم، فمات صعب فرآه عوف فيما يرى النائم كأنه قد أتاه. قال قلت أي أخي، قال: نعم، قلت: ما فعل بكم. قال: غفر لنا بعد المصائب، قال: ورأيت لمعة سوداء في عنقه، قلت: أي أخي ما هذا؟ قال: عشرة دنانير استسلفتها من فلان اليهودي، فمن في قرني فأعطوه إياها، واعلم أخي أنه لم يحدث في أهلي حدث بعد موتي إلا قد لحق بي خبره، حتى هرة لنا ماتت منذ أيام، واعلم أن ابنتي تموت إلى ستة أيام، فاستوصوا بها معروفاً، فلما أصحبت، قلت: إن في هذا لمعلماً، فأتيت أهله، فقالوا: مرحباً بعوف، أهكذا تصنعون بتركة إخوانكم، لم تقربنا منذ مات صعب، قال: فاعتللت، بما يعتل به الناس، فنظرت إلى القرن فأنزلته، فانتشلت ما فيه، فوجدت الصرة التي فيها الدنانير، بعثت بها إلى اليهودي، فقلت: هل كان لك على صعب شيء؟ قال: رحم الله صعباً كان من خيار أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هي له، قلت: لتخبرني، قال: نعم، أسلفته عشرة دنانير فنبذتها إليه، قال: هي – والله بأعيانها، قال: قلت هذه واحدة. ... قال: فقلت هل حدث فيكم حدث بعد موت صعب؟ قالوا: نعم، حدث فينا كذا، قال: قلت اذكروا، قالوا، نعم، هرة ماتت منذ أيام، فقلت: هاتان اثنتان.

.. قلت: أين ابنة أخي؟ قالوا: تلعب، فأتيت بها فمسستها فإذا هي محمومة، فقلت استوصوا بها معروفاً، فماتت في ستة أيام (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر كتاب الروح: (5، 14) وقد أشار الحافظ في الإصابة: (2/185) إلى القصة في ترجمة الصعب بن جثامة – رضي الله تعالى عنه – فقال: وأخرج أبو بكر بن بلال في كتاب المتحابين من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت قال: آخى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين عوف بن مالك والصعب بن جثامة، فقال كل منهما للآخر: إن مت قبلي فتراء لي: فمات الصعب قبل عوف، فتراءى له، فذكر القصة، وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى –: وهذا من فقه عوف – رضي الله تعالى عنه – وكان من الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – حيث نفذ وصية الصعب بن جثامة بعد موته – رضي الله تعالى عنه – وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها من أن الدنانير عشرة، وهي في القرن، ثم سأل اليهودي فطابق قوله لما في الرؤيا، فحزم عوف – رضي الله تعالى عنه – بصحة الأمر، فأعطى اليهودي الدنانير، وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم، وهم أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وانظر كتاب الإمام ابن القيم الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية، يقع في قرابة أربعمائة صفحة ففيه تفصيل القول في الحكم بالقرائن بما لا تظفر به كتاب غيره.

.. ونقل الإمام ابن القيم عن الإمام ابن عبد البرد – عليهم رحمة الله تعالى – أنه روى في كتابه "الاستيعاب" عن ابنة ثابت بن قيس بن شماس – رضي الله تعالى عن أبيها وعنها – قالت: لما كان يوم اليمامة خرج ثابت مع خالد بن الوليد – رضي الله تعالى عنهما – إلى مسيلمة الكذاب، فلما التقوا به وانكشفوا، قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة – رضي الله تعالى عنهما – ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم حفر كل واحد له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قتلا وعلى ثابت – رضي الله تعالى عنه – يومئذ درع نفيسة، فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت – رضي الله تعالى عنه – في منامه، فقال له: إني أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس، مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناء، وعند خبائه فرس يستن في طوله، وقد كفأ على الدرع برمة، وفوق البرمة رجل، فأت خالداً فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعني أبا بكر الصديق – رضي الله تعالى عنه – فقل له: أن علي من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتق وفلان، فأتى الرجل خالداً فأخبره فبعث إلى الدرع فأتى بها، وحدث أبا بكر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – برؤياه، فأجاز وصيته، قال: ولا نعلم أحداً أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس – رضي الله تعالى عنه ورحمه وإيانا جميعاً –.

.. قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: وإذا عرف الميت مثل هذه الجزئيات وتفاصيلها فمعرفته بزيارة الحي له، وسلامه عليه، ودعائه له أولى وأحرى، والله تعالى (¬1) أعلم. ¬

_ (¬1) انظر كتاب الروح: (15-16) ، وانظر القصة في كتاب الاستيعاب: (1/194) على هامش الإصابة ورواها الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (9/322) ، قال الحافظ والهيثمي: وبنت ثابت بن قيس – رضي الله تعالى عنهما – لم أعرفها، والظاهر أنها صحابية، فإنها قالت: سمعت أبي والله أعلم، والقصة رواها الطبراني أيضاً عن أنس – رضي الله تعالى عنه – بسند رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (9/322-323) ، وذكرها الحافظ في الإصابة في ترجمة ثابت بن قيس – رضي الله تعالى عنه –: (1/195) وهي في أسد الغابة: (1/275) ، والبداية والنهاية: (6/335) ، قال الإمام ابن القيم: اتفق خالد وأبو بكر الصديق والصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – على العمل بهذه الرؤيا، وتنفيذ الوصية بها، وانتزاع الدرع ممن هي في يده، وهذا محض الفقه ... وموقعة اليمامة كانت سنة اثنتي عشرة في بلاد نجد بين المسلمين والمرتدين بقيادة مسيلمة الكذاب اللعين – انظر ما دار في تلك الموقعة في البداية والنهاية: (6/323-327) ، وشذرات الذهب: (1/23) .

.. قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين – أخبرني بعض الإخوة الصالحين من أهالي المدينة المنورة في شهر ربيع الثاني من هذه السنة أن رجلا ً صالحاً من أهالي الرياض توفي بعض جيرانه ممن كان معهم الجماعة في المسجد، فرآه في نفس الليلة التي دفن فيها ووجهه مسود كئيب، فسأله عن سبب ذلك، وعما فعل معه في قبره، فقال له: إن العذاب متواصل علي منذ دفنت إلى الآن بسبب ما أحضرته إلى بيتي من مزامير الشيطان، جهاز المفسدون "التلفاز" فأسألك بالله أن تراعي ما بيننا من صحبة، وأن تخبر أهلي بحالي، ليكسروا ذلك الجهاز، فعسى الله أن يفرج عني ويرحمني، فتهيب الرجل من عرض ما رآه على أهله، فرآه في الليلة الثانية على حالته في الليلة الماضية، وكرر عليه الطلب والمناشدة فإخبار الأهل بذلك، فتباطأ في الإخبار وطن ذلك من قبيل أضغاث الأحلام، فرآه في الليلة الثالثة على تلك الحالة، وهو يعاتبه معاتبة شديدة، ويطلب منه إبلاغ أهله بذلك، فأخبرهم في الصباح بما رآه في الليالي الثلاثة فوقعت تلك الواقعة في قلوبهم موقع القبول، وتركوا ذلك العمل المرذول، فرآه في الليلة الرابعة، وعليه البهجة والحسن، وهو يقول له: فرج الله عنك الكروب كما فرجت عني (¬1) . ¬

_ (¬1) ولا يستبعد هذا – يا عبد الله – فالأمر جد، وليس بالهزل، والمسخ واقع في هذه الأمة وهو في طائفتين، في علماء السوء الكاذبين على الله – جل وعلا – وعلى رسوله – صلى الله عليه وسلم – الذين قلبوا: دين الله وشرعه، فقلت الله صورهم كما قلبوا دينه، والجزاء من جنس العمل. والطائفة الثانية: المجاهرون المتهتكون بالفسق والمحارم، فلما نسخوا عن معاني الإنسانية بتلك المجاهرة الردية قلب الله صورهم إلى صور منكرة دنية، ومن لم يمسخ من هذين الصنفين في الدنيا مخ في قبره، أو يوم القيامة، كما في إغاثة اللهفان: (1/345) ، وفي: (1/284) يقول الإمام ابن القيم: وقد تظاهرت الأخبار بوقوع المسخ في هذه الأمة، وهو مقيد في أكثر الأحاديث بأصحاب الغناء، وشاربي الخمور، وفي بعضها مطلق 10هـ. فليتق الله الجليل الذين وصفوا في بيوتهم آلات اللهو، مزامير الشيطان، من تلفزيون وفيديو وما شاكلها، وليخرجوا ذلك من بيوتهم قبل أن تخرج أرواحهم، ويغير الله صورتهم، وليعلموا أن اقتناء ذلك، والعكوف عليه من باب الدياثة، والجنة حرام على الديوث، كما ثبت عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث ورجلة النساء" انظر المستدرك: (1/72) كتاب الإيمان عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – مرفوعاً، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي، ورواه البيهقي في السنن الكبرى: (10/226) كتاب الشهادات – باب الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين ويغنيان – وانظره في المسند: (2/134) ، ورواه البزار بإسنادين رجالهما ثقات كما في مجمع الزوائد: (8/148) – كتاب الأدب – باب ما جاء في العقوق –، ورواه أيضاً أحمد في المسند: (2/69-128) لكن في إسناده مبهم، ورواه النسائي في كتاب الزكاة – باب المنان بما أعطى –: (5/60) بلفظ "ثلاثة لا نظر الله – عز وجل – إليهم" الحديث، أخرجه عبد الرزاق في المصنف: (11/243) في كتاب الجامع – باب في المخنثين والمذكرات – عن معمر عن رجل من قريش رفعه. ولصنفين من أهل الأرض في هذا الوقت النصيب الأكبر من السفاهة والدياثة حيث سهلوا على الناس طرق الخنا، وكانوا قدوة لهم في ذلك الشقاء والبلاء، أولهما: الحكام الماجنون، والثاني العلماء الزائفون، وفي إغاثة اللهفان: (1/345) قال مالك بن دينار – عليه رحمة الله تعالى – بلغني أن ريحاً تكون في آخر الزمان وظلم، فيفزع الناس إلى علمائهم فيجدونهم قد مسخهم الله 10هـ وفي كتابه الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة: (100) قال مكحول: يأتي على الناس زمان عالمهم أنتن من جيفة حمار، – نسأل الله السلامة بمنه وكرمه، والفرج العاجل بجوده وبره ولطفه –، وانظر قول مكحول في كتاب أخلاق العلماء للآجري، (63) والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: (741) ، وهو في الحلية: (5/181) بلفظ: لا يأتي على الناس ما يوعدون حتى يكون عالمهم فيهم أنتن من جيفة حمار.

فحال الروح عجيب، وأمرها غريب، ونحن ندرك آثارها، ولا نحيط بكيفيتها وأحوالها فكيف سنحيط بصفات رب العالمين، وأنى تتماثل صفاته بصفات المخلوقين، روى أبو نعيم في الحليلة وغيره أيضاً عن سلمان الفارسي – رضي الله تعالى عنه – أنه قال لعبد الله بن سلام – رضي الله تعالى عنه –: أينا مات قبل صاحبه فليتراء له، قال عبد الله بن سلام – رضي الله تعالى عنه – أويكون ذلك؟ قال سلمان – رضي الله تعالى عنه –: نعم، إن نسمة المؤمن مخلاة تذهب في الأرض حيث شاءت، ونسمة الكافر في سجين، قال عبد الله بن سلام: فمات سلمان – رضي الله تعالى عنهما – فبينما أنا ذات يوم قائل بنصف النهار على سرير لي فأغفيت إغفاءة إذ جاء سلمان – رضي الله تعالى عنه – فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقلت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أبا عبد الله، كيف وجدت منزلك؟ قال: خيراً، وعليم بالتوكل فنعم الشيء التوكل، ردده ثلاث (¬1) مرات – عليه رضوان الله ورحمته –. رابعاً: أحوال تعلق الروح بالأبدان في الدور التي يسكنها الإنسان: للروح بالبدن خمسة أنواع من التعلقات، مغايرة الأحكام والاعتبارات، ولا نحيط علماً بتحقيق حالة من تلك الحالات، فسبحان ربنا الذي أحاط علمه بالظواهر والخفيات، وسبحانه فهو رب الأرض والسموات، وعالم بجميع أحوال المخلوقات، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السموات , وإليك تلك التعليقات، جعلنا الله الكريم من أهل البصائر النيرات وختم لنا بالحسنى إنه سميع مجيب الدعوات. التعلق الأول: ¬

_ (¬1) انظر القصة في حلية الأولياء: (1/205، وصفة الصفوة: (1/555-556، والروح: (22 وفيه أيضاً خبراً يشبه هذا عن صالح البراد قال: رأيت زرارة بن أوفي بعد موته، فقلت: رحمك الله، ماذا قيل لك، وماذا فلت؟ فأعرض عني، قلت: فما صنع الله بك؟ قال: تفضل عليّ بجوده وكرمه، قلت: فأيّ الأعمال أبلغ فيما عندكم؟ قال: التوكل وقصر الأمل.

تعلق الروح بالإنسان عندما يكون جنيناً في ظلمات ثلاث: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} الزمر6 فتم خلقه في ظلمة البطن، والرحم، والمشيمة، من طريق تكوينه نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، وبعد ذلك نفخت فيه الروح، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: حدثنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو الصادق الصدوق فقال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقيّ أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب بدء الخلق – باب ذكر الملائكة – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام: (6/302) ، وكتاب أحاديث الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – باب خلق آدم وذريته –: (6/363) وأول كتاب القدر –: (11/477) ، وكتاب التوحيد – باب 28: (13/440) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب القدر – باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه –: (16/190-193) بشرح النووي، وسنن الترمذي – كتاب القدر – باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم: (6/310-311) ، وسنن أبي داود – كتاب السنة – باب في القدر –: (5/82-83) ، وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب في القدر –: (1/29) ، وكتاب الشريعة للآجري -: (182) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم –: (1/77-28) والمسند: (1/382، 414، 430) . قال الإمام ابن رجب – عليه رحمة الله تعالى – في جامعه العلوم والحكم: (44) هذا الحديث متفق على صحته، وتلقته الأمة بالقبول 10هـ وشرحه في اثنتي عشرة صفحة فانظرها.

". التعلق الثاني: ... تعلق الروح بالبدن بعد خروجه من بطن أمه إلى الأرض، وعندما يكون حياً يقظاً، وهذا التعلق يختلف عما قبله فيه يتصرف هنا وهناك، ويقوم بمختلف الأعمال والحركات، وهذا من الأمور والمشاهدات، ولا ينفك عنها حيّ من الحيوانات. التعلق الثالث: ... تعلق الروح بالإنسان عندما يكون حياً في حال نومه، فتعلق الروح به في حال يقظته فارقه، ولذلك لا يحس بما حوله، ولا يعي ما يقال له، وصاحبه تعلق آخر للوح به، لا يعلمه إلا خالق الأرواح، ربنا الكريم الفتاح، وذلك يتنفس ويقوم بعملية الزفير والشهيق كما يقوم بها الحي اليقظ، ويحفظ جسمه من الآفات مهما امتد به السبات، وقد لبث أصحاب الكهف في نومهم أكثر من ثلاثمائة من السنوات، ولم تتغير أبدانهم ولم تفسد أجسامهم، قال ربنا – جل وعلا –: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} الكهف25. التعلق الرابع:

.. تعلق الروح بالإنسان، بعد مفارقته دار الامتحان، ومصيره دار البرزخ التي سيلقى فيها بداية الإهانة أو الإكرام، على ما قدمه من طاعات أو عصيان، فالبدن وإن فارقه تعلق الروح به في الحياة الدنيوية، في دار البرزخ العلية، فلا يتنفس ولا يقوم بالتصرفات الاختيارية، إنما هو جثة هامدة مرمية، فللروح تعلق به في تلك الحالة العلية لا يعمله إلا رب البرية، وقد تقدم قريباً دلالة النصوص الشرعية على سماع الميت قرع نعال أصحابه الذين دفنوه، عند انصرافهم عن قبره الذي فيه وضعوه، وتقدم أيضاً في هذا الكتاب المبارك أن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – قال للنبي – صلى الله عليه وسلم – عندما ذكر فتّان القبر: أتُرَدُ علينا عقلونا يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "نعم، بهيئتكم اليوم" فقال عمر – رضي الله تعالى عنه –: بغية الحجر، وكل ذلك لا يتم إلا إذا كان الإنسان ذا شعور وإحساس تام، وللوح تعلق متين ببدن الإنسان لا يعلمه إلا الرحمن الرحيم، وفي المسند بسند حسن عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يرسل على الكافر حيّتان، واحدة من قبل رأسه، وأخرى من قبل رجليه، تقرضانه قرضاً، لكما فرغتا عادتا إلى يوم القيامة"، وفي المسند أيضاً وسنن الدارمي، ومسند أبي يعلى عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يسلط على الكافر في قبره تسعة وتسعون تنيناً تنهشه وتلدغه حتى تقوم الساعة، ولو أن تنيناً منها نفخ في الأرض ما نبتت خطراً (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صفحة (....،....) .من هذا الكتاب المبارك، وانظر الرواية الأولى في المسند: (6/152) ، وإسناد الحديث حسن كما في مجمع الزوائد: (3/55) ، وانظر الرواية الثانية في المسند: (3/38) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب في شدة عذاب النار –: (2/331) ، وانظر رواية أبي يعلى في مجمع الزوائد: (3/55) ، والترغيب والترهيب: (4/362) ، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه – موارد الظمآن – كتاب الجنائز – باب الراحة في القبر وعذابه –: (199) كلهم من رواية درّاج عن أبي الهيثم. ودرّاج أبو السمح صدوق في حديثه عن أبي الهيثم كما في التقريب: (1/235) ، وانظر كتاب الروح: (52) وفيه: مذهب سلف الأمة وأئمتها أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وإن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأحاديث عذاب القبر ومسألة منكر ونكير، فكثيرة متواترة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي صفحة: (57) وكما أن هذا هو مقتضى السنة الصحيحة، فهو متفق عليه بين أهل السنة الكرام 10هـ وفي الجوهرة: (2/70) تحفة المريد: سؤالنا ثم عذابُ القبر ِ ... نعيُمه واجبْ كبَعْث ِ الحَشْر ِ

". ... ... وقد دلت النصوص الشرعية على أن القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، ولا يتحقق كل من النعيم والجحيم، إلا إذا كان ذا شعور تام سليم، يتناسب مع تلك الدار ولا يقاس بما عندنا من موازين، ورد في سنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مصلاه، فرأى ناساً يكشرون – أي تظهر أسنانهم من الضحك – فقال: "أما إنكم لو أكثرتم من ذكر هادم اللذات لشغلكم عما رأى الموت، فأكثروا من ذكر هادم اللذات: الموت، فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة، وأنا بيت الوحدة، وأنا بيت التراب، وأنا بيت الدود، فإن دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحباً وأهلا ً، أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إليّ، فإذا وليتك اليوم، وصرت إليّ فسترى صنيعي بك، قال: فيتسع له مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة، وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر، قال له القبر: لا مرحباً، ولا أهلا ً، أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلىّ، فإذا وليتك اليوم، وصرت إليّ فسترى صنيعي بك قال: فيلتئم عليه حتى تلتقي وتختلف أضلاعه، قال: وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأصابعه، فأدخل بعضها في جوف بعض، قال: ويقيض الله له سبعين تنيناً، لو أن واحداً منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئاً ما بقيت الدنيا، فينهشه، ويخدشه، حتى يفضي به الحساب، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إنما القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب صفة القيامة – باب 27 –: (7/166-168) قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والحديث له شواهد متعددة منها ما في صحيح ابن حبان – موارد الظمآن –: (198-199) ، ومسند أبي يعلى بسند فيه درّاج أبو السمح المتقدم كما في مجمع الزوائد: (3/55) والترغيب والترهيب: (4/362) قال الهيثمي: وحديثه حسن، واختلف فيه، عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء، فيرحب له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيما أنزلت هذه الآية: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} طه124 قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً، أتردون ما التنين؟ سبعون حية لكل حية سبعة رؤوس يلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة". قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: ما ورد في بعض الروايات من تسليط حيتين على المسرف في قبره، وفي بعضها تسليط سبعين، وفي بعضها تسليك تسع وتسعين، ليس فيه تعارض أبداً لأن أقل ما يسلط عليه حيتان عظيمتان، وتتضاعف الأعداد حسب عراقة المجرم في الفساد، وفي تحفة المريد: (2/70) قيل: والحكمة في هذا العدد – تسع وتسعين - - أنه كفر بأسماء الله الحسنى، وهي تسع وتسعون، فتأمل قوله.

". ... وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتعوذ بالله من عذاب القبر في الصلاة، وأمرنا بذلك ثبت هذا في الصحيحين وغيرهما، ولفظ رواية مسلم – رحمه الله تعالى – عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال" وفيه أيضاً عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: "قولوا اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات (¬1) ". التعلق الخامس: ... تعلق الأرواح بأجسادها، حالة بعثها من موتها، وانتقالها من عالم البرزخ إلى عالم الآخرة، وهذا التعلق أتم أنواع التعلقات، فلا يعتريه موت ولا سُبات، وعنده يستقر المؤمن في الدرجات العاليات، والعاتي المشرك في الدركات السافلات حفظنا الله بمنه وكرمه من سائر الآفات المهلكات، ومنّ علينا بالتمتع برؤيته في دار الجنات إنه واسع المغفرة كثير الهبات. ... وأما الدور التي يسكنها الإنسان، ولا يخرج عنها في زمن من الأزمان، فثلاثة دور نسبة كل دار لما بعدها كنسبة التي قبلها لها، وتلك الدور هي: ¬

_ (¬1) انظر روايات الحديث في صحيح مسلم –كتاب المساجد – باب ما يستعاذ منه في الصلاة –: (1/412-413، وصحيح البخاري – كتاب الأذان – باب الدعاء قبل السلام –: (2/317) ، وسنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب ما يقول بعد التشهد: (1/601) ، وسنن الترمذي – كتاب الدعوات باب 77: (9/164) ، وسنن النسائي – كتاب السهو – باب نوع آخر من التعوذ في الصلاة –: (3/48) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الدعاء – باب ما تعوذ منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (2/1262) ، والمسند: (6/89) .

الدار الأولي: دار الغرور، التي ستنقضي وتزول، وهي دار الدنيا الفانية، وتبتدئ حياة الإنسان في تلك الدار من وجوده في بطن أمه حتى موته. الدار الثانية: دار البرزخ، وهي ما بين الدنيا والآخرة، والبرزخ هو الحاجز، ودار البرزخ حاجر بين الدنيا والآخرة، وفاصل بينهما، قال الله – جل جلاله – ِ: {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} المؤمنون 98-103.

الدار الثالثة: دار الآخرة، وهي التي لا آخر بعدها، وتبتدئ من بعث الأموات إلى ما لا نهاية له من الأوقات، فالإقامة فيها أبدية سرمدية، في غرف الجنان العلية أو في دركات النار السفلية (¬1) . ¬

_ (¬1) وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أبدية الجنة والنار، وعلى خلود أهلها فيهما، قال الإمام أحمد – عليه رحمة الله تعالى – في كتاب السنة – ضمن شذرات البلاتين: (47) وقد خلقت النار وما فيها، والجنة وما فيها، خلقهما الله، ثم خلق الخلق لهما، لا يفنيان ولا يغني ما فيهما أبدأً 10هـ وفي كتاب أصول الدين: (238) أجمع أهل السنة، وكل من سلف من أخيار الأمة على دوام بقاء الجنة والنار، وعلى دوام نعيم أهل الجنة، ودوام عذاب الكفرة في النار 1هـ وهكذا حكى إجماع أهل السنة الكرام والسلف الصالح عن أبدية النار وخلود أهلهما فيهما الإمام أبو الحسن الأشعري – عليه رحمة الله تعالى – في مقالات الإسلاميين: (2/148) ، وابن حزم – رحمه الله تعالى – من مراتب الإجماع: (173) ، وأقره الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – في تعليقه على كتابه، وقرر هذا أيضاً كما في مجموع الفتاوى: (18/307) ، فقال: اتفق سلف الأمة وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار، والعرش وغير ذلك 10هـ وبوب الإمام الهيثمي – عليه رحمة الله تعالى – في مجمع الزوائد: (10/385) بابا في هذا المقال: باب الخلود لأهل النار في النار ولأهل الجنة في الجنة، وفي الجوهرة: (2/83-84) مع شرحها تحفة المريد: والنار حق ٌ أوجدتْ كالجَنّة ْ ... فلا تَمِلْ لجَاحِدٍ ذي جِنّة ْ دارا خُلودٍ للسعيد والشّقي ... مُعَذبٌ مُنَعّمٌ مهما بقي والأشياء التي لا تفنى ولا تهلك ثمانية نظمها الإمام السيوطي – عليه رحمة الله تعالى – بقوله كما في تحفة المريد: (2/64) : ثمانية حُكمُ البقاء يَعُمّها ... من الخلق والباقون في حَيّز ِ العَدَمْ هي العرشُ والكرسيّ نارٌ وجَنّة ٌ ... وعجْبٌ وأرواحٌ كذا اللوحُ والقَلَمْ ج ويكن قول الله – جل وعلا – {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} القصص88 من قبيل العالم المراد به الخصوص، أي: كل شيء حكم الله عليه بالهلاك، أو هو من قبيل العالم المخصوص فاللفظ يشمل عموم المخلوقات، ووردت النصوص بتلك الأشياء، والمراد من عجب الذئب: عظم لطيف في أسفل الصلب، وهو رأس العصعص، وهو أول ما يخلق من الآدمي، ويبقى على حالته بعد موته ليعاد تركيب الخلق عليه، ثبت عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب" انظر صحيح مسلم – كتاب الفتن – باب ما بين النفختين –: (4/2271) ، وصحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة الزمر – باب 4: (8/551) ، وسورة "عم يتساءلون": (8/690) بشرح ابن حجر فيهما، وسنن أبي داود – كتاب السنة – باب ما ذكر البعث والصور –: (5/108) ، وسنن النسائي – كتاب الجنائز – باب أرواح المؤمنين –: (4/91) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب ذكر القبر والبلى: (2/1425) ، والموطأ – كتاب الجنائز – باب جامع الجنائز –: (1/239) ، والمسند: (2/322، 428، 499، ورواه الإمام أحمد في: (3/28) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –.

.. واعلم أخي – علمني الله وإياك – أن مما ينبغي التنبه له غاية الانتباه، ومعرفته تام المعرفة لئلا يقع الإنسان في اللبس والاشتباه، والانحراف عن طريق الرشد والسداد، أن كل دار من تلك الدور الثلاثة لها موازينها الخاصة بها، ولا يصح بحال وزن دار بميزان دار أخرى، بل إن دار الدنيا تختلف باختلاف وجود الإنسان فيها، فلوجوده في بطن أمه موازين واعتبارات تختلف عن وجوده حياً يقظاً على ظهر الأرض، بعد انفصاله من بطن أمه، وكل منهما أيضاً تختلف موازينه عن موازين وجوده على ظهر الأرض حياً نائماً، فافهم هذا حق الفهم، لتحفظ نفسك من العار، ولتصونها عن مسلك الأشرار، ولذلك قرر أهل السنة الأبرار أن نسبة الحياة الدنيوية إلى الحياة البرزخية كنسبة بطن الأم إلى سعة دار الدنيا، ونسبة الحياة في البرزخ إلى الحياة في الدار الآخرة كنسبة الحياة والدنيوية إلى الحياة البرزخية، والإنسان في جميع مراحل حياته في تلك الدار يشعر بالعذاب والنعيم بروحه وجسده، لكن نسبة تلك الشعور متفاوتة مختلفة. ... ففي الحياة الدنيوية ينصب العذاب والنعيم على الأبدان أصالة، فيسري ذلك إلى الأرواح تبعاً، ولهذا رتبت الشريعة المطهرة الأحكام في هذه الدار على ما يظهر من حركات الأبدان وإن كان خلاف ذلك في الأنفس والجنان.

.. وفي الحياة البرزخية ترد الأحكام على الأرواح أصالة فيسري ذلك إلى الأبدان تبعاً عكس ما يكون في الحياة الدنيوية تماماً فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدار الدنيوية، فالتذت براحتها، وتألمت بألمها، ففي دار البرزخ هي التي تباشر العذاب والنعيم، فيتألم البدن ويلتذ حسبما يرد على روحه، وإذا كانت الأبدان ظاهرة في دار الدنيا، والأرواح خفية مستترة في أبدانها، والأبدان للأرواح بمنزلة القبور في هذه الحياة، ففي البرزخ يكون الأمر بالعكس تماماً فالأرواح هي الظاهرة، والأبدان خفية في قبورها، وتجري أحكام البرزخ على الأرواح فتسري إلى الأبدان نعيماً كان ذلك أو عذاباً، كما تجري أحكام الدنيا على الأبدان، فتسري إلى أرواحها نعيماً أو عذاباً. ... وفي دار الآخرة تجري الأحكام على الأرواح والأبدان، أصالة في كل منهما، فهي أكمل الدور وهي غاية ما سبقها من الدور، نسأل الله أن يجعل لنا فيها دار كرامته، وأن يمنّ علينا بواسع فظه ورؤية نور وجهه، إنه سميع الدعاء. ... فافهم ما سبق – يا عبد الله – حق الفهم، لتزول عنك الإشكالات، وتتضح لديك المتشابهات وترفع عنك الشبهات، وتقف على الحقائق البينات، التي تعثر في فهمها كثير من العقول الذكيات وهي من الزكاء عاريات ـ وذلك لأن ما سبق من أحوال الروح تحار العقول في فهمها، والوقوف على حقيقة أمرها، ولكن لا تحليها، والشرائع تأتي بما تحار فيه العقول، لا بما تحيله، وتلك الحيرة مقصودة للشرع الحنيف، ليسلم الإنسان بعجزه عن الإحاطة بشيء من أمر هذا المخلوق الضعيف، فكيف سيحيط بالخبير اللطيف، سبحانه سبحانه: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الأنعام103 ورحمة الله على الإمام الغزالي حيث يقول: قُل لمن يَفْهمُ عني ما أقول ... قَصِّر القولَ فذا شرح يطول ثَمَّ سِرٌ غامِضٌ من دونه ... ضُربتْ والله أعناق الفُحول

أنت لا تعرفُ إيّاك ولا ... تدر من أنت ولا كيف الوصول ج لا ولا تدري صفاتٍ رُكِبّتْ ... فيك حارتْ في خفاياها العقول أين منك الروح في جوهرها ... هل تراها فترى كيف تجول هذه الأنفاسُ تحصرها ... لا ولا تدري متى عنك تزول أين منك العقل والفهم إذا ... غَلَبَ النومُ فقل لي يا جهول أنتَ آكل الخبز لا تعرفه ... كيف يجري فيك أم كيف تبول فإذا كانت طواياك التي ... بين جنبيك كذا فيها ضَلول كيف تدري من على العرش استوى ... لا تقل كيف استوى كيف النزول (¬1) ج ¬

_ (¬1) انظر الأبيات في حاشية الأمير: (41) ، وتحفة المريد: (1/83) .

.. قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في تقرير للروح بما سبق في الدليل المائة، وهو ما قد اشترك في العلم به عامة أهل الأرض من لقاء الموتى، وسؤالهم لهم، وإخبارهم إياهم بأمور قد خفيت عليهم فرأوها عياناً، وهذا أكثر من أن يتكلف إيراده، وأعجب من هذا: (الوجه الحادي والمائة) وهو أن روح النائم يحصل لها في المنام آثار فتصبح يراها على البدن عياناً، وهي من تأثير للروح في الروح، كما ذكر القيرواني في كتاب "البستان" عن بعض السلف قال: كان لي جار يشتم أبا بكر وعمر – رضي الله تعالى عنهما – فلما كان ذات يوم أكثر من شتمهما فتناولته وتناولني فانصرفت إلى منزلي وأنا مغموم حزين، فنمت وتركت العشاء، فرأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المنام، فقلت يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلان يسب أصحابك، قال: مَنْ أصحابي؟ قلت: أبا بكر وعمر، قال: خذ هذه المُدْية فاذبحه بها فأخذتها فأضجعته وذبحته، ورأيت كأن يدي أصابها من دمه، فألقيت المدية، وأهويت بيدي إلى الأرض لأمسحها، فانتبهت، وأنا أسمع الصراخ من نحو داره، فقلت ما هذا الصراخ؟ قالوا: فلان مات فجأة، فلما أصبحنا جئت فنظرت إليه، فإذا خط موضع الذبح (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر كتاب الروح: (188-189) ، وانظر كلامه على متعلقات الروح الخمسة في: (43-44) وتقسيمه الدور التي يعيش فيها الإنسان إلى ثلاثة دور، وأحكام كل دار في: (63-64) ، وانظر الكلام على تعلقات الروح، وأعداد الدور في شرح الطحاوية: (354-357) ، وانظر كتاب الروح: (61-74) ، فقد قرر الإمام ابن القيم عذاب البرزخ ونعيمه، بأدلة وشواهد واقعية، فعليه رحمة رب البرية، وانظر بعض تلك الأدلة في فتح الباري: (3/235) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (6/108) وهذه شذرة ملخصة من بعض كلام الإمام ابن القيم: عذاب القبر ونعيمه، اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة، ويشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة، سمي عذاب القبر ونعيمه، وأنه روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، باعتبار غالب الخلق، فالمصلوب والحرق والغرق، وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب، وكيفياتهما – فلو علي الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح أو أحرق حتى صار رماداً ونسف في الهواء لوصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور إن كان مستحقاً له، ولو دفن الرجل الصالح في أتون من النار لأصاب جسده من نعيم البرزخ وروحه وحظه، فيجعل الله النار على هذا برداً وسلاماً، ويجعل الهواء على من علق على رؤوس الأشجار – إن كان مستحقاً للعذاب، فعناصر العالم وموارده منقادة لربها فاطرها وخالقها يصرفها كيف يشاء، ولا يستعصي عليه منها شيء أراده بل هي طوع مشيئته مذلله منقادة لقدرته، ومن أنكر فقد جحد رب العالمين، وكفر به، وأنظر ربوبيته. وقد أرانا الله – سبحانه وتعالى – بلطفه ورحمته وهدايته نموذجاً في الدنيا من حال النائم فإن ما ينعم به أو يعذب في نومه يجري على روحه أصلاً، والبدن تبع له وقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيراً مشاهداً فيرى أنه ضرب فيصيح، وأثر الضرب في جسده، وأعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم في نومه، ويضرب ويبطش ويدافع كأنه يقظان، وهو نائم لا شعور له بذلك وذلك أن الحكم لما جرى على الروح استعانت بالبدن من خارجه، ولو دخلت فيه لاستيقظ وأحسن، فإذا كانت الروح تتألم وتنعم ويصل ذلك إلى بدنها بطريق الاستتباع فهكذا في البرزخ بل أعظم فإن تجرد الروح هنالك وأكمل وأقوى، وهي متعلقة ببدنها لم تنقطع عنه كل الانقطاع، ومتى أعطيت هذا الموقع حقه تبين كل أن ما أخبر به الرسول – صلى الله عليه وسلم – من عذاب القبر ونعيمه، وضيقه وسعته، وضمه وكونه حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، مطابق للعقل وأنه حق لا مرية فيه، وأن من أشكل عليه ذلك فمن سوء فهمه، وقلة علمه أتى، كما قيل: وكم من غائب قولا ً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم وأعجب من ذلك أنك تجد النائمين في فراش واحد، وهذا روحه في النعيم، ويستيقظ وأثر النعيم على بدنه وهذا روحه في العذاب ويستيقظ وأثر العذاب على بدنه، وليس عند أحدهما خبر بما عند الآخر فأمر البرزخ أعجب من ذلك، وذكر نحو ذلك الإمام ابن حجر – عليه رحمة الله تعالى – وملخص كلامه: لنعيم البرزخ وعذابه نظير في العادة، وهو النائم فإنه يجد لذة وألماً لا يدركه جليسه، بل اليقظان قد يدرك ألماً ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه، ولا يدرك ذلك جليسه، وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله – تبارك وتعالى –.

.. فهذا وغيره مما يتعلق بالروح تحار العقول في فهمه، والوقوف على حقيقته وكنهه، ولكن لا تحيله أبداً، فافهم هذا جيداً، وتذكر قول من أحصى كل شيء عدداً ولا تخفى عليه خافية أبداً: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} الإسراء85، نسأل الله الكريم أن يعرفنا بحقارة نفوسنا وجهلها، وبعظمة ذات ربنا وفضلها إنه سميع مجيب. خامساً المسائل المتعلقة بالروح وآخرها: ... إذا كانت الروح البشرية مجهولة لنا، ولا نحيط بشيء من متعلقاتها في بدننا، فإن ذلك يثبت لنا سفاهة المنحرفين في هذا العصر، الذين يروجون لعلم النفس الذي هو منبع الضلال والكفر ويطلقون عليه علم النفس البشرية، أو دراسات سيكولوجية، وإنما كانت تلك الدراسات السيكولوجية، بتلك الدركة السفلية، والشناعة الردية، لأن مجرد فروض نظرية، من قبل الأبالسة الغوية، فرويد وإدكر وغيرهما من قرود البشرية – عليهم جميعاً لعنات رب البرية – فالنفس البشرية لا يعلم حقيقتها، ولا يحيط بكيفيتها إلا خالقها وفاطرها، والذين بحثوا فيها وربتوا أحكامها على بحثهم، ليست مأخوذة من شرع ربهم، لا يتبعون في ذلك إلا الظن، الذي أضل من قبلهم من الكافرين، وهو لا يغني من الحق شيئاَ كما قال رب العالمين – جل وعلا –: {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} النجم28. ويقرر هذا ثلاثة أمور، فاغتنم معرفتها لتعرف حقائق الأمور:

1- لا يصلح اعتبار العقل أساساً لبحث مسائل النفس، ومعرفة قضاياها، لأن العقل وما يستند إليه من تجارب وإحصاءات لا يمكن أن يكون حكماً في مسائل علم النفس، لأنها تدخل في عالم الغيب الذي لا يخضع لحساه من الحواس، وتقرير الخطأ والصواب، والفضيلة والرذيلة يحتاج إلى معرفة العلة الأولى والهدف الأخير، ونحن لا نعرفها في هذه الحياة الدنيا أو فيما وراءها، فلا ندري من أين جئنا وإلى أين نصير. 2- ثبت عجز الحواس عن إدراك أشياء كثيرة من المحسوسات، فالعين البشرية مثلا ً ينحصر مدى إدراكها فيما بين الموجات الضوئية التي طولها: 0.00007، والموجات الضوئية التي طولها: 0.00004 من السنتيمتر، وهي الموجات المحصورة بين اللون الأحمر واللون البنفسجي، ولا ندرك شيئاً مما تحت الأحمر، وقل مثل ذلك في حاسة السمع، وسائر الحواس فقد ثبت قصور التفكير البشري المبني على مشاهدات هذه الحواس.

3- نتج عن الأمرين السابقين تشتت أراء أرباب الدراسات السيكولوجية، وكثرت افتراضاتهم الردية، وتباينت مذاهبهم الشيطانية، ففرقوا الناس، ومزقوا وحدتهم، وشككوهم في قيمهم بعد أن جمع الدين الناس على قيم الخير ومثله، ولم يستطع واحد من علماء علم النفس الملاعين، جمع الناس على مذهبه بعد أن فرقهم في الدين، فصار ذلك العلم اللعين سبباً في تفريق الناس أجمعين، وطلي الباطل بعبارات معسولة، وصارت وظيفة علم النفس تسفيه الفضائل وتبرير الجرائم فالدكتور عبد العزيز القوصي المستشار الفني لوزارة التربية بمصر يقرر في كتابه سلسلة دراسات سيكولوجية ضرورة الخلط بين الذكور والإناث في دور التعليم، وفي سائر أمور الحياة، فيدعو إلى إخراج المرأة للكدح في الأسواق، وامتهانها بين الرجال، وتصل به الخلاعة والمجون ليقرر أن القبلة، والغزل الرقيق، والتلميحات الجنسية ليست أمور شائنة، فليهدأ الشباب بالا ً، فليس كل ما يدور حول الجنس يدخل في باب المحرمات، ولعل كثيراً مما نكتبه كان ضحية سوء التوجيه. ويسير على تلك الخطا نظيره الرقيع المبعوث الأزهري إلى باريس الشيطان رفاعة الطهطاوي فيقرر في كتبه المرشد الأمين للبنات والبنين وكتاب تلخيص الإبريز في تلخيص باريز، وكتاب الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية، يقرر في تلك الكتب ما قاله القوصي، ويزيد عليه حيث اعتبر الرقص بين الذكور والإناث نوعاً من الرشاقة ودماثة الأخلاق (¬1) . ¬

_ (¬1) قارن هذه الترهات والأوهام، والمنكرات والآثام مع قول خير الأنام – عليه الصلاة والسلام –: "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" روه الطبراني ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (4/326) ورواه البيهقي أيضاً في الجامع الكبير: (1/636) ، والترغيب والترهيب: (3/39) كلاهما عن معقل بن يسار – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم –.

.. ويجيء بعد ذينك الرجلين الخبيثين خبيث ثالث، وهو الدكتور مصطفى محمود فيصدر فتواه الأثيمة بأنه لا مانع من إرسال النظر إلى الصدر العريان، والشعر المرسل، والأفخاذ المكشوفة إذا كان القلب نظيفاً، ليرى الناظر الجمال، فيرى فيه الخالق، فيقول: الله فيكتسب حسنات، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً. ... قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: يعلم الله الكريم، أن الأمة ما رزئت إلا بأولئك الشياطين، فنسأل الله أن يحفظنا من وساوسهم، وأن يطهر الأرض من رجسهم، ورجس شيعتهم، عاجلا ً غير آجل، فربنا على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل (¬1) . ختام الكلام على طريقة أهل السنة الكرام في إيمانهم بصفات الرحيم الرحمن: ... ما تقدم من الكلام يدور حول طريقة أهل السنة الكرام في الصفات الثابتة لذي الجلال والإكرام، وقد ورد في النصوص الشرعيات، نفي بعض الصفات، عن رب الأرض والسموات، كما أنه يوجد ألفاظ مسكوت عنها، دار المتكلمون حولها، ولم يرد نفيها عن الله ولا وصفه بها، فما طريقة أهل السنة فيها وفيما قبلها؟ ... وإليك البيان في ذلك يا طالب الهدى، حفظني الله وإياك من الزيغ والردى، وجعلنا من عباده السعداء. ... وردت نصوص الشرع المبين، بوصف رب العالمين، بصفات يتصف بها، كما وردت بنفي صفات يتنزه عنها، والأولى يقال لها: صفات ثبوتية، أي: ثابتة لذات ربنا العلية، ويتصف بها رب البرية، والثانية يقال لها: صفات سلبية، أي: منتفية عن ربنا، ولا يوصف بها خالقنا. ¬

_ (¬1)) ) انظر مدارج السالكين: (3/501) ففيه: ما أفسد أديان الرسل – عليهم الصلاة والسلام – إلا أرباب منازعات العقول، وانظر ما تقدم في كتاب الإسلام والحضارة الغربية: (35-37) وحصوننا مهددة من داخلها: (37-53) ، وانظر فتوى الضال مصطفى محمود في كتابه: القرآن محاولة لفهم عصري: (111) وأقلت تاء فتواه سيناً ليتناسب اللفظ مع حقيقة تلك النحلة الخبيثة.

وطريقة أهل العقول الزاكيات، في إيمانهم بصفات النفي والإثبات، تتلخص فيما يأتي من التحقيقات البينات: 1- صفات الإثبات لها ثلاثة خصائص عند أهل السنة الكرام، دل عليها كلام الرحيم الرحمن: أ) التفصيل: إذ بها يقع المدح للرب الجليل، والممدوح يمدح بما يقوم فيه من صفات ثبوتية، وأوصاف حسنى مرضية، ولذلك فصل أهل السنة الأبرار، في الصفات الثبوتية للعزيز الغفار، كما دل على ذلك كلام الواحد القهار: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آخر الحشر. ب) إنها مقصودة لذاتها، لأنه يقع بها التمدح للموصوف بها، فالمراد من وصف الله – جل وعلا – بالعلم، والرحمة والغضب، وغير ذلك من الصفات الثبوتية: الدلالة على وصف الله – تبارك وتعالى – بتلك الأوصاف.

جـ) تدل على نفي أضدادها، فاتصاف ربنا بصفات الكمال، يستلزم نفي النقائص عنه في جميع الأحوال، فكل ما ضاد أسماء الله الحسنى، وصفاته المباركة، فهو منتفٍ عنه، لأن إثبات الشيء نفي ضده، ولما يستلزم ضده (¬1) . ¬

_ (¬1) وقد وضح ذلك شيخ الإسلام في الرسالة التدمرية: (86-92) غاية الإيضاح، وهي في مجموع الفتاوى: (3/82-88) ، وقرر أن كل ما نافا صفات الكمال الثابتة لله – جل وعلا – وضاده فهو منزه عنه، لأنه نقص وهو ضد الكمال، وإثبات أحد الضدين نفيٌ للآخر، ولما يستلزمه، فقد علم أنه – جل وعلا – حي، والموت ضد، فهو منزه عنه، وكذلك النوم والسنة ضد كمال الحياة ن فإن النوم أخو الموت، وكذلك اللغوب نقص في القدرة والقوة ... إلخ، وفي مجموع الفتاوى أيضاً: (17/108) نفي النقائص عنه من لوازم إثبات صفات الكمال، فمن ثبت له الكمال التام انتفى عنه النقصان المضاد له، وفي مجموع الفتاوى أيضاً: (16/97-98) ، وهو سبحانه وتعالى – وصف نفسه بالعلو، وهو من صفات المدح له بذلك والتعظيم، لأنه من صفات الكمال، كما مدح نفسه بأنه العظيم، والعليم، والقدير، والعزيز، والحليم، ونحو ذلك وأنه الحي القيوم ونحو ذلك من معاني أسمائه الحسنى، فلا يجوز أن يتصف بضد هذه الصفات، فلا يجوز أن يتصف بضد الحياة والقيومية والعلم والقدرة، مثل الموت والنوم والجهل والعجز واللغوب، ولا بضد العزة وهو الذل، ولا بضد الحكمة وهو السفه، فكذلك لا يوصف بضد العلو وهو السفول، ولا بضد العظيم وهو الحقير، بل هو – سبحانه وتعالى – منزه عن هذه النقائص المنافية لصفات الكمال الثابتة له، فثبوت صفات الكمال له ينفي اتصافه بأضدادها، وهي النقائص، وهو – سبحانه وتعالى – ليس كمثله شيء فيما يوصف به من صفات الكمال..فهو منزه عن النقص المضاد لكماله، وهو منزه عن أن يكون له مثل في شيء من صفاته، ومعاني التنزيه ترجع إلى هذين الأصلين، وقال في الرسالة التدمرية: (39-41) وهي في مجموع الفتاوى: (3/35-37) ، وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتاً وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كما، وكل نفي لا يستلزم ثبوتاً هو مما يصف الله به نفسه.

2- وأما الصفات السلبية، فلها ثلاثة خصائص أيضاً، عند الفرقة الناجية المرضية: أ) الإجمال: لعدم وقوع المدح بها لذي العزة والجلال، فالممدوح يمدح بها يقوم فيه من صفات ثبوتية ـ لا بما يتنزه عنه من أمور عدمية، كما دل على ذلك قول رب البرية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى11، ففي جانب النفي أجمل " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" وفي جانب الإثبات فصل " وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ"، فذكر صفتين من صفات رب الكونين. ب) تدل على نفي ما دلت عليه، فما نفاه ربنا عن نفسه من الظلم والسنة والنوم، وغير ذلك، يدل على نفي تلك الصفات الناقصة الذميمة، عن ربنا ذي الصفات الكاملة الكريمة.

جـ) المقصود إثبات ما يضادها من صفات الإثبات مع ما دلت عليه من نفي النقائص الرديات فليس في النفي المجرد مدح، وكل نفي لا يدل على إثبات ما يضاده من الصفات فلا يتصف به رب البريات، ولم يترد في الآيات المحكمات، وقد دل على هذا كلام رب الأرض والسموات: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} فاطر44، فالعجز منتفٍ عن الله – جل وعز – لثبوت ما يضاده من صفات الكمال، ولهذا علل ربنا – جل وعلا – نفي العجز عنه بأمرين بثبوت علمه وقدرته، وذلك لأن العجز سببه أمران لا ثالث لهما: جهل أو ضعف، وهما منتفيان عن ربنا، فهو العالم بكل شيء والقدير على كل شيء، ولهذا قال – جل جلاله –: " إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً" (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مجموع الفتاوى: (16/99، 17/144، 66/67) ، ونحوه في تفسير ابن كثير: (4/25) وعبارته – رحمه الله تعالى –: ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص بدلالة المطابقة ويستلزم إثبات الكمال كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة ويستلزم التنزيه عن النقص قرن بينهما في هذا الموضع، وهو آخر سورة الصافات: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

.. قال الشيخ ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى –: ما وصف الله – جل وعلا – به نفسه من الصفات السلبية فلابد أن يتضمن معنى ثبوتياً، فالكمال هو في الوجود والثبوت، والنفي مقصوده نفي ما يناقض ذلك، فإذا نفى النقيض الذي هو العدم والسلب لزم ثبوت النقيض الآخر الذي هو الوجود والثبوت، وقال أيضاً: الصفات السلبية إنما تكون كمالا ً إذا تضمنت أموراً وجودية، ولهذا كان تسبيح الرب – جل جلاله – يتضمن تنزيهه وتعظيمه جميعاً، فقول العبد: سبحان الله، يتضمن تنزيه الله وبراءته من السوء، وهذا المعنى يتضمن عظمته في نفسه، وليس هو عدماً محضاً لا يتضمن وجوداً، فإن هذا لا مدح فيه ولا تعظيم، وكذلك سائر ما تنزه الرب عنه من الشركاء والأولاد، وغير ذلك، فنفي العيوب والنقائص يستلزم ثبوت الكمال، ونفي الشركاء يقتضي الوحدانية وهو من تمام الكمال. ... قال عبد الرحيم الطحان – ختم الله الكريم له بالإحسان التام –: وإنما كان النفي المجرد لا مدح فيه، وإذا لم يدل على ثبوت ما يضاده فلا خير فيه، لأربعة أمور محكمة، فاسمعها واشكر لله نعمه: الأول: النفي المحض عدم محض، والعدم يكفي في تحقيره وتوهين أمره أنه عدم، فهو ليس بشيء وما ليس بشيء فهو كما قيل: ليس بشيء فضلا ً عن أن يكون مدحاً أو كمالا ً. الثاني: العدم المحض يوصف به المعدوم والممتنع، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال. الثالث: قد يكون سبب النفي عدم القابلية، وليس في ذلك مدح كقولك: الجرار لا يظلم، ولا يغدر. الرابع: قد يكون سبب النفي العجز، ولذلك ذم الشاعر قبيلة لكونهم لا يغدرون ولا يظلمون، وإنما ذمهم بنفي ذينك الوصفين عنهم، لأن سبب امتناعهم عنهما خستهم وضعفهم، وحقارتهم ومسكنتهم، لا عد لهم وأمانتهم، فهم قوم لئام تتحرق قلوبهم على فعل الآثام ولكن لا يستطيعون الغدر والعدوان، لما فيهم من ضعف وامتهان، فإذا ظلموا الناس صاعاً ظلموهم صاعين، قال الشاعر:

قُبيّلة ٌ لا يَغْدرون بِذِمّةٍ ... ولا يظلمون الناس حَبّة َ خَرْدَل ِ ومثل هذا قول آخر: لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عَدَدٍ ... ليسوا من الشر في شيءٍ وإنْ هانا ... قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: ولكون التروك قد يكون سبب تركها عجز الناس عن فعلها، أن التروك لا يثيب الله عليها المكلفين، إلا إذا تركوها ابتغاء وجهه الكريم، وإذا تركها العباد سبهللاً، لأنها لم تخطر ببالهم أصلا ً، فلا ثواب ولا عقاب، وأما إذا تركوها لعجزهم عنها، وفي نيتهم عزم أكيدٌ على فعلها، فعليهم العقاب بلا ارتياب، ولهم الويل والتباب، فاتق يا عبد الله ربك في نفسك، وصحح النية قبل دخولك رمسك (¬1) . ¬

_ (¬1) أي قبرك، رَمَسَه ُ يَرْمُسُه ُ رَمْساً فهو مَرْموسٌ ورَمِيسٌ: دفنه وسوى عليه الأرض وكل ما أهيل عليه التراب فقد رمس، وكل شيء نثر عليه التراب فهو مرموس، كما في اللسان: (7/406) "رمس" ومن طريف ما يروى في تعجيل العقوبة لمن يظهرون ترك القائح، ويوهمون الناس بترك الفضائح، وهم بفعلها متلبسون، وعن الصراط ناكبون، ما ورد في أخبار النساء: (121-122) من أن بعض السفهاء قام في ليلة ظلماء، ليعتدي على جارية من النساء، فلما عاد إلى سريره لسعته عقرباء فتجلد وصبر حتى استقر على السرير، خشية انكشاف حاله الحقير، ثم توجع وصاح، فقالت له صاحبة البيت مالك؟ فقال لها: لدغتني عقرب، فقالت: وعلى السرير عقرب؟ فقال لها: نزلت لأبول فأصابتني، ففطنت لنيته الخبيثة، ولما أصبحت جمعت جواريها واستحلفتهن أن لا يقتلن عقرباً في دارها إلى سنة، ثم قالت: إذا عُصِيَ الله في دارنا ... فإنّ عقاربَنا تَغْضَبُ ودارٌ إذا نام حُرّاسُها ... أقامَ الحُدودَ بها العقرب

.. ثبت في المسند وسنن الترمذي وسنن ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي كبشة الأنصاري – رضي الله تعالى عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ثلاثة أقسم عليهن، واحد ثكم حديثاً فاحفظوه، ما نقص مال عبدٍ من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، ولا فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر. فأحدثكم حديثاً: إنما الدنيا لأربعة نفر ٍ: عبد رزقه الله مالا ًوعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً. فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالا ً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا ً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ً ولم يرزقه علماً فهو يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقى فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل وعبد لم يرزقه الله مالا ً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء" (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي كتاب الزهد – باب ما جاء: "مثل الدنيا مثل أربعة نفر": (7/81) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وانظره في سنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب النية: (2/1413) ، وسند ابن ماجه جيد كما في تخريج أحاديث الإحياء: (4/352) والمسند: (4/230، 231) ، والحديث قد استشهد به الحافظ في الفتح: (11/326) ، وانظر شرحه في تحفة الأحوذي: (3/262-263) .

وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي بكرة – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار، فقلت يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه (¬1) ". قال الإمام النووي قال القاضي عياض – عليهما رحمة الله تعالى –: عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين أن من عزم على المعصية بقلبه، ووطن نفسه عليها، أثِمَ في اعتقاده وعزمه، للأحاديث الدالة على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنهم قالوا: إن هذا العزم يكتب سيئة، وليست السيئة التي هم بها، لكونه لم يعملها، وقطعه عنها قاطع غير خوف الله – تبارك وتعالى – والإنابة إليه، لكن نفس الإصرار والعزم معصية، فتكتب معصية، فإذا عملها كتبت معصية ثانية. ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب 2: (1/85) وفي كتاب الديات – باب 2: (12/192) ، وكتاب الفتن – باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما –: (13/31) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب الفتن – باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما: (4/2213) وسنن أبي داود – كتاب الفتن والملاحم – باب في النهي عن القتال في الفتنة: (4/462) ، وسنن النسائي – كتاب تحريم الدم – باب تحريم القتل –: (7/114) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الفتن – باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما: (2/1311) ، والمسند: (5/51) ، ورواه النسائي، وابن ماجه في المكانين المتقدمين عن أبي موسى – رضي الله تعالى عنهم – وهو في المسند أيضاً: (4/401، 403،)

قال الإمام النووي – عليه رحمة ربنا القوي –: وهو ظاهر حسن لا مزيد عليه، وقد تظاهرت نصوص الشرع بالمؤاخذة بعزم القلب المستقر، من ذلك قوله – تبارك وتعالى –: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النور19، والآيات في ذلك كثيرة (¬1) . وفي فتح الباري نقلا ًعن الإمام ابن الجوزي – رحمه الله تعالى – قال: إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ، فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس، وهو من عمل القلب 1هـ وفيه نقلا ً عن الخطابي – عليه رحمة الله تعالى – من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع كأن يمشي إلى امرأة ليزني بها مثلا ً فيجد الباب مغلقاً، ويتعسر فتحه، ومثله من تمكن من الزنا فلم ينتشر، أو طرقه ما يخاف من أذاه عاجلا ً 10هـ وفيه أيضاً أن الإمام ابن المبارك سأل الإمام الثوري – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – فقال: أيؤاخذ العبد بما يهتم به؟ قال: إذا جزم بذلك يؤاخذ (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر شرح صحيح الإمام مسلم: (2/151) مع بعض الاختصار، ونقله الحافظ في الفتح: (11/327) وانظر إكمال المعلم، ومكمل الإكمال: (2/236) الثاني في حاشية الأول. (¬2) انظر فتح الباري: (11/326-328) ،وفيه أيضاً نقلا ً عن الإمام السبكي الكبير – عليه رحمة الله تعالى – تحقيق جليل، لحكم ما يدور في الضمير، حيث قسم ما يدور في نفوس الخلق إلى خمسة أحوال في الميزان الحق، فدونهما يا طالب الصدق، مع تقريرها بأدلة الحق: الأول: الهاجس، وهو الشعور بأمر من الأمور، في جانب الخير أو الشرور، وهو مرفوع عن المخلوقات فلا يكتب لهم في الطاعات، ولا عليهم في الخطيئات. الثاني: الخاطر، وهو جريان ذلك الشعور في النفس البشرية، ودون استمراره في أوقات مستقبلة زمنية، وهذا لا يكتب لفاعله – أيضاً – في الأحوال المرضية كما لا يكتب عليه في الأحوال الردية. الثالث: حديث النفس ويقال له: الوسوسة وهو استمرار ذلك الجريان في مدة من مستقبل الزمان دون قصد لفعل ذلك من قبل الإنسان، ويكتب هذا للإنسان في جانب الإحسان ولا يؤاخذ عليه في جانب العصيان. الرابع: الهم، وهو قصد فعل ما دار في النفس، وترجيح الفعل على الترك، ويكتب هذا للعباد في الخيرات ولا يحاسبون عليه في المنكرات. الخامس: العزم وهو القصد الجازم لفعل العبد ما هم عليه، ورفع التردد منه لديه، بحيث لو لم يحل بينه وبين عزمه مانع، لحصل منه الفعل بلا منازع ولا مدافع، ويكتب هذا للمكلفين في الخيرات، كما يكتب عليهم في السيئات. وهذه الأحكام جمعها بعض أئمة الإسلام في السيئات: مَراتبُ القَصْدِ خمسٌ هاجِسٌ ذكروا ... فَخَاطِرٌ فحديثُ النفس فاسْتمعا يليه همٌ فَعَزْمٌ كلها رفعت ... سوى الأخير ففيه الأخْذ ُ قَدْوَقَعَا وخلاصة الكلام: إن الهاجس والخاطر لا يكتبان، في الطاعات ولا العصيان لأنهما يهجمان على الإنسان، ويزولان ولا يلبثان، ولا يبذل المكلف نحوهما أي شيء كان. وأما حديث النفس والهم فيكتبان للمكلفين، إذا صدرا في طاعة رب العالمين، لوجود شيء من الركون إليهما، ولا يكتبان في السيئات لعدم التصميم عليهما، رحمة من الله ولطفاً بنا. وأما العزم فيكتب في الطاعات والسيئات، لوجود التصميم عليه من قبل المكلفين والمكلفات. وقد تقدم قريباً حديث أبي كبشة، وأبي بكرة – رضي الله تعالى عنهما – في كتابة ما يعزم عليه الإنسان، في الخير أو العصيان، وتقدم سابقاً في هذا الكتاب المبارك: (......-.....) عدة أحاديث جياد، تشير إلى رفع المؤاخذة عن العباد، إذا دار في نفوسهم شيء من الزيغ والفساد وإليك هذا الحديث الجامع، الذي فيه دليل صريح لما تقدم من تفصيل رائع، ثبت في صحيح البخاري – كتاب الرقاق – باب من هم بحسنة أو سيئة –: (11/323) بشرح ابن حجر وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب إذا هم العبد بحسنة كتبت، وإذا هم بسيئة لم تكتب: (1/117-118) وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة الأنعام –: (8/232) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب من هم بحسنة –: (2/321) ، والمسند: (2/234، 411، 498، 3/149) كلهم من رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – إلا رواية البخاري والدارمي فعن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ورواه الإمام مسلم في المكان المتقدم عنهما، ورواه الإمام أحمد في المسند عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أيضاً: (1/227، 279، 310، 361) وهذا لفظ رواية الشيخين عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما يروي عن ربه – عز وجل – قال: "إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنان إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة؟ كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة". فهذا فيما يتعلق بجانب الهم في الحسنات والسيئات، وفي لفظ لمسلم من رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "قال الله – عز وجل –: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفر له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها بمثلها" فهذا فيما يتعلق بحديث النفس، وحكمه كما تقدم كالهم، وإن كان الهم آكد وأقوى وقد ورد التصريح بأنه لا يكتب في السيئات ففي صحيح البخاري – كتاب الإيمان والنذر – باب إذا حنث ناسياً –: (11/549) وفي كتاب الطلاق – باب 11: (9/388) ، وكتاب العتق – باب 6: (5/160) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر –: (1/116-117) ، وسنن أبي داود – كتاب الطلاق – باب في الوسوسة بالطلاق –: (2/657) ، وسنن الترمذي – كتاب الطلاق – باب فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته –: (4/169) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الطلاق – باب من طلق في نفسه ولم يتكلم به – وباب طلاق المكره والناسي: (1/658-659) ، وسنن النسائي – كتاب الطلاق – باب فيمن طلق في نفسه –: (6/127) ، والمسند: (2/255، 393، 435، 474، 481، 491) وشرح السنة للبغوي – كتاب الإيمان – باب العفو عن حديث النفس –: (1/108) كلهم من رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه –، ورواه الطبراني من رواية عمران بن حصين، وثوبان – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – كما في مجمع الزوائد: (6/250) وهذا لفظ رواية الصحيحين: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم".

قال كاتب هذه الصفات – غفر الله الكريم له جميع السيئات –: كم من إنسان يترك المنكرات ونفسه تتقطع عليها حسرات ـ فليس في ذلك الترك مفخرة من المفخرات، وكم من مكلف يترك السيئات، لاتصافه بالخصال الحميدات، فذلك يدل على بلوغه أعلى الدرجات، واتصافه بالصفات الكريمات – نسأل الله الكريم أن يجعل عِلة تركنا لكل فعل أثيم، خشيته في كل مكان وحين، فهو خير المسئولين، وهو ولي الصالحين. وصفوة البيان في طريقة أهل السنة الكرام في صفات ربهم الرحمن: أنهم يجملون في صفات النفي ويفصلون في صفات الإثبات، كما دل على ذلك الآيات المحكمات، فالله – جل وعلا – بعث خير البريات – صلى الله عليه وسلم – بإثبات مفصل، ونفي مجمل.

وقد خالف تلك الطريقة القويمة، أهل البدع الذميمة، ففصلوا في النفي، وأجملوا في الإثبات، ومما قالوه من العبارات: إنه ليس بجوهر ولا عرض، ولا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا وراء، وهكذا يبالغون في النفي ويفصلون، وإذا تكلموا في صفات الإثبات فكأنهم يختنقون، ثم يؤولون ويحرفون، ضل سعيهم، وخاب صنعهم، فلا لصفات الكمال أثبتوا، ولا مع الله تأدبوا، لأن النفي المحض المجرد، إذا لم يدل على إثبات ما يضاده، مع كونه لا مدح فيه ففيه إساءة أدب، فلو قال قائل للسلطان، أنت لست بزبال ولا كساح، ولا حجام ولا حائك، ولا جبان، ولا خائن، ولا جاهل، ولا ظالم، ولا خبيث ولا زان، لأدبه على ذلك الوصف، وإن كان صادقاً لأن المدح يكون بالصفات الثبوتية ولذلك تفصل، لا بالصفات المنفية، ولذلك تجمل فيقال: أنت عالم عادل، صالح فاضل، كريم رحيم، لا يوجد مثلك في الرعية، ولربنا – جل وعلا المثل الأعلى (¬1) . * طريقة أهل السنة البررة في الألفاظ التي لم يرد بها وصف ربنا في النصوص المطهرة: الكلام في هذه المسألة العظيمة، يدور على ثلاثة أركان مستقيمة: ¬

_ (¬1) انظر تفصيل الكلام على ما يتعلق بطريقة أهل السنة المتقين، وبطريقة أهل البدع الزائغين، في صفات النفي والإثبات لله رب العالمين، في الرسالة التدمرية: (39-44) ، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/35-40) ، وانظر مجموع الفتاوى أيضاً: (11/480) وفيه: اعتداء الرسل – عليهم الصلاة والسلام – الجهمية الفلاسفة، ونحوهم وصفوا الله بنفي منفصل، وإثبات مجمل وانظر أيضاً: (6/66-67، 17/305-306) ، وفتح رب البرية: (9) ، والتحفة المهدية: (1/96-109) ، وشرح الطحاوية: (52-54) .

الركن الأول: ما أخبر به الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن ربه – جل وعلا – مما يتصف به من صفات يجب الإيمان به في جميع الأوقات، سواء عرفنا معناه من جميع الوجوه، أو من بعضها لأنه – صلى الله عليه وسلم – هو الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى ولذلك يجب الإيمان بما ورد في السنة والقرآن، في جميع أحوال الناس. الركن الثاني: ما ورد نفيه ننفيه، ولا نتوقف فيه. الركن الثالث: ما لم يرد إثباته ولا نفيه في حق ربنا الرحمن، فلنا نحوه موقفان: أ) الأول: لا يصح وصف الله – جل وعلا – ولا تسميته بما لم يرد، لأن أسماء الرب وصفاته توقيفية، لا دخل فيها للعقول البشرية، ولا للقياسات اللغوية، قال الإمام ابن قدامة – عليه رحمة الله تعالى – في كتابه: "لمعة الاعتقاد" ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حدٍ ولا غاية، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدى القرآن والحديث، 1هـ وقال الشيخ إبراهيم اللقاني – عليه رحمة الله تعالى – في الجوهرة: واخْتِيرَ أنْ أسْماهُ توقيفّية ... كذا الصفاتِ فاحْفظ السّمْعية ... ونقل الإمام الجوزي عن الزجاج – عليهما رحمة الله تعالى – أنه لا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يسم به نفسه، ونقل عن الخطابي – عليهما رحمة الله تعالى – أن الغلط في أسماء الله والزيغ عنها إلحاد (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد: (5) ، وشرح الباجوري على الجوهرة: (1/80-81) ، وزاد المسير: (3/92) ، وانظر أيضاً كتاب النصيحة في صفات الرب – جل وعلا -: (7) ، والرسالة الحموية: (238) مطبوعة مع العمدة في الأحكام، وتفسير المنار: (9/443) ، وفيه: اتفق أهل الحق على أن أسماءه وصفاته توقيفية 1هـ وانظر روح المعاني: (14/194) ، ففيه: إذا لم يجز ضرب المثل لله، والاستعارات يكفي فيها شبه ما، والإطلاق لتلك العلاقة كافٍ، فعدم جواز إطلاق الأسماء من غير سبق تعليم منه تعالى، وإثبات الصفات أولى وأولى 10هـ.

ب) الثاني: نستفسر عن المراد من تلك الألفاظ التي لم يرد إثباتها ولا نفيها فإن وافق مدلولها ما جاءت به نصوص الشرع المطهر، صح إطلاقها على الله – جل وعلا – من باب الخبر، لأن باب الإخبار عن رب البريات، أوسع في الكلام عما له من أسماء والصفات، وضابط ذلك ما قدمته: أن كل لفظ مدلوله ما ورد في النصوص الشرعية صح أن يخبر به عن رب البرية، كما أفاد ذلك الإمام ابن القيم الجوزية – أسكنه الله غرف الجنان العلية (¬1) . وإليك تفصيل الكلام، في لفظين فقط، حسبما قرر شيخ الإسلام – عليه الرضوان: اللفظ الأول: لفظ الجهة: لم يرد في النصوص الشرعية، إثبات للفظ الجهة لرب البرية ولا نفيه عن ذاته العلية، فيستفسر أهل السنة عن المواد من تلك اللفظة ثم يحكمون عليها حسبما تقتضيه شريعة الله الغراء السمحة. فلفظ الجهة إن أريد به شيء موجود غير الله، فتكون الجهة مخلوقة، كما إذا أريد بها نفس العرش، أو نفس السموات، فلا يصح إطلاق ذلك اللفظ على الله – جل وعلا –، ولا الإخبار به عنه، فهو باطل لأن الله – عز وجل – ليس في شيء من مخلوقاته. وإن أريد بلفظ الجهة ما ليس بموجود غير الله – جل وعلا – كما إذا أريد به ما فوق العالم فلا مانع من إطلاق ذلك اللفظ على الله – جل وعلا –، والإخبار به عنه، لأنه ليس فوق العالم شيء مخلوق، فليس فوق المخلوقات إلا رب الأرض والسموات، والله – جل وعلا – فوق عرشه على سمواته، مباين لمخلوقاته. ¬

_ (¬1) انظر بدائع الفوائد: (1/161) ، وعبارته: أن ما يدخل في باب الإخبار عنه – جل جلاله – أوسع مما يدخل في أسمائه وصفاته، كالشيء والموجود، والقائم بنفسه، فإنه يخبر به عنه، ولا يدخل في أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، ونحوه في مدارج السالكين: (3/415) ، وعبارته: باب الإخبار عنه بالاسم أوسع من تسميته به، فإنه يخبر عنه بأنه: شيءٌ وموجود ومذكور، ومعلوم ومراد، ولا يسمى بذلك، وانظر ذلك في مجموع الفتاوى: (6/142-143) .

اللفظ الثاني: لفظ التحيز: ... كلفظ الجهة لم يرد في النصوص الشرعية إثباته ولا نفيه، فيستفصل أهل السنة عن المراد منه، ثم يصدرون الحكم عليه، كما تقدم في لفظ الجهة سواء بسواء. ... فإذا أريد بلفظ التحيز أن الله – جل وعلا – تحوزه المخلوقات، وتضمه الموجودات وتحويه البريات، وتحيط به الكائنات، وهو في حوزتها وداخلها، فلا يصح إطلاق هذا اللفظ على الله – جل وعلا –، ولا الإخبار عنه بأنه متحيز، فهو أعظم من ذلك وأكبر، وقد وسع كرسيه السموات والأرض كما قرر ربنا ذلك وأخبر، فقال: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} البقرة255، وقال جل جلاله –: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} الزمر67.

.. ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يطوي الله – عز وجل – السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ (¬1) ¬

_ (¬1) وانظر صحيح مسلم أول كتاب صفة القيامة والجنة والنار –: (17/131) بشرح النووي، والأسماء والصفات: (324) ، ومعالم التنزيل: (6/84) ، قال البيهقي في الأسماء والصفات: ذكر الشمال مما تفرد به عمر بن حمزة عن سالم، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – لم يذكروا فيه الشمال، ورواه أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – وغيره عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فلم يذكر فيه احد منهم ذكر الشمال، وقد ذكر الشمال في حديث آخر غير هذه القصة إلا أنه ضعيف بمرة، تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير، وبالآخر يزيد الرقاشي، وهما متروكان، وكيف يصح ذلك، وصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه سمى كلتى يديه يميناً؟ وكأن من قال ذلك أرسله من لفظه على ما وقع له، أو على عادة العرب في ذكر الشمال في مقابلة اليمين 10هـ ونحو ذلك ذكر ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه: (69) فقال: وأما رواية الشمال فضعيفة بالمرة، وقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "وكلتا يديه يمين"، وهذا يوهن ذكر الشمال 1هـ وإلى عدم إضافة الشمال إلى الله – جل وعلا – ذهب ابن خزيمة في كتاب التوحيد: (66) . قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: لا يخفى على طالب علم نصف أن الرواية بإضافة الشمال إلى الكبير المتعال قد ثبتت في صحيح مسلم، وكل ما قيل فلا يعكر عليها، وذلك لأن الحكم على تضعيف رواية الصحيح لا يقبل بحال، واتهام الراوي بأنه قال ذلك من لفظه باجتهاده، أو حسب عرف العرب مرفوض قطعاً، فلا يمكن للراوي أن يدخل في مثل هذا الباب المتوقف على محض السماع، وتوهم المعارضة بينه وبين حديث: "وكلتا يديه يمين" يزول عند التأمل، فلله – جل وعلا – يدان، شمال ويمين، وهما مباركتان، لا نقص في واحدة منهما فالمراد من اليمين في قوله: "وكلتا يديه يمين" اليمن، وهو البركة والكمال، لأن المعروف فينا أن الشمال أضعف من اليمين، وليس الأمر كذلك في حق رب العالمين، هذا وقد أخرج الحديث دون ذكر الشمال الإمام ابن منده في الرد على الجهمية: (75) والبيهقي في الأسماء والصفات: (329) وأبو داود – كتاب السنة – باب في الرد على الجهمية: (5/100) ، وابن ماجه – المقدمة – باب فيما أنكرت الجهمية: (1/71-72) ، وابن أبي عاصم في السنة: (1/241) ، وإمام الأئمة في كتاب التوحيد: (73) ، وانظره من رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – دون ذكر الشمال أيضاً، في صحيح مسلم في المكان المتقدم، وفي صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة الزمر – باب "وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ": (8/515) ، وفي كتاب الرقاق: - باب يقبض الله الأرض ... يوم القيامة: (11/372) ، وفي كتاب التوحيد – باب قول الله تعالى: "مَلِكِ النَّاسِ": (13/367) ، وباب قول الله تعالى: "لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ": (13/393) بشرح ابن حجر في الجميع، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب في شأن الساعة ونزول الرب – جل جلاله –: (2/233) ، والمسند: (3/324) ، وكتاب التوحيد لإمام الأئمة: (71) ، والأسماء والصفات: (323، 338) ، وابن منده في الرد على الجهمية: (75) ، والآجري في الشريعة: (320) ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة: (1/241، 242) ، وانظر بقية من خرجه في الدر المنثور: (5/335) ، وأما حديث "وكلتا يديه يمين" فرواه الإمام مسلم – كتاب الإمارة – باب فضيلة الأمير العادل وعقوبة الجائر –: (12/211) بشرح الإمام النووي عن عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن المقسطين عند الله منابر من نور عن يمين الرحمن – عز وجل – وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"، وانظره في سنن النسائي – كتاب آداب القضاة – باب فضل الحاكم العادل في حكمه –: (8/195) ، والسنن الكبرى للبيهقي – كتاب آداب القاضي – باب فضل من ابتلى بشيء من الأعمال فقام بالقسط وقضى بالحق: (10/87) ، والأسماء: (324) ، وشرح السنة – كتاب الإمارة والقضاء – باب ثواب من عدل من الرعاة: (10/64) ، والمسند: (2/160) والشريعة للآجري: (322) .

". وفي الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: جاء حبر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا أبا القاسم، إن الله تعالى يمسك السموات يوم القيامة على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يهزهن، فيقول: أنا الملك، أنا الملك، فضحك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تعجباً مما قال الحبر: تصديقاً له، ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} الزمر67 (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة الزمر – باب: " وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ": (8/50) وكتاب التوحيد – باب قول الله تعالى: " لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ": (13/393) ، وباب كلام الرب – عز وجل – يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم –: (13/474) ، وباب قول الله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا": (13/438) ، بشرح ابن حجر في جميع ما تقدم، وصحيح مسلم – أول كتاب صفة القيامة والجنة والنار –: (13/129-131) بشرح النووي، وأسباب النزول للواحدي: (249-250) ، ومعالم التنزيل: (6/84) ، والمسند: (1/457) ، والأسماء والصفات: (333-334) ، والشريعة للآجري: (318، 319) والرد على المريسي للدارمي: (60) ، ورواه الترمذي في كتاب التفسير – سورة الزمر –: (8/368-369) عن ابن مسعود وعن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم – وقال عن الرواية الأولى: هذا حديث حسن صحيح، وعن الثانية: هذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وكذلك رواه الطبراني في التفسير –: (24/18) وإمام الأئمة في التوحيد: (76-78) ، وابن أبي عاصم في السنة: (1/238-240) وابن منده في الرد على الجهمية: (83-86) وانظر رواية ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – في المسند: (1/251، 324) ، وانظر بقية من خرج الحديث في الدر المنثور: (5/334) . واعلم أن ضحك النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما كان تعجباً من قول الحبر، وتصديقاً له كما هو ظاهر الرواية الصحيحة الثابتة، وقد سأل ابن أبي عاصم شيخه أبا الربيع الزهراني عن ذلك فقال: قلت لأبي الربيع: فضحك تصديقاً؟ قال: نعم، وإلى ذلك ذهب إمام الأئمة، وقرره في كتاب التوحيد، وقال الإمام النووي: ظاهر الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صدق الحبر في قوله، ثم قرأ الآية التي فيها الإشارة إلى نحو ما يقول، ثم نقل عن القاضي عياض أن بعض المتكلمين ادعى أن ضحك النبي – صلى الله عليه وسلم – وتعجبه وتلاوته للآية ليس تصديقاً للحبر، بل هو رد لقوله وإنكاره، وتعجب من سوء اعتقاده، فإن مذهب اليهود التجسيم ففهم منه ذلك، وقوله: "تصديقا له" إنما هو كلام الرواي على ما فهم، قال الإمام النووي: والأول أظهر والتأويل الثاني مع بعده ونكارته مال إليه الخطابي كما في الأسماء والصفات: (338) قال ابن التين: ومسلكه متكلف كما في فتح الباري: (8/551) . قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – القول الثاني هو قول المتكلمين الزائغين، ومذهب المعتزلة الضالين، قال الإمام الدارمي – عليه رحمة الله تعالى – في الرد على المريسي: (61) بعد أن نقل ذلك التأويل عن بشر المريسي المعتزلي صاحب الأباطيل: عمن رويت أيها المريسي أنه قال في حديث ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – أنه قال: تكذيباً له؟ فأنبئنا به وإلا فإنك فيها من الكاذبين، وأما تشنيعك على هؤلاء المقرين بصفات الله، المؤمنين بما قال الله إنهم يتوهمون فيها جوارح وأعضاء، فقد ادعيت عليهم في ذلك زوراً وباطلا ً، وأنت من أعلم الناس بما يريدون بها، إنما يثبتون منها ما أنت معطل، وبه مكذب ولا يتوهمون فيها إلا ما عنى الله – جل جلاله – ورسوله – صلى الله عليه وسلم –، ولا يدعون جوارح وأعضاء كما تقولت عليهم، غير أنك لا تألو في التشنيع عليهم بالكذب، ليكون أروج لضلالاتك عند الجهال 10هـ. وإذا علمت هذا، واتضح لك الحق، فاحذر تعليق الكوثري على الأسماء والصفات: (338) فقد تطاول على إمام الأئمة، وجاوز طوره، وفقد عقله، وليته أخلى الكتاب من تعليقاته المنكرة ليته.

وأما إن أريد بلفظ التحيز أنه منحاز عن المخلوقات، ومنفصل عنها، ومباين لها، فلا هو – جل وعلا – في شيء منها، ولا هي فيه – جل وعلا – فلا مانع من إطلاق هذا اللفظ على الرب – جل جلاله – والإخبار به، لأن الله – جل وعلا – فوق عرشه، على سمواته بائن من خلقه، ليس حالا ً فيهم، ولا المخلوقات حالة فيه – سبحانه وتعالى – نسأل الله الكريم أن يجعل أعمالنا على صراط المستقيم، وأن يَمُنّ علينا برد كل شيء إلى شرعه المبين، وأن يجعل هوانا تابعاً لهدي خاتم الأنبياء والمرسلين – عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم – لنكون من الراسخين الفائزين، المؤمنين الصادقين، كما بشر بذلك نبينا الأمين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – فقال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكن هواه تبعاً لما جئت به (¬1) ¬

_ (¬1) انظر إيضاح الكلام على تلك المسألة العظيمة الشأن في الرسالة التدمرية: (45-46) وهي ضمن مجموع الفتاوى: (3/41-42) ، وعبارته: ما تنازع فيه المتأخرون نفياً وإثباتاً فليس على أحد بل ولا له، أن يوافق أحداً على إثبات لفظه أو نفيه حتى يعرف مراده، فإن أراد حقاً قبل، وإن أراد باطلا ً، وإن اشتمل على حق وباطل لك يقبل مطلقاً، ولم يرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ ويفسر المعنى، كما تنازع الناس في الجهة والتحيز وغير ذلك ... إلخ وانظر أيضاً مجموع الفتاوى فقد كرر نحو ذلك في: (3/308، 1/110) حيث قال: المعاني الثابتة بالكتاب والسنة يجب إثباتها، والمعاني المنفية بالكتاب والسنة يجب نفيها، والعبارة الدالة على المعاني نفياً وإثباتاً إن وجدت في كلام الله – جل وعلا – وكلام رسوله – صلى الله عليه وسلم – وجب إقرارها، وإن وجدت في كلام أحد وظهر مراده من ذلك رتب عليه حكمه، وإلا رجع فيه إليه.....إلخ وانظر: (13/145-146) ، وانظر تخريج حديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " فيما يأتي: أخرجه البغوي في شرح السنة كتاب الإيمان – باب رد البدع والأهواء –: (1/213) عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله تعالى عنهما –، ونسبه النووي في الأربعين لكتاب الحجة فقال: حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وهو الحديث الحادي والأربعون في الأربعون النووية صفحة: (28) ونسبه ابن رجب في جامع العلوم والحكم: (364) وابن حجر في الفتح المبين: (279) إلى أبي نعيم في أربعينه وشرطه فيها أن تكون من صحاح الأخبار وجياد الآثار مما أجمع الناقلون على عدالة ناقليه، وخرجته الأئمة في مسانيده، ونسبه ابن جرب أيضاً إلى الطبراني، وأبي بكر بن أبي عاصم: (1/12) كتاب السنة، والحديث حكم بصحته النووي كما تقدم، وأورده البغوي في مصابيح السنة ضمن الأحاديث الحسان في باب الاعتصام بالكتاب والسنة من كتاب الإيمان في كتابه مصابيح السنة: (1/14) وهذا على اصطلاحه الذي أشار إليه في مقدمة كتابه: (1/2) إذ قسمه إلى صحاح وحسان، ويريد بالحسان ما روي في غير الصحيحين، وشرط أن ما كان فيها من ضعف أو غريب أشار إليه، وأعرض عن ذكر المنكر والموضوع في كتابه، وقد اعترض على اصطلاحه النووي في التقريب: (95) مع التدريب وحكم على فعل البغوي بأنه خلاف الصواب، لأن في السنن الصحيح، والحسن، والضعيف، والمنكر، وقد سبقه إلى هذا ابن الصلاح في مقدمته: (111) معها محاسن الاصطلاح فقال ما صار إليه صاحب المصابيح ... اصطلاح لا يعرف وكرر هذا البلقيني في المحاسن فقال: لا يقال الاصطلاحات لا مساحة فيها ... لأن نقول: يقع الاعتراض من حيث أن في السنن أحاديث صحيحة ليست في الصحيحين، وباصطلاحه ذلك يجعلها في مترتبة الحسن، ولم يقل بذلك أحد غيره 1هـ بتصرف يسير، وكل هذا لا يرد على البغوي ولا يعترض به عليه، والأمر كما قال السخاوي في فتح المغيث: (1/82) : والبغوي قد صرح في ابتداء كتابه بقوله: أعني بالصحاح كذا، وبالحسان كذا، وما قال: أراد المحدثون بهما كذا، فلا يرد عليه شيءٌ مما ذكروه إلخ وانظر تفصيل المسألة في تدريب الراوي: (95) وقد أقر تصحيح النووي للحديث الشيخ على القاري في مرقاة المفاتيح: (1/203) ، والشيخ المعلمي في التنكيل: (2/198) ، ولكن الشيخ ابن رجب قال في جامع العلوم: (364) قال: قلت: تصحيح هذا الحديث بعيد جداً من وجوه، ثم حاصل ما ذكره يرجع إلى: أ) ... إنفراد نعيم بن حماد المروزي به. ب) ... إلى اضطراب عقبة بن أوس في إسناده. وهكذا قال الشيخ الألباني في تعليقه على التنكيل: (2/198) : قلت: أنى له الصحة وفي سنده نعيم بن حماد ... إلخ وهكذا قال الشيخ شعيب في تعليقه على شرح السنة: (1/213) وعبارته: إسناده ضعيف لضعف نعيم بن حماد، وقد أحال كل من الألباني والشيخ شعيب على مراجعة تفصيل الكلام وبسطه حول الحديث إلى جامع العلوم والحكم، والذي يفهم من كلام ابن حجر في الفتح المبين: (279) تمشية حال الحديث وقبوله حيث قال: لكن اعترض بعضهم تصحيحه بقوادح أبداها في سنده حاصلها: أنه تعارض في اثنتين من رجاله توثيق وتخريج وتعيين وإبهام، ولا شك أن التعيين مقدم، وكذا التوثيق من الأعلم الأدرى، ولا يبعد أنه هنا كذلك، كيف والبخاري خرج له ووثقه آخرون غيره، فلذا آثر المصنف – أي النووي – هؤلاء على المخرجين له، وإن كثروا وجلوا أيضاً 1هـ، ومما ينبغي التنبيه عليه أن صاحب كتاب الحجة هو الإمام أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي الفقيه الزاهد نزيل دمشق المتوفى سنة 490 عليه رحمة الله تعالى واسم الكتاب كاملا ً: الحجة على تارك المحجة بذلك صرح النووي في تهذيب الأسماء واللغات، والسبكي في طبقات الشافعية، وسماه ابن رجب الحجة على تاركي سلوك طريق المحجة، وهو يعود لما سبق، وقد نسب أئمة الإسلام هذا الكتاب لأبي الفتح نص بن إبراهيم وأثنوا على مؤلفه بليغ الثناء ويكفيه قولهم فيه: لو كان في السلف الصالح لم تقصر درجته عن واحد منهم، لكنهم فاتوه بالسبق، انظر هذا وغيره في تهذيب الأسماء واللغات: (2/125-126) القسم الأول، وطبقات الشافعية الكبرى: (5/3581-353) ، وتبين كذب المفترى: (286-287) ، والعلو العلي الغفار: (187) ، وشذرات الذهب: (3/395) ، والنجوم الزاهرة: (5/160) وهدية العارفين: (2/490-491) . وقد وهم محمد الشحات الشرقاوي في شرحه للأربعين النووية: (66) فنسب كتاب الحجة لأبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصفهاني، وكذلك فعل الشيخ على القاري في مرقاة المفاتيح: (1/203) وقاربهما في مسلكهما الهيثمي في الفتح المبين: (279) فقال: ومؤلفه هو العلامة أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ كذا قال بعضهم، وخالفه غيره فقال: إنه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي الفقيه الزاهد نزيل دمشق، وختم الكلام بهذا ولم يبين الصواب في ذلك 1هـ وجاء في الفتوحات الوهبية نسبته إلى الأول انظر صفحة: (288) وهو خطأ كسابقه ولم يتعرض لبيان مؤلف الحجة الشيخ أحمد حجازي الفشني عند شرحه للحديث انظر: (122) ، ونقل حاجي خليفة في كشف الظنون: (1/631) عن اللاري شارح الأربعين أنه قال في شرحه: كتاب الحجة على تارك المحجة يتضمن ذكر أصول الدين على قواعد أهل الحديث والسنة وهو للشيخ أبي الفتح نصر ابن إبراهيم الشافعي الفقيه الزاهد نزيل دمشق المتوفى سنة 490 وأفصح بعض الشارحين أنه للحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الأصبهاني، وهو خطأ 1هـ نعم إن الشيخ أبا القاسم إسماعيل بن محمد له كتب الحجة في بيان المحجة كما في هدية العارفين: (1/211) لكنه ليس هو الكتاب المتقدم فاعلم، والشيخ إسماعيل بن محمد من الصالحين وكان يلقب بقوام السنة، وكان من الصالحين ما عاب عليه أحد قولا ً ولا فعلا ً، نزه النفس عن المطامع لا يدخل على السلاطين، لم يرحل إلى بغداد بعد الإمام أحمد أحفظ وأفضل منه، صاحب كرامات حياً وميتاً، كذر ابن الجوزي في المنتظم، وابن كثير في البداية والنهاية، والذهبي في تذكرة الحافظ أن الذي تولى غسله أراد أن ينحي عن سوءته الخرقة لأجل الغسل، فجذبها إسماعيل بيده، وغطى فرجه، فقال الغاسل: أحياه بعد موت؟ وكانت وفاته سنة 535 عليه رحمة الله تعالى. انظر ما تقدم وغيره من ترجمته العطرة في تذكرة الحفاظ: (4/1277-1282) ، والمنتظم: (10/90) ، والبداية والنهاية: (12/217) ، وتقدم ذكره في صفحة: (......) من هذا الكتاب المبارك.

". المبحث الثالث إيجاز البيان في طريق أهل البدع والطغيان في صفات ذي الجلال والإكرام، بعد أن جليت بالتحقيقات الجياد، طريق أهل الرشد والسداد، في صفات رب العباد، سأوجز الكلام في طريق أهل الزيغ والهذيان، في صفات الرحيم الرحمن، ليحذر المهتدي تلك الترهات والأوهام التي هي من وساوس الشيطان، ولن أطيل في ذلك البيان، شحاً على الأزمان، والله المستعان وهو حسبنا وعليه التكلان. تنقسم طرق الزائغين، في صفات رب العالمين إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما، مع كثيرة الفرق الضالة وتعدد أقسامها، وإليك تفصيل ذلك، جنبنا الله الردى والمهالك: الطريقة الأولي: طريقة التمثيل السافلة المرذولة: ... تتلخص هذه الطريقة الحقيرة، في فهم صفات الله الجليلة، حسبما هو معروف في مخلوقاته الحقيرة الذليلة، ثم رتبوا على ذلك الفهم أوصافاً اختلقوها وعلى الباري أطلقوها، ولهم في ذلك كلام تتفطر من هوله الجبال الجسام، فمن ذلك الزور والبهتان، قول إمامهم هشان بن الحكم الرافضي الشيطان: إن معبوده جسم، ذو لون وطعم ورائحة، فقيل له: فأيهما أعظم إلهك أو هذا الجبل؟ فقال: هذا الجبل يوفي عليه، أي هو أعظم منه، وقد قال في عام واحد خمسة أقاويل في الرب الجليل، فزعم أنه كالبلورة، ثم زعم أنه كالسبيكة، وادعى بعد ذلك أنه غير صورة ثم قال: إنه بِشِبْر نفسه سبعة أشبار، ثم استقر على الضلال، فقال: إنه جسم لا كالأجسام (¬1) . * أبرز أصحاب تلك المقالة الضالة: ¬

_ (¬1) انظر تلك الضلالات، غيرها من الكفريات، التي قام بها هشام ومن انخرط في مسلكه من الحثالات، في مقالات الإسلاميين: (1/102-105، 257) والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: (24) ، والفرق بين الفرق: (65-69) ، والفصل في الملل والأهواء والنحل: (2/89) والملل والنحل: (1/111-115) على هامش الفصل ولسان الميزان: (6/194) ، ومجموع الفتاوى: (4/188) ، وتأويل مختلف الحديث: (35) واعتقادات فرق المسلمين والمشركين: (97-989) .

.. ينحصر تشبيه الخالق بالمخلوقات، وتمثيله بهم في الذوات والصفات، في فرقتين ضالتين فليس هناك فرقة غيرهما تتبنى تلك المقالة، وقد يوجد أفراد من بعض الفرق يتلبسون بتلك الضلالة، وتلكما الفرقان هما: الفرقة الأولي: الشيعة الرافضة، وقد قال الضلالة، وتقلد وزر تلك الغواية، طواغيتهم المتقدمون، أما المتأخرون منهم فصاروا إلى مذهب التعطيل الملعون، وكان ذلك التحويل في أواخر المائة الثالثة كما ذكر ذلك الإمام ابن تيمية الثقة المأمون (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر منهاج السنة النبوية: (1/19-20) وفيه من ضمن كلامه في ذلك: ولهذا نجد المصنفين في المقالات كالأشعري لا يذكرون عن أحد من الشيعة أنه وافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم إلا عن بعض متأخريهم، وإنما يذكرون عن قدمائهم التجسيم، وإثبات القدر وغيره، وأول من عرف في الإسلام أنه قال: إن الله جسم، هو هشام بن الحكم 10هـ وانظر مقالات الإسلاميين: (1/105) ففيه ما أشار إليه الإمام ابن تيمية، حيث ذكر الإمام أبو الحسن أن الرافضة في التجسيم ست فرق، خمسة منهم يقولون به، والفرقة السادسة يقولون بقول المعتزلة والخوارج، وعقب على حكاية قول الفرق الستة المعطلة بقوله: وهؤلاء قوم من متأخريهم، فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه، وسبب تسمية تلك الفرقة الشنيعة بالشيعة: إدعائهم مشايعة علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه – ونصرته على من ناوأه، وسموا رافضة لرفضهم إمامة الشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله تعالى عنهما – كما في مقالات الإسلاميين: (/87) ولرفضهم إمامة عثمان بن عفان – رضي الله تعالى عنه – والطعن عليه، كما في التنبيه والرد: (164) ولقول زيد بن على لهم: رفضتموني، كما قال الإمام أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين أيضاً: (1/129-130) وعبارته: كان زيد بن علي – بن الحسين بن علي بن أبي طالب – رضي الله تعالى عنهم – بويع له بالكوفة في أيام هشام بن عبد الملك، وكان أمير الكوفة بن عمر الثقفي، وكان زيد يفضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويتولى أبا بكر وعمر – رضي الله تعالى عنهما – ويرى الخروج على أئمة الجور، فلما ظهر بالكوفة في أصحابه الذين بايعوه، وسمع من بعضهم الطعن على أبي بكر وعمر – رضي الله تعالى عنهما – فأنكر ذلك على من سمعه منه، فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم رفضتموني، فيقال: إنهم سموا رافضة، لقول زيد لهم: رفضتموني، ونجوه في مجموع الفتاوى: (13/35-36) وعبارته: وأما لفظ "الرافضة" فهذا اللفظ أول ما ظهر في الإسلام لما خرج زبد بن علي بن الحسن – رضي الله تعالى عنهم – في أوائل الماء الثانية في خلافة هشام بن عبد الملك واتبعه الشيعة، فسئل عن أبي بكر وعمر – رضي الله تعالى عنهما – فتولاهما، وترحم عليهما، فرفضه قوم، فقال: رفضتموني رفضتموني، فسموا بالرافضة، وفي منهاج السنة النبوية: (1/9) أن ذلك كان سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين ومائة في آخر خلافة هشام، وأضاف الشيخ محيي الدين عبد الحميد معنىً رابعاً في سبب تسميته الشيعة بالرافضة، فقال: في تعليقه على مقالات الإسلاميين: (1/87) : ويقال سموا رافضة لكونهم، رفضوا الدين 1هـ. قال بعد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: والأمور الأربعة موجودة فيهم وظاهرة الشيعة الرفض وحقيقتهم الكفر المحض، ومبدأ الكفر وبابه عن التشيع والرفض ولذلك قال الإمام الشعبي – عليه رحمة الله تعالى – كما في بستان العارفين: (443) الرفض سلم الزندقة، فما رأيت رافضياً إلا رأيته زنديقاً 1هـ وفي مجموع الفتاوى: (4/102) ذكر العلماء أن الرفض أساس الزندقة، ونحوه في: (35/136) وسيأتيك بيان حالة الشيعة الأشرار الذين هم أخس من روث الحمار، عند الكلام على الفرق الزائغة في هذه الأمة في دراسة الملل والنحل إن شاء الله ويسر.

وبذلك جمع الشيعة بين مفسدتي التمثيل والتعطيل، ولا غرة في ذلك فهم شر جيل، وفيهم ما تفرق في غيرهم من عمل رذيل، وأول من عرف في هذه الأمة بالتمثيل: هشام بن الحكم الضليل وهم من أركان الشيعة ذوي المذهب السافل الهزيل، وسار على منواله البالي سميه العاتي، هشام بن سالم الجولقي، ولكل منهما فرقة تنسب إليهما، قال الإمام أبو منصور البغدادي فيهما: وكلتا الفرقتين قد ضمت إلى جيرتها في الإمام ضلالتها في التجسيم، وبدعتها في التشبيه (¬1) . الفرقة الثانية: الكرامية، وهم الذين ينتسبون إلى إمام مذهبهم محمد بن كرام، صاحب البلايا والأوهام، قال الإمام ابن حبان – عليه رحمة الله تعالى – خُذِلَ ابن كرام، حتى التقط من المذاهب أرداها، ومن الأحاديث أوهاها 1هـ وقد وصف ابن كرام معبوده بأنه جسم مماس للعرش، والعرش مكان له، وزعم أن معبوده جوهر، وله ولأتباعه أوهام وهذيان وهي مع شناعتها ليست أقوال الشيعة قادة الشيطان، ومع هذا فيجب أن يصان عن ذكرها الزمان، لئلا يكون الإنسان مغبوناً من ذوي الخسران – عرفنا الله بمقدار اللحظات، ووفقنا لاغتنامها في الطاعات، إنه سميع مجيب الدعوات (¬2) . ¬

_ (¬1) تقدم قبل التعليقة السابقة الإحالة على الكتب التي نقلت عن هشام بن الحكم الرافضي شيئاً من كفره وضلاله، وأما سميه الخبيث هشام بن سالم الجولقي فقد زاد عليه في الكفر والضلال فزعم أن الله على صورة الإنسان، وذكر أنواعاً من الكفر والهذيان، لا تخطر ببال عتاة الجان، فعليه وعلى كل مشبه ممثل لعنة الملك الرحمن، انظر بعض إلحاده، زندقيته وضلاله في مقالات الإسلاميين: (1/105، 259) ، والفرق بين الفرق: (68-69) واعتقادات فرق المسلمين والمشركين: (98) . (¬2) تقدم في هذا الكتاب المبارك ذكر الحديث الصحيح "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ" مع التنبيه على شرف الوقت وقيمته في صفحة: (....) فارجع إليه. والكرامية بفتح أوله، والراء المشددة، النسبة إلى أبي عبد الله بن كرام الهالك سنة خمس وخمسين ومائتين كان أبوه يحفظ الكرم، فقيل له: كرام، وأحدث مذهباً تبعه عليه عالم لا يحصون بنيسابور وهراة ونواحيها، فيقال لكل واحد منهم: كرامي، ولهم مذهب مشهور في التشبيه، قاله ابن الأثير في اللباب: (3/89) ، وانظر قول ابن حبان المتقدم في الميزان: (4/21-22) وفيه: كرام مثقل، فيده ابن ماكولا، وابن السمعاني وغير واحد وهو الجاري على الألسنة. وقد أنكر ذلك متكلمهم محمد بن الهيصم، وغيره من الكرامية، فحكى فيه ابن الهيصم وجهين: أحدهما: كرام بالتخفيف والفتح، وذكر أنه المعروف في السنة مشايخهم، وزعم أنه بمعنى كرامة أو بمعنى كرم، والثاني: أنه كرام بالكسر، على لفظ جمع كريم، وحكى هذا عن أهل سجستان، وأطال في ذلك، وقال أبو عمرو بن الصلاح: لا يعدل عن الأول، وهو الذي أورده ابن السمعاني في الأنساب، وقال: كان والده يحفظ الكروم، قلت: – القائل الذهبي – هذا الذي قاله ابن السمعاني بلا إسناد، وفيه نظر، فإن كلمة "كرام" علم على والد محمد سواء عمل في الكرم، أو لم يعمل، والله تعالى أعلم. وفي لسان الميزان: (5/355) قال بان عساكر: كان للكرامية رباط ببيت المقدس، وكان هنالك رجل يقال له: هجام، حسن الظن به، فنهاه الفقيه نصر، فقال: إنما لي الظاهر، فرأى هجام بعد ذلك أن في رباطهم حائطاً فيه نبات النرجس فاستحسنه، فمد يده فأخذ منه شيئاً، فوجد أصوله في العذرة، فقال له الفقيه نصر: الذي قلت لك تعبير رؤياك ظاهرهم حسن، وباطنهم خبيث. قال عبد الرحيم الطحان – أحسن الله له الختام – ضلالات محمد بن كرام، كثيرة جسام، أبرزها ثلاثة آثام: أولها: تشبيه الرحمن بالإنسان. وثانيها: جواز وضع الأحاديث على خير الأنام – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام – إذا كانت متعلقة في الترغيب في طاعة الرحمن، والترهيب من الفجور والعصيان. وثالثها: القول بأن الإيمان هو مجرد النطق باللسان، وإن لم يعتقد ذلك بالجنان، انظر تلك الضلالات التي اختلقوها، وإلى الشيعة المظهرة نسبوها في لسان الميزان: (5/353-356) ، والفرق بين الفرق: (215-225) ، وفيه: وضلالات أتباعه اليوم متنوعة أنواعاً، لا نعدها أرباعاً ولا أسباعاً، لكنا نزيد على الآلاف آلافاً، ونذكر منها المشهور، الذي هو بالقبيح مذكور، وختم الكلام على مخازيهم بقوله: وفضائح الكرامية على الأعداد، كثيرة الأمداد وانظر مقالات الإسلاميين: (1/205) ، والرسالة التدمرية: (122) ، والبداية والنهاية: (11/20) وشذرات الذهب: (2/131) ، ومقدمة ابن الصلاح: (213) معها المحاسن، وشرح النووي على صحيح مسلم: (1/70) ، وفتح المغيث: (1/213) ، وتدريب الراوي: (185) ، ومجموع الفتاوى: (3/185) ، وتلبيس إبليس: () 84، والفصل في الملل والأهواء والنحل: (4/154-155) ، والملل والنحل: (1/115-122) ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين: (101-102) ، وسيأتيك تفصيل القول في حالة الكرامية ونقض أصولهم الردية، عند الكلام على الفرق الغوية التي أنشأت في هذه الأمة المرضية، في مادة الملل والنحل، إن شاء الله ويسر.

بعض من قال بالتمثيل من غير الفرقتين الضالتين: ... قدمت أنه لا يوجد فرقة صدرت منها ضلالة التمثيل الردية، إلا فرقة الشيعة والكرامية، وقلت إن تلك البلية، صدرت من بعض العقول الغبية، ممن لم ينتسب إلى الشيعة أو الكرامية، ومنهم صاحب الهذيان مقاتل بن سليمان، قال الإمام أبو حنيفة النعمان – عليه رحمة ذي الجلال والإكرام – قدم علينا من خراسان رأيان خبيثان، جهم معطل، ومقاتل مشبه، وقال أبو يوسف – رحمه الله تعالى – ما على الأرض أبغض إليّ منهم: المقاتلية، والجهمية، وقال الإمام التقي: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي شيخ الإمام البخاري، وقرين الإمام أحمد – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى –: أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم نظير في البدعة والكذب: جهم، ومقاتل، عمر بن صبيح، وقال الإمام أحمد بن سيار المروزي – رحمه الله تعالى –: كان مقاتل متهم، متروك الحديث، مهجور القول، وكان يتكلم في الصفات بما لا يحل ذكره، وقال الإمام ابن حبان – عليه رحمة الملك الرحمن –: كان مقاتل يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان مشبهاً يشبه الرب – سبحانه وتعالى – بالمخلوقين، وكان يكذب مع ذلك في الحديث.

قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – وقد شهد مقاتل على نفسه بالكذب، فالحمد لله رب العالمين، قال الإمام ابن عيينة الثقة الأمين: سمعت مقاتلا ً يقول: إن لم يخرج الدجال الأكبر سنة خمسين ومائة فاعلموا أني كذاب (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم من الأقوال في بيان حال مقاتل الضال، وغيرها أيضاً في كتب الأئمة الرجال: تهذيب التهذيب: (10/279-285) ، وميزان الاعتدال: (4/173-175) ، والتاريخ الكبير: (8/14) ، وفيه الحكم عليه بأنه لا شيء البتة، وكتاب المجروحين من المحدثين: (2/318-320) ، والكاشف: (3/172) ، وتاريخ بغداد: (13/160-169) ، والجرح والتعديل: (8/354-355) ، والموضوعات: (1/48) ، وتنزيه الشريعة: (1/119) ، وفتح الباري: (13/345-346) ، ومجموع الفتاوى: (16/473، 5/435، 3/175) وفي مفاتيح الغيب: (26/281) : واعلم أن مقاتلا ً كان شيخ المرجئة، وهم الذين يقولون: لا يضر شيء من المعاصي مع الإيمان، كما لا ينفع شيء من الطاعات مع الكفر 1هـ ونحوه في مجموع الفتاوى: (16/196) ، وعبارته: وحكى عن مقاتل: لا يدخل النار أحد من أهل التوحيد: 1هـ وسيأتيك بيان حال المرجئة وفساد أقوالهم عند دراسة الملل والنحل إن شاء الله ويسر.

وقال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: هذه الفرقة أخس فرق الضالين، وفساد قولها مركوز في قلوب المؤمنين، فلا أخبث ولا أشنع من تشبيه رب العالمين، بعباده المخلوقين سبحانه، سبحانه هو رب العرش العظيم، وسع كل شيء علماً، وأخصى كل شيء عدداً، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، الحي القيوم، الذي لا يغفل ولا ينام، وهو على كل شيء قدير، فكيف تستوي صفاته مع صفات العباد، وكيف يليق بعاقل تشبيه خالقه بالمخلوقات؟ سبحانه هو كما أخبر عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى11، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} الإخلاص، نسأل الله أن يحفظ عقولنا من الزيغ والزلل، وأن يمن علينا باليقين، وحسن العمل، وأن يجعل خير ساعاتنا عند مجيء الأجل، وأن يكرمنا برؤية وجهه عز وجل، فهو الكريم المجيب لمن سأل. الطريقة الثانية: طريقة التعطيل الجانية:

.. تقوم طريقة أهل التعطيل على نفي صفات الرب الجليل، خشية الوقوع في بلية التمثيل، فالممثلة بالغو في الإثبات، وشبهوا الخالق بالمخلوقات، ورتبوا على ذلك ما اختلقوه من صفات، أطلقوها على رب السموات والأرض، كما تقدم حكاية أقوالهم الرديات، وهذه الفرقة نفت الصفات، عن رب الكائنات، وعطلت مدلول النصوص الشرعيات، فالفرقتان متقابلتان، وفي استحواذ الشيطان عليهما متساويتان، لأنهما في بلية الإفراط والتفريط واقعتان، الأولى أفرطت، والثانية فرطت، وللشيطان في كل أمر نزعتان، لا يبالي في أيهما وقع الإنسان، نزعة للزيادة ونزعة للنقصان، فالإفراط زيادة، والتفريط نقصان، ووقع في النزعة الأولى الممثلة، وفي الثانية المعطلة، وهما بلا شك من أتباع الشيطان، وقد صان الرحيم الرحمن، أهل السنة الكرام، عن تلك الأرجاس والأوهام، فاستقاموا على صراط النبي – صلى الله عليه وسلم –، واتبعوا النور الذي أنزل معه ولم يسلكوا ما خالفه، فهم للسنة متابعون، وللبدعة مجانبون، وهم وسط في الفرق الضالة المخرفة كما أن أهل الإسلام وسط في أهل الملل المشركة المنحرفة، جعلنا الله الكريم من أهل السنة وأرانا نور وجهه الكريم في دار الجنة، إنه واسع الفضل والمنة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر العقيدة الواسطية: (106) ، وهي ضمن مجموع الفتاوى: (4/141) ، وفيها: أن أهل السنة والجماعة وسط في فرق الأمة، كما أن هذه الأمة وسط في الأمم، ثم قرر ذلك ودلل عليه فارجع إليه، وفي تلبيس إبليس: (9) عن الإمام الأوزاعي – رحمه الله تعالى – قال: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: يا عبد الرحمن، أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فقلت: بفضلك يا رب، وقلت: يا رب أمتني على الإسلام، فقال: وعلى السنة، وقد وصف صاحب الرشد الرشيد الخليفة هارون الرشيد – عليه رحمة الرب المجيد – الفرق الإسلامية بكلام نفيس سديد، فقال: طلبت أربعة فوجدتها في أربعة، طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة وطلبت الكذب فوجدته عند الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث، وقال: المروءة في أصحاب الحديث، والكلام في المعتزلة، والكذب في الروافض، انظر شرف أصحاب الحديث: (55-78) جعلنا الله من أهل الحديث، وصرف عنا لهو الحديث.

* أبرز أصحاب تلك المقالة الضالة: إذا أطلق لفظ المعطلة فينصرف أصالة إلى الجهمية، فهم أصل تلك البلية، ومنبع تلك الضلالة الردية، وأول من قال بالتعطيل في هذه الأمة الضال الجعد بن درهم، قال الإمام الذهبي – عليه رحمة الله تعالى – في ميزان الاعتدال: الجعد بن درهم مبتدع ضال، زعم أن الله – جل وعلا – لم يتخذ إبراهيم خليلا ً، ولم يكلم موسى تكليماً، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر، والقصة مشهورة 10هـ. وقصة ذبحه رواها الأئمة الحفاظ، وحاصلها أن خالداً القسري أمير واسط خطب سنة أربع وعشرين ومائة خطبة عيد الأضحى المبارك فقال: أيها الناس ضحوا، تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ً، ولم يكلم موسى تكليماً تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، وأشار إلى تلك الحادثة الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في قصيدته الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، فقال: ولأجل ذا ضحى بجعدٍ خالد القسري ... يوم ذبائح القُرْبان ِ إذ قال إبراهيمُ ليس خليله ... كلا ولا موسى الكليمُ الداني شكرَ الضحية كلُّ صاحب سنة ... لله دَرّك مِنْ أخي قُرْبَان ِ ... قال الإمام ابن كثير – رحمه الله تعالى – أقام الجعد بدمشق، حتى أظهر القول بخلق القرآن، وهو أول من قال بخلق القرآن، فتطلبه بنو أمية فهرب منهم فسكن الكوفة ثم سرد قصة قتله، ونقل عن الحافظ ابن عساكر – رحمه الله تعالى – أن الجعد كان يذهب إلى وهب بن منبه ويتردد عليه، وكان يسأل وهباً عن صفات الله – عز وجل – فقال له وهب يوماً: ويلك يا جعد، اقصر المسألة عن ذلك، إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يداً ما قلنا ذلك، وأن له عيناً ما قلنا ذلك، وأن له نفساً ما قلنا ذلك، وأن له سمعاً، ما قلنا ذلك، وذكر الصفات من العلم والكلام وغير ذلك، ثم لم يلبث الجعد أن قتل ثم صلب.

.. وقد قرر الإمام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية – أن أول من أظهر نفي الصفات هو الجعد بن درهم، وحقيقة تعطيله يتضمن قول فرعون، وإليه ينسب مروان بن محمد الجعدي آخر خلفاء بني أمية إذ كان شيخه، فعاد عليه شؤمه، حتى زالت الدولة، لأنه إذا ظهرت البدع التي تخالف دين الرسل الكرام – عليهم الصلاة والسلام – وانتقم الله ممن خالف الرسل الأطهار – عليهم الصلاة والسلام – وانتصر لهم. وقد استحسن العلماء الأبرار قتل الجعد إمام الأشرار، وشكروا قاتله على ما فعله كالحسن البصري وغيره – رحمهم الله جميعاً – كما في مجموع الفتاوى، وفي كتاب الرد على الجهمية للدارمي – عليه رحمة الله تعالى –: وأما الجعد بن درهم، فأخذه خالد بن عبد الله القسري فذبحه، ولا يطعن عليه طاعن، بل استحسنوا ذلك من فعله، وصوبوه من رأيه.

وقد أخبر الجعد بن درهم بدعته الخبيثة عن بيان بن سمعان، وأخذها بيان عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم زوج ابنته، وأخذها طالوت عن لبيد بن الأعصم الساحر اليهودي الذي سحر النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخذها لبيد عن يهودي باليمن (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تفصيل ما تقدم، مع زيادة عليه في ميزان الاعتدال: (1/399) ، ولسان الميزان: (2/105) والكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية: (12-13) ، ومدارج السالكين: (1/92، 3/27) وطريق الهجرتين وباب السعادتين: (176) ، وكتاب الرد على الجهمية للدارمي: (4) ، وأعاد قصة ذبحه في: (97، 100) ، ومجموع الفتاوى: (13/177، 182، 8/228، 12/502-503، 76-27، 119، 163-164، 350-351، 10/99-67، 5/20-21) والبداية والنهاية: (9/350) ، وفيه: وقد ذكر هذا – قصة ذبحه يوم عيد الأضحى – غير واحد من الحفاظ منهم البخاري، وابن أبي حاتم، والبيهقي، وعبد الله بن أحمد، وابن عساكر في التاريخ، ودرء تعارض العقل والنقل: (6/266، 7/175، 5/244) ، وفيه: لما حدثت الجهمية في أواخر عصر التابعين، كانوا هم المعارضين للنصوص برأيهم، ومع هذا فكانوا مقموعين في الأمة وأولهم الجعد بن درهم، ضحى به خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى ... إلخ، وانظر شرح العقيدة الطحاوية: (475-476) ، وشرح السنة للبغوي: (1/186) ، والأسماء والصفات: (254) . واعلم أن ما قاله الشيخ جمال الدين القاسمي في كتاب تاريخ الجهمية والمعتزلة: (18-20، 38-42، 103-106) من أن قتل المجرم الجعد بن درهم، وتلميذه الضال الجهم بن صفوان كان لأسباب سياسية محضة، وأن المذهب الذي صار إليه الجهمية نتج عن طريق الاجتهاد، ولهم في ذلك شبه، ولا يصح الحكم عليهم بالضلال باطل يصادم الحقائق الثابتة وانظر تفصيل الأمر في كتاب الرد على الجهمية للدارمي: (93-99) باب الاحتجاج في إكفار الجهمية، و (97-104) باب قتل الزنادقة والجهمية واستتابتهم –، وانظر كتاب الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد مطبوع ضمن شذرات البلاتين: (1/40) ، وكتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ففي: (4) الإخبار عما قالته العلماء في الجهمية الضلال، وإكفارهم؟ وهل تصح الصلاة خلفهم؟ وفي: (30) ذكر مقالة جهم بن صفوان المبتدع، وفصل حالهم غاية التفصيل بما لا يدع مقالا ً للتوقف في أن الجهمية من الحمير وانظر كتاب خلق أفعال العباد: (.......) ضمن عقائد السلف ففيه تفصيل موسع لحال الجهمية الضلال، وبيان ذبح شيخهم الجعد الضال.

وقد تلقى عن الجعد بن درهم ضلالة التعطيل تلميذه الشيطان، الجهم بن صفوان، ونسب مذهب التعطيل إليه، لقيامه بنشره وحد به عليه، قال الإمام الذهبي – عليه رحمة الله تعالى – في الميزان: جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع، رأس الجهمية، هلك في زمن صغار التابعين، وما علمته روي شيئاً، لكنه زرع شراً عظيماً 10هـ. وكان هلك الجهم سنة ثمان وعشرين ومائة، إذ خرج مع الحارث بن سريج على أمراء بني أمية وكان أمير خراسان نصر بن سيار، وقائد شرطته سلم بن أحوز، فأسر الجهم، وأوقف بين يدي سلم بن أحوز، فأمر بقتله، فقال له الجهم بن صفوان: استبقني، فإن لي أماناً من ابنك، فقال له سلم: ما كان له أن يؤمنك، ولو فعل ما أمنتك، والله لو ملأت هذه العباءة كواكب، وأنزلت عيسى بن مريم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – ما نجوت، والله لو كنت في بطني لشققت بطني حتى أقتلك، قال الحافظ في الفتح: وأخرج ابن أبي حاتم عن طريق محمد بن صالح مولى بني هاشم، قال: قال سلم بن أحوز حين أخذ الجهم: يا جهم إني لست أقتلك لأنك قاتلتني أنت عندي أحقر من ذلك، ولكني سمعتك تتكلم بكلام أعطيت الله عهداً أن لا أملكك إلا قتلتك فقتله، وروى ابن أبي حاتم من طريق بكير بن معروف، قال: رأيت سلم بن أحوز حين ضرب عنق الجهم، فاسود وجه جهم، سود الله وجهه في الآخرة كما سود وجهه في الدنيا. وقد أجمع السلف الأبرار على ذك الجهمية الأشرار، قال إمام الأخيار الإمام عبد الله بن مبارك – عليه رحمة العزيز الغفار –: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ونستعظم أن تحكي قول الجهم. وكان يقول: ولا أقول بقول الجهم إن له ... قولا ً يضارع قول الشرك أحياناً وينشد: عجبت لشيطان دعا الناس جهرة ... إلى النار واشتق اسمه من جهنم

.. قال الحافظ في الفتح: أخرج ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية من طريق خلق بن سليمان البلخي قال: كان جهم من أهل الكوفة، وكان فصيحاً، ولم يكن له نفاذ في العلم، فلقيه قوم من الزنادقة، فقالوا له: صف لنا ربك الذي تعبده، فدخل البيت ولا يخرج مدة، ثم خرج، فقال: هو هذا الهواء، مع كل شيء، وأخرج ابن خزيمة في كتاب التوحيد، ومن طريقه البيهقي في الأسماء والصفات، قال: سمعت أبا قدامة يقول: سمعت أبا معاذ البلخي يقول: كان جهم على معبر ترقد، وكان كوفي الأصل، فصيحاً، ولم يكن له علم، ولا مجالسة أهل العلم فقيل له: صف لنا ربك، فدخل البيت لا يخرج كذا، ثم خرج بعد أيام فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء، وفي كل شيء، ولا يخلو منه شيء، وأخرج البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة قال: كلام جهم صفة بلا معنى، وبناء بلا أساس، ولم يعد قط في أهل العلم.

.. قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: أقوال السلف الكرام في ذم الجهم بن صفوان وشيعته اللئام، كثيرة وفيرة، فلنقتصر منها على هذا المقدار، وإن أردت المزيد فارجع للكتب الذي تعرضت للجهم العنيد، كما هو مبين في الحاشية (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم وغيره في ميزان الاعتدال: (1/426) ، ولسان الميزان: (2/142) والبداية والنهاية: (10/26-27) ، وتاريخ ابن جرير: (330-335) ، وفتح الباري: (13/344-346) واجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية: (88) وفيه: وأول من عرف عنه في هذه الأمة أنه نفى أن يكون الله في سمواته على عرشه هو الجهم بن صفوان، وقبله الجعد بن درهم لكن الجهم هو الذي دعا إلى هذه المقالة وقررها، وعنه أخذت....إلخ، ومقالات الإسلاميين: (1/224، 312) والفرق بين الفرق: (211-212) ، والملل والنحل: (1/90-92) ، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: (96-145) وانظر قول الإمام ابن المبارك – رحمه الله تعالى – في كتاب الرد على الجهمية للدارمي: (102) وكتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد: (7) ، والشريعة للآجري: (305) ، ومجموع الفتاوى: (13/148) ، وشرح العقيدة الطحاوية: (477) ، ومجموع الفتاوى: (3/102، 353، 4/54، 218-219، 5/20، 6/33-35، 8/228-229، 460، 12/27، 119، 164، 350-352، 524) وفيه: اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الجهمية من شر طوائف أهل البدع.....إلخ: (13/182-185) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (6/226) ، وشرح السنة: (1/186) وقد رد أئمة السنة الكرام على الجهمية الطغام في كتب مستقلة كما في فعل الدارمي، وابن منده، وابن أبي حاتم حيث سمى كل منهم كتابه "الرد على الجهمية" وعقد أئمة الحديث الشريف لذلك أبواباً في كتبهم ففي سنن أبي داود – كتاب السنة – باب في الجهمية –: (5/91-97) وختم الباب بقوله: قال أبو داود: وهذا رد على الجهمية وفي سنن ابن ماجه – المقدمة – باب فيما أنكرت الجهمية –: (1/63-73) ، وفي شرح السنة – كتاب الإيمان –باب الرد على الجهمية –: (1/172-182) ، وفي صحيح البخاري – كتاب التوحيد – زاد المستحلي فيه: والرد على الجهمية وغيرهم كما في الفتح: (13/344) وفي شرح الكرماني: (25/95) كتاب التوحيد وارد على الجهمية وانظر كتاب خلق أفعال العابد –: ضمن عقائد السنة. قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين – وللجهم وشيعته ضلالات كثيرة، غير إنكار الصفات ونفيها عن رب الأرض والسموات، منها: القول بالجبر ونفي الاختيار عن العبد فلا قدرة للعبد أصلا ً، ولا مؤثرة ولا كاسبة، بل هو بمنزلة الجمادات كما في المعارضة: (9/260) ، ومنها: الغلو في الإرجاء، والزعم بأن الإيمان هو المعرفة دون الاعتقاد وقد أشار الإمام ابن تيمية إلى هذين مع قول الجهمية بنفي الصفات عن رب الكونين ففي مجموع الفتاوى: (8/227-229) وجهم اشتهر عنه نوعان من البدع، نوع من الأسماء والصفات، فغلا في النفي، ووافقه على ذلك الباطنية والفلاسفة ونحوهم، والمعتزلة في الصفات دون الأسماء فهم مخانيث الجهمية، والبدعة الثانية: الغلو في القدر والإرجاء، فجعل الإيمان مجرد معرفة القلب، وجعل العباد لا فعل لهم ولا قدرة. ومنها: القول بفناء الجنة والنار – كما في مجموع الفتاوى: (8/227) ، وشرح العقيدة الطحاوية: (378) ، ومقالات الإسلاميين: (1/224-312) . ومنها: الخروج بالسيف على أئمة الجور، كما الفرق بين الفرق: (212) وسيأتي بسط الكلام على ضلالاتهم وتفنيد شبهاتهم عند دراسة فرق الأمة في الملل والنحل إن شاء الله ويسر.

ومما ينبغي التنبيه له أن فرقة الجهمية الغوية، لم تنشا عن طريق اجتهاد خاطئ في فهم الأدلة الشرعية، إنما أنشئت عن طريق خبث الطوية، بقصد تحريف شرع رب البرية، فحالها كحال الشيعة الشياطين، وغرض كل منهما مقت المسلمين، والكيد لشرع رب العالمين، فعلى الفرقتين لعنة مالك يوم الدين، قال الإمام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى –: في أهل البدع المنافق الزنديق، فهذا كافر، ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية، فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة، وأول من ابتدع الرفض كان منافقاً، وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق، ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مجموع الفتاوى: (3/353) ،وفي: (10/66-67) بعد أن قرر الإمام ابن تيمية أن أول من ابتدع مقالة التعطيل في الإسلام هو الجعد بن درهم، وأخذ المذهب عنه الجهم بن صفوان، قال وأصل قولهم هذا مأخوذ عن المشركين، والصائبة من البراهة والمتفلسفة، ومبتدعة أهل الكتاب المقدس الذين يزعمون أن الرب ليس له صفة ثبوتية أصلا ً ... إلخ وفي: (5/20-22، 12/350) ذكر أن الجعد كان في حران، وفيهم أئمة الفلاسفة، فأخذ عنهم وقال الدارمي – رحمه الله تعالى – في كتاب الرد على الجهمية: (100) : والجهمية عندنا زنادقة من أخبث الزنادقة، نرى أن يستتابوا من كفرهم ... إلخ وفي كتاب خلق أفعال العباد: (71) كما في شرح السنة: (1/228) يقول الإمام البخاري – عليه رحمة الله تعالى –: نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس، فما رأيت قوماً أضل في كفرهم من الجهمية، وإني لأستجهل من لا يكفرهم، إلا من لا يعرف كفرهم. وقال: ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي أم خلف اليهود والنصارى 1هـ وانظر وصف الإمام الشعبي – عليه رحمة الله تعالى – للشيعة في منهاج السنة النبوية: (1/7-8) حيث يقول أحذركم أهل هذه الأهواء المضلة، وشرها الرافضة، لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، ولكن مقتاً لأهل الإسلام وبغياً عليهم، يريدون أن يغمصوا دين الإسلام، كما غمص بولس دين النصرانية 1هـ وبولس هو الذي قام بتحويل دين النصرانية من توحيد إلى تثليث وكان يهودياً، ومن ألد أعداء النصرانية، ثم بدا له أن يكيد للنصرانية عن طريق الخداع، فرفع المسيح عيسى بن مريم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – إلى رتبة الألوهية ليضع هو نفسه مكانة وظل يدعو للتثليث من سنة ثمان وثلاثين على سنة سبع وستين أي قرابة ثلاثين سنة وهو في الواقع المؤسس الحقيقي للنصرانية الحالية، ثم جاءت المرحلة الثانية سنة 325هـ في مؤتمر نيقية حيث (2048) من الأساقفة بدعوة من الملك قسطنطين لإقرار أفكار بولس، فوافق منهم (318) فقط، ومال إليهم قسطنطين وأعطاهم سيفه وخاتمه وقضيبه، وقال لهم: قد سلطتكم على مملكتي لتنشروا هذا الدين الذي قلتم به، واضطهد كل من عارض، انظر دراسات في الملل والنحل للأستاذ محمود مزروعة، وانظر تفصيل ما جرى في عشرة مجامع من مجاميع النصارنية في إغاثة اللهفان: (2/266-277) ، وقال: اشتملت على أكثر من أربعة عشر ألفاً من البتاركة والأساقفة والرهبان كلهم ما بين لاعن ٍ وملعون.

.. ومما ينبغي معرفته تماماً، وعلمه جيداً لزاماً، أن لفظ الجهمية وإن كان ينصرف أصالة إلى الجهم وشيعته الردية، الذين لم يثبتوا اسماً ولا صفة لرب البرية – جل جلاله – وقالوا: هو مع كل شيءٍ، وفي كل شيء ولا يخلو منه شيء، فإن ذلك اللفظ – أعني التجهم يشمل كل من شاركهم في بعض أوصافهم، وينسحب عليهم، وأخض أوصاف الجهمية: نفي الصفات عن ذات ربنا العلية، وبهذا الاعتبار يطلق لفظ الجهمية على المعتزلة الأشرار، كما يشمل متأخري الأشعرية، الذين خلطوا بين طريقة السلف المرضية، وطريقة المعتزلة الردية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: وكان أحمد بن أبي دؤاد – إمام المعتزلة، وركن الاعتزال – قد جمع له – أي لمناظرة إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل أسكنه الله غرف الجنة – نفاة الصفات من جميع الطوائف، وعلماء السنة كابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، والبخاري – رحمهم الله جميعاً – يسمون هؤلاء جميعهم جهمية، وصار كثير من المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم يظنون أن خصومه كانوا هم المعتزلة، وليس كذلك، بل المعتزلة نوع منهم 1هـ ونحوه في فتح الباري، قال الإمام ابن حجر – عليه رحمة الملك الباري –: إنما الذي أطبق السلف على ذم الجهمية بسببه إنكار الصفات، وقال: وقد سمى المعتزلة أنفسهم "أهل العدل والتوحيد" وعنوا بالتوحيد ما اعتقدوه من نفي الصفات الإلهية، لاعتقادهم أن إثباتها يستلزم التشبيه، ومن شبه الله بخلقه أشرك، وهم في النفي موافقون للجهمية، وقال وأما الجهمية فلم يختلف أحد ممن صنف في المقالات أنهم ينفون الصفات حتى نسبوا إلى التعطيل، وثبت عن أبي حنيفة – رحمه الله تعالى – أنه قال: بالغ جهم في نفي التشبيه حتى قال: إن الله ليس بشيء (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مجموع الفتاوى: (8/229) ، وفتح الباري: (13/344-345) ، وانظر مجموع الفتاوى: (5/22-23) ففيه أن مقالة الجهمية انتشرت بسبب المعتزلة الردية والتأويلات الموجودة بأيدي الناس كتأويلات الرازي والغزالي وابن فورك هي تأويلات المعتزلة المأخوذة من الجهمية المعطلة. وقد تقدم الكلام على بيان طريقة المعتزلة والأشعرية في صفات رب البرية، مع وزن تلك الطريقة بالموازين الشرعية. انظر صفحة...... من هذا الكتاب المبارك.

فاعلم هذا فهو من المهمات، واحذر الوقوع في الرديات، وسل الله الاستقامة والثبات فهو كريم واسع الفضل كثير الهبات. كلمة الختام في بيان فساد طريقة أهل البدع اللئام في صفات ربنا الرحمن: ... إذا كانت طريقة المخالفين لأهل السنة الأبرار، في صفات العزيز الغفار، منحصرة في فرقتين من الأشرار، فإن كل فرقة من الفرقتين جمعت إلى باطنها، الباطل الموجود في مقابلها، فالممثلة جمعوا إلى تمثيلهم التعطيل، والمعطلة ضموا إلى تعطيلهم التمثيل، فكل من الفرقتين ممثل معطل، ولكمال ربنا جاحد منكر، وبيان ذلك: أ) جمع الممثلة للتعطيل، لما فسدت عقول أهل التمثيل، ولم يفهموا من صفات ربهم الجليل إلا ما فهموه من صفات المخلوق الحقير، فقد مثلوا وعطلوا، أما التمثيل فظاهر، حيث فهموا من صفات الرب اللطيف، ما فهموه من صفات العبد الضعيف، وكذلك التعطيل ظاهر من قولهم المنكر الهزيل، لأنهم بذلك الفهم الحقير، عطلوا نصوص صفات ربنا العلي الكبير، عن معانيها اللائقة بالعزيز القدير، فجمعوا بذلك بين التمثيل والتعطيل. ب) جمع المعطلة للتمثيل لما زاغت عقول أهل التعطيل، فنفوا صفات الله الجليل، خشية الوقوع في بلية التمثيل، فقد جمعوا بذلك – أيضاً – بين التعطيل والتمثيل، أما وقوعهم في التعطيل فظاهر جلي، حيث نفوا الصفات عن ربنا القاهر العلي، وكذلك وقوعهم في التمثيل ظاهر وهو من الواضحات، لأن الذي دعاهم إلى تعطيل الرب عن الصفات توهمهم مماثلتها لما هو معروف في المخلوقات، فهم مثلوا أولاً، ثم عطلوا ثانياً، فجمعوا بين المفسدتين، وأحرزوا شناعة الضلالتين. بداية ملف توحيد 6

وبذلك تعلم أن كل من الفرقتين ممثل معطل، لكن أخص أوصاف الممثلة التمثيل، كما أن أخص أوصاف المعطلة التعطيل، فكل من الفرقتين فهمت من صفات الرب- جل جلاله – ما فهمته من صفات العبد، لكن الممثلة قالوا بذلك المفهوم، والمعطلة لم يقولوا به، وكل من الفرقتين أيضاً عطلت صفات الله – جل وعلا – عن معانيها اللائقة بجماله وجلاله، غير أن المعطلة نفت تلك الصفات، أما الممثلة فأثبتتها على ما هو معروف في المخلوقات، والطريقتان منكرتان فالممثل يعبد صنماً، والمعطل عدماً (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إيضاح ما تقدم وتفصيله في مجموع الفتاوى: (5/27) ، وفيه: كل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل فهو جامع بين التعطيل والتمثيل.... إلخ ونحوه في: (10/55) ، وفي: (6/515) الممثل يعبد صنماً، والممثل يعبد عدماً، وكرر ذلك في: (12/73) . واعلم أن حال الممثلة والمعطلة يشبه حال اليهود والنصارى من حيث جمع كل من الفرقتين لما هو موجود في الأخرى، وتميز كل مهما بوصف هو فيها أخص، فإذا كان كل من المعطلة والممثلة معطلا ً وممثلا ً. وأخص أوصاف الممثلة التمثيل، كما أن أخص أوصاف المعطلة التعطيل فإن اليهود والنصارى كل منهما مغضوب عليه وضال، وأخذ أوصاف اليهود الغضب، كما أن أخض أوصاف النصارى الضلال، كما ورد ذلك عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – فقال: "اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضلال" أخرج ذلك الترمذي في كتاب التفسير – سورة الفاتحة – عن عديّ بن حاتم – رضي الله تعالى عنه –: (4/271-272) ، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب، وهو في المسند: (4/378) ، ورواه الإمام أحمد أيضاً في: (5/77) عن صحابي لا يعرف اسمه، وعنون عليه: حديث رجل – رضي الله تعالى عنه – عن عبد الله بن شقيق أنه أخبره من سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو بوادي القُرى، وهو على فرسه، وسأله رجل من بني القين، فقال: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المغضوب عليهم، فأشار إلى اليهود،..الحديث. قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (1/29) : وقد روي حديث عديّ – رضي الله تعالى عنه – من طرق يطول ذكرها 10هـ فتفسير النبي – صلى الله عليه وسلم – للمغضوب عليهم باليهود، وللضالين بالنصارى من باب تفسير اللفظ بأخص أنواعه، وبما هو مقصود منه قصداً أولياً، ولذلك لا مانع من شمول كل من اللفظين لمن تحقق معناهما فيه، فطريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم والحق، والعمل به. واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم، ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى لأن من علم ولم يعمل بعلمه، استوجب غضب ربه، كما قال الله – جل وعلا –: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الصف3 والمقت: أشد الغضب، وهذا يختلف عن حال من لم يعلم كما هو حال النصارى الذين قصدوا شيئاً ولم يهتدوا إلى طريقه، لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه، وهو إتباع الحق، فلذلك ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، وأخص أوصاف النصارى الضلال، كما في تفسير ابن كثير: (1/29) ، وعلى هذا فكل من قصر وفرط في أحد شطري طريقة أهل الإيمان: العلم بالحق، والعمل به، ففيه شبه باليهود أو النصارى، ولذلك كان من انحرف من علماء هذه الأمة ففيه شبه باليهود، ومن انحرف من عبادها ففيه شبه بالنصارى، وبفساد هذين يفسد الدين، كما قال إمام المسلمين عبد الله بن المبارك – عليه رحمة رب العالمين -: وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأحبارُ سَوْءٍ وَرُهْبانُها وقد تقدمت الأبيات في صفحة (......) من هذا الكتاب المبارك وقد حذر سلفنا الصالح كما في مجموع الفتاوى: (14/459، 494) ، وصاحب هوى متبع لهواه.

قال عبد الرحيم الطحان – عامله الله باللطف والإحسان –: تقدم البيان التام، أن طريقة أهل السنة الكرام، في إيمانهم بصفات ربهم الرحمن، تقوم على الإقرار والإمرار، وعلى إثبات الصفات مع نفي مماثلتها للمخلوقات، كما دل على ذلك قول رب الأرض والسموات: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى11، فقوله: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ" رد للتمثيل، وقوله: "وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" رد للتعطيل فالحمد لله الذي وفقنا لإثبات صفات ربنا، مع نفي مماثلتها لما هو معروف لنا، ونسأله على ذلك أن يميتنا، وأن يجعل خير ساعاتنا ساعة نلقاه وهو راض ٍ عنا، وأن يمُنّ علينا برؤية وجهه الكريم، في جنات النعيم، آمين أمين. وسأختم الكلام على هذه المسألة العظيمة الشأن بما قاله الإمام السفاريني – عليه الرحمة والرضوان – في بيان صحة طريقة أهل السنة الكرام، في إيمانهم بصفات الرحيم الرحمن، وفساد طريقة أهل الزيغ والهذيان: فأثْبَتُوا النُّصوص بالتنزيه ... من غير ِ تعطيل ولا تشبيه فكلُّ ما جاء من الآيات ... أو صحَّ في الأخبار َ عن ثقات من الأحاديث نُمِرُّهُ كما ... قد جاء فاسْمعْ من نَظامي واعْلمَا فطلُّ من أوّلَ في الصفات ... كذاتِه من غير ما إثبات فقد تعدَّى واستطالَ واجْترى ... وخاضَ في بَحْر الهَلاك وافْترى ألم تَرَ اخْتلاف أصحاب النَّظر ... فيه وحُسْنَ ما نَحَاهُ ذو الأثَرْ فإنهم قد اقتدوا بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - ... وصَحْبَه فاقْنَعْ بهذا وكَفَى (¬1) المبحث الرابع نماذج مباركات من أسماء الله الحسنى والصفات: ¬

_ (¬1) انظر الدرة المضيّة في عقيدة الفرقة المرضية، معها شرحها: لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية: (1/93-111) .

.. تقدم الكلام المستفيض في بيان مصدر الكلام في أسماء الرحمن، وصفاته الحسان، وأتبعت ذلك ببيان صحة طريقة أهل السنة الكرام، في صفات ذي الجلال والإكرام، ثم بيان فساد طريقة أهل الزيغ والهذيان، في ذلك الموضوع العظيم الشأن، وسأتكلم الآن، على نماذج من صفات الكريم المنان، مقتصراً على سيدة آي القرآن، وحديث نزول ربنا الرحمن، وإليك التفصيل والبيان، مَنّ الله علينا بالهداية للعرفان، وانشراح الصدر بكامل الإيمان. قال الله – جل وعلا –: {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} البقرة255. قال عبد الرحيم الطحان – غفر الله له الذنوب والآثام – ضبطاً لسير البحث بانتظام سأتكلم على تفسير سيدة آي القرآن، ضمن مراحل محكمة البنيان، ليحصل إيضاح البيان مع حسن الإتقان، وأسأل الله القبول وحسن الختام. 1- فضل آية الكرسي:

.. ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبيّ بن كعب – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يا أبا المنذر، أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظك؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر، أتدري أي أية من كتاب الله معك أعظم؟ قال قلت:" اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " قال: فضرب في صدري، وقال: والله ليَهْنِكَ العلم أبا المنذر" وفي رواية الإمام أحمد زيادة في آخر الحديث، وهي: "والذي نفسي بيده إن لما لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها – باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي: (1/56) وسنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب ما جاء في آية الكرسي: (2/151) ، والمسند: (5/58، 142) ولم يصرح في المكان الأول باسم الراوي، ولا باسم من وجه السؤال غليه، وهو أبي بن كعب – رضي الله تعالى عنه – وأبهم نفسه تواضعاً كما في بلوغ الأماني: (18/92) ، ورجال السند رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (6/321) ، وورد في المستدرك: (3/304) كتاب معرفة الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – تسمية الراوي، والمسئول بأبي بن كعب، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وقد تقدم معك إخراج مسلم له فتنبه، والحديث رواه ابن الضريس، والهروي في فضائله كما في الدر المنثور: (1/322) ، ورواه أبو عبيد عن عبد الله بن رباح أن رسول – صلى الله عليه وسلم – قال لأبي بن كعب ... الحديث.

وقد تكرر الإخبار عن آية الكرسي بكونها أعظكم آية في القرآن، عن طريق سؤال الصحابة للنبي – عليه الصلاة والسلام – فكما سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – بعضهم عن أعظم آية في القرآن، وجه إليه ذلك السؤال بعض الصحابة الكرام – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ففي مستدرك الحاكم بسند صحيح عن أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – قال: انتهيت إلي النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في المسجد، فجلست إليه، فذكر فضل الصلاة، والصيام، والصدقة قال، قلت: يا رسول الله، فأيما آية أنزل الله عليه أعظم؟ قال: " اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " وذكر الآية حتى ختمها (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المستدرك – كتاب التفسير – سورة البقرة: (2/282) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وانظره في المسند: (5/179) ومسند البزار ومعجم الطبراني الأوسط كما في مجمع الزوائد: (1/160) ، قال الحافظ الهيثمي: وفيه المسعودي وهو ثقة، ولكنه قد اختلط، ورواه ابن الضريس في فضائل القرآن، والبيهقي في شعب الإيمان كما في الدر المنثور: (1/325) ، ورواه ابن حبان في صحيحه – موارد الظمآن –: (52-54، 508) ضمن حديث طويل يتضمن عدد الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام – من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، والحديث حوله كلام كثير من أجل إبراهيم الغساني، فالذهبي في الميزان: (1/72-73) يقول في ترجمته: هو صاحب حديث أبي ذر الطويل – رضي الله تعالى عنه – ثم ينقل عن أبي حاتم، وأبي زرعة أنهما قالا: إنه كذاب، ويذكره الذهبي في الميزان: (4/378) في ترجمة يحيى بن سعيد السعدي، ويحكم عليه بالترك، فيقول: والصواب إبراهيم بن هشام أحد المتروكين الذين مساهم ابن حبان قم يصب 1هـ ونقل الذهبي في المكان الأول أن الطبراني قال: لم يرو هذا الحديث عن يحيى بن سعيد إلا ولده، وهم ثقات، وأن ابن حبان ذكره في الثقات، وأخرج حديثه في الأنواع والتقاسيم، وانظر تفصيل الكلام في لسان الميزان: (1/122-123) ، والحديث ذكره ابن كثير في تفسيره: (1/585-586) وعزاه أيضاً لابن مردويه في تفسيره، وحكى اختلاف العلماء في إبراهيم بن هشام الغساني، وذكره ابن حجر في الفتح: (6/361) وعزاه إلى صحيح ابن حبان، ولم يعلق على ذلك بكلمة، وذلك يقتضي أنه حسن عنده حسي شرطه، وذكره السيوطي في الحاوي: (2/138) وحكى تصحيح ابن حبان والحاكم له، ولم يعترض عليهما، ورواية الحاكم في المستدرك: (2/597) – كتاب التاريخ – من طريق يحيى بن سعيد السعدي، قال الذهبي في تلخيص المستدرك، قلت: السعدي ليس بثقة، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند: (5/265) عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – ثم ذكر مجيء أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – وسؤاله النبي – صلى الله عليه وسلم – كالرواية السابقة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/159) ورواه الطبراني في الكبير ومداره على بن يزيد الألهاني وهو ضعيف 1هـ ورواه إسحاق بن راهوية في مسنده عن عوف بن مالك – رضي الله تعالى عنه – أن أبا ذر – رضي الله تعالى عنه – جلس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: أيما أنزل الله عليك أعظم ... الحديث كما في الدر: (1/324) وورد في عدة روايات ما يدل على كون آية الكرسي أعظم آية في القرآن، ففي سنن أبي داود – كتاب الحروف والقراءات –: (4/295) ورواه البخاري في التاريخ، وأبو نعيم في المعرفة بسند رجاله ثقات كما في الدر المنثور: (1/322) ، ورواه الطبراني أيضاً كما في مجمع الزوائد: (6/321) قال الهيثمي: وفيه راو لم يسمع، وقد وثقه وبقية رجاله ثقات عن ابن الأسقع البكري صحابي من أهل الصفة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – جاءهم في صفة المهاجرين، فسأل إنسان: أي آية في القرآن أعظم؟ فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" حتى انقضت الآية، والحديث فيه مولى ابن الأسقع ورد وصفه في المسند بأنه رجل صادق وقال السيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (8/475) فيه جهاله ويشهد له حديث مسلم المتقدم عن أبي بن كعب – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وورد الحديث من رواية أيفع بن عبيد الله الكلاعي – رضي الله تعالى عنه – عند الدارمي كتاب فضائل القرآن – باب فضل أول سورة البقرة أية الكرسي: (2/447) ، وهو في الدر المنثور: (1/323) ، وورد الحديث موقوفاً على ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – عن الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (6/323) وكرره في: (7/126) وقال رواه الطبراني بأسانيد، ورجال الأول رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو ثقة، وفيه ضعف 10هـ ورواه عنه سعيد بن منصور، وابن الضريس والهروي في فضائله، والبيهقي في شعب الإيمان وان مردويه، والشيرازي في الألقاب كما في الدر المنثور: (1/323) ، وأخرج أبو عبيد في فضائل القرآن كما في الدر: (1/327) عن سلمة بن قيس – وكان أول أمير على بيت المقدس – رضي الله تعالى عنه – قال: ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل، ولا في زبور أعظم من "اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" وأخرج ابن الضريس عن الحسن البصري – رحمه الله تعالى – أن رجلا ً ملت أخوه، فرآه في المنام، فقال: أي أخي أي الأعمال تجدون أفضل؟ قال: القرآن، قال: فأي القرآن أفضل؟ قال: آية الكرسي "اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" ثم قال: ترجون لنا شيئاً؟ قال: نعم، إنكم تعلمون ولا تعملون، وإنا نعلم ولا نعمل.

وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بثبوت تلك الفضيلة الكبيرة لآية الكرسي الجليلة، دون سبق سؤال منه أو وروده عليه ففي سنن الترمذي والمستدرك وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لكل شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة، فيها آية سيدة آية القرآن، وهي آية الكرسي (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب ثواب القرآن – باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي: (8/94) ، قال الترمذي: هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير وضعفه، والمستدرك – كتاب التفسير –: (2/260) وفي كتاب فضائل القرآن: (1/560-561) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في موطن وأقره في موطن آخر وهو من رواية حكيم بن جبير، وهو ضعيف كما في التقريب: (1/193) ولكن له شواهد بمعناه يتقوى بهما كما قال السيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (8/474) ، رواه سعيد بن منصور، ومحمد بن نصر، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان كما في الدر المنثور: (1/20، 326) ، وفي مسند الإمام أحمد: (5/26) ، ومعجم الطبراني كما في مجمع الزوائد: (6/311) ، ورواه محمد بن نصر كما في الدر المنثور عن معقل بن يسار – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكاً واستخرجت " اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ "من تحت العرش، فوصلت بسورة البقرة، قال الهيثمي: في سند أحمد راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني، وأسقط المبهم 1هـ وقال السيوطي: سنده صحيح، وأخرج البغوي في معجم الصحابة، وابن عساكر في تاريخه كما في الدر: (1/20) عن ربيعة الحرشي – رضي الله تعالى عنه – سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أي القرآن أفضل؟ فقال: السورة التي يذكر فيها البقرة، قيل: فأي البقرة أفضل؟ قال آية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، نزلن من تحت العرش. وأخرج وكيع وأبو ذر الهروي في فضائله كما في الدر: (1/21) عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – وقد سئل أي سورة في القرآن أفضل؟ قال: البقرة، فقال له السائل: فأي آية أفضل؟ فقال: آية الكرسي. وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: أشرف سورة في القرآن سورة البقرة، وأشرف آية آية الكرسي، وفي تاريخ بغداد: (1/346) ونقله عنه السيوطي في الدر: (1/323) عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "أتدرون أي آي القرآن أعظم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" الآية، وأخرج ابن الضريس ومحمد بن نصر، والهروي في فضائله عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: ما خلق الله من سماء ولا أرض، ولا سهل ولا جبل، أعظم من سورة البقرة وأعظم آية فيها آية الكرسي، وأخرج ابن الأنباري في المصاحف، والبيهقي في شعب الإيمان كما في الدر: (1/324) عن علي – رضي الله تعالي عنه – قال: سيد آي القرآن: "اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ".

وسنام الشيء أعلاه تشبيهاً بسنام البعير، وبما أن آية الكرسي أعظم آية في القرآن، وهي أفضل كلام الرحمن، وسيدة الآي الكريمات الحسان، فقد ورد لها من الفضائل العظام، ما لم يرد لغيرها من القرآن. روى البخاري وغيره من الأئمة الكرام – عليهم الرحمة والرضوان – عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: "وكلني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت له: والله لأرفعنك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: إني محتاج، وعلى عيال، ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ً، فرحمته فخليت سبيله، فقال: أما إنه قد كذبك، وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إنه سيعود، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت له: لأرفعنك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: دعني فإني محتاج، وعلى عيال، لا أعود فحرقته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة، وعيالا ً، فرحمته فخليت سبيله، قال، أما إنه قد كذبك، وسيعود، فرصدته الثالثة، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم لا تعود، ثم تعود، قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فقرأ آية الكرسي: "اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت، فال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال: ما هي؟ قال لي إذا أويت إلى فراشك

فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية "اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم أما إنه قد صدقك، وهو كذوب، تدري من تخاطب مذ ثلاث ليلا؟ يا أبا هريرة؟ قلت لا، قال: ذاك شيطان (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الوكالة – باب إذا وكل رجلا ً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز –: (4/487) ، وفي كتاب بدء الخلق – باب صفة إبليس وجنوده –: (6/335) وفي كتاب التفسير – سورة البقرة – باب فضل سورة البقرة –: (9/55) بشرح ابن حجر في الجميع، وانظر كلام الحافظ على ما يتعلق بالحديث سنداً ومتناً في المكان الأول وفيه أن النسائي في السنن الكبرى وأبا نعيم في دلائل النبوة أخرجاه أيضاً 10هـ وزاد السيوطي في الدر: (1/326) نسبته إلى ابن الضريس، وابن مردويه، وقد تكررت القصة مع معاذ بن جبل – رضي الله تعالى عنه – عندما عهد إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – حفظ تمر الصدقة أيضاً فجعله في غرفة في بيته....إلخ روى ذلك الحاكم في المستدرك في كتاب فضائل القرآن –: (1/563) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، ورواه الطبراني كما في مجمع الزوائد: (6/322) وقال الهيثمي: شيخ الطبراني يحيى بن عثمان بن صالح، وهو صدوق إن شاء الله كما قال الذهبي الميزان: (4/396) وقال ابن أبي حاتم: وقد تكلموا فيه (الجرح والتعديل) : (9/175) وبقية رجاله وثقوا 10هـ ورواه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان، ومحمد بن نصر، وأبو نعيم، والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة كما في الدر: (1/324) ، وتكررت مع أبي بن كعب – رضي الله تعالى عنه – أيضاً، لكن في جرنيه، وتمره أخرج ذلك الحاكم في المستدرك – كتاب فضائل القرآن –: (1/562) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى، وأبو يعلى، وابن حبان، وأبو الشيخ في العظمة، والطبراني، وأبو نعيم، والبيهقي معاً في دلائل النبوة كما في الدر المنثور: (1/322) ، والترغيب والترهيب: (2/275) ، وأشار إلى هذه الرواية الترمذي في سننه – كتاب ثواب القرآن – باب 3: (8/97) ، وانظر رواية ابن حبان في موارد الظمآن – كتاب التفسير – سورة البقرة: (426-427) ، وتكرر ذلك مع أبي أسيد الساعدي – رضي الله تعالى عنه – عندما قطع تمر حائطه وجطه في غرفة من بيته. روى ذلك الطبراني ورجاله السند وثقوا كلهم، وفي بعضهم ضعف كما في مجمع الزوائد: (6/323) ، ورواه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان، ومحمد بن نصر، وأبو نعيم في دلائل النبوة كما في الدر المنثور: (1/325) وتكرر ذلك مع أبي أيوب الأنصاري – رضي الله تعالى عنه – عندما سرقت الفول التمر من سهوة في بيته، وهي الخزانة. روى ذلك الترمذي في سننه في كتاب ثواب القرآن – باب 3: (8/96-97) وقال: هذا حديث حسن غريب، قال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (8/478) وهو كما قال 1هـ ورواه أحمد في المسند: (5/423) ، والحاكم في المستدرك – في كتاب معرفة الصحابة – رضي الله تعالى عنهم –: (3/458-459) من ثلاثة طرق وقال: هذه الأسانيد إذا جمع بينها صارت حديثاً مشهوراً، وقال الذهبي عن الطريق الثالثة، قلت: هذا أجود طرق الحديث 10هـ ورواه ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان، وأبو الشيخ في العظمة والطبراني، أبو نعيم في دلائل النبوة كنا في الدر: (1/325، 326) وتكررت مع زيد بن ثابت – رضي الله تعالى عنه – لكن دون عرض ذلك على النبي – صلى الله عليه وسلم – روى ذلك ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان، وأبو الشيخ في العظمة كما في الدر المنثور: (1/327) وروى الدارمي في كتاب فضائل القرآن – باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي –: (2/448) ، وأبو عبيد في فضائل القرآن والطبراني، وأبو نعيم في دلائل النبوة، والبيهقي كما في الدر المنثور: (1/323) عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: خرج رجل من الإنس من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – فلقيه رجل من الجن، فقال: هل لك أن تصارعني، فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان، فصارعه الإنسي، فقال: تقرأ آية الكرسي، فإنه لا يقرؤها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان له خبج كخبج الحمار، فقيل لابن مسعود: أهو عمر بن الخطاب؟ - رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: من عسى أن يكون إلا عمر – رضي الله تعالى عنه – والخبج الضراط. وانظر تفصيل ما يتعلق بالجن من أحكام في كتاب آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان للشيخ الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الشيلي المتوفى سنة تسع وستين وسبعمائة – عليه رحمة الله تعالى –. والكتاب يقع في قرابة أربع ومائتي صفحة، وفيه خير كثير وانظر فيه الباب الرابع والثلاثون بعد المائة في فرار الشيطان من عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – وصرعه إياه: (216-217) .

". وقد ورد الأمر بقراءتها في الصباح، وفي المساء، ففي سنن الترمذي وغيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من قرأ حم المؤمن إلى "إِلَيْهِ الْمَصِيرُ"، وآية الكرسي، حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح (¬1) " وآيات حم المؤمن المشار إليها، هي: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ". ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب ثواب القرآن – باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي –: (8/95) وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكه من قيل حفظه، وانظره في سنن الدارمي – كتاب فضائل القرآن – باب فضل أول سورة البقرة، وآية الكرسي –: (2/449) ، وعزاه إليهما السيوطي في الدر: (1/326) ، والحديث رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة: (154) . قال النووي في الأذكار: (70) إسناده ضعيف 1هـ وذلك لضعف عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة كما في تقريب التهذيب: (1/474) ، والميزان: (2/550) قال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (8/494) أقول: ولبعضه شاهد في فضل آية الكرسي 1هـ وكان علي – رضي الله تعالى عنه – يقول: ما أرى رجلا ً ولد في الإسلام، أو أدرك عقله الإسلام يبيت أبداً حتى يقرأ آية الكرسي. أخرج ذلك عنه أبو عبيد وابن أبي شيبة والدارمي ومحمد بن نصر وابن الضريس كما في الدر: (324) وروى ابن الضريس عن قتادة قال: من قرأ أية الكرسي إذا أوى إلى فراشه وكل الله به ملكين يحفظانه حتى يصبح، كما في الدر: (1/327) .

وورد الأمر بقراءتها دبر كل صلاة، تب نبينا – صلى الله عليه وسلم – على ذلك أجراً عظيماً ففي صحيح ابن حبان، ومعجم الطبراني الكبير والأوسط بسند جيد عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" وفي رواية للطبراني بسند حسن عن الحسن بن علي – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة كان في ذمة الله تعالى، إلى الصلاة الأخرى (¬1) ¬

_ (¬1) انظر رواية أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – في مجمع الزوائد: (10/102) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد وأحدها جيد 10هـ وقال المنذري في الترغيب والترهيب: (2/453) رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح، وقال شيخنا أبو الحسن: هو على شرط البخاري ومسلم، ورواه ابن حبان في كتاب الصلاة وصححه 10هـ وزاد السيوطي في الدر: (1/325) نسبته إلى الروياني في مسند، والدارقطني، وابن مردويه. وانظر في عمل اليوم والليلة لابن السني: (55) ورواه الضياء المقدسي في المختارة، والحاكم كما في اللاليء المصنوعة: (1/230) وتنزيه الشريعة: (1/288) ورواه أبو نعيم في الحلية: (3/221) عن المغيرة بن شعبة – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً..والبيهقي عن علي – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً كما في الدر المنثور: (1/34) وعن محمد بن الضوء بن الصلصال عن أبيه عن جده كما في الدر أيضاً: (1/323) والحديث ذكره ابن الجوزي في الموضوعات: (1/244) ، ورد عليه العلماء، فلم سلموا له الحكم بالوضع ففي تنزيه الشريعة: (1/230-231) ، وتنزيه الشريعة: (1/288-289) – الفصل الثاني – قال ابن حجر في تخريجه أحاديث المشكاة: غفل ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في الموضوعات، وهو من أسمح ما وقع له 10هـ ومال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: (1/303-304) إلى قبول الحديث قال: وبلغني عن شيخنا أبي العباس بن تميمة – قدس الله روحهما – أنه قال: ما تركتها عقيب كل صلاة.

". وقد كان سلفنا الصالحون – رحمهم الله تعالى جميعاً – يحافظون على قراءة آية الكرسي في جميع أحوالهم، ويتواصون بذلك، أخرج ابن عساكر وغيره عن عبد الرحمن بن عوف – رضي الله تعالى عنه – أنه كان إذا دخل منزله قرأ في زواياه آية الكرسي، وروى المحاملي في فوائد أن رجلا ً قال لابن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: علمني شيئاً ينفعني الله به، قال: اقرأ آية الكرسي، فإنه يحفظك وذريتك، ويحفظ دارك، حتى الدويرات حول دارك (¬1) . قال بعد الرحيم – غفر الله له ولوالديه وللمسلمين –: وإنما كان لآية الكرسي تلك المنزلة العالية في شريعة الله الفاضلة، لاشتمالها على أمهات مسائل التوحيد، الذي من أجله خلق الله العبيد، وفيها على التحقيق اسم الله الأعظم، وإليه ترجع جميع صفات الله الأعز الأكرم، كما سيأتيك إيضاح هذه القضية، عند بيان معاني كلمات الآية المحكمة العلية، وإليك التفصيل يا طلاب العلم النبيل: ¬

_ (¬1) انظر الأثر الأول في الدر المنثور: (1/324) ، وفيه رواه أيضاً ابن أبي شيبة، وأبو يعلى، وابن المنذر – رحمهم الله جميعاً –. وانظر الأثر الثاني في الدر أيضاً: (1/323) ، وانظر قراءة آية الكرسي لحصول البركة في الطعام في الدر أيضاً: (1/323) وفيه: (1/325) وفي عمل اليوم والليلة لابن السني: (232) قراءتها عند طلق المرأة وولادتها، وفيه أيضاً: (134) وفي الدر: (1/325) قراءتها عند الكرب، ليزول بإذن الرب – جل جلاله –.

2- لفظ الجلالة: (الله) علم الأعلام، ومعرفة المعارف، دال على الإله الحق، دلالة جامعة لمعاني الأسماء الحسنى كلها، كما في التعريفات، وفي الفتح المبين، وتحفة المريد وغيرهما: إنه علم على الذات الواجب الموجود لذاته، المستحق لجميع الكمالات والمحامد المعبود بحق – سبحانه وتعالى، لا إله إلا هو، ولا رب سواه – (¬1) . وللعلماء الكرام في كون ذلك الاسم الكريم مشتق أو مرتجل قولان: القول الأول: ¬

_ (¬1) انظر التعريفات: (28) ، والفتح المبين: (5) ، وتحفة المريد: (1/5) ونحو ما في هذه الكتب موجود في: المقصد الأسني: (48) ، وتفسير ابن كثير: (1/19) وحاشية الأمير: (6) ، وروح المعاني: (1/58، 63) وفي كتاب أحكام البسملة: (10) : تكرر لفظ (الله) في القرآن: (2679) مرة ومن اللطائف الطرائف ما في حاشية المدابغي: (5) : ورؤى الخليل بن أحمد بعد موته – رحمه الله تعالى – فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، بقولي في اسمه (الله) إنه غير مشتق وفي كتاب أحكام البسملة: (10) ويحكى أن كرامة حصلت لابن جني، حيث رؤى في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وأكرمني بسبب قولي: (الله) أعرف المعارف.

إنه غير مشتق من شيء أصلا ً، إنما هو اسم انفرد به الحق – جل جلاله – كأسماء الأعلام وبهذا قال الأئمة الكرام، أبو حنيفة، والشافعي، والحسين بن الفضل البجلي، والقفال الشاشي، وأبو سليمان الخطابي، أبو يزيد البلخي، والغزالي، وهو أحد قولي الخليل بن أحمد، وسيبويه، والمبرد، ونسبه الرازي في تفسيره إلى أكثر الأصوليين، والفقهاء، وقال قي لوامع البيانات في شرح أسماء الله الحسنى والصفات، إنه قول أكثر المحققين، وهو المختار عندنا 1هـ وقال الغزالي في المقصد الأسني: كل ما ذكر في اشتقاقه وتصريفه تعسف وتكلف 1هـ ومال إلى هذا الخازن في تفسيره: "لباب التأويل" وحكم عليه: بأنه الصحيح المختار 1هـ وقال الزجاج في شرح أسماء الله الحسنى: وعلى هذا القول المعمول 10هـ وعليه حط كلام الألوسي في روح المعاني، وبه قال السهيلي، وشيخه ابن العربي كما في بدائع الفوائد (¬1) . القول الثاني: إنه مشتق قال بذلك كثير من الأدباء كما في لوامع البينات، وفي تفسير القرطبي إنه قول كثير من أهل العلم 1هـ وذهب إليه الطبري، ومال إليه ابن الأنباري في البيان في إعراب غريب القرآن، وقرره الزمخشري في الكشاف، ورجحه ابن القيم في بدائع الفوائد (¬2) . سبب الخلاف: ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم في تفسير الرازي: (1/156) ولوامع البينات شرح أسماء الله الحسنى والصفات: (108) والمقصد الأسني شرح أسماء الله الحسنى: (48) ، ولباب التأويل: (1/17) ، وشرح أسماء الله الحسنى للزجاج: (35) ، وروح المعاني: (1/58) ، وبدائع الفوائد: (1/22) ، وانظر زاد المسير: (1/8-9) ، والجامع لأحكام القرآن: (1/102-103) ، وتفسير ابن كثير: (1/19) ولسان العرب: "أله": (17/358-363) . (¬2) انظر لوامع البينات شرح الأسماء الحسنى والصفات ك (108) ، وتفسير القرطبي: (1/102) وتفسير ابن جرير: (1/41-42) ، والبيان في إعراب غريب القرآن: (1/32-33) ، والكشاف: (1/35-40) ، وبدائع الفوائد: (1/22) .

.. قال الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد، زعم السهيلي وشيخه ابن العربي أن اسم الله غير مشتق، لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها، واسمه – تبارك وتعالى – قديم لا مادة له، فيستحيل الاشتقاق، ولا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى، وأنه مستمد من أصل آخر فهو باطل، ولكن الذين قالوا بالاشتقاق لم يريدوا هذا المعنى، ولا ألم بقلوبهم وإنما أرادوا أنه دال على صفة له تعالى وهي الإلهية، كسائر أسمائه الحسنى كالعليم والقدير والغفور والسميع والبصير، فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب، وهي قديمة والقديم لا مادة له، فما كان جوابكم عن هذه الأشياء فهو جواب القائلين باشتقاق اسمه (الله) . ثم الجواب عن الجميع أننا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله، وتسمية النحاة للمصدر والمشتق منه أصلا ً وفرعاً ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر، وإنما هو اعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر وزيادة، فالاشتقاق هنا ليس هو اشتقاق مادي، وإنما اشتقاق تلازم، سمي المُتضَمِن بالكسر مشتقاً، والمُتضمَن بالفتح مشتقاً منه، ولا محذور في اشتقاق أسماء الله – جل وعلا – بهذا المعنى 10هـ وقرر نحو هذا الزمخشري وعبارته: فإن قلت: هل لهذا الاسم اشتقاق؟ قلت: معنى الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعداً معنى واحد، وصفية هذا الاسم وصيغة قولهم: ألِه إذا تحير ينتظمهما معنى التحير والدهشة، وذلك أن الأوهام تتحير في معرفة المعبود، وتدهش الفطن 1هـ (¬1) . وجوه اشتقاق ذلك الاسم الكريم، عند القائلين به: ¬

_ (¬1) انظر بدائع الفوائد: (1/22-23) ، والكشاف: (1/39) وفي حاشية المدابغي: (5) قال بعضهم وحيث ذكر الاشتقاق في أسماء الله الحسنى، فالمراد به أن المعنى في ذلك الاسم، ونحوه في محاضرات في التفسير للأستاذ القيعي: (44) .

أ) أصله: إلاه من ألِهَ إذا عُبِد، وهو مصدر بمعنى مألوه، أي: معبود: كقولهم: خلق الله بمعنى مخلوق، حذفت الهمزة استثقالا ً لوجودها في كلمة يكثر استعمالهم لها، وللهمزة في وسط الكلام ضغطة شديدة، ثم حذفت الألف من (الله) بعد إرادتهم تفخيمه بالتعريف لأنه اسم لعظيم – لكثرة الاستعمال كما حذفت من (الرحمن) . ... ويصح القول بأن الهمزة حذفت بعد نقل حركتها إلى ما قبلها، وحذفها لاجتماع الساكنين هي واللام قبلها، لأنه عندما ألغيت حركة الهمزة على اللام قبلها التقى حرفان متحركان من جنس واحد، فأسكنت اللام الأولى، وأدغمت في الثانية، وألزم التفخيم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر البيان في إعراب غريب القرآن: (1/32-33) ، والبحر المحيط: (1/15) ، واللسان: "أله"، وتفسير القرطبي: (1/102) ففي الأول عن أبي على النحوي، وفي الثاني عن الخليل أن الألف واللام بدل من الهمزة، وعوض عنها، وفي لوامع البينات: (119) التأله: التعبد، قال رؤيه: لله دَرُّ الفانِياتِ المُدَّهِ ... سَبَّحْن واسْتَرْجَعْنَ من تَلُهي ولما كان الباري – جل وعلا – هو المعبود في الحقيقة لا جرم سمى إليها، وكيف لا يكون مستحقاً للعبادة، وقد بين أنه تعالى هو المنعم على جميع خلقه بوجوه الإنعامات، والعبادة غاية التذلل والعقل يشهد بأن غاية التعظيم لا يليق إلا بمن صدر عنه غاية الإنعام والإحسان، وإليه الإشارة بقوله – جل وعلا –: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} البقرة28 1هـ، وانظر بيت روية في اللسان: "أله" وفيه: مدهة يمدهه مدهاً، والجمع المُده، أي: المستحقات المدح لحسنهن وجمالهن، والتأله: التنسك والتعبد، واسترجعن قلن: إنا لله وإنا إليه راجعون وفي اللسان أيضاً: "أله" وروى المنذري عن أبي الهيثم أنه سأله عن اشتقاق اسم (الله) في اللغة، فقال: كان حقه: إلاه أدخلت الألف واللام للتعرف، فقيل، ألإ لاه، ثم حذفت العرب الهمزة استثقالا ً لها، فلما تركوا الهمزة حولوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف وذهبت الهمزة أصلا ً فقالوا: ألِلاه، فحركوا لام التعريف التي لا تكون إلا ساكنة، ثم التقى لامان متحركان، فأدغموا الأولى في الثانية، فقالوا الله، وانظر تفسير ابن جرير: (9/17) حيث نقل في تفسير قوله الله – جل وعلا –: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} الأعراف127، عن ابن عباس ومجاهد – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أنهما كانا يقرآنها "إلاهتك" بكسر الألف، بمعنى: ويذرك وعبودتك، والقراءة التي لا نرى القراءة بغيرها هي القراءة التي عليها قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة من القراء عليها، ثم قال في: (9/18) : ذكر من قال معنى ذلك: ويذرك وعبادتك على قراءة من قرأ: "وإلاهتك" ثم نقل عن ابن عباس ومجاهد – رضي الله تعالى عنهم – أن فرعون كان يُعبَد ولا يَعبُد 10هـ وانظر نسبة التفسير بذلك إليهما وإلى غيرهما في الدر المنثور: (3/107) وفي اللسان "أله": (7/360) وقرأ ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –: "وإلاهتك" بكسر الهمزة، أي: وعبادتك، وهذه الأخيرة عن ثعلب كأنها هي المختارة، قال: لأن فرعون كان يُعبد ولا يَعبُد فهو على هذا ذو إلاهة ٍ لا ذو آلهة، والقراءة الأولى أكثر القراء عليها، قال بان بري يقوي ما ذهب إليه ابن عباس – رضي الله تعالى عنه – في قراءته: "ويذرك وألاهتك" قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} النازعات24 وقوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} القصص38 ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} النازعات25. قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: القراءة المنسوبة إلى ابن العباس – رضي الله تعالى عنهما – شاذة، ولا يجوز القراءة بها، لفقدان شرط التواتر، ويصح الاستشهاد بها في الأحكام، لأنها تنزل منزلة خبر الآحاد، وتوجيهها لفظاً ومعنى حسن، ولذلك ذكرتها هنا لأبين أن معنى الإله مأخوذ من إلالاهة وهي العبادة، فكان فرعون على هذه القراءة يُعبَد ولا يَعبُد هو شيئاً، وعلى القراءة الأولى المتواترة يكون المعنى: يذرك آلهتك التي تعبدها فيفيد أن فرعون كان يعبد الأصنام، ودعا إليها قومه الضالين الطغام، كما في تفسير ابن كثير: (2/239) وانظر توجيه القراءات الشاذة والعمل بها في البرهان: (1/336، 341) ، والإتقان: (1/280-281) ، والتحرير في أصول الفقه: (299) ، وفواتيح الرحموت: (1/16-178) ، والمستصفى: (1/102) .

ب) أصله: الإله من ألِهت أي: تحيرت، فالباري – جل وعلا – مسمى بهذا الاسم، لأنه العقول متحيرة في كنه جماله وجلاله، ويقال فيه ما قيل في سابقه من حذف الهمزة، وإدخال الألف واللام عليها (¬1) . جـ) أصله: إلاه من ألِه الرجل إلى الرجل يأله إليه، إذا فزع إليه من أمر نزل به، فآلهه أي: أجاره وأمنه، فيسمى: إلها كما يسمى: إماماً إذا أم الناس فأتموا به، فالله – جل وعلا – هو المجير لكل الخلائق من كل المضار، وهو المنعم، والمطعم، والموجد قال الله – جل وعلا –: {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} المؤمنون88-89، وقال – جل وعلا –: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} النحل53، وقال – جل وعلا –: {قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} الأنعام14 ويقال هنا ما قيل فيما سبق أيضاً من حذف الهمزة، وإدخال الألف واللام عليها (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر لوامع البينات: (117) ، والبينات في إعراب الغريب القرآن: (1/33) ، والبحر المحيط: (1/15) ، ومفاتيح الغيب: (1/160) ، واللسان "أله". (¬2) انظر لوامع البينات: (112) ، والبحر المحيط: (1/15) ، ومفاتيح الغيب: (1/61) ، واللسان "إله".

د) أصله: إلاه من ألِهت إلى فلان إذا سكنت إليه وألِه الفصِيل: إذا أولع بأمه، والله – جل وعلا – لا تسكن العقول إلا إلى ذكره، ولا تطمئن القلوب إلا بالأنس به، ولا تنشرح الصدور إلا بمحبته والتحلي بطاعته، ولا تحيى الأرواح، ولا تعرج إلى بلاد الأرواح إلا بمعرفته، فالعباد مولهون بالتضرع إليه والأكياس معولون في جميع الأحوال عليه، قال الله – جل وعلا –: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد28، وقال – جل جلاله –: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الأنعام13، ويقال في هذا ما قيل في سابقه من حيث حذف، وإدخال الألف واللام عليها، وعليه ففي الأوجه الأربعة تكون الألف زائدة، ومادته همزة ولام (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مفاتيح الغيب: (1/159) ، والبحر المحيط: (1/15) والجامع لأحكام القرآن: (1/103) وفي لسان العرب: "أله" يدل على أن أصل "الله" إلاه، قوله – جل وعلا –: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} المؤمنون91، وفي تفسير ابن كثير: (1/19) ونحوه في مفاتيح الغيب: (1/175) واستدل بعضهم على كونه مشتق بقوله – عز وجل –: {وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} الأنعام3، وقوله – جل جلاله –: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} الزخرف84.

هـ) أصله: إلاه وأصل إلاه: وِلاه، من الوله وهو: التعلق مع الطرب والتحير، والله – جل وعلا – يوله إليه في الحاجات، وتتعلق به النفوس الزاكيات وترقص من حلاوة الأنس به قلوب الصالحين والصالحات وتتحير الألباب في حقائق ما له من جليل الصفات، فهو الذي لا يسأله من في السموات والأرض ولا يحيط به أحد في السموات والأرض. ... وعلى هذا فالهمزة مبدولة من الواو المكسورة، كما أبدلت في إشاح ووشاح، وإسادة ووسادة وبعد الإبدال دخلت الألف واللام حذفوا الهمزة وأدغموا وفخموا على ما تقدم بيانه في الأوجه الأربعة السابقة، ومادته على هذا الوجه، واو ولام وهاء (¬1) . و) أصله: لاه يليه إذا ارتفع، ولذلك سميت الشمس: إلاهة ً – بكسر الهمزة وفتحها –. وفي تفسير القرطبي: كانت العرب تقول لكل شيء مرتفع لاها 1هـ والله – جل جلاله – على عرشه فوق سمواته، له العلو الفوقية – سبحانه وتعالى – في ذاته، وصفاته، وقدره، قال الألوسي – رحمه الله تعالى – وقرئ شاذاً: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء لاه} الزخرف84، وعلى هذا الوجه فمادته لام وباء وهاء، دخلت عليه لام التعريف، وحذفت الألف للتخفيف (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر البيان في إعراب غريب القرآن: (1/33) ، والجامع لأحكام القرآن: (1/102) ولوامع البينات: (113) ، ومفاتيح الغيب: (1/159) ، وروح المعاني: (1/56) ، وفيه: ويرده الجمع على آلهة دون أولهة، وقلب الواو ألفاً إذا لم تحرك مخالف للقياس وتوهم أصالة الهمزة لعدم ولاه خلاف الظاهر، ولعلك لا تعبأ بذلك هنا، فالشأن عجيب، وفي البحر المحيط: (1/15) وهو ضعيف للزوم البدل، وقولهم في الجمع: آلهة. (¬2) انظر البحر المحيط: (1/15) ، ومفاتيح الغيب: (1/160) ، ولوامع البينات: (116) ، وفي اللسان: "أله" وقد سمت العرب الشمس لما عبدوها إلاهة والألاهة: الشمس الحارة، والألالهة والإلالاهة والألالاهة كله الشمس اسم لها، والضم في أولها عن ابن الأعرابي.

ز) أصله: لاه يلوه إذا احتجب فلم ير من لاهت العروس تلوه إذا احتجبت، والله – جل وعلا – حجابه النور، ولا يرى في دار الغرور، ولا يحاط به عند رؤيته في دار الحبور، كما أخبر العزيز الغفور: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الأنعام103. لاهَ ربيّ عن الخَلائق طُرّاً ... فهو الله لا يُرى ويَرى هو ... وعلى هذا الوجه، فمادته لام وواو وهاء، دخلت عليه اللام كسابقه للتعريف، وحذفت الألف للتخفيف (¬1) . ح) أصله: لاه يلوه إذا استنار، والله – جل وعز – نور السموات والأرض، بنوره يهتدي المهتدون ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، فطوبى لمن استدل به على الأغيار، وكان وجود الرب – جل وعلا – عنده أظهر من طلوع الشمس في رابعة النهار. ... وعلى هذا الوجه فمادته لام وواو وهاء، ويقال فيه ما قيل في سابقه بلا اعتراء (¬2) ، حفظ الله المكلفين من معرفتهم باسم "الله" رب العالمين. ¬

_ (¬1) انظر: البحر المحيط: (1/15) ، ومفاتيح الغيب: (1/160) ، والبيان في إعراب غريب القرآن: (1/33) ، ولوامع البينات: (116) ، وروح المعاني: (1/56) ،وقد تقدم في صفحة: (....) من هذا الكتاب المبارك الحديث الصحيح المصرح بكون حجاب الرب – جل وعلا – النور أو النار، ولو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. (¬2) انظر: البحر المحيط: (1/15) ، وفيه تلخيص ما تقدم من الأقوال على القول بالاشتقاق.

.. اعلم أخي الكريم، أن حظ الأكياس الفطنين من معرفتهم باسم ربهم الكريم "الله" الذي هو أعظم أسماء رب العالمين: تعلق همتهم بربهم الجليل، وتعويلهم عليه في كل كبير وصغير وعظيم وحقير، فالذين يدعون من دون الله ما يملكون من قطمير، كما أخبر عن ذلك ربنا العزيز الكبير، فقال – جل شأنه – {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فاطر13-15. فطوبى ثم طوبى لمن عبد الله ومال بقلبه إليه، وفزع إليه مما نزل به، وحل عليه، وسكن إليه، فالخير كله في يديه، فهو كريم ذو الإنعام، وهو العالي المحتجب عن الأنام وبنوره أشرق الظلام وحاشا أن يضل من لاذ بحماه أو يضام، نسأل الله الكريم أن يجعلنا من عبيده المخلصين وحزبه المفلحين، لنحظى بولاية رب العالمين، وما يترتب عليها من أثر عظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} محمد 7-11.

.. {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} محمد12 – صلى الله عليه وسلم –. وقال ربنا – جل جلاله –: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة257، وقال – جل وعلا –: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} يونس62-64، قال وهب بن منبه – رحمه الله تعالى – قرأت في الكتاب الأول، أن الله – تبارك وتعالى – يقول: "بعزتي من اعتصم بي، فإن كادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجاً، ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء، وأخسف به من تحت قدميه الأرض، فأجعله في الهواء، فآكله إلى نفسي، ثم لا أبالي بأي وادٍ هلك (¬1) ¬

_ (¬1) انظر الأثر في تفسير ابن كثير: (3/370-371) ، وفيه إيضاح ذلك بكرامة من الله للعبد الصالح أبي بكر محمد بن داود الديني فانظرها لزاماً. وانظر أثر وهب في إغاثة اللهفان: (1/34) وعزاه للإمام أحمد – عليه رحمة الله تعالى –..وفي رسالة الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: أخبار كثيرة قرابة الثلاثية تدل على ولاية رب العالمين لمن يتولاه من عباده من عباده المؤمنين فمن ذلك ما في: (11/279-280) ضمن مجموع الفتاوى: مر عامر بن عبد قيس – رحمه الله تعالى – بقافلة قد حبسهم الأسد فجاء حتى مس بثيابه الأسد، ثم وضع رجله على عنقه، وقال، إنما أنت كلب من كلاب الرحمن، وإني أستحي أن أخاف شيئاً غيره، ومرت القافلة، وصلة بن أشيم – رحمه الله تعالى – مات فرسه وهو في الغزو، فقال: اللهم لا تجعل لمخلوق عليّ منة ودعا الله – عز وجل – فأحيا له فرسه، فلما وصل إلى بيته، قال: يا بني خذ سرج الفرس فإنه عارية فأخذ فرسه فمات الفرس، وجاع مرة بالأهواز، فدعا الله – عز وجل – واستطعمه، فوقعت خلفه دوخلة – ما ينسج من الخوص ويجعل فيه الرطب – بتشديد اللام وتخفيفها، مختار: (220) "دخل" رطب في ثوب حرير، فأكل التمر، وبقي الثوب عند زوجته زماناً. وجاء الأسد وهي يصلي في غيضة ٍ بالليل، فلما سلم، قال له: اطلب الرزق في غير هذا الموضع، فولى الأسد وله زئير، وأما ما نعرفه عن أعيان، ونعرفه في هذا الزمان فكثير 1هـ، وانظر خبر عامر مع الأسد في حلية الأولياء: (2/92) وصفة الصفوة: (3/204) ، وانظر ترجمته فيهما، وفي كتاب الزهد للإمام أحمد: (218-228) وكتاب الزهد والرقائق للإمام ابن المارك: (294-300) وفيه خبره مع الأسد، وانظر ما وقع لصلة من كرامات في حلية الأولياء: (2/239-240) ،وصفة الصفوة ك (3/217-218) ، وكتاب الزهد والرقائق: (295-298) ، والبداية والنهاية: (9-15-16) . تنبيه مهم: كرر الرازي في تفسيره الإشادة بمنزلة الذكر بـ الله، والله، أو هو هو، وزعم أن لا إله إلا الله توحيد العوام، ولا إله إلا هو توحيد الخواص، وحكم على الذكر بـ هو هو بأنه أعظم الأذكار، وهو مقام المقربين، أما لفظ "الله" فهو مقام، أصحاب اليمين، وقرر ذلك الكلام في صفحات كثيرة جسام، وهو بهذا يسير على منوال من سبقه من المنحرفين كالحلاج الذي ألف كتاباً أسماه: "هو هو" ولعل الرازي أخذ ذلك منه، وكما أن الرازي سار بذلك المسلك على منوال من سبقه، فقد حاكى أيضاً منحرفاً عاصره وهو ابن عربي صاحب الفصوص، فقد ألف كتباً أيضاً أسماه: "الهو"، وانظر تفسير الرازي: (1/146-152، 4/175-177، 22/179-185) وقد تقدمت ترجمة ابن عربي في صفحة: (......) من هذا الكتاب المبارك وانظر نسبة كتاب "الهو" إليه في هدية العارفين: (6/116) وهو مطبوع وعندي نسخة منه، وأما الحلاج فهو الحسين بن منصور الحلاج المقتول على الزندقة، ما روى – ولله الحمد شيئاً من العلم، وكانت له بداية جيدة، وتأله، وتصوف، ثم انسلخ من الدين، وتعلم السحر، وأراهم المخاريق، أباح العلماء دمه فقتل سنة 311هـ كما في ميزان الاعتدال: (1/548) ، وقد وافق الإمام ابن حجر في لسان الميزان: (2/314) ما ذكره الإمام الذهبي في الميزان، وهكذا قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: (11/133-134) وعبارته: أما الفقهاء فحكى غير واحد من العلماء والأئمة إجماعهم على قتله، وأنه قتل كافراً، وكان مُمَخْرقاً مموهاً مشعوذاً، وبهذا قال أكثر الصوفية، ثم رد الإمام ابن كثير على من أجمل القول فيه، وزعم حسن حاله، وقد كرر الإمام ابن تيمية الحكم بالدجل والكفر على الحلاج في أمكنة متعددة، ففي مجموع الفتاوى: (35/119، 2/481، 483، 35/108) : كان من الدجاجلة بلا ريب، وقال: كانت له مخاريق وأنواع من السحر، وقال: ما يحكى عن الحلاج من ظهور الكرامات عند قتله، ومثل كتابة دمه على الأرض، الله، الله، فكله كذب، وما نعلم أحداً من المسلمين ذكر الحلاج بخير، وقال: قتل على الزندقة التي ثبتت بإقراره، وبغير إقراره، ومن قال: إنه قتل بغير حق، فهو أما منافق ملحد، وإما جاهل ضال 1هـ. وكرر نحو ذلك في: (2/109، 35/110، 112، 114) وأطال الإمام ابن الجوزي في تلبيس إبليس في كشف حال الرجل، وبيان زندقيته. انظر: (386) ، وفي كتاب المنتظم: (6/164) ، وألف كتابً خاصاً في بيان حيل الحلاج ودجله كما نص على ذلك في تلبس إبليس: (53) وانظر أحواله الردية في تاريخ بغداد: (8/112-141) . وقد عد الإمام أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق: (260-264) الحلاجية من الفرق الخارجة عن الإسلام لقولهم بالحلول، وانظر حاله في طبقات الصوفية: (307-311) ، وذمه في البرهان المؤيد: (26) وبذلك تعلم أن ما مال إليه حسين بن محمد الديار بكري في تاريخ الخميس: (2/348) من ترجيح إمساك القول فيه، وعدم الطعن عليه لا يساوي شيئاً مع إهدار الشريعة المطهرة لدمه النجس، وأما تصحيح الشعراني لحاله في طبقاته: (1/107-109) ومبالغته في الانتصار له فهو أشد فساداً من سابقه، ولا يلتفت إليه، فتنبه، واحذر، والله يتولى هدانا جميعاً، وانظر نسبة كتاب: "هو هو" إليه في هدية العارفين: (5/305) ، والأعلام: (2/285) وقد عكف صوفية هذه الأوقات، وقبلها بمدد طويلات، على ذلك البلاء والتباب، فأعلنوا في بيوت رب الأرباب الذكر بهو هو، والله، الله، بل حرفوا ذلك إلى: آه، آه وبعضهم – وسمعته بأذني – يبدل الهاء حاء عند النطق لقرب المخرج، وتلبس الشيطان عليهم فيقولون: آح، آح ... نعوذ بالله من الخذلان، ومن الزيغ والطغيان. وسأبين لك أيها المسترشد حكم الذكر بالاسم المفرد، لتكون على بينة من الأمور، وتحذر ما وقع فيه أهل الغرور والثبور، لم ترد شريعة الله المطهرة بالذكر بالاسم المفرد مظهراً أو مضمراً، ولم يرد في الكتاب أو السنة إرشاد الناس إلى الذكر بلفظ "الله" ولا بلفظ "هو" ولقد تركنا النبي – صلى الله عليه وسلم – على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وبين لنا كل شيء، فمن السفاهة بمكان أن يدعي أهل الهذيان، أن كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" ذكر العوام، وحبيبنا خير الأنام – عليه الصلاة والسلام – يقول: "خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له" أخرجه الإمام مالك في الموطأ – في كتاب القرآن –: (1/214-215) ، وفي كتاب الحج: (1/422-423) ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز – رضي الله تعالى عنه –. ورواه الترمذي في كتاب الدعوات – باب ما جاء في فضل دعاء يوم عرفة –: (5/231) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده – رضي الله تعالى عنهم – وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وحكم عليه بالحسن الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (4/324) بأنه حسن بالروايتين وانظر الحديث في شرح السنة أيضاً – كتاب الحج – باب الدعاء يوم عرفة –: (7/157) وحكم عليه الشيخ الأرناؤوط في تعليقه عليه بالحسن لشواهده. وفي سنن ابن ماجه – كتاب الدعوات – باب فضل الحامدين –: (2/1249) وعزاه الشيخ ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (10/553) لابن أبي الدنيا عن جابر – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله". فهل بعد تصريح النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل ما قاله نبينا والأنبياء قبله – عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه – لا إله إلا الله، يقبل كلام المهووسين بأن أفضل الأذكار: الله، الله، أو هو، هو، وأن لا إله إلا الله ذكر العوام والذكر بالاسم المفرد مظهراً ذكر الخواص، والذكر به مضمراً ذكر خواص الخواص.؟ دعوا كل ٍ عند قول محمد – صلى الله عليه وسلم فما آمِنٌ في دينه كَمُخَاطِر ِ وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – في رد تلك الضلالة الردية، فكتب ما يزيد على عشر صفحات في تفنيدها في مجموع الفتاوى: (10/55-67) ، وخلاصة كلامه: الذكر بالاسم المفرد مظهراً مثل: الله، الله، أو مضمراً مثل: هو، هو، ليس بمشروع في كتاب ولا سنة، ولا هو مأثور أيضاً عن سلف الأمة، ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم، وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين، وربما غلا بعضهم في ذلك، حتى جعلوا الذكر بالسم المفرد للخاصة وذكر الكلمة التامة للعامة، حتىقال بعضهم، لا إله إلا الله للمؤمنين، و "الله" للعارفين و "هو" للمحققين المتقين، وربما اقتصروا في خلواتهم، أو في جماعة على: الله، الله، الله أو على: هو، هو، هو، يا هو، يا هو، أو على: لا هو إلا هو، وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك، واستدل عليه تارة بوجده، وتارة برأي، وتارة بنقل مكذوب كما يرى بعضهم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لقن علي ابن أبي طالب – رضي الله تعالى عنه – أن يقول: الله، الله، الله، وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث 10هـ. وسيأتيك إن شاء الله ربنا الرحمن، عند دراسة فرق الزيغ والطغيان، بيان ما أحدثه الصوفية أتباع الشيطان، في مساجد الإسلام، من منكرات ضارعوا بها أهل التلمود والصلبان، وفقنا الله لإتباع هدي سلفنا الكرام، وحفظنا من الزيغ والإجرام، إنه واسع الفضل كثير الإحسان.

". 3- الحي القيوم: ... الحياة صفة ثبوتية تقوم بذات ربنا العلية، لا يكتنه كنهها، ولا نعلم حقيقتها، ليست كصفاتنا، وإنما هي كسائر صفات ربنا، التي تتلخص فيها طريقتنا بإقرارها، وإمرارها وبإثباتها مع نفي علمنا بكيفيتها، ونفي المماثلة عنها. ... ولذلك تخالف صفة الحياة في خالقنا – جل وعلا – الحياة المعروفة فينا من جميع الجهات والاعتبارات، ولا اشتراك ولا اتفاق بين حياته – جل وعز – وبين حياتنا إلا في حال الإطلاق وليس للمطلق مسمى موجود خارج الأذهان، كما تقدم تقرير هذا بقواطع الأدلة والبرهان. وأبرز وجوه المخالفة بين حياة الخالق والمخلوقات، أربعة هاك بيانها: أولا ً حياة ربنا أزلية: فهو الأول الذي ليس قبله شيء من البرية، وحياتنا مسبوقة بالعدم فهي حادثة، ولا توصف بالقدم. ثانياً حياة خالقنا أبدية: فهو الآخر الذي ليس بعده شيء من البرية، وحياتنا يعتريها الفوت، ويقطعها الموت. ثالثاً حياة فاطرنا كاملة على وجه التمام: فلا يعتريها سنة ولا نوم ولا نقصان، وتلك النقائص ملازمة للأنام، فهم النيام، في النهار وفي الظلام.

رابعاً حياة مولانا ذاتية: ليست مستمدة من أحد من البرية، وحياتنا عرضية، متوقفة على مشيئة ربنا المحكمة العلية، وهذا الأمر هو سبب الأمور الثلاثة السابقة، فلكون حياتنا ليست من ذاتنا، إنما هي متوقفة على إرادة خالقنا، كانت طارئة بعد عدم، وزائلة بعد وجود، ويصاحب وجودها الآفات والنقصان، لتتميز حياة ذي الجلال والإكرام عن حياة الإنس والجان، فكل موجود فغن، إلا الرحيم الرحمن، كما قرر ربنا ذلك في محكم القرآن: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} القصص88، وقال – جل وعلا –: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الرحمن 26-27، وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "أصدق كلمة قالها الشاعر، كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري كتاب مناقب الأنصار – باب أيام الجاهلية –: (7/149) ، وكتاب الأدب – باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه –: (10/537) ، وكتاب الرقاق – باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك –: (11/321) بشرح ابن حجر في الجميع، وانظر شرح الحديث في المكان الأول، ومناسبة الحديث للترجمة في المكان الأخير، وانظر الحديث في صحيح مسلم – أول كتاب الشعر –: (4/1768) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الأدب – باب الشعر: (2/1236) ، والمسند: (2/248، 393، 458، 470) ، وانظر شرح تلك الجملة في مجموع الفتاوى: (5/514-517) ، وانظر: (2/104) فما بعدها حيث قرر الإمام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – أنه لا يوجد قط في الكتاب والسنة وكلام العرب لفظ الكلمة إلا والمراد به الجملة التامة.

.. وقد تقدم في هذا الكتاب المبارك طائفة من الأبيات المحكمة الحكيمة، في تقرير هذا الأمر فارجع إليها، واحرص عليها (¬1) . ... واعلم يا طالب العرفان، أن حياة ربنا الرحمن، إذا كانت كاملة على وجه التمام، ولا يعتريها عدم ولا نقصان، فإن ذلك يستلزم أمرين، يتصف بهما ذو الجلال والإكرام وهما: أ) إفادة دوام الوجود: فالله – جل وعلا – لم يزل موجوداً، ولا يزال كذلك أبد الآباد، فهو الأول الآخر – سبحانه وتعالى –. ب) اتصافه بجميع صفات الكمال، ونفي ما يضاد ذلك من جميع الوجوه، وفي جميع الأحوال، فمن لوازم الحياة: الفعل الاختياري، فكل حي فعال، وفي كتاب خلق العباد، نقلا ً عن الإمام نعيم بن حماد – عليه رحمة رب العباد – قال: إن العرب لا تعرف الحي من الميت إلا بالفعل، فمن كان له فعل فهو حي، ومن لم يكن له فعل فهو ميت 1هـ (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر صفحة: (.......) من هذا الكتاب المبارك. (¬2) انظر كتاب خلق العباد ضمن عقائد السلف: (177) ، ومثله في لوامع البينات: (205) وعبارته: لا معنى للحي إلا فاعل دارك 1هـ وفي كتاب رد الإمام الدارمي على بشر المريسي: (54) أمارة ما بين الميت والحي التحرك، وما لا يتحرك فهو ميت لا يوصف بحياة 1هـ وفي المقصد الأسني: (124) الحي هو الفاعل الدارك حتى أن ما لا فعل له أصلا ً ولا إدراك فهو ميت، والحي الكامل المطلق هو الذي يندرج جميع المدركات تحت إدراكه، وجميع الموجودات تحت فعله، حتى لا يشذ عن عمله مدرك، ولا عن فعله مفعول، وذلك هو الله – تبارك وتعالى – فهو الحي المطلق، وكل حي سواه فحياته بقدر إدراكه وفعله، وكل ذلك محصور في قلة 1هـ وانظر إيضاح هذا المعنى في مدارك السالكين: (1/31) والمنهاج في شعب الإيمان: (1/191) ، وروح المعاني: (3/7) ، ومفاتيح الغيب: (7/7) ، مجموع الفتاوى: (16/355، 7/535) ، وانظر المعنى الأول الذي يستلزمه لفظ الحي في شرح أسماء الله الحسنى: (56) ، وتفسير ابن كثير: (1/308) .

.. وقد قرر نبينا – صلى الله عليه وسلم – هذا بقوله: "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر في سنن أبي داود – كتاب الأدب – باب في تغيير الأسماء –: (5/237) ، والمسند: (4/345) عن أبي وهب الجشمي – وكانت له صحبة – رضي الله تعالى عنه – ومعنى: "حارث" مكتسب أي عامل، ومنه احتراث المال كسبه عن طريق العمل، ومعنى: هَمّام مريد، من هممت بالشيء إذا أردته وقصدته ونويته، وهذان الوصفات ينطبقان على كل حي، إلا لا يخلو الحي من نية وحرة، فتسميته بما يدل على حاله مما ينطبق عليه تمام الانطباق، وذلك هو الصدق، وقد كرر الإمام ابن تيمية – رحمة الله عليه – هذا المعنى. انظر مجموع الفتاوى: (4/32-33، 7/43، 10/63، 14/294-295، 20/122-123، 28/135، 29/381) .

.. وصدور الفعل عن الحي يكون بحسب كمال حياته ونقصانها، فمن كانت حياته أكل كان فعله أقوى، وقدرته أتم، ولما كانت حياة ربنا – جل جلاله – هي الحياة الكاملة التامة، كان فعالا ً لما يريد، وعلى كل شيء قدير، ولا يتصف أحد من المخلوقات بأحد ذينك الوصفين، إنما إرادتهم وقدرتهم تتناسبان مع حياتهم، وكم من أمر يريده العباد، ولا يستطيعون فعله، والأمر كما قال الله – جل وعلا –: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} الإنسان30، قال الإمام أبو بكر بن العربي – عليه رحمة الله تعالى –: هذه الجملة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، من نفيس اعتقاد أهل السنة (¬1) . ... وأما صفة "القيومية" فيدور معناها على أمرين، كل منهما مراد في خالقنا رب الكونين وهما: أ) القائم بنفسه: الدائم في وجوده وقيامه بلا زوال. ¬

_ (¬1) انظر أحكام القرآن: (3/1234) ، وفي الانتفاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء: (80) ، والسنن الكبرى للبيهقي: (10/206) ، والاعتقاد له أيضاً: (72) ، والأسماء والصفات له أيضاً: (172-173) ومناقب الشافعي له أيضاً: (1/412) ، والبداية والنهاية: (10/254) ، وطبقات الشافعية: (1/295) شعر محكم عظيم لإمام المسلمين الإمام الشافعي – عليه رحمة رب العالمين – قال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله تعالى – في الانتفاء: وهو من شعره الذي لا يختلف فيه، وهو أصح شيء عنه، وهو من أثبت شيء في الإيمان بالقدر، وهو: ما شئتَ كان وإنْ لم أشأ ... وما شئتُ إنْ لم تَشأ لم يكن ج خَلقْتَ العِبادَ على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمُسِن على ذا مَثَنْتَ وهذا خَذلْت ... وهذا أعنت، وذا لم تُعن فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح، ومنهم حسن

ب) القائم بتدبير خلقه، في إيجادهم، وفي أرزاقهم، وفي حفظهم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ذينك المعنيين، وتفصيل الكلام عليهما في زاد المسير: (1/302) ، ومفاتيح الغيب: (7/8) ، وروح المعاني: (3/8) ، وشرح أسماء الله الحسنى: (56) ، والمنهاج في شعب الإيمان: (1/200) والأسماء والصفات: (47-48) ، والدر المنثور: (1/327) .

وحاصل المعنى لصفة القيومية لذات ربنا علية أنه قائم بنفسه مقيم لغيره، والأمر الثاني متوقف على الأول، لأنه لا يتأتى قيام كل موجود به إلا إذا كان قائماً بذاته – سبحانه وتعالى – وذانك المعنيان لا يتصف بها أي مخلوق كان، اجتماعاً أو افتراقاً، إنما هما خاصان بربنا الرحمن، قال الله – جل وعز –: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} فاطر41، وقال – جل جلاله –: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الرعد33، والمعنى: هل يستوي شأن من هو حفيظ على كل نفس، عليم بها، رقيب عليها، مهيمن على جميع أحوالها بشأن من هو ليس كذلك من الآلهة المزيفة التي تعبد من دون الله – جل وعلا –؟ فهي لم تخلق عابديها، ولا تستطيع حفظهم، ولا مراقبة أعمالهم، وليس لها هيمنة عليهم في حال من أحوالهم، فـ (من مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: كمن ليس كذلك، وسبب حذفه دلالة السياق عليه، فاكتفى بذلك عن ذكره، قال – جل وعلا –: " وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء" أي: أعلمونا بهم، واكشفوا عن حالهم، فهم لا حقيقة لهم، ولا يملكون لأنفسهم نفاً ولا ضراً، وقد جاء الخير مثبتاً في آيات كثيرة، مصرحاً بتلك الحقيقة، فمن ذلك قول الله – تبارك وتعالى –: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (¬1) } ¬

_ (¬1) من سورة النحل: (17) وجاءت الآية بعد أن عدد الله نعمه على عباده في عشر آيات سابقة وسورة النحل تسمى بسورة النعيم ورد ذلك عن قتادة – رحمه الله تعالى – في تفسير ابن أبي حاتم كما في الإتقان: (1/193) وفيه قال ابن الفرس: لما عدد الله فيها من النعم على عباده، وابن الفرس هو عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم له كتاب أحكام القرآن، من غرناطة توفي سنة 597- عليه رحمة الله تعالى – كما في هدية العارفين: (5/629) ، وانظر معنى آية الرعد في تفسير ابن كثير: (2/516) ، وروح المعاني: (13/159-162) ، ومحاسن التأويل: (9/366-368) وفي قوله: " وَصُدُّواْ" قراءتان متواترتان بضم الصاد وفتحها، قرأ بالأولى خمسة من القراء العشرة وهم الكوفيون ويعقوب كما في تقريب النشر: (129) وقراءة الضم: صُدُّوا عن الحق بما زين لهم من الضلال والمكر. انظر كتب التفسير المتقدمة، وحجة القراءات: (373-374) .

النحل17، وقال – جل وعلا –: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً} الفرقان3. قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: تقدم أن الحياة التامة تقتضي القيام بالنفس وعدم الاحتياج إلى الغير، وقد أكدت تلك الدلالة في اسم ربنا الحي مرة ثانية في اسم ربنا القيوم، مع إفادة قيام جميع المخلوقات به أيضاً، فهو القائم نفسه المقيم لغيره، فبه قيام جميع الكائنات والأكوان، ولتضمن الحي القيوم ذينك الأمرين، صار ذلك الاسمان الكريمان، مشتملين على جميع صفات ربنا الرحمن، فكل صفة يتصف بها ربنا – جل جلاله – لا تكون إلا بعد كونه حياً وما يترتب علي صفاته من آثار، من مخلوقاته من إيجاد أو عدم، ومنع وإنعام، لا يتم إلا بعد كونه قيوماً فعادت جميع صفات ربنا إلى الحي القيوم، وآلت إليهما، فهما أساس الكمالات، وما سبب التنزه عن النقائص والآفات، فالحياة الكاملة، والقيومية التامة توجب ذينك الأمرين وتحتمهما، وعن صفات الرب المجيد تتفرع سائر مباحث التوحيد ن بل إن جميع ما يجري في الكون علويه وسفليه، من عرشه إلى فرشه من آثار صفات ربنا – عز وجل – ولذلك كان الإيمان بصفات الرحمن أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان، وهو مبدأ الطريق، ووسطه وغايته، فهو روح السالكين، وهاديهم، إلى رب العاملين، كما تقدم تقرير ذلك فتذكر ولا تكن من الغافلين.

ولدلالة الحي القيوم على تلك الاعتبارات، كانت آية الكرسي سيدة الآيات – كما تقدم بيان هذا عن خير البريات – عليهم أزكى السلام وأفضل الصلوات – وقد نبه نبينا – عليه صلوات وسلام ربنا – على منزلة الاسمين حال اقترانهما، فاعتبرهما الاسم الأعظم لخالقنا ففي سنن ابن ماجه، ومستدرك الحاكم عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن اسم الله الأعظم في ثلاث سورة من القرآن، في سورة البقرة، وآل عمران، وطه"، قال القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي الراوي عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: فالتمستها: إنه الحي القيوم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر سنن ابن ماجه – كتاب الدعاء – باب اسم الله الأعظم –: (2/1267) ووفقه تارة على القاسم، وفعه في رواية أخرى عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد أورد الحافظ في الفتح: (11/224) رواية ابن ماجه المرفوعة وسكت عنها، وهي على شرط الحافظ في درجة الحسن على أقل تقدير، وانظر الرواية في المستدرك أيضاً – كتاب الدعاء –: (1/505، 506) وأوردها الذهبي في تلخيص المستدرك وسكت عنها، وعزاه السيوطي في الدر المنثور: (1/325) إلى ابن أبي الدنيا في الدعاء، وإلى الطبراني، وابن مردويه، والهروي في فضائله، والبيهقي في الأسماء والصفات 10هـ وورد الحديث في المسند: (6/461) من رواية أسماء بنت مريد – رضي الله تعالى عنها – قالت: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في هذين الآيتين: "اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" و "الم اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" إن فيهما اسم الله الأعظم"..والحديث رواه الترمذي في كتاب الدعوات – باب ما جاء في جامع الدعوات عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (9/155) وقال: هذا حديث حسن صحيح وأبو داود في الصلاة – باب في الدعاء –: (2/168) والدارمي – فضائل القرآن – باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي: (2/450) وابن ماجه في المكان المتقدم، لكن فيهما آية: " وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ " البقرة 163 بدل آية الكرسي، وانظر فتح الباري: (11/224) ،وقد تساهل الإمام ابن كثير – عليه رحمة الله تعالى – في تفسيره: (1/307) حيث نسب رواية السنن الثلاثة إلى رواية المسند وحكم عليهما بأنهما سواء، ونقل كلامه الشيخ البنا – رحمه الله تعالى – في بلوغ الأماني: (18/92) وأقره، هذا وقد أخرج الدارمي رواية المسند المتقدمة في كتاب فضائل القرآن – باب فضل سورة البقرة وآل عمران عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – موقوفاً، وفيه: أن رجلا ً قرأ عنه عبد الله – رضي الله تعالى عنه – سورة البقرة وآل عمران، فقال: قرأت سورتين فيهما اسم الله الأعظم إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، وانظر تفصيل الكلام على اسم الله الأعظم في الفتح: (11/224-225) ، وتحفة الذاكرين: (51-53) .

وذلك لاقتران الحي القيوم في تلك السور فقط فالآية الأولى آية الكرسي وهي في سورة البقرة: (225) ، والثانية قول الله – جل جلاله – في فاتحة سورة آل عمران: آلم " اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ"، والثالثة في سورة طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} طه111، قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – في قصيدته الكافي الشافية: وله الحياة ُ كما لُها فلأجل ِ ذا ... ما لِلمَمات عليه من سُلطان وكذلك القيومُ من أوصافِه ... ما لِلمَنام عليه من غَشَيَان وكذاك أوصاف الكمال جميعها ... ثَبتتْ له ومدارُها الوصْفان فمصحح الأوصاف والأفعال والأسماء ... حقاً ذانك الوَصْفان ج ولأجل ذا جاء الحديث بأنه ... في آية الكرسي وذي عمران اسمُ الإله الأعظم اشْتَملا ... على اسم الحي القيوم مقترنان فالكل مرجعها إلى الاسمين يَدْ ... ري ذام ذو بَصَر ٍ بهذا الشان (¬1) ¬

_ (¬1) انظر العقيدة النونية المسماة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية: (33) .

.. ولهذا الاسمين المباركين، خواص عجيبة مجربة محققة، وأدلتها محكمة موثقة، فالإكثار من ذكرهما، والالتجاء إلى الله الكريم بهما، يكسب القلوب، صلة وثيقة بعلام الغيوب، فتزول عن العبد الهموم والكروب، ثبت في سنن الترمذي عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا أهمه الأمر رفع رأسه إلى السماء، فقال: "سبحان الله العظيم" وإذا اجتهد في الدعاء، قال: "يا حي يا قيوم"، وفي سنن الترمذي أيضاً عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم– إذا كربه أمر، قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث (¬1) ¬

_ (¬1) انظر الرواية الأولي في سسن الترمذي – كتاب الدعوات – باب ما يقول عند الكرب –: (9/133) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، هذا ما ورد في الطبعة الحمصية، وكذلك في الطبعة المصرية: (5/496) ، وفي طبعة عارضة الأحوذي: (13/50) الاقتصار على الحكم عليه بالغرابة، وكذلك في تحفة الأحوذي: (4/242) وذلك ذكر الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (4/293) لكنه قال: وللحديث شواهد بمعناه يقوى بها، وانظر الفتوحات الربانية: (4/6) وانظر الحديث الثاني في سنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب "99": (9/185) قال الترمذي: وهذا حديث غريب 10هـ وما قبله يشهد له ن وفي الفتوحات الربانية: (4/5) نقلا ً عن الحافظ في تخريج أحاديث الأذكار، قال: وقد وقع لنا حديث أنس – رضي الله تعالى عنه – من وجه آخر أقوى من هذا ن لكنه مختصر ثم أخرجه من طريقين عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن أنس – رضي الله تعالى عنه – قال: كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم –: "يا حي يا قيوم"، حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة، وله شاهد حسن من حديث علي – رضي الله تعالى عنه – 1هـ وانظر تحفة الذاكرين: (195-196) ، وحديث أنس – رضي الله تعالى عنه – عند ابن خزيمة رواه البيهقي في الأسماء والصفات: (114) والحديث رواه البيهقي في الأسماء والصفات: (113) عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا نزل به كرب، قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث"، ورواه الحاكم في المستدرك – كتاب الدعاء –: (1/509) ولفظه: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا نزل به هم أو غم قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بوجود انقطاع فيه ومن ليس بحجة أيضاً.

". وثبت في المستدرك وغيره بإسناد صحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – علم ابنته فاطمة – رضي الله تعالى عنها – أن تدعو ربها صباحاً ومساء بذينك الاسمين المباركين قال أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لفاطمة – رضي الله تعالى عنها –: "ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ تقولين إذا أصبحت، وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين (¬1) ". ... وقد عول الصالحون على مداواة قلوبهم بالاستغاثة بالحي القيوم، قال الإمام بن القيم – رحمه الله تعالي –: ومن تجريبات السالكين، التي جربوها فألفوها صحيحة: أن من أدمن: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، أورثه ذلك حياة القلب والعقل، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – شديد اللهج بها جداً وقال لي يوماً: لهذين الاسمين، وهما "الحي القيوم" تأثير عظيم في حياة القلب، وكان يشير إلى أنهما الاسم الأعظم، وسمعته يقول: ومن واظب أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر، وصلاة الفجر، على: يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث، حصلت له حياة القلب، ولم يمت قلبه (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر المستدرك – كتاب الدعاء –: (1/545) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وانظره في عمل اليوم والليلة لابن السني: (28) ونقله عنه النووي في الأذكار، وحكم عليه الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على الأذكار بالحسن، وانظره في الأسماء والصفات: (112) . (¬2) انظر مدارج السالكين: (1/448، 3/264) ، وفي لوامع البينات: روي عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أنه كان يقول أسماء الله الحسي القيوم 10هـ.

أثر ذينك الاسمين من أسماء رب العالمين في حياة المؤمنين الصادقين، إن علم العباد بأن ربهم – جل وعلا – حي لا يموت، قائم بنفسه، وقيام كل شيء به، يلزم منه تعليق قلوبهم بربهم، وإعراضهم عما سواه، وسكونهم إليه، ونفرتهم مما عداه، فبالحي القيوم يتعززون، وبغيره لا يبالون، وباطلاع القائم على أمورهم يكتفون، وبنظر غيره لا يأبهون، فمن عدا الحي القيوم، عاجز مثلهم، فالتعلق به كتعلق الفريق بالفريق، قال الله – جل وعلا –: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الأعراف194، وقال – جل جلاله –: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الرعد16.

.. روى الحاكم في المستدرك، والطبراني في المعجم الأوسط عن سهل بن سعد – رضي الله تعالى عنهما – قال: جاء جبريل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا محمد: عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزة استغناؤه عن الناس (¬1) . ... أي والله، إن عز المؤمن استغناؤه بربه، ففي القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء ألبته، إلا الأنس بذكر الحي القيوم، والتوكل عليه في جميع الشئون، فهذا الذي يسد الخلة، ويغني الفاقة فيكون صاحبه غنياً بلا مال، عزيزاً بلا عشيرة، مهيباً بلا سلطان، وإذا انحرف الإنسان عن ذكر الحي القيوم، والتوكل عليه، فحاله بضد ذلك، فهو الفقير مع كثرة ماله، وهو الذليل مع قوة سلطانه، وهو الحقير مع كثرة عشيرته وأعوانه، ورحمة الله على رابعة العدوية عندما قررت هذا بقولها: ¬

_ (¬1) انظر المستدرك – كتاب الرقاق –: (4/325) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وانظر رواية الطبراني في المجمع: (2/252-253) ، وقال الهيثمي فيه زافر بن سليمان، وثقه أحمد وابن معين وأبو داود، وتكلم فيه ابن عدي، وابن حبان بما لا يضر، وذكره الهيثمي أيضاً في: (10/219) ، وقال: إسناده حسن 1هـ وبذلك حكم عليه المنذري في الترغيب والترهيب: (1/431) ، وقد عزاه الإمام العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (3/237) إلى أبي الشيخ في كتاب الثواب، وأبي نعيم في حلقة الأولياء.

أحببتُ حبيباً لا أعاب بحبه ... وأحببتم من في هواه عُيوب (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صيد الخاطر: (106) ، وتقرير الكلام السابق في الوابل الصيب: (85) ، وانظر قصة طريفة جرت مع الفضيل بن عياض وابنته – عليهما جميعاً رحمة الله تعالى – عندما خشيت من كون والدها يحبها مع الله، فقالت له: أفرد اله بالمحبة، واجعل لي منك الرحمة، أي يكون حبك لي حب رحم جعلها الله في قلب الوالد لولده لا محبة مع الله – جل وعلا –. كما في روضة المحبين: (293) .

.. قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: إن حاجة العبد إلى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً في محبته، ولا في خوفه، ولا في رجائه، ولا في التوكل عليه، ولا في العمل له، ولا في الحلف به، ولا في النذر له، ولا في الخضوع له، ولا في التذلل والتعظيم، والسجود، والتقرب، أعظم من حاجة الجسد إلى روحه، والعين إلى نورها، بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به، فإن حقيقة العبد روحه، ولا صلاح لها إلا بإلهها الذي لا إله إلا هو، فلا تطمئن في الدنيا إلا بذكره، وهي كادحة إليه كدحاً، فملاقيته، ولا بد لها من لقائه، ولا صلاح لها إلا بمحبتها، وعبوديتها له، ورضاه وإكرامه لها، ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل لك يدم له ذلك، بل يتنقل من نوع إلى نوع، ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت ثم يعذب ولابد في وقت آخر، وكثيراً ما يكون الذي يتنعم به ويتلذذ له غير منعم له، ولا ملذ له، بل قد يؤذيه اتصاله به، ووجوده عنده، ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأظافر التي تحكه، فهي تدمي جلده، وتخرقه، وتزيد في ضرره، وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله – جل وعلا – هو عذاب عليه ومضرة وألم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب، والعاقل يوازن بين الأمرين، ويؤثر أرحمهما وأنفعهما، والله الموفق المعين، وله الحجة البالغة، كما له النعمة السابقة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر طريق الهجرتين وباب السعادتين: (69-70) وذكر ما يقرره بمثال رائع في: (19) وانظر مدارج السالكين: (3/363) فما بعدها فذكر كلاماً جزلاً حلواً قرر فيه أن الرجل هو الذي يخاف موت قلبه، لا موت بدنه.... إلخ.

وإذا أقبل العبد على الحي القيوم، وأعرض عمن هو فان معدوم، فإن الله – جل وعلا – سيكون له، ويتولى أمروره، فيجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب. روى الإمام الذهبي – عليه رحمة الله تعالى – في تذكرة الحفاظ: أن الرحلة في طلب العلم جمعت بين المحمدين الأربعة: ابن جرير، وابن خزيمة، وابن هارون الروياني في مصر، فأرملوا، ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وجاعوا، فاجتمعوا في بيت واقترعوا على أن من خرجت عليه القرعة يسأل، فخرجت على ابن خزيمة، فقال: أمهلوني حتى أصلي، وقام يصلي فإذا هم بشمعة وخِصِي من قبل أمير مصر، ففتحوا، فقال: أيكم محمد بن نصر؟ فقيل: هذا فأخرج صرة فيها خمسون ديناراً فدفعها إليه، ثم قال: أيكم محمد بن جرير؟ فأعطاه مثلها، ثم كذلك بابن خزيمة، وبالروياني، ثم حدثهم فقال: إن الأمير كان قائلا ً بالأمس، فرأى في النوم أن المحامد جياع قد طووا فأنفذ إليكم هذه الصرر، وأقسم عليكم إذا نفذت فعرفوني (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تذكرة الحافظ: (2/753) ، وفي الإحياء: (4/263-264) قصة تشبه هذه حاصلها أن حذيفة المرعشي صحب إبراهيم بن أدم، وخدمه في طريقه إلى مكة – رحمهما الله تعالى – قال: فبقينا في طريق مكة أياماً لم نجد طعاماً، ثم دخلنا الكوفة، فأوينا إلى مسجد، فنظر إليّ إبراهيم، وقال: يا حذيفة أرى بك جوعاً، فقلت: هو ما رأى الشيخ، فكتب في قرطاس: أنا حامدٌ أنا شاكِرْ أنا ذاكرٌ ... أنا جائعٌ أنا شائعٌ أنا عاري هي ستّة ٌ وأنا الضّمينُ لنصفها ... فكن الضمينَ لنِصْفها يا باري مدحي لغيرك لَهَبُ نار ٍ خضتُها ... فأِرْ عُبيدَك من دُخول النار الرقعة إلى أول من يلقاك ... فليتني رجل على بغلة فناولته الرقعة ثم دفع إليّ الرقعة، وقال اخرج، ولا تعلق قلبك، بغير الله – جل وعلا – وادفع فلما وقف عليها بكى، وقال: ما فعل صاحب هذه الرقعة؟ فقلت: هو في المسجد الفلاني، فدفع إلى صرة فيها ستمائة دينار، ثم لقيت رجلا ً آخر، فسألته عنه، فقال: هذا نصراني، فرجعت إلي إبراهيم ثم جاء الرجل، وأكب على رأس إبراهيم يقبله، وأسلم 10هـ وقد جرت عادة كثير من العلماء الكرام مقابلة صفات النقص فيهم بصفات الكمال في ربهم، طلباً لرحمة الله، وامتثالا ً لما ورد في القرآن الكريم، من أمثال قول رب العالمين: "وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء" محمد 47، فالرازي يقول في مفاتيح الغيب: (27/24) : منك الرحمة والفضل والجود والإحسان، ومني: العجز والذلة والخيبة والخسران، والألوسي يقول كما في أعيان القرة الثالث عشر: (50) : أنا مذنب أنا مجرم أنا خاطي ... هو غافرٌ هو راحم هو عافي ج قابلتهن ثلاثة بثلاثة ... وستغْلِبَنْ أوصافُه أوصافي واعلم أن سؤال المخلوقين من غير ضرورة حرام، ويباح عند الضرورة، ولا يجب وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام – عليه رحمة الرحيم الرحمن – ونقله عنه تلميذه ابن القيم الهمام – أسكنه الله غرف الجنان – فقال: وكان شيخنا يشير إلى أنه لا يجب الطلب والسؤال، وسمعته يقول في السؤال هو ظلم في حق الربوبية، وظلم في حق الخلق، وظلم في حق النفس، أما في حق الربوبية: فلأنه يذل سؤاله وفقره، وذله واستعطاءه لغير الله _ جل وعلا – وذلك نوع من العبودية، فوضع المسألة في غير موضعها، وأنزلها بغير أهلها، فأراق ماء وجهه لغير خالقه، وظلم توحيده وإخلاصه وفقره إلى الله، وتوكله عليه، ورضاه بقسمه، واستغنى بسؤل الناس عن مسألة رب الناس، وذلك كله يهضم من حق التوحيد ويطفئ نوره، ويضعف قوته. وأما ظلمه للخلق المسئولين: فلما في ذلك من منازعتهم ما في أيديهم بالسؤال، واستخراجه منهم، وأبغض ما إليهم، من يسألهم ما في أيديهم: من لا يسألهم، فإن أموالهم محبوباتهم، ومن سألك محبوبتك فقد تعرض لمقتك وبغضك، ولأنه يعرضك لمشقة البذل، أو لوم المنع، وأما ظلم السائل نفسه: فحيث امتهنها وأنزلها أدنى المنزلتين، ورضى لها بأبخس الحالتين، فأقامها في ذل السؤال ورضى لها بذل الطلب ممن هو مثله، أو لعل السائل خير منه، وأعلى قدراً، وترك سؤال من ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فقد أقام السائل نفسه مقام الذل، وأهانها بذلك، ورضي أن يكون شحاذ مثله، فإن من تشحذه فهو أيضاً شحاذ مثلك، والله وحده هو الغني الحميد، فسؤال المخلوق للمخلوق سؤال الفقير للفقير، والرب – تبارك وتعالى – كلما سألته كرمت عليه، ورضي عنك، وأحبك، والمخلوق كلما سألته هنت عليه، وأبغضك، وقلاك ومقتك، كما قيل: لا تسألن بني آدم حاجة ً ... وسل الذي أبوابُه لا تحجبُ الله يغضب إن تركت سُؤاله ... وبني آدم حين يُسأل يغضبُ وقبيح بالعبد المريد، أن يتعرض لسؤال العبيد، وهو يجد عند مولاه المجيد، كل ما يريد نسأل الله أن يصون ماء وجوهنا، وأن يحفظنا مما فيه إذلالنا، إلا إليه ففي ذلك عزنا وسعادتنا إنه سميع مجيب، انظر ذلك مع شيء من التصرف فيه في مجموع الفتاوى: (1/190-191) ، ومدارك السالكين: (../131-132، 2/232-233) .

4- "لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ": ... السنة: هي النعاس. وهي: فتور يتقدم النوم، وتسترخي به أعضاء الجسم، وليس بنوم، قال عدي بن الرقاع العاملي في قصيدة بمدح الوليد بن عبد الملك: وَسْنَانُ أقْصَدَهُ النعاسُ فرَنّقّتْ ... في عينه (سِنة ٌ) وليس بنائم ... ففرق بين السنة والنوم، كما ترى، لأن السنة هي: النعاس، يقال: رجل وسنان، ونعسان بمعنى واحد، فالسنة نعاس يبدأ في الرأس، ويظهر أثره مباشرة على الوجه، وبخاصة في العين، فإذا امتد النعاس إلى القلب، واستولى عليه فهو النوم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تقرير ذلك وتوضيحه في اللسان: (17/340) "وسن" وروح المعاني: (3/8) وعدي بن الرقاع شاعر إسلامي، انظر ترجمته في الأغاني: (8/172) ، وانظر نسبة البيت إليه في مجاز القرآن: (1/78) ، وتفسير غريب القرآن: (93) ، والقرطين: (1/84) ، وتفسير الطبري: (3/5) ، وغريب القرآن للسيجستاني: (103) ، والكشاف: (1/384) ، وشواهده: (4/517) وزاد المسير: (1/8303) ، والمجامع لأحكام القرآن: (3/272) وإرشاد العقل السليم: (248) والسراج المنير: (1/168) ، والأغاني: (8/181) ، والأمالي للمرتضى: (1/111) ، وسمط اللآلئ: (1/521) ، والكامل: (1/127) ، واللسان أيضاً: (11/419) "رنق". ومعنى "أقصده": أصابه، ومنه: أقصد السهد، أي: أصاب فقتل، كما في اللسان: (4/357) "قصد"، ومعنى "رنق": خالط كما في اللسان أيضاً: (11/419) "رنق" والمعنى: أصابه النعاس، فخالط عينيه، ولم يصل إلى قلبه، فهو وسنان، وليس بنائم.

.. وتفسير السنة بالنعاس هو المنقول عن السلف الأكياس، روى ابن جرير في تفسيره، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أنه قال في تفسير قول الله – تبارك وتعالى –: "لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" السنة: النعاس، والنوم: هو النوم، وأخرج عنه أيضاً ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والطستي في مسائله أن نافع بن الأزرق، قال له: أخبرني عن قوله – جل وعلا – "لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ"، قال: السنة: الوسنان، الذي هو نائم، وليس بنائم، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهير بن أبي سلمي، وهو يقول: ولا سِنَة ٌ طولَ الدّهر تأخذهُ ... ولا ينامُ وما في أمره فَنَدُ "فساد" ... وهذا التفسير منقول عن الحسن البصري، وقتادة، ويحيى بن رافع، والضحاك، والربيع بن أنس – رحمهم الله جميعاً – (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر أثر ابن عباس الأول في جامع البيان: (3/5) ، والأسماء والصفات: (48) ، ورواه عنه آدم بن أبي إياس، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة كما في الدر: (327) ، وفيه نسبة الأثر الثاني إليه أيضاً عمن تقدم ذكره، وانظر أثر الحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، ويحيى بن رافع في تفسير الطبري: (3/5-6) ، وفيه أيضاً أثر الضحاك، ورواه عنه عبد بن حميد، وأبو الشيخ كما في الدر: (1/327) ، واعلم أن ما نقله القرطبي: (3/272) عن المفضل الضبي من التفرقة بين السنة والنعاس مقيداً السنة بما كان في الرأس، والنعاس بما كان في العين، وحكى ذلك القول المقرئ في المصباح المنير: (2/631) بقيل، فلا يخرج عما تقدم، لأن العين في الرأس، وهي من جملة أعضائه، وبها يستدل على حصول ذلك الأمر. وما رواه الطبري: (3/5) ، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن المنذر كما في الدر: (1/327) عن السدي من أن السنة هي ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان، وروى ذلك البيهقي في الأسماء والصفات: (354) عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –، وحكى لذلك المقري في المصباح المنير: (2/631) بقيل أيضاً، فلا يخرج أيضاً عما تقدم فاعلم ولذلك قال القرطبي في تفسيره: (3/272) : والسنة: النعاس.

وأما النوم، فقد تقدم أن النعاس إذا امتد من الرأس إلى القلب، واستولى عليه حصل النوم وهو معروف، وتقدم عن ترجمان القرآن – عليه الرحمة والرضوان – أن النوم هو النوم، وفي التعريفات النوم: حالة طبيعية تتعطل معها القوى بسبب ترقي البخارات إلى الدماغ، وفي المفردات: النوم فُسِر على أوجه كلها صحيح بنظرات مختلفة، قيل: هو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه، وقيل: هو أن يتوفى الله النفس من غير موت، وقيل: النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر التعريفات للشريف الجرجاني: (222) ، والتعريفات للراغب الأصفهاني: (510) – كتاب النون –، وانظر روح المعاني: (3/8) وفيه: النوم بديهي التصور يعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأساً.

واعلم – علمني الله وإياك – أن هاتين الصفتين سلبيتان منتفيتان عن ربنا الرحمن وتقدم في هذا الكتاب المبارك أن من الخصائص اللازمة الضرورية للصفات المنفية: توكيد الصفات الثبوتية، وتقرير معانيها العلية، فكل نفي لا يراد منه إثبات ما يضاده فلا مدح فيه، وهو مما لم يصف الله – جل وعلا – به نفسه، وعليه فمجيء هاتين الصفتين المنفيتين، يراد منه توكيد ما سبقهما من الصفتين الثابتتين، وهما الحياة والقيومية لذات ربنا العلية، وبيان حقيقتهما بصورة واضحة جلية. فحياة ربنا الجليل كاملة تامة، وهذا ما أفاده تعريف الركنين في قوله – جل وعلا –: "اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (¬1) ¬

_ (¬1) ذكر الإمام الألوسي في روح المعاني: (3/6) سبعة أوجه في إعراب "الحي" واعتبر كونه خبراً ثانياً للفظ الجلالة في الوجه الأول من تلك الأوجه، وخيراً لمبتدأ محذوف تقديره: هو الحي في الوجه الثاني، واقتصر ابن الأنباري في البيان في إعراب غريب القرآن: (1/168) على ثلاثة أوجه فانظرها إن شئت، ووقع الاقتصار في روح البيان: (1/399) على الوجه الأول الوارد في روح المعاني..

" ويلزم من ذلك الكمال والتمام: الاستمرار والدوام، فلا يشوب حياة ربنا – جل وعلا – فتور، ولا يعتريها ذهول، لأن ذلك نقصان مبين، تتنزه عنه حياة رب العالمين، وإذا انتفى عن ربنا – جل جلاله – السنة والموت الأصغر – وهو النوم – لأنها نقص، فانتفاء الموت الأكبر عنه من باب أولى، لأنه موت (¬1) . ¬

_ (¬1) والنوم موت بنص القرآن، ويقال له موت أصغر، ووفاة صغرى، كما يقال للموت الذي تحصل بسببه مفارقة الحياة الدنيا موت أكبر، ووفاة كبرى، وقد جمعها الله سورة الأنعام: (60-61) مقدماً الوفاة الصغرى على الكبرى فقال – جل وعلا –: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} ، كما جمعهما أيضاً في سورة الزمر: (42) مقدماً الوفاة الكبرى على الصغرى، فقال - جل جلاله –: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه يقول إذا أخذ مضجعه لينام "باسمك اللهم أموت وأحيا"، فإذا استيقظ من منامه قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" انظر الحديث من رواية حذيفة بن اليمان وأبي ذر – رضي الله تعالى عنهم – في صحيح البخاري – كتاب الدعوات – باب ما يقول إذا أصبح: (11/130) وفي كتاب التوحيد – باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها –: (13/378-379) وانظره فيه من رواية حذيفة أيضاً في كتاب الدعوات – باب ما يقول إذا نام: (11/113) ، وباب وضع اليد تحت الخد الأيمن: (11/115) بشرح ابن حجر في الجميع، وانظر رواية أبي ذر في المسند: (5/154) ورواية حذيفة فيه أيضاً: (5/385، 387، 397، 399، 407) ، وسنن أبي داود – كتاب الأدب – باب ما يقول عند النوم: (5/300) ، وسنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب ما يدعو به عند النوم: (9/117) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الدعوات – باب ما يدعو به إذا انتبه من الليل: (2/1277) مقتصراً على الشطر الأخير منه، وانظر الحديث من رواية البراء بن عازب – في المسند: (4/293، 302) ، وصحيح مسلم – كتاب الذكر والدعاء: (59) .

وهذه اللوازم قررتها جملة " تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" ووضحتها، فقوله – جل وعلا –: " اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ" إثبات كمال الحياة لرب الأرض والسموات، وقوله – جل شأنه –: " تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" تقرير لذلك الإثبات وإيضاح له بأدلة بينات. وخلاصة الكلام: إن حياة ربنا الرحمن ثابتة على وجه التمام، فلا نقص فيها، ولا زوال يعتريها وقد دل على ذلك الجملة الثبوتية، وقرره ما ورد من نفي السنة والنوم عن ذات ربنا العلية، وهما من الصفات السلبية.

وما قيل في علاقة نفي السنة والنوم عن رب الأرض والسموات مع ما يتصف به من صفة الحياة، يقال – أيضاً – في صفة القيومية فهو القائم بنفسه المقيم لغيره، فلا نقص يعتريه، ولا غفلة تحل فيه، ولا تصيبه الآفات، ولا تناله العاهات، دل على هذا صفة القيومية لرب البريات، وأكد ذلك المعنى نفي السنة والنوم، وهما من الصفات السلبيات، قال الخطيب الشربيني – رحمه الله تعالى –: جملة " تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" نفيٌ للتشبيه بينه – جل وعلا – وبين خلقه، وتأكيد لكونه حياً قيوماً، فإن من أخذه نعاس أو نوم كان بآفة تخل بالحياة، قاصراً في الحفظ والتدبير، ولذلك ترك العاطف فيه وفي الجمل التي بعده، ومثله في روح المعاني: (3/28) ، وروح البيان: (1/400) وفي تفسير القرطبي: (3/272) قال البيهقي، ورأيت في "عيون التفسير" لإسماعيل الضرير في تفسير "القيوم" قال: يقال: هو الذي لا ينام، وكأنه أخذه من قوله – عز وجل – عقبه في آية الكرسي: " تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" وفي مدارك التنزيل: (1/169) " تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" تأكيد للقيوم، لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوماً، وقال الإمام ابن جرير – عليه الرحمات –: وإنما عنى – تعالى ذكره – بقوله: " تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" لا تحله الآفات، ولا تناله العاهات، وذلك أن السنة والنوم معنيان يغيران فهم الفهم ويزيلان من أصاباه عن الحال التي كان عليها قبل أن يصيباه، فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا: الله لا إله إلا هو الحي القيوم الذي لا يموت، القيوم على كل ما هو دونه بالرزق والكلاءة، والتدبير والتصريف من حال إلى حال، ولا تأخذه سنة ولا نوم، لا يغيره ما يغير غيره، ولا يزيله عما لم يزل عليه تنقل الأحوال، وتصريف الليالي والأيام، بل هو الدائم على حال، والقيوم على جميع الأنام، لو نام كان مغلوباً مقهوراً، لأن النوم غالب النائم قاهره، ولو وسن لكانت السموات

والأرض وما فيهما دكاً لأن قيام جميع ذلك بتدبيره وقدرته، والنوم شاغل المدبر عن التدبير، والنعاس يمانع المقدر عن التقدير بوسنه (¬1) . قال عبد الرحيم الطحان: يتعلق بنفي السنة والنوم عن رب الأنام، ثلاثة مباحث عظام، فدونكها يا طالب العلم بأدلتها المحكمة الحسان: أ) ثبت عن نبينا المختار – صلى الله عليه وسلم – نفي النوم عن العزيز الغفار، كما ورد نفي ذلك في كلام الواحد القهار، وقد تقدم ما رواه الإمام مسلم وغيره من الأخيار – عليهم رحمة العزيز الغفار – عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – قال: قام فينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بخمس كلمات، فقال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور – وفي رواية: النار – لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر السراج المنير: (1/168) ، وروح المعاني: (3/8) وتفسير الطبري: (3/6) ونحوه في تفسير ابن كثير: (1/308) . (¬2) سبق تخريجه تخريجاً مفصلا ً في صفحة: (.....) من هذا الكتاب المبارك.

.. وقد سأل بنو إسرائيل نبي الله موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – عن نوم الرحمن – جل جلاله – فأوحى ربنا إليه بما يبين تفاهة السؤال، ويوضح استحالة ذلك عليه بمثال ففي الأسماء والصفات وغيره عن أبي بردة قال: إن موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – قال له قومه: أينام ربنا؟ قال: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين فأوحى الله – عز وجل – إلى موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – أن خذ قارورتين، واملأهما ماء، ففعل، فنعس، فنام فسقطتا من يده فانكسرتا، فأوحى الله – عز وجل – إلى موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام –: إني أمسك السموات والأرض أن تزولا، ولو نمت لزالتا (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الأسماء والصفات ك (48) وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنهما – تابعي ثقة قيل: اسمه عامر، وقيل: الحارث كما في التقريب: (2/349) فالأثر له حكم الإرسال، لأنه لا يدرك بالرأي، وقد أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه، والضياء في المختارة الأثر عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – كما في الدر: (1/327) ، وفيه التصريح بأن السؤال وقع من بني إسرائيل لنبي الله موسي – على نبينا وعليه الصلاة والسلام –. هذا وقد أخرج الأثر الآجري في الشريعة: (305) عن عبد الله بن سلام – رضي الله تعالى عنه – والطبري في تفسيره: (3/6) عن عكرمة مولى ابن عباس وأخرجه أيضاً عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم –، ورواه البيهقي في الأسماء والصفات: (48-49) عن ابن عباس وأبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي بعض تلك الروايات التصريح بأن موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – هو الذي سأل الملائكة الكرام – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام: "هل ينام ربنا؟ " وفي بعضها: أن ذلك السؤال وقع في نفسه، وذلك لا يليق بمقام النبوة كما لا يخفى، ولذلك قال البيهقي في الأسماء والصفات: (49) متن الإسناد الأول أشبه أن يكون هو المحفوظ، وقال القرطبي في تفسيره: (3/273) : ولا يصح هذا الحديث ضعفه غير واحد منهم البيهقي، وقال الرازي في مفاتيح الغيب: (7/9) : واعلم أن مثل هذا لا يمكن نسبته إلى موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – فإن من جوز النوم على الله – عز وجل – أو كان شاكاً في جوازه كان كافراً، فكيف يجوز نسبة هذا إلى موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – بل إن صحت الرواية فالواجب نسبة هذا السؤال إلى جهال قومه، ومثله في لباب التأويل: (1/269) ونقل أبو حيان في البحر: (2/278) عن بعض معاصريه الحكم على تلك الرواية بالوضع، وفي الميزان: (1/276) في ترجمة أمية بن شبل قال الذهبي: له حديث منكر، رواه عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعاً قال: "وقع في نفس موسى: هل ينام الله؟ ... الحديث" رواه عنه هشام بن يوسف، وخالفه معمر بن الحكم عن عكرمة قوله، وهو أقرب، ولا يسوغ أن يكون هذا وقع في نفس موسى، وإنما روى أن بني إسرائيل موسى عن ذلك.

ب) إن قيل: لم قدم نفي السنة، وأخر نفي النوم، وقياس المبالغة يقتضى العكس، لأن السنة إذا انتفت عنه، فانتفاء النوم من باب أولى، فيكون ذكره تكراراً؟ فالجواب من عدة أوجه يجمعها أمران رئيسيان: الأول: إن فسر قوله: "لاَ تَأْخُذُهُ" بمعنى القهر والغلبة أي: لا يغلبه ولا يقهره، فالترتيب على مقتضى الظاهر، وبه تحصل المبالغة، والمعنى: لا تغلبه السنة، ولا النوم الذي هو أكثر غلبة منها، وإلى ذلك ذهب الأئمة ابن كثير، والراغب الأصفهاني، والرازي والخازن وحكاه الألوسي (¬1) – رحمهم الله جميعاً –. الثاني: ... إن فسر الأخذ في وقوله: "لاَ تَأْخُذُهُ" بمعنى العروض والاعتراء، والمعنى لا يعرض له، ولا يعتريه، فالترتيب في الظاهر فيه إشكال، ولدفعه ذكر العلماء عدة أقوال: أ) قدم نفي السنة على نفي النوم مراعاة للترتيب الوجودي، فوجود السنة سابق على وجود النوم، فلذلك نفى السنة. ¬

_ (¬1) انظر تفسير ابن كثير ك (1/308) ، والمفردات – كتاب الألف – "أخذ": (12) ، ومفاتيح الغيب: (7/8) ، ولباب التأويل: (1/68) ، وروح المعاني: (3/8) وذكره الخطيب الشربيني في السراج المنير: (1/168) أيضاً فقال: لما عبر بالأخذ الذي هو معنى القهر والغلبة وجب تقديم السنة كما لو قيل، فلان لا يغلبه أمير ولا سلطان، وحكى هذا القول أيضاً أبو حبان في البحر: (2/278) وقرره بما ورد في المثل: النوم سلطان، لكن أبا السعود رد هذا القول: في تفسيره: (1/248) فقال: المراد بيان انتفاء اعتراء شيء منهما له – سبحانه وتعالى – لعدم كونهما من شأنه – جل وعلا – لا لأنهما قاصران بالنسبة إلى القوة الإلهية فإنه بمعزل من قيام التنزيه، فلا سبيل إلى حمل النظم الكريم على طريقة المبالغة والترقي بناء على أن القادر على دفع السنة قد لا يقدر على دفع النوم القوي.

ب) الكلام وارد على طريق التتميم، وفي ذلك مزيد تأكيد، لأن نفي السنة يقتضي نفي النوم شمناً، فإذا نفى نصاً بعد نفيه ضمناً كان آكد، والكلام أبلغ. جـ) ورد الكلام على أسلوب الإحاطة والإحصاء، وهو متعين فيه مراعاة الترتيب الوجودي، والابتداء من الأخف فالأخف، كما في قوله – جل جلاله – في سورة الكهف: (49) {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} ، ولهذا توسطت "لا" تنصيصاً على الإحاطة وشمول النفي لكل منهما: "لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ". د) قيل: إن تقديم نفي السنة، وتأخير نفي النوم مراعاة لفواصل، وهذا جواب العاجز عن التماس نكتة لذلك الترتيب المعجز، ولا يخفى أن ذلك من ضيق العطن على حد تعبير الإمام الألوسي (¬1) – رحمه الله تعالى –. ج) حظ العبد من معرفته بعدم سنة ربه ونومه: ... اعلم أن حظك أيها الإنسان، من معرفتك بكون الله لا يغفل ولا ينام، أمران عظيمان فراعهما، لتفوز بدرجة الإحسان: ¬

_ (¬1) انظر روح المعاني: (3/8) وفيه سرد لتلك الأجوبة الأربعة، وانظر بعض تلك الأجوبة في السراج المنير: (1/168) وروح البيان: (1/400) ، وإرشاد العقل السليم: (1/248) ، وفتح القدير: (1/1/271) . وانظر معنى التتميم وتعريفه في الفوائد المشوق: (9) ، وفيه: وهو أن تردف الكلام بكلمة ترفع عنه اللبس، وتقربه إلى الفهم، وتزيل عنه الوهم.

الأول: الابتعاد عن الآثام، إجلالا ً لنظر ذي الجلال والإكرام، فنظره إليك متواصل لا يعتريه انفصام فإياك إياك أن تستحي من نظر بني الإنسان، وتهمل نظر من لا يغفل ولا ينام، فتجعل ربك أوهن الناظرين، وهو العلي العظيم، قال رب العالمين: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (¬1) } ¬

_ (¬1) من سورة العلق 9-13 والآيات إلى آخر السورة نازلة في فرعون هذه الأمة اللعين أبو جهل ففي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد – صلى الله عليه وسلم – وجهه بين أظهركم؟ قال فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن علي رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهي ويصلي، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار، وهولا ً وأجنحة، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً" قال: فأنزل الله – عز وجل: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى} العلق إلى آخر السورة. انظر صحيح مسلم – كتاب صفات المنافقين وأحكامهم – باب قوله – " إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى": (4/2154) ، والمسند: (2/370) ، وانظر الكلام عليه في الفتح الرباني: (18/329-331) ، وانظره في تفسير ابن جرير: (30/165) ، ومعالم التنزيل: (7/270) ، والدلائل لأبي نعيم: (66) ، والدلائل للبيهقي: (1/438) ، ورواه ابن مردويه، وابن المنذر كما في الدر: (6/370) ، وقد اقتصر السيوطي في لباب النقول: (239) على نسبة تخريجه على ابن المنذر، وهو قصور ظاهر. والحديث رواه الطبري أيضاً في تفسيره: (30/165) عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – وفيه التصريح بسبب النزول، ورواه عنه دون التصريح بالسببية كل من البخاري – كتاب التفسير – سورة اقرأ – باب " كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ": (8/724) بشرح ابن حجر، والترمذي – كتاب التفسير – سورة اقرأ –: (9/78) ،وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وفيه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه –، ورواه ابن جرير في تفسيره: (30/165) ، وأبو نعيم في الدلائل: (65) ، وأحمد في المسند: (1/248، 368) ، والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد – كتاب التفسير سورة اقرأ – قال الهيثمي: وفيه موسى بن سهل الوشاء، وهو ضعيف، وانظر الأثر في سيرة ابن هشام: (1/299) ففيه ذكر الخبر دون التصريح بسبب النزول، ودون نسبته إلى أحد.

العلق: 9-13 وفي الإحياء: قال رجل للإمام الجنيد – رحمه الله تعالى –: بم أستعين على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه، وفيه أيضاً وفي ذم الهوى، وروضة المحبين أن أعرابياً خرج في بعض ليالي الظلمة، فإذا بجارية كأنها علم – جبل – فأرادها عن نفسها، فقالت: ويلك أمالك زاجراً من عقل إذا لم يكن لك ناهٍ من دين؟ فقال الأعرابي: إيهاً، والله ما يرانا إلا الكواكب، فقالت له: فأين مكوكبها؟ (¬1) . ولله در القائل: إذا ما خلوتَ الدّهْرَ يوماً فلا تَقُلْ ... خَلوتُ ولكن قُلْ عليّ رقيبُ ولا تحسبنَّ اللهَ يغفلُ ساعة ً ... ولا أنَّ ما تُخفيه عنه يغيبُ ألم ترَ أنَّ اليومَ أسْرعُ ذاهبٍ ... وأنَّ غداً للناظرين قريبُ ورحمة الله على القائل: يا كاتِمَ الذنْبِ أما تسْتحي ... واللهُ في الخلْوةِ رَائيكا غَرَّكَ مِنْ ربك إمهالُهُ ... وَستْرُهُ طُولَ مَسَاويكا ¬

_ (¬1) انظر الإحياء: (4/385) ، وذم الهوى: (272) ، وروضة المحبين: (395) ، القصة ذكرها المناوي في فيض القدير: (1/551) .

.. قال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله تعالى –: وبلغنا أنَّ بعض المتعبدات البصريات وقعت في نفس رجل مهلبي، وكانت جميلة، وكانت تخطب فتأبى، فبلغ المهلبي أنا تريد الحج، فاشترى ثلاثمائة بعير، ونادى من أراد الحج فليكتر من فلان المهلبي، فأكترت منه، فلما كان في بعض الطريق جاءها ليلا ً: إما أن تزوجيني نفسك، وإما غير ذلك، فقالت: ويحك اتق الله، فقال: ما هو إلا ما تسمعين، والله ما أنا بجمَّال، ولا خرجت في هذا إلا من أجلك، فلما خافت على نفسها قالت: ويحك انظر أبقي في الرجال أحد لم ينم؟ قال: لا، قالت: عد فانظر، فمضى وجاء، فقال: ما بقي أحد إلا وقد نام، فقالت: ويحك أنام رب العالمين؟ ثم شهقت شهقة وخرت ميتة، وخر المهلبي مغشياً عليه، ثم قال: ويحى قتلت نفساً، ولم أبلغ شهوتي، فخرج هارباً (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ذم الهوى: (277) ، والقصة ذكرها ابن القيم في روضة المحبين: (467) . قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: ليت تلك المرأة البصرية تزوجت لتكمل دينها، ولتنجو من مطامع الطامعين، فالنكاح حصن حصين، وهو خلق الخيار من المؤمنات والمؤمنين وفي المسند: (2/287، 289) بسند صحيح عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مخنثي الرجال، الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال، والمتبتلين من الرجال الذين يقولون: لا نتزوج، والمتبتلات من النساء اللاتي يقلن ذلك، وراكب الفلاة وحده، فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى استبان ذلك في وجوههم، وقال: البائت وحده، قال الهيثمي في المجمع: (4/251) : رواه أحمد وفيه الطيب بن محمد وثقه ابن حبان وضعفه العقيلي، وبقية رجال الصحيح 1هـ. قال المنذري في الترغيب والترهيب: (3/105) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح إلا طيب بن محمد وفيه مثال: والحديث حسن، وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند: (14/243) "7842"، (15/10) "8778" إسناده صحيح، وانظر الحديث في التاريخ الكبير: (4/362) وتعليق الشيخ أحمد شاكر على كلامه في تعليقه على المسند. وفي كتاب أخبار النساء: (122) أن رجلا ً رأى جارية من أهل البصرة في الطواف فأعجبته، فدنا منها، فكلمها فلم تلتفت إليه، فلما كان في الليلة الثانية، فقالت له: إليك عني أيها الرجل فإنك في موضع عظيم الحرمة، فلما ألحّ عليها أتت زوجها، فقالت له: تعال معي فأرني المناسك فلما أقبلت مع زوجها كان الرجل ينتظرها في الطريق، فولى منصرفاً، فقالت: تَعْدُو الذئابُ على مَنْ لا كِلابَ لَهُ ... وتَتَّقي مَرْبِضَ المُسْتأسِدِ الحَامي فحدث الخليفة المنصور بهذا الحديث فقال: وددت أنه لم تبق فتاة في خدرها إلا سمعت هذا الحديث.

نسأل الله أن يجعلنا ممن يخشاه كأنه يراه، وممن يترك الحراك إجلالاً لنظر مولاه، إنه سميع الدعاء. الأمر الثاني: ... شد العزم في طاعة رب الأنام، وصف الأقدام إذا جن الظلام، لمناجاة من لا يغفل ولا ينام، فالله الكريم، وإن تفضل على العباد بالمنام، فجعل لهم الليل لباساً، والنوم سباتاً، فقد أمرهم – جل وعلا – بالقيام في جنح الظلام، لمناجاة الحي القيوم الذي لا ينام، فكثرة النوم بطالة، والله لا يحب العبد البطال، ولن يصل العبد درجة المقربين الأخيار، إلا إذا جعل قسماً من الليل كالنهار، فشغله في طاعة العزيز الغفار، وسيأتيك – إن شاء ذو الجلال والإكرام – عند شرح حديث نزول ربنا الرحمن، بيان ما لقيام الليل من فوائد عظام، ينبغي أن يحرص عليها الأكياس من الأنام، وإليك بعض حوادث وقعت لسلفنا الكرام قوت عزائمهم في طاعة الرحمن، لتأثرهم بكون ربنا لا يغفل ولا ينام، ففي كتاب غذاء الألباب نقلا ً عن كتاب المورد العذب للإمام ابن الجوزي – روح الله روحه – أن عبد الواحد بن زيد قال: عصفت بنا الريح في جزيرة في البحر، فإذا برجل يعبد صنماً، فقلنا له: أيها الرجل من تعبد؟ فأومأ بيده إلى الصنم، فقلنا له: إن معنا في المركب من يعمل هذا، فقال: فأنتم من تعبدون؟ قلنا: نعبد الله الحي القيوم، قال: ومن هو؟ قلنا: الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه، وفي الأحياء والأموات قضاؤه، قال: كيف علمتم هذا؟ قلنا: وجه إلينا رسولا ً أعلمنا به، قال: فما فعل الرسول؟ - صلى الله عليه وسلم – قلنا قبضه الله – عز وجل – إليه، قال: فهل ترك عندكم علامة، قلنا: نعم، ترك عندنا كتاب الملك – جل وعلا –.

قال: أرونيه، فأتياه بالمصحف، فقال: ما أعرف هذا، فقرأنا عليه سورة، وهو يبكي، ثم قال: ينبغي لصاحب هذا الكلام أن لا يعصى، فأسلم، وعلمناه شرائع الإسلام، وسوراً من القرآن، فلما جن الليل صلينا، وأخذنا مضاجعنا، فقال: يا قوم الإله الذي دللتموني عليه أينام إذا جن الليل؟ قلنا ك لا يا عبد الله، هو حي قيوم، لا ينام، فقال: بئس العبيد أنتم، تنامون ومولاكم لا ينام، فعجبنا من كلامه، فلما قدمنا عبادان جمعنا له دراهم، وأعطيناها له، وقلنا له: أنفقها، فقال: لا إله إلا الله، دللتموني على طريق لم تسلكوه، أنا كنت في جزيرة في البحر أعبد صنماً من دونه فلم يضيعني، فكيف الآن وقد عرفته؟ فلما كان بعد أيام أتاني آت فقال لي: إنه يعالج سكرات الموت فجئته، وقلت: ألك حاجة؟ فقال: قد قضى حوائجي من عرفتني به، فبينما أنا أكلمه إذ غلبتني عيناي فنمت، فرأيت في المنام روضة وفي الروضة قبة، وفيها سرير عليه جارية أجمل من الشمس تقول: سألتك بالله عجل عليّ به، فانتبهت فإذا به قد مات – رحمه الله تعالى – فجهزته لقبره، ثم رأيته في المنام في القبة، والجارية إلى جانبه، وهو يتلو: {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} الرعد24 (¬1) . ... وفي تفسير روح البيان أن من الأبيات التي كان ينشدها بلال الحبشي – رضي الله تعالى عنه – وقت السحر: يا ذا الذي استَغْرقَ في نومه ... ما نَوْمُ عبد رَبّهُ لا يَنَامْ ¬

_ (¬1) من سورة الرعد: (24) ، وانظر القصة في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: (2/496) ، وفي روح البيان: (1/1401) اشترى رجل مملوكة فلما دخل الليل، قال: افرشي الفراش، فقالت: يا مولاي ألك مولى؟ قال: نعم، قالت: ينام مولاك؟ قال: لا، فقالت: ألا تستحي أن تنام ومولاك لا ينام؟.

أهَلْ تقول إنني مُذنِبٌ ... مُشْتَغِلُ الليل بطيبِ المَنام (¬1) ... وقد أشار رب العالمين، إلى أن استحضار علمنا بنظره إلى مخلوقاته أجمعين يقوي المكلفين على إقامة مقامات الدين، من التوكل على رب العالمين، والجهر بالحق المبين، فقال في كتابه الكريم: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الشعراء217-220،ولما كلف الله – جل وعلا – نبييه الكريمين موسى وهارون – على نبينا وعليهما الصلاة والسلام – بالذهاب إلى فرعون اللعين، فقالا: "إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى" قال لهما ربنا – جل جلاله –: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} طه46. ... وقد صرح نبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم – بأن درجة الإحسان لا تخرج عن حالتين: أ) أن يعبد الإنسان ربه كأنه يراه. ب) إن لم يصل لتك الرتبة فلا أقل من استشعار المكلف برؤية الله الجليل له، في كل عمل بعمله. ¬

_ (¬1) انظر تفسير روح البيان: (1/401) ، وفيه أيضاً: كان رجل له تلميذان اختلفا بينهما، فقال: أحدهما: النوم خير، لأن الإنسان لا يعصى في تلك الحالة، وقال الآخر: اليقظة خير، لأنه يعرف الله – جل وعلا – في تلك الحالة، فتحاكما إلى ذلك الشيخ، فقال: أما أنت الذي قلت بتفضيل اليقظة فالحياة خير لك.

.. ففي حديث جبريل الطويل سال جبريل نبينا – عليهما الصلاة السلام – عن الإحسان، فقال له نبينا – صلى الله عليه سلم –: "الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك (¬1) ¬

_ (¬1) وهو حديث طويل جليل قال ابن حجر في الفتح: (1/152) قال القرطبي: هذا الحديث يصلح أن يقال له: أم السنة، لما تضمنه من جمل علم السنة، وقال الطيبي: لهذه النكتة استفتح به البغوي كتابه "المصابيح" و "شرح السنة" اقتداء بالقرآن الكريم في افتتاحه بالفاتحة لأنها تضمنت علوم القرآن إجمالاً وقال القاضي عياض: اشتمل هذا الحديث على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداء وحالا ً ومآلاً، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر، والتحفظ من الآفات، حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه. والحديث رواه مسلم في أول كتاب الإيمان: (1/150-160) بشرح النووي، وأبو داود في السنة – باب في القدر –: (5/69-73) ، والترمذي في كتاب الإيمان – باب ما جاء في وصف جبريل للنبي – عليهما الصلاة والسلام – الإسلام والإيمان: (7/271-275) ، والآجري في الشريعة – باب الإيمان بأنه لا يصح لعبد إيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره: (188-189، 305) وابن منده في الإيمان: (1/117-150) ، وابن أبي عاصم في السنة: (1/55-58) كلهم من رواية عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه –. ورواه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – البخاري في كتاب الإيمان – باب سؤال جبريل للنبي – عليهما الصلاة والسلام – عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة: (1/114) ، وفي كتاب التفسير – سورة لقمان –: (8/513) بشرح ابن حجر فيهما، وأحمد في المسند: (4/426) . ورواه عنهما – عمر، وأبي هريرة – رضي الله تعالى عنهما – النسائي في كتاب الإيمان – باب نعت الإسلام – وباب صفة الإيمان والإسلام –: (8/88-91) ، ابن ماجه في المقدمة – باب في الإيمان: (1/24-25) . ورواه عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – الطبراني في الكبير بسند رجاله موثقون كما في مجمع الزوائد: (1/40-41) ، وانظره من رواية جرير بن عبد الله في كتاب الشريعة: (189) ، ومن رواية ابن عباس في المسند والبزار، ومن رواية ابن عامر أو أبي عامر أو أبي مالك في المسند أيضاً، ومن رواية أنس عند البزار – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – كما في مجمع الزوائد: (1/38-40) .

". ... وقد أمر نبينا – صلى الله عليه وسلم – بعباده الله – جل جلاله – على واحدة من تينك الحالتين ففي الحلية عن زيد بن أرقم – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، واحسب نفسك مع الموتى، واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة (¬1) ". نسأل الله الكريم أن يجعل حالنا معه كأننا نراه، وأن يمن علينا بالإيمان الكامل التام بأنه يرانا في كل زمان ومكان، كما نسأله – جل وعلا – أن لا يرانا حيث نهانا، وأن لا يفقدنا حيث أمرنا فهو مولانا وحسبنا، وعليه في كل الأمور اعتمادنا. 5-" َلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وما في َالْأَرْضِ": ... تقديم الخبر (¬2) يفيد الحصر والاختصاص، والمعنى: لله ما في السموات والأرض، وليس لغيره شيء من ذلك استقلالا ً ولا مشاركة؛ وفي هذه الجملة الشريفة، مباحث جليلة نفيسة: ¬

_ (¬1) انظر الحديث في الحلية: (8/202) وسند الحديث حسن كما في الجامع الصغير وشرحه فيض القدير: (1/551) . (¬2) في البحر: (2/278) يصح أن يكون خبراً بعد خبر، ويصح أن يكون استئناف خبر، وانظر الفوائد المشوق: (83) ، وفيه: تقديم الجار والمجرور كقوله: "لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ" يفيد اختصاص ذلك بالله – جل وعلا –.

أولها: أخبر ربنا – جل جلاله – في هذه الآية المباركة بأنه مالك المظروف "َلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وما في َالْأَرْضِ"واعلم في آيات أخرى بأنه مالك الظرف أيضاً، فقال – جل وعلا –: في سورة الشورى "لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ"، والأمران ثابتان لربنا الرحمن فله ملك الظرف والمظروف، كما قال – تبارك وتعالى – في سورة المائدة: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} المائدة17-18. ثانيها: لم يخص ربنا – جل وعلا – في آية الكرسي ملكه بالمظروف دون الظرف؟ والجواب ما قاله أو حبان – عليه رحمة ربنا الرحمن –: لأن المقصود نفي الإلهية عن غير الله – تبارك وتعالى – وأنه لا ينبغي أن يعبد غيره، لأن من عبد من دون الله من الأجرام النيرة التي في السموات كالشمس والقمر، والأشخاص الأرضية كالأصنام وبعض بني آدم، كل منهم ملك لله – تبارك وتعالى – مربوب مخلوق، وكرر "ما" للتوكيد وتقدم أنه – تبارك وتعالى – خالق السموات والأرض، فلم يذكر هنا كونه مالكهما استغناء بما تقدم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر البحر المحيط: (2/278) وتقدمت عدة آيات قبل آيات الكرسي فيها التصريح بخلق الله – جل وعلا – للسموات والأرض، انظر الآيات: (22، 29، 117، 164) .

ثالثها: لم عبر بما التي لغير العاقل دون من التي هي للعاقل؟ وأقوى ما قيل في جواب ذلك وأوجهه أمران: أ) لما كان المراد إضافة ما سواه إليه بالمخلوقية، وكان الغالب عليه ما لا يعقل، أجرى الغالب مجرى الكل، فعبر عنه بلفظ "ما". ب) الأشياء التي في السموات والأرض أسندت إليه – جل وعلا – من حيث إنها مخلوقة وهي من حيث إنها مخلوقة غير عاقلة، فعبر عنها بلفظ "ما" للتنبيه على أن المراد من هذه الإضافة إليه الإضافة من هذه الجهة (¬1) . ¬

_ (¬1) ذكر الجوابين الإمام الرازي في مفاتيح الغيب: (7/9) ، وذكر الإمام الألوسي أجوبة أخرى في تفسير سورة النحل: (49) {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} فانظرها إن شئت في روح المعاني: (14/158) .

رابعها: دلت الآية الكريمة على أن أفعال العباد مخلوقة لله – جل وعز – ووجه ذلك، أن قوله – عز وجل –: " َلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وما في َالْأَرْضِ" شامل لكل ما فيهما، ومتناول له، وأفعال العباد من جملة ذلك، فوجب أن تكون منسوبة إلى الله – تبارك وتعالى – انتساب الملك والخلق، وهذا ما قاله نبي الله إبراهيم – على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – فيما حكاه عنه رب العالمين، في سورة الصافات: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} الصافات95-96، قال الإمام ابن كثير – عليه رحمة ربنا الجليل –: يحتمل أن تكون "ما" مصدرية، فيكون تقدير الكلام: خلقكم وعملكم، ويحتمل أن تكون بمعنى "الذي" والتقدير والله خلقكم والذي تعملونه، وكلا القولين متلازم، والأول أظهر، لما رواه البخاري في كتاب أفعال العباد عن علي بن المديني عن مروان ابن معاوية عن أبي مالك عن ربعى ابن خراش عن حذيفة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "إن الله – تعالى – يضع كل صانع وصنعته" 1هـ قال الإمام البخاري – رحمه الله تعالى –: وتلا بعضهم عند ذلك: " وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تقرير دلالة آية الكرسي على كون أفعال العباد مخلوقة لله في مفاتيح الغيب: (7/9) ، وانظر تفسير ابن كثير: (4/13) ، وبدائع الفوائد: (1/146-153) ، وفتح الباري: (13/528-535) وخلق أفعال العباد: (137) ضمن عقائد السلف، والحديث رواه ابن أبي عاصم في السنة: (1/158) والبيهقي في الأسماء والصفات: (388) ، والحاكم في المستدرك – كتاب الإيمان –: (1/31-32) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، ولفظ الحديث عند الحاكم وابن أبي عاصم: "إن اله خالق كل صانع وصنعته"، والحديث رواه الخطيب في تاريخ بغداد: (2/31) والبيهقي في شعب الإيمان كما في فيض القدير: (2/239) ، رواه أيضاً البيهقي في كتاب الاعتقاد: (75) – باب القول في خلق الأفعال – باللفظ الأول، ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن عبد الله أبو الحسين بن الكردي وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (7/197) – كتاب القدر – باب خلق الله كل صانع وصنعته – وهذه الترجمة هي لفظ حديث البزار وقد نص الحافظ في الفتح: (13/498) على صحة الحديث.

خامسها: تقدم أن المقصود من الجملة السابقة المصرحة بنفي السنة والنوم عن ربنا – جل وعلا – وهو توكيد حياة ربنا وقيوميته، وكذلك الحال في هذه الجملة الكريمة، فالمقصود منها تقرير حياة ربنا أيضاً، وقد تقدم أن من لوازم الحياة الفعل الاختياري، وما في هذه الجملة المباركة يقرر ذلك فما في السموات والأرض خلق للرب – جل جلاله – وملك له يتصرف فيه كما يشاء وفي ذلك تقرير أيضاً لقيومية ربنا الجليل – جل وعلا – على عباده في إيجادهم وتدبير أمورهم (¬1) . سادسها: تفصيل معنى تلك الجملة الكريمة: تدل تلك الجملة المباركة على انفراد ربنا – جل جلاله – بالخلق والملك والتدبير فلا خالق إلا هو، ولا مالك إلا هو، ولا مدبر إلا هو، وقد قررت هذه المفاهيم آي الذكر الحكيم، وأحاديث نبينا الأمين – صلى الله عليه وسلم –. انفراد الله – جل وعلا – بالخلق: ¬

_ (¬1) انظر ما قرره العلماء في هذا الشأن في إرشاد العقل السليم: (1/248) ، وروح المعاني: (3/8) والسراج المنير: (1/168) .

.. قال الله – جل وعز –: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} الزمر62 وقال – عز وجل – في سورة الواقعة: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} الواقعة58-59، وفي سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة21-22، والمعنى: وأنتم تعلمون أنه خلق السماء، وأنزل الماء، وفعل ما شرحه في هذه الآيات، وأنه لا يقدر على فعل ما ذكره أحد سواه (¬1) . ¬

_ (¬1) كما في زاد المسير: (1/49) نقلا ً عن شيخه عليّ بن عبيد الله – رحمهم الله جميعاً –.

.. وقد بين ربنا – جل جلاله – تفاهة المشركين وحقارتهم، حيث عبدوا من لا يخلق شيئاً، بل هم يخلقون، ففي سورة الفرقان، يقول ربنا الرحمن: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً} الفرقان 1-3، وفي سورة الحج يقول – جل شأنه –: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحج73-74، ويقول – تبارك وتعالى – في سورة الأحقاف: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الأحقاف3-4، ونحوها في سورة فاطر: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ

الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} فاطر40. ... وقال – عز وجل – في سورة الأعراف: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الأعراف191-184.

وإذا كان ربنا – جل وعلا – منفرداً بالخلق، ومن عداه لا يخلق شيئاً، بل هو مخلوق، فشتان شتان، بين ربنا الرحمن، وبين ما يعبد من دونه من طواغيت وأوثان، والله يقول في سورة النحل وهي سورة النعيم (¬1) حيث عدد الله فيها نعمه على عباده، وبين أن ما عداه لا يملك شيئاً منها: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ¬

_ (¬1) ورد ذلك عن قتادة – رحمه الله تعالى – في تفسير ابن أبي حاتم كما في الإتقان: (1/193) .

وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونََ أمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} 3-21. واعلم – أرشدني الله وإياك – أن أدلة البعث الثلاثة، التي كررها القرآن بأساليب متنوعة مرتبطة بانفراد ربنا – جل وعلا – بالخلق، ودائرة حوله، وقد ذكر الله، جل جلاله – تلك البراهين الثلاثة في أول سورة النحل، وعقب عليها بعجز من دونه عن شيء منها. البرهان الأول: "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ"

.. ووده الاستدلال بذلك على إمكان البعث وسهولته أن السموات والأرض من أعظم المخلوقات، ومن قدر على خلق الأعظم فهو على خلق غيره قادر من باب أولى وأحرى، قال الله – جل وعلا – في سورة غافر: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} غافر57، أي: أكبر من خلقهم مرة ثانية، وإعادتهم بعد موتهم، كما قال – جل وعلا – في سورة الأحقاف: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الأحقاف33، وقال – جل وعز – في سورة الإسراء: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً} الإسراء99. البرهان الثاني: "خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ":

.. ووجه الاستدلال بذلك أن من خلق الإنسان أولاً، واخترع إيجاده، قادر على إعادته، قال الله – تبارك وتعالى – في سورة الإسراء: {وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} الإسراء 49-52، وقال – جل شأنه – في سورة مريم: {وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} مريم 66-67 ليستدل بالابتداء على الإعادة، كما قال ربنا ج جل جلاله – في سورة الروم: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الروم27، فمن قدر على البدء قادر على الإعادة بلا شك كما قال ربنا – جل وعلا – في سورة ق: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} ق15،وقال – عز وجل – في سورة الأعراف: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} الأعراف29، وقال – جل وعلا – في سورة الأنبياء: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} الأنبياء104، فليتأمل الإنسان حاله في بدايته ليعم أن الله قادر على إعادته قال الله – جل وعلا – في سورة الواقعة: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ

أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} الواقعة 57-62، وقال – جل وعلا – في سورة الطارق: {خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} الطارق 5-8، وقال – جل جلاله – في سورة عبس: {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ} عبس 17-22، وقال – جل وعلا – في سورة القيامة: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} القيامة 36-40، بلى إنه على كل شيء قدير (¬1) . ¬

_ (¬1) ورد الأمر بقول ذلك في عدة روايات لا تسلم رواية من الكلام، ومجموعها يفيد الأخذ بذلك الأدب الهام نحو كلام ربنا الرحمن – جل وعلا – وإليك بيان تلك الروايات، مع بيان حالها حسب الأصول المقررات: روى الحاكم في المستدرك – كتاب التفسير – سورة القيامة: (2/510) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا قرأ: " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى" قال "بلى" وإذا قرأ: " أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ " قال "بلى" قال الحاكم، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وحكى السيوطي في الدر المنثور: (6/299) والألوسي في روح المعاني: (29/15) تصحيح الحاكم للحديث ولم يتعقباه، وهذا عجيب منهم وغفلة – غفر الله لهم – لأن في سند الحديث يزيد بن عياض، قال عنه الإمام البخاري في الضعفاء الصغير: (122) منكر الحديث وقال عنه الإمام النسائي في الضعفاء والمتروكين: (111) متروك الحديث، وقال ابن حبان في المجروحين: (3/108) كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير والمقلوبات عن الثقات، فلما كثر ذلك في روايته صار ساقط الاحتجاج به، وفي الجرح والتعديل: (9/283) قال أحمد بن صالح: أظن يزيد بن عياض كان يضع، وقد اقتصر ابن حجر في تقريب التهذيب: (2/369) عن قوله فيه: كذبة مالك وغيره، ورمز إلى أنه من رجال الترمذي وابن ماجه وانظر حاله في التاريخ الكبير: (18/351) ، والمعنى في الضعفاء: (2/752) وميزان الاعتدال: (4/436، 438) ، وتنزيه الشريعة – الفصل الذي سرد فيه أسماء الوضاعين والمتهمين: (1/128) . والحديث فيه علة أخرى وهي جهالة أبي اليسع الراوي عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال الذهبي في الميزان: (4/589) ، وتبعه ابن حجر في اللسان: (7/123) لا يدري من هو، والمسند بذلك مضطرب 1هـ وقد اقتصر الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند: (13/122) في تعليل الحديث بذلك فقط. والحديث رواه الأئمة أحمد في مسنده: (2/229) وأبو داود في سننه – كتاب الصلاة – باب مقدار الركوع والسجود: (1/550-551) ، والترمذي في سننه – كتاب التفسير – سورة التين – (9/78) والبيهقي في السنن الكبرى – كتاب الصلاة – باب الوقوف عند آية الرحمة وآية العذاب وآية التسبيح: (2/310) ، والبغوي في معالم التنزيل: (7/188) كلاهما من طريق أبي داود، عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – بنحو الذي تقدم، وزيادة: ومن قرأ المرسلات، فبلغ " فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ" فليقل: "آمنا بالله"،وفي سند الجميع راو مبهم مجهول لم يسم، ولذلك قال الترمذي: هذا حديث إنما يروي بهذا الإسناد عن هذا الأعرابي عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – ولا يسمى، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (7/132) بعد أن عزا الحديث للمسند، قلت: القول في آخر التين والزيتون رواه أبو داود وغيره، وفيه رجلان لم أعرفهما 10هـ وفي كلامه – رحمه الله تعالى – نظر من وجهين: الأول: رواية أبي داود كرواية المسند فيها ذكر آخر المرسلات، نعم ليس ذلك في رواية الترمذي بل ليس فيها إلا ذكر آخر التين والزيتون. الثاني: قوله: فيه رجلان لم أعرفهما لا يتمشى مع حال الإسناد فرجاله كلهم ثقات غير التابعي فهو مجهول وهذا نص سند المسند: حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية سمعه من شيخ فقال مرة: سمعه من رجل من أهل البادية أعرابي، سمعت أبا هريرة – رضي الله تعالى عنه – الحديث ولعل الإمام الهيثمي اعتبر ما ورد في المسند: سمعته من رجل مجهولاً آخر، مع أن المراد منه هو المراد من شيخ المبهم، فإسماعيل بن أمية قال: سمعته من شيخ، وقال مرة: سمعته من رجل من أهل البادية، كما دل على ذلك رواية أبي داود والترمذي والبيهقي والبغوي فتأمل، ولذلك قال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (13/1209 إسناده ضعيف، لجهالة الراوي التابعي الذي لم يسم، وقال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (2/468) ، والأعرابي لا يعرف، وقال الإمام النووي في التبيان: (61) رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف عن رجل عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه –. وقد ورد أيضاً ما يقوي ما تقدم ويتقوى به ففي سنن أبي داود – كتاب الصلاة باب الدعاء في الصلاة: (1/549) ، ومن طريقه رواه البيهقي في السنن الكبرى – المكان المتقدم، وكذلك رواه البغوي في معالم التنزيل: (8/188) عن طريق أبي داود، ورواه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير: (4/452) وعبد بن حميد كما في الدر: (6/296) عن موسى بن أبي عائشة قال: كان رجل يصلي فوق بيته، فكان إذا قرأ: " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى " قال: سبحانك، فبلى، فسألوه عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال الإمام ابن كثير: تفرد به أبو داود ولم يسم هذا الصحابي ولا يضر ذلك 1هـ وقال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (2/469) : رجاله ثقات، لكن موسى ابن أبي عائشة لم يرو عن أحد من الصحابة، فهو منقطع. وقد ورد عن السلف آثار كثيرة في ذلك ففي الطبري: (29/125) عن قتادة مرسلا ً قال: ذكر لنا أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا قرأها " أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى " قال: "سبحانك، وبلى" وانظر روايات أخرى في الدر: (6/296) وتلك الروايات بمجموعها يجبر ما فيها من خلل، ولذلك استحب العلماء القول بما ورد في مضمونها كما في التبيان في آداب حملة القرآن: (61) .

.. وثبت في المسند وسنن ابن ماجه بإسناد صحيح عن بشر بن جحاش القرشي – رضي الله تعالى عنه – قال: بزق النبي – صلى الله عليه وسلم – يوماً في كفه، ثم وضع أصبعه السبابة، وقال: "يقول الله – عز وجل –: أنى تعجزني، ابن آدم وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة (¬1) ". البرهان الثالث: "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ": ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/210) ،وسنن ابن ماجه – كتاب الوصايا - باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت: (2/903) قال في الزوائد: إسناده صحيح.

ووجه الدلالة من ذلك: أن من قدر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وبعثها، كما قال ربنا – جل جلاله – في سورة الأعراف: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الأعراف57، وقال – عز وجل – في سورة مريم: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} الروم19، وقال – جل وعلا – في سورة ق: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ رِزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} ق9-11، وقال – جل وعز – في سورة حم فصلت: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فصلت39، وفي المسند عن أبي رزين العقيلي – رضي الله تعالى عنه – قال: أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلت: يا رسول الله، كيف يحيي الله الموتى؟ قال: "أما مررت بأرض من أرضك مجدبة، ثم مررت بها مخصبة؟ قال: نعم، قال: كذلك النشور (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/11، 12) والحديث قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد: (1/53) في إسناده سليمان بن موسى وثقه ابن معين وأبو حاتم وضعفه آخرون 1هـ قال عبد الرحيم: وقد تابعه وكيع بن عدس – ويقال: حدس – في المسند أيضاً: (4/11، 12) وفي المستدرك: (4/560) – كتاب الأهوال وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وقد تقدم في هذا الكتاب المبارك بيان حال وكيع، ورواه عبد الله في زائد المسند: (4/13) بنحوه من طريق دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر ابن المنتفق، ممن طريق دلهم عن أبيه الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطاً بنحوه، قال الهيثمي في المجمع: (10/340) رواه عبد الله والطبراني بنحوه، وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل، ورجالها ثقات والإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط أن لقيطاً 1هـ وقال ابن حجر في التهذيب: (5/57) ، في ترجمة لقيط: ورواه الطبراني مطولا ً وهو حديث غريب جداً 10هـ رواه الحاكم في المستدرك: (4/560-564) من طريق يعقوب بن عيسى، وقال: هذا حديث جامع في الباب صحيح الإسناد، كلهم مدنيون ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت يعقوب بن مجمد بن عيسى الزهري ضعيف، ورواه أبو حفص بن شاهين كما في الإصابة: (3/330) في ترجمة لقيط، فالحديث حسن بتلك الطرق إن شاء الله تعالى.

". والبراهين الثلاثة المتقدمة كما تضمنتها أوائل سورة النحل، جمعها ربنا – جل وعلا – في آيات أخرى ففي سورة البقرة: (21-22) يقول ربنا – جل ثناؤه –: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة21-22 فقوله: " الَّذِي خَلَقَكُمْ " إشارة للبرهان الثاني، وهو: قياس الإعادة على البدء، وقوله: " جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء " إشارة إلى البرهان الأول، وهو قياس الإعادة على خلق السموات والأرض، وهما أعظم من إعادة الإنسان وأكبر، وقوله: " فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ " إشارة إلى البرهان الثالث، وهو قياس بعث الأموات على إحياء الأرض بالنبات.

وجمع الله الكريم، تلك البراهين، في آخر سورة يس فقال – جل جلاله –: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (¬1) } ¬

_ (¬1) انظر الكلام على تلك البراهين في أضواء البيان: (1/45-46، 3/203-204) وشرح الطحاوية: (361-364) وانظر الفوائد: (5-9) ، وفي أضواء البيان: (3/204) وهناك برهان رابع يكثر الاستدلال به على البعث أيضاً، وهو: إحياء الله بعض الموتى في دار الدنيا، لأن من أحيا نفساً واحدة بعد موتها قادر على إحياء جميع النفوس، كما قال الله – جل جلاله – في سورة لقمان: (28) : "مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" وقد ذكر الله – جل جلاله – هذا البرهان في سورة البقرة في خمس مواضع: الأول: (54-55) {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . الثاني: (72-73) {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} . الثالث: (243) {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} . الرابع: (259) {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . الخامس: (260) {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

يس78-83. اختصاص الله – عز وجل – بالملك (¬1) : ¬

_ (¬1) قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – في تهذيب الأسماء واللغات: (2، 2/142) "حرف الميم": المُلك بضم الميم مصدر الملك بكسر الميم ومنه قولهم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك، وأما ملك من مال وغيره فيقال فيه: هو ملك فلان، وملك يمينه، بكسر الميم وفتحها وضمها ثلاث لغات الكسر أفصح وأشهر، وفي المفردات: (472) "كتاب الميم" المُلك ضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم، والملك كالجنس للملك، فكل مُلك مِلك، وليس كل مِلك مُلكاً، وفي روح المعاني: (3/113) المُلك بالضم على ما ذكره بعض أئمة التحقيق: نسبة بين من قام به ومن تعلق وإن شئت قلت: صفة قائمة بذاته متعلقة بالغير تعلق التصرف التام المقتضي استغناء المترف وافتقار المتصرف فيه، ولهذا لم يصح على الإطلاق إلا لله – تعالى جده – وهو أخص من المِلك – بالكسر – لأنه تعلق باستيلاء مع ضبط وتمكن من التصرف في الموضوع اللغوي وبزيادة كونه حقاً في الشرع من غير نظر إلى استغناء وافتقار، فمالك المُلك هو المَلِك الحقيقي المتصرف بما شاء كيف شاء إيجاداً وإعداماً، وإحياءاً وإماتة، وتعذيباً وإثابة، من غير مشارك ولا ممانع، ونحوه في التعريفات: (204) – باب الميم – وعبارته: والملك في اصطلاح الفقهاء: اتصال شرعي بين الإنسان وبين شيء يكون مطلقاً لتصرفه فيه، وحاجزاً عن تصرف غيره، فالشيء يكون مملوكاً ولا يكون مرقوقاً، ولكن لا يكون مرقوقاً إلا ويكون مملوكاً.

.. إذا كان ربنا الجليل منفرداً بالخلق، فهو خالق كل شيء، وهو على كل شيء قدير، فإن ذلك يستلزم ملكه لمخلوقاته، فهو المالك الحقيقي، ومن عداه لا يملك شيئاً، إنما هو مخول فيما عنده، ومستخلف فيما لديه، وما نفس ابن آدم إلا أمانة، وما ملكه إلا عارية، والأمانة مؤداة والعارية مردودة، وهذا الأمر ظاهر للعيان، وبه صرحت آيات القرآن، قال ربنا الرحمن – جل وعلا – في آخر سورة يس: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} والملكوت بمعنى الملك زيدت فيه الواو والتاء للمبالغة (¬1) ، فملك كل شيء بيده، ومفاتيح خزائن السموات والأرض في قبضته، قال – جل وعلا – في سورة الزمر: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} الزمر63، وقد تقدم كتابة بعض الآيات الدالة على ملك رب الأرض والسموات للظرف والمظروفات. ... وتقريراً لتلك الحقيقة الحقة أخبرت آيات القرآن أن ما يملكه الإنسان فهو مخول له من جانب الرحمن – جل وعلا – ففي سورة الزمر: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} الزمر8، وفي سورة الأنعام: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} الأنعام94. ¬

_ (¬1) كما في تفسير الجلالين: (355) ، وفي المفردات: (473) وهو مختص بملك الله تعالى.

.. ولعل أمر الله – جل وعز – الأغنياء، أخبر أنه يطلب منهم الإنفاق مما رزقهم، وعليه استخلفهم فقال – جل وعلا – في سورة الحديد: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} الحديد7، وقال – جل جلاله – في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} البقرة254. ... فكل ما بالعباد من نعم، فهو من ربهم واسع الجود والكرم، قال الله – تبارك وتعالى –: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} النحل53، والمخلوقات بأسرها محتاجة إلى ربها في جميع حركاتها وسكناتها، قال الله – جل جلاله–: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فاطر15، وقد تقدمت أبيات لطيفة رقيقة تبين الصلة بين المخلوقات وفاطرها على وجه الحقيقة، لشيخ الإسلام ابن تميمة – عليه رحمة رب البرية –، فلا تغيبن عن ذهنك يا صاحب الهمة العلية. ومنها: أنا الفقيرُ إلى ربِ البريّاتِ ... أنا المسكينُ في مجموع حالاتي ولستُ أملِكُ شيئاً دونه أبدا ... ولا شريك أنا في بعض ذرّاتي والفقرُ لي وصتفُ ذات ٍ لازم أبدا ... كما الغِنى أبداً وصف له ذاتي وهذه الحالُ حالُ الخلق أجمعهم ... وكلهم عنده عبدٌ له يأتي فمن بَغى مَطلَباً من غير خالقه ... فهو الجهولُ الظلومُ المشركُ العاتي

.. وقد أخبر ربنا – جل وعز – عن حقيقة ما سواه بهذه الآية الموجزة المعجزة في سورة سبأ فقال – حل جلاله –: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} سبأ22. استقلال الله بالتدبير ن فلا ظهير له ولا وزير: ... وهذا الأمر نتيجة لما سبق، لأن المخلوقات لا يتصرف فيها إلا خالقها، ولا يدبر أمرها إلا مالكها، كما قال الله – جل وعلا – في سورة آل عمران: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} آل عمران26 فذكر ربنا – جل وعز – في هذه الآية المباركة معاقد تصرفه في ملكه وتدبيره له، وذلك في خمسة أنواع: النوع الأول: إبقاء الملك ونزعه، وإليه الإشارة بقوله – جل وعلا – " تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء "، وهذا كما قال – جل جلاله – في سورة فاطر: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فاطر2، وقال – عز وجل – في سورة الأنعام: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} الأنعام17. النوع الثاني:

تأييده لمن يشاء، وخذلانه من شاء، وإليه الإشارة بقوله – جل وعلا –: "َتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء"، ونظير هذا قوله – عز وجل – في سورة آل عمران: {إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} آل عمران160. النوع الثالث: تقليبه الليل والنهار، وإليه الإشارة بقوله – جل وعلا –: "تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ" وقد جاء هذا المعنى في آيات كثيرة، منها قوله – جل جلاله – في سورة النور: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ} النور44، وأشار ربنا – جل ثناؤه – إلى انفراده بذلك، وما ينتج عنه من عظيم النعمة على عباده، فقال – سبحانه وتعالى – في سورة القصص: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} القصص71-73. النوع الرابع: تفرد بالإحياء والإماتة: وإلى ذلك الإشارة بقوله – تبارك وتعالى –: "يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ"، ونظير هذا قوله – جل وعلا – في سورة يونس: {هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يونس56. النوع الخامس:

تصريفه الرزق حسبنا يشاء، وإليه الإشارة بقوله – جل وعلا – "وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ"، وهذا كقوله – تبارك وتعالى – في سورة آل عمران: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (¬1) } آل عمران37. ¬

_ (¬1) انظر تقرير تلك الأمور وتوضيحها في لوامع البينات: (180-182) ، ومفاتيح الغيب: (8/4-10) .

.. وصفوة المقال: إن الله فعال لما يريد، ولا يملك ذلك أحد من العبيد، بل مشيئتهم تابعة لمشيئة الرب المجيد، وهذا شاهد للعيان، وقررته آيات الرحمن ففي سورة البقرة يقول ربنا – جل وعلا - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} البقرة258، وقال – جل جلاله – في سورة آل عمران: {إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آل عمران 5-6، وقد أتى أمر الله خليله وصفوة خلقه نبينا محمداً – صلى الله عليه وسلم – أن يخبر عن حقيقة شأنه في أنه ليس له من الأمر شيء، ولا يملك لنفسه – فضلا ً عن غيره، شراً ولا نفعاً، فقال – جل وعلا – في سورة الأعراف: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الأعراف188، وقال – جل وعز – في سورة الجن: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً} الجن21 فمشيئة من عداه تابعة لمشيئته، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن (¬1) ، كما قال الله – جل وعلا – في سورة الإنسان: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} الإنسان30. ¬

_ (¬1) وهذه الجملة من نفيس اعتقاد أهل السنة الكرام كما قال ابن العربي في أحكام القرآن: (3/1234) .

قال الإمام الشافعي – ونعم ما قال فعليه رحمة ربنا الكبير المتعال –: شِئتَ كلن وإنْ لم أشأ ... وما شِئتُ إنْ لم تشأ لم يكن خَلَقْتَ العبادَ على ما عًلِمتَ ... في العلم يَجْري الفتى والمُسِنّ على ذا مَننتَ وهذا خّذلْتَ ... وهذا أعنتَ وذا لم تُعِنْ فمنهم شقيّ ومنهم سعيدٌ ... ومنهم قبيحٌ ومنهم حسن (¬1) * أثر معرفة المكلفين بكون ما في السموات والأرض لله رب العالمين: ... ينبغي أن تترك معرفة ذلك في نفس المكلف أثرين عظيمين، ليحظى بسعادة الدارين هما: ¬

_ (¬1) قال الإمام ابن عبد البر في الإفتاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء: (80) ومن شعره – الإمام الشافعي – الذي لا يختلف فيه، وهو أصح شيء عنه، وهو من أثبت شيء في الإيمان بالقدر ثم سرد تلك الأبيات الأربعة، وانظرها في السنن الكبرى: (10/206) ، والاعتقاد: (72) والأسماء والصفات: (172) ، ومناقيب الشافعي: (1/412) كلها للبيهقي - رحمه الله تعالى –، وانظرها في البداية والنهاية: (10/254) ، وطبقات الشافعية الكبرى: (1/295) .

أ) ثقة المكلف بالله – جل وعلا – فيرضى بقضائه، ويقنع بقسمه، ولا يتهم الله في فعله، وتصرفه في ملكه، وقد كان لسلفنا الصالح في ذلك أوفر نصيب، فعاشوا حياة طيبة، وما لهم في الآخرة خير وأطيب، وثبت في الصحيحين والمسند عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: مات ابنٌ لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب، فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، قال: فغضب أبو طلحة، وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني فانطلق حتى أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبره بما كان، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "بارك اله لكما في غاير ليلتكما" قال: فحملت، قال: فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سفر وهي معه، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً (¬1) ، ¬

_ (¬1) الطروق: إتيان المنزل ليلا ً كما في جامع الأصول: (1/370) ، وفي المختار: (415) "طرق": وطرق من باب دخل، فهو طارق إذا جاء ليلا ً، وفي الفتح: (9/340) : قال بعض أهل اللغة: أصل الطروق: الدفع والضرب، وبذلك سميت الطريق، لأن المارة تدقها بأرجلها ن وسمي الآتي بالليل طارقاً، لأنه يحتاج غالباً إلى دق الباب، وقيل: أصل الطروق: السكون، ومنه، أطرق رأسه، فلما كان الليل يسكن فيه سمي الآتي فيه طارقاً، وما حكاه الحافظ في الفتح موجود في لسان العرب "طرق": (12/87) دون نسبة إلى أحد، ففيه: وقيل: أصل الطروق من الطرق وهو الدق، وسمي الآتي بالليل طارقاً، لحاجته إلى دق الباب. وقد ورد نهي نبينا الأمين – صلى الله عليه وسلم – للمكلفين، عن الطروق على أهلهم الغافلين لثلاثة أسباب، فدونها يا طالب الآداب: السبب الأول: خشية رؤية ما تكرهه نفسه من زوجه مما هو غير محرم، كأن تكون على حالة لا تصلح فيها لمعاشرة زوجها، لما فيها من شعث ونحو ذلك، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – قال: كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في غزاة، فلما أقبلنا – ورواية البخاري، قفلنا، أي: رجعنا إلى المدينة، وأقبلنا نحوها – تعجلت على بعير قطوف، أي: بطيء المشي، فلحقني راكب خلفي، فنخس بعيري بعنزة، أي: عصا صغيرة في أسفلها زج، كانت معه فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل، فالتفت فإذا برسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: "ما يعجلك يا جابر؟ " فقلت: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إني حديث عهد بعرس، فقال: "أبكراً تزوجتها أم ثيباً؟ " قال، قلت: بل ثيباً، قال: "هلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ " قال: فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل، فقال: "أمهلوا حتى ندخل ليلا ً" أي عشاءً كي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة" قال: وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا قدمت فالكيس الكيس"، وفي الصحيحين أيضاً عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا قدم أحدكم ليلا ً فلا يأتين أهله طروقاً حتى تستحد المغيبة، وتمتشط الشعثة" المغيبة: هي التي غاب عنها زوجها، فإن حضر زوجها فهي مشهد، بلا هاء، كما في اللسان: (2/147-148) "غيب"، والاستحداد: حلق شعر العانة بالحديد، قال ابن منظور في اللسان: (4/117) "حدد" ومنه الحديث: "كي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة" وفي المنهاج: (10/54، 13/71) ، وفتح الباري: (9/123) ، والمراد: إزالة شعر العانة كيف كان، وعبر بالاستحداد، لأنه الغالب استعماله في إزالة الشعر، وليس في ذلك منع إزالته بغير الموسى، وانظر صفحة: (....) من هذا الكتاب المبارك، والشعثة: من تلبد شعرها، واغبر، وتفرق كما في اللسان: (2/466) "شعث" والمختار: (361) "شعث" قال الحافظ في الفتح: (123) أطلق عليها ذلك، لأن التي يغيب زوجها في فطنة عدم التزين، والكيس: الجماع، والعقل كما في اللسان: (8/85-86) "كيس" والمراد: الحث على الجماع طلباً للولد فذلك مقتضى العقل كما أشار إلى ذلك الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: (10/55) قال الحافظ في الفتح: (9/342) : أصل الكيس: العقل كما ذكر الخطابي، ولكنه بمجرده ليس المراد هنا، قال القاضي عياض: فسر البخاري وغيره الكيس: بطلب الولد والنسل، وهو صحيح، قال الكسائي: كاس الرجل: ولد له ولد وكيس، قال الحافظ قلت: جزم ابن حبان في صحيحه بأن الكيس الجماع، وتوجيهه على ما ذكر، ويؤيده قوله في رواية محمد بن إسحاق: "فإذا قدمت فاعمل عملاً كيساً" وفيه: قال جابر: فدخلنا حين أمسينا، فقلت للمرأة: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمرني أن أعمل عملا ً كيساً، قالت سمعاً وطاعة، فدونك، قال: فبت معها حتى أصبحت، أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 10هـ ملخصاً من الفتح وانظر المسند: (3/362) ففيه تفسير "واعمل عملا ً كيساً" بلا تطرقهن ليلا ً عن أبي بكر بن عياش. وانظر الحديث الشريف برواياته في صحيح البخاري – كتاب النكاح – باب تزويج الثيبات: (19/121) وباب طلب الولد: (9/341) ، وباب تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة: (9/243) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب الرضاع – باب استحباب نكاح البكر: (10/54) ، وكتاب الإمارة – باب كراهية الطروق وهو الدخول ليلا ً لمن ورد من سفر: (13/71) بشرح النووي، والمسند: (298، 303، 355) وسنن الدارمي – كتاب النكاح – باب في تزويج الأبكار: (2/146) وسنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب في الطروق –: (3/219) ، قال الحافظ في الفتح: (9/340) يؤخذ من الحديث كراهة مباشرة المرأة في الحالة التي تكون فيها غير متنظفة لئلا يطلع منها على ما يكون سبباً لنفرته عنها. السبب الثاني: خشية رؤيته من زوجته ما يكرهه مما هو محرم، وقد أمر ربنا بالستر، وحض عليه، ولا مؤاخذة على الإنسان إذا وقع أهله في الفجور والآثام، ولم يعلم بذلك من الطرق التي أذن بها الرحمن، فكل نفس بما كسبت رهينة، وبأعمالها مدينة ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – قال: "نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يطرق الرجل أهله ليلا ً لئلا يتخونهم، أو يلتبس عثراتهم"، انظر كتاب الإمارة – باب كراهية الطروق وهو الدخول ليلا ً لمن ورد من سفر: (13/71-72) بشرح النووي وهي في المسند: (3/302) وقد جمل البخاري ذلك عنواناً لأحد أبوب النكاح فقال: باب لا يطرق أهله ليلا ً إذا أطال الغيبة مخافة أن يخونهم، أو يلتمس عثراتهم. ثم روى حديثين عن جابر – رضي الله تعالى عنهما – "كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يكره أن يأتي الرجل أهله طروقاً" و "إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا ً": (9/340) بشرح ابن حجر، قال الحافظ: وهذه الترجمة – أي: ترجمة الباب وعنوانه – لفظ الحديث الذي أورده في الباب في بعض طرقه، لكن اختلف في إدراجه، فاقتصر البخاري على القدر المتفق علي رفعه، واستعمل بقيته في الترجمة. ثم ذكر رواية مسلم السابقة، وذكر أن مسلماً ساقها من رواية شعبة عن محارب كرواية البخاري، وساقها من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بالرواية الأولى لكن سفيان قال في نهاية الرواية: لا أدري هذا في الحديث أم لا: "أن يتخونهم أو يلتبس عثراتهم"، وذلك موجود في صحيح مسلم والرواية الثالثة في سنن الدارمي – كتاب الاستئذان – باب في النهي أن يطرق الرجل أهله ليلا ً –: (2/275) . وهذا السبب الثاني أشار إليه الحافظ في الفتح: (9/340) فقال: فيقع للذي يهجم بعد طول الغيبة غالباً ما يكره، ثم بعد أن ذكر السبب الأول قال: وإما أن يجدها على حال غير مرضية، والشرع محرض على الستر، وقد أشار إلى ذلك بقوله: "أن يخونهم، ويتطلب عثراتهم" ثم دلل على ذلك بما أخرجه ابن خزيمة عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: "نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن تطرق النساء ليلا ً" فطرق رجلان كلاهما وجد مع امرأته ما يكره" وأخرجه من حديث ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – نحوه، وقال فيه: "كلاهما وجد مع امرأته رجلا ً" وحديث ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – مروي في سنن الدارمي: (1/118) المقدمة – باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حديث يعظمه ولم يوقره – ورواه أيضاً عن سعيد بن المسيب مرسلا ً، وعلق الترمذي حديث ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – في كتاب الاستئذان – باب ما جاء في كراهية طروق الرجل أهله ليلا ً: (7/345) فقال: وقد روى عن ابن عباس.....إلخ. وهذا السبب الثاني دلت عليه الروايات الصحيحة، وقرره الأئمة الحافظ كما تقدم، ومع هذا رده ابن العربي في عارضة الأحوذي: (10/180) فقال: وقد سمعت عن بعض أهل الجهالة أن معنى نهي النبي – عليه الصلاة والسلام – لهم لئلا يفتضح النساء، كما جرى لمن خالف النبي – صلى الله عليه وسلم – وهذا الذي روى لم يصح بحال، ولو صح لما كان دليلا ً على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قصده، فلا يصح لأحد له معرفة بمقاصد الشريعة، ومقدار النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يصححه ولا يجيزه 1هـ مصححاً ما في الطباعة من أخطاء، وقد علمت ثبوت الرواية بذلك، ومقاصد الشريعة توافق ذلك الثابت، فهي آمرة بستر المسلمين والمسلمات، ناهية عن التنقيب على الزلات فالحق فيما قاله الحافظ في شرح صحيح البخاري، لا ما قاله الإمام ابن العربي في شرح سنن الترمذي والله تعالى أعلم. السبب الثالث: خشية وقوعه في فعل ما يكرهه بسب بالتباس الأمر عليه لوجود الظلام، وعدم التحقق الكامل من رويا العيان وقد أشار الحافظ إلى هذا السبب في الفتح: (9/341) فقال: ووقع في حديث جابر أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا ً – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وعندها امرأة تمشطها، فظنها رجلا ً فأشار إليها بالسيف، فلما ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – نهي النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يطرق الرجل أهله ليلا ً. أخرجه أبو عوانة في صحيحه 10هـ والحديث في المسند: (3/451) وفيه: أنه قدم من سفر ليلا ً فتعجل إلى امرأته، فإذا في بيته مصباح، وإذا مع امرأته شيء، فأخذ السيف، فقالت امرأته: إليك عني، فلانة تمشطني، فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأخبره، فنهى أن يطرق الرجل أهله ليلا ً، ورواه الحاكم في المستدرك – كتاب الأدب –: (4/293) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين لكنه مرسل كما بين ذلك الذهبي. لتلك الأسباب: نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – الرجال عن الطروق على أهلهم من النساء وكان – فداه أبي وأمي وعليه صلوات ربي وسلامه – يلتزم بذلك الخلق الكريم مع أزواجه أمهات المؤمنين – عليه وعليهن الصلاة والسلام – ففي صحيح البخاري – كتاب العمرة – باب الدخول بالعشي: (3/619 بشرح ابن حجر، والمسند: (3/125، 204، 240 عن أنس رضي الله تعالى عنه – قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – "لا يطرق أهله كان لا يدخل إلى غدوة أو عشية" قال الحافظ: قال الجوهري: العشية: من صلاة المغرب إلى العتمة – العشاء –، وقيل: هي من حين الزوال، قال الحافظ: والمراد هنا الأول ثم بين أن الدخول بالغداة لا يتعين، والمنهي عنه الدخول ليلا ً. قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين – إذا منعت شريعة رب العباد، دخول القادمين من سفر على أهليهم ليلا ً لما يترتب على ذلك من الفساد، فإن قوانين الشياطين، أباحت للعتاة المفسدين، ال

فدنوا من المدينة، فضربها المخاض، فاحتبس عليها أو طلحة وانطلق إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: يقول أبو طلحة، إنك لتعلم يا رب إنه يعجبني أن أخرج مع رسول الله، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى، قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد، انطلق، فانطلقا، قال: وضربها المخاض حين قدما، فولدت غلاماً، فقالت لي أمي: يا أنس، لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما أصبح احتملته، فانطلقت به إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: فصادفته ومعه ميسم – وهو الحديدة التي تحمي بالنار، وتوسم بها الدواب – فلما رآني قال: "لعل أن سليم ولدت" قلت: نعم، فوضع الميسم، قال: وجئت به فوضعته في حجره، ودعا له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعجوة من عجوة المدينة، فلاكها في فيه حتى ذابت، ثم قذفها في فيّ الصبي، فجعل الصبي يتلمظها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "انظروا إلى حب الأنصار التمر" قال فمسح وجهه وسماه: عبد الله.

.. هذا لفظ رواية صحيح مسلم والمسند، وفي لفظ للإمام أحمد عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: تزوج أبو طلحة أم سليم – وهي أن أنس والبراء – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: فولدت له بنياً، قال: فكان يحبه حباً شديداً، قال: فمرض الغلام مرضاً شديداً فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ، ويأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – فيصلى معه، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار، ويجيئ يقيل ويأكل، فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب فلم يجيء إلى صلاة العتمة، قال: فزاح عشية، ومات الصبي، قال: وجاء أبو طلحة، قال: نسجت عليه ثوباً وتركته، قال: فقال لها أبو طلحة: يا أم سليم كيف بياض بني الليلة؟ قالت: يا أبو طلحة ما كان ابنك منذ اشتكى أسكن منه الليلة، قال: ثم جاءته بالطعام فأكل، وطابت نفسه، قال: فقام إلى فراشه، فوضع رأسه، قالت: وقمت أنا فمسست شيئاً من طيب، ثم جئت حتى دخلت معه الفراش فما هو إلا أوجد ريح الطيب كان منه ما يكون من الرجل إلى أهله، قال: ثم أصبح أبو طلحة يتهيأ كما كان يتهيأ كل يوم، قال: فقالت له: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن رجلا ً استودعك وديعة فاستمتعت بها ثم ثم طلبها، فأخذها منك تجزع من ذلك؟ قال: لا، قالت: فإن ابنك قد مات، قال أنس: فجزع عليه جزعاً شديداً، وحدث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بما كان من أمرها في الطعام والطيب، وما كان منه إليها، قال: فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "فبتما عروسين وهو إلى جنبكما؟ " قال: نعم يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "بارك الله لكما في ليلتكما" قال: فحملت أم سليم تلك الليلة، قال: فتلد غلاماً، قال: فحين أصبحنا قال لي أبو طلحة: احمله في خرقة حتى تأتي به رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، واحمل معك تمر عجوة، قال: فحملته في خرقة، قال: ولم يحنك، ولم يذق طعاماً، ولا شيئاً قال: فقلت: يا رسول الله – صلى الله عليه

وسلم – ولدت أم سليم، قال: "الله أكبر، ما ولدت؟ " قلت: غلاماً، قال: "الحمد لله" فقال: "هاته إليّ" فدفعته إليه، فحنكه رسول الله –صلى الله عليه وسلم – ثم قال له: "معك تمر عجوة؟ " قلت: نعم، فأخرجت تمرات، فأخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تمرة وألقاها في فيه، فما زال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يلوكها حتى اختلطت بريقه، ثم دفع الصبي، فما هو إلا أن وجد الصبي حلاة التمر يمص بعض حلاة التمر، وريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكان أولمن فتح أمعاء ذلك الصبي على ريق رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "حبّ الأنصار التمر" فسمي عبد الله بن أبي طلحة، قال: فخرج منه رجل كثير، قال واستشهد بفارس، وفي المسند: فما كان في الأنصار شاب أفضل منه وقد ورد في البخاري عن رجل من الأنصار – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أنه رأى تسعة أولاد من ولد عبد الله كلهم قد قرأ القرآن – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –.

.. واعلم أن تغيظ أبي طلحة، وغضبه – رضي الله تعالى عنه – كان بعد استرجاعه كما في رواية في المسند أن أم سليم قالت: يا أبا طلحة إن آل فلان استعاروا من آل فلان عارية، فبعثوا إليهم ابعثوا إلينا بعاريتنا، فأبو أن يردوها، فقال: أو طلحة: ليس لهم ذلك، إن العارية مؤداة إلى أهلها، قالت: فإن ابنك كان عارية من الله – عز وجل – وإن الله قد قبضه، فاسترجع (¬1) وما كان من أبي طلحة – رضي الله تعالى عنه – من تغيظ وغضب إنما كان بسبب تأخير أعلامها بموت ولده، حتى جرى منه ما جرى، ولم يكن ذلك التغيظ تسخطاً على المقدور، وتبرماً من فعل من بيده مقاليد الأمور، فاعلم هذا والله يتولى هدانا جميعاً، فهو الهادي لا إله غيره، ولا رب سواه. فانظر – رعاك الله الكريم – إلى ذلك العقل الراجح العظيم، والنظر السديد القويم، من تلك المرأة من سلفنا الصالحين، عندما أيقنت أن لله ما في السموات وما في الأرض، فلله أعطى، وله ما أخذ، وكل شيء عنده بمقدار، كيف دعاها ذلك الإيمان للسكينة والاطمئنان، وانشراح الصدر بقضاء الرحمن، ولله در من قال: وما المالُ والأهلون غلا وَدَائِعُ ... ولابدّ أنْ تُردّ الوَدَائعُ ¬

_ (¬1) انظر روايات الحديث الشريف في صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة: (3/169) ، وأول كتاب العقيقة: (9/587) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب الآداب – باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، وحمله إلى صالح يحنكه: (3/1690) وكتاب فضائل الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – باب من فضائل أبي طلحة الأنصاري – رضي الله تعالى عنه –: (4/1909) ، والمسند: (3/105، 106، 181، 196، 287-288) وعمل اليوم والليلة لابن السني: (231) .

وقد تلقى سلفنا الأبرار، تلك المعاني العالية من هدي نبينا المختار – صلى الله عليه وسلم – فهو أسوتهم في تلك الفعال، ثبت في الصحيحين، وغيرهما عن أسامة بن زيد – رضي الله تعالى عنهما – قال: كنا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – فأرسلت إحدى بناته تدعوه، وتخبره أن صبياً لها أو ابناً لها في الموت، فقال الرسول: "ارجع إليها، فأخبرها: أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب" فعاد الرسول، فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها، قال: فقام النبي – صلى الله عليه وسلم – وقام معه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم، فرفع إليه الصبي، ونفسه تقعقع كأنها في شنة (¬1) ¬

_ (¬1) الشنة: القربة الخلق: أي البالية اليابسة كما في مختار الصحاح: (371) "شنن" والمعنى: لروحه اضطراب وتحرك في جسده يشبه صوت الماء إذا ألقي في القربة البالية كما في شرح النووي: (6/225) قال الحافظ في الفتح: (3/157) : شبه البدن بالجلد اليابس الخلق / وحركة الروح فيه بما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها 10هـ وورد في رواية البخاري "كأنها شن" قال الحافظ: فكأنه شبه النفس بنفس الجلد وهو أبلغ في الإشارة إلى شدة الضعف، وذلك أظهر في التشبيه..

ففاضت عيناه، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –؟ قال: "هذه رحمة، جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء (¬1) " نسأل الله أن يمن علينا بكمال المتابعة لنبينا الميمون – صلى الله عليه وسلم – في كل حركة وسكون، إنه حي قيوم. ¬

_ (¬1) انظر الحديث في صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب 32: (3/151) ، وكتاب المرض – باب عيادة الصبيان: (10/118) ، وكتاب القدر – باب "وكان أمر الله قدراً مقدوراً": (11/494) وكتاب الإيمان والنذور – باب قول الله تعالى: "أَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ": (11/541) وفي كتاب التوحيد – باب قول الله تبارك وتعالى –: "قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى": (13/358) ، وباب ما جاء في قول الله تعالى –: "إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ": (13/434) بشرح ابن حجر في الجميع، وانظره في صحيح مسلم – كتاب الجنائز – باب البكاء على الميت –: (2/635-636) ، وسنن النسائي – كتاب الجنائز – باب الأمر بالاحتساب والصب عند نزول المصيبة: (4/19) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ما جاء في البكاء على الميت: (1/506) ، والمسند: (5/204، 207) . قال الحافظ في الفتح: (3/156) الصواب في حديث الباب أن المرسلة زينب ابنة النبي – صلى الله عليه وسلم –، وأن الولد صبية كما ثبت في المسند: (2/207) "أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – بأمامة بنت زينب" ثم قال الحافظ: والذي يظهر أن الله – تبارك وتعالى – أكرم نبيه – عليه الصلاة والسلام – لما سلم لأمر ربه وصبر ابنته، ولم يملك مع ذلك عينيه من الرحمة والشفقة بأن عافى الله ابنة ابنته في ذلك الوقت، فخلصت من تلك الشدة وعاشت تلك المدة – أي تزوجت – وهذا ينبغي أن يذكر في دلائل النبوة، والله المستعان.

وكما حصل للمكلف الرضا بقضاء الله – جل وعلا – من أثر معرفته بأن ما في السموات والأرض لله – جل جلاله – فانشرح صدره، وقرت عينه، واطمأن قلبه، فسيحصل له القناعة أيضاً وهي الغنى الحقيقي، والعز اليقيني، لأن ما قدره مالك السموات والأرض سيأتيه، فلا حاجة للتعب والنصب فيه وفي المستدرك بإسناد صحيح عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق، واتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم"، وفي معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "نفث روح القدس في روعي أن نفساً لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تحصلوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته"، وفي الحلية ومسند البزار ومعجم الطبراني الكبير عن أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله"ولفظ الطبراني: "أكثر مما يطلبه أجله (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المستدرك – كتاب البيوع –: (2/4) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي وذكره شاهداً لحديث جابر – رضي الله تعالى عنه – الذي رواه وهو بنحوه، وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي أيضاً: (4/325) أيضاً. ثم ذكر شاهداً له آخر بزيادة ألفاظ عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – وسكتا عليه، قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (2/64، 3/233) ، ورواه ابن أبي الدنيا في القناعة – أي رواية ابن مسعود – والبيهقي في شعب الإيمان، وقال: إنه منقطع، وانظر رواية جابر في صحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب البيوع – باب في طلب الرزق: (267) ، وفي كتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/183) . وانظر رواية الطبراني في مجمع الزوائد: (4/72) ، وفيه: عفير بن معدان وهو ضعيف وانظر الرواية الثالثة في حلية الأولياء: (6/86) ، ومجمع الزوائد: وفيه: رجاله ثقات، هذا وقد روي الحديث عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – عند البزار بسند قال فيه الهيثمي في المجمع: (4/71) فيه قدامة بن زائدة لم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات، وروى أبو يعلى نحوه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – بسند فيه عبيد بن بسطاس مولى كثير بن الصلت ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد أيضاً: (4/70-71) ، وما في بعض تلك الروايات من ضعف ينجبر بالصحيح من الروايات الأخرى، والله أعلم. وانظر الكلام على شواهد كثيرة للحديث في المقاصد الحسنة: (113-114) ، وفيض القدير: (2/251) .

". ورسوخ تلك المعاني في قلب العبد الفاني سعادة ليس بعدها سعادة، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "ليس الغني من كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الرقاق – باب الغنى غنى النفس: (11/271) بشرح ابن حجر وفيه: ثم غنى النفس إنما ينشأ عن الرضا بقضاء الله والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عبد اله خير وأبقى، وانظر الحديث في صحيح مسلم – كتاب الزكاة – باب ليس الغنى عن كثرة العرض: (2/726) ، وسنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء أن الغنى غنى النفس: (7/108) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب القناعة –: (2/1386) وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الزهد – باب الغنى غنى النفس: (624) وقد علمت وجوده في الصحيحين فتنبه، والمسند: (2/243، 261، 315، 390، 438، 443، 539، 540) ومسند الحميدي: (2/458) ، والحديث رواه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهم – ورجال الطبراني رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (10/237) – كتاب الزهد – باب ليس الغنى عن كثرة العرض، وروى الحاكم في المستدرك – كتاب الرقاق –: (4/327) وابن حبان في صحيحه – المكان المتقدم – عن أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى؟ قلت: نعم، قال: فترى قلة المال هو الفقر؟، قلت: نعم يا رسول الله، قال: ليس كذلك، إنما الغنى غنى القلب والفر فقر القلب" الحديث، قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري، واقره الذهبي ورواه الطبراني كما في مجمع الزوائد: (10/237) ، وقال الهيثمي: وفيه من لم أعرفه..

" وفي سنن الترمذي وغيره بإسناد صحيح عن فضالة بن عبيد – رضي الله تعالى عنه – أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "طوبى لمن هُدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافاً وقنع (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في الكفاف: (7/95) ،وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو في المسند: (6/19) ، والمستدرك – كتاب الإيمان: (1/35) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، واقره الذهبي، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الزهد – باب في القناعة: (631) ، ورواه النسائي في الكبرى كما في تخريج أحاديث الإحياء: (3/232) . وثبت في صحيح مسلم – كتاب الزكاة – باب في الكفاف والقناعة: (2/730) ، وسنن الترمذي – المكان المتقدم – وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب القناعة –: (2/1386) ، والمسند: (2/168، 173) ، والمستدرك – كتاب الأطعمة: (4/123) ، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي مع أنه في صحيح مسلم كما تقدم عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله تعالى عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه" والكفاف: ما كف عن السؤال، كما في غذاء الألباب: (2/525) ، ولذلك قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب: (4/69) ، والكفاف الذي ليس فيه فضل عن الكفاية، وروى أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب عن سعيد بن عبد العزيز، أنه سئل: ما الكفاف من الرزق؟ قال: شبع يوم، وجوع يوم 1هـ وفي جامع الأصول: (10/138) : والكفاف: الذي لا يفضل عن الحاجة ولا ينقص 10هـ. قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – وهذان الحديثان يشهدان لحديث أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – الذي جرى حوله كلام من قبل بعض الأئمة الأعلام، فيؤكد أن كونه من الأحاديث الحسان، حسبما قرره بعض الأئمة الكرام، ولفظ الحديث عن نبينا – عليه الصلاة والسلام –: "إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضاً في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافاً، فصبر على ذلك، ثم نفض بيده، فقال: عجلت منيته، وقلت بواكيه، قل تراثه" والحاذ: الحال، والظهر كما في اللسان: (5/20) "حوذ" والمراد في الحديث كما في الترغيب والترهيب: (4/154) : خفيف الحال، قليل المال وفي جامع الأصول: (10/138) : والخفيف الظهر من العيال، القليل المال القليل الحظ من الدنيا 1هـ، والحديث رواه الترمذي – المكان المتقدم – وقال: هذا حديث حسن وأقر الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (10/137) تحسين الترمذي، فقال: وإسناده حسن، قال الترمذي: هذا حديث حسن 10هـ وهو في سنن ابن ماجه – كتاب الزهد باب من لا يؤبه له: (2/1379) ، والمسند: (5/252) ، ومسند الحميدي: (2/404) ، والمستدرك – كتاب الأطعمة: (4/123) ،وقال: هذا إسناد للشاميين صحيح عندهم ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: لا، بل إلى الضعف هو، وحكى المنذري في الترغيب والترهيب: (4/154) تصحيح الحاكم وقال: كذا قال، وقد حكم الإمام العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (3/271) على سندي الترمذي وابن ماجه بالضعف، فقال: رواه الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين 10هـ وانظر زيادة تقرير في فيض القدير: (2/427) ، والله تعالى أعلم. وفي كتاب العزلة: (87) قصة طريفة فيها تقرير ما ورد في هذا الحديث الشريف، فدونكها، وحذار حدذار من الغفلة عنها: قال الأمير زياد لجلسائه: من أغبط الناس عيشاً؟ قالوا: الأمير وجلساؤه، فقال: ما صنعتم شيئاً، إن لأعواد المنبر هيبة، وإن لقرع لجام البريد لفزعة، ولكن أغبط الناس عندي رجل له دار لا يجري عليه كراها، وزوجة صالحة قد رضيته ورضيها، فهما راضيان بعيشهما، لا يعرفنا ولا نعرفه، ولأنه إن عرفنا وعرفناه أتعبنا ليله ونهاره، وأهذهبنا دينه ودنياه 10هـ.

". قال الإمام السفاريني – عليه رحمة الله تعالى – ومن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – طيب الله ثراه، ورضي عنه –: وَجَدْتُ القناعة َ ثوبَ الغِنى ... فَصِريُ بأذيالها أمْتَسِمكْ فَلْبسني جاهُها حُلة ... يَمُرُّ الزمأأانُ ولم تُنْتَهِكْ فَصِرْتُ غنياً بلا دَرْهم ٍ ... أمُرُّ عزيزاً كأني مَلِكْ وسئل الإمام بشر الحافي – عليه رحمة الله تعالى – عن القناعة، فقال: لو لم يكن فيها إلا التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزي، ثم أنشد: أفادَتنا القناعةُ أيَّ عزّ ... ولا عِزَّ أعزُّ من القناعة فخذ ْ منها لنفسك رأسَ مال ٍ ... وصَيّرْ بعدها التقوى بضاعة تَحُزْ حالتين: تُغْنَى عن بخيل ٍ ... وتَسْعَدُ في الجِنان بِصَبْر ساعة ولبعضهم: هي القناعة فالْزَمْها تَعِش مَلِكاٍ ... لو لم يكن فيها إلا راحة ُ البَدّن ِ وانظرْ لمنْ مَلَك الدنيا بأجْمعها ... هل راح منها سوى بالقُطْن والكَفَنِ (¬1) ¬

_ (¬1) انظر تلك الأبيات في غذاء الألباب: (2/257) وفي منظومة الآداب المشروحة في غذاء الألباب: ... بما لَلَّبَ الرحمن واشكره تحمد 0@وكنْ صابراً بالفقر وادّرِع ِ الرضا فما العزّ إلا في القناعة والرضا ... بأدني كَفَاف حاصل والتزهد فمن لم يُقْنِعْه ُالكَفَاف فما إلى ... رضاه سبيل فاقتنع وتَقَصّد فمن يَتغنى يُغْنِهُ الله ُ، والغنى ... غنى النفس لا عن كثرة المُتعَدّد وانظر شرك تلك الأبيات بكلام لذيذ مستطاب في غذاء الألباب: (2/513-555) ، فمت ذلك قوله: (2/532) : وما أحسن قول الإمام الشافعي – رضي الله تعالى عنه –: خَبَرتُ بني الزمان ِ فَلَمْ أرَ مِنْهُمُ ... سوى خَادع والخُبْثُ حَشْوً إهَابهْ فجَرَّدْتُ مِنْ غَمْدِ القناعة صارِماً ... قطَعْتُ رجائي مِنْهمُ بِذبَابِهْ فلا ذا يراني واقفاً بطريقهِ ... ولا ذا يراني قاعداً عند بابهْ غنيّ بلا مال ٍ عن الناس كلّهم ... وليس الغِنى إلى عن الشيء لا بهْ وقوله: وقال غير وأحسن: إذا أعْطشَتْك أكفُّ اللئام ِ ... كَفَتْكَ القناعة ُ شِبَعاً وَرِيَّا ج فكنْ رَجُلا ً رِجْلُه في الثَّرى ... وهامَة ُ هِمَّتِه في الثُّريَّا أبيّاً بنفسه عن بَاخِل ٍ ... تراه بما في يديه أبِبيّا فإنَّ إراقة ماء الحَيَا ... ة ِ دونَ إراقة ِ ماء المُحَيّا وانظر لزاماً الإحياء: (3/232-237) ففيه مدح القناعة والحث عليها، وبيان الأمور التي توصل إليها، ولله دره حيث يقول: في القناعة الحرية والعز، ولذلك قيل: استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت أميره، وقيل لبعض الحكماء: ما الغنى؟ قال: قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك، ثم سرد أبياتاً لطيفة رقيقة في ذلك منها: العَيشُ ساعات تَمُرّ ... وَخطوبُ أيام تكِرّ اقنعْ بعيْشك ترْضَهُ ... واترك هواك تعيش حرّ فَلَربَّ حتْف ٍ ساقه ... ذهب وياقُوتٌ ودُرّ ومنها: أرْفه ببال ِ فتى أمسى على ثقة ٍ ... إنَّ الذي قسَمَ الأرزاق يرزقهُ فالعِرضُ منه مصُون لا يدنِسُهُ ... والوجْهُ منه جَديد ليس يُخْلِقُهُ إن القناعة َ منْ يحللْ بساحَتِها ... لم يلقَ في دهره شيئاً يؤرِقُهُ ومنها: حتى متى أنا في حَلّ ٍ وترْحال ِ ... وطول سعي وإدبار وإقبال ونازح ِ الدار لا أنْفَكّ مُغْتَرِباً ... عن الأحبّة لا يدرون ما حَالي بمشرق ِ الأرض طوْراً ثم مغربها ... لا يخطر الموتُ منْ حرْصي على بالي ولو قنعت أتاني الرزق في دَعَة ٍ ... إن القُنوع َ الغِنَى لا كثرة المال ِ ومنها: أراكَ يزيدك الإثراءُ حِرْصاً ... على الدنيا كأنك لا تموتُ فهل لك غاية ٌ إنْ صرْتَ يوماً ... إليها قلت: حسبي قد رضيت ُ؟ وانظر تحفة السادة المتقين: ففيه تقرير ما ذكره الغزالي بكلام محكم متين، وانظر أيضاً ذلك المبعث العظيم في روضة العقلاء: (121-165) وفي صيد الخاطر ك (300-301) وفيه: تفضلْ على منْ شئتَ واعنْ بأمره ... فأنت ولو كان الأميرَ أميرُه وكنْ ذا غِنىً عمن تشاء من الوَرى ... ولو كان سُلطاناً فأنت نظيرُه ومنْ كنتَ مُحتاجاً إليه ووافقا ... على طمع منه فأنت أسيرُه وفي مجموع الفتاوى: (1/99) : أسعد الخلق أعظمهم عبودية لله – عز وجل – وأما المخلوق فكما قيل: احتج إلى من شئت تكن أسيره..إلخ وفي شرح تائهة السلوك: (11-22) ومما نقله عن الإمام الشافعي – عليه رحمة الله تعالى –: أمَتُّ مطامعي فأرَحتُ نفسي ... فإنَّ النفس ما طمعتْ تهونُ وأحييتُ القُنوع وكان ميتاً ... ففي إحيائه عِرْضُ مصُونُ إذا طمعٌ يحُلُّ بلقبِ عبد ٍ ... عَلتْهُ مهانة ٌ وعلاه هُونُ وله أيضاً: ورزْقك لا يفوتك بالتَّواني ... وليس يزيدُ في الرزق العناءُ إذا ما كنت ذا قلب قنوع ٍ ... فأنت ومالك الدنيا سواءُ ولبعضهم: النفسُ تأبى أن تكونَ فقيرة ... والفقر خير من غنىً يطغيها فغنى النفوس هو الكفاف فإن أبَت ... فجميع ما في الأرض لا يكفيها ولبعضهم: خذْ من العيش ما كفى ... فهو إنْ زاد أتلفها كسراج ٍ منوّر ... إن طَفا دُهْنُه انطفا ولبعضهم: عزيزُ النفس من لزم القناعة ... ولم يكشِفْ لمخلوق قِنَاعَهْ أفادتْنا لقناعة ُ كلَّ عزّ ... وهلْ عزُّ أعزّ من القَنَاعة ْ ج فصيرها لنفسك رأسَ مال ٍ ... وصيّرْ بعدها التقوى بضاعة ْ لِتَغْنى في حياتك عن لئيم ٍ ... وتسْعَدُ في الجنان بصبر ساعة ْ ولبعضهم: دع ِ الحرص على الدنيا ... وفي العيش فلا تطْمعْ فإنَّ الرزق مقسوم ... وسوء الظن لا ينفعْ فقير كل ذي حرص ... غنيٌّ كل من يقنع وقد تقدم في هذا الكتاب المبارك: (......) قول جبريل لنبينا – صلى الله عليه وسلم – "يا محمد: عس ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس"، وقد سأل نبينا – صلى الله عليه وسلم – ربه – جل وعلا – ما يسد حاجته ويكفيه، وعن غيره يغنيه، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً" وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً. انظر الحديثين في صحيح مسلم – كتاب الزهد والرقاق –: (4/2281) والثاني فيه أيضاً في كتاب الزكاة – باب في الكفاف والقناعة –: (2/730) ، وصحيح البخاري – كتاب الرقاق – باب كيف عيش النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم – وتخليهم عن الدنيا: (11/283) بشرح ابن حجر، وسنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في معيشة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأهله: (7/100-101) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب القناعة –: (2/1387) ، والمسند: (2/232، 446، 481) . وقد أخبر نبينا – صلى الله عليه وسلم – أن من حصل له ما يكفيه من تمتع بالأمن والعافية فقد أحرز النعم، وتمت في حقه كل المنن، ففي سنن الترمذي وغيره من عبيد الله بن محصن – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "من أصبح منكم آمناً في سربه معافىً في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا"، انظر سنن الترمذي – كتاب الزهد – باب 34: (7/93-94) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، ورواه ابن ماجه – في كتاب الزهد – باب القناعة – (2/1387) ، والبخاري في الأدب المفرد: (46) باب من أصبح آمناً في سربه –. ورواه ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الزهد – باب فيمن أصبح معافى: (620) لكن من رواية أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – وقد أشار الترمذي إلى هذه الرواية فقال وفي الباب عن أبي الدرداء، وقد مال الذهبي في الميزان: (2/191) إلى تضعيف رواية الترمذي، وحكم على سند الرواية الثانية باللين أيضاً، والله أعلم. قال ابن الأثير في جامع الأصول: (10/136) : "آمناً في سربه" أي في نفسه، يقال: فلان واسع السرب أي: رخىُّ البال، وروي بفتح السين ـ وهو: المسلك والمذهب 10هـ وفي فيض القدير: (6/68) عند شرح هذا الحديث، قال: وقال نفطية: إذا القوتُ يأتي لك والصحة ُ والأمنُ ... وأصبحتَ أخا حُزْن ِ فلا فَارَقَكَ الحُزْنُ

.. نسأل الله الكريم الرضا عنه وعنا، وأن يقنعنا بما قسم لنا، وغلى سواه أن لا يلكنا فهو ولينا وحسبنا. ب) تعليق الأمل بالله، وقطع الرجاء من غيره: فالأمور كلها من الله – جل وعلا – وإليه، ومن عداه ليس بشيء ليده، فهو لا يملك نقيراً ولا قطميراً، قال الله – جل ثناؤه –: " {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (¬1) } ¬

_ (¬1) الآيات: (13-17) من سورة فاطر، والقطمير هو: لفافة النواة، وهي القشرة الرقيقة كما في تفسير الجلالين: (348) ، ومختار الصحاح: (570) "قمطر" وأما النقير فهو: النقرة التي في ظهر النواة كما في المختار: (700) "نقر" – جل وعلا – يقول في سورة النساء: (53) : {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً} وفي تفسير الجلالين: (68) : أي ليس لهم شيء منه، ولو كان " فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً " أي: شيئاً قدر النفرة في ظهر النواة لفرط بخلهم..

فاطر13-17، وفي سورة يونس: يقول ربنا المعبود: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} يونس106-107، وتقدم حديث حصين – رضي الله تعالى عنه – وفيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – له: "كم تعبد اليوم إلها؟ فقال حصين: سبعة، ستة في الأرض، وواحداً في السماء، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: فأيهم تعد لرغبتم ورهبتك؟ فقال حسين: الذي في السماء، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "فيستجيب لك وحده، وتشكرهم معه؟ " ثم أسلم حصين – رضي الله تعالى عنه – وتقدم – أيضاً – في هذا الكتاب المبارك – حديث الأسود بن سريع – رضي الله تعالى عنه – وفيه: أتى النبي – صلي الله عليه وسلم – بأعرابي أسير، فقال: أتوب إلى الله – عز وجل – ولا أتوب إلى محمد – صلى الله عليه وسلم –: فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "عرف الحق لأهله (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر تخريج الحديثين في صفحة: (....) من هذا الكتاب المبارك.

وثبت في المسند وسند الترمذي بإسناد صحيح عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: كنت خلف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوماً فقال: "يا غلام أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب صفة القيامة: باب 60: (7/203-204) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وانظره في المسند: (1/293، 303، 307) ومسنده صحيح كما قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند: (2669، 2763، 2804) ، وانظره في المستدرك – كتاب معرفة الصحابة – رضي الله تعالى عنهم: (3/541-542) لكن سند طريقته ضعف كما بين الذهبي في تلخيص المستدرك، والسيوطي في الجامع الكبير: (1/974) ، وانظر الحديث في حلية الأولياء: (1/314) والاعتقاد للبيهقي: (72) ، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد: (14/125) عن أبي سعيد الخدري. قال ابن منده كما في جامع العلوم والحكم: (174) وقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه وصى به ابن عباس بهذه الوصية من حديث على بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد، وعبد الله بن جعفر وفي اسانيدها كلها ضعف 1هـ وانظر من خرج الحديث غير ما تقدم في الجامع الكبير: (1/974) ، وجامع العلوم والحكم: (174) ، والفتح المبين: (175. وهذا الحديث هو الحديث التاسع عشر في الأربعين النووية، قال الإمام ابن رجب في جامع العلوم والحكم: (174) : وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة، وقواعد كلية من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء: تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش، فواأسفاه من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه، قلت – القائل: ابن رجب – وقد أفردت لشرحه جزءا كبيراً، وقال شيخ الإسلام معلقاً على هذا الحديث في مجموع الفتاوى: (1/93) : فهذا يدل على أنه لا ينفع في الحقيقة إلا الله – عز وجل – ولا يضر غيره، فمن سلك هذا المسلك استراح من عبودية الخلق ونظره إليهم وأراح الناس من لومه وذمه إياهم، وتجرد التوحيد في قلبه، فقوي إيمانه، وانشرح صدره، وتنور قلبه ومن توكل على الله فهو حسبه، ولهذا قال الفضل بن عياض – رحمه الله تعالى –: من عرف الناس استراح، يريد – والله أعلم – أنهم لا ينفعون، ولا يضرون 10هـ.

" وفي سنن الترمذي وغيره بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في الهم في الدنيا وحبها –: (7/82-83) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، والحديث ورد بهذا اللفظ في الطبعة الحمصية وهي المتقدمة ف، وفي الطبعة المصرية: (4/563) وفي عارضة الأحوذي: (9/200) وتحفة الأحوذي: (3/263) ، وفيه "برزق عاجل" بالعين المهملة "أو آجل" بهمزة ممدودة 10هـ وقد روى الحديث أبو داود في كتاب الزكاة – باب في الاستعفاف –: (2/296) بلفظ: "...... أوشك الله له بالغنى، إما بموت عاجل، أو غنى عاجل" ومثل رواية أبي داود رواية المسند: (1/407) "أوشك اله له بالغنى، إما أجلٌ عاجل، أو غنى عاجل" لكن ورد في المسند: (1/389) : "آتاه الله برزق عاجل أو بموت آجل" وفي: (1/442) : "آتاه الله برزق عاجل أو موت عاجل" هكذا وردت الرواية الأخيرة في طبعة الحلبي ووردت في النسخة الكتانية المغربية: "أو موت آجل" كما قال الشيخ أحمد شاكر: (6/117) ومال إلى إثباتها لموافقتها الرواية الماضية في الإسناد، وسند روايات المسند صحيح كما قرر الشيخ أحمد شاكر: (3696، 3869، 4219، 5/258، 333، 6/117) ، والحديث في المستدرك – كتاب الزكاة: (1/408) بلفظ: "..... إما بموت آجل أو غنى عاجل" وقال الحاكم: صحيح الإسناد وأقره الذهبي. ومعنى الروايات: أن من أنزل حاجته بربه – جل وعلا – سيأتيه الله بالفرج عاجلاً أو آجلا ً حسب حكمته ومشيئته، وذلك الفرج بحالتيه العاجل والآجل قد يكون يساراً ورزقاً مدراراً، وقد يكون وفاة، واستراحة من عناء الدنيا، وهذا يجمع شمل تلك الروايات وهو أولى من حمل الموت على موت قريب ليحصل الإرث لصاحب الفاقة، كما في أولى من ادعاء، أرجحية رواية: "أو غنى آجل" بالمد على رواية: "أوغنى عاجل" ونقل ذينك المعنيين المباركفوي في تحفة الأحوذي: (3/263) عن الشيخ علي القاري فتأملهما.

". وفي الحكم العطائية: لا تتعد نية همتك إلى غيره، فالكريم لا تتخطاه الآمال، لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك، فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعاً، ومن لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يستطيع أن يكون لها رافعاً (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الحكم مع شرحها لابن عباد النضري، وللشيخ عبد الله الشرقاوي: (34) .

وتقدم في هذا الكتاب المبارك أثر وهب بن منبه – عليه رحمة الله تعالى – أنه قرأ في الكتاب الأول أن الله – تبارك وتعالى – يقول: "بعزتي من اعتصم بي، فإن كادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجاً، ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء، وأخسف به من تحت قدميه الأرض، فأجعله في الهواء، فأكله على نفسه ثم لا أبالي بأي وادٍ هلك (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صفحة: (......) .من هذا الكتاب المبارك، وانظر لزاماً ما أحلت عليه في ذلك المكان، مما فيه خلاص من الشدائد الجسام، وتأييد لمن يعتصم بالملك الرحمن، وشرح الحكم لابن عباد: (35) ، قال محمد بن الحسين بن حمدان: كنت في مجلس يزيد بن هارون، وكان إلى جانبي رجل، قلت له: ما اسمك؟ فقال: سعيد، فقلت: وما كنيتك؟ قال: أبو عثمان، فسألته عن قصته وخبره، فقال: نفدت نفقتي، فقلت: ومن تؤمل لما قد نزل به؟ فقال: يزيد، فقلت: إذن لا يسعفك بحاجتك، ولا ينجح طبلك، ولا يبلغك أملك، فقال: وما علمك بهذا – رحمك الله –؟ قلت: إني قرأت في بعض الكتب أن الله – عز وجل – يقول: وعزتي وجلالي وجودي وكرمي، وارتفاعي فوق عرشي في علو مكاني لأقطعن أمل كل مؤمل لغيري بالإياس، ولأكسوته ثوب المذلة عند الناس، ولأنحينه من قربي، ولأقطعنه من وصلي، أيؤمل غيري في النوائب والشدائد بيدي؟ وأنا أنحى، ويرجى غيري، وتطرق الفكر أبواب غيري، وبيدي الأبواب وهي مغلقة، وبابي مفتوح لمن دعاني؟ من ذا أملني لنائبة فقطعت به دونها؟ ومن ذا الذي رجاني لعظيم جرمه فقطعت رجاءه مني؟ أم من ذا الذي يقرع بابي فلم أفتحه له؟ جعلت آمال خلقي بيني وبينهم متصلة، فتعلقت بغيري، وجعلت رجاءهم مدخراً لهم عندي فلم يرضوا بحفظي، وملأت سمواتي ممن لا يملون تسبيحي من ملائكتي، وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي، فلم يثقوا بقولي، ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري؟ فما لي أراه بآماله معرضاً عني؟ ومالي أراه لاهياً بسواي؟ أعطيته بجودي مالم يسألني، ثم انتزعته منه، فلم يسألني رده، وسأل غيري، أفتراني أبدأ بالعطية قبل المسألة، ثم أسأل فلا أجيب سائلي؟ أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟ أليس الدنيا والآخرة لي؟ أوليس الرحمة والفضل بيدي؟ أوليس الجود والكرم لي؟ لو قلت لأهل سمواتي وأرضي: أملوني، ثم أعطيت كل واحد منهم من الفكر ما أعطيت الجميع ما نقص ذلك من ملكي عضو ذرة، كيف ينقص ملك كامل أنا قيمه؟ فيا بؤس القانطين من رحمتي، ويا بؤس من عصاني، ولم يراقبني، وثبت على محارمي، ولم يستح مني 10هـ وهذا الأثر غاية ما يقال فيه أنه من أخبار ما سبقنا من الأمم، قبلنا، ولكل فقرة منه شواهد في شرعنا، ولذلك ترخصت في ذكره فحديث ابن عباس وابن مسعود المتقدمين قريباً يشهدان له، كما أن حديث أبي ذر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – المتقدم في هذا الكتاب المبارك: (.......) يشهد له فاعلم، والله تعالى أعلم.

". نسأل الله الكريم المجيد، أن يمن علينا بتحقيق التوحيد، وقطع الأمل من جميع العبيد، إنه فعال لما يريد.

توحيد الألوهية للشيخ عبد الرحيم الطحان

نماذج من توحيد العبادة (توحيد الألوهية) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم نماذج من توحيد العبادة "توحيد الألوهية" تقدم الكلام عن بيان أقسام توحيد ذي الجلال والإكرام، أن توحيد العبادة يقوم على ركنين ركنين، ويشيد بناءه على دعامتين متينتين، وهما: إفراد الله - جل وعلا - بالعبادة، وإفراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتابعة، لتكون عبادته - جل جلاله - بما شرع بالأهواء والبدع إياك أريد، بما تريد، وهذا هو مدلول كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أجله أوجد الله العبيد. وقد تقدم البيان - أيضاً - أن الكلام في هذا النوع من توحيد ربنا الرحمن هو من باب الإنشاء فهو توحيد في القصد والطلب، في الإرادة والعمل، ولذلك ينحصر موقف المكلف نحوه في أمرين لا ثالث لهما، وهما: الامتثال مع الحب، أو الإعراض مع البغض. وكنت أشرت فيما سبق أن أكثر الناس في القديم والحديث، أعرضوا عن هذا النوع من التوحيد وعكفوا على عبادة الطواغيت، ولما كان الأمر كذلك، سأستعرض من توحيد العبادة بعض النماذج ليحذر المهتدي من المهالك، ويفوز برضوان الرب المالك. أولا الخوف والرجاء:

.. لابد لسالك طريق الآخرة من إفراده ربه بخوفه ورجائه، فبذلك تستقيم أفعاله، وتصلح أحواله وتحسين عاقبته ومآله، فيبتعد عن الأمن من مكر الله – جل وعلا – والقنوط من رحمته، إذ لا يقود إلى فعل الفضائل الموصلة إلى النعيم، وترك الرذائل المردية في العذاب الأليم، إلا خوف مالك يوم الدين، ورجاء رحمة الرحمن الرحيم، ومن أجل ذلك كان الخوف والرجاء للإنسان، بمنزلة جناحي طائر الحيوان، قال أبو علي الروذباري – عليه رحمة ربنا الباري –: الخوف والرجاء كجناحي الطائر، إذا استويا استوى الطائر، وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر نسبة ذلك إليه في مدارج السالكين: (2/36) ، والروذباري بضم الراء وسكون الواو والذال المعجمة، وفتح الباء الموحدة وبعد الألف راء، ويقال هذا لمواضع عند الأنهار الكبار، فيقال لها: الروذبار، وهي موضع عند طوس ينسب إليها أو علي محمد بن أحمد بن القاسم الروذباري الصوفي سحب الجنيد، وكان فقيهاً محدثاً نحوياً، وله شعر رقيق، توفي سنة ثلاثة وعشرين وثلاثمائة كما في اللباب: (2/41) ، وانظر ترجمته المباركة في تاريخ بغداد: (1/329-333) ، وفيه أقام بمصر وصار شيخ الصوفية، ورئيسهم بها، وله تصانيف حسان في التصوف نقلت عنه، وكان من أهل الفضل والفهم، وقيل له: من الصوفي؟ فقال: ومن لبس الصوف على الصفا، وسلك طريق المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وأطعم الهوى ذوق الجفا، وكانت الدنيا منه على القفا، وانظر ترجمته في الحلية: (10/356-357) ، والبداية والنهاية (11/180-181) ، والرسالة القشيرية: (1/185) وفيما تقدم من الكتب الثلاثة الأخيرة، وفي كف الرعاع عن المحرمات اللهو، والسماع مطبوع في نهاية الزواجر: (2/284) ، سئل عمن يستمع الملاهي لأنه وصل إلى درجة لا تؤثر فيه اختلاف الأحوال فقال: نعم قد وصل، ولكن وصوله إلى سقر، وكان يقول كما في الحلية: في اكتساب الدنيا مذلة النفوس، وفي اكتساب الآخرة عزها، فيا عجبا لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى على العز في طلب ما يبقى، وانظر بيان حاله أيضاً في صفوة الصفوة: (2/454-455) ، وطبقات الصوفية: (497-500) والطبقات الكبرى للشعراني: (1/145) ، وشذرات الذهب: (2/296-297) .

وقال الحسن البصري – رحمه الله تعالى – الخوف والرجاء مطيتا المؤمن (¬1) . ... وقد وصفت آيات القرآن الكريم عباد الله المخلصين، بالجمع بين الخوف من رب العالمين، وبين رجاء رحمة أرحم الراحمين، قال ربنا الكريم – وهو أصدق القائلين –: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} الأنبياء90، وضمائر الجمع تعود للأنبياء المتقدم ذكرهم في السورة – على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه –، والمعنى: إن من تقدم ذكرهم من الأنبياء – على نبينا وعليهم الصلاة والسالم – كانوا يبادرون إلى فعل الخيرات، ويجدون في عمل الحسنات، وهم مع ذلك راغبون في رحمتنا، راجون لها، وراهبون عن غضبنا خائفون منه (¬2) ، ¬

_ (¬1) انظر نسبة ذلك إليه في حلية الأولياء: (2/156) . (¬2) وهذا هو الراجح في عود الضمائر كما في روح المعاني: (17/87) ، فقال: وعليه المعول وعليه وقع الاقتصار في تفسير الجلالين: (263) ، وقيل إن الضمائر تعود لأقرب مذكور، وهم زكريا وامرأته ويحيى – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام – وقد حكى ابن الجوزي في زاد المسير: (5/385) القولين دون ترجيح، وذكر ابن كثير في تفسيره: (3/193-192) ما يفيد ترجيح القول الثاني حيث ساق رواية ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حكيم، قال: خطبنا أبو بكر – رضي الله تعالى عنه – ثم قال: أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله، وتثنوا عليه بما هو له أهل، وتخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة ويدعوننا رغبا ورهباً، وانظر الخطبة كاملة في الحلية: (1/35) ..

وأخبر ربنا – جل وعلا - في سورة الإسراء أن من عبدوا من دون الله من الصالحين يتنافسون في طاعة رب العالمين، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه الأليم، فقال – جل جلاله –: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} الإسراء56-57، وفي تفسير ابن كثير لقول الله الجليل: "وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ" لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء، فبالخوف ينكف عن المناهي، وبالرجاء يكثر من الطاعات (¬1) ، ¬

_ (¬1) انظر تفسير ابن كثير: (3/47) ، وأوضح ما عني بالآية الكريمة ما رواه البخاري في صحيحه – كتاب التفسير – سورة الإسراء باب "6،7" في تفسير الآية المتقدمة: (8/397-398) بشرح ابن حجر ورواه الحاكم في المستدرك – كتاب التفسير – تفسير سورة الإسراء: (2/362) ، وقال هذا حديث صحيح ابن جرير في تفسير: (15/72) ، وأبو نعيم في الدلائل: (126) ، ورواه عبد الرزاق، والفريابي وسعيد بن منصور، وابن شيبة، والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، كما في الدر المنثور: (4/189) عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناساً من الجن، فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء بدينهم، هذا لفظ البخاري وفي لفظ لابن جرير وأبي نعيم: فأسلم النفر من الجن، واستمسك هؤلاء – الإنس – بعبادتهم، فأنزل الله: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ" الآية، قال الحافظ في الفتح: (8/397) : وهذا هو المعتمد في تفسير هذه الآية. هذا وقد روى ابن جرير في تفسيره: (15/73) عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قولاً ثانياً في بيان المراد بالآية الكريمة، وهو: كان قبائل من العرب يعبدون صنفاً من الملائكة، يقال لهم الجن، ويقولون: هم بنات الله، فأنزل الله – عز وجل –: "أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ" الآية، وبعد أن رجح الإمام الطبري القول الأول مال أيضاً إلى قبول الثاني، واحتمال الآية له، فقال: وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية قول عبد الله بن مسعود ... ولا قول في ذلك إلا قول من قال ما اخترنا فيه من التأويل، أو قول من قال هم الملائكة، وهما قولان يحتملهما التنزيل، وقد حكى ابن كثير في تفسير: (3/47) ترجيح ابن جير للقول الأول، ولم يتعرض لبيان موقفه من القول الثاني، قال الحافظ في الفتح: (8/397) ، وإن ثبت ذلك فمجمول على أنها نزلت في الفريقين، وإلا فالسياق يدل على أنهم قبل الإسلام كانوا راضين بعبادتهم، وليست هذه من صفات الملائكة، وفي رواية سعيد بن منصور عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في حديث الباب: "فعيرهم الله بذلك" وقد وري قول ثالث في بيان المراد بالآية المباركة في تفسير ابن جرير: (15/73) ، وغيره فانظر الدر: (4/190) عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – هم: عيسى وأمه وعزير، والشمس والقمر، وقد رد ذلك ابن جرير تمسكاً بأن الآية في بيان ما كان حاصلاً في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم –، ومعلوم أن عيسى وأمه وعزيراً لم يكونوا موجودين إذ ذاك، فكيف يبتغون إلى ربهم الوسيلة؟ فهم إذن لا سبيل لهم في ذلك الوقت إلى العمل كما هو حال الشمس والقمر، ويضاف إلى هذا ما قرره الحافظ في الفتح: (397) من ضعف طرق تلك الرواية، وفيه: تنبيه: استشكل ابن التين قوله: "ناساً من الجن من حيث أن الناس ضد الجن، وأجيب بأنه على قول من قال: إنه من ناس إذا تحرك، أو ذكر للتقابل حيث قال: ناس من الإنس، وناساً من الجن، وياليت شعري على من يعترض؟.

وبذلك وصف الله الكريم المؤمنين في سورة السجدة وأخبرهم عما لهم من الأجر العظيم، فقال – عز سلطانه المتين: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} السجدة15-17. ... وقد أمرنا ربنا الكبير برجاء ثوابه الجليل، والخوف من عقابه الوبيل، فقال – جل جلاله – في سورة الأعراف: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف55-56.

.. وقد أخبرنا خاتم الأنبياء – صلى الله عليه وسلم – أن من تحقق بالخوف والرجاء، فقد حظي برضوان رب الأرض والسماء، ففي سنن الترمذي، وابن ماجه عن أنس – رضي الله تعالى عنه – قال: دخل النبي – صلى الله عليه وسلم – على شاب، وهو في الموت، فقال: "كيف تجدك؟ " قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن، إلا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه مما يخاف (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الجنائز – باب الجنائز – باب "11": (3/364) ، وقال الترمذي هذا حديث سحن غريب، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب ذكر الموت والاستعداد له: (2/1423) ، ورواه النسائي في السنن الكبرى أيضاً كما في تخريج أحاديث الإحياء: (4/141) ، وفيه: قال النووي إسناده جيد، وهو في كتاب عمل اليوم والليلة لابن السني: (201-202) – باب ما يستحب من جواب المريض –، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير (1/922) إلى أبو يعلى، وشعب الإيمان للبيهقي.

.. والخوف والرجاء متلازمان، فكل منهما يستلزم الآخر، فكل خائف راج، وكل راج خائف، كما قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله – وقال: ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يسحن فيه وقوع الخوف، قال الله – تبارك وتعالى –: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} نوح13، قال كثير من المفسرين المعنى: ما لكم لا تخافون الله عظمة؟ قال: والرجاء بمعنى الخوف، والتحقيق: أنه ملازم له، فكل راج خائف من فوات مرجوه، والخوف بلا رجاء يأس وقنوط، وقال – تبارك وتعالى –: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ} الجاثية14، قالوا في تفسيرها: لا يخافون وقائع الله بهم، كوقائعه بمن قبلهم من الأمم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين: (2/51) ، وانظر النص على تلازمهما في المفردات: (190) – كتاب الراء – والإحياء: (4/160) ، وقد قرر أئمة اللغة أن لفظ الرجاء من الأضداد يستعمل في الأمل، كما يستعمل في الخوف والوجل، انظر الأضداد للأصمعي: (23) ، وللسيجستاني: (81) ولابن السكيت: (179) وذيل الأضداد للصفاني: (230) ومن مجيئه بمعنى الأمل قول الله – عز وجل –: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} الإسراء57، وقوله – جل وعلا –: في نفس السورة: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} الإسراء28، وقوله – عز وجل – في سورة القصص: {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ} القصص86، ومنه قول كعب بن زهير – رضي الله تعالى عنه – في قصيدة "بانت سعاد": ضمن مجموع مهمات المتون: (78) : أرجو وآمُلُ أنْ تدنو مودتها ... وما إخالُ لدينا منك تَنْويلُ قال السيجستاني في الأضداد: (80) أراد الطمع 10هـ ومنه ما في تفسير القرطبي: (3/18) قال الشاعر: أترجو أمة قَتَلَتْ حُسَيْنا ... شفاعة جدّه - صلى الله عليه وسلم - يومَ الحساب ومن مجيئه بمعنى الخوف والوجل الآيتان المتقدمان في كلام الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى، وقد نص على كون الرجاء في الآية الأولى بمعنى الخوف الأصمعي في الأضداد: (23) ، والسيجستاني في الأضداد: (81) ، وابن السكيت في الأضداد أيضاً: (79) ، وفي تلك الكتب الثلاثة ومعاني القرآن للفراء: (2/265) ، واللفظ له: وأنشدني بعضهم: لا تَرْتجي حين تلاقي الذائدا ... أسبعة لاقتْ معاً أم واحدا أي: لا تخاف ولا تبالي 10هـ والذائد هو المحامي المدافع، والبيت غير منسوب في الجميع، قال الفراء: وهي لغة تهامية يضعون الرجاء في موضع الخوف، إذا كان معه جحد، وفي الإتقان: (2/111) نقلاً عن السهيلي: إنها لغة هذيل: وفي الأضداد للسيجستاني: إنها لغة هذيل، وكنانة، ونصر، وخزاعة، وفي الأضداد للأصمعي: (24) ، وابن السكيت: (179) ، قال يونس: إذا أهل الكرام يكرموني ... فلا أرجو الهَوَان من اللئام وانظر شواهد أخرى فيما تقدم، وفي اللسان: (19/23-24) "رجا" ومجاز القرآن: (2/73) ، ومن احتمال لفظ لرجاء للوجل والأمل قول الله – جل وعلا – في سورة الفرقان: (21) {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً} الفرقان21، كما في تفسير القرطبي: (18/19) ، ونقل عنه ذلك شيخنا في الأضواء: (6/303-304) ، وأقره ومنه قول الله – جل وعلا – في سورة النساء: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} النساء104 كما في روح المعاني: (5/138) .

.. وتحقيقاً لاستلزام كل من الخوف والرجاء للآخر، كان المؤمن يخاف من رد طاعته، ويرجو قبولها، ويخاف من العقوبة على ذنوبه، ويرجو غفرانها، ويخاف من وقوعه في النار، ويرجو السلامة منها، ويخاف من طرده من الجنة، ويرجو نيلها ودخولها. ... وذانك الأمران مع أنهما متلازمان، فهما ركنا محبة الرحمن – جل وعلا – وعلى ذلك مدار الإيمان، قال الإمام ابن القيم – نور الله مرقده –: وعلى حسب المحبة وقوتها يكون الرجاء، فكل محب راج خائف بالضرورة، فهو أرجى ما يكون لحبيبه أحب ما يكون إليه، وكذلك خوفه، فإنه يخاف سقوطه من عينه، وطرد محبوبه له، وإبعاده، واحتجابه عنه، فخوفه أشد خوف، ورجاؤه ذاتي للمحبة، فإنه يرجوه قبل لقائه والوصول إليه، فإذا لقيه ووصل إليه اشتد الرجاء له، لما يحصل له به من حياة روحه، ونعيم قلبه من ألطاف محبوبه، وبرده وإقباله عليه، ونظره إليه بعين الرضى، وتأهيله في محبته وغير ذلك مما لا حياة للمحب، ولا نعيم ولا فوز إلا بوصوله إليه من محبوبه، فرجاؤه أعظم رجاء، واجل وأتمه، فتأمل هذا الموضع حق التأمل، فإنه يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبودية والمحبة فكل محبة فهو مصحوبة بالخوف والرجاء، وعلى قدر تمكنها من قلب المحب يشتد خوفه ورجاؤه، لكن خوف المحب لا يصحبه وحشة، بخلاف خوف المسيء، ورجاء المحب لا يصحبه علة بخلاف رجاء الأجير وأين رجاء المحب من رجاء الأجير؟ وبينهما كما بين حاليهما 10هـ.

.. وعلى المحبة وركنيها يقوم الدين، وإلى ذلك أشار رب العالمين، فقال في سورة الإسراء في وصف عباده المخلصين، الذين تحققوا بمقامات الدين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} الإسراء57، قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – ابتغاء الوسيلة إليه: طلب القرب منه بالعبودية والمحبة، فذكر مقامات الإيمان الثلاثة التي عليها بناؤه، الحب، والخوف، والرجاء (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مدارك السالكين: (2/42-43، 43، 35) ، ومثله في طريق الهجرتين: (363) ، وانظر تنصيص شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية – على كون محركات القلوب إلى الله – عز وجل – ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء في مجموع الفتاوى: (1/95) ، وقرر أيضاً في التحفة العراقية في الأعمال القلبية ضمن مجموع الفتاوى: (10/61) أن المحبة أصل كل عمل ديني، والخوف والرجاء يستلزمان المحبة ويرجعان إليها، ونحوه في إحياء علوم الدين: (4/163) .

.. وإذا فرط الإنسان في بعض تلك المقامات، وقع الهلاك والآفات، ولذلك قرر سلفنا أهل العقول الزاكيات أن من عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد صديق، ومن عبده بالحب فقط فهو شقي زنديق، ومن عبده بالخوف فقط فهو حروري، ومن عبده بالرجاء فقط فهو مرجئي (¬1) . ¬

_ (¬1) هو قول مكحول الدمشقي كما في الإحياء: (4/163) ، وكرر الإمام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – الاستشهاد بذلك الكلام، وترداده في كثير من كتبهما العظام انظر مجموع الفتاوى: (10/81، 207، 15/21) ، وبدائع الفوائد: (3/11) ، وانظره في شرح الطحاوية: (283) ، ومكحول الدمشقي تابعي من رجال مسلم والسنن الأربعة مات سنة بضع وعشرة ومائة – رحمه الله تعالى – كان إمام الشام في زمانه، وهو أفقه من الزهري، انظر هذا وغيره من ترجمته العطرة في تذكرة الحفاظ: (1/107-108) ، وطبقات ابن سعد: (7/453-454) ، والبداية والنهاية: (9/305) وميزان الاعتدال: (4/177) ، وتهذيب التهذيب: (10/289-293) ، وشذرات الذهب: (1/146) . ومعنى قوله: من عبد الله بالحب فقط فهو زنديق، ما وضحه شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم الهمام – عليهما رحمة رب الأنام – وخلاصة ما في مجموع الفتاوى وبدائع الفوائد في الأمكنة المتقدمة: أن المحبة إذا لم تقرن بالخوف فإنها تضر صاحبها، لأنها توجب الإدلال والانبساط، كما ينبسط الإنسان في محبة الإنسان مع جهله وحمقه، ويقول أنا محب، فلا أؤاخذ بما أفعله ويكون فيما يفعله عدوان وجهل وهذا عين الضلال، وهو شبيه بقول اليهود والنصارى: {نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} المائدة18، والذين توسعوا في سماع القصائد المتضمنة للحب والشوق، واللوم والعذل والغرام كان هذا أصل مقصدهم، قال الشيخ وتلميذه – عليهما رحمة الله تعالى –: وحدثني رجل أنه أنكر على رجل من هؤلاء خلوة له ترك فيها حضور الجمعة، فقال له: أليس الفقهاء يقولون إذا خاف على شيء من ماله فإن الجمعة تسقط عنه؟ فقال له: بلى، فقال له: فقلب المريد أعز عليه من ضياع عشرة دراهم، وهو إذا خرج ضاع قلبه، فحفظه لقلبه مسقط للجمعة في حقه، فقال له: هذا غرور، بل الواجب عليه الخروج إلى أمر الله، وحفظ قلبه مع الله، فتأمل كيف آل الأمر بهؤلاء إلى الانسلاخ عن الإسلام جملة، فإن من سلك هذا المسلك انسلخ عن الإسلام العام كانسلاخ الحية من قشرها، وهو يظن أنه من خاصة الخاصة، وسبب هذا عدم اقتران الخوف من الله – جل وعلا – بحبه، وذلك كان المشايخ المصنفون في السنة يذكرون في عقائدهم مجانبة من يكثر دعوى المحبة والخوض فيها من غير خشية، وقد آل الأمر ببعضهم إلى استحلال المحرمات بدعوى أن المحب لا يضره ذنب. قال مقيد هذه الكلمات – غفر الله له السيئات –: وقد عانيت في حداثة سنة من ظلال الصوفية ما عانيت، ولما لمت بعضهم في تقديس من هو متلبس بكل نقيصة وتارك لكل فريضة، أجابني بأن أصوله لهم عند الله مقام، والفرع منهم ولو مال، كما هو الحال في أغصان الأشجار، وخبرني جاهل ضال أن شيخهم المريد يقول لهم: لا تخافوا أولادي من النار، فإذا كان يوم القيامة وضعتكم في رقبتي كما توضع القلادة في عنق المرأة، وطرت فوق جهنم إلى الجنة، فقلت له، وإذا سقط الشيخ فماذا سيكون حالكم، وانظر لزاماً ما لبسه الشيطان على من ادعى محبة الرحمن، دون خشيته في السر والإعلان في كتاب تلبيس إبليس: (341-350) فقد وصل الشطط ببعضهم أن قال يخوفنا الله بالنار، ما النار؟ لو رأيتها لأطفأتها بطرف مرقعتي، ولو بصق المحب على النار لأطفأها، سبحانك سبحانك هذا بهتان عظيم، وقائله شيطان رجيم، ويقصد بقوله: ومن عبده بالرجاء فقط فهو مرجئي: ما آل إليه غالبية المرجئة وزنادقتهم من أن النار لا يدخلها أحد من أهل التوحيد، ولا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهذا قول مخترع في دين الله – جل وعلا – لم يقل به أحد من السلف الكرام كما في مجموع الفتاوى: (7/181، 501) ، قال شيخنا محمد الحامد – عليه رحمة الله تعالى – ردود على أباطيل: (118) وقال قائلهم – أي قائل غلاة المرجئة –: متْ مُسلماً ومن الذنوب فلا تخف ... حاشا المهيمن أن يرى تنكيدا لو رامَ أن يصليك نار جهنم ... ما كان ألهمَ قلبك التوحيدا فمن تقلد تلك النحلة الخبيثة دعاه ذلك إلى التفريط في الواجبات، وإلى ارتكاب الموبقات تعويلاً على رجاء رب الأرض والسموات بسبب ما عنده من إيمان، حسبما يوسوس له الشيطان. ويراد بقوله: ومن عبد الله بالخوف فقط فهو حروري: أن هذا مسلك الخوارج، فهم الحرورية، فالخوارج تلك الفرقة الضالة على أمير المؤمنين عليّ – رضي الله تعالى عنه – وكان خروجهم في قرية بظاهر الكوفة تسمى حوراء فنسبوا إليها، وفي صحيح مسلم – كتاب الحيض – باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة: (4/27) بشرح الإمام النووي عن معاذة أن امرأة سألت عائشة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فقالت: أتقضي إحدانا الصلاة أيام محيضها؟ فقالت عائشة – رضي الله تعالى عنها –: أحرورية أنت؟ قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم لا تؤمر بقضاء، قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى – قولها: أحرورية أنت؟ هو بفتح الحاء المهملة، وضم الراء الأولى، وهي نسبة إلى حوراء وهي قرية بقرب الكوفة، قال السمعاني: هو موضع على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به، قال الهروي: تعاقدوا في هذه القرية فنسبوا إليها، فمعنى قول عائشة – رضي الله تعالى عنها –: أن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض وهو خلاف إجماع المسلمين، وهذا الاستفهام الذي استفهمته عائشة – رضي الله تعالى عنها – هو استفهام إنكار، أي: هذه طريقة الحرورية، وبئست الطرقة 10هـ. وطريقة الخوارج الحرورية قائمة على التصديق بنصوص الوعيد دون الوعد فهي عكس طريقة غلاة المرجئة كما في مجموع الفتاوى: (8/270) ، وعليه فليس عبادة الحرورية رجاء، إنما هي خوف وعناء، وأهل السنة الأتقياء قامت عبادتهم لرب الأرض والسماء على المحبة والخوف والرجاء. فائدة: لفظ المقام الوارد في كلام الإمام ابن القيم – عليه رحمة ربنا الرحمن – خلاصة الأئمة في بيان حقيقته: أن الواردات التي ترد على القلوب في طاعة علام الغيوب لها أسماء باعتبار أحوالها فتكون لوامع وبوارق ولوائح عند أول ظهورها وبدورها، فإذا أحلت في القلب وباشرته كانت أحوالا، فإذا تمكنت منه، وثبتت له من غير انتقال، فهي مقامات، قالوا ردات لوامع وبوارق ولوائح في أولها، وأحوال في وسطها، ومقامات في نهاياتها، فتنوعت العبارات لتنوع الاعتبارات، انظر تفصيل ذلك في مدارج السالكين: (1/135-139) ، والرسالة القشيرية: (1/204) والتعريفات: (203) ، وعوارف المعارف على هامش الإحياء: (4/281-298) وإحياء علوم الدين: (4/139) وأشار إلى المقامات والأحوال الشيخ ابن تيمية في أول التحفة العراقية ضمن مجموع الفتاوى: (10/5)

.. قال عبد الرحيم الطحان – غفر الله له جميع الذنوب والآثام -: إذا كان الخوف والرجاء من مقامات الإيمان، وعليهما تتوقف سعادة الإنسان، فهما له كالجناحان لطائر الحيوان، فينبغي اعتدالهما في سائر الأزمان، والحكم الذي في حق متقي الرحمن، المتصف بكمال الإيمان، لكن لما كان أكثر الخلق ذوو تفريط وعصيان، قرر العلماء الكرام، تعليب الوجل على الأمل ما لم يحضر الأجل، بشرط أن لا يخرجه ذلك إلى اليأس المفضي إلى ترك العمل، ولا يؤدي به إلى القنوط الموصل إلى قطع الطمع من مغفرة الزلل، وأما عند نزول الموت، فالأصلح للإنسان تغليب الرجاء على الخوف، لثلاثة أسباب قررها أولو الألباب: السبب الأول: الخوف كالسوط الباعث على العمل، والحاجز المانع من الوقوع في الزلل، وليس ثمة عمل، ولا مجال لوقوع الجوارح في الخلل، فالخوف في هذه الحالة يقطع قلبه، ويعجل موته، ولا فائدة في ذلك، أما الرجاء فيقوي القلب، ويحبب إليه لقاء الرب – جل وعلا – وهي الفائدة الثانية فدونكها بدليلها. السبب الثاني:

.. غلبة الرجاء عند السياق تحبب إلى العبد لقاء الرب الخلاق – جل جلاله – فيحب الله لقاءه، ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من أحب لقاء الله أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فقلت: يا نبي الله، أكراهية الموت؟ فقال: " ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته، أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله، وكره الله لقاءه"، وفيه أيضاً عن شريح بن هانئ أنه سمع أبا هريرة – رضي الله تعالى عنه – يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - "من أحب لقاء الله أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"، قال: فأتيت عائشة – رضي الله تعالى عنها – فقلت: يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حديثاً، إن كان كذلك فقد هلكنا، فقالت: إن الهالك من هلك بقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما ذاك؟: قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من أحب لقاء الله أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" وليس منا أحد إلا ويكره الموت، فقالت: قد قاله رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، وليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع، فعند ذلك "من أحب لقاء الله أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه (¬1) ¬

_ (¬1) انظر روايات الحديث الشريف المتعددة مع اتفاقها في الدلالة على أن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فيما يأتي مع بيان رواتها: أولا: رواية أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – في صحيح البخاري – كتاب الرقاق – باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه –: (11/357) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار – باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه: (4/2065) ، وسنن الترمذي – كتاب الجنائز – باب ما جاء فيمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه: (4/21) ، وأشار إلى روايتها أيضاً في كتاب الزهد – باب ما جاء من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه –: (7/72) ، وسنن النسائي – كتاب الجنائز – باب فيمن أحب الله لقاءه –: (4/8-9) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب ذكر الموت والاستعداد له –: (2/1425) ، والمسند: (6/44، 55، 207، 218، 236، 218، 236) ، ومسند الحميدي: (1/111) . ثانياًَ: رواية عبادة بن الصامت – رضي الله تعالى عنه – في صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن النسائي – في الأمكنة المتقدمة – وسنن الترمذي في المكانين المتقدمين، والمسند: (5/316، 321) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب في حب لقاء الله –: (2/312) ، ومسند الطيالسي – منحة المعبود – كتاب الجنائز – باب ما جاء في حسن الظن بالله والكشف لكل إنسان عن مصيره –: (1/153) ، وتاريخ بغداد: (6/272) . ثالثاً: رواية أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – في الصحيحين، وأشار إليه الترمذي في المكانين المتقدمين. رابعاً: رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في صحيح البخاري – كتاب التوحيد – باب "35": (13/466) ، بشرح ابن حجر والموطأ: كتاب الجنائز – باب جامع الجنائز –: (1/240) ، وصحيح مسلم، وسنن النسائي – في المكانين المتقدمين، وأشار إليه الترمذي في المكانين المتقدمين أيضاً، والمسند: (2/313، 346، 418، 420، 451) ، وتاريخ بغداد: (12/311) . خامساً: رواية أنس – رضي الله تعالى عنه – في المسند: (3/107) ، وأشار إليها الترمذي في المكان الثني. سادساً: رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن فلان بن فلان الذي سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – في المسند: (4/459) .

" وفي المسند، ومعجم الطبراني بسند حسن عن معاذ بن جبل – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: إن شئتم أنبأتكم أول ما يقول الله – عز وجل يوم القيامة وما أول ما يقولون له، قلنا: نعم يا رسول الله، قال: إن الله – عز وجل – يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا، فيقول: لم؟ فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك، فيقولون: قد وجبت لكم مغفرتي"، وفي رواية الطبراني: "فيقولون: رجونا رحمتك وعفوك، فيقول: وقد وجبت لكم رحمتي (¬1) ". السبب الثالث: ¬

_ (¬1) انظر المسند: (5/238) ، ومجمع الزوائد – كتاب البعث – باب ما يقول الله تعالى للمؤمنين: (10/358) ، وفيه: رواه الطبراني بسندين، أحدهما حسن، وابن أبي الدنيا في كتاب الموت كما في بلوغ الأماني: (7/38) .

.. إذا غلب على عبد الرجاء، عند مفارقة دار الابتلاء، فإن ذلك سيدفعه لحسن ظنه برب الأرض والسماء، ونحن مأمورون بذلك في وقت الرجاء، فكيف في حال السياق؟ ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يقول الله – عز وجل –: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منه، وإن تقرب إليّ شبراً، تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً، تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة" وفي المسند دخل واثلة ابن الأسقع – رضي الله تعالى عنه – على أبي الأسود في مرضه الذي مات فيه، فسلم عليه، وجلس، فأخذ أبو الأسود يمين واثلة فمسح بها على عينيه ووجهه لبيعته بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال له واثلة: واحدة أسألك عنها، قال: وما هي؟، قال: كيف ظنك بربك؟، فقال أبو الأسود، وأشار برأسه، أي: حسن، فقال واثلة: أبشر فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "قال الله – عز وجل –: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء (¬1) ¬

_ (¬1) الحديث رواه البخاري – كتاب التوحيد بسندين – باب "15"، وباب "35": (13/384، 466) ، بشرح ابن حجر، ومسلم – كتاب الذكر والدعاء – باب الحث على ذكر الله تعالى – وباب فضل الذكر والدعاء، والتقرب إلى الله تعالى: (4/2061، 2067) ، وكتاب التوبة – باب الحض على التوبة والفرح بها: (4/2102) – باب حسن الظن بالله تعالى –: (9/299) ، وابن ماجه – كتاب الأدب – باب فضل العمل: (2/1256) ، والمسند: (2/215، 315، 391، 413، 445، 480، 482، 516، 517، 524، 534، 539) ، وابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الأدعية – باب حسن الظن بالله تعالى: (595) ، كلهم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وانظر رواية واثلة – رضي الله تعالى عنه – في المسند: (3/491، 4/106) ، والدارمي – كتاب الرقاق – باب حسن الظن بالله تعالى –: (2/305) ، ورواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد – كتاب الجنائز – باب حسن الظن بالله تعالى –: (2/318) ، وفيه: ورجال أحمد ثقات، ورواه ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الأدعية – باب حسن الظن بالله تعالى –: (595) ، والحديث روي عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – في المسند: (3/210، 277) ، قال الهيثمي في المجمع – المكان المتقدم – وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام، وعزاه إلى يعلى في كتاب الأدعية – باب "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة" وباب حسن الظن بالله تعالى –: (10/148) ، وقال: هو حديث حسن ورجاله رجال الصحيح، وقد روى الحديث الطبراني عن معاوية بن حيدة – رضي الله تعالى عنه – كما في المجمع – المكان المتقدم – وفيه: يحيى بن إبراهيم، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

". ... وفي صحيح مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل موته بثلاثة أيام يقول: "لا يموتن أحدكم وهو يحسن الظن بالله – عز وجل – (¬1) . وقد كان ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه يقول: والله الذي لا إله إلا هو لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه ظنه، وذاك بأن الخير في يده (¬2) ، ولما حضرت سليمان التيميّ الوفاة قال لابنه: يا بني حدثني بالرخص، واذكر لي الرجاء حتى ألقى الله تعالى على حسن الظن به، وكذلك لما حضرت سفيان الثوري الوفاة، واشتد جزعه، جمع العلماء حوله يرجونه، وقال أحمد بن حنبل لابنه عند الموت: اذكر لي الأخبار التي فيها الرجاء، وحسن الظن بالله تعالى – رحمهم الله أجمعين – (¬3) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الجنة – باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت –: (4/2205، وسنن أبي داود – كتاب الجنائز – باب ما يستحب من حسن الظن بالله تعالى عند الموت –: (3/484) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد - باب التوكل واليقين –: (2/1395) ، والمسند: (3/293، 315، 325، 330، 334، 390) ، ومسند الطيالسي – منحة المعبود – كتاب الجنائز – باب ما جاء في حسن الظن بالله تعالى –: (1/153) ، والحلية: (5/87،8/121) ، ورواه في: (5/246) عن واثلة – رضي الله تعالى عنه – ورواه الخطيب في تاريخ بغداد: (140/348) عن جابر، وفي: (1/396) عن أنس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –. (¬2) قال الهيثمي في المجمع – كتاب الأدعية – باب حسن الظن بالله تعالى –: (10/148) ، رواه الطبراني موقوفاً ورجاله رجال الصحيح إلا أن الأعمش لم يدرك ابن مسعود – رضي الله تعالى عنهم -. (¬3) انظر تلك الأخبار في الإحياء: (4/164) ، والأول في مختصر منهاج القاصرين: (327) .

.. وجرياً على ما سبق من البيان، سأبدأ الكلام في الخوف من ربنا الرحمن، لمناسبته حال أكثر الأنام، وأسأله – جل وعلا – حسن الختام، والفوز بدار السلام، ونيل الرضوان، إنه كريم رحمن. * خوف المكلفين من رب العالمين: ... ضبطاً لسير البحث بانتظام، سأتكلم عليه ضمن مراحل جسام، فدونكها يا أخا الإسلام. تعريف الخوف: هو عبارة عن تألم القلب واحتراقه، وبسبب توقع مكروه في المستقبل عن أمارة مظنونة أو معلومة. ... وقد قرر العلماء الكرام أن كل ما يلاقي الإنسان من مكروه ومحبوب ينقسم إلى موجود في الحال، وإلى موجود فيما مضى في الاستقبال: فإذا خطر ببالك موجود فيما مضى سمي: ذكراً وتذكراً، وإن كان ما خطر ببالك موجوداً في الحال سمي: وجداً وذوقاً وإدراكاً، وذلك لأنه حالة تجدها في نفسك، وتحس بها وتدركها، وإن كان قد خطر ببالك وجود شيء في الاستقبال، وغلب على قلبك، سمي: انتظاراً وتوقعاً، فإن كان المنتظر مكروهاً حصل منه ألم في القلب سمي: خوفاً وإشفاقاً ووجلاً، وإن كان محبوباً حصل من انتظاره، وتعلق القلب به، وإخطار وجوده بالبال لذة في القلب وارتياح، سمي ذلك الارتياح: رجاءً أو أملاً (¬1) . * الخوف من الرحمن كما تحدث عنه القرآن: ¬

_ (¬1) انظر تقرير ذلك في إحياء علوم الدين: (4/139، 152) ، ومختصر منهاج القاصرين: (316، 322) ، والمفردات: (161) – كتاب الخاء –، والتعريفات: (91) .

.. وصف ربنا الكريم، عباده المقربين، السابقين منهم واللاحقين، بخشيته في كل حين، فقال في سورة الإسراء وهو أصدق القائلين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} الإسراء57، وإذا كان هذا وصف الجن المؤمنين لما بلغتهم دعوة رب العالمين، فإن ذلك الوصف هو وصف أهل الكتاب الصادقين، وفي آخر السورة يقول ربنا العظيم: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} الإسراء105-109، روى الأئمة الكرام ابن المبارك في الزهد، والدارمي في سننه، والطبري في تفسيره، وأبو نعيم في الحلية عن عبد الأعلى التيمي – رحمهم الله جميعاً – قال: من أوتي من العلم مال ايبكيه لخليق أن لا يكون أوتي علماً ينفعه، لأن الله – تبارك وتعالى – نعت العلماء فقال: "إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً" الآية (¬1) ¬

_ (¬1) انظر كتاب الزهد: (41) ، وسنن الدارمي – المقدمة – باب من قال العلم الخشية وتقوى الله: (1/88) ، وجامع البيان: (15/121) ، وحلية الأولياء: (5/88) ، وانظره في زاد المسير: (5/98) ، ونسب السيوطي في الدر: (4/206) تخريجه إلى ابن أبي سيئيه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم..

وهذا المعنى قرره رب الأرض والسماء، فذكر أن الخشية منه هي خاصة العلماء، فقال – جل وعلا – في سورة فاطر: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} فاطر27-28، وقال – عز وجل – في سورة الزمر: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} الزمر9، فتلك صفات العلماء، ومن يتصف بها فهو من الأغبياء السفهاء، وفي سنن الدارمي باب بهذا الخصوص في المقدمة، وهو: باب من قال: العلم الخشية وتقوى الله – وفيه: قال مجاهد – رحمه الله تعالى – الفقيه: من يخاف الله عز وجل –.

وسئل سعد بن إبراهيم من أفقه أهل المدينة؟ فقال: أتقاهم لربه – عز وجل – وعن عمران المنفزي قال: قلت للحسن يوماً في شيء قاله: يا أبا سعيد، ليس هكذا يقول الفقهاء، فقال: ويحك، ورأيت فقيهاً قط؟ إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بأمر دينه، المداوم على عبادة ربه، ثم بوب الدارمي باباً آخر فقال: باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله – جل وعلا – نقل فيه عن مسروق – رحمه الله تعالى – أنه قال: كفى بالمرء علماً أن يخاف الله – عز وجل – وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعمله، وروي عن ابن عطاء – رحمه رب الأرض والسماء – أن نبي الله موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – قال: يا رب أي عبادك أغنى؟ قال: أرضاهم بما قسمت له، قال: يا رب أي عبادك أخشى لك؟ قال: أعلمهم بي، وعن الحسن البصري – رحمه الله تعالى – قال: كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في بصره وتخشعه، ولسانه ويده، وصلاته، وزهده 10هـ ولذلك قال الغزالي في الإحياء: وكل ما دل على فضيلة العلم دل على فضيلة الخوف، لأن الخوف ثمرة العلم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تلك الآثار في سنن الدارمي – المقدمة – باب من قال: العلم الخشية وتقوى الله – عز وجل –: (1/88-89) ،وباب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله – عز وجل – (1/102، 106 -107) ، وانظر كلام الغزالي في إحياء علوم الدين: (4/157) ، وانظر أثر نبي الله موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – في الزهد لابن المبارك: (75) ، وانظر بعض تلك الآثار وما في معناها في كتاب أخلاق العلماء: (57/1047) .

.. وقد أخبرنا ربنا العلام أن من شروط الإيمان، الخوف من الرحمن، فقال في سورة آل عمران: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} آل عمران172-175، قال الغزالي – رحمه الرب الباري –: فأمر بالخوف، وأوجبه، وشرطه في الإيمان، فلذلك لا يتصور أن ينفك مؤمن عن خوف، وإن ضعف، ويكون ضعف خوفه بحسن ضعف معرفته وإيمانه (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إحياء علوم الدين: (4/158) ، وفي سبب نزول تلك الآيات الكريمات روايتان: الرواية الأولى: مال قاله ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –: لما انصرف المشركون عن أحد، قالوا: لا محمداً، ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم، ارجعوا، فسمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بذلك فندب المسلمين، فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد، فبلغ المشركين، فقالوا: نرجع من قابل، فرجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكانت تعد غزوة، فأنزل الله – جل وعلا –: " الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ " الآية. الرواية الثانية: قاله ابن عباس أيضاً – رضي الله تعالى عنهما – وهو منقول عنه في نهاية السبب الأول المتقدم، وفيه: وقد كان أبو سفيان قال للنبي – صلى الله عليه وسلم – موعدكم موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة، فأتوه، فلم يجدوا به أحد، وتسوقوا، فأنزل الله – عز وجل –: " فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ " الآية. انظر ذلك الأثر بشقيه في مجمع الزوائد – كتاب المغازي – باب منه في وقعة أحد –: (6/121) ، وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الجواز وهو ثقة، وقال السيوطي في الدر: (2/101) ، رواه النسائي والطبراني وابن أبي حاتم بسند صحيح، وقال الحافظ في الفتح: (8/228-229) أخرجه النسائي وابن مردويه ورجاله رجال الصحيح، إلا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ومن الطريق المرسلة أخرجه ابن أبي حاتم وغيره. وقد رجح ابن جرير في تفسيره: (4/121) السبب الأول، ومال إليه، لأن ذلك يوافق خروجهم وبهم الجراح والكلوم، وأما خروجهم لبدر بعد عام فلا يتأتى فيه ذلك لاندمال الجرح، وبرء الكلوم، وانظر تفصيل الروايات فيما ورد في سبب نزول هذه الآية فيه: (4/116-123) ، وزاد المسير: (1/503-507) ، وتفسير ابن كثير: (1/428-431) ، ولباب النقول: (54-55) ، وأسباب النزول: (87-88) ، وحمراء الأسد موضع على ثمانية أميال من المدينة المنورة كما في جامع البيان: (4/117) ، ومراصد الاطلاع: (1/424) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: دلت الآية على أن المؤمن لا يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان، ولا يخاف الناس، كما قال – جل وعلا –: " فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ " المائدة: 44، فخوف الله: أمر به، وخوف أولياء الشيطان: نهي عنه، قال الله تعالى: " لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي " البقرة 150 فنهى عن خشية الظالم، وأمر بخشيته، وقال – جل وعلا –: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} الأحزاب39، وقال – جل وعلا –: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} البقرة40.

.. وبعض الناس يقول: يا رب إني أخافك، وأخاف من لا يخافك، وهذا كلام ساقط لا يجوز، بل على العبد أن يخاف الله وحده، ولا يخاف أحداً، فإن من لا يخاف الله أذل من أن يخاف، فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان، فالخوف منه قد نهى الله عنه، وإذا قيل: قد يؤذيني، قيل: إنما يؤذيك بتسليط الله له، وإذا أراد الله دفع شره عنك دفعه، فالأمر لله، وإنما يتسلط على العبد بذنوبه، وأنت إذا خفت الله فاتقيته، وتوكلت عليه كفاك شر كل شر، ولم يسلطه عليك، فإنه قال: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق3، وتسليطه يكون بسبب ذنوبه، وخوفك منه، فإذا خفت الله وتبت من ذنوبك، واستغفرته لم يسلط عليك، كما قال – جل وعلا –: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الأنفال33، وفي الآثار: يقول الله تعالى – أنا الله لا إله إلا أنا، ملك الملوك، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي، فمن أطاعني جعلت قلوب الملوك عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا إليّ وأطيعوني أعطفهم عليكم، ولما سلط الله العدو على الصحابة يوم أحد، قال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} آل عمران165 (¬1) . ¬

_ (¬1) من سورة آل عمران، وانظر كلام شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: (1/57-58، 14/203-206، ويتعلق بكلامه ثلاثة أمور، ينبغي بيانها ليحصل السرور: الأمر الأول: الأثر القدسي الذي ذكره رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن راشد وهو متروك كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد ك (5/249) ، ولفظه: عن أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن الله يقول: أنا الله لا إله إلا أنا مالك الملك، وملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة، فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشتغلوا بالذكر والتضرع ألفكم ملوككم"، وفي طبقات ابن سعد: (7/172) كان الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – إذا قيل له: ألا تخرج فتغير؟ قال: إن الله إنما يغير بالتوبة، ولا يغير بالسيف. وفي: (7/164-165) قال الحسن: يا أيها الناس إنه والله ما سلط الله الحجاج عليكم إلا عقوبة، فلا تعارضوا عقوبة الله بالسيف ولكن عليكم السكينة والتضرع، وقال: لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا ما لبثوا أن يفرج عنهم، ولكنهم يجزعون إلى السيف فيوكلون إليه، والله ما جاؤوا بيوم خير قط. الأمر الثاني: آية آل عمران المصرحة بأن ما أصاب الصحابة الكرام يوم أحد فمن عند أنفسهم محمولة على ثلاثة أمور: أحدهما: إن ذلك بسبب أخذكم الفداء يوم بدر ففي المسند: (1/31، 32) ، ومعجم الطبراني الكبير كما في مجمع الزوائد: (6/115) ، وتفسير ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير: (1/424) وسند المسند صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (1/207، 219) رقم: (208، 221) عن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – قال: فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب النبي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله – تبارك وتعالى –: "َوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا" الآية. بأخذكم الفداء. وثبت في سنن الترمذي – كتاب السير – باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء: (5/292-293) عن علي – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن جبريل هبط عليه، فقال له: خير – يعني أصحابك، في أسارى بدر القتل أو الفداء على أن يقتل منهم قابل مثلهم" قالوا: الفداء، ويقتل منا، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من حديث الثوري لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة، وروى أبو أسامة هم هشام عن ابن سيرين عن علي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وروى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن ا/لنبي – صلى الله عليه وسلم – مرسلاً هـ وقد صحح الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (8/206) إسناد الترمذي، فقال: إسناده صحيح 10هـ والحديث أخرجه الطبري في تفسيره: (4/110) عن عقيدة مرسلاً، وعن علي – رضي الله تعلى عنه – مرفوعاً، ورواه ابن حبان عن علي مرفوعاً – موارد الظمآن – كتاب المغازي والسير – باب في أسرى بدر –: (411) ونسبه السيوطي في الدر: (2/93) إلى ابن أبي شيبة وابن مردويه، ونسبه ابن كثير في تفسيره: (1/425) إلى النسائي – أي: في السنن الكبرى. وعلى هذا القول فالصحابة الكرام – رضي الله تعالى عنهم – طلبوا الخيرتين، أخذ الفدية، وأن يقتل منهم سبعون فيما بعد طلباً لفضل الشهادة وشرفها، كما في تفسير الطبري: (4/110) عن عبيدة – رحمه الله تعالى –. ثانيهما: وقع ذلك بسبب معصية الرماة يوم أحد، ومفارقتهم مكانهم، وتركهم أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نسب ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير: (1/496) ذلك إلى ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – ومقاتل وكذلك فعل أبو حبان في البحر المحيط: (3/107) ، ولم أقف على نسبة ذلك إلى ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – من طريق ثابت صحيح، وقد نسبه إليه الفيروز آبادي في تنوير المقابس مطبوع على هامش الدر (1/218) لكن أنت خبير أن الكتاب بجملته مروي بسلسلة الكذب، لأنه من رواية السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح، وأوهى الطرق عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – طريق الكلبي عن أبي صالح، وإذا انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب، كما في الإتقان: (4/239) . ثالثهما: جرى ذلك بسبب مخالفتهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الخروج من المدينة يوم أحد فإنه – صلى الله عليه وسلم – أمرهم بالتحصن فيها، فقالوا: بل نخرج، روى ذلك الطبري في تفسيره: (4/109) عن قتادة والربيع بن أنس، وعكرمة، والحسن، وابن جريج، ونسبه ابن الجوزي في زاد المسير: (1/496) إلى قتادة والربيع، ونسب السيوطي في الدر: (2/93) تخريج أثر الحسن وابن جريج إلى تفسير ابن أبي حاتم، ونسب تخريج ذلك القول إلى تفسير ابن المنذر عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –. واعلم أن ما قاله ابن كثير في تفسير: (1/425) : وقال محمد بن إسحاق، وابن جرير والربيع بن أنس، والسدي:"قل هو من عند أنفسكم" أي: بسبب عصيانكم لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين أمركم أن لا تبرحوا مكانكم فعصيتم ذلك، يعني: الرماة 10هـ فيه نظر، وغير مسلم، لأن ابن جرير لم يذكر في تفسيره إلى القول الأول والثالث، ولم يتعرض لمخالفة الرماة وهو القول الثاني، وذكر قول الربيع ضمن قول من قال بالقول الثالث فتأمل. هذا وقد اقتصر البغوي في معالم التنزيل، والخازن في لباب التأويل: (444) الأول على هامش الثاني، على القول الأول وذكر القرطبي في تفسيره: (4/265) الأقوال الثلاثة وكذلك فعل الزمخشري في الكشاف: (1/477) فقال: أنتم السبب فيما أصابكم لاختياركم الخروج من المدينة، أو تخليكم المركز، وعن علي – رضي الله تعالى عنه – لأخذكم الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤذن لكم 1هـ، قال أبو حبان في البحر: (3/107) بعد أن ذكر الأقوال الثلاثة: وقد لخص الزمخشري هذه الأقوال الثلاثة أحسن تلخيص. الأمر الثالث: ما قرره شيخ الإسلام – عليه رحمة ربنا الرحمن – من أن تسليط الجبابرة الطغاة، على المكلفين من الأنام، وقع بسبب ما جرى منهم من الفسوق والعصيان، حق وصواب يا أخا الإيمان، وسأسوق لك كلام تلميذه الهمام، ثم أختم الكلام، بحديث شريف من أحاديث خير الأنام – عليه الصلاة والسلام – لتعر داءنا ودواءنا في هذا الزمان، عاملنا الله بلطفه وإحسانه، إنه كريم منان. قال الإمام ابن قيم الجوزية – عليه رحمة رب البرية – في كتابه الجليل مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة: (1/253-254) وتأمل حكمته – تبارك وتعالى – في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، وبل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم، فإن ظهر فيهم المكر والخديعة كذلك، وإن منعوا حقوق الله – جل وعلا – لديهم وبخلوا بها، منعت ملوكهم وولاتهم مالهم عندهم من الحق، وبخلوا به عليهم، وإن أخذوا ممن يستضعفونه مالا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك مالا يستحقونه وضربت عليهم المكوس والوظائف، وكل ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمالهم ظهرت في صور أعمالهم، وليس في الحكمة الإلهية أن يولي على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم، ولما كان الصدر الأول خيرا القرون وأبرها كانت ولاتهم كذلك، شابت لهم الولاة، فحكمة الله – جل وعلا – تأبى أن يولى علينا في مثل هذه الأزمان – أي في القرن الثامن ذلك، ثم تأمل حالنا في هذا الزمان في القرن الخامس عشر – مثل معاوية وعمر بن عبد العزيز – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فضلاً عن مثل أبي بكر وعمر – رضي الله تعالى عنهما – بل ولاتنا على قدرنا، وولاة من قبلنا على قدرهم، وكل من الأمرين موجب الحكمة ومقتضاها، ومن له فطنة إذا سافر بفكره في هذا الباب رأى الحكمة الإلهية سائرة في القضاء والقدر، ظاهرة وباطنة فيه، كما في الخلق والأمر سواء، فإياك أن تظن بظنك الفاسد أن شيئاً من أقضية أقداره عار عن الحكمة البالغة، بل جميع أقضيته – جل وعلا – وأقداره واقعة على أتم وجوه الحكمة والصواب، ولكن العقول الضعيفة محجوبة بضعفها عن إدراكها، كما أن الأبصار الخفاشية محجوبة بضعفها عن ضوء الشمس، وهذه العقول الضعاف إذا صادفها الباطل جالت فيه وصالت، ونطقت وقالت، كما أن الخفاش إذا صادفه ظلام الليل طار وسار. خفافيشُ أعْشاها النهارُ بضوئه ... ولازمها قَطعٌ من الليل مظلم وإليك حديث خير الأنام – عليه الصلاة والسلام – الذي يقرر ذلك تقريراً في غاية القوة والإحكام: ثبت في المستدرك – كتاب الفتن والملاحم –: (4/540-541) ، وقال الحاكم صحيح الإسناد وأقره الذهبي، وسنن ابن ماجه – كتاب الفتن – باب العقوبات –: (2/1332-1333) ، ونسبه المنذري في الترغيب والترهيب: (1/543، 3/169) إلى البزار والبيهقي، ونسبه السيوطي في الجامع الكبير: (2/979) إلى تاريخ ابن عساكر، وهذا لفظ رواية المستدرك عن عطاء بن أبي رباح قال: كنت مع عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فأتاه فتى يسأله عن إسدال العمامة، فقال ابن عمر: سأخبرك عن ذلك بعلم إن شاء الله – تبارك وتعالى – قال: كنت عاشر عشرة في مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عوف، وأبو سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فجاء فتى من الأنصار، فسلم على رسول الله –صلى الله عليه وسلم – ثم جلس، فقال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلفاً، قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً قبل أن ينزل بهم، أولئك من الأكياس ثم سكت الفتى، وأقبل عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا معشر المهاجرين خمس إن ابتليتم بهن، ونزل فيكم، أعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم ق

وإذا كانت تلك صفات المؤمنين، فإن من عداهم على نقيض ذلك الوصف الكريم، فهم لاهون ضاحكون، لا يخشون من الله ولا يبكون، قال – جل وعلا – في آخر سورة النجم: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} 59-62 (¬1) ، ¬

_ (¬1) قال الإمام القرطبي في تفسيره: (17/122) " وَلَا تَبْكُونَ " انزجاراً وخوفاً من الوعيد 10هـ وفي تفسير ابن جرير: (27/48) ومسند البزار ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (7/116) ورواه عبد الرزاق، والفريابي في فضائله، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – في قوله – تبارك وتعالى –: " وَأَنتُمْ سَامِدُونَ " قال: الغناء كانوا إذا سمعوا القرآن، تغنوا ولعبوا، وهي لغة أهل اليمن، يقال: أسمدي لنا، أي: غني لنا، وروى الطبراني بسند رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: (7/116) ، والطبراني في تفسيره: (17/48) ، وعبد الرزاق، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضاً – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: معرضون لاهون، وقد قرر الإمام ابن القيم في إغاثة اللهفان: (1/258) أنه لا تنافي بينهما ولا تناقض، لأن الغناء يجمع هذا ويوجبه..

وقال – جل جلاله – في سورة المدثر: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ} المدثر49-53 (¬1) . ¬

_ (¬1) في قوله – جل وعلا –: " مُّسْتَنفِرَةٌ " قراءتان متواترتان، بفتح الراء وبها قرأ ابن عامر والمدنيان، وقرأ الباقون بكسرها كما في تقريب النشر: (184) ، والمعنى: إنها مذعورة على قراءة الفتح، ونافرة على قراءة الكسر كما في حجة القراءات: (724) ، وزاد المسير: (8/412) وفي قوله: " قَسْوَرَةٍ " سبعة أقوال: الأسد، والرماة، حبال الصيادين، عصب الرجال، ركز الناس أي: حسهم وأصواتهم، ظلمة الليل، النبل، انظر في زاد المسير: (8/412-413) ، والدر المنثور: (6/386) وغير ذلك من كتب التفسير – والذي أحب أن أنبه عليه هو القول الأول ففي الدر: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – في قوله – جل وعلا –: " قَسْوَرَةٍ " قال: هو بلسان العرب: الأسد، وبلسان الحبشة: قسورة، وهو في تفسير الطبري: (29/107) أيضاً، ولعلماء الإسلام في هذا ونظائره كلام، هاك خلاصته يا أخا الإيمان، اتفق العلماء على وجود أعلام عجمية في كلام رب الأرض والسماء كما في الإتقان: (2/126) ، وفي قطر الندى: (123) جميع أسماء الأنبياء أعجمية إلا أربعة: محمد، وصالح، وشعيب، وهود، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه –..واختلفوا في وجود ألفاظ أعجمية في كلام رب البرية بغير اللغة العربية فمنع ذلك الإمام الشافعي في الرسالة: (41/53) في بحث شيق مسهب زاد على عشر صفحات، وتبعه على ذلك كثير من الأئمة منهم الطبري في تفسيره: (1/6-9) ، وأبو عبيدة، معمر بن المثنى في مجاز القرآن: (10/17) ، وابن فارس في الصاحبي: (23) ، وأبو القاسم بن سلام في كتابه: ما ورد في القرآن من لغات القبائل مطبوع على هامش تفسير الجلالين: (1/125) ، وحمل هؤلاء ما ادعى تعريبه أنه من باب التوافق بين اللغتين وتواردهما، وجوز وجود لغات في القرآن الكريم غير عربية الأصل، ووجود ذلك فيه فعلاً، وذلك بعد أن استعملها العرب، ودرجت على ألسنتهم، وسيروها على أوزان كلمهم، إذ أصحبت بذلك من لغتهم، وإن كان أصلها لغيرهم، وقد صدق من قال بهذا القول – القول المتقدم – نظراً إلى الاستعمال، كما صدقوا أنفسهم وصوبوا رأيهم نظراً إلى الأصل، فهي غربية في الحال، لما طرأ عليها من الاستعمال، عجمية الأصل والمآل، وقد قال بهذا الإمام الجواليقي في المعرب: (52-53) ، وتبعه على ذلك كثير من الأئمة منهم ابن الجوزي كما في الإتقان: (2/129) ، وابن عطية في مقدمة تفسيره: مطبوعة ضمن: مقدمتان في علوم القرآن: (276-277) ، ونقله عنه الزركشي في البرهان: (2/289) ، ومال إلى هذا القول الرازي في تفسيره: (17/226) ، وابن منظور في لسان العرب: (5/163) – فصل التاء من حرف الراء –، والسيوطي في الإتقان: (2/126) ، والمزهر: (1/269) ، وسبق الجميع إلى القول بهذا الأزهري في تهذيب اللغة: (14/270) – رحمهم الله جميعاً – وانظر تفصيل البحث في فتح الباري: (8/252-253) ، وفيه نظم ما ادعى أنه معرب.

.. وقد دلت آيات القرآن على أن من لم يخف إلا من الرحمن، فله العز والتمكين في دار الامتحان وله الفوز والإكرام في دار الجنان، أما ما يحصل له في العاجل، فقد أخبر عنه ربنا القوي القادر بقوله – عز وجل – في سورة إبراهيم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} إبراهيم13-14 (¬1) ، ¬

_ (¬1) قوله – جل وعلا –: " ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي " كقوله – عز وجل – في سورة الرحمن: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} الرحمن46، وكقوله – جل وعز – في سورة النازعات: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} النازعات40-41 وللمفسرين في معنى ذلك قولان بارزان أحدهما: أن ذلك من إضافة المصدر إلى الفاعل، والمعنى: خاف قيام ربه وكونه مهيمناً عليه، مراقباً له، حافظاً لأحواله، فالمقام للرب على عبده بالاطلاع والقدرة والربوبية، كما قال – جل وعلا – في سورة الرعد: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الرعد33، والثاني: كون ذلك من باب إضافة المصدر إلى المخوف، والمعنى: خاف قيامه بين يدي ربه – عز وجل – عند لقائه لمجازاته على عمله، والأمران مقبولان، وقررهما المفسرون الكرام، انظر زاد المسير: (8/119) ، والجامع لأحكام القرآن: (17/176) ، وروح المعاني (13/200، 27/115) ومال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: (1/523) إلى الثاني، وقال: إنه أليق بالآية.

وقال في سورة الأنعام بعد إعلان براءة خليل الرحمن – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – من الأوثان، وانقياده لرب الأنام: {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأنعام80-82، وقد تقدم في هذا الكتاب المبارك: تفسير النبي – صلى الله عليه وسلم – في قوله – جل وعلا –: " وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ " بالشرك، ومن الشرك خوف غير الله – عز وجل – فاعلم (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صفحة: (....) من هذا الكتاب المبارك، وفي مجموع الفتاوى: (1/74) العبادة والاستعانة وما يدخل في ذلك من الدعاء، والاستغاثة، والخشية، والرجاء، والتوكل، والتوبة، والاستغفار كل هذا لله وحده لا شريك له، وفي: (1/94) قرر شيخ الإسلام – عليه رحمة الرحمن – أنه أذا كمل خوف العبد من ربه لم يخف شيئاً سواه، وإذا نقص خوفه من المخلوق، فهذا هو الشرك الخفي الذي لا يكاد يسلم أحد منه إلا من عصمه الله – تبارك وتعالى – ونحوه في كتاب الروح: (354-355) .

وانظر إلى حال نبي الله هود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – لما تحقق بكمال خشية الرحمن – جل وعلا – لم يبال بمن كاده من إنس وجان، قال ذو الجلال والإكرام: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} هود50-58.

.. قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: إن من أخفى آيات الرسل – عليهم صلوات الله وسلامه – آيات هود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – حتى قال له قومه: "يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ" ومع هذا فبينته من أظهر البينات، وقد أشار الله – جل وعز – إليها بقوله: {إِنِّي أُشْهِدُ اللهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} هود54-55 فهذا من أعظم الآيات: أن رجلاً واحداً أمة عظيمة بهذا الخطاب، غير جزع ولا فزع، ولا خوار، بل واثق مما قاله، جازم أنه وليه وناصره، وأنه غير مسلطهم عليه – إشهاد مجاهر لهم بالمخالفة –: أنه بريء من دينهم وآلهتهم التي يوالون عليها ويعادون، ويبذلون دماءهم وأموالهم في نصرتها، ثم أكد عليهم ذلك بالاستهانة بهم، واحتقارهم وازدرائهم، وأنهم لو يجتمعون كلهم على كيده وشفاء غيظهم منه ثم يعالجونه ولا يمهلونه، وفي ضمن ذلك: أنهم أضعف وأعجز وأقل من ذلك، وأنكم لو رمتموه لانقلبتم بغيظكم مكبوتين مخذولين، ثم قرر دعوته أحسن تقرير، وبين أن ربه – تبارك وتعالى – وربهم، الذي نواصيهم بيده، هو وليه ووكيله، القائم بنصره وتأييده، وأنه على صراط مستقيم، فلا يخذل من توكل عليه، وآمن به، ولا يشمت أعداءه، ولا يكون معهم عليه، فإن صراطه المستقيم الذي هو عليه – في قوله وفعله – يمنع ذلك ويأباه، وتحت هذا الخطاب: أن من صراطه المستقيم: أن ينتقم ممن خرج عنه وعمل بخلافه، وينزل به بأسه، فإن الصراط المستقيم هو العدل الذي عليه الرب – جل وعلا –، ومنه انتقامه من أهل الشرك والإجرام، ونصره أولياءه ورسله على أعدائهم، وأنه يذهب بهم ويتخلف قوماً غيرهم، ولا يضره ذلك شيئاً، وأنه القائم – سبحانه وتعالى – على كل شيء حفظاً ورعاية، وتدبيراً وإحصاء (¬1) . ¬

_ (¬1) الآيات: 50-58 من سورة هود، وانظر كلام الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: (3/464-465.

.. وأما جزاء الآخرة لمن خشي ذي العزة والمغفرة، فهو حلوله في جنة النعيم، ومجاورته لرب العالمين، قال ربنا الرحيم في آخر سورة البينة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} البينة7-8، وفي سورة الملك يقول ربنا الملك: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} الملك12، قال – جل وعلا – في سورة ق: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} ق31-35، وقال – جل جلاله – في سورة الرحمن: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} الرحمن46، قال الحافظ ابن كثير – عليه رحمة ربنا الجليل –: وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة عمرو بن جامع من تاريخه أن شاباً كان يتعبد في المسجد فهوته امرأة، فدعته إلى نفسها، فما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} الأعراف201، فخر مغشياً عليه، ثم أفاق فأعادها فمات، فجاء عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – فعزى فيه أباه، وكان قد دفن ليلاً فذهب فصلى على قبره بمن معه، ثم ناداه عمر – رضي الله تعالى عنه – فقال: يا فتى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} الرحمن46 فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر، قد أعطانيهما ربي – عز وجل – في الجنة مرتين (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تفسير ابن كثير: (2/279) ، وعزا السيوطي في الدر: (6/147) ، والألوسي في روح المعاني: (27/116) القصة إلى شعب الإيمان للبيهقي، واعلم أن ما أورده الفراء في معاني القرآن: (3/118) من احتمال كون المراد بالجنتين جنة واحدة، لأن العرب تثني الجنة في أشعارها، فهو باطل منكر، قال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: (439-440) : وهذا من أعجب ما حمل عليه كتاب الله، ونحن نعوذ بالله أن نتعسف هذا التعسف، ونجيز على كتاب الله – جل ثناؤه – الزيادة والنقص في الكلام لرأس الآية..... وكيف يجوز هذا وهو – تبارك وتعالى – يصفها بصفات الاثنين، وحكم الرازي في مفاتيح الغيب: (29/123) على ذلك القول بالبطلان، ونقل القرطبي في تفسيره: (17/177) عن النحاس أن ذلك القول من أعظم الغلط على كتاب الله – عز وجل –. قال عبد الرحيم: ويرد ذلك القول السقيم، ما ثبت عن نبينا الأمين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – "جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة الرحمن – باب: " وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ "، وباب: " حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ": (8/624) ، وكتاب التوحيد – باب قول الله – عز وجل –: " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ": (13/423) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم كتاب الإيمان - باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم – سبحانه وتعالى –: (1/163) ، وسنن الترمذي – كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة غرف الجنة –: (7/212) ، وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب فيما أنكرت الجهمية –: (1/66) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب في جنات الفردوس –: (2/333) ، والمسند: (4/411، 416) ، ومسند الطيالسي – منحة المعبود – كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في جنات الفردوس ورؤية الله – عز وجل – في الجنة: (2/243) ، والأسماء والصفات: (302) ، والاعتقاد: (65-66) ، وكتاب الرد على الجهمية لابن منده: (94) ، وروى ذلك الحديث ابن أبي شيبة، والنسائي في الكبرى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في البعث كما في الدر: (6/146) ، وكلهم عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –، هذا وقد روى الحاكم في المستدرك – كتاب التفسير – سورة الرحمن –: (2/475) ، وقال الذهبي: إنه على شرط مسلم، ورواه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – قال في قوله تعالى –: " وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ": جنتان من ذهب للسابقين، وجنتان من فضة للتابعين، ورواه ابن جرير في تفسيره: (27/85) عنه مرفوعاً، وكذلك ابن أبي حاتم، وابن مردويه بلفظ: "جنتان من ذهب للمقربين، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين". واعلم – أيضاً – أن هذه الآية الكريمة عامة في الإنس والجن، فهي أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا، كما قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (4/276) ، وهذا هو قول الجمهور، وهو أحد أقوال أربعة في هذه المسألة، فانظرها إن شئت في آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان: (57/60) .

.. وقد أخبرنا ربنا العظيم، أن أهل جنة النعيم، يتحدثون بمنة الله الكريم بنجاتهم من العذاب الأليم، ويخبرون عن أنفسهم أنهم كانوا في أهلهم مشفقين، ففي سورة الطور يقول رب العالمين: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} الطور25-28، جعلنا الله من أهل ذلك الوصف العظيم، بمنه وكرمه، إنه أرحم الراحمين. * حال نبينا – عليه الصلاة والسلام – في خوفه من ذي الجلال والإكرام:

.. إذا كان رسولنا الكريم – عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم – أعلم المخلوقات برب العالمين، فإن ذلك يستلزم كونه أكثرهم خوفاً من مالك يوم الدين، وأشدهم له خشية في جميع الأحايين، وهذا هو واقع نبينا الأمين – صلى الله عليه وسلم – ففي الصحيحين وغيرهما عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: صنع النبي – صلى الله عليه وسلم – شيئاً ترخص فيه ن فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الأدب – باب من لم يواجه الناس بالعنف –: (10/513) ، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع: (13/276) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم = كتاب الفضائل – باب علمه – صلى الله عليه وسلم.– بالله تعالى وشدة خشيته –: (4/1829) ، والمسند: (6/45، 181) .

وذلك الذي ترخص رسولنا –صلى الله عليه وسلم – في فعله، وتنزه عنه من تنزه تعللاً بالبون الشاسع بينهم وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورد في التصريح به في روايات صحيحة ففي صحيح مسلم وغيره عن عمر بن أبي سلمة – رضي الله تعالى عنهما – أنه سأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أيقبل الصائم؟ فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: سل هذه لأم سلمة – رضي الله تعالى عنها –، فأخبرته أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله – قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "أما والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الصيام – باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته –: (2/779) ، ومن طريقه رواه ابن حزم في المحلى: (6/207) ، ورواه مالك في الموطأ – كتاب الصيام – باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم –: (1/291-292) عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجداً شديداً، فأرسل امرأته تسأله له عن ذلك، فدخلت على أم سلمة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة – رضي الله تعالى عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقبل وهو صائم، فرجعت فأخبرت زوجها بذلك، فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، الله يحل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما شاء، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة، فوجدت عندها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما لهذه المرأة؟ " فأخبرته أم سلمة – رضي الله تعالى عنها – فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ألا أخبرتها أني أفعل ذلك؟ " فقالت: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الله يحل لرسوله – صلى الله عليه وسلم – ما شاء، فغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال: "والله إني لأتقاكم، وأعلمكم بحدوده" ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار – كتاب الصيام – باب القبلة للصائم –: (2/94) ، ورواه الشافعي في الرسالة: (404-405) عن شيخه مالك – رحمهما الله تعالى – وقال: وقد سمعت من يصل هذا الحديث، ولا يحضرني ذكر من وصله 10هـ، وقد وصله أحمد في المسند: (5/434) عن رجل من الأنصار – رضي الله تعالى عنه –، قال الهيثمي في المجمع: (3/166 رجاله رجال الصحيح 1هـ، ووصله عبد الرزاق بإسناد صحيح كما في شرح الزرقاني: (2/163، وفتح الباري: (4/151 1هـ وكذلك وصله ابن حزم في المحلى: (6/207، وعبد الرزاق في المصنف: (4/184) ، وبلوغ الأماني: (10/51-) . واعلم أنه لهذين الحديثين وغيرهما استحب ابن حزم القبلة للصائم وكرر ذلك في عدة صفحات من المحلى، ففي: (6/205) قرر أن القبلة والمباشرة للرجل مع امرأته سنة حسنة، مستحبة للصائم وفي: (6/208) نص على أنها حسنة مستحبة، وسنة من السنن، وقربة من القرب إلى الله – تبارك وتعالى – وكرر في: (6/213) القول باستحبابها، وقول ابن حزم هذا فيه مبالغة قطعاً، ولذلك قال الحافظ في الفتح: (4/150) بالغ بعض أهل الظاهر فاستحبها 10هـ نعم من أراد التنزه عن ذلك الفعل رغبة عما أحل الله، فالتقبيل في حقه متعين مطلوب لئلا يقع في التنطع الممقوت المردود، وأما من ترك ذلك لعدم تطلعه إليه، أو لخشيته من الوقوع فيما لا يضبط نفسه عليه، فلا حرج عليه، بل تركه لذلك في الحالة الثانية زين لئلا يقع في الشين، وهذا هو الحق في هذه المسألة، وأعدل ما قيل فيها، قال الطحاوي في شرح معاني الآثار: (2/93) ، وقد تواترت الآثار عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يقبل وهو صائم، فدل ذلك أن القبلة غير مفطرة للصائم، وفي شرح الزرقاني: (2/163) قال ابن عبد البر: اجمعوا على أن القبلة لا تكره لنفسها، وإنما كرهها من كرهها خشية ما تؤول إليه، وأجمعوا على أن من قبل وسلم فلا شيء عليه 10هـ ومن العجيب المدهش فتيا عبد الله بن شبرمة يفطر من هو صائم كما نقل ذلك عنه الحافظ في الفتح: (4/150) ، وقد ثبت عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – بأصح طريق عنه كما في المحلى: (6/212) أن رجلاً قال لابن عباس: إني تزوجت ابنة عم لي جميلة، وبنيت بها في رمضان، فهل لي إلى قبلتها من سبيل؟ فقال له ابن عباس: هل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: قبل، فقال: فبأبي أنت وأمي هل إلى مباشرتها من سبيل؟ قال: هل تملك نفسك؟، قال: نعم، قال: فباشرها، قال: فهل لي أن أضرب بيدي على فرجها من سبيل؟ قال: وهل تملك نفسك " قال: نعم، قال: اضرب، وفي مصنف عبد الرزاق: (4/186-191) ، وفيه: ومن طرق صحاح عن سعد بن أبي وقاس – رضي الله تعالى عنه – أنه سئل: أتقبل وأنت صائم؟ قال: نعم، واقبض على متاعها 10هـ وفي البخاري تعليقاً عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – في كتاب الصوم – باب المباشرة للصائم –: (4/149) بشرح ابن حجر ووصله الطحاوي في شرح معاني الآثار: (2/95) عن حكم بن عقال، قال: سألت عائشة – رضي الله تعالى عنها –: ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم؟ قالت: فرجها، قال الحافظ: إسناده صحيح إلى حكيم بن عقال، وفي المحلى: (6/211) ومصنف عبد الرزاق: (4/190) ، وإسناده صحيح كما في الفتح: (4/149) عن مسروق قال: سألت عائشة – رضي الله تعالى عنها – ما يحل للرجل من امرأته صائماً؟ قالت: كل شيء غلا الجماع، وفي مصنف عبد الرزاق: (4/191) ، والمحلى: (6/212) بأصح طريق عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – أنه كان يباشر امرأته نصف النهار وهو صائم –. انظر تفصيل هذه المسألة في الفتح: (4/149-153) ، وشرح معاني الآثار: (02/88-969) ومصنف عبد الرزاق: (4/182-191) ، والمغني: (3/47-48) ، وسنن الترمذي - كتاب الصوم – باب ما جاء في القبلة للصائم –: (3/78-79) ، ومجمع الزوائد – كتاب الصيام – باب القبلة والمباشرة للصائم –: (3/165-197) .

". ... وثبت في صحيح مسلم وغيره أيضاً عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – أن رجلاً جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – تدركني الصلاة وأنا جنب، أفأصوم؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم" فقال الرجل: لسنا مثلك يا رسول الله، صلى الله عليه وسلم –، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعملكم بما أتقي (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الصيام – باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب –: (2/781) والمسند: (6/76، 156، 245) ، وسنن أبي داود – كتاب الصوم – باب فيمن أصبح جنباً في شهر رمضان –: (2/783) ، وفيه: فغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال: "والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتبع" ونسبه المنذري في مختصر السنن: (3/268) إلى النسائي – السنن الكبرى –.

.. وثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – يسألون عن عبادة النبي – صلى الله عليه وسلم – فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي – صلى الله عليه وسلم – قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا – فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب النكاح – باب الترغيب في النكاح –: (9/104) بشرح ابن حجر، وقد ورد الحديث دون قوله: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له" في صحيح مسلم – كتاب النكاح – باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة -: (2/1020) ، وسنن النسائي – كتاب النكاح – باب النهي عن التبتل –: (5/49-50) ، والمسند: (3/241-259، 285) ، وقد وردت جملة: "إني أخشاكم لله، وأحفظكم لحدوده" في المسند: (6/226) موجهة لعثمان بن مظعون – رضي الله تعالى عنه – عندما شدد على نفسه، فدخلت امرأته على أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنهما – وهي باذة الهيئة، فسألها: ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار، فدخل النبي – صلى الله عليه وسلم – فذكرت عائشة ذلك لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلقي عثمان، فقال – صلى الله عليه وسلم –: "يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفمالك فيّ أسوة، فوالله إني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده" وورد الحديث دون ذكر تلك الجملة أيضاً في سنن أبي داود – كتاب قيام الليل – باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة –: (2/101-102) ، وسنن الدارمي – كتاب النكاح – باب النهي عن التبتل –: (2/133) .

.. فهذه الروايات الصحيحة فيها بيان ما ترخص نبينا – صلى الله عليه وسلم – في فعله، وتنزه عنه من تنزه تعلقاً بالتباين البين بينهم وبين خلق الله – صلى الله عليه وسلم (¬1) ¬

_ (¬1) قال الحافظ في الفتح: (10/514) لم أعرف أعيان القوم المشار غليهم في هذا الحديث ولا الشيء الذي ترخص فيه، ثم وجدت ما يمكن أن يعرف به ذلك، وذكر حديث أمنا عائشة وأنس – رضي الله تعالى عنهما –. ولم يذكر حديث عمر بن أبي سلمة – رضي الله تعالى عنهما –، وأشار إليه في: (13/279) فقال: وأومأ ابن بطال إلى أن الذي تنزهوا عنه: القبلة للصائم، وقال غيره: لعله الفطر في السفر 10هـ وهو سبب رابع فاعلم..

– وقد رد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عليهم زعميهم وأعلمهم أن من كان أعلم بما يقرب إلى الله – عز وجل – فهو أولى بالعمل بها، ورتبة الكمال الإنساني منحصرة في الجمع بين القوة العلمية، والقوة العملية، ولا وجود لهما على وجه التمام إلا في خير البرية – صلى الله عليه وسلم – ثبت في صحيح البخاري عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون، قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب حتى يعر الغضب في وجهه، ثم يقول: "إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا"، وفي المسند عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: إن ناساً كانوا يتعبدون عبادة شديدة، فنهاهم النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: "والله إني لأعلمكم بالله – عز وجل – وأخشاكم له (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم –: "أنا أعلمكم بالله": (1/70) بشرح ابن حجر، والمسند: (6/122) ، وانظر التنصيص على دلالة الحديث على الجمع بين القوة العلمية والقوة العملية لنبينا خير البرية – صلى الله عليه وسلم – في الفتح: (1/71، 10/513، 13/279) فقوله – صلى الله عليه وسلم –: "أعلمكم" إشارة إلى القوة العلمية، وقوله: "أشدكم له خشية" إشارة إلى القوة العملية، فهو – فداه أبي وأمي – أعلم بالفضل، وأولى بالعمل به – عليه صلوات الله وسلامه – فمن أراد القرب إلى الله فعليه بالإتباع وحذار من مخيلات النفوس والأهواء، انظر شرح الإمام النووي على صحيح مسلم: (15/107) .

.. وإذا كانت تلك الخشية لرب العالمين، ملازمة لحبيبنا خير خلق الله أجمعين في جميع الأحايين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – فكان إذا صلى يسمع لصدره الشريف أزيز كأزيز المرجل من البكاء من خشية رب الأرض والسماء، ففي المسند، وسنن النسائي، وأبي داود، وشمائل الترمذي عن عبد الله بن الشخير – رضي الله تعالى عنه – قال: أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يصلي، ولصدر أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وفي رواية أبي داود: رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء. وقد كان نبي الله إبراهيم الخليل – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – متصفاً بذلك الخلق الجميل فكان إذا قام إلى مناجاة ربنا الجليل، يسمع أزيز صدره من مسافة ميل، كما قال أبو الدرداء – رضي الله تعالى عنه – (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/25-26) ، وسنن النسائي – كتاب السهو – باب البكاء في الصلاة –: (3/12) ، وسنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب البكاء في الصلاة –: (1/557) ، والشمائل المحمدية – باب ما جاء في بكاء الرسول – صلى الله عليه وسلم –: (165) ، قال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (5/435) ، وهو حديث صحيح، وانظر قول أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – في كتاب الإحياء: (4/178) ، والمرجل هو القدر من الحجارة والنحاس، وقيل: هو قدر النحاس خاصة، وقيل: هي كل ما طبخ فيها من قدر وغيرها كما في اللسان: (13/291) "رجل"، وأزيز القدر هو اشتداد غليانه، ومعنى الحديث: أن جوفه يجيش ويغلي بالبكاء كما في اللسان: (7/170) : "أزيز" بسبب ما كان يعرض له في الصلاة من الخوف الذي يوجب ذلك الصوت، كما في جامع الأصول: (5/436) ، والرحى معروفة وهي التي يطحن فيها كما في اللسان: (19/26) "رحا" وأزيز الرحا هو صوتها وجر جرتها كما في معالم السنن: (1/557) .

وكان فداه أبي وأمي – إذا تلي عليه القرآن، تفيض عيناه بالبكاء خشية للرحمن ففي الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: قال لي النبي – صلى الله عليه وسلم –: "اقرأ علي القرآن" فقلت: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقرأ عليك وعليك أنزل؟، قال: " فإني أحب أن أسمعه من غيري" فقرأت عليه سورة النساء، حتى بلغت: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً} النساء41، قال: "أمسك" فإذا عيناه تذرفان (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة النساء – باب " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً ": (8/250) ، وكتاب فضائل القرآن – باب من أحب أن يستمع إلى القرآن من غيره –: (9/93) ، وباب قول المقرئ للقارئ: حسبك: (9/94) ، وباب البكاء عند قراءة القرآن: (9/98) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب صلاة المسافرين – باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر –: (1/551) ، وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة النساء –: (8/195-196) ، وأورده في كتاب الشمائل أيضاً – باب ما جاء في بكاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (165-166) ، وسنن أبي داود – كتاب العلم – باب في القصص –: (4/74) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب الحزن والبكاء –: (12/1403) ، والمسند: (1/374، 380، 433) ، وشرح السنة للبغوي – كتاب فضائل القرآن – باب سماع القرآن –: (490-491) ، ومسند الحميدي: (1/55) ، وتفسير الطبري: (5/60) ، ورواه الحاكم في المستدرك: (3/319) – كتاب معرفة الصحابة – عن عمر بن حريث – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لعبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: "اقرأ علي القرآن" الحديث، وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي، وروى الطبراني بسند رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: (7/4) وقال السيوطي في الدر: (2/163) بسند حسن وزاده نسبته إلى ابن أبي حاتم، والبغوي في معجمه عن محمد بن فضالة الظفري وفيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر قارئاً فقرأ حتى أتى على هذه الآية: " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً " فبكى حتى اضطرت لحياه، تثنية لحىً وهو منبت اللحية كما في مختار الصحاح: (619) : "لحى"، وروى الطبراني عن لبيبة الأنصاري – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا قرأ تلك الآية بكى قال الهيثمي في المجمع: (7/5) : عبد الرحمن بن لبيبة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات، وفي تجريد أسماء الصحابة: (2/37) لبيبة الأنصاري: روى عنه ابنه عبد الرحمن، وفي تفسير الطبري: (5/59) ، وابن المنذر كما في الدر: (2/163) عن ابن جريح في قوله – جل وعلا: " وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً "، قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أتى عليها فاضت عيناه.

وقد أخبرتنا أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – عن عظيم خوف النبي – صلى الله عليه وسلم – من ربه – جل وعلا – وخشيته له، وهي المطلعة على ما لم يطلع عليه أحد من أحواله – صلى الله عليه وسلم – ففي الصحيحين وغيرهما أنها قالت – رضي الله تعالى عنها –: ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم، قالت: وكان إذا رأى غيثاً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه، فقالت: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية؟ قالت: فقال: " يا عائشة ما يؤمنني أن يكون في عذاب؟ قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممصرنا" وفي رواية لمسلم: أنها قالت – رضي الله تعالى عنها – كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا عصفت الريح قال:" اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به" قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سرى عنه، فعرفت ذلك في وجهه، قالت فسألته: فقال: "لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} الأحقاف24 (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة الأحقاف – باب "فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ": (8/578) ، وكتاب الأدب – باب التبسم والضحك –: (10/504) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب الاستسقاء – باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم –: (2/616-617) ، وسنن أبي داود – كتاب الأدب – باب ما يقول إذا هاجت الريح –: (5/329) ، والمسند: (6/66) ،ورواية مسلم رواها البخاري – في كتاب بدء الخلق – باب ما جاء في قوله – عز وجل –: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} الأعراف57: (6/300) بشرح ابن حجر من قولها: كان إذا رأى مخيلة في المساء أقبل وأدبر، ودخل وخرج، وتغير لونه، الحديث، وكذلك رواه الترمذي – كتاب التفسير – سورة الأحقاف: (9/11) ، وابن ماجه – كتاب الدعاء – باب ما يدعو به الرجل إذا رأى السحاب والمطر: (2/1280) ، وابن المبارك في الزهد والرقاق: (48) – باب العمل والذكر الخفي. ومعنى "مستجمعاً" قاصداً له، مجداً فيه، واللهوات جمع لهاة، وهي اللحمة الحمراء المتعلقة في أعلى الحنك، ومعنى "تخيلت" من المخيلة وهي سحابة فيها رعد وبرق، يخيل إلى الناظر أنها ماطرة كما في شرح النووي: (6/197) . تنبيه أول: لا مناة بين إخبار أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – بأنها ما رأت النبي – صلى الله عليه وسلم – مستجمعاً ضاحكاً حتى تظهر لهواته، وبين ما ثبت من ضحك نبينا –صلى الله عليه وسلم – حتى بدت نواجذه، في مناسبات متعددة، ومنها ضحكه من مقال الحبر وقد تقدم الحديث في صفحة: (......) من هذا الكتاب المبارك ففي بعض روايات الصحيحين وغيرهما أنه ضحك حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، وسبب عدم المنافاة أن النواجذ وإن كان المراد بها الأضراس على الأشهر في إطلاق اللغة، فالمراد منها في الحديث الأنياب كما قال أبو العباس ثعلب وجماهير أهل اللغة، وإذا بدت الأنياب لا تظهر اللهاة وكان نبينا – صلى الله عليه وسلم – يفعل ذلك في بعض الأوقات ـ ومعظم ضحكه تبسم، هذا هو قول المحققين، فيما نقله عنهم الإمام النووي – عليهم جميعاً رحمة رب العالمين – انظر تهذيب الأسماء واللغات: (2/160) القسم الثاني وقرر الإمام ابن حجر هذا في الفتح: (8/578) ، فقال: قولها: إنما كان يتبسم، لا ينافي ما جاء في الحديث الآخر: أنه ضحك حتى بدت نواجذه، لأن ظهور النواجذ، وهي الأسنان التي في مقدم الفم أو الأنياب، لا يستلزم ظهور اللهاة، واعتبر في: (10/505) هذا الجواب أقوى الأجوبة في دفع ذلك التعارض، وقال: إن المثبت غير المنفي، ثم ختم الكلام بقوله: والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه – صلى الله عليه وسلم – كان في معظم أحواله لا يزيد على التبسم، وربما زاد على ذلك فضحك، والمكروه من ذلك إنما هو الإكثار منه، أو الإفراط فيه لأنه يذهب الوقار، قال ابن بطال، والذي ينبغي أن يقتدى به من فعله ما واظب عليه من ذلك، فقد روى البخاري في الأدب المفرد، وابن ماجه من وجهين عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – رفعه: "لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب". وانظر الحديث في الأدب المفرد: (39-40) باب الضحك –، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب الحزن والبكاء –: (2/140) ، قال في الزوائد: إسناده صحيح: (7/69) من طريق الحسن البصري عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –. ولبيان حقيقة النواجذ والأنياب إليك عدد الأسنان في فم الإنسان، يبلغ عدد الأسنان في فم الإنسان عند اكتمال نموه اثنان وثلاثون، مقسمة كما يلي كما في قواعد التجويد: (37) : أ- ... الثنايا ... :... وعددها أربع في كل فك اثنتان ب- ... الرباعيات ... :... عددها أربع في كل فك اثنتان جـ- ... الأنياب ... :... عددها أربع في كل فك اثنتان د- ... الضواحك ... :... عددها أربع في كل فك ضاحكان، وهي تلي الأنياب وهي أول الأضراس هـ- ... الطواحين ... :... عددها اثنا عشر طاحناً في كل فك ست، وهي تلي الضواحك و ... النواجذ ... :... عددها أربع في كل فك ناجذان، وهي آخر الأضراس التنبيه الثاني: يستحب للإنسان أن يقول الدعاء المتقدم في رواية مسلم عند هبوب الرياح، وقد كان نبينا – صلى الله عيه وسلم – يقول غيره أيضاً، فانظر كتاب الأم: (1/253) ، والأذكار: (151-153) لتقف على ما ينبغي أن يقال عند اشتداد الرياح، لتكون من أهل الخير والفلاح.

وكان – عليه الصلاة والسلام – يسأل ربه الثبات، ويكثر من ذلك في جميع الأوقات ففي سنن الترمذي بسند حسن عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يكثر أن يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلب على دينك" فقلت: يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – أمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: "نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء" وفي رواية للترمذي بسند حسن أيضاً عن شهر بن حوشب، قال: قلت لأم سلمة – رضي الله تعالى عنها –: يا أم المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" قالت: فقلت: يا رسول الله ما أكثر دعائك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؟ قال: "يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ" فتلا معاذ – أحد الرواة –: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} آل عمران8، وفي سنن ابن ماجه بسند صحيح عن النواس بن سمعان – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه"، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك" قال "الميزان بيد الرحمن، يرفع أقواماً، ويخفض آخرين إلى يوم القيامة" وفي المسند وصحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله تعالى عنهما – أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم – يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل كقلب واحد يصرفه كيف يشاء" ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "اللهم مصرف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك (¬1) ¬

_ (¬1) انظر رواية أنس – رضي الله تعالى عنه – في سنن الترمذي – كتاب القدر – باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن – عز وجل –: (6/314) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الدعاء – باب دعاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (2/1260) ، والمسند: (3/112، 257) ، والمستدرك – كتاب الدعاء: (1/256) ، وقال: صحيح، وأقره الذهبي، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/101) ، والشريعة للآجري: (137) ، والصفات للدارقطني: (54) ، وفي معجم الطبراني الأوسط بسند رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: (10/176) عن أنس – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – كان يقول: "يا وليّ الإسلام وأهله ثبتني به حتى ألقاك"، وانظر رواية أم سلمة – رضي الله تعالى عنها – في سنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب "95": (3517، 9/182) ، والمسند: (6/294، 302، 315) ، ومسند الطيالسي – منحة المعبود – كتاب الأذكار والدعوات – باب ما جاء في دعوات النبي – صلى الله عليه وسلم –: (1/256) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/100-104) والشريعة للآجري: (316) ، والتوحيد لابن خزيمة: (81) ، وانظر رواية النواس بن سمعان – رضي الله تعالى عنه – في سنن ابن ماجه – المقدمة – باب فيما أنكرت الجهمية –: (1/72) ، والمسند: (4/182) ، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الأدعية – باب أدعية رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (600) ، والمستدرك – كتاب الدعاء: (1/525) ،وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي، وكتاب التفسير –: (2/289) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما، وأقره الذهبي، وكتاب الرقاق –: (4/321) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/98، 103) ، والشريعة للآجري: (317-318) ، والاعتقاد للبيهقي: (79-80) ، والأسماء والصفات له: (341) ، والصفات للدارقطني: (55) ، والتوحيد لابن خزيمة: (80) والرد على الجهمية لابن منده: (87) ، وقال رواه الأئمة المشاهير ممن لا يمكن الطعن على واحد منهم، وانظر رواية عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – في صحيح مسلم – كتاب القدر – باب تصريف الله القلوب كيف يشاء –: (4/2045) ، والمسند: (2/168، 173) ، والسنة لابن أبي عاصم: (1/100، 104) ، والشريعة للآجري: (316) ، والأسماء والصفات للبيهقي: (340) ، والصفات للدارقطني: (45، 72) . والحديث مروي عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – في المسند: (6/291، 251) قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يكثر أن يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك" فقالت له: إنك تكثر أن تقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك"، فقال: - صلى الله عليه وسلم –: "وما يؤمنني، وإنما قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الله – عز وجل – إنه إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه"، ورواه الإمام أحمد عنها أيضاً في مسند أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: (2/418) بلفظ: "ما رفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأسه إلى السماء إلا قال: "يا مصرف القلوب ثبت قلبي على طاعتك"، وقد اقتصر الهيثمي في المجمع: (7/210) على عزو الرواية الأخيرة إليها، وقال: فيه مسلم بن محمد بن محمد بن زائدة، قال بعضهم: وصوابه صالح بن محمد بن زائدة، وقد وثقه أحمد وضعفه أكثر الناس، وبقية رجاله رجال الصحيح، وعزا الهيثمي على معجم الطبراني الأوسط عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – نحو الروايتين المتقدمتين في المسند: (6/91-251) ، وقال: فيه العلاء بن الفضل، قال ابن عدي: في بعض ما يرويه نكارة، وبقية رجاله وثقوا وفيهم خلاف وانظر رواية الحديث عنها في السنة لابن أبي عاصم: (1/100-101، 104) ، والشريعة للآجري: (317) . والحديث مروي أيضاً عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – في المستدرك – كتاب التفسير –: (2/288-289) ، وقال: على شرط مسلم، وأقره الذهبي، وكتاب الصفات للدارقطني: (54) ، ومسند أبي يعلى بسند رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (10/6-17) ، والرد على الجهمية لابن منده: (88) ، وقال الحافظ ابن منده: هذا حديث ثابت باتفاق، وأشار الترمذي عند رواية أنس المتقدمة إلى هذه الرواية: فقال: وروى بعضهم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي – صلى الله عليه وسلم –، وحديث أبي سفيان عن أنس أصح. والحديث مروي أيضاً عن شهاب بن المجنون الجرمي – رضي الله تعالى عنه – في سنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب "135" 3581: (9/220-221) عن طريق عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه عن جده، وجده هو الصحابي شهاب الجرمي – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال الترمذي: هذا غريب من هذا الوجه، ومراده بذلك أن متن الحديث قد روي عن جماعة من الصحابة، وانفرد كليب بروايته عن والده الصحابي شهاب، ويقال لهذا: إنه غريب إسناده لا متناً كما في تدريب الراوي: (376) ، وقد حكم ابن حجر في التقريب: (1/385، 2/236) على عاصم بأنه صدوق رمي بالإرجاء، وعلى كليب بأنه صدوق، وحكى في تهذيب التهذيب: (5/55-56، 8/445-446) خلافاً واسعاً في أمرهما، وذكر الحديث في الإصابة: (2/159) ، في ترجمة شهاب الجرمي الصحابي – رضي الله تعالى عنه – وعزاه إلى أبي يعلى، ومطين، والبارودي، والطبري، وآخرين وقال: قلت: رجاله موثقون إلا أن أبا داود قال: عاصم بن كليب عن أبيه عن جده ليس بشيء. هذا وقد روى الحديث الطبراني بسند رجاله ثقات عن نعيم بن همار كما في مجمع الزوائد: (7/211) وابن أبي عاصم أيضاً في كتاب السنة: (1/99) ، وروياه أيضاً بسند رجاله ثقات عن سبرة ابن فاتك – ويقال سمرة بن الفاتك – رضي الله تعالى عنه – انظر المكانين المتقدمين، وروياه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – من طريق عبد الله بن صالح قال الهيثمي: وثقه عبد الملك بن شعيب، وضعفه غيره، انظر المجمع: (7/211) ، وكتاب السنة: (1/103) ، وليس في الروايات الثلاثة ذكر الدعاء بل فيها الإخبار بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الله – عز وجل – ومن شاء أن يقيمه أقامه، ومن شاء أن يزيغه أزاغه، نسأل الله الكريم أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وأن لا يزيغنا إذا هدانا، فهو ربنا ومولانا.

". وتحقيقاً لما تقدم من بيان حاله – صلى الله عليه وسلم – في الخوف من ربه – جل وعلا – والخشية له فقد كان يختم كل مجلس من مجالسه – صلى الله عليه وسلم – بسؤال الخشية من ربه، ففي سنن الترمذي ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: قلما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الكلمات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما حييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحكما" هذا لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، ولفظ رواية الحاكم عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: أ، هـ لم يكن يجلس مجلساً كان عنده أحد أو لم يكن إلا قال: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به منى، اللهم ارزقني من طاعتك ما تحول بيني وبين معصيتك، وارزقني من خشيتك ما تبلغني به رحمتك، وارزقني من اليقين ما تهون به عليّ مصائب الدنيا، وبارك لي في سمعي، وبصري، واجعلهما الوارث مني، اللهم وخذ بثأري ممن ظلمني، وانصرني على من عاداني، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، ولا مبلغ علمي، اللهم ولا تسلط عليّ من لا يرحمني"، فسئل عنهن ابن عمر، فقال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يختم بهن مجلسه (¬1) . * حال الملائكة المقربين، والأنبياء المطهرين – عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين في الخوف من رب العالمين: ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب "83" 3497، والمستدرك – كتاب الدعاء –: (1/528) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، واقره الذهبي، وانظره في الزهد والرقاق: (144-145) .

.. إذا كان ما تقدم هو حال نبينا الأمين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم –، في الخوف من مالك يوم الدين، فإن ذلك الخلق الكريم، هو خلق الصفوة الطيبين، من الملائكة والنبيين – على نبينا وعليهم جميعاً أفضل الصلوات وأزكى التسليم –، ففي سورة الأنبياء: (26-28) ، يخبرنا ربنا عن حال ملائكة السماء، فيقول – جل ثناؤه –: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} الأنبياء26-28، وقال – جل وعلا – في سورة النحل: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} النحل49-50، وقد بلغ الحال بعظماء الملائكة الكبار – على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه – أن واحداً منهم لم يضحك منذ أن خلق الله النار ففي المسند عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لجبريل – عليه السلام –: "مالي لم أر ميكائيل ضاحكاً قط؟ فقال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار".

.. قال الإمام العراقي – رحمه الله تعالى –: وورد ذلك في حق إسرافيل – عليه السلام – رواه البيهقي في الشعب، وفي حق جبريل – عليه السلام، رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المسند: (3/224) ، قال الهيثمي في المجمع: (10/395) ، رواه أحمد من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين، وهي ضعيفة، وبقية رجاله ثقات، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار: (4/178) رواه أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين من رواية ثابت عن أنس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – بإسناد جيد، ورواه ابن شاهين في السنة من حديث ثابت مرسلاً، وورد ذلك في حق إسرافيل رواه البيهقي في الشعب، وفي حق جبريل رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين ونقل ذلك عنه الترمذي في إتخاف السادة المتقين: (9/245) .

.. قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: وإنما اشتد خوف النبيين، والملائكة المقربين – عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم – لاطلاعهم على مالم يطلع عليه سائر المكلفين، من صفات رب العالمين، ومما يكون في الآخرة من نعيم وجحيم، وما يسبق ذلك من أهوال تذهل الحليم، وتشيب الولدان أجمعين، ولذلك قال خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وسلم –:" إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطرت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها أربع أصابع إلا وملك (وملك) واضح جبهته ساجداً لله – عز وجل – والله لو تعلون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم على الصعدات تجأرون إلى الله، والله لوددتم أني كنت شجرة تعض (¬1) ¬

_ (¬1) الحديث من رواية أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – رواه الترمذي – كتاب الزهد – باب في قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً": (7/74-75) ، وقال هذا حديث حسن غريب، وابن ماجه – كتاب الزهد – باب الحزن والبكاء –: (2/1402) ، والحاكم في المستدرك – كتاب الأهوال –: (4/579) ،وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي ورواه في كتاب التفسير – سورة الإنسان: (2/510) ، وأبو نعيم في الحلية: (2/236) ، وفي الروايات الأربعة وردت جملة: "لوددت أني كنت شجرة تعضد" مرفوعة من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال الترمذي ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر – رضي الله تعالى عنه – قال: لوددت أني كنت شجرة تعضد 1هـ ونحوه في الحلية وورد التصريح بذلك في رواية المسند: (5/173) ، فقال أبو ذر – رضي الله تعالى عنه –: والله لوددت أني شجرة تعضد، وقد مال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (3/359) على كون تلك الجملة من كلام أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – لكن ابن العربي في عارضة الأحوذي: (9/195) ذهب إلى خلاف ذلك، وقرر كون تلك الجملة من كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: وفي قوله: "وددت أني كنت شجرة تعضد" خبر عن عظم همه بأمته لما يرى فيهم من المكروه، فأما هو في ذاته الشريفة، ومنزلته الكريمة، فهو أمر لا يوازيه شيء. وقد وردت جملة: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" من رواية عدة من الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – وإليك البيان: الرواية الأولى: رواية أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – في صحيح البخاري – كتاب الكسوف – باب الصدقة – في الكسوف –: (2/529) ، وكتاب النكاح – باب الغيرة –: (9/319) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب الكسوف – باب صلاة الكسوف –: (2/618) ، وسنن النسائي – كتاب الكسوف – باب نوع آخر من صلاة الكسوف عن عائشة – رضي الله تعالى عنها –: (3/108) ،وباب كيف الخطبة في الكسوف؟: (3/123) ، والموطأ – كتاب صلاة الكسوف – باب العمل في صلاة الكسوف: (1/186) والمسند: (6/81، 164) ، ورواية أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – في صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة المائدة – باب: "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم –: (8/280) ، وكتاب الرقاق – باب قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً": (11/319) بشرك ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الصلاة – باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما –: (1/320) ، وكتاب الفضائل – باب توقيره – صلى الله عليه وسلم –: (4/1832) وسنن النسائي – كتاب السهو – باب النهي عن مبادرة الإمام بالانصراف من الصلاة –: (3/69) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب الحزن والبكاء –: (2/1402) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب: "لو تعلمون ما أعلم": (2/306) ، والمسند: (3/102، 126، 154،180، 193، 210، 217، 240، 245، 251، 168، 290) وفي الأماكن التي تحتها خط بلفظ: "لو رأيتم ما أريت" وأخرجه عنه ابن مردويه كرواية أبي ذر المتقدمة كما في الدر: (3/265) . ومن رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في صحيح البخاري – كتاب الرقاق – المكان المتقدم – وكتاب الإيمان والنذر – باب كيف كانت يمين النبي – صلى الله عليه وسلم –: (11/524) بشرح ابن حجر، وسنن الترمذي – المكان المتقدم –، والمسند: (2/257، 312، 313، 418، 432، 467، 477، 502) ، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الزهد – باب المواعظ: (616) والمستدرك – كتاب الأهوال: (4/579) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة، وأقره الذهبي. ومن رواية أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – في المستدرك – كتاب الرقاق –: (4/320) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه بهذه السياقة وأقره الذمبي، ورواه الطبراني البزار من طريق ابنة أبي الدرداء عن أبيها – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال الهيثمي: ولم أعرفها وبقية رجال الطبراني رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (10/230) ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان كما في جمع الجوامع: (1/666) ومن رواية عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في معجم الطبراني الكبير والأوسط ومسند البزار كما في مجمع الزوائد: (10/29) ، وفيه: وفيه عبد الله بن سعيد قائد الأعمش وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان، وقال يخطئ، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف. ومن رواية عبد الله بن مكتوم – رضي الله تعالى عنه – في معجم الطبراني الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (10/230) ، ومن رواية سمرة بن جندب – رضي الله تعالى عنه – في معجم الطبراني، ومسند البزار كما في المجمع: (10/230) ، وفيه إسناد الطبراني من لم أعرفهم وإسناد البزار ضعيف 10هـ ورواه ابن عساكر في تاريخه كما في الجامع الكبير: (1/665) .

". أي تقطع. وقد أخبرنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – عن شدة حزن أبينا آدم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – لمفارقته ما رآه، وبعده عما كان فيه، فقال – صلى الله عليه وسلم –: "لو أن بكاء داود – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – وبكاء جميع أهل الأرض يعدل ببكاء آدم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – ما عدله (¬1) ، وما ذاك إلا لأنه عاين ما عاين عند رب العالمين، فهو وجل من عذابه الأليم، وراج ٍ لفضله العميم، وكل من كان في علمه بالله من الراسخين، وبما عند الله من المستيقنين، سيسلك طريق أبيه الكريم، الذي سار عليه سائر الأنبياء والمرسلين – عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم – وقد كان سلفنا الطيبين على ذلك الخلق العظيم، قال ابن أبي مليكه – وهو من أئمة التابعين – عليه رحمة رب العالمين –: جلسنا إلى عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – في الحجر، فقال: ابكوا، فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا، لو تعلمون العلم لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره، ولبكى حتى ينقطع صوته (¬2) . ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في المعجم الأوسط بسند رجاله ثقات عن بريدة – رضي الله تعالى عنه – كما في مجمع الزوائد: (8/198) – كتاب ذكر الأنبياء – باب ذكر نبينا آدم – على نبينا وعليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه –. (¬2) وروى ذلك الحاكم في المستدرك في كتاب الأهوال: (4/578-279) ، وقال – هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وثبت في المسند: (4/185) وإسناده جيد كما في مجمع الزوائد: (10/225) عن عتبة بن عبد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "لو أن رجلاً يخر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضاة الله لحقره يوم القيامة". وورد الحديث في المسند أيضاً: (4/185، وكتاب الزهد والرقاق لابن المبارك: (12 موقوفاً عن محمد بن أبي عميرة – وكان من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم – ولفظه: "لو أن رجلاً خر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضاة الله – عز وجل – لحقره ذلك اليوم، ولود أنه رد إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب" قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (10/225 رجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ في الإصابة: (3/381) سنده قوي وانظر كلام الحافظ لتقف على من عزا إليه تخريجه أيضاً، وانظر الروايتين المتقدمتين المرفوعة والموقوفة في أسد الغابة: (5/109) .

* تحريض النبي الأمين – صلى الله عليه وسلم – لأمته على الخوف من رب العالمين: ... حثنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – على الخوف من الله الجليل، ورتب على التحلي بذلك الخلق النبيل، واسع الفضل والثواب الجزيل، فأخبرنا – صلى الله عليه وسلم – أن من خاف ربه في هذه الحياة، يأمن عندما تفزع المخلوقات، وتقوم لرب الأرض والسموات، ففي صحيح ابن حبان، وغيره من دواوين الإسلام عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ذي الجلال والإكرام أنه قال: "وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته في يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر موارد الظمآن – كتاب الزهد – باب الخوف من الله تعالى –: (617) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – به، وعنه رواه البيهقي في شعب الإيمان كما في تخريج أحاديث الإيحاء: (4/159) وفيه وفي الترغيب والترهيب: (4/261) حكاية تصحيح ابن حبان للحديث، وهو في كتاب الزهد والرقاق لابن المبارك: (51) عن الحسن مرسلاً، وكذلك رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخائفين كما في تخريج أحاديث الإحياء، واخرج البزار الروايتين المتقدمين المتصلة والمرسلة كما في مجمع الزوائد: (10/308) كتاب الزهد – باب ما جاء في الخوف والرجاء – وقال الهيثمي: شيخ البزار مجمد بن يحيى بن ميمون لم أعرفه، وبقية رجال المسند والمرسل رجال الصحيح غير محمد بن عمرو ابن علقمة وهو حسن الحديث، وقد تعقب الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه على كتاب الزهد والرقاق كلام الحافظ الهيثمي، قلت: محمد بن يحيى بن ميمون روى عنه البزار ويحيى بن صاعد فليس بمجهول العين.

.. ويترتب على الأمن يوم الدين، أن يظلل بظل عرش رب العالمين، ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، وجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الأذان – باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد –: (2/143) ، وكتاب الزكاة – باب الصدقة باليمين –: (3/293) ، ومختصراً في كتاب الرقاق – باب البكاء من خشية الله – عز وجل –: (11/312) ، وكتاب الحدود، باب فضل من ترك الفواحش: (12/112) بشرح ابن حجر في جميع ما تقدم، وصحيح مسلم – كتاب الزكاة – باب فضل إخفاء الصدقة: (2/715) ، وسنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في الحب في الله – عز وجل –: (7/119) ، وسنن النسائي – كتاب آداب القضاة – باب الإمام العادل –: (8/196) ، والموطأ – كتاب الشعر – باب ما جاء في المتحابين في الله – عز وجل –: (2/952) ، والمسند: (2/439) . تنبيه: حصر العدد في السبعة الواردة في الحديث الشريف لا مفهوم له، بدليل ورود غيرهم في روايات أخرى، وقد جمع الإمام ابن حجر عدد من ورد في الأحاديث أنهم يظللون تحت ظل العرش فبلغوا أربع سبعات – ثمانية وعشرين –، وأفردهم في جزء وسماه: معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال، كما في فتح الباري: (2/144) .

.. ويوالى إحسان العزيز الغفار، على من خافه في دار الزوال، فينجيه من النار، مع ما يحصل له من الأمن والإكرام في عرصات دار القرار، ثبت في سنن الترمذي، وغيره بسند صحيح عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الجهاد – باب ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله – عز وجل –: (5/351) وكتاب الزهد – باب ما جاء في فضل البكاء من خشية الله – عز وجل –: (7/73-74) ،وقال: هذا حديث حسن صحيح، وسنن النسائي – كتاب الجهاد – باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه: (6/11) ، والمسند: (2/505) ، والمستدرك – كتاب التوبة والإنابة –: (4/260) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وأقره الذهبي، ونسبه السيوطي في الجامع الكبير: (1/938) لهناد والبيهقي في شعب الإيمان أيضاً، وهو في مسند الطيالسي – منحة المعبود: (1/234) .

.. وفي سنن الترمذي بسند حسن عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الجهاد – باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله – عز وجل –: (5/357) ، وقال هذا حديث حسن غريب، قال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (9/487) : وهو حديث صحيح بشواهده، ورواه عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – البيهقي في شعب الإيمان، والخطيب في المتفق والمفترق كما في جمع الجوامع: (1/513) ، والحديث رواه أبو يعلى بسند رجاله ثقات، والطبراني في الأوسط بنحوه عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – كما في مجمع الزوائد: (5/288) ، والترغيب والترهيب: (2/249) ، وعنه رواه الخطيب في تاريخ بغداد: (2/360) وروي الحديث عن العباس بن عبد المطلب – رضي الله تعالى عنه – بسند ضعيف في معجم الطبراني كما في مجمع الزوائد: (5/288) ، وتاريخ ابن عساكر والفيلانيات لأبي بكر الشافعي كما في جمع الجوامع: (1/513) ورواه الطبراني أيضاً عن معاوية بن حيدة – رضي الله تعالى عنه – وفي السند أبو حبيب العنقري، قال الهيثمي في المجمع: (5/288) لا أعرفه، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: (2/249) لا يحضرني حاله، وبقية رجاله ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك – كتاب الجهاد –: (2/82-83) من طريقين عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – وفي الطريق الأول عمر ابن راشد وقد ضعفوه، كما قال الذهبي والطريق الثاني منقطع كما قال الذهبي، والمنذري في الترغيب والترهيب: (2/250) ، وعنه رواه البغوي من شرح السنة من طريق المسعودي – كتاب السير والجهاد – باب فضل الجهاد –: (10/355) ، والحديث صحيح بشواهده المتقدمة، وقد رواه الحاكم أيضاً – المكان السابق – بسند صحيح وأقره الذهبي عن أبي ريحانة – رضي الله تعالى عنه – وهو في سنن الدارمي – كتاب الجهاد – باب في الذي يسهر في سبيل الله – حارساً –: (2/203) ، والمسند: (4/134-135) ، ومعجم الطبراني الكبير كما في مجمع الزوائد: (5/287) ، وفيه: ورجال أحمد ثقات.

". ... وبالختام فالخوف من ذي الجلال والإكرام، ينجي من الآثام، ويحفظ الإنسان من الزلل والطغيان ويكسبه نيل رضا الرحمن، ولذلك كان نبينا – عليه الصلاة والسلام يوصي به أصحابه الكرام، ويحث على التخلق به جميع الأنام ففي سنن الترمذي بسند صحيح حسن عن عقبة بن عامر – رضي الله تعالى عنه – قال: قلت يا رسول الله، ما النجاة؟ فقال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في حفظ اللسان –: (7/128) ، والمسند: (4/148، 158، 5/259) ، والزهد والرقاق لابن المبارك: (43) ، والعزلة للخطابي: (8/8) ، والحلية: (2/9) وعزاه السيوطي في الجامع الكبير: (1/154) إلى البيهقي في شعب الإيمان، وزاد المنذري في الترغيب والترهيب: (3/524) عزوه إلى ابن أبي الدنيا في العزلة، وفي الصمت، وإلى البيهقي في الزهد وغيره، وعزاه لأبي داود أيضاً ولم أجده فيه بعد بحث فراجع، والحديث رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وحسن إسناده عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – وفي إسناده المسعودي وقد اختلط كما في مجمع الزوائد: (10/299) ، ورواه الطبراني بسند فيه عفير بن معدان وهو ضعيف كما في مجمع الزوائد: (10/299) عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – ولفظه: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ويشهد أني رسول الله فليسعه بيته، وليبك على خطيئته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ويشهد أني رسول الله، فليقل خيراً ليغنم، أو ليسكت عن شر فيسلم". وقد أوصى ابن مسعود ابنه أبا عبيدة بما ورد في هذا الحديث فقال له: أي بني أوصيك يتقوى الله، وليسعك بيتك، وابن على خطيئتك، وروى ذلك الطبراني بإسنادين رجالهما رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (10/299) ، وفي الزهد للإمام أحمد: (156) قال عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – لابنه: يا بني، ليسعك بيتك، وأملك عليك لسانك، وابك من ذكر خطيئتك..وفي الزهد والرقاق لابن المبارك: (42) ، والحلية: (11/135) أن رجلاً قال لابن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: أوصني، فقال: ليسعك بيتك، وابك من ذكر خطيئتك، وكف لسانك.

" وفي معجمي الطبراني الصغير والأوسط بسند حسن عن ثوبان – رضي الله تعالى عنه – : "طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته، وبكى على خطيئته (¬1) " فمن سعادة الإنسان خشية الرحمن في السر والإعلان كما روى عن نبينا – عليه الصلاة والسلام –: "ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية، وأما المهلكات: فشح مطاع، وعوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه (¬2) ". ... نسأل الله ربنا أن يرزقنا خشيته أينما كنا، وأن يجعل سرنا خيراً من علننا، فهو مولانا وحسبنا. ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد: (10/299) ، والترغيب والترهيب: (3/524) ، والعزلة لابن أبي الدنيا كما في جمع الجوامع: (1/567) . (¬2) الحديث ضعيف وله شواهد كثيرة، وروي عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – في معجم الطبراني الأوسط، وفي سنده ابن لهيعة ومن لا يعرف كما في مجمع الزوائد: (1/91) ، وانظر فيض القدير: (3/308) ففيه الحكم بتضعيف هذه الرواية، وروي عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – في مسند البزار ومعجم الطبراني الأوسط، وفيه زائدة بن أبي الرقاد، وزياد النميري، وكلاهما مختلف في الاحتجاج به كما في مجمع الزوائد: (1/91) ، وعنه رواه أبو نعيم في الحلية: (2/343، 6/268) عن زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري في المكان الثاني، وفي المكان الأول من طريق الفضل بن بكر عن قتادة به، ورواه أبو الشيخ في التوبيخ كما في الجامع الصغير: (3/307) معه الفيض، ورواه الخطيب في المتفق والمفترق، والعسكري في الأمثال كما في الجامع الكبير: (1/487) ، والبيهقي في شعب الإيمان كما في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: (3/235) ، وقال العراقي: سنده ضيف، وروي ذكر المهلكات في حديث ابن عباس وابن أبي أوفى – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – في مسند البزار وفي المسند محمد بن عون الخرساني وهو ضعيف جداً كما في مجمع الزوائد: (1/91) .

* أسباب خوف المكلفين من رب العالمين ... مهما تعددت دوافع الخوف من الملك الوهاب، فإنها ترجع لثلاث أسباب، إليكم بيانها يا أولي الألباب: السبب الأول إجلال الله وتعظيمه – عز شأنه وثناؤه –: ويحصل ذلك الأمر الجليل، نتيجة للتأمل في الصلة بين العبد الحقير، والرب الكبير، فمن علم من حاله الضعف والفقر والاحتياج والجهل، وعلم من ربه – جل جلاله – ضد تلك الأوصاف، فهو القوي الغني ذو الجلال والإكرام، خاف رب العالمين، وأجله إجلال تعظيم، وإن كان من عباد الله المقربين، وقد أشارت إلى ذلك آيات الذكر الحكيم، ففي سورة آل عمران يقول ربنا الكريم: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ} آل عمران28-30 فكرر ربنا – جل وعلا – قوله: " يُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ " مرتين للإشارة إلى أن ما لله الجليل من صفات يحتم الخوف منه على المخلوقات، وقد تقدمت إشادة القرآن بمن خاف من مقام الرحمن، وأن ذلك يحتمل قيام الله عليه، أو قيام العبد في الآخرة بين يديه، وعلى كلا التأويلين ففي الآية دلالة على عظيم رتبة من خشي رب الكونين، لما يتصف به من صفات توجب ذلك على العباد، حيث جاء ذلك مقدماً على رتبة من خاف العذاب: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} إبراهيم14،

قال ذو النون المصري – عليه رحمة الله تعالى –: خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجيّ (¬1) . السبب الثاني: خشية التفريط ويكون ذلك في الطاعات والمعاصي: ¬

_ (¬1) كما في الإحياء: (4/165) ، وشرحه: (9/223) ، ومختصر منهاج القاصدين: (328) ، وذو النون المصري هو ثوبان وقيل: الفيض بن إبراهيم توفي سنة ست وأربعين ومائتين – عليه رحمة الله تعالى – قال ابن كثير في البداية والنهاية: (10/347) هو أحد المشايخ المشهورين، وكان حكيماً فصيحاً، قيل، وسئل عن سبب توبته فذكر أنه رأى قبرة عمياء نزلت من وكرها، فانشقت لها الأرض عن سكر جنتين من ذهب وفضة في إحداهما سمسم وفي الأخرى ماء، فأكلت من هذه وشربت من هذه 10هـ القبرة: ضرب من الطير كما في المختار: (524) قبر، والسكرجة: إناء صغير يوضع فيه الشيء القليل من الأدم، كما في لسان العرب: (3/123) "سكر". ومن طيب كلامه: بصحبة الصالحين تطيب الحياة، والخير مجموع في القرين الصالح إن نسيت ذكرك وإن ذكرت أعانك، ومن تطأطأ لقط رطباً من تعالى لقي عطباً. انظر ذلك وغيره من ترجمته المباركة في الحلية: (9/331-395) : (10/4-5) ، وصفة الصفوة: (4/315-321) ، وشذرات الذهب: (2/107-108) .

.. أما الطاعات فلا يدري الإنسان حالها عند رب الأرض والسموات، هل فبلت فضارت من المقربات، وسبباً لنيل عظيم السعادات، أم ردت فصارت من المهلكات، المرديات في أسفل الدركات، فللقبول شروط في الفعل والفاعلين، هيهات أن تحصل على وجه الكمال في أحد من المكلفين، فالله يتقبل من المتقين، إذا كانت أعمالهم مشروعة في الدين، ومرداً بها وجهه الكريم، ولذلك عظيم خوف المؤمنين، وإن كانوا بطاعة ربهم قائمين، قال رب العالمين – جل شأنه العظيم –: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} المؤمنون57-61 وفي المسند وسنن الترمذي وابن ماجه والمستدرك عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت، قلت: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قول الله – عز وجل –: " وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ " أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر، وهو مع ذلك يخاف الله – عز وجل –؟ قال – صلى الله عليه وسلم –: "لا، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق، وهو مع ذلك يخاف الله – عز وجل (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المسند: (6/159، 205) ، وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة المؤمنين: (8/318-319) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب التوقي على العمل: (2/1404) ، والمستدرك – كتاب التفسير – تفسير سورة المؤمنين: (2/393-394) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد وأقره الذهبي، وهو في تفسير ابن جرير: (18/26) ، ومعالم التنزيل: (5/39-40) ، وأخرجه الفريابي وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان كما في الدر: (5/11) ، والحميدي في مسنده: (1/132-133) . والحديث من رواية عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – ولم يدركها كما في تهذيب التهذيب: (6/186) ، وله شاهد يتقوى به من حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في تفسير الطبري: (18/26) ، ورواه ابن أبي الدنيا، وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه كما في الدر: (5/11) ، وأشار إليه الترمذي في المكان المتقدم، وقد نص على ذلك الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (2/245) .

–"، ولذلك قال الحسن البصري – عليه رحمة ربنا القوي – إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمناً، ثم تلا: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} المؤمنون57-61، وقال المنافق: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} القصص78، وروي عن الحسن أيضاً ابن المبارك في الزهد قال في تفسير قول الله – عز وجل –: " وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا " قال: يعطون ما أعطوا، " وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ " قال: يعملون ما عملوا من أعمال البر، وهم يخشون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب ربهم – عز وجل – (¬1) وهذا ما قرره أئمة التفسير، قال الإمام ابن كثير – عليهم جميعاً رحمة ربنا الجليل –: " وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ " أي: يعطون العطاء، وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر جامع البيان: (18/25) ، ورواه عنه ابن أبي حاتم أيضاً كما في الدر: (5/11) ، وانظر الزهد والرقاق: (6) ، وهو أيضاً في تفسير الطبري: (18/25) ، ورواه عبد بن حميد كما في الدر: (5/11) . (¬2) انظر تفسير ابن كثير: (3/248) ، ونحوه في تفسير ابن جرير: (18/24-25) ، ومعالم التنزيل: (5/39) .

وأما المعاصي، فكل إنسان لا يخلو من هفوات، ولا يسلم من زلات وعثرات، فهو مفرط في جبن رب الأرض والسموات، ولا يدري هل سيغفر له بعد الممات، أو سيصلى النار المعدة للعاصين الغواة، فالعاقل يرى نفسه أنه أسير ذنبه، فيعظم خوفه من ربه وفي صحيح ابن حبان، وحلية الأولياء عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان – يعني الإبهام والتي تليها – لعذبنا، ثم لم يظلمنا شيئاً (¬1) ".، ولذلك قال على – رضي الله تعالى عنه – لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان – كتاب الزهد – باب الخوف من الله – سبحانه وتعالى – وأنه يعذب من يشاء ويرحم من يشاء –: (617) ، وحلية الأولياء: (8/132) . (¬2) روى ذلك أبو نعيم في الحلية: (1/75) فساق بسنده إليه إنه قال: احفظوا عني خمساً فلو ركبتم الإبل في طلبهن لأفضيتموهن قبل أن تدركوهن: لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحي جاهل أن يسأل عما لا يعلم، ولا يستحي عالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسم، ولا إيمان لمن لا صبر له.

وصور عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – حال المؤمن مع ما يفلت منه من الذنوب بمثال يخلع القلوب، فقال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه، فقال به هكذا، قال الحافظ في الفتح: قال ابن أبي جمرة – رحمة الله عليهم أجمعين –: السبب في ذلك أن قلب المؤمن منور، فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينور به قلبه عظم الأمر عليه، والحكمة في التمثيل بالجبل أن غيره من المهلكات قد يحصل التسبب إلى النجاة منه، بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة، وحاصله: أن المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان، فلا يأمن من العقوبة بسببها، وهذا شأن المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح، ويخشى من صغير عمله السيئ، وأما الفاجر فهو مظلم القلب فوقوع الذنب منه خفيف عنده، ولهذا تجد من يقع في المعصية إذا وعظ يقول: هذا سهل، والحكمة في تشبيه ذنوب الفاجر بالذباب كون الذباب أخف الطير وأحقره وهو مما يعاين ويدفع بأقل الأشياء، وفي ذكر الأنف مبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده، لأن الذباب قلما ينزل على الأنف، وإنما يقصد غالباً العين، وفي إشارته بيده تأكيد للخفة أيضاً لأنه بهذا القدر اليسير يدفع ضرره.

وقال الحافظ أيضاً، قال المحب الطبري – عليهما رحمة الله تعالى –: إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله – عز وجل – وعقوبته، لأنه على يقين من الذنب، وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله – عز وجل – فلذلك قل خوفه، واستهان بالمعصية (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر أثر ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في صحيح البخاري – كتاب الدعوات – باب التوبة –: (11/102) بشرح ابن حجر ورواه الترمذي – كتاب صفة القيامة – باب "50": (7/90) ، ورواه ابن مبارك في الزهد – باب ما جاء في تخويف عواقب الذنوب –: (23) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء: (4/29) ، وانظر ما نقله الحافظ عن ابن أبي جمرة، والمحب الطبري في الشرح: (11/105) مع تصرف يسير في التقديم والتأخير.

قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: ولذلك عظم خوف الصحابة الصادقين – عليهم رضوان رب العالمين – فكانوا يحترسون مما وقع فيه كثير من المتأخرين، مما يحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – من الموبقات، وفي المسند أيضاً عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الموبقات، وفي المسند والمستدرك وغيرهما عن عبادة بن قرط – رضي الله تعالى عنه – قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الموبقات، قال حميد بن هلال فقلت لأبي قتادة، فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ فقال أبو قتادة لكان لذلك أقول، وفي المسند وسنن الدارمي فذكروا ذلك لمحمد بن سيرين فقال: صدق، أرى جر الإزار منها (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الرواية الأولى في صحيح البخاري – كتاب الرقاق – باب ما يتقى من محقرات الذنوب: (11/329) بشرح ابن حجر، والرواية الثانية في المسند: (3/3) قال الهيثمي في المجمع: (10/190) ورجاله رجال الصحيح، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (4/18، 170) رواه أحمد والبزار بسند صحيح، وانظر رواية البزار في المجمع: (1/106) ، قال الهيثمي: وفيه عباد بن راشد وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أبو داود وغيره، والرواية الثالثة في المسند: (5/79) ، والمستدرك – كتاب التوبة والإنابة –: (4/291-292) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب في الموبقات: (2/315) والطبراني كما في مجمع الزوائد: (10/190) ، وقال الهيثمي وبعض أسانيد أحمد والطبراني رجاله رجال الصحيح والتاريخ الكبير: (6/94) ، ومسند الطيالسي – منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود –: (2/64) - كتاب الكبائر – باب الترهيب من احتقار الذنوب الصغيرة – وانظره في أسد الغابة: (3/162) ، والإصابة: (2/270) ، وعبادة بن قرط وقيل: ابن قرص أصح وقال الهيثمي: قال الطبراني: عبادة الله أعلم، قتله الخوارج سنة إحدى وأربعين عندما كان بالأهواز بعد رجوعه من الغزو في سبيل الله فسمع أذاناً فأقبل نحوه، فإذا هو بالخوارج، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا أخوكم، فقالوا: أنت أخو الشيطان، فلما أرادوا قتله، قال لهم أما ترضون بما رضي النبي – صلى الله عليه وسلم – مني، أتيته وأنا مشرك فشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فخلى عني، فقتلوه، قتلهم الله، ورضي عنه وأكرمه – انظر تفصيل ذلك في التاريخ الكبير: (6/93-94) ، وأسد الغابة: (3/162) ، وتجريد أسماء الصحابة: (1/294) ، والإصابة: (2/269-270) القسم الأول من حرف العين، وتعجيل المنفعة –: (209-210) .

وفي المسند عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – قال: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيصير بها منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتحاضن على الخير، أوليسحتكم الله جميعاً بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم (¬1) . قال كاتب هذه الأسطر: ستره رب العالمين والمسلمين أجمعين –: إذا كان كل إنسان لا يخلو من تقصير في حق الرب الجليل، ولا يعلم بأي ذنب يحل عليه غضب الرب الكبير، فينبغي أن يكون شديد الوجل من العزيز القدير، محترساً تمام الاحتراس من كل ذنب كبير وصغير، فلا ينظر إلى صغر الخطيئة وحقارتها، ولكن ينظر إلى كبرياء وجلال من واجهه بها، ثبت في صحيح ابن حبان وسنن ابن ماجه وغيرهما عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يا عائشة إياك ومحقرات الأعمال، فإن لها من الله طالباً" ورواه الإمام أحمد في المسند بلفظ: "إياك ومحقرات الذنوب فإن لها من الله – عز وجل – طالباً (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر المسند: (5/390) ، قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (1/128، 4/169) رواه أحمد بإسناد فيه جهالة. (¬2) انظر موارد الظمآن – كتاب الزهد – باب اجتناب المحقرات –: (617-618) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب ذكر الذنوب –: (2/1417) ، قال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وانظره في سنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب في المحقرات –: (2/303) ، وانظر رواية المسند فيه في: (6/70، 151) ورواه النسائي في السنن الكبرى كما في فتح الباري: (11/329) .

وفي المسند ومعجم الطبراني الأوسط بسند صحيح عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر المسند: (1/402-403) ، ومجمع الزوائد – كتاب التوبة – باب فيما يحتقر من الذنوب –: (10/189) ، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عمران ابن داور القطان، وقد وثق، وقد صحح الحديث الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (5/313) رقم "3818 لكنه تعقب صنيع الهيثمي بالتساهل لأن عبد ربه لم يرو له شيء في الصحيحين ورواه البيهقي في شعب الإيمان كما في جمع الجوامع: (1/363) ، والحديث رواه الطبراني بنحوه موقوفاً بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (10/189-190) . ورواه بنحوه أيضاً أحمد في المسند: (5/331) عن سهل بن سعد – رضي الله تعالى عنه – بسند حسن كما في فتح الباري: (11/329) ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (10/190) والطبراني في الثلاثة من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن عبد الحكم، وهو ثقة، كما في المجمع: (10/191) . ورواه بنحوه الطبراني عن سعد بن جنادة – رضي الله تعالى عنه – وفيه نفيع أبو داود وهو ضعيف كما في مجمع الزوائد: (10/191) .

وإذا كان للمحقرات تلك الدركات، فهي تهلك من يتلبس بها من المخلوقات، وفاعلها في غفلة وفي سبات، فإن الشيطان يرضى بصدورها من المكلفين والمكلفات، كما أخبرنا عن ذلك خير البريات – عليه أزكى السلام وأفضل الصلوات – ففي سنن الترمذي وغيره عن عمر بن الأحوص – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلادكم هذه أباداً، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى له (¬1) ". وقد سار سلفنا الأكابر على ذلك الهدي الفاخر فحذروا من الصغائر كما حذروا من الكبائر لما في الأمرين من انتهاك لحرمة العزيز القادر قال بلال بن سهد – أسكنه الله جنان الخلد –: لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت (¬2) ، قال ابن المعتز: خَلّ الذنوبَ صغيرها ... وكبيرها ذاك التُقَى واصنعْ كَمَاش ً فوق أر ... ض الشّوك ِ يحْذرُ ما يرى لا تَحْقِرَنّ صغيرة ... إنّ الجبالَ منَ الحَصَى (¬3) السبب الثالث خوف سوء الخاتمة حسبما قدر على العبد في السابقة: ¬

_ (¬1) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لا يوجد الحاشية رقم 2. (¬2) انظر رواية ذلك عنه في كتاب الزهد لابن المبارك: (24) ، وحلية الأولياء: (5/223) ، وصفة الصفوة: (4/218) ، وبلال بن سعد شامي ومنزلته في بلاد الشام كمنزلة الحسن البصري في بلاد العراق، وكانت وفاته في حدود العشرين ومائة، ومن جميل كلامه: لا تكن ولياً لله في العلانية وعدوا له في السر، وكفى بنا ذنباً أن الله يزهدنا في الدنيا ونحن نرغب فيها، وانظر ذلك وغيره من أخباره الطيبة فيما تقدم، وفي البداية والنهاية: (9/248-250) ، وتهذيب التهذيب: (1/503-504) . (¬3) انظر نسبة ذلك إليه في تفسير القرطبي: (1/162) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير: (1/1) والأبيات في روح المعاني: (1/108) دون نسبة.

.. وهذا السبب العظيم هو الذي من أجله طاشت له قلوب الصديقين، وطارت بسببه أفئدة الراسخين، فاشتد خوفهم من رب العالمين، وسألوه الثبات على دينه الكريم في جميع الأحايين، وخاصة عند اشتداد السياق بهم وهو الكرب العظيم، ومن سلك هذا المسلك الكريم، فيرجى له التثبيت من قبل رب العالمين، على صراطه المستقيم، والحظوة بفضله العميم، ومن انحرف عن ذلك من المكلفين، فهذا علامة خسرانه المبين، نسأل الله العظيم أن يثبت قلوبنا على دينه القويم، وأن يجعلنا يوم الفزع الأكبر من الآمنين، وأن يمن علينا بجنات النعيم، والنظر إلى وجهه الكريم فهو ربنا لكريم، وهو خير المسئولين.

.. ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: حدثنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلفه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، فوالذي لا إله إلا غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها (¬1) ". ولسوء الخاتمة أسباب تجمع في سببين عند أولي الألباب: السبب الأول: ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب بدء الخلق – باب ذكر الملائكة – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام –: (6/303) ، وكتاب الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – باب خلق آدم وذريته –: (6/363) ، وأول كتاب القدر –: (11/477) ، وكتاب التوحيد – باب "28": (13/440) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – أول كتاب القدر –: (16/189-195) بشرح النووي، وسنن أبي داود – كتاب السنة – باب في القدر –: (5/82) ، وسنن الترمذي – كتاب القدر – باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم –: (6/310) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –، وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب في القدر –: (1/29) ، والمسند: (1/382، 414، 430) ، ومسند الحميدي: (1/69) ، وشرح السنة – كتاب الإيمان – باب الإيمان بالقدر –: (1/129) ، ومسند الطيالسي – منحة المعبود – كتاب القدر – باب تقدير حال الإنسان وهو في بطن أمه –: (1/31) ، والسنة لابن أبي عاصم: (1/77) ، والشريعة للآجري: (182) ، وقال: والحديث ابن مسعود طريق عن جماعة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ثم ساقها، والاعتقاد للبيهقي: (70) .

.. الأمن على الإيمان من الاستلاب، عند الخروج من دار التكليف إلى دار الحساب ومن أمن من تقلبات القلوب عند تغاير الأحوال والأسباب، فهو من أهل التباب بلا ارتياب، ولذلك كان أبو الدرداء – رضي الله تعالى عنه – يحلف بالله – جل وعلا – أنه ما من أحد أمن على إيمانه أن يسلبه عند الموت إلا سلبه، ولما احتضر سفيان الثوري – عليه رحمة الله القوي – جعل يبكي ويجزع، فقيل له، يا أبا عبد الله، عليك بالرجاء فإن عفو الله أعظم من ذنوبك، فقال: أو على ذنوبي أبكي؟ لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبال بأن ألقى الله – جل وعلا – بأمثال الجبال من الخطايا (¬1) . قال عبد الرحيم – ختم الله الكريم له وللمسلمين بالحسنى آمين –: اعلم أخي المؤمن يا من يريد نصح نفسه، والفوز برضوان ربه، أنه لن يمر على الإنسان في كياته كرب كالكرب الذي سيلقاه عند مفارقة الدنيا، روى الإمام أحمد في المسند عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "لم يلق ابن آدم شيئاً قط خلقه الله أشد عليه من الموت، ثم إن الموت لأهون مما بعده (¬2) "، وذلك من وجهين فتأملهما، واعتن بما يلزمهما، عن طريق إعداد العدة لهما، فعما قريب سينزلان بك وستعرف حقيقتهما. الوجه الأول: ¬

_ (¬1) انظر الخبرين في إحياء علوم الدين: (4/168-169) ، وإتحاف السادة المتقين: (9/229-230) , والخبران في مختصر منهاج القاصدين: (329) ، والخبر الأول رواه الرازي في كتاب صفات المنافقين: (47) عن أبي إدريس الخولاني – رحمه الله تعالى – بلفظ: ما على ظهرها من بشر يخاف على إيمانه أن يذهب إلا ذهب. (¬2) تنظر المسند: (3/154) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (2/319) رجاله موثقون.

.. شدة سكرات الموت التي تذهل الحليم، وتحول القوي الشديد إلى عليل سقيم، وتأمل ما وقع لنبينا – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – لترى ما يقع عند الموت من شدة لعباد الله المقربين، فضلاً عن بقية المكلفين، ثبت في صحيح البخاري وغيره عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – قالت: إن من نعم الله عليّ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توفي في بيتي، وفي يومي بين سحري ونحري – السحر: الرئة، وتعني بذلك أنه مات في حضنها – وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت، دخل عليّ عبد الرحمن – وهو ابن أبي بكر فهو أخوها – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت، ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته له، فأمره – أي: على أسنانه فاستاك به -، وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه، ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات، ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض، ومالت يده" وفي لفظ في المسند وسنن الترمذي، وابن ماجه عنها – رضي الله تعالى عنها – قالت: رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يموت، وعنده قدح فيه ماء، فيدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء، ثم يقول: "اللهم أعنى على سكرات الموت (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر روايات الحديث الشريف في صحيح البخاري – كتاب المغازي – باب مرض النبي – صلى الله عليه وسلم – ووفاته –: (8/144) ، وكتاب الرقاق – باب سكرات الموت –: (11/361) بشرح ابن حجر فيهما، والمسند: (6/64، 70، 77، 151) ، وسنن الترمذي – كتاب الجنائز – باب ما جاء في التشديد عند الموت –: (3/361) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وسنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ما جاء في ذكر مرض رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (1/519) .

.. ولذلك كانت – رضي الله تعالى عنها – تقول: مات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي، فلا أمره شدة الموت لأحد أبداً بعد ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفي لفظ للترمذي عنها – رضي الله تعالى عنها – قالت: ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الحديث في صحيح البخاري – كتاب المغازي – باب مرض النبي – صلى الله عليه وسلم – ووفاته: (8/140) بشرح ابن حجر، وسنن النسائي - - كتاب الجنائز – باب شدة الموت –: (4/6) ، والمسند: (6/74، 77) ، وسنن الترمذي – كتاب الجنائز – باب ما جاء في التشديد عند الموت –: (3/262) ، وشرح السنة – كتاب الجنائز – باب شدة الموت –: (5/297) ، وقال: هذا حديث صحيح، قال السيوطي في زهر الربى على المجتبى: (4/7) الحاقنة هي الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق، والذاقنة بالذال المعجمة: الذقن، وقيل: طرف الحلقوم، وقيل: ما يناله الذقن من الصدر 10هـ وقال ابن الأثير في جامع الأصول: (11/67) الحاقنة: ما سفل من البطن، والذاقنة: طرف الحلقوم الناتيء، وقيل: الحاقنة: المطمئن من الترقوة والحلق، والذاقنة: نقرة الذقن.

.. وثبت في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: "لما ثقل النبي – صلى الله عليه وسلم – جعل يتغشاه، فقالت فاطمة – عليها السلام – واكرب أباه، فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، فلما مات – صلى الله عليه وسلم – قالت: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة – عليها السلام –: يا أنس، أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - التراب (¬1) ؟. وجاء في مراسيل الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – بيان شدة الموت وما فيه من كربات بما يضعضع الجبال الراسيات، قال الحسن: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذكر الموت وغصته وألمه، فقال: "هو قدر ثلاثمائة ضربة بالسيف (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب المغازي – باب مرض النبي – صلى الله عليه وسلم – ووفاته: (8/149) بشرح ابن حجر، وسنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ذكر وفاته ودفنه – صلى الله عليه وسلم –: (1/522) ،وفيه قال حماد: رأيت ثابتاً – الراوي عن أنس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – حين حدث بهذا الحديث بكى حتى رأيت أضلاعه تختلف، والحديث في المسند: (3/141) قال الحافظ في الفتح: (8/149) ، وسكت أنس عن جوابها – رضي الله تعالى عنها وعنه وعنا معهما – رعاية لها، ولسان حاله يقول: لم تطب أنفسنا بذلك، إلا أنا قهرناها على فعله امتثالاً لأمره – صلى الله عليه وسلم –. (¬2) رواه ابن أبي الدنيا مرسلاً بسند رجاله ثقات كما في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: (4/447) .

قال الإمام الغزال – عليه رحمة الملك الباري –: اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت بمجردها لكان جديراً بأن يتنغص عليه عيشه، ويتكدر عليه سروره، ويفارقه سهوه وغفلته، وحقيقاً بأن يطول فيه فكره، ويعظم له استعداده، ولا سيما وهو في كل نفس بصدده، كما قال بعض الحكماء: كرب بيد سواك، لا تدري متى يغشاك، وقال لقمان لابنه: يا بني أمر لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك، والعجب أن الإنسان لو كان في أعظم اللذات، وأطيب مجالس اللهو، فانتظر أن يدخل عليه جندي فيضربه خمس خشبات لتكدرت عليه لذته، وفسد عليه عيشه، وهو في كل نفس بصدد أن يدخل عليه ملك المموت بسكرات النزع، وهو عنه غافل فما لهذا سبب إلا الجهل والغرور. واعلم أن شدة الألم في سكرات الموت لا يعرفها بالحقيقة إلا من ذاقها، ومن لم يذقها فإنما يعرفها بالقياس إلى الآلام التي أدركها، وإما بالاستدلال بأحوال الناس في النزع على شدة ما هم فيه. فأما القياس الذي يشهد له، فهو أن كل عضو لا روح فيه فلا يحس بالألم، فإن كان فيه الروح فالمدرك للألم هو الروح، فمهما أصاب العضو حرج أو حريق سرى الأثر إلى الروح، فبقدر ما يسري إلى الروح يتألم، والمؤلم يتفرق على اللحم وسائر الأجزاء، فلا يصيب الروح إلا بعض الألم، فإن كان في الآلام ما يباشر نفس الروح، ولا يلاقي غيره ما أعظم ذلك الألم وما أشده.

والنزع عبارة عن مؤلم نزل بنفس الروح، فاستغرق جميع أجزائه حتى لم يبق جزء من أجزاء الروح المنتشر في أعماق البدن إلا وقد حل به الألم، فلو أصابته شوكة فالألم الذي يجده إنما يجري في جزء من الروح يلاقي ذلك الموضع الذي أصابته الشوكة، وإنما يعظم أثر الاحتراق لأن أجزاء النار تغوص في سائر أجزاء البدن فلا يبقى جزء من العضو المحترق ظاهراً وباطناً إلا وتصيبه النار فتحسه الأجزاء الروحانية المنتشرة في سائر أجزاء اللحم، وأما الجراحة فإنما تصيب الموضع الذي مسه الحديد فقط، فكان لذلك ألم الجرح دون ألم النار، فألم النزع يهجم على نفس الروح ويستغرق جميع أجزائه، فإنه المنزوع المجذوب من كل عرق من العروق، وعصب من الأعصاب وجزء من الأجزاء، ومفصل من المفاصل، ومن أصل كل شعرة وبشرة من الفرق إلى القدم، فلا تسأل عن كربه وألمه، حتى قالوا: إن الموت لأشد من ضرب السيف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، لأن قطع البدن بالسيف إنما يؤلم لتعلقه بالروح، فكيف إذا كان المتناول المباشر نفس الروح، وإنما يستغيث المضروب ويصيح لبقاء قوته في قلبه، وفي لسانه، وإنما انقطع صوت الميت وصياحه مع شدة ألمه لأن الكرب قد بالغ فيه، وتصاعد على قلبه، وبلغ كل موضع فهد كل قوة، وضعف كل جارحة فلم يترك له قوة الاستغاثة، أما العقل فقد غشيه وشوشه، وأما اللسان فقد أبكمه، وأما الأطراف فقد ضعفها، ويود لو قدر على الاستراحة بالأنين والصياح والاستغاثة ولكنه لا يقدر على ذلك، فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها خواراً وغرغرة من حلقه وصدره، وقد تغير لونه واربد حتى كأنه ظهر منه التراب الذي هو أصل فطرته، وقد جذب منه كل عرق على حياله، فالألم منتشر في داخله وخارجه، حتى ترتفع الحدقتان إلى أعالي أجفانه، وتتقلص الشفتان، ويتقلص اللسان إلى أصله، وترتفع الأنثيان إلى أعالي موضعهما، وتخضر أنامله، فلا تسل عن بدن يجذب منه كل عرق من عروقه، ولو كان المجذوب

عرقاً واحداً لكان ألمه عظيماً، فكيف والمجذوب نفس الروح المتألم لا من عرق واحد، بل من جميع العروق، ثم يموت كل عضو من أعضائه تدريجياً فتبرد أولاً قدماه، ثم ساقاه، ثم فخذاه، ولكل عضو سكرة بعد سكرة، وكربة بعد كربة، حتى يبلغ بها إلى الحلقوم، فعند ذلك ينقطع نظره عن الدنيا وأهلها ويغلق دونه باب التوبة، وتحيط به الحسرة والندامة ثم نقل الغزالي عن أخبار أهل الكتاب أن نبي الله موسى – على نبينا وعليه الصلاة والسلام – لما صارت روحه إلى الله – تبارك وتعالى – قال له: يا موسى كيف وجدت الموت؟ قال: وجدت نفسي كالعصفور حين يقلى على المقلى، لا يموت فيستريح ولا ينجو فيطير، وروي عنه أنه قال: وجدت نفسي كشاة حية تسلخ بيد القصاب (¬1) . الوجه الثاني: ... إن الإنسان مع كونه في تلك الحال عند الاحتضار، فإن الشياطين الأشرار، تحيط به من جميع الجهات والأقطار، ويقول بعضهم لبعض: دونكم هذا، فإن فاتكم فلن تدركوه، فيجتمع على الإنسان عند السياق أمران فظيعان: الأول: ضعف قواه، لدهاه من كربات الموت واعتراه. الثاني: كثرة المردة الطغاة، وبذلهم ما في وسعهم لجعل المحتضر من العتاة، الغواة. ... فإن تداركت رحمة أرحم الراحمين عبده الضعيف المسكين في ذلك الحين، وثبته بالحق المبين، فقد سعد أبد الآبدين، وفاز بالنعيم المقيم في جنات النعيم، وإلا فهو من الهالكين الخاسرين، المخلدين في نار الجحيم. ¬

_ (¬1) انظر إيحاء علوم الدين: (4/445-447) ، ومختصر ذلك في مختصر منهاج القاصدين: (416) .

.. فكيف يأمن العاقل على إيمانه، ولا يدري في ساعة الاحتضار عن حال جنابه، أو ما علم الإنسان أن قلب يتقلب مدى الأزمان، والمحفوظ من حفت به ألطاف ربنا الرحمن، قال نبينا – عليه الصلاة والسلام –: "لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذا استجمعت غلياناً" وفي رواية: "لقلب ابن آدم أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً" ولذلك كان أكثر دعاء نبينا – صلى الله عليه وسلم –: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" كما تقدم (¬1) ولله در من قال: أحْسَنْتَ ظنّكَ بالأيام إذ ْ حَسُنَتْ ... ولم تخَفْ سُوءَ ما يأتي به القَدَرُ وسالمَتْكَ الليالي فاغْتَرَرْتَ بها ... وعند صفْو ِ الليالي يحْدثُ الكدرُ (¬2) ¬

_ (¬1) الحديث رواه عن المقداد بن الأسود – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً كل الأئمة الكرام: أحمد في المسند: (6/4) ، والحاكم في المستدرك – كتاب التفسير – سورة آل عمران –: (2/289) ، وقال: هذا حديث على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، ورواه ابن أبي عاصم في السنة: (1/102) ، والطبراني بأسانيد ورجال أحدهما رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: كتاب القدر – باب ما جاء في القلب –: (7/211) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء: (1/175) ، وانظر حديث "يا مقلب القلوب" في صفحة: (.....) من هذا الكتاب المبارك. (¬2) انظر الأبيات في إحياء علوم الدين: (4/173) ، ومدارج السالكين: (1/516) .

.. ولذلك كانت حلية الأبرار، عدم الأمن على إيمانهم ما داموا في هذا الدار، ولا يشعرون بالسعادة، وحصول الأمن إلا إذا فارقوا هذه الدنيا على توحيد العزيز الغفار، ذكر الأئمة الكرام في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل شيخ الإسلام – عليهم جميعاً رحمة رب الأنام – أن ولده عبد الله قال: لما حضرت أبي الوفاة جعل يفرق ثم يفيق، ثم يفتح عينه، ثم يقول بيده هكذا لا، بعد، لا، بعد، ثلاث مرات، ففعل هذا مرة وثانية، فلما كان في الثالثة قلت له: يا أبتي أي شيء هذا، قد لهجت به في هذا الوقت؟ تفرق حتى تقول: قد قضيت، ثم تعود، فتقول: لا، بعد، لا بعد؟ فقال لي: يا بني ما تدري؟ فقلت: لا، فقال: إن إبليس – لعنه الله تعالى – قائم حذائي عاض على أنامله، يقول لي: يا أحمد فتني، وأنا أقول له، لا، بعد، حتى أموت (¬1) . ... ولما احتضر أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – بكى، وقال: والله ما أبكي حزناً على الدنيا، ولا جزعاً من فراقكم، ولكن أنتظر إحدى البشارتين من ربي، بجنة أو بنار. ... وقيل لجابر بن زيد عند الموت: ما تشتهي؟ فقال نظرة إلى الحسن البصري – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى، فلما دخل عليه الحسن رفع طرفه إليه، ثم قال: يا أخو أناه الساعة والله أفارقكم إلى النار أو إلى الجنة. ... وقال محمد بن واسع – رحمه الله تعالى – عند الموت: يا إخواناه، السلام عليكم، إلى النار أو يعفو الله – عز وجل –. ... قال الغزالي – رحمه الله تعالى –: فخوف سوء الخاتمة قطع قلوب العارفين، وهو من الدواهي العظيمة عند الموت (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر القصة في مناقيب الإمام أحمد لابن الجوزي: (408) – سياق ذكر حاله عند احتضاره، ونحوها في كتاب الزهد لابن المبارك: (104) عن عطاء بن يسار قال: تبدى إبليس لرجل عند الموت فقال: نجوت مني، قال: وأمنتك بعد. (¬2) انظر إحياء علوم الدين: (4/449-450) ، وفيه الأخبار الثلاثة المتقدمة.

السبب الثاني لسوء الخاتمة: الاغترار بالحال الحاضرة، والعجب بما يصدر عن الإنسان من طاعات ناقصة قاصرة، والغفلة عما في المكلف من الآفات، التي توجب له سوء الخاتمة عند الممات، وأمهات ذلك ثلاث بليات مهلكات، قل أن يخلو عن واحد منها أحد من المخلوقات، والمحفوظ من حفظه رب الأرض والسموات. البلية الأولى باتفاق: اتصاف المكلف بالنفاق والغفلة عما فيه من سوء الأخلاق، ولا يخلو عن ذلك إلا الصديقين المقربون، لأن حقيقة النفاق اختلاف السر والعلانية، وتغاير المدخل والمخرج، وتضاد القلب والفعل، قال يزيد بن الحارث: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته فذلك النصف، وإن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل، وإن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور، وأنشد في هذا المعنى: إذا السرُ والإعلان في المؤمن استوى ... فقد عزّ في الدارين واستوْجبَ الثنا فإنْ خالفَ الإعلانُ سِراً فماله ... على سعْيه فضلٌ سوى الكَدِّ والعنا فما خالِصُ الدينار في السوقُ نافِقٌ ... ومغشوشه المردودُ لا يقْتضي المُنا (¬1) ¬

_ (¬1) انظر قول يزيد بن الحارث وأبيات الشعر في إحياء علوم الدين: (4/379) ، ونحوه في الحلية: (2/156) عن الحسن.

.. وفي كتاب الزهد لابن المبارك عن أبي عمر وقيس بن رافع، قال: اجتمع ناس من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند ابن عباس، فتذاكروا الخير فرقوا، وواقد بن الحارث – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ساكت، فقالوا: يا أبا الحارث ألا تتكلم؟ فقال: قد تكلمتم وكفيتم، فقالوا: تكلم فما أنت بأصغرنا سناً، فقال: أسمع القول فالقول خائف، وانظر الفعل فالفعل فعل آمن، وقال ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: إن الناس قد أحسنوا القول كلهم، فمن وافق قوله فعله، فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالفه فإنما يوبخ نفسه (¬1) . ... واعلم أن لفظ الصدق كما يستعمل في صدق القول، يستعمل أيضاً في غيره، وقد نص العلماء الكرام على استعمال الصدق في ستة أقسام: 1- صدق في القول: وهذا أشهر أنواع الصدق وأظهرها فواجب على كل عبد حفظ ألفاظه فلا يتكلم إلا بالصدق ويدخل في هذا مراعاة معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه – جل وعلا – كقوله: " وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ " فإن كان منصرفاً عن الله مشغولاً بالدنيا فهو كاذب. ¬

_ (¬1) انظر كتاب الزهد والرقاق: (25) ، وقيس بن رافع يكنى بأبي عمرو، وبأبي رافع مصري تابع وهو مدني الأصل، ووهم من ذكره في الصحابة روى له أبو داود في المراسيل كما في تهذيب التهذيب: (8/391) ، وتقريبه: (2/128) ، وتجريد أسماء الصحابة: (2/20) ، وواقد بن الحارث يكنى بأبي الحارث وهو صحابي باتفاق – رضي الله تعالى عنه – وقد روى هذه القصة في ترجمته ابن الأثير في أسد الغابة: (5/431-432) ، ورواها ابن حجر عن كتاب الزهد في كتابه الإصابة: (3/627-627) القسم الأول من حرق الواو، وانظر تجريد أسماء الصحابة: (2/25) .

2- صدق في النية والإرادة: ومرد ذلك إلى الإخلاص، وحقيقته: أن لا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا رضاء رب الأرض والسموات، فإن مازج نيته شيء من حظوظ النفس، وخالطها شوب من رعوناتها فهو بمعزل عن وصف الصدق عن رب العالمين، ويظهر كذبه يوم الدين، وتسعر به نار الجحيم، وقد ثبت هذا عن نبينا الأمين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – (¬1) . ¬

_ (¬1) ثبت في صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار –: (3/1513) ، وسنن النسائي – كتاب الجهاد – باب من قاتل ليقال فلان جريء –: (6/20-21) ، والمسند: (2/322) واقتضاء العلم العمل: (69-70) ، وسنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في الرياء والسمعة –: (7/112-114) ، وتفسير ابن جرير: (2/9-10) ، وصحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة كما في الترغيب والترهيب: (1/62-65) ، ورواه ابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان كما في الدر المنثور: (3/323) ، وهذا لفظ مسلم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه، رجل استشهد فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار"، وفي رواية الترمذي، وابن جرير، وابن خزيمة عن شفى الأصبحي أنه دخل المدينة المنورة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – فدنوت منه حتى قعدت بين يديه، وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا، قلت له: أنشدك بحق وبحق لما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عقلته وعلمته، فقال أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه –: أفعل، لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عقلته وعلمته، ثم نشغ أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – نشغة – أي: شهق وغشي عليه كما في اللسان: (10/339) "نشغ" – فمكث قليلاً ثم أفاق، فقال: لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – نشغة أخرى، ثم أفاق فمسح وجهه، فقال: لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – نشغة أخرى، ثم أفاق ومسح وجهه، فقال: أفعل لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا معه في هذا البيت ما معه أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – نشغة شديدة، ثم مال خاراً على وجهه، فأسندته علي طويلاً، ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وساق الحديث نحو ما تقدم، وفي آخره: "ثم ضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ركبتي: يا أبا هريرة – أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة" فأخبر شفى معاوية بهذا الحديث عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فقال – رضي الله تعالى عنه –: قد فعل بهؤلاء هذا، فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديداً حتى ظننا أنه هالك، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية – رضي الله تعالى عنه – ومسح عن وجهه، وقال: صدق رسول الله: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} هود15-16. فتأمل هذا الحديث يا عبد الله، يا من يريد نصح نفسه وسعادتها، كيف اعتبر الله – جل وعلا – كدر النية وفسادها كذباً، وأوجب لأهل ذلك الوصف ناراً ملتهبة، مع أن ما صدر من أولئك الأصناف في منتهى الفضيلة والجلال، ولم ينف الله صدوره من العمال، إنما نفى إرادة وجهه الكريم بتلك الأعمال. وقد ثبت عن نبينا الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – ما يخلع قلوب المتعلمين، إذا لم يخلصوا لله رب العالمين، ففي المستدرك – كتاب العلم –: (1/85) وهو حديث صحيح وسنده ثقات رواته على شرط الشيخين ولم يخرجاه كما قال الحاكم، وأقره الذهبي، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب العلم – باب في النية في طلب العلم: (51) ، وسنن أبي داود كتاب العلم – باب في طلب العلم لغير الله تعالى –: (4/71) ، وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب الانتفاع بالعلم والعمل به: (1/92-93) ، والمسند: (2/338) ، وشعب الإيمان للبيهقي كما في جمع الجوامع: (1/764) ، وجامع بيان العلم وفضله: (1/190) ، وقد حكم العراقي على الحديث في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: (1/67) بأنه جيد الإسناد، عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني: ريحها. وفي شرح الشرنوبي على تائية السلوك: (31-32) أبيات سديدة رشيدة في هذا المعنى، على طريق الإخبار عن الكبير المتعال، وهي: تعَلمْ ما استطعت لقصْدِ وجهي ... فإن العلم من سفن النجاة وليس العلمُ في الدنيا بفخر ٍ ... إذا ما حل في غير الثقاتِ ومن طلب العلوم لغير وجهي ... بعيدٌ أنْ تراه من الهُداةِ فعليك أخي المسلم في كل عمل باستحضار النية، وجعلها خالصة لرب البرية، فالعمل بغير نية عناء وهباء، والنية في غير إخلاص من شرك ورياء، نسأل الله الكريم أن يجعل علمنا صالحاً ولوجهه خالصاً، وأن لا يجعل لأحد فيه شيئاً، إنه سميع الدعاء.

لأنه لا مشقة في ذلك، والمؤنة فيه خفيفة، فإذا حقت الحقائق، وحصل التمكن هاجت الشهوات فانحلت العزائم، وتأخر الإنسان عن فعل المكارم، وهذا مضاد للصدق في العزيمة، ومعاقبته وخيمة وهو خلق المنافقين الفجار، ويتنزه عنه المؤمنين الأبرار، كما أخبرنا عن ذلك العزيز الغفار، وقال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} الأحزاب23، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – قال: غاب عمي أنس بن النضر – رضي الله تعالى عنه – عن قتال بدر، فقال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني: أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء – يعني: المشركين – ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد ما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بعضاً وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا ببنانه، قال أنس: كنا نرى – أو نظن – أن هذه الآية نزلت فيه، وفي أشباهه: " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ " إلى آخر الآية (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الجهاد – باب "12" قول الله – عز وجل – " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ " الآية: (6/21) ، وكتاب المغازي – باب غزوة أحد –: (7/354-355) ، كتاب الإمارة – باب ثبوت الجنة للشهيد –: (3/1512) ، وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة الأحزاب: (8/341-342) ، والمسند: (3/194، 201، 253) ، وجامع البيان: (21/93) ، وحلية الأولياء: (1/121) ، ومعالم التنزيل: (5/246) ، والحديث أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة، وابن سعد، والبغوي في معجمه، والبيهقي في دلائل النبوة، والنسائي في السنن الكبرى، وابن المنذر، والحاكم كما في الدر المنثور: (5/191) ، قال الحافظ في الفتح: (6/22) قوله: " فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ " أي: مات، وأصل النحب: النذر، فلما كان كل حي لابد له من الموت فكأنه لازم له، فإذا مات فقد قضاه، والمراد هنا: من مات على عهده لمقابلته بمن ينتظر ذلك، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –. قال عبد الرحيم: يحصل الأجر للمكلفين بمقدار صدقهم في وفائهم على ما عزموا عليه من طاعة رب العالمين، فمن تم صدقه اكتمل أجره، ومن خف صدقه قل أجره كما ثبت في سنن الترمذي في كتاب الجهاد – باب ما جاء في الشهداء عند الله – عز وجل –: (5/360-361) ،وقال حسن غريب، والمسند: (1/23) ، قال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (1/221) رقم: "150" إسناده حسن عن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: " الشهداء أربعة، رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة هكذا، ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوته، - قال الراوي –: فما أدري أقلنسوة عمر أراد، أم قلنسوة النبي – صلى الله عليه وسلم -، قال: ورجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فكأنما ضرب جلده بشوك طلح من الجبن أتاه سهم غرب فقتله فهو في الدرجة الثانية، ورجل مؤمن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فلقي العدو فصدق الله حتى قتل فذلك في الدرجة الثالثة، ورجل مؤمن أسرف على نفسه لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذلك في الدرجة الرابعة". وإذا تلبس المكلف بالنفاق، فالعمل مردود عليه فاتفاق، ففي سنن الدارمي – كتاب الجهاد – باب في صفة القتل في سبيل الله: (2/206-207) ، والمسند: (4/185-186) ، ومجمع الطبراني كما في مجمع الزوائد: (5/291) ، وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح غير المثنى الأملوكي وهو ثقة، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: (2/317) إسناد أحمد جيد، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه – موارد الظمآن – كتاب الجهاد – باب جاء في الشهادة –: (388) ورواه البيهقي كما في الترغيب والترهيب: (2/317) كلهم عن عتبة بن عبد السلمي – رضي الله تعالى عنه – واللفظ لرواية المسند أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: والقتلى ثلاثة: رجل مؤمن قاتل بنفسه وما له في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل، فذلك الشهيد المفتخر في خيمة الله تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلى بدرجة النبوة، ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل محيت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء الخطايا – وفي رواية غير المسند: فتلك مصمصمة محت ذنوبه وخطاياه – أي: ضربة بالسيف الصمصام تكفر عنه الأوزار والآثام – وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أفضل من بعض، ورجل منافق جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله حتى يقتل، فإن ذلك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق".

.. وقال جل وعلا – في الإخبار عن حال الفجار، الذين نكثوا عهودهم مع العزيز القهار –: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (¬1) } ¬

_ (¬1) اعلم أخي – علمني الله وإياك – أن المعتمد في تفسير الآية الكريمة، الذي لا يصح القول بغيره أن الآية المباركة نازلة في منافقين لم يسموا، ولم تعلم أعيانهم، وقد وقعت حوادث ظاهرة لكثير من المكلفين، وتحدث عنها القرآن الكريم، ولم تعرف أعيان المقصودين، فما في هذه الآية الكريمة أولى، لأنها تتحدث عن أمر باطني، وهو نقض العهود مع الرب المعبود، ولا يطلع على ذلك إلا خالق الوجود، ولله – جل وعلا – في إخفاء تسميتهم حكم لا يعلمها إلا هو، وقد أخبر ربنا العظيم نبيه الكريم – صلى الله عليه وسلم – في نفس سورة التوبة أنه يوجد في أهل المدينة المنورة من مهر في النفاق، وليس عنده علم عما في قلوبهم من الشقاق، فغيره – صلى الله عليه وسلم – لا يعلم ذلك باتفاق، قال الله – جل وعلا –: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} التوبة101، وسورة التوبة تكرر فيها: ومنهم، ومنهم وذلك هتكاً لسرائر المنافقين، لعلهم يتوبون إلى رب العالمين، ولذلك سميت بسورة الفاضحة، ثبت ذلك عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – في صحيح البخاري – كتاب التفسير – أول سورة الحشر: (8/629) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب التفسير – سورة الأنفاق وبراءة والحشر: (4/2322) عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: سورة التوبة، قال: آلتوبة؟ بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل ومنهم ومنهم، حتى ظنوا أنها لن تبقي أحداً منهم إلا ذكر فيها، وقد اقتصر في عزو هذه الرواية في الدر المنثور: (3/208) إلى أبي عبيد وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وتبعه على ذلك الألوسي في روح المعاني: (10/40) وهذا عجيب منهما فهو في الصحيحين فالعزو إليهما أولى وأقوى، وعزاه السيوطي في الإتقان: (1/92) إلى البخاري فقط وقد علمت وجوده في الصحيحين، وقد ورد تسميتها بالفاضحة أيضاً عن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – عند أبي الشيخ كما في الدر والإتقان، وورد تسميتها بذلك أيضاً عن قتادة في تفسير ابن أبي حاتم كما في الإتقان في الأمكنة المتقدمة. وأولئك المنافقون اللئام عاهدوا الملك العلام على مواساة فقراء الأنام، والاستقامة على هدي الإسلام، إذا أعطاهم ربنا شيئاً من الحطام، فلما أغدق عليهم ربنا – جل وعلا – صنوف الأموال مالوا عن طريق الاستقامة والاعتداء، ونقضوا عهودهم مع ذي العزة والجلال، فهم في تنفيذ ما عزموا عليه كاذبون، وعن الوفاء بعهدهم معرضون فجازاهم الحكم العدل من جنس ما يعلمون، وزادهم رجساً إلى رجسهم الملعون، وما ظلمهم الله وكلن كانوا أنفسهم يظلمون، وقد علم ربنا أنهم لن يقلعوا عن العصيان، وسيصحبهم الخذلان حتى لقاء الرحمن – جل وعلا – نقل الحصاص في أحكام القرآن: (3/144) عن مجاهد – رحمه الله تعالى – أن الله – جل وعلا – حرمهم التوبة كما حرم إبليس. فإن قيل: كيف اعتبرهم ربنا بالمال باخلين، مع أن الزكاة كانت تؤخذ من المنافقين؟ والجواب عن ذلك يا أخي في الدين: إن الزكاة وإن أخذت من الأموال الظاهرة كالأنعام والزروع والثمار وعروض التجارة، فالأموال الباطنة كالنقدين لا يعلم مقدارهما إلا صاحبهما، يضاف إلى هذا أن الزكاة فيهما موكولة إلى أصحابها، فالمنافقين وإن أخذ منهم زكاة الأموال الظاهرة فقد بخلوا بزكاة الأموال الباطنة، ويضاف إلى هذا أيضاً، أنه شتان شتان بين من يخرج زكاة ماله طيبة بها نفسه، وبين من يراها أنها جزية أو أخت الجزية، فهذا هو المعنى الصحيح للآية الكريمة، فاعلمه فعلم المرء بنفعه، والله – تبارك وتعالى – أعلم. واعلم – سددك الله تعالى – أنه قد جرى في كثير من كتب التفسير تساهل كثير فيما يتعلق في بيان المعنيين بهذه الآية الكريمة، وكثرت منهم في ذلك الأقاويل، وليس لها أي اعتبار عند طالب العلم النحرير، لأنه ليس لها في ميزان النقد الجليل، وعلم الجرح والتعديل، [وزن كثير] وزن كثير أو قليل، وإليك خلاصة ذلك مع التحقيق الوفير، فاغتنمه واشكر الرب القدير القول الأول: وعليه اقتصر كثير من المفسرين منهم الواحدي في أسباب النزول: (171-172) والوجيز في تفسير القرآن العزيز: (1/348) ، والزمخشري في الكشاف: (2/203) والرازي في مفاتيح الغيب: (16/138) ، وابن جزي في التسهيل: (2/181) ، وابن كثير في تفسير: (2/373-374) ، والثعالبي في الجواهر الحسان: (2/143-144) ، والخطيب الشربيني في السراج المنير: (1/634-635) ، وأبو السعود في إرشاد العقل السليم: (4/85) ، والجمل في حاشيته على الجلالين: (2/301-302) ، والسيوطي في لباب النقول: (120/121) ، والإتقان: (4/99) ، والدر المنثور: (3/260-261) ، وتكملة تفسير الجلال المحلى: (185) ، والقاسمي في محاسن التأويل: (8/3208) ، والشوكاني في فتح القدير: (2/386) ، والسيد قطب في ظلال القرآن: (3/1680) ، وقال ابن العربي في أحكام القرآن: (2/980-981) عن هذا السبب: إنه أصح الروايات وهو حديث مشهور، وكذلك قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (8/208-210) ، والرازي في تفسيره: (16/138) وقال الألوسي في روح المعاني: (10/144) إنه الأشهر، وهو الصحيح. وذكر ذلك الخبر في تفسير الآية الكريمة الطبري في جامع البيان: (10/130-131) وهو في معالم التنزيل: (3/124-126) ، وكتاب التأويل: (3/125-126) ، وتفسير البيضاوي: (1/353) ، والنسفي: (2/100) ، وتفسير المراغي: (10/169) والتفسير الواضح: (2/74-75) ، وتفسير ابن سعدي المسمى بتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: (3/137) ،وصفوة التفاسير: (1/551) ، ومختصر تفسير ابن كثير: (2/157-158) ، وكرر الرازي الاستشهاد به في عدة أماكن من تفسيره غير ما تقدم: (10/2، 28/91-92) والبحر المحيط: (5/74) ، وروح البيان: (3/469-470) ، وتفسير النيسابوري: (10/128-129) ، وورد الخبر في الإحياء: (3/264-265) وتلبيس إبليس: (178، 181) ، والتبصرة: (1/138) ، والاستبصار: (280) ، والمنهاج في شعب الإيمان: (2/514-516) ، وأطال الحليمي في توجيه الخبر، ولم يأت بطائل. وهذا نص الخبر عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ادع الله أن يزقني مالاً، فقال – صلى الله عليه وسلم –: "ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه" قال أبو أمامة – رضي الله تعالى عنه – ثم قال ثعلبة مرة أخرى، فقال – صلى الله عليه وسلم –: "أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفسي بيده، لو شئت أن تسير معي الجبال ذهباً وفضة لسارت" فقال ثعلبة: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالاً، لأوتين كل ذي حق حقه. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "اللهم ارزق ثعلبة مالاً" فاتخذ غنماً، فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة، فتنحى عنها، فنزل وادياً من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة، ويترك ما سواهما، ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو كما ينمو الدود، حتى ترك الجمعة، فسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عنه، فأخبر خبره فقال: "يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة، يا ويح ثعلبة" وأنزل الله – جل وعلا –: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} التوبة103، ونزلت عليه فرائض الصدقة، فبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجلين على الصدقة، وكتب لهما كتاباً كيف يأخذان الصدقة من المسلمين، وقال لهما: "مروا بثعلبة، وبفلان – رجل من بني سليم – فخذا صدقاتهما" فخرجا حتى أتيا ثعلبة، فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلى أخت الجزية، ما أدري ما هذا؟ انطلقا حتى تفرغا ثم عودوا إليّ، فانطلقا، وسمع بهما السلمي، فاستقبلهما بخيار ماله، فقالا: لا يجب عليك هذا، فقال: خذاه فإن نفسي بذلك طيبة، فأخذا منه، فلما فرغا من صدقاتهما مرا بثعلبة، فقال: أروني كتابكما، فنظر فيه، فقال: ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى أرى رأيي، فانطلقا حتى أتيا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما رآهما، قال: "يا ويح ثعلبة" قبل أن يكلمهما، ودعا للسلمي بالبركة، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، والذي صنع السلمي، فأنزل الله – جل وعلا – في ثعلبة: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} التوبة إلى آخر الآيات وكان عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجل من أقارب ثعلبة، فسمع ذلك، فخرج حتى أتاه، فقال: ويحك يا ثعلبة، قد أنزل الله فيك كذا وكذا، فأتى ثعلبة النبي – صلى الله عليه وسلم – وسأله أن يقبل منه صدقته، فقال – صلى الله عليه وسلم –: "إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك" فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال – صلى الله عليه وسلم –: "هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني" فرجع ثعلبة إلى منزله، وقبض رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولم يقبل منه شيئاً، ثم أتى أبا بكر – رضي الله تعالى عنه – حين استخلف، فقال: قد علمت منزلتي من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وموضعي من الأنصار، فاقبل صدقتي، فقال أبو بكر – رضي الله تعالى عنه –: لم يقبلها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا أقبلها؟ فقبض أبو بكر – رضي الله تعالى عنه – ولم يقبضها، فلما ولي عمر – رضي الله تعالى عنه – أتاه فقال: يا عمر اقبل صدقتي، فقال: لم يقبلها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا أبو بكر، وأنا أقبلها منك، فقبض ولم يقبلها، ثم ولي عثمان – رضي الله تعالى عنه – فأتاه فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا أبو بكر ولا عمر، وأنا لا أقبلها منك، فلم يقبلها منه وهلك ثعلبة في خلافة عثمان – رضي الله تعالى عنه–. وهذا الخبر الوارد في سبب نزول الآية الكريمة، وفيه تعيين المراد بالذين عاهدوا الله – جل جلاله – ثم نقضوا عهدهم وأخلفوه بثعلبة بن حاطب باطل باطل، لا يقبله مسلم عاقل لعدة أمور، هاكها يا أخي الفاضل: الأول: الخبر مروي من طريق معان بن رفاعة السلمي عن أبي عبد الملك على بن يزيد الألهاني عن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية عن أبي أمامة الباهلي – رضي الله تعالى عنه –. أما معان بن رفاعة السلمي فهو وإن وثقه على بن المديني ودحيم كما في تهذيب التهذيب: (10/201) فقد قال عنه ابن حبان في المجروحين: (3/36) منكر الحديث يروي مراسيل كثيرة، ويحدث عن أقوام مجاهيل، لا يشبه حديثه حديث الأثبات، فلما صار الغالب على روايته ما تنكر القلوب استحق ترك الاحتجاج به، ونقل ابن حجر في تهذيب التهذيب تضعيفه عن ابن معين وقال الجوز

التوبة75-78. 5- صدق في الأعمال، وتحقيق ذلك بمطابقة الأحوال الباطنة للأعمال الظاهرة، وحذار حذار من دلالة الظاهر على خلاف ما في الباطن كأن يتحلى المكلف بحلية الصادقين المخلصين، والزاهدين المتوكلين وليس منهم، فيلبس ثيابهم على غير قلوبهم وأرواحهم، فيكون كافياً في دلالة الظاهر على الباطن، فكم من واقف على هيئة الخشوع في صلاته، وقلبه غافل عن الصلاة لاه عنها، فمن ينظر إليه يراه قائماً بين يدي الله – عز وجل – وهو بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته، وكم ممن يمشي على هيئة السكون والوقار وليس باطنه موصوفاً بذلك، فهذا وما قبله وما شاكلهما من الأفعال يعرب بلسان الحال عن الباطن إعراباً يكون المكلف فيه كاذباً، حيث دل الظاهر على خلاف ما هو في الباطن، ولا ينجو العبد من هذا إلا باستواء السريرة والعلانية، بأن يكون باطنه مثل ظاهره، أو خيراً من ظاهره. ... مما ينبغي التنبه له أن مخالفة الظاهر للباطن تعتبر كذباً وإن صدر ذلك من المكلف من غير التفات للخلق ودون قصد إلى نظرهم، وأما إذا قصد إطلاع الناس على أعماله الظاهرة فذلك الرياء المحبط للعمل في الآخرة، كما تقدم في القسم الثاني.

6- صدق في مقامات الدين: وهذا القسم هو أعلا درجات الصدق عند المتقين، ولا يتم إلا بالرسوخ في تلك المقامات، وبلوغ المكلف فيها أعلى الدرجات، لأن الصدق لا يطلق إلا عند اكتمال حقيقة الشيء من جميع الجهات، قال رب المخلوقات – جل جلاله –: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحجرات15، وقال – عز وجل –: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} الأنفال2-3، وقال – جل ثناؤه –: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} البقرة177. فمن ادعى الإيمان، فمن علامة صدقه في ذلك المقام، تحقيق تلك الأوصاف الحسان، ومن ادعى الخوف والرجاء، فلا يصدق في دعواه إلا إذا أخذ نفسه بما في هذا البحث المبارك وهكذا الأمر في سائر مقامات الدين، كالزهد والرضا، والتوكل، وحب رب العالمين، فتنبه يا أخي ولا تكن من الغافلين.

وصفوة الكلام يا أخا الإسلام: إن منزلة الصدق في شرع الرحمن، ميزت أهل النفاق من أهل الإيمان، وفرقت بين سكان الجنتان وأهل النيران، قال ذي الجلال والإكرام: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب24، فالإيمان أساه الصدق، كما أن النفاق أساسه الكذب، ولا يجتمعان في قلب عبد. ثبت في مسند البزار وأبي يعلى بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يطبع المؤمن على كل خلة غير الخيانة والكذب (¬1) ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد – كتاب الإيمان – باب ما جاء أن الصدق من الإيمان –: (1/92) ، وقال: رواه البزار وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: (3/595) ، رواته رواة الصحيح، وذكره الدارقطني في العلل مرفوعاً وموقوفاً، وقال: الموقوف أشبه بالصواب 10هـ، ونسب العراقي تخريجه أيضاً في تخريج أحاديث الإحياء: (3/133) إلى ابن عدي في مقدمة الكامل، وغلى ابن أبي الدنيا في الصمت، وذكر كلام الدارقطني المتقدم، وفي فيض القدير: (6/463) ، قال ابن حجر في الفتح: سنده قوي، والحديث عزاه السيوطي في الفتح الكبير: (1/1003) إلى سنن الدارقطني، وسنن البيهقي، ونص على أنه حسن. والحديث رواه الإمام أحمد في المسند: (5/252) عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – وهو منقطع بين الأعمش وبين أبي أمامة كما في مجمع الزوائد: (1/92) ، والترغيب والترهيب: (3/595) وعزا تخريجه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (3/133) إلى مصنف ابن أبي شيبة ومقدمة الكامل لابن عدي. ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – كما في مجمع الزوائد: (1/93) وفيه عبيد الله بن الوليد وهو ضعيف، ورواه عنه البيهقي في شعب الإيمان عن طريق آخر ضعيف أيضاً كما في فيض القدير: (6/463) . والرواية الأولى ثابتة كما تقدم، وتغني عن الطريقين الآخيرين، وبها يتقويان، وقد ورد الحديث موقوفاً على ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – عند الطبراني في معجمه الكبير بسند رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: (1/93) .

". والصدق خير للعبد من العاجل والآجل، والخلل فيه ضرر على العبد في دار الزوال ودار القرار، أما خيرية ذلك في دار الانتقال فيشير إليها ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن حكيم بن حزام – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"، قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث أن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شئوم المعاصي يذهب بخيري الدنيا والآخرة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب البيوع – باب إذا بين البيعان، ولم يكتما ونصحا –: (4/309) ، وباب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع –: (4/312) ، وباب "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا": (4/328) ، وباب إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع؟: (4/334) بشرح ابن حجر في الجميع، وفي المكان الأول وكلامه المتقدم وصحيح مسلم – كتاب البيوع – باب الصدق في البيع والبيان –: (3/1164) ، وسنن أبي داود – كتاب البيوع – باب في خيار المتابعين: (3/737-738) ، وسنن الترمذي – كتاب البيوع – باب ما جاء في البيعين بالخيار ما لم يتفرقا –: (4/245) ، وسنن النسائي – كتاب البيوع – باب ما يجب على التجار من التوقية في مبايعتهم: (7/215) ، وباب وجوب الخيار للمتابعين قبل افتراقهما –: (7/217) ، وسنن الدارمي – كتاب البيوع – باب في البيعان بالخيار ما لم يتفرقا –: (2/250) ، والمسند: (3/402، 403، 434) ، ومسند الطيالسي: (1/266) – منحة المعبود –.

وأما خيرية ذلك للمكلفين يوم الدين، فيشير إليها قول رب العالمين: {قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} المائدة119، وقال – جل وعلا – في سورة الزمر: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} الزمر33-35. فالصدق سيف الله في أرضه، ما وضع على شيء إلى قطعه، ولا واجه باطلاً إلا صرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، فهو روح الأعمال، ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين، وعمود فساط اليقين، ودرجته تالية لدرجة "النبوة" التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكنهم في الجنات تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين، كما كان من قلوبهم إلى قولبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين، قال بعض الصالحين: من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت، قيل: وما الفرض الدائم؟ قال: الصدق (¬1) . ¬

_ (¬1) ذلك هو نص كلام الإمام ابن القيم – رحمه رب العالمين – في مدارج السالكين: (2/268-279) وبعضه موجود في مجموع الفتاوى: (10-15) فانظره ففيه تقرير كون الصدق والإخلاص هما في الحقيقة تحقيق الإيمان والإسلام والفارق بين المؤمن والمنافق هو الصدق.

ولذلك أمر الله رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجهن على الصدق، فقال – جل وعلا – في سورة الإسراء: {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} الإسراء80، وأخبر الله الكريم عن خليله إبراهيم – على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – أنه سأله أن يهب له لسان صدق في الآخرين، فقال في سورة الشعراء: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} الشعراء83-84، وبشر الله عباده المؤمنين بأن لهم قدم صدق، ومقعد صدق فقال – جل جلاله – في فاتحة سورة يونس: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} يونس1-2، وقال – جل ثناؤه – في آخر سورة القمر {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} القمر54-55 (¬1) . ¬

_ (¬1) أفاد ذلك الجمع والترتيب الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: (2/270-272) ، وفسره بما خلاصته: فهذه خمسة أشياء: مدخل الصدق، ومخرج الصدق، ولسان الصدق، وقدم الصدق، وحقيقة الصدق في هذه الأشياء: هو الحق الثابت المتصل بالله – عز وجل – الموصل إليه – جل وعلا – وهو ما كان به وله من الأقوال والأعمال، وجزاء ذلك في الدنيا والآخرة. فمدخل الصدق ومخرج الصدق: أن يكون دخوله حقاً ثابتاً لله – عز وجل – وفي مرضاته، فالظفر بالبغية وحصول المطلوب، ضد مخرج الكذب ومدخله الذي لا غاية له يوصل إليها، ولا له ساق ثابتة يقوم عليها، وما خرج أحد من بيته ودخل سوقه، أو مدخلاً آخر إلا بصدق أو كذب، فمخرج كل واحد ومدخله لا يعدو الصدق والكذب، والله المستعان. وأما لسان الصدق: فهو الثناء الحسن عليه من سائر من يأتي بعده من الأمم بالصدق، ليس ثناء الكذب، كما قال – جل وعلا – عن إبراهيم وذريته من الأنبياء والمرسلين – على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم –: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} مريم49-50، والمراد باللسان ههنا: الثناء الحسن، فلما كان الصدق باللسان، وهو محله، أطلق الله ألسنة العباد بالثناء على الصادق جزاء وفاقاً، وعبر به عنه. وأما قدم الصدق، ففسر بالجنة، وفسر بمحمد – صلى الله عليه وسلم – وفسر بالأعمال الصالحة والثلاثة مرادة قدم صدق، لأن حقيقة القدم ما قدموه وما يقدمون عليه، وهم قدموا الأعمال الصالحة، ورأس ذلك الإيمان بمحمد – صلى الله عليه وسلم – ومحبته ويقدمون على الجنات الواسعات عند رب الأرض والسموات. وأما مقعد الصدق فهو الجنة عند الرب – تبارك وتعالى – 10هـ وإنما ذكر لفظ المقعدون المجلس للإشارة إلى أنه لا زوال له، وهم يلازمون ذلك المكان، ولبثهم فيه لا يعتريه انفصام كما في الإتقان: (2/366) ، وفي روح المعاني: (27/96) نقلاً عن جعفر الصادق – رحمه الله تعالى –: مدح المكان بالصدق، فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق، وهو المقعد الذي يصدق الله فيه مواعيد أوليائه بأنه يبيح – عز وجل – لهم النظر إلى وجهه الكريم 10هـ من علينا بذلك إنه رؤوف رحيم.

هذه هي منزلة الصدق، وتلكم هي أقسامه العظام، وهيهات ثم هيهات أن توجد على وجه التمام والكمال في إنسان، فكل واحد منا إن لم يكن متحقق النفاق، فيحتمل كونه من أهله باتفاق، وإذا تردد حالنا بين ذينك الأمرين، فينبغي أن يعظم خوفنا من رب الكونين، والناظر في حياة سلفنا الصالح يرى تحقق ذلك فيهم رأى العين، ففي أصح الكتب الصنفة عقد الإمام البخاري – عليه رحمة الملك الباري – رباب في كتاب الإيمان، يشير إلى شدة خوف سلفنا الكرام، فقال – عليه رحمة ربنا الرحمن –: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وقال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً، وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل، ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق، وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران135.

وشرح الحافظ ابن حجر – عليه رحمة الله تعالى – تلك النقول في صفحتين كبيرتين، وخلاصتهما قوله: وقال إبراهيم التيمي وهو من فقهاء التابعين وعبادهم، وقوله: مكذوباً يروى بفتح الذال، يعني: خشيت أن يكذبني من رأى عملي مخالفاً لقولي، فيقول: لو كنت صادقاً ما فعلت خلاف ما تقول وإنما قال ذلك لأنه كان يعظ الناس، ويروى بكسر الذال، وهي رواية الأكثر، ومعناه: أنه مع وعظه الناس لم يبلغ غاية العمل، وقد ذم الله – عز وجل – من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وقصر في العمل فقال – جل وعلا –: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الصف3، فخشي أن يكون مكذباً، أي: مشابهاً للمكذبين، وهذا التعليق وصله المصنف في تاريخه عن أبي نعيم، وأحمد بن حنبل في الزهد عن ابن مهدي كلهما عن سفيان الثوري عن أبي حبان التيمي عن إبراهيم المذكور. قوله: قال ابن أبي مليكه، هذا التعليق وصله ابن أبي خيثمة في تاريخه، لكن أبهم العدد وكذا أخرجه محمد بن نصر المروزي مطولاً في كتاب الإيمان له، وعينه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه من وجه آخر مختصراً كما هنا، وقد أدرك ابن أبي مليكة جماعة من أجلة الصحابة الكرام، وروى عنهم منهم أمنا عائشة، وأختها أسماء، وأمنا أم سلمة، والعباد له الأربعة: ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وابن عمرو، وأبو هريرة وغيرهم – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وقد جزم بأنهم كانوا يخافون النفاق في الأعمال، ولم ينقل عنهم خلاف ذلك، فكأنه إجماع، وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله فيشوبه مما يخالف الإخلاص، ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم، بل ذلك على سبيل المبالغة منهم في الروع والتقوى، وقال ابن بطال: إنما خافوا لأنهم طالت أعمارهم حتى رأوا من التغير ما لم يعهدوه ولم يقدروا على إنكاره، فخافوا أن يكونوا داهنوا بالسكوت.

قوله: ويذكر عن الحسن، هذا التعليق وصله جعفر الفريابي في كتاب صفة المنافق له من طرق متعددة بألفاظ مختلفة، وقد يستشكل ترك البخاري الجزم به مع صحته عنه، وذلك محمول على قاعدة ذكرها لي شيخنا أبو الفضل الحافظ العراقي – رحمه الله تعالى – وهي: أن البخاري لا يخص صيغة التمريض يضعف الإسناد، بل إذا ذكر المتن بالمعنى، أو اختصره أتى بها أيضاً ـ لما علم من الخلاف في ذلك، فهنا كذلك، وقد أوقع اختصاره له لبعضهم الاضطراب في فهمه، فقال الإمام النووي: "ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق"، يعني: الله – عز وجل -، وكذا شرحه جماعة، وهذا الكلام وإن كان صحيحاً لكنه خلاف مراد المصنف، وخلاف مراد من نقله عنه، والذي أوقعهم في هذا هو الاختصار، وإلا فسياق كلام الحسن البصري يبين أنه إنما أراد النفاق فلنذكره، روى الفريابي عن المعلى بن زياد قال: سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو ما مضى مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وكان يقول: من لم يخف النفاق فهو منافق، وروى الإمام أحمد في كتاب الإيمان عن الحسن قال: والله ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق، وما أمنه إلا منافق.

قوله: وما يحذر، وهو بضم أوله، وتشديد الذال المعجمة، ويورى بتخفيفها، وما مصدرية، والجملة في محل جر لأنها معطوفة على خوف، أي باب ما يحذر، وفصل بين الترجمتين بالآثار لتعليقها بالأولى فقط، ومفهوم الآية التي ذكرها: مدح من استغفر لذنبه ولم يصر، وذم من لم يفعل ذلك ومن أصر على نفاق المعصية خشي عليه أن يفضي به إلى نفاق الكفر، وكأن المصنف لمح بحديث عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – المخرج عند أحمد مرفوعاً قال: ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون، أي: يعلمون أن من تاب تاب الله عليه، ثم لا يستغفرون، قاله مجاهد وغيره، وللترمذي عن أبي بكر الصديق – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً: "ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة" إسناد كل منهما حسن (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري وشرحه فتح الباري: (1/109-112) ، وانظر أثر إبراهيم التيمي موصولاً كما ذكر الحافظ في التاريخ الكبير: (1/335) ، وكتاب الزهد: (363) ، وهو في كتاب صفات المنافقين: (51) والعباد له الأربعة هم كما ذكرتهم، كما نص على ذلك أئمة المصطلح قال السيوطي في ألفيته: (223) : والبحْرُ وابنا عُمَرَ وعَمْرو ... وابنُ الزبير في اشتهار يجري دون ابن ِ مسعود لهم عبادلة ... وغلطُوا مَنْ غيْر هذا مَالَ لَهْ< وقيل لهم ذلك لأنهم عاشوا حتى احتيج إلى عالمهم، فإذا اجتمعوا على شيء قيل: هذا قول العبادلة، كما في فتح المغيث: (3/109) ، ومقدمة ابن الصلاح معها التقييد والإيضاح: (303) وتدريب الراوي: (405) . وانظر حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – الذي عزاه الحافظ إلى المسند، في المسند: (2/165، 219) ، ورواه الطبراني أيضاً كما في مجمع الزوائد – كتاب التوبة – باب فيمن يصر على الذنب: (10/191) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير حبان بن زيد الشرعبي، ووثقه ابن حبان 10هـ وقد حكم عليه الحافظ في التقريب: (1/147) بأنه ثقة، ولفظ الحديث كاملاً: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون" والأقماع جمع قمع بسكون الميم وفتحها ما يصب فيه الدهن وغيره كما في مختار الصحاح: (577) "قمع". وانظر حديث أبي بكر – رضي الله تعالى عنه – كما عزاه الحافظ في سنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب: "ما أصر من استغفر" –: (9/206-207) ، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي نصيرة وليس إسناده بالقوي، وهو في سنن أبي داود – كتاب الوتر – باب الاستغفار –: (2/177) ، والحديث حسنه الحافظ كما تقدم وفيه مولى أبي بكر وهو مجهول كما نص على ذلك الحافظ أيضاً في تهذيب التهذيب: (12/256-295) وعليه فلعله حسنه في الفتح لشواهده، أما حال السند على انفراد فقد قال الترمذي: ليس إسناده بالقوي، ونقل ذلك عنه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (1/321) ، ولم يعترض عليه.

وقد بلغ من شدة خوف سلفنا الطيبين من أخلاق المنافقين، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يسأل حذيفة بن اليمان – عليهم رضوان ربنا الرحمن – هل سماه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من جملة المنافين، حسبا عهد إليه بسره في هذا الأمر العظيم، فيجيبه حذيفة – رضي الله تعالى عنهما –: لا، ولا أوءمن منها أحداً بعدك (¬1) . وقد تكرر ذلك منه، فدخل على أمنا أم سلمة – رضي الله تعالى عنها – فقال لها: بالله منهم أنا؟ فقالت: لا، ولا أبريء أحداً بعدك (¬2) . ¬

_ (¬1) روى ذلك ابن إسحاق بلاغاً، فقال: وذكر لنا في تفسير ابن كثير: (2/384) ، وثبت في صحيح مسلم – كتاب صفات المنافقين وأحكامهم –: (4/2143) ، والمسند: (4/320، 5/390) ، عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – قال قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "في أصحابي اثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدبيلة سراج من نار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم" أي: يظهر ويعلو، وانظر مجمع الزوائد: (1/107، 113) – كتاب الإيمان – باب في المنافقين – ففيه عدة روايات بمعنى تلك الرواية. (¬2) روى ذلك البزار بسند رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (1/72) ، ونص الحديث كاملاً عن أم سلمة أن عبد الرحمن بن عوف دخل عليها – رضي الله تعالى عنهما – فقال: يا أمه قد خفت أن يهلكني مالي، أنا أكثر قريش مالاً، قالت يا بني فانفق، فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:"إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه" فخرج عبد الرحمن بن عوف فلقي عمر فأخبره بالذي قالت أم سلمة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فدخل عليها عمر فقال: الحديث.

وثبت في صحيح البخاري عن الأسود بن يزيد النخعي قال: كنا في حلقة عبد الله بن مسعود فجاء حذيفة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – حتى قام علينا، فسلم ثم قال: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم، قال الأسود: سبحان الله، إن الله يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} النساء145، فتبسم عبد الله بن مسعود، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد الله بن مسعود، فتفرق أصحابه، فرماني بالحصاة فأتيته، فقال حذيفة: عجبت من ضحكة، وقد عرف ما قلت لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيراً منكم ثم تابوا، فتاب الله عليهم (¬1) . ولما قيل للحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى –: إن أقواماً يقولون: إنا لا نخاف النفاق، قال: والله لأن أكون أعلم أني بريء من النفاق أحب إليّ من تلاع الأرض ذهباً، ولما قيل له: يقولون: إن لا نفاق اليوم، قال: لو هلك المنافقون لاستوحشتم في الطريق، ولو نبت للمنافقين أذناب ما قدرنا أن نطأ الأرض بأقدامنا (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة النساء – باب "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ": (8/266) بشرح ابن حجر، ومراد حذيفة – رضي الله تعالى عنه – كما في الفتح ملخصاً ابتلي من كان من طبقة الصحابة بالنفاق، وارتد بعضهم ونافق، ومنهم من تاب وأناب، ومنهم من أصر على التباب، فاحذروا الاغترار، فإن القلوب تتقلب في الليل والنهار، والأعمال بالخواتيم فحذار حذار من الأمن من مكر رب العالمين، وإن كنتم في إيمانكم من الصادقين. (¬2) انظر تلك النقول عن الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – في الإحياء: (1/128-129) ، وفي: (4/169) قال الحسن: لو أعلم أني بريء من النفاق كان أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس. وانظر قوله هذا وما قبله في كتاب صفات المنافقين: (44، 48، 49) ومن نظم الزمخشري كما في ترجمته في آخر الكشاف: (4/309) . زمانٌ كلٌ حِب ٍ فيه خَبٌ ... وطَعْمُ الخِل ِ خَلٌ لو يُذاقُ لهم سُوقٌ بِضاعتُه نِفَاق ٌ ... فنَافِقْ فالنفاقُ له نَفَاقُ

فإذا تأمل المسلم ذلك، وخاصة طالب العلم انخلع قلبه، وطار لبه، فنحن ندعي الإيمان، بل ونصف للناس الإسلام، وعندنا تفريط في العمل بشريعة رب الأنام، وتلك صفة المنافقين اللئام، كما قال حذيفة بن اليمان – عليهما رضوان رب الأنام –: المنافق الذي يصف الإسلام ولا يعمل به (¬1) ، وفي المسند بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو، وعقبة بن عامر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قال: "أكثر منافقي أمتي قراؤها (¬2) ¬

_ (¬1) روى ذلك عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – أبو نعيم في حلية الأولياء: (1/282) ، والرازي في كتاب صفات المنافقين: (43) . (¬2) انظر رواية عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – في المسند: (2/175) ، وروى ذلك عنه الطبراني كما في مجمع الزوائد: (6/230) قال الهيثمي: ورجاله ثقات، وكذا رجال أحد إسنادي أحمد ثقات وحكم الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (10/162-164) رقم "6633، 6634، 6637" على إسناد المسند بالصحة، والحديث رواه ابن المبارك في الزهد: (152) ، والبيهقي في شعب الإيمان كما في جمع الجوامع: (1/137) ، وهو في كتاب صفات المنافقين: (33) . وانظر رواية عقبة بن عامر – رضي الله تعالى عنه – في المسند: (4/151، 154) ، ورواها عنه الطبراني كما في مجمع الزوائد: (6/229) قال الهيثمي: واحد أسانيد أحمد ثقات أثبات، والحديث رواه أيضاً الخطيب في تاريخ بغداد: (1/357) والرازي في كتاب صفات المنافقين: (32-33) . والحديث رواه الطبراني أيضاً عن عصمة بن مالك – رضي الله تعالى عنه – وفي سنده الفضل بن المختار وهو ضعيف كما في مجمع الزوائد: (6/230) .

" وبأولئك المنافقين، يؤيد الله الدين وليس لهم خلاق عند رب العالمين، كما ثبت في الصحيحين عن رسولنا الكريم – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم –: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" وفي المسند: "إن الله – عز وجل سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الجهاد – باب إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر –: (6/179) وفي كتاب المغازي – باب غزوة خيبر –: (7/417) ، وفي كتاب القدر – باب العمل بالخواتيم –: (11/498) بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه: (1/105) ، وسنن الدارمي – كتاب السير – باب إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر –: (2/240-241) ، والمسند: (2/309) كلهم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه –. وانظر رواية المسند: (5/45) عن أبي بكرة – رضي الله تعالى عنه – رواها الطبراني ورجالهما ثقات كما في مجمع الزوائد: (5/302) . ورواه عن أنس – رضي الله تعالى عنه – ابن حبان في صحيحه – موارد الظمآن – كتاب الجهاد – باب فيمن يؤيد بهم الإسلام –: (387) ، وأبو نعيم في الحلية: (3/13، 6/262) ، والبزار والطبراني في الأوسط وأحد أسانيد البزار ثقات الرجال: كما في مجمع الزوائد: (5/302) ،ورواه الضياء المقدسي في المختارة، والنسائي في سننه الكبرى كما في جمع الجوامع: (1/181) . ورواه ابن حبان – المكان السابق – عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً، ورواه الطبراني عنه موقوفاً كما في مجمع الزوائد –: (5/303) . ورواه الطبراني عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – بلفظ: "نزلت سورة نحواً من براءة، فحفظت منها: إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم" كما في مجمع الزوائد: (5/302) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير على بن زيد وفيه ضعف، ويحسن حديثه لهذه الشواهد. ورواه الطبراني أيضاً عن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن الله – عز وجل – ليؤيد هذا الدين برجال ما هم من أهله" كما في مجمع الزوائد: (5/302-303) ، وقال الهيثمي: فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف لغير كذب فيه 1هـ قلت ويحسن أيضاً لما تقدم من الشواهد. ورواه أيضاً الطبراني عن النعمان بن مقرن في ترجمة عمرو بن النعمان بن مقرن وضبب عليه، ولا يستحق التضبيب لأنه صواب، وقد ذكر المزي في ترجمة أبي خالد الوالبي أنه روى عن عمرو بن النعمان بن مقرن، وعن النعمان بن مقرن، قلت: ورجاله ثقات، قرر ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد: (5/303) . ومعنى قوله: ضبب عليه: كتب (صـ) ويسمى هذا تضبيب وتمريض، وهو: أن لا يمد الكاتب على ما ثبت نقلاً، وهو فاسد لفظاً أو معنى، أو ضعيف أو ناقص، خطاً أو له كالصاد، ولا يلزقه بالممدود عليه لئلا يظن ضرباً وإبطالاً، ويسمى ذلك ضبة لكون الحرف مقفلاً بها، لا يتجه لقراءة، كضبة الباب يقفل بها كما في تدريب الراوي: (298-299) ، وفي الألفية مع شرحها فتح المغيث: وإن أتى في الأصْل لحْنُ أو خطأ ... فقيل: يروى كيف جاء غلطاً ومذهبُ المحصلين يُصلِحُ ... ويقرأ الصّوابَ وهو الأرْجَحُ في اللحْن لا يخْتلفُ المعنى به ِ ... وصوبوا الإبْقاء مع تضبيبهِ ويذكر الصوابَ جانِباً كذا ... عن أكثر الشيوخ نقلاً أخِذا والحديث رواه ابن النجار عن كعب بن مالك – رضي الله تعالى عنه – كما في جمع الجوامع: (1/177) ورواه أيضاً أبو نعيم في الحلية: (3/13) عن الحسن مرسلاً وورد في معنى هذا الحديث عدة أحاديث فانظرها في مجمع الزوائد: (5/302-303) . ولفظ حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – كاملاً في الصحيحين، قال أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – شهدنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خيبر، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لرجل معه ممن يدعي الإسلام: " هذا من أهل النار " فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال وكثرت به الجراح، فأثبتته، فجاء رجل من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، أرأيت الذي تحدثت أنه من أهل النار؟ قاتل في سبيل الله من أشد القتال، فكثرت به الجراح، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –: "أما إنه من أهل النار" فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينما هو على ذلك إذا وجد الرجل ألم الجراح، فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع منها سهماً فانتحر بها، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: يا رسول الله، صدق حديثك، انتحر فلان فتقل نفسه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "يا بلال قم فأذن، لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".

". واعلم أخا الإسلام أن النفاق نفاقان، أحدهما مخرج من ملة الإسلام، وملحق صاحبه في أسفل دركات النيران، ومحل هذا النفاق الجنان، حيث يظهر صاحبه الإيمان، ويبطن الكفران، ويدخل في هذا كل ما يستلزم ذلك من أوصاف أهل الخسران المنافية لأصل الإيمان، كأن لا يرى وجوب تصديق الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما أخبر، ولا وجوب طاعته فيما أمر، ولا وجوب الانتهاء عما عنه زجر، أو يحصل له المسرة بانخفاض الدين، وظهور المشركين، أو يظهر منه المساءة بعلو الدين، واندحار الكافرين، ونحو ذلك من صفات الملاعين، التي لا يكون صاحبها إلا عدواً لرب العالمين، ولرسوله الهادي الأمين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم –، وهذا هو النفاق المحض ويقال له: النفاق الأكبر.

وأما النفاق الثاني فمحله الأعمال (¬1) ، كأن يطلب العلم لغير وجه ربنا ذي الجلال، كما هو حال المرائين، أو يطلب العلم بالله من غير خبره، أو العمل لله من غير أمره، كما ابتلي بالأول كثير من المتكلمين، وبالثاني كثر من المتصوفين، فكل من الفريقين يعتقد وجوب تصديق الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما قال وأخير، وطاعته بما طلب وأمر لكنهم في سلوكهم العلمي والعملي غير سالكين هذا المسلك، بل يسلكون مسلكاً آخر، إما من جهة القياس والنظر، وإما من جهة الذوق والوجد، وإما من جهة التقليد، وما جاء عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – وإما أن يعرضوا عنه، وإما أن يردوه إلى ما سلكوه، فانظر نفاق هذين الصنفين مع اعترافهم باطناً وظاهراً بأن محمداً – صلى الله عليه وسلم – أكمل الخلق وأفضلهم، وهو رسول الله إليهم وأعلمهم، ويدخل في هذا النوع الإعراض عن الجهاد، والكذب في الحديث، والخلف في الوعد، والتلبس بالخيانة، والفجور عند المخاصمة، فكل هذا من خصال أهل النفاق ويقال له: النفاق الأصغر عند أهل السنة باتفاق. ¬

_ (¬1) وفي سنن الترمذي – كتاب الإيمان – باب ما جاء في عالمة المنافق –: (7/290-291) : روى عن الحسن البصري – رحمه الله تعالى – أنه قال: النفاق نفاقان: نفاق العمل، ونفاق التكذيب.

والنفاق الأول، وهو النفاق الأكبر يوجب سوء الخاتمة قطعاً، ويفضي إلى أسفل دركات جهنم حقاً وصدقاً، والنفاق الثاني يؤدي إلى سوء الخاتمة أيضاً، فإن استحكمت في المكلف تلك الصفات الخبيثات فقد يتزعزع إيمانه عند الممات، فيلقى الله بالكفر وهو أشنع السيئات، وإذا كان فيه شيء من تلك الصفات الرديات، ولم تستحكم فيه كل البليات، فقد تعرض له عند السكرات، فيميل إليها لتعلقه بالقاذورات، فتفارقه روحه في تلك اللحظات، وهو وإن لم ينتزع منه الإيمان، فقد لقي ربه بالعصيان، وأمره مفوض إلى الرحمن، إن شاء عامله بالفضل والامتنان، وإن شاء عذبه بالنيران ثم نقله إلى دار الجنان، فهو الحكيم العليم، ذو الجلال والإكرام (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر تقرير ذلك وتفصيله في مجموع الفتاوى: (28/434-436، 7/471، 639-640) وإحياء علوم الدين: (1/129، 4/169-171) .

وإذا كنا نرى سلامة أنفسنا من النفاق الأول، ونحن منه سالمون بعون الله العظيم، فإن النفاق الثاني لي فيه درجة الراسخين، وإذا كان سلفنا الأبرار قد اتهموا أنفسهم بالنفاق تواضعاً من نفوسهم الكريمة وإجلالاً لربنا ذي الصفات العظيمة (¬1) ، ¬

_ (¬1) كما ثبت في صحيح مسلم – كتاب التوبة – باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة، وجواز ترك ذلك في بعض الأوقات، والاشتغال بالدنيا: (4/2106) ، وسنن الترمذي – كتاب صفة القيامة – باب "60": (7/201-202) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب المداومة على العمل –: (2/1416) ، والمسند: (4/178، 346) ، وهذا لفظ صحيح مسلم: عن حنظلة الأسيدي – وكان من كتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: لقيني أبو بكر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله، ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "وما ذاك؟ " قلت: يا رسول الله نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأى عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونوا عندي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ثلاث مرات. وورد نحوه عن أنس بن مالك أن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً – قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم – وذكر الحديث بنحو ما تقدم، وهو في المسند: (3/175) ، ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير زهير بن محمد الرازي وهو ثقة، ورواه أبو يعلى أيضاً كما في مجمع الزوائد: كتاب الزهد – باب ساعة وساعة –: (10/308) ، وباب علامة البراءة من النفاق –: (10/310) وقال أيضاً الهيثمي: رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير غسان بن برزين وهو ثقة. وورد نحوه أيضاً من رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قلنا يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا رأيناك رقت قلوبنا، وذكر الحديث بنحوه ما تقدم وفيه زيادة في آخره في وصف الجنة، وإجابة دعوة الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، والمظلوم، وهو في المسند: (2/304-305) ، وسنن الترمذي – كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها –: (8/210-211) ، وقال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذلك القوي، وليس هو عندي بمتصل، وقد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي مدله عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – 10هـ وقد أخرج الإمام أحمد الحديث من طريق الإسناد الآخر الذي أشار إليه الترمذي، وأخرجه من ذلك الطريق الحميدي أيضاً في مسنده ك (2/486) ، قال الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (10/497، 11/13) له طرق وشواهد يقوى بها، فهو حسن بشواهده، وفي حال سلفنا الأبرار يقال ما ذكره الغزالي في الإحياء: (4/170) ، وقال بعضهم لبعض العارفين: إني أخاف على نفسي النفاق، فقال: لو كنت منافقاً لما خفت النفاق، والأثر رواه الطبراني في الكبير بسند منقطع عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – كما في مجمع الزوائد – كتاب الإيمان – باب البراءة من النفاق: (1/114) .

فحالي يختلف تماماً عن حالهم، فما أخبر إلا بما أنه فيّ محقق، ومنه وجل، والله الكريم، أسأل أن يتوب عليّ وعلى إخواني وأخواتي من المسلمين والمسلمات، وأن يتكرم علينا بتثبيت الإيمان في قلوبنا عند الممات، وأن يدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوه، إنه واسع المغفرة كثير الرحمات. وختاماً للكلام على النفاق، المؤدي لسوء خاتمة المكلف عند الفراق، وخذلانه يوم التلاق، أدعو بما دعا به سيد الخلق على الإطلاق – صلى الله عليه وسلم – فعسى ربنا الكريم الخلاق، يحفظنا من البلاء والشقاق، ويجعلنا من أهل الخير، إنه سميع الدعاء، ثبت في المستدرك بإسناد صحيح عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل، والهرم والقسوة، والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر والكفر، والفسوق والشقاق، والنفاق والسمعة والرياء، وأعوذ بك من الصمم والبكم، والجنون والجزام، والبرص وسيء الأسقام (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المستدرك – كتاب الدعاء –: (1/530-5319، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، واقره الذهبي، ورواه الطبراني في المعجم الصغير: (1/114) ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (10/143) رجاله رجال الصحيح، وبعضه في الصحيح. وروى أبو داود في سننه – كتاب الصلاة – باب في الاستعاذة –: (2/191) ، والنسائي في كتاب الاستعاذة – باب الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق –: (8/232) ، عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يدعو يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الشقاق، والنفاق، وسوء الأخلاق"، ضعف الإمام النووي في الأذكار: (337) سنده، وأقره ابن علان في الفتوحات الربانية –: (7/222) ، وبذلك جزم الشيخ الأرناءوط في تعليقه على جامع الأصول: (4/357) ، وقوي حكمه بكلام الإمام النووي – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – وما قبله يشهد له، وله شواهد أخرى ثابتة فاعلم هذا، والله تعالى أعلم.

البلية الثانية من السبب الثاني لسوء الخاتمة تلبس المكلف بالبدعة: ... وحد البدعة عند أهل الإيمان: كل محدث في دين الإسلام، عن طريق الزيادة أو النقصان، مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن، وهي قسمان: القسم الأول: ... مكفرة لصاحبها الخلود بالنيران، وضابطها: إنكار ما هو متواتر من شرع الإسلام، ومعلوم من الدين بالضرورة عند كل من ينتمي إلى الإيمان، كما هو الحال في بدعة زنادقة الصوفية وبدعة الغلاة من القدرية الغوية، وأصحاب هذا النوع من البدعة يعاملون في الدنيا معاملة الكفار، ولهم في الآخرة جهنم وبئس القرار. القسم الثاني:

.. بدعة مفسقة، وهي: كل بدعة ليست مكفرة، وهي دركات، وشرها ما كان متعلقاً بالاعتقادات، كبدعة المعتزلة والخوارج، والمنحرفين عن الصوفية الذين لم يصلوا إلى دركة الزنديقية، وصاحب هذه البدعة يعتبر في الدنيا من أهل الإسلام، ويعزز بما يردعه عن الزيغ والطغيان، وأما في الآخرة فيستحق العذاب الشديد، دون أن يحكم عليه بالتخليد، إذا لقي الله بالتوحيد، وتعتبر بدعته من أخبث الذنوب، ويزيد جرمها على الكبائر من المعاصي عند علام الغيوب، وقد تقدم عند بيان طرق الشياطين في إغواء المكلفين، أن الشيطان يقدم إيقاع الناس بالبدعة على إيقاعهم بالكبيرة، ولا يقدم شيئاً على إيقاعهم بالبدعة إلا الشرك، والسبب في ذلك أن المبتدع مع مضادته لشرع الرحمن، ومحادته لرب الأنام، ومشاقته لخاتم الرسل الكرام – عليه وعليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى السلام – يرى نفسه أنه من أهل الإحسان، وأنه سيدخل الجنة بسلام، ولذلك فهو يزدري أهل السنة الكرام، وهذا خسران ما بعده خسران، وهيهات هيهات أن يوفق للإقلاع عما هو عليه من التزوير والخداع والبهتان، والرجوع إلى جادة الإسلام، كما قال الإمام سفيان الثوري – عليه رحمة ربنا الرحمن –: إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: ومعنى قوله: إن البدعة لا يتاب منها: أن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله – جل وعلا – ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم – قد زين له سوء عمله فرآه حسناً، فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً لأن أول التوبة العلم بأن فعله شيء ليتوب منه، أو بأنه ترك حسناً مأموراً به أمر إيجاب أو استحباب ليتوب ويفعله، فما دام يرى فعله حسناً، وهو سيء في نفس الأمر فإنه لا يتوب (¬1) . ¬

_ (¬1) تقدم في صفحة: (121) بيان من نقل ذلك عن سفيان، وانظر مجموع الفتاوى: (10/9) ، وكرر نفس المعنى في: (14/467) ، فقال: والسالكون للشريعة المحمدية إذا ابتلوا بالذنوب لم تكن التوبة عليهم من الآصار والأغلال، بل من الحنيفية السمحة، وأما أهل البدع ... إلخ، وقال في: (28/470) : اتفق أئمة الإسلام على أن هذه البدع المغلظة شر من الذنوب التي يعتقد أصحابها أنها ذنوب ... إلخ، وانظر السنة لابن أبي عاصم: (1/21-22) . وقد تقدم في صفحة: (102، 105، 121) ، كلاماً سديداً عن البدع والتنفير منها، وفي كتاب الملل والنحل: (12/43-51) تفصيل لأقسام البدعة، وحكم كل قسم، وبيان للكتب التي فصلت ذلك.

.. قال مقيد هذه الصفات – غفر الله له السيئات –: ولتلك الاعتبارات، خشي علينا خير البريات – عليه صلوات وسلام رب الأرض والسموات – الوقوع في البدع المهلكات، وحذرنا من تلك الضلالات وأمرنا بالتمسك بسننه الثابتات الواضحات، حسبما سار عليه سلفنا الأبرار أهل العقول الزاكيات، ثبت في كتب الحديث الشريفات عن العرباض بن سارية – رضي الله تعالى عنه – قال: صلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم – صلاة الفداة – ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الحديث الشريف في سنن أبي داود – كتاب السنة – باب في لزوم السنة –: (5/13-15) ، وسنن الترمذي – كتاب العلم – باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة –: (7/319-321) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وسنن ابن ماجه – المقدمة باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين: (1/15-16) ، والمستدرك – كتاب العلم –: (1/95-98) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما جميعاً، ولا أعرف له علة، وقد صح هذا الحديث والحمد لله، وأقره الذهبي، والمسند: (4/126-127) ، وعزاه لهؤلاء الخمسة ابن حجر في الفتح: (13/253) ، وكذلك المنذري في الترغيب والترهيب: (1/79) لكن دون الأخير، وانظر الحديث في سنن الدارمي – المقدمة – باب إتباع السنة –: (1/44-45) ، وفي السنة لابن أبي عاصم: (1/17-19، 29-30) ، وشرح السنة – كتاب الإيمان – باب الاعتصام بالكتاب والسنة –: (1/205) ، والشريعة للآجري: (46-47) ، وسنن النسائي – كتاب العيدين – باب كيف الخطبة –: (3/153-154) وفي الأخير بن زيادة: "وكل صالة في النار" وانطلاقاً من مدلول هذا الحديث الشريف كان شعار أهل السنة الكرام إتباع السلف وشعار المبتدعة اللئام ترك ذلك كما في مجموع الفتاوى: (4/155) ، وفي ترتيب المدارك: (1/172) سأل رجل مالكاً فقال: من أهل السنة؟ فقال الإمام مالك – رضي الله تعالى عنه –: الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا رافضي، ولا قدري.

.. وقد كان لرأفته ورحمته بأمته – عليه صلوات الله وسلامه – يحذر أمته من الابتداع عند آكد لقاء، وأوجب اجتماع، ألا وهو شهود صلاة الجمعة ثبت في صحيح مسلم وغيره عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: "صبحكم ومساكم" ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: "فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، ومن ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ (¬1) ". ... وتقدم في أوائل هذا الكتاب المبارك حديث أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – عن نبينا – صلى الله عليه وسلم –: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الجمعة – باب تخفيف الصلاة والخطبة –: (2/592) ، ورواه ابن ماجه – المقدمة – باب اجتناب البدع والجدل –: (1/17) ، والمسند: (3/310، 319، 371) ، وشرح السنة: (1/16) ، والشريعة للآجري: (45-46) . والحديث رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب الاقتداء بسنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (13/249) بشرح ابن حجر، والدارمي في المقدمة – باب في كراهية أخذ الرأي: (1/69) كلاهما موقوفاً على ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – ولفظ البخاري عن مرة الهمداني قال: قال عبد الله إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها ـ وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين. (¬2) انظر صفحة: (7) وفي هذا المكان إثبات دوران الشرع المطهر على ثلاثة أحاديث هذا أحدها،.

.. وقد تتابع سلفنا الصالح على التحذير من البدعة، والتواصي بالابتعاد عنها فقال عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: اتبعوا ولا تبتدعوا، وقال رجل لابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أوصني، فقال: نعم، عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع، وقال حذيفة بن اليمان – رضي الله تعالى عنهما –: يا معشر القراء، استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الأول في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث: (14) ، وسنن الدارمي – المقدمة – باب في كراهية أخذ الرأي: (1/69) ، ونسب الشاطبي في الموافقات: (1/79) تخريجه لابن وضاح أيضاً، وانظر الأثر الثاني في سنن الدارمي – المقدمة – باب من هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع –: (1/53) ، والباعث على إنكار البدع والحوادث: (16) ، والأثران في شرح السنة: (1/214) ، والأثر الثالث في صحيح البخاري – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب الاقتداء بسنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (13/250) بشرح ابن حجر وخلاصة ما قاله الحافظ:: (13/257) في شرحه وضبط: قوله " استقيموا" أي: اسلكوا طريق الاستقامة، وهي كناية عن التمسك بأمر الله – جل وعلا – فعلاً وتركاً، وقوله فيه: "سبقتم" بفتح أوله وحكي الضم، والأول المعتمد وقوله: "سبقاً بعيدا" أي: ظاهراً، ووصفه البعد لأنه غاية شأو السابقين، وكلام حذيفة – رضي الله تعالى عنه – منتزع من قول الله – تبارك وتعالى –: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الأنعام153.

.. واعلم أخا الإسلام أن الأمور تغيرت بعد موت نبينا – عليه الصلاة والسلام – وكلما امتد الزمان زادت البلايا والفتن وعظم الامتحان، وفي صحيح البخاري عن نبينا – عليه الصلاة والسلام –: "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده، شر منه" وتقدم عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – موقوفاً عليه: لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي قبله، أما إني لست أعني عاماً أخصب من عام، ولا أميراً خيراً من أمير، ولكن علماءكم وخياركم وفقهاءكم يذهبون، ثم لا تجدون منهم خلفاً، وتجيء أقوام يقيمون الأمر برأيهم (¬1) . ¬

_ (¬1) الحديثان مفصل تخريجهما في كتاب الملل والنحل: (3) ، وذكر الشيخ على القاري في مرقاة المفاتيح: (5/141) قصة في تقرير معنى الحديث فقال: وهذا من مقتضيات البعد البعدية عن زمان الحضرة النبوية، فإنها بمنزلة المشعل المنور للعالم، فكلما أبعد عن قربه وقه في زيادة ظلام من أنفسهم وقد أدركت الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – مع كمال صفاء باطنهم التغير من أنفسهم بعد دفنه، وحكى عن بعض المشايخ الكبار قال: إني كنت في جامع شيراز مشغولاً بوردي في ليل إذ هجم على الخاطر، وأراد بالخروج من غير ظهور داع وباعث، فخرجت فإذا امرأة ملتصقة بجدار، فخطر لي أنها تريد بيتها وتخاف في طريقها من أهل الفساد، فذكرت لها ذلك فأشارت إليّ بأن نعم، فتقدمت عليها، وقلت لها ما قال موسى لابنة شعيب – على نبينا وعليهم الصلاة والسلام – إن أخطأت الطريق القويم ارمي حجراً يدلني على الطريق المستقيم، فأوصلتها إلى بيتها ورجعت إلى حزبي ولم يخطر لي حينئذ شيء من الخطرات النفسانية، ثم بعد مدة من الأزمنة المتأخرة عن تلك الحالة الروحانية هجس في النفس، وتوسوس في الخاطر من الأمور الشيطانية فتأملت أنه هل باعث هذا تغير في مأكلي، أو مشربي، أو ملبسي، أو في مقصدي لعبادتي وطاعتي، أو حدوث حادث في صحبة أحبتي، أو خلطة ظالم وأمثال ذلك، فما رأيت سبباً لظهور هذه الحالة إلا بعد زمان الحضرة، الموجب لحصول هذه الخطرة.

.. وفي معجم الطبراني الكبير بسند صحيح عن خيثمة قال: قال عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – لامرأته: اليوم خير من أمس؟ فقالت: لا أدري، فقال: لكني أدري، أمس خير من اليوم واليوم خير من غد، وكذلك حتى تقوم الساعة، وفيه أيضاً عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – قال: ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة، أو أماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع، وتموت السنن (¬1) . ¬

_ (¬1) الأثر الأول في مجمع الزوائد: كتاب الفتن – باب فيما مضى من الزمان، وما بقي منه: (7/286) ، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وانظر الأثر الثاني فيه في: (1/188) كتاب العلم – باب في البدع والأهواء –. وقال الهيثمي: رجاله موثقون.

.. وقد شعر الصحابة الأبرار، بما شعروا به بعد موت نبينا المختار – عليه صلوات وسلام ربنا العزيز الغفار – ففي المسند وسنن الترمذي وابن ماجه عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – قال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة أضاء فيها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه، أظلم منها كل شيء، وما نفضنا الأيدي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى أنكرنا قلوبنا" وفي لفظ للمسند: "وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا"، وفي لفظ الترمذي: "وما نفضنا الأيدي وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا" وفي مسند البزار بسند جيد عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: "وما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا" ويزيد أنس وأبو سعيد – رضي الله تعالى عنهما – بقولهما ذلك، أن القلوب تغيرت عما عهدوه في حياته – صلى الله عليه وسلم – من الألفة والشفاء والرقة، لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم والتأديب – عليه صلوات الله وسلامه (¬1) ¬

_ (¬1) انظر أثر أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – في سنن الترمذي – كتاب المناقب – باب ما جاء في فضل النبي – صلى الله عليه وسلم –: (9/242) ، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب، وسنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ذكر وفاته ودفنه – صلى الله عليه وسلم –: (1/522) ، والمسند: (3/221، 268) ، وفي سنن الدارمي – المقدمة – باب في وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم –: (1/41) ، والمسند أيضاً: (3/240، 287) عن أنس – رضي الله تعالى عنه – وذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: شهدته يوم دخل المدينة فما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وشهدته يوم موته، فما رأيت يوماً كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم –. وانظر نسبة قول أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – إلى مسند البزار في فتح الباري: (8/149) ، وفيه الحكم على سند الرواية بأنه جيد، وإيضاح ذلك القول وبيان معناه مأخوذ منه أيضاً، ونقله عنه الزقاني في شرح المواهب اللدنية: (8/297) ،وحكم الهيثمي في مجمع الزوائد: (9/38) على سند البزار بأن رجاله رجال الصحيح. قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: ومما يقرر ما تقدم ويوضحه بمثال عملي واقع ما رواه ابن ماجه في سننه – كتاب الجنائز – باب ذكر وفاته ودفنه – صلى الله عليه وسلم –: (1/522) عن أمنا أم سلمة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – قالت: كان الناس في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا قام المصلى يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه، فلما توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه فتوفي أبو بكر وكان عمر – رضي الله تعالى عنهما – فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة، وكان عثمان بن عفان – رضي الله تعالى عنه – فكانت الفتنة، فتلفت الناس يميناً وشمالاً" قال الحافظ أبو عبد الله في تسلية أهل المصائب: (19) إسناده مقارب، ونقل ذلك عنه السفاريني في غذاء الألباب وأقره (2/335) ، وقال، قلت: والآن تفاقم الأمر، وتلاشى الحال فكم من قائم في الصلاة وهو غير مكترث بها، حتى لا يفرق بعين قلبه بين وقوفه فيها، ووقوفه في الأسواق، فيا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا الله إنك لا تخيب من دعاك. ومعنى قوله: إسناده مقارب – بكسر الراء وفتحها – أن بعض الرواة في سند الحديث يقارب الناس في حديثه، ويقاربونه أيضاً، وليس حديثه بشاذ ولا منكر، كما في فتح المغيث: (1/339) ، وانظر تدريب الراوي: (234) . وقد قرر العلماء الكرام أن أعظم المصائب المصيبة في الدين، وأعظم مصائب الدين موت نبينا الهادي الأمين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – انظر تسلية أهل المصائب: (18-19) ، وغذاء الألباب: (2/334-335) ، وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية: (8/283-297) ، وفي صحيح مسلم – كتاب فضائل الصحابة – باب من فضائل أم أيمن – رضي الله تعالى عنه –: (4/1079-1908) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ذكر وفاته ودفنه – صلى الله عليه وسلم –: (1/523-524) ، عن أنس بن مالك قال: قال أبو بكر بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: انطلق بنا إلى أم أيمن، كما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يزورها، قال: فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها ما يبكيك؟ ما عند اله خير لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت: إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي لأن الوحي قد انقطع عن السماء، قال: فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها، وورد في سنن ابن ماجه – كتاب الجنائز – باب ما جاء في الصبر على المصيبة –: (1/510) عن أمنا عائشة – رضي اله تعالى عنها – قالت: فتح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باباً بينه وبين الناس، أو كشف ستراً فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فحمد الله على ما رأي من حسن حالهم ورجاء أن يخلفه اللهف يعم بالذي رآهم، فقال: يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليعتز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي، لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي" الحديث من رواية موسى بن عبيدة وهو ضعيف مع كونه من العباد كما في تقريب التهذيب: (2/286) ، وقد تقدم في هذا الكتاب المبارك: (.......) قول نبينا – صلى الله عليه وسلم – "أنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلي" وهو حديث حسن، ويشهد لهذا فاعلم.

–. ولما رأي الصحابة الأطهار – رضي الله تعالى عنهم – ما ابتدعه بعض الأشرار، أنكروه غاية الإنكار، غضباً لله الواحد القهار، وتأثروا بسبب ذلك تأثراً يذيب الجبال الكبار، ثبت في صحيح البخاري عن الزهري قال: دخلت على أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – بدمشق، وهو يبكي، فقلت ما يبكيك؟، فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب مواقيت الصلاة – باب تضييع الصلاة عن وقتها –: (2/13) بشرح ابن حجر ورواه الترمذي في سننه – كتاب صفة القيامة – باب: "18" بلفظ: ما أعرق شيئاً مما كنا عليه على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلت – القائل هنا أبو عمران الجوني – أين الصلاة؟ قال: أولم تصنعوا في صلاتكم ما قد علمتم، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث أبي عمران الجوني، وقد روي من وجه عن أنس – رضي الله تعالى عنه –. قال الحافظ في الفتح: (2/13-14) كان قدوم أنس – رضي الله تعالى عنه – إلى دمشق في إمارة الحجاج على العراق، قدمها شاكياً من الحجاج للخليفة، وهو إذ ذاك الوليد بن عبد الملك، ثم قرر معنى الأثر بأن مراد أنس – رضي الله تعالى عنه – أنه لا يعرف شيئاً موجوداً من الطاعات معمولاً به على وجهه غير الصلاة، وهذه الصلاة أيضاً قد ضيعت بإخراجها عن وقتها، لأن الحجاج وغيره من الأمراء في ذلك الوقت كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، وإطلاق أنس – رضي الله تعالى عنه – محمول على ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة. هذا وقد ورد في صحيح البخاري – كتاب الأذان – باب إثم من لم يتم الصفوف –: (2/209-210) بشرح ابن حجر، والمسند: (3/113-114) عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – أنه قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف، قال الحافظ في الفتح: هذا الإنكار غير الإنكار الذي تقدم ذكره في باب تضييع الصلاة عن وقتها، فإن ذاك كان بالشام وهذا بالمدينة وهذا يدل على أن أهل المدينة كانوا في ذلك الزمان أمثل من غيرهم في التمسك بالسنن.

وتكرر هذا النكير من الصحابة الكرام – عليهم الرحمة والرضوان – ففي المسند عن أم الدرداء – رضي الله تعالى عنها – قالت: دخل علي أبو الدرداء – رضي الله تعالى عنهما – وهو مغضب، فقلت: من أغضبك؟ قال: والله لا أعرف فيهم من أمر محمد – صلى الله عليه وسلم – شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً. وتكرر أيضاً من كبار التابعين – عليهم رحمة رب العالمين – ففي الموطأ عن مالك بن أبي عامر الأصبحي قال: ما أعرف شيئاً مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الرواية الأولى في المسند: (6/443) ، والثانية في الموطأ – كتاب الصلاة – باب ما جاء في النداء للصلاة –: (1/72) ، ومالك بن أبي عامر من كبار التابعين روي عن عمر، وعثمان، وطلحة، وعقيل بن أبي طالب، وأبي هريرة وأمنا عائشة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ولذلك صنفه ابن حجر في التقريب: (2/225) في الطبقة الثانية، وهو ثقة، أخرج عنه الستة كما في تهذيب التهذيب: (10/19) . قال الباجي في شرح الموطأ: (1/138) قوله: ما أعرف شيئاً.... إلخ يريد الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – لأنه قد أنكر أكثر أفعال أهل عصره، ورأى أنها مخالفة لما أدرك من أفعال الصحابة وذلك أن التغيير يمكن أن يلحق صفة الفعل كتأخير الصلاة عن أوقاتها، ويمكن أن يلحق الفعل جملة كترك الأمر بكثير من المعروف، والنهي عن كثير من المنكر مع علم الناس بذلك كله، وقوله: "إلا النداء" يريد أنه باق على ما كان عليه، ولو دخله تغيير لعرف الناس ذلك، ولعرفوا أول من غيره، فاتصل الخبر بالمدينة على ما كان عليه لم يدخله تغيير ولا تبديل، وفي شرح الزرقاني على الموطأ: (1/150) ، قال ابن عبد البر: فيه أن الأذان لم يتغير عما كان عليه، وكذا قال عطاء، ما أعلم تأذينهم اليوم يخالف تأذين من مضى، وفيه تغير الأحوال عما كانت عليه زمن الخلفاء الأربع – رضي الله تعالى عنهم – في أكثر الأشياء.

وإذا كان الحال في العصر الأول جرى فيه ما جرى، فكيف الحال بالعصور بعده، لقد تغير بلا شك كل شيء، وعبد الناس أنفسهم، واتبعوا أهواءهم وتحاكموا إلى الأعراف والتقاليد وعكفوا حول الشيطان المريد، ونبذوا وراءهم ظهرياً شرع الرب المجيد، إلا قلة يسيرة من ذوي الرشد السديد جعلنا الله منهم بمنه وكرمه فهو الفعال لما يريد، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى –: وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو كان مستكرها، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف 10هـ ورحمة الله على السيد قطب إذ يقول في كتابه العظيم: "معالم في الطريق": إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض، وعلى أخص خصائص الألوهية، وهي الحاكمية، إنها تسند الحاكمية إلى البشر فتجعل بعضهم لبعض أرباباً، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة إدعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله – جل وعلا – للحياة، وفيما لم يأذن به الله – عز وجل – نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم، وتقاليدهم موارد ثقافاتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيراً إسلامياً، وهو كذلك، من صنع هذا الجاهلية (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر كلام الحافظ في الفتح: (13/253) ، وكلام سيد قطب في معالم في الطريق: (9، 23) ، وقال في: (18) ذلك الجيل – جيل الصحابة الكرام – استقى من ذلك النبع وحده – وهو القرآن – فكان له في التاريخ ذلك الشأن الفريد، ثم ما الذي حدث؟ اختلطت الينابيع صبت في النبع الأول الذي استقت منه الأجيال التالية فلسفة الإغريق ومنطقهم، وأساطير الفرس وتصوراتهم، وإسرائيليات اليهود ن ولاهوت النصارى، وغير ذلك من رواسب الحضارات والثقافات، واختلط هذا كله بتفسير القرآن الكريم، وعلم الكلام، كما اختلط بالفقه الأصول أيضاً، وتخرج على ذلك النبع المشوب سائر الأجيال بعد ذلك، فلم يتكرر ذلك الجيل أبداً 10هـ وهذا الكلام مع أنه جد ثقيل لكنه هو حال واقعنا الهزيل، وما سلم منه إلا القليل، وفي صون المنطق والكلام عن فن المنطق: (9) قال الصلاح الصفدي: حكى أن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى، كتب يطلب منه خزانة كتب اليونان، وكانت عندهم مجموعة من بيت لا يظهر عليه أحد، فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك فكلهم أشار عليه بعدم تجهيزها إليه إلا بطريق واحد فإنه قال: جهزها إليهم فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت بين علمائها، وحدثني من أثق به أن الشيخ تقى الدين بن تيمية كان يقول: ما أظن أن الله يغفل عن المأمون، لإدخاله هذه العلوم الفلسفية إلى الأمة الإسلامية 1هـ ملخصاً وبتصريف يسير.

وإذا كان ذلك هو حال البدعة، فلا ينجو منها إلا من كان كامل اليقظة، يحتكم إلى السنة في كل سكنة وحركة، وهيهات أن يتم ذلك لأحد منا، وبالتالي فلا نعلم بم سيختم لنا، ونسأل الله الكريم أن يثبتنا، فهو أرحم بنا من أنفسنا. أما البدع المكفرة فسيختم لصاحبها بأعظم الحسرة، لأنه ليس من المسلمين وسيلقى جزاءه عند رب العالمين، هذا ابن الفارض الذي كان ينعق في شعره باتحاد الخالق بمخلوقاته، لما احتضر ورأى حقائق الأمور، استبان له أنه كان في دعواه دجال مغرور، وله جزاء ذلك الويل والثبور، فقال وهو الملوم المحسور: إنْ كان منْزلتي في الحبِّ عِندكمُجج ... ما قد لَقيتُ فقد ضَيّعْتُ أيامي أمْنية ٌ ظفِرتْ نفسي بها زمنا ... واليومَ أحْسبها أضغاثُ أحْلاميج

قال أبو حبان – عليه رحمة ربنا الرحمن –: ومن بعض اعتقادات النصارى استنبط من تستر بالإسلام ظاهراً وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة، وعدد أبو حبان طائفة من أعيانهم منهم ابن عربي، وابن الفارض ثم قال: وإنما سردت أسماء هؤلاء نصحاً لدين الله – عز وجل – يعلم الله ذلك، وشفقة على ضعفاء المسلمين ولحذروا فهم شر من الفلاسفة الذين يكذبون الله – تبارك وتعالى – ورسله – عليهم الصلاة والسلام – ويقولون بقدم العالم، وينكرون البعث، وقد أولع جهلة ممن ينتمي للتصوف بتعظيم هؤلاء، وادعائهم أنهم صفوة الله وأولياءه (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر البحر المحيط: (3/449) ، وانظر ما أنشده الزائغ التائه الزنديق ابن الفارض في مجموع الفتاوى: (2/246) ، وفيه: حدثني الشيخ رشيد الدين بن المعلم عن الشيخ إبراهيم الجعبري أنه حضر ابن الفارض عند الموت، وهو ينشد، فذكر البيتين، ثم قال الشيخ ابن تيمية: وحدثني الفاضل تاج الدين بن الزنباري أنه سمع الشيخ إبراهيم الجعبري يقول: رأيت في منامي ابن عربي وابن الفارض وهما شيخان أعميان يمشيان ويتعثران ويقولان: كيف الطريق؟، وكرر الإمام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – ذكر البيتين المتقدمين ففي مجموع الفتاوى أيضاً: (4/73-74) : وابن الفارض من متأخري الاتحادية صاحب القصيدة التائهة المعروفة: "بنظم السلوك" وقد نظم فيها الاتحاد نظماً رائق اللفظ، فهو أخبث من لحكم جنزير في صينية من ذهب، وما أحسن تسميتها بنظم الشكوك.... ولما حضرته الوفاة أنشد.... وابن الفارض هو عمر بن على الهالك سنة اثنتين وثلاثين وست مائة قبل ابن عربي بست سنتين وكل (وكل) منهما دجال مأفون ينعق بالاتحاد الملعون قال الإمام ابن حجر – عليه رحمة الله تعالى – في لسان الميزان: (4/318) في ترجمة ابن الفارض: وقد كنت سألت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني عن ابن عربي، فبادر الجواب بأنه كافر فسألته عن ابن الفارض فقال: لا أحب أن أتكلم فيه قلت: فما الفرق بينهما، والموضع واحد؟ وأنشدته من التائهة، فقطع عليّ بعد إنشاد عدة أبيات بقوله: هذا كفر، هذا كفر. وقد تقدم في هذا الكتاب المبارك بيان حال الضال ابن عربي: (.......) وهذا – ابن الفارض – صورة طبق الأصل له، وتشابهت قلوبهم، فتشابهت أحوالهم وكتبهم فكتاب فصوص الحكم لابن عربي ليس فيه إلا تكرار نغمة الاتحاد الفاحشة الموحشة كما قال شيخ الإسلام مصطفى صبري – عليه رحمة الله تعالى – في كتاب موقف العقل: (1/94) ، وكتاب الفتوحات لابن عربي يقول عنه الشيخ مصطفى صبري في الكتاب المتقدم: (3/285) نقلاً عن كتاب العلم الشامخ: (456) : إذا حققت وأنصفت وعندك توفيق وللكتاب والسنة عندك قيمة، ونظرت بعدها في كتب الفلاسفة والمنجمين والباطنية وأهل الخواص والسحر بأنواعه تجد ذرية بعضها من بعض فإن أحببت كتاباً ينوب عن الجميع فالفتوحات لابن عربي 10هـ ولذلك قال عنه أبو حبان في البحر: (6/156) ينبغي أن يسمى كتاب الفتوح المكية بالقبوح الهلكية، وفي: (5/175) وتعوذ أبو حبان بالرحمن مما جاء في ذلك الكتاب من الهذيان، وقد أطال أئمة الإسلام الكرام في التحذير من ابن الفارض ذي الخسران، وبيان ما في كتبه من شنيع الضلالات والآثم، وقد أورد ابن حجر في اللسان: (4/317-318) اثني عشر بيتاً مما قاله ابن الفارض في قصيدته التائهة التي وسوس له بها الشيطان، ثم قال الإمام ابن حجر: وفي قصائده من هذا النمط فيما يتعلق بالاتحاد شيء كثير، وقال الذهبي في الميزان: (3/214-215) ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة فتدبر ولا تستعجل، ولكنك حسن الظن بالصوفية، وما ثم إلى زي الصوفية، وإشارات مجملة، وتحت الزي والعبارة فلسفة وأفاعي، فقد نصحتك، والله الموعد. ونقل الإمام البقاعي في كتابه مصرع التصوف المسمى أيضاً بتنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي في صفحة: (214-217) عن أربعين عالماً رموه بالزندقة، وهم من دعائم الدين من عصر ابن الفارض إلى عصر الإمام البقاعي المتوفى: (885) – عليه رحمة الله تعالى – وختم الكلام بقوله: فقد صارت نسبة العلماء له إلى الكفر متواترة تواتراً معنوياً، ثم تتبع في الصفحات التالية ما في القصيدة التائهة من أمور كفرية، وقد زادت تلك القصيدة على سبعمائة بيت. وبذلك تعلم أيها المسترشد المهتدي – هداني الله وإياك صراطه المستقيم – أن ما جاء في شذرات الذهب: (5/152) من أن الشيخ عبد الرؤوف المناوي قرر في طبقات الصوفية له وجوب اعتقاد رفعة منزلة ابن عربي وابن الفارض ومن على شاكلتهما، ولزوم تعظيمهم، مع تحريم النظر في كتبهم على من لم يصل لدرجتهم، كلام باطل ظاهر السقوط، وليس هو إلا صرير باب أو طنين ذباب، فاحترسوا من ذلك التباب يا أولي الألباب. واعلم أخي في الإيمان أنه لا يحسن القول في أولئك الزنادقة اللئام، إلا صنفان: أ) عتاة من أتباع الشيطان، وهم في دركة أولئك في الضلال والكفران. ب) لا يعلمون أحوالهم العلم التام، وينخدعون بانتساب أولئك للإسلام. فالصنف الأول غواة، والصنف الثاني لا يعول على أقوالهم عند الهداة، وإلا فقل لي بربك – جل جلاله – ما الذي حملهم على إظهار الكفر وإبطان الإيمان وهم في دار الإسلام؟ قال الإمام ابن الجوزي: في المنتظم: (8/185) ، ونقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل – عليهم جميعاً رحمة الله الجليل – أنه قال من العجائب أن المعري أظهر من الكفر البارد، الذي لا تبلغ منه مبلغ شبهات الملحدين، بل قصر فيه كل التقصير، وسقط من عيون الكل، ثم اعتذر بأن لقوله باطناً، وأنه مسلم في الباطن، فلا عقل له ولا دين، لأنه تظاهر بالكفر، وزعم أنه مسلم في الباطن، وهذا عكس قضايا المنافقين والزنادقة حيث تظاهروا بالإسلام وأبطنوا الكفر، فهل كان في بلاد الكفار حتى يحتاج إلى أن يبطن الإسلام فلا أسخف عقلاً ممن سلك هذه الطريقة التي هي أخس من طريقة الزنادقة والمنافقين إذا كان المتدين يطلب نجاة الآخرة لا هلاكها في الدنيا حين طعن في الإسلام في بلاد الإسلام، وأبطن الكفر، وأهلك نفسه في المعاد، فلا عقل له، ولا دين 10هـ وقد تقدمت في هذا الكتاب المبارك ترجمة الزنديق الغوي أبي العلاء المعري: (......) فاحذر تلك الوساوس يا من نور الله قلبه بالإيمان، وليعظم غضبك عندها إجلالاً للملك الرحمن، وحذار حذار من مسلك المنافقين الذين يحيلون عند حقوق رب العالمين، ومن أجل حظوظهم يخاصمون الخلق أجمعين – جعلنا الله بمنه وكرمه ممن يعظمه حق تعظيمه، ويتقيه حق تقاته، ويحب ويبغض فيه، ويعادي ويسالم من أجله إنه سميع الدعاء....

أما البدعة المفسقة، فحال صاحبها متردد بين الختم له بالكفران، أو بالفسوق والعصيان، إذا لم يتكرم عليه ربنا الرحمن، بالتثبيت في ذلك الأوان، ويكون حاله كحال من اتصف بالنفاق الأصغر، كما تقدم في البلية الأولى من السبب الثاني، وذلك لأن صاحب البدعة المفسقة لا يقل دركة عن اتصاف المكلف بالنفاق، بل إن خطر البدعة أشنع باتفاق، لأن حال المبتدع بشير إلى أن الشريعة غير تامة ولا كاملة، وهو يستدرك عليها ببدعته، وهذا أسوأ أنواع الكذب، ولذلك قال الإمام مالك – رحمه الله تعالى –: وأي فتنة أعظم من أن ترى أن اختيارك لنفسك خير من اختيار الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم (¬1) – وقد توعد الله العظيم كل مفتر بالذلة والغضب فقال – جل وعلا –: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} الأعراف152، قال الإمام مالك – عليه رحمة الله تعالى –: ما من مبتدع إلا وهو يجد فوق رأسه ذلة، وقرأ هذه الآية، وقال سفيان بن عيينة – عليه رحمة الله تعالى –: ليس في الأرض صاحب بدعة إلا وهو يجد ذلة تغشاه، قال: وهي في كتاب الله – عز وجل –. ¬

_ (¬1) نقل ذلك عنه الإمام أبو شامة بسنده إليه في كتابه الباعث على إنكار البدع والحوادث: (22) .

قالوا: وأين هي؟ قال: أوما سمعتم قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا"؟ قالوا: يا أبا محمد هذه لأصحاب العجل خاصة، قال: لا اتلوا ما بعدها: " وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ " فهي لكل مفتر ومبتدع إلى يوم القيامة (¬1) . نسأل رب الأرض والسموات، أن يحفظنا من المخالفات، وأن يجعلنا من أهل الموافقات، المتبعين لشرعه في الحركات والسكنات، لنحظى بحسن الخاتمة عند الممات، إنه سميع قريب مجيب الدعوات. البلية الثالثة من السبب الثاني لسوء الخاتمة: التعلق بالدنيا ¬

_ (¬1) انظر قول الإمام مالك في زاد المسير: (3/266) ، وتفسير القرطبي ك (7/292) ، ولباب التأويل: (3/293) ، ومفاتيح الغيب: (15/13) ، وانظر قول سفيان بن عيينة في زاد المسير: (3/266) ، وتفسير القرطبي: (9/49) ، ورواه عنه ابن أبي حاتم، والبيهقي في شعب الإيمان، وأبو الشيخ كما في الدر المنثور: (3/128) ، وانظره في معالم التنزيل، وفي لباب التأويل: (2/293) – الأول على هامش الثاني –.

.. وهذه البلية من المهلكات، وقل من سلم منها من المكلفين والمكلفات، والنفس إذا تعلقت بشيء كرهت مفارقته، والخروج عنه، ومن أجل ذلك كره الناس القدوم على ربهم، لأنهم عمروا دنياهم، واستأنسوا بها، روى الدارمي في سننه، وأبو نعيم في حليته، أن الخليفة سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة المنورة وهو يريد مكة المكرمة، فأقام بها أياماً، فقال: هل بالمدينة أحد أدرك أحداً من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم –؟ فقالوا له: أبا حازم، فأرسل إليه، فلما دخل عليه قال له: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين، وأي جفاء رأيت مني؟ قال: أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني، قال أبو حازم: يا أمير المؤمنين، أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما عرفتني قبل هذا اليوم، ولا أنا رأيتك، فالتفت سليمان إلى محمد بن شهاب الزهري، فقال: أصاب الشيخ، وأخطأت، قال سليمان: يا أبا حازم، ما لنا نكره الموت؟ قال أبو حازم: لأنكم أخربتم الآخرة، وعمرتم الدنيا، فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب.

.. قال سليمان: أصبت يا أبا حازم، فكيف القدوم غداً على الله – عز وجل –؟ قال أبو حازم: أما المحسن فالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، فبكى سليمان وقال: ليت شعري مالنا عند الله – جل وعلا –؟ قال أبو حازم: أعرض عملك على كتاب الله – عز وجل – قال سليمان: وأي مكان أجده؟ قال أبو الحازم: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} الانفطار13-14، فقال سليمان: فأين رحمة الله – جل وعلا –؟ قال أبو حازم: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف56 (¬1) . ¬

_ (¬1) كما قال الله – جل وعلا – في سورة الأعراف: (56) ، وقد أخذت تلك المحاورة بين سليمان وأبي حازم ثلاث صفحات فانظرها في سنن الدارمي – باب إعظام العلم –: (1/155-158) – وحلية الأولياء: (3/234-237) ، وصفة الصفوة: (2/158-160) ، ومن بديع أبي حازم سلمه بن دينار كما في الأخيرين: ما مضى من الدنيا فحلم، وما بقي فأماني، وقوله: عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح، وكان يمر على الفاكهة في السوق فيقول: موعدك الجنة، توفي سنة أربعين ومائة – عليه رحمة الله تعالى – وقد أخرج له الجماعة، وقال ابن خزيمة كما في تهذيب التهذيب: (4/144) لم يكن في زمانه مثله، وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: (1/134) : كان فقيه النفس، ومناقبه كثيرة، وكان ثقة فقيهاً ثبتاً كثير العلم، كبير القدر، وانظر ترجمته المباركة في المعرفة والتاريخ: (1/676-680) .

.. وقد شوهد من أحوال المتعلقين بالدنيا عند الاحتضار، ما يدعو العاقل للزهادة في هذه الدار، وتعليق الهمة بدار القرار، قال الغزالي في الإحياء – عليه رحمة رب الأرض والسماء –: إن المرء يموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه، ولذلك نقل عن بقال أنه كان يلقن عند الموت كلمتي الشهادة، فيقول: خمسة ستة أربعة، فكان مشغول النفس بالحساب الذي طال إلفه له قبل الموت (¬1) . وقد حدثني بعض الصالحين أنه حضر موت جار له، فلقنه كلمة التوحيد، فأجابه بقوله: القفل بليرتين، القفل بليرتين، ثم خرجت روحه، ومثل هذا كثير كثير، فنسأل الله الثبات عند الممات. ... واعلم أن صاحب التعلق بالدنيا إذا وصل تعلقه بها إلى درجة العبودية الخالصة لها بحيث جعلها غايته الأولى، ولم يأخذ من دين الله – جل وعلا – إلا بما لا يتعارض معها، فهو في صف الكافرين، وإن زعم أنه من المؤمنين، وسيختم له بما يسود وجهه عند رب العالمين، ويصليه العذاب الأليم، كما قال ربنا العظيم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} محمد12. ¬

_ (¬1) انظر الإحياء: (4/175) ، وقد ثبت عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "من مات على شيء بعثه الله عليه"، رواه الحاكم في المستدرك – كتاب الرقاق –: (4/313) ، وأحمد في المسند: (3/314) ورواه أبو يعلى، والضياء المقدسي في المختارة كما في الجامع الكبير: (1/835) كلهم عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – مرفوعاً، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، وأقره الذهبي.

.. وأما إذا لم يصل المتعلق بالدنيا إلى تلك الدركة، بل اقتصر تعلقه بها على حرصه عليها وفرحه بإقبالها، وحزنه على إدبارها، فمال إليها وعمرها، وأنس بزهرتها وزينتها، ولم يكن حاله فيها كحال المسافر الذي يعبر ولا يعمر، والناس يتفاوتون في نسبة ذلك التعلق ما بين مقل ومكثر وما بين ذلك من المراتب المتفاوتات، التي لا يحيط بها إلا رب الأرض والسموات، ويخشى على صاحب هذا التعلق من سوء الخاتمة، بمقدار ركونه إلى هذه الدنيا الفانية، وهو وإن لم يختم له بمثل حال من جعل الدنيا إلهه، فإن روحه قد تفيض وهو مشغول البال بهذه الدنيا الدنية، فيلقى رب البرية على تلم الحالة الردية.

واعلم أخا الإسلام أن نبينا – عليه الصلاة والسلام – كان أزهد الناس في هذا الحطام، وما ركن إلى الدنيا ساعة من الزمان، ثبت في المسند وصحيح ابن حبان والمستدرك بسند صحيح عن عمرو بن العاص – رضي الله تعالى عنه – أنه قال للناس وهو على المنبر: ما أبعد هديكم من هدي نبيكم، أما هو فأزهد الناس في الدنيا، وأما أنتم فأرغب الناس فيها، وقال أيضاً – رضي الله تعالى عنه –: لقد أصبحتم وأمسيتم ترغبون فيما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يزهد فيه، أصبحتم ترغبون في الدنيا، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يزهد فيها، والله ما أتت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلة من دهره إلا كان الذي عليه أكثر مما له، فقال بعض أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد رأينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يستسلف (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المسند: (3/203، 204) ، واللفظ له ولرجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (10/315) وفيه: ورواه الطبراني، وانظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان – كتاب علامات نبوة نبينا – صلى الله عليه وسلم – باب في زهده –: (526) ، والمستدرك – كتاب الرقاق –: (4/315) ، وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي على التصحيح لكنه قال: ليس على شرط واحد منهما، وانظره في مسند الطيالسي – منحة المعبود: (2/44) .

.. وقد كان فداه أبي وأمي وعليه صلوات الله وسلامه – يرد نعيم الدنيا عندما يعرض عليه من قبل أصحابه الأبرار، ويخبر عن حاله في هذه الدار، بما يبين أنه في سفر وارتحال، فليست الدنيا بدار قرار، ومالها عنده أي مقدار ولا اعتبار، روى الأئمة الكرام: أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم – عليهم رحمة الله تعالى –: بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: نام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على حصير، فقام وقد أثر في جبينه فقلنا يا رسول الله: لو اتخذنا لك وطاء، فقال: "مالي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"، هذا لفظ الترمذي، ورواية ابن ماجه بنحوه، ورواه الطبراني بلفظ: "دخلت على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في غرفة كأنها بيت حمام – أي: لما فيها من الحر والكرب – وهو نائم على حصير قد أثر بجنبه، فبكيت فقال – صلى الله عليه وسلم –: "ما يبكيك يا عبد الله؟ قلت: يا رسول الله، كسرى وقيصر يطؤون على الخز والديباج والحرير، وأنت نائم على هذا الحصير، قد أثر بجنبك؟ قال – صلى الله عليه وسلم –: "فلا تبك يا عبد الله، فإن لهم الدنيا ولنا الآخرة، وما أنا والدنيا وما مثلي ومثل الدنيا إلا كمثل راكب نزل تحت شجرة ثم سار وتركها (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الزهد – باب: "44": (7/110) ، وقال هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن عمرو بن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – والمسند: (1/393، 441) ، وسنده صحيح كما قال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (5/264، 6/114) رقم: "3709، 4208". وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب مثل الدنيا –: (2/1376) ، وانظر رواية الطبراني في مجمع الزوائد –: (10/326) ، وفيه: وفي سنده عبيد الله بن سعيد قائد الأعمشي وثقه ابن حبان وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات. وانظر الحديث في المستدرك – كتاب الرقاق –: (4/310) ، وأورده الحاكم شاهداً لحديث ابن عباس في دخول عمر – وقوله مثل قول ابن مسعود – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وانظره في مسند الطيالسي – منحة المعبود –: (2/120) ، والزهد للإمام أحمد: (8) وطبقات ابن سعد: (1/467) ، وحلية الأولياء: (2/102، 4/234) ، وعزاه السيوطي في جمع الجوامع: (1/711) لهناد ومعجم الطبراني الكبير، وشعب الإيمان للبيهقي، وعزاه المنذري في الترغيب والترهيب: (4/178) إلى كتاب الثواب لأبي الشيخ، وانظره في كتاب الأمثال للرامهرمزي: (55) .

". وقد تكرر ذلك منه – فداه نفسي وعليه صلوات الله وسلامه ربي – مع عدة من الصحابة الكرام – عليهم الرحمة والرضوان – ففي المسند والمستدرك وصحيح ابن حبان وغير ذلك من دواوين الإسلام بسند صحيح عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دخل عليه عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا نبي الله، لو اتخذت لك فراشاً أوثر من هذا؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "مالي وللدنيا؟ ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر المسند: (1/301) ، ورجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (10/326) ، وقال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (4/262) "2744" إسناده صحيح، والمستدرك – كتاب الرقاق –: (4/309-310) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان – كتاب الزهد – باب ما جاء في عيش السلف –: (626) ، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير: (1/711) إلى معجم الطبراني الكبير، وشعب الإيمان للبيهقي.

وفي سنن ابن ماجه، ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنهم – قال: دخلت على رسول الله وهو على حصير، قال: فجلست فإذا عليه إزار، وليس عليه غيره، وإذا قد أثر الحصير في جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وقرظ في ناحية الغرفة – والقرظ: شيء يدبغ به الجلد – وإذا إهاب معلق – والإهاب: الجلد غير المدبوغ فابتدرت عيناي، فقال: صلى الله عليه وسلم –: "ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ " فقلت: يا نبي الله، ومالي لا أبكي؟ وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذلك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار، وأنت نبي الله وصفوته، وهذه خزانتك، قال – صلى الله عليه وسلم –: يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب ضجاع آل محمد – صلى الله عليه وسلم –: (2/1390-1391) ، والمستدرك – أول حديث في كتاب الأطعمة –: (4/104) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي. والحديث رواه ابن حبان في موارد الظمآن – كتاب الزهد - باب ما جاء في عيش السلف: (626) وأحمد في المسند: (3/139-140) ، وأبو يعلى كما في مجمع الزوائد: (10/326) ، وفيه: رجال أحمد رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة وقد وثقه جماعة، وضعفه جماعة، كلهم رووه عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – دخل على النبي – صلى الله عليه وسلم – فذكر نحو ما تقدم، وهو في سنن الترمذي مختصر – كتاب صفة القيامة – باب: "28": (7/168) ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأصل الحديث في الصحيحين ضمن حديث إيلاء النبي – صلى الله عليه وسلم – من أزواجه – رضي الله تعالى عنهن – انظر صحيح البخاري – كتاب المظالم – باب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة في السطوع ونحوها: (5/114-116) ، وفي كتاب التفسير – سورة التحريم – باب: "تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ": (8/657-658) ، وكتاب النكاح – باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها: (9/278-279) بشرح ابن حجر في الجميع ومسلم في كتاب الطلاق – باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن: (2/1106-1113) ، وهو في سنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة التحريم: (9/55، 58) ، والمسند: (1/33-34) . وقد ورد الحديث من رواية أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – وفيه مشاركة أبي بكر لعمر – رضي الله تعالى عنهما فيما جرى، روى ذلك ابن حبان – المكان السابق – وفي سنده الماضي بن محمد وهو ضعيف كما في التقريب: (2/223) ، وأشار المنذري في الترغيب والترهيب: (4/201) إلى وجوده في سند ابن حبان، وفصل الكلام في حاله في: (4/278) ، ورواه الطبراني في الأوسط كما في المجمع: (10/327) ، وفي سنده عبد العزيز بن يحيى المدني نزيل نيسابور وهو كذاب. وورد الحديث من رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في مسند البزار كما في مجمع الزوائد: (10/327) ، وفيه داود بن فراهيج، وثقه جماعة، وضعفه آخرون، وبقية رجاله رجال الصحيح وهو في المسند أيضاً: (2/298) . وورد الحديث من رواية جندب – رضي الله تعالى عنه – في معجم الطبراني كما في مجمع الزوائد: (10/327) ، وفيه سند الحديث عمر بن زياد وثقه ابن حبان، وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح.

". وتلك المعاني الجليلة، كان يغرسها نبينا – صلى الله عليه وسلم – في صدور أصحابه ذوي المراتب النبيلة – رضي الله تعالى عنهم – وكانوا أشد الوجل، إذا لم يقوموا بها على الوجه الأكمل، وكان يظهر عليهم عند اقتراب الأجل، ما فيه عبرة لمن عقل، روى ابن ماجه وغيره بسند رجاله ثقات عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهما – قال: اشتكي سلمان الفارسي فعاده سعد بن أبي وقاص – رضي الله تعالى عنهما – فرآه يبكي، فقال له سعيد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم –؟ أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي ضناً للدنيا، وكراهية للآخرة، ولكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عهد إليّ عهداً فما أراني إلا قد تعديت، قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إليّ أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، ولا أراني إلا قد تعديت، وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إلا قسمت، وعند همك إذا هممت.

ولا تظن أخي المبارك أن سلمان الفارسي – رضي الله تعالى عنه – تعلقت همته بالدنيا، وتعدى حدود الشرع المطهر، فهو من الزهاد، والعباد، الذين يعدون العدة ليوم التناد، فما قال ما قال إلا تواضعاً لذي العزة والجلال، ورهبة من الكبير المتعال، وكل ما تركه – رحمه الله ورضي عنه – بضعة وعشرين درهماً، وأمتعة قومت بأربعة عشر أو خمسة عشر درهماً، هذا وهو أمير المدائن وتحت إمرته زهاء ثلاثين ألفاً من المسلمين، وعطاؤه خمسة آلاف درهم، وما انتفع منه بدرهم في مصالحه العاجلة، إنما كان ينفقه كله طلباً لرضوان الله في الحياة الآجلة، ويعيش من عمل يده (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر سنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب الزهد في الدنيا –: (2/1374-1375) قال المنذري في الترغيب والترهيب: (4/168) ورواته ثقات احتج بهم الشيخان إلا جعفر بن سليمان فاحتج به مسلم وحده، وانظره في المستدرك – كتاب الرقاق –: (4/317) ، وقال الحاكم: وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، صحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الزهد – باب ما يكفي من الدنيا –: (614) ، وكتاب الزهد للإمام أحمد: (28-152) ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير الحسن بن يحيى بن الجعد وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (10/254) ، وحلية الأولياء: (1/195-197) . هذا وقد ورد تسمية القائل لسلمان بسعد في رواية ابن ماجه، والحاكم، وأبي نعيم في الحلية، وورد تسمية القائل في رواية الطبراني، وأبي نعيم أيضاً، وورد عند أبي نعيم أيضاً ضم عبد الله ابن مسعود إلى سعد وورد التنصيص على كون ابن مسعود قال ذلك لسلمان في طبقات خليقة بن خياط كما في الإصابة: (2/63) ، وعند ابن حبان وأبي نعيم أيضاً نسبة القول لن حضر دون تسمية أعيانهم – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –. والذي يظهر لي – والله أعلم – أن كل من تقدم ذكرهم قالوا له ذلك وكان ذلك في أوقات مختلفة حسب مجيء المرض لسلمان، ويدل على هذا أمران: الأول: موت ابن مسعود سنة ثلاث وثلاثين قبل سلمان وبثلاث سنين – رضي الله تعالى عنهم. الثاني: ما ورد في الحلية: (1/208) ، أن سلمان قال لامرأته افتحي أبواب العلية، فإن لي اليوم زواراً لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون عليّ، ثم دعا بمسك، وقال لزوجه، انضحيه حول فراشي، ثم انزلي فامكثي فسوف تطلعين فتريني على فراشي، فاطلعت فإذا هو قد أخذ روحه كأنه نائم على فراشه – رضي الله تعالى عنه –. هذا وقد ورد في رواية ابن ماجه عن ثابت قال: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهماً من نفقة كانت عنده، وفي الحلية عن الحسن وحميد قوم متاعه فبلغ نحواً من عشرين درهماً، وفي صحيح ابن حبان، والحلية: فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر درهماً، قال أبو نعيم: وقال عامر بن عبد الله ديناراً واتق الباقون على بضعة عشر درهماً وفي رواية الطبراني والحلية عن علي ابن بذيمة قال: بيع متاع سلمان فبلغ أربعة عشر درهماً قال الهيثمي في المجمع: (10/254) ، وإسناده جيد غلا أن علي بن بذيمة لم يدرك سلمان فإن كانت تركته تأخرت فهو متصل، ونحوه في الترغيب والترهيب: (4/225) ، والذي يظهر أنه ترك بضعة وعشرون درهماً وأمتعة قومت دون عشرين درهماً والله أعلم. وسلمان الفارسي يقال له سلمان بن الإسلام، وسلمان الخير، عاش على الراجح أزيد من خمسين ومائتي سنة، كان يقول: أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث، ضحكت من مأمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل لا يغفل عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أمسخط ربه أم مرضيه، وأبكاني ثلاث: فراق الأحبة محمد وحزبه – صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه الطاهرين – وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي رب العالمين حين لا أدري إلى النار انصرافي أم إلى الجنة، انظر ذلك وغيره من ترجمته العطرة المباركة في الحلية: (1/185-208) ، وصفة الصفوة: (1/523-556) ، والإصابة: (2/62-63) القسم الأول من حرف السين، وأسد الغابة: (../417-421) ، وشذرات الذهب: (1/44) والمعارف: (117) ، وطبقات ابن سعد: (6/16-17) .

وقد تكرر من الصحابة مثل موقف سلمان – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ففي معجم الطبراني ومسند أبي يعلى عن يحيى بن جعدة قال: عاد خباباً ناس من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: أبشر يا أبا عبد الله ترد على محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال: فكيف بهذا وأشار إلى البيت وأسفله، وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إنما يكفي أحدكم من الدنيا كزاد الراكب"، وفي طبقات ابن سعد والحلية عن طارق بن شهاب قال: عاد خباباً نفر من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: أبشر يا أبا عبد الله، إخوانك تقدم عليهم غداً، فبكى، وقال: أما إنه ليس بي جزع، ولكنكم ذكرتموني أقواماً وسميتم لي إخواناً، وإن أولئك قد مضوا بأجورهم كما هي وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم، وفي الحلية أيضاً عن شقيق بن سلمة، قال: دخلنا على خباب بن الأرت في مرضه، فقال: إن في هذا التابوت ثمانين ألف درهم، والله ما شددت لها من خيط، ولا منعتها من سائل، ثم بكى، فقلنا: ما يبكيك؟ قال: أبكي أن أصحابي مضوا ولم تنقصهم الدنيا شيئاً، وإنا بقينا بعدهم حتى لم نجد لها موضعاً إلا التراب، ولوددت أنها كذا وكذا، بعراً أو غيره (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مجمع الزوائد: كتاب الزهد – باب ما يكفي من الدنيا –: (10/253-254) ، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن جعدة وهو ثقة، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: (4/223) : إسناده جيد وطبقات ابن سعد: (1/166) ، والحلية: (1/144-146) ، وفي الحلية: (1/360) الحديث المتقدم عن يحيى بن جعدة وكذلك في مسند الحميدي: (1/83) ورواه البيهقي في شعب الإيمان، والبارودي، والضياء المقدسي في المختارة كما في مجمع الجوامع: (1/289) ،وانظر خير طارق بن شهاب في مسند الحميدي: (10/86) ، وكتاب الزهد لابن المبارك: (183-184) ، وقوله: لم نجد له موضعاً إلا التراب، يرد به الإنفاق في البنيان كما في الفتح: (10/129) وقد روى ذلك القول عنه البخاري في كتاب المرضى – باب تمني المريض الموت –: (10/127) ، وكتاب الرقاق – باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها: (11/244) بشرح ابن حجر في الجميع، وهو في مسند الحميدي: (1/83-84) وورد في المستدرك – كتاب معرفة الصحابة –: (3/383) بسند صححه الحاكم وأقره الذهبي عن خباب – رضي الله تعالى عنه – قال: لقد خشيت أن يذهب بأجورنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أصبنا بعده من الدنيا.

وورد في الصحيحين وغيرهما عن أبي وائل، قال: عدنا خباباً فقال: هاجرنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله تعالى، فمنا من مضى ولم يأخذ من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد، وترك نمرة، فإذا غطينا رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – أن نغطي رأسه، ونجعل على رجليه من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب إذا لم يجد كفناً إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه: (3/142) ، وكتاب مناقب الأنصار – باب هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم أجمعين إلى المدينة: (7/226، 7/253) ، وكتاب المغازي – باب غزوة أحد: (7/354) ، وباب من قتل من المسلمين يوم أحد –: (7/374) ، وكتاب الرقاق – باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها: (11/245) ، وباب فضل الفقر –: (11/273) بشرح ابن حجر في جميع ما تقدم. وصحيح مسلم – كتاب الجنائز – باب في كفن الميت –: (2/649) ، وسنن الترمذي – كتاب المناقب – باب مناقب مصعب بن عمير – رضي الله تعالى عنه –: (9/377) ، وسنن النسائي – كتاب الجنائز – باب القميص في الكفن –: (4/32) ، والمسند: (5/109، 112، 6/395) ، ومسند الحميدي: (1/84) .

وما خشيه سلمان وخباب خشيه كل من امتدت حياته من الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – بعد موت نبينا – صلى الله عليه وسلم – روى البخاري في صحيحه عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف – رضي الله تعالى عنهم – أن عبد الرحمن بن عوف أتى بطعام – وكان صائماً – فقال: قتل مصعب بن عمير – وهو خير مني – كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه وأراه قال: وقتل حمزة – وهو خير مني – ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط – أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا قد عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الجنائز – باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد –: (3/142) ، وباب الكفن من جميع المال – (3/141) ، وكتاب المغازي – باب غزوة أحد: (7/353) ، وهو في كتاب الزهد لابن المبارك: (183) .

وهكذا كان حال صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق – رضي الله تعالى عنه – مع أنه لم ينل من الدنيا شيئاً، ولم يتغير حاله في معيشته عن حاله السابق في عهد نبينا – صلى الله عليه وسلم – وحياته، وروى البزار عن زيد بن أرقم قال: كنا مع أبي بكر الصديق – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فاستسقى، فأتى بماء وعسل، فلما وضعه على يده بكى وانتحب حتى ظننا به شيئاً، ولا نسأله عن شيء فلما فرغ، قلنا: يا خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، ما حملك على هذا البكاء؟ قال بينما أنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ رأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولا أرى شيئاً، فقلت: يا رسول الله، ما الذي أراك تدفع ولا أرى شيئاً؟ فقال: "الدنيا تطولت لي، فقلت: إليك عني، فقالت: أما إنك لست بمدركي" قال أبو بكر – رضي الله تعالى عنه –: فشق عليّ، وخشيت أن أكون خالفت أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولحقتني الدنيا، ورواه الحاكم في المستدرك عن زيد بن أرقم أيضاً بلفظ: كنا مع أبي بكر الصديق – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فدعا بشراب فأتي بماء وعسل، فلما أدناه من فيه بكى وبكى حتى أبكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لم يقدروا على مسألته، قال: ثم مسح عينيه، فقالوا: يا خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أر معه أحداً، فقلت: يا رسول الله ما الذي تدفع عن نفسك؟ قال: "هذه الدنيا مثلت لي، فقلت لها: إليك عني، ثم رجعت فقالت: إن أفلت مني فلن ينفلت مني من بعدك (¬1) ¬

_ (¬1) انظر رواية البزار في مجمع الزوائد – كتاب الزهد – باب فيمن كره الدنيا –: (10/254) ، وقال الهيثمي: وفيه عبد الواحد بن زيد الزاهد وهو ضعيف عند الجمهور، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يعتبر حديثه إذا كان فوقه ثقة، ودونه ثقة، وبقية رجاله ثقات، قال المنذري في الترغيب والترهيب: (4/207) بعد ذكر كلام ابن حبان، وهو كنا كذلك، وعزاه أيضاً إلى ابن أبي الدنيا وانظر رواية الحاكم في المستدرك – كتاب الرقاق –: (4/309) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله قلت: عبد الصمد بن عبد الوارث تركه البخاري وغيره 10هـ والذي يظهر للعبد الضعيف وهم الذهبي فيما قاله، فالبخاري ما تركه، وترجم له في التاريخ الكبير: (6/105) ، وقال: سمع شعبة وأباه وهشاماً الدستوائي 10هـ وما ورد في الجرح والتعديل: (6/51) من أن أبا حاتم قال عنه شيخ مجهول فالكلام فيه سقط ومبتور، ولذلك قال محقق الكتاب: لعله ههنا سقط، فإن عبد الصمد بن عبد الوارث مشهور معروف 10هـ وقد حكم عليه الذهبي نفسه في الكاشف: (2/173) بأنه حجة وأشار إلى أنه من رجال السنن الأربعة، وقال ابن حجر في التقريب: (1/507) صدوق، ثبت في شعبة، ونقل في تهذيب التهذيب: (6/327 -328) توثيقه عن ابن حبان، وابن سعد، وابن قانع، وابن نمير، وقال الحاكم ثقة مأمون، وقد ذكر شيخ الإسلام الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (3/198) تصحيح الحاكم، ولم يعترض عليه – ونسب تخريجه أيضاً إلى ابن أبي الدنيا، والبيهقي من طريقه بلفظه.

". فتأمل يا عبد الله تلك الأخبار عن سلفنا الأبرار، وانظر كيف اشتد وجلهم مما أصابوه من الدنيا عن طريق الحلال، واشتد خوفهم عند فراق هذه الدار، لا حزناً عليها ولا زهداً في مقابلها، ولكن خشية عدم الالتزام بالمسلك الأقوم الذي كان عليه نبينا – صلى الله عليه وسلم – مع أنهم – رضي الله تعالى عنهم – لم يشدوا خيطاً على ما أتاهم من مال، ولم يمنعوه من تعرض لهم بالسؤال وبذلوه في الخيرات آناء الليل وأطراف النهار، فكيف بنا وقد ركنا إلى الدنيا، فلم نقنع منها بالقليل ولم نشبع من الكثير، وقد حذرنا رسولنا الجليل – صلى الله عليه وسلم – من هذا المسلك الحقير؟ نسأل الله أن يبصرنا بعواقب الأمور، وأن يوفقنا لإيثار الآخرة على دار الغرور، لنحظى بخاتمة السعادة عند انتقالنا إلى القبور، ولنفوز برضوان ربنا الغفور في دار الحبور والسرور.

روى الأئمة الكرام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والطبراني في معجمه، وغيرهم بسند صحيح رجاله ثقات عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقي على ما يغني (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/412) ، وصحيح بن حبان – موارد الظمآن – كتاب الزهد – باب فيمن أحب دنياه أو آخرته: (612) ، والمستدرك – كتاب الرقاق –: (4/308، 319) ، وانظر رواية الطبراني في مجمع الزوائد: (10/249) ، ورواه أيضاً البزار، قال الهيثمي: ورجال أحمد والطبراني والبزار ثقات، وكذلك قال المنذري في الترغيب والترهيب: (4/175) ، ونسبه أيضاً إلى كتاب الزهد للإمام البيهقي وقد صحح الحاكم الحديث فقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال في المكان الثاني صحيح، وأقره الذهبي في المكان الثاني، وتعقبه في الأول فقال، قلت: فيه انقطاع، مع أن السند فيهما من رواية عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – والذي يظهر لي – والله أعلم – أن السند متصل، وقد أطال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الرسالة للإمام الشافعي: (97-103) الكلام فيمن سمي بالمطلب وهو من بني حنطب فارجع إليه فلن تظفر به في مكان آخر، والذي حط عليه كلامه – رحمه الله تعالى –: أن المطلب الذي يروي عنه عمرو بن أبي عمرو كان رجلاً في عصر عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – وأنه من المحتمل جداً بل من الراجح القريب من اليقين أنه من صغار الصحابة من طبقة ابن عمر وجابر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وأن من اليقين – الذي لا يدخله الشك – أنه إن لم يكن صحابياً فهو من كبار التابعين، وأن المحدثين الذين أعلوا رواياته بالإرسال، وبأنه لم يدرك فلاناً وفلاناً من الصحابة، وأنه لم يسمع منهم، إنما شبه لهم هذا المطلب بمن يسمى بهذا الاسم من المتأخرين عن عصره، وهم من بني حنطب. وقد حكى العراقي في تخريج ألأحاديث الإحياء: (3/197) ، والمنذري في الترغيب والترهيب: (4/175) تصحيح الحاكم ولم يعترضا عليه.

". وقد أخبرنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – أن فرح المرء بالحياة العاجلة، وحرصه على جمع عروضها الزائلة، يفسد أعظم من أفساد الذباب الضارية في قطعان الغنم الغافلة ثبت في المسند وسنن الترمذي وغيرهما بإسناد صحيح عن كعب بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه"، وفي معجم الطبراني الأوسط بسند جيد حسن عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما ذئبان ضاريان جائعان باتا في زريبة غنم أغفلها أهلها يفترسان ويأكلان بأسرع فساداً فيها من حب المال والشرف في دين المرء المسلم (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المسند: (3/456، 460) ، وسنن الترمذي – كتاب الزهد – باب: "43": (7/109-110) ، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح حسن ورواه الدارمي في كتاب الرقاق – باب ما ذئبان جائعان –: (2/304) ورواية الطبراني في الأوسط في مجمع الزوائد – كتاب الزهد – باب في حب المال والشرف –: (10/250) ، وقال الهيثمي: إسناده جيد وكذلك قال المنذري في الترغيب والترهيب: (4/177) ، وعن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – رواه أيضاً أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الملك زنجويه، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقد وثقا كما في مجمع الزوائد، وقال المنذري في المكان السابق: إسناده جيد، وهو في الحلية أيضاً: (7/89) ، ونسبه ابن رجب في شرح هذا الحديث – مطبوع ضمن جامع بيان العلم وفضله: (1/167) إلى سنن النسائي الكبرى وكذلك العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (3/226) . والحديث ورد عن ابن عمر –رضي الله تعالى عنهما – أيضاً في مسند البزار، قال الهيثمي – المكان السابق –: وفيه قطبة بن العلاء، وقد وثق، وقال المنذري – المكان السابق – إسناده حسن وهو في الحلية: (7/89) ، ونسبه السيوطي في جمع الجوامع: (1/704) إلى تاريخ ابن عساكر. وورد من رواية عاصم بن عدي – رضي الله تعالى عنه – في معجم الطبراني الأوسط وإسناده حسن كما في مجمع الزوائد – المكان السابق –. وورد حديث ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – عند الطبراني في الأوسط أيضاً وفيه عيسى بن ميمون وهو ضعيف، وقد وثق، كما في المجمع – المكان السابق – وهو في الحلية: (10/219-220) . وورد أيضاً من رواية أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – عند الطبراني في الأِوسط لكن فيه خالج بن يزيد العمري وهو كذاب كما في المجمع – المكان السابق – وانظر حال خالد في الميزان: (1/646) ، وفيه: كذبه أبو حاتم، ويحيى، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات وقرر ذلك ابن حجر في اللسان: (2/390) . وورد الحديث من رواية أسامة بن زيد – رضي الله تعالى عنهما – في حلية الأولياء: (7/89) ونقل ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: (1/167) عن وهب بن منيه أنه قال: إن جمع المال وغشيان السلطان لا يبقيان من حسنات المرء إلا كما يبقي ذئبان جائعان ضاريان سقطا في حظار فيه غنم، فباتا يجوسان حتى أصبحا. هذا وللإمام العلم الحافظ الصالح شيخ الإسلام ابن رجب الحنبلي – رحمه الله تعالى – رسالة فذة مباركة في شرح هذا الحديث، مطبوعة ضمن جامع بيان العلم وفضله: (1/167-183) فانظرها لزاماً.

". وقد حقق الصحابة الكرام – رضوان الله تعالى عليهم – الزهد في متاع الدنيا وعرضها من مال ومنزلة وجاه، فعلت رتبتهم، وكانوا أفضل ممن جاء بعدهم، ولو عملوا من الصالحات الظاهرة أكثر منهم، روى الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه – قال: أنتم: أي: يا معشر التابعين – أكثر صلاة، وأكثر صياماً من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم –، وهم كانوا خيراً منكم قالوا: وبم؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا، وأرغب منكم في الآخرة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المستدرك – كتاب الرقاق –: (4/315) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، ورواه الطبراني كما في مجمع الزوائد: (10/325) ، وقال الهيثمي: فيه عمارة بن يزيد صاحب ابن مسعود ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات 10هـ وعمارة موجود في سند الحاكم ولكن ليس بالصفة التي ذكرها الهيثمي، بل هو عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فتأمل كلام الهيثمي، وانظر سند الطبراني، وانظر الأثر في كتاب الزهد والرقاق: (173) ، وحلية الأولياء: (1/136) .

وفي كتاب الزهد للإمام ابن المبارك، وحلية الأولياء عن إبراهيم التيمي – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – قال: كم بينكم وبين القوم؟ أقبلت عليهم الدنيا فهربوا منها، وأدبرت عنكم فاتبعتموها (¬1) . وما خوف من خاف ممن تقدم ذكرهم من الصحابة الطاهرين من إقبال الدنيا عليهم إلا خشية نقصان درجتهم عند رب العالمين، لأن كل من أصاب من الدنيا نعيماً نقص من درجاته عند رب العالمين، وإن كان عليه كريماً، روى ذلك ابن أبي الدنيا بسند جيد عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – ونص كلامه: لا يصيب عبد من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجاته عند الله – جل وعلا – وإن كان عليه كريماً (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر كتاب الزهد والرقاق: (194) ، وحلية الأولياء: (4/212) ، وروي عنه في: (4/214) أنه قال: إن من كان قبلكم يفرون من الدنيا وهي مقبلة عليهم، ولهم من القدم ما لهم، وأنتم تتبعونها وهي مدبرة عنكم ولكم من الأحداث مالكم، فقيسوا أمركم وأمر القوم، وكان يقول كما في الحلية: (4/215) إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه، انظر أخباره الطيبة، وترجمته العطرة في صفة الصفوة: (3/90-92) ، وفيه كانت وفاته سنة اثنتين وتسعين وذكر سبباً لذلك يدل على نبله وفضله فانظره لزاماً وانظر تذكرة الحفاظ: (10/73) وتهذيب التهذيب: (1/176-177) . (¬2) انظر الترغيب والترهيب: (4/163) ، وفيه: رواه ابن أبي الدنيا وإسناده جيد، وروي عن عائشة – رضي الله تعالى عنها – مرفوعاً، والموقوف أصح، ونقل الحافظ في الفتح: (11/280) كلام المنذري في حكمه على سند الموقوف بأنه جيد، ولم يعترض عليه.

قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين، ورفع من قلبه حب الدنيا والتعلق بها آمين لي وللمسلمين –: ولأثر ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – شواهد ثابتة في الشرع المطهر، واضحة المعنى ظاهرة الدلالة كوضوح الشمس في رابعة النهار، وكظهور القمر ليلة البدر، فمن ذلك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم الأجر" وفي لفظ لمسلم وغيره أيضاً: "ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم –: (3/1514-1515) ، وسنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب في السرية تخفق –: (3/18) ، وسنن النسائي – كتاب الجهاد – باب ثواب السرية تخفق –: (6/16) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الجهاد – باب النية في القتال: (2/931) ، والمسند: (2/169) . قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم –: (13/52) : وأما معنى الحديث فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم، أو سلم ولم يغنم وأن الغنيمة هي في مقابل جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المترتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – كقوله: منا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهد بها، تقدم في صفحة: (.....) تخريج هذا القول، فهذا الذي ذكرناه هو الصواب، وهو ظاهر الحديث، ولم يأت حديث صريح صحيح يخالف هذا فتعين حمله على ما ذكرناه 10هـ وكذلك قرر الحافظ في الفتح: (6/8-10) ، والألوسي في روح المعاني: (11/28) .

". أسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن يرفع من قلوبنا التعلق بزهرة الدنيا وزينتها لحب لقاءه، ونحظى برضاه، إنه مولانا وحسبنا ونعم الإله ربنا (¬1) . مسألة جليلة: يتعلق بالخوف من سوء الخاتمة، بالأسباب المفضية إليها أمر مهم ينبغي التنبيه عليه، وهو: الاستثناء في الإيمان، أي: قول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الرحمن ووجه تعلق هذه المسألة بخوف سوء الخاتمة، وبالأمور الموصلة إليها، أن المؤمن لا يخلو من تقصير، ولا يعلم إلى أي شيء سيصير، وكم وكم يختم لمدعي الإيمان بموجب خلوده في النيران – نسأل الله الكريم السلامة من ذلك، والنجاة من جميع المهالك، فهو الرحيم المالك – وإليك تفصيل القول في ذلك. للناس في هذه المسألة ثلاثة أقوال مشهورة، وفي الكتب مزبورة: القول الأول: حرم الاستثناء في الإيمان على المكلفين من البرية، طائفة من الحنفية وعدد من الفرق الزائغة الغوية، وهم: المعتزلة، والخوارج، والمرجئة، والجهمية. وحجتهم في ذلك أمران باطلان: الأمر الأول: تفسيرهم للإيمان بالتصديق الذي بقلب الإنسان، دون اعتبار العمل بالأركان، وزعموا أن التصديق لا تتفاوت نسبه في الإنس والجان، وعليه فلا يجوز الاستثناء في الإيمان، لأنه متحقق بالجنان، وثابت بالبرهان. الأمر الثاني: ¬

_ (¬1) من أدعية أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – كما في الحلية: (1/219) والزهد – الرقاق –: (224) ، وصفة الصفوة: (1/639) : اللهم إني أعوذ بك من تفرقة القلب، قيل: وما تفرقة القلب؟ قال: أن يوضع لي في كل واد مال وكان يقول كما في الحلية: (1/217-218) : يا أهل دمشق ألا تستحيون؟ تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون، وتأملون ما لا تبلغون، فقد كان القرون من قبلكم يجمعون فيوعون، ويأملون فيطيلون، ويبنون فيوثقون، فأصبح جمعهم بوراً، وأملهم غروراً، وبيوتهم قبوراً، هذه عاد قد ملأت ما بين عدن إلى عمان أموالاً وأولاداً، فمن يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين؟

زعمهم أن من استثنى في إيمانه من المكلفين، فهو من الشاكين، وذلك كفر برب العالمين، ويوجب لصاحبه الخلود في سجين. والأمران باطلان يا طالب العلم الهمام، فاحذر تلك الوساوس والأوهام * أما الأول فمنقوص من وجهين: 1- قصر الإيمان على التصديق بالجنان مخالف لصريح القرآن، وللأحاديث المتواترة عن خير الأنام – عليه الصلاة والسلام – ولما أجمع عليه سلفنا الكرام – عليهم الرحمة والرضوان – من أن الإيمان تصديق بالجنان، وإقرار باللسان وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة والإذعان، وينقص بالفسوق والعصيان (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إيضاح هذا وتقريره في فتح الباري: (1/46-47) ، وشرح النووي لصحيح مسلم: (1/144-150) ، وشرح السنة – كتاب الإيمان – باب بيان أن الأعمال من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، والرد على المرجئة: (1/33-47) ، وكتاب الإيمان ابن منده: (1/305) فما بعدها باب ذكر ما يدل على أن اسم الإيمان واقع على من يصدق بجميع ما أتى به المصطفى – صلى الله عليه وسلم – عن الله نية وإقراراً وعملاً وإيماناً – وباب ذكر ما يدل على أن الإيمان هو الطاعات كلها –: (1/327) فما بعدها، وباب ذكر خبر يدل على أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالأركان يزيد وينقص: (2/341) ، فما بعدها وانظر كتاب الإيمان الكبير، وكتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية ضمن المجلد السابع من مجموع الفتاوى، وانظر كتاب الإيمان لابن أبي شيبة وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام كل منهما في خمسين صفحة.

2- على التنزل في تفسير الإيمان بالتصديق فقط، فالقول بعدم تفاوت نسبة التصديق غلظ، لان نفس التصديق يزيد بكثرة الأدلة وتظاهرها، فالاعتقاد عقدة على القلب تارة تشتد وتقوى، وتارة تضعف وتسترخي، كحال العقدة على الخيط تماماً، يضاف إلى ذلك أن القيام بالأعمال يؤثر في نمام التصميم وزيادته، كما يؤثر سقى الماء في نماء الأشجار، ولذينك الاعتبارين كان إيمان الصديقين، أقوى من إيمان سائر المكلفين، فلا تؤثر فيهم وساوس الشياطين، بل لا تعتريهم شبهة في الدين، ولا تزال قلوبهم منشرحة بنور رب العالمين في كل حين، ولا يحصل ذلك المقام الكريم لغيرهم من المؤمنين ولا يشكك في هذا ذو عقل سليم (¬1) . وإذا ذانك الوجهان – وهما ثابتان بالبرهان – فيصح الاستثناء في الإيمان، لأنه غير متحقق على وجه التمام، فاعلم هذا يا أخا الإسلام. * وأما الأمر الثاني فمردود أيضاً: ... لأن الاستثناء في الإيمان، لا يعني شك الإنسان في ربنا الرحمن، بل ذلك اعتبارات حسان، عند سلفنا الكرام، سيأتيك بيانها بالحجة والبرهان، عند القول الثالث إن شاء ذو الجلال والإكرام. القول الثاني: أوجب أبو يعلى وطائفة من المحدثين الكرام الاستثناء في الإيمان، وحجتهم في ذلك بعض حجج القول الثالث، وسأنبه عليها عند بيان القول الثالث واستعراض حججه فانظرها هناك. القول الثالث: قول السلف الأخيار وهو مذهب أهل السنة الأبرار، أن كل من الاستثناء وعدمه جائزان باعتبار، لكن لما نبز أهل البدع الأشرار، أهل السنة الأطهار، بأنهم شكاك (¬2) ولاستثنائهم في إيمانهم بالعزيز الغفار، استحب أهل السنة الكرام، الاستثناء في الإيمان، رداً على أهل الزيغ والطغيان، وإليك تفصيل قولهم بالبرهان. أولاً: ¬

_ (¬1) انظر تفصيل ذلك وتقريره في إحياء علوم الدين: (1/125) ، وشرح صحيح مسلم: (1/148-149) . (¬2) انظر نبز المرجئة لأهل السنة بذلك اللقب الشنيع في مجموع الفتاوى: (5/111، 7/666) .

.. جواز ترك الاستثناء في الإيمان برب الأرض والسماء، نظراً لدخول المكلف في الإيمان، وجريان أحكامه عليه في دار الامتحان، عندما يقر بعقيدة الحق باللسان، قال الإمام سفيان الثوري – عليه رحمة ربنا الرحمن –: نحن مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما ندري ما نحن عند الله – عز وجل – وقال أيضاً: الناس عندنا مؤمنون مسلمون في المناكحة والطلاق والأحكام فأما عند الله – جل وعلا – فلا ندري ما هم، وقال أيضاً: نحن مؤمنون، والناس عندنا مؤمنون، وهؤلاء القوم – أي: أهل البدع من المرجئة وأشباههم – يريدون منا أن نشهد أنا عند الله مؤمنون، ولم يكن هذا فعال من مضى (¬1) . ثانياًَ: ... جواز الاستثناء في الإيمان برب الأرض والسماء لأربعة أشياء: 1- للشك في كمال الإيمان لا في أصله عند الإنسان، فكل مكلف لا يجزم ببلوغه في إيمانه درجة التمام، بل عنده شيء كثير من النقصان، يدل على هذا وجهان سديدان: الوجه الأول: ... لا يتحقق كمال الإيمان إلا بالبراءة من النفاق، ولا يسلم مكلف منه باتفاق، كما تقدم تقرير ذلك، فمل عن الشقاق. الوجه الثاني: ¬

_ (¬1) انظر نسبة تلك الأقوال إليه في الإحياء: (1/127) ، ومسائل الإمام أحمد: (274) ، وشرح السنة (1/42) ، وفي مجموع الفتاوى: (7/669) وأما جواز إطلاق القول بأني مؤمن فيصح إذا عني به أصل الإيمان دون كماله، والدخول فيه دون تمامه، وفي شرح صحيح مسلم: (1/150) : فمن أطلق نظر إلى الحال، وأحكام الإيمان جارية عليه في الحال.

.. يشترك لكمال الإيمان، القيام بطاعة الرحمن، ولا يمكن لأي مكلف كان أن يدعي حصولها على وجه الكمال والتمام، قال ذو الجلال والإكرام: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} الأنفال2-4، وقال – جل جلاله –: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحجرات15، وقال – عز وجل –: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} البقرة177، فمن ادعى كمال الإيمان فعليه بتحقيق تلك الأوصاف الحسان، ليكون من المؤمنين حقاً عند الرحمن، ومن الصادقين في دعواهم بالبرهان، وقد ثبت عن نبينا – عليه الصلاة والسلام – أنه قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان (¬1) ¬

_ (¬1) وورد الحديث بلفظ: "بضع وستون شعبة" ولا منافاة بين الروايتين لأن القليل داخل في الكثير، انظر روايات الحديث الشريف في صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب أمور الإيمان –: (1/51) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها، وأدناها، وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان: (1/63) ، وسنن أبي داود – كتاب السنة – باب في رد الإرجاء: (5/55-56) ، وسنن الترمذي – كتاب الإيمان – باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه: (7/278-279) ، وسنن النسائي – كتاب الإيمان وشرائعه – باب ذكر شعب الإيمان –: (8/96-97) ، وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب في الإيمان –: (1/22) ، والمسند: (2/379، 414، 445) ، ومسند الطيالسي – منحة المعبود – كتاب الإيمان – باب ما جاء في شعب الإيمان: (1/23) ، وشرح السنة – كتاب الإيمان – باب بيان أن الأعمال من الإيمان: (1/34) ، وكتاب الإيمان لأبي عبيد: (60-61) كلهم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه –.

". فمن قام بجميع شعب الإيمان فقد صدق في دعواه الإيمان، واستحق دخول الجنان، ونيل رضوان الرحمن، ومن لا فأمره موكول لمشيئة ذي الجلال والإكرام، ولا ينبغي له أن يجزم بدعوى الإيمان، بل يقول: أنا مؤمن إن شاء ربنا الرحمن، وهذا هو المنقول عن السلف الكرام، روى أبو عبيد في كتاب الإيمان عن الحسن البصري – رحمهما الله تعالى – قال: قال رجل عند عبد ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – أنا مؤمن، فقال ابن مسعود: فأنت من أهل الجنة؟ قال: أرجو: فقال ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: أفلا وكلت الأولى كما وكلت الأخرى؟ وروى عبد الرزاق في مصنفه عن شقيق – رحمهما الله تعالى – قال: كنا مع ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في سفر، فلقي ركباً، فقلنا: من القوم؟ قالوا: نحن المؤمنون، فقال ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: فهلا قالوا نحن من أهل الجنة؟ قال الشيخ ابن تيمية نقلاً عن الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري – عليهما رحمة الله تعالى –: فذهب سلف أصحاب الحديث كابن مسعود وأصحابه – رضي الله تعالى عنهم – وابن عيينة، وأكثر علماء الكوفة، ويحيى بن سعيد القطان، فيما يرويه عن علماء أهل البصرة، وأحمد بن حنبل، وغيره من أئمة السنة – رحمهم الله جميعاً – الاستثناء في الإيمان، وهذا متواتر عنهم وصرحوا بأن الاستثناء إنما هو لأن الإيمان يتضمن فعل الواجبات، فلا يشهدون لأنفسهم بذلك، كما لا يشهدون لها بالبر والتقوى، فإن ذلك مما لا يعلمونه (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر أثر ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في كتاب الإيمان لأبي عبيد: (67-68) ، ومصنف عبد الرازق: (11/127) ، وورد في كتاب الإيمان لابن أبي شيبة أيضاً: (9، 46) ، وانظر ما نقله الشيخ ابن تيمية عن الشيخ الأنصاري في مجموع الفتاوى: (7/438-439) ، باختصار يسير وفي الإحياء: (1/127) ، وقيل للحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى –: أمؤمن أنت؟ فقال: إن شاء الله، فقيل له: لم تستثني يا أبا سعيد في الإيمان؟ فقال: أخاف أن أقول نعم، فيقول الله – سبحانه وتعالى –: كذبت يا حسن، فتحق عليّ الكلمة، وكان يقول: ما يؤمنني أن يكون الله – جل وعلا – قد اطلع عليّ في بعض ما يكره، فقال: اذهب فلا قبلت لك عملا، فأنا أعمل في غير معمل.

2- للشك في الخاتمة، فلا يدري الإنسان، أيختم له عند الموت بالإيمان، أم يسلب عنه في ذلك الأوان، وقد تقدم بيان شدة خوف سلفنا الكرام من سوء الختام، ولذلك ينبغي على الإنسان الاستثناء في الإيمان، وتعليل الاستثناء بخوف سوء الخاتمة مع صحته، وبه علل كثير من المتأخرين، فليس ذلك التعليل مراداً من قول ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – ومما شاكله من أقوال السلف الكرام، ومن فهم ذلك من كلامهم فهو غالط عليهم، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: إن الإمام أحمد وغيره من السلف – عليهم رحمة الله تعالى – لم يكن هذا مقصودهم – أي: تعليل الاستثناء بخوف سوء الخاتمة – وإنما مقصودهم أن الإيمان المطلق يتضمن فعل المأمورات، فقوله: أنا مؤمن، كقوله: أنا ولي الله – جل وعلا –، وأنا مؤمن تقي، وأنا من الأبرار، ونحو ذلك، وابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – لم يكن يخفى عليه أن الجنة لا تكون إلا لمن مات مؤمناً وأن الإنسان لا يعلم على ماذا يموت، فإن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – أجل قدراً من هذا، وإنما أراد: سلوه هل هو في الجنة إن مات على هذه الحال؟ كأنه قال: سلوه أيكون من أهل الجنة على هذه الحال؟ فلما قال: الله أعلم، قال: أفلا وكلت الأولى كما وكلت الثانية، يقول: هذا التوقف يدل على أنك لا تشهد لنفسك بفعل الواجبات، وترك المحرمات، فإنه من شهد لنفسه بذلك شهد لنفسه أنه من أهل الجنة إن مات على ذلك (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مجموع الفتاوى: (7/417-418) ، وورد تقرير ذلك أيضاً في: (7/432، 439، 669) .

والحاصل: أن تعليل الاستثناء في الإيمان بخوف سوء الخاتمة تعليل صحيح مقبول، وإن لم يكن ذلك التعليل هو المراد من قول أئمة السلف الفحول، قال الإمام البغوي – عليه رحمة ربنا القوي –: ويجوز أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، لا على معنى الشك في إيمانه واعتقاده مت حيث علمه بنفسه، فإنه فيه على يقين وبصيرة، بل على معنى الخوف من سوء العاقبة، وخفاء علم الله – تبارك وتعالى – فيه عليه، فإن أمر السعادة والشقاء يبتني على ما يعلم الله من عبده، ويختم عليه أمره لا على ما يعلمه العبد من نفسه (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر شرح السنة: (1/41) ، ونحوه في إيحاء علوم الدين: (1/129-130) ، والمنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج: (1/150) .

3- خشية تزكية النفس، والله – جل وعلا – قد نهى عن ذلك وحذر منه، فقال – جل وعلا –: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} النجم32، وقال – جل جلاله –: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً} النساء49-50، وقيل لحكيم: ما الصدق القبيح؟ قال: ثناء المرء على نفسه، وعقب الغزالي على هذا بقوله: والإيمان من أعلا صفحات المدح، والجزم به تزكية مطلقة، وصيغة الاستثناء كأنها نقل من عرف التزكية، كما يقال للإنسان: أنت طبيب، أو فقيه، أو مفسر؟، فيقول: نعم، إن شاء الله – تبارك وتعالى – لا في معرض التشكيك، ولكن لإخراج نفسه عن تزكية نفسه، فالصيغة صيغة الترديد، والتضعيف لنفس الخبر، ومعناه التضعيف للازم من لوازم الخبر وهو التزكية (¬1) ، ولذلك لما قيل لعلقمة – عليه رحمة الله تعالى – أمؤمن أنت؟ قال: أرجو (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر الإحياء: (1/127) ، ونحوه في مجموع الفتاوى: (7/668) ، وكتاب الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام: (69) ، واعلم أنه لا ينبغي للإنسان أن يخبر بمحاسن نفسه إلا لمصلحة شرعية، كما قال نبي الله يوسف – على نبينا وعليه الصلاة والسلام –: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} يوسف55، وانظر ذلك في الإحياء: (3/278) . (¬2) روى ذلك عنه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان: (9) ، وأبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان أيضاً: (68) ، ونقله عنه الغزالي في الإحياء: (1/127) .

4- طلباً للتأدب بذكر الله – جل وعلا – في كل حال، وإحالة الأمور كلها إلى مشيئة الله – تبارك وتعالى –، فبذلك أمر الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – فقال – جل وعلا –: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} الكهف23-24، ولم يقصر ربنا ذلك على ما يشك فيه، بل جعله أيضاً فيما لا يشك في حصوله، وهو واقع لا محالة، فقال – جل وعلا –: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} الفتح27، ولذلك كان نبينا – صلى الله عليه وسلم – يقول: إن شاء الله فيما يخبر عنه معلوماً كان أو مشكوكاً كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: أتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم المقبرة، فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" وفيه أيضاً عن بريدة – رضي الله تعالى عنه – قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية (¬1) ، ¬

_ (¬1) تقدم تخريج الحديثين الشريفين في هذا الكتاب المبارك ك ( ... /196) ..

ومن المعلوم أن اللحوق بهم غير مشكوك، ولكن مقتضى الأدب ذكر الله – جل وعلا – وربط الأمور به، وهذه الصيغة دالة عليه، حتى صار بعرف الاستعمال عبارة عن إظهار الرغبة والتمني، فإذا قيل لك: إن فلاناً سيموت سريعاً، فتقول: إن شاء الله، فيفهم منه رغبتك لا تشكك، وإذا قيل لك: فلان سيزول مرضه ويصح، فتقول: إن شاء الله، بمعنى الرغبة فقد صارت الكلمة معدولة عن معنى التشكيك إلى معنى الرغبة، وكذلك العدول إلى معنى التأدب بذكر الله – تبارك وتعالى – كيف كان الأمر (¬1) . ¬

_ (¬1) هذا تقرير الإمام الغزالي في الإحياء: (1/127-128) ، وبه قال سلفنا الكرام ففي كتاب الإيمان لأبي عبيد بن سلام عن الأوزاعي قال: من قال: أنا مؤمن فحسن، ومن قال: أنا مؤمن إن شاء الله فحسن" لقول الله – عز وجل –: "لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ" وقد علم أنهم داخلون، ونحوه في مجموع الفتاوى: (7/668-229، 682) .

وهذه الاعتبارات الأربعة للاستثناء في الإيمان هي عمدة من قال بموجب الاستثناء في الإيمان، لا سيما على الاعتبارين الأوليين ويليهما الثالث، لكن القول بالوجوب في كل حال وعلى كل اعتبار غير مسلم وقد علمت وجه اعتبار عدم الاستثناء في الإيمان عند أهل السنة الكرام، وعليه فالوجهان جائزان، وهذا هو العدل من الكلام، في هذه المسألة العظيمة الشأن، قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى –: والقول بالتخيير حسن صحيح نظراً إلى مأخذ القولين، ورفعاً لحقيقة الخلاف، وقال الإمام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى –: وأما الاستثناء في الإيمان فالناس فيه على ثلاثة أقوال، منهم من يوجبه، ومنهم من يحرمه، ومنهم من يجوز الأمرين باعتبارين، وهذا أصح الأقوال، وكرر ذلك الكلام أيضاً، فقال: ومنهم من يجوزه أو يستحبه، وهذا أعدل الأقوال، وإنما ذكر أن الاستثناء سنة بمعنى أنه جائز رداً على من نهى عنه، وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام – عليه رحمة الله تعالى –: كان الأوزاعي يرى الاستثناء وتركه واسعين (¬1) . * خوف سلفنا الصالحين من رب العالمين – جل وعلا –: ¬

_ (¬1) انظر شرح صحيح مسلم: (1/150) ، ومجموع الفتاوى: (7/429، 666، 681) والإيمان لأبي عبيد: (68) .

.. سأختم بحث الخوف من ربنا العظيم، بذكر نماذج من خوف سلفنا الطيبين، لنحذو حذوهم الكريم، ونحظى برحمة أرحم الراحمين، فعند ذكرهم تنزل الرحمات، ويرضى رب الأرض والسموات (¬1) . ¬

_ (¬1) ولذلك قال سفيان ابن عيينة – عليه رحمة الله تعالى –: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، كما في مسائل الإمام أحمد لأبي داود: (283) ، وصفة الصفوة: (1/45) ، والمصنوع من معرفة الحديث الموضوع: (125) ، والأسرار المرفوعة: (249-250) ، والمقاصد الحسنة: (292) ، وتمييز الطيب من الخبيث: (110) ، وأسنى المطالب: (140) ، وليس لهذا الأثر أصل في المرفوع، وفي علوم الحديث لابن الصلاح: (368) مع المحاسن: روينا عن أبي عمر وإسماعيل بن نجيد أنه سال أبا جعفر أحمد بن حمدان – وكانا عبدين صالحين – فقال له: بأي نية أكتب الحديث؟ فقال: ألستم تروون أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة؟ قال: نعم، قال: فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأس الصالحين 10هـ قال الشيخ القاري في الأسرار المرفوعة: (250) إن كان "تروون" بواوين فيدل في الجملة على أنه حديث، وله أصل، وإن كان "ترون" من الرواية مجهولاً أو معلوماً فلا دلالة فيه إذ معناه: تعتقدون أو تظنون 10هـ والذي يظهر لي – والله تعالى أعلم – أن لفظ "تروون" وإن كان بواوين، فلا دلالة فيه على أنه حديث، لأن معناه: تروون عن غيركم من العلماء موقوفاً عليهم من قولهم، وانظر أثر أبي عمرو بن الجنيد المتقدم في فتح المغيث: (2/313) ، وقد نسب الغزالي في الإحياء: (2/231) كلام ابن عيينة المتقدم حديثاً مرفوعاً، وتعقبه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء، فقال: ليس له أصل في المرفوع، وإنما هو من كلام سفيان بن عيينة، كذا رواه ابن الجوزي في مقدمة صفوة الصفوة. هذا وقد ورد عن سلفنا الطيبين الحث على ذكر الصالحين ففي أسد الغابة: (4/162) قال ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –: أكثروا ذكر عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – فإنكم إذا ذكرتموه ذكرتم العدل، وإذا ذكرتم العدل ذكرتم الله – تبارك وتعالى –.

* خوف صديق هذه الأمة أبي بكر – رضي الله تعالى عنه –: تقدمت الإشارة إلى شدة وجله، وكثرة بكاءه، حتى أبكى من حوله، عندما استسقى فأتي بماء وعسل وسأقتصر على ذكر خبرين موجزين من أخباره الكثيرة الشهيرة، الدالة على عظيم خوفه من ربنا ذي النعم الكثيرة، روى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن أبي عمران الجوني قال: قال أبو بكر الصديق – رضي الله تعالى عنه –: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن، وروى الحسن البصري قال: قال أبو بكر الصديق – رضي الله تعالى عنه –: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد (¬1) ، وإذا كان هذا حال صديق هذه الأمة في الخوف من ربه، فكيف ينبغي أن يكون حال غيره، ولكن هيهات أن يصل أحد إلى ذلك المطلوب، لأن الخوف ليس من كثرة الذنوب، إنما هو من صفاء القلوب، ومراقبة علام الغيوب. * هذه الأمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه –: ¬

_ (¬1) انظر كتاب الزهد ك (108، 112) ، ونقلهما ابن الجوزي في صفة الصفوة: (1/251) ، والأثر الثاني في مختصر منهاج القاصدين: (334) .

تقدمت الإشارة – أيضاً – إلى شدة خوفه، بحيث كان يسأل حذيفة بن اليمان وأمنا أم سلمة عن نفسه – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –،ويقول: هل سماني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من المنافقين؟ وقد بلغت به شدة الخوف مبلغاً عظيماً، حتى صار في وجهه المبارك خطان أسودان من كثرة البكاء خشية للرحمن، وسأقتصر أيضاً على خبرين من أخباره المتواترة، الدالة على شدة وجله مما يكون في الدار الآخرة، قال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – أخذ تينة من الأرض، فقال: ليتني كنت هذه التينة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني ليتني لم أك شيئاً، ليتني كنت نسياً منسيا (¬1) . وهذا القول كقول سابقه أبي بكر –رضي الله تعالى عنهما –، فلما ظهرت القلوب، تماثلت الأقوال في الدلالة على الخوف من علام الغيوب. وكان – رضي الله تعالى عنه – شديد المحاسبة لنفسه، ليحظى برضوان ربه، وكان يحث الرعية للاتصاف بتلك الرتبة العلية قال ثابت بن حجاج قال عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه –: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب إذا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر إحياء الأثر في صفة الصفوة: (1/285) ، وتاريخ عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه –: (187) وإحياء علوم الدين: (4/180) . (¬2) انظره في الزهد لابن المبارك: (103) ، والزهد للإمام أحمد: (120) وسنن الترمذي – كتاب صفة القيامة –: (7/166) ، ويروي..... فذكره، وقوت القلوب: (1/157) ، وحلية الأولياء: (1/52) والإحياء: (4/391) ، وصفة الصفوة: (1/286) ، وتاريخ عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه –: (201) ، وذم الهوى: (40) ، والمصباح المضيء: (1/353، 2/7) ، وأسد الغابة: (4/172) ، ومختصر القاصدين: (401) ، ومحاضرة الأبرار لمن هو من الأشرار: (1/136) .

* خوف الصحابة الأبرار من العزيز الغفار: من تأول حال الصحابة الكرام تحقق عنده بالبرهان، شدة خوفهم من ربنا الرحمن، فكانوا – رضي الله تعالى عنهم – يقلون الكلام، ويبتعدون عن الحرام، ويصلون بالليل والناس نيام، وأعينهم تفيض بالدمع لرب الأنام، ثم هم في النهار فرسان في نشر دين الإسلام، وباختصار يقول الواقف على أحوالهم الحسان: إنهم كانوا في حياتهم كأنهم ينظرون إلى ما في الآخرة رؤيا عيان، روى أبو نعيم في حلية الأولياء، وابن الجوزي في صفة الصفوة أن علياً – رضي الله تعالى عنه – صلى صلاة الفجر، فلما سلم انفتل عن يمينه، ثم مكث كأن عليه كآبة، حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح، قال وقلب يده: لقد رأيت أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فما أرى اليوم أحدا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً صفراً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزى، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله – جل وعلا – يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله – عز وجل – مادوا كما تميد الشجرة في يوم الريح ن وخملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين (¬1) . ... ولقد أخبر ابن عباس عن حال الصحابة الطيبين – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فقال: قلوبهم بالخوف فرحة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح والموت وراءنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنم طريقنا، وبين يدي الله – عز وجل – موقفنا (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر الأثر في حلية الأولياء: (1/76) ، وصفة الصفوة: (1/331-332) ،وإحياء علوم الدين: (4/180) ، ومختصر منهاج القاصدين: (334) . (¬2) ورد ذلك في إحياء علوم الدين: (4/181) .

.. وثبت في السنن بسند صحيح حسن عن العرباض بن سارية – رضي الله تعالى عنه – قال: صلى بنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم – صلاة الغداة – ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة" الحديث (¬1) . * خوف التابعين من رب العالمين: ¬

_ (¬1) انظر تكملة الحديث وتخريجه مفصلاً في صفحة: (.....) من هذا الكتاب المبارك.

سار المهتدون من التابعين، على هدي الصحابة الطاهرين، في الخوف من رب العالمين، وسيبقى ذلك ديدن الصالحين، إلى يوم الدين، جعلنا الله الكريم منهم بمنه ورحمته آمين آمين وإليك بعض نماذج من أحوالهم النفيسة، لتكون زاداً لك في هذه الدنيا الخسيسة، روى أبو نعيم في الحلية عن إمام التابعين الحسن البصري – عليه رحمة رب العالمين – أنه قال: يحق لمن يعلم أن الموت مورده، وأن الساعة موعده، وأن القيام بين يدي الله – تبارك وتعالى – مشهده، أن يطول حزنه في الدنيا، وكان يقول: إن المؤمن لا يصبح إلا خائفاً وإن كان محسناً لا يصلحه إلا ذلك، ولا يمسي إلا خائفاً، وإن كان محسناً، لأنه بين مخافتين، بين ذنب قد مضى لا يدري ماذا يصنع الله – تبارك وتعالى – فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيب فيه من المهالك، وقال أيضاً: إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله – جل وعلا –، وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر على غير محاسبة، إن المؤمن يفجأه الشيء بعجبه، فيقول: والله إني لأشتهيك، وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من وصلة إليك، هيهات قد حل بيني وبينك، ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول: ما أردت إلى هذا، مالي ولهذا والله مالي عذر بها، ووالله لهذا أبداً إن شاء الله تعالى، إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن، وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، ولا يأمن شيئاً حتى يلقى الله – عز وجل – يعلم أنه مأخوذ عليه في ذلك كله، وقال أيضاً: المؤمن من يعلم أن ما قال الله – عز وجل – كما قال، والمؤمن أحسن الناس عملاً، وأشد الناس خوفاً، لو أنفق جبلاً من مال ما أمن دون أن يعاين – أي: الجنة، ويدخلها – لا يزداد صلاحاً وبراً وعبادة إلا ازداد فرقاً يقول: لا أنجو وكان يقول: والله لا يؤمن عبد بهذا القرآن، إلا حزن، وذبل، وإلا نصب، وإلا ذاب وتعب، والله يا بن

آدم لئن قرأت القرآن، ثم آمنت به ليطولن في الدنيا حزنك، وليشتدن في الدنيا خوفك وليكثرن في الدنيا بكاؤك (¬1) . وقد كان رحمه الله تعالى – يلتزم بما يقول، وينتصح بما ينصح به غيره، ففي الحلية وصفة الصفوة عن إبراهيم بن عيسى اليشكري قال: ما رأيت أطول حزناً من الحسن، وما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة، وفي صفة الصفوة عن حكيم بن جعفر قال: قال لي مسمع: لو رأيت الحسن لقلت قد بث عليه حزن الخلائق من طول تلك الدمعة، وكثرة ذلك النشيج، وفيه عن محمد بن سعد قال يزيد بن حوشب: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز – رحمهم الله جميعاً – كأن النار لم تخلق إلا لهما، وعن خفص بن عمر قال: بكى الحسن، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غداً في النار ولا أبالي (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر تلك الأخبار في الحلية: (2/132، 133، 153، 157-158) ، والخبر الأول ذكره الحافظ في الفتح: (11/320) ، وانظر بعض تلك الأخبار في صفة الصفوة: (3/234-235) ، والزهد للإمام أحمد: (258-259) . (¬2) انظر حلية الأولياء: (2/133) ، وصفة الصفوة: (3/233) ، والزهد للإمام أحمد: (259، 266) ومن أجل وجود تلك الصفات المباركات فيه شهد له معاصروه بأنه على هدي الصحابة الأبرار ففي طبقات ابن سعد: (7/161-162) ، قال أبو قتادة العدوي: عليكم بهذا الشيخ – يعني الحسن البصري – فإني والله ما رأيت رجلاً قط أشبه رأياً بعمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – منه، وقال أبو إسحاق الهمداني: كان الحسن يشبه أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وروى في: (7/174) عن عروة بن الزبير قال: قال رجل لابن سيرين: رأيت كأن طائراً أخذ أحسن حصاة في المسجد، فقال ابن سيرين: إن صدقت رؤياك مات الحسن، فلم يلبث إلا قليلاً حتى مات عليه رحمة رب الأرض والسموات.

وفي إحياء علوم الدين: مر الحسن – عليه رحمة الله تعالى – بشاب وهو مستغرق في ضحكه، وهو جالس مع قوم في مجلس فقال له الحسن: يا فتى هل مررت بالصراط؟ قال: لا، قال: فهل تدري إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ قال: لا، قال: فما هذا الضحك؟ فما رؤي ذلك الفتى بعدها ضاحكاً، وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد كيف أصبحت؟ قال: بخير: كيف حالك؟ فقال الحسن: تسألني عن حالي، ما ظنك بناس ركبوا سفينة، حتى توسطوا البحر فانكسرت سفينتهم فتعلق كل إنسان منهم بخشبة، على أي حال يكونون؟ قال الرجل: على حال شديدة، قال الحسن: حالي أشد من حالهم، قال الغزالي: وروي أنه ما ضحك الحسن أربعين سنة، وكنت إذا رأيته قاعداً كأنه أسير قدم لتضرب عنقه، وإذا تكلم كأنه يعاين الآخرة فيخبر عن مشاهدتها فإن سكت كأن النار تسعر بين عينيه، وعوتب في شدة خوفه وحزنه، فقال: ما يؤمنني أن يكون الله – عز وجل – قد اطلع علي في بعض ما يكره، فمقتني فقال: اذهب فلا غفرت لك، فأنا أعمل في غير معتمل (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الإحياء: (4/181، 183-184) ، وانظر الخبر الأول في كتاب الزهد لابن المبارك: (105) وشبيه بالخبر الثاني في الزهد للإمام أحمد: (262) .

وإذا كان يزيد بن حوشب يقول: ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز وكأن النار لم تخلق إلا لهما، وقد علمت مما تقدم من النقول حال الحسن، فاسمع إلى حال عمر بن عبد العزيز كما تخبر من تخالطه في سره وتطلع على حقيقة أمره، ألا وهي زوجه فاطمة – رحمهم الله تعالى جميعاً – روى الأئمة الكرام ابن المبارك، وأحمد، وأبو نعيم عن المغيرة بن حكيم، قال: قالت لي فاطمة بنت عبد الملك: يا مغيرة قد يكون في الرجال من هو أكثر صلاة وصوماً من عمر بن عبد العزيز، ولكن لم أر رجلاً من الناس قط كان أشد فرقاً من ربه – عز وجل – من عمر بن عبد العزيز، كان إذا دخل بيته ألقى بنفسه في مسجده، فلا يزال يبكي ويدعو، حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع (¬1) . وروى أبي نعيم في الحلية عن عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك أن عمر بن عبد العزيز بكى فبكت زوجته فاطمة، فبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلت عنهم العبرة قالت فاطمة: يا أبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت؟ فقال: ذكرت – يا فاطمة – منصرف القوم من بين يدي الله – عز وجل – فريق في الجنة، وفريق في السعير، ثم صرخ وغشي عليه، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، وبكى حتى تجري دموعه على لحيته (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر الزهد لابن المبارك: (308) ، والزهد للإمام أحمد: (299) ، والحلية: (5/260) . (¬2) انظر الخبرين في حلية الأولياء: () 5/269، 316) ، والأول في البداية والنهاية: (9/264) ، وصفوة الصفوة: (2/121) ، ونحو الخبر الثاني في الزهد لابن المبارك: (309) .

وكان يوصي الناس بإصلاح السرائر والاستعداد لليوم الآخر فيقول: يا أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم، واعلموا أن رجلاً ليس بينه وبين آدم – علي نبينا وعليه الصلاة والسلام – أب حي لمغرق حتى الموت (¬1) . واعلم أخي الكريم أن غالبية سلفنا الطيبين كانوا على ذلك الخلق العظيم فالإمام عبد الأعلى التيمي – عليه رحمة الله تعالى – يقول: شيئان قطعا عني لذاذة الدنيا: ذكر الموت، والوقوف بين يدي الله – عز وجل – (¬2) . وقد بلغ بهم الخوف من الرحمن – جل وعلا – مبلغاً عظيماً قال الجنيد سمعت السري السقطي – عليهما رحمة الله تعالى – يقول: إني لأنظر إلى أنفي كل يوم مراراً مخافة أن يكون وجهي قد اسود، وقال إبراهيم بن أدهم كان عطاء السلمي – عليهما رحمة الله تعالى – يمس جلده بالليل خوفاً من ذنوبه، مخافة أن يكون قد مسخ (¬3) . ¬

_ (¬1) كما في الحلية: (5/265-266) ، وقد أخبرت زوجه فاطمة كما في الحلية: (5/315) أن جل مرضه كان بسبب خوفه من ربه – عز وجل – وفي كتاب الزهد للإمام أحمد: (291) بكى عمر بن عبد العزيز حتى بكى الدم. (¬2) كما في حلية الأولياء: (5/89) ، وتقدم في صفحة: (....) من هذا الكتاب المبارك نقل الكلام عنه في ملازمة البكاء للعلماء الأتقياء. (¬3) انظر الخبر الأول في الحلية: (10/116) ، وصفة الصفوة: (2/376) ، وإحياء علوم الدين: (4/181) ، ومختصر منهاج القاصدين: (335) ، والخبر الثاني في الحلية: (6/222) ، والإحياء: (4/182) .

قال العبد الخطاء مقيد هذه الأخبار عن أئمتنا الأتقياء: كيف لا يعظم خلف سلفنا النجباء من مالك جميع الأشياء، وقد دلت آيات القرآن الكريم، أنه لا تحصل النجاة من دار الجحيم، والفوز بدار النعيم، إلا بالخوف من رب العالمين، فاستمع للدلالة على ذلك من آي الذكر الحكيم حسبما نقل عن سلفنا الصالحين، روى أبو نعيم في الحلية عن إبراهيم التيمي – عليهما رحمة الله تعالى – أنه قال: ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار، لأن أهل الجنة قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} فاطر34، وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنة، لأنهم قالوا: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} الطور26 (¬1) اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلانية، واجعل سرنا خيراً من علانيتنا، واجعل علانيتنا صالحة، واختم لنا بما يرضيك عنا، واجعل خير أيامنا يوم لقاك، بفضلك ورحمتك يا من لا يخيب من رجاك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين. ثانيا: رجال المؤمنين، رحمة أرحم الراحمين: ... تقدم البرهان على أن الخوف والرجاء متلازمان، وتقدم أيضاً البيان على أن ما يقع في قلب الإنسان من الأمور المستقبلة في الأزمان، إن كانت من الخيرات الحسان، حصل للقلب تعلق بها، وطمع في وجودها، ورغبة في حصلوها، وارتياح بسبب حلولها، وذلك هو الرجاء. ... وبناء على ما تقدم يقال في تعريف الرجاء: إنه ارتياح القلب لانتظار محمود تمهدت أسبابه الدخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس في اختياره، وهو فضل الرب – جل وعز –. وفي تعريف الرجاء أمران مهمان، ينبغي أن يعرفهما بنو الإسلام وهما: ¬

_ (¬1) انظر حلية الأولياء: (4/215) والآية الأولى من سورة فاطر: (33) ، والآية الثانية من سورة الطور: (26) .

الأمر الأول: لا يطلق اسم الرجاء إلا على ما يقع التردد في حصوله، فلا يقال ذلك اللفظ فيما هو مقطوع في حصوله، كما هو الحال في الخوف تماماً، يقال: أرجو نزول المطر، وأخاف انقطاعه، وأرجو مغفرة ذنوبي يوم الحساب، وأخاف من المؤاخذة والعقاب، ولا يقال: أرجو نزول المطر وقت نزوله، وأخاف انقطاعه وقت انقطاعه، وأرجو قيام القيامة، وأخاف عدم قيامها. الأمر الثاني: إذا لم يبذل المكلف ما في وسعه من الأسباب، فهو في دعوى الرجاء كذاب، وذلك حماقة وغرور، وعجز وتمن من قبل أهل الشطط والثبور، وإليك تقرير هذا بالأمثلة الحسيات، ثم إقامة البرهان عليه بالأدلة البينات (¬1) . المثال الأول: ... من رجا حصول الولد بذل ما في وسعه من الأسباب الممكنة للحصول عليه بطريقة محكمة، فيسعى في تحصيل منكح له قابل للولادة، ولا يكفي حصوله عنده لوجود الولد، حتى يلقي البذر فيه عند أهل الرشد، وهذا ما في وسه كل أحد، ثم يرجو فضل ربه الصمد، في خلق الولد، ودفع الآفات عنه وعن أمه إلى أن يكتمل حمله، ويتسهل خروجه، فمن قام بذينك الأمرين: بذل ما في الوسع، وانتظار فضل الرب – جل وعلا – فهو كيس عاقل. ... ومن رجا الولد ولم ينكح ما هو قابل للولادة، أو نكح ولم يلق في منكوحه البذر فهو أحمق مغرور باتفاق أهل العقول، ولا يعتبر ذلك من الرجاء عند الأذكياء الأزكياء، بل هو عته وسفاهة باتفاق العقلاء. وهكذا الحال في رجاء رحمة رب الأرض والسماء، سواء بسواء، فمن رجاها، ولم يعمل بمقتضاها، فهيهات هيهات أن يلقاها. المثال الثاني: ¬

_ (¬1) انظر إيضاح هذا في إحياء علوم الدين: (4/139) ، ومدارج السالكين: (2/35) ، ومختصر منهاج القاصدين: (316-318) ، وموعظة المؤمنين: (342) ، واتحاد السادة المتقين: (9/165-166) ، والتعريفات: (97) – باب الراء –.

.. إذا رجا المزارع محصولاً طيباً، طلب أرضاً طيبة، وألقى فيها بذراً جيداً غير عفن ولا مسوس، ثم أمده بما يحتاج إليه، وهو: سوق الماء إليه في أوقاته، ثم نقى الأرض من الشوك والحشيش وكل ما يمنع نبات البذر أو يفسده، وهذا الأمر في وسعه، فإذا انتظر بعد ذلك فضل ربه – جل وعز – في دفع الصواعق، والآفات المفسدة إلى أن يتم الزرع ويبغ غايته فهو راج حقيقة، وانتظاره رجاء حقاً. وأما إذا بث المزارع في أرض صلبة سبخة مرتفعة لا ينصب إليها الماء، ولم يشتغل بتعهد البذر أصلاً، أو كان البذر عفناً مسوساً، ثم انتظر محصولاً جيداً فهو مغرور بلا ارتياب، فكيف يكون حكمه إذا لم يلق في الأرض بذراً أصلاً عند أولي الألباب، لا شك أنه في رجاءه أحمق كذاب، وذلك الرجاء سفاهة وتباب.

فاعتبروا بذلك يا أهل العقول، وقيسوا رجاء العبد رحمة العزيز الغفور، برجاء المزارع بلوغ المأمول، وجودة المحصول، فالدنيا مزرعة الآخرة عند الأكياس العدول (¬1) ¬

_ (¬1) جملة: "جملة مزرعة الآخرة" أوردها الغزالي في الإحياء: (4/19) على أنها حديث نبوي وقال العراقي في تخريجه: لم أجده بهذا اللفظ مرفوعاً، وروى العقيلي في الضعفاء، وأبو بكر ابن لال في مكارم الأخلاق من حديث طارق بن أشيم: "نعمت الدنيا لمن تزود منها لآخرته" وإسناده ضعيف 10هـ، ونص السبكي في طبقات الشافعية: (6/356) على أن ما أورده الغزالي لم يجد له إسناداً، وذكره الصفاني في الموضوعات: (55) ، وقال عنه السخاوي في المقاصد الحسنة: (217) لم أقف عليه مع إيراد الغزالي له في الإحياء، وتبعه على ذلك تلميذه ابن الديبع في تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث: (80) ، والفتني في تذكرة الموضوعات: (174) ، والعجلوني في كشف الخفاء (1/412) ، والحوت في أسنى المطالب: (151) وعلى القاري في المصنوع في معرفة الحديث الموضوع: (101) ، والأسرار المرفوعة: (199) ، وفيه: ومعناه صحيح يقتبس من قوله – جل وعلا –: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} الشورى20، وانظره في الفوائد الموضوعة: (104) . هذا وقد أخرج الحاكم في المستدرك – كتاب الرقاق –: (4/312-131) عن طارق – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها لآخرته حتى يرضي ربه – عز وجل –، وبئست الدار لمن صدته عن آخرته، وقصرت به عن رضاء ربه، وإذا قال العبد: قبح الله الدنيا، قالت: قبح الله أعصانا لربه" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: بل منكر، وعبد الجبار بن وهب لا يعرف، روى عنه يحيى بن أيوب العابد 10هـ وقال في الميزان: (2/535) ، ونقله عنه ابن حجر في اللسان وأقره: (3/390) : عبد الجبار بن وهب لا يدري من هو، قال العقيلي: حديث غير محفوظ، ثم ذكر له الحديث المتقدم، وقال الذهبي: قال العقيلي: هذا يروى من قول علي – رضي الله تعالى عنه –.

فالقلب كالأرض، والإيمان كالبذر فيه، والطاعات جارية مجرى تقليب الأرض وتطهيرها، ومجرى حفر الأنهار وسياقة الماء إليها، والقلب المستهتر بالدنيا المستغرق بها كالأرض السبخة التي لا ينمو فيها البذر، ويوم القيامة يوم الحصاد، ولا يحصد أحد إلا ما زرع، ولا ينمو زرع إلا من بذر الإيمان، وقلما ينفع إيمان مع خبث القلب وسوء أخلاقه، كما لا ينمو بذر في أرض سبخة. والعبد إذا بث بذر الإيمان، وسقاه بماء الطاعات، وطهر القلب عن شوك الأخلاق الرديئة وانتظر من فضل الله – عز وجل – تثبيته على ذلك إلى الموت، وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة كان انتظاره رجاء حقيقياً في نفسه، باعثاً له على المواظبة، والقيام بمقتضى أسباب الإيمان في إتمام أسباب المغفرة إلى الموت. وإن قطع العبد عن بذر الإيمان تعهده بماء الطاعات، أو ترك القلب مشحوناً برذائل الأخلاق، وانهمك في طلب اللذات، ثم انتظر المغفرة فانتظاره حمق وغرور، وهو من أهل الزيغ والثبور. المثال الثالث: لو استأجر كريم أجيراً، ليقوم بإصلاح بيته وتحسينه، وشرط له أجره معلومة وكان الشارط المستأجر يفي بوعده، بل يزيد عليه بمقتضى كرمه وفضله، فالأجير يتوقع الأجرة على التمام، بل والزيادة عليها بمقتضى الفضل والإحسان، إن قام بالعمل خير قيام وتوقعه رجاء حقاً عند الأنام. أما إذا هدم الأجير البيت ونقضه، وأتلفه وأفسده، ثم جلس ينتظر الأجرة، ويتوقع عليها الزيادة، اعتماداً على كرم المستأجر وإحسانه فانتظاره غرور، وتوقعه دجل وزور عند جميع أهل العقول. والله رب العالمين، خلق المكلفين، للقيام بشرعه المبين، ووعدهم على ذلك جنات النعيم، فمن قام بما خلق من أجله، ثم رجا الله الكريم من فضله، فهو راج عند الفضلاء، وحاشا أن يخيب رجاؤه عند رب الأرض والسماء.

ومن عطل جوارحه عن الطاعات، وشغلها بالمخالفات، ثم رجا دخول الجنات، فهو من أهل السفاهات والحماقات عند أهل النهى الزاكيات، وهيهات أن يحصل ما رجاه عند رب الأرض والسموات. ما بالُ دينك ترضى أن تُدنسَهُ ... وثوبك الدهرَ مغسولٌ من الدّنس ِ ترجو النجاة ولم تسْلكْ مسَالِكها ... إنّ السفينة لا تجري على اليَبَس ِ والله – جل وعلا – قرر هذا في كتابه فقال في سورة آل عمران: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} آل عمران185، فماذا سيوفى من لم يقم بالعمل، ولم يقع منه إلا الفساد والزلل؟ إنه سيعاقب لما جرى منه من الخلل، فإذا طمع صاحب هذه الحالة في المثوبة عند الله – عز وجل – فهو بلا شك من أهل الزيغ والخطل، قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى –: الفرق بين الرجاء والتمني: أن التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد، والرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل، ولهذا أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل (¬1) . وإليك بعد تلك الأمثلة الواضحات، الأدلة البينات، من كلام رب الأرض والسموات، وحديث خير البريات – عليه أزكى السلام وأفضل الصلوات –، وأقاويل سلفنا أهل العقول الزاكيات. آيات القرآن الكريم: ¬

_ (¬1) انظر مدارج السالكين: (2/35) وانظر الأمثلة الثلاثة والكلام عليها في الإحياء: (4/139-140، 3/374) ، ومختصر منهاج القاصدين: (317) ، وموعظة المؤمنين: (342، 303) .

دل كلام ربنا الرحمن، على أن رجاء نيل الرضوان ودخول الجنات الحسان منوط بعمل الإحسان، والالتزام بشرع الإسلام، قال ذو الجلال والإكرام: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} البقرة218، قال الغزالي – عليه رحمة الملك الباري –: معناه: أولئك الذين يستحقون أن يرجوا رحمة الله – تبارك وتعالى – وما أراد به تخصيص وجود الرجاء، لأن غيرهم أيضاً قد يرجو، ولكن خصص بهم استحقاق الرجاء (¬1) . وقال – جل وعز –: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} طه82، فعلق ذو الجلال والإكرام، المغفرة على أربعة شروط حسان: التوبة من جميع الذنوب والآثام، ورسوخ الإيمان في الجنان، وقيام الجوارح بشعائر الإسلام، والاستمرار على ذلك حتى لقاء الرحمن، قال الغزالي – عليه رحمة الله –: وعد المغفرة في جميع كتاب الله – عز وجل – منوط بالإيمان والعمل الصالح جميعاً، لا بالإيمان وحده (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر إحياء علوم الدين: (4/140) وأقره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين: (9/167) وقال القرطبي في تفسيره: (3/50) ، وإنما قال: "يرجون" وقد مدحهم لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة، ولو بلغ في طاعة الله – جل وعلا – كل مبلغ لأمرين، أحدهما: لا يدري بم يختم له، والثاني لئلا يتكل على عمله، ونحوه في السراج المنير: (1/141) ، وروح المعاني: (2/111) . (¬2) انظر الإحياء: (3/371) ، ونحوه: (4/167) ، وانظر تفسير الآية الكريمة كما قررت في الجامع لأحكام القرآن: (11/231) ، وتفسير ابن كثير: (3/161) ، وروح المعاني: (16/240) .

وقال – جل وعلا –: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} فاطر29-30، قال أبو السعود – عليه رحمة الرب المعبود –: والإخبار برجائهم من أكرم الأكرمين عدة قطعية بحصول مرجوهم 10هـ، وقال الإمام ابن كثير – عليه رحمة ربنا الكبير – يخبر – تبارك وتعالى – عن عباده المؤمنين الذين يتلون كتابه، ويؤمنون به، ويعملون بما فيه من إقامة الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله – تبارك وتعالى – في الأوقات المشروعة ليلاً ونهاراً، " سِرّاً وَعَلَانِيَةً "، " يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ " أي: يرجون ثواباً عند الله – عز وجل – لابد من حصوله (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إرشاد العقل السليم: (7/152) ، وتفسير القرآن الكريم: (3/554) ، ونقل الإمام الألوسي كلام أبي السعود، وقال: وفي إخباره – تبارك وتعالى – عنهم بذلك – أي: بقوله: " يَرْجُونَ " إشارة إلى أنهم لا يقطعون بنفاق تجارتهم، بل يأتون ما أتوا من الطاعة وقلوبهم وجلة أن لا يقبل منهم.

وقال – جل ثناؤه –: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف55-56، وتقدم في هذا الكتاب المبارك ما دار بين الإمام أبي حازم وخليفة المسلمين سليمان بن عبد الملك – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – وفيه قول سليمان: ليت شعري ما لنا عند الله؟ – جل وعلا – فقال له أبو حازم: اعرض عملك على كتاب الله – عز وجل – قال: وأي مكان أجده؟ قال: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} الانفطار13-14، قال سليمان: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟ فقال أبو حازم: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف56 (¬1) . وقد أخبر ربنا الكبير أن من رجا ثوابه الجزيل، فعليه العمل بما في التنزيل، مريداً بذلك وجهه الجليل، فقال – جل جلاله – في آخر سورة الكهف: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} الكهف110، قال الإمام ابن كثير – عليه رحمة الله تعالى –: " فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ " أي: ثوابه، وجزاء عمله الصالح، " فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً " أي: ما كان موافقاً لشرع الله – عز وجل –، " وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً " وهو الذي يراد به وجه الله وحده، لا شريك له: وهذان ركنا العمل المتقبل، لابد أن يكون خالصاً لله – جل وعلا – صواباً على شريعة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر صفحة: (.....-......) من هذا الكتاب المبارك لترى من خرج تلك المحاورة المباركة. (¬2) انظر تفسير ابن كثير: (3/108) ، وتقدم الكلام على ركني قبول الأعمال في:

وقد استنكر ربنا الوهاب، على من رجا حصول الثواب، دون القيام بالأسباب، والالتزام بما شرعه الله من الهدى والصواب، فقال – جل وعز –: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} الأعراف168-170، وخلاصة معنى الآيات الكريمات كما ورد في تفاسير أئمتنا الثقات: أن رب الأرض والسموات فرق بني إسرائيل في الأرض طوائف متعددة، مختلفات، فيهم الصالح والطالح، واختبرهم – جل وعلا – بالرجاء والشدة، والرغبة والرهبة، والعافية والبلاء، لعلهم يستقيمون على شريعة رب الأرض والسماء، ويقلعون عن الزيغ والالتواء، فخلف بعد ذلك الجيل ما هو شر من الحمير ليس فيهم من الخير قليل ولا كثير، ورثوا دراسة التوراة، واستعاضوا عنها بزينة الحياة، ويقولون كذاباً وغروراً: سيغفر لنا وننال أجراً كبيراً، وذلك الفعل ديدنهم، فكلما لاح لهم شيء من الدنيا استخلفهم وجذبهم، وقد أخذ عليهم ربنا الميثاق، بأن لا يقولوا إلا الحق، ولا يكونوا من أهل الشقاق، وفي ذلك إشارة إلى فساد مسلكهم في أخذهم الحطام، وكذبهم فيما صدر عنهم من الكلام، بأنه سيغفر لهم عند ربنا الرحمن، ثم ختم ربنا الكريم الكلام على مسلكهم الأثير، بما يفيد كونهم من المجانين، حيث آثروا الدنيا على ما عند الله العظيم من

النعيم المقيم، ثم بعد وصف أولئك الملاعين، بين الله وصف عباده الصالحين، فأخبر عن تمسكهم بشرعه القويم، وقيامهم بشرائع الدين، فلهم الأجر الوافر عند رب العالمين. وقد أخبر معاذ بن جبل – رضي الله تعالى عنه – عن صدور ما يقارب وصف الحمقى المغرورين من بني إسرائيل في هذه الأمة ففي سنن الدارمي عنه – رضي الله تعالى عنه – قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت، يقرؤونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع، لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا: سنبلغ، وإن أساؤوا قالوا: سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئاً (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر سنن الدارمي – كتاب فضائل القرآن – باب في تعاهد القرآن –: (2/439) ، وانظر معنى الآية المتقدمة في تفسير ابن كثير: (2/260) ، وروح المعاني: (9/95-98) ، والتسهيل لعلوم التنزيل: (2/52) ، وتفسير القرطبي: (7/310-313) ، وفيه الاستشهاد بأثر الدارمي عن معاذ – رضي الله تعالى عنه – في مشابهة المفترين أصحاب الأماني من هذه الأمة لمن ماثلهم في بني إسرائيل، وعبارته: وهذا الوصف الذي ذم الله – تبارك وتعالى – به هؤلاء موجود فينا، ثم سرد الأثر المتقدم، وقال بعد تفسير قول الله – تبارك وتعالى –: "أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ" قلت: وهذا الذي لزم هؤلاء وأخذ عليهم به الميثاق في قول الحق، لازم لنا على لسان نبينا – صلى الله عليه وسلم – وكتاب ربنا – عز وجل – ولا خلاف فيه في جميع الشرائع، والحمد لله.

وشبيه بتلك الآيات في الدلالة قول الله – جل وعلا –: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} مريم77-80، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن خباب بن الأرت – رضي الله تعالى عنه – قال: كنت قيناً – أي: حداداً – في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل سيفاً، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد – صلى الله عليه وسلم – قلت: لا أكفر بمحمد – صلى الله عليه وسلم – حتى يميتك الله ثم يحييك، قال: وإني لمبعوث من بعد الموت؟ قلت: بلى، قال: فذرني حتى أموت ثم أبعث، فسوف أوتي مالاً وولداً فأقضيك، فأنزل الله – عز وجل –: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً} مريم77-80 (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب البيوع – باب ذكر القين والحداد: (4/317) ، وكتاب الإجازة – باب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب؟: (4/452) ، وكتاب الخصومات – باب التقاضي: (5/77) ، وكتاب التفسير – سورة مريم – باب: " أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً ": (8/429) ، وباب: " أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً ": (8/430) ، وباب: " كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً ": (8/431) ، وباب: " وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً ": (8/431) ، بشرح ابن حجر في الجميع، وصحيح مسلم – كتاب صفات المنافقين وأحكامهم – باب سؤال اليهود النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الروح: (4/2153) ، وسنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة مريم: (8/308-309) ، والمسند: (5/110، 111) ، وطبقات ابن سعد: (3/164) ، وتفسير ابن جرير: (16/91-92) ، ومسند الطيالسي – منحة المعبود – كتاب التفسير – سورة مريم: (2/21) ، وأسباب النزول للواحدي: (204) ، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (4/283) إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والبيهقي في الدلائل، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه، والطبراني أيضاً.

ومثل آية سورة مريم تماماً قول الله – جل جلاله –: {لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} فصلت49-50، وذلك التمني تخرص وغرور، وهو من وساوس اللعين الغرور، وهو قياس فاسد خسيس، ومن جنس إمامهم إبليس، وما ضل من ضل إلا بذلك المسلك التعيس، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر سنن الدارمي – المقدمة – باب تغير الزمان، وما يحدث فيه: (1/65) ، وجامع بيان العلم وفضله – ذكر من ذم القياس على غير أصل: (2/76) عن الحسن وابن سيرين – عليهم جميعاً رحمة الله –: أول من قاس إبليس، زاد ابن سيرين: وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس، وهذا في القياس على غير أصل، والقول في دين الله بالظن كما قال ذلك سائر الفقهاء فيما نقله عنهم ابن عبد البر وقد أطال الإمام الغزالي في الإحياء (4/372-373) ، في بيان فساد ذلك القياس وأتى بما يسر به الأكياس، وخلاصته: إن المشركين استدلوا بما لا يدل على الإكرام، بل يدل على هوائهم عند الرحمن، فانظر ذلك لزاماً يا أخا الإسلام.

تلك دلالات القرآن، وفيها الحجة والبرهان، على أن رجاء رحمة الرحيم الرحمن، منوط بالعمل بشرائع الإسلام، والثبات على هدي خير الأنام، نبينا محمد – عليه الصلاة والسلام – ومن فرط في ذلك من إنس وجان، ورجا من ربه الإحسان، والتنعم بدخول الجنان، فهو من ذوي السفاهة والخسران، ومن أهل الحماقة والخذلان، ورجاؤه أضغاث أحلام، بل هو من تسويلات الشيطان، بلا خوف عند أهل الإيمان، رزقنا الله الأدب معه في جميع الأحيان، ومن علينا بحسن الختام، والتلذذ بالنظر إلى وجهه الكريم في غرف الجنان. دلالات الحديث النبوي على ذلك التقرير السوي: ... سأقتصر على حديث واحد فقط في بيان ذلك الإيضاح القوي الصحيح، وهو في بابه نص صريح لما فيه من قوة البيان ووضوح التصريح، ورد في المسند والمستدرك، وسنن الترمذي، وابن ماجه وغيرهم من كتب الحديث الشريفة عن شداد بن أوس – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله – عز وجل – (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر المسند: (4/124) ، والمستدرك – كتاب الإيمان: (1/57) ، وكتاب التوبة والإنابة: (4/251) ، وسنن الترمذي – كتاب صفة القيامة – باب: "26": (7/165-166) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب ذكر الموت والاستعداد له: (2/1423) ،ومسند الطيالسي – منحة المعبود – كتاب الترغيب في الأعمال الصالحة – باب الترغيب في خصال من أعمال البر مجتمعة، والترهيب من ضدها: (2/32) ، وتاريخ بغداد: (12/50) ، وحلية الأولياء: (1/267، 8/174) ، وعزاه السيوطي في جمع الجوامع: (1/438) إلى العسكري في الأمثال، وابن أبي الدنيا في محاسبة النفس، وإلى البيهقي في السنن الكبرى، وللطبراني في المعجم الكبير. والحديث قال عنه الحاكم في المكان الأول: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله قلت: لا والله، وأبو بكر بن أبي مريم الغساني واه، وقال الحاكم في المكان الثاني: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي مع كونه من طريق أبي بكر بن أبي مريم، ومدار الحديث عليه في جميع الروايات، وقد رمز السيوطي لصحته في الجامع الصغير، فتعقبه المناوي في شرح الجامع الصغير المسمى بفيض القدير: (5/68 بكلام الذهبي المتقدم، وقول ابن طاهر: مدار الحديث على أبي بكر بن أبي مريم وهو ضعيف جداً 10هـ وقد حسنه الترمذي، ونقل التحسين عنه النووي في رياض الصالحين: (46، ولم يعترض عليه، وكذلك ابن علان في دليل الفالحين: (2/305) ، وقال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (..../13) في سنده أبو بكر بن أبي مريم الغساني وهو ضعيف ومدار الحديث عليه، ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث حسن 10هـ واقتصر العراقي في تخريج أحاديث الإحياء على عزو الحديث إلى الترمذي وابن ماجه، وذكر خلاصة ما تقدم دون ميل إلى شيء منها السخاوي في المقاصد الحسنة: (329-330) ،وابن الديبع في تمييز الطيب من الخبيث: (127-128) ، والعجلوني في كشف الخفاء: (1/136) ، والبنا في بلوغ الأماني: (19/22) ، واستدل به على أنه حديث ثابت ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (14/460-461) ، والمعلمي في التنكيل: (196) ، وضعفه الألباني في تعليقه على التنكيل، ومشكاة المصابيح: (3/1454) ، والذي يظهر للعبد الضعيف راقم هذه الحروف أن أبا بكر بن أبي مريم الغساني مع أنه ضعيف فالحديث حسن لما له من الشواهد الكثيرة، وما في أبي بكر بن أبي مريم من ضعف فسببه ضعف حفظه وهو مع ذلك متماسك ومن أوعية العلم، وهو من العباد البكائين، وما فيه من ضعف يزول إذا شهد لروايته ما ثبت عن الأئمة الفحول، انظر ترجمته والحكم عليه في تقريب التهذيب: (2/398) ، وتهذيب التهذيب: (12/28-30) ، وميزان الاعتدال: (4/497-498) .

.. والحديث الشريف – كما ترى – كلمة الفصل في هذا المقام، حيث وقع التصريح فيه بأن الناس صنفان، عاقل يقوم على حساب نفسه، ويبذل جهده فيما ينفعه بعد موته، فهو حقيق برجاء رحمة ربه، والصنف الثاني أحمق أخرق يرخي لنفسه العنان، لتتخبط في وساوس الشيطان، ثم يتمنى على الملك الرحمن، ما يزينه له الشيطان – نعوذ بالله من الخذلان –. بعض الآثار عن سلفنا الأبرار في بيان حقيقة رجاء الأخيار، وحماقة الأشرار: ... الآثار عنهم في ذلك كثيرة، إليك ثلاثة منها شهيرة، فيها دلالة لتلك المسألة الجليلة الكبيرة، قال الإمام معروف الكرخي – رضي الله تعالى عنه –: طلب الجنة بل عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق، وقال: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه خذلان وحمق (¬1) . ¬

_ (¬1) كما في حلية الأولياء: (8/367) ، وطبقات الصوفية للسلمي: (89) ، ومختصر القاصدين: (318) ، وشرح الحكم لابن عباد: (1/66) ، ومعرفو الكرخي من أئمة الهدى وكانت وفاته في نهاية القرن الثاني – رحمه الله تعالى – رئي بعد موته على حالة حسنة وهو ينشد: موتُ التقيّ حياةٌ لا نفاد لها ... قد مات قوم وهم في الناس أحياء وهو من أسرة نصرانية فأسلم وأسلمت أسرته تبعاً له، وكان يقول: نعوذ بالله من طول الأمل، فإنه يمنع خير العمل، وكلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله – عز وجل – وقال: إنما الدنيا قدر تغلي وكييف يرمى، وسأل عبد الله أباه الإمام أحمد – عليهما رحمة الله تعالى – هل كان مع معروف الكرخي شيء من العلم؟ فقال له: يا بني كان معه رأس العلم خشية الله – عز وجل –، انظر هذا وغيره من ترجمته المباركة في الحلية: (8/260-268) ، وصفة الصفوة (2/318-324) ،وفيه: إنما اقتصرنا ههنا على اليسير من أخباره لأنا قد جمعنا أخباره ومناقبه في كتاب أفردناه لها، والمختصر في أخبار البشر: (2/33) ، وشذرات الذهب: (1/360) ، وطبقات الصوفية للسملي: (82-90) ، والرسالة القشيرية: (1/74-78) ، والطبقات الكبرى للشعراني: (1/84) ، وتاريخ بغداد: (13/199-209) .

.. وقال العابد الجأر يحيى بن معاذ – عليه رحمة العزيز الغفار –: من أعظم الاغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله – عز وجل بغير طاعة، وانتظار الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله – عز وجل – مع الإفراط في الأمل، وقال أيضاً: الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل وعلامة التائب، إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس، عند كل همة، وكان يقول – عليه رحمة الله تعالى –: عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم طمع في الكواعب الأتراب؟ هيهات، هيهات، أنت سكران بغير شراب، ما أكملك لو بادرت أملك، ما أجلك لو بادرت أجلك، ما أقوالك لو خالفت هواك، وقال أيضاً: الكيس من فيه ثلاث خصال: من بادر بعمله، وتسوف بأمله، واستعد لأجله، والمغبون يوم القيامة من فيه ثلاث خصال: من قرض أيامه بالباطلات، وبسط جوارحه على الحسرات، ومات قبل إفاقته من السكرات، ومن أقواله لا يزال العبد مقروناً بالتواني ما دام على الأماني (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر القول الأول في الإحياء: (4/140) ، وشرحه: (9/167) ، وانظر القول الثاني والثالث في صفة الصفوة: (4/90-91) ، والقول الرابع في الحلية: (10/58) ، والخامس في طبقات الصوفية للسلمي: (111) ، وانظر ترجمته العطرة في الكتب الثلاثة الأخيرة، وفي الرسالة القشيرية: (1/113-114) ، والمنتظم: (5/16-17) ، وشذرات الذهب: (2/838) ، وتاريخ بغداد: (14/208-212) ، والطبقات الكبرى للشعراني: (1/94) ، وحالة أهل الحقيقة مع الله – عز وجل –: (84) ، وكانت وفاته سنة ثمان وخمسين ومائتين – رحمه الله تعالى – ومن أقواله السديدة: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرجه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه، ومنها: يا ابن آدم لا يزال دينك متمزقاً ما دام القلب بحب الدنيا متعلقاً، ومنها: الدنيا لا قدر لها عند ربنا وهي له، فما ينبغي أن يكون قدرها عندك وليست لك؟ ومنها: إن الدرهم عقرب، فإن لم تحسن رقيته فلا تأخذه بيدك، فإنه إن لدغك قتلك، ومنها: من خان الله في السر هتك ستره في العلانية، ومن طريف ما روي عنه أنه رأى رجلاً يقلع جبلاً في يوم حار، وهو يغني، فقال: مسكين ابن آدم قلع الأحجار أهون عليه من ترك الأوزار.

وفي حلية الأولياء: عن معاوية بن قرة قال: دخلت على مسلم بن يسار – رحمهم الله جميعاً – فقلت: ما عندي كبير عمل إلا أني أرجو الله – عز وجل – وأخاف منه – فقال مسلم بن يسار: ما شاء الله، من خاف من شيء حذر منه، ومن رجا شيئاً طلبه، وكان مسلم بن يسار يقول: من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه، وما أدري ما حسب رجاء امرئ عرض له بلاء لم يصير عليه لما يرجو وما أدري ما حسب خوف امرئ عرض له شهوة لم يدعها لما يخشى، وفي الحلية والإحياء: كان مسلم بن يسار يطيل السجود لله الواحد القهار، فوقع الدم في ثنيتيه فسقطتا فدفنهما، فقال له رجل: إنا لنرجو الله – عز وجل – فقال مسلم: هيهات، هيهات من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف شيئاً هرب منه (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر حلية الأولياء: (2/291-292) ، والإحياء: (3/374) ، ومسلم بن يسار توفي في نهاية القرن الأول – عليه رحمة الله تعالى – قال ابن كثير في البداية والنهاية: (9/186) ، كان لا يفضل عليه أحد في زمانه، وكان عابداً ورعاً زاهداً كثير الصلاة والخشوع وكان يقول كما في الحلية: (2/294) : ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله – عز وجل – وقد بلغ تلذذه بمناجاة ربه – جل وعلا – كما في الكتابين السابقين وصفة والصفوة: (3/239-240) ، وطبقات ابن سعد: (7/186) أنه كان قائماً يصلي فوقع إلى جنبه حريق فما شعر به حتى طفئت النار، وانهدمت ناحية من المسجد، ففزع أهل السوق لهدتها، وإنه لفي المسجد في صلاته فما التفت، وهو من رجال أبي داود والنسائي، وابن ماجه كما في التقريب: (2/247) ، وفيه: إنه فقيه ثقة، عابد، وانظر ترجمته الطيبة في تهذيب التهذيب: (10/140-141) ، ومشاهير علماء الأمصار: (88) وشذرات الذهب: (1/119) . ومعاوية بن قرة القائل لمسلم بن يسار ما قال من أئمة التابعين الكبار توفي سنة ثلاثة عشرة ومائة – عليه رحمة الله تعالى – وهو من رجال الكتب الستة ثقة عالم كما في التقريب: (2/261) وفي الحلية: (2/299) ، وصفة الصفوة: (3/257) عنه قال: كما عند الحسن البصري – رحمهم الله تعالى جميعاً – فتذاكرنا أي العمل أفضل، فكلهم اتفقوا على قيام الليل، فقلت أنا: ترك المحارم فانتبه لها الحسن، فقال: تم الأمر ثم الأمر – بالتاء المثناة، والثاء المثلثة –، وكان يقول: من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنهار، انظر ترجمته الكريمة في تهذيب التهذيب: (10/216-217) ، وطبقات ابن سعد: (7/221) ، ومشاهير علماء الأمصار: (92) ، وشذرات الذهب: (1/147) .

فتأمل أخي المسلم تلك النقول عن سلفنا الأتقياء لتقف على حقيقة الرجاء، فقد بدل معنى ذلك اللفظ عند السفهاء، ولم يفهموا منه إلا الجراء والجسارة على رب الأرض والسماء، قال الإمام الغزالي في الإحياء: ما لا يبعث على العمل فهو تمن وغرور، ورجاء كافة الخلق هو سبب فتورهم وسبب إقبالهم على الدنيا، وسبب إعراضهم عن الله – تبارك وتعالى – وإهمالهم السعي للآخرة، فذلك غرور، وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الغرور سيغلب على قلوب آخر هذه الأمة وقد كان ما وعد به – صلى الله عليه وسلم – فلقد كان الناس في الأعصار الأول يواظبون على العبادات، ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، يخافون على أنفسهم وهم طول الليل والنهار في طاعة ربهم، يبالغون في التقوى والحذر من الشبهات، والشهوات ويبكون على أنفسهم في الخلوات، وأما الآن فترى الخلق آمنين مسرورين مطمئنين غير خائفين مع إكبابهم على المعاصي، وانهماكهم في الدنيا، وإعراضهم عن الله – عز وجل – زاعمين أنهم واثقون بكرم الله – تبارك وتعالى – وفضله راجون لعفوه ومغفرته، كأنهم يزعمون أنهم عرفوا من فضله وكرمه ما لم يعرفه الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – والصحابة والسلف الصالحون – رضي الله تعالى عنهم – فإن كان هذا الأمر يدرك بالتمني، وينال بالهوينى فعلام إذن بكاء أولئك وخوفهم وحزنهم؟ (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الإحياء علوم الدين: (3/375) ، ونحوه في مختصر منهاج القاصدين: (247-248) .

والحديث الذي أشار إليه الغزالي من غلبة الغرور على آخر هذه الأمة رواه أهل السنن والحاكم في المستدرك، وابن حبان في صحيحه عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} المائدة105، قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراُ، سألت عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: "بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فإن من روائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم" قيل: يا رسول الله – أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: "لا، بل أجر خمسين رجلاً منكم (¬1) ¬

_ (¬1) انظر الحديث الشريف في سنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة المائدة –: (8/222) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، وسنن أبي داود – كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي –: (4/512) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الفتن – باب قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ": (2/1330-1331) ، والمستدرك – كتاب الرقاق: (4/322) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الفتن – باب فيمن بقي في حثالة كيف يفعل –: (457-458) ، وتفسير ابن جرير: (7/3) ، وأحكام القرآن للجصاص: (2/30) ، ومعالم التنزيل: (2/101) ، وحلية الأولياء: (2/30) ، وعزاه السيوطي في الدر: (2/339) إلى البغوي في معجمه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث حسنه الترمذي كما علمت ونقل ذلك عنه العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: (2/304، 3/359) ، ولم يعترض عليه، وصححه الحاكم وأقره الذهبي كما تقدم ونقل السيوطي في الدر تصحيح الحاكم أيضاً ولم يعترض عليه. والحديث الشريف بمعنى الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود في المكان المتقدم، وابن ماجه في كتاب الفتن – باب التثبيت في الفتنة: (2/1307-1308) ، والنسائي في السنن الكبرى كما في تهذيب السنن: (6/190) ، وأحمد في المسند: (2/162، 212، 220، 221) ، وأسانيد المسند جميعها صحيحة كما في تعليق الشيخ شاكر على المسند: (10/12، 11/194، 12/12، 19-20) "6508، 6987، 7049، 7063"، وذكر في المكان الأول فوائد تتعلق في تحقيق نسبة رواية الحديث إلى عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – وأطال في ذلك ووسع الكلام بحيث استغرق سبع صفحات كاملة فارجع إليها إن شئت، والحديث رواه الحاكم في المستدرك – كتاب الفتن: (4/435-525) ، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي ولفظ الحديث عن عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة، ويبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأمنياتهم، واختلفوا وكانوا هكذا " – وشبك بين أصابعه – قالوا: فكيف تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "تأخذون ما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتدعون أمر عامتكم" قال سعيد بن منصور المكي أحد رواة الحديث: "حثالة الناس": رداءتهم، ومعنى قوله: "مرجت عهودهم": إذا لم يفوا بها 10هـ والحديث أشار إليه البخاري معلقاً في كتاب الصلاة – باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره –: (1/565) بشرح ابن حجر، وقال الحافظ: وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له 10هـ وأشار إليه البخاري أيضاً في ترجمة باب فقال في كتاب الفتن – باب إذا بقي في حثالة من الناس: (13/38) بشرح ابن حجر والحديث رواه ابن حجر والحديث رواه ابن حبان – المكان المتقدم – والطبراني في الأوسط بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (7/283) – كتاب الفتن – باب في أيام الصبر وفيمن يتمسك بدينه في الفتن – عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "كيف أنت يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس؟ " الحديث، واعلم أن ما ذكره الشيخ شاكر في المكان المشار إليه قريباً من أن حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – هذا لم يجده في شيء من الكتب الستة، وأن صاحب مجمع الزوائد لم يذكره ولذلك لا يستطيع الجزم بأنه في الكتب الستة ولا بأنه من الزائد، غفلة منه فقد ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد فاعلم. قال عبد الرحيم الطحان – غفر الله له جميع العصيان –: يتعلق هذان الحديثان الشريفان بقطب الإسلام، وبما تدور عليه رحى الإيمان، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والآثام وفيه مباحث عظام سأتكلم على خمسة منها جسام حسب دلالة هذين الحديثين من أحاديث نبينا – عليه الصلاة والسلام –. الأول: من قدر على تغيير المنكر من غير وقوع أذى عليه من ضرب أو قتل فواجب عليه التغيير، وترك ذلك عصيان للرب الكبير، وموصل إلى عذاب السعير قال الإمام ابن عبد البر فيما نقله عنه الإمام القرطبي في تفسيره: (4/48) – عليهما رحمة الله تعالى –: أجمع المسلمون على أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه، وأنه إذا لم يلحقه بتغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى، فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره 10هـ وقال الإمام ابن العربي – عليه رحمة الله تعالى – في أحكام القرآن: (1/266) : المسلم البالغ القادر يلزمه تغيير المنكر، والآيات في ذلك كثيرة، والأخبار متظاهرة، وهي فائدة الرسالة، وخلافة النبوة، وهي ولاية الإلهية لمن اجتمعت فيه الشروط المتقدمة 10هـ وقال الإمام الغزالي – عليه رحمة الملك الباري – في الإحياء: (2/308) ، قد ظهر بالأدلة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب وأن فرضه لا يسقط مع القدرة إلا بقيام قائم به 1هـ. قال عبد الرحيم الطحان – وهذا الأمر تدل عليه آيات القرآن، وأحاديث خير الأنام – عليه الصلاة والسلام – وعليه كان مسلك سلفنا الكرام. فمن الآيات قول رب الأرض والسموات في سورة الحجرات: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الحجرات9، والآية الكريمة – كما ترى – نص صريح في وجوب إزالة المنكر باليد لمن قدر عليه حيث أمر الله – جل وعلا – بقتال المعتدين، ولم يرفعه عنهم إلا بعد الفيء إلى أمر رب العالمين وترك ما هم عليه من البغي والظلم المبين، كما قرر ذلك الجصاص في أحكام القرآن الكريم: (2/32) . ومن الأحاديث الصحيحة القوية قول خير البرية – صلى الله عليه وسلم –: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، أخرجه مسلم في كتاب الإيمان – باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان –: (1/69) ، والترمذي – كتاب الفتن – باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب: (6/337) ، والنسائي – كتاب الإيمان وشرائعه – باب تفاضل أهل الإيمان –: (8/98) ، وابن ماجه – كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها – باب ما جاء في صلاة العيدين: (1/406) ، وفي كتاب الفتن – باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (2/1330) ، وأبو داود – كتاب الصلاة – باب الخطبة يوم العيد: (1/677) ، وفي كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي: (4/511) ، وأحمد في المسند: (3/10، 20، 49، 52-53) والجصاص في أحكام القرآن: (2/30) كلهم عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه –. وفي رواية للنسائي: "من رأى منكم منكراً فغيره بيده فقد برئ، ومن لم يستطع أن يغيره بيده فغيره بلسانه فقد برئ، ومن لم يستطع أن يغيره بلسانه فغيره بقلبه فقد برئ وذلك أضعف الإيمان". وثبت في صحيح مسلم في المكان المتقدم، وصدر الحديث في المسند: (1/458-461) عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". وكلمة "خلوف" بضم الخاء، وهي جمع خلف بإسكان اللام، وهو الخالف بشر، وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير هذا هو الأشهر، وقال جماعة من أهل اللغة: يقال كل واحد منهما بالفتح والإسكان، ومنهم من جوز الفتح في الشر، ولم يجوز الإسكان في الخير، كما في شرح الإمام النووي: (2/28) . وقد كان سلفنا الكرام يقومون بهذا الأمر خير قيام ففي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للإمام الخلال: (142) قال أبو بكر المروزي سألت أبا عبد الله – يعني الإمام المبجل أحمد بن حنبل – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – عن كسر الطنبور، قال: يكسر وقال عمر بن صالح: رأيت الإمام أحمد بن حنبل مر به عود مكشوف فقام فكسره، وقال عمر بن الحسين: كسر أحمد بن حنبل طنبوراً في يد غلام لأبي عبد الله نصر بن حمزة، فذهب الغلام إلى مولاه، فقال: كسر أحمد بن حنبل الطنبور، فقال له مولاه: فقلت له إنك غلامي؟ قال: لا، قال: فاذهب فأنت حر لوجه الله – عز وجل – وقال: وكيع بن الجراح (المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة وهو إمام المسلمين في وقته كما قال الإمام أحمد عليهما رحمة الله تعالى – كما في تهذيب التهذيب: (11/126) : خذ الطنبور فاكسره على رأس صاحبه كما فهل ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –. ولا خلاف بين سلفنا الكرام في وجوب إزالة المنكرات والآثام على كل من قدر على ذلك من أهل الإسلام، ولا ضمان عليه على القول الحق المعتمد في شريعة الرحمن، ففي الدر المختار وحاشيته رد المحتار: (6/212) ، قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى –: لا يصح بيع آلات اللهو، ولا يضمن متلفها قيمتها ولو كانت لكافر، وهذا هو المعتمد في المذهب الحنفي، وعليه الفتوى عندهم، وفي الاختيار: (3/65) لأنها أعدت للمعاصي فلا تضمن كالخمر، ومتلفها يتأول فيها النهي عن المنكر، وأنه مأمور به شرعاً فلا يضمن كأذن القاضي، بل وأولى 1هـ وفي المنهاج وشرحه السراح الوهاج: (269-270) ، (والأصنام وآلات الملاهي لا يجب في إبطالها شيء) لأنها محرمة الاستعمال (والأصح أنها لا تكسر الكسر الفاحش بل تفصل لتعود كما قبل التالف) ومقابله تكسر حتى تنتهي إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة منه (فإن عجز المنكر عن رعاية هذا الحد لمنع صاحب المنكر) منه (أبطله كيف تيسر) إبطاله ويشترك في جواز إزالة هذا المنكر الرجل والمرأة، ولو أرقاء وفسقة 1هـ وهذا هو قول الإمام مالك – عليه رحمة الله تعالى – كما في الإفصاح: (2/33) ، وتقدم قول الإمام أحمد وفتياه فكن منها على بال يا صاحب الرشد والكمال، فهذه نصوص المذاهب الأربعة، في لزوم تغيير المنكر باليد لكل من رآه ذكراً كان أو أنثى، وأنه لا ضمان عليه في إتلاف المنكرات، وهو مأجور عند رب الأرض والسمو

". أسأل الله العظيم أن يجعلنا من الخائفين الراجين، كما يريد رب العالمين، إنه كريم رحيم. تم بحمد الله..

الملل والنحل- للشيخ عبد الرحيم الطحان

بسم الله الرحمن الرحيم الملل والنحل: ... الملل جمع ملة، ومعناها في اللغة: الطريقة والسنة، أي: سنة الناس وطريقهم، ومنه الملة: أي الموضع الذي يختبر فيه، لأنه يؤثر في مكانها كما يؤثر في الطريق، وأصل ذلك اللفظ في اللغة من أمللت الكتاب إذا أمليته على غيرك، ولملاحظة ذينك الاعتبارين في الملة - المعنى وأصله - أطلق لفظ الملة في اللغة على الدين والشريعة، لأنهما طريقان متبعان يسير عليهما من ينتمي إليهما، وهما مشروعان من رب العالمين - تبارك وتعالى - وفي حديث نزول نبي الله عيسى في آخر الزمان - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - يقول رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: "ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام" (¬1) . ... وأما عند علماء الشرع المطهر، فالدين والملة مختلفان في الاعتبار، وإن كانا متحدين بالذات ويتحدد ذلك الاختلاف في ثلاث جهات: 1. الشريعة من حيث وجوب طاعتها تسمى ديناً، ومن حيث جمعها لمن ينتمي إليها تسمى ملة. ¬

_ (¬1) - انظر إيضاح ذلك في لسان العرب: (14/154) "ملل" والمفردات: (471) كتاب الميم ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر: (1/5) وحديث نزول نبي الله عيسى في آخر الزمان - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - متواتر كما في تفسير ابن كثير: (4/132) ،ونظم المتناثر من الحديث المتواتر: (147) ، والرواية المستشهد بها رواها أبو داود في كتاب الملاحم - باب خروج الدجال -: (4/499) وأحمد في المسند: (2/406، 437) عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم أجمعين-.

2. ينسب الدين إلى الله – جل وعلا – فهو وضع إلهيٌ يدعو أصحاب العقول، إلى قبول ما هو عند الرسول – صلى الله عليه وسلم –، أما الملة فلا تضاف إلا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا تكاد تنسب إلى غيره، فلا يقال: ملة الله – جل وعلا –، ولا يقال: ملتي، وملة زيد كما يقال: دين الله – عز وجل –، وديني، ودين زيد، قال الله – جل وعلا –: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النساء125. 3. الدين يستعمل في جملة الشرائع وآحادها، أما الملة فلا تستعمل إلا في آحاد الشرائع. النحل: ... جمع نحلة، وهي في اللغة ما ينتحله الإنسان، أي: يلتزمه، ويجعله كالملك له، كما يتملك الهدية، ويحوزها، ولهذا الاعتبار أطلق في اللغة لفظ النحلة على الدين، لأن المرء يلتزمه ويأخذ به نفسه، يقال: ما نحلتك؟ أي: ما دينك؟ وعليه فيصح إطلاق لفظ الملة على النحلة أيضاً ومنه ما ورد في بعض روايات الحديث الصحيح الثابت عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار، إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ - صلى الله عليه وسلم – قال: ما أنا عليه وأصحابي (¬1) " فالمراد من الملل في هذا الحديث الشريف: النحل، وفرق الأهواء والزيغ والضلال. ¬

_ (¬1) - انظر إيضاح هذا في لسان العرب: (14/174) "نحل" والحديث أخرجه بهذا اللفظ الإمام الترمذي في كتاب الإيمان – باب ما جاء في افتراق الأمة: (7/297) وسيأتيك عما قريب تفصيل القول في تخريجه بما يشرح الصدر إن شاء الله تعالى.

.. وأما علماء الشرع فيخصون لفظ النحل بأصحاب الأهواء والآراءالذين يدَّعون الالتزام بشريعة واحدة غراء، نزل بها وحي رب الأرض والسماء، أو لا يدعون الالتزام بشريعة سمحاء، بل يعولون على الأوهام والآراء، كحال الفلاسفة والزنادقة السفهاء، فالصنفان يشملهما القول بأنهم أصحاب نحل من ادعى منهم الالتزام بشريعة أو لم يدع ذلك (¬1) . وسنتدارس في هذه السنة أصحاب الأهواء، وأهل النحل الخبيثة الشنعاء، الذين يدعون الانتساب لرسالة خاتم الأنبياء – عليه صلوات الله وسلامه – وتتحدد دراستنا لتلك الفرق على النحو التالي: 1. تعداد أمهات الفرق الخبيثة، مع بيان أبرز آرائها الخسيسة. 2. تفصيل القول في فرقة الشيعة الردية، وبيان أقسامها الغوية. 3. دراسة موسعة للتصوف والصوفية، وتقييمها حسب الأدلة الشرعية. ... وأبدأ الدراسة بتمهيد للبحث يتضمن الإشارة إلى بيان حالة الناس قبل مبعث خاتم الأنبياء والمرسلين محمد – صلى الله عليه وسلم – وإليك تفصيل ذلك – حفظنا الله بمنه وكرمه من الآفات والمهالك. حالة الناس قبل الإسلام: ¬

_ (¬1) - هذا ما ظهر لي من تتبع كلام الأئمة، وإن كان بعضهم يرى تخصيص لفظ الملل بأهل الديانات ولفظ النحل بمن عداهم، وصنيع الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل": (1/11) على هامش الفِصَل في الملل والأهواء والنحل يدل على ذلك، وصنيع ابن حزم في كتابه "الفِصَل في الملل والنحل" يدل على الأول في الجملة، حيث قال في: (2/88) قد أكملنا بعون الله الكلام في الملل فلنبدأ بحول الله – عز وجل – ذكر نحل أهل الإسلام وافتراقهم فيها، وإيراد ما شغب به من شغب منهم فيما غلط فيه من نحلته، وإيراد البراهين الضرورية على إيضاح نحلة الحق من تلك النحل كما فعلنا في الملل.

.. كان الناس قبل الإسلام يعيشون في بيداوات من الجهل والظلم، والتقليد الأعمى، وفوضى الأخلاق يعيثون في الأرض فساداً، وسأقتصر على وصف حالهم، بكلام بعضهم، ثبت في مسند الإمام أحمد – عليه رحمة الله تعالى – بإسناد صحيح في حديث جعفر الطويل، وهجرته مع المؤمنين إلى الحبشة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وفيه أن جعفر بن أبي طالب قال للنجاشي: أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله – عز وجل – لنوحده، ونعبده، ونخلع ما نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، وعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا إلى جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر المسند: (1/202، 5/291) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (6/27) : رجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع 1هـ والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه في كتاب الزكاة: (4/13) رقم 2260، وقد أشار إلى رواية ابن خزيمة للحديث الحافظ في الفتح: (13/353) والحديث رواه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام: (2/87) مع الروض الأنف، وانظره في البداية والنهاية: (3/73) .

.. وذلك الضلال الذي كان يسري في العباد، ويخيم على البلاد، كان عاماً شاملا ً لم ينج منه إلا بقايا من أهل الكتاب، الذين ثبتوا على شرع ربهم، ولم يتلاعبوا فيه، ومن أجل ذلك عم مقت رب العالمين للناس أجمعين، إلا تلك الثلة من المتمسكين بالهدي القويم من أهل الكتاب السابقين، كما ثبت هذا في المسند وصحيح مسلم عن عياض بن حمار المُجاشِعِي – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال ذات يوم في خطبته: ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء، تقرؤه نائماً ويقظان" الحديث (¬1) . ... وقد قام نبينا – صلى الله عليه وسلم – بمهمة البلاغ والبيان أحسن قيام، ونشر بين الناس النور والهدى والعرفان، ولم يقبضه ربه العظيم إلى جواره الكريم حتى أقام به الملة العوجاء، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك (¬2) . ¬

_ (¬1) - انظر صحيح مسلم – كتاب الجنة وصفة نعيمها – باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار: (4/2197) ، رقم 2865، ومسند أحمد: (4/162، 166) . (¬2) - تقدم توثيق هذه الصفات وتخريجها في كتاب التوحيد: (أ، 7) .

وبعد ذلك الاكتمال، على أحسن حال، قام شياطين الإنس بتحريش من شياطين الجن عدة محاولات للقضاء على الإسلام، بمختلف الأساليب والألوان، لكن أنى يستطيعون ذلك وقد تكفل ربنا المنان بحفظ الإسلام والقرآن، لذلك ارتدوا على أدبارهم خاسئين فانصرفوا لتشكيك المسلمين بعد أن أعياهم تغيير شرع رب العالمين، فظفروا بعد غير قليل من الدهماء المفتونين، ولن يزال ذلك البلاء في ازدياد، كلما امتدت بهذه الأمة الآماد، وهذا كما ثبت عن رسولنا خير العباد – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم (¬1) ". ¬

_ (¬1) - أخرجه البخاري في كتاب الفتن – باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه: (13/20) بشرح ابن حجر عن الزبير بن عديّ قال أتينا أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنهم – فشكونا إليه ما يلقون من الحجاج فقال: اصبروا ثم ذكر الحديث. ورواه الترمذي في كتاب الفتن – باب 35: (6/361) ،وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي مسند الدارمي في المقدمة – باب تغير الزمان – وما يحدث فيه: (1/65) عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – موقوفاً: لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي كان قبله، أما إني لست أعني عاماً أخصب من عام، ولا أميراً خيراً من أمير ولكنْ علماؤكم وخياركم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خَلَفاً وتجيء أقوام يقيسون الأمر برأيهم.

وقد أخبرنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – أن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً، وسيخرجون منه أفواجاً ففي مستدرك الحاكم وغيره بإسناد صحيح عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: تلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} النصر2، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ليخرجن منه أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً" وفي المسند وغيره عن جار لجابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: قدمت من سفر، فجاءني جابر يسلم علي فجعلت أحدثه عن افتراق الناس، ومما أحدثوا، فجعل جابر يبكي، ثم قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن الناس قد دخلوا في دين الله أفواجاً، وسيخرجون منه أفواجاً (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر مستدرك الحاكم – كتاب الفتن والملاحم –: (4/496) ، ورواه أيضاً الدارمي في المقدمة – باب في وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم –: (1/41) ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وانظر الرواية الثانية في المسند: (3/343) ، وأخرجها أيضاً ابن مردويه كما في الدر المنثور: (6/408) ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (7/281) – كتاب الفتن – باب خروج ناس من الدين ونعوذ بالله من ذلك – جار جابر لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح، قلت: وما قبله يشهد له.

قال عبد الرحيم – غفر الله ذنوبه أجمعين –: من عجيب أمر هذه الأمة أنها جمعت ما تفرق في غيرها من الفضائل والبلايا، بل زادت عليها في المزايا والرزايا، فتقيها خير الأتقياء، وشقيها شر الأشقياء، وقد أشار إلى ذلك رسولنا إمام الأنبياء – صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً – بقوله الثابت عنه في دواوين السنة الغراء: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد – صلى الله عليه وسلم – بيده لتفرقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الجماعة، وفي رواية: "ما أنا عليه وأصحابي" (¬1) . ¬

_ (¬1) - هذا لفظ رواية ابن ماجه في كتاب الفتن – باب افتراق الأمم –: (2/1322) عن عوف بن مالك ورواه أيضاً بنحوه عن أبي هريرة وأنس – رضي الله تعالى عنهم – وانظر روايات الحديث في سنن الترمذي – كتاب الإيمان – باب ما جاء في افتراق هذه الأمة –: 7/297 عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وقال: حديث أبي هريرة حسن صحيح، وحديث ابن عمرو مفسر حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك، وسنن أبي داود – كتاب السنة – باب شرع السنة: (5/4-5) عن أبي هريرة ومعاوية، وسنن الدارمي – كتاب السير – باب افتراق هذه الأمة –: (5/241) عن معاوية والمستدرك – كتاب الإيمان –: (1/6) ، وكتاب العلم: (1/28) عن أبي هريرة في الأول، وقال: وقد روى عن سعد بن أبي وقاس، وعبد الله بن عمرو، وعوف بن مالك عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مثله، ورواه في الثاني عن أبي هريرة، ومعاوية، وعبد الله بن عمرو، وعمرو بن عوف المزني، وقال بعد حديث معاوية، هذه أسانيد تقوم بها الحجة في تصحيح هذا الحديث، وقد روى هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو بن المزني بإسنادين تفرد بإحداهما عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، والآخر كثير بن عبد الله المزني، ولا تقوم بهما الحجة، واقره الذهبي على ذلك، كما حكم على حديث أبي هريرة بأنه على شرط مسلم , أقره الذهبي، ورواه أحمد في المسند: (2/332) عن أبي هريرة، وفي: (3/120، 145) عن أنس، وفي: (4/102) عن معاوية، وانظر الأحاديث الثلاثة في الفتح الرباني: (24/6-7) ، ورواه ابن حبان انظر موارد الظمآن: (454) كتاب الفتن باب افتراق الأمم_عن أبي هريرة، وذكره البغوي في شرح السنة-كتاب الإيمان – باب رد البدع والأهواء –: (1/213) عن عبد الله بن عمرو، ومعاوية وعبد القاهر في أول كتابه الفرق بين الفرق: (4-7) بسنده عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأنس، وقال: للحديث الوارد على افتراق الأمة أسانيد كثيرة، وقد رواه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – جماعة من الصحابة، كأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع وغيرهم، وساقه ابن الجوزي في تلبيس إبليس: (7-8) بسنده إلى ابن عمرو ورواه البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة كما في الفتح الكبير: (1/206) ، والطبراني في الأوسط والكبير عن أبي أمامة كما في مجمع الزوائد: (7/258) ، وقال الهيثمي: فيه أبو غالب وثقه ابن معين وغيره، وبقية رجال الأوسط ثقات، وكذلك أحد إسنادي الكبير، ورواه الطبراني أيضاً من رواية عمرو بن عوف، وفيه كثير بن عبد الله وهو ضعيف وقد حسن حديثه الترمذي كما في مجمع الزوائد: (7/260) وتقدم الكلام على كثير بن عبد الله عند عزو الرواية إلى المستدرك، ورواه أبو يعلى عن أنس وفيه أبو معشر نجيح، وهو ضعيف كما في مجمع الزوائد: (7/258) ، وانظر الحديث من رواية أبي هريرة وعبد الله بن عمرو، وأنس، وسعد، ومعاوية في كتاب الشريعة للآجري: (14-18) . واعلم – وفقك الله تعالى – أن الحديث صحيح بلا شك، فقد تقدم من صححه من أساطين العلم، وأئمته، وجهابذة المحدثين وقادته، ونص على ذلك أهل العلم من المتقدين والحديثين انظر تعليق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط على جامع الأصول: (10/33) ، وتعليق الشيخ شعيب على شرح السنة: (1/213) ، وقول الشيخ القاري في المرقاة: (3/137) وتحصل أن حديث افتراق الأمة صحيح من غير شك، فلا يعبأ بقول ابن حزم في الفصل: إن هذا الحديث لا يصح عن طريق الإسناد 1هـ وانظر كلام بان حزم في الفصل: (3/138) حيث ذكر أن الحديث لا يصح أصلا ً عن طريق الإسناد، وما أراك تتوقف في رد كلام ابن حزم بعد الاطلاع على أقوال الفحول من المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الحديث، لأن ذلك من جملة انحراف ابن حزم – وشذوذه، ومن الحزم أن لا تتبع – فيما ينفرد فيه – ابن حزم، وانظر كلام ابن القيم فيه في روضة المحبين: (130) ، والشيخ ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (4/395) ، وقد صحح الحديث الشيخ الألباني، وأورده في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم: (203، 204) وعزا تخريجه أيضاً للآجري في الشريعة، ولابن بطة في الإبانة، واللالكائي في شرح السنة، ثم فند كلام ابن حزم، ورد عليه، لكن من العجيب قوله: وأما ابن حزم فلا أدري أين ذكر ذلك، وأول ما يتبادر للذهن أنه في كتابه، الفصل في الملل والنحل، وقد رجعت إليه وقلبت مظانه فلم أعثر عليه 1هـ وقد تصفح كاتب هذه الأسطر – سترنا الله تعالى – الفصل فوجد الحديث في نصف ساعة. وقد ذكر ابن كثير الحديث في تفسيره: (1/390) ، وقال إنه رُوي من عدة طرق 1هـ وذكره الشوكاني في فتح القدير: (1/371) وعد من خرجه وصححه، ووافق على ذلك 10هـ وأورده ابن الوزير في الروض الباسم: (2/115) عند ذكر الأحاديث التي رواها معاوية، ونقلت عن غيره من الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – فذكر أن هذا الحديث روي عن غير معاوية ممن لم تطعن فيهم الشيعة، وذكره الشهرستاني في الملل والنحل: (1/13) ، وقال: والناجية أبداً من الفرق واحدة 1هـ، وقال الشيخ العراقي في المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: (3/225) أسانيد الحديث جياد 1هـ وقال الشيخ ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (22/360) الحديث صحيح مشهور في السنن والمساند كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي (الكبرى) وغيرهم، وأطال في شرح الحديث وتقرير معناه بحيث أخذ ذلك خمس عشر صفحة. وانظر مجموع الفتاوى: (3/245-259) ، والحديث صححه أيضاً الشاطبي في الاعتصام: (2/189) وكتب في شرحه مائة صفحة حتى: (2/287) ، وصححه الفتني في تذكرته: (15) ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير كما في الفيض: (2/20) ، وقال المناوي: قال الزين العراقي: أسانيده جياد، وقد عده المؤلف – أي السيوطي – من المتواتر 10هـ وصححه السخاوي في المقاصد الحسنة: (158) ووافقه ابن الديبع في مختصره "تمييز الطيب من الخبيث": (60) والعجلوني في كشف الخفا: (1/149-151) ، وعده الشيخ الكتاني في كتابه نظم المتناثر: (32-34) من الأحاديث المتواترة. واعلم – علمني الله وإياك – أنني توسعت في تخريج الحديث لأمرين يستدعيان ذلك ويتحتم على طالب العلم الحذر منهما لئلا يضل مع من ضل وهما: 1- تضعيف ابن حزم للحديث، وتناقل كثير من المحدثين ذلك عنه، بل وزيادتهم عليه، فالأستاذ محيي الدين عبد الحميد يحكي الخلاف في صحة هذا الحديث، ويسترسل في حكاية نفي صحته مدعياً أنه ما من إسناد روي به إلا وفيه ضعف، انظر تعليقه على الفرق بين الفرق: (7) ، وهو كلام باطل بلا شك، وأشد بطلاناً منه قول الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه مذاهب الإسلاميين: (33-34) الفرق الإسلامية لا تدخل تحت حصر، والمؤلفون الإسلاميون المتقدمون الذين كتبوا عن الفرق، وبخاصة من هم من أهل السنة أرادوا أن يحصروها استناداً إلى حديث موضوع، ثم بعد أن سرد الحديث المتقدم قال: ولهذا الحديث بصوره المختلفة أسانيد كثيرة استوفاها الحافظ الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف ... ومع هذا لا يمكن أن يكون الحديث صحيحاً، وهو كلام لا يستحي الإنسان من صفع قائله فضلا ً عن اشتهاء سماعه. 2- ما قرأته في كتاب التفكير الفلسفي في الإسلام: (97-101) ، وسمعته مشافهة من بعض مدرسي التوحيد والملل والنحل من أن الحديث روي بلفظ: "كلها في الجنة إلا واحدة" وفي رواية: "كلها في الجنة إلا الزنادقة" وهذا يعارض الحديث المتقدم، وهذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باتفاق أئمة الحديث، ولما سمعت هذا من بعض من يدرسون الملل والنحل قلت له: أثبت صحة الحديث وخذ ما شئت، ولما شرعت في تخريج الحديث المتقدم، نشطت الكلام عليه وعلى بيان من أخرجه وصححه، وأتبعت ذلك بالكلام على الحديث الثاني الموضوع "كلها في الجنة إلا واحدة" مما لن تراه مجموعاً في كتاب والحمد لله تعالى على ما وفق وتكرم وأنعم. وانظر الحكم على وضع حديث "كلها في الجنة إلا واحدة" في الموضوعات: (1/267-268) – كتاب السنة وذم البدع – باب افتراق هذه الأمة – قال ابن الجوزي: هذا الحديث لا يصح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال علماء الصناعة، وضعه الأبرد بن الأشرس وكان وضاعاً كذاباً، وأخذه منه ياسين الزيات فقلب إسناده وخلطه، وسرقه عثمان بن عفان، أما الأبرد فقال محمد بن إسحاق بن خزيمة، كذاب وضاع، وأما ياسين فقال يحيى: ليس حديثه بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث، وأما عثمان فقال علماء النقل متروك الحديث لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار، وأما حفص بن عمر فقال أبو حاتم الرازي: كان كذاباً، وقال العقيلي: يحدث عن الأئمة بالبواطيل، قال المصنف – ابن الجوزي – وهذا الحديث على هذا اللفظ لا أصل له، وقد رواه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبو الدرداء، ومعاوية وابن عباس، وجابر، وأبي هريرة، وأبو أمامة، وواثلة، وعوف بن مالك، وعمرو بن عوف المزني قالوا فيه: "واحدة في الجنة" وهي الجماعة 1هـ وقد أقر السيوطي هذا الحكم في اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: (1/248) – كتاب السنة – ونقل عن العقيلي قوله: هذا حديث لا يرجع منه إلى صحة، قال السيوطي: والحديث المعروف "واحدة في الجنة وهي الجماعة" 1هـ وأورده ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة الشنيعة: (1/310) – في كتاب السنة في الفصل الأول – مشيراً بذلك إلى أن حكم ابن الجوزي على الحديث بالوضع لم يخالف فيه، كما هو معلوم من اصطلاحه، وقد أشار إلى الحديث الذهبي في الميزان: (1/78) في ترجمة أبرد بن أشرس، وانظره في لسان الميزان أيضاً: (1/128، 6/56) ، والميزان أيضاً: (4/133) ، واللسان: (2/405) ، والميزان: (1/662) وفي تذكرة الموضوعات: (15) لا أصل له، وهذه اللفظة إن قيلت فيما ذكر إسناده تدل على أن السند لا عبرة به لوجود كذاب فيه، أو وضاع كما في مقدمة المصنوع في معرفة الحديث الموضوع: (20-21) ، وقد حكم العجلوني في كشف الخفا أيضاً: (1/309) ، بأن الحديث لا أصل له، ونقل الكتاني في نظم المتناثر الحكم على الحديث بالكذب والوضع عن السفاريني ثم ذكر أن ابن الجوزي رواه في الموضوعات، وتبعه السيوطي في اللآلئ، وقال ابن تيمية: لا أصل له، بل هو موضوع مكذوب باتفاق أهل العلم بالحديث. والحديث قد أورده الشعراني في كشف الغمة: (1-26) في باب الاعتصام بالكتاب والسنة بعد الرواية الصحيحة المتقدمة فقال: وفي رواية: "كلها في الجنة إلا واحدة" ولم يذكر إسناد ذلك، ولم يعزه إلى أحد أيضاً، وأما ما نقله العجلوني في كشف الخفاء: (1/150) نقلا ً عن الميزان للشعراني من أن الحاكم صحح الحديث با

والحديث ثابت ثبوت، صحة، ولتعدد طرقه حكم عليه العلماء الكرام بتواتره، كما هو مبين في التخريج، فاغتنم ما فيه وسل الله المزيد. وإذا كان حال الأمة سيصير إلى ما ذكرت فعليك أيها المسترشد، يا من تريد نصح نفسك، بالتمسك بصراط ربك، حسبما كان عليه الخيرة من سلفك، فلو رجعت إلى رشدك، وتأملت الأمور من حولك لعلمت أنك في زمان لو جد فيه الصديقون لاستغاثوا بالله مما يجري فيه من الزيغ والمجون، فحذار حذار من التفريط والإهمال، والاسترسال فيما يشقيك في الحال، والمآل، فكم وكم انسلخ من دين الله بسبب ذلك نساء ورجال، روى الإمام أحمد في المسند والطبراني في المعجم الأوسط عن النعمان بن بشير – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قال: صحبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسمعناه يقول: "إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً، ثم يمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ثم يصبح كافراً، يبيع أقوام خلاقهم بعرض من الدنيا يسير" قال الحسن البصري – رحمه الله تعالى -: "والله لقد رأيناهم صوراً ولاعقول، أجساماً ولا أحلام، فراش نار، وذُبَّان طمع، يغدو أحدهم بدرهمين، ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه بثمن العنز (¬1) ¬

_ (¬1) - انظر المسند: (4/273) ، ومجمع الزوائد: (7/309) ، وقال الهيثمي: فيه مبارك بن فضالة، وثقه جماعة، وفيه لين، وبقية رجاله رجال الصحيح 1هـ وللحديث شواهد كثيرة، ثابتة صحيحة منها ما في صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن: (1/110) وسنن الترمذي – كتاب الفتن – ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم: (6/355) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراًَ، يبيع دينه بعرض من الدنيا" ورواه الترمذي أيضاً عن أنس بن مالك، وأشار إلى رواية الحديث أيضاً عن جندب، والنعمان ابن بشير، وأبي موسى – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –.

" نسأل الله العظيم بوجهه الكريم أن لا يُزِيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنه سميع مجيب. أمهات الفرق الزائغة الفرقة الأولى القدرية: ... تنسب هذه الفرقة الضالة إلى مقالتها التي ضلت بها، وخالفت فيها الحق الثابت، وتلك المقالة النكراء تتعلق بسبق علم الله الجليل للأشياء قبل حدوثها، وتقديره لها خيرها وشرها وينقسم أصحاب هذه البدعة الخبيثة إلى قسمين: أ) قدرية غلاة: وهم الذين نفوا تقدير الله للأشياء في القدم، ونفوا تقدم علمه بها، وزعموا أنها مستأنفة العلم، أي: إنما يعلمها الله – جل جلاله – بعد وقوعها، وكذبوا على الله – سبحانه وتعالى وجل عن أقوالهم الباطلة علواً كبيراً – (¬1) . ¬

_ (¬1) - قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: (1/156) ، وهذا القول: قول غلاتهم، وليس قول جميع القدرية، وكذب قائله وضل وافترى – عافانا الله وسائر المسلمين – 10هـ وفي درء تعارض العقل والنقل للإمام ابن تيمية: (2/332) ، وذكر عن طائفة أنهم يقولون: يعلم الأشياء قبل كونها إلا أعمال العباد، فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها، وهذا قول غلاة القدرية، كمَعْبَد الجُهَني وأمثاله.

.. وقد نبتت تلك الفرقة الضالة في أواخر أيام الصحابة الكرام (¬1) ¬

_ (¬1) - قال الشهرستاني في الملل والنحل: (1/384) فلما ابتدع هؤلاء التكذيب بالقدر رده عليهم من بقي من الصحابة كعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وواثلة بن الأسقع، وكان أكثره بالبصرة والشام، وقليل منه بالحجاز، ولم يكن أحد على عهد الخلفاء الراشدين ينكر القدر..

– رضوان الله تعالى عليهم أجمعين – وأول حديث في صحيح مسلم فيه التصريح بذلك، كما في بيان حكم أولئك فعن يحيى بن يعمر قال: كان أولمن قال في القدر بالبصرة مَعْبَد الجُهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فَوُفِّقَ لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – داخلا ً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ، فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفَّرون العلم، وذكر من شأنهم – وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه (أي: في سبيل الله) ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم إ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: أخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: أخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد

الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق، فلبثتُ ملياً، ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر صحيح مسلم – أول كتاب الإيمان –: (1/150-160) بشرح النووي، ورواه أبو داود في كتاب السنة – باب في القدر –: (5/69-73) ، والترمذي في كتاب الإيمان – باب ما جاء في وصف جبريل للنبي – عليهما الصلاة والسلام – الإسلام والإيمان –: (7/271-275) ، والآجري في الشريعة – باب الإيمان – بأنه لا يصح لعبد إيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ولا يصح له الإيمان إلا به: (188-189) ، وفي: (205) ، وابن منده في الإيمان: (1/117-150) ، وقد كرره من طرق متعددة، وورد الحديث بدون ذكر قصة يحيى بن يعمر في صحيح البخاري في كتاب الإيمان – باب سؤال جبريل للنبي – عليهما الصلاة والسلام – عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة: (1/114) ، وفي كتاب التفسير – سورة لقمان –: (8/513) بشرح ابن حجر فيهما، ومن رواية أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – وهو كذلك في مسند الإمام أحمد: (4/426) ، ورواه النسائي في كتاب الإيمان – باب نعت الإسلام – وباب صفة الإيمان والإسلام: (8/88-91) عن عمر وأبي هريرة – رضي الله تعالى عنهما – وكذلك رواه عنهما ابن ماجه في المقدمة – باب في الإيمان –: (1/24-25) , وكرر بعض حديث أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في كتاب الفتن – باب أشراط الساعة –: (2/342) ، وانظره من رواية عمر كتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/55-58) ، ومن رواية جرير بن عبد الله في كتاب الشريعة للآجري: (189) ، ومن رواية ابن عباس في المسند والبزار، ومن رواية ابن عامر أو أبي عامر أو أبي مالك في المسند أيضاً، ومن رواية أنس عند البزار – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – كما في مجمع الزوائد: (1/38-40) .

.. وقد تكرر ذلك السؤال عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما – ففي معجم الطبراني الكبير أن رجلا ً أتى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنا نسافر فنلقى أقواماً يقولون: لا قدر، قال: فإذا لقيتم أولئك فأخبروهم أن ابن عمر برئ منهم، كنا عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ أتاه رجل حسن الوجه طيب الريح، نقي الثوب، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أأدنو منك؟ قال: "ادنه، فدنا دنوة قالوا ذلك مراراً، حتى اصطكت ركبتاه ركبتي النبي – صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصيام رمضان، والغسل من الجنابة، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: نعم، قال: صدقت، فما الإيمان؟، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار، والقدر خيره وشره، حلوه ومره من الله، قال: إذا فعلت فأنا مؤمن؟ قال: نعم، قال: صدقت، فما الإحسان: قال: تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا محسن، قال: نعم، قال: صدقت، قلنا ما رأينا رجلاً أطيب ريحاً، ولا أشد توقيراً للنبي – صلى الله عليه وسلم – وقوله للنبي – صلى الله عليه وسلم – صدقت، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – عليّ بالرجل، فقمنا وقمتُ أنا إلى طريق من طرق المدينة، فلم نر شيئاً، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هل تدرون من هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل يعلمكم مناسك دينكم، ما جاءني في صورة قط إلا عرفته إلا في هذه الصورة (¬1) ¬

_ (¬1) - ورجال السند موثقون كما في مجمع الزوائد: (1/40-41) ، والجمع بين هذا الحديث وما قبله أن ابن عمر حضر مع أبيه – رضي الله تعالى عنهما – سؤال جبريل للنبي – عليهما الصلاة والسلام – فروى الحديث تارة عن نفسه كما في معجم الطبراني، ورواه تارة عن والده كما في الروايات الأخرى، وفعل ذلك مع حضوره بنفسه، لأن والده عمر تغيب عن المجلس بعد تفرق الصحابة الكرام – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – في طلب الرجل، فلم يحضر عمر قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" كما دل على هذا قوله: "فلبثتُ ملياً" وفي رواية النسائي والترمذي: "فلبثت ثلاثاً" وورد في رواية أبي عوانة: "فلقيني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد ثلاث" وفي رواية ابن حبان: "بعد ثالثة" وعند ابن منده: "بعد ثلاثة أيام" كما في الفتح: (1/125) ، فأخبر عمر بذلك ولده عبد الله فروى ابن عمر الحديث عن والده مع حضوره بنفسه لتلك النكتة. ولم أر من أشار إلى ذلك، والله تعالى أعلم.

". ... وتكررت مرة أخرى معه أيضاً، وأعلن براءته ممن أظهر القول بالقدر، عندما بلغه ذلك عن بعض أصحابه، ففي المسند وسنن الترمذي بسند صحيح عن نافع قال: بينما نحن عند عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – قعوداً إذ جاء رجل، فقال: إن فلاناً يقرأ عليك السلام، لرجل من أهل الشام، فقال عبد الله: بلغني أنه أحدث حدثاً، فإن كان كذلك فلا تقرأن عليه مني السلام، سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إنه سيكون في أمتي مسخ وقذف، وهو في الذندقية والقدرية".

وفي رواية المستدرك وسنن أبي داود بسند صحيح: عن نافع قال: كان لابن عمر –رضي الله تعالى عنهم أجمعين – صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه عبد الله بن عمر: إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر، فإياك أن تكتب إليّ، فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر (¬1) ¬

_ (¬1) - انظر الرواية الأولى في المسند: (2/137،108) ، وسنن الترمذي – كتاب القدر – باب 16: (6/324) ، وهو في سنن ابن ماجه – كتاب الفتن – باب الخسوف: (2/1350) ، وشرح السنة كتاب الإيمان – باب وعيد القدرية: (1/151) ، والحديث قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وقال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (9/97) 6208، إسناده صحيح وأورده الإمام الهيثمي في المجمع: (7/203) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وانتقد الشيخ شاكر صنيع الإمام الهيثمي في إيراده الحديث في الزوائد لوروده في سنن الترمذي وابن ماجه والانتقاد في محله والحديث رواه الإمام أحمد في المسند: (2/108) ، والترمذي في المكان المتقدم مقتصرين على القسم المرفوع من الحديث، وانظر الرواية الثانية في المستدرك – كتاب الإيمان: (1/84) ، وسنن أبي داود – كتاب السنة – باب لزوم السنة: (5/20) وهو في المسند: (2/90) ، والحديث قال عنه الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وحكم الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (8/43) 5639 بأن إسناده صحيح. فائدة: قال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في إغاثة اللهفان: (1/345) : المسخ على صورة القردة والخنازير، واقع في هذه الأمة ولابد، وهي في طائفتين: 1- علماء السوء الكاذبين على الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم –، والذين قلبوا دين الله – جل وعلا – وشرعه، فقلب الله – تبارك وتعالى – صورهم، كما قلبوا دين الله. 2- المجاهرين المتهكمين بالفسق والمحارم، ومن لم يمسخ منهم في الدنيا، مسخ في قبره أو يوم القيامة 10هـ.

". حكم القدرية الغلاة: ... قال الإمام النووي – رحمه اله تعالى – هذا الذي قاله ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – ظاهر في تكفيره القدرية، قال القاضي عياض – رحمه الله تعالى – هذا في القدرية الأول الذين نفوا تقدم علم الله – تبارك وتعالى – بالكائنات والقائل بهذا كافر بلا خلاف، وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة، قال غيره: ويجوز أنه لم يرد بهذا الكلام التكفير المخرج من الملة، فيكون من قبيل كفران النعم، إلا أن قوله: "ما قبله الله منه" ظاهر في التكفير، فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم: لا يقبل عمله لمعصيته، وإن كان صحيحاً (¬1) . ... قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: ما استظهره الإمام النووي أولا ً من دلالة فتوى ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – على كفر القدرية الغلاة، وأيده بما نقله عن القاضي عياض هو الحق في هذا الباب، وبه قال السلف أولو الألباب، فقد نقل الإمام ابن تيمية عن الأئمة المرضية مالك، والشافعي، وأحمد ذوي المراتب العلية – عليهم جميعاً رحمة رب البرية – أن من جحد علم الله السابق، وقال إن الله لا يعلم أفعال العباد حتى يعملوها، فقد كفر وحكى الإمام ابن القيم في شفاء العليل اتفاق السلف على تكفير غلاة القدرية ومتقدميهم (¬2) . ¬

_ (¬1) - انظر شرح الإمام النووي لصحيح مسلم: (1/156) . (¬2) - انظر مجموع الفتاوى: (7/385، 8/66، 430 -450) ، ودرء تعارض العقل والنقل: (9/402) ، وشفاء العليل: (28، 186) .

.. وقد ذكر الإمام السخاوي – عليه رحمة الملك الباري – أن من البدع التي لا شك في تكفير قائلها: إنكار علم الله بالمعدوم، والقول بأن الله – جل وعلا – لا يعلم الأشياء حتى يخلقها، أو إنكار علمه – جل جلاله – بالجزئيات (¬1) . أصل مقالة تلك الفرقة الزائغة، وأبرز مجرميها: ... لم تحدث تلك المقالة النكراء في شريعة الله الغراء، بسبب اجتهاد خاطئ من قبل أصحابها إنماتم ذلك من عدو ماكر حاقد على الإسلام والمسلمين، قصداً للتلاعب بهذا الدين القويم – ضل سعيهم اللعين –. ... فأول من افترى ذلك الإثم المبين رجل خبيث من النصارى المجرمين وهو سوسن اللعين، ثم تبناه زائغان من المسلمين روى الآجري عن الأوزاعي – عليهما رحمة الله تعالى – أنه قال: أول من نطق في القدر: رجل من أهل العراق، يقال له: سَوْسَن، وكان نصرانياً فأسلم، ثم تنصر فأخذ عنه مَعْبَد الجُهني، وأخذ غَيْلان عن مَعْبَد (¬2) . ... أما "سَوْسَن" الخبيث فلم أقف على نهاية أمره فيما وقفت عليه من كتب أئمتنا الكرام، ولعله لحق بديار قومه المشركين، كما رجع إلى دينهم المعوج السقيم، وهذا ديدن أكثر رؤوس الضلالات يشيعونها ويحملون غيرهم تبعتها، ليبوء بإثمها وعقوبتها. ¬

_ (¬1) - انظر فتح المغيث: (1/309) ، ونحوه في منهج ذوي النظر: (106) ، وتدريب الراوي: (216) والفتح المبين لشرح الأربعين: (73) ، وسنن البيهقي – كتاب الشهادات – باب ما ترد به شهادات أهل الأهواء: (10/203) ، ومناقب الشافعي للبيهقي: (1/468) . (¬2) - انظر كتاب الشريعة: (243) ، ومثله في البداية والنهاية: (9/34) وتهذيب التهذيب: (10/226) ، وما جاء في مجموع الفتاوى: (7/384) من تسميته بسيسويه فهو تصحيف في الطباعة.

.. وأما "معبد الجهني" الذي تلقى تلك الضلالة عن "سوسن النصراني" فقد حذر منه السلف الكرام، وضللوه وحكموا عليه بالإجرام، ثم حل به بأس ذي العزة والانتقام، فشيخ الإِسلام في زمن التابعين الحسن البصري – عليه رحمة رب العالمين – كان ينهي عم مجالسة معبد، ويقول: لا تجالسوه، فإنه ضال مضل (¬1) ، وقال طاوس – عليه رحمة الله تعالى –: أخروا معبداً الجهني، فإنه كان قدرياً يتكلم في القدر، ورآه مرة في الطواف فقال له: أنت المفتري على الله، القائل ما لا تعلم؟ فقال معبد: إنه يكذب عليّ، ودخل طاوس على ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم – وسأله عن الذين يقولون في القدر، فقال ابن عباس: رضي الله تعالى عنهما –: أروني بعضهم، فقال الحاضرون: صانع ماذا؟ قال: إذاً أضع يدي في رأسه فأدق عنقه (¬2) ، وقد قال عمرو بن العاص – رضي الله تعالى عنه – لمعبد الجهني لما اجتمع به: يا تيس جهينة ما أنت من أهل السر ولا العلانية، وإنه لا ينفعك الحق، ولا يضرك الباطل، وعقب الإمام ابن كثير رحمه الله الجليل – على ذلك بقوله: ولهذا كان هو أول من تكلم في القدر، ويقال: إنه أخذ ذلك عن رجل من النصارى من أهل العراق يقال له سوسن 10هـ ونقل ابن حجر عن مسلم بن يسار- رحمهم الله جميعاً – أنه كان يقول: إن معبداً يقول بقول النصارى (¬3) . ¬

_ (¬1) - انظره في كتاب الشريعة: (243) ، وميزان الاعتدال: (4/141) ، والبداية والنهاية: (9/34) وتهذيب التهذيب: (10/226) ، وفيه جاء مثل ذلك عن الحسن من وجوه كثيرة. (¬2) - انظر ذلك في كتاب الشريعة: (124، 241) ، ونحوه في تهذيب التهذيب: (10/226) . (¬3) - انظر الخبر الأول في البداية والنهاية: (9/34) ، والثاني في تهذيب التهذيب: (10/226) ، وانظر ابتداعه لتلك الضلالة وعدم موافقة أحد له من أصحاب الهداية في طبقات ابن سعد: (7/264) عن عبد الله بن عون.

وقد روى ابن منده عن يحيى بن يعمر – رحمهم الله تعالى جميعاً – ما يدل على أن بداية معبد الجهني كانت منحرفة حيث ذكر عنه أنه كان فيه زهو، وكان يتوثب على جيرانه، ثم قرأ القرآن، وفرض الفرائض وقص على الناس، ثم إنه صار من أمره أن العمل أنف، من شاء عمل خيراً، ومن شاء عمل شراً (¬1) . ... وكانت عاقبة أمره خسراً، إذ ذاق وبال أمره فقتل سنة ثمانين على الراجح في عهد خلافة عبد الملك بن مروان، والذي تولى قتله الحجاج بن يوسف الثقفي – فعاقبه عقوبة عظيمة ثم قتله لخروجه على الخلافة وقيل: إن عبد الملك بن مروان هو الذي صلبه ثم قتله لتكلمه في القدر، قال الإمام ابن كثير – عليه رحمة الرب القدير – وقيل: إن الأقرب قتل عبد الملك له 1هـ والذي يظهر للعبد الضعيف: أن الحجاج هو الذي تولى قتله بطلب من عبد الملك بن مروان لإفساده أذهان الناس بما استحدثه من القول في القدر، ووافق ذلك خروج معبد على الخلافة، فقتله الحجاج بعد أن نكل به (¬2) . ... وبعد مقتل معبد الجهني آل ذلك المذهب الردي إلى غَيْلان الدمشقي الذي كان تلميذاً لمعبد الغوي، وقد حذر السلف الصالح من غَيْلان، وكانت عاقبة أمره إلى الخسران، قال مكحول: حسب غيلان الله، لقد ترك هذه الأمة في مثل لجج البحار، وقال له: ويحك يا غيلان، لا تموت إلا مفتوناً (¬3) . ¬

_ (¬1) - انظر ذلك في كتاب الإيمان: (1/143) . (¬2) - انظر إيضاح ذلك في البداية والنهاية: (9/34) ، وتهذيب التهذيب (10/226) . (¬3) - انظر ذينك الخبرين في الشريعة: (242) ، ونحوه في تهذيب التهذيب: (4/424) ولسان الميزان: (4/424) .

.. وقد أظهر غيلان مذهبه في زمن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى – ورضي عنه (¬1) – فاستدعاه عمر فأظهر غَيْلان الرجوع، وقال لعمر: قد كنت أعمى فبصرتني، وأصم فأسمعتني، وضالاً فهديتني، أشهدك يا أمير المؤمنين أني تائب مما كنت أقول، فقال عمر: اللهم إن كان عبدك غيلان صادقاً فثبته، وإن كان كاذباً فاجعله آية للمؤمنين. ¬

_ (¬1) - وكانت خلافته لعشر مضين من شهر صفر الخير سنة تسع وتسعين هجرية، حتى توفي لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة، انظر ترجمته العطرة في البداية والنهاية: (9/192-219) ، وانظر أخباره في كتاب الخليفة الزاهد للشيخ عبد العزيز سيد الأهل.

.. لكن غيلان كان كاذباً فما أقر به على نفسه من الرجوع عن ذلك المذهب الردي والتوبة إلى ربه القاهر القوي – "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (¬1) " فأظهر في زمن الخليفة هشام بن عبد الملك (¬2) الكلام في القدر، فناظره شيخ المسلمين الأوزاعي – عليه رحمة الملك الباقي – وأفتى بقتله إن لم يرجع عن زيغه، فأصر على سوء اعتقاده، فأخذه هشام بن عبد الملك فقطع لسانه ثم قتله وصلبه، وبذلك تحققت دعوة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز – رضي الله تعالى عنه – قال الساجي: كان غيلان قدرياً، دعا عليه عمر بن عبد العزيز فقتل وصلب، وكان غير ثقة ولا مأمون، وكان مالك ينهى عن مجالسته، وقال الآجري: كان غيلان مصراً على الكفر بقوله في القدر، فإذا حضر عند عمر بن عبد العزيز نافق، وأنكر أن يقول بالقدر، فدعا عليه عمر بأن يجعله الله – عز وجل – آية للمؤمنين إن كان كذاباً، فأجاب الله – عز وجل – فيه دعوة عمر، فتكلم غيلان في وقت هشام، فقتله وصلبه، وقبل ذلك قطع يده ولسانه. ¬

_ (¬1) - كما قال ربنا – جل وعلا – في سورة فاطر، آية: (43) . (¬2) - وكانت بداية خلافته سنة خمس ومائة: وليس بينه وبين عمر بن عبد العزيز إلا خلافة أخيه يزيد ابن عبد الملك، كما في البداية والنهاية: (9/233) .

.. وقد حسَّن أئمة الإسلام ما فعله الخليفة هشام، بالضال غيلان، فكتب رجاء بن حَيْوَة (¬1) إلى هشان يقول له: بلغني – يا أمير المؤمنين – أنه وقع في نفسك شيء من قتل غيلان، فوالله لقتله أفضل من قتل ألفين من الروم، وقال عبادة بن نُسَيّ (¬2) لما بلغه قتل غيلان: أصاب أمير المؤمنين السنة والقضية، ولأكتبن إلى أمير المؤمنين، فلأحسنن له ما صنع، وقد قرر الإمام ابن تيمية أن قتل غيلان موافق للأدلة الشرعية، فقال – عليه رحمة رب البرية –: والمسلمون أقاموا الحجة على غيلان وناظروه، وبينوا له الحق، كما فعل عمر بن عبد العزيز – رضي الله تعالى عنه – واستتابه، ثم نكث بعد التوبة فقتلوه (¬3) . وبمقتل غيلان انتهى مذهب القدرية الغلاة (¬4) ، وآل ذلك المذهب إلى المعتزلة الغواة، فنحتوا المذهب بعض النحت، وهذبوه نوعاً ما، وهم القدرية المعتزلة، وإليك تفصيل أمرهم. ب- القسم الثاني قدرية معتزلة: ¬

_ (¬1) - وهو شيخ أهل الشام، ثقة فقيه كما في تذكرة الحفاظ: (1/118) ، وتهذيب التهذيب: (1/248.) (¬2) - وهو شيخ أهل الشام، ثقة فاضل، قال مسلمة بن عبد الملك الأمير: بعبادة بن نُسَيّ، ورجاء بن حَيْوَة وعدي بن عدي ننصر على الأعداء، وينزل الله الغيث من المساء – رحمهم الله جميعاً – كما في تهذيب التهذيب: (5/114) . (¬3) - انظر درء تعارض العقل والنقل: (7/173) ، وانظر تفصيل ما تقدم في كتاب الشريعة: (228-229، 232) ، ولسان الميزان: (4/424) ، والمعارف: (212) ،وإياك والإصغاء لما جاء في كتاب طبقات المعتزلة السفهاء: لعبد الجبار صاحب البدع والأهواء: (229-233) من مجازفة في الثناء، على غيلان وغيره من الأشقياء. (¬4) - قال الإمام ابن حجر في الفتح: (1/119) ، قال القرطبي وغيره: قد انقرض هذا المذهب ولا نعرف أحداً ينسب إليه من المتأخرين 10هـ ونحوه في شرح الإمام النووي: (1/154) .

يتلخص قول هذه الفرقة الضالة في القدر: أن الله – جل وعلا – عالم بأفعال العباد قبل وقوعها – وهذا خلاف قول القدرية الغلاة –، وهو قول أهل الحق الهداة، لكن القدرية المعتزلة أُركسوا في الضلال المبين، ومخالفة السلف الصالحين، فقالوا: إن أفعال المكلفين، مقدورة لهم وواقعة على جهة الاستقلال، والله قدر الخير وأراده، ولم يقدر الشر ولم يرده، وهذا المذهب مع كونه مذهباً باطلاً في الدين أخف من مذهب الغلاة المتقدمين، ويرد على هذا المذهب باختصار بما قاله الإمام الشافعي شيخ الأخيار – عليهم جميعاً رحمة العزيز الغفار – ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا، وأن أنكروه كفروا، يعني يقال للقدري: أيجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم، فإن منع وافق قول أهل السنة، وإن أجاز لزمه نسبة الجهل إلى الله وهو كفر – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – (¬1) . وقد ناظر أئمة السنة الكرام، أكابر المعتزلة اللئام، وفندوا ما تعلقوا به من أوهام، وإليك بعض تلك المناظرات المحكمة الحسان: ¬

_ (¬1) - انظر إيضاح ذلك في فتح الباري: (1/119) ، وشرح الإمام النووي: (1/154) ، ومجموع الفتاوى: (23/349) .

.. اجتمع الإمام أبو إسحاق الإسفراييني (¬1) من أئمة أهل السنة – عليه رحمة الله تعالى – مع القاضي عبد الجبار المعتزلي (¬2) . ¬

_ (¬1) - نسبة إلى إسفرايين بليدة بنواحي نيسابور إليها ينسب أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإمام المشهور المتوفى سنة ثمان عشرة وأربعمائة، كما في اللباب: (1/55) ، وطبقات الشافعية الكبرى: (4/256-262) والبداية والنهاية: (12/24) ، وشذرات الذهب: (3/209) ، وتبيين كذب المفتري: (243-244) . (¬2) - وهو من غلاة المعتزلة كما في الميزان: (2/533) ، وهو الذي تلقبه المعتزلة قاضي القضاة، ولا يطلقون هذا اللقب على سواه، ولا يعنون به عند الإطلاق غيره، وهو إمام الاعتزال في زمانه كما في طبقات الشافعية: (5/97) ، قال ابن العماد في الشذرات: (4/202) عمر دهراً في غير السنة وتوفي سنة خمس عشرة وأربعمائة وانظر ترجمته في طبقات المفسرين للسيوطي: (59) ،وطبقات المفسرين للداودي: (1/262) ، ولسان الميزان: (3/386) ، وتاريخ بغداد: (11/113) .

فقال المعتزلي: سبحان من تنزه عن الفحشاء، ومراده بذلك أن المعاصي كالسرقة والزنا بمشيئة العبد، دون مشيئة الرب – جل وعلا – لأن الله أعلا وأجل من أن يشاء القبائح في زعم المعتزلة، فقال الإمام أبو إسحاق: كلمة حق أريد بها باطل، ثم قال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، فقال عبد الجبار: أفيريد ربنا أن يعصى؟ فقال أبو إسحاق: أفيعصى ربنا مكرهاً، فقال عبد الجبار: أتراه يخلقه فيّ، ويعاقبني عليه؟ فقال أبو إسحاق: أتراك تفعله جبراً عليه؟ أأنت الرب وهو العبد؟ فقال عبد الجبار، أرأيت إن دعاني إلى الهدى، وقضى عليّ بالردى، أتراه أحسن إليّ أم أساء؟ فقال أبو إسحاق: إن كان الذي منعك منه ملكاً لك فقد أساء، وإن كان له فأعطاك ففضل، وإن منعك فعدل، وهو الذي يفعل ما يشاء، فبهت عبد الجبار، وقال الحاضرون: ما لهذا جواب (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر تلك المناظرة في طبقات الشافعية الكبرى: (4/261-262، 5/98) ، ودفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب: (286) ، ومجموع الفتاوى الكبرى: (18/140) ، وتحفة المريد: (1/60) ، وفتح الباري: (13/451) .

وقد وقعت قصة لأعرابي مع إمام المعتزلة الغوي، خصمه بها الأعرابي، ودحض مذهبه الردي وحاصل تلك الحادثة: أنه جاء أعرابي إلى عمرو بن عبيد وقال له: ادع الله لي أن يرد عليَّ حمارتي فقد سرقت مني، فقال عمرو بن عبيد، اللهم إن حمارته قد سرقت ولم ترد سرقتها فارددها عليه، فقال الأعرابي: يا شيخ السوء كف عن دعائك الخبيث، إن كانت سرقت ولم يرد سرقتها، فقد يريد ردها ولا ترد، وفي كتاب الشريعة للآجري، قال أبو الفضل العباس بن يوسف الشِّكْلِي، قال بعض العلماء مسألة يقطع بها القدري، يقال له: أخبرنا أراد الله – عز وجل – من العباد أن يؤمنوا فلم يقدر أو قدر ولم يرده؟ فإن قال: قدر فلم يرد، قيل له: فمن يهدي من لم يرد الله هدايته؟ فإن قال: أراد فلم يقدر، قيل له: لا يشك جميع الخلق أنك كفرت يا عدو الله (¬1) . أشنع ضلالات القدرية المعتزلة، وأركان نحلتهم الباطلة: ضم المعتزلة إلى ضلالهم في قدر الله ومشيئته ضلالات أخرى، قام على مجموعها مذهب الاعتزال عرفت بأصول المعتزلة، وها هي مفصلة: ¬

_ (¬1) - انظر الشريعة: (244) ، والشِّكْلِي: بكسر الشين المعجمة، وسكون الكاف، وفي آخرها اللام هذه النسبة إلى شِكْل، وينسب إليها أبو الفضل العباس بن يوسف الشِّكْلِي، كان روعاً ناسكاً – عليه رحمة الله تعالى – كما في اللباب: (2/205) .

1- العدل: وإليه ينسبون أنفسهم فيقولون: الطائفة العدلية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية – ومضمون عدلهم: أن الله – جل وعلا – لم يشأ جميع الكائنات ولا خلقها كلها، ولا هو قادر عليها كلها، بل عندهم أن أفعال العباد لم يخلقها الله لا خيرها ولا شرها، ولم يرد إلا ما أكمر به شرعاً، وما سوى ذلك فإنه يكون بغير مشيئة 10هـ وفي شرح الطحاوية: أما العدل فستروا تحته نفي القدر، وقالوا: إن الله لا يخلق الشر ولا يقضي به، إذ لو خلقه ثم يعذبهم يكون ذلك جوراً، والله عادل لا يجور، ويلزم على هذا الأصل الفاسد أن الله – تبارك وتعالى – يكون في ملكه ما لا يريده، فيريد الشيء ولا يكون ولازمه وصفه بالعجز – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (¬1) – ولله در قاضي القضاء عبد الرحمن العلامي – عليه رحمة الله تعالى – إذ أنشد: قالوا يريدُ ولا يكون مراده ... عَدَلوا ولكن عن طريق المعرفة (¬2) . ¬

_ (¬1) - انظر مجموع الفتاوى: (13/357-386) ، وهو ضمن دقائق التفسير أيضاً: (1/34، 70) وشرح الطحاوية: (474) ، والتنبيه والرد: (37) . (¬2) - كما في البحر المحيط: (4/386) ، وقاضي القضاة العلامي يعرف بابن بنت الأعز، وهو شيخ أبي حيان، وكان من أحسن القضاة سيرة توفي سنة خمس وتسعين وستمائة كما في طبقات الشافعية الكبرى: (8/172-175) ، وفيه ذكر محنة له، كاده بها الحساد، فوقاه من مكرهم رب العباد.

قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: سبب ضلال القدرية المعتزلة في إرادة الله ومشيئته: هو التسوية بين إرادة الله الشرعية، وإرادته الكونية القدرية، وذلك السبب هو سبب ضلال مقابلهم أيضاً وهم القدرية الجبرية، لكن اختلفت كيفية ضلال الفرقتين، في إرادة رب الكونين، فالقدرية المعتزلة ألغت إرادة الله الكونية، والقدرية الجبرية نفت إرادة الله الشرعية، وسوى كل من الفرقتين بين الإرادتين، فالجبرية ألغت اختيار العبد، ونفت عن المكلف الاختيار، وقالوا: هو كالريشة في مهاب الهواء، وهو مجبور على أفعاله، والقدرية أثبتت للعبد الاختيار والإرادة استقلالاً، وقالوا: لا دخل لمشيئة الله وإرادته في فعله، وليس لله – عز وجل – إلا الأمر والنهي، أما اختيار أحد الأمرين فواقع من قبل العبد واختياره، دون تعلق ذلك بإرادة الله ومشيئته، فالعبد هو الذي يخلق أفعال نفسه ويقدرها: وما يفعله من الكفر والفسوق والعصيان واقع بمشيئته لا بمشيئة الرحمن، وقد وصل الشطط بثمامة بن الأشرس المعتزلي، أنه امتنع عن إطلاق القول بأن الله خلق الكافر، لأن الكافر: كفر، وإنسان، والله لا يخلق الكفر (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر الملل والنحل: (1/110) ، وهلك ثمامة سنة ثلاثة وسبعين ومائة، قال الذهبي في الميزان: (1/371-372) من كبار المعتزلة، ومن رؤوس الضلالة 10هـ وفي تاريخ بغداد: (7/148) كان رجل في سفينة في البحر، فسمع هاتفاً يهتف، وهو يقول: لا إله إلا الله كذب المريسي على الله، ثم عاد الصوت فقال: لا إله إلا الله على ثمامة لعنة الله، وفي مجموع الفتاوى: (5/110) كان ثمامة بن أشرس يقول: ثلاثة من الأنبياء مشبهة: موسى وعيسى ومحمد عليهم صلوات الله تعالى وسلامه، وانظر بقية مخازيه في الفرق بين الفرق: (172-175) ، والفصل في الملل والأهواء والنحل: (8/148-149) ولسان الميزان: (2/83-84) .

وقد هدى الله أهل السنة الكرام، للحق الذي دلت عليه آيات القرآن، وأحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: إن الله – جل وعلا – قدر الأشياء في الأزل، وشاءها، وأرادها خيرها وشرها، فلا يقع شيء إلا وفق إرادته ومشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وإرادة الله – جل وعلا – تنقسم إلى قسمين: 1- إرادة شرعية: ولا تكون إلا فيما يحبه الله ويرضاه، وهي مرادفة للأمر، ومستلزمة للرضا، وقد يوجد مقتضاها، وقد يتخلف، قال الله – عز وجل –: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات56، وقال – جل وعلا –: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ} النساء64، وتخلف المراد لا ينتج عنه أي إشكال، لأن مرد ذلك إلى الإرادة الشرعية. ... وقد يوجد مقتضاها، وقد يتخلف، والواقع أنه قد تخلف في الأكثرية الغالبية، فالله – جل وعلا – أخبرنا في الآيتين الكريمتين أنه فعل كذا لنفعل نحن كذا، يوضح هذا ما ثبت في المسند والصحيحين عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "يقول الله تبارك وتعالى – لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة: لو كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتدياً بها؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي (أحسبه قال) ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر صحيح مسلم – كتاب صفات المنافقين – باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهباً: (4/2160) وصحيح البخاري – أول كتاب الأنبياء –: (6/363) ، وكتاب الرقاق – باب من نوقش الحساب عذب –: (11/400) ، وباب صفة الجنة والنار –: (11/416) بشرح ابن حجر في الجميع، والمسند: (3/127، 129، 218، 239) .

2- إرادة كونية: وتكون فيما يحبه الله – جل وعلا – وفيما لا يحبه، وهي مرادفة للمشيئة العامة وتستلزم المحبة أو السخط، ولا يتخلف مقتضاها بحال، قال الله – عز وجل –: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} البقرة253. ... وقال – تبارك وتعالى –: {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} الأنعام125. ... والعلاقة بين الإرادة الشرعية، والإرادة الكونية القدرية، منحصرة في أربع صور، هاك بيانها: 1. وجود الإرادتين واجتماعهما: كما هو الحال في إيمان المؤمنين، فالله – جل وعلا – قد أمرهم بالإيمان، وشاءه لهم. 2. انتفاء الإرادتين وعدم حصولهما، وذلك في كفر المؤمنين، فالله – تبارك وتعالى – لم يأمرهم به، بل نهاهم عنه، وما شاءه لهم. 3. ثبوت الإرادة الكونية، وانتفاء الإرادة الشرعية، مثل كفر الكافر، فالله – عز وجل – لم يأمره به، وهو واقع بمشيئته.

4. وجود الإرادة الشرعية، وانتفاء الإرادة الكونية، عكس الصورة الثالثة، كحال إيمان الكافر فالله – جل وعلا – أراد منه الإيمان حيث أمره به لكنه لم يشأه له (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر تفصيل هذا وإيضاحه في مجموع الفتاوى: (8/186-190) ، وشفاء العليل: (280-282) ، وشرح الطحاوية: (59-60) ، وروح المعاني: (23/244) ، والإتحافات السنية: (66-69) ، وشرح الواسطية للشيخ الهراس: (45) ، وانظر أحكام القرآن لابن العربي: (3/1234) ، وفيه: وهذه الجملة: "ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن" من نفيس اعتقاد أهل السنة 0 وانظر الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء: (80) ، والسنن الكبرى للبيهقي: (10/206) ، والاعتقاد له أيضاً: (72) ، والأسماء والصفات له أيضاً: (172) ، ومناقب الشافعي له أيضاً: (1/412) ، والبداية والنهاية: (10/254) ، وطبقات الشافعية الكبرى: (1/295) ، ففي كل ما تقدم شعر محكم عظيم للإمام الشافعي – عليه رحمة رب العالمين – قال ابن عبد البر في الانتقاء: وهو من شعره الذي لا يختلف فيه، وهو أصح شيء عنه، وهو من أثبت شيء في الإيمان بالقدر، وهذه هي الأبيات: فما شِئْتَ كان وإنْ لم أشَأ ... وما شِئْتُ إن لم تشأ لم يكنْ خَلقْتَ العباد على ما علِمْتَ ... في العلم يجري الفتى والمسن ج على ذا مَنَنْتَ وهذا خَذلْتَ ... وهذا أعَنْتَ وذا لم تُعِن فمنهم شقي ومنهم سعيد ... ومنهم قبيح ومنهم حسن

2- التوحيد: وتوحيدهم تلحيد، فهو توحيد الجهمية الذي مضمونه نفي الصفات عن رب البريات – جل وعلا – والقول بخلق القرآن، وعدم رؤية المؤمنين للرحمن في دار السلام (¬1) . قال عبد الرحيم: ومن عجيب أمر الزائغين أنهم يسترون مذاهبهم المرذولة بألفاظ معسولة فهذا محمد بن تُوْمَرْت البربري نفى صفات رب العالمين، كحال إخوانه من المعتزلة الضالين، وخلع على أصحابه لقب "الموحدين (¬2) ". 3- المنزلة بين المنزلتين: ¬

_ (¬1) - انظر مجموع الفتاوى: (13/357-386) ، وشرح العقيدة الطحاوية: (474) ، ومن أجل ذلك قيل للمعتزلة: إنهم مخانيث الجهمية، ومن قال عنهم: إنهم مخانيث الفلاسفة، لأنه لم يعلم أن جهماً سبقهم إلى هذا الأصل، أو لأنهم مخانيثهم من بعض الوجوه، وانظر مجموع الفتاوى: (8/227، 6/359) ولأجل هذا الأصل والذي قبله من أصولهم الباطلة حكم الشيخ ابن تيمية على المعتزلة الردية بأنهم مشبهة في الأفعال، معطلة في الصفات، كما في مجموع الفتاوى: (8/125) . (¬2) - توفي سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وكان يدعي أنه معصوم، وهو بالإجماع مخصوم، ودخل في أمور منكرة كثيرة كما في منهاج السنة: (2/167) ، ومجموع الفتاوى: (13/386) ، وشذرات الذهب: (4/70-72) وفي مجموع الفتاوى: (8/493) يقول شيخ الإسلام: ومن العجب أن المعتزلة – يفتخرون بأنهم أهل "التوحيد" وهم في توحيدهم نفوا الصفات نفياً يستلزم التعطيل والإشراك.

.. وبسبب قولهم بهذه الضلالة المخزية، سموا معتزلة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: اختلف الناس في قديم الزمان في الفاسق الملي، وهو أول اختلاف حدث في الملة، هل هو كافر أو مؤمن؟ فقالت الخوارج: إنه كافر وقالت الجماعة – أهل السنة الكرام –: إنه مؤمن، وقالت طائفة: نقول هو فاسق، لا مؤمن ولا كافر، ننزله منزلة بين المنزلتين وخلدوه في النار، واعتزلوا حلقة الحسن البصري وأصحابه – عليهم رحمة الله تعالى – فسموا معتزلة 10هـ فالفاسق لا يسمى مؤمناً بوجه من الوجوه، كما لا يسمى كافراً، فنزلوه في منزلة بين منزلتين فمرتكب الكبيرة خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر، هذا في أحكام الدنيا، أما في الآخرة فحكموا عليه بالخلود في النار، وقالوا: ما الناس إلا رجلان: سعيد لا يعذب، أو شقي لا ينعم، والشقي نوعان: كافر وفاسق (¬1) . ... قال عبد الرحيم: ما ابتدعه المعتزلة من القول بالمنزلة بين المنزلتين، لم يوافقهم عليه أحد من سائر طوائف المسلمين، وذلك القول منكر في الدين، وترده من جهات كثيرة أدلة الشرع الحكيم، وأبرز تلك الأدلة ثلاثة: ¬

_ (¬1) - انظر مجموع الفتاوى: (3/182-183، 7/484، 8/242، 257، 670، 13/386) ، وشرح الطحاوية: (474) والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: (36-37) .

أ- المكلفون في شرع الرحمن صنفان: كافر من أهل النيران، ومسلم من أهل الجنان، ولا واسطة بينهما في المكلفين من إنس وجان، فحكم المعتزلة على فاعل الكبيرة بعدم الكفر والإيمان قول مخترع من وساس الشيطان، والقول الحق في ذلك ما قرره أهل السنة الكرام، من أن فاعل الكبيرة لم يخرج عن الإسلام، وهو مؤمن بإيمانه، فاسق بعصيانه، ويصح نفي الإيمان عنه نظراً لانتفاء كماله الواجب، ويصح إطلاق الإيمان عليه نظراً إلى إقراره، كما يصح نفي الكفر عنه لانتفاء حقيقته، ويصح إطلاقه عليه نظراً لفعله فعل الكافرين، وبهذا القول تجتمع أدلة الشرع المبين، ويزول ما بينها من تعارض متوهم في أذهان الزائغين (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر تقرير هذا وتوضيحه في مجموع الفتاوى: (8/14-15، 241، 524) ، وفتح الباري: (1/46) وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم: (1/146-147، 217-220) .

ب- حكم المعتزلة على فاعل الكبيرة بالخلود في النار، مناقض للأدلة القطعية في شرع الله الواحد القهار، وأصرحها ما ثبت عن نبينا – صلى الله عليه وسلم –: "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" قال أبو ذر – رضي الله تعالى عنه – قلت: وإن زنى، وإن سرق، قال: "وإن زنى وإن سرق"، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال "وإن زنى وإن سرق "ثلاثاً"، ثم قال في الرابعة: "رغم أنف أبي ذر" فخرج أبو ذر وهو يقول: وأن رغم أنف أبي ذر (¬1) . ¬

_ (¬1) - هذا لفظ رواية الإمام مسلم في كتاب الإيمان – باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات مشركاً دخل النار –: (1/95) ، ورواه بمثله الإمام أحمد في مسنده: (5/166) ، وانظره في صحيح البخاري أول كتاب الجنائز: (3/110) ، وفي كتاب بدء الخلق – باب ذكر الملائكة –: (6/306) ، وفي كتاب الاستئذان – باب من أجاب بلبيك وسعديك: (11/61) ، وفي كتاب الرقاق – باب 14: (11/264) وفي كتاب التوحيد – باب 33 –: (13/461) ، وبنحوه أيضاً في كتاب الاستقراض – باب أداء الديون: (5/55) بشرح ابن حجر في جميع ما تقدم، وهو في المسند أيضاً: (5/152، 161) ، وسنن الترمذي آخر كتاب الإيمان –: (7/299) واستظهر ابن حجر – رحمه الله تعالى – في الفتح: (3/111، 6/311) أن القائل في جميع ما تقدم أبو ذر – رضي الله تعالى عنه – والمقول له هو النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد ورد التصريح بذلك في رواية البخاري في كتاب الاستئذان المتقدمة، وكذلك في روايته في كتاب اللباس – باب الثياب البيض –: (10/283) بشرح ابن حجر، ووقع التصريح بكون القائل هو النبي – صلى الله عليه وسلم – والمقول له جبريل – عليه السلام – في صحيح البخاري – كتاب الرقاق – باب المكثرون هم المقلون: (11/261) بشرح ابن حجر، وفي صحيح مسلم أيضاً في كتاب الزكاة – باب الترغيب في الصدقة: (2/688) وفيه زيادة: "وإن شرب الخمر"، وللجمع بينهما يقال كما في الفتح: (3/111) يمكن أن يكون النبي – صلى الله عليه وسلم – قال مستوضحاً، وأبو ذر – رضي الله تعالى عنه – قاله مستبعداً 1هـ.

قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى –: اعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف: أن من مات موحداً دخل الجنة قطعاً على كل حال، فإن كان سالماً من المعاصي كالصغير، والمجنون، والذي اتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلاً، فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلاً، وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة، فهو في مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه، وأدخله الجنة أولاً وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده – سبحانه وتعالى – ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد، ولو عمل من المعاصي ما عمل كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر لمذهب أهل الحق في هذه المسألة وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأئمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي، ثم قال عقب الحديث المتقدم: وأما قوله – صلى الله عليه وسلم –: "وإن زنى وإن سرق" فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها، وختم لهم بالخلود في الجنة 10هـ. ونحوه في فتح الباري، وعبارة الحافظ: وفي الحديث: أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر شرح النووي على صحيح مسلم: (1/217، 2/97) ، وفتح الباري:: (3/111) ، وفيه والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإشارة إلى جنس حق الله، وحق العباد.

ج- لا يستقيم في كرم الرحيم الرحمن ضياع أجر أصل الإيمان، وجميع طاعات الرحمن، بمعصية يقع فيها الإنسان، قال شيخ الإسلام – عليه رحمة ذي الجلال والإكرام –: إن الله – جل وعلا –لم يجعل شيئاً يحبط جميع الحسنات إلا الكفر، كما أنه لم يجعل شيئاً يحبط جميع السيئات إلا التوبة والمعتزلة مع الخوارج يجعلون الكبائر محبطة لجميع الحسنات حتى الإيمان (ويرد هذا القول صريح القرآن) قال الله – تبارك وتعالى –: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة217، فعلق الحبوط بالموت على الكفر، وقد ثبت أن هذا – فاعل الكبيرة – ليس بكافر، والمعلق بشرط يعدم عند عدمه (¬1) . 4- إنفاذ الوعيد: ويقصد المعتزلة بذلك وجوب عقاب الله للعاصين، وتخليدهم في نار الجحيم، فلا تقبل فيهم شفاعة الشافعين، ولا يصح لله أن يغفر لهم في حين من الأحايين (¬2) . ¬

_ (¬1) - انظر مجموع الفتاوى: (8/492) ، ونحوه في الإحياء: (1/125) ، وانظر لزاماً حبوط بعض الأعمال لما يقع فيها من شوائب من قبل العمال في الوابل الصيب: (11-14) . (¬2) - انظر إيضاح هذا في مجموع الفتاوى: (13/358، 387) ، وشرح الطحاوية: (474) ، والملل والنحل: (1/52) ، والفرق بين الفرق: (118-119) ، وفيه: إن واصلاً وعمراً وافقا الخوارج في تأبيد عقاب صاحب الكبيرة في النار، مع قولهما بأنه موحد، وليس بمشرك ولا كافر، ولهذا قيل للمعتزلة: إنهم مخانيث الخوارج، لأن الخوارج لما رأوا لأهل الذنوب الخلود في النار سموهم كفرة وحاربوهم، والمعتزلة رأت لهم الخلود في النار، ولم تجسر على تسميتهم كفرة، ولا جسرت على قتال أهل فرقة منهم، فضلاً عن قتال جمهور مخالفيهم 10هـ.

.. قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – يدور هذا الأصل من أصول المعتزلة السفهاء على أمرين دل على بطلانهما شريعة رب الأرض والسماء، وهما: أ) تخليد عصاة المؤمنين في نار الجحيم، وقد تقدم بطلان هذا بآي الذكر الحكيم، وأحاديث سيد ولد آدم أجمعين – عليه صلوات الله وسلامه –. ب) وجوب عقوبة العصاة، وعدم جواز المغفرة لأصحاب السيئات، من المؤمنين والمؤمنات، ولو شفع لهم خير البريات – عليه أزكى السلام وأفضل الصلوات – أو أراد رحمتهم رب الأرض والسموات، وزعموا أنه لو لم تقع عقوبة المجرمين لحصل الخلف في وعيد رب العالمين، والله لا يخلف الميعاد، كما أخبر بذلك رب العباد: آل عمران: (9) . ... قال مقيد هذه الأسطر – ستره الله تعالى –: وهذا الأمر الثاني باطل أيضاً، لدلالة الأدلة الشرعية القطعية على أن جميع الوعيدات مشروطة بشرطين، وإذا انحزم أحدهما فلا تحصل تلك الوعيدات، وذانك الشرطان هما:

1- عدم توبة المذنب وإنابته إلى ربه، فلو تاب لن يلتحق به العقاب كما قال الرحيم التواب: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً} النساء17، وروى ابن جرير وغيره عن قتادة – رحمهم الله جميعاً – قال: اجتمع أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرأوا أن كل شيء عصى به فهو جهالة عمداً كان أو غيره وروى هو وغيره أيضاً عن الضحاك – رحمهم الله جميعاً قال: كل شيء قبل الموت فهو قريب (¬1) . وقد دلت الأحاديث الصحيحة الثابتة عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أن توبة العبد صحيحة مقبولة ما لم يعاين أحوال الآخرة، وذلك في حالتين: ¬

_ (¬1) - انظر الأثرين في تفسير ابن جرير: (4/204) ، والأثر الأول رواه عبد الرزاق أيضاً وروى الثاني سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والبهيقي في الشعب كما في الدر المنثور: (2/130) وقد ورد ذلك المعنى عن جم غفير من السلف بعبارات مختلفة فانظرها، وفي تفسير ابن كثير: (1/463) ، قال الألوسي في روح المعاني: (4/238) : المراد من الجهالة: الجهل والسفه وبارتكاب ما لا يليق بالعاقل، ولا عدم العلم، والجهل بهذا المعنى واردة في كلام العرب كقوله: ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا ... فنَجْهَلَ فوق جَهْل الجاهلينا وانظر كتاب الحسنة والسيئة للإمام ابن تيمية: (204-207) ضمن شذرات البلاتين.

أ) بلوغ الروح الحلقوم، ومكابدة غم الغرغرة، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" وفي لفظ اجتمع أربعة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن الله – تبارك وتعالى – يقبل توبة العبد قبل أن يموت بيوم" فقال الثاني: آنت سمعت هذا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم –؟ قال: نعم، قال: وأنا سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن الله – تبارك وتعالى – يقبل توبة العبد قبل أن يموت بنصف يوم" فقال ثالث: آنت سمعت هذا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم –؟ قال: نعم، قال: وأنا سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن الله – تبارك وتعالى – يقبل توبة العبد قبل أن يموت بضحوة" فقال الرابع: آنت سمعت هذا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: نعم، قال: وأنا سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر بنفسه (¬1) ¬

_ (¬1) - الرواية الأولى في سنن الترمذي – كتاب الدعوات – باب 103: (9/192) ، وقال: هذا حديث حسن غريب، ونقل المنذري في الترغيب والترهيب: (4/93) ، والذهبي في الميزان: (2/552) ، والعراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (4/447) تحسين الترمذي ولم يعترضوا عليه وقد صححه الحافظ في الفتح: (11/353) ورواه الحاكم في المستدرك – كتاب التوبة والإنابة: (4/257) ،وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي ورواه ابن حبان كما في موارد الظمآن – كتاب التوبة – باب إلى متى تقبل التوبة: (607) ورواه ابن ماجه في كتاب الزهد – باب ذكر التوبة –: (2/1420) ، ورواه أحمد في المسند: (2/132-153) وسنده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (9/19) 6460 ورواه البغوي في شرح السنة – كتاب الدعوات – باب التوبة: (5/91) ورواه أبو نعيم في الحلية: (5/190) ، ورواه البيهقي في شعب الإيمان كما في الدر: (2/131) كلهم من رواية ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – وما جاء في سنن ابن ماجه تسميته ابن عمرو فهو وهم كما في تفسير ابن كثير: (1/463) ، وتعليق الشيخ شاكر: (9/20) ، والرواية الثانية رواها الإمام أحمد في المسند: (3/425، 5/362) ورجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن البَيْلماني وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (10/197) ، ورواه الحاكم في كتاب التوبة والإنابة: (4/257) ، وسكت عليه هو والذهبي، وروى نحوه البيهقي في الشعب كما في الدر: (2/131) كلهم عن رجل من الصحابة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – والحديث رواه الحاكم أيضاً في المكان المتقدم، وسكت عليه هو والذهبي، وأحمد في المسند: (2/206) وفيه راوٍ لم يسم وبقية رجاله ثقات كما في مجمع الزوائد: (10/197) ، والطيالسي كما في منحة المعبود: (2/78) ، وعزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى ابن جرير، والخطيب في المتفق والمفترق، والبيهقي في شعب الإيمان كلهم من رواية عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما –، وألفاظ الروايات متقاربة، وهذا لفظ الحاكم: "من تاب قبل موته بعام تيب عليه، حتى قال: بشهر، حتى قال: بجمعة، حتى قال: بيوم، حتى قال: بساعة، حتى قال: بفواق" وهو الزمن اليسير، وأصل اللفظ في لغة العرب يطلق على ما بين الحلبتين، فإذا حلبت الناقة تترك وقتاً يسيراً حتى ينزل شيء من اللبن ثم تحلب فما بين الحلبتين يقال له فواق كما في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: (378) ، وزاد المسير: (7/107) ، والبحر المحيط: (7/387) والفواق بضم الفاء، وفتحها بمعنىً واحد وفي سورة ص: {وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} 15 قرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الفاء والباقون بفتحها في تقريب النشر: (167) ، وانظر حجة القراءات: (613) ، والحديث رواه الخطيب في تاريخ بغداد: (8/317) عن عبادة بن الصامت – رضي الله تعالى عنه – ورواه عنه أيضاً الطبري في تفسيره: (4/205) ، وفي سنده انقطاع كما في تعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (2/513) ، والحديث رواه الحاكم في المكان المتقدم، وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي ورواه ابن حبان – في المكان المتقدم أيضاً – وأحمد في المسند: (5/174) ، والبزار كما في مجمع الزوائد: (10/198) ، والبخاري في التاريخ الكبير: (2/161) ، ونسبه السيوطي في الجامع الكبير: (1/186) إلى أبي يعلى، والضياء المقدسي، والبغوي في الجعديات كلهم عن أبي ذر – رضي الله تعالى عنه – ولفظ المسند: "إن الله يقبل توبة عبده، أو يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب، قالوا: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما الحجاب؟ قال: أن تموت النفس وهي مشركة"، والحديث بالرواية الأولى رواه ابن مَرْدُوْيَهْ عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – كما في تفسير ابن كثير: (1/464) ، والبزار أيضاًكما في مجمع الزوائد: (10/98) وعنه رواه الديلمي أيضاً كما في الجامع الكبير: (1/176) لكن بمعناه دون لفظه، وبالرواية الأولى رواه الطبري في تفسيره: (4/205) مرسلاً عن الحسن البصري: وبشير بن كعب – رحمهم الله جميعاً – قال الإمام ابن كثير في تفسيره: (1/464) وهذا مرسل حَسَنٌ عن الحسن.

". ب- طلوع الشمس من مغربها، وذلك من أشرطة الساعة الكبرى، ودليل هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت من معربها آمن الناس كلهم أجمعون، فيومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً". ... وثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه"، وفي صحيح مسلم وغيره أيضاً عن أبي موسى – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن الله – عز وجل – يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".

.. وثبت في سنن أبي داود وغيره عن معاوية – رضي الله تعالى عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها"، وفي لفظ للإمام أحمد: "فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل (¬1) ¬

_ (¬1) - انظر الحديث الأول في صحيح البخاري – كتاب التفسير – سورة الأنعام – باب 9، 10: (8/297) وكتاب الرقاق – باب 40: (11/352) ، وفي كتاب الفتن – باب 25: (13/82) ، بشرح ابن حجر في الجميع، وانظره في صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه إيمان: (1/137) ، وسنن أبي داود – كتاب الملاحم – باب أمارات الساعة: (4/492) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الفتن – باب طلوع الشمس من مغربها –: (2/1352) ، ومسند الإمام أحمد: (2/231، 313، 350، 372، 398، 530) ، وتفسير ابن جرير: (8/71، 72، 73، 74، 75) ، ومعالم التنزيل: (2/204) ، وانظر الدر المنثور: (3/57) وتفسير ابن كثير: (2/193) لترى من خرجه غير ما تقدم، وانظر الحديث الثاني في صحيح مسلم – كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار – باب استحباب الاستغفار والإكثار منه: (4/2076) ، وفي المسند: (2/257، 395، 427، 495، 506-507) ،وفي تفسير ابن جرير: (8/73) ، ومعالم التنزيل: (2/204) وشرح السنة – كتاب الدعوات – باب التوبة –: (5/83) ، ورواه ابن حبان، وابن زَنْجُوْيَهْ كما في الجامع الكبير: (1/761) ، وعبد الرزاق في تفسيره كما في تعليق الشيخ شاكر على المسند: (14/19) ، والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد: (10/198) ، هذا وقد وقفت على كلام للإمامين المباركين ابن كثير والهيثمي فيه غرابة، وأردت التعليق عليه، فرأيت الشيخ شاكر سبقني إلى ذلك، وما سبقني إليه هو ما أردت تقييده، لذلك آثرت ذكر كلامه بعد وقوفي عليه، والحمد لله رب العالمين، قال في تعليقه على حديث 7697 وهو في المسند: (2/275) : إسناده صحيح، ورواه الطبري في التفسير، ونقله عنه ابن كثير: (2/193) ثم قال عقب روايته: "لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة"، وعليه في هذا استدراك، فإنه في صحيح مسلم بنحوه، فلا ينبغي في هذا أن يوصف بأنه لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وأغرب مما صنع ابن كثير صنيع الحافظ الهيثمي، فإنه ذكر في مجمع الزوائد باللفظ الذي في صحيح مسلم، ثم قال: رواه الطبراني في الأوسط 10هـ مختصراً وانظر الحديث الثالث في صحيح مسلم – كتاب التوبة – باب قبول التوبة من الذنوب –: (4/2112) ، وفي مسند الإمام أحمد: (4/395، 404) ومعالم التنزيل: (2/204) ، وشرح السنة – كتاب الدعوات – باب التوبة: (5/82) ، ورواه الدارقطني في الصفات كما في الجامع الكبير: (1/182) . وانظر الحديث الرابع في سنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب في الهجرة هل انقطعت؟ (3/7-8) ، والمسند: (1/192، 4/99) ، والدارمي في كتاب السير – باب أن الهجرة لا تنقطع –: (2/240) ، والحديث رواه الطبراني وابن عساكر والبيهقي كما في الجامع الكبير: (1/908) ، والنسائي في السنن الكبرى كما في الفتح: (11/354) وسنده جيد، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (5/251) : ورواه الطبراني في الأوسط والصغير، والبزار، ورجال أحمد ثقات 1هـ، وقد حكم الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (1671) على إسناد الإمام أحمد بالصحة، وانظر الكلام على انحصار المقصود من الهجرة، في الهرب والطلب، وأقسام كل وحكمه في بحث سديد رشيد في أحكام القرآن لابن العربي: (484-487) ، ونقل خلاصة ذلك القرطبي في تفسيره: (5/349-351) ، وانظر فتح الباري: (6/37-39) .

". ... والحكمة في عدم قبول التوبة في ذلك الوقت أن طلوع الشمس من مغربها أول ابتداء قيام الساعة بتغير العالم العلوي، فإذا شوهد ذلك حصل الإيمان الضروري بالمعاينة، وارتفع الإيمان بالغيب، فهو كالإيمان عند الغرغرة، وهو لا ينفع، فالمشاهدة لطلوع الشمس من المغرب مثله، والآثار المتقدمة متفقة ودلالتها صريحة في إغلاق باب التوبة عند طلوع الشمس من المغرب، وعدم انفتاحه بعد ذلك؛لأن طلوع الشمس من مغربها أول الإنذار بقيام الساعة (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر إيضاح هذا وتقريره في فتح الباري: (11/354-355) ، وتفسير ابن جرير: (8/76) والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: (826-827) ، والإشاعة لأشراط الساعة: (169) والإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة: (169) .

2- عدم مغفرة الله الجليل لعبده المخطيء الذليل: كما دلت على ذلك آي التنزيل، وقررته أحاديث البشير النذير – صلى الله عليه وسلم – قال الله – جل وعلا –: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} النساء116 (¬1) ، ¬

_ (¬1) - من سورة النساء: (116) ، وفي سورة النساء أيضاً: (48) {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} ، وثبت في مسند أبي يعلى بسند رجاله رجال الصحيح غير حرب بن سريج وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (7/5) ، والبيهقي في الاعتقاد: (87-88) وابن أبي عاصم في السنة: (2/398، 471) ، ورواه أيضاً ابن الضريس، وابن المنذر، وابن عدي بسند صحيح كما في الدر: (2/169) ، والبزار بسند جيد كما في مجمع الزوائد أيضاً: (10/210) عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا – صلى الله عليه وسلم –: "إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ"، وقال: "إنني ادخرت دعوتي وشفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا، ثم نطقنا بعد ورجونا" والأثر مروي عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أيضاً في معجم الطبراني الأوسط كما في مجمع الزوائد: (10/378) ، ولذلك كانت تلك الآية أرجى آية في القرآن المجيد، لأهل التوحيد روى ذلك الواحدي عن علي بن الحسين – رحمهم الله جميعاً – كما في الإتقان: (4/150) ، وفي سنن الترمذي – كتاب التفسير – سورة النساء –: (8/209) عن علي – رضي الله تعالى عنه – قال: ما في القرآن من آية أحب إليّ من هذه الآية: "إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ"، قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، والأثر رواه الفِرْيابي أيضاًكما في الدر: (2/169) ،ونقل القرطبي في تفسيره: (5/246) ، والسيوطي في الدر والإتقان: (4/150) تحسين الترمذي للأثر وسكناً عليه، قال الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (2/92) : حسنه الترمذي مع أن فيه ثُوَيْراً، وهو ابن أبي فاخِتة وهو ضعيف كماقال الحافظ في التقريب 1هـ انظر التقريب: (1/121) وزاد: ورُمِىَ بالرفض 1هـ وانظر حاله في الميزان أيضاً: (1/375-376) ، والضعفاء والمتروكين للنسائي: (27) ، والتاريخ الكبير: (2/183-184) ، قال عبد الرحيم: ووجه كون تلك الآية أرجى آية في القرآن: أن الرحيم الرحمن أخبرنا أن ما عدا الشرك مردود أمره إلى المشيئة، فالعقاب عدل، والرحمة فضل، والفضل أليق بأفعال الرحمن، يضاف إلى هذا أن الآية فتحت باب الأمل على أهل الزلل، والكريم إذا أطمع حقق والله أعلم، وطلباً للفائدة في معرفة أرجى آية في القرآن الكريم، قف على ذلك المبحث العظيم في الإتقان: (4/148-153) ، والبرهان: (1/446-448) ، والجامع لأحكام القرآن: (12/208-209) وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: (6/114) ، وتفسير ابن كثير: (1/511) .

وثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبادة بن الصامت – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال – وحوله عصابة من أصحابه: "بايعوني على أن لا تشركوا شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفَّى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه" فبايعناه على ذلك (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب 11: (1/64) ، وفي كتاب مناقب الأنصار – باب 43: (7/219) ، وفي كتاب التفسير – سورة الممتحنة – باب 3: (8/638) ، وفي كتاب الحدود – باب الحدود كفارة –: (12/84) ، وفي باب توبة السارق: (12/108) ، وفي كتاب الديات – باب 2: (12/192) وفي كتاب الأحكام – باب بيعة النساء –: (13/303) ، وفي كتاب التوحيد – باب في المشيئة والإرادة –: (13/446) بشرح ابن حجر في جميع ما تقدم، وانظره في صحيح مسلم – كتاب الحدود – باب الحدود كفارات لأهلها –: (3/1333) ، وفي سنن النسائي – كتاب البيعة – باب البيعة على الجهاد –: (7/128) وباب البيعة على فراق المشرك: (7/133) ، وباب ثواب من وفى بما بايع عليه –: (7/144) ، وفي كتاب الإيمان – باب البيعة على الإسلام –: (8/95-96) ، وفي سنن الترمذي – كتاب حدود – باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها –: (5/134-135) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الحدود – باب الحد كفارة: (2/868) ، وسنن الدارمي – كتاب السير – باب في بيعة النبي – صلى الله عليه وسلم –: (2/220) ، والسنن الكبرى للبيهقي – كتاب الأشربة – باب الحدود كفارات –: (8/328) ، وفي الاعتقاد: (86) والمسند: (5/314، 320) ، وثبت معنى حديث عبادة عن علي أيضاً – رضي الله تعالى عنهما – أخرج الترمذي في كتاب الإيمان – باب 11:/ (7/286) ، وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح، وابن ماجه في المكان المتقدم، والحاكم في كتاب الحدود: (4/388) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأقره الذهبي، وفي كتاب التفسير – سورة حم عسق: (2/245) ، وقال أيضاً صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي والبيهقي في المكان المتقدم، وأحمد في المسند: (1/85، 99، 159) ، وسنده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (1/188) 775، والحكيم الترمذي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه كما في الدر: (6/9) ، وقد استشهد به الحافظ في الفتح: (1/67) . وهذا لفظ الترمذي: عن علي – رضي الله تعالى عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من أصاب حداً فعجل عقوبته في الدنيا أعدل من أن يُثَنِّى على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حداً فستره الله عليه، وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه".

قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى –: هذا الحديث عام مخصوص، موضع التخصص منه قوله – صلى الله عليه وسلم –: "ومن أصاب من ذلك شيئاً" إلى آخره، والمراد به ما سوى به الشرك، وإلا فالشرك لا يغفر به، ولا تكون عقوبته كفارة له، وفي هذا الحديث فوائد، منها: الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر لا يقطع صاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها، وبل هو بمشيئة الله تعالى، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، خلافاً للخوارج والمعتزلة (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر شرح الإمام النووي على صحيح مسلم: (1/223-224) ، ونحوه في فتح الباري: (1/68) ، وقال السيوطي في زهر الربى على المجتبى: (8/96) إلى أن المخاطب بقوله: "ومن أصاب من ذلك شيئاً" إلخ، المسلمون، فلا يدخل فيه المشرك حتى يحتاج إلى إخراج، وفي الدر المنثور: (2/169) أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أنه قال: إن الله حرك المغفرة على من مات وهو كافر، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته، فلم يؤيسهم من المغفرة.

.. وقال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين –: من أعظم رحمات رب العالمين، على عباده الموحدين حصول الشفاعة لهم من نبينا الهادي الأمين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم –، وإن كانوا للعظائم مرتكبين، وللموبقات فاعلين، وتلك الشفاعة لا تحصل إلا بعد إذن للشافع من رب العالمين، ورضاء من المشفوع له من المكلفين، فعاد الأمر إلى مشيئة رب العالمين، ورحمة أرحم الراحمين، فالفضل منه وإليه – سبحانه وتعالى – ثبت في المسند والسنن عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي (¬1) ¬

_ (¬1) - انظر المسند: (3/213) ، وسنن الترمذي – كتاب صفة القيامة – باب 12: (7/151) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وسنن أبي داود – كتاب السنة – باب في الشفاعة: (5/106) ، والبزار والطبراني في الصغير والأوسط كما في مجمع الزوائد: (10/378) ، وانظر في المعجم الصغير: (1/160، 2/119) وكتاب التوحيد لابن خزيمة: (270-271) ، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – (645) رقم 2596، والشريعة للآجري: (338-339) ، والاعتقاد للبيهقي: (96) ، والمستدرك – كتاب الإيمان –: (1/69) وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (2/399) ، وحلية الأولياء: (7/261) ، ورواه أيضاً الطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة كما في الجامع الكبير: (1/556) كلهم عن أنس – رضي الله تعالى عنه – ورُوِيَ الحديث عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما –..

"، وفي سنن ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – قال، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم –: "خُيِّرْتُ بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، لأنها أعم وأكفى، أترونها للمتقين؟ لا، ولكنها للمذنبين، الخطائين، المتلوثين (¬1) ". وخلاصة الكلام: إن وعيد الله ذي الجلال والإكرام، لأهل المعاصي والآثام مقيد بشرطين عند أهل السنة الكرام: عدم توبة المذنبين، وعدم عفو أرحم الراحمين، وقد وافق المعتزلة على الأمر الأول، وقيدوا به أخبار الوعيد المطلقة في العصاة والفسقة، لثبوته بأدلة منفصلة محققة، والأمر الثاني كالأول تماماً فهو ثابت بأدلة منفصلة، وقوة تلك الأدلة تساوي قوة أدلة الأمر الأول، فالأخذ بأحدهما ونبذ الآخر تفريق بين متماثلين، وذلك شطط في القول، وسفاهة في العقل، وهو مسلك الزائغين الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ولذلك حكم الإمام أبو عمرو بن العلاء على إمام المعتزلة السفهاء بأنه أعجم القلب، لا يعي كلام الرب، وإليك تلك المناظرة التي دارت بينهما. قال عمر بن عبيد إمام المعتزلة: قولي في أصحاب الكبائر: إن الله وعد وعداً، وأوعد إيعاداً، فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده، فقال له أبو عمرو بن العلاء: إمام أهل السنة الأتقياء: إنك رجل أعجم، لا أقول أعجم اللسان، ولكن أعجم القلب، إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤماً، وعن الإيعاد كرماً، وأنشد: ولا يرهبُ ابنُ العم – ما عشتُ – سطوَتي ... ولا يَخْتَشي من سَطوَةِ المُتَهَدّدِ ¬

_ (¬1) - انظر سنن ابن ماجه – كتاب الزهد – باب في الشفاعة –: (2/1441) ، ورواه الإمام أحمد في المسند: (1/75) ، والبيهقي في الاعتقاد: (96) ، والطبراني ثلاثتهم عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – ورجال الطبراني رجال الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (10/378) .

وإني وإنْ أوْعَدْتُهُ ... لمُخْلِفُ إيعادِي ومنجزُ موعِدِي (¬1) ... ومما ينبغي التنبيه له أن عدم إنفاذ الوعيد فيمن أوعده رب العالمين، لا يعتبر ذلك خلفاً لميعاده ولا كذباً في أحكامه، لأنه تقدم بالبرهان القطعي أن جميع عمومات الوعيد مقيدة بمشيئة الرب المجيد، فإن شاء عذب، وإن شاء غفر ورحم، وهو الفعال لما يريد – سبحانه وتعالى – وقد ورد التنصيص على هذا المعنى من نبينا – صلى الله عليه وسلم – فقال: "من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار (¬2) ". 5- الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: ¬

_ (¬1) - انظر تلك المناظرة في مفاتيح الغيب: (7/183-184) ، وفيه النقل أيضاً عن الواحدي أنه قال: خلف الوعيد كرم عند العرب، والدليل عليه أنهم يمدحون بذلك، قال الشاعر: ... وإنْ أوْعَدَ الضَّرَّاءَ فالعَفْوُ مانِعُه 0@إذا وَعَدَ السَّرَّاءَ أنجزَ وَعْدَهُ (¬2) - أخرجه أبو يعلى والبزار كما في المطالب العالية – كتاب الإيمان والتوحيد – باب العفو عما دون الشرك: (3/99) ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة: (2/466) وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي في البعث، وابن عساكر في تاريخه كما في جمع الجوامع: (1/841) كلهم عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – والحديث في تفسير ابن كثير: (2/510) ، والدر: (2/170) ، وفيه سهيل بن أبي حزم القُطَعِي – بضم القاف وفتح الطاء نسبة إلى قُطَيْعَة بطن من زبيد كما في اللباب: (3/46) من رجال السنن الأربعة حكم عليه ابن حجر في التقريب: (1/338) بأنه ضعيف، وفي الميزان: (2/244) ما يدل على ذلك الحكم 0لكن الحديث له شواهد ثابتة يرتقي بها إلى درجة الحسن وقد تقدم قريباً في صفحة (34) حديث عبادة بن الصامت – رضي الله تعالى عنه – وهو بمعنى هذا الحديث، وانظر تفصيل الكلام عليه في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (2463) .

.. وحاصل قولهم في هذا الأصل: أنه يتحتم علينا أن نأمر غيرنا بما أُمرنا به، وأن نلزمه بما يلزمنا، ورتبوا على ذلك جواز الخروج بالسيف على أئمة الجور (¬1) . واعلم علمني الله وإياك – أن الأئمة الحكام ثلاثة أقسام: ¬

_ (¬1) - انظر إيضاح هذا في مجموع الفتاوى: (13/386) ، ودقائق التفسير: (1/35) ، وشرح الطحاوية: (475) فالمعتزلة جمعوا بتلك الأصول بين عدة ضلالات فهم جهمية في الصفات، وعيدية في الأسماء والأحكام، قدرية في القدر، وزادوا على ذلك الخروج على الأئمة، كما في مجموع الفتاوى: (6/55) .

1- إمام شرعي، صالح تقي، وهو من كان مسلماً ذكراً، بالغاً، عاقلا ً، حراً عدلاً، بايعته الأئمة عن رضاً واختيار (¬1) . ¬

_ (¬1) - وهذه الشروط السبعة شروط صحة لانعقاد خلافته، واختلف في اشتراط القرشية: أي كون الخليفة من قريش هل هو شرط كمال أو صحة والجمهور على أنه شرط صحة لا يعدل عنه عند وجوده وما زاد على ذلك فهو من شروط الكمال والأفضلية مثل كونه ذا خبرة ورأي حصيف بأمر الحرب، وتدبير الجيش، وسد الثغور، وحماية بيضة المسلمين، ودرع الأمة، والانتقام من الظالم، والأخذ للمظلوم وكونه لا تلحقه رقة في إقامة الحدود، ولا فزع في ضرب الرقاب، وقطع الأعضاء، وكونه من أهل الجهاد، ويمكنه الاستغناء عن استفتاء غيره في الحوادث، انظر تفصيل تلك الأمور في فتح الباري: (13/114-119) ، والجامع لأحكام القرآن: (1/264-271) ، ونقله عنه شيخنا في الأضواء: (1/50-57) وانظر تحفة المريد: (2/100) ، والأحكام السلطانية للماوردي: (6) .

فهذا من الأبرار، وتجب طاعته في السر والجهار، ولا يخرج عليه إلا الفجار الأشرار، ثبت في صحيح مسلم وغيره عن عوف بن مالك – رضي الله تعالى عنه – قال، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم، ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قالوا: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة (¬1) ¬

_ (¬1) - انظر صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب خيار الأئمة وشرارهم –: (3/1482) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب في الطاعة ولزوم الجماعة –: (2/324) ، وهو في المسند: (6/24، 28) ورواه الترمذي في كتاب الفتن – باب 77: (7/41) عن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد / ومحمد يُضعَّف من قبل حفظه 1هـ وفي بعض نسخ الترمذي الحكم عليه بالغرابة فقط كما في تحفة الأحوذي: (3/246) ، وتعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (4/67) والحكم عليه بالحُسن وارد في طبعة حمص، وهي السابقة وفي طبعة مصر: (4/529) ، وفي طبعة الترمذي مع شرحه العارضة: (9/120) ، ومحمد بن أبي حميد ضعيف كما في التقريب: (2/156) ، لكن رواية مسلم تشهد له فترفعه إلى درجة الحسن، والحديث رواه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث عقبة بن عامر – رضي الله تعالى عنه – وفيه بكر بن يونس وثقه أحمد والعِجْلي، وضعفه البخاري وأبو زرعة، وبقية رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد: (5/224) والمراد من قوله: "ما أقاموا الصلاة" إقامة أمور الدين، وهذا من باب التعبير عن العام بأهم أفراده وأظهرها كما ثبت في صحيح البخاري – كتاب المناقب – باب مناقب قريش: (6/533) ، وكتاب الأحكام – باب الأمراء من قريش –: (13/113) بشرح ابن حجر فيهما، وسنن الدارمي – كتاب السير – باب في فضل قريش –: (2/242) والمسند: (4/94) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم –: (2/528) عن معاوية – رضي الله تعالى عنه – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كَبَّهُ الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين".

". ... وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال: فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر صحيح البخاري – كتاب الأذان – باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، وفضل المساجد: (2/143) ، وفي كتاب الزكاة – باب الصدقة باليمين –: (3/293) ، وفي كتاب الرقاق – باب البكاء من خشية الله – مختصراً –: (11/312) ، وفي كتاب الحدود – باب فضل من ترك الفواحش –: (12/112) بشرح ابن حجر في جميع ما تقدم، وصحيح مسلم – كتاب الزكاة – باب فضل إخفاء الصدقة –: (2/715) ، وسنن الترمذي – كتاب الزهد – باب ما جاء في الحب في الله تعالى –: (4 /598) ، وسنن النسائي – كتاب آداب القضاة – باب الإمام العادل –: (8/196) ، والموطأ – كتاب الشعر – باب ما جاء في المتحابين في الله: (2/952) ، والمسند: (2/439) ، وانظر فتح الباري: (2/144) فقد جمع الحافظ عدد مَنْ ورد أنهم يظللون من تحت ظل العرش فبلغوا أربع سبعات (28) وأفردهم في جزء سماه: "معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال".

.. وقد أشاد نبينا – صلى الله عليه وسلم – برفعة قدر الإمام العادل عند الحكم العدل – جل جلاله – وأخبرنا أن دعوته مجابة لا ترد، ففي المسند وغيره عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة، وفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب – عز وجل – بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر المسند: (2/445، 305) ، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن –: (597) ، وصحيح ابن خزيمة: (3/199) ، ومسند الطيالسي – منحة المعبود –: (1/255) ، وسنن الترمذي – كتاب الدعوات –: (9/225) 3592، وقال: هذا حديث حسن، ورواه في كتاب صفة الجنة – باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها: (7/211) ، وانظره في سنن ابن ماجه – كتاب الصيام – باب في الصائم لا ترد دعوته –: (1/557) ، وسنن البيهقي وعزاه الإمام ابن كثير في تفسيره: (1/319) إلى سنن النسائي الكبرى، وسند الحديث صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر على المسند: (15/187) 8030.

2- إمام غوي مريد، جبار شقي عنيد، وهو من فرط في شرع الرب المجيد، ولم ينفذه على رعيته من العبيد، فيجب قتاله في كل آن وحين، وسواء كانت بيعته ثابتة من قبل المسلمين، ثم طرأ عليه ذلك الوصف اللعين، أو تسلط عليهم ابتداءً كحال العتاة الجبارين، وقد ثبت عن نبينا الأمين – عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – أنه قال "يكون عليكم أمراء هم شر عند الله من المجوس (¬1) " وأرشدنا النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى قتالهم، ومنابذتهم بما في وسعنا، ففي صحيح مسلم وغيره عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل (¬2) ". ¬

_ (¬1) - رواه الطبراني في الصغير: (20/90) ، والأوسط أيضاً كما في مجمع الزوائد: (5/235) كتاب الخلافة – باب في أئمة الظلم والجور وأئمة الضلال – عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – ورجاله رجال الصحيح خلا مؤمل بن إهاب وهو ثقة، وفي الحلية: (1/280) عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – موقوفاً: "ليكونن عليكم أمراء لا يزن أحدهم عند الله يوم القيامة قشرة شعيرة". (¬2) - انظر صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان –: (10/70) 80 وهو في مسند الإمام أحمد: (1/458، 461) ، وسنده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (6/175، 187) ، (4379، 4402) ، ورواه البيهقي في الاعتقاد: (122) .

.. وقد وردت الأحاديث كثيرة عن خير خلق الله – صلى الله عليه وسلم – بقتال الأئمة الضالين إذا لم يحكموا بشرع رب العالمين، وظهرت المجاهرة بالمنكر المبين، ففي الصحيحين وغيرهما عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت – وهو مريض – رضي الله تعالى عنه – فقلنا: حدثنا أصحك بحديث ينفع الله به، سمعْتَهُ من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: دعانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبايعناه على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان (¬1) ، قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى –: هكذا هو لمعظم الرواة، وفي معظم النسخ "بواحاً" بالواو، وفي بعضها "براحاً" والباء مفتوحة فيهما، ومعناها: كفراً ظاهراً 10هـ، وقال الحافظ ابن حجر نقلا ً عن الإمام الخطابي – عليهما رحمة الله تعالى – مَنْ رواه بالراء فهو قريب مِنْ هذا المعنى، وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء، وقيل: "البراح": البيان، قال الحافظ: ووقع في رواية الطبراني: "إلا أن يكون معصية الله بواحاً"، وعند أحمد: "ما لم يأمروك بإثم بواحاً (¬2) ". ¬

_ (¬1) - انظر صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية: (4/1470) ، وصحيح البخاري – كتاب الفتن – باب 2: (13/5) بشرح ابن حجر، والمسند: (5/314) ، وفي: (5/321) بلفظ "ما لم يأمروك بإثم بواحاً". (¬2) - انظر شرح الإمام النووي: (12/228) ، وفتح الباري: (13/8) ، وتقدمت رواية الإمام أحمد في المسند وقوله: "عندكم من الله فيه برهان" أي: نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل كما في فتح الباري: (13/8) .

.. قال مقيد هذه الصفحات – فرج الله عنه وعن المسلمين الكربات –: تقدمت قريباً رواية الصحيح أيضاً: "أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة" وكل من الحديثين صريح في أن الإمام إذا أمر بالآثام، وضاد شرع الرحمن، ينبغي أن يزال بالحسام، وقد قرر الحافظ الهمام، الإمام ابن حجر شيخ الإسلام – عليه رحمة الله تعالى – أن الإمام ينعزل بالكفر بإجماع العلماء الكرام فيجب على كل مسلم عند ذلك القيام، فمن قوي على ذلك فله المثوبات العظام، ومن داهن فعليه الوزر والآثام، ومن عجز وجبت عليه الهجرة ومفارقة تلك الأوطان (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر فتح الباري: (13/8، 123) ، ومثله في شرح الإمام النووي: (12/229) حيث نقل عن القاضي عياض – عليهما رحمة الله تعالى – أن الإمامة لا تنعقد لكافر إجماعاً، ولو طرأ عليه الكفر انعزل، وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها، فيخرج عن حكم الولاية، وتسقط طاعته، ويجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونَصْبُ إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر 10هـ، وقد تقدم حديث يصرح باستمرار الهجرة وداوامها، وأشرت هنا إلى عدة كتب بحثت تلك المسالة بحثاً سديداً، وبيَّنَتْ أنواع الهجرة بياناً رشيداً، فانظر صفحة (36) من هذا البحث المبارك، قال الإمام ابن العربي في أحكام القرآن: (1/484) الهجرة تنقسم إلى ستة أقسام: الأول: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضاً في أيام النبي – صلى الله عليه وسلم – وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة.

.. قال عبد الرحيم الطحان – غفر الله له سائر الآثام –: ما قاله الأئمة الكرام، من وجوب مهاجرة دار الكفر إلى دار الإسلام، كان متحققا ميسوراً فيما مضى من الأزمان، عند وجود دارَيِ الكفر والإسلام، وأما إذا عم الظلام بلاد الأنام، ولم يكن هناك خليفة ولا إمام، فما على المكلف إلا مقارعة الكفر أينما كان، والعض بالنواخذ على هي النبي – صلى الله عليه وسلم – والحذر من مشاركة الطغام فيما يتهافتون فيه من الإجرام، مع السعي الحثيث لإعادة دولة الإسلام، فمن قام بذلك فهو من الناجين بسلام، المتقين الله حسب ما في الوسع والإمكان، وهذا كما ثبت عن حذيفة بن اليمان – عليه رضوان الرحيم الرحمن – أنه قال: كان الناس يسألون رسول الله – صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دَخَنٌ، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يَسْتَنُّون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد الخير من شر؟ قال: نعم: دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (¬1) . 3- إمام جائز، وله حالتان: ¬

_ (¬1) - انظر صحيح البخاري – كتاب المناقب – علامات النبوة في الإسلام –: (6/515) ، وكتاب الفتن – باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟: (13/35) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال: (4/1475) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الفتن – باب العزلة –: (2/1317) .

الحالة الأولى: أن يكون متصفاً بالشروط المرضية، وتمَّت له البيعة، ثم طرأ عليه بعد ذلك مُفَسِّقٌ كأن جار، أو تلبس ببعض المعاصي الكبار، كشرب الخمر أو تعاطي عهر. الحالة الثانية: أن يتغلب على الناس على كره منهم، ويقودهم بغير رضاهم، فهو مغتصب لسلطان الأمة معتدٍ على الذمة. ولهاتين الحالتين حالتان: أ) يجب خلعه إن أمكن بلا ظلم ولا فتنة، لأن ذلك من النصح له وللأمة، وهو ممكن دون ارتكاب محظور، فلا يترك (¬1) . ب) إذا لك يمكن عزله إلا بالوقوع في فتنة عمياء، وجر الأمة إلى بلاء، فالواجب الصبر على طاعته، وعدم الخروج عن كلمته، وخالف المعتزلة في هذا، فالتزموا الخروج عليه بالسيف، ولو أدى ذلك إلى فتنة وحيف، ومعلوم ما في هذا القول من الفساد والإفساد، والشقاق والعناد، ولذلك حذرنا منه خير هاد – صلى الله عليه وسلم أبد الآباد – وقد تقدم حديث عوف بن مالك، وعبادة بن الصامت، ومعاوية – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وفيها التنصيص على أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن جاروا، وعصوا ما أقاموا الدين، ولم يظهروا الكفر المبين. ¬

_ (¬1) - وهذه تكاد تكون فرضية، وتتصور في إمام عاقل أُخبر بأن الأمة لا تريده لما جرى منه من فسق وجور فلم يعارض ذلك، واستجاب له.

.. وهذا إذا لم يقدروا على خلعه بلا فتنة وظلم وحرب كما قرر ذلك أئمة الدين ففي فتح الباري نقلا ً عن الداودي بواسطة ابن التين – عليهما رحمة رب العالمين – قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه فلا فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر 1هـ ونحوه في تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار، وحاشيته رد المحتار، وحاصل ذلك أن الإمام إذا جار لا ينعزل إذا كان يترتب على عزله فتنة ومفسدة احتمالاً لأخف المضرتين وأدناهما أو كان له قهر وغلبة لعوده بالقهر والغلبة، فلا يفيد عزله، وإن لم يكن له قهر ومنعة، ولا يترتب على عزله مفسدة ومضرة ينعزل بجوره (¬1) . ... واعلم- علمني الله وإياك - أنه بهذا التفصيل يظهر أنه لا تعارض بين قول بعض أهل السنة الكرام: تنفسخ إقامة الخليفة بفسقه الظاهر المعلوم، ويخلع، وبين قول من قال من أهل السنة الأبرار: لا يجوز القيام عليه، ولا خلعه إذا ارتكب فسقاً، فالقول الأول ينزل على الحالة الأولى والثانية على الثانية، ولا تعارض بينهما، والله تعالى أعلم. تنبيهان: الأول: في حالة طاعة الإمام الذي طرأ عليه الفسق ينبغي ضرورة الالتزام بأمرين، فالتفريط بأحدهما هلاك: ¬

_ (¬1) - انظر فتح الباري: (13/8) ، ورد المحتار: (4/264) ، وانظر البحث في هذه المسألة في شرح الإمام النووي على صحيح مسلم: (12/229) ، والجامع لأحكام القرآن: (1/271) ، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن –: (1/271) ، والأحكام السلطانية للماوردي: (17) .

أ) إذا أمر الإمام بمعصية فلا سمع له ولا طاعة، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة، فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية، فلا سمع له ولا طاعة (¬1) ¬

_ (¬1) - انظر صحيح البخاري – كتاب الجهاد – باب السمع والطاعة للإمام –: (6/115) ، وكتاب الأحكام – باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية –: (13/121) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية –: (4/1469) ، وسنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب في الطاعة –: (3/93) ، وسنن الترمذي – كتاب الجهاد – باب ما جاء لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق –: (6/30) ، وسنن النسائي – كتاب البيعة – باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع –: (7/142) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الجهاد – باب لا طاعة في معصية الله –: (2/956) والمسند: (2/17، 142) ، وشرح السنة – كتاب الإمارة والقضاء – باب الطاعة في المعروف: (10/43) ..

"، وفي الصحيحين وغيرهما أيضاً عن علي – رضي الله تعالى عنه – قال: بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سرية، واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطباً، فجمعوا له، ثم قال: أوقدوا ناراً، فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها، قال: فنظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من النار، فكانوا كذلك، وسكن غضبه، وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف" وفي رواية "لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر صحيح البخاري – كتاب المغازي – باب 59: (8/58) ، وكتاب الأحكام – باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية –: (13/122) ، وأول كتاب أخبار الآحاد –: (13/233) بشرح ابن حجر في الجميع – وصحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية: (4/1469) ، وسنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب في الطاعة –: (3/92) ، وأشار إليه الترمذي في كتاب الجهاد – باب لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق – ق: (6/30) ، وهو في سنن النسائي – كتاب البيعة – باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع –: (7/142) ، والمسند: (1/82، 94، 124) وانظره من رواية أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – في سنن ابن ماجه – كتاب الجهاد – باب لا طاعة في معصية الله –: (2/955) ، والمسند: (3/67) ، وانظر روايات متعددة عن عدة من الصحابة الكرام – رضي الله تعالى عنهم – فيها البيان التام بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الرحمن في مجمع الزوائد: (/225-229) كتاب الخلافة – باب لا طاعة في معصية الله – عز وجل.

ب) ينبغي على الرعية نصح الإمام إذا جرى منه ما يوقعه في الفسق والعصيان، فذلك من الواجبات العظام، وعليه يقوم أمر الإسلام، كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن تميم الداري – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "الدين النصيحة، قلنا لمن: قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان أن الدين النصيحة –: (1/74) ، وسنن النسائي – كتاب البيعة – باب النصيحة للإمام: (7/140) ، وسنن أبي داود – كتاب الأدب – باب في النصيحة: (5/233) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (2/519) ، والمسند: (4/102) ، وكلهم من رواية تميم الداري، ورواه النسائي في المكان المتقدم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وعنه أيضاً الترمذي في كتاب البر والصلة – باب ما جاء في النصيحة –: (6/173) ، وابن أبي عاصم في السنة: (2/90) ، وأحمد في المسند: (2/297) ، ورواه عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – الدارمي – في كتاب الرقاق – باب الدين النصيحة: (2/311) ، وعنه رواه البزار مختصراً كما في مجمع الزوائد: (1/87) ورجاله رجال الصحيح، ورواه عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – الإمام أحمد في المسند: (1/351) ، وعنه أيضاً رواه البزار، والطبراني في الكبير وأبو يعلى كما في مجمع الزوائد: (1/87) ورواه عن ثوبان – رضي الله تعالى عنه – ابن أبي عاصم في السنة: (2/521) , والطبراني في الأوسط وفيه أيوب بن سويد وهو ضعيف لا يحتج به كما في مجمع الزوائد: (1/87) ، والحديث علقه البخاري بصيغة الجزم – في كتاب الإيمان – باب قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم": (1/137) بشرح ابن حجر، قال الحافظ: أورده المصنف هنا ترجمة باب، ولم يخرجه مسنداً في هذا الكتاب لكونه على غير شرطه، ونبه بإيراده على صلاحيته في الجملة.

وقد بين لنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – أن كلمة الحق عند الإمام الجائر، من أعظم ما يقرب إلى الرب القاهر، ففي السنن بإسناد صحيح حسن عن أبي عبد الله طارق ابن شهاب البجلي الأحمس أن رجلاً سأل النبي – صلى الله عليه وسلم –: أي الجهاد أفضل؟ قال: "كلمة حق عند سلطان جائر (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر سنن النسائي – كتاب البيعة – باب فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر –: (7/144) ، وسنده صحيح كما في الترغيب والترهيب: (3/225) ، وهو في المسند: (4/314، 315) ، ورواه عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – ابن ماجه في كتاب الفتن – باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (2/1330) وإسناده صحيح أيضاً كما في الترغيب والترهيب: (3/225) ، وهو في المسند: (251، 256) ، ورواه ابن ماجه أيضاً في نفس المكان عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – وهو في المسند: (3/19، 61) ، وكتاب العزلة للخطابي: (86) ، وسنن الترمذي – كتاب الفتن – باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر –: (6/338) ، وسنن أبي داود – كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي: (4/514) قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، وأشار إلى رواية أبي أمامة فقال: وفي الباب عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – 1هـ وفي سند حديث أبي سعيد – رضي الله تعالى عنه – عطية العَوْفي وهو صدوق ويخطئ كثيراً وهو مدلس أيضاً كما في التقريب: (2/24) ، وقد عنعن في السند، وحديث أبي أمامة، وطارق بن شهاب – رضي الله تعالى عنهم – يشهد له، ولأجل ذلك حسنه الترمذي، وانظر الترغيب والترهيب: (3/225) ، وتعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (1/333) .

فليحذر المسلم المهتدي من التفريط في هذين الأمرين، ليفوز في الدارين، ثبت في المستدرك والسنن بإسناد صحيح حسن عن كعب بن عجرة – رضي الله تعالى عنه – قال: خرج إلينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن تسعة، وخمسة وأربعة، أحد العددين من العرب، والآخر من العجم فقال: "اسمعوا، هل سمعتم؟ إنه سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد عليّ، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وراد على الحوض (¬1) ¬

_ (¬1) - انظر سنن الترمذي – كتاب الفتن – باب تحريم إعانة الحاكم الظالم –: (7/38) ، وقال: هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه إلى من حديث مسعر من هذا الوجه، وفي الباب عن حذيفة وابن عمر – رضي الله تعالى عنهم –، ورواه أيضاً في كتاب الصلاة – باب ما ذكر في فضل الصلاة –: (2/373) ، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وسنن النسائي – كتاب البيعة – باب الوعيد لمن أعان أميراً على الظلم –، ورواه في الباب الذي بعده – باب من لم يعن أميراً على الظلم –: (7/143) ، والمستدرك – كتاب الفتن والملاحم: (4/422) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، والمسند: (5/243) ، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الإمارة – باب فيمن يدخل على الأمراء –: (378) ، وحلية الأولياء: (7/249، 8/248) ، وكتاب العزلة للخطابي: (86) ، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند: (3/321، 399) عن جابر بن عبد الله، ورواه في: (4/267) عن النعمان بن بشير، وفي: (5/384) عن حذيفة، وفي: (2/95) عن ابن عمر، وهو في مسند ابن عمر للطرسوسي: (40) رقم 70، ورواه الإمام أحمد في: (3/24) عن أبي سعيد الخدري، وفي: (5/111) عن خباب بن الأرت، ورواه عن الأخيرين ابن حبان في المكان المتقدم، وانظر مجمع الزوائد – كتاب الخلافة – باب في أبوب السلطان والتقرب منها، وباب الكلام عند الأئمة، وباب فيمن يصدق الأمراء بكذبهم ويعينهم على ظلمهم –: (7/246-248) فقد أورد الإمام الهيثمي أحاديث كثيرة في ذلك المعنى – رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين – وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

". وهذا الأمر – أي نصح الأئمة، والجهر بالحق عندهم – إذا لم تقم به الأمة، فقد تُوُدِّعَ منها ولا خير فيها، وسيحل البلاء بها، وينزل سخط الله عليها، كما ثبت هذا عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – ففي المسند والمستدرك بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا رأيت أمتي تهاب الظالم إن تقول له: إنك ظالم فقد تُوُدِّعَ منهم (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر المسند: (2/63، 190) ، والمستدرك – كتاب الأحكام –: (4/96) ، والحديث رواه البزار والطبراني كما في مجمع الزوائد: (7/262، 270) ، وقد صححه الحاكم فقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، والمنذري أيضاً في الترغيب والترهيب: (3/232) ،وقال الشيخ شاكرفي تعليقه على المسند: (10/39) 6521 إسناده صحيح، والحديث ذكره السيوطي في الجامع الكبير: (1/59) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى ابن عدي، والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث رواه الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما كما في مجمع الزوائد: (7/270) ، قال الهيثمي فيه: سنان بن هارون، وهو ضعيف، وقد حسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات، ونسب السيوطي في الجامع الكبير: (1/59) تخريجه أيضاً إلى الحاكم عن سليمان بن كثير بن أسعد بن عبد الله بن مالك الخزاعي عن أبيه عن جده.

وإذا قام المسلم بذلك فقد أدى ما عليه، وخرج من العهدة، وبرئت ذمته من جور الأئمة، ويا ويل الأئمة ثم يا وليهم، إذا لم يلتزموا بما نُصحوا، وانحرفوا عن شرع الله وقسطوا، قال الله – جل وعلا –: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (¬1) } وفي الصحيحين أن عبيد الله بن زياد أمير البصرة في زمن معاوية وولده يزيد عاد الصحابي الجليل معقل بن يسار – رضي الله تعالى عنهم – في مرضه، فقال له معقل: إني محدثك حديثاً سمعته عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة" وفي رواية في الصحيحين أيضاً: "ما من والٍ يلي رعية من المسلمين، فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة (¬2) ". ¬

_ (¬1) - من سورة الجن: (15) ، والقاسطون هم الجائرون، من قسط إذا جار، أما أقسط فبمعنى عدل كما في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: (490) ، ومدارك التنزيل: (5/273) ، والجامع لأحكام القرآن: (19/16) وفتح القدير: (5/299) ، والبحر المحيط: (8/350) . (¬2) - انظر روايتي الحديث الشريف في صحيح البخاري – كتاب الأحكام – باب من استرعى رعية فلم ينصح: (13/127) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار: (1/125-126) ، وكتاب الإمارة – باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر –: (3/1460) ، والمسند: (5/25) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب العدل بين الرعية: (2/324) .

وفي المسند وسنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلساً إمام عادل وأبغض الناس إلى الله، وأبعدهم منه مجلساً إمام جائر (¬1) ". التنبيه الثاني: ¬

_ (¬1) - انظر المسند: (3/22، 55) ، وسنن الترمذي – كتاب الأحكام – باب ما جاء في الإمام العادل: (5/9) ، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله تعالى عنه – رواه الطبراني في الأوسط مختصراً كما في الترغيب والترهيب: (3/167) بلفظ: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر" والحديث في سنده عطيه العَوْفي وهو صدوق ويخطئ كثيراً وكان يدلس كما في التقريب: (2/24) ، وقد عنعن، ولكن للحديث شواهد كثيرة، ولذلك حسنه الترمذي ونقل المنذري في الترغيب والترغيب تحسين الترمذي ولم يعقبه، وانظر تعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (4/55) .

لا يجوز أن يكون للمسلمين في الدنيا إلا خليفة واحد، كما قرر ذلك الشرع المطهر، لئلا يتفرق شمل المسلمين، ويتشتت شملهم، وتضع منزلتهم، وتتلاشى مكانتهم، وتضمحل هيبتهم، وتذهب ريحهم وقوتهم، ويصيح بأسهم بينهم، ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (¬1) ¬

_ (¬1) - انظر صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب إذا بويع لخليفتين: (2/242) بشرح النووي، ورواه البيهقي في السنن الكبرى – كتاب قتال أهل البغي – باب لا يصلح إمامان في عصر واحد –: (8/144) والبغوي في شرح السنة – كتاب الإمارة والقضاء – باب من يخرج على الإمام والوفاء ببيعة الأول: (10/56) ، وفي المستدرك: (2/156) ، وقد أخرج مسلم، ثم ذكر ما تقدم، والحديث رواه الطبراني في الأوسط، والبزار عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – وفيه أبو هلال وهو ثقة كما في مجمع الزوائد – كتاب الخلافة – باب النهي عن مبايعة خليفتين: (5/198) ، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط بسند رجاله ثقات عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لمعاوية – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: وأنت يا معاوية أخبرتني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا كان في الأرض خليفتان، فاقتلوا أخرهما" انظر مجمع الزوائد: (5/198) ، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد: (1/239) عن أنس – رضي الله تعالى عنه – وورد في سنن البيهقي: (8/144) قال البيهقي: وروينا في حديث السقيفة أن الأنصار حين قالوا: منا رجل ومنكم رجل، قال عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – يومئذ: سيفان في غمد لا يصطلحان، وقال أبو بكر – رضي الله تعالى عنه – في خطبته يومئذ: وإنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران، هنالك تترك السنة، وتظهر البدعة، وتعظم الفتنة، وليس لأحد على ذلك صلاح..

" قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى –: واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام، أم لا، وقال إمام الحرمين في كتابه "الإرشاد" قال أصحابنا لا يجوز عقد لشخصين، قال: وعندي أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد، وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعد ما بين الإمامين، وتخلت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال، قال: وهو خارج من القواطع، وحكى المازري: هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصل، وأراد به إمام الحرمين، وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف، لظواهر إطلاق الأحاديث، والله أعلم 10هـ (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر شرح صحيح مسلم: (12/32) ، ونقل الأُبُّي في إكمال المعلم، والسنوسي في مكمل إكمال المعلم مطبوعان معاً الثاني منهما في الحاشية: (5/204) عن القاضي عياض رد قول إمام الحرمين والحكم عليه بأنه غير سديد، وهو مخالف لما عليه السلف والخلف، ولظاهر إطلاق الأحاديث 10هـ ومن العجيب أن يرد القرطبي في تفسيره: (1/274) قول الكرامية المجوزين نصب خليفتين في عصر واحد لجواز بعث نبيين في عصر واحد، كحال علي ومعاوية – رضي الله تعالى عنهما – بقوله: والجواب أن ذلك جائز لولا منع الشرع منه، لقوله: "فاقتلوا الآخر منهما"، ولأن الأمة مجمعة عليه، وأما معاوية فلم يدع الإمامة لنفسه، وإنما ادعى ولاية الشام بتولية مَنْ َقْبَلُه من الأئمة، ومما يدل على هذا إجماع الأمة في عصرهما على أن الإمام أحدهما، وما قال أحدهما: إني أمام، ومخالفي إمام، فإن قالوا: العقل لا يحيل ذلك، وليس في السمع ما يمنع منه، قلنا: أقوى السمع الإجماع، وقد وجد على المنع 1هـ من العجيب حقاً أن يرد القرطبي قول الكرامية، ويعلل المنع أيضاً بأن وجود إمامين يؤدي إلى النفاق والشقاق، وحدوث الفتن والافتراق، وزوال النعم، ثم يقول: لكن إن تباعدت الأقطار، وتباينت كالأندلس وخراسان جاز ذلك 1هـ كيف يجوز ذلك، والإجماع قام على منع التعدد مطلقاً كما قرر هو وما توهمه من مسوغ التعدد لتباعد الأقطار مجرد وهم، لأن الأمير من قبل الخليفة يدير أمر تلك البلدة مع ارتباطه بالخلافة، لتكون كلمة المسلمين واحدة، مرتبطة بقيادة واحدة، وبذلك تتم وحدتها، ويجتمع شملها.

وما ذكره الإمام النووي لا ينبغي التوقف في صوابه، كما لا ينبغي التوقف في بطلان قول إمام الحرمين، فالنص بخلافه، وإذا صادم القياس نصاً فهو فاسد الاعتبار، ومطروح لا يلتفت إليه ومع هذا فهو فاسد أيضاً من حيث النظر، فالمفاسد التي تنتج من تعدد الخلفاء جسيمة وخيمة أفظعها تفريق أوصال الأمة، وتشتيت شملها، هذا إذا لم يجر الأمر إلى التناحر والمنازعات بين الخلفاء، مع أن واقع تعدد الأمراء سينتج عنه الشقاق بلا نزاع، والواقع أكبر دليل على ذلك وصدق الله إذ يقول: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} الأنبياء22 فعند تعدد الخلفاء يصبح بأس الأمة فيما بينها، وتترك الأمة تبليغ دعوة ربها، وتهمل نشرها، مع أن ذلك هو عملها ووظيفتها. والملاحظ أن تعدد الخلفاء مع دلالته على التفرق والتمزق، والتنافر والتناحر فيما بين أولئك فهو يدل دلالة واضحة على تشتيت أمر كل خليفة من أولئك الخلفاء في خلافته، وما تعدد الحكام إلا لتضعضع أمر الخلافة الأولى، وتشتت شملها، حيث أدى ذلك لانقسامات الداخلية، ولاستبداد الأمراء بحكم ولاياتهم، بحيث كان الخليفة صورة لا حقيقية، ولم يكن له من الخلافة إلا الاسم، مما أدى ذلك في النهاية إلى انفصال أجزاء عن بناء الدولة المسلمة، وانسلاخ بلدان عن جسمها، فالتشتت الداخلي أدى للانسلاخ الخارجي، وبذلك تعلم أن تعدد الخلفاء نذير بكل سوء، لدلالته على تفرق الكلمة، وتشتت الشمل داخلاً وخارجاً، والله المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل. أسباب انتشار مذهب الاعتزال أهل الزيع والضلال:

بعد تلك الجولة المباركة، في بيان أسس مذهب الاعتزال الباطلة، وتقرير صحة أقوال أهل السنة الثابتة، سأكمل البيان في بيان سبب انتشار مذهب المعتزلة أهل الزيع والهذيان (¬1) ، وأستمد التوفيق من ربي الرحمن، فهو الجواد ذو الجلال والإكرام. إن المتفحص في مذاهب المبطلين، يرى أن مذهب المعتزلة أكثرها انتشاراً في بلدان المسلمين ولذلك أسباب كثيرة، أبرزها: 1- اتصالهم بالخلفاء والأمراء: واستطاعوا بدهائهم جلبهم إليهم، فتبنى عدد منهم أقوالهم وركنوا إليهم، وأسندوا إليهم مهام دولتهم، فعمرو بن عبيد المؤسس الثاني لمذهب الاعتزال كان جليس الخليفة أبي جعفر المنصور، وصفيه، وأحمد بن أبي دؤاد كان قاضي القضاة لثلاثة من الخلفاء، المعتصم، ثم الواثق، ثم المتوكل، وفي عهده طرد من القضاء وحل به البلاء، وأبو الهذيل العلاف كان أستاذَ الخليفة المأمون (¬2) . ¬

_ (¬1) - وبذلك وصفهم هارون الرشيد كما في شرف أصحاب الحديث: (55) فقال: طلبت أربعة فوجدتها في أربعة: طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته في الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث، وقال كما في صفحة: (78) المروءة في أصحاب الحديث، والكلام في المعتزلة، والكذب في الروافض. (¬2) - سيأتيك عما قريب ترجمة عمرو بن عبيد، وقد تقدمت ترجمة ابن أبي دؤاد في كتاب التوحيد، وكذلك أبو الهذيل العلاف، وهو إمام القدرية في زمانه، كما في درء تعارض العقل والنقل: (1/305) .

.. ذلك هو حال المعتزلة مع جهاز الحكم، وأهل السنة كانوا على نقيض ذلك تماماً، وسبب ذلك ما قدمته من وجود شيء من الخلل في جهاز الحكم، وتلبس الحكام بشيء من الظلم فآثر أهل السنة الابتعاد عنهم، ومن اضطر لمخالطتهم نصحهم ولم يركن إليهم، وما أرادوا بالأمرين إلا الاحتراز من الشين، وإرضاء رب الكونين، وفي سنن الدارمي عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على السلطان، ولا يخلون بالنسوان ولا يخاصمن أهل الأهواء (¬1) . وقد بلغ الأمر بأهل السنة الكرام أن يحترزوا ممن يخالط السلطان، قال سعيد بن المسيب – عليه رحمة الرحمن الرحيم –: إذا رأيتن العالم يغشى الأمراء فاحترزوا منه، فإنه لص، وقيل للأعمش – رحمه الله تعالى –: لقد أحييت العلم لكثرة من يأخذ عنك، فقال: لا تعجبوا، ثلث يموتون قبل الإدراك، وثلث يلزمون أبواب السلاطين فهو شر الخلق والثلث الباقي لا يفلح منه إلا القليل (¬2) . ¬

_ (¬1) - انظر سنن الدارمي – المقدمة – باب من قال: العلم الخشية وتقوى الله: (1/77) . (¬2) - انظر قول سعيد في الإحياء: (1/66، 74) ، وقول الأعمش فيه أيضاً: (1/74) ، وفي جامع بيان العلم وفضله: (1/185) ، وفيه أيضاً قال الأعمش: شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمراء، وانظره في بهجة المجالس: (1/322) ، وقد ورد معنى هذا في حديث رواه ابن ماجه في – المقدمة – باب الانتفاع بالعلم والعمل به: (1/94) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء" قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (1/74) : سنده ضعيف.

ب- وجود عدد منهم من أهل اللسن والفصاحة في كل طبقة من طبقاتهم، فاستطاعوا بذلك استمالة الناس إليهم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إن من البيان لسحراً (¬1) " فمؤسس المذهب واصل بن عطاء الغزَّال مِنْطيق فصيح ذكي بليغ، وأبو الهذيل العلاف مناظر مفوه، وخطيب مِصْقَعٌ، كان يستشهد بثلاثمائة بيت من الشعر في مناظرته، وقد تقدم في كتاب التوحيد بيان قوة عارضته، وشدة ذكائه، وألمعيته. ¬

_ (¬1) - انظر صحيح البخاري – كتاب النكاح – باب في الخطبة –: (9/201) ، وكتاب الطب – باب إن من البيان لسحراً: (10/237) بشرح ابن حجر فيهما، وسنن أبي داود – كتاب الأدب – باب ما جاء في المتشدق في الكلام: (5/275) ، وسنن الترمذي – كتاب البر والصلة –: باب ما جاء في أن من البيان سحراً –: (6/30) ، والموطأ – كتاب الكلام – باب ما يكره من الكلام بغير ذلك الله –: (2/986) ، والمسند: (2/16، 59، 62، 94) ، ورواه أحمد عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – في: (1/269، 273، 303، 309، 327، 332) ، وسنده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (4/138) رقم 2424 وعن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في: (1/397، 454) وإسناده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (5/293) 3778، ورواه عن معد بن يزيد السلمي – رضي الله تعالى عنه – في: (3/470) ، وعن عمار بن ياسر – رضي الله تعالى عنهما – في: (4/263) ، وعنه رواه مسلم في كتاب الجمعة: (6/158) بشرح النووي، وهو في سنن الدارمي – كتاب الصلاة – باب في قصر الخطبة –: (1/365) ، والحديث رواه الطبراني عن أنس – رضي الله تعالى عنه – وفيه العباس بن الفضل وهو متروك كما في مجمع الزوائد: (8/123) .

.. ويضاف إلى ذلك الأمر، عنايتهم بالثرثرة، وعدم الاقتصار في الكلام على الضرورة، فمجالسهم قيل وقال، وشغب وجدال، وذلك مما يخدع به السذج الجهال، وقد شهد أمير المؤمنين هارون الرشيد، باتصافهم بذلك الحال، كما تقدم قريباً فكن منه على بال. 3- تعاونهم فيما بينهم على نشر ما يدعون إليه وتساندهم في بث ما اتفقوا عليه، حتى استطاعوا في نهاية الأمر، إقناع المأمون بما يدعون إليه من وزر، فصبا إليهم ومال، وتقلد مذهب الخزي والعار، واضطهدوا أئمة السنة الأبرار، وتغيرت الأمور، وتكدرت الأحوال، وكثر البلاء واستطار، إذ تبع ذلك المذهب غفير من الأغمار، واستمر الحال على ذلك العار حتى أزاله العزيز القهار على يد المتوكل إمام الأبرار. ... وقد ضرب المتقدمون الأمثال، بتعاون المعتزلة الضلال، فقالوا معبرين عن مدى الاحتفاء والإجلال: اعتد به، كاعتداد الشيعي بالشيعي، والمعتزلي بالمعتزلي (¬1) – جمعنا الله على الهدى، وحفظنا من الزيغ والردى. نشأة تلك الفرقة المنكرة، وحكمها في شريعة الله المطهرة: ¬

_ (¬1) - انظر تفصيل الكلام على أسباب انتشار مذهب المعتزلة اللئام، في تقديم الأستاذ محمد محيى الدين عبد الحميد لكتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: (21-22) ، وفي كتاب التنبيه والرد: (40) يقول الإمام أبو الحسن الملطي – رحمه الله تعالى –: واعلم أن للمعتزلة سوى من ذكرناهم جماعة كثيرة قد وضعوا من الكتب والهوس ما لا يحصى، ولا يبلغ جمعه، وهي في كل بلدة وقرية، ولا تخلو منهم الأرض.

.. ظهر مذهب المعتزلة في أوائل المائة الثانية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – كان الناس في قديم الزمان قد اختلفوا في الفاسق المِلِّي، وهو أول اختلاف حدث في الملة، هل هو كافر أو مؤمن؟ فقالت الخوارج: إنه كافر، وقالت الجماعة أهل السنة: إنه مؤمن، وقالت طائفة: نقول هو فاسق، لا مؤمن، ولا كافر، ننزله منزلة بين المنزلتين، وخلدوه في النار، واعتزلوا حلقة الحسن البصري وأصحابه – رحمهم اله جميعاً – فسموا معتزلة (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر مجموع الفتاوى الكبرى: (3/182-183) ، وأفاد في: (10/358) أن انتشارا أمر المعتزلة تم بعد موت الحسن البصري وابن سيرين – عليهما رحمة الله تعالى – وذكر في: (8/228) أن قتادة وغيره قالوا: أولئك المعتزلة.

.. وأول من قال إن مرتكب الكبيرة: لا مؤمن ولا كافر، إنما هو منزلة بين الإيمان والكفر في الدنيا ومخلد في النار في الآخرة هو: واصل بن عطاء الغزَّال، المتكلم البليغ المتشدق، وكان من تلاميذ الحسن البصري – رحمه الله تعالى – فلما قال ما قال، طرده من مجلسه، فاعتزل عنه، وجلس في ناحية من مسجد البصرة، وانضم إليه عمرو بن عبيد، فقيل لهما ولأتباعهما: المعتزلون، أو المعتزلة لاعتزالهم مجلس الحسن البصري، ولاعتزالهم قول الأمة في دعواهم: إن الفاسق من أمة الإسلام لا مؤمن ولا كافر. قال الذهبي – عليه رحمة الله – في الميزان: كان واصل من أجلاد المعتزلة، قال أبو الفتح الأزدي: هو رجل سوء كافر، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر إيضاح ذلك وترجمة واصل في وفيات الأعيان: (3/130، 248، 5/61) ، وميزان الاعتدال: (4/329) ولسان الميزان: (6/214-215) ، وشذرات الذهب: (1/182-183) ، والفرق بين الفرق: (20-21، 117-119) ، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: 38، والملل والنحل: 1/53-57 واحذر ما جاء في طبقات المعتزلة للمعتزلي عبد الجبار: (234-241 من إسفاف ومجازفة في الثناء على واصل الضال، وما ذكره في صفحة: (234) من الحديث في فضل واصل: "سيكون في أمتي رجل يقال له واصل، يفصل بين الحق والباطل" فهو من لهو الحدث، ومن أشنع الكلام الخبيث، ولا يصدر إلا من رقيع خسيس.

.. وقد تبع عمرو بن عبيد واصل بن عطاء على تلك المقالة النكراء، وبلغ من شدة تعلقه به أن زوجه أخته، والطيور على أشكالها تقع، وقال له: زوجتك أختي إذ لم يكن لي بنت، وما بي إلا أن يكون لك عقب، وأنا خاله، فما حقق الله أمنيته، وقطع نسلهما، وماتا جميعاً، ولم يعقبا، وفي الميزان، وتهذيب التهذيب نقلا ً عن ابن حبان – عليه رحمة الرحيم الرحمن – كان عمرو بن عبيد من أهل الورع والعبادة، إلى أن أحدث ما أحدث، واعتزل مجلس الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – هو وجماعة معه، فمسوا بالمعتزلة – وكان يشتم الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – ويكذب في الحديث وَهْماً لا تعمُّداً، قال ابن حجر معلقاً على كلام ابن حبان وغيره: والكلام فيه، والطعن عليه كثيراً جداً وبذلك ختم ترجمته. وفي البداية والنهاية نقلا ً عن الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – قال: عمرو بن عبيد سيد شباب القراء ما لم يحدث، قالوا: فأحدث والله أشد الحدث، وقد قال عبد الله ابن المبارك – عليه رحمة الله تعالى –: أيها الطالب علماً ... ايتِ حماد بن زيدِ فخذِ العلم بحلم ... ثم قيده بقيدِ وذر البدعة من ... آثار عمرو بن عبيدِ ... قال الإمام ابن كثير – عليه رحمة الرب الجليل –: وقد كان عمرو بن عبيد محظياً عند أبي جعفر المنصور، وكان المنصور يحبه ويعظمه، لأنه كان يفد على المنصور مع القراء، فيعطيهم المنصور فيأخذون، ولا يأخذ عمرو منه شيئاً، وكان يسأله أن يقبل كما يقبل أصحابه، فلا يقبل منه، فكان ذلك مما يغر المنصور ويروج به عليه حاله، لأن المنصور كان بخيلا ً، وكان يعجبه ذلك منه وينشد: كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد

.. ولو تبصر المنصور لعلم أن كل واحد من أولئك القراء خير من ملء الأرض مثل عمر بن عبيد، والزهد لا يدل على صلاح، فإن بعض الرهبان قد يكون عنده من الزهد مال لا يطيقه عمرو، ولا كثير من المسلمين في زمانه، مات عمر سنة ثلاث وأربعين ومائة (¬1) . حكم تلك الفرقة: ¬

_ (¬1) - انظر ما تقدم وغيره في ميزان الاعتدال: (3/273-280) ، وتهذيب التهذيب: (/70-75) والبداية والنهاية: (10/78-80) ، والفرق بين الفرق: (20، 120-121) ، والملل والنحل: (1/56) وتاريخ بغداد: (12/166-188) ، وفيه في: (183) عن سلام بن أبي مطيع قال: لأنا أرجي للحجاج مني لعمرو بن عبيد، إن الحجاج إنما قتل الناس على الدنيا، وإن عمرو بن عبيد أحدث فتنة، فقتل الناس بعضهم بعضاً، وانظر وفيات الأعيان: (3/130-133) ، والمعارف: (212) ، ومروج الذهب: (3/313-314) وشذرات الذهب: (1/211) .

.. الذي حط عليه كلام المحققين، الحكم عليهم بالضلال، وتفويض شأنهم إلى الكبير المتعال – جل جلاله – قال الإمام الذهبي في الميزان، وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين – عليهم جميعاً رحمة رب العالمين – يقول: كان عمرو بن عبيد من الدهرية، قلت: وما الدهرية؟ قال: الذين يقولون لا شيء، إنما الناس مثل الزرع، وكان يرى السيف، قال المؤلف – الإمام الذهبي – لعن الله الدهرية، فإنهم كفار، وما كان عمرو هكذا 10هـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: نصوص الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم 10هـ ونقل عن السلف تكفير من نفى الكتاب والعلم من القدرية، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال، قال: وأقدم من بلغنا أنه تكلم في تعيين الفرق الهالكة وتضليلهم يوسف بن أسياط، ثم عبد الله بن المبارك – وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين عليهما رحمة رب العالمين – قالا: أصول البدعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، فقيل لابن مبارك: والجهمية؟ فأجاب: بأن أولئك ليسوا من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – وكان يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، وقالوا: إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام وهم الزنادقة، وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنين والسبعين فرقة، وجعلوا أصول البدع خمسة، ثم قال شيخ الإسلام: من أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم فإنه لا يكفر سائر أهل البدع، بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله – صلى الله عليه وسلم –: "هم في النار" مثل ما جاء في سائر الذنوب، مثل أكل مال اليتيم وغيره كما قال – جل جلاله –: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} النساء10. ومن أدخل الجهمية فيهم – أي: في الفرق الضالة البالغ عدد ثنتين وسبعين فرقة – منهم على قولين:

.. منهم من يكفرهم كلهم، وهذا إنما قاله بعض المتأخرين المنتسبين إلى الأئمة، أو المتكلمين وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير "المرجئة" و"الشيعة المفضلة" ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص الإمام أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميعه أهل البدع – من هؤلاء وغيرهم – خلافاً عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم، وهذا غلط على مذهبه وعلى الشريعة. ... ومنهم من لم يكفر أحداً من هؤلاء إلحاقاً لأهل البدع بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب، فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة، والمأثور عن السلف والأئمة: إطلاق أقوال بتكفير "الجهمية" المحضة (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر ما تقدم في ميزان الاعتدال: (3/280) ، ومجموع الفتاوى: (23/348، 3/350-352) وكرر نحو ذلك في أماكن من مجموع الفتاوى: (28/50، 3/229، 282) .

.. وصفوة كلامه – رحمه الله تعالى – أن من عدا الجهمية لا يكفرون، وفي تكفير الجهمية نزاع، والمنقول عن السلف القول بكفرهم، وبناء على هذا فالمعتزلة ضلال وليسوا بكفار، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن قدامة في رسالته إلى الشيخ محمد بن الخضر بن تيمية – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – ومما قاله في ذلك: ثم إن الإمام أحمد – الذي هو أشد الناس على أهل البدع – قد كان يقول للمعتصم: يا أمير المؤمنين، ويرى طاعة الخلفاء الداعين إلى القول بخلق القرآن، وصلاة الجمع والأعياد خلفهم ولو سمع الإمام أحمد من يقول هذا القول – تكفير أهل البدع، وتخليدهم في النار – الذي لم يرد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أحد قبله – أي: قبل الإمام أحمد – لأنكره أشد الإنكار، فقد كان ينكر أقل من هذا (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر الذيل على طبقات الحنابلة: 2/156، والرسالة طويلة لخص منها ابن رجب قرابة أربع صفحات، وأشار إلى تأليف ابن قدامة إلى هذه الرسالة في ترجمة ابن قدامة: (2/139) فقال في عد تصانيفه، منها: رسالة إلى الشيخ فخر الدين بن تيمية في تخليد أهل البدع في النار. وانظر نحوه ما ذكره ابن قدامة عن الإمام أحمد في مجموع الفتاوى: (23/349) وفي: (8/430، 460) قرر عدم تكفير الأئمة للمعتزلة ولا لمقابلهم من الجبرية، إنما كفروا من نفى علم الله بالأشياء قبل وقوعها.

.. قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – إطلاق الكفر على الزائغين المبتدعين، من قبل بعض السلف الصادقين، محمول على واحد من أمور أربعة عن المهتدين، فاعلم ذلك ولا تكن من الغافلين، قال الإمام البغوي – عليه رحمة رب العالمين – بعد أن قرر وجوب هجر الزائغين المفسدين، وسير السلف على ذلك الهدي القويم –: ثم هم مع هجرانهم كفوا عن إطلاق اسم الكفر على أحد من أهل القبلة، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – جعلهم كلهم من أمته – أي في الحديث المتقدم في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة –. وروي عن جماعة من السلف تكفير من قال بخلق القرآن، روي ذلك عن الأئمة الكرام مالك، وابن عيينة، وابن المبارك، والليث بن سعد، ووكيع بن الجراح، وغيرهم – رحمهم الله جميعاً –. وناظر الشافعي – رحمه الله تعالى – حفصاً الفَرْدَ، فقال: حفص: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم (¬1) . والأمور الأربعة التي يحمل عليها إطلاق الكفر على المبتدعين هي: ¬

_ (¬1) - انظر شرح السنة: (1/228) ، وانظر مناقشة الشافعي لحفص الفرد المعتزلي وحكمه بالكفر على من قال بخلق القرآن في الأسماء والصفات: (252) ، والسنن الكبرى: (10/206) ، ومناقب الشافعي: (10/460) والانتقاء: (82) ، وتبيين كذب المفترى: (339) ، والمقاصد الحسنة: (304) ، وفيه: تكفير الشافعي لحفص الفرد ثابت، وانظر كشف الخفاء: (2/94) ، وتدريب الراوي: (216) ، ومنهج ذوي النظر: (106) ، والبداية والنهاية: (10/254) ، ومجموع الفتاوى: (23/349) ، وآداب الشافعي ومناقبه: (194) ، وذلك الحكم قاله الإمام أحمد أيضاً ففي مسائل الإمام أحمد: (262) قال أبو داود: قلت لأحمد: من قال القرآن مخلوق أكافر هو؟ قال: أقول هو كافر.

1- كفر لا يخرج عن الملة: فهو كفر دون كفر، قال الإمام البغوي وأجاز الشافعي شهادة أهل البدع، والصلاة خلفهم مع الكراهة على الإطلاق، فهذا القول منه دليل على أنه إن أطلق عليه بعضهم اسم الكفر في موضع أراد به كفراً دون كفر (¬1) . 2- فعل المبتدعين، يشابه فعل الكافرين، ولوجود ذلك الاتفاق بينهما، صح إطلاق لفظ الكفر على المبتدعة منهما، ولم تطبق على المبتدعين أحكام الكفر، لقيام شبهة عندهم لهم فيها شائبة عذر، قال الإمام ابن تيمية: وكذلك الإمام الشافعي لما قال لحفص الفَرْد حين قال: القرآن مخلوق، كفرت بالله العظيم، بين له أن هذا القول كفر، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك، لأنه لا يتبين له الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله، وقد صرح في كتبه بشهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم (¬2) . ¬

_ (¬1) - انظر شرح السنة: (1/228) ، وانظر نحو ذلك التعليل في الذيل على طبقات الحنابلة: (2/156) . (¬2) - انظر مجموع الفتاوى: (23/349) ، وقال قبل ذلك: (23/346) : وحقيقة الأمر في ذلك – أي في تكفير أهل البدع – أن القول قد يكون كفراً، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، ولم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله فيها، ونحو ذلك في: (7/619) .

3- إن ذلك الزيغ سيؤدي إلى الكفر في نهاية المطاف، لما يتلبس به المبتدع من شنيع الأوصاف وإذا كانت المعاصي بريد الكفر، فإن البدع بريدها السريع، مع الضمان الوثيق، لذلك الوصف الشنيع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى –: كانوا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر، وآيلة إليه (¬1) . 4- إطلاق الكفر على المبتدعين، من باب التغليظ والردع للزائغين، زجراً لهم عن إفكهم المبين وتنفيراً لغيرهم من ذلك المسلك الوخيم (¬2) . ¬

_ (¬1) - انظر قول العلماء الكرام: الصغيرة تجر إلى الكبيرة، وهي تجر إلى الكفر، لأن المعاصي بريد الكفر في الفتح المبين لشرح الأربعين: (118) ، وكشف الخفاء: (2/213) ، ونحو ذلك في الإحياء: (4/32) ، وانظر مجموع الفتاوى: (6/359) ، كانوا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر , وآيلة إليه.. (¬2) - انظر توجيه إطلاق لفظ الكفران، ونفي الإيمان، عن أهل الفسوق والعصيان في فتح الباري: (1/112) ، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم –: (2/57) ، ومجموع الفتاوى: (7/524-525) ، ومدارج السالكين: (1/395-397) ، وأجوبة الحافظ ابن حجر عن أحاديث المشكاة: (3/1778-1779) .

وبهذه التحقيقات العلية، يتبين الوجه في إطلاق لفظ "المجوس" على القدرية، في قول خير البرية – عليه صلوات الله وسلامه بكرة وعشية –: "القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم (¬1) ¬

_ (¬1) - رواه أبو داود في سننه – كتاب السنة – باب في القدر –: (5/66) ، والحاكم في المستدرك – كتاب الإيمان –: (1/85) وأحمد في المسند: (2/86، 125) ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة: (1/149-150) ، والآجري في الشريعة: (190) ، والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد: (7/205) ، كلهم عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ورواية الحاكم وأبي داود وإحدى روايات ابن أبي عاصم من طريق أبي حازم سلمة بن دينار عن ابن عمر. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر، وأقره الذهبي، قال الهيثمي في تهذيب السنن: (7/58) : هذا منقطع، أبو حازم لم يسمع من ابن عمر، ووصله الآجري وفيه زكريا بن منظور، ومن طريقه أخرجه الطبراني: قال الهيثمي: زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح وغيره، وضعفه جماعة 10هـ والذي حط عليه كلام ابن حجر في التقريب: (1/261) أنه ضعيف، ورواية أحمد الأولى، وإحدى روايات ابن أبي عاصم عن طريق عمر بن عبد الله، وعمر مولى غفرة لم يسمع أحداً من الصحابة كما في تهذيب التهذيب: (7/472) نقلا ً عن ابن معين، فالسند منقطع. ومع هذا فقد حكم ابن حجر عليه في التقريب: (2/59) بالضعف..ورواه أحمد في المكان الثاني متصلا ً عن مولى غفرة عن نافع عن ابن عمر، وقد علمت حال مولى غفرة، ومع ذلك فقد مال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (8/279) 6077 إلى ترجيح الحكم عليه بالصحة، وأن علة الانقطاع في الرواية الأولى قد زالت، وقد ورد في بعض روايات ابن أبي عاصم، والآجري والطبراني في الصغير: (2/14) من طريق الحكم بن سعيد عن الجعيد بن عبد الرحمن عن نافع به، وساقه البخاري في التاريخ الكبير: (2/341) في ترجمة الحكم بن سعيد، وحكم عليه بالنكارة، وكذلك عَدَّ الذهبيُّ في الميزان: (1/570) هذا الحديثَ من مناكير الحكم بن سعيد، وأقر ذلك ابن حجر في اللسان: (2/332) ، ونقله أيضاً عن العقيلي، وابن عدي، والحديث رواه ابن أبي عاصم أيضاً من طريق إسماعيل بن داود عن سليمان بن بلال عن أبي حسين عن نافع به، وإسماعيل ضعفه أبو حاتم كما في الميزان: (1/226) ، وقال البخاري في التاريخ الكبير: (1/374) : إنه منكر الحديث، وانظر حديث ابن عمر أيضاً في الميزان: (2/79) ، والمجروحين لابن حبان: (1/314) . وقد روي الحديث عن حذيفة بن اليمان – رضي الله تعالى عنهما – بنحو الحديث المتقدم في سنن أبي داود في المكان المتقدم، وفي المسند: (5/406-407) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/144) كلهم عن عمر مولى غفرة عن رجل من الأنصار عن حذيفة، وتقدم الكلام في مولى غفرة، والرجل الأنصاري مجهول كما في تهذيب السنن: (7/61) . وروي الحديث أيضاً عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – في سنن ابن ماجه – المقدمة – باب في القدر –: (1/35) ، ومعجم الطبراني الصغير: (1/221) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/144) والشريعة للآجري: (190) بزيادة: "وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم" ورجال السند ثقات إلا أن أبا الزبير محمد بن مسلم بن تدردس المكي مدلس كما في التقريب: (2/207) وقد عنعن. وري الحديث عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – في كتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/146) بنحو ما تقدم، وسنده ضعيف كما قال الشيخ الألباني في تعليقه عليه.

". ... قال ابن الأثير – عليه رحمة الملك الكبير – في جامع الأصول: القدرية في إجماع أهل السنة والجماعة: هم الذين يقولون: الخير من الله، والشر من الإنسان، وإن الله لا يريد أفعال العصاة، وسموا بذلك، لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله – جل وعلا – ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه، وهؤلاء مع ضلالتهم يضيفون هذا الاسم إلى مخالفيهم من أهل الهدى، فيقولون: أنتم القدرية حين تجعلون الأشياء جارية بقدر من الله، وأنكم أولى بهذا الاسم منا، وهذا الحديث يبطل ما قالوا، فإنه – صلى الله عليه وسلم – قال: "القدرية مجوس هذه الأمة" ومعنى ذلك: أنهم لمشابهتهم المجوس في مذهبهم، وقولهم بالأصلين، وهما: النور والظلمة، فإن المجوس يزعمون: أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة فصاروا بذلك ثَنَوِيَّةً، وكذلك القدرية، لما أضافوا الخير إلى الله، والشر إلى العبيد أثبتوا قادِرَيْنِ خالِقَيْنِ للأفعال، كما أثبت المجوس، فأشبهوهم، وليس كذلك غير القدرية، فإن مذهبهم أن الله – عز وجل – خالق الخير والشر، لا يكون شيء منهما إلا بخلقه ومشيئته، فالأمران معاً مضافان إليه خلقاً وإيجاداً، وإلى العباد مباشرة واكتساباً (¬1) . ¬

_ (¬1) - انظر جامع الأصول: (10/128) نحوه في مجموع الفتاوى: (8/452) ، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم: (1/154) وقد استدل الإمام الآجري في الشريعة: (168) على شقاء القدرية بالحديث الوارد عن خير البرية – صلى الله عليه وسلم – في تشبيههم بشرذمة المجوس الردية، فقال: فإن قال قائل: هم عندك أشقياء؟ قلت: نعم، فإن قال قائل: بماذا؟ قلت: كذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم –، وسماهم "مجوس هذه الأمة" 10هـ وتلك التسمية لا تستلزم كفرهم كما تقدم، قال الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المشكاة: (3/1779) : المراد أنهم كالمجوس في إثبات فاعِلَيْنِ، لا في جميع معتقد المجوس، ومن ثم ساغت إضافتهم إلى هذه الأمة 1هـ.

فائدة علية هي خاتمة الكلام على تلك الفرقة الردية الغوية: أفاد شيخ الإسلام – عليه رحمة الرحيم الرحمن – أن القدرية ثلاثة أقسام: القسم الأول: قدرية مشركة: وهو الذين اعترفوا بالقضاء والقدر، وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي قال الله – عز وجل –: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} الأنعام148، مثلها في سورة النحل35: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} . ... وهؤلاء يؤول أمرهم إلى تعطيل الشرائع، والأمر والنهي، مع الاعتراف بالربوبية العامة لكل مخلوق، وقد ابتلي بهذا الجهميةُ وطوائفُ من الفقراء والصوفية، ولن يستتب لهم ذلك، وإنما يفعلونه عند موافقة أهوائهم كفعل المشركين من العرب، وإذا خولف هوى أحد منهم قام في دفعه متعدياً للحدود غير واقف عند حد كما كانت تفعل المشركين أيضاً قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به، إذ هذه الطريقة تتناقض عند تعارض إرادات البشر فهذا يريد أمراً، والآخر يريد ضده، وكل من الإرادتين مقدرة، فلابد من ترجيح إحداهما، أو غيرهما. القسم الثاني قدرية مجوسية:

.. وهم الذين يجعلون لله – جل وعلا – شركاء في خلقه، كما جعل الأولون لله – جل وعلا – شركاء في عبادته، فيقولون: خالق الخير غير خالق الشر ويقول من كان منهم في ملتنا: إن الذنوب الواقعة ليست بمشيئة الله – عز وجل – وربما قالوا: ولا يعلمها أيضاً فيجحدون مشيئته النافذة، وقدرته الشاملة، ولهذا قال ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –: الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن وحد الله، وآمن بالقدر تم توحيده، ومن وحد الله، وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده. ويزعمون أن هذا هو العدل، ويضمون إلى ذلك سلب الصفات، ويسمونه: التوحيد، كما يسمي الأولون التلحيد: التوحيد، فيلحد كل منهما في أسماء الله وصفاته، وقد وقع بذلك المعتزلة، والمتأخرون من الشيعة. القسم الثالث قدرية إبليسية: ... وهم الذين صدقوا الله بأن الله – جل وعلا – صدر عنه الأمران، لكن عندهم هذا تناقض، وهذا حال الزنادقة الملاعين، كالمعري وشيعته المجرمين (¬1) . ... هذه هي أصناف الزائغين في قدر رب العالمين، وقد تكرم الله الكريم، بهداية عباده المخلصين إلى صراطه المستقيم، فأثبتوا أمر الله ونهيه، كما أثبتوا قدره وحكمته، وعولوا على القدر في المصائب، واستغفروا ربهم ولاذوا به عند المعايب – جعلنا الله العظيم من حزبه المفلحين، وختم لنا بالحسنى آمين. والحمد لله رب العالمين.. ¬

_ (¬1) - انظر تفصيل ذلك وإيضاحه في مجموع الفتاوى: (8/256-261، 3/111-128، 8/107) ، وأثر ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – رواه الآجري في الشريعة: (215) وانظره في شرح الطحاوية: (225) .

مبحث الإسراء- التعليق على الطحاوية- للشيخ الطحان

التعليق على الطحاوية (مبحث الإسراء والمعراج) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم المحاضرة الأولى 21/2/1421 هـ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد.. فأول مبحث عندنا هو: مبحث: الإسراء والمعراج المراد بالإسراء: ما حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام من رحلة مباركة من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في جزء من الليل وتبع ذلك العروج به إلى السموات العلا إلى مستوىً سمع فيه صريف الأقلام أي حسها وكتابتها في اللوح المحفوظ عندما تكتب تقدير الله جلا وعلا، ثم أعيد عليه صلوات الله وسلامه إلى مكة المكرمة ولا زال فراشه دافئاً أي: لم يبرد بعد فراق النبي صلي الله عليه وسلم، وذلك أن الفراش يدفأ من أثر احتكاك الإنسان به وتنفسه ويسخن عندما ينام الإنسان فيه وهكذا عندما يجلس الإنسان، لذلك ورد في معجم الطبراني أو البزار – شك الشيخ الطحان – بسند ضعيف [أن امرأة جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام تناجيه في مسألة وتستفتيه في أمر في مسجده عليه صلوات الله وسلامه عليه وبعد أن انتهت وقامت جاء رجل وأراد أن يجلس مكانها، قال: لا حتى يبرد المكان] . فالشاهد: أن الإنسان عندما يجلس في مكان أو ينام في هذا المكان يكون فيه شيء من دفئه وحرارته الغريزية. وسنتناول مبحث الإسراء والمعراج ضمن مراحل متعددة: المرحلة الأولي: يجب علينا إذا أردنا أن نتكلم على هذا الحادث العظيم الجليل الشريف المبارك أن نذكر الآية التي أشارت إليه في سورة سميت باسم هذا الحادث المبارك وهي سورة (الإسراء) ، وتسمي أيضا بسورة (بني إسرائيل) وتسمي أيضا بسورة (سبحان) فلها ثلاثة أسماء، وأسماء السور توقيفية مبناها على النقل لا على العقل وعلى الرواية لا على الرأي، إما من الصحابة فلكلامهم حكم الرفع إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه ورضي الله عنهم أجمعين، وإما النقل عن التابعين فلذلك حكم الرفع المرسل فيقبل قول التابعي:

(1) إذا تعزز بقول تابعي الآخر. (2) إذا كان قائله من أئمة التفسير الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة كمجاهد بن جبر وسعيد بن جبير عليهم جميعاً رحمة الله. فأسماء السور إذن توقيفية وكذا القول بأن هذا مكي وهذا مدني وأسباب النزول كلها مبنية على الرواية لا على الرأي وعلى النقل لا على العقل. يقول ربنا الجليل في أولها (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) . هذه الآية لابد من تفسيرها وكل من يتكلم على حادث الإسراء والمعراج ينبغي أن يستعرض تفسير هذه الآية لتربط المباحث ببعضها. (سبحان) مأخوذة من السَّبْح وهو الذهاب والإبعاد في الأرض، ومنه يقال السابح الذي يسبح في البركة وفي البحر سابح لأنه يبعد ويذهب بعيداً في حال سباحته، ولذلك لا تصلح السباحة في مكان ضيق محصور متر في متر ونحوها. فسبحان مأخوذة في أصلها اللغوي من السبح وهو الذهاب والإبعاد في الأرض كما ذكرنا ولفظ (سبحان) إما أن يكون مصدر (سبَّح - يسبح – تسبيحاً – وسبحاناً) على وزن (كفر – يكفر – تكفيراً وكفراناً) وهذا المصدر منصوب يعامل إما من لفظه فنقدر نُسبِّحُ الله سبحاناً، وإما من غير لفظه فنقدر: أُنَزِّهُ الله سبحاناً، وكلا التقديرين صحيح، وأما سبحان عَلَمٌُ على التسبيح انتصب بفعل مضمر، ثم نُزِّل ذلك العلم منزلة الفعل وسد مَسَدَّهُ. وأما معنى (سبحان) فقد جاء لثلاثة معانٍ في القرآن: 1- أولها:

تنزيه الله عن السوء وتبرئته من كل نقص، قال الإمام ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل في آخر سورة الصافات عند قوله: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) الآيات قال: "كثيراً ما يقرن الله بين التسبيح والتحميد" (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) يقرن بين التسبيح والتحميد؛ لأن كلاً منهما يكمل الآخر "، فالتسبيح فيه تبرئَة لله عن النقائص ويستلزم ذلك إثبات المحامد إذن فيتضمن نفي النقص عن الله ويستلزم إثبات الكمال له، والحمد بالعكس يتضمن إثبات الكمال لله ويستلزم نفي النقص عنه فكل منها يستلزم الآخر. التسبيح يتضمن معناه الأصلي – نفي النقص عن الله وذلك يستلزم إثبات الكمال فإذا انتفى النقص ثبت الكمال وكل نفي لا يدل على إثبات ما يضاده فلا مدح فيه. س: إثبات الكمال بلفظ التسبيح من أي أنواع الدلالات هل هو دلالة تضمن أم دلالة مطابقة أم دلالة التزام؟ جـ: دلالة التزام، فإن معنى دلالة التضمن هو أن يدل اللفظ على ما وضع له أي وضع لأجل أن يدل على تبرئة الله عن النقص، وأما معنى دلالة الالتزام فهو دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعني لكن لازم له فإذا نُفي النقص ثَبَتَ الكمال. فمثلاً: الحمد يتضمن إثبات الكمال والمحامد لله وذلك يستلزم نفي النقص فكل منهما يستلزم الآخر ويدل عليه فقرن الله بينهما فكأن الدلالة التي في لفظ التسبيح جيء بالحمد ليدلل الله عليها دلالة تضمن ودلالة مطابقة لا دلالة التزام، وهكذا الدلالة التي في الحمد وهي نفي النقص عن الله جيء بلفظ التسبيح ليدل عليها صراحة وتضمناً ومطابقة لا التزاماً. فـ[نفي النقص عن الله يستلزم إثبات الكمال وإثبات الكمال يستلزم نفي النقائص] ولذلك يقرن الله بين التسبيح والحمد لكن أصل معنى التسبيح تنزيه الله عن كل نقص وسوء.

لذلك قال ربنا جل وعلا: (وقالوا اتخذ الله ولداً) فبأي شيء عقب على هذا الكلام؟ (سبحانه) تعالى وتنزه عن هذا النقص، فهكذا كل نقيصة يقولها الكفار ينفيها الله جل وعلا عن نفسه بلفظ التسبيح. إذن تنزيه الله عن السوء وقد ورد في مستدرك الحاكم (1/502) في كتاب الذكر والدعاء عن طلحة بن عبيد الله – أحد العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم – قال [سألت النبي صلي الله عليه وسلم عن معني التسبيح فقال نبينا عليه الصلاة والسلام: هو تنزيه الله عن كل سوء] إذن فهذا هو معنى التسبيح، تبرئة الله عن النقائص وعن السوء. وهذا الأثر صححه الحاكم وقال إسناده صحيح لكن تعقبه الذهبي وقال: قلت: ليس كذلك ثم بين أن فيه ثلاث علل: العلة الأولي: فيه طلحة بن يحي بن طلحة بن عبيد الله الحفيد، منكر الحديث كما قال البخاري. العلة الثانية: وفيه حفص تالف الحديث واهٍ، وحفص هذا هو الذي نقرأ بقراءته فهو في القراءة إمام لكنه في الحديث تالف ضعيف، فإنه ما صرف وقته لحفظ الحديث وضبطه فكان إذا حدث يَهِِمُ وسبب الضعف عدم الضبط لا عدم الديانة فانتبه.. فإن سبب الضعف إما زوال الديانة أو زوال الضبط وليس في زوال الضبط منقصة وإن كانت روايته تُردُّ، لكن إذا كان الضعف بسبب ضياع العدالة؛ لأنه فاسق، كذاب، شارب للخمر، مرتكب الكبيرة، وما شاكل هذا فهذا هو النقص، أما إذا كان الإنسان لا يحفظ، وإذا حفظ ينسى، وإذا حدث يخلط، فهو مردود الرواية وسبب الرد عدم الضبط وذلك لأنه لابد من عدالة وضبط فإذا رُدَّتْ رواية الراوي لعدم ضبطه فلا منقصة في دينه، وإذا رُدَّتْ رواية الراوي لعدم عدالته فهذا هو البلاء. وحفص من ناحية العدالة عدل وفوق العدل، عدل إمام رضا، لكن في ناحية ضبط الحديث واهي الحديث تالف الحديث.

العلة الثالثة: وفيه أيضاً عبد الرحمن بن حماد منكر الحديث كما قال ابن أبي حاتم، فالحديث من ناحية الإسناد ضعيف لكن المعنى صحيح، أي تفسير سبحان الله والتسبيح بأنه تبرئة الله عن كل سوء وعن كل نقص، ثبوت هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم ضعيف من حيث الإسناد لكن المعنى صحيح. 2- ثانيها: ويأتي التسبيح بمعنى التعجب، وهذه المعاني ضروري معرفتها في هذا المبحث إذ لها معانٍ كبيرة وخفية فلفظ (سبحان) هذا وحده يدلنا على أن الإسراء كان بالروح وبالجسد كما سيأتينا، فلفظ سبحان على حسب ما فيها من دلالتين: إما تنزيه الله عن كل نقص أو التعجب، نستدل على أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد، كيف هذا؟ لو كان رسولنا عليه الصلاة والسلام كذاباً – وحاشاه من ذلك- وقال: أسرى الله بي إلى بيت المقدس وعرج بى إلى السموات ورجعت ولم يكن ذلك قد حصل، فإذا أقره الله فماذا يكون في هذا؟ يكون فيه منقصة في حق الله، فإذن هذا يكذب عليه وهو يؤيده بخوارق العادات من إنزال القرآن وغيره أفلا يكون في هذا منقصة والله تعالى يقول: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) . فلفظ (سبحان) إذن أول ما يدل عليه أن الإسراء والمعراج بالجسد لا بالروح فقط لأن هذا لو كان على خلاف ذلك لما كان هنا داعٍ لتعجيب العباد من هذا، فالروح كل واحد يرى أنه أسري بها، فقد يري الكافر أنه أسري بها إلى الصين التي هي أبعد من بيت المقدس، وهذا واضح ولو كان النبي صلي الله عليه وسلم يخبر بخلاف الحقيقة فكيف يقره الله وهو أحكم الحاكمين ورب العالمين؟! لذلك قال أئمتنا: المعجزة تدل على صدق الرسول لأنها بمثابة قول الله: صدق عبدي فيما بلغ عني.

فلو كان نور مثلاً حاضراً في مجلس الأمير، والأمير جالس، وقام وقال أنا رسول الأمير إليكم وأنني مسئول عن أمور الرعية، وأنا نائبه، وقد فوض إلي تدبير الشؤون في هذه المنطقة وأنا ممثله وليس عندي كتاب عنه وما تكلم هو، لكن الدليل على أنني رسوله وأنني نائبه أن الأمير يقعد الآن أمامكم عشر مرات فقام الأمير وجلس وقام وجلس وقام وجلس عشر مرات وما تكلم، أفلا يدل هذا على صدقه؟ نعم يدل دلالة أقوى من الكلام، ولو كان كذاباً لقال الأمير: اضربوا رقبته. فعندما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام للقمر بيده هكذا فينشق فلقتين فهذا لو كان كذاباً لما أيده الله، فإذا كان من علامة صدقه أنه يشير إلى القمر فينشق (اقتربت الساعة وانشق القمر) ولو كان كذاباً لما أيده الله. وانظر إلى مسيلمة الكذاب لما قيل له: إن محمداً عليه الصلاة والسلام يبصق في عين الأرمد فيبرأ، فقد بصق في عين علي بن أبي طالب وكان يشتكي عينيه فما اشتكى منهما بعد ذلك، فقال مسيلمة هاتوا أرمداً لأبصق في عينيه فأتي له بأرمد فبصق في عينيه فعمي. فجوزي بنقيض قصده لذا قال أئمتنا: تلك معجزة وهذه إهانة وذلك خارق للعادة وهذا خارق للعادة لكن ليفضحه الله. وقيل له كان النبي صلي الله عليه وسلم يضع يده في الماء فيفور الماء من بين أصابعه ولما كان صلوات الله وسلامه عليه مع أصحابه في صلح الحديبية كانوا (1500) شخصاً وكفاهم الماء القليل عندما وضع في تور من ماء – إناء صغير- أصابعه صلوات الله عليه فبدأ الماء يفور من بين أصابعه فقيل لمسيلمة عندنا بئر ماؤها قليل لعلك تدخل فيها وتقرأ عليها وتتمتم ليبارك لنا في مائها ففعل فغارت. فهذا خارق للعادة لكنه إهانة وذلك خارق للعادة لكنه معجزة. إذن فلا يظن أن البحث في معنى سبحان من باب النافلة بل هو مرتبط ببحثنا فـ (سبحان) سيأتي أنه من الأدلة على أن الإسراء كان بالروح والجسد.

فـ (سبحان) تأتي بمعني التعجب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة كما في صحيح البخاري: [سبحان الله: إن المؤمن لا ينجس] وأول الحديث يقول أبو هريرة: [لقيت النبي عليه الصلاة والسلام في بعض طرق المدينة أو مكة وكنت جنباً فانخنست منه] أي تسللت في خفية وتواريت عنه لئلا يراني – وقد كان من عادة النبي صلي الله عليه وسلم إذا التقى بأصحابه يصافحهم ويداعبهم ويضاحكهم وليس حاله كحال الجبابرة الطغاة، لذلك لما حج النبي صلي الله عليه وسلم وفداه أبي وأمي فرد فردا ولا إليك إليك أي ما أحد يقال له تنح من أمام النبي عليه الصلاة والسلام، فالناس يمشون بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وهو مع الناس، نَفَرٌ منهم، فإذن له لما رأى أبو هريرة النبي عليه الصلاة والسلام وكان أبو هريرة جنباً يقول: انخنست منه أي تسللت في خفية لئلا يصافحني فكيف يصافحني وأنا جنب، وقد كان يظن أن الإنسان إذا أجنب تنجس [فذهب فاغتسل ثم جاء، قال أين كنت يا أبا هريرة؟ قال كنت جنباً فكرهت أن أجالسك قال: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس] فما معنى (سبحان الله) هنا؟ معناها: أتعجب منك يا أبا هريرة، أنت حافظ العلم وراوية الإسلام كيف يخفى عليك هذا الحكم في شريعة الرحمن. (أسرى) قال علماء اللغة سرى وأسرى بمعنىً واحد مثل سقى وأسقى، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: حي النضيرة ربت الخدر ... أسرت إليّ ولم تكن تسري النضيرة في البيت إما زوجته أو ابنته أو أخته المقصود جاءته في الليل ويحييها أسرت إليه ولم تكن تسري، قال علماؤنا: جمع حسان اللغتين في هذا البيت أسرت فهذا أن أسرى وتسري من سرت لأنها لو كانت من أسرت لقال تُسري.

قيل إنه سير الليل خاصة، وعليه فذكر (ليلاً) في الآية للإشارة إلى تقليل الزمن في تلك الليلة فما سراه لم يكن في مدة الليلة بكاملها إنما كان الإسراء والمعراج به كان في جزء من الليل ولم يكن في جميع الليلة، ويدل على هذا قراءة بن مسعود وحذيفة وهى قراءة شاذة (سبحان الذي أسري بعبده بالليل) بدلاً من (ليلاً) أي أن السرى حصل لنبينا صلوات الله عليه وسلامه والإسراء به حصل في جزء من الليل فذكر ليلاً، فالتنكير هذا للتقليل حصل له في جزء من الليل وكما ذكرنا فراشه دافئ وقال الزجاج: هو مطلق السير في ليل أو نهار وعليه فذكر الليل لبيان وقت الإسراء. (بعبده) هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الرحمن ونعته بهذا الوصف وهو العبودية لأمرين معتبرين: الأمر الأول: أنه أكمل النعوت وأشرف الخصال في حق البشر؛ لأن العبودية تتضمن أمرين اثنين: حب كامل وذل تام، ولا يكون العبد عبداً إلا بهذين الأمرين، فيحب الله محبة تامة كاملة، ويتذلل تذللاً تاماً كاملاً، فمن بلغ هذين الأمرين يقال له: هو عبد، وهذه أشرف صفة ولذلك نعت الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف الذي يشير إلى هذين الأمرين في أعلى المقامات وأجلها منها قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده) ، (الحمد لله الذي أنزل على عبده) ، (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) ، (وأنه لما قام عبد الله يدعوه) فينعته ربنا بلفظ العبودية؛ لأنه أشرف وصف في المخلوق وهو أن يكون عبداً للخالق، أي يحبه حباً تاماً ويتذلل إليه تذللاً تاماً.

ونبينا عليه الصلاة والسلام نال من هذين الوصفين أعلى نصيب ممكن في حق البشر لذلك فهو أشرف المخلوقات على الإطلاق، ثبت في المستدرك ومسند البزار بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً عليه وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [خيار ولد آدم] وفي رواية: [سيد ولد آدم خمسة محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح وسيد خلقه محمد عليه صلوات الله وسلامه] . فقد اتفق أئمتنا – وهذا قد مر معكم في مبحث النبوة في المستوى الأول في شرح العقيدة الطحاوية – على أن أفضل البشر الأنبياء وأفضل الأنبياء الرسل وأفضل الرسل أولو العزم وهم الخمسة الذين ذكرهم الله في آيتين من كتابه (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم) آية 7 من سورة الأحزاب، وفى سورة الشورى آية رقم 13 (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) فأفضل الرسل أولو العزم، وأفضل أولو العزم الخليلان إبراهيم ومحمد على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وأفضل الخليلين أكملها خلة وأعظمها محبة لربه وهو محمد صلى الله عليه وسلم. فخلة إبراهيم لربه دون خلة نبينا عليه الصلاة والسلام لربه، والخلة هي أكمل مراتب المحبة وهي في المحبة كالمقت في الغضب فكما أن المقت أعظم أنواع الغضب، فالخلة أعلى مراتب المحبة. قد تخليت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلا

ولذلك ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله] فليس في قلبي متسع لغير ربي، فمحبتي كلها له فهذا أعلى الحب وأكمله ولذلك يقول إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كما في حديث الشفاعة الطويل الثابت في مسلم وغيره عندما [يذهبون إليه فيقولون له اشفع لنا فأنت اتخذك الله خليلاً فيقول: إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإنه عبد صالح قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيذهبون له فيشفع لهم] وهي الشفاعة العظمي والمقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون، النبيون والمرسلون عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. نعم يلي نبينا في الفضيلة إبراهيم فهو خليل الرحمن وما بلغ مرتبة الخلة إلا نبينا عليه الصلاة والسلام وأبونا إبراهيم، فإبراهيم جعل قلبه للرحمن بشهادة ذي الجلال والإكرام حيث قال: (إذ جاء ربه بقلب سليم) ، وجعل بدنه للنيران وماله للضيفان وولده للقربان أما يستحق هذا أن يتخذه ربنا الرحمن خليلاً وحقيقة الخلة كاملة، والمحبة تامة والعبد هو من جمع حباً وذلاً، يحب ربه من كل قلبه بكل قلبه، ويتذلل له بجميع جوارحه. فمن حقق هذين الأمرين فهو عبد، فالنعت إذن بوصف العبودية هذا مدح ليس بعده مدح أن يقول لك ربك عبدي، هذا شرف لك ليس بعده شرف. ومما زادني عجباً وتيهاً ... وكدت بأخمصي أطأ الثُّريا دخولي تحت قولك يا عبادي ... وأن صيرت أحمد لي نبيا ولكل ما سبق نُعت النبيُّ صلي الله عليه وسلم بـ (عبده) . الأمر الثاني:

الذي من أجله وصفه الله بهذا الوصف خشية أن تغلو الأمة فيه، فنعته بوصف العبودية لتعرف الأمة وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته لا نقول: بما أنه أفضل المخلوقات وأسرى الله به وعرج به إلى السماء وأنزل عليه القرآن وفضله على العالمين إذن نذهب نصلي لقبره ركعتين وعندما نذبح نقول بسم محمد وعندما نقع في كربة نقول يا رسول الله فرج عنا، فلئلا تقع الأمة في هذا الضلال أخبرنا الله أنه عبد فإذا كان عبداً فلا يحق أن تصرف له شيئاً من العبادة، فهذا خاص لله جل وعلا. فَنُعِتَ بهذا الأمر لأجل المدح والتحذير من الغلو ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله] عليك صلوات الله وسلامه يا أفضل خلق الله ويا أكرم رسل الله، والإطراء وهو المجاوزة في المدح والمبالغة فيه. إخوتي الكرام..... إذا ذكر الإنسان النبي عليه الصلاة والسلام فينبغي أن يذكره بالتبجيل والتوقير والاحترام وأن يتبع هذا عليه الصلاة والسلام. وأما ما شاع بين الناس في هذه الأيام لما خربت قلوبهم وأظلمت من جفاء نحو ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام تراه على المنبر وأحيانا داعي يقول: كما قال رسولكم محمد بن عبد الله، فهذا ينبغي أن يضرب على فمه حتى تسيل الدماء منه، فهذا جفاء وقلة حياء بل كان الواجب أن يقول قال محمد رسول الله، هل نعته الله بأنه ابن عبد الله في كتابه؟ وهل في نسبته لأبيه مدح؟ لا إنما في نسبته إلى الله مدح فالواجب أن يقال: رسول الله خاتم النبيين وغيرها فبهذا نعته الله: (محمد رسول الله) ، (محمد عبد الله ورسوله) ، (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله إليكم وخاتم النبيين) ، (يا أيها النبي اتق الله) ، (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل لك) ، ولم ترد إضافته إلى أبيه في القرآن.

ولا يجوز أن تضيفه إلى أبيه إلا في مقام النسب فقط، فتأتي بنسبه فتقول: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب – إلخ النسب ما عدا هذا ذكره مضافاً إلى أبيه من البذاء والجفاء وقلة الحياء وعدم تعظيم خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه، فانتبهوا لهذا. تضيفه لله فلا حرج قال محمد بن عبد الله ورسوله لكن ليس: قال محمد بن عبد الله. (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) . وقد أفتى ابن حجر الهيتمي بأن من قال عن نبينا عليه الصلاة والسلام بمقام الدعوة والتبليغ قال محمد بن عبد الله بأنه يعزر. وحقيقة الأمر كذلك لأن هذا كما قلنا من عدم توقير النبي عليه الصلاة والسلام. (المسجد الحرام) الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج وردت في الظاهر متعارضة، لكن نجمع بينها فيزول التعارض: ورد أنه أسري به من بيت بنت عمه فاخِتة أم هانئ بنت أبي طالب. وورد أنه أسري به من شعب أبي طالب. وورد أنه أسري به من بيته ففرج سقف بيته ونزل الملكان وأخذاه. وورد أنه أسري به من الحجر من الحطيم وهو حجر إسماعيل. قال الحافظ ابن حجر: لا تعارض بينها، فكان نبينا عليه الصلاة والسلام نائما في بيت بنت عمه أبي طالب فاخِتة أم هانئ، وبيتها كان في شعب أبي طالب، وأضيف إليه سقف بيته فرج لأجل سكناه فيه؛ لأنه يسكن فيه وإن كان لا يتملكه كما تقول فتح علي باب حجرتي وأنت في الفندق فأضيفت إليه الحجرة تملكاً في السكن لسكنه فيها وكذا أضيف البيت للنبي صلى الله عليه وسلم لسكناه فيه ثم بعد أن أخرج من بيت أم هانئ في شعب أبي طالب وقيل له بيته لأنه يسكنه أُخذ عليه صلوات الله وسلامه إلى الحجر ولازال فيه أثر النعاس وأُرْجِعَ فيه، ثم بعد ذلك هيأ من ذلك المكان وأخرج من باب المسجد الحرام إلى رحلة الإسراء والمعراج فحصلت جميع هذه الأمور من بيت أم هانئ في شعب أبي طالب وهذا بيته وأُخذ إلى الحِجْر وأُسري به من حِجْر إسماعيل وهو الحطيم. المحاضرة الثانية

الثلاثاء 16/3/1412هـ وقد أضيف بيت بنت عمه أبي طالب أم هانئ فاختة للنبي صلى الله عليه وسلم لسكناه فيه كما قال الله جل وعلا: (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم) فالإضافة هنا للسكن أو للملك؟ هي للسكن، ولو كنت تملك البيت، لكنك أجرته فلا يجوز أن تدخله وإن كان ملكاً لك وهنا أضيف البيت إليه لسكناه فيه، هذا البيت هو لبنت عمه في شعب أبي طالب وأضيف إليه هو ضمن الحرم. والمراد من (المسجد الحرام) حرم مكة المكرمة، وليس المراد منه خصوص المسجد لأن لفظ المسجد الحرام شامل لحرم مكة، ولذلك من صلى في أي بقعة من بقاع الحرم تضاعف صلاته مائة ألف صلاة ولا يشترط هذا أن يكون في خصوص المسجد الحرام الذي يحيط بالكعبة بخلاف مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فالأجر هناك بألف لمن صلى في خصوص المسجد أما مكة فكلها حرم في أي جهة تصلى في مسجد الكعبة الذي يحيط بالكعبة أو في أي مسجد آخر فالصلاة تضاعف بمائة ألف صلاة والله تعالى أشار إلى هذا في كتابه فقال: (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) أي عن مكة، وهذا وقع في صلح الحديبية، والله جل وعلا يقول: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد) فما المراد بالمسجد الحرام هنا؟ هل المراد خصوص المسجد وبقعته التي تحيط بالكعبة؟ لا، بل المراد مكة يستوي فيها البادي والحاضر فهذه خصوصية لمكة، جميع بقعة الحرم يقال لها مسجد حرام.

وعليه فإن المراد بقوله: (من المسجد الحرام) أي من مكة المكرمة سواء كان في بيت أم هانئ أو سواء كان في الحجر، لكنني قد جمعت بين هذه الألفاظ وقلنا: إنه كان نائما في بيت أم هانئ وهو شعب أبي طالب، وأضيف البيت إليه لسكناه وقيل إنه أسري به من الحجر والحطيم الذي حطم وفصل من الكعبة عندما ضاقت بقريش النفقة وهو حجر إسماعيل وهو جزء نصف دائري يبعد عن الكعبة قليلاً ومازال موجوداً إلى الآن وهو من الكعبة ومن مر بينه وبين الكعبة فكأنما مر في جوف الكعبة تماماً، ولو كنت تطوف فيما بينه وبين الكعبة لم يصح الطواف بل لابد من الطواف خارج حجر إسماعيل، وهذا الحجر الأصل أنه من الكعبة لكن لما ضاقت النفقة بقريش سابقاً فصلوا هذه البقعة عن الكعبة وحوطوا عليها للإشارة إلى أنها من الكعبة وبقي البناء على هذا والنبي عليه الصلاة والسلام قال لأمنا عائشة والحديث في صحيح البخاري: [لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فنقض وأدخلت حجر إسماعيل وجعلت له باباً شرقياً وغربياً يدخل الناس ويخرجون] أي إلى جوف الكعبة، لكن ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام هذا لئلا يقول الناس وهم حديثو عهد بجاهلية بدأ يتلاعب في هذا البيت المعظم الذي هو بيت الله الحرام، فتركه على ما كان ولا حرج في ذلك ولا مضرة ثم بقي على هذه الشاكلة. لما جاء عبد الله بن الزبير نقض البيت الحرام وأدخل الحجر وجعل له بابين: باباً من الشرق وباباً من الغرب ولما قتل رضي الله عنه وأرضاه في الحروب التي جرت بينه وبين بني أمية في عهد عبد الملك بن مروان أمر عبد الملك بأن يعاد البيت كما كان فأعادوه إلى هذه الكيفية الموجودة الآن.

ولما جاء أبو جعفر المنصور – الخليفة العباسي - استشار الأئمة وعلى رأسهم الإمام مالك عليهم رحمة الله في أن يعيد البيت كما فعله عبد الله بن الزبير فقال الإمام مالك: الله الله يا أمير المؤمنين في هذا البيت ألا يصبح ألعوبة بأيدي الحكام كل واحد يأتي ينقضه من أجل أهواء سياسية، عبد الله بن الزبير أصاب السنة فمن أجل أن يخالفه بنو أمية نقضوا البيت، فأنت الآن ستخالفهم وتعيد البيت نكاية ببني أمية، فيأتي حاكم بعد ذلك نكاية بك ينقضه، فيصبح البيت ملعبة، فاتركه على شاكلته. الشاهد: أنه صلى الله عليه وسلم نائماً في الحجر في الحطيم فجاءه ملكان وأخرجاه إلى باب المسجد وبدأت رحلة الإسراء والمعراج، هذه الأمور الأربعة المسجد الحرام والحجر وشعب أبي طالب وبيته كلها يشملها المسجد الحرام. (إلى المسجد الأقصى) هو بيت المقدس المعروف والموجود في بلاد الشام في فلسطين وسمي بالأقصى وهو الأبعد لأنه لم يكن على وجه الأرض في ذلك الوقت إلا مسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والمسجد الأقصى بالنسبة للمسجد الحرام بعيد المسافة، كما قال المشركون خمسة عشر يوماً ذهاباًً وخمسة عشر يوماً إياباً فيحتاج من يسافر إليه شهراً كاملاً ذهاباً وإياباً، فقيل الأقصى أي الأبعد مسافة لأنه هو أبعد مسجد عن مكة وما كان على وجه الأرض في ذلك الوقت إلا هذين المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، أما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن له وجود لأنه حصل بعد الهجرة وسيأتينا أن حادثة الإسراء والمعراج كانت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله. إذن المسجد الأقصى قيل له: أقصى لبعد المسافة بيه وبين مكة.

والمسجد الحرام هو أول بيت وضع للناس كما قال الله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين) . بكة ومكة اسمان مترادفان، سميت بكة ومكة لأنها تبك وتمك رؤوس الجبابرة وتقسم ظهورهم وما أحد أرادها بسوء إلا عاجله الله بالعقوبة. بك هو قطع العنق ودقه، وهكذا المك، بك ومك، وسميت ببكة وبمكة مأخوذ من المك يقال: إذا خرجت أمعاؤه ونفسه وروحه من كثرة الزحام، ولما يحصل فيها أيضاً زحام حول الطواف عند اجتماع الناس من كل فج عميق. فإذن قيل لها مكة وبكة لحصول الزحام فيها ولعقوبة الله لكل من أرادها بسوء. والمسجد الحرام بمكة هو أول بيت وضع للناس يليه المسجد الأقصى، وبينهما أربعون عاماً كما ثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام من حديث أبي ذر، ولا يشكلن عليك هذا الدليل وإياك أن تقول إن أول من بنى بيت الله الحرام إبراهيم وأول من بنى بيت المقدس داود فليس الأمر كذلك. أول من بنى المسجد الحرام الملائكة ثم بنت بيت المقدس بعده بأربعين عاماً. وهناك قول ثانٍ ولا يصح غير هذين القولين، أول من بنى المسجد الحرام آدم وآدم حج إلى بيت الله الحرام قطعاً وجزماً وهكذا جميع أنبياء الله ورسله كلهم حجوا بيت الله الحرام. والبيت المعمور في السموات بعد ذلك هذا على حيال وعلى اتجاه الكعبة التي في الأرض تماماً، وهذا البيت – المسجد الحرام – كان موجود من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة، كان يحجه ويزوره وآدم زار البيت وحج واعتمر وهكذا جميع أنبياء الله ورسله ثم بعض بنى آدم بنى المسجد الأقصى وكان بينهما أربعون عاماً هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح مسلم ونص الحديث: [أول مسجد بنى المسجد الحرام قلت: ثم أي يا رسول الله؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون عاماً] . فقيل له أقصى لأن مسافته بعيدة عن المسجد الحرام. (الذي باركنا حوله)

البركة هي: ثبوت الخير للشيء والله جعل بركات عظيمة حول المسجد الأقصى هذه البركات شاملة لبركات الدين والدنيا. أما الدين فهي مكان بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه، في بلاد الشام. وأما الدنيا فما فيها من الخيرات والزروع والثمار لا يوجد في الأرض له مثيل ونظير، فالخيرات فيها عظيمة فيما يتعلق بخيرات الدين وفيما يتعلق بخيرات الدنيا. (باركنا حوله) ديناً ودنيا ولذلك اعتبر نبينا عليه الصلاة والسلام أصول الفساد في بلاد الشام علامة على فساد سائر البلدان لأن المكان المبارك إذا فسد فغيره أفسد؛ ثبت في صحيح ابن حبان ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذي عن قرة بن إياس – والحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حبان – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم] وأهل الشام الآن أخبث من الشيطان إلا من رحم ربه وقليل ما هم، ولذلك فالبشرية فيها هذا البلاء والغثاء والضلال لأن الخيار فسدوا فكيف سيكون حال الأشرار؟! المكان الذي بارك الله فيه ضل وزاغ فكيف سيكون حال الأمكنة الأخرى؟! وحديث الصحيحين عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة [وأنه لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله قال: وهم بالشام ظاهرون] فإذن بركة الدين والدنيا، ونزول عيسي على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه في آخر الزمان سيكون في بلاد الشام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب المسيح الدجال عليه وعلى جميع الدجاجلة لعنة الله وغضبه فيقتله بباب لد في فلسطين، فإذا رآه الدجال إنماع كما ينماع الملح في الماء فيقول: اخسأ عدو الله فإن لك ضربة لن تخطأك فيضربه عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فيقتله.

وليقرر إليه هذه البركة على أتم وجه أتى بأسلوب مقرر في البلاغة وهو أسلوب الالتفات وهو نقل المخاطب من هيئة إِلى هيئة ومن صيغة إلى صيغة، فمثلاً: يكون يتحدث في حال الحضور فينتقل إلى الغيبة ويكون في حال الإفراد فينتقل إلى الجمع، ويكون في حال غيبة فينتقل إلى حضور وهكذا، فيغير في أسلوب الكلام من أجل أن يلفت الأذهان ويشحذها وأن هذا أمر عظيم ينبغي أن تقفوا عنده، فأين الالتفات في الآية؟

المُخاطِبُ هو الله – سبحانه - غير في الكلام، فكان الكلام على صيغة (سبحان الذي أسرى) وأسرى غيبة، (أسرى بعبده) فلم يقل أسريت بعبدي، ولم يقل: سبحاني أسريت بعبدي، أو سبحاننا أسرينا بعبدنا على وجه التعظيم – من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، إذ أصل الكلام أن يقول: سبحاننا أسرينا بعبدنا ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله فتكون باركنا مثل سبحاننا وأسرينا وعبدنا، لكن قال تعالى: (سبحان الذي أسري بعبده) على جهة الغيبة ثم قال (ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) فلو أراد أن يكون الكلام متفقاً مع الغيبة لقال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله ليريه من آياته إنه هو السميع البصير إذن فالمتكلم نقل كلامه من غيبة إلى حضور ومن جهة إلى جهة. وغرضه الأصلي أن يشحذ الذهن وأن يشد الانتباه لمضمون الكلام لئلا يحصل ملل وسآمة من مجيء الكلام على صورة واحدة، ثم للتنبيه وهنا فائدة خاصة أيضاً، أما غرض الالتفات العام شحذ الأذهان وجلب الانتباه ثم في كل مكان له غرض خاص، فما هو الغرض الخاص هنا؟ للإشارة إلى عظيم تلك البركات الموجودة حول المسجد الأقصى فلأجل أن يقرر تلك البركات وكثرتها ونفعها نقل الكلام من هيئة إلى هيئة، شحذ الذهن ثم قرر تلك البركات، يدل على هذا: أنه أتى بنون التعظيم التي يعظم بها ربنا نفسه كأنه يقول: العظيم لا يفعل إلا أمراً عظيماً، وهناك بركات جسيمة جعلتها حول المسجد الأقصى. وهذا المسجد الأقصى الذي فرطنا فيه وفرطنا في بلاد الإسلام كلها بل فرطنا في الإسلام وما أقمنا وزناً للرحمن ولا لنبينا عليه الصلاة والسلام. (لنريه من آياتنا)

الآيات العظيمة التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام تأتي الإشارة إليها إن شاء الله ضمن مبحث خاص فيما حصل له قبل إسرائه، وعند إسرائه عليه الصلاة والسلام ولا زال في الأرض وعندما عرج به في السموات وعندما رقي إلى ما فوق السموات، فهذه الآيات الأربع سنتكلم عنها إن شاء الله. إذن آيات قبل رحلة الإسراء وسيأتينا منها شق الصدر الشريف لنبينا عليه صلوات الله وسلامه، وما حصل له أثناء رحلته قبل أن يصل إلى السماء، وما حصل له في السموات، وما حصل له بعد السموات من آيات عظيمة: تكليم الله حصل له، ولكن هل حصلت الرؤية أم لا؟ سنتكلم عن هذا كله إن شاء الله عند مبحث خاص في الآيات التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام. (إنه هو السميع البصير) الضمير في (إنه) يعود على الله جل وعلا على المعتمد، (إنه) أي إن الله (هو السميع البصير) ، وفي ذلك دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغ ويقول ويدعي، فلو كان مفترياً هذا الأمر وأنه أسري به وعرج ولم يكن ذلك قد حصل فإن الله سميع لأقواله بصير فلبطش وأخذه أخذ عزيز مقتدر، كما قال لنبيه موسى وهارون (إنني معكما أسمع وأرى) فإذا أراد ذاك اللعين – وهو فرعون – أن يتحرك فأنا لست بغائب، أنا أسمع وأنا أرى، أخسف به الأرض أرسل عليه حاصباً من السماء فتخطفه الملائكة من جميع الجهات، فأنا معكما أسمع وأرى. ولذلك قال نبينا عليه الصلاة والسلام لأبي بكر في حادثة الهجرة: [ما ظنك باثنين الله ثالثهم] (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) فإذا كان الله معك فلا تخف ولو كادك أهل الأرض ومعهم أهل السماء لو حصل ذلك، فالله سيتولاك ويجعل لك فرجاً ومخرجاً من حيث لا تحتسب، كما قال الله جل وعلا: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) .

ثبت في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه هذه الآية (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لوسعتهم فمازال يكررها عليّ حتى نعست] . إذن (إنه هو السميع البصير) يعود على الله جل وعلا، هو سميع بصير ففي ذلك إشارة إلى صدق نبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه فيما ادعى وأخبر فلو كان الأمر بخلاف ذلك لما أقره الله ولما تركه ولعاجل له العقوبة: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) .

وقيل: إن الضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيما حكاه أبو البقاء العُكْبَري (إنه) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم سميع بصير، سميع لأوامر الله، بصير بي وفي ذلك إشارة إلى حصول رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه، والمعتمد أنه حصلت له الرؤية، لكن هل بقلبه أم بعين رأسه؟ نشير إلى هذا عند الآيات التي رآها فوق السموات، فالرؤية حصلت له (ما زاغ البصر وما طغى) وكما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: [رأيت نوراً] وكما قال ابن عباس: [رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه مرتين] لكن هل هذه رؤية قلبية أم بصرية بعين رأسه، سنفصل الكلام على هذا في حينه إن شاء الله تعالى إذن سميع لأوامر الله، بصير بي، ليس حاله كحال غيره فانظر للفارق العظيم بينه وبين الكليم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، أما موسى الكليم فهو الذي طلب من الله جل وعلا أن يمكنه من رؤيته وأن يأذن له بالنظر إليه فقال: (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً) إذن تشوق للأمر فقال الله تعالى: لا يحصل لك ولا تتمكن من ذلك ثم لما تجلى الله للجبل صعق موسي وخر مغشياً عليه، بينما نبينا عليه الصلاة والسلام دعي للأمر دون أن يتشوق وأن يتطلع وأن يطلب، ثم ثبته الله فما زاغ البصر وما طغى. شتان شتان بين من يقول الله عنه: (ما زاغ البصر وما طغى) وبين من يقول عنه: (وخر موسى صعقاً) ، ولذلك قال أئمتنا: نبينا مراد، وموسى مريد، وشتان بين المراد والمريد. ذاك هو يطلب ثم لا يثبت ولا يتمكن، بينما هذا يطلبه الله، عليهم صلوات الله وسلامه. وقال أئمتنا: نبينا يطير وموسى يسير، وشتان بين من يطير ومن يسير.

وقال أئمتنا: إن موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مظهر للجلال والفخر الإلهي، كما أن عيسى مظهر للجمال والنور الإلهي، ومحمد عليه صلوات الله وسلامه مظهر للكمال الإلهي فجمع الجلال وجمع الجمال فهو الضحوك القتال، يخفض جناحه للمؤمنين وهو بهم رؤوف رحيم، ويفلق هام الكافرين ويغلظ عليهم، وهو عليهم شديد عظيم، وهذا هو حال الكمال، أن تضع كل شيء في موضعه، أما أن تغلظ على المؤمنين وتشد عليهم فهذا في الحقيقة في غير محله، فهارون نبي من أنبياء الله المصطفين الأخيار، لما رجع نبي الله موسى على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه إلى قومه بعد مناجاة ربه وقد عبدوا العجل، ماذا فعل؟ أخذ بلحية أخيه هارون وبرأسه يجره إليه ويضربه، وحمل ألواح التوراة وألقاها حتى تكسرت، وقال هارون: ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، لم تضربني إذا عبد بنو إسرائيل فماذا أفعل أنا؟ (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) ، أي أما خشيت أن نخاصمهم ونقاتلهم ثم تأتي وتقول: لقد عملت مشكلة في بني إسرائيل وفرقت بينهم، فانتظرت قدومك لأجل أن نبحث في أمرهم ونعيدهم إلى حظيرة الإسلام، وهذا جرى من موسى أي موسى وهو أكبر من هارون وله عليه دالة، ثم هو أعلى منه مكانه في النبوة، لكن هذا غضب وانفعال ودالة أخ على أخيه فهل هذا كمال؟ لا ليس بكمال، بل هو قهر وجلال. وانظر إلى نبي الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فهو على العكس لم يرفع صوته قط على أحد، وحياته كلها حياة وسلم وصفح وُحلم ورحمة، فهذا جمال لكن انظر إلى الكمال كيف يضع الأمر في موضعه؟ (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) ، (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليكم) ، يضع كل شيء في موضعه فهذا من الكمال. من الذي حاز الكمال من الصحابة؟

أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقط، ومن عداه إما جمال أو جلال، فعمر جلال ومظهر للانتقام والشدة والبطش في الحق، لكن ليس عند مظهر الجمال فعمر رضي الله عنه أرسل إلى امرأة بلغه حولها ريبة ففي الطريق بدأت تولول وتقول مالي ولأمير المؤمنين عمر، مالي ولعمر، فأسقطت خوفاً منه قبل أن تصل إليه. وكان يحلق رأسه في الحج بعد أن انتهي من النسك فتنحنح عمر: احم احم والحلاق يحلق رأسه، فأحدث – أي الحلاق – في سراويله، هيبة من عمر، هذا عمر، ومن الذي كان يجرؤ أن يعاركه، وهو الذي يقول النبي عليه الصلاة والسلام فيه – والحديث في الصحيحين [ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك] . وعثمان مظهر جمال ورقة وحلم وصفح فلا يخطر ببال أحد أنه يمكن أن ينتقم من شخص أو يبطش به، هذا هو الذي جرأ السفهاء عليه لما وسع عثمان المسجد كما في صحيح البخاري، وفي منبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال أيها الناس إنكم أكثرتم أي كل واحد يتكلم ويطلق لسانه ولا يستحي من الله مع أنه كان خليفة راشداً ذا النورين ما علم هذا لأحد من خلق الله، أنه تزوج بنتي نبي، قال: وإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: [من بنى لله مسجداً ولو كَمَفْحَصِ قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة] . ولنسأل: من الذي وسع المسجد قبله؟ هو عمر، لكن هل تكلم أحد عندما وسع عمر المسجد والله لو أن واحداً همس لأتى به عمر ووطأ على رقبته، لكن انظر إلى عثمان هو الذي يعتذر لهم يقول: أكثرتم، أكثرتم عليّ من الكلام في المدينة، فما عملته حتى تتكلموا عليّ؟ مسجد النبي عليه الصلاة والسلام وسعته فماذا في هذا؟! فسبحان الله خليفة يعتذر.

ثم لما اجتمع الثوار الأشرار لحصاره وبقي خمساً وعشرين يوماً يحاصروه جاءه عليٌّ والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين والصحابة يطلبون منه أن يأذن لهم في نصرته فقال لهم: من كان سامعاً مطيعاً ولي عليه في رقبته بيعة، ولي عليه حق السمع والطاعة فليلق سلاحه ولينصرف حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين، ولا أريد أن يراق من أجلي قطرة دم، إن يقتلوني فالله يحاسبهم، وإذا انكفوا عن طغيانهم فحصل الذي أريد، أما أن يحصل قتال فهذا لا أريده، هذا ممكن أن يحصل في عهد عمر رضي الله عنه. فهناك جلال وهناك جمال وأما أبو بكر فهو الكمال. إخوتي الكرام.. من لطف الله بهذه الأمة أن الخليفة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام هو أبو بكر، ووالله لو جاء غيره لطاشت عقول الصحابة لأن أبا بكر هو صورة طبق الأصل للنبي عليه الصلاة والسلام، وما يختلفان إلا أن ذاك محمد رسول الله صلوات الله عليه وسلامه – وهذا عتيق الله أبو بكر الصديق، فذاك رسول وهذا صديق لا يختلفان في الطبيعة ولا بمثقال ذرة، وإن أردت أن تتحقق من هذا، انظر لصلح الحديبية لما أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام الصلح مع المشركين على أن يرجع هو والمؤمنون هذا العام ليأتوا في العام الآتي، وكتبوا شروطاً فيها قسوة في الظاهر على المسلمين، فمن الذي لج وضج؟ إنه عمر، بدأ ينفعل ويغضب غاية الغضب فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ألسنا على الحق؟ قال: بلي، فقال: أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: علام نعطى الدنية في ديننا؟! سيوفنا معنا والله معنا نبيدهم ونستأصل خضراءهم فماذا كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم؟ يا عمر إني رسول الله ولن يضيعني الله.

ثم ذهب إلى أبي بكر وقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: علام نعطى الدنية في ديننا؟! فماذا كان جوابه لعمر دون أن يسمع جواب النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: يا عمر اعرف قدرك إنه رسول الله ولن يضيعه الله فهذا كلام من مشكاة واحدة، اعرف قدرك من أنت لتفور لتثور؟، إن هذا رسول الله لا ينطق عن الهوى، يسدده في جميع أحواله، فأنا وأنت لا نعلم إلا الحاضر، لكن هذا رسول الله يوجهه من يعلم الغيب من يعلم السر وأخفى، فاعرف قدرك وقف عند حدك. لو جاء بعد النبي عليه الصلاة والسلام خليفة غير أبي بكر، والله لطاشت عقول الصحابة وجنوا على قيد الحياة، ولم هذا؟ لأنهم أصيبوا بنبيهم عليه الصلاة والسلام، وهذه أعظم المصائب في الدين، المصيبة الثانية أنه قد جاءهم من ليس على طبيعته وبالتالي تغيرت عليهم الأمور من جميع الأحوال، فالنبي عليه الصلاة والسلام ذهب ثم جاء من لا يمثله تماماً، لا أقول عنده انحراف، حاشا وكلا أن يكون في أحد الصحابة انحراف، لكن شتان بين طبيعة أبي بكر وطبيعة غيره، فجاءهم أبو بكر، ولذلك يعتبر أبو بكر برزخاً، أي مثل الحياة البرزخية بين الدنيا والآخرة، فهو برزخ بين حياة النبي عليه الصلاة والسلام وبين الحياة التي جاءت بعد ذلك لتكون انتقالاً، وليخف عليهم أثر فراق النبي عليه الصلاة والسلام، فما فقدوا في عهد أبي بكر إلا شخص النبي عليه الصلاة والسلام، وأما الرعاية والتوجيه والحلم والشدة في موضعها كل هذا موجودٌ كما كان النبي عليه الصلاة والسلام فيهم. المرحلة الثانية: مباحث الإسراء والمعراج المبحث الأول: اتفق أهل الحق على أن الإسراء والمعراج كانا بروح النبي عليه الصلاة والسلام وبدنه يقظة لا مناماً دل على هذا ثمانية أمور، كلها حق مقبول: الأمر الأول:

افتتاح آية الإسراء بلفظ التسبيح (سبحان) ، وقد تقدم معنا أن من معاني التسبيح تنزيه الله عن السوء والتعجب، والأمران يدخلان هنا، فالله جل وعلا ينزه نفسه عن السوء في مطلع هذه السورة للإشارة إلى أن طعن المشركين في خبر نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه طعنهم في خبره بأنه أسرى به وأن هذا لا يمكن أن يحصل له وأن هذا مستحيل وأن هذا بعيد، فهذا نقص يتنزه الله عنه فهو على كل شيء قدير. وفي ذلك أيضاً تعجيب للمسلمين وللخلق أجمعين لما حصل لنبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، والتعجب يحصل عند أمر غريب أو أمر غير مألوف؟ بل يحصل عند أمر غريب، ولذلك افتتحه بقوله (سبحان) ، فالتنزيه يدل على حصول الإسراء والمعراج والطعن في هذا طعن في قدرة الله التي لا تحد بحد، والتسبيح إذا كان معناه التعجب تعجبوا مما حصل للنبي عليه الصلاة والسلام من إسراء بروحه وجسده ومعراج بروحه وجسده في جزء من الليل. الأمر الثاني: أو اللفظة الثانية: (عبده) العبد هو اسم لمجموع الروح والجسد، هذا كقول الله جل وعلا: (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً) للروح أم للجسد؟ لهما. وكقوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) فأتى عليه لم يكن شيئاً للروح أم للجسد؟ لروحه ولجسده ولا كانت روحه والله خلقه ونفخ فيه الروح وهو على كل شيء قدير فالعبد والإنسان هذان اسمان للروح وللجسد فليس اسماً للجسد فقط، ولا للروح فقط، والله سبحانه يقول (سبحان الذي أسري بعبده) فدخل في لفظ العبد جسد النبي عليه الصلاة والسلام وروحه. الأمر الثالث: أو اللفظ الثالث:

في الآية (السميع البصير) وتقدم معنا أن الأظهر في (أنه هو السميع البصير) أنه يعود على الله جل وعلا وفي ذلك دلالة على أن الإسراء كان بروح النبي عليه الصلاة والسلام وجسده يقظة لا مناماً، لأن الأمر لو لم يكن كذلك وادعاه النبي عليه الصلاة والسلام فكيف يتركه السميع البصير، فلو كان مفترياً ومختلقاًً لهذا وتقولاً على الله لما أقره السميع البصير لأن الله لا يؤيد الكذاب ولا يناصر المخادع ويهتك ستر المنافق، فكيف إذاً يدعي النبي عليه الصلاة والسلام هذا ولم يكن يحصل له، والله سميع بصير يقره. وإذا عاد إلى النبي عليه الصلاة والسلام – كما ذكرنا قبل أنه أحد الأقوال – فقلنا إن الأمر كذلك فهو سميع لأوامري بصير بي، حدثت له الرؤية في حادث الإسراء والمعراج. الأمر الرابع: قول الله تعالى في وصف نبينا عليه الصلاة والسلام في سورة النجم عندما تعرض لذكر حادثة الإسراء والمعراج وأنه رأى في الملأ الأعلى ما رأى، قال: (ما زاغ البصر وما طغى لقدر رأى من آيات ربه الكبرى) وقوله في الآيات (ولقد رآه نزلة أخرى) أي ولقد رأى نبينا عليه الصلاة والسلام جبريل، (نزلة أخرى) أي مرة أخرى (عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى) فراش من ذهب ومن الألوان التي لا يوجد مثلها في زمن من الأزمان، أنواع عند سدرة المنتهي فراش من ذهب كما هو ثابت هذا في الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام، (ما زاغ البصر وما طغى) ، وزيغ البصر هذا يقع للإنسان يقظة لا مناماً. الأمر الخامس: أو الدليل الخامس:

لما تحدث الله سبحانه وتعالى عن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الإسراء، أخبرنا عن عظيم ما حصل له وعن عظيم ما رآه، فقال جل وعلا: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة الناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً) ، ثبت في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم] ، وهذه الرؤيا حقيقية هي فتنة وامتحان يظهر فيها المؤمن المصدق والكافر الجاحد عندما قال لهم نبينا عليه الصلاة والسلام أسري بي في جزء من الليل إلى بيت المقدس ثم عرج بي للسموات العلى ثم عدت إلى بيت المقدس، ثم عدت إلى مكة في جزء من الليل وفراشي دافئ فهذا فتنة أم لا؟ نعم هو فتنة، ولذلك سيأتينا أن تكذيب المشركين هذا دليل على أن الإسراء والمعراج بروح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده في اليقظة لا في المنام، لأنه لو كان في المنام لقالوا له: أنت ذهبت إلى بيت المقدس، أما نحن فذهبنا في هذه الليلة إلى الصين فينبغي أن تكون نبوتنا نحن أعلى من نبوتك لأنك تذهب إلى بيت المقدس أما نحن فنذهب إلى أبعد، فالقول بأنه كان في المنام ليس فيه معجزة للرسول صلي الله عليه وسلم وأمر خارق للعادة قد حصل له، وهو – أي الأمر الخارق – أنهم يذهبون لبيت المقدس خمسة عشر يوماً ذهاباً وخمسة عشر يوماً إياباً ويقطعها هو في جزء من الليل يضاف إلى هذا أنه يعرج به إلى السموات العلى ويعاد في جزء من الليل.

إذن رؤيا عين أريها رسول الله صلي الله عليه وسلم ومتى ثبتت له هذه؟ في حادث الإسراء والمعراج (الشجرة الملعونة في القرآن) أي أيضاً جعلناها فتنة للناس وهي شجرة الزقوم، ولذلك لما نزل قول الله جل وعلا للإخبار بأن الكفار يأكلون من شجرة الزقوم قال أبو جهل عليه لعنة الله وغضبه مستهزءاً بكلام الله جل وعلا ومستخفاً بمحمد عليه صلوات الله وسلامه: أتدرون ما الزقوم؟! هي عجوة يثرب بالزبد – (عجوة) أي أجود أنواع التمر، (الزبد) عندما يوضع على التمر قشدة الحليب وخلاصة الحليب الدسم – والله لأن أمكنني الله منها لأتزقمنها تزقماً، ونقول له: هنيئاً مريئاً بالزقوم، فقال الله تعالى: (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) فإن شجرة الزقوم فتنة ووجه كونها فتنة: قال المشركون: يا محمد أنت تخبرنا أن شجرة الزقوم تخرج في أصل الجحيم، فهل بدأت تهذي تخرف، كيف تنبت الأشجار في وسط النار، والنار تحرق الأشجار، أفليست هذه فتنة؟!!. إخوتي الكرام.... هذه نار الدنيا تحرق الأشجار من طبيعة خاصة وإذا أراد الله أن ينبت في نار الدنيا شجراً فإنه على كل شيء قدير. (قصة القسيس مع الشيخ الحلبي الصالح لما وضع جبته داخل جبته وألقاها في فرن فاحترقت جبة القسيس ولم تحترق جبة الشيخ الصالح إلخ) . حقيقة إن هذه القوانين التي وضعها الله سبحانه لتتحكم في هذا الكون لا نستطيع أن نخرج نحن عنها، لكن إذا أراد الله تعالى أن يبطلها فهو على كل شيء قدير، فالنار المحرقة يجعلها ظلاً بارداً والظل البارد يجعله الله سموماً محرقاً فإنه على كل شيء قدير. وإذا أراد الله أن يجعل الارتواء والري في البترول فإذا شربته ترتوي ويذهب الظمأ ويجعل العطش في الماء فهو على كل شيء قدير، أي فهل الماء بطبيعته يروي الإنسان؟ لا بل جعل الله فيه هذه الخاصة، فإذا أبطلها فإنه على كل شيء قدير.

هذا اللسان هل يتكلم وحده، أم جعل الله فيه هذه الخاصية؟ بل جعل الله فيه هذه الخاصية ولذلك إذا أراد أن يُنْطق يدك، فهل تنطق اليد؟ نعم (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) ، (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) ، والذي أنطق اللسان ينطق اليد وينطق الرجل وتشهد الجلود كما أخبر ربنا المعبود سبحانه وتعالى، فهذه القوانين تتحكم فيَّ وفيك، فأنا لا أستطيع أن أُنطق يدك فأقول لليد تكلمي فلا تتكلم. إنطاق اليد وإنطاق اللسان بالنسبة لقدرته سواء، أُذِنَ لِلِّسان فنطق، فإذا أذن لليد بالنطق نطقت. والأرض يوم القيامة ماذا يكون حالها (يومئذ تحدث أخبارها) ثبت في المستدرك وسنن الترمذي بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر] فالأرض هذه ستشهد عليك، ولا تقل كيف ستتكلم الأرض، إذ كيف تكلم لسانك؟ فكم من إنسان له لسان ولا يستطيع أن يتكلم به أي أخرس، هل لسانه أقصر من لساننا أو أطول أو شكله مختلف؟ لا بل هو هو ولكن ما أذن الله له بالنطق، فهو على كل شيء قدير. ولذلك أنت يا ابن آدم تتكلم بلحم وتسمع بعظم وتبصر بشحم والله على كل شيء قدير. فالعين مادة شحمية، والأذن عظام متجوفة بواسطتها تنتقل إليك ذبذبات الأصوات وتسمع، فإذا ابتلى الله إنساناً بالصمم فهل يستطيع أن يسمع؟ لا مع أن له أذناً. ... وإذا أفقد الله النور من البصر فلا يستطيع أن يرى مع أن له عينين لدرجة أنك لو نظرت إليه أحياناً ما تظن أنه أعمىً، لكنه أعمىً. ولذلك فاوت الله بين عباده لئلا يقول الناس هذا طبيعة، فلو كان كلهم يتكلمون لقال الناس هذا طبيعة، واللسان من طبيعته أن يتكلم، لكننا نقول له فلان عنده لسان ولا يتكلم، ولو كان طبيعة لتكلم هو ولتكلمت جميع الألسنة.

وهنا كذلك شجرة تنبت في النار والنار تحرق الأشجار، فهذه القوانين تتحكم فيَّ وفيك ولا تتحكم فيمن خلقها وأوجدها وهو رب العالمين سبحانه وتعالى، ولو تحكمت فيه لكان محكوماً ولما كان حاكماً وهو الذي لا يسأل عما يفعل، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وبم يتميز المؤمن عن غيره؟ ولذلك الشيطان يحزن عندما يموت العابد الجاهل، ويفرح عندما يموت العالم العليم الذكي، قالوا لمَ؟ قال: العابد كنا نضله ونخدع الأمة به باسم الشرع، وأما هذا العالم – فإننا ننصب للناس أشباكاً وأشراكاً – مصايد ونتعب فيها فيأتي العالم بكلمة واحدة يبطل حيلنا، ولذلك نحن إذا مات العالم نفرح وإذا مات العالم الجاهل نحزن، لأنه كان مصيدة لنا وأما ذاك فكان يكشف مصائدنا قالوا: وكيف؟ قال أريكم، فأخذ إبليس أعوانه وذهبوا إلى عابد جاهل وقالوا له: هل يستطيع الله أن يخلق الدنيا في جوف بيضة؟ فقال: وكيف يكون هذا؟ إنه لا يستطيع ولا يقدر على هذا فقال إبليس لأتباعه: كفر وهو لا يدري، ثم ذهبوا إلى عالم وقالوا: هذه الدنيا على سعتها ولا ترى طرفها فهل يستطيع الله أن يوجدها في داخل بيضة؟ فقال: ومن يمنعه؟ قالوا: وكيف يدخلها في داخل بيضة؟ قال يقول لها: كوني فكانت فيوسع البيضة، ويصغر الدنيا وهو على كل شيء قدير، فمن الذي يمنعه؟ ثم قال لهم إبليس: انظروا كيف يفعل بنا العالم وكيف نفعل بالعابد الجاهل. ولذلك هنا هذا الجاهل أبو الجهل أبو جهل لما نزلت الآية قال كيف تخبرنا أن شجرة الزقوم تخرج في أصل الجحيم؟ فهل بدأت تخرف؟ فكيف الأشجار تنبت في النار؟ (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) . الأمر السادس:

ركوب نبينا عليه الصلاة والسلام للبراق فهذا مما يدل على أن الإسراء والمعراج كان بروح النبي عليه الصلاة والسلام وجسده يقظة لا مناما، ثبت في سنن الترمذي وصحيح ابن حبان بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أتيت بالبراق مسرجاً ملجماً – يضع خطوه عند منتهى طرفه] وهذا الحديث إلى هنا ثابت في الصحيحين، زاد الترمذي وابن حبان: [فلما قدمه لي جبريل نفر فقال له جبريل: مالك؟ والله ما ركبك خير منه، فما فارفضَّ عرقاً] (مسرجاً: أي عليه السرج ليركب عليه الراكب) ، (ملجماً: أي عليه اللجام) ، (خطوه عند منتهى طرفه: أي إلى مقدار ما يرى فرجله تصل إلى ذلك) ، (فارفضّ: أي بدأ يتصبب من العرق) فهذا البراق الذي ركبه نبينا عليه الصلاة والسلام كان في اليقظة. يقول أئمتنا وإنما حصل في البراق شيء من الامتناع والنفور في أول الأمر؛ لأمرين: أالأمر الأول: لأنه لم يروض منذ فترة، فالأنبياء كانوا يركبون على البراق قبل نبينا عليه الصلاة والسلام عندما كانوا يزورون بيت الله الحرام لكن من عهد عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما رُكب البراقُ، وعادة الخيل إذا أُهملت فترة ولم تُركب يصبح فيها نفور وتند وتشرد؛ لأنها ليست مروضة فلابد من اعتياد الركوب عليها ليسهل انقيادها ويسهل. فإذن من فترة طويلة لم تركب هذه الدابة التي كان يركب الأنبياء قبل نبينا عليه الصلاة والسلام عليها وانظر إلى الحمير الأهلية الآن التي تسمى الإنسية بسبب عدم خوفها من الناس ولكن تراها الآن تهرب وذلك لقلة استعمالها وهي دابة كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام دون البغل وفوق الحمار، يقال لها البراق، إما مأخوذة من البريق: وهو اللمعان؛ لأن لونها أبيض يتلألأ نوراً وإما من البرق، وهو منتهى السرعة لأنها تضع خطوها عند منتهى طرفها. ب الأمر الثاني:

ولعله أوجه الأمرين وأقوى وهو الذي يظهر لي والعلم عند الله، أنها ندت ونفرت وامتنعت امتناع زهو وخيلاء لا امتناع نفور وإباء، فلما جيء بالبراق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليركبه بدأت ترقص وتهرول ولا تنقاد ولا تجلس بسكينة بجواره لما حصل لها من الطرب والفرح لأنه سيركبها خير المخلوقات محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه حالة الإنسان عندما يفرح فرحاً شديداً يوصله إلى البطر فتراه يرقص، فالإنسان عندما يبشر بنعمة حصلت له قد يشتد فرحة بها لدرجة توصله إلى درجة الأشر والبطر، وهذا مذموم في حق الإنسان، لكن عندما يصل هذه الدرجة فما يكون حاله؟ تراه يقوم ويرقص ويأتي بحركات موزونة ليخبر عن فرحه، كما أن المصيبة عندما تشتد عليه ولا يملك نفسه فانظر ماذا يفعل؟ [ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية] ، ولذلك لا جزع ولا بطر، والمؤمن في حال النعمة يشكر الله وفي حال المصيبة يصبر. الشاهد: أن هذه الدابة من شدة فرحها بدأت تهرول وترقص وتعمل حركات كما هو حال الخيل عندما يعتريها الزهو، فما كان نفورها نفور امتناع إنما كان للزهو والخيلاء كأنها تقول: أنا سأطرب وأرقص لما سيحصل لي من المنزلة العظيمة وهي ركوب خاتم الأنبياء والمرسلين عليه صلوات الله سلامه على ظهري، وهذه في الحقيقة منقبة عظيمة للبراق. الشاهد إخوتي الكرام..... ركوب نبينا عليه الصلاة والسلام على ظهر البراق وإحضار البراق له هذا دليل على أنه حصل في اليقظة. الأمر السابع:

تكذيب المشركين لنبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، دليل على أن تلك الحادثة وقعت له يقظة لا مناماً، فلو كانت مناما لما كان هناك داعٍ للتكذيب ولقالوا له: ما حصل لك في الرؤية يحصل لنا ما هو أبعد منه وليس في هذه دليل على مكانتك ونبوتك وصدقك وأنك رسول الله، فلما كذبوه دل على أنه بروحه وجسده يقظة لا مناماً، لاسيما عندما أخبرهم بعد ذلك بما يزيل تكذيبهم وسيأتينا في ذكر الآيات التي رآها – قالوا: إن كان كما تقول يا محمد، فانعت لنا المسجد الأقصى – وهذا لا يقال لرؤيا منامية إنما حصل له في اليقظة – وصفه لنا كم عدد أبوابه وكم عدد نوافذه وماذا يوجد فيه من أساطين؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لما قالوا لي هذا أحرجت حرجاً عظيماً حتى أتى جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام لي ببيت المقدس ووضعه أمامي فجعلت أنظر إليه وأنعته لهم باباً باباً، وجبريل إما اقتلع بيت المقدس وأتاه به – والله على كل شيء قدير – وإما أتى بمثال له، فكل من الأمرين يحصل به المراد وهو وصف المسجد الأقصى. الأمر الثامن أو الدليل الثامن وهو آخرها: نقول حادثة الإسراء والمعراج هي أمر ممكن، ورد به السمع فيجب الإيمان به، وهذه قاعدة عضوا عليه بالنواجذ وانتبهوا لها ? كل ممكن: أي يجوز وقوعه ولا يحيل حصوله. ? ورد السمع به: أي أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام به، بأنه أُسري به وعُرج مثلاً. ? يجب الإيمان به: فلا يجوز تأويله ولا إخراجه عن ظاهره وكل من فعل هذا ففيه شعبة من شعب الباطنية ومسلك من مسالكهم. فمثلاً عذاب القبر ممكن أم مستحيل؟ ممكن، نعيم القبر ممكن أم مستحيل؟ ممكن

ورد بهما السمع فنؤمن بهما، ولا نقول كيف يكون؟! بل الواجب الإيمان به والتسليم ومثلهما وجود الموازين والصراط في يوم القيامة ممكن ورد به السمع نؤمن به، وكوننا لا نتوصل إليه بحواسنا، فهذا أمر لا يعنينا، لكن هل هذا مستحيل؟ لا، فإذا كان مستحيل هنا مجال البحث وهل تأتي الشريعة بما تحيله العقول، لا يمكن أن يتعارض معقول مع منقول، إذا تعارضا فالآفة في أحدهما، إما في النقل فلم يصح، وإما في العقل فليس بصريح ولا سديد فلا يتعارض نقل وعقل هذا شرع الله وهذا خلقه وليس في خلقه من تفاوت وليس في شرعه من تضارب (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) ، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) . وقد ألف الإمام ابن تيمية رحمه الله كتاباً في عشر مجلدات يدور حول هذا الموضوع سماه: (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) فلا يتعارض نقل صحيح مع عقل صريح، هذا الكتاب لو وزن ذهبا لكان أغلى من وزنه ذهباً، ويسمى (درء تعارض العقل والنقل) . ولذلك قال أئمتنا: لا تأتي الشرائع بما تحيله العقول لكن تأتي بما تحار فيه العقول، وشتان ما بين الحيرة والإحالة، فالإحالة لا يمكن أن تقع، أما الحيرة فموجودة فيما تشاهده، فكيف بما لا تشاهده؟ لسانك ينطق، وهو قطعة لحم فهذا يحير العقل أم لا؟ لكن الإنسان من غلظ كبده، وتبلد شعوره وإحساسه، ما يقع حسه عليه باستمرار يغفل عن الحكمة فيه ولا يعتبر في شأنه والله يقول: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ، كم من لسان يتكلم، فهذا يحار فيه العقل أم يحيله العقل؟ هذه حيرة تحير، فكيف تكلم هنا العضو من الإنسان فهذه حيرة مقصودة من الشارع، كما قلنا تنطق بلحم وتبصر بشحم وتسمع بعظم، كيف هذا؟ (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ، وهذا الخلق الذي هو في أحسن تقويم هذا مما يحار العقل فيه ولا يحيله لأنه مشاهد أمامنا، ولكن من أي شيء؟ خلق من ماء مهين كما قال ربنا جل وعلا.

وهذا الإنسان وتكونه لو لم نره في حياتنا وقيل لنا: من هذا الماء يخلق إنسان له رجلان يمشي عليهما، ويدان يبطش بهما ورأس يدرك به وله أعضاء وتتحرك كله من هذه النطفة، لقلنا له أنت تخرف، كيف من هذه النطفة يخلق هذا، ولكن لمشاهدتنا له قل اعتبارنا به. يقول أئمتنا: لو لم نر حيواناً يمشي على بطنه والله يقول هذا في كتابه (فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) ، لاستغرب كثير من الناس بل لأحال بعضهم وأنكر وجود حيوان يمشي على بطنه، لكن لما رأينا الحية تمشي على بطنها فحينئذ قلنا ممكن، ورأينا إنساناً يمشي على رجلين، ورأينا دابة تمشي على أربع فقلنا ممكن، ولو أراد الله الإنسان أن يمشي على رأسه ممكن وهذا سيقع يوم القيامة (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) فهم يمشون على وجوههم وليس على أرجلهم، وقيل لقتادة: كيف يمشي على وجهه؟ قال: أوليس الذي أمشاهم على رجلين بقادر على أن يمشيهم على الوجوه؟! فكل هذا مما يحير العقل لا مما يحيله.

والحيرة مقصودة ليسلم المخلوق بعجزه لخالقه، لكن الإحالة باطلة، ومثال الإحالة الجمع بين النقيضين، نفي النقيضين، هذا مستحيل، فلو قيل لنا: هل يقدر الله أن يوجد هذا حياً ميتاً في وقت واحد فماذا يكون الجواب؟ نقول: هذا ليس متعلق القدرة والعقل يحيل هذا ولكن هل نقول ممكن أم غير ممكن؟ لا نقول ممكن ولا غير ممكن، أن يوجد الله هذا حياً ميتاً في وقت واحد لا نقول إنه ممكن لأنه ليس متعلق بقدرة بل هو مستحيل، ولا نقول غير ممكن لأن هذا سوء أدب مع الله، لأن متعلق القدرة الممكنات والجائزات، وهذا مر في شرح الطحاوية في مبحث القدرة والإرادة، وهو مفصل في موضعه، فلو قيل هل يستطيع الله أن يقلب فلاناً إلى سيارة؟ نقول نعم لأنه ممكن وهو على كل شيء قدير، وهل يستطيع أن يمسخه قرداً أو خنزيراً؟ نقول ممكن ولكن هل يستطيع أن يجعله حياً وميتاً في آنٍ واحدٍ؟ نقول: الحياة نقيض الموت فإذا كان حيا فليس بميت وإذا كان ميتا فليس بحي، فكيف ستتعلق القدرة بما يحيله العقل لا بما يحار فيه؟. وعندما يمسخ الإنسان (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) هذا المسخ يحيله العقل أم يحار فيه بل يحار فيه، إنسان سوي ثم مسخ. يذكر الإمام ابن كثير في تفسيره عند سورة القصص أنه كان بعض الناس في مسجد نجران وعنده وسامة وجمال فقال له بعض الحاضرين: ما أجملك، يعني خلقة بهية خلقك الله عليها – فقال: أنت تتعجب من حسني! الله يتعجب من حسني، فبدأ يتصاغر أمام الناظرين وهم يرونه حتى صار طوله شبراً، فهذا ممكن أم مستحيل؟ ممكن لكن يحار فيه العقل. لذلك يمكن أن تأتي الشريعة بمستحيل، فنقول هذا الشيء إما موجود وإما معدوم، ولكن هل يمكن أن يجتمعا؟ لا يمكن أن يجتمعا ولا أن يرتفعا، قال أئمتنا: "عقول البشر قاطبة تقرر أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان" أي لا يمكن وجودهما ولا يمكن انتفاؤهما، بل لابد من وجود واحد منهما.

عذاب القبر ممكن وهو مما يحار فيه العقل ولا يحيله، ولو وضع صِدِّيق وزنديق في قبر واحد لكان القبر روضة من رياض الجنة على الصِدِّيق وحفرة من حفر النار على الزنديق، فإن قيل كيف هذا؟ نقول: هذا مما تحار فيه العقول وتعجز عن الوصول إليه من جميع الجهات فتسلم بعجزها لرب البريات، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) . العلم للرحمن جل جلاله ... وسواه في جهلائه يتغمغم ما للتراب وللعلوم وإنما ... يسعي ليعلم أنه لا يعلم فنحن نسعى لنعلم أننا كنا لا نعلم لا لنتعلم. ونحن نسعى ما كنا نجهله لا لنصل لدرجة العلم، لأن العلم لمن هو بكل شيء عليم (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) . انظر إلى الإمام الشافعي عليه رحمة الله – وهذا حال أئمتنا – يقول: كلما أدبني الدهر ... أراني نقص عقلي وإذا ما ازددت علماً ... زادني علماً بجهلي فحن نتعلم لنكشف جهلنا لا لنصل إلى مستوى ربنا جل وعلا، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بما تحيله العقول، حادث الإسراء والمعراج، كونه يسرى به من مكة إلى بيت المقدس إلى السموات العلا ثم يعاد في جزء من الليل، هل هو ممكن أم مستحيل؟ وهل يتصور العقل وجوده أم يحيل وجوده؟ هو ممكن ويتصور العقل وجوده، وقد ورد به السمع وهو الذي لا ينطق عن الهوى – فيجب الإيمان به. ولو كان مستحيلاً لا يقبله العقل لقلنا: انظروا لعل السمع ما صح، أما أن يصح السمع والعقل يحيل فهذا لا يمكن أن يقع على الإطلاق. فمثلاً حديث [خلق الله الورد من عرق النبي صلي الله عليه وسلم] هو حديث موضوع، فهذا العقل يكذبه لأن الورد كان موجوداً قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذن العقل يحيل هذا فكيف تقولون إن الورد خلق من عرق النبي صلى الله عليه وسلم.

في المقابل قد يقول قائل: الإسراء والمعراج باطل، ورد به السمع لكن العقل يحيله، وعليه فنرد السمع، نقول: لأن العقل ليس بصريح إنما هذا العقل قبيح، فلو كان عقلاً صريحاً لاحترم نفسه وقال: هذا ليس بمستحيل، لأنه ليس فيه جمع بين النقيضين وليس فيه نفي للنقيضين، فيتصور وجوده – ويتصور عدمه، فإذا شاء ربنا أحد الممكنات فليس بمستحيل (كن فيكون) ، (وهو على كل شيء قدير) . س: ما هي مواصفات العقل الصريح؟ جـ: العقل الصريح لا يمكن أن يوجد ولا أن يحصل في غير المؤمن الذي يخاف من الله ومن عدا المؤمن سيقول يوم القيامة: (لو كنا نسمع أو نعقل) كما أخبرنا الله عنهم، فكل من عدا المؤمن فليس عند واحد منهم عقل صريح، لكن قد تقل نسبة الحماقة وقد تكثر وأول الحمقى اللعين إبليس، لأنه أول من اعترض على الله، وهذا عقل صريح أم عقل قبيح؟ بل هو قبيح، فماذا قال لله: (رب فأنظرني إلى يوم يبعثون) ، (رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) فيا إبليس يا ملعون، بماذا تخاطب الحي القيوم؟ تقول رب، إذن هو ربك خلقك فكيف تعترض عليه وتقول (أأسجد لمن خلقت طيناً) ، (أنا خير منه) أنت تقول رب، أمرتني بالسجود لآدم ثم تقول هذا خلاف الحكمة، فأنت سفيه الحكمة تقتضي أن يسجد آدم لي لأنني أنا من نار وهو من طين، ولنناقش كلامه: أنت تقول الله خلقك وأعطاك الحكمة فهل يعقل لمن أعطاك الحكمة أن يرضى لنفسه بالسفاهة فهذا لا يقبله عقل. أمر ثانٍ نناقشك فيه سلمنا أن عندك حكمة فأنت تقول النار أحسن من الطين، ولم أحسن مع أن طبيعة النار الطياشة والتفريق، وطبيعة الطين الرزانة والهدوء؟ وانظر إلى نتيجة الطين ونفعه للمخلوقات أجمعين تضع فيه حبة يعطيك شجرة فيها من كل زوج بهيج، والنار تحرق ثيابك إن لم تحرقك فالطين طبيعته الإصلاح، والنار طبيعتها الإفساد.

سلمنا أن النار أفضل من الطين فهل يلزم مَنْ خُلِق من عنصر شريف أن يكون شريفا، وهل يلزم مَنْ خُلِقَ من عنصر خبيث أن يكون خبيثاً، أم كل نفس بما كسبت رهينة؟ إذا كانت النفس من باهلة والعرق والنسب من بني هاشم فماذا ينفع النسب؟ ألم يقل الله (تبت يدا أبي لهب) ؟! إذا افتخرت بآباء لهم نسب ... قلنا صدقت: ولكن بئسما ولدوا فهب أن النار أجود العناصر وأحسنها، فهل يلزم أن تكون أنت أفضل المخلوقات؟ لا يلزم، فانظر إلى هذه السفاهة، ولهذا أول الحمقى إبليس، وأول من مات من المخلوقات على وجه الإطلاق إبليس، وهو منظر إلى يوم الدين، لأن كل من عصى الله ذهبت منه الحياة الحقيقية (أفمن كان ميتاً فأحييناه) فهذا ميت لكنه في صورة حي. وبالجهل قبل الموت موت لأهله ... * ... وأبدانهم قبل القبور قبورج وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... * ... وليس حتى النشور نشورج ولذلك العقل الصريح هو الذي يلتزم بشرع الله الصحيح، قال تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) ، قال أبو العالية وقتادة وغيرهم: أجمع أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام أن كل من عصى الله فهو جاهل، وأن كل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب.

فالعقل الصريح ضابطه هو الذي لا يأتي بسخف ولا يتعالى على شرع الله ولا يأتينا بعد ذلك بمضحكات بمبكيات كما هو الحال في الدولة الأمريكية فالزنا في القانون الوضعي عندهم حلال، ومنعت المخدرات بل وتطارد عصاباتها، وتعمل مؤتمرات لمكافحتها، بينما لم تمنع المسكرات وسميت بمشروبات روحية وأهل الأرض من أهل القوانين الوضعية كلهم يسميها حلال، والمخدرات حرام مع أن الخمر أقوى في التحريم من الحشيش والأفيون، فهذه ألحقت بالخمر كما قال أئمتنا لوجود علة الإسكار فألحقت به تحريماً ونجاسة وحداً، ففيها حكم الخمر، لكن انظر إلى عقول البشرية: من يتاجر بالمخدرات يطلب ويشنق ويحكم عليه بالإعدام، ومن يتاجر بالمسكرات يعطى ترخيصاً من الدولة، فهذا عقل صريح أو عقل قبيح؟. ولقد وصل حال هذه العقول في الدولة البريطانية – ولكن أين من يغزو هذه الدول غزواً فكرياً ويكشف ضلالاتها وأفكارها للناس – ومن المعمول به في قانونها أن اللواط مباح ولا حرج فيه، بل يجوز التزاوج بين الرجال، فهذا عقل صريح أم قبيح؟ وأعجب لهذه العقول التي ضلت ولعنها الله كيف تزعم أنها ستحل مشاكلنا، اللواط الذي فطر الله العباد على استقباحه واستهجانه تبيحه أرقى الدول، بل إنه جائز عن طريق التزاوج، ولم يكتفوا بأن يجعلوه معصية، أو أمرا عاديا غير رسمي فكل من ينحرف عن شرع الله فهو ذو عقل قبيح؛ لأن شرع الله نور (قد جاءكم من الله نور) فمن خرج عن النور فليس له إلا الظلام، والظلمة قبح. فهذا هو ضابط العقل الصحيح الصريح من العقل الفاسد المنتكس القبيح وما لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده إخوتي الكرام ... عندنا وصفان ذكاء وزكاء، والثواب والعقاب يتعلق بالوصف الثاني وهو الزكاء، ويحمد به الإنسان حمداً حميداً.

فالذكاء هو تفتح في الذهن وإدراك لعواقب الأمور وسرعة استحضار وقوة حفظ، فهذا ذكاء، وهو مثل الثعلب، ولا يوجد منه في حيله واحتياله لكنه خبيث النفس نجسها، ولذلك قال أئمتنا في كثير ممن غضب الله عليهم كأبي العلاء المعري الذي هلك سنة 449هـ قال ابن كثير في ترجمته في البداية والنهاية في حوادث سنة 449هـ قال: "كان ذكياً ولم يكن زكياً". والزكاء هو طهارة القلب وموافقة شرع الرب، فهذه هي الفضيلة، أما كون الإنسان عنده بلادة في الذهن وعنده تحجر لا يستطيع أن يحفظ ولا يستحضر فذهنه فيه شيء من الإغلاق بسبب شواغل وصوارف، فلس في هذا مذمة عند الله وليس عليه النقص، لكن إذا كانت نفسه خبيثة فهذا هو البلاء وخير الناس من اجتمع فيه الذكاء والزكاء، لكن إذا انعدم واحد منهما فإياك أن تعدم الزكاء، ولهذا مهمة الأنبياء تزكية الناس لا أن يكونا أذكياء فالذكاء بيد الله وقد يحصل للإنسان عليه وقد لا يحصل، والعقول تتفاوت (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم) من التزكية (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) . المبحث الثاني: حادث الإسراء والمعراج خارق للعادة، ولذا قلنا إنه ممكن ورد به السمع وخوارق العادات تنقسم إلى ستة أقسام: 1- الإرهاص ... 2- المعجزة ... 3- الكرامة 4- المعونة ... 5- الاستدراج ... 6- الإهانة فهذه كلها يقال لها خوارق للعادات، لكن ماذا يقصد بخارق العادة؟ هو تخلف الملزوم عن لازمه، أو وجود الملزوم دون اللازم. مثال: تخلف الملزوم عن لازمه: النار من طبيعتها ولازمها الإحراق، فلو أججنا ناراً عظيمة وألقينا فيها إنساناً وما احترق، فهذا يكون خارقاً للعادة. مثال وجود الملزوم دون اللازم:

وجود ولد بدون والد أو بدون أم أو بدونهما، وإن كان هذا حسب العادة لا يوجد، فمن أراد أن يولد له أولاد فلابد من زوجة، ومن أرادت أن يأتيها أولاد فلابد من زوج، لكن لو ولد مولود من غير أب – كحال عيسى عليه السلام – فهذا خارق لعادة (قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً، قال كذلك قال ربك هو علي هين) ، وهذا مما يحار فيه العقل ولا يحيله. وإذا وجد مولود من غير أم – كحال حواء – خلقها الله من أبينا آدم فهذا أيضاً خارق للعادة وإذا وجد مخلوق من غير أب ولا أم – كحال أبينا آدم عليه السلام – فهذا كله خارق للعادة وقد وجد الملزوم في الأمثلة الثلاثة السابقة دون وجود لازمه. وهذا الملزوم اتصاله بلازمه أو حصوله بلا لازمه، وجوده وانفصاله مما يجيزه العقل ويقبله أم مما يحيله ويرفضه؟ نقول: بل هو مما يجيزه، وقد تقدم معنا أن العقل يمنع المستحيل فقط وهو اجتماع النقيضين، أو نفي النقيضين، أو اجتماع الضدين، فهذا هو المستحيل فقط، (¬1) ¬

_ (¬1) س: ذكرتم أن النقيضين لا يجتمعان، فكيف اجتمعت الذكورية والأنوثية في المخنث المشكل؟ الجواب: هل ذكر الله المخنث في كتابه؟ لا لم يذكره الله في كتابه لأن الخنثي في حقيقة أمره إما ذكر أو أنثى، فهو أشكل علينا، لذلك نقول فيه: يرجى انكشاف حاله – أي انكشافه بعد البلوغ – فإن تكعب الثديان في صدره فهو أنثى وإن حاض فهو أنثى، وإن رق صوته فهو أنثى، بينما الغلام لو بلغ يخشن صوته وقبل بلوغه صوته ناعم والجارية بالعكس فبمجرد أن تبلغ يصبح صوتها ناعماً، وقبل البلوغ صوتها أخشن من صوتها بعد البلوغ، فالمرأة صوتها أرق من صوت الجارية التي لم تبلغ، فإذا خرجت لحية فهو ذكر، فالحاصل أنه أشكل علينا لكنه في حقيقة الأمر إما ذكر أو أنثى ولذلك قال الله تعالى وهذا انظروه في كتب التفسير بلا استثناء عند قوله تعالى: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاًو يهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثا ويجعل من يشاء عقيماً) يقول علماؤنا: لم يذكر الله غير هذين الصنفين للإشارة إلى أن الخنثى في نهاية أمره إما ذكر وإما أنثى فلا إشكال وما اجتمع النقيضان، النقيضان متى يكونا؟ إذا تصورنا وجود شخص له آلتان فهو في إحدى الآلتين تزوج وأحبل وولد، وفي إحدى آلتيه تزوج به وحمل وولد له فهنا يحصل اجتماع النقيضين، ولكن هذا لا يتصور وجوده؛ لأن الخنثى مثاله إما ذكر وإما أنثى. ... ولذلك قال أئمتنا: قبل ظهور علامات البلوغ من ذكورة وأنوثة نميزه في صغره فمن أي آلتيه يبول فإن بال من آلة الذكورة فهو ذكر وإن بال منهما فأ يتهما يبول منها أسبق، وإن بال منهما في وقت واحد فأيتهما يبول منها أكثر. وهذا واضح. ... أما إن مات الخنثى بعد ولادته مباشرة أي بعد وفاة والده بقليل فإن الولد الخنثى ليس له ولد غيره: فهذا إن كان أنثى له النصف، وللأم السدس لوجود الفرع الوارث، والباقي للإخوة أعمام الخنثى، وإن كان ذكر فله كل المال تعصيباً والأم لها السدس وبعد وفاة الابن الخنثى المال كله يؤول المال كله إلى الأم..... إلخ المسألة فنورثه بالافتراضين ثم نعطيه متوسط ما خرج له في الافتراضين على أنه نصف ذكورة ونصف أنوثة، وهذا لأجل جل عاجل في الدنيا، أما هو في حقيقة الأمر ذكر أو أنثى.

أما نفي الضدين فهذا ليس بمستحيل فالبياض والسواد مثلاً ضدان لا يجتمعان فإما أبيض أو أسود، ويصح أن يرتفعا فقد يكون أحمر لا أبيض ولا أسود. فكل ما يتقابل مع غيره تقابل سلب وإيجاب فهما نقيضان، بحيث إذا وجد أحدهما انتفى الآخر كالحياة والممات، والذكورة والأنوثة وغيرهما فإذن ما تقدم هو خارق للعادة، لكن هل يتصور أن يقع خارق للعقل؟ نقول: لا ولا يمكن أن تأتي شرائع الله بما تحيله العقول، إنما تأتي بما تحار فيه العقول أججت نار عظيمة لو مر طير في أقصى الجو لخر مشوياً، فكيف يوضع خليل الله إبراهيم عليه الصلاة السلام في المنجنيق من مكان بعيد يقذف ويلقى في النار؟ وهو لو لم يلق في النار لتكسرت عظامه من أثر الإلقاء والرمي، وإنما وضعوه في المنجنيق لأنهم لا يستطيعون أن يقتربوا من النار لإلقائه فيها، فيلقى في النار فتكون برداً وسلاماً ولا تحرق النار إلا وثاقه، فكان مقيدا ثم صار مطلقا، فهذا يتصوره العقل ولا يحيله، وهذا ليس بأغرب من أننا خلقنا من ماء مهين، كما أن الله قادر على أن يخلق إنساناً من غير هذه القطرات التي هي من ماء مهين – كما خلق عيسى – فمن الذي يمنعه؟ لذا قال: (هو علي هين) فهذا خارق للعادة وليس خارق للعقل فليتنبه!! ولا يمكن أن يقع شيء خارق للعادة وليس خارقاً للعقل فيه آفة – كما تقدم – يقول إن هذا مستحيل فنقول: الآفة في عقلك الهزيل، وليس هذا مستحيل، ولذلك قلنا خارق للعادة أي لم تجر العادة به فهو غريب، فكوننا خلقنا من هذا الماء غريب لكن جرب به العادة، وكوننا نتكلم بقطعة اللحم اللسان غريب لكن جرب به العادة، ولو أن أصبعك تكلمت لاعتبر الناس هذا خارقٌ للعادة، ولو أن الحصى سبحت كما سيأتينا في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حصىً تسبح كما يسبح اللسان فهذا غريب ما جرت به العادة فهو خارق للعادة، وهو في الحقيقة لا غرابة فيه بالنسبة لقدرة الله تعالى.

إذن خارق العادة ليس بخارق للعقل فلابد من التفريق بين خارق لعادة وخارق العقل، وخارق العقل هذا بين نقيضين، نفي نقيضين، جمع ضدين، فهذا لا يمكن أن يقع، ولذلك ما كانت معجزة نبي من الأنبياء أن يقول أجعلكم أحياءً وأمواتاً، موجودين ومعدومين؟ هذا مستحيل هذه سفسطة ولا يمكن أن تقع، ولكن معجزة نبي أنه يحيي الموتى، فهذا مستحيل أم ممكن؟ نقول: ممكن ميت يموت فيقول خذوا بقرة واذبحوها واضربوه ببعضها فيحيى بإذن الله (كذلك يحي الله الموتى) ، فإحياء الميت خارق للعادة التي جعلها الله تتحكم فينا نحن وفيما عدا الله. فجعل الله سنناً في هذه الحياة لا يستطيع أحد أن يخرج عنها، فإذا شاء الله جل وعلا أن يبطل هذه السنن، أفليس بقادر على ذلك؟ بلى. فنقول: إبطال لتلك السنة، إيقاف لمفعولها، خرق للعادة إلى غير ذلك من العبارات وليس هذا بمستحيل، بل إن هذا دليل على قدرة الله الجليل سبحانه وتعالى. وخوارق العادات كما ذكرنا ستة أقسام: القسم الأول: الإرهاص مأخوذ من الرهْص، وهو أساس الشيء، يقال إرهاص، أساس البيت القواعد التي يبني عليها هذه يقال في اللغة رهْص. وهو: خارق للعادة يقع على يد من سيكون نبيا قبل نبوته. وسميت إرهاصاً لأنها بمثابة التأسيس لما سيليه، وهو المعجزة والإخبار بنبوته، فيكون هذا بمثابة لفت ربنا لأذهان الناس وأنظارهم بأن هذا المخلوق الذي جرى على يديه إرهاصات سيكون له شأن في المستقبل القريب فترقبوا ذلك. مثاله: شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام عندما كان عند حليمة، وسيأتينا هذا ضمن الآيات التي حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام عند الإسراء والمعراج في مبحث مستقل ونبين أن شق صدر النبي عليه الصلاة والسلام وقع أربع مرات. مرة عند حليمة عندما كان عمره سنتان وثلاثة أشهر. ومرة عندما كان عمره عشر سنين. ومرة عندما كان في غار حراء وجاءه جبريل في أول نزوله عليه. والمرة الرابعة في حادث الإسراء والمعراج.

وكل هذه المرات ثابتة صحيحة أتعرض لها إن شاء الله تعالى، فيشق صدره من ثغره بنحره إلى شعرته عليه الصلاة والسلام – وهو منبت العانة – ثم يخرج قلبه ويغسل بقَسْطٍ من ذهب بماء زمزم ثم يحشى إيماناً وحكمة ثم يلتأم صدره الشريف عليه صلوات الله وسلامه. فالشق هذا الذي حدث له وعمره سنتان وثلاثة أشهر وعمره عشر سنين هذا خارق للعادة يأتيه ملكان فيضجعانه، ولذلك أرادت حليمة أن تعيده إلى أمه وعمه عندما شق صدره وهو صغير خشيت أن يكون قد أصابه مس من قبل الجن، لأنها ظنت أن هذا من فعل جن، فصدره عندما يشق ويستخرج قلبه ويغسل هذا خارق للعادة لكنه لم يكن نبياً في ذلك الوقت فهذا بمثابة إرهاص وإعلام بأن هذا المولود له شأن في المستقبل، وقد كان له أعظم الشؤون عليه صلوات الله وسلامه، في يوم ولادته حصل إرهاص عظيم فأمه آمنه عندما تلده يخرج منها نور كما تتحدث هي عن ذلك، يضيء من هذا النور قصور بُصرى في بلاد الشام، وعندما ولد تراه قد ولد مختوناً فلم يختنه خاتن، مسروراً أي سرته مقطوعة، ثم بعد ذلك يرسل الله في ذلك العام طيراً أبابيل على الجند الذين جاءوا لهدم بيت الله العتيق، فهذا كله إرهاص، أي حصل في هذه البلدة خبر غريب من أجله فعلنا هذه الأعاجيب، فانتبهوا! إنه نبينا عليه الصلاة والسلام، لذا تؤرخ ولادته بعام الفيل التي وقعت إرهاصا لولادته وإرهاصاً لنبوته وإخباراً بما سيكون له من الشأن العظيم.

وفي رحلته بعد ذلك إلى بلاد الشام عندما ذهب مع ميسرة - غلام خديجة – وعندما ذهب قبل ذلك مع عمه أبي طالب كان الغمام يظلله عليه الصلاة والسلام لوجود الحر الشديد فكان أينما ذهب غمامة فوق رأسه عليه الصلاة والسلام كأنه يحمل مظلة تظلله من حرارة الشمس، وهذا أيضاً إرهاص وهكذا بقية الأنبياء عندما جعل الله لهم خوارق للعادات قبل نبوتهم، فعيسى تسمعه يقول عند ولادته: (إني عبد الله آتاني الكتاب) ويقول: (وبراً بوالدتي) فتكلمه في المهد يعد إرهاصاً لأمر سيحصل لنبوته. وموسى عليه الصلاة والسلام عندما يلقى في البحر (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) نجيناه من التلف بالتلف، نجيناه من فرعون بالبحر ليقوده إلى فرعون، وفرعون لم يتلفه، فنجيناه على يدي فرعون، وهذا رب العالمين الذي إذا أراد شيئاً فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، فموسى ألقي في اليم هرباً من فرعون فنجاه الله على يدي فرعون، وصار هلاك فرعون على يد هذا المولود الذي رُبِّيَ في حجره وكان يضرب لحيته في صغره، فهذا إرهاص عظيم، فهل خافت المرأة على ولدها تلقيه في البحر، أن إذا كان في البحر تأخذه؟ القسم الثاني: المعجزة: هي أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد النبي، ليكون برهاناً على صدقه في أنه رسول الله وقد تقترن المعجزة بدعوى التحدي، وقد لا تقترن، فلا يشترط في المعجزة أن تكون مقترنة بدعوى التحدي.. فمعجزة القرآن الكريم مقرونة بدعوى التحدي (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) . بقية المعجزات: كتكثير الطعام، وتسبيحه، وتسبيح الحصى، وانشقاق القمر (اقتربت الساعة وانشق القمر) حنين الجذع إلى النبي عليه الصلاة والسلام من المتواتر فكل هذا لم يقترن بالتحدي.

وهذه المعجزة لا يمكن لأحد أن يعارضها، ولذلك هي سالمة من المعارضة لأنه متى ما عارضها بطلت نبوة النبي، فلو قال النبي عليه الصلاة والسلام علامة صدقي أن ينشق القمر ويشير بإصبعه إلى القمر فينقلب فلقتين، ويظهر بين الفلقتين جبل حراء، فلقة عن يمينه وفلقة عن شماله ويقول مشركو مكة سحركم محمد عليه الصلاة والسلام، فقال بعض العقلاء فيهم -وليس فيهم عاقل - إذا سحرنا محمد فلن يسحر أهل الأرض، فسلوا التجار الذين سيعودون من بلاد الشام فهل رأوا انشقاق القمر في بلاد الشام في هذا الوقت أم لا؟ فلما عاد التجار من بلاد الشام سألوهم، هل انشق القمر في ليلة كذا؟ قالوا: نعم، فماذا قال المشركون (سحر مستمر) ، فهذا قد سحر أهل الأرض جميعاً هكذا زعموا وحاشاه صلى الله عليه وسلم فإذن هذه لم تقترن بدعوى التحدي وقد تقترن بدعوى التحدي لكن لا يمكن أن تعارض، فلو قال مسيلمة الكذاب أنت شققت القمر في هذه الليلة وأنا سأشقه في الليلة التي ستليها، وحقيقة لو شق لبطل صدق النبي عليه الصلاة والسلام وظهر أنه دعيٌّ وليس نبي، ولذلك اشترطنا سلامتها من المعارضة، فلا يمكن لأحد أن يعارضها، أيد الله أنبياءه بالمعجزات. بالمعجزات أيدوا تكرُّما ... وعصمة الباري لكلٍ حتِّما

فنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام عندما يخرج مع بني إسرائيل حسبما أمرهم ربنا الجليل وأسرى ببني إسرائيل ليلاًً ثم تبعهم فرعون وجنوده وصار البحر أمام نبي الله موسى وفرعون وراءه، فماذا قال المؤمنون في ذلك الوقت: (إنا لمدركون) ، فانظر إلى العبد الواثق بربه حيث قال: (كلا إن معيَِ ربي سيهدين) ، (فأوحينا إليه أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) ، فهذه معجزة النبي، البحر يصبح اثني عشر طريقاً يبسا ً والماء يتجمد كأنه جدران، والطرق بينها ثم هذا الماء عندما يتجمد والطرق اثنا عشر طريقاً لأنهم كانوا اثنا عشر سبطا وفريقاً جعل الله في هذه الطرق عندما تجمد الماء في هذه الحواجز نوافذ وطرقات ليرى كل فريق الفريق الآخر عندما يسيرون حتى لا يظن كل فريق أنه هو الناجي فقط والفرق الأخرى ماتت فكل واحد ينظر إلى صاحبه كأن بينهم حاجز من الزجاج، فهذا كله خارق للعادة جرى على يد نبي فهو إذن معجزة. القسم الثالث: الكرامة: هي: خارق للعادة يجريه الله على يد العبد الصالح. والعبد الصالح هو المؤمن الذي يفعل المأمورات من واجبات ومستحبات ويترك المنهيات من محرمات ومكروهات ولا ينهمك في اللذات والمباحات فهذا يقال له: صالح ولي، صدّيق، فحاله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مالي وللدنيا إنما أنا كراكب قال تحت شجرة ثم راح وتركها) . فإذا جرت على يد العبد الصالح خارق من خوارق العادات فيقال لها كرامة. مطرف بن عبد الله بن الشخير من أئمة التابعين كان إذا دخل إلى بيته تسبح معه آنية البيت وهذا ثابت، والله على كل شيء قدير.

والكرامات في هذه الأمة كالمطر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في الصحيحين -[قد كان في الأمم قبلكم محدثون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر] عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيد محدثي وملهمي هذه الأمة يخبر بأمور الغيب من غير أن ينزل عليه وحي، وما نظر إلى شيء وقال أراه كذا إلا كان كما يقول و"كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق" كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.

الحسن البصري - عليه رحمة الله - كان الحجاج يرسل شرطته ليقبضوا عليه وهو جالس على سريره في صحن داره فتدخل الشرطة وتقول أين أبو سعيد؟ أين الحسن البصري؟ وهو ينظر إليهم ويبتسم ويخرجون، فهذا خارق للعادة، إنَّ عينيك تبصر ولكن حال الله بينك وبين الرؤيا أما قال الله في كتابه: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً) ، وقد ثبت في المستدرك بسند صحيح كالشمس عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن قول الله تعالى (تبت يدا أبي لهب وتب) لما نزل جاءت العوراء أم جميل - أم قبيح – زوجة أبي لهب تولول وفي يدها حجر يملأ اليد، وتقول: أين محمد؟ فقد بلغني أنه هجاني، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يجلس في فناء الكعبة وبجواره أبو بكر فقال: يا رسول الله أخاف عليك منها – أي لأنها سفيهة، امرأة فليست رجلاً لنقاتله وفي يدها فلو تواريت – فقال سيحول الله بيني وبينها، فقرأ قرآناً فاعتصم بالله منها فبدأ يراها ولا تراه فوقفت على رأس أبي بكر – والنبي عليه الصلاة والسلام بجواره – فقالت: أين صاحبك يا أبا بكر؟ قال: وماذا تريدين؟ قالت: بلغني أنه قد هجاني، فقال: والله ما يقول الشعر وهو صادق (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) والهجو والهجاء إنما يكون في الشعر فقالت: قد علمت قريش أني من أعلاها نسباً، ثم ذهبت تولول وتقول: مذمماً أبينا، وأمره عصينا، ودينه قلينا أي أن هذا عندنا مذموم أبيناه فلا نتبعه، ونعصي أوامره ودينه نكرهه فليفعل ما يشاء.

هذا إن وقع لنبي فهو معجزة كما هو الحال هنا، وإن وقع لعبد صالح فهو كرامة، ويذكر الإمام القرطبي عن نفسه كرامة أكرمه الله بها في بلاد الأندلس عند قول الله جل وعلا (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً) في سورة الإسراء وانظروها في تفسيره عند هذه الآية يقول: لما دخل الفرنج – النصارى - إلى بلاد الأندلس كنت في حصن منثور في ذلك المكان وكنت في الصحراء وفي العراء ولا توجد شجرة أتوارى بها ولا أكمة أختبئ وراءها - أي تل مرتفع أو منبسط - وأنا في ذلك المكان وجحافل الجيش تتقدم، يقول: فالتجأت إلى الله وقرأت القرآن فصرت أراهم ولا يرونني، وبدأت أسمع أصواتهم، يقول بعضهم لبعض: هذا الرجل الذي ظهر لنا ثم توارى عنا ما هو؟ فيقول له الآخر: لعله ديبلة يقول هذا في لغتهم لعله جني ظهر ثم اختفى، يقول أنا أسمع كلامهم وأراهم ولا يرونني، فهذه يقولها عن نفسه والله على كل شيء قدير. قال الإمام بن تيمية في (مجموع الفتاوى في 11/331) : "إذا صح الإيمان علماً وعملاً واحتاج صاحبه إلى خرق العادة، سيخرق الله له العادة ولابد، لأن الله يقول: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) ويقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) "لكن هذا يحتاج إلى تصليح الإيمان علماً وعملاً، ولذلك إخوتي الكرام: من لجأ إلى مخلوق دل على انفصاله عن الخالق. (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) ، لكن هو إذا صح إيمانه علماً وعملاً، علم نافع واعتقاد حق بالله وعمل صالح وإذا قال يا رب، لم يتخل عنه رب العالمين، لأنه قطع على نفسه مبدأً فقال (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) فلو كادته السموات والأرض لجعل الله له من بينهن فرجاً ومخرجاً والله على كل شيء قدير، وعندما يعرض العبد عن هذا يكله الله إلى نفسه وفلا يبالي في أي وادٍ هلك. القسم الرابع: المعونة

هي: خارق للعادة يجري على يد مؤمن مستور لم يظهر منه فسق ولا بدعة لكن ليس في درجة الذي قبله في الصلاح والاستقامة ولا يعرف عنه جد واجتهاد في طاعة الله فعل المأمورات من واجبات ومستحبات، وترك المنهيات من محرمات ومكروهات وعدم انهماك في اللذات فهذا ليس كذلك بل هو من عوام المسلمين، فلا تظهر عليه بدعة ولا فسق ولا يعرف بالصلاح والتقدم والاجتهاد في دين الله وما أكثر ما يجري من خوارق للعادات على يد عوام المؤمنين ليكرمهم بها رب العاملين إكراماً لهم وتثبيتاً للإيمان في قلوبهم مثلاً: تقع بعض الحوادث ممن شاهدوها يقول لن ينجو منها أحد، فيقال لك: كل من وقع عليه الحادث سلم فهذا من باب معونة الله. إنسان يسقط من الدور السابع في مكان ضيق على بلاط فينزل وما يخدش عظمة ولا جلدة. القسم الخامس: الاستدراج هو: خارق للعادة يجريه الله على يد عبد مخذول، صاحب العمل المرذول (فاسق، كافر، مبتدع، ضال مضل) على وفق مراده فيجري الله علي يده خوارق للعادات ويستدرج من حيث لا يعلم مثاله: الخوارق التي ستحدث على يد الدجال وهي خوارق عظيمة يأتي إلى الخربة – كما ثبت في الصحيحين – فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كيعاسيب النحل، أي كجماعات النحل عندما تتبع رئيستها ومليكتها. ويأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت وغير ذلك من الخوارق التي ستحصل على يد عبد كافر. وفي هذه الخوارق لهذا الصنف من الناس امتحان للبشر، هل سيغترون بهذه الظواهر ويتبعونهم أم لا؟

مع ما سيأتي به من آيات فيه أيضاً آيات تدل على أنه أرذل المخلوقات، فهو مثلاً ينظر بعين واحدة، وعلى جبينه مكتوب كافر يقرأها كل شخص سواء كان أمياً أو متعلماً فنقول له: أنت أعور ولا تستطيع أن تغير عورك، فكيف تحيي وتميت ولا تستطيع أن ترد عينك سليمة لتبصر ولتجعل صورتك صورة كاملة لا تشويه فيها، ولكنه لا يقدر على هذا لأنه عندما يعطيه الله بعض الخوارق لا يعني هذا أنه يتصرف تصرفاً مطلقاً بل إنه لا يزال ضمن البشرية وهو عبد مقهور لكن الله جعله فتنة للناس، هل يخدعون بهذه الأمور أم يتبعون الحق الثابت المزبور؟ فإذن فيه علامة تبين ضلاله، كما نقول له هذه الكتابة على جبينك امسحها كما أنك بعد ذلك لا يسخر لك من المركوبات إلا الحمار فلا تستطيع ركوب الخيل أو الفرس. فكل هذا من باب إذلال الله له لذا هو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام [هو رجس على رجس] القسم السادس: الإهانة هي: خارق للعادة يجريه لله على يد العبد المخذول (الفاسق، المبتدع، الضال، الكافر) لكن بنقيض قصده ومراده والأقسام الخمسة الأولى كلها وفق مراد من أجراها الله على يديه. مثالها: ما جرى لمسيلمة – وقد ذكرناها لكم – أنه بصق في عين إنسان فعمي، فهذا خارق للعادة لأن البصق عادة لا يتسبب في عمى الإنسان، لكنه بصق في عين شخص ليبرأ فصار أعمىً فأراد أن يبرأه فأعماه فحصل له نقيض قصده. إخوتي الكرام.... وهذه الأقسام الستة من الخوارق تقع في واحد من ثلاثة أمور هي أمور الكمال بأسرها: 1- إما في العلم 2- وإما في القدرة 3- وإما في الغنى فالعلم: بأن يعلم ما يجهله غيره ويعلمه الله جل وعلا من غير سبب يتعلم منه العباد، فهذا خارق للعادة في أمور العلم. لأن أمور الكمال بأسرها علم وقدرة وغنىً فقط، وكل كمال مرده إلى واحدة من هذه الأمور الثلاثة فالله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وغني عن العالمين.

ولا يوجد أحد من خلق الله له صفة الكمال في هذه الأمور الثلاثة أو في واحد منها، لأن هذه الأمور مختصة بالرب ولذا أمر الله نبيه بأن ينفيها عن نفسه فقال جل وعلا كما في سورة الأنعام: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) . (لا أقول لكم عندي خزائن الله) فنفى الغني. (ولا أعلم الغيب) فنفى العلم. (ولا أقول لكم إني ملك) أقدر على مالا تقدرون عليه فنفى القدرة، فأنا مثلكم إنما أنا بشر لا أستغني عما تحتاجون إليه ولا أعلم إلا ما علمني ربي. وهكذا أمر الله أول الرسل بعد آدم - على نبينا وعلى جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه – وهو نوح أن يقول: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك) فأول الرسل إلى البشرية نفى هذه الأمور عن نفسه وكذا آخرهم عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه فمثلاً: القرآن معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم وخارق في أمور العلم (وعلمك ما لم تكن تعلم) فوقوع هذا الخارق معجزة، ولو وقع خارق من أمور العلم لغير النبي لقيل له كرامة معونة: إلخ ... فعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يخطب على المنبر أيام خلافته والجيوش الإسلامية في بلاد فارس تقاتل في سبيل الله وكان قد أمَّر عليه رجلاً يدعى سارية، وهو في أصل الجبل والعدو من الجهة الأخرى للجبل يتسلقونه ليصيروا فوق المسلمين ويرشقونهم بنبال كالمطر فكشف الله لعمر هذه الموقعة هو في المدينة والموقعة في نهاوند في بلاد الفرس وصاح يا سارية الجبل فسمع سارية صوت عمر ورقي الجبل وإذا بجنود الفرس يتسلقون الجبال فصال المسلمون فوقهم وكتب الله النصر لهم فهذا تعليم لعمر، ثم هناك كرامة أخرى وهي أن صوته يصل إلى سارية وذاك ينفذ ذاك الأمر ويكتب الله لهم النصر.

والقصة صحيحة وقد ألف الحافظ الحلبي جزءاً في طرقها وحكم عليها بالصحة، والإمام السخاوي في المقاصد الحسنة حكى عن شيخه الحافظ ابن حجر عليهم رحمة الله أن إسنادها في درجة الحسن وطرقها كثيرة وفيرة. والشيخ محمد حامد الفقي -عليه رحمة الله ومغفرته- وهو الذي علق على كتاب مدارج السالكين ذكر كلاما ً منكراً حول هذه القصة في تعليقه على المدارج، فانتبهوا له واحذروه إلى مر معكم، يقول: إن عمر لا يعلم الغيب، ويقول له: يا عبد الله: لا يعلم الغيب إلا الله لكن إذا علَّم الله عمر هذا فأي حرج في هذا، أفلسنا نؤمن بالكرامات؟ أما قال الله عن مريم بأنها صديقة ولا يوجد في النساء نبية كما قال الله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم) ، فالنبوة من جنس الذكورة فقط، كما أنه لا يصلح أن يكون في النساء إمامة – الإمامة – بحيث تكون أميرة وخليفة، فلا يجوز أن يكون في النساء نبية إذ كيف تبلغ دعوة الله وتتصل بالناس وهي مأمورة بالستر وأن تقر في بيتها؟ وهذا ليس من باب الامتهان لها إنه ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى فهذه الرتبة لا تتناسب مع طبيعتها فهي في مكان آخر وهذا واضح ولها أجر بعد ذلك عند الله إن كانت تقوم بما أوجب الله عليها فيما يتعلق بطبيعتها وفيما يتعلق بما هو عائد إليها فإذن لا تكون إمامة [لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة] ولا تكون نبية، فمريم صديقة بنص القرآن (وأمه صديقه) ، أفلم تثبت لها الكرامات؟ (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال: يا مريم أنى لك هذا قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) وانتبه: لم شك زكريا واستغرب وجود الرزق عندها؟ فهو يقول: يا مريم عندك رزق لا يمكن أن نقول إن أحداً من الخلق أحضره إليك لا عن طريق المعونة والمساعدة والإحسان ولا عن طريق الهبة، بل إن الرزق الذي يأتيك لا وجود له في هذه البلاد، ولو كان له وجود لقلنا جارتك ساعدتك، أو أحد أحسن إليك.

فما عاد هناك مجال أن يقال أنت تتصلين اتصالاً محرماً ببعض الناس، فإنه يأتيك شيء لا نظير له، فهذا مما يدهش العقول فمن أين جاءك؟ قالت (هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) ولو كان لما يأتيها نظير ومثيل لأمكن أن يقال هو إما مساعدة وإما وحاشاها – خيانة – ولكن لا هذا ولا هذا فهو شيء لا يمكن أن يحصل من قبل بشر. فإذا كانت كرامات الأولياء ثابتة فانظر ماذا يعلق الشيخ محمد حامد الفقي على هذه القصة: "عمر لا يعلم الغيب وهذه القصة وإن كانت ثابتة فمعناها وتأويلها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يخطب على المنبر أخذته سنة فنام فكشف الله له في الرؤيا عن حال الموقعة ثم صاح بأعلى صوته" لكن نقول: لو سلمنا لك بهذا فكيف سمع سارية صوت عمر إن كان علمه عن طريق الرؤيا، ولكن لا نعلم بما ذكرت، فهل يعقل أن ينام عمر على المنبر؟ فلو حصل ونام عمر على المنبر فإذا أحدث الخطباء في هذه الأيام على المنبر لكان قليلاً! فيا إخوتي لا نشطت في التأويل بحيث نصل إلى درجة الإنكار فهو لا يريد أن يقول باطلة لأن هذا ثابت، فيقول هذا معنى هذا، فتنبهوا! إذن فهذا من خارق العادة في العلم.

الثاني خارق العادة في القدرة فيقدر على ما يعجز عنه غيره ومنه قصة عرش بلقيس قال الله تعالى عنه (ولها عرش عظيم) والعرش سرير الملك مرصع بالجواهر واليواقيت وحجمه كبير، قال نبي الله سليمان كما حكى الله عنه (أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين، قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) ، وكان سليمان عليه الصلاة والسلام من الصباح حتى الظهر يقضي بين رعيته ويعلمهم، فقبل انفضاض المجلس سيكون العرش عندك (قال الذي عنده علم الكتاب) هو رجل صالح اسمه آصَف، (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) أي إذا نظرت إلى شيء فقبل أن تغمض عينيك عنه يكون العرش عندك أي في ثوان ٍ ليظهر الله كرامة هذا العبد الصالح على قوة وجهد الجن مع ما معهم من قوة إمكانات، فهذا له مكانة عند الله أعلى وسيأتي بهذا العرش من اليمن إلى بيت المقدس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه (فلما رآه مستقراً قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) . إخوتي الكرام.... ما سبق هذا هو المعنى الحق أما من قال: (قال الذي عنده علم الكتاب) هو جبريل أو (قال الذي عنده علم الكتاب) هو نبي الله سليمان فهذا باطل. وهذه كما قال الإمام الذهبي في كتاب العلو للعلي الغفار ص 57 "سبحان الله ما أعظم هذه الكرامة ولا ينكر كرامات الأولياء إلا جاهل" الثالث: خارق للعادة في مجال الغنى، فيستغني عما يحتاج إليه الناس ثبت في ترجمة العبد الصالح إبراهيم التيمي أنه كان يمكث شهرين لا يأكل ولا يشرب، والإنسان إذا امتنع عن الشراب ثلاثة أيام يموت، إذا امتنع عن الطعام سبعة أيام – على أكبر تقدير – يموت. فهذا العبد الصالح عنده غنىً عن الطعام والشراب، والله على كل شيء قدير، فإذا جعل الملائكة لا يأكلون ولا يشربون فما الذي يمنعه من أن يجعل العبد بهذه الصفة ويكرمه بذلك؟

ومكث مرة أربعين يوماً، فأعطاه بعض أهله حبة عنب فأكلها، فمكث أربعين يوما ولما أكل لم يأكل إلا حبة العنب فقط فهذا غنىً عما يحتاج إليه الناس. ذكر الإمام بن كثير عند قوله تعالى: (قال إنما أوتيته على علم عندي) حكايته عن قارون يقول: قال بعض الناس: (على علم عندي) أي بصنعة الكيمياء؟ أي أنه يقلب الخشب والحجر والنحاس إلى ذهب، وقال هذا هوس فالمعادن وحقائق الأشياء لا يمكن أن تقلب، فالخشب خشب والحجر حجر والحديد حديد، ولا يمكن أن نقلبه ذهباً أو فضة، يقول وأما قلب حقائق الأشياء إلى ذهب وفضة عن طريق خرق العادة من باب الكرامة فهذا جائز لأنه ليس بمشيئة الناس بل بمشيئة الله، كما جرى لحَيْوَة بن شُرَيْح وكان قد جاءه سائل فسأله – والقصة ثابتة صحيحة ثابتة في تهذيب التهذيب وتذكرة الحفاظ في ترجمة حَيْوَة بن شُرَيْح من شيوخ ورجال الكتب الستة فعلم حيوة صدقه واحتياجه، فأخذ مَدَرَة من الأرض – قطعة طين متجمدة – فأجالها في يده فوضعها في يد السائل فقلبها الله ذهباً خالصاً والله على كل شيء قدير، فهذا ليس بمشيئة المخلوقات إنما هو بمشيئة رب الأرض والسموات. الشاهد: حادثة الإسراء والمعراج خارقة للعادة ترجع إلى العلم أو القدرة أو الغنى؟ ترجع إلى القدرة، أقدره الله على ما يعجز عنه البشر إلا من أكرمه الله بذلك، فيسري به إلى البيت المقدس ويعرج به إلى السموات السابعة فيعاد إلى بيت المقدس، ويعاد إلى مكة في جزء من الليل ولازال فراشه دافئاً. وهذه الأمور الستة قد جمعها بعض أئمتنا في ستة أبيات من الشعر لطيفة وهي: 1- إذا رأيْتَ الأمرَ يخْرِقُ عادةً ... فمعجزةٌ إنْ مْن نبيٍّ لنا ظَهَرْ 2- وإن بان من قبل وصف نبوة ... فالإرهاصَ سِمْه ُ تتبع القومَ في الأثرْ 3- وإن جاء يوماً من ولي فإنه ... الكرامة في التحقيق عند ذوي النظرْ 4-وإن كان من بعض العوام صدوره ... فكنوه حقا بالمعونة واشتهرْ

5- ومن فاسق إن كان وفق مراده ... يسمي بالاستدراج فيما قد استقرْ 6- وإلا فالإهانة عندهم وقد ... تمت الأقسام عند من اختبرْ ومن شاء الرجوع إليه فلينظر في كتاب: لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية في شرح الدرة المضيئة في العقيدة الأثرية للإمام السفاريني (2/392) ، والدرة المضيئة له وشرحها في مجلدين وهو من الكتب النافعة في علم التوحيد على هدي السلف، وقد تعرض فيه لمبحث خوارق العادات وذكر الستة. بعض علماء التوحيد أضاف أمراً سابعاً لكنه لا يعتبر من خوارق العادات وهو: السحر، وهذه إضافة باطلة، فإنه لا يعتبر من خوارق العادات لأنه يتوصل إليه بالأسباب العادية فهناك أنواع من أنواع الكفريات من سلكها وصل إلى السحر فهو علم وتعلم مثل الموسيقى هذا حرام وذاك حرام، ولذلك من السبع الموبقات كما قال النبي عليه الصلاة والسلام السحر، وما شاع بين الناس من حديث مكذوب وهو: [تعلموا السحر ولا تعملوا به] فهذا لا يصح نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو خرافة، لأن تعلم السحر لا يحصل إلا بالكفر واستعانة بالقوى الخبيثة الشريرة من الشياطين والعفاريت، لكن هو علم عن طريق أسباب من تعلمها وصل إليه مثل الغناء والرقص والموسيقى وقلة الحياء. لكنه لا يحصل إلا بمشيئة الله قال تعالى: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) ، وهذا كما لو أطلقت رصاصة على إنسان فأنت الذي باشرت القتل لكنه لم يمت إلا بمشيئة الله وتقديره وإرادته ولكنك تعاقب على مباشرتك للقتل، ولو صبر القاتل على مقتوله لحظة لمات دون أن يقتله فالمقتول مات بأجله ولم يقدم القاتل أجله عن موعده بل ساعة قتله هي أجله، فلم يقدم أجله ولا طرفة عين لكن القاتل مسئول عن فعله.

وهناك عندما يمارس السحر ويفرق بين المرء وزوجه ويؤذي الإنسان ويكسب جسمه وهناً وضعفاً فهو بإذن الله، وقد سحر نبينا عليه الصلاة والسلام لكن لم يؤثر على عقله غاية ما كان إنه يصاب في بدنه بوهن وضعف واستمر به السحر أشهر عليه صلوات الله عليه وسلامه وزاد مفعوله فيه مدة أربعين يوماً وكان يشعر بتعب ثم أنزل الله عليه المعوذتين فقرأهما فقام وكأنما نشط من المقال عليه صلوات الله وسلامه والحديث في الصحيحين. فالسحر إذن بواسطة تعلم أشياء معلومة، وهو كما لو تعلمت فن القتال فضربت إنساناً فآذيته لكن بشيء معلوم، والساحر يؤذي بشيء معلوم، لكن ذلك بشيء ظاهر وهذا بشيء معلوم خفي، فالإيذاء بالسحر لا يكون إلا عن طريق مدارسة ولا يوصل إليه إلا بأسباب معلومة يتلقاها الناس بخلاف خوارق العادات فهذه لا دخل فيها لكسب ظاهر، إنما هي محض تقدير الله جل وعلا ومشيئته وبالتالي ليس السحر من خوارق العادات. المبحث الثالث أكم مرة وقع فيها الإسراء والمعراج: الإسراء والمعراج لهما حالتان: الحالة الأولي: حالة وقوعهما في اليقظة، فلم يقعا إلا مرة واحدة قبل الهجرة، وسيأتي تحديد وقت حصولهما. وقد حكى الإمام ابن حجر في فتح الباري (7/203) في هذه المسألة عشرة أقوال في تكرر الإسراء والمعراج – والمعتمد فيها – أن إسراء ومعراج اليقظة بنبينا عليه الصلاة والسلام كان مرة واحدة.

قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد: "والعجب ممن يدعي ويزعم تعدد الإسراء والمعراج في اليقظة فكيف سيحمل التعدد على فرضية الصلاة " فقد فرضت الصلاة ليلة المعراج وكانت خمسين فخفضت إلى خمس عندما كان يتلقى هذا من الله وينزل على نبي الله موسى عليه السلام – وسيأتينا هذا في الآيات التي رآها في السماء وما حصل له من عجائب – فإذا قلنا إن حادث الإسراء والمعراج قد تكرر إذن نعيد المسألة في كل حادث كانت خمسين وترجع إلى خمس وترجع إلى خمس فهذا لا يمكن أن يقع ويحصل، فإسراء ومعراج اليقظة هذا وقع مرة واحدة. الحالة الثانية: حالة وقوعهما في المنام بروح نبينا عليه الصلاة والسلام فلا مانع من تكرارها، أي أن يسرى بروحه فتذهب روحه إلى بيت المقدس وهو نائم ويعرج بروحه إلى السماء وهو نائم، فلا مانع من تعدده ولو وقع ألف مرة. والإمام النووي في فتاويه المشهورة – وهو كتاب مطبوع في 300 صفحة تقريباً – ذهب في هذه الفتاوى إلى أن الإسراء والمعراج وقعا مرتين لنبينا عليه الصلاة والسلام مرة في المنام ومرة في اليقظة. وذهب بعض الأئمة كالمهلب – كما حكى هذا الحافظ في الفتح – وذهب إليه الإمام ابن العربي والإمام السهيلي وأبو نصر عبد الرحيم القشيري وغيرهم: إلى أن الإسراء والمعراج في المنام تكرر فوقع قبل الهجرة ووقع بعدها، فاختلفوا في عدد المرات في المنام، أما في اليقظة بروحه وجسده فلم تقع إلا مرة واحدة. نعم التبس الأمر على بعض رواة الحديث عندما أخبرهم نبينا عليه الصلاة والسلام أنه عرج به وأسريَ به في غير اليقظة فظنوا أن ذلك الإسراء والمعراج حصل في اليقظة مع أنه حصل في المنام فلا مانع كما قلنا أن يعرج به وبغيره عليه الصلاة والسلام، أو يسرى به وبغيره عليه الصلاة والسلام في المنام لا في اليقظة.

إذا فقد ذهب الإمام النووي إلى وقوعهما مرة في المنام وذهب غيره إلى أنها حصلت أكثر من مرة، فوقع قبل الهجرة وبعدها والذين قالوا أنه وقع قبل الهجرة قالوا وقع قبل أن يسرى به ويعرج به في اليقظة فأسري به وعرج بروحه ليكون توطئة لإسراء ومعراج الجسد بعد ذلك، ثم بعد أن هاجر فأسْرِيَ وعُرج بروحه وهو نائم ليكون بمثابة التشويق وتذكرة بالنعمة التي حصلت له قبل هجرته. أمتى حصلا ووقعا لنبينا عليه الصلاة والسلام؟ ذهب الإمام الزهري – من أئمة التابعين – ولكلامه هذا حكم الرفع المرسل إلى أن الإسراء والمعراج حصلا ووقعا قبل الهجرة بسنة. وذهب الإمام ابن سعد في الطبقات الكبرى إلى أنه وقع قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً قلت: ولا تعارض بين القولين فيما يظهر لي والعلم عند الله، فمن قال عرج به وأسرى قبل الهجرة بسنة ألغى الكسر وأخبر عن العدد الصحيح ومن قال عرج به وأسري قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً (سنة ونصف) أخبر عن حقيقة ما وقع وأثبت الكسر، فالإسراء والمعراج إذن وقعا قبل الهجرة بسنة ونصف. جـ- لم وقعا في ذلك الوقت؟ (الحكمة من وقوعها في ذلك الوقت) : في العام العاشر للبعثة لا للهجرة حدث أمران عظيمان في حياة نبينا عليه الصلاة والسلام كان لهما أثر كبير وهما: أولهما: موت زوجه خديجة، وخديجة هي أفضل نساء هذه الأمة على المعتمد وقيل فاطمة ابنتها، وقيل أمنا عائشة، وذهب بعض العلماء إلى أن كل واحدة منهن فيها فضيلة ومزية لا توجد في الأخرى، لكن أمنا خديجة رضي الله عنها لها منزلة عظيمة في قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فهي أول من آمن به من النساء، نصرته وواسته وأعانته بمالها، رزقها الله منها الأولاد وكانت نعم الزوج رضي الله عنها، فمن كان يبث إليه سره ويأنس في خلوته ذهب ومات.

ثانيهما: موت عمه أبي طالب بعد شهر وخمسة أيام، وأبو طالب كان مشركاً وكافراً ولم يؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام (¬1) ¬

_ (¬1) ثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام [أنه قيل له عمك أبو طالب كان ينصرك ويحميك ويدافع عنك هل نفعه ذلك عند الله؟ فقال: لا، إلا أنه كان في غمرات من نار جهنم فأخذته فوضع في ضحضاح من نار جهنم وضع في أخمصي رجليه جمرتان من نار جهنم يغلي منهما دماغه وإنه لأهون أهل النار عذاباً ويرى نفسه أشد أهل النار عذاباً.] [ولما احتضر جاءه النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله وكان عنده أبو جهل وأضرابه، فقالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكان آخر ما قاله أنه على ملة عبد المطلب] وثبت في النسائي [أن علياً رضي الله عنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله إن عمك- وهو والد علي - عمك الشيخ الضال قد مات، قال: اذهب فوار أباك] أي ادفنه من غير تغسيل ولا صلاة فهذا مشرك. فنزل قول الله لما قال النبي عليه الصلاة والسلام بعمه بعد أن مات – لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك (ما كان للني والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا ذوي قربي من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) لكن مع ذلك فجهده ما ضاع فهو أهون أهل النار عذاباً، وهذا من الشفاعات الخاصة لنبينا عليه الصلاة والسلام لأن الكفار كما قال الله تعالى فيهم (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) . ولا يدخل الجنة لأنه كافر والله حرم الجنة على الكافرين. عند الشيعة فقط أبو طالب أفضل من أبي بكر فأبو طالب في الجنة وأبو بكر في النار، قالوا كيف يكون والد علي كافراً؟ أقول فكيف يكون والد إبراهيم الخليل كافراً. الشيعة جعلوا حب آل البيت ستاراً وهم زنادقة فلا يؤمنون بدين ولا يدخلون في الإسلام رغبة ولا رهبة إنما كيداً للإسلام وكيداً لأهله ولكن لابد من شيء يستترون به وهو حب آل البيت فهذه ستارة وإلا فما علي عندهم بأحسن حالاً من أبي بكر، وقالوا كلاماً لو ثبت لكان علي أحسن من أبي بكر عندهم وحاشاهم جميعاً من ذلك. يقال لهم كيف زوج علي ابنته لعمر؟! – وهو عندهم كافر – أجابوا بجوابين: - ... متقدموهم: من باب التقية ليرفع عن نفسه ضررهم. - ... متأخروهم زفت إليه جنية بصورة أم كلثوم بنت فاطمة. قال جعفر الصادق: " يقولون التقية ديني ودين آبائي أي: عندهم كذبوا؛ دين آل البيت التقوى لا التقية التقية دين اليهود ".

لكن له صلة عظيمة بنبينا عليه صلوات الله وسلامه من سائر أعمامه فعمه العباس لم يكن مؤمناً في ذلك الوقت ثم آمن فيما بعد، وعمه أبو لهب لم يكن مؤمناً وما آمن وكان يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام والعباس لم يكن له من المكانة في قومه كما لأبي طالب، فأبو طالب هو الذي ورث مكانة عبد المطلب وصار سيد قريش، فكانت له كلمة نافذة فما استطاع سفيه في مكة أن يمد يده أو يلوح بأصبعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مدة حياة أبي طالب وهو الذي كان يقول له: "والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفيناً" وكانت قريش تهاب أبا طالب وتخاف سطوته ويخشون إذا آذوا النبي عليه الصلاة والسلام أن يثأر أبو طالب لابن أخيه من باب الحمية، فكانوا ينكفون عن أذى النبي عليه الصلاة والسلام ولذلك غاية ما وقع قبل العام العاشر للبعثة أذىً على أصحابه ولم يقع عليه أذىً عليه صلوات الله وسلامه، فلما مات عمه أبو طالب اشتد أذى المشركين على أصحابه بل وعلى النبي عليه الصلاة والسلام ووصل الأمر إلى أنهم أخذوا الجزور وهي الكرشة التي فيها الفرث والزبل – وطرحوها على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار الكعبة فإذن اشتد عليه الأذى وكثر بعد موت عمه أبي طالب، وصار يلاقي أذىً شديداً خارج البيت وإذا عاد إلى البيت فليس هناك من يؤنسه ويزيل همومه، فاشتد به الأذى وضاقت عليه الأرض بما رحبت في ذلك الوقت، في العام العاشر للبعثة الذي سمي بعام الحزن، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام من شدة الكرب الذي لحقه من المشركين إلى الطائف يلتمس نصرة من ثقيف، فكانوا أخبث من عتاة قريش وأهل مكة. فردوا عليه أقبح رد أما بعضهم فيقول: أما وجد الله رسولا ً غيرك ليرسله؟ والآخر يقول: والله لو كُنْتَ رسولاً لأمزقن ثياب الكعبة!

ثم ما اقتصر الأمر على أذى اللسان، بل أغروا به السفهاء وبدأوا يقذفونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه عليه صلوات الله وسلامه ومعه مولاه زيد بن حارثة يقيه هذه الحجارة فتارة يكون أمامه وتارة وراءه وتارة عن يمينه وتارة عن شماله، والحجارة تأتيه من قبل السفهاء من كل جهة. إذن فكان الأمر في منتهى الكرب والشدة، فلجأ بعد خروجه من الطائف إلى بستان عنب ولجأ إلى الله جل وعلا بالدعاء وقال الدعاء الذي رواه الطبراني وذكره الإمام محمد بن إسحاق في المغازي والطبراني رواه عن محمد بن إسحاق أيضاً وهو مدلس وقد عنن الحديث فهو من ناحية الإسناد في الظاهر فيه ضعف لكن المعنى حق وثابت، وهو حقيقة مع ضعف الإسناد فيه إلا أن الناظر فيه يرى عليه نور النبوة، قال: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلي بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك (. فغار الله لنبينا عليه الصلاة والسلام وأرسل له ملك الجبال وقال: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – الجبلين – وأريحك منهم حتى كأنه لا يوجد شيء اسمه قريش على وجه الأرض، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله (فهذا هو الرؤوف الرحيم عليه صلوات الله وسلامه. إذن اشتد عليه الأذى في العام العاشر للبعثة، وأخذ فترة طويلة والنبي عليه الصلاة والسلام يصبر والهجرة كانت في العام الثالث عشر للبعثة فهل يُترك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بعدما لاقاه من إيذاء وشدة بلا حادث جليل يرضيه ويأنسه؟! هذا مستبعد!! لذلك فقد حصل له صلوات الله وسلامه عليه بعد عودته من الطائف أمران وحادثتان:

الحادث الأول: قبل أن يدخل إلى مكة عندما وصل إلى نخلة، وهي على الطريق القديم لمكة ويسمى طريق السيل حديث كان يسلكه المسلمون والعرب في الجاهلية لسهولته ويقع عليه ميقات أهل نجد قرن المنازل، ويقال له قرن المنازل على بعد 70 كيلومتراً من مكة، وطريق السيل هذا طوله من الطائف إلى مكة 120 كيلومتراً، وهناك طريق آخر جديد يسمى طريق الهدا وهو طريق جبلي شق حديثا وطوله إلى مكة قرابة 80 كيلومتراً، الشاهد أنه لما وصل إلى نخلة وهي تبعد قرابة 4 كيلومترات عن مكة المكرمة – أكرمه الله بأمر عظيم وأكرم الجن برؤية نبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه فصرف له نفراً من الجن يستمعون قراءته وآمنوا به في نخلة: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين) ، وفي هذا تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم وبشارة، فكأنما الله تعالى يقول له: اصبر إن جهل عليك البشر، فالجن – الذين لا تستبعد من طبيعتهم الجهالة والعشرة – انظر كيف عرفوا قدرك وآمنوا بك واستمعوا لقراءتك فعما قريب سأفتح قلوب البشر لدعوتك. فإذن هذه بشارة حصلت له بعد الأذى الذي حصل له من البشر جاء الجن واستمعوا لقراءته وآمنوا به (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) والله تعالى أنزل سورة كاملة سماها باسم هذه الحادثة فسميت سورة (الجن) .

الحادث الثاني: بعد أن دخل مكة عليه الصلاة والسلام واطمأن فيها بعض الوقت أكرمه الله بحادثة الإسراء والمعراج، وكأن الله تعالى يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: أعلم أنه لا يوجد من قبلنا غضب عليك، فإذا جهل عليك البشر فليس هذا لغضب منا عليك فمكانتك عندنا عظيمة جليلة، أعطيناك ما لم نعط أحداً من العالمين، فيسرى بك إلى بيت المقدس، ثم نقدمك على أفضل خلق الله وهم الأنبياء والمرسلون في بيت المقدس فيجمع لك الأنبياء وعددهم (124.000) فجمعوا كلهم في بيت المقدس كما سيأتينا في الآيات التي رآها في بيت المقدس، الأنبياء كلهم من آدم إلى عيسى عليهم صلوات الله وسلامه كلهم يجتمعون ويتقدمهم نبينا عليه الصلاة والسلام ويصلي بهم ركعتين ويلقي كل واحد خطبة – كما سيأتينا – ويتحدث بما من الله به عليه فيختم الخطب نبينا عليه الصلاة والسلام ويتحدث بما من الله به عليه، فيقول خليل الرحمن إبراهيم: بهذا فضلكم محمد، وعليه صلوات الله وسلامه. إذن أفضل خلق الله أنبياء الله ورسله أنت تتقدم عليهم ويتبركون برؤيتك وأنت إمامهم ويظهر فضلك عليهم، وفي هذا كله تأنيس لقلبه عليه صلوات الله وسلامه وتطمين وتثبيت عظيم ثم ما هو أعلي من هذا حيث رفعك في السماء، فكما قدمناك عليهم في الأرض نرفعك عليهم في السماء فإذا كان أرفع واحد فيهم وهو إبراهيم في السماء السابعة ودونه الكليم موسي في السماء السادسة فأنت ترفع إلى ما هو أعلي من ذلك، بل جبريل علي نبينا عليه صلوات الله وسلامه عندما يرتفع بعد السماء السابعة يقف ويقول لنبينا عليه الصلاة والسلام: تقدم، ولو تقدمت لحظة لاحترقت، وما منا إلا له مقام معلوم، ثم يعرج نبينا عليه الصلاة والسلام – كما تقدم معنا – إلى مستوىً سمع فيه صريف الأقلام وماذا يسطر في لوح الرحمن، ثم ناجاه ربه وكلمه، وهل حصلت له الرؤية النظرية أم القلبية؟ سنتحدث في هذا عند مبحث الآيات التي رآها فوق السموات.

فهذه الآيات العظيمة التي رآها لتدل على عظيم رضوان الله عليه، فكأن الله تعالي يقول له: (لا تحزن إذا جهل عليك السفهاء، فهذا قدرك عند الأتقياء وعند الفضلاء وعند رب الأرض والسماء، فالملائكة تتبرك برؤيتك، وأنبياء الله ورسله يفرحون بلقائك، والله جل وعلا يدعوك لجنابه الأعلى، فمن هؤلاء البشر إذا جهلوا عليك؟) إذا أهل الكرام يكرموني ... فلا أرجو الهوان من اللئام والرجاء من الأضداد فيأتي بمعني الأمل ويأتي بمعني الخوف والوجل وهنا بمعني الخوف، أي فلا أخاف الهوان من اللئام. فاللئيم إذا أهانك والكريم إذا أكرمك فلا تبال بإهانة اللئيم، لكن لو أن الكريم أهانك وأبغضك وتغير قلبه عليك وعبس في وجهك فحقيقة لا يلذ لك طعم الحياة، وتقول: إذن أبغضني الله عندما أذاني الكرام، وعندما تغير قلبهم علي، لكن الواقع أن اللئام هم الذين آذوك وكذلك السفهاء، فهذا مما يدل على عظيم قدره عند الله جل وعلا وهنا لئام يؤذونك، وكرام يتبركون برؤيتك. ونشير هنا إلى أنه: بالإجماع يتبرك بنبينا عليه الصلاة والسلام بجسده الشريف، وبفضلاته ببصاقه ومخاطه، وبشعره وبملابسه وبأثاثه، بلا خلاف بين أهل السنة وإذا حصل الإنسان شعره من شعر النبي عليه الصلاة والسلام وقبلها ومرغ خده عليها فهنيئا له هنيئا، فالتبرك بآثاره جائز بالاتفاق، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يوزع أحيانا شعره على الصحابة، كما حصل هذا في الحديبية، وأخذ أنس بعض الشعرات وأوصي أن توضع تحت لسانه بعد موته – ووضعت – من أجل أن يسدده الله عند سؤال الملكين.

وكأنه بعد حصول هذه المميزات لنبينا عليه الصلاة والسلام يقول له برنا: ليس في إيذاء السفهاء لك منقصة، وليس في ذلك غضب منا عليك، فاعلم هذا وقم بالدعوة بجد ونشاط وحذار حذار أن تسير مع الميول البشرية والطبيعة الإنسانية فتقول ضاقت علي الأرض بما رحبت قومي آذوني وكثر صبري عليهم مع ما حصلت منهم من الإعراض، ذهبت إلى الطائف فقابلوني أشنع مقابلة، وطبيعة البشر قد تخور وتضعف، فلا بد من تثبيت فأكلمه الله بالإسراء والمعراج وهذا في غاية التثبيت له عليه صلوات الله وسلامه وفعلا بعد هذه الحادثة كان نشاطه للدعوة أكثر وقام يدعو بجد ونشاط ولذلك في صبيحة اليوم التالي لليلة الإسراء والمعراج لقيه أبو جهل فقال: يا محمد، هل من خبر جديد؟ قال نعم أسري بي هذه الليلة إلى بيت المقدس، قال أو تستطيع أن تخبر قومك إذا دعوتُهم؟ قال: نعم فبين ثباته ولم يبال بأحد عليه صلوات الله وسلامه، فدعاهم أبو جهل وقال: اسمعوا ما يقول محمد، فقالوا: انعت لما بيت الله المقدس يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: فكربت كربا شديداً، لم أكرب مثله قط لأنني ما أثبته – أي ما علمت أحوال بيت المقدس وكم فيه من نافذة وكم له من باب فكيف سأنعته لهم، يقول: فأتي جبريل ببيت المقدس فوضعه عند دار عقيل بن أبي طالب، وأنا أنظر إليه فجعلت أنعته لهم باباً بابا وشباكاً شباكا. فهذا هو حال النبي صلي الله عليه وسلام بعد ذلك الحادث العظيم، فقد صار عنده عزم وحماس للدعوة أكثر من الأول. إخوتي الكرام ... حادثة الإسراء والمعراج وقعت بعد هذين الحادثين المريرين وفاة زوجه وعمه وكل منهما كان له مواقف خاصة مع نبينا عليه صلوات الله وسلامه، وإذا كان الأمر كذلك فإذن هنا حزن على وفاتهم ثم هنا حزن لمزيد الأذى بعد موتهما فكان لابد من تسلية لنبينا صلي الله عليه وسلم.

ولذلك كان أئمتنا يقولون: من أقعدته نكاية اللئام، أقامته إعانة الكرام، لئام يؤذونك ويقعدونك عن دعوتك ويثبطونك، فلابد من معين ومساعد يشد أزرك ويقويك وهم الكرام، لكن البلية في عصرنا أن اللئام كثر، فهم يقعدونك ويؤذونك ولا تجد كريما تأوي إليه إلا من رحم الله. إخوتي الكرام ... الصحابة رضوان الله عليهم عندما اشتد عليهم أذى المشركين بمكة أشار عليهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يهاجروا إلى الحبشة وقال: هناك رجل عادل لا يظلم عنده أحد فاذهبوا إليه لعل الله أن يجعل عنده فرجاً ومخرجاً. وبالفعل حصل ما تمناه النبي صلي الله عليه وسلم حتى أنهم لم يعودوا إلى مكة بل ما عادوا إلا لما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم إلى المدينة فلحقوه هناك. ولكن هل تركهم المشركون يهاجرون إلى الحبشة دون أن يلاحقوهم؟ لا بل أرسلوا عمر بن العاص وكان مشركا يومها – وعبد الله بن أبي ربيعة في طلبهم ومعهما الهدايا والقصة طويلة وردت في حديث طويل رواه الإمام أحمد في المسند وأخذ فيه ثلاث صفحات عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها لأنها كانت من جملة المهاجرات إلى الحبشة، والحديث إسناده صحيح. وهو في المسند: (1/201-203) ، (5/290-292)

قلنا أنه لما اشتد أذي المشركين علي الصحابة رضوان الله عليهم أمرهم النبي صلي الله عليه وسلم بأن يذهبوا ويهاجروا إلى الحبشة، فطالب المشركين بإعادتهم وقال البطارقة الذين كانوا في مجلس النجاشي صدقوا أيها الملك أرسلهم دون أن تسمع كلامهم فقومهم أعلم بهم وقد كانوا يعلمون أن أصعب شيء عليهم أن يسمع النجاشي (أصحمة) كلامهم لأنه عاقل، وإذا كان عاقلا وسمع كلامهم سيقضي بالحق وبالتالي لن يُسلَّم هؤلاء لعتاة قريش وسيحسن ضيافتهم ويكرمهم، فكان أقبح شيء على هذا الوفد بمشورة العتاة في مكة أقبح شيء أن يستدعي النجاشي (أصحمة) هؤلاء الثلة الذين كانوا بضعاً وسبعين ما بين رجل وامرأة رضي الله عنهم أجمعين فكان أشنع شيء عليهم أن يستدعيهم ويسمع كلامهم، فلما قال البطارقة: صدقوا أرسلهم، قال: لا، والله قوم لجأوا إلي واختاروني على من سواي كيف أطردهم قبل أن أسمع كلامهم، فإذا كان ما يقول هؤلاء حقاً من أنهم مفسدون وخائبون ومخربون سلمتهم إليهم، وإذا لم يكونوا كذلك فلا أطردهم ما رغبوا في جواري. فاستدعاهم وقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم به دين قومكم ولم تدخلوا في ديني،- وكان هو على النصرانية – قالوا والذي تولي الإجابة هو جعفر بن أبي طالب ابن عم النبي صلي الله عليه وسلم: أيها الملك كنا في جاهلية وشر، نعبد الأصنام ونأكل الميتة والجيف ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فبعث الله فينا رسولاً منا نعرف صدقه ونسبه، فدعانا إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأمرنا أن ننبذ ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام، وأمرنا بالصلاة وصدق الحديث وصلة الأرحام فآمنا به وصدقناه، فعدا علينا قومنا وآذونا فلجأنا إليك واخترناك على من سواك. فقال لهم: إن كنتم كذلك فلكم الأمن في بلادي.

وفي اليوم الثاني قال عمر بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة، لأذهبن إلى الملك ولأوغرن صدره عليهم، ولأحرضنه عليهم ولأقولن له إنهم يقولون في عيسي قولاً عظيماً، وهو أنه عبد الله ورسوله، لأن النصارى يقولون هو ابن الله، ولأبيدن خضراءهم بهذا الكلام، وكان عبد الله بن أبي ربيعة وهو على شركه فيه رحمة فقال: رفق بهم فإنهم أبناء العم والعشيرة، فقال بل لابد. فذهب إلى الملك وقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً، فاستدعاهم فقالوا لجعفر ماذا نقول؟ قال ما نقول إلا ما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام وليكن ما هو كائن. فقال لهم النجاشي: ماذا تقولون في عيسى؟ قالوا: ما نقول إلا ما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام فتلا عليهم صدر سورة مريم فلما وصل إلى قول الله: (ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون، ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) . وانتبه لموقفهم هذا فلا يعني هروبنا وفرارنا من بلدة إلى بلدة فراراً بديننا أن نتنازل عن ديننا وقيمنا بل الواجب أن نثبت عليها كما خرجنا وفررنا بسببها إلى أن نلقى الله وهو راضٍ عنا إذ لا يعقل أن تهاجر وتقاتل من أجل مبدأ ثم لما تغير بلدك تتنازل عن هذا المبدأ الذي هاجرت بسببه.

إذن فتلا عليه هذه الآيات ولما قال: (ما كان لله أن يتخذ من ولد) نخر البطارقة، ولما قال عيسى في السورة (قال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً) فقال النجاشي: وإن نخرتم؟ وبكي حتى اخضلت لحيته من دموع عينيه ثم أخذ عودة صغيرة من أرض وقال والله ما زاد علي وصف عيسى بمقدار هذه، فهذا هو وصف عيسى هو عبد الله ورسوله وليس هو بثالث ثلاثة وليس هو ابن الله جل وعلا، ثم قال لجعفر ولمن معه: أنتم سيوم أنتم سيوم أنتم سيوم والسيوم في لغة الحبشة الأحرار أي مثل الغنم السائمة تمشي وترعي أينما تريد، ولذلك الغنم إذا كانت سائمة فيها زكاة وإذا كانت تعلف فليس فيها زكاة – من سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، والله ما أحب أن لي دَبْراً من ذهب، والدبر هو الجبل العظيم الكبير بلغة الحبشة – وأن أحداً منكم يؤذى هذا العبد الصالح النجاشي (أصحمة) لما مات صلى عليه نبينا عليه الصلاة والسلام صلاة الغائب كما في الصحيحين. وقد ثبت في سنن أبي داود في كتاب الجهاد، باب النور يري على قبر الشهيد (؟؟؟؟؟) ، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: [كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبر النجاشي نور بعد موته (وفي الحقيقة فإنه يستحق هذا الإكرام من ربنا الرحمن. فأولا: اعتقد اعتقاد الحق. وثانيا: بذل ما في إمكانه حسبما وسعه في ذلك الوقت فالرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت في مكة ولا يمكن الهجرة إليه. وثالثا: نصر هؤلاء المؤمنين، فقام بما في وسعه وهو إن شاء الله في عداد المؤمنين الموحدين، فهذا هو النجاشي العبد الصالح ولا مثيل له في عصرنا. فتن لكن لا يوجد نجاشي، لئام فاضت الأرض بهم فيضاً لكن لا يوجد ما يقابلهم من الكرام بحيث إذا ذهب الإنسان إليهم يجد النصر.

هذا فيقال رؤيته لهم في بيت المقدس لا يلزم أن تكون بنفس الصورة التي تكون في السماء يضاف إلى هذا أنه اجتمع بـ (124.000) نبياً في لحظات من ليل، فكيف سيتمكن من أن يحفظ أشكالهم ويتثبت من صورهم، كما هو الحال في بيت المقدس عندما قال له المشركون انعته لنا، مع أنه رآه فالرؤية لا يلزم منها العلم بالمرئي على وجه التمام، والإحاطة به بحيث لو رآه مرة ثانية يقول هذا هو فلان لأنه جم غفير التقى بهم في لحظات، والعلم عن الله. الحكمة السادسة: لأن لبيت المقدس من تلك الجهة المصعد إلى السماء، أي باب السماء الذي يفتح يكون بحيال بيت المقدس. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر ضعف هذا لأن باب السموات الذي يفتح وينزل منه الملائكة يكون حيال الكعبة وفي وجهتها وسمتها لا على جهة بيت المقدس. الحكمة السابعة: وقلنا نقلها عن ابن أبي جمرة، قال: ليظهر الله الحق، عند من يريد إخماده ووجه هذا: لو أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرهم أنه عرج به إلى السموات العلا، ورأي في السموات ما رأي لقالوا له كذاب، وما عنده قرينة تدل على صدقه ولا على كذبه فلا يستطيع أن يثبت لهم صدقه، لكن عندما قال لهم أسري بي إلى بيت المقدس قالوا: كذاب قال: يا جماعة أنا تحققت من هذا وتأكدت، قالوا: انعته لنا، فلما وصف لهم بيت المقدس الذي رأوه بأعينهم ظهر لهم الحق وقد حاولوا إخماده، أما السموات فلم يروها ولو قالوا له انعتها لنا، فسينعتها بشيء لا يعلموه، أما بيت المقدس فظهر الحق لهم عندما نعته لهم فظهر الحق عند من يريد أن يخمده ويبطله.

الحكمة الثامنة: تظهر لي وما ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله – والعلم عند الله – وهي أنه أسري بنبينا عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات العلى ليرتقي من كمال إلى كمال. فنقله إلى الكمال الأرضي وهو الاجتماع بالأنبياء وإظهار تقديمه عليهم وفضله عليهم، ثم نقله إلى ما هو أعلى من ذلك وهو العروج به إلى السموات العلا والالتقاء برب العالمين، فنقل من كمال إلي كمال أسري به ثم عرج ولو حصل العكس لم يكن في رؤيته الأنبياء فائدة معتبرة لأن أعلي الكمال حصل له وهو الاجتماع برب العالمين ولقاؤه. المبحث الرابع الآيات التي رآها خير البريات عليه صلوات الله وسلامه في حادثة الإسراء والمعراج: وتنقسم هذه الآيات إلى أربعة أقسام (لنريه من آياتنا الكبرى) : القسم الأول: آيات عظيمة رآها وحصلت له قبل البدء برحلة الإسراء والمعراج. القسم الثاني: آيات أرضية رآها عندما أسري به إلى بيت المقدس. القسم الثالث: آيات سماوية رآها عندما عرج به إلى السموات العلا. القسم الرابع: آيات عظيمة حصلت له بعد رقي السموات. وسنفصل الكلام في هذه الآيات الأربع إن شاء الله تعالي. القسم الأول: الآيات التي حصلت له قبل البدء برحلة الإسراء والمعراج: حصلت له حادثة عظيمة وهي حادثة شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام.

ثبت في الصحيحين من حديث أنس عن أبي ذر، ومن حديث أنس عن النبي عليه الصلاة والسلام ومن حديث مالك بن صعصعة، وثبت في المسند من حديث أنس عن أبي بن كعب - فالحديث عن أربعة من الصحابة – وفيه يقول النبي صلي الله عليه وسلم: (فُرِجَ سقف بيتي فنزل ملكان فأخذاني وأضجعاني وشقا ما بين ثغرة نحري – هي المكان المنخفض الذي يكون بين الترقوتين في أصل الرقبة – إلى شعرتي – أي مكان منبت العانة – وأخرجا قلبي فغسلاه في طست – بكسر الطاء وفتحها وإثبات التاء وحذفها وهو الطشت المعروف الآن – من ذهب فغسلاه بماء زمزم ثم حشيا قلبي وصدري – وفي رواية (حشيا صدري ولغاديدي) أي عروق رقبتي – إيمانا وحكمة (. هذا حصل له قبل حادثة الإسراء والمعراج: شق صدره، استخرج قلبه، وضع في طست من ذهب، غسل بماء زمزم، ثم حشي قلبه وصدره، ولغاديده أي جميع عروقه ومنافذه حشي إيمانا وحكمة ثم التأم صدره عليه صلوات الله وسلامه. قال الحافظ ابن حجر: "شق سقف البيت من قبل الملكين فيه إشارة إلى أن صدر نبينا عليه الصلاة والسلام سينشق ويلتئم دون حصول أثر فيه كما التأم هذا السقف بعد ذلك"، ونحن في عصورنا لو شق جزء من الإنسان وأعيدت خياطته لبقي أثر الشق، بل يقول الأطباء إنه إذا شق بطن الإنسان فإنه لا يعود إلى طبيعته الأولى مهما كتب له من شفاء وعافية، ويبقى معرضاً للفتق فتراه يمنع من حمل الشيء الثقيل حتى لا تتفتق خياطة هذا كله مع تقدم العلم، وهو في شأن نبينا عليه الصلاة والسلام معجزة. قال الإمام ابن حجر في الفتح: واختير الطست من ذهب ليتناسب هذا الطست مع مكانة نبينا عليه الصلاة والسلام والكرامات التي تحصل له، فهو من أواني الجنة، والنبي صلى الله عليه وسلم صائر إليها بل محرمة على غيره ولا تفتح لأحد قبله.

الأمر الثاني: الذهب لا يأكله التراب ولا يظهر عليه صدىً ونبينا عليه الصلاة والسلام كذلك بدنه لا تأكله التراب، ولا يعتريه تغير وهو يوم يبعث كحاله يوم دفن عليه صلوات الله وسلامه، والله حرم على الأرض أجساد الأنبياء كما ثبت في السنة بإسناد صحيح (إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء (. الأمر الثالث من الحكم في اختيار الطست من الذهب: أن الذهب هو أثقل المعادن في الوزن النوعي فلو وزنت قطعة (ذهب 5سم × 5سم) لقلت على قطعة (حديد 5 سم × 5سم) ، فإذن الذهب أثقل المعادن وزناً ونبينا عليه الصلاة والسلام أثقل الخلق وزناً وقدرة، ووزن بالأمة كلها فرجح عليه صلوات الله وسلامه وهو أكرم الخلق على الله وأفضلهم عنده. الأمر الرابع: أن في لفظ الذهب تفاؤل بإذهاب الرجس عن نبينا عليه الصلاة والسلام وتطهيره تطهيراً، وهذا ما حصل له عندما استخرج منه حظ الشيطان وغسل قلبه بماء زمزم. الأمر الخامس: أن في لون الذهب تفاؤل بحصول النظرة والبهجة لنبينا عليه الصلاة والسلام ودعوته وإشراق نوره في العالمين، وهذا الذي حصل. الأمر السادس: أن الذهب أعز المعادن وأغلاها، وكذا نبينا عليه الصلاة والسلام أعز المخلوقات وأنفسها. ولهذا كله غسل قلبه بطست من ذهب وإنما غسل بماء زمزم لأن ماء زمزم هو أشرف الحياة وأصله نزل من الجنة وهو هزمة جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه لأم إسماعيل عندما اشتد عليها العطش، والذي دلها على ذلك المكان وحفره جبريل بواسطة ضربة إسماعيل برجله، فإذن ماء مبارك من الجنة حفره جبريل للنبي المبارك إسماعيل الذي هو والد نبينا عليه الصلاة والسلام، وينتمي إليه، فهو ابن الذبيحين عليه صلوات الله وسلامه.

وماء زمزم هو أشرف مياه الأرض وقد ثبت بإسناد حسن عن نبينا عليه الصلاة والسلام (ماء زمزم لما شرب له (وهو (طعام طعم وشفاء سقم (كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم، وكان كثير من الصالحين يتقوتون بماء زمزم فهو ماء وغذاء، ويمكث أربعين يوماً - كما يقول الإمام ابن القيم – لا يدخل شيء جوفه إلا ماء زمزم، وانظروا فضل ماء زمزم في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (4/392) وما لزمزم من خواص وآثار وهو يخبر عن نفسه أنه كان يمكث الأيام المتوالية ما يتغذى إلا بماء زمزم. فهو إذن ماء مبارك ومن أجل هذا غسل قلب نبينا عليه الصلاة والسلام به. قد يقول قائل: كيف غسل قلب النبي عليه الصلاة والسلام بطست من ذهب، والذهب محرم استعماله على الذكور والإناث؟ ذكر أئمتنا جوابين: الأول: وهو ضعيف في نظري – وهو أنه كان قبل التحريم. الثاني: وهو المعتمد أن هذه الحادثة من خوارق العادات وهي متعلقة بأمور الغيب وهي بأمر الآخرة ألصق منها وأقرب من أمر الدنيا، ولذلك لها أحكام الآخرة، فكما أننا في الآخرة نحلّى بأساور من ذهب (وحلوا أساور من ذهب) فحادثة الإسراء والمعراج لها أحكام الآخرة لا أحكام الدنيا، وهذه من باب خوارق العادات ولذلك لها حكم خاص خص الله به نبينا عليه الصلاة والسلام. قال ابن حجر: قوله (حشياه إيماناً وحكمة) فيه إشارة إلى أن الحكمة هي أفضل شيء بعد الإيمان، ورأس الحكمة خشية الرحمن، والحكمة باختصار: وضع كل شيء في موضعه فالعبادة توضع للمعبود بحق وهو الله جل وعلا فلا نصرفها لغيره فهذه حكمة، ومن عبد غير الله فهو سفيه سفه نفسه: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) وهل هناك سفاهة أعظم من أن يصرف حق الخالق للمخلوق (إن الشرك لظلم عظيم) . فالحكمة هي أعلي الفضائل بعد الإيمان ولذلك حشي قلب نبينا عليه الصلاة والسلام وصدره ولغاديده وحكمة.

قد يسأل سائل فيقول: كيف حشي إيماناً وحكمة، والإيمان والحكمة من الأشياء المعنوية؟ الجواب: يحتمل هذا أمرين: الأمر الأول: أن تجسيد تلك المعاني إلى أشياء حسية، فالإيمان الذي هو معنىً جُسِّد في شيء حسي يعلمه الله ولا نعلمه، وأدخل في قلب نبينا عليه صلوات الله وسلامه، ومثله الحكمة ولهذا نظائر: فالموت أمر معنوي، وسيجسد يوم القيامة – كما ثبت في الصحيحين – في صورة كبش أملح ثم يوقف بين الجنة والنار ويذبح بينهما ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت. والأعمال التي نقوم بها من طاعات ومعاص ٍ هذه معان ٍ أيضاً، وستجسد يوم القيامة كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم (متفق عليه، فإذن تجسد وتثقل الميزان فالطاعة تجسد وتوزن والمعصية تجسد وتوزن يوم القيامة، ولذلك قال أئمتنا: الذي يوزن يوم القيامة ثلاثة أشياء: الأعمال والعمال وصحف الأعمال. الأعمال وإن كانت معان ٍ وأعراضاً يجسدها الله بكيفية يعلمها ولا نعلمها، والعمال وهم المكلفون، قال الله عن الكافرين (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً) ، ورِجْْلُ عبدِ الله بْن ِ مسعودٍ – كما ثبت في المسند – أثقل عند الله من جبل أحد، وصحف الأعمال كما هو في حديث البطاقة وغيره. وقد تقع هذه الثلاثة لكل واحد وقد يقع بعضها لبعض الناس والعلم عند الله، لكن دلت النصوص الشرعية على أن الذي يوزن يوم القيامة الأعمال والعمال وصحف الأعمال.

الشاهد الآن: أن الأعمال معان ٍ وأعراض يجسدها الله وتوزن، وكذلك هنا الإيمان معنىً لا يقوم بنفسه فجسد بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها وهذا من أمور الغيب التي نؤمن بها ولا نبحث في كيفيتها، وقد تقدم معنا في الدليل الثامن من أدلة الإسراء والمعراج أن كل ممكن ورد به السمع وجب الإيمان به، وتجسيد الأعمال والموت وغيرها من المعاني ممكن وليس بمستحيل وقد ورد به السمع فيجب الإيمان به. الأمر الثاني: أن يكون الإيمان والحكمة قد مثلا بشيء ثم أدخل مثالهما الذي يدل عليهما ويعبر عنهما في قلب نبينا عليه الصلاة والسلام وصدره ولغاديده. ولهذا نظير: عندما (كان نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الكسوف وتقدم ومد يده ثم تأخر وقال عرضت عليَّ الجنة والنار ومدت يدي لآخذ عنقوداً من عنب من عناقيد الجنة فلو أخذته لأكلتم منه إلى أن تقوم الساعة (والحديث في الصحيحين. فهذا عن طريق التمثيل أم عن طريق التجسيد؟ بل هو عن طريق التمثيل، فمثل له شكل الجنة والنار في جدار القبلة عندما كان يصلي عليه صلوات الله عليه وسلامه. فإما أنهما جسدا أو مثلا والعلم عند الله، أي ذلك وقع، فنؤمن بأنه قد حشي قلب نبينا عليه الصلاة والسلام إيماناً وحكمة. قال أئمتنا: اشتملت هذه الحادثة على ما يدهش السامع فضلاً عن المشاهد فالسامع عندما يسمع هذه الأخبار يدهش، فكيف بنبينا عليه الصلاة والسلام الذي رأى هذا، ليعلم عظيم قدرة الله في نفسه وليتحقق من ذلك وليثبت قلبه في تبليغ دعوة الله على أتم وجه وأكلمه، لاسيما وقد حصل هذا بعد حوادث أليمة ومريرة مرت عليه كما قلنا من موت زوجه وعمه، واشتداد أذى المشركين عليه بعد ذلك عليه صلوات الله وسلامه، فانظروا إلى هذه العجائب كيف نفعلها ونحن على كل شيء قادرون. إذن في بداية حادثة الإسراء والمعراج وقبل السير فيها شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام وقد شق الصدر الشريف لنبينا عليه الصلاة والسلام أربع مرات:

المرة الأولى: عندما كان عمره عليه صلوات الله وسلامه سنتان وثلاثة أشهر، ثبت هذا في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ومستدرك الحاكم عن أنس رضي الله عنه عندما كان نبينا عليه الصلاة والسلام مع الغلمان عند مرضعته حليمة جاءه ملكان وأضجعانه وشقا صدره وقالا: هذا حظُُّ الشيطان منك، فأخرجا علقة من قلبه فطرحاها ثم حشيا قلبه إيماناً وحكمة وانصرفوا، وقام النبي عليه الصلاة والسلام يلعب مع الصبيان، وذهب الذين كانوا معه إلى مرضعته حليمة وأخبروها الخبر فخشيت أن يكون هذا من قبل الجن ولذلك أرادت أن تعيده إلى أمه وعمه بعد ذلك. المرة الثانية: عندما كان عمره عشر سنين، شق صدره عليه صلوات الله وسلامه، ثبت هذا في مسند الإمام أحمد (5/139) شق صدره عليه الصلاة والسلام وغسل قلبه مرة ثانية ومليء إيماناً وحكمة، والحديث رواه أيضاً أبو نُعيم في دلائل النبوة عن أبي بن كعب عن أبي هريرة (أنه كان جريئاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله، فسأله عن حادثة شق الصدر، وكيف حصلت له؟ فأخبره أنه كان في عمره عشر سنين – وانظروا يخبر عن هذا وكان يعي ويدرك في هذه السن [فأتاه ملكان وأضجعانه وشقا صدره.... (إلخ الحديث. المرة الثالثة: عندما كان عمره أربعين سنة، في غار حراء، والحديث في ذلك صحيح رواه أبو نُعيم في دلائل النبوة ص (69) ، وذكره الحافظ في الفتح مقراً له، وهو في درجة الحسن على حسب اصطلاحه (1/460) و (13/481) عن أمنا عائشة رضي الله عنها: تخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه عندما جاءه جبريل في غار حراء شق صدره وحشي قلبه إيماناً وحكمة (. والمرة الرابعة: وهي التي معنا وكان عمره إحدى وخمسين سنة ونصف السنة، وقد قلنا إنها في الصحيحين والمسند عن أربعة من الصحابة.

والمرة الأولى من هذه الحوادث لشق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام انتزع فيها حظ ُّ الشيطان وأما ما بعدها فكان تهييئاً لقلبه لأن يتلقى ما سيرد عليه من واجبات وتكاليف. فالأولى من باب التخلية وما تبعها من باب التقوية والتحلية. حادثة شق الصدر أشار إليها ربنا في كتابه في سورة (الانشراح) وتُسمى سورة (الشرح) (ألم نشرح لك صدرك) والسورة مكية باتفاق المفسرين، وفيها يشير ربنا إلى الأمر العظيم الذي وقع له في مكة. والاستفهام في الآية للتقرير، ومعناه: حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد استقر عنده وعلمه وثبت لديه – فكأن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام أقد شرحنا لك صدرك أي شققناه شقاً حسياً، وأنت رأيت هذا بعينيك. وقد أرود الإمام الترمذي في كتاب التفسير عند سورة الانشراح حادثة شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام في تفسير هذه السورة، ليشير إلى أن المراد بالشرح شق صدره حساً عليه صلوات الله وسلامه. وهكذا فعل الإمام الحاكم في مستدركه في كتاب التفسير عند تفسير سورة الانشراح فأورد حديث شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام، وشرح صدر نبينا عليه الصلاة والسلام شامل – في الحقيقة - لأمرين: أشامل للشرح حساً، وهو ما وقع في هذه المرات الأربع. ب وشامل للشرح معنىً، وهو تقوية قلبه لتحمل ما سينزل عليه ثم ليقوم بموجبه. فحصل إذن الشرح الحسي والشرح المعنوي. قال الإمام ابن كثير في تفسيره: شرح صدره حساًَ لا ينافي شرح صدره معنىً، فحصل له الأمران عليه صلوات الله وسلامه. وثبت في كتاب دلائل النبوة للبيهقي – لا لأبي نُعيم- (1/352) عن قتادة قال (ألم نشرح لك صدرك) المراد من ذلك الشق الحسي الذي حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام.

وقال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن عند تفسير سورة الانشراح (ألم نشرح لك صدرك) أي شرحاً حسياً وحقيقياً عندما كان عند ظئره – أي مرضعته – حليمة وعندما أسري به، فاقتصر على حادثتين من الحوادث الأربع التي وقعت لنبينا عليه الصلاة والسلام، ثم قال: وشرحنا لك صدرك معنىً عندما جمعنا لك التوحيد في صدرك وأنزلنا عليك القرآن، وعلمناك ما لم تكن تعلم وكان فضلنا عليك عظيماً، فحصل لك هذا وشرحنا لك صدرك عندما ألهمناك العمل بما أوحينا إليك وقويناك عليه. ثم قال الإمام ابن العربي: وبهذا يحصل كمال الشرح وزوال التَّرَح – وهو الغم. الحاصل أن سورة ألم نشرح لك تدل على حادثة شق الصدر التي حدثت لنبينا عليه صلوات الله وسلامه. القسم الثاني: الآيات الأرضية التي رآها عندما أسري به إلى بيت المقدس ماذا رأى من آيات؟ وقد رأى آيات كثيرة، سنتكلم على خمسة منها فقط، على طريق الإيجاز – وإن شاء الله تعالى، دون تفصيل في غيرها: الآية الأولي: ركوب البراق: ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت بالبراق مسرجاً ملجماً – وهو دابة دون البغل وفوق الحمار وهو دابة أبيض، يضع خطوه عند منتهى طرفه] وتقدم معنا في سنن الترمذي وصحيح ابن حبان – عندما قدم البراق لنبينا عليه الصلاة والسلام (استصعب عليه (، وفي رواية ابن عباس في المغازي: (قدم البراق لنبينا عليه الصلاة والسلام وعدم انقياد وعدم ذلة وفي خلقه صعوبة وشراسة – فقال له جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مالك فما ركبك أكرم على الله منه. ( وفي رواية ابن إسحاق قال له جبريل: (أما تستحي، فارْفَضَّ عرقاً (وتقدم معنا أي تصبب عرقاً، وتقدم معنا إخوتي الكرام أن سبب شراسته ونفوره أمران ذكرناهما هناك.

إذن هذا البراق وهو آية حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام في إسرائه، أما عندما عرج به وهو في المعراج سنتكلم على هذا في الآيات التي رآها في السموات إن شاء الله تعالى. وهذه الآية العظيمة التي حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام – من باب خرق العادات – وكما تقدم معنا أن كل ما ورد به السمع يجب الإيمان به، ووجود دابة اسمها البراق ممكن وليس مستحيلاً، والإسراء بنبينا عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس ممكن وليس مستحيلاً، وورد السمع بكليهما، بالبراق الحديث السابق و (سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) ، وبما أن الأمرين كليهما ممكن وورد السمع به فيجب الإيمان به، لأن القسمة العقلية في الأشياء الموجودة بأسرها تنحصر في ثلاثة لا رابع لها: 1- وجود واجب. 2- وجود مستحيل ممتنع. 3- وجود ممكن جائز. أما الواجب فلا يتصور في العقل هدمه، كوجود ربنا سبحانه وتعالى وحياته، وهذا ما يسمى بواجب الوجود فلا يتصور زوال الحياة أو الفناء على رب الأرض والسماء، فهذا واجب الوجود، وهو أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ( أما المستحيل الممتنع فهو – كما ذكرنا سابقاً – الجمع بين النقيضين أو نفي النقيضين. أما الجائز الممكن فهو يتصور وجوده ويتصور عدمه ليس وجوده في الحياة فقط بل في جميع الاعتبارات غنىً وفقر، ذكورته وأنوثته وجماله، ودمامته، وطوله وقصره، وكونه إنساناً أو جماداً فهذا كله ممكن يقدره الله أن يقلب الجماد إلى إنسان كقوله تعالى (إذ انبعث أشقاها) الآيات.

وذلك أن قوم ثمود قالوا لنبيهم صالح عليه الصلاة والسلام: لن نؤمن لك إلا أن تخرج لنا ناقة عشراء (أي حامل ملقحة) من صخرة؟ فقال لهم: إن أخرجتها تؤمنون؟ فقالوا نؤمن، فدعا ربه فأخرج لهم ناقة عشراء من صخرة صماء، ثم لما خرجت ولدت وليداً ورأوها ورأوا ودلها وسمعوا صوته ثم بعد ذلك قال لهم: إن كان الأمر كذلك فهذه الناقة لها حق عليكم فهذا الماء الذي تردونه يوم لكم ويوم لها، فأما اليوم الذي لكم فتزودوا ما شئتم، وأما اليوم الذي لها فاحلبوا منها ما شئتم، أي بدل الماء لكم لبن، لكن لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم. ثم بعد ذلك عقروها فعاقبهم الله ودمر عليكم، فهذا ممكن ورد السمع به فيجب الإيمان به. فلابد من أن يحترم الإنسان عقله ويقف عند حده ولا يهوس ولا يوسوس ولا يرتاب ولا يشك فهذه هي قدرة الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. والآن في عصرنا توجد مدرسة تسمى المدرسة العقلية، وهي حقيقة مدرسة رديَّة وليست بمدرسة للعقل بل مدرسة زوال العقل، ومدرسة خبل لا مدرسة عقل، ولا عقلاء تقول هذه المدرسة: (كل خارق للعادة ننفيه أو نؤوله بما يتمشي مع العقل) ، هكذا تقول مع أنه قد علمنا أن الخارق للعادة هو في الأصل ليس خارقاً للعقل وليس بمستحيل ولا يوجد بين خارق العادة والعقل معارضة ولا تضارب حتى نجمع بينهما بل نقول العقل يسلم والله على كل شيء قدير. وقالوا: لابد من جعل الإسلام بصورة تقبلها الأذهان في هذه الأيام. قلنا لهم: وماذا تفعلون بالخوارق الموجودة في القرآن أو السنة الصحيحة؟ قالوا: هذه سهلة مثلاً: 1- (اقتربت الساعة وانشق القمر) : يقول رشيد رضا ومحمد عبده: (وانشق القمر) أي ظهر الحق ووضح، وأما انشقاق القمر فهذه خرافة تتنافي مع العقل والإسلام لم يأت بهذه الأشياء لئلا يحرج الناس وهل النبوة لا تثبت إلا بخوارق العادة؟

2- (واضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) يقولون: حصل في البحر انحسار ثم عاد إلى مكانه وغرق فرعون وقومه، لكن لم يحصل بخارق من خوارق العادة أي لم يحصل بسبب ضرب موسى البحر بعصاه، قلنا لهم إذن كيف يحصل؟ قالوا: البحر فيه مد وجزر فلما وصل موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ومن معه إلى شاطئه حصل فيه جزر أي انحسر ماؤه، فسار نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذه سنة طبيعية دائمة الحصول في البحر، فإذن جف عندما وصل موسى لكن عندما تبعهم فرعون مد البحر نفسه فحصل فيه امتداد وغرق فرعون. ولكن هل يقبل هذا التأويل عقل؟! سبحان الله أنتم أردتم أن تمشوا هذه المعجزة مع العقل فأتيتم بما هو أغرب على العقل؟ فكيف سيحصل الانحسار والجزر ثم تمشي فيه المخلوقات ولا تغوص أرجلهم في المكان الذي كان فيه ماء، وانظر للسيل مثلا ً عندما يجف من وادٍ فيبقى الوادي أكثر من شهر ولا تستطيع أن تمشي فيه من أثر الطين والوحل، فكيف هذا الجيش بكامله سيمرون عليه؟! كما قال تعالى (طريقاً يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى) . ثم لو سلمنا لكم أنه جف بطريق الانحسار والجزر، فكيف الحال مع جيش فرعون الذي كان وراء جيش موسى وما بينهما مسافة؟! كما قال قوم موسى (إنا لمدركون) فإذا انحسر البحر وتقدم فيه موسى 100 متر فإن فرعون وراءه وإلى أين سيفر موسى ما دام البحر أمامه لم ينحسر إلا جزء منه؟! بل لابد من جفاف البحر كله وهذا لم يحصل، وهذا على التسليم بقولكم. 3- (وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد) : يقولون: الطير هو جيش والهدهد هو اسم أمير الجيش. 4- (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة) : يقولون: وادي النمل هو اسم لوادٍ يسمى بهذا الاسم، قالت نملة: أي امرأة عرجاء واسمها نملة. وإنما قالوا كل هذا قالوا: لنخرج القرآن من هذه المعجزات التي لا تتمشى مع العقل فأتوا حقيقة بما لو ثبت لكان هو الذي لا يتمشى مع العقل.

إخوتي الكرام ... أول دعامة عندنا من دعامات الإيمان، الإيمان بالرحمن، فهل هذا غيب أم مشاهدة؟ بل هو غيب (الذين يؤمنون بالغيب) ، ولا يثبت للإنسان قدم في الإيمان إلا أن يؤمن بالغيب. فلم نأتي بعد بذلك ونشوش ونكثر اللغط حول هذه الأمور التي أخبرنا عنها العزيز الغفور الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون. وهذه المدرسة العقلية لها في عصرنا رواج وانتشار ويستقي من ضرعها المدعو محمد الغزالي جند جنوده وطياشته تحت ستار هذه المدرسة لمحاربة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بحجة أنه لا يتمشى مع العقل فكم من حديث في الصحيحين رواه ويقول لا يتنافى مع العقل. فمثلاً: حديث مجيء ملك الموت إلى موسى – وهو في الصحيحين – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [جاء ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه فضربه نبي الله موسى فقلع عينه فذهب إلى ربه وقال، رب أرسلتني إلى عبد من عبادك لا يريد الموت، قال: اذهب إليه فليضع يده على مسك ثور – أي جلد ثور- فإن له بل شعره تغطيها يده سنة] ومعلوم أن موسى كان مما آتاه الله بسطة في جسمه، ويقول عنه صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء [كأنه من رجال أزد شنوءة] أي طويل جهيد ضخم، فالله أعلم كم سيكون حجم يده؟! وتتمة الحديث [قال ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال من الآن، قال من الآن] . ويقول هذا المدعو عن الحديث خرافة من الخرافات، أشبه بالخرافات المنقولة عن بني إسرائيل يقول هذا مع أن الحديث في أصح كتاب بعد كتاب الله، وهو البخاري ومن بعده مسلم. ثم يقول: فكيف يضرب موسى ملك الموت؟ وكيف يقلع عينه؟ وكيف لا يرغب موسى في لقاء الله؟

سبحان الله! كل هذا لا وجود له في الحديث فمن أين أتيت به؟ كما أن موسى أعلى منزلة من ملك الموت عند الله، يضاف إلى هذا أن الأنبياء لا تقبض أرواحهم إلا بعد تخييرهم فجاء ملك الموت ليخير موسى وهذه للأنبياء خاصة ولذلك قال نبينا عليه الصلاة والسلام على المنبر: [إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين الآخرة فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر رضي الله عنه، قال الصحابة: علام يبكي هذا الرجل؟] وإنما بكى رضوان الله عليه لأنه علم أن هذا العبد المخير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذن الأنبياء لا يقبضون إلا بعد أن يخيروا، وإذا قبضوا يدفنوا في مكانهم، والأرض لا تأكل أجسادهم وأبدانهم إكراماً من الله لهم. فجاء ملك الموت إلى موسى فقال له: أمرني الله بقبض روحك إذا شئت – وقد كان في طبع نبي الله موسى حدة كما ذكرت لكم وسأوضحه في الآيات السماوية التي حصلت لخير البرية عليه صلوات الله وسلامه في رحلة المعراج فضربه وهو كما قلنا أرفع منه منزلة وهل ضربه (¬1) في عالم الحقيقة أم في عالم المثال؟ ¬

_ (¬1) هل صح أن عمر رضي الله عنه قلع عين ملك الموت في قبره؟ لم يحصل هذا لعمر رضي الله عنه وأرضاه لكن النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في الصحيحين – يقول لعمر [ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك] أما أن عمر قلع عين ملك الموت فهذا لم يحصل ولم يقع.

بل كان هذا في عالم المثال، فملك الموت لم يأت لموسى بصورته الحقيقية، وكذلك كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في غير صورته، فكان يأتي بصورة دحية الكلبي أو في صورة أعرابي سائل وغيرها من الصور ولا يأتيه بصورته الحقيقية إذ أن صورته الحقيقية أن له ستمائة جناح، وملك الموت لو جاء بصورته الحقيقية لهدمت العمارات من رؤية صورته، فإذا جاء ملك الموت بصورة صديق لموسى وهذا من باب الغيب الذي نؤمن به ولا نبحث في كيفيته، فموسى له دالة ومنزلة ورتبه على ملك الموت فضربه فقلع عينه المثالية وليس في هذا إشكال. وهذا كما لو ضربْتَ شخصاً تحبه ويحبك، وقلعت عينه لكن في المنام ثم أخبرته في الصباح برؤياك فتراه، يقول لك لو قلعت عيني الأخرى، وهل ضربك عندي إلا أحلى من العسل وهذا مشاهد فإذا لوح موسى لملك الموت وضربه في عالم المثال فليس فيه منقصة، فهذا الضرب كان انفعال مؤقت وغضب ولا لأجل نفور منه. فذهب ملك الموت إلى الله جل وعلا فرد عينه المثالية التي قلت في عالم المثال دون تغير لحقيقة الأمر، ولا تسأل عن كيفية هذا. ثم جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: إني مرسل من قبل الله بخبر ٍ آخر، فالله يقول لك إن شئت أن نقبض روحك الآن فقد انتهى أجلك، وإن شئت أن نمد في حياتك فلك ذلك لكن على أن تضع يدك على مسك ثور، فكم سنة ستعيشه يبارك الله لك فيها، فقال موسى: فبعدها؟ فقال له ملك الموت: لابد من الموت، فقال: فمن الآن، فقبض روحه وقال: اللهم قربني وأدنني من الأرض المباركة رمية حجر فيستحب إذن الدفن في الأرض الصالحة المباركة بجوار بيت المقدس وسيأتينا في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه عند الكثيب الأحمر قائماً يصلي في قبره، ثم قال: لو كُنْتُ ثَمَّ لأريتُكم قبره الذي يصلي فيه نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام. فهل في فهم هذا الحديث على هذا المعنى إشكال؟ فإن قيل: كيف فعل نبي الله موسي هذا في عالم المثال؟

نقول: لأنه أعلى من الملك منزلة وله عليه دالة، فله أن يعزره، كما أن للأستاذ أن يعزر أحد طلابه إذا ألح عليه في الأسئلة، فله أن يعزره ولو كانت أسئلته كلها جيدة ولا منقصة في هذا للمُعزِّر ولا للمُعزَّر. وهذا قد كان في القديم، ولكن للأسف الآن ما عاد الطالب ليتحمل تعزيراً من أستاذه بل تراه يصول ويجول إذا قال له الأستاذ أو الشيخ اسكت أو ضغط على أذنيه، ونحو هذا من المتغيرات والله المستعان. (قصة أحد الطلاب الذين أرادوا تهذيب نفوسهم وطلبوا العلم عند أحد المشايخ وألح عليه في طلبه، وبعدما قال له الشيخ كذبت – اختباراً له – اغتاظ الطالب وسب الشيخ ومن علمه وسب أهل الأرض جميعاً..إلخ القصة) . (قصة شيخنا الطحان مع شيخه الشنقيطي في شأن القنوت لما قال له كذبت، فماذا كان موقف شيخنا الطحان؟) فهنا عندما يضرب موسى ملك الموت فهل في هذا محظور أو إشكال، وهل هذه منقصة، ووالله لو ضربه في عالم الحقيقة لما كان عليه منقصة لأنه أرفع من ملك الموت. أوليس قد ضرب أخاه هارون وأخذ بلحيته ورأسه يجره إليه فهذا انفعال في وقت محدد زال أثره بعد ذلك. فانظر إلى أفكار هذه المدرسة العقلية الرديَّة وانتبهوا منها. قد يقول قائل: لما جيء بالبراق – الذي ركبه نبينا عليه الصلاة والسلام – مع أنه بإمكان ربنا أن يسري بنبينا عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس دون البراق؟ نقول: فعل هذا لاعتبارين: الاعتبار الأول: تأنيس بالعادة عند خرق العادة، فقد جرت العادة عندما يدعوك أمير أو صاحب منصب أن يقدم لك مركوباً ويحضر لك عطية ويرسل من يخدمك من أجل أن يصحبك إلى بيته، فهذا مما جرت به العادة. فآنس ربنا نبيه بالعادة عند خرق العادة لئلا يكون الخارق من جميع الجهات، بل من جهة يأنس فيقدم له مركوب يركبه، ومن جهة أخرى هذا المركوب خرق للعادة وهذا واضح.

الاعتبار الثاني: ليكون أبهى وأفخم لنبينا المكرم عليه صلوات الله وسلامه عندما يسري به إلى بيت المقدس في صورة راكب. والراكب أعز وأبهى وأعلى مما لو أخذ إلى بيت المقدس في غير هذه الصورة، فلو نقل دون ركوب دابة فيكون قد وصل إلى بيت المقدس في صورة نائم مغمىً عليه، ولو قيل له: ضع خطوك من مكة إلى جهة بيت المقدس ففي خطوتين تصل إلى هناك فهذا يكون قد وصل في صورة ماش ٍ. وأيها أعز الراكب أم النائم أو الماشي؟ بل الراكب، وانظر إلى ربنا ماذا يقول عن أهل الجنة (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً) والذي سيق دوابهم لا هم، فيسق المتقون وهم يركبون الدواب، فإذن يدخلون الجنة وهم يركبون الدواب والنجائب – جمع نجيبة وهي السباقة من الخيل الكريمة العتاق – ليكون أعز لهم وأبهى، ولا يساقون لأن سوق الإنسان منقصة له. وهذا المعني أي معنى الآية (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى..) يكاد يكون المفسرين مجمعين عليه وما خالف فيه إلا قليل، ولا يوجد أثر مرفوع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الدلالة، وهي أن المتقين تساق نجائبهم، لكن أخذ المفسرون هذا من قول الله تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً) قال ابن منظور في لسان العرب (4/480) الوفد هم الركبان المكرمون. وانظر إلى كلام الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره (15/285) يقول في حق الفريقين " وسيق بلفظ واحدة فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان كما يفعل بالأسارى والخارجين إلى السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل. وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين" وهذا هو الذي ذكره الإمام ابن كثير في تفسيره (4/65) ، وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفداً إلى الجنة.

وأما في حق الكفار فقال تعالى: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً) ، فهنا هم سيقوا ودفعوا كما يدفع المسجون المجرم في هذه الحياة إذلالاً لهم، كما قال تعالى: (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) ولذلك (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم) فيدفع أولهم على آخرهم، وآخرهم على أولهم كما يفعل بالمجرمين في هذه الحياة. ولذلك انظر إلى ما قاله الله عن أبواب الجنة وما قاله عن أبواب النيران: (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) فهذا لأبواب جهنم، أي تفتح بغتة وفجأة، فيساق ولا يدري إلى أن يذهب فلما يقترب منها تصيح وتفتح أبوابها فجأة وتلتهمهم. وقال عن أبواب الجنة (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) فتساق ركائبهم ونجائبهم التي يركبون عليها والجنة مفتحة أبوابها وهم ينظرون إليها فيطيرون شوقاً ويسرجون الدواب من أجل أن يصلوا إلى نعيم الكريم الوهاب، فإذن هنا الأبواب مفتوحة. ولذلك كان الجلوس عند الباب مذلة، والأمير عندنا في الدولة الإسلامية لا يغلق باباً ولا يتخذ حجاباً، لأنه لو فعل هذا لأذل الرعية، ولما وصل إليه وإلى مجلسه إلا أناس مخصصون. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ عن بصر نبينا عليه الصلاة والسلام بحيث رأى بيت المقدس وهو في مكة، وأي غرابة في هذا؟ وهذا ما تفيده رواية الصحيحين [فجلى الله لي] أي أظهر وكشف وبين. والأمور الثلاثة محتملة والعلم عند الله، فأي ذلك حصل حقيقة؟ لا يعلم ذلك إلا الله، وحقيقة هذه الآية أكبر شاهد على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام في دعواه أنه أسري به، وأنه رسول الله حقاً وصدقاً. الآية الثالثة:

وحصلت له في داخل المسجد الأقصى، جمع الله له الأنبياء من سمي منهم في القرآن ومن لم يسم من عهد آدم إلى عهده عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا عدتهم (124.000) جمعوا في تلك الليلة، ولما أقيمت الصلاة ليصلوا ركعتين تعظيماً لله تقدم جبريل بأخذ بيدي محمد عليه الصلاة والسلام وقدمه إماماً بهم – وهو أفضلهم وأكرمهم كما تقدم معنا وهو أفضل الخلق على الإطلاق – فصلَّى بهم ركعتين ثم بعد الصلاة جلس الأنبياء يتحدثون بفضل الله عليهم فكل واحد ألقى خطبة – إذن (124.000) خطبة ألقيت في تلك اللحظة – أثنى فيها على ربه وذكر ما مَنَّ الله به عليه ثم ختم الخطب نبينا عليه الصلاة والسلام فقال في خطبته: إن الله بعثني رحمة للعالمين، وأرسلني للناس كافة بشيراً ونذيراً وأنزل علي القرآن فيه تبيان كل شيء وجعل أمتي خير الأمم وجعل أمتي وسطاً وأمتي هم الأولون والآخرون يوم القيامة – أي آخرون في الزمن، والأولون أي يوم القيامة – وشرح الله صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعلني فاتحاً وخاتماً، ففتح الله به آذاناً عمياً وقلوباً غلفاً وآذاناً صماً وهو خاتم النبيين فقال خليل الرحمن إبراهيم بهذا فضلكم محمد، وإبراهيم هو الذي يليه في الفضل وهو صاحب المرتبة الثانية بعد نبينا عليه الصلاة والسلام فاعترف أن هذا النبي هو أفضل أنبياء الله ورسله.

والحديث في ذلك وارد في المعجم الكبير للطبراني، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى بسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [ثم دخلنا المسجد فنشر الله لي الأنبياء من سمي ومن لم يسم – أي في القرآن – فصليت بهم ... ] وانظروا الحديث إخوتي الكرام في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/68) للإمام الحافظ ابن حجر الهيثمي، وهو غير ابن حجر الهيتمي، وغير ابن حجر العسقلاني العالم الحافظ المشهور فلا تخلطوا بين الثلاثة فالهيثمي توفي سنة 807هـ، والهيتمي من علماء القرن العاشر الهجري، والعسقلاني توفي سنة 852 هـ وهو تلميذ الهيثمي. إخوتي الكرام ... من هذا الكتاب (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) لو وزن بالذهب وقيل لطالب العلم اختر الذهب أو هو، لقال الطالب الحقيقي لو أعطيتموني عشرة أمثاله من ذهب، لما أخذتها وأخذت الكتاب. وهذا الكتاب في زوائد ستة كتب على ستة كتب، فإذا جمعت الستة مع هذا تكاد أن تكون جمعت السنة بأسرها وقل أن يخرج حديث عن هذه الكتب التي هي ستة مع هذا الكتاب. فهذا زوائد ستة كتب وهي مسند الإمام أحمد، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى والمعجم الكبير للطبراني، والمعجم الأوسط له والمعجم الصغير له أيضاً. على ستة كتب وهي البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي والترمذي، وابن ماجه (وفي الحقيقة قد جرى خلاف بين العلماء في عد الكتاب السادس من اصطلاح الكتب الستة) المشهور هل هو ابن ماجه وهو المشهور أو موطأ مالك كما هو في جامع الأصول لابن الأثير أو مسند الدارمي، والذي مشى عليه الهيثمي في مجمع الزوائد هو عد ابن ماجه) . الآية الرابعة من الآيات الأرضية: وحصلت له في بيت المقدس أيضاً، وتكررت في السماء فلن نعيد الكلام عليها عندما نصل إلى الآيات السماوية التي رآها خير البرية صلوات الله عليه وسلامه عندما عرج به. هذه الآية هي أنه قدم له أربعة أقداح:

وهذا خلاصة الروايات وبعد أن أذكرها لكم وحاصل ما فيها أرشدكم إلى مصادرها لترجعوا إليها لأن في بعض الروايات أنه قدم له قدحان، وبعضها ثلاثة أقداح وبعضها أنه حصل هذا في بيت المقدس وبعضها أنه حصل في السماء عند سدرة المنتهى. والمعتمد أنه تكرر عرض الآنية على نبينا عليه الصلاة والسلام مرة في بيت المقدس ومرة في السماء وكل مرة لها حكمة كما تقدم معنا في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات وكل مرة لها حكمة وهذا الأمر كذلك، ومجموع الآنية أربع لكن بعض الرواة قصر في الحفظ فذكر بعض هذه الآنية. الحاصل أن مجموع ما عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أربع آنية في حادثة الإسراء بعد أن ألقى كل نبي خطبته في بيت المقدس: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: [ثم جاءني جبريل بأربعة آنية، إناء فيه ماء، وإناء فيه عسل، وإناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، فقال: ألا تشرب يا محمد؟ عليه صلوات الله وسلامه] وكان سبب هذا الشرب وسبب عرض الآنية عليه هو لما حصل له من العطش في هذه الرحلة المباركة من مكة إلى بيت المقدس فإذن كان عرض الآنية عليه في الدنيا من أجل دفع الظمأ والعطش -[قال: فأخذت إناء الماء فشربت منه قليلا ً، فقال لي جبريل: لو ارتويت منه لغرقت وغرقت أمتك] والسبب في هذا أن الماء ليس كاللبن الذي هو شراب وغذاء، إذ أن اللبن غذاء الفطرة وأما الماء فهو دافع العطش والظمأ فقط فيأخذ الإنسان بمقدار دفع الحاجة فلو أخذ منه أكثر من المطلوب لآذى نفسه، ولو سلك الإمام طريق الأذى فالرعية سيسيرون وراءه، فأنت لو أخذت من الماء أكثر من حاجتك لنتج عن هذا أنك تغرق في شعب الدنيا وأوديتها وحطامها ولذائذها وتنهمك فيها وتعرض عن الآخرة وحاشاك من ذلك، إنما هذا على سبيل الافتراض البعيد ولغرقت أمتك أي لتبعت الدنيا وأعرضت عن الآخرة.

إذن الانهماك في الماء والأخذ منه فوق الحاجة يدل على ركون إلى الدنيا، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام أزهد خلق الله في حطام الدنيا وهو الذي يقول: [مالي وللدنيا إنما أنا كراكب قال تحت شجرة ثم راح وتركها] ، وقال في الحديث (قال) ولم يقل (نام) لأن القيلولة وقتها قصير من بعد الظهر إلى العصر بخلاف النوم، فإنه يكون طويلا ً لوقوعه في الليل، وهذا هو حال نبينا عليه الصلاة والسلام كان قليل النوم وكان يقوم الليل حتى تورمت قدماه، فإذا فرغت فانصب أي إذا فرغت من طاعة فانصب إلى طاعة أخرى وعملك جد متواصل وليس عندك كسل ولا فتور كما هو الحال في جامعاتنا الهابطة (4) شهور إجازة وعطلة، أي الطالب يصبح عاطلا ً، وطالب العلم الحقيقي لا يتوقف عن العلم إلا في مناسبات شرعها الإسلام كالعيدين، وما عداهما فلا ينبغي أن يتوقف عن العلم أو يعطى عطلة والله المستعان، فلا يوجد في قاموس المسلمين شيء اسمه عطلة لأن الله سبحانه يقول لنبيه ونحن له في هذا تبع (فإذا فرغت فانصب) ، فإذا فرغت من طاعة وعمل فانصب إلى عمل آخر ولا تظن أن العمل انتهى لأن الدنيا مزرعة الآخرة ولابد من غرس عمل متواصل، أما الحصاد ففي يوم الدين (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) والمزارع لا يعرف العطلة في موسم الزراعة، فذاك هو حال نبينا عليه الصلاة والسلام مع الدنيا. [وأما إناء العسل فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وشرب منه قليلا ً] وذلك لأن العسل شفاء كما قال تعالى: (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) فإذن هو بمثابة الدواء والإنسان يأخذ منه بمقدار الحاجة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه غذاءً لشفاء البدن وصحته.

والعسل من آيات الله البارزة التي يخرج من هذا الحيوان وهي النحلة، قيل لبعض الصالحين: بأي شيء عرفت ربك؟ قال: بالنحلة قالوا: وكيف؟ قال: بأحد طرفيها تعسل وبالطرف الآخر تلسع، ومقلوب العسل لسع، أي عكس كلمة (عسل) خطاً (لسع) . وهذا من عظيم قدرة الله كيف يخلق المتضادات وليس المتناقضات في بدن واحد، ففيها سمية وفيها مادة حلوة عسلية، والعسل هذا من الأغذية المباركة وقد ثبت في سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم (4/200، 403) بسند صحيح كالشمس عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً، وروي موقوفاً عليه بإسنادين والموقوف له حكم الرفع وفيه [عليكم بالشفاءين العسل والقرآن] أما القرآن فقوله تعالى دال على ذلك (قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) وهو – أي القرآن – لعقولنا كالشمس لأعيننا، وعين بلا أنوار لا ترى وعقل بلا وحي لا يهتدي، وهو لأرواحنا كالماء للسمك، فسمك بلا ماء لا يعيش وأرواح بلا قرآن ميتة (أومن كان ميتاً فأحييناه) (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) .

وأما العسل فهو الشفاء الثاني، وقد توصل من نحاسة بعض الأطباء ونكدهم وغلظ قلوبهم وفساد عقولهم في هذه الأيام أنهم يصفون الخمر علاجاً لبعض الأمراض؟ فهل يعقل أن تصبح أم الخبائث شفاءً والشفاء صار داءً؟ لكننا في عصر اختلت فيه الموازين من جميع جهاتها فصار الباطل حقاً والحق باطلا ً، وصار الكذاب صادقاً والصادق كذاباً، ونطق الرويبضة في أمر العامة وهو الحقير ابن الحقير؟، فإذن صار الشفاء وهو العسل في عصرنا داءً، وهذا العسل مثل التمر الذي هو أطيب طعام وأنفعه للبدن، ويقول الأطباء – وسيأتينا الإشارة له عند اللبن – لا يوجد غذاء فيه جميع ما يحتاجه الجسم إذا أخذه الإنسان لا يحتاج غيره إلا اللبن والتمر فقط، ولو عشت طول حياتك لم تأكل إلا لبناً وتمراً لعشت في أتم صحة وعافية، وقد كانت أهلة تمرُّ على بيوت النبي صلى الله عليه وسلم التسع ولا يوقد في بيته نار، فقال عروة: يا خالتي – عائشة – ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء. ولم تقل الأبيضان من باب التغليب وتعلق الصحة بالتمر، وجعلته أسود لأن غالب تمر المدينة أسود. [استطرد الشيخ في ذكر خبث الغرب في تحضيرهم للأغذية وأنهم لا يتورعون عن تنجيسها بغائطهم وبولهم ثم ذكر شيخ الإسلام مصطفى صبري آخر شيخ للإسلام لآخر دولة إسلامية وهو صاحب كتاب (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين) في أربع مجلدات، وصاحب كتاب (قولي في المرأة) رد فيه على قاسم أمين، الشاهد يقول شيخ الإسلام مصطفى صبري في كتابه (موقف العقل والعلم والعالم) لو أن الكفار صدروا إلينا عذرتهم رطبة لأكلناها، وهو كذلك، وما مرت فترة على الدولة الإسلامية ضربت فيها بالذل نحو أعداء الله إلا في هذا الأيام وهذا العصر) فالعسل هو الشفاء والخمر هو الداء، وإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لأن نشرب زجاجة العسل كلها بل نشرب بمقدار الحاجة. ولذلك فقد شرب النبي صلى الله عليه وسلم ما يحتاجه فقط.

[وأما اللبن فشرب منه نبينا صلى الله عليه وسلم وتضلع] أي حتى صار اللبن – والمقصود باللبن الحليب – في جميع ضلوعه وملأها بحيث ما بقي فيه مسلك، فتضلع كما يسن لنا أن نتضلع من ماء زمزم، أي لا يبقي في أضلاعك وبينها فجوة إلا ودخلها ماء زمزم، وآية ما بين المؤمنين والمنافقين التضلع من ماء زمزم وماء زمزم لما شرب له كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث بسند حسن وتقدم. فإذن كما تتضلع من ماء زمزم لأجل البركة، فاللبن تضلع منه نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه غذاء الفطرة، وهو شراب وطعام، وعليه يعيش المولود من بني الإِنسان في صغره فيبقى سنتين يرضع من ثدي أمه هذا ولا يأكل ولا يشرب غيره. إذن فإذا كنا على فطرتنا السوية فإننا نتزود من اللبن ولذلك أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى أدب ينبغي أن نحافظ عليه إذا شربنا اللبن لنخبر عن استقامة فطرتنا، وإذا أكلنا أو شربنا غيره نقول دعاءً آخر ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من أطعمه الله طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيراً منه، ومن أسقاه الله لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه] فلم يقل هنا وارزقنا خيراً منه بل قال وزدنا منه، بينما ذكر في الأول وارزقنا خيراً منه لأن كل طعام هناك ما هو خير منه وأنفع وأطيب ثم قال: [فإني لا أعلم ما يجزيء عن الطعام والشراب إلا اللبن] فلا تقل إذا شربت لبناً وارزقنا خيراً منه. ولأجل ذلك تضلع النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن، وما بقي بين ضلوعه مسلك لدخول قطرة من شراب، [فقال له جبريل: هديت الفطرة] . [وأما الخمر فما مد نبينا صلى الله عليه وسلم يده إليه أبداً ولم يشرب منه] .

وقد يقول قائل: ولم لم يشرب منها وهذه من خمر الجنة التي لا تسكر وليست من خمر الدنيا المسكرة بل هي من نهر الخمر الذي يجري في الجنة مع الأنهار الأخرى التي تخرج من أصل سدرة المنتهى؟ نقول: حتى لا يقوم مقام تهمة، وحتى لا يقف موقف تهمة، لأن لفظها واسمها خمر والخمر محرمة في الدنيا على هذه الأمة وحتى لا يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر رغم أنها طاهرة وتلك مسكرة إلا أن الناس والعامة لا تعرف هذا ولا تدركه ولو عرفته لبقي في نفسها شيء نحو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فلأجل أن يحصل التذرع بفعل النبي صلى الله عليه وسلم – الذي هو حقيقة لا إشكال فيه لو فعله – إذا شرب الخمر، فما شربها صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك [فقال له جبريل: لو شربت الخمر لغويت وغَوِيَتْ أمتك] ، وفي رواية [قال له: لما اتبعك أحد] لأنهم سيتوسعون ويخرجون عن دين الحي القيوم فيقولون نبينا شرب الخمر فنحن أيضاً نشربها مع اختلاف الخمرين لكن العامة لا تدرك هذا ولا تعيه. إخوتي الكرام ... العلماء ينظر إليهم العامة دائماً ويقتدون بهم، فالعالم إذا توسع في المباح توسع العامة في المكروهات، وإذا توسع في المكروهات توسعوا في المحرمات فإذا وقع العالم في الحرام كفرت العامة فتنبهوا لهذا رحمكم الله. لذلك لا يجوز للمؤمن أن يقوم مقام تهمة أو أن يقف موقف ريبة، فمثلا ً إذا ذهب طالب العلم إلى مكان ريبة، ومكان فساد كشواطئ البحار ولكن ابتعد عن مكان الفساد وصد وجهه عن المفسدين فهذا في الحقيقة ليس عليه وزر أو إثم لكن لو رآه الناس موجوداً في هذا المكان لبدؤوا باتهامه، ولو كان يجلس بعيداً لأن الناس لا تعذر، فكان الواجب على هذا الطالب أن لا يذهب إلى هذا المكان المحدد أو في هذا الوقت بل يحاول أن يتجنب مثل هذه الأوقات والأماكن حتى لا يتكلم عليه الناس ولا يتذرع العامة بفعله.

فمن أقام نفسه مقام ريبة وتهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقمن مقام تهمة وريبة – هذا ليس بحديث ولكن معناه صحيح – وقد وردت أحاديث بهذا المعنى منها في الصحيحين [فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه] ودلَّ عليه حديث في المستدرك وسنن الترمذي وغيره بسند صحيح عن عطية السعدي: [لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس] . فيحتاط نبينا عليه الصلاة والسلام – وهو إمامنا في الاحتياط والورع – لم يمد يده إلى الخمر مع أنها طاهرة وحلال ومنعشة ونافعة سنشربها في الآخرة حتى لا يتذرع العامة بفعله إذا شربها. وهذه الآنية عرضت على نبينا عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس – كما ذكرنا – لدفع العطش وعرضت عليه فوق السموات العلا عند سدرة المنتهى من باب الضيافة والكرم، فلما رأى هذه الأنهار الأربعة تنبع من أصل سدرة المنتهى قدم له من كل نهر إناء فيه من ذلك النهر. وحاله في السموات كحاله في الأرض فشرب من الماء قليلا ً، والعسل قليلا ً، واللبن تضلع منه وأما الخمر فما مد نبينا عليه الصلاة والسلام يده إليه أبداً. ومن رأى نفسه في المنام وهو يشرب لبناً فليحمد الله، لأن هذه الرؤيا تدل على أمرين: (1) أنه على الفطرة والدين المستقيم. (2) أن الله سيمنحه العلم النافع العظيم. وفي صحيح البخاري في كتاب التعبير بوب البخاري باباً بهذا الخصوص، فقال: باب اللبن في النوم، ثم ساق الحديث إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [بينما أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من تحت أظافري، ثم أعطيت فضلي عمر، قال فما أولت ذلك يا رسول الله، وقال: العلم] وعمر هو سيد المُحَدَّثين والْمُلْهَمِيْنَ في هذه الأمة فلا غرابة.

وثبت في مسند البزار بسند فيه ضعف ويشهد له ما تقدم والحديث في مجمع الزوائد (7/183) في كتاب تعبير الرؤى، باب اللبن في المنام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [اللبن في المنام فطرة] . وفي حديث البخاري السابق منقبة لعمر وقد حصلت منقبة أخرى له في صحيح البخاري أيضاً في كتاب العلم يقول نبينا عليه الصلاة والسلام [رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قُمُص – جمع قميص وهو ما يلبسه الإنسان – منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض عليَّ عمر بن الخطاب في ثوب يجره، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين] . الآية الخامسة: وهي من الآيات الأرضية، وهي ما رآه صلى الله عليه وسلم في طريقه من مكة إلى بيت المقدس. فقد رأى آيات عظيمة وهي كثيرة كثيرة كثيرة ولا أريد التوسع فيها، لكن ارجعوا إلى مجمع الزوائد (1/65) فما بعدها وانقلوا هذه الآيات واكتبوها مع هذا المبحث وانظروا في فتح الباري (7/199) فما بعدها وانظروا في جامع الأصول (11/310) . وسأقتصر هنا في شرحي على آيتين والباقي تأخذونه من هذه الكتب فإنه كثير كثير: الآية الأولى: ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مررت ليلة أسري بي على موسى في قبره عند الكثيب الأحمر- وهو التلة من الرمل – وهو قائم يصلي] . وقد كنت أشرت سابقاً إلى أن أجساد الأنبياء في قبورهم لا تتغير، وهم أحياء فيها حياة يعلمها الله، ولا نعلم كيفيتها، ويكرمهم الله بكرامات عظيمة كما كان يكرمهم في حياتهم، من هذه الكرامات أن نبي الله موسى كان يصلي في قبره، ورآه نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي في قبره، فإن قيل: كيف هذا؟ نقول: قلنا إن حادثة الإسراء والمعراج معجزة ونبي الله موسى في عالم البرزخ، فالاطلاع عليه هذا من باب خرق العادات والممكنات التي أكرم الله بها خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلام لأصحابه لما ذكر لهم ذلك [لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره] ، أي لو كنت أنا وأنتم في ذلك المكان لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر عند البلاد المباركة. فهذه آية نؤمن بها وهي من الإيمان بالغيب الذي نؤمن به ونكل علم معرفته إلى خالقه. الآية الثانية: وإنما اخترتها وأردت ذكرها لما فيها من غبرة وعظة، وهي إذا كانت المرأة تصل عزيمتها إلى هذا الحد، فالرجل ينبغي أن يستحي من الله وأن تكون عزيمته – على الأقل كعزيمتها – لا أقل منها. فهذه الكرامة التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام لامرأة صالحة ضعيفة مستضعفة وهذا كله من باب الاطلاع على ما في عالم البرزخ من عذاب أو نعيم، وعالم البرزخ لا يمكن أن نعلمه إلا عن طريق وحي صادق، فإذا نطق من لا ينطق عن الهوى آمنا به وصدقناه. ثبت في مسند الإمام أحمد والبزار والمعجم الكبير للطبراني والمعجم الأوسط له أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [مررت ليلة أسري بي بوادٍ فإذا فيه ريح طيبة، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها] . س: ما السبب في حصول هذه الكرامة لها؟ جـ: [كانت تسرح شعر ابنة فرعون وتمشطه فسقط المشط من يدها، فقالت باسم الله، فقالت هذه العاتية ابنة فرعون: أبي] أي باسم أبي الذي هو إله فالله يعني أبي، لأنه قال: أنا ربكم الأعلى، وكان رباً – كما يدعي – لأن الأنهار تجري من تحته، فتقول له يا منحوس، من الذي أجرى الأنهار من تحتك؟ فإنك تفتخر بملك غيرك، وتفتخر بنهر أجراه غيرك هل أنت الذي أجريتها وهل أنت الذي شققتها؟ إن هذه الأنهار التي تجري من تحتك عما قريب ستجري من فوقك وكل من ادعى دعوى قتله الله بدعواه.

يقول أئمتنا احذروا الدعوى، هي بلوى وإن صحت، فلا تقل أنا أحفظ وأنا أعلم كذا، فإنك حتى ما قلت (أنا) استوجبت الخزي بل الواجب أن تقول هذا بفضل الله وبرحمته ولذلك قال الله في الحديث القدسي: [فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] ، (وما بكم من نعمة فمن الله) فهو الذي وفق. ولذلك العاتي النمروذ عندما تكبر وتجبر وقال أنا أحيي وأميت، أماته الله بأضعف جنده ببعوضة فقط، فدخلت إلى دماغه من أنفه، وبدأت تدور في رأسه فكان يجمع حاشيته وأصحابه ويعطيهم الأحذية الكبيرة الثقيلة ويقول لهم أخفقوني على رأسي لأجل أن تموت هذه البعوضة، فكان وزراؤه يضربونه – وقد كانت البعوضة تخمد عندما يأتيها الضرب فتقف ولا تتحرك، فإذا توقفوا عن الضرب بدأت بالحركة والطيران داخل دماغه حتى قتل ضرباً بالأحذية، فأنت يا من تقول بأنك تحيي وتميت لم تستطع أن تميت بعوضة، فإذن كل من ادعى بدعوى قتله الله بدعواه. قال هارون الرشيد لمحمد بن السماك – وكان من العلماء الواعظين الصالحين – إذا كان الله حكيماً وخلق كل شيء لحكمة فعلام خلق الذباب؟ فقال: ليذل به الملوك يا أمير المؤمنين، أي أنت يا أمير المؤمنين لا يدخل عليك أحد إلا باستئذان إلا الذباب فإنما يدخل من غير استئذان.

[فالماشطة سقط المدرا (المشط) من يدها فقالت باسم الله، قالت ابنة فرعون: أبي قالت: لا. ربي وربك ورب أبيك، فقالت: أأخبر أبي بذلك؟ قالت: أخبريه، فأخبرته، فدعاها فرعون فقال لها: ألك رب غيري؟، قالت: نعم، ربي وربك الله، فأمرها أن تحضر هي وأولادها وقال: إما أن ترجعي عن دينك وتدخلي في ديني وتؤمني بأنني أنا الله الرب وإما أن أقتلك، فقالت، اقتلني بما شئت ولكن لي طلب عندك، قال: لك ما تريدين، قالت: إذا قتلتني فاجمع بين عظامي وعظام أولادي وادفنا في قبر واحد، فقال: لك ذلك] فوافق على ذلك لما لها عندهم من المنزلة والمكانة إذ أنت من خدم البيت ومن الحاشية لكن لأنك خرجت عن الدين فلابد لك من القتل. [فأتي بنقرة من نحاس] وهي الحلة الكبيرة والقدر الواسع بحجم الغرفة بل البيت وهذه هي التي عذب بها النصارى في بلاد الأندلس المسلمين لما سقطت الأندلس، فقد كانوا يأتون بهذه القدور – النقرة – ويضعون تحتها ناراً حتى يحمى الماء فيها ويغلي غلياناً عظيماً، ثم يؤتى بالمؤمن، ويقال له إما أن ترجع عن دينك وإما أن نلقيك فيها وهم أفواج فلا يرجع عن دينه ثم يأتي بالثاني ويخير وهكذا وما يصدهم ذلك عن دين الله رغم ما يرونه من العذاب الشديد لدرجة أن هذا الماء من حرارته يذوب فيه اللحم والعظم فلا يبقي للمؤمن أثر فيه ولكنهم يثبتون على إيمانهم. (قصة أحد المشايخ الذين حاولوا دخول مسجد قرطبة الذي صار كنيسة وكيف منعهم القسيس من دخوله – إلخ القصة) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ [فأحماها وبدأ يضع أولادها واحداً بعد واحد فيها وهي تصبر وتحتسب حتى ألقاهم جميعاً وبقي بين يديها ولد صغير لازال رضيعاً في المهد فأشفقت عليه وخافت، فلما أخذوه منها ليلقى في هذه النقرة ارتاعت وتغيرت، فظن فرعون أنها سترجع عن دينها شفقة على ابنها الصغير، فقال هذا الغلام الصغير: يا أماه إنك على الحق فاصبري وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة] .

قال نبينا عليه الصلاة والسلام: [لم يتكلم في المهد إلا أربعة ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وعيسى عليه السلام، وصاحب جُريج] . وصاحب جُريج هذا حديثه في الصحيحين وهو عابد وراهب [عندما كان يصلي دعته أمه فقال اللهم أمي وصلاتي] ولو كان فقيهاً لأجاب أمه لأنه إذا دعتك أمك وأنت في نافلة فاقطع النافلة وأجب أمك لأن إجابتها فريضة والنافلة سنة لك أن تقطعها. [ثم قالت: يا جُريج، فقال: اللهم أمي وصلاتي، ثم قالت: يا جُريج (للمرة الثالثة) فقال: اللهم أمي وصلاتي فقالت أمه: والحمد لله أنها لم تدع عليه بغير هذا – اللهم لا يموت جُريج حتى يرى وجوه المياميس – أي الزانيات – وكان هناك راعٍ يرعى الغنم وهناك امرأة بغي اتصل بها هذا الراعي عن طريق الحرام وأحبلها قيل لها من أين هذا؟ قالت: من جُريج العابد الذي يعبد ربه في هذه الصومعة، فغضب بنو إسرائيل وحملوا المعاول والعصي وجاءوا إلى صومعته فهدموها، فقال لهم ماذا تفعلون؟ قالوا: تدعي أنك عابد راهب معتدل ثم بعد ذلك تعتدي على هذه المرأة، فقال: أين الغلام؟ فقيل له هذا، فأتى إليه جُريج ونقر على بطنه وقال: من أبوك يا بابوس؟ قال: فلان الراعي، فأكب الناس على قدمي جُريج يقبلونها ويقولون له نبني لك صومعة لبنة من ذهب ولبنة من فضة فقال: بل أعيدوها كما كانت] . لكنه رأى وجوه المياميس رأى هذه المرأة التي وجهها منكر فيه هذا البلاء والغضب لأنه ما أجاب أمه، حذار حذار أن يدعو عليك أحد والديك إذن فهؤلاء تكلموا في المهد. [فلما قال لها الغلام هذا طرحت الولد في النقرة ثم أخذوها وألقوها مع أولادها فاحترقوا جميعاً فجمع فرعون – عليه لعنة الله – عظامهم (¬1) ¬

_ (¬1) كيف شم النبي صلى الله عليه وسلم رائحة قبرها مع أن طريق الرحلتين لا يمر على مصر فكيف كان هذا وبماذا يفسر؟ = = لا يلزم من شم نبينا عليه الصلاة والسلام لتلك الرائحة الزكية الطيبة في رحلته أن يكون قبر الماشطة وأولادها في طريق النبي عليه الصلاة والسلام فقبرها وقبر أولادها في بلاد مصر0 إخوتي الكرام ... كما قلنا هذه من أحوال البرزخ التي أطلعها الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: ولتوضيح الأمر: ألم ير النبي صلى الله عليه وسلم في طريق رحلته أناساً تقرض ألسنتهم وشفاههم مقاريض من نار، ثم قال من هؤلاء يا جبريل؟ فقال له: هؤلاء خطباء الفتنة. وهؤلاء لم يوجدوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سيوجدون بعده وسيخطبون لكنهم عرضوا عليه في هذا الوقت وكذلك رأى عذاب من يتثاقل عن الصلاة والصلاة إلى ذلك الوقت لم تفرض ورأى عذاب من لا يؤدي الزكاة والزكاة لم تفرض إلى ذلك الوقت، فإن قيل: كيف هذا؟ نقول: هذا من باب إطلاع الله لنبيه عليه الصلاة والسلام على مغيب وقع أو سيقع، وكذا قبر ماشطة فرعون لم يكن في طريقه لكن أطلعه الله عليه وأشمه رائحته. إذن فلا يشترط فيمن رآهم يعذبون أن يكونوا في طريق رحلته بل هذا كله من خوارق العادات ومن إطلاع الله لنبيه عليه الصلاة والسلام لبعض المغيبات ولا إشكال في هذا. ولذلك فبالنسبة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام عندما جمعهم الله في بيت المقدس وجمع له بعضهم في السموات العلا هل كان الاجتماع بأرواحهم أم بأرواحهم وأجسادهم؟ ذكر الحافظ ابن حجر الأمرين قيل: بعثوا من قبورهم من جميع أقطار الدنيا وقيل أرواحهم تشكلت في بيت المقدس0 قلت: السكوت في هذه المواطن من ذهب لأنها من أمور الغيب. وأمور الغيب إذا لم نطلع عليها فنؤمن بها دون البحث في كيفيتها، إذا جمع الله أجسادهم فهو على كل شيء قدير وإذا شكل الله أرواحهم فهو على كل شيء قدير ولا يجوز مطلقاً أن نفهم ما يجري في البرزخ على حسب ما يجري في الدنيا فهذا الدار لها أحكام وقوانين خاصة. فنحن في الدنيا الأحكام من عذاب ونعيم تقع على البدن فقط والروح تتأثر بذلك تبعاً للبدن لا أصلا ً وفي البرزخ على العكس تماماً فالنعيم والعذاب يقع أصالة على الروح، والبدن يشعر بذلك تبعاً.؟؟؟؟؟؟؟؟ وفي الآخرة فهذه أكمل الدور – فالأحكام من عذاب ونعيم يقع أصالة على الروح والبدن كل واحد يشعر بعذاب ونعيم دون تبعية لغيره، (مثل ضربه الشيخ باستعمال ميزان البصل في وزن الذهب) فلكل شيء موازين خاصة فإياك أن تقيس البرزخ على الدنيا، وإياك أن تقيس الآخرة على البرزخ.

ودفنهم في قبر واحد] ولذلك فهؤلاء لهم ذلك النعيم العظيم لهم في البرزخ فبمجرد أن دفنوا حصلت لهم تلك الرائحة الشذية العطرية الطيبة من قبرهم في ذلك. فإذن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به شم هذه الرائحة الطيبة من ماشطة ابنة فرعون ومن أولادها الذين قتلوا معها. إخوتي الكرام ... هذا حال الحق عندما يدخل القلوب سواء كانت عند ذكور أو عند إناث، فانظروا إلى ثبات هذه المرأة على الحق وعدم مبالاتها بأطغى أهل الأرض في ذلك الوقت هو فرعون وماذا يملك فرعون وغيره من الجبابرة؟ هل يملك أكثر من قطع الرقبة؟ لا، ولكن الحال كما قال السحرة لفرعون (فاقض ما أنت قاض ٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) . أما غير هذا فليس في وسع أحد أن يفعله. ثم إن الموت سيصير إليه القاتل والمقتول، فهل سلم فرعون من الموت، وهل الأنبياء سلموا من الموت؟ لا، فهل في موتي منقصة لي؟ وليس القوي الذي يخاف من موت بدنه، إنما القوي الذي يخاف من موت القلب، فالقلب إذا مات هنا الطامة، وهذا الذي يوجب غضب الله والخسران للأبد أما موت البدن فما الذي يُخوِّف منه؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [تحفة المؤمن الموت] ، فالمسلم إذا مات انتقل من عناء إلى لقاء رب الأرض والسماء، انتقلت من شدة وبلاء إلى نعيم ورخاء. فإذا مت فماذا في هذا؟!! ووالله إن نعمة الله علينا بالموت أعظم من نعمته علينا بالحياة، فإذا مت انتقلت من دار إلى دار، ولذلك للإنسان ثلاث دور: الدار الأولى: الدنيا وفي الدنيا دور متعددة أولها بطن الأم فهذا وإن سكنته وخرجت منه، ثم هذه المساكن التي تسكنها الله أعلم بعددها تسكن في الشام في مصر في لبنان في مصر في استراليا العلم عند الله. الدار الثانية دار البرزخ، وهي أوسع من دار الدنيا وأحسن منها بكثير ثم أكمل الدور وأتمها وهي الدار الثالثة دار الآخرة.

فإذن الانتقال إلى البرزخ بالموت كالانتقال من رأس الخيمة إلى مصر ولا فرق هنا عباد وهناك عباد قال تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) فهل يشترط أن نقيم في رأس الخيمة؟ كلا، إذن فكذلك لا يشترط أن نقيم في الحياة فأنت في كنف الله ورعايته إن كان في الدنيا تقوم بالواجب عليك، وإن كان في البرزخ فلا واجب عليك بل يكرمك الله جل وعلا بكرامات لا تخطر على بال وإن كان في الآخرة فرحمتُهُ أوسع وأوسع. فالمؤمن إذن لا يخاف الموت بل إنه يفرح بالموت وكان عدد من الصالحين إذا جاءهم الموت يقولون: حبيب، جاء على فاقة، لأننا في الدنيا نتألم كما يتألم الكفار لكن في النتيجة نختلف، فنحن يأتينا الموت راحة وهم ينتقلون من عذاب إلى عذاب أشد (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون) وهذه الآية في المعارك فنحن نرجو الشهادة وهم يرجون عرضاً من الدنيا ولو لم يكن في الدنيا تعب إلا إدخال الطعام وإخراجه لكفى، فعندما يمضغ ويأكل في اليوم مرتين أو ثلاثاً، ثم يجلس في الخلاء في صورة يستحي منها أفليس في هذا تعب؟ وهذا غير ما يحصل لك من نكد أو تعب أو إيذاء في هذه الدنيا، وكذلك فأنت تملأ وتفرغ وتملأ وتفرغ وهكذا ولذلك كان بعض الصالحين يقول: أشتهي أن يجعل الله رزقي في حصاة أمصها والله استحيت من ربي من كثرة دخولي الخلاء. وهذا الطعام الذي يدخل إلى جوفك لو كشف للناس عنه لهربوا من نتن ريحه ولذلك أنت أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وفيما بينهما تحمل العذرة

فهذا تعب ما بعده تعب فإذا من الله عليك بدار البرزخ ثم بالجنة، ليس هناك عناء ولا بلاء ولا حدث ولا مخاط ولا بصاق، والطعام والشراب يخرج منك على هيئة رشح من جبينك أطيب من المسك ولذلك كل الطعام هناك ليس من باب حفظ البدن من تلف أو لحاجته لطعام، إنما من باب التلذذ والتفكه كما قال تعالى: (وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون) وقال: (وأمددناهم بفاكهة) فسماها فاكهة. فإذن ماتت ماشطة ابنة فرعون وعذبت فماذا جرى لها؟ ثم انظر لهذه الكرامة بتعجب نبينا عليه الصلاة والسلام لطيب رائحتها. لذلك هذا المسلك الذي سلكته هذه المرأة الصالحة يجب أن يسلكه الذكور والإناث بلا استثناء. ولله الحمد توجد من هذه النماذج في عصرنا (قصة الطالبة الصالحة في أبهى التي كانت تشترط على من يتقدم لخطبتها ألا يدخل تليفزيوناً أو منكراً للبيت: إلخ القصة) . وهذا ما رآه نبينا عليه الصلاة والسلام في رحلته المباركة مما كشف الله له أطلعه عليه مما يكون في عالم البرزخ مما كان قد حصل – من الذنوب – والذنوب التي ستحصل وأطلعه عليها قبل وقوعها. وهذا كما أطلعه الله – عندما كان في المدينة والحديث في الصحيحين – مثل عذاب رجلين حيث قال صلى الله عليه وسلم: [إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ (وفي رواية يتنزه) من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة] . هاتان آيتان شرحناهما مفصلتين والآن نذكر جملة من الآيات التي وقفنا عليها في الكتب التي ذكرت في أول هذا المبحث في أول الحديث عن الآية الخامسة، وسنذكر هذه الآيات على وجه الإيجاز والاختصار مع ذكر مرجعها: الآية الثالثة: مر صلى الله عليه وسلم على قوم يزرعون في يوم ويحصدون ي يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) .

الآية الرابعة: ومر صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ (تدق تكسر) رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت رؤوسهم عن الصلاة. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) . الآية الخامسة: مر على قوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع والزقوم ورضف جهنم (أي حجارتها المحماة) ، قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم (أي لا يزكون) ، وما ظلمهم الله، وما الله بظلام للعبيد. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) . الآية السادسة: مر على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضيج، ولحم آخر نيئ خبيث فجعلوا يأكلون الخبيث ويدعون النضيج الطيب، قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الرجل من أمتك يقوم من عند امرأته حلالا ً، فيأتي المرأة الخبيثة فيبيت معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا ً طيباً فتأتي الرجل الخبيث فتبيت عنده حتى تصبح. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) . الآية السابعة: مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة من حطب لا يستطيع حملها ثم هو يريد أن يزيد عليها، فقال: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة الناس لا يستطيع أداءها ثم هو يزيد عليها ويطلب آخر. انظر: مجمع الزوائد (1/68) ، فتح الباري (7/200) . الآية الثامنة: مر على قوم تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل، ما هؤلاء؟ قال: خطباء الفتنة. انظر: مجمع الزوائد (1/68) ، فتح الباري (7/200) . الآية التاسعة: مر على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فيريد الثور أن يدخل من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: ما هذا يا جبريل؟، قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة فيندم عليها فيريد أن يردها فلا يستطيع. انظر: مجمع الزوائد (1/68) ، فتح الباري (7/200) .

الآية العاشرة: أتى صلى الله عليه وسلم على وادٍ فوجد ريحاً طيبة ووجد ريح مسك مع صوت، فقال: ما هذا؟ قال: صوت الجنة تقول يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثر غرسي وحريري وسندسي وإستبرقي وعبقري ومرجاني وقضبي وذهبي وأكوابي ومما في وأباريقي وفواكهي وعسلي وثيابي ولبني وخمري، ائتني بما وعدتني، قال: لك كل مسلمة ومسلم ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحاً ولم يشرك بي شيئاً ولم يتخذ من دوني أنداداً فهو آمن ومن سألني أعطيته ومن أقرضني جزيته ومن توكل علي كفيته إني أنا الله لا إله إلا أنا لا خلف لميعادي، قد افلح المؤمنون، تبارك الله أحسن الخالقين فقالت: قد رضيت. انظر (1/68) . 11- الآية الحادية عشرة: أتى صلى الله عليه وسلم على وادٍ فسمع صوتاً منكراً، فقال: يا جبريل ما هذا الصوت؟، قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغساقي وغسليني وبعد قعري واشتد حري، ائتني بما وعدتني، قال: لك كل مشرك ومشركة وخبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت. انظر المجمع (1/68) . 12- الآية الثانية عشرة: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم – وهو راكب البراق – إلى أرض ذات نخل فقال جبريل: انزل، فنزل، ثم قال: صل، فصلى، ثم ركب فقال له: أتدري أين صليت؟، قال الله أعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة، وإنها المهاجرة. انظر المجمع (1/73) ، الفتح (7/199) . 13- الآية الثالثة عشرة: ثم بلغ أرضاً بيضاء فقال له: انزل، فنزل، ثم قال له: صل فصلى ثم ركب، فقال له أتدري أين صليت؟ قال: الله أعلم، قال صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى، وفي رواية: صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى عليه السلام. انظر المجمع (1/73) ، الفتح (7/199) .

14- الآية الرابعة عشرة: ثم قال له جبريل انزل، فنزل فقال صل، فصلى، ثم ركب فقال له: أتدري أين صليت؟، قال: الله أعلم، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى بن مريم. انظر المجمع (1/73) ، الفتح (7/199) . 15- الآية الخامسة عشرة: مر النبي صلى الله عليه وسلم في أرض غمة (ضيقة) منتنة، ثم أفضى به المسير إلى أرض فيحاء طيبة، فقال: يا جبريل كنا نسير في أرض غمة نتنة ثم إلى أرض فيحاء طيبة فقال تلك أرض النار وهذه أرض الجنة – وفي رواية: تلك أرض أهل النار وهذه أرض أهل الجنة. انظر المجمع (1/74) . 16- الآية السادسة عشرة: أتى على رجل قائم فقال من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. انظر المجمع (1/74) ، الفتح (7/199، 200) . 17- الآية السابعة عشرة: ثم سار فسمع صوتاً فأتى على رجل فقال: من هذا معك؟ قال هذا أخوك محمد صلي الله عليه وسلم فسلم ودعا لي بالبركة وقال سل لأمتك التيسير، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى صلى الله عليه وسلم. انظر المجمع (1/74) الفتح (7/199، 200) . 18- الآية الثامنة عشرة: ثم سار صلى الله عليه وسلم، فرأى شيئا، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال هذه شجرة أبيك إبراهيم، فقال: أدنو منها؟ قال: نعم، فدنا منها فرحب ودعا لي بالبركة. انظر المجمع (1/74) ، الفتح (7/199، 200) . 19- الآية التاسعة عشرة: رأى الدجال فقال: وأراني – أي جبريل – الدجال ممسوخ العين اليمنى شبهته بِقَطَن بن عبد العزى. انظر المجمع (1/75) . 20- الآية العشرون: عرض له رجل عن يمين الطريق – في ذهابه إلى بيت المقدس – فجعل يناديه يا محمد إلى الطريق – مرتين – فقال له جبريل امض ولا تكلم أحداً، ثم أخبره أن الرجل الذي عرض له عن يمين الطريق هم اليهود دعته إلى دينهم. انظر المجمع (1/77) .

21- الآية الحادية والعشرون: عرض له رجل عن يسار الطريق، فقال له: إلى الطريق يا محمد فقال له جبريل: امض ولا تكلم أحداً، ثم قال له جبريل: تدري من الرجل الذي دعاك عن يسار الطريق؟ قال: لا، قال: تلك النصارى دعتك إلى دينهم. انظر المجمع (1/77) . 22- الآية الثانية والعشرون: عرضت له امرأة حسناء جميلة، فقال له جبريل: هذه المرأة الحسناء هي الدنيا دعتك إلى نفسها. انظر المجمع (1/77) ، ووقع في الفتح (7/199) أنه مر بامرأة عجوز فقال له جبريل هذه الدنيا. 23- الآية الثالثة والعشرون: مر بشيء يدعوه متنحياً عن الطريق، فقال له جبريل: سر، ثم قال له: الذي دعاك هو إبليس. انظر الفتح (7/199) . 24- الآية الرابعة والعشرون: مر بقوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقال هم هؤلاء يا جبريل، قال هؤلاء أكلة الربا. انظر الفتح (7/200) ، المجمع (1/66) . 25- الآية الخامسة والعشرون: مر بقوم مشافرهم (شفاههم) كالإبل يلتقمون حجراً فيخرج من أسافلهم، فقال له جبريل: هؤلاء آكلة أموال اليتامى. انظر الفتح (7/200) . 26- الآية السادسة والعشرون: لما دخل المدينة التي فيها بيت المقدس من بابها الثامن أي قبلة المسجد فربط دابته ثم دخل المسجد من باب فيه مثل الشمس والقمر. انظر المجمع (1/73) . 27- الآية السابعة والعشرون: مر بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيراً لهم فسلم عليهم وقال بعضهم لبعض: هذا صوت محمد، وحاجه المشركون في مكة لما أخبرهم الخبر فقال لهم: مررت بعير لكم في مكان كذا قد أضلوا بعيراً لهم وأنا مسيرهم لكم ينزلون بكذا ثم يأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوتان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حتى كان قريباً من نصف النهار، أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر المجمع (1/73، 74، 75) الفتح (7/200) .

28- الآية الثامنة والعشرون: لما أخبرهم بخبر الإبل السابقة، قالوا له: هل مررت بإبل لبني فلان؟، قال: نعم وجدتهم في مكان كذا وكذا قد انكسرت لهم ناقة حمراء فوجدتهم وعندهم قصعة من ماء فشربت ما فيها، فقالوا: أخبرنا ما عدتها وما فيها من الرماة، قال: قد كنت عن عدتها مشغولا ً فقام فأتي بالإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاة ثم أتى قريشاً فقال لهم: سألتموني عن إبل بني فلان فهي كذا وكذا وفيها من الرعاء ابن أبي قحافة وفلان وهي مصبحتكم بالغداة عند الثنية، قال: فقعدوا إلى الثنية ينظرون أَصَدَقَهُمْ؟ فاستقبلوا الإبل فسألوا: هل انكسرت لكم ناقة حمراء؟ قالوا نعم، قالوا: فهل كان عندكم قصعة؟ قال أبو بكر: أنا والله وضعتها فما شربها أحد ولا أهراقوه في الأرض. انظر المجمع (1/75) ، الفتح (7/200) . 29- الآية التاسعة والعشرون: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى وصلى فيه وعرضت عليه الآنية انطلق به جبريل حتى أتى الوادي الذي في المدينة – أي المدينة التي فيها المسجد – فإذا جهنم تكشف عن مثل الزرابي، فقال الصحابة: يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال مثل الحمة المسخنة. انظر المجمع (1/73) . هذا ما تيسر لي جمعه من الآيات التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام في طريقه من مكة إلى بيت المقدس أو العكس مما يدخل تحت الآيات الأرضية التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم. القسم الثالث: آيات سماوية رآها نبينا عليه الصلاة والسلام عندما عرج به إلى السموات العلا: الآية الأولي: المِعْراج أو المُعْراج – بكسر الميم أو ضمها – وهذا أول الآيات كما أن البراق هو أول الآيات الأرضية، فالبراق من مكة إلى بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى السموات العلا كان الصعود عن طريق المعراج أو المعراج، وهو آلة يعرج عليها ويُصْعَدُ بها كالسلم أو الدرج أو المصعد عندنا في حياتنا.

قال نبينا عليه الصلاة والسلام كما في مغازي ابن إسحاق – [فأتيت بالمعراج فلم أر شيئا أحسن منه] وهو الذي يشخص إليه الميت بعينيه إذا حضره أجله] فالميت عندما يموت ينظر إلى فوق، فينظر إلى هذا المعراج الذي ستعرج إليه روحه. [وكان مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة، وكان مكللا ً باللؤلؤ من جنة الفردوس] فهذا هو المعراج نؤمن به ونفوض العلم بكيفيته إلى ربنا جل وعلا، وعما قريب سيراه كل واحد وينظر إليه بعينه عندما يحضره أجله ويرى مقعده من الجنة أو النار عن طريق المعراج فإذا كان صالحاً فتحت له أبواب السماء وإلا أغلقت. الآية الثانية: آيات رآها عندما عرج به إلى السموات:

ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث مالك بن صعصعة، عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ".... فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا (السماء الأولى) فاستفتح (استأذن) فقيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد " [عليه صلوات الله وسلامه] وهذا أي قول الملائكة من معك يحتمل أن السماء شفافة فرأوا من هو خارجها أو أنهم سمعوا حساً للنبي عليه الصلاة والسلام معه، أو رأوا زيادة أنوار عرجت عندما ارتقى جبريل فاستفتح من أجل أن يلج السماء فقيل من؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد [فقال (حراس السماء الدنيا) أَوَقَدْ بعث إليه؟] أي أذن له بأن يدخل وطلب لمناجاة الله، وسؤال الملائكة هذا يحتمل عدة أمور إما أنه من باب التعجب إذ كيف حصل للنبي صلى الله عليه وسلم هذه المرتبة العظيمة الجليلة، فتعجب الملائكة من هذا، أو أن هذا للاستبشار، أي استبشاراً بلقائه وفرحاً بمجيئه، ويحتمل (قاله الحافظ) أنهم قالوا هذا إعلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يعلمون أنه سيأتي ويؤذن له في الدخول فكأنهم يقولون: نحن عندنا علم بمجيئه لكن هل حان الوقت وبُعث إليه وأرسلك الله يا جبريل إليه في هذا الوقت؟ أي نحن علمنا بأنه محمداً صلى الله عليه وسلم سيأتي ويدخل لكن ما حُدَِِّدَ لنا الوقت، [فقال: نعم، فقيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء، ففتحت السماء، فلما خَلَصْتُ (أي دخلت إليها وسرت فيها) فإذا فيها آدم، فقال جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام ثم قال لي مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح] . إخوتي الكرام.... ثم عرج به إلى السماء الثانية، ولكنا سنذكر على سبيل الاختصار الأنبياء الذين لقيهم في هذه السموات السبع، ولا أريد أن أستعرض ألفاظ الحديث لأنه في كل سماء لما يستأذن يُقال: أو قد بعث إليه؟ فيقال: نعم، فيفتح له فيقول فإذا فيها فلان من الأنبياء.... ومن أراد نص الحديث فليرجع إليه في صحيح البخاري أو مسلم.

ففي السماء الأولى (السماء الدنيا) نبي الله آدم عليه السلام. وفي السماء الثانية ... ... نبيا الله عيسى ويحيى عليهما السلام. وفي السماء الثالثة ... ... نبي الله يوسف عليه السلام. وفي السماء الرابعة ... ... نبي الله إدريس عليه السلام. وفي السماء الخامسة ... ... نبي الله هارون عليه السلام. وفي السماء السادسة ... ... نبي الله موسى عليه السلام. وفي السماء السابعة ... ... نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام. الأنبياء كلهم جمعوا لنبينا عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس، أما في السموات السبع فما اجتمع إلا بثمانية من الأنبياء (¬1) ¬

_ (¬1) هل ترتيب الأنبياء في السموات السبع باق ٍ أم أنهم رُتِّبُوا كذلك لحادثة الإسراء والمعراج للنبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كانوا باقين حسب هذا الترتيب فأين الأنبياء والرسل الباقون عليهم السلام؟ الجواب: هؤلاء الأنبياء ليست مساكنهم في السماء إنما [الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام 0 رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى ثقات، انظر المجمع (8/211) وقد نصَّ المُناوي في فيض القدير (3/184) على أن الحديث في درجة الحسن وهو من حديث أنس ٍ رضي الله عنه، والحديث رواه أيضاً البيهقي في حياة الأنبياء وتمام في فوائده وابن عساكر في تاريخ دمشق، انظر الجامع الكبير (1/359) ، لكن جمعوا في بيت المقدس وليست مساكنهم – إنما كما قلنا – إما أن أرواحهم تشكلت أو خرجوا من قبورهم واجتمعوا في بيت المقدس لعلة يعلمها الله ولا نعلمها وهو من أمور الغيب وخوارق العادات. وجُمِعَ بعضهم في السموات، وليست مساكنهم ولا هم يجلسون فيها، لكن ينبغي أن يحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام لقاء لمن حالُه يشابه حالَه، ولذلك رتب هؤلاء، وهناك بعض من لم؟؟؟؟؟؟؟ له ولم يلقه في السموات وهو أفضل ممن رتب له كنبي الله نوح – وهو من أولي العزم ولم يذكر ويرتب ولم يكن في هذه السموات في لقاء خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، لأنه ليس بينه وبين نبينا عليه الصلاة والسلام – في حاله مع أمته – أي مشابهة، فقومه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وما استجاب له إلا قليل، ولو رتب لنبينا عليه الصلاة والسلام لربما فهم نبينا عليه الصلاة والسلام - سيصبر ويصبر ويصبر وأن حال هذه الأمة كمن يريد أن يخض الماء ليخرج منه زبداً!! ولربما قال: أنا حالي يشبه نبي الله نوح عليه السلام. ولذلك قلنا عُرِض له من يشبه حاله مع أمته كحال أولئك، لترتيبات معينة فإذن ليست منازلهم في السماء على هذا الترتيب إنما رتبوا في حادث الإسراء والمعراج هذا الترتيب. ولماذا كان هذا الترتيب؟ هذا هو الذي استعملنا عقولنا في إدراك حكمته، وأما بعد ذلك فأعيدوا قبورهم وهم أحياء يصلون باستثناء نبي الله عيسى عليه السلام الذي رفعه الله إليه. وسأضرب لكم مثلاً ولله المثل الأعلى، لما يأتي أمير إلى مسؤول فإنه يرتب له شخصيات معينة للقائه على حسب وزنه ومنزلته، وليس هؤلاء مكانهم هذا، إنما جيء بهم في هذا الوقت لأجل لقاء طارئ وهنا كذلك. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

إن قيل: ما الحكمة في الاقتصار على هؤلاء الأنبياء فقط دون غيرهم، وكونهم بهذا الترتيب من السماء الأولى إلى السابعة؟ فنقول: أما آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فجعل في السماء الأولى ليحصل مباشرة أُنس النبوة بالأبوة، الابن محمد عليه الصلاة والسلام والأب الأول للبشرية كلها آدم عليه الصلاة والسلام، ولم يجعل في السماء الأولى من باب دنو منزلته إنما من باب أن هذا أب أول لجميع البشر، ولذلك فينبغي للابن أن يلتقي بأبيه قبل غيره. ولذلك لو دخلت بيتك الذي فارقته سنوات ورأيت أخاك ولم تر أباك لن تفرح وتسعد حتى ترى أباك، وهذا مشاهد ومجرب. ليكون في ذلك إشارة أيضاً – كما قال الحافظ ابن حجر نقلا ً عن السهيلي وابن أبي جمرة – إلى أنك يا محمد بعد هذه الحادثة سيحصل لك ما حصل لأبيك فلا تحزن. وماذا حصل لآدم؟ خروج من الجنة وهي وطنه، وأنت سيحصل لك خروج من مكة، وبالفعل حصل هذا بعد سنة ونصف، ولذلك قلنا الإسراء وقع قبل الهجرة بسنة ونصف. وآدم بعد خروجه من الجنة ازداد رفعة، وكان آدم بعد خروجه خيراً منه قبل خروجه (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) ، فاجتباه ربه بعدما خرج، وأما ما حصل منه ف [كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون] وإذا أقلع الإنسان عن معصية وأناب يكون حاله بعد المعصية خيراً من حاله قبل التوبة. إذن فسيحصل لك ما حصل لآدم وليس في هذا مضرة عليك فكما أن آدم بعد خروجه ارتفع قدره وعلا ذكره ولو بقي في الجنة لما وجدت هذه البشرية التي توحد الله وتعبده فقدر الله له الخروج (ليقضي الله أمراً كان مفعولاً) ، وأنت بعد خروجك سيرتفع ذكرك ويعلو أمرك ويظهر دينك وهذا الذي حصل.

لاسيما وقد ذكرنا في الآيات التي رآها في رحلته من مكة إلى بين المقدس أنه أمره جبريل بالصلاة في مكان ثم أخبره أنه صلى بطيبة، ثم قال له وإليها المهاجرة بفتح الجيم، أي ستكون دار لهجرتك، فإذن أخبر في الأرض أنه سيهاجر، فحتى لا يصبح في قلبه شيء ويخاف – هذا من الطبائع البشرية – وحتى لا ينكسر قلبه ويغتم ارتفع به إلى الكمالات وقابل هناك الأب الصالح أول من قابل فكأنه قيل له: الهجرة فيها خير كما حصل في الانتقال لهذا الأب الذي تقابله خير عندما هاجر من الجنة إلى الدنيا. ولِمَ كان عيسى ويحيى عليهما السلام في السماء الثانية؟ هناك عدة أجوبة والجواب المعتمد وهو الحق إن شاء الله وهو من باب الحكم التي تُشم كشم الوردة: لأنه ليس بين نبينا عليه الصلاة والسلام وبين نبي الله عيسى نبي آخر فهو أولى الناس به، وأما يحيى فهو ابن خالة عيسى فبما أنهما ابنا الخالة فقُرِنا في سماء واحدة، وقد ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى دينهم واحد] وفي رواية أخرى مختصر البخاري (7341) [أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبين نبي] . فإذن بعد أن حصل أُنس النبوة بالأبوة سيلتقي بعد ذلك بإخوانه الذين هم أقرب الناس إليه من غيرهم وأولهم عيسى عليه السلام. أما يوسف، فالحكمة من كونه في السماء الثالثة بعد الثانية بعد أن حصل أُنس النبوة بالأبوة وأنس الأخ بأخيه الأقرب، فإنه سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام أُنس خاص بنبي فيه شبه بنبينا عليه الصلاة والسلام من وجهين:

حسن الصورة وبهاء المنظر وجمال الطلعة، فنبي الله يوسف أعطاه الله شطر الحسن، ونبينا عليه الصلاة والسلام له الحسن بكامله. فأجمل الناس بعد نبينا عليه الصلاة والسلام هو يوسف فعندما يرى هذا النور يتلألأ منه يحصل حينئذ شيء من الشبه الظاهري، يضاف إليه شبه آخر يتعلق بالدعوة وهو: أنه لاقى مكراً وكيداً من أخوته لأبيه، وقرابته حيث مكروا به وألقوه في الجب وبعد ذلك مكن الله له في الأرض وجاءه إخوته فقال لهم (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا إنك لأنت يوسف، قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) سورة يوسف 89-92، وما حصل ليوسف هو عين ما حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فآذاه قرابته وعشيرته وطردوه من مكة وسيؤذونه وسيعيده الله بعد ذلك وسيقول لهم ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم فيقول، لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء الأحرار وقد وقع كل هذا، فهذا أيضاً شبه، فليحصل إذن استحضار لتلك المعاني، الصورة واحدة وما حصل لهذا النبي من المكر فسيحصل لك، وما حصل له من الظفر والنصر سيحصل لك. 4- وأما السماء الرابعة ففيها إدريس عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى (ورفعناه مكاناً علياً) وإنما قال مكاناً علياً وهو في السماء الرابعة وليس في السابعة لأنه في الوسط، والوسط مكان مرتفع ومعتدل. وفي ذلك إشارة إلى أن هذا العلو الذي حصل لهذا النبي بعد الثالثة – وهي الرابعة – سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة الدنيا وقد حصل له، وأن رسالتك وديانتك وسط (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) خياراً عدولاً تعتدلون في أحكامكم التي أنزلها ربكم عليكم.

5- وأما السماء الخامسة ففيها هارون عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك إشارة إلى قربه من نبي الله موسى وهارون تابع لموسى عليهما الصلاة والسلام فليكون إذن بمثابة تمهيد للقاء موسى عليه السلام. وفي ذلك إشارة لنبينا عليه الصلاة والسلام ليوطن نفسه على تحمل ما تحمله هارون من موسى عليهما السلام. وفي ذلك أيضاً إشارة عظيمة أيضاً وهي أن هارون رجع قومه إلى محبته بعد أن نفرتهم منه وعداوتهم له، وهذا سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فقومك سيحبونك بعد معاداتهم لك، فحالك كحال هارون فقد كان محبباً في قومه أكثر من نبي الله موسى عليه السلام وكانوا ينفرون من موسى ويأنسون بهارون عليهما صلوات الله وسلامه للين عريكته وعدم شدته وله فيهم منزلة عظيمة، الحاصل أن في لقائه بهارون تذكير له بطبيعة موسى ولذلك كأنه يقال: إذا لقيت موسى فاصبر وتحمل فإن له مقامات عند ربه وهو مدلل عنده. 6- وأما موسى عليه الصلاة والسلام، فاجتمع بهذا النبي في السماء السادسة ليعلم أنه رفيع القدر أعلى من هارون، فنبينا أعلى من هارون كما أن موسى أعلى من هارون إذن فأنت أعلى ممن تقدمك والحكمة الثانية: ليحصل لك ما حصل لهذا النبي من؟؟؟؟ فعاداه فرعون قومه فصبر فمكنه الله منه ونصره عليه، فأنت سيعاديك فرعون هذه الأمة – أبو جهل – فاصبر وستمكن منه وستقطع رقبته في يوم بدر وهذا الذي حصل، فيوم بدر بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم كغرق فرعون بالنسبة لموسى عليه الصلاة والسلام. 7- أما السماء السابعة، فكأنه يقال له: بدأنا الأمر بالأب الأبعد فلنختمه بالأب الأدنى وهو خليل الرحمن إبراهيم، أبو العرب، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم (ابن الذبيحين) فعبد الله ذبيح لأن عبد المطلب نذر أن يذبح أحد أولاده إذا عثر على زمزم فوقعت القرعة على عبد الله ثم فكه بعشر ديات، وإسماعيل ذبيح بنص القرآن، وقد نجى الله الذبيحين.

فكما أنك استأنست بأبيك الذي هو أبعد الآباء فلتستأنس بأبيك الذي هو أقرب الآباء إليك ممن هو نبي وهو خليل الرحمن، وليس في آبائه نبي آخر بعد ذلك ليستأنس به جاء من عبد المطلب أو غيره. وحكمة ثانية: فأنت خليل وهو خليل فلابد أن يجتمع الخليل مع الخليل ثم إن خلتك أعلى من خلته لأنك سترفع إلى مكان فوقه بعد ذلك فرغم أنه في أعلى الرتب وهي السماء السابعة لكن نبينا صلى الله عليه وسلم سيرفع إلى مكان فوقه. وفي ذلك إشارة – أيضاً – كما قال علماؤنا: إلى ما سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام في المستقبل، فالسماء السابعة فيها خليل الرحمن إبراهيم، وأنت ستخرج من مكة وستدخلها في العام السابع في عمرة القضاء بعد صلح الحديبية لأن هذا كان في العام السادس وقد تم الاتفاق على أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التالية ورُدَّ هذا العام، فجاء في العام السابع ودخل مكة واعتمر، ثم في العام الثامن فتحت مكة إذن فهذه المناسك التي في مكة وأقام إبراهيم هذا البيت على الدعائم الأولى التي أسس عليها البيت فأنت ستعود لمكة في العام السابع وستفرض عليك مناسك الحج كما فرضت على خليل الله إبراهيم (وأذن في الناس بالحج) ، وأنت ستؤذن وتدعو الناس إلى لك. فهذا هو مجمل الحكم عن الالتقاء بهؤلاء الأنبياء الثمانية صلوات الله وسلامه عليهم. تعارض وجمع: ورد في بعض روايات البخاري أن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام [لقيه نبينا عليه الصلاة والسلام في السماء السابعة] ، قال الحافظ ابن حجر: ورد هذا في رواية أنس وشَرِيك ضبط هذا....؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وشريك هذا هو الذي يروي حديث الإسراء والمعراج عن أنس رضي الله عنه، وله أوهام لكن هنا – كما يقول الحافظ- ضبطه وليس هذا من أوهامه. [وموسى في السماء السابعة بفضل كلام الله له] .

قال الحافظ ابن حجر: لا إشكال بين هذه الرواية والروايات المتقدمة ولا تعارض فنبي الله موسى مكانه الحقيقي في السادسة لكن بعد أن عرج بنبينا عليه الصلاة والسلام السابعة صحبه موسى إلى غير داره الحقيقية كمرافق بفضل كلام الله له. أي بما أن الله كلم موسى تكليماً واتخذ إبراهيم خليلاً فجمع الله الخليلين مع الكليم في السماء السابعة، هذا هو الجمع المعتبر. وبقي موسى في السماء السابعة حتى عاد نبينا عليه الصلاة والسلام، وظهر أثر هذا: مَرَّ عليه وسأله ماذا فرض عليك؟ قال: خمسين صلاة، قال ارجع فسله التخفيف إلى أن خفضت إلى خمس، فنبينا عليه الصلاة والسلام لم يكن ينزل إلى السادسة إلى موسى ويسأله عما فرض عليه، ويمر مروراً على إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. فإذن موسى عليه الصلاة والسلام لازال منتظراً له في السماء السابعة ثم هو معه إلى السماء السادسة ثم بقي فيها وأعيد نبينا عليه الصلاة والسلام إلى مكانه. ورد في رواية الإمام مسلم – وهذه الرواية ليست في البخاري عن أنس رضي الله عنه – وحديثنا في الآية الثانية وعما فيها من عجائب – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [فإذا بإبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه] والبيت المعمور الذي هو في السماء كالكعبة في الأرض. وهذه آية عظيمة رآها نبينا عليه الصلاة والسلام. قال الحافظ ابن حجر "وفي هذا دلالة على أن أكثر المخلوقات هم الملائكة فلابد لجنس من الأجناس تزايد وتكاثر بهذه النسبة، فمنذ أن أوجد الله الكون إلى هذه الساعة يدخل إلى البيت المعمور سبعون ألفاً لا يعودون إليه، فالملائكة هم أكثر خلق الله (وما يعلم جنود ربك إلا هو) . والإنسان وكل الله به 160 ملكاً، وفي حديث عند الطبراني: [وكل الله بالمؤمن 160 ملكاً يحفظونه للبصر من ذلك سبعة أملاك] وهو في المعجم الكبير وسنده ضعيف.

والله يشير إلى هذا في كتابه (له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) فهناك ملائكة تتعاقب على حراسته وحفظه ويعقب بعضها بعضاً في تقييد عمله وتسطير ما يحصل منه. وقد جرى في السماء السادسة عند رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لنبي الله موسى كليم الله موقفٌ ينبغي أن نقف عنده. المحاضرة الثانية عشرة 6/4/1412هـ هذا الموقف لما تجاوز نبينا عليه الصلاة والسلام موسى بكى – أي موسى- فقيل له ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي] هذه رواية وورد أيضاً في رواية ابن مسعود رضي الله عنه [أن نبينا عليه الصلاة والسلام لما مر بموسى هو يرفع صوته فيقول: أكرمْتَهُ، وفضلْتَهُ، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام من هذا؟ فقال جبريل: هذا موسى، قال: ومن يعاتب؟ فقال: يعاتب ربه فيك، قال: كيف يرفع صوته على ربه؟ فقال: إن الله قد عرف له حدته] أي انفعاله وغضبه. وفي رواية في مسند أبي يعلى والبزار بسند حسن [أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: سمعت صوتا وتذمرا فسألت جبريل، فقال هذا موسى، قلت ـ على من تذمر؟ قال: على ربه، قلت: على ربه؟! قال: إنه قد عرف ذلك منه.] والتذمر شبه الاعتراض والتأثر. وهذا الموقف الذي جرى من نبي الله موسى ينبغي أن نقف عنده لنحلله وننظر إليه: ما جرى من نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام لا يعتبر حسداً، فالحسد من الكبائر والأنبياء معصومون عن ذلك، وحاشا لنبي أن يكون حسوداً وحاسداً لأحد على ما فضله الله وأنعم به عليه. فإن قيل: فما تعليل هذا الكلام إذن؟

نقول: إن موسى عليه الصلاة والسلام قال ما قال من باب الحزن على ما فاته من؟؟؟؟ الذي سبقه به محمد عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك الحزن منه بسبب أمته – نبي إسرائيل فعندما لم يتبعوه على الوجه الكامل المرضي لم يكن لهم من الحسنات كما لهذه الأمة ولو اتبعوه ابتاعاً كاملاً لحصل هم حسنات ثم كتبت حسناتهم في صحيفة نبي الله موسى من دل على خير فله أجر فاعله، ولذلك نبينا عليه الصلاة والسلام له أجر هذه الأمة إلى أن تقوم الساعة. ولعل الله أعلم موسى بذلك وأن هذه الأمة حالها ليس كحال أمتك ومن أجل هذا ارتفع هذا النبي عليك لزيادة قدره عندي لأن حسناته لم يأت بها أحد من خلقي، فعدا عن حسناته الخاصة وجهده الذاتي فإن له حسنات تأتي بسببه بعد ذلك فيكتب له أجره إلى يوم القيامة. فموسى عليه الصلاة والسلام عندما جاوزه نبينا عليه الصلاة والسلام بدأ يحصل منه هذا التذمر لا من باب حسد نبينا عليه الصلاة والسلام إنما من باب الحزن على ما فرطت به بنو إسرائيل مما أدى به إلى أن تكون منزلته نازلة. وأضرب لكم مثلاً: لو أن عندك ولداً عنيداً بليداً وأنت تبذل ما في وسعك لتوجيهه فلا يتوجه. ثم مرَّ بك بعد ذلك بعض أولاد أصحابك وكان عليه ذكاء ونجابة وألمعية فأنت قد يحصل منك الآن تذمر وانفعال وغضب على ولدك وقد يسوء كلامك وخلقك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟. وهذاهو الذي حصل من نبي الله موسى، فإنه ليس من باب الحسد إنما من باب الحزن والتأنيب لقومه وأمته على ما تسببوا به من إنزال مرتبته. ونسأل الله أن لا يجعلنا ممن يسودون وجه نبينا عليه الصلاة والسلام وأن يجعل نبينا عليه الصلاة والسلام يباهي بنا الأمم يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير. 2- قوله عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه غلام، وليس في هذا تحقير فانتبه لهذا فإن الإنسان يمر بأربعة مراحل رئيسة في عمره: أ- المرحلة الأولى: غلام، ما دون التكليف من 15 سنة فما دونها.

ب- المرحلة الثانية: شباب، وهي من 15 سنة إلى 30سنة ومدها الإمام ابن القيم إلى 40 سنة، وقال هذا حد الشباب وفيها – أي في الأربعين – تكتمل قوى الإنسان ويبلغ أشده (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) ، وما بعث الله نبياً إلا على أربعين هذا على الأعم الأغلب، انظروا روح البيان للألوسي (26/18، 19) ، لأن قواه العقلية تكون قد اكتملت وتكون عنده التؤدة والتأني والثبات والرزانة ووضع الأمور في مواضعها. جـ- المرحلة الثالثة: كهولة، وهي من 40 سنة – إلى 60 سنة. د- المرحلة الرابعة: شيخوخة، وهي من 60 سنة إلى الوفاة نسأل الله حسن الخاتمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك] والحديث في المسند والسنن بسند صحيح. فإذن قوله غلام أي لازال صبياً ناهز الاحتلام، فلم يصفه بأنه شاب وكيف هذا؟ ذكر أئمتنا جوابين عن هذا: 1- الجواب الأول: ونقل عن المتقدمين كابن أبي جمرة وغيره، أن هذا من باب دالة موسى على نبينا عليه الصلاة والسلام. فموسى أكبر منه، ونبينا مع موسى كالغلام مع الشيخ من ناحية العمر، فهو وإن كان يزيد على الخمسين سنة (51 سنة ونصف) ودخل في الكهولة فعبر عنه بأنه غلام – في أول مراحل العمر بالنسبة إلى عمر نبي الله موسى، فالفارق بينهما يجعل هذا العمر الذي يزيد على خمسين سنة كأنه سنة مع عمر نبي الله موسى عليه صلوات الله وسلامه، لاسيما وأن لموسى دالة عليه ومنزلة لكبر سنه ولسبقه له في النبوة والرسالة، ولأنه سيشير عليه – كما سيأتي – بأمر ينفعه وينفع أمته فجزاه الله عنا خيراً. 2- الجواب الثاني: ذكره الحافظ ابن حجر – وهو في تقديري أقوى الجوابين – فقال إن هذا ليس من باب أن نبينا مع موسى كالغلام مع الشيخ، إنما عبر بغلام هنا ليخبره عن قوة نبينا عليه الصلاة والسلام وعزمه ونشاطه.

فهو كبير في العمر لكن همته همة الشباب، وهمته همة من لم يعرف تعباً في الحياة بل لازال؟؟؟؟؟؟ له كل شيء وهو جاهل لذلك قوته مجتمعة لم تبذل هنا وهناك، ولم يتعب في حياته وهذا هو حال الناس. فإذن ليدلل على عزيمته وقوته رغم كونه في سن الكهولة، وهذا حاله صلى الله عليه وسلم، يقول على رضي الله عنه [كنا إذا اشتد الوطيس وحمت المعركة أشجعنا يلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم] . وفي غزوة حنين عندما نصب المشركون كميناً للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة؟؟؟؟؟؟ بنبال كالمطر فتفرق الصحابة، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم وكان يردد: أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب ثم قال يا عباس، نادِ في الصحابة، يا أهل بيعة العقبة، يا أهل بيعة الشجرة، يا أهل بدر أي نادهم يا عباس ليجتمعوا إليَّ وهو ينادي ويقول: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلبج فإذن ما فيه من عزم ونشاط هو عزم الشباب لا عزم الكهولة ولذلك سماه غلاماً؟؟؟؟ هو في آخر مراحل الغلام وأول مراحل الشباب. قال الحافظ ابن حجر: وقد تأيد هذا بالحديث الصحيح الثابت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه التسع في الساعة الواحدة من ليل أو نهار بغسل واحد فقيل لأنس: أو كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يطيق ذلك؟ فقال: كنا نتحدث أن الله أعطاه قوة ثلاثين] . وفي كتاب صفة الجنة لأبي نُعيم بسند صحيح – [أن الله أعطاه قوة أربعين رجلا ً من أهل الجنة] وقوة الرجل في أهل الجنة تعدل قوة مائة رجل من أهل الدنيا أكلا ً وشرباً ومباشرة.

فنضرب 40×100 فيكون الناتج 4000، إذن قوة نبينا عليه الصلاة والسلام إذا قورنت برجال أهل الأرض فإنها تعدل قوة (4000) رجلا ً، فهل يكون من هذا شأنه كهلا؟!! ولذا قيل له غلام؛ لأن مَنْ هذا حاله وشأنه لا يقال فيه [هذا الشيخ أو الكهل الذي بعث بعدي فقد يفهم منه أنه ضعيف ليس عنده قوة] ، فرسولنا صلى الله عليه وسلم فيه نشاط الغلمان لا عمرهم، وعمره عمر الكهول. وهذا خير ما يكون في الإنسان رزانة ووقار أي كبير في السن، لكن عزمه قوي يغلب عزم الشباب. إخوتي الكرام ... يكرم الله جل وعلا عباده بما شاء سبحانه وتعالى، وقد ذكر أئمتنا في ترجمة سُليم بن عِتْر قاضي مصر في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وسُليم هو من أئمة التابعين توفي سنة 75هـ ذكر أئمتنا أنه كان يختم كل ليلة ثلاث مرات – وهو؟؟؟؟ ويتصل بأهله ثلاث مرات. وهذه قوة عجيبة يكرم الله بها عبده، فأولاً يختم القرآن في كل ليلة وهذا ورد ثلاث مرات وهو القاضي الذي فرغ نفسه لشؤون الناس في النهار فإذا جن الليل؟؟؟؟؟. وقد ذكر هذا في سير أعلام النبلاء للذهبي 4/132،وفي غيره. يقول الإمام الذهبي في ترجمته: "سُليم بن عِتْر الإمام الفقيه قاضي مصر ووعظها وقاصُّها وعابدها – "ثم قال: "وروي عنه أنه كان يختم كل ليلة ثلاث ختمات ويأتي امرأته ويغتسل ثلاث مرات، وأنها قالت بعد موته: رحمك الله، لقد كنت ترضي ربك وترضي أهلك" إلخ ترجمته. ويقول الشيخ شعيب الأرناؤوط – وهو المعلق على سير أعلام النبلاء -: ولا يعقل ذلك، ربما لا يصح عنه" لماذا لا يعقل هذا؟ وقد قلنا إن خارق العادة ليس بمستحيل ولا بمخالف للعقل. فلو أن الله أكرم أحد عباده بأن يختم القرآن كل ليلة مائة مرة يعقل هذا أم لا يعقل؟ بل يعقل وأن يتصل بأهله مائة مرة، يعقل هذا أم لا يعقل؟ بل يعقل. فلماذا لا يعقل وليس هو بمستحيل، لذلك فانتبهوا إخوتي الكرام إذا أردتم أن تتكلموا وزنوا كلامكم بميزان الشرع.

ولو قال هذا المعلق: "هذا غريب والله على كل شيء قدير" فلا بأس، ولكن انظر كيف يقول لا يعقل وربما لا يصح، فما دام ليس معقولاً عندك قل لا يصح ولا تقل ربما، فإذن كيف صار كلا منا لا احتراز فيه ولا احتراس ثم قال:؟؟؟؟ لأنه مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص. ولكن نحن نقول هذه كرامة وليست من المستحيلات حتى نردها. والإمام النووي في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن – وهذا الكتاب – لابد أن يكون عند كل طالب علم، وهكذا كتاب (الأذكار) وهكذا (رياض الصالحين) فهذه الكتب الثلاثة للإمام النووي لا يكون في البيت خير أو نور إذا لم تكن هذه الكتب فيه، وينبغي أن تجهز هذه الكتب في جهاز المرأة عندما تزف لزوجها. فالإمام النووي في هذا الكتاب – التبيان – في ص 47 يقول: "كان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه، فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة، وعن بعضهم في كل شهر ختمة وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال، وعن الأكثر في كل سبع ليال وعن بعضهم في كل ست ليال وعن بعضهم في كل خمس ليال، وعن بعضهم في كل أربع ليال وعن كثيرين في كل ثلاث ليال، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم ليلة ختمتين ومنهم من كان يزيد عن ثلاثة، وختم بعضهم ثماني ختمات أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار". فمن الذين كانوا يختمون ختمة في اليوم والليلة عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وآخرون. ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات سُليم بن عِتْر – وهذا هو الذي ذكرنا قصته – وكان؟؟؟؟؟؟؟؟

ثلاث ختمات، وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليل أربع ختمات، قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي؟ كان ابن الكاتب رحمه الله يختم في النهار أربع ختمات وفي الليل أربع ختمات، وهذا ما بلغنا في اليوم والليلة. ثم يقول في آخر المبحث: "والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرأه، وكذا من كان مشغولا ً بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر يحصل بسببه إخلال بما هو مُرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرهة". هذا كله – كما قلت – يخرج منه ما ذكر – أن هذا من باب الكرامة فسعيد بن جبر رحمه الله ثابت بالإسناد الصحيح إليه أنه كان يختم القرآن بين المغرب والعشاء. كيف هذا والوقت بين المغرب والعشاء قصير لا يزيد على ساعتين على أكبر تقدير، ولو أخر العشاء ساعة فهل يختم القرآن في ثلاث ساعات؟ على أقل تقدير الحافظ المجد الذي يقرأ القرآن عن ظهر قلب قراءة حدراً يحتاج إلى خمس ساعات، فكيف إذن قرأه سعيد ابن جبير بين المغرب والعشاء؟ نقول هذه كرامة، إذ كيف أسري بنبينا عليه الصلاة والسلام وعرج به وحصل له ما حصل في هذه الرحلة المباركة في جزء من الليل. ولذلك يقول أئمتنا عن هذه الكرامة التي تقع في وقت قصير هي من باب (نشر الزمان: أي توسعته، فهذا الزمن يوسع في حقك لكنه يبقى بالنسبة لغيرك كما هو. إخوتي الكرام ... الذي ينظر في أحوال سلفنا فسيجد حقيقة أن الله كان يبارك لهم في كل شيء في طعامهم وشرابهم وأولادهم وأهليهم، وبيوتهم وعلمهم. بعض مؤلفات بعض العلماء لو أردنا أن نقرأها فستنتهي أعمارنا قبل أن؟؟؟؟ من قراءتها فقط فكيف بمن ألفها كيف ألفها في هذا الزمن؟

مؤلفات ابن الجوزي زادت على (500) مصنف ولا أقول مجلداً، فـ (زاد المسير) هو أحد كتب ثلاثة له في التفسير يقع في (9 مجلدات) ، و (المغني) له في (20مجلداً) ، و (المنتظم) له في (10 مجلدات) ، وصفة الصفوة له أيضاً في (4 مجلدات) وحدث بعد ذلك وما شئت ومع ذلك يروي هذه الكتب بالسند، وهي كتب موجودة بين أيدينا الآن!! وأما السيوطي فمؤلفاته زادت على (900) مصنف، يكتبونها كتابة ولو جاء أحد ينسخها نسخاً فقط لما استطاع أن يكتبها طول حياته، فهي كرامة من الله لهم. فلا يقال بعد ذلك: لا يعقل، بل هي موجودة ووجودها دليل على أنها ليست مخالفة للعقل وليست بمستحيل بل نقول إن هذا خرق للعادة وإكرام من الله لهذا الإنسان والله على كل شيء قدير. فهو؟؟؟؟ أمي لا يقرأ ولا يكتب – وهو شيخ الإسلام – فإنه إذا سمع حفظ أقوى من جهاز التسجيل ولا يخطئ ولا يلحن بحرف، حدثه بمائة حديث بأسانيدها بمجلس واحد، يعيده لك على الترتيب، أوليس قد جرى نحو هذا للبخاري؟ فعندما أراد الذهاب لبغداد أرادوا أن يمتحنوه فعمدوا إلى مائة حديث، فقسموها على عشرة طلاب فكل طالب عنده عشرة أحاديث، فأخذوا متون أحاديث زيد وأعطوه لعمرو ومتون أحاديث عمرو لزيد، ومتون أحاديث خالد أعطوها لمحمد ومتون أحاديث محمد لخالد وهكذا فعلوا بالعشرات الباقية.

فلما جاء إلى بغداد وكما قلنا أرادوا أن يمتحنوه وهل هو أمير المؤمنين في الحديث أم لا؟، في الأول قال: حديث كذا بإسناد كذا، فقال: لا أعرفه، ثم قال الثاني كذلك أحاديثه والثالث والرابع....... حتى انتهى العشرة وهو يقول في الأحاديث كلها لا أعرفه، فالذين يعرفون هذا المقلب يقولون: هو إمام هدى ثابت راسخ والجهال يقولون: سبحان الله عشرة أحاديث لم يعرف ولا واحد منها، أهذا هو أمير المؤمنين في الحديث!! فلما انتهى العشرة من عشراتهم قال للأول: قم أنت عشرة أحاديثك هي كذا على الترتيب الحديث الأول، الثاني، الثالث، الرابع، وأسانيدها، أسانيد الرابع فاسمعها فذكرها له (أي ذكر البخاري) وهكذا فرد مائة متن لمائة إسناد، فما بقي أحد في المجلس إلا قام وقبل رأسه وجبهته. فهذا هو العلم فهل يقال عن هذا لا يعقل؟ أم يقال هذه كرامات أكرمهم الله بها وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، والله لو أراد الإنسان أن يصل إلى هذا المسلك بجده واجتهاده فإنه عاجز عاجز عاجز، إلا إذا من الله عليه بذلك. فحقا ً إنه أمر عظيم ما حصل من الإمام البخاري ولذلك يقول الإمام العراقي في ألفيته: .................................. ... نحو امتحانهم إمام الفنججج في مائة لما أتى بغداد ... فردها وجود الإسناد

وهنا في قصته (سُليم) نقول لا يعقل!!!! دعنا من هذا فإن الله يكرم عباده بما شاء، فبعض يكرمه أحياناً بقوة الجسم وأحيانا بقوة الفكر، وأحياناً بهما، وأحياناً وأحياناً فيطوف صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع بغسل واحد في ساعة، إن هذا ليس بمقدور البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أنه إذا اتصل الإنسان بأهله ووجد نشاطاً من نفسه معاودة الوطء فأراد أن يتصل مرة ثانية فليغتسل أو ليتوضأ على أقل تقدير ليكون أنشط حتى لا يعتريه فتور، فكيف به صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه التسع بغسل واحد؟! ثبت في معجم الطبراني بسند رجاله ثقات عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أنه كان عنده أكّار – أي مزارع – فاستعدت عليه زوجته – أي اشتكته لأنس – وقالت لا يدعني في ليل ولا في نهار، وجسمي لا يتحمل، فقضى بينهما أنس على أن لا يزيد في كل يوم وليلة على ست مرات] وهذا ثابت في مجمع الزوائد (4/295) في كتاب النكاح، وبوب عليه الإمام الهيثمي باب فيمن يكثر الجماع. ألزمه بها أنس، لكن كم يريد هو؟ الله أعلم. فهذا حقيقة خارق للعادة وليس هذا في مقدور البشر. ولذلك إخوتي الكرام ... من حكمة مشروعية ربنا لتعداد الزواج هذا، فلو أن هناك رجلا ًعنده هذه القوة والشهوة وليس عنده إلا امرأة واحدة فماذا تفعل له؟ هل تعطله وتحجزه عن امرأته؟، أو تتركه يذهب يتلمس طريق الحرام هنا وهناك؟ إن أفضل علاج وأنجحه وأنجعه لمثل هذا هو التعدد، وما ألزم الله أحداً بالتعدد وإن كان رغب فيه وهذا شرع الله الحكيم (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . الحاصل أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان كهلا ً عندما أسري به لكنه – كما قلنا – شابٌ وفوق الشباب، عليه الصلاة والسلام فإذن هذا ليس من باب التنقيص. 3- كيف يرفع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام صوته، ويتذمر، والله يتحمل ذلك منه ويعرف له ذلك؟ نقول: هذا مدلل، والمدلل له حساب خاص، فإياك أن تقيس نفسك عليه.

سفيان الثوري عليه رحمة الله عندما طلبه الشُّرَطةُ في عهد أبي جعفر المنصور، وطلب في عهد هارون الرشيد أيضاً، فلما كان في عهد أبي جعفر المنصور أرسل في طلب سفيان وأرسل الخشابين قبله إلى مكة وقال لهم انصبوا الأخشاب لأصلب عليها سفيان الثوري، أي يشنقه ويصلبه فذهبت الشُّرَطةُ إلى المسجد الحرام، وسفيان الثوري بين الفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة، ورأسه في حجر الفضيل ورجلاه في حجر سفيان بن عيينة ويغطيانه من أجل ألا تراه الشُّرَطةُ ويقبضوا عليه، ثم قالا له: يا سفيان اخرج من المسجد ولا تشمت بنا الأعداء أي اخرج وتوارى فليس حلا ً أن نغطيك هكذا لأنهم سيرونك، فقام رحمه الله ورضي عنه وتعلق بأستار الكعبة وقال: برئت من الله إن دخل أبو جعفر المنصور مكة وأنا حي. مع أن أبا جعفر على الطريق أرسل الخشابين وهو في أثرهم ووراءهم، فلما وصل أبو جعفر على حدود مكة قبض الله روحه فمات، وما دخل مكة، والقصة انظروها في تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء في ترجمة سفيان الثوري وفي غيرهما كذلك. إن قال قائل كيف يصدر هذا من سفيان الثوري؟ نقول: هذا مدلل، فلا تجعل نفسك مثله. وهذا نبي الله موسى اتخذه نجياً وكليماً (وكلم الله موسى تكليماً) وفضله بذلك، فإذن هو من المدللين، وإذا كان ذلك كذلك فإنه يصبح بين المدلل وبين من يتدلل عليه أحيانا من؟؟؟؟؟؟ مالا يصلح أن تصدر من غيره، وهذا هو الذي جرى من نبي الله موسى، فتحمل الله منه لأنه مدلل. قال أئمتنا: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع (وإذا الحبيب أتى بذنب واحد) ، أخطأ وتذمر ورفع صوته وصاح. (جاءت محاسنه بألف شفيع) : فهذا يقاوم أعتى أهل الأرض في زمنه ويصبر، فإذا جرى منه وقد كنت قلت لكم أن موسى عليه الصلاة والسلام مظهر للجلال والقهر الإلهي، كما أن عيسى عليه الصلاة والسلام مظهر للجمال، ونبينا عليه الصلاة والسلام مظهر للكمال: (جلال وجمال) .

فهذا مدلل وإذا كان كذلك فلا تقس على نفسك، وما جرى منه: حبيب وحبيب يتناجيان بما بينهما، فهل يجرؤ أحد منا أن يذهب إلى الكعبة ويقول يارب إني أبرأ منك إذا لم تقتل فلاناً وأمته؟ والله إني لأخشى أن تنزل عليك صاعقة من السماء تحرقك، لأن كل واحد منا ينبغي أن يعلم مكانته ومنزلته، وعليه فينبغي أن نقف عند حدنا. إذن المدلل له مكانة، أبو بكر رضي الله عنه من المدللين أم لا؟ هو من المدللين على نبينا عليه صلوات الله وسلامه، وسأذكر لكم قصتين باختصار: القصة الأولى: رواها الإمام البخاري في صحيحه في كتاب فضائل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام في فضائل أبي بكر ومناقبه: انظر (مختصر صحيح البخاري للزبيدي 1522) اختصم أبو بكر وعمر وكان المخطئ أبا بكر رضي الله عنه، فذهب أبو بكر إلى عمر فقال أثمّ هو؟ قالوا: نعم، فاعتذر أبو بكر إلى عمر، فما قبل عمر، فخرج أبو بكر مغاضباً إلى النبي عليه الصلاة والسلام فلما وصل عرف النبي صلى الله عليه وسلم ما في وجهه، فقال: أمّا صاحبكم فقد غامر؟؟؟؟؟؟ وقال: يا رسول الله، إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر – ثلاثاً -، ثم إن عمر ندم وأتى منزل أبي بكر فسأل أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعَّر (أي تذهب نضارته من الغضب) حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال – أي أبو بكر – يا رسول الله أنا كنت أظلم – مرتين – فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركوا لي صاحبي فما أوذي بعدها] فهو إذن من المدللين.

فإذا غضب أبو بكر على أحد وتكلم عليه فيجب أن يتحمل عمر ومن دونه وليس من حققه أن يعترض على أبي بكر أو يعتب عليه ولو وطئ رقبته، فهذا أبو بكر له مكانته فاعترف أنه ذو شيبة المسلمين ووالدهم. ولو أن الزوج أخطأ على زوجته وضربها فهل يجوز لها أن تضربه؟ لا يجوز لها أن تلوح بيدها له فضلا ً على أن تضربه. فإن قيل: فهو لم ضربها مخطأً؟ نقول: هذا زوج، روى أحمد والنسائي بإسناد جيد رواته موثوقون مشهورون [ولو كان من قدمه إلى مَفْرَقِ رأسه قَرْحة تنْبَجِسُ بالقبيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه] كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، فهو إذن زوج فإن؟؟؟؟؟ عليها فعليها أن تتودد له ليصفو قلبه وليعود إلى صوابه، وأما أن تقول: ضربتني مخطئاً فخذ؟؟؟؟؟ فنعوذ بالله من هذا، ألم تعلم مثل هذه المرأة أنه زوج؟! فإذا كانت الزوجة ليس من حقها أن تضرب زوجها – لأنه مدلل عليها – فليس من حق أحد من الأمة أن ينظر إلى أبي بكر نظراً فيه شيء من الشر والغضب فضلا ً على أن يأخذهم؟؟؟؟؟؟؟؟

القصة الثانية: رواها الإمام الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه، وغيره بسند صحيح عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا ربيعة ألا تتزوج قلت: لا والله يا رسول الله ما أريد أن أتزوج وما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء. ثم عرض عليه الزواج مرة ثانية فرفض، ثم وافق في الثالثة فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى حي من الأنصار ليزوجوه فزوجوه، ثم جمع له الصحابة الصداق وزن نواة من ذهب ثم عاونوه على الوليمة.....

الحديث أخذ قرابة صفحتين في المجمع) ، ثم قال ربيعة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بعد ذلك أرضاً وأعطى أبا بكر أرضاً، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عِذق نخلة [لأنها متدلية على الأرض] فقلت أنا: هي في حَدّي، وقال أبو بكر هي في حَدّي وكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها، وندم – أي أبو بكر – فقال: يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصاً، قلت: لا أفعل، قال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدي عليك برسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: ما أنا بفاعل، قال وضرب الأرض [وضرب الأرض برجله مغضباً] وانطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم فقالوا: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لك ما قال؟ فقلت: أتدرون من هذا، هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت إليكم يسمعكم فيلتفت إليكم – فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه، فيغضب الله عز وجل لغضبهما فيهلك ربيعة، قالوا: ما تأمرنا، قال ارجعوا فانطلق أبو بكر رحمة الله عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته وحدي حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان، فرفع رأسه إلي فقال يا ربيعة مالك وللصديق، قلت: يا رسول الله، كان كذا، كان كذا، قال لي كلمة كرهتها فقال لي قل كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر، قال الحسن: فولى أبو بكر رحمه الله يبكي. والقصة أوردها الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 4/256، 257 في كتاب النكاح. فهذا مدلل وموسى مدلل، فإذا ارتفع صوته فما الذي يحصل؟ فيجري بينه وبين حبيبه ما يجري فلا تدخل نفسك بينهما فأنت واجبك أن تحافظ على الحدود الشرعية التي قيدت بها.

الآية الثالثة: من الآيات الثلاث التي رآها في السموات عندما عرج به إلى السموات العلا رؤية سدرة المنتهى وما يوجد حولها من عجائب: ثبت في حديث الإسراء والمعراج الذي تقدم معنا من رواية مالك بن صعصعة رضي الله عنه وفيه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم [ثم رُفِعْتُ إلى سدرة المنتهى [[وضبط: ثم رُفِعَتْ لي سدرة المنتهى أي أظهرت وبينت فإذا نَبِقْهَا (بفتح النون وإسكان الباء، ويقال بكسر الباء وهو ثمر السدر مثل قلال هجر (جمع قلة وهى وعاء كبير يوضع فيه الماء من الفخار، وهجر بلده في البحرين وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قلت: ما هذه يا جبريل؟: قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار تخرج من أصلها: نهران باطنان (أي يسيران إلى داخل الجنة) ونهران ظاهران (إلى خارجها) قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنِّيْل والفرات] . وسنبحث هنا عدة أمور: المبحث الأول: (سدرة المنتهى) سميت بهذا الاسم لثلاثة أمور: [لما أسري بي انتُهي بي إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي ما يهبط فيُقبض منها، ينتهي ما يعرج من الأرض فيُقبض منها، وهي في السماء السادسة] . إذن سدرة المنتهى في السماء السادسة فما يعرج من الأرض ويصعد ينتهي إليها فلا؟؟؟؟؟؟ وما يهبط من السماء فما فوقها وينزل يكون محل هبوطه عندها، ثم تأخذه الملائكة الموكلة بتبليغه إلى ما شاءت، من أهل سدرة المنتهى، فما يصعد يقف عند سدرة المنتهى وما يهبط يقف عند سدرة المنتهى ثم تتولى الملائكة؟؟؟؟؟؟ وتوزيعه حسب ما يأمرها الله عز وجل. الثاني: قال الإمام النووي عليه رحمة الله: سميت سدرة المنهتى لأن علم الملائكة ينتهي إليها فلا يتجاوزها.

فالملائكة لا تعلم ماذا يوجد بعد سدرة المنتهى، وسدرة المنتهى أصلها في السماء السادسة – كما ذكرنا – وأغصانها وفروعها في السماء السابعة والملائكة لا تتجاوز هذا، ولذلك تقدم في حديث المعراج – وسيأتي هذا معنا في الآيات الرابعة أن نبينا عليه الصلاة والسلام عُرج به وتوقف جبريل لما وصلا إلى سدرة المنتهى (وما منا إلا له مقام معلوم وقال: لو تقدمت طرفة عين لاحترقت) . الثالث: نقله الإمام الطبري في تفسيره (27/31) عند تفسير سورة النجم فروى بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [سميت بسدرة المنتهى لأنه ينتهي إليها أرواح؟؟؟؟؟؟ من المؤمنين] فإذن أرواح المؤمنين تكون في أصل سدرة المنتهى في ذلك المكان. المبحث الثاني وصف الله هذه السدرة في كتابه بقوله (إذ يغشى السدرة ما يغشى) . والذي غشي السدرة عدة أمور منها: أ- ما ثبت في حديث ابن مسعود المتقدم في صحيح مسلم وفيه [أنه غشيها فراش من ذهب] أي مملوءة بفراش من ذهب. قد يقول قائل: فراش من ذهب له روح كيف هذا؟ نقول: يا عبد الله، لماذا هذا التفكير؟ فهل إذا كان الفراش من عصب أو لحم يمكن أن يكون فيه روح ويتحرك وإذا كان من ذهب لا يمكن؟ لماذا هذا التفكير؟ ألم ينزل على نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام عندما اغتسل بعد أن برأ من مرضه عندما قال الله له: (هذا مغتسل بارد وشراب) فسقط عليه جراد من ذهب فبدأ نبي الله أيوب يغترف من هذا الجراد فقال الله له: ما هذا يا أيوب أوليس قد أغنيتك؟ فقال يا رب لا غنى لي عن بركتك. أي هذه البركة نزلت من عندك فأنا سآخذها وأجمعها. والحديث في صحيح البخاري، وهذا حصل في حياتنا الدنيوية هنا، أفلا يعقل في مثل هذه الرحلة المباركة التي حصلت لخير البرية عليه الصلاة والسلام أن يكون هناك فراش من ذهب يطير حولها ويعيش فيها وكل هذه الرحلة خوارق وعجائب.

ب- ورد عن أبي سعد الخدري وابن عباس رضي الله عنهم قالا: [إنه يغشاها ملائكة الله] وثبت في سنن البيهقي عن أبي سعد الخدري رضي الله عنه أنه قال: [على كل ورقة منها ملك لله] . جـ- ورد أنه تغشاها أنوار عظيمة، ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [فلما غشيها من أمر الله ما غشيها (أي من أنواره) تغيرت فما أحد من خلالها؟؟؟؟ يستطيع أن ينعتها من حسنها] المبحث الثالث قال نبينا عليه الصلاة والسلام عن هذه السدرة: [فإذا نَبْقِها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة] . هذه الشجرة التي هي سدرة المنتهى، وهذا النبق الذي هو الثمر والذي هو كقلال هجر لِمَ خصت بالذكر ووضعت في ذلك المكان ورآها نبينا عليه الصلاة والسلام؟ خصت لثلاثة أمور: أولها: ثمرها طيب. ثانيها: رائحتها ذكية. ثالثها: ظلها واسع. فإذن لها طعم ولها ريح ولها ظل، فخصت لهذه الاعتبارات الثلاثة، وهذه الاعتبارات الثلاثة تشبه الإيمان فالمؤمن ينبغي أن يكون: رائحته: قوله حسناً ... ظله: وفعله حسناً ... طعامه: ونيته حسنة بمثابة شجرة السدر طعم ورائحة وظل. وهكذا المؤمن فالقول الذي يصدر منه هو بمثابة الرائحة الذكية التي تعبق وتفوح، فلا يتكلم إلا بطيب، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت] ، فهو قول حسن يعبق به المجلس ويفوح فلا نتكلم بما يخدش الآذان أو في عرض مسلم. والعمل الذي يصدر منه هو بمثابة ظل شجر السدر، فهو عمل صالح؟؟؟؟؟ النية التي تصدر منه هي بمثابة الطعم وهي أطيب وأطيب مما ذكر. فإذن ذكرت هذه الشجرة وخصت في ذلك المكان ورآها نبينا عليه الصلاة والسلام؟؟؟؟؟ الإيمان الذي كلف به عليه الصلاة والسلام وبتبليغه يشبه هذه الشجرة التي غشاها ما غشاها، ونبقها في تلك الصورة الحسنة البهية وراحتها ذكية.

وقد شبه نبينا عليه الصلاة والسلام المؤمن بالأترجة إذا قرأ القرآن،؟؟؟؟؟؟؟ يقرأ القرآن، ثبت في الصحيحين وسنن النسائي وغيرها من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب] والأترجة هي المانجو الآن، ويمكن أن يقال شجر التفاح يعد لها هي في الأصل المانجو، وهي موجودة في بلاد مصر بكثرة، وهكذا التفاح ريحه طيب وطعمه حلو، ولو اشتريت ثمر المانجو ووضعته في البيت، فإنك إذا دخلت إلى البيت تشم ريحه إذا كان ناضجاً وكأن البيت مطيب، وهكذا الطعم. ثم قال: [ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب، ولا ريح لها] فتوجد نية طيبة لكن لا توجد رائحة حسنة من هذا المؤمن. ثم قال: [ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة] ، والريحانة ريحها طيب لكن طعمها مر وكذا حال هذا المنافق فالقول الذي يصدر منه هو بمثابة الرائحة الطيبة، أما النية فهي سيئة الله أعلم بحال صاحبها، فتجده يتجمل بقراءة القرآن فتحصل منه رائحة طيبة. ثم قال [ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظل لا ريح لها وطعمها خبيث] .

فإذن شبه المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة، وشبه في حديث الإسراء والمعراج بشجرة السدر، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا ً لاستمرار الخيرية في المؤمن وعند انقطاع المؤمن عن الخير بشجرة النخيل، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مِثْل المسلم يعني مثل المسلم – أي هي تشبهه) فحدثوني ما هي؟ قال عبد الله بن عمر: فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت لأنه كان عاشر عشرة فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد كان صغيراً – ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله، قال: هي النخلة] فلما قال لوالده عمر: أنا علمت أنها النخلة ولكنني استحيت أن أقولها؟ فقال: لأن تكون قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا من الأرض ذهباً، ليكون له قدر عند النبي صلى الله عليه وسلم عندما يوفق إلى الحكمة وليسدد للصواب. (ألم تر كيف ضرب الله مثلا ً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها في السماء) فالكلمة الطيبة هي التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله. والشجرة الطيبة كشجرة السدر وشجرة التفاح وشجر النخيل وشجر الأترجة. (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) وهكذا المؤمن هو في الأرض لكن أعماله تصعد إلى الله جل وعلا (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) . المبحث الرابع الأنهار التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام تخرج من أصل سدرة المنتهى: قلنا رأى النبي صلى الله عليه وسلم نهرين باطنين ونهرين ظاهرين، أما الباطنان فهما الكوثر والرحمة ويخرجان من عين هي أمّ لهما أسمها السلسبيل وأما الظاهران فهما النيل والفرات كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام.

وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [سيحان وجيحان والنيل والفرات كلها من أنهار الجنة] وسيحان وجيحان نهران في بلاد سمرقند التي هي الآن تحت حكم الاتحاد السوفيتي فك الله أسر بلاد المسلمين، والنيل في بلاد مصر، والفرات في بلاد الشام، وهذه الأنهار كلها من الجنة. فإن قيل: كيف نجمع بين هذا الحديث وبين حديث الإسراء والمعراج الذي ذكر فيه نهرين فقط؟ نقول: وهو الجواب المعتمد الذي قرره الإمام النووي رحمه الله والحافظ ابن حجر: لا إشكال في ذلك، فسيحان وجيحان من أنهار الجنة، لكن لا ينبعان من أصل سدرة المنتهى، وأما النيل والفرات فمن أنهار الجنة ولكن ينبعان من أصل سدرة المنتهى ثم يتفجران للناس في الأرض فالنيل والفرات لهما مزيد بركة وفضل ومزية على سيحان وجيحان. وانظروا شرح الإمام النووي على صحيح مسلم (17/177) وفتح الباري (7/203) . ما المراد هنا من كون هذه الأنهار الظاهرة (النيل والفرات وسيحان وجيحان) من الجنة؟) ذكر علماؤنا قولين: القول الأول: ذكره القاضي عياض – وهو في نظري مردود مع جلالة قائله _وهو أن في كون سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة إشارة إلى معجزة عظيمة من معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام وهي: أن البلاد التي فيها تلك الأنهار عما قريب ستفتح ويسلم أهل تلك البلاد ويؤولون إلى الجنة بعد ذلك، فهذه الأنهار ليس ماؤها من الجنة فعبر بالمحل وأراد من سيحل فيها في المستقبل من أهل الجنة. وهذا في منتهى التكلف فيما يظهر لي ولا داعي دائماً لإخراج اللفظ من ظاهره.

القول الثاني: وهو المعتمد وهو الذي قرره شيخ الإسلام الإمام النووي وابن حجر وغيرهما أن هذه الأنهار من أنهار الجنة حقيقة، فماؤها ينزل من الجنة بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها ونحن نحن معشر أهل السنة نؤمن بأن الجنة مخلوقة، وأن النار مخلوقة، وإذا كان الأمر كذلك فالأنهار موجودة في الجنة الآن، وهذان النهران الظاهران (النيل والفرات) يصبان في النيل والفرات في الأرض بكيفية يعلمها الله جل وعلا. وحقيقة لو أكرمك الله بشرب ماء النيل قبل أن يلوثه أهل الضلال والأباطيل بما سار عليه من مياه المجاري، وكذا الفرات، فأنت لو ذهبت إلى منبع النيل الأصلي لوجدت الماء أحلى وأطيب من العسل، لأنه من أنهار الجنة. ولا يوجد ماء على وجه الأرض يعدل ماء النيل أو الفرات اللهم إلا ماء زمزم – كما تقدم معنا فإنه أفضل المياه. وكذا لو ذهبت إلى النهر الثاني (الفرات) وشربت من ذلك الماء الصافي قبل أن يعكر المعكرون لانتعشت انتعاشاً ليس بعده انتعاش. وهكذا سيحان وجيحان: هذا ما يتعلق بالمبحث الرابع. وختام الكلام على الآيات الثلاث التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام معراجه في السموات العلا: رأى الملائكة الكرام – كما تقدم معنا – كما رأى خليل الرحمن إبراهيم وكيف أن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى قيام الساعة. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن أحوال بعض الملائكة الذين رآهم،؟؟؟؟؟ وأميرهم ورئيسهم هو جبريل عليه الصلاة والسلام – كما أن سيد البشر وأميرهم وأولهم نبينا عليه الصلاة والسلام. ثبت في مسند البزار ومعجم الطبراني الأوسط بسند رجاله ثقات عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى (وهم الملائكة) فإذا جبريل كالحِلْس البالي من خشية الله] . والحِلْس: المتاع والثياب، أي كالمتاع والثياب الممزق الذي مضى عليه وقت كثير من الدهر فبلى.

وهذا هو حال الملائكة الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام. القسم الرابع: آخر الآيات وآخر مباحث الإسراء والمعراج: آيات عظيمة حصلت له بعد رقي السموات. أكرمه الله بعدة أمور منها: 1- فرض الصلوات الخمس. 2- مغفرة الكبائر لأمته الذين لا يشركون بالله شيئاً. 3- خواتيم سورة البقرة. 4- رؤية الله. 5- كلام الله. فهذه آيات حصلت لخير البريات عليه صلوات الله وسلامه فوق السموات (؟؟؟) بعد أن انتهى من السماء السابعة وعُرج به إلى مستوىً سمع فيه صريف الأقلام. وهذه أعظم الجوائز، وعندما اجتمع الحبيب بحبيبه فيعطيه أحسن التحف وهي الخمسة السابقة. أولاً: أما الصلوات الخمس: فقد فرضت في تلك الليلة من رحلته المباركة. ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يروي لأصحابه حديث الإسراء والمعراج: [ففرض الله علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فمررت فنزلت إلى موسى – وتقدم معنا أن موسى صار في السماء السابعة بعد أن كان في السادسة – فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صلاة، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك وخبرتهم] أي أنا أعلم الناس بأحوال الناس؟؟؟؟ لن تطيق خمسين صلاة، إذ قد فرض الله على بني إسرائيل صلاتين في الغداء والعشي فما أطاقوها ولا فعلوها، فكيف ستؤدي أمتك خمسين صلاة؟ إنها لن تطيق ذلك.

[قال نبينا عليه الصلاة والسلام: فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتي، فحط عني خمساً، فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمساً، قال: فإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى، حتى قال، يا محمد، إنهن خمس صلواتٌ كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فذلك خمس صلاة (إذن نزل وصعد تسع مرات) ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت عشراً، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب شيئاً فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت إلى موسى، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف (أي ليخفف من الخمس أيضاً شيئاً) فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه] وفي رواية البخاري (فقلت: لكن أرضى وأسلم) أي لا أريد أن أرجع إلى ربي مرة عاشرة لأنه راجعه تسع مرات حتى خفف الصلوات إلى خمس. [فلما جاوزت نادى منادٍ: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، فهي خمس وفي الأجر خمسون] . هذا هو الحديث الذي يقرر أن الصلوات فرضت في ليلة المعراج فوق السموات العلا بينه وبين ربه جل وعلا، ثم نزل ومر على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام وهو في السماء السابعة وهذا الحديث عندنا حوله عدة تنبيهات: أ - ورد في رواية الصحيحين من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [فوضع عني شطرها] وتقدم معنا هنا: أنه وضع عنه خمس صلوات، خمس صلوات حتى خففت إلى خمس ورواية أبي ذر شطرها، والشطر النصف أي خمس وعشرين. وفي رواية البخاري من حديث مالك بن صعصعة: [فوضع عني عشراً] و؟؟؟؟ وخمساً فكيف نجمع بين هذه الألفاظ؟

نقول لا إشكال على الإطلاق: فالمراد من الشطر إما البعض وهو الخمس وليس النصف الذي هو خمس وعشرين، أو أن المراد منه النصف لكن ليس بمرة واحدة إنما بمرات متعددة فأخبر عن وضع الشطر في خمس مرات كل مرة يضع خمساً وخمساً وخمساً وخمساً فالمجموع خمسة وعشرون وهذا شطر الخمسين. وأما العشر: فالمراد أنه وضعها في مرتين. لكن الذي وقع حقيقة وضع خمس صلوات في كل مرة، هذا هو الجمع بين هذه الروايات. ب- تنبيه حول رجوع نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ربه: كيف رجع نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ربه يسأله التخفيف في المرات التسع؟؟ ولم يرجع في المرة العاشرة؟ نقول: لعله علم أن الله لما فرض عليه الخمسين لم يفرضها فرض إلزام، فبقي هنالك مجال للمراجعة، فلما وصلت إلى خمس وقد أخبره في المرة الأخيرة أنها خمس في كل يوم وليلة وهي في الأجر خمسون علم أن الأمر صار أمر إلزام وحتم فلا يمكن أن أطلب التخفيف فقال [أرضى وأسلم] . يضاف إلى هذا أنه إذا طلب التخفيف في المرة العاشرة (الأخيرة) وقد حط عنه خمساً خمساً فإذا حط عنه الخمس المتبقية فستبقى هذه الأمة بلا فريضة؟؟ تقوم بها، ولذلك لو سأل في المرة العاشرة التخفيف فإن حاله يدل على أنه يريد إسقاط هذه الفريضة عن هذه الأمة، وهذا لا يليق ولذلك قال [أرضى وأسلم] ، وأما المرات السابقة فلعله علم بقرينة من القرائن أن ما فرض ليس من باب الجزم ويدل على هذا أن الله قد أجاب سؤاله وخفف عنه حتى وصلت إلى خمس صلوات. جـ- ما الحكمة من فرضية الصلاة في تلك الليلة المباركة، وفي ذلك المكان الذي هو أشرف الأمكنة فوق السموات العلا. ذكر العلماء حكمة معتبرة، وتبدو لي حكمة معتبرة لعلها أوجه مما هو موجود في الكتب والعلم عند الله.

1- الحكمة التي ذكروها هي: أن النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة الإسراء والمعراج رأى حال الملائكة وعبادتهم لربهم جل وعلا، فمنهم الراكع الذي لا يرفع رأسه من الركوع، ومنهم الساجد الذي لا يرفع رأسه من السجود، ومنهم القائم لله عز وجل، هكذا عبادتهم، فتطلع نبينا عليه الصلاة والسلام لهذه العبادات العظيمة التي يقوم بها الملائكة العظام، فأجاب تطلعه وحقق أمنيته فأعطاه هذه العبادات بأسرها التي يقوم الملائكة في ركعة واحدة من ركعات الصلاة ففيها قيام وفيها ركوع وفيها سجود. أي: ليجمع الله لهذه الأمة عبادات الملائكة بأسرها في ركعة من ركعات الصلاة. 2- والحكمة التي تبدو لي هي: أن الصلاة إنما فرضت في ذلك المكان المعتبر لما فيها من عظيم الأثر فالصلاة لها أثر في الإنسان لا يوجد هذا الأثر في غيرها من عبادات الرحمن، فالجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، والزكاة والحج والصوم وهكذا ما شئت من العبادات لا يوجد في هذه العبادات أثر كأثر الصلاة من تزكية للنفس ومن داوم مراقبة الرب جل وعلا، ومن؟؟؟؟؟ بين المؤمنين في هذه الصلوات. فإذن الآثار التي توجد في الصلاة لا توجد في غيرها، فكل يوم ينبغي أن تصلي خمس مرات ولعل الإنسان لا يمر عليه يوم ويصلي أقل من أربعين ركعة وأحياناً يزيد، فالفرائض سبعة عشر ركعة والسنة الراتبة اثنا عشرة صار المجموع 29، ثم ضم إليها قيام الليل الذي هو ثماني ركعات صار العدد 37، مع ثلاث ركعات الوتر صار العدد40 ركعة، هذا إذا لم يؤد سنة الضحى، ونافلة قبل العصر، ونافلة قبل المغرب، إذا لم يتطوع تطوعا؟؟؟؟؟ ويحيي ما بين العشاءين بالصلاة كما هو حال الصالحين.

فأنت تصلي هذا العدد في اليوم وهذا له أثر جليل، أما الصوم فيجيء شهر متواصل تصوم وينقضي، وفيه آثار عظيمة لكن ليس كأثر الصلاة، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كما في موطأ مالك – يكتب إلى عماله: [إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع] ، وأول ما يحاسب عليه العبد من أعمال يوم القيامة هو الصلاة، فإن صلحت نظر في سائر عمله وحوسب عليه وإلا فالويل له. فإذن الصلاة لها أثر معتبر ومنزلة عظيمة وإذا كان الأمر كذلك فتعظيماً لشأنها فرضت في مكان؟؟؟؟ وأحسنه؟؟؟ وأغلاه وهو فوق السموات العلا من قبل الله إلى عبده محمد عليه صلوات الله وسلامه عليه مباشرة ودون أن يتخلل ذلك واسطة من جبريل أو غيره. ثانياً: مغفرة الكبائر لأمته الذين لا يشركون به شيئاً: ... ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [فأُعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً – أي مما أعطي – (لما رفع فوق السماء السابعة) : الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغُفِرَ لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحماتُ] أي غفرت المقحمات لمن لم يشرك بالله من أمته والمقحمات هي الذنوب العظيمة الكبيرة التي تقحم صاحبها وتزجه في نار جهنم. ... وقد ثبت في سنن الترمذي بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [يقول الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك....] وآخر الحديث هو محل الشاهد: [يا ابن آدم لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة] أي لو أتيت بما يقارب ملء الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة، وهذا من فضل الله على هذه الأمة، فنسأل الله أن يتوفانا على الإيمان بفضله ورحمته إنه ذو الجلال والإكرام.

.. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديث صحيحة متواترة أن شفاعته لأهل الكبائر من أمته، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه أبو داوود والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أنس رضي الله عنه – وهو مروي عن غيره عند غيرهما أيضاً – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] ، فالله سبحانه وتعالى يشفّع نبيه في أهل الكبائر ويقبل شفاعته ويغفر لهم ويرحمهم فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وهذه أعظم تُحفة حصلت لهذه الأمة في حادث الإسراء والمعراج. المحاضرة الحادية عشرة 8/4/1412هـ ... وعقيدتنا معشر أهل السنة أن أصحاب الكبائر يفوض أمرهم إلى ربنا القاهر فلا نحكم عليهم بنار، ولا ننزلهم جنة، لكن نرجو لهم المغفرة. ... هذا إذ لم يتوبوا، فإذا تابوا تاب الله عليهم، ومن يمت ولم يتب من ذنبه، فأمره مفوض لربه، فإن عذبه الله على ذنوبه فهذا عدل، وإن غفر له فهذا فضل، وأفعال الله تدور بين هذين الحكمين عدل، أو فضل، ولا دخل للظلم أو الجور في أفعاله سبحانه وتعالى؛ لأن أفعال الله إما أن تكون عدلاً أو فضلاً أو جوراً، والجور يتنزه الله عنه، يقول تعالى كما في الحديث القدسي [إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا] ، ويقول (ولا يظلم ربك أحداً) ويقول (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً) ، فبقي العدل والفضل فمن عذبه فبعدله، ومن غفر له وأدخله الجنة فبفضله سبحان الله.

وهذا فيه رد على الفرق الضالة من الخوارج والمعتزلة الذين يخلدون فاعل الكبيرة في النار وكذلك فيه رد على فرقة الإباضية بزعامة مفتي عمان في هذه الأيام أحمد الخليلي، فإن هذا يرد على الخوارج الذين يكفرون فاعل الكبيرة – مع أن الإباضية فرقة من الخوارج، لكن يقول: هم مخلدون في النار وليسوا بكفار، فمن فعل كبيرة من زناً أو سرقة أو شرب خمر فهو مخلد في النار لكن – كما يقول – ليس بكافر ثم يقول وقد أخطأت الخوارج بتكفيره. نقول له: ما الفارق بين قولك وقول الخوارج في النهاية والآخرة، هل يوجد هناك فرق؟ لا يوجد فارق أبداً، فالخوارج قالوا: يخلد فاعل الكبيرة في النار، وأنت تقول إنه يخلد في النار فما الفرق إذن؟!! لكن الخوارج أجرأ منك على الباطل فقالوا: هو في الدنيا كافر، أما أنت فتذبذبت وقلت إنه مؤمن. فنقول لك: إذا كان مؤمناً فكيف ستخلده في نار جهنم مع فرعون وأبي لهب وأبي جهل؟!! إن هذا لهو الضلال بعينه. وقد نشر في هذا الوقت كتاباً سماه (الحق الدامغ) ، وكله باطل ليس فيه حق، أراد أن يقرر فيه ثلاث مسائل فحشاها ضلالاً وباطلاً: 1- نفي رؤية الله في الآخرة، ومن قال بالرؤية فهو ضال!! 2- كلام الله مخلوق. 3- أهل الكبائر مخلدون في نار جهنم. وقد ضلَّ في هذه المسائل الثلاثة وحرف الكلام عن مواضعه، وافترى على الشريعة المطهرة، وهذا الكتاب الذي ألفه، سبقه إلى تأليف مثله زنديق ضال خبيث حيث ألف كتاباً سماه (الدامغ) ومؤلفه هو أحمد بن يحيى الرواندي المتوفى سنة 298هـ، يقول الحافظ ابن حجر في لسان الميزان في ترجمته ألف كتاب الدامغ ليرد به على القرآن ويبين – على زعمه – تناقضه – ثم قال: أجاد الذهبي في حذفه فلم يذكره في ميزانه، وإنما ذكرته لألعنه. فهذا ألف الحق الدامغ في هذا العصر، ونحن نقول له: إنك تتحلى - أو تتقبح – بقبائح مستعارة فهذا العنوان سبقك إليه زنديق ضال. فذاك ألف الدامغ ليدمغ به القرآن على زعمه.

وهذا – الخليلي – ألف الدامغ ليدمغ به عقيدة أهل السنة والجماعة، فانتبهوا لهذا!!. وهذا بمنصب مفتي عمان وقد قلقل أذهان أهل السنة في ذلك المكان، وقبل أن آتي إلى رأس الخيمة من أبها اتصل بي بعض الأخوة من عمان وأرسل لي رسالة صغيرة بحدود ثلاثين صفحة، نشرها ذلك المفتي هناك حول جواب على سؤال وجه إليه، وهو أن رؤية الله في الآخرة مستحيلة، ومن قد آمن بهذا فهو ضال يشبه الخالق بالمخلوق , ذكر كلاماً باطلاً، وقد قال لي هذا الأخ: هذه الرسالة زعزع بها أهل السنة، إذ أنه منطيق في الكلام، وصاحب كلام معسول ويأتي بأمور متشابهة وكما قال يصطاد في الماء العكر. فأعظم منه من الله بها على نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى هذه الأمة أن بُشِّر نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه سيغفر لهذه الأمة المقحمات وهى الذنوب الكبائر وهذا فضل عظيم، وهذه تحفة عظيمة، وحتى هذه التحفة على قدر المتحِف والمهدِي، وعلى قدر المُتحَف والمُهْدى، فهذه هدية بين الله ونبيه حبيبه وخير خلقه، فماذا ستكون؟! حقيقة لابد أن تكون أنفس الهدايا والتحف، فأمتك لن نسوءك فيهم، فمن جاءنا؟؟؟؟؟؟ وعليه من الذنوب أمثال الجبال – إذا لم يشرك بالله شيئاً – نغفر له برحمتنا الواسعة نسأل الله أن يدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوه إنه واسع المغفرة. ثالثا: خواتيم سورة البقرة: ... وهذه هي التحفة الثالثة، وقد نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج؟؟ بالآيتين في ذلك المكان وامتن الله على نبيه عليه الصلاة والسلام بهما، وبما لهما من الفضائل العظام. وقد وردت بذلك الأحاديث الكثيرة ففي مسند الإمام أحمد بسند حسن عن عقبة بن عامر الجهني قال: [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة، فإنهما من كنز من تحت العرش] أي هذه من الكنوز الثمينة وتلقيتها من تحت عرش الرحمن، فهذا إذن مال عظيم؟؟ ثمين نتقرب به إلى رب العالمين.

وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن منزلة هاتين الآيتين، ففي الصحيحين، وسنن النسائي والترمذي من حديث أبي مسعود رضي الله عنه (وقد ورد في بعض الكتب ابن مسعود، كتفسير ابن كثير وغيره وهذا خطأ مطبعي صوابه: أبو مسعود وهو الأنصاري البدري وليس عبد الله بن مسعود فهذا من المهاجرين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه] . قال الإمام النووي: (كفتاه) تحتمل أمرين لعل الله يجمعهما للقارئ بفضل رحمته: 1- كفتاه عن قيام الليل إذا لم يتيسر له أن يقوم في تلك الليلة لغلبة نوم أو تعب، فيكون له أجر قيام الليل بفضله ورحمته، ولا يقل قائل: أقرهما ولا أقوم للقيام وسأحصل الأجر. 2- كفتاه تلك الليلة كل مكروه وأذىً وبلية تقع في تلك الليلة. وقد ثبت في سنن الترمذي وصحيح ابن حيان ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الآيتان من آخر سورة البقرة لا تُقرآن في دار ثلاث مرات فيقربها الشيطان] أي فمن قرأها ثلاث مرات في بيته فلا يقرب الشيطان هذا البيت في ذلك اليوم. وروى ابن مَرْدُوْيَهْ عن علي رضي الله عنه أنه قال [لا أرى أحداً يعقل ينام قبل أن يقرأ آية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة] ومعنى كلامه أنه لا يمكن أن يكون ببالي أن أرى مسلماً يعقل – أي ليس بكافر، وليس بصغير حتى نقول إنه لا يدرك منزلة هذه الآيات – بل هو مسلم عاقل ينام دون أن يقرأ آية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة، فحافظوا على ذلك. أما آية الكرسي كما في صحيح البخاري: [من قرأها إذا أخذ مضجعه لا يقربه شيطان حتى يصبح] وهي أفضل آي القرآن على الإطلاق، فأفضل آياته آية الكرسي وأفضل سوره سورة الإخلاص.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أي آيات في كتاب الله أعظم؟ فقلت: آية الكرسي، فضرب النبي عليه الصلاة والسلام في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر] ومعنى ليهنك هنيئاً لك وأحسن على هذه الإصابة. وفي آية الكرسي اسمان: الحي القيوم إذا سئل بهما أعطى وإذا دعي بهما أجاب. وكان النبي عليه الصلاة والسلام – كما في سنن الترمذي وغيره – [إذا اجتهد في الدعاء يقول: يا حي يا قيوم] أي إذا دعا دعاءً يلح به وهو مهم فإنه يناجي ربه بهذين الاسمين: يا حي، يا قيوم. وقد أوصى نبينا عليه الصلاة والسلام – كما في مستدرك الحاكم وعمل اليوم والليلة لابن السني بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة ما يمنعك أن تقولي ما أوصيتك به، تقولين إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين] فهذا توسل إلى الله بحياته وقيوميته. فحافظوا عليه صباحاً ومساءً، فإنه هدية من نبينا عليه الصلاة والسلام لبِضْعَتِه فلتأخذ به أنت وهذان الاسمان هما أصل لسائر صفاته، فكل صفة لله أصلها الحي أو القيوم. فالصفات الذاتية بأسرها لا يثبت شيء منها لله إلا بعد ثبوت الحياة له جل وعلا، والصفات الفعلية بأسرها من الخلق والرزق والإحياء والإماتة والإعزاز والإذلال وما شاكلها لا تثبت لله إلا إذا ثبتت القيومية له. فهو حي حياة كاملة فلا تأخذه سنة ولا نوم، ومن باب أولى لا يطرأ عليه فناء ولا يموت سبحانه وتعالى، وهو قيوم قائم بنفسه مقيم لشؤون غيره يدبر أمور عباده (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) .

وقد ورد في سنن ابن ماجه بسند حسن – وهو في غيره أيضاً – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الاسم الأعظم في ثلاث سور] قال القاسم بن عبد الرحمن، راوي الحديث، وهو من أئمة التابعين – فطلبته فوجدته في سورة البقرة وآل عمران وطه. فهي في سورة البقرة في آية الكرسي آية (255) . في سورة آل عمران الآية الثانية: (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) . وفي سورة طه الآية (111) : (وعنت الوجوه للحي القيوم) . وما ذكر الله اسمي الحي القيوم مقترنين إلا في هذه السور الثلاث، فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث [اسم الله الأعظم في ثلاث سور] قرينة – كما قال أئمتنا – على أن هذين الاسمين هما اسم الله الأعظم لكن مع هذا نقول اختلف أئمتنا لقرائن هل هو هذا، أم يا ذا الجلال والإكرام؟ أم لفظ الله؟ وقيل غير ذلك، وكل فريق أورد أدلة له، لكن هذا – الحي القيوم – فيما يظهر أظهرها؛ لأن له ميزة على سائر أسماء الله سبحانه وتعالى، فإنهما كما قلنا أصلان لسائر أسماء وصفات الله سبحانه وتعالى فلا يستبعد أن يكونا هما اسم الله الأعظم، سبحانه وتعالى لاسيما مع قرينة [في ثلاث سور] . ومبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في الالتجاء إلى الله عندما يهمه أمر بـ (يا حي يا قيوم) فهذا مما يدل على أن لهذا منزلة، وكذلك تعليمه لابنته فاطمة أن تلجأ إلى الله في الصباح والمساء بـ (يا حي يا قيوم) والعلم عند الله. يقول الإمام ابن تيمية – كما نقل عنه هذا تلميذه ابن القيم في مدارج السالكين: "لهذين الاسمين المباركين الأثر في حياة القلب ما ليس لغيرهما" ويقول "ومن تجريبات السالكين أن من واظب عليه قبل صلاة الفجر أحيا الله قلبه". أي أن من تجريبات السالكين أنهم كانوا يلهجون بهذين الاسمين قبل صلاة الفجر فيحيي الله جل وعلا قلوبهم ويجعلها منشرحة منورة مطمئنة.

س: هل ثبت أن الاسم الأعظم من الغيب الذي لا يعلمه إلا الولي الصالح أو أنه استنتاج حيث أنه لم يصرح به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ جـ- لم يثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ونقول: هو استنتاج من أحاديثه ويَتَوَصَّلُ إلى معرفته أصحابُ العقول السليمة الواعية بالنظر في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم – أحياناً – يشير إلى شيء ممكن أن يصل الإنسان إليه عن طريق النظر والتفكير فيما أشار إليه، كما في تعيين ليلة القدر فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحددها ولكن أشار في أحاديثه إلى أشياء يمكن التوصل عن طريقها إلى معرفة الليلة. إذن فالتحفة الثالثة خواتيم سورة البقرة، وقد ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي عن ابن عباس الله رضي الله عنهما: [أن جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كان جالساً مع النبي ففتح باباً من السماء فسطع نورٌ ونزل ملك منه فقال جبريل: هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا محمد، أبشر بنورين قد أوتيتهما فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته] . وقد يقول قائل: هل نزل هذا الملك بفاتحة الكتاب وبالآيتين من آخر سورة البقرة؟ نقول: لا، الملك لم ينزل يهما إنما نزل مخبراً بفضلهما، إذ أن هذه الآيات – كما قلنا – نزلت على النبيِّ عليه الصلاة والسلام وبُلِّغها فوق السموات العلا. وقد ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن المؤمنين عندما يقرؤون آخر سورة البقرة؟؟؟؟؟؟؟ جملة فيها دعاء يقول الله قد فعلت.

.. (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) فيقول الله: قد فعلت؟؟؟؟؟؟ (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) يقول الله: قد فعلت، (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) قد فعلت، (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) قد فعلت، (واعف عنا) قد فعلت، (واغفر لنا) قد فعلت، (وارحمنا) قد فعلت (أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) قد فعلت. فلا يقرؤون بجملة إلا يقول الله قد فعلت. ... وأما سورة الفاتحة فقد ثبت في الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن الله جل وعلا قال: [قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال (الرحمن الرحيم) قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال (مالك يوم الدين) مجدني عبدي، وفي رواية: قال [فوض إليّ عبدي] وإذا قال (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي] وتكملة الحديث: [ولعبدي ما سأل] أي: بعد أن أثنى علي العبد فليسأل ما يريد فأنا سأجيبه. س: هل الأجر المذكور فيما سبق يترتب على مجرد التلفظ أم على إدراك المعنى؟ جـ: الأصل أن الأجر يترتب على القراءة التامة الكاملة بحضور القلب وخشوعه، وفهم المعنى ومعرفته، وحسن التلاوة وسلامتها، فإن نقص شيء من ذلك نقص الأجر بحسابه.

.. فإذا أخل بالقراءة السليمة نقص الأجر، وإذا أخل بالخشوع والمراقبة والاستحضار والتفكر نقص الأجر، وإذا أخل في فهم المعنى نقص الأجر، وهذا كالصلاة فإنها؟؟؟؟؟. كاملة، وكل ما نقص من كمالها ينقص من أجرها ولذلك ثبت في السنن عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنَّ العبد يصلي الصلاة وما يكتب له نصفها، وما يكتب له ثلثها، وما يكتب له ربعها، وما يكتب له خمسها، حتى وصل وما يكتب له عشرها، وإذ لم يكتب عشرها مع أنه صلى، والقراءة كذلك. ... فإذن الثواب الذي نيط بالقراءة وعلق بها هو للقراءة الكاملة التي فيها – كما ذكرنا – خشوع التلاوة وفهم المعنى، وسلامة النطق، فإذا أخل بشيء من ذلك نقص من أجره، وقد يصل إلى حالة: [رُبَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه] ، نسأل الله العافية، وقد يصل المصلي إلى حالة [لا تزيده صلاته من الله إلا بعداً] وقد يصل الصائم إلى حالة [ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش] ، وقد يصل القائم إلى حالة [ليس له من قيامه إلا التعب والسهر] . ... ولذلك كان بعض الصالحين من أجل هذه المخاوف يقول: "من لم ير أن طاعاته ستدخله الجنة فقد عقله وضاعت بصيرته، أي عليه أن يقول: إن طاعاتي قد تستوجب لي النار، فكيف بمخالفاتي، وواقع الأمر كذلك، فطاعاتنا كم فيها من نقص وشوائب، ولو قدمت لبشر لما رضي بها لما فيها من نقص وتفريط، فكيف لو قدمت إلى أرحم الراحمين، لكن ليس لنا تعويل إلا على فضل الله الجليل، كما قال الأعرابي عندما تعلق بأستار الكعبة: "اللهم إن استغفاري مع إصراري لؤم وإن تركي للاستغفار مع علمي بواسع فضلك عجز مني (؟؟؟؟؟) ، يا من تتحبب إلينا بالنعم، ونتبغَّض إليك بالمعاصي، يا من إذا وَعَد وفَّى، وإذا توعّد تجاوز وعفى أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك" الأمر كذلك فهذا حال البشر إذا رجعوا إلى عقولهم.

.. ولذلك كان الصالحون يقولون: "اللهم إن أطعناك فبفضلك والمنة لك، وإن عصيناك ف؟؟؟؟؟؟؟ وعدلك والحجة لك، اللهم بحق قيام حجتك علينا وانقطاع حجتنا اغفر لنا". أي نحن؟؟؟؟؟ عاجزون مستسلمون، وحقيقة.. لعل هذا يرضي ربنا علينا. ... الحجاج وهو الظالم المشهور سفاك الدماء عندما يخاطب بمثل هذا الأسلوب يلين ويرق قلبه، فقد أساء أناس مرة في حقه فأحضرهم وأعمل السيوف في رقابهم حتى وصل إلى واحد منهم فقال له: قف أيها الأمير، قال: وماذا تريد أن تقول؟ قال: إن أخطأنا عليك وجنينا فلا تخطئ أنت؟؟؟؟؟؟ العفو عنا، فطرح الحجاج سيفه وقال: أما في هؤلاء من يحسن يعتذر؟! أي هؤلاء الذين قطعت رؤوسهم لا يوجد فيهم شخص واحد يحسن الكلام والاعتذار ويقول كقول هذا. ... ونقول نحن حالنا يستوجب قعر جهنم، لكن لا تعويل لنا إلا على فضل الله، فإن عذبنا فهذا ما نستحق وإن رحمنا فهذا جود منه وإحسان، أما أنه نريد أن يكون لنا عند الله يد وعليه منة ونقول فعلنا وفعلنا ونخص الحسنات، فبئس هذا العمل وهذا القول، وهذه الحسنات لا يعلم حالها عندما فعلت إلا الله سبحانه وتعالى، فلنحسن التوبة والاعتذار فكما قلنا حسن الأسلوب يرق قلوب الجبابرة فكيف بأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين سبحانه وتعالى ذي الفضل العظيم، فخواتيم سورة البقرة إذن هي التحفة الثالثة. رابعا: رؤية الله سبحانه وتعالي: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ السموات العلا. ... ومبحث الرؤية مرّ في منهج السنة الأولى، وقد مرّ معكم مختصراً، وتكلم عن رؤية المؤمنين ربهم جل وعلا يوم القيامة، لكن هناك مباحث أخرى تتعلق بموضوع الرؤية منها: 1- النساء وهل يرين ربهن في الآخرة أم لا؟ وهذه المسألة شهيرة ولم يتعرض لها في شرح الطحاوية، وقد ألف أئمتنا كتباً فيها من جملة ذلك: تحفة الجلساء برؤية النساء لرب الأرض والسماء للإمام السيوطي، وهو مطبوع ضمن الحاوي للفتاوى له (2/397) .

والأقوال في هذه المسألة ثلاثة، والمعتمد أنهن يرين الله سبحانه وتعالى وهن مكلفات كما أن الذكور مكلفون، وسبب الخلاف ورود بعض الروايات التي استدل منها بعض الناس على خلاف ذلك وأورد بحثاً فقال النساء لا يرين الله جل وعلا، وهذا باطل، وكان لابد من التعرض لهذا؟؟؟؟؟. 2- موضوع الرؤيا المنامية لربنا جل وعلا، هل تحصل أم لا؟ ... نعم تحصل، والله جل وعلا يُرى في المنام، وقد رآه نبينا عليه الصلاة والسلام – وهذا ليس بخصوصية له. وقرر هذا الإمام ابن تيمية وغيره عليهم جميعاً رحمة الله. ... يقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/167) : "ولم يأتنا نص جلي بأن النبي عليه الصلاة والسلام رأى الله تعالى بعينيه فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة". ... وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص، جمع أحاديثها؟؟؟ والبيهقي وغيرهما". ... ففي رؤية الله في المنام ثابتة باتفاق أهل السنة، وقد حكى ابن حجر في فتح الباري في الجزء الثالث عشر الإجماع على أن الله يُرى في المنام. ... وقد رآه أبو حنيفة والإمام أحمد والإمام الأوزاعي وأبو سليمان الرَبْعي (محدث دمشق) ، ورآه عدد غيرهم 0 وأنا أعرف بعض من رآه ممن قصّ عليّ رؤيته، والله تعالى على كل شيء قدير. ... ولو كان البحث معنا في الرؤيا لذكرت الأدلة على ذلك بتوسع، لكن نذكر نزراً منها: ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "خير ما يرى النائم في منامه أن يرى ربه، أو نبيه عليه الصلاة والسلام، أو أبويه أو أحدهما ماتا على الإسلام". ... وثبت في سنن الدرامي في كتاب الرؤى باب رؤية الرب في المنام، ثم نقل: عن ابن سيرين بسند صحيح قال: " من رأى ربه في المنام دخل الجنة" . أي هذا هو تأويل الرؤيا إذا رآها. ... ثم بعد ذلك حديث معاذ، الذي ألف الإمام ابن رجب حوله كتاباً سماه (اختيار؟؟؟؟؟ في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى) .

3- رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربنا جل وعلا، فهذه المباحث حولها شيء من الخلاف ولابد من؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الآخرين فليس لنا به الآن شغل أو علاقة لضيق الوقت، ولعله يأتي في حينه إن شاء الله في مبحث الرؤيا، فنقول وبالله التوفيق: ... اتفق أهل الحق على أن رؤية الله لم تحصل لأحد من الأنبياء في هذه الحياة الدنيا من آدم إلى عيسى عليه السلام أو لأحد من البشر. ... وأن من ادعاها لنفسه أو لأحد غير نبينا عليه الصلاة والسلام فهو ضال، وهذا محل وفاق وإجماع، لكن حصل خلاف في نبينا عليه الصلاة والسلام فقط. ... ودليل هذا الإجماع ما ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] هذا لفظ ابن ماجه. ... ولفظ الإمام مسلم في صحيحه (18/56 – بشرح النووي) : [تعلموا (أي اعلموا) أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت] . ... وهذا الحديث ذكره نبينا عليه الصلاة والسلام عند معرض ذكره للدجال عليه لعنة ذي العزة والجلال لأن الدجال يدعي أنه الرب، فيقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم يكفي في بطلان دعواه أن الله لا يرى في هذه الحياة الدنيا ولا يراه أحد من المخلوقات فيها فـ[اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] ، والدجال أعور وربكم ليس بأعور. فإن قيل: لماذا لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم ضمن هذا الكلام لأنه عام يشمل كل أحد؟ فالجواب: أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه فيوجهه لغيره ويستثنى هو من الكلام فلا يشمله فذلك لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم ضمن هذا الكلام.

ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/96) حيث قال بعد ذكر الحديث من رواية الإمام مسلم المتقدم "وفيه تنبيه على أن دعواه الربوبية كذب، لأن رؤية الله مقيدة بالموت والدجال يدعي أنه الله، ويراه الناس مع ذلك، وفي هذا الحديث رد على من يزعم أنه يرى الله في اليقظة تعالى الله عن ذلك، ولا يرد على ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ليلة الإسراء لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فأعطاه الله في الدنيا القوة التي يُنعم الله بها على المؤمنين في الآخرة". فذكر هنا أن الله خص نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا، وفي (8/608) منه – أي من فتح الباري في كتاب التفسير في تفسير سورة النجم تعرض لهذا المبحث، فقال: "فإن جازت الرؤية في الدنيا عقلاً فقد امتنعت سمعاً، لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له إن يقول: أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه". فإذن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشمله العموم السابق فهو مستثنىً، وهذا كما أنه صلى الله عليه وسلم أخبر هذه الأمة بأنه لا يحل لهم أن يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة وقال لمن أسلم وعنده تسع نسوة [اختر أربعاً وفارق سائرهن] ، فهو لم يدخل في هذا الكلام بل له حكم خاص خصه الله به. وهنا في هذا الحديث لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم هذا الكلام ولا يقال إنه لن تحصل الرؤية حتى يموت صلوات الله عليه وسلامه. وعليه فقد اختلف أهل السنة في مسألة رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه ليلة الإسراء والمعراج على أربعة أقوال أذكرها على سبيل الإجمال ثم أفصل الكلام فيها عازياً كل قول لأهله من أهل السنة والسلف مبيناً دليله، مرجحاً – بعد ذلك – ما يظهر لي أنه راجح والعلم عند الله. القول الأول: حصلت الرؤية بعيني رأسه صلى الله عليه وسلم. القول الثاني: حصلت الرؤية بقلبه. القول الثالث: لم تحصل الرؤية. القول الرابع: التوقف، فلا نقول حصلت له، ولا نقول: لم تحصل. وسنفصل الكلام فيها الآن:

المحاضرة الخامسة عشر 9/4/1412هـ القول الأول: أن رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه جل وعلا حصلت بعيني رأسه: ... قال بهذا جمّ غفير من أئمة الإسلام، منهم: الإمام الحسن البصري، وكان يحلف على ذلك وقد أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/381) في ترجمة العبد الصالح إبراهيم بن طهمان وهو من رجال الكتب الستة ثقة وفوق الثقة، توفي سنة 163هـ، أورد في ترجمته أنه كان يقول: "والله الذي لا إله إلا هو لقد رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه". ... قال الإمام الألوسي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع مثاني (27/54) : "وأنا أقول برؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربنا". ... وهذا القول قال به الإمام السخاوي وهو تلميذ الحافظ ابن حجر وصاحب كتاب المقاصد الحسنة التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة (1/30) . ... والتحفة اللطيفة تتكلم عن المدينة المنورة كما أنه ألفت كتب في أخبار مكة مثل أخبار مكة للأزرقي، وشفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، والعِقد الثمين في أخبار البلد الأمين للإمام الفاسي، وهذا أحسن ما كتب في أخبار مكة ومن دخلها يقع في (8 مجلدات) ، وكذلك ألفت كتب في أخبار المدينة من ذلك الكتاب السابق الذكر الذي ألفه الإمام السخاوي وهو كتاب جليل، وكتاب المغانم المطابة في أخبار طابة للفيروز آبادي. ... الشاهد أنه قال في التحفة اللطيفة: "وأنا أقول برؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه" وقد انتصر لهذا القول الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد وقرره في صفحات كثيرة تزيد على الثلاثين (من 197 - 230) دليل هذا القول وعمدته خمسة أمور: أولها: آثار ثابتة عن الصحابة لها حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام: 1- روى ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 199 بإسناد قوي قاله الحافظ في الفتح 8/108 عن أنس رضي الله عنه قال [رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه] .

2- روى الإمام الطبري في تفسيره، وابن خزيمة في كتاب التوحيد، والحاكم في المستدرك 2/469 بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [اصطفى الله إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالتكليم، واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية] ؟؟؟؟؟؟؟؟ له الرؤية، وأي هذه التحف والعطايا أغلى؟ حتماً إنها الرؤية فهي أغلى العطايا. ... فموسى اصطفاه الله بالكلام، وإبراهيم اصطفاه الله بالخلة، ونبينا عليه الصلاة والسلام حصل له التكليم – كما سيأتيننا – وحصلت له الخلة، وخلته أكمل خلة لربه ولذلك يقول خليل الله إبراهيم – كما في حديث الشفاعة وهو حديث متواتر – عندما يذهب الخلق ويقولون اشفع لنا فقد اتخذك الله خليلاً فيقول [إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] . ... فإذن هو خليلٌ وكليمٌ، وله فضل لم يحصل لغيره من النبيين وهو الرؤية. 3- روى الطبراني في معجمه الأوسط بسند لا بأس به – والأثر في مجمع الزوائد (1/79) – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرتين، مرة ببصره ومرة بفؤاده] . إذن فهذه آثار مصرحة بأن نبينا عليه الصلاة والسلام حصلت له الرؤية للعزيز الغفار. ثانيها: احتمال الآيات لهذا القول: ... انتبه!! هناك فارق كبير بين قولنا نص الآيات وبين احتمالها، وإذا احتملت الآية هذا فاللائق بكرم الله ومنزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام حصول هذا الأمر له. ونقول: إذا احتملت وكان الاحتمال صحيحاً وجيهاً فهذا كافٍ في الدلالة. ... فإذن الآيات تحتمل ولا تنص، لأنها لو نصت لما كان هناك مجال للخلاف في هذه القضية والذي دفعنا لقول هذا الاحتمال – كما قلنا – تفضيل الله لنبيه عليه الصلاة والسلام على غيره من؟؟؟ ولا مانع من أن تفضيله الله تعالى بهذا الأمر.

.. أي أن منزلة نبينا عليه الصلاة والسلام يليق بها حصول هذا التفضيل، فإذا احتملت الآيات ما يليق بكرم الله ومنزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام ثبت هذا له كما سيثبت للمؤمنين في جنات النعيم، والله على كل شيء قدير. أما الآيات التي تحتمل هذا، فهي أربع آيات: 1- قول الله تعالى: (إنه هو السميع البصير) . وقد تقدم الكلام عليها عند آية الإسراء وقلنا في تفسير الضمير ومرجعه قولان: الأول: أن يعود على الله، وهذا هو المعتمد أي أن الله سميع بصير. الثاني: وحكى هذا أبو البقاء العُكْبري يمكن أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم أنه، أي هذا النبي الذي أسري به وعرج سميع لأوامري بصير بي حصلت له الرؤية وليس حاله كحال نبي الله موسى وهذا القول ليس هو المعتمد في تفسير الآية لكن الآية تحتمل هذا وليس في هذا الاحتمال؟؟؟؟؟ حتى نقول إنه مطروح وهذا هو المطلوب وهو كافٍ في الدلالة. 2- قوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) . وقد تقدم ذكر هذه الآية، وقلنا إنه ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: [هي رؤيا عين أُرِيْها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم] . وهذه الرؤيا شاملة للآيات العظيمة التي رآها في الأرض وفي السماء وفي؟؟؟؟؟. إذن إطلاق الآية بأن الله أرى نبيه عليه الصلاة والسلام آيات عظيمة بعينيه، أفلا يدخل في هذا الإطلاق رؤيته لربه جل وعلا؟ يدخل. وهذا احتمال في الآية وهو احتمال مقبول. 3- قوله تعالى في سورة النجم: (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) . في بيان المراد بالضمائر في قوله (دنا فتدلى) قولان لسلفنا الكرام:

الأول وهو الظاهر: أنها تعود على جبريل عليه السلام، اقرأ الآيات وانظر إلى الترتيب (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علَّمه شديد القوى) . الذي علمه هو شديد القوى جبريل، تابع الآيات (ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا) أي جبريل (فتدلى فكان) من النبي عليه الصلاة والسلام (قاب قوسين أو أدنى) ؟؟؟؟؟؟ الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بواسطة هذا الذي دنا فتدلى في تلك الساعة ما أوحى. ... وهذا هو الظاهر من الآيات، وهو أن هذه الرؤية حصلت من نبينا لجبريل وما رآه إلا مرتين في صورته الحقيقية، مرة في حادثة الإسراء والمعراج، ومرة رآه بأجياد، وله ستمائة جناح قد سد الأفق، (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) هذه هي الرؤية الثانية (عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ... ) الآيات. الثاني: أنها تعود على الله سبحانه وتعالى فتقول (ثم دنا) أي الرب جل وعلا، وقد ثبت هذا في صحيح البخاري في حديث الإسراء: [ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى] من نبينا عليه الصلاة والسلام وحصل بينهما ما حصل (فأوحى إليه ما أوحى) وحصلت له الرؤية. إذن فالدنو والتدلي هنا للرب جل وعلا، ولا يقال كيف دنا وكيف تدلى؟ لأن صفات؟؟؟ إقرار وإمرار، نقر بالصفة ولا نبحث في كيفيتها فعندما يقول (الرحمن على العرش) استوى نقول الاستواء معلوم والكيف مجهول، وكل ما خاطر ببالك فالله بخلاف ذلك. ... وإذا بحثت في الكيفية فقد مثلت، وإذا نفيت النص فقد عطلت، فلا تمثيل ولا تعطيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . والعجز عن دَرَك الإدراك إدراكُ ... والبحث في كنه ذات الإله إشراكُج فلو قيل لنا: ما معنى استوى؟ نقول: معناها استوى، وما معنى دنا فتدلى؟ نقول: دنا فتدلى، فتفسيرها قراءتها وقراءتها تفسيرها فقط دون أن نكيف معنىً من المعاني نتخيله بأذهاننا.

وعليه نقول: ليس الدنو بأغرب من نزول الرب إلى السماء كل ليلة [وهو حديث متواتر نؤمن به ومنكره ضال] . وهذا الحديث: مع أنه في صحيح البخاري إلا أنه جرى حوله كلام، رواية شريك؟؟؟؟؟؟ لذلك قيل: إن شريك وهم في هذا اللفظ المذكور. ... السند في صحيح البخاري صحيح لكن يوجد في المتن وهم، وهذا كما يوجد حديث في صحيح مسلم انقلب على الراوي مع أن الإسناد صحيح [حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله] والأصل [حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه] ؟؟؟؟؟ وهنا كذلك قيل إن آفة هذا الحديث وهم الراوي لا ضعف السند. لكن الحافظ ابن حجر في الفتح كأنه لم يرتض اتهام شريك بالوهم في هذا اللفظ المذكور فقال: روى الأموي في مغازيه بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: [ثم دنا منه ربه فتدلى] يقول: وهذه الرواية شاهد لرواية شريك وأنه ليس بواهم فيها. ... ويكفي أن يدخل هذا المعنى – الثاني – في الآية وأن لا يقال دخوله باطل وغير محتمل، لكن هل هو راجح أم مرجوح؟ فهذا موضوع آخر. 4- قوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك) وتقدمت معنا، وتقدم معنا أن الشرح يراد منه أمران: الأول: شرح معنوي، أي عن طريق شق صدره عليه صلوات الله وسلامه أربع مرات ثابتة صحيحة. الثاني: شرح معنوي أي أن الله ألقى في قلبه العلم النافع والسكينة والطمأنينة وشرح صدره بذلك ووفقه للعمل بما ألقى في قلبه ثم رفع ذكره وأعلى مقامه ورتبته فحصل له الشرح من جميع الجهات. فنقول: أليس من أعظم أنواع شرح الصدر رؤية الله جل وعلا؟ بلى. وحقيقة كل شرح دون حصول رؤية الله فليس بشرح كامل، فإن الله سبحانه يمن على نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه شرح له صدره على وجه التمام والكمال بحيث لم يبق في هذا الصدر؟؟؟ للشرح مرة ثانية، فلو لو تحصل له الرؤية فهل حصل الشرح التام الكامل؟ أم أننا نقول إنه يحتاج إلى شرح آخر مرة ثانية؟.

.. ولذلك يكتمل نعيم الجنة ويطيب برؤية الله جل وعلا، ولولا هذا لما تلذذ أهل الجنة في الجنة، فكما أن هذه الدنيا لا تطيب إلا بمعرفة الله والأنس بذكره سبحانه وتعالى ولولا هذا؟؟؟ الحياة علينا، فهناك كذلك الجنة بلا رؤية لله كالدنيا بلا معرفة لله، فماذا تكون الفائدة من هذه الحياة إنما تكون كحياة البهائم. ... يقول الإمام الحسن البصري – عليه رحمة الله – كما في كتاب الاعتقاد للإمام البيهقي -: "والله لو علم العابدون أنهم لن يروا ربهم في الآخرة لزهقت أنفسهم" أي لماتوا، فكيف نعبد إلهاً في هذه الحياة، لم نره في الحياة لحكمة وهي حتى لا يكون الإيمان إيمان مشاهدة، لكن أن تصبح الحياة كلها إلى ما لا نهاية لن نرى فيها نور وجه ربنا الكريم؟ فهذا مما لا يرضاه أحد. ... وإن أحدنا لا يرضاه مع الزوجة فضلا ً عن المعبود، ولله المثل الأعلى – فيتزوج زوجة لا يراها ولا تراه بل مجرد كتابة عقد هي في الهند وهو في رأس الخيمة، فهل هذا مما يرضاه أحد؟ لا هذا مما لا يرضاه أحد – وهي زوجة – فكيف بالمعبود الذي نعبده جل وعلا ثم لا نتمتع برؤية نور وجهه. وألا يتمنى أحدنا أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!!. كما في معجم الطبراني عن أنس رضي الله عنه – مرفوعاً بسند حسن – [سيوشك أحدكم يتمنى أن ينظر إليَّ ولو بأهله وماله] وواقع الأمر كذلك، ولو قيل: يمكن لكم أن تروا نبينا صلى الله عليه وسلم، فكيف رؤية رب العالمين؟ وكيف نعبد إلهاً لا نراه؟!!. ساء ظن الإباضية بربهم – وهم فرقة من الخوارج – حيث يقولون رؤية الله ضلال ومن؟؟؟؟؟؟ وهل يوجد عندنا حبيب أعظم من ربنا جل وعلا الذي خلقنا ونعبده؟!!. فإذن آنسنا الله في هذه الحياة بذكره وفي الآخرة بعد الممات لا نأنس إلا برؤية وجهه سبحانه وتعالى، إذن دخول هذا المعنى في الآية لا مانع منه والآية تحتمله، وهذا غرضنا. هذا هو الدليل الثاني.

ثالثها: من أثبت الرؤية فمعه زيادة علم، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ: وعندنا قاعدة مقررة: المثبت مقدم على المنافي. ... وقد حصل عندنا الإثبات في أثر ابن عباس وليس رؤية مطلقة بل قيد فقال مرة ببصره ومرة بفؤاده، فالتصريح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه ثابت ولنضرب مثالا ً: لو قلت للأخ إبراهيم: رأيت والدك هذا اليوم في رأس الخيمة، فقال: أنا أعلم أن والدي في مكة، فأنا أثبتُّ وهو ينفي فبكلام من نأخذ؟ نأخذ بكلام المثبت، ولا يعني هذا أن كلام النافي باطل أو أنه كذاب، لكن النافي يخبرنا ما كان، والأصل عدم ثبوت مجيء والدك إلا ببينة، فأنا أثبت – وأنت متعلق بالحال السابق، وهنا من نفى الرؤية فهو متعلق بالحال السابق، ومن أثبت فمعه دليل زائد فيقدم على النافي. رابعاً: خصوصيات نبينا عليه الصلاة والسلام كثير وفيرة، فما المانع من أن يخصه بهذا؟!. س: فهل هناك محظور أو مانع؟ وهل الرؤية في الدنيا مستحيلة أم ممكنة؟ جـ: ممكنة لكن ورد الشرع بأنها لا تحصل لغير نبينا عليه الصلاة والسلام فنحن ننفيها عن طريق منع الشرع لا عن طريق الاستحالة العقلية، ولو كانت مستحيلة عقلاً لما سألها موسى عليه الصلاة والسلام (قال رب أرني أنظر إليك) ، ومعنى المستحيل أنه كفر، فهل يسأل موسى عليه السلام كفراً من ربه؟!. ... فدل هذا على أنه كان يعلم أن الرؤية ممكنة، فإذا أراد الله أن يكرم بعض عباده بها أكرمه، فموسى تطّلع لهذا فقال الله له: إنك لا تتأهل لذلك في الدنيا، لكن انظر إلى الجبل إن استقر فسوف تراني، وتعليق الرؤية على ممكن يدل على أن الرؤية ممكنة، فلو ثَبت الله الجبل لرأى موسى ربه، لكن لما تجلى ربنا للجبل (جعله دكاً وخرّ موسى صَعِقاً) الشاهد؟؟؟ أنه علق الرؤية على ممكن فدل ذلك على أن الرؤية ممكنة.

.. وإذا كان الأمر كذلك فموسى سأل الرؤية ولكنه أخبر أنه لا يتأهل لهذا في الدنيا لأنه دون نبينا عليه الصلاة والسلام لا لنقص فيه، ولكن – كما قلنا - الكمالات تتفاوت فنبينا أفضل من موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قطعاً وجزماً، بل قلنا – إن خليل الرحمن إبراهيم أفضل من موسى. ... فإذن الرؤية جائزة عقلاً ممتنعة سمعاً وشرعاً للحديث الذي ذكرنا [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] وقلنا المتكلم لا يدخل في عموم كلامه، فبقي النبي صلى الله عليه وسلم مستثنىً، فهي إذن خصوصية فما المانع منها؟ لا يوجد شيء يمنع من ذلك. خامسها: في هذا القول تأكيد لحصول الرؤية للمؤمنين في جنات النعيم: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فنحن إذا قلنا بهذا القول نقطع الطريق على المعتزلة والخوارج الذين ينفون رؤية المؤمنين لربهم؟؟؟؟ هل يمكن لمخلوق أن يرى ربه؟ فنقول لهم حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فإذن هي ليست مستحيلا ً فنحن سنراه في الآخرة. لكن عندما نقول لم تحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فيبقى البحث في الرؤية في الآخرة هل حصلت له؟؟؟؟ أن لن تحصل لأحد؟!!. ... أما إذا قلنا أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه حصلت فإن هذا مما سيريحنا من مجادلتهم ونقاشهم. القول الثاني: يثبت رؤية نبينا علية الصلاة والسلام لربه، لكن بقلبه لا بعيني رأسه. س: وما المراد بالرؤية القلبية هل هي العلم؟

المراد من الرؤية القلبية أن يراه بقلبه كما يراه ببصره، وليس المراد منها العلم عند أصحاب هذا القول، لأن العلم مشترك بينه وبين سائر المؤمنين فكلهم يعلمون الله ولو كان المراد (رآه بقلبه) أي علمه ليلة المعراج، فهذا لا يستقيم فإنه كان يعلمه قبل ذلك وكلنا نعلم هذا فما الداعي إذن للقول بأن نبينا عليه الصلاة والسلام رأي ربه بقلبه أي علمه؟!!!! وقد قال أصحاب هذا القول: ولا يشترط عقلاً لحصول الرؤية أن يرى الإنسان بعينيه اللتين هما في رأسه، فقد يرى بأصبعه وقد يرى برجله وقد يرى ببطنه وقد يرى بظهره وقد يرى بقلبه. فإنه لم ير ربنا بعيني رأسه، لكن جعل له في قلبه بصراً فرأى ربه، كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم رؤية من وراء ظهره وله عينان يبصر بهما، ويرى من ورائه كما يرى من أمامه وهكذا جعل الله له في قلبه. وقد قال بهذا القول أئمة أجلاء منهم: الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والإمام ابن كثير وجمّ غفير وفي تقديري وعلمي أن هذا القول ضعيف لعدة أمور: إطلاق الرؤية ينصرف إلى رؤية البصر لا إلى رؤية القلب، ونحن عندنا قد ثبتت الرؤية مطلقة ومقيدة، فالمقيدة أثر ابن عباس (ببصره) ، والمطلقة – كقول أنس [رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه] . ولا أعلم من أين أتى أصحاب هذا القول بقولهم إنه رآه بقلبه؟! نقول: وثبت عنده [ببصره] وبقية الروايات عن الصحابة مطلقة، فعندما يقول أنس: [رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه] فهذا اللفظ المطلق عندما يسمعه الإنسان يفهم منه أنها رؤية بصرية، لأن الرؤية إذا أطلقت فهي رؤية بصرية بعيني الرأس، فنقول: إطلاق الآثار المصرحة بحصول الرؤية لنبينا عليه الصلاة والسلام تدل على أن الرؤية بالبصر لا بالقلب. ؟؟؟؟؟ رضي الله عنهما بأنه رآه ببصره. 3- أن هذا خصوصية وذاك خصوصية فما الداعي لاعتبار هذا وإلغاء ذاك، وما الذي يرجح خصوصيتكم على خصوصيتنا. 4- القول بالقول الأول يدخل فيه هذا القول دون العكس.

فلو قلنا إنه رآه بقلبه فقط لما دخلت رؤية البصر، ولو قلنا إنه رآه ببصره فلا مانع من أن يراه بقلبه أيضاً. إذن فالرؤية البصرية لا تمنع الرؤية القلبية، بخلاف العكس، وإذا كان الأمر كذلك فالذي يتناسب مع فضل الله ومع منزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام ودلالة الآثار أنه قد رآه بالأمرين، ببصره وبقلبه والله على كل شيء قدير. والإباضية والخوارج والمعتزلة خالفوا في موضوع الرؤية ونفوا حصولها وقالوا هي مستحيلة فنقول نبي الله موسى سأل الرؤية، وهذا من أعظم أدلة أهل السنة على أن رؤية الله في الدنيا ممكنة فضلا ً عن الآخرة، لأنها أي الرؤية لو كانت كفراً وضلالاً فهل كان يسألها نبي من أولي العزم؟!! وانظر إلى سفاهة الزمخشري عند هذه الآية (لن تراني) يقول لن تفيد التأبيد وهذا في الدنيا والآخرة، ونقول له: ألم يقل الله عن اليهود (ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم) ؟ ثم أخبر عنهم وعن أهل النار عموماً بأنهم سيتمنون الموت (ونادوا يا مالك ليقضي علينا ربك) فإذن المراد بـ (لن تراني) أي في الدنيا، فما الذي جعلك تقول إنه في الآخرة أيضاً لن تراه؟!! ثم بعد ذلك هجا أهل السنة ببيتين من الشعر في (كشافه) فيقول: لجماعة سَمَّوا هَواهم سنة ... لجماعة حُمْرٌ لعمري موكفهْ قد شبهوه بخلقه فتخوفوا ... شنع الورى فتستروا بالبلكفهْ (حمر موكفة) هي حمير عليها الإكاف فهي مستعدة للركوب، والإكاف هو الذي يوضع على ظهر الحمار كالسراج للخيل. (البلكفة) هي قولنا نراه بلا كيف، ويقصد أننا لما قلنا بأننا نرى ربنا خفنا أن يقول النار عنا مشبهة وأن يشنعوا علينا ويقولون كيف شبهتموه بالورى فتسترنا بالبلكفة، فحذار حذار من البلكفة فإنه من منصوبات طواغيت شيوخهم، هذا كلامه، وهو اعتقادنا بأننا كلما ذكرنا صفة قلنا: نؤمن بها من غير كيف لأن الله يقول (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .

ونحن نقول إن كان هو شاعراً أفلا يوجد عندنا شعراء، فانظر بماذا أجابه أهل السنة: هل نحن من أهل الهوى أم أنتم ... ومن الذي منا حمير موكفهْج اعكس تصب فالوصف فيكم ظاهر ... كالشمس فارجع عن مقال الزخرفهْ أترى الكليم أتى بجهل ما أتى ... وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفهْ إن الوجوه إليه ناظرة بذا ... جاء الكتاب فقلت هذا سفهْ نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى ... فهوى الهوى بك في الهاوي المتلفهْ فليلزم هو وكذلك الإباضية حدهم وليقفوا عنده، هل صار أعظم نعيم نتمناه ضلال؟ والذي يسأله يكون من الكافرين؟ نعوذ بالله من هذا. القول الثالث: ينفي الرؤية، أي لم تحصل هذه الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج. تبنى هذا القول أمنا عائشة غفر الله لها ورضي عنها.

ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث مسروق أنه قال لأمنا عائشة: [يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت: لقد قفّ شعري مما قلت] ومعنى هذا أن شعري قام من هول هذه الكلمة العظيمة فكيف تقول هذا، والإنسان إذا اعتراه وجل يصاب بمثل هذا كما قال جل وعلا (الله أنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين لا يخشون ربهم) فإذا اعتراك وجل وهم ينقبض جلدك وكأن هناك برداً شديداً وتشعر بشعر رأسك كأنه انتصب، فهذا هو القف، ثم قالت له: [أين أنت من ثلاث، من حدثك أن محمد صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، [وفي رواية فقد أعظم على الله الفرية] ورحمة الله على الإمام ابن خزيمة يقول في كتاب التوحيد ويلتمس عذراً لأمه: "قالت هذا في حال انفعال وغضب، ولا يجوز أن نقول إن من قال هذا إنه أخطأ فضلاً عن أن نقول إنه افترى فضلا ً عن أن نقول إنه أعظم الفرية" أي أن هذا الكلام صدر منها في حالة من الغضب ولا علم عندها في هذه المسألة فقالت على حسن ما عندها من العلم هذا اللفظ القاسي، فهي مخطئة في هذا وهي أمنا نستغفر لها ونترضى عنها ونسأل الله بفضله ورحمته أن يشفعها فينا إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وهذه شفاعة شرعية، وليست شركية، فإنك إذا سألت الله أن يشفع فيك أحداً من خلقه فهذه شفاعة شرعية بالإجماع، أما لو قلت: يا عائشة اشفعي لنا، فهذا هو المحظور وهي شفاعة شركية، لكن لو قلت اللهم شفع في أبا بكر، عمر، عثمان، علي ... اللهم شفع فيّ نبيك عليه الصلاة والسلام، شفع فيّ أمنا عائشة فهذا خالص التوحيد، فتطلب من الله أن يشفع لا تطلب من المخلوق، لأنه لا يشفع أحد إلا بعد أن يأذن له الرحمن ويرضى للمشفوع بحصول الشفاعة له، ولذلك نحن نطلب من الله أن يشفع فينا هذه الصديقة رضي الله عنها، ثم قالت: [؟؟؟؟؟ والله يقول (لا تدركه الأبصار) ] ولو أردنا الوقوف معها لقلنا هل يصح هذا دليلاً على نفي الرؤية عن نبينا عليه الصلاة والسلام؟ ليس فيه دليل على الإطلاق، فالإدراك هو رؤية مع إحاطة والله جل وعلا يُرى ولا يُحاط به، فإذن الإدراك معنىً زائد على الرؤية هذا هو المعنى المعتمد. وقيل لا تدركه: على التنزل لنجعل قول أمنا معتبراً، ويكون المعنى لا تدركه أي لا تراه في الدنيا بإحاطة أو غيرها ونستثني من هذا نبينا عليه الصلاة والسلام. وقيل: وهو المعنى الثالث: لا تدركه في الآخرة إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، فإذا تجلى بنوره الذي هو نوره فإنه لا يراه شيء في الدنيا ولا في الآخرة إلا مات واحترق والمؤمنون عندما يروه يكون بصورة تناسب قواهم في الآخرة، فإنه لو تجلى بنوره الذي هو نراه لم يره يابس إلا؟؟؟؟؟ ولا حي إلا مات، والأمر الثاني: [ومن حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أنزله الله عليه فقد كذب، والله يقول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ومن حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فقد كذب، والله يقول (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) ] .

وورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن شقيق (من التابعين) [أنه التقى بأبي ذر رضي الله عنهم أجمعين فقال له: ليتني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسأله؟ فقال: وماذا تريد أن تسأله؟ فقال: كنت سأسأله: هل رأيت ربك؟ فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ فقال: [نورٌ أنّى أراه] فهذا الأخير من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ومعظم من أورد هذا الحديث يقول هذا دليل على نفي الرؤية. وأنا أقول: هل هذا دليل على نفي الرؤية أم على حصولها؟ الجواب: هذا الحديث دليل على حصول الرؤية، كيف هذا؟ يا إخوتي الكرام ... عندما أقول هذا رجل أنّى أراه، ما معنى هذا؟ معناه أنه كيفما أراه وفي أي حالة أراه فهو رجل. وهذا هو جواب الإمام ابن خزيمة وتعليله فيقول أنّى ليست للاستبعاد وإنما لبيان أن هذا هو حال الله في جميع الأحوال. فالمعنى هو أن الله جل وعلا كيفما أراه فهو نور، وهذا كقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم) أي كيف شئتم، وليس المعنى أنّى لا أراه ومستبعد أن أراه. فإذن هو يدل على حصول الرؤية، يدل على هذا الرواية الثانية في صحيح مسلم [رأيت نوراً] وقال النافون للرؤية: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يره لكن رأى النور الذي هو حجابه، فإن الله لا يُرى في الحياة الدنيا، وحملوا أنّى على الاستبعاد لا على هذا لعموم الأحوال. المحاضرة السادسة عشرة وقد حاول أصحاب القول الثاني [الذين قالوا الرؤية قلبية ليست بصرية] أن يجمعوا بين القول الأول والثالث وأن يردوهما إلى القول الثاني فقالوا: من أثبت الرؤية فمراده الرؤية القلبية. ومن نفى الرؤية فمراده الرؤية البصرية. وعليه فالأقوال الثلاثة بمعنىً واحد ولا اختلاف بينها، وهذا هو رأي الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والإمام ابن حجر في فتح الباري (8/608) مال إلى هذا وجمع بين الأقوال الثلاثة فردها إلى قول واحد.

وهذا مع جلالة من رجحه وقال به – هو في نظري جمع ضعيف لأمرين معتبرين: الأمر الأول: لا معارضة بين القول الأول والثاني عند أصحاب القول الأول فلا يجوز أن نرد قولهم إلى قول غيرهم. ووجه عدم المعارضة وضحته لكم سابقاً: أن من أثبت الرؤية البصرية لا ينفي الرؤية القلبية بل يقول: إذا حصلت رؤية البصر فرؤية القلب حاصلة من باب أولى، وعليه فلا داعي للجمع بين القولين لأن أصحاب القول الأول لا يخالفونكم في قولكم. الأمر الثاني: نقول: القول الثاني والثالث ينفيان الرؤية – أي الرؤية البصرية – وتقدمت معنا قاعدة ذهبية وهي أن المثبت مقدم على النافي. فعندما تأتينا رواية الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده] فهذا إثبات والإثبات لا يجوز أن نتركه لأجل نفي لأن المثبت مقدم على النافي، ومَنْ حفظ حجة على من لم يحفظ. والعلم عند الله. القول الرابع: التوقف، فلا نقول رآه ببصره ولا بقلبه ولا ننفي الرؤية، إنما نقول هذه مسألة لا يتعلق بها حكم دنيوي والنصوص متعارضة في الظاهر، فالسكوت أسلم ونفوض الأمر إلى الله جل وعلا. إذن لما تعارضت الأدلة وكان لا يتعلق بها حكم ظاهري أو دنيوي لنجمع أو لنرجح، إذ لو كانت في حكم دنيوي لكان لابد من الترجيح أو الجمع لأجل أن نعمل ببعض النصوص، لكن بما أن الحالة ليست كذلك والمسألة من أمور الغيب فالسكوت عنها أولى. وهذا ما ذهب إليه عدد من الأئمة منهم الإمام أبو العباس القرطبي، (ليس صاحب التفسير المشهور إنما هو صاحب كتاب المُفْهِِم في شرح صحيح مسلم) وقال: النصوص فيها متعارضة وأقاويل السلف مختلفة فمنهم من يثبت ببصره ومنهم من يثبت بقلبه ومنهم من ينفي، ولا يتعلق بهذه المسألة حكم دنيوي فالسكوت أسلم.

وذهب إلى هذا سعيد بن جبير من أئمة التابعين كما حكي ذلك عن القاضي عياض في كتابه (الشفا في التعريف بحقوق المصطفى) وهو كتاب سيرة نبوي – في ص 97 حيث نقل القاضي عن سعيد بن جبير عليه رحمة الله أنه قال: لا أقول رآه ولا أقول لم يره. ويفهم من كلام الإمام الذهبي عليه رحمة الله أنه يميل إلى هذا القول ففي سير أعلام النبلاء (10/114) يقول: "والذي دل عليه الدليل عدم الرؤية مع إمكانها فنقف عند هذه المسألة فإثبات ذلك أو نفيه صعب والوقوف سبيل السلامة والله أعلم، وإذا ثبت شيء قلنا به". انظر لهذا الكلام الذي هو أصفي من الذهب وأحلى من العسل، وهذا الإنصاف وهذا هو حال أئمتنا في البحث العلمي فلا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا عليه الصلاة والسلام في الدنيا ولا من نفاها بل نقول الله ورسوله أعلم، بلى نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة، إذ رؤية الله في الآخرة تثبت بنصوص متواتر. وهذه المسألة أشار إليها الإمام الذهبي أيضاً في (2/167) وقد ذكرته سابقاً، فيقول: "ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله بعينيه، وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة وأما رؤية الله سبحانه عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص وجمع أحاديث الرؤية الإمام البيهقي والإمام الدارقطني وغيرهما" فهذا فيما يظهر ميل الذهبي إلى هذا القول، أنه يتوقف ولا يعنف من قال بخصوص الرؤية ولا يعنف من نفاها. وخلاصة الكلام ... في هذه المسألة أربعة أقوال ثابتة عن سلفنا الكرام وهي مما يسع الإنسان في هذه المسألة أن يقول بواحد منها، وإذ قال بواحد منها فلا يعنف ولا يبدع ولا يضلل لاختلاف السلف في هذه المسألة. فلا نعنف من أنكر الرؤية في الآخرة فذاك يخالف أمراً مجمعاً عليه، فنبدعه ونحكم عليه بالضلال فانتبه لهذا.

إخوتي الكرام ... العمدة والضابط في التماس عذر للمخالف من أمور الشرع وعدم التماس عذر له أمر واحد وهو اتفاق السلف واختلافهم فهم في العقائد والأحكام العملية (عبادات، معاملات، عقوبات) فمن خالفهم فيما اتفقوا عليه فهو ضال مبتدع ومن خالفهم فيما لم يتفقوا عليه فالمخالف في سعة فلا يبدع ما دام لم يقصد الهوى ولم يخبرنا أنه يفعل هذا شططاً وسفهاً. وهذا له نظائر كثيرة سواء كان في العقائد أو في الأحكام فالأمر مستوٍ فيهما، فإذن ننظر لحال واقع السلف في هذه المسألة فإن أجمعوا فالمخالف ضال وإن اختلفوا فالأمر فيه سعة، وهنا لا نعنف المثبت ولا نعنف النافي ولا نعنف المتوقف. ولأضرب لكم مثلاً في أمر فرعي: آية الوضوء: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ... ) فهناك أربعة أعضاء ثلاثة تغسل وواحد يُمسح لا خلاف فيها بين المسلمين، فمن خالف في هذا فهو ضال شيطانٌ رجيم، لكن بعد ذلك في كيفية الإتيان بهذه الأعضاء في الوضوء اختلف العلماء قالوا: هل يلزم الترتيب أم لا؟!، فلو جاء إنسان وتوضأ ولم يرتب صح الوضوء أم لا؟ عند الحنفية صح الوضوء، والترتيب بين هذه الأعضاء الأربعة مستحب لأن الله يقول (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ... ) والواو بإجماع أهل اللغة تفيد التشريك مع عدم الترتيب لا بمهلة ولا بدون مهلة، هذا كما تقول جاء زيد وبكر ومحمد وقد يكون محمد أولهم مجيئاً بخلاف ما لو قلت جاء زيد فبكر فمحمد فهنا الفاء للترتيب مع التعقيب فالأول وبعده الثاني مباشرة، وبخلاف ما لو قلت جاء زيد ثم إبراهيم فهنا ثم للترتيب مع التراخي. فإذن الترتيب عند الحنفية سنة، وهو عند الجمهور واجب، وعليه لو جاء رجل وتوضأ ولم يرتب فهل يجرؤ إنسان أن يقول له وضوؤك باطل؟!.

لا، لأن المسألة وقع الخلاف فيها بين السلف. وأبو حنيفة تابعي أدرك ستة من الصحابة، فالمسألة فيها سعة. مثال آخر: مسح الخفين بدل غسل الرجلين هذا لا خلاف فيه بين علماء الأمة، فإذا لبس الخفين على طهارة وجاء ليتوضأ فلا يلزمه أن ينزع خفيه بل يكفيه أن يمسح عليها. فلو خالف أحد وقال لا يجوز المسح على الخفين ولو مسح ما صحت صلاته، فماذا نقول له؟ مبتدع وضال لأنه لا خلاف في هذا بين أئمتنا، والمخالف في هذا هم الشيعة فقط يقولون لو مسح على خفيه لم يصح وضوؤه، ولو غسل رجليه لم يصح وضوؤه بل يمسح على رجليه مسحاً فقط. فخالفوا أهل السنة في الأمرين، في غسل الرجلين وفي المسح على الخفين، لكن نقول هل سبقهما إلى هذا أحد من السلف؟! وإن سبقهم أحد من السلف فلا يحق لأحد أن يضلل المخالف. وأحاديث المسح على الخفين رويت عن العشرة المبشرين بالجنة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه - الذي يزعمون زوراً وبهتاناً أنهم ينتمون إليه، وكان يمسح على الخفين، كما نقل عنه تحريم نكاح المتعة – وهذا ثابت في صحيح مسلم عنه وهم يخالفونه في الأمرين، ولا يمسحون على الخفين، وينكحون نكاح متعة ويدعون أنهم ينتسبون إلى آل البيت، والزنا في البلدان كلها يقع في دور العهر والفجور والفنادق إلا في إيران فإنه يقع في المساجد عن طريق نكاح المتعة، فتذهب إلى هناك ويأتي آية الله – بل هو آية الشيطان – فيعقد لك على من تريد وهناك نساء جالسات ينتظرن من يأتي ليعقد عليهن نكاح متعة يوماً أو يومين أو ليلة أو ليلتين كما تريد، وهذا عندهم لا حرج فيه بل هو من الأمور الفاضلة كما أنه لا يعتبر نكاحاً كالنكاح المعروف، فلو كان عندك أربع نسوة وأردت أن تعقد على غيرهن نكاح متعة فلا حرج في ذلك، وإذا تمتعت مرة فأنت في درجة الحسن – كما يقولون – ومرتين في درجة الحسين، وثلاثة في درجة علي ... نعوذ بالله من هذا الضلال والعار.

فإذن ننظر إلى المسألة هل تحتملها الأدلة أم لا؟ وكيف ذلك؟ نقول: خير من فيهم دين الله هم سلف هذه الأمة، فإذا اختلفوا دل هذا على أن الدليل يحتمل ويحتمل، ولا يوجد نص يرجح، فالمسألة بقيت محتملة والأقوال كلها جائزة، والإنسان يأخذ بما هو أقرب للمراد حسب اجتهاده، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وإذا لم يختلفوا – فهم خير من فهم دين الله – فاتفاقهم هذا يدل على أن النص ليس له معنىً إلا هذا ولذلك المخالف ضال ومبتدع. ولذلك إخوتي الكرام ... كل من يدعو إلى الكتاب والسنة – كما يوجد في هذه الأيام – دون الرجوع إلى فهم السلف فهو ضال زنديق يريد أن يضلل الأمة وأن يقضي على الكتاب والسنة باسم الكتاب والسنة، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج المتقدمين الجدد والحديث في الصحيحين [يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّه، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم] ؟! هذا حال الخوارج، وقد تواترت الأحاديث في ذم الخوارج، فهؤلاء ماذا يقولون؟ يدعون إلى تحكيم الكتاب ويقولون لا حكم إلا لله، وعليّ عندما حَكَّم الرجال كفر. ويوجد جماعة الآن يسمون بالقرآنيين يقولون ليس عندنا لا أبو بكر ولا عمر ولا أحمد ولا الشافعي، ليس عندنا إلا القرآن وعقولنا. فانظر لألفاظ علمائنا لا نعنف من أثبت الرؤية، ولا نعنف من نفاها، فماذا تختار؟ يقول: السكوت أسلم وإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وهي ما لا يتعلق به حكم دنيوي وهي من أمور الغيب فلنكِلْ أمرها إلى الرب جل وعلا ولا نخوض فيها والعلم عند الله.

انتبهوا لهذا طالب العلم لابد أن يحيط بهذه الأقوال الأربعة حتى إذا سمع قائلاً يقول بقول منها فليتمهل عليه ولا ينبذه بالبدعة ويقول له أنت مبتدع خالفت أهل السنة، انتبهوا المسألة مما اختلف فيها أهل السنة وفيها سعة وقد سبقنا في الخلاف فيها من قبل الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم، فابن عباس يثبت وأمنا عائشة تنفي والعلماء بعد ذلك على هذا المسلك وما دام الأمر كذلك فليسعنا ما وسعهم ولا يبدع بعضنا بعضاً والعلم عند الله. س: ما المراد بالسلف هنا؟ جـ: المراد بالسلف هنا الصحابة والتابعون وتابعوهم، وهم القرون المفضلة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك يفشوا الكذب كما يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح البخاري: [خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم] ، قال عمران بن الحصين أو الراوي عنه: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً] ثم يأتي بعد ذلك أقوام يشهدون ولا يستشهدون ويحلفون ولا يستحلفون ويخونون ولا يأتمنون [وفي بعض الروايات ينذرون ولا يوفون] ويظهر فيهم السِمَن يسبق يمين أحدهم شهادته وشهادته يمينه] أي يتعجل في كلامه ولا يتروي وهذا في العصور المتأخرة. ولذلك الحديث المرسل الذي يرفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم احتج به الجمهور، قالوا: لأن ذلك لم يفشُ فيه الكذب، فإنه حصل في العصور المتأخرة. خامساً: كلام العزيز الغفور لنبينا عليه الصلاة والسلام المبرور: كلمه الله جل وعلا فوق سبع سموات، فحصلت له الرؤية وحصل له الكلام ن وتقدم معنا ما يشير إلى هذا عند فرض الصلوات وفيه أن الله جل وعلا قال له بعد أن انتهت إلى خمس [أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، هي خمس وهن في الآخرة خمسون] . وهذا كلام يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من ربنا في ذلك الوقت، وهذا هو مما أطلعنا عليه من أنه حصل بينهما كلام، لكن ما الذي حصل بعد ذلك من مناجاة وتكليم؟ لا يعلم هذا إلا رب العالمين.

وقد أشار الحافظ في الفتح (7/216) إلى هذا عند هذه الجملة من الحديث: "هذا من أقوى ما استدل به على أن الله كلم نبيه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج بغير واسطة". إن قيل: من أين علمنا أن هذا التكليم كان من غير واسطة؟ الجواب: من لفظ الحديث [أمضيت فريضتي] ، ولو أن الملك هو الذي بلغه لقال أمضى الله فريضته يا محمد [خففت عن عبادي] هذا كلام من؟ إنه كلام الله، هذا كما يفعل ربنا كل ليلة حين ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: [من يدعوني فاستجب له، ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له] والحديث متواتر، فجاء المؤولة وقالوا: معنى [ينزل ربنا] أي ينزل ملكه ونقول لهم: لو نزل الملك فهل يجوز أن يقول من يدعوني فأستجب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له بل لو نزل أعلى الملائكة لما جاز له أن يقول هذا الكلام، لكن يقول لو كان الملك الذي ينزل – من يدعو الله فيستجيب له ... وهكذا. وهنا لفظ الحديث يدل على أن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى إذ لا يصح أن يتكلم بهذه الصيغة غير الله جل وعلا. وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد (1/80) – وهذا الكتاب لا ينبغي أن يخلو منه بيت مسلم وهو في خمس مجلدات وهو كتاب نافع ضروري ضموه إلى ما ذكرناه سابقاً كتاب الأذكار ورياض الصالحين والتبيان في آداب جملة القرآن – يقول عند تعداد مراتب الوحي فذكر مرتبة ثامنة للوحي وهي آخر المراتب وهي خاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام ولم تحصل لغيره: "زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم الله لنبيه عليه الصلاة والسلام كفاحاً (أي من غير حجاب) على مذهب من يقول إنه رأى ربه، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف".

وهي كما قلنا لم تحصل لغير نبينا عليه الصلاة والسلام، أما الكلام الذي حصل لموسى بحجاب، فهذه زيادة رآه وكلمة، والله يقول في كتابه: (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء) فاستثنى من هذا نبينا عليه الصلاة والسلام فكلمه كفاحاً ومشافهة دون أن يكون هناك حاجز أو حجاب. وإذا لم نقل بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فنقول الكلام حصل له بحجاب كما حصل لموسى عليه السلام. والآن انتهينا من مبحث الإسراء والمعراج. س: متى وقع الإسراء والمعراج بالتحديد؟ جـ: لا يُعلم زمن وقوعه بالتحديد لا في أي يوم ولا في أي شهر ولم يثبت هذا بسند صحيح عن أحد وكل تحديد لشهره أو ليومه أو لليلته فهو محض التخرص والكذب والافتراء على النبي عليه الصلاة والسلام. أما الاحتفالات المزيفة بليلة الإسراء والمعراج فهذه احتفالات المنافقين الذين عادوا نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، فبعد أن محوا نوره وشرعه أراد الشيطان أن يخدّرهم , أن يخّدر الناس باحتفالات وتواشيح وأناشيد وشيء من الخطب وأحياناً بكاء، ثم يزول أثر كل ذلك بعد قليل. وهل احتفل الصحابة في حياتهم أو التابعون أو من بعدهم بإسراء ومعراج أو بمولد نبوي أو بحادث هجرة أو بغير ذلك؟ لا، ولكن هذا الآن صار عندنا أعظم الغايات وما كان الصحابة يبالون به ولا يعطونه شيئاً من الاهتمام، مع أنهم يعلمون في أي يوم أسري به صلى الله عليه وسلم ومتى عرج به لكن ما خطر ببال تابعي – لسلامة عقولهم – أن يسأل صحابياً عن اليوم بالتحديد، ولو سأله لأخبره لكن لا فائدة من هذا السؤال فليس من وراء معرفته على التحديد فائدة.

ولكننا ما عملنا هذا إلا لما انحرفنا عن دين الله وحاربنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأنا نحتفل بهذه الشكليات التي هي بدع وصار حالنا كالنصارى فإنهم احتفلوا بعيد الميلاد- عندهم- بعد أن ضيعوا دينهم وغيروا هذا الدين وضيعوه فلذلك صاروا يحتفلون بهذه المراسيم، وهكذا نحن سلكنا مسلكهم وسنسلك مسلك من كان قبلنا شبراً بشبر وذراعا ً بذراع. فإذن لم يضبط تاريخ هذه الحادثة ولعله لحكمة يشاؤها الله سبحانه وتعالى: أولا ً: لئلا يعكف المسلمون على هذه الليلة ويجعلون لها مراسيم، وهذا واضح فإنهم عملوا لها مراسيم الآن مع أنها لم تعلم بالتحديد فكيف لو عُلِمتْ. ثانياً: ليخبرنا الله أن هذه الأمور شكلية ولا وزن لها ولا قيمة، فليس المهم معرفة الزمن بالتحديد الذي وقعت فيه، لكن المهم الاتعاظ والوقوف عند هذه العبرة العظيمة وأخذ الأحكام والفوائد التي في هذه الحادثة. س: إذا اختلف الأئمة بعد القرون المفضلة، فهل في الأمر سعة كما لو اختلفوا في عهد السلف؟ نقول: إن خالفوا في أمر متفق عليه بين الصحابة وتابعيهم ومن بعدهم فالمخالف حينئذ ضال وهذا لا يوجد في المذاهب الأربعة قطعاً. وإن كانت المسألة جديدة وحادثة واختلفوا في حكم الله فيها ليلحقوها بأحد النصوص الشرعية الثابتة عن خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، فاختلفوا في هذا فهنا الأمر فيه سعة ما دامت النصوص تشهد له. إذن جرت مسألة ولا نص فيها فبحث العلماء في حكمها وشأنها فاختلفوا فبعضهم ألحقها بدليل حاظر وبعضهم ألحقها بدليل مُبيح فيبقى الأمر كما لو حصل الاختلاف في زمن الصحابة رضوان الله عليهم والأمر فيه سعة، ورحمة الله واسعة.

تعليق الشيخ عبد الرحيم الطحان على العقيدة الطحاوية الطحاوية

لفضيلة الشيخ الدكتور جمعها أبو عبد الرحمن زيد محمد بكَّار الكيلاني بسم الله الرحمن الرحيم المحاضرة الأولى 21/2/1421 هـ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فأول مبحث عندنا هو: مبحث: الإسراء والمعراج المراد بالإسراء: ما حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام من رحلة مباركة من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في جزء من الليل وتبع ذلك العروج به إلى السموات العلا إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام أي حسها وكتابتها في اللوح المحفوظ عندما تكتب تقدير الله جلا وعلا، ثم أعيد عليه صلوات الله وسلامه إلى مكة المكرمة ولا زال فراشه دافئاً أي: لم يبرد بعد فراق النبي صلي الله عليه وسلم، وذلك أن الفراش يدفأ من أثر احتكاك الإنسان به وتنفسه ويسخن عندما ينام الإنسان فيه وهكذا عندما يجلس الإنسان، لذلك ورد في معجم الطبراني أو البزار – شك الشيخ الطحان – بسند ضعيف [أن امرأة جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام تناجيه في مسألة وتستفتيه في أمر في مسجده عليه صلوات الله وسلامه عليه وبعد أن انتهت وقامت جاء رجل وأراد أن يجلس مكانها، قال: لا حتى يبرد المكان] فالشاهد: أن الإنسان عندما يجلس في مكان أو ينام في هذا المكان يكون فيه شيء من دفئه وحرارته الغريزية. وسنتناول مبحث الإسراء والمعراج ضمن مراحل متعددة: المرحلة الأولي:

يجب علينا إذا أردنا أن نتكلم على هذا الحادث العظيم الجليل الشريف المبارك أن نذكر الآية التي أشارت إليه في سورة سميت باسم هذا الحادث المبارك وهي سورة (الإسراء) ، وتسمي أيضا بسورة (بني إسرائيل) وتسمي أيضا بسورة (سبحان) فلها ثلاثة أسماء، وأسماء السور توقيفية مبناها على النقل لأعلى العقل وعلى الرواية لأعلى الرأي، إما من الصحابة فلكلامهم حكم الرفع إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه ورضي الله عنهم أجمعين، وإما النقل عن التابعين فلذلك حكم الرفع المرسل فيقبل قول التابعي: (1) إذا تعزز بقول تابعي الآخر (2) إذا كان قائله من أئمة التفسير الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة كمجاهد بن جبر وسعيد بن جبير عليهم جميعاً رحمة الله. فأسماء السور إذن توقيفية وكذا القول بأن هذا مكي وهذا مدني وأسباب النزول كلها مبنية على الرواية لأعلى الرأي وعلى النقل لأعلى العقل. يقول ربنا الجليل في أولها (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) . هذه الآية لابد من تفسيرها وكل من يتكلم على حادث الإسراء والمعراج ينبغي أن يستعرض تفسير هذه الآية لتربط المباحث ببعضها. (سبحان) مأخوذة من السَّبْح وهو الذهاب والإبعاد في الأرض، ومنه يقال السابح الذي يسبح في البركة وفي البحر سابح لأنه يبعد ويذهب بعيداً في حال سباحته، ولذلك لا تصلح السباحة في مكان ضيق محصور متر في متر ونحوها.

فسبحان مأخوذة في أصلها اللغوي من المسبح وهو الذهاب والابتعاد في الأرض كما ذكرنا ولفظ (سبحان) إما أن يكون مصدر (سبَّح - يسبح – تسبيحاً – وسبحاناً) على وزن (كفر – يكفر – تكفيراً وكفراناً) وهذا المصدر منصوب يعامل إما من لفظه فنقدر نُسبِّحُ الله سبحاناً، وإما من غير لفظه فنقدر: أُنِّزهُ الله سبحاناً، وكلا التقديرين صحيح، وأما سبحان عَلَمٌُ على التسبيح انتصب بفعل مضمر، ثم نُزِّل ذلك العلم منزلة الفعل وسد مَسَدَّهُ. وأما معنى (سبحان) فقد جاء لثلاثة معانٍ في القرآن: 1- أولها: تنزيه الله عن السوء وتبرئته من كل نقص، قال الإمام ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل في آخر سورة الصافات عند قوله: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) الآيات قال: "كثيراً ما يقرن الله بين التسبيح والتحميد" (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) يقرن بين التسبيح والتحميد؛ لأن كلاً منها يكمل الآخر "، فالتسبيح فيه تبرئَة لله عن النقائص ويستلزم ذلك إثبات المحامد إذن فيتضمن نفي النقص عن الله ويستلزم إثبات الكمال له، والحمد بالعكس يتضمن إثبات الكمال لله ويستلزم نفي النقص عنه فكل منها يستلزم الآخر. التسبيح يتضمن معناه الأصلي – نفي النقص عن الله وذلك يستلزم إثبات الكمال فإذا انتفى النقص ثبت الكمال وكل نفي لا يدل على إثبات ما يضاده فلا مدح فيه. س: إثبات الكمال بلفظ التسبيح من أي أنواع الدلالات هل هو دلالة تضمن أم دلالة مطابقة أم دلالة التزام؟ جـ: دلالة التزام، فإن معنى دلالة التضمن هو أن يدل اللفظ على ما وضع له أي وضع لأجل أن يدل على تبرئة الله عن النقص، وأما معنى دلالة الالتزام فهو دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعني لكن لازم له فإذا نُفي النقص ثَبَتَ الكمال.

فمثلاً: الحمد يتضمن إثبات الكمال والمحامد لله وذلك يستلزم نفي النقص فكلاً منهما يستلزم الآخر ويدل عليه فقرن الله بينهما فكأن الدلالة التي في فظ التسبيح جيء بالحمد ليدلل الله عليها دلالة تضمن ودلالة مطابقة لا دلالة الالتزام، وهكذا الدلالة التي في الحمد وهي نفي النقص عن الله جيء بلفظ التسبيح ليدل عليها صراحة وتضمناً ومطابقة لا التزاماً. فـ[نفي النقص عن الله يستلزم إثبات الكمال وإثبات الكمال يستلزم نفي النقائص] ولذلك يقرن الله بين التسبيح والحمد لكن أصل معنى التسبيح تنزيه الله عن كل نقص وسوء. لذلك قال ربنا جل وعلا: (وقالوا اتخذ الله ولداً) فبأي شيء عقب على هذا الكلام (سبحانه) تعالى وتنزه عن هذا النقص، فهكذا كل نقيصة يقولها الكفار ينفيها الله جل وعلا عن نفسه بلفظ التسبيح. إذن تنزيه الله عن السوء وقد ورد في مستدرك الحاكم (1/502) في كتاب الذكر والدعاء عن طلحة بن عبيد الله – أحد العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم – قال [سألت النبي صلي الله عليه وسلم عن معني التسبيح فقال نبينا عليه الصلاة والسلام: هو تنزيه الله عن كل سوء] إذن فهذا هو معنى التسبيح، تبرئة الله عن النقائص وعن السوء. وهذا الأثر صححه الحاكم وقال إسناده صحيح لكن تعقبه الذهبي وقال: قلت: ليس كذلك ثم بين أن فيه ثلاث علل: العلة الأولي: فيه طلحة بن يحي بن طلحة بن عبيد الله الحفيد، منكر الحديث كما قال البخاري.

العلة الثانية: وفيه حفص تالف الحديث واهٍ، وحفص هذا هو الذي نقرأ بقراءته فهو في القراءة إمام لكنه في الحديث تالف ضعيف، فإنه ما صرف وقته لحفظ الحديث وضبطه فكان إذا حدث يَهِمُ وسبب الضعف عدم الضبط لا عدم الديانة فانتبه!!!.. فإن سبب الضعف إما زوال الديانة أو زوال الضبط وليس في زوال الضبط منقصة وإن كانت روايته تُردُّ، لكن إذا كان الضعف بسبب ضياع العدالة؛ لأنه فاسق، كذاب، شارب للخمر، مرتكب الكبيرة، وما شاكل هذا فهذا هو النقص، أما إذا كان الإنسان لا يحفظ، وإذا حفظ ينسى، وإذا حدث يخلط، فهو مردود الرواية وسبب الرد عدم الضبط وذلك لأنه لابد من عدالة وضبط فإذا رُدَّتْ رواية الراوي لعدم ضبطه فلا منقصة في دينه، وإذا رُدَّتْ رواية الراوي لعدم عدالته فهذا هو البلاء. وحفص من ناحية العدالة عدل وفوق العدل، عدل إمام رضا، لكن في ناحية ضبط الحديث واهي الحديث تالف الحديث. العلة الثالثة: وفيه أيضاً عبد الرحمن بن حماد منكر الحديث كما قال ابن أبي حاتم، فالحديث من ناحية الإسناد ضعيف لكن المعنى صحيح، أي تفسير سبحان الله والتسبيح بأنه تبرئة الله عن كل سوء وعن كل نقص، ثبوت هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم ضعيف من حيث الإسناد لكن المعنى صحيح. ثانيها: ويأتي التسبيح بمعنى التعجب، وهذه المعاني ضروري معرفتها في هذا المبحث إذ لها معانٍ كبيرة وخفية فلفظ (سبحان) هذا وحده يدلنا على أن الإسراء كان بالروح وبالجسد كما سيأتينا، فلفظ سبحان على حسب ما فيها من دلالتين: إما تنزيه الله عن كل نقص أو التعجب، نستدل على أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد، كيف هذا؟

لو كان رسولنا عليه الصلاة والسلام كذاباً – وحاشاه من ذلك- وقال: أسرى الله بي إلى بيت المقدس وعرج بى إلى السموات ورجعت ولم يكن ذلك قد حصل، فإذا أقره الله فماذا يكون في هذا؟ يكون فيه منقصة في حق الله، فإذن هذا يكذب عليه وهو يؤيده بخوارق العادات من إنزال القرآن وغيره أفلا يكون في هذا منقصة والله تعالى يقول: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) . فلفظ (سبحان) إذن أول ما يدل عليه أن الإسراء والمعراج بالجسد لا بالروح فقط لأن هذا لو كان على خلاف ذلك لما كان هنا داعٍ لتعجيب العباد من هذا، فالروح كل واحد يرى أنه أسري بها، فقد يري الكافر أنه أسري بها إلى الصين التي هي أبعد من بيت المقدس، وهذا واضح ولو كان النبي صلي الله عليه وسلم يخبر بخلاف الحقيقة فكيف يقره الله وهو أحكم الحاكمين ورب العالمين؟! لذلك قال أئمتنا: المعجزة تدل على صدق الرسول لأنها بمثابة قول الله: صدق عبدي فيما بلغ عني. فلو كان نور مثلا حاضراً في مجلس الأمير، والأمير جالس، وقام وقال أنا رسول الأمير إليكم وأنني مسئول عن أمور الرعية، وأنا نائبه، وقد فوض إلي تدبير الشؤون في هذه المنطقة وأنا ممثله وليس عندي كتاب عنه وما تكلم هو، لكن الدليل على أنني رسوله وأنني نائبه أن الأمير يقعد الآن أمامكم عشر مرات فقام الأمير وجلس وقام وجلس وقام وجلس عشر مرات وما تكلم، أفلا يدل هذا على صدقه؟ نعم يدل دلالة أقوى من الكلام، ولو كان كذاباً لقال الأمير: اضربوا رقبته. فعندما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام للقمر بيده هكذا فينشق فلقتين فهذا لو كان كذاباً لما أيده الله، فإذا كان من علامة صدقه أنه يشير إلى القمر فينشق (اقتربت الساعة وانشق القمر) ولو كان كذاباً لما أيده الله.

وانظر إلى مسيلمة الكذاب لما قيل له: إن محمداً عليه الصلاة والسلام يبصق في عين الأرمد فيبرأ، فقد بصق في عين علي بن أبي طالب وكان يشتكي عينيه فما اشتكي منهما بعد ذلك، فقال مسيلمة هاتوا أرمداً لأبصق في عينيه فأتي له أرمداً فبصق في عينيه فعمي. فجوزي بنقيض قصده لذا قال أئمتنا: تلك معجزة وهذه إهانة وذلك خارق للعادة وهذا خارق للعادة لكن ليفضحه الله. وقيل له كان النبي صلي الله عليه وسلم يضع يده في الماء فيفور الماء من بين أصابعه ولما كان صلوات الله وسلامه عليه مع أصحابه في صلح الحديبية كانوا (1500) شخصاً وكفاهم الماء القليل عندما وضع في تور من ماء – إناء صغير- أصابعه صلوات الله عليه فبدأ الماء يفور من بين أصابعه فقيل لمسيلمة عندنا بئر ماؤها قليل لعلك تدخل فيها وتقرأ عليها وتتمتم ليبارك لنا في مائها ففعل فغارت. فهذا خارق للعادة لكنه إهانة وذلك خارق للعادة لكنه معجزة. إذن فلا يظن أن البحث في معنى سبحان من باب النافلة بل هو مرتبط ببحثنا فـ (سبحان) سيأتي أنه من الأدلة على أن الإسراء كان بالروح والجسد.

فـ (سبحان) تأتي بمعني التعجب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة كما في صحيح البخاري: [سبحان الله: إن المؤمن لا ينجس] وأول الحديث يقول أبو هريرة: [لقيت النبي عليه الصلاة والسلام في بعض طرق المدينة أو مكة وكنت جنباً فانخنست منه] أي تسللت في خفية وتواريت عنه لئلا يراني – وقد كان من عادة النبي صلي الله عليه وسلم إذا التقى بأصحابه يصافحهم ويداعبهم ويضاحكهم وليس حاله كحال الجبابرة الطغاة، لذلك لما حج النبي صلي الله عليه وسلم وفداه أبي وأمي فرد فردا ولا إليك إليك أي ما أحد يقال له تنح من أمام النبي عليه الصلاة والسلام، فالناس يمشون بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وهو مع الناس، نَفَرٌ منهم، فإذن له لما رأى أبو هريرة النبي عليه الصلاة والسلام وكان أبو هريرة جنباً يقول: انخنست منه أي تسللت في خفية لئلا يصافحني فكيف يصافحني وأنا جنب، وقد كان يظن أن الإنسان إذا أجنب تنجس [فذهب فاغتسل ثم جاء، قال أين كنت يا أبا هريرة؟ قال كنت جنباً فكرهت أن أجالسك قال: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس] فما معنى (سبحان الله) هنا؟ معناها: أتعجب منك يا أبا هريرة، أنت حافظ العلم ورواية الإسلام كيف يخفى عليك هذا الحكم في شريعة الرحمن. (أسرى) قال علماء اللغة سرى وأسرى بمعنىً واحد مثل سقى وأسقى، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: حي النضيرة ربت الخدر ... أسرت إليّ ولم تكن تسري النضيرة في البيت إما زوجته أو ابنته أو أخته المقصود جاءته في الليل يحييها أسرت إليه ولم تكن تسري، قال علماؤنا: جمع حسان اللغتين في هذا البيت أسرت فهذا أن أسرى وتسري من سرت لأنها لو كانت من أسرت لقال تُسري.

قيل إنه سير الليل خاصة، وعليه فذكر (ليلاً) في الآية للإشارة إلى تقليل الزمن في تلك الليلة فما سراه لم يكن في مدة الليلة بكاملها إنما كان الإسراء والمعراج به كان في جزء من الليل ولم يكن في جميع الليلة، ويدل على هذا قراءة بن مسعود وحذيفة وهى قراءة شاذة (سبحان الذي أسري بعبده بالليل) بدلاً من (ليلاً) أي أن السرى حصل لنبينا صلوات الله عليه وسلامه والإسراء به حصل في جزء من الليل فذكر ليلاً، فالتنكير هذا للتقليل حصل له في جزء من الليل وكما ذكرنا فراشه دافئ وقال الزجاج: هو مطلق السير في ليل أو نهار وعليه فذكر الليل لبيان وقت الإسراء. (بعبده) هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الرحمن ونعته بهذا الوصف وهو العبودية لأمرين معتبرين: الأمر الأول: أنه أكمل النعوت وأشرف الخصال في حق البشر؛ لأن العبودية تضمن أمرين اثنين: حب كامل وذل تام، ولا يكون العبد عبداً إلا بهذين الأمرين، فيحب الله محبة تامة كاملة، ويتذلل تذللاً تاماً كاملاً، فمن بلغ هذين الأمرين يقال له: هو عبد، وهذه أشرف صفة ولذلك نعت الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف الذي يشير إلى هذين الأمرين في أعلى المقامات وأجلها منها قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده) ، (الحمد لله الذي أنزل على عبده) ، (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) ، (وأنه لما قام عبد الله يدعوه) فينعته ربنا بلفظ العبودية؛ لأنه أشرف وصف في المخلوق وهو أن يكون عبداً للخالق، أي يحبه حباً تاماً ويتذلل إليه تذللاً تاماً.

ونبينا عليه الصلاة والسلام نال من هذين الوصفين أعلى نصيب ممكن في حق البشر لذلك فهو أشرف المخلوقات على الإطلاق، ثبت في المستدرك وميند البزار بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً عليه وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [خيار ولد آدم] وفي رواية: [سيد ولد آدم خمسة محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح وسيد خلقه محمد عليه صلوات الله وسلامه] . فقد اتفق أئمتنا – وهذا قد مر معكم في مبحث النبوة في المستوى الأول في شرح العقيدة الطحاوية – على أن أفضل البشر الأنبياء وأفضل الأنبياء الرسل وأفضل الرسل أولو العزم وهم الخمسة الذين ذكرهم الله في آيتين من كتابه (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم) آية 7 من سورة الأحزاب، وفى سورة الشورى آية رقم 13 (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) فأفضل الرسل أولو العزم، وأفضل أولو العزم الخليلان إبراهيم ومحمد على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وأفضل الخليلين أكملها خلة وأعظمها محبة لربه وهو محمد صلى الله عليه وسلم. فخلة إبراهيم لربه دون خلة نبينا عليه الصلاة والسلام لربه، والخلة هي أكمل مراتب المحبة وهي في المحبة كالمقت في الغضب فكما أن المقت أعظم أنواع الغضب، فالخلة أعلى مراتب المحبة. قد تخليت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلا

ولذلك ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله] فليس في قلبي متسع لغير ربي، فمحبتي كلها له فهذا أعلى الحب وأكمله ولذلك يقول إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كما في حديث الشفاعة الطويل الثابت في مسلم وغيره عندما [يذهبون إليه فيقولون له اشفع لنا فأنت اتخذك الله خليلاً فيقول: إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإنه عبد صالح قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيذهبون له فيشفع لهم] وهي الشفاعة العظمي والمقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون، النبيون والمرسلون عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. نعم يلي نبينا في الفضيلة إبراهيم فهو خليل الرحمن وما بلغ مرتبة الخلة إلا نبينا عليه الصلاة والسلام وأبونا إبراهيم، فإبراهيم جعل قلبه للرحمن بشهادة ذي الجلال والإكرام حيث قال (إذ جاء ربه بقلب سليم) ، وجعل بدنه للنيران وماله للضيفان وولده للقربان أما يستحق هذا أن يتخذه ربنا الرحمن خليلاً وحقيقة الخلة كاملة، والمحبة تامة والعبد هو من جمع حباً وذلاً، يحب ربه من كل قلبه بكل قلبه، ويتذلل له بجميع جوارحه. فمن حقق هذين الأمرين فهو عبد، فالنعت إذن بوصف العبودية هذا مدح ليس بعده مدح أن يقول لك ربك عبدي، هذا شرف لك ليس بعده شرف. ومما زادني عجباً وتيهاً ... وكدت بأخمصي أطأ الثُّربا دخولي تحت قولك يا عبادي ... وأن صيرت أحمد لي نبيا ولكل ما سبق نُعت النبيُّ صلي الله عليه وسلم بـ (عبده) . الأمر الثاني:

الذي من أجله وصفه الله بهذا الوصف خشية أن تغلو الأمة فيه، فنعته بوصف العبودية لتعرف الأمة وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته لا نقول: بما أنه أفضل المخلوقات وأسرى الله به وعرج به إلى السماء وأنزل عليه القرآن وفضله على العالمين إذن نذهب نصلي لقبره ركعتين وعندما نذبح نقول بسم محمد وعندما نقع في كربة نقول يا رسول الله فرج عنا، فلئلا تقع الأمة في هذا الضلال أخبرنا الله أنه عبد فإذا كان عبداً فلا يحق أن تصرف له شيئاً من العبادة، فهذا خاص لله جل وعلا. فَنُعِتَ بهذا الأمر لأجل المدح والتحذير من الغلو ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله] عليك صلوات الله وسلامه يا أفضل خلق الله ويا أكرم رسل الله، والإطراء وهو المجاوزة في المدح والمبالغة فيه. إخوتي الكرام..... إذا ذكر الإنسان النبي عليه الصلاة والسلام فينبغي أن يذكره بالتبجيل والتوقير والاحترام وأن يتبع هذا عليه الصلاة والسلام. وأما ما شاع بين الناس في هذه الأيام لما خربت قلوبهم وأظلمت من جفاء نحو ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام تراه على المنبر وأحيانا داعي يقول: كما قال رسولكم محمد بن عبد الله، فهذا ينبغي أن يضرب على فمه حتى تسيل الدماء منه، فهذا جفاء وقلة حياء بل كان الواجب أن يقول قال محمد رسول الله، هل نعته الله بأنه ابن عبد الله في كتابه؟ وهل في نسبته لأبيه مدح؟ لا إنما في نسبته إلى الله مدح فالواجب أن يقال: رسول الله خاتم النبيين وغيرها فبهذا نعته الله (محمد رسول الله) ، (محمد عبد الله ورسوله) ، (ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله إليكم وخاتم النبيين) ، (يا أيها النبي اتق الله) ، (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل لك) ، ولم ترد إضافته إلى أبيه في القرآن.

ولا يجوز أن تضيفه إلى أبيه إلا في مقام النسب فقط، فتأتي بنسبه فتقول: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب – إلخ النسب ما عدا هذا ذكره مضافاً إلى أبيه من البذاء والجفاء وقلة الحياء وعدم تعظيم خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه، فانتبهوا لهذا. تضيفه لله فلا حرج قال محمد بن عبد الله ورسوله لكن ليس: قال محمد بن عبد الله. (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) وقد أفتى ابن حجر الهيتمي بأن من قال عن نبينا عليه الصلاة والسلام بمقام الدعوة والتبليغ قال محمد بن عبد الله بأنه يعزر. وحقيقة الأمر كذلك لأن هذا كما قلنا من عدم توقير النبي عليه الصلاة والسلام. (المسجد الحرام) الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج وردت في الظاهر متعارضة، لكن نجمع بينها فيزول التعارض: ورد أنه أسري به من بيت بنت عمه فاخِتة أم هانئ بنت أبي طالب. وورد أنه أسري به من شعب أبي طالب. وورد أنه أسري به من بيته ففرج سقف بيته ونزل المكان وأخذاه. وورد أنه أسري به من الحجر من الحطيم وهو حجر إسماعيل. قال الحافظ ابن حجر: لا تعارض بينها، فكان نبينا عليه الصلاة والسلام نائما في بيت بنت عمه أبي طالب فاخِتة أم هانئ، وبيتها كان في شعب أبي طالب، أضيف إليه سقف بيته فرج لأجل سكناه فيه؛ لأنه يسكن فيه وإن كان لا يتملكه كما تقول فتح علي باب حجرتي وأنت في الفندق فأضيفت إليه الحجرة تملكاً في السكن لسكنه فيها وكذا أضيف البيت للنبي صلى الله عليه وسلم لسكناه فيه ثم بعد أن أخرج من بيت أم هانئ في شعب أبي طالب وقيل له بيته لأنه يسكنه أُخذ عليه صلوات الله وسلامه إلى الحجر ولازال فيه أثر النعاس وأُرْجِعَ فيه، ثم بعد ذلك هيأ من ذلك المكان وأخرج من باب المسجد الحرام إلى رحلة الإسراء والمعراج فحصلت جميع هذه الأمور من بيت أم هانئ في شعب أبي طالب وهذا بيته وأُخذ إلى الحِجْر وأُسري به من حِجْر إسماعيل وهو الحطيم. المحاضرة الثانية

الثلاثاء 16/3/1412هـ وقد أضيف بيت بنت عمه أبي طالب أم هانئ فأختة للنبي صلى الله عليه وسلم لسكناه فيه كما قال الله جل وعلا: (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم) فالإضافة هنا للسكن أو للملك؟ هي للسكن، ولو كنت تملك البيت، لكنك أجرته فلا يجوز أن تدخله وإن كان ملكاً لك وهنا أضيف البيت إليه لسكناه فيه، هذا البيت هو لبنت عمه في شعب أبي طالب وأضيف إليه هو ضمن الحرم. والمراد من (المسجد الحرام) حرم مكة المكرمة، وليس المراد منه خصوص المسجد لأن لفظ المسجد الحرام شامل لحرم مكة، ولذلك من صلى في أي بقعة من بقاع الحرم تضاعف صلاته مائة ألف صلاة ولا يشترط هذا أن يكون في خصوص المسجد الحرام الذي يحيط بالكعبة بخلاف مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فالأجر هناك بألف لمن صلى في خصوص المسجد أما مكة فكلها حرم في أي جهة تصلى في مسجد الكعبة الذي يحيط بالكعبة أو في أي مسجد آخر فالصلاة تضاعف بمائة ألف صلاة والله تعالى أشار إلى هذا في كتابه فقال (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) أي عن مكة، وهذا وقع في صلح الحديبية، والله جل وعلا يقول: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد) فما المراد بالمسجد الحرام هنا؟ هل المراد خصوص المسجد وبقعته التي تحيط بالكعبة؟ لا، بل المراد مكة يستوي فيها البادي والحاضر فهذه خصوصية لمكة، جميع بقعة الحرم يقال لها مسجد حرام.

وعليه فإن المراد بقوله: (من المسجد الحرام) أي من مكة المكرمة سواء كان في بيت أم هانئ أو سواء كان في الحجر، لكنني قد جمعت بين هذه الألفاظ وقلنا: إنه كان نائما في بيت أم هانئ وهو شعب أبي طالب، وأضيف البيت إليه لسكناه وقيل أنه أسري به من الحجر والحطيم الذي حطم وفصل من الكعبة عندما ضاقت بقريش النفقة وهو حجر إسماعيل وهو جزء نصف دائري يبعد عن الكعبة قليلاً ومازال موجوداً إلى الآن وهو من الكعبة ومن مر بينه وبين الكعبة فكأنما مر في جوف الكعبة تماماً، ولو كنت تطوف فيما بينه وبين الكعبة لم يصح الطواف بل لابد من الطواف خارج حجر إسماعيل، وهذا الحجر الأصل أنه من الكعبة لكن لما ضاقت النفقة بقريش سابقاً فصلوا هذه البقعة عن الكعبة وحوطوا عليها للإشارة إلى أنها من الكعبة وبقي البناء على هذا والنبي عليه الصلاة والسلام قال لأمنا عائشة والحديث في صحيح البخاري: [لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فنقض وأدخلت حجر إسماعيل وجعلت له باباً شرقياً وغربياً يدخل الناس ويخرجون] أي إلى جوف الكعبة، لكن ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام هذا لئلا يقول الناس وهم حديثو عهد بجاهلية بدأ يتلاعب في هذا البيت المعظم الذي هو بيت الله الحرام، فتركه على ما كان ولا حرج في ذلك ولا مضرة ثم بقي على هذه الشاكلة. لما جاء عبد الله بن الزبير نقض البيت الحرام وأدخل الحجر وجعل له بابين: باباً من الشرق وباباً من الغرب ولما قتل رضي الله عنه وأرضاه في الحروب التي جرت بينه وبين بني أمية في عهد عبد الملك بن مروان أمر عبد الملك بأن يعاد البيت كما كان فأعادوه إلى هذه الكيفية الموجودة الآن.

ولما جاء أبو جعفر المنصور – الخليفة العباسي - استشار الأئمة وعلى رأسهم الإمام مالك عليهم رحمة الله في أن يعيد البيت كما فعله عبد الله بن الزبير فقال الإمام مالك: الله الله يا أمير المؤمنين في هذا البيت ألا يصبح ألعوبة بأيدي الحكام كل واحد يأتي ينقضه من أجل أهواء سياسية، عبد الله بن الزبير أصاب السنة فمن أجل أن يخالفه بنو أمية نقضوا البيت، فأنت الآن ستخالفهم وتعيد البيت نكاية ببني أمية، فيأتي حاكم بعد ذلك نكاية بك ينقضه، فيصبح البيت ملعبة، فاتركه على شاكلته. الشاهد: أنه صلى الله عليه وسلم نائماً في الحجر في الحطيم فجاءه ملكان وأخرجاه إلى باب المسجد وبدأت رحلة الإسراء والمعراج، هذه الأمور الأربعة المسجد الحرام والحجر وشعب أبي طالب وبيته كلها يشملها المسجد الحرام. (إلى المسجد الأقصى) هو بيت المقدس المعروف والموجود في بلاد الشام في فلسطين وسمي بالأقصى وهو الأبعد لأنه لم يكن على وجه الأرض في ذلك الوقت إلا مسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والمسجد الأقصى بالنسبة للمسجد الحرام بعيد المسافة، كما قال المشركون خمسة عشر يوماً ذهاباًً وخمسة عشر يوماً إياباً فيحتاج من يسافر إليه شهراً كاملاً ذهاباً وإياباً، فقيل الأقصى أي الأبعد مسافة لأنه هو أبعد مسجد عن مكة وما كان على وجه الأرض في ذلك الوقت إلا هذين المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، أما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن له وجود لأنه حصل بعد الهجرة وسيأتينا أن حادثة الإسراء والمعراج كانت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله. إذن المسجد الأقصى قيل له: أقصى لبعد المسافة بيه وبين مكة.

والمسجد الحرام هو أول بيت وضع للناس كما قال الله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين) . بكة ومكة اسمان مترادفان، سميت بكة ومكة لأنها تبك وتمك رؤوس الجبابرة وتقسم ظهورهم وما أحد أرادها بسوء إلا عاجله الله بالعقوبة. بك هو قطع العنق ودقه، وهكذا المك، بك ومك، وسميت ببكة وبمكة مأخوذ من المك يقال: إذا خرجت أمعاؤه ونفسه وروحه من كثرة الزحام، ولما يحصل فيها أيضاً زحام حول الطواف عند اجتماع الناس من كل فج عميق. فإن قيل لها مكة وبكة لحصول الزحام فيها ولعقوبة الله لكل من أرادها بسوء. والمسجد الحرام بمكة هو أول بيت وضع للناس يليه المسجد الأقصى، وبينهما أربعون عاماً كما ثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام من حديث أبي ذر، ولا يشكلن عليك هذا الدليل وإياك أن تقول إن أول من بنى بيت الله الحرام إبراهيم وأول من بنى بيت المقدس داوود فليس الأمر كذلك. أول من بنى المسجد الحرام الملائكة ثم بنت بيت المقدس بعده بأربعين عاماً. وهناك قول ثانٍ ولا يصح غير هذين القولين، أول من بنى المسجد الحرام آدم وآدم حج إلى بيت الله الحرام قطعاً وجزماً وهكذا جميع أنبياء الله ورسله كلهم حجوا بيت الله الحرام. والبيت المعمور في السموات بعد ذلك هذا على حيال وعلى اتجاه الكعبة التي في الأرض تماماً، وهذا البيت – المسجد الحرام – كان موجود من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة، كان يحجه ويزوره وآدم زار البيت وحج واعتمر وهكذا جميع أنبياء الله ورسله ثم بعض بنى آدم بني المسجد الأقصى وكان بينهما أربعون عاماً هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح مسلم ونص الحديث: [أول مسجد بنى المسجد الحرام قلت: ثم أي يا رسول الله؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون عاماً] . فقيل له أقصى لأن مسافته بعيدة عن المسجد الحرام. (الذي باركنا حوله)

البركة هي: ثبوت الخير للشيء والله جعل بركات عظيمة حول المسجد الأقصى هذه البركات شاملة لبركات الدين والدنيا. أما الدين فهي مكان بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه، في بلاد الشام. وأما الدنيا فما فيها من الخيرات والزروع والثمار لا يوجد في الأرض له مثيل ونظير، فالخيرات فيها عظيمة فيما يتعلق بخيرات الدين وفيما يتعلق بخيرات الدنيا. (باركنا حوله) ديناً ودنيا ولذلك اعتبر نبينا عليه الصلاة والسلام أصول الفساد في بلاد الشام علامة على فساد سائر البلدان لأن المكان المبارك إذا فسد فعيره أفسد؛ ثبت في صحيح ابن حبان ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذي عن قرة بن إياس – والحديث حسنه الترمذي وصححه بن حبان – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم] وأهل الشام الآن أخبث من الشيطان إلا من رحم ربه وقليل ما هم، ولذلك فالبشرية فيها هذا البلاء والغثاء والضلال لأن الخيار فسدوا فكيف سيكون حال الأشرار؟! المكان الذي بارك ألله فيه ضل وزاغ فكيف سيكون حال الأمكنة الأخرى؟! وحديث الصحيحين عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة [وأنه لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله قال: وهم بالشام ظاهرون] فإذن بركة الدين والدنيا، ونزول عيسي على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه في آخر الزمان سيكون في بلاد الشام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب المسيح الدجال عليه وعلى جميع الدجاجلة لعنة الله وغضبه – فيقتله بباب لد في فلسطين، فإذا رآه الدجال إنماع كما ينماع الملح في الماء فيقول: اخسأ عدو الله فإن لك ضربة لن تخطأك فيضربه عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فيقتله.

وليقرر إليه هذه البركة على أتم وجه أتى بأسلوب مقرر في البلاغة وهو أسلوب الالتفات وهو نقل المخاطب من هيئة إِلى هيئة ومن صيغة إلى صيغة، فمثلاً: يكون يتحدث في حال الحضور فينتقل إلى الغيبة ويكون في حال الإفراد فينتقل إلى الجمع، ويكون في حال غيبة فينتقل إلى حضور وهكذا، فيغير في أسلوب الكلام من أجل أن يلفت الأذهان ويشحذها وأن هذا أمر عظيم ينبغي أن تقفوا عنده، فأين الالتفات في الآية؟

المُخاطِبُ هو الله – سبحان الله - غير في الكلام، فكان الكلام على صيغة (سبحان الذي أسرى) وأسرى غيبة، (أسرى بعبده) فلم يقل أسريت بعبدي، ولم يقل: سبحاني أسريت بعبدي، أو سبحاننا أسرينا بعبدنا على وجه التعظيم – من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، إذ أصل الكلام أن يقول: سبحاننا أسرينا بعبدنا ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله فتكون باركنا مثل سبحاننا وأسرينا وعبدنا، لكن قال تعالى: (سبحان الذي أسري بعبده) على جهة الغيبة ثم قال (ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) فلو أراد أن يكون الكلام متفقاً مع الغيبة لقال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله ليريه من آياته إنه هو السميع البصير إذن فالمتكلم نقل كلامه من غيبة إلى حضور ومن جهة إلى جهة. وغرضه الأصلي أن يشحذ الذهن وأن يشد الانتباه لمضمون الكلام لئلا يحصل ملل وسآمة من مجيء الكلام على صورة واحدة، ثم للتنبيه وهنا فائدة خاصة أيضاً، أما غرض الالتفات العام شحذ الأذهان وجلب الانتباه ثم في كل مكان له غرض خاص، فما هو الغرض الخاص هنا؟ للإشارة إلى عظيم تلك البركات الموجودة حول المسجد الأقصى فلأجل أن يقرر تلك البركات وكثرتها ونفعها نقل الكلام من هيئة إلى هيئة، شحذ الذهن ثم قرر تلك البركات، يدل على هذا: أنه أتى بنون التعظيم التي يعظم بها ربنا نفسه كأنه يقول: العظيم لا يفعل إلا أمراً عظيماً، وهناك بركات جسيمة جعلتها حول المسجد الأقصى. وهذا المسجد الأقصى الذي فرطنا فيه وفرطنا في بلاد الإسلام كلها بل فرطنا في الإسلام وما أقمنا وزناً للرحمن ولا لنبينا عليه الصلاة والسلام. (لنريه من آياتنا)

الآيات العظيمة التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام تأتي الإشارة إليها إن شاء الله ضمن مبحث خاص فيما حصل له قبل إسرائه، وعند إسرائه عليه الصلاة والسلام ولا زال في الأرض وعندما عرج به في السموات وعندما رقي إلى ما فوق السموات، فهذه الآيات الأربع سنتكلم عنها إن شاء الله. إذن آيات قبل رحلة الإسراء وسيأتينا منها شق الصدر الشريف لنبينا عليه صلوات الله وسلامه، وما حصل له أثناء رحلته قبل أن يصل إلى السماء، وما حصل له في السموات، وما حصل له بعد السموات من آيات عظيمة: تكليم الله حصل له، ولكن هل حصلت الرؤية أم لا؟ سنتكلم عن هذا كله إن شاء الله عند مبحث خاص في الآيات التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام. (إنه هو السميع البصير) الضمير في (إنه) يعود على الله جل وعلا على المعتمد، (إنه) أي إن الله (هو السميع البصير) ، وفي ذلك دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغ ويقول ويدعي، فلو كان مفترياً هذا الأمر وأنه أسري به وعرج ولم يكن ذلك قد حصل فإن الله سميع لأقواله بصير فلبطش وأخذه أخذ عزيز مقتدر، كما قال لنبييه موسى وهارون (إنني معكما أسمع وأرى) فإذا أراد ذاك اللعين – وهو فرعون – أن يتحرك فأنا لست بغائب، أنا أسمع وأنا أرى، أخسف به الأرض أرسل عليه حاصباً من السماء فتخطفه الملائكة من جميع الجهات، فأنا معكما أسمع وأرى. ولذلك قال نبينا عليه الصلاة والسلام لأبي بكر في حادثة الهجرة: [ما ظنك باثنين الله ثالثهم] (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) فإذا كان الله معك فلا تخف ولو كادك أهل الأرض ومعهم أهل السماء لو حصل ذلك، فالله سيتولاك ويجعل لك فرجاً ومخرجاً من حيث لا تحتسب، كما قال الله جل وعلا: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) .

ثبت في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه هذه الآية (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لوسعتهم فمازال يكررها عليّ حتى نعست] . إذن (إنه هو السميع البصير) يعود على الله جل وعلا، هو سميع بصير ففي ذلك إشارة إلى صدق نبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه فيما ادعى وأخبر فلو كان الأمر بخلاف ذلك لما أقره الله ولما تركه ولعاجل له العقوبة: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) .

وقيل: إن الضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيما حكاه أبو البقاء العكبري (إنه) أي إن النبي صلى الله عليه وسلم سميع بصير، سميع لأوامر الله، بصير بي وفي ذلك إشارة إلى حصول رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه، والمعتمد أنه حصلت له الرؤية، لكن هل بقلبه أم بعين رأسه؟ نشير إلى هذا عند الآيات التي رآها فوق السموات، فالرؤية حصلت له (ما زاغ البصر وما طغى) وكما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: [رأيت نوراً] وكما قال ابن عباس: [رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه مرتين] لكن هل هذه رؤية قلبية أم بصرية بعين رأسه، سنفصل الكلام على هذا في حينه إن شاء الله تعالى إذن سميع لأوامر الله، بصير بي، ليس حاله كحال غيره فانظر للفارق العظيم بينه وبين الكليم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، أما موسى الكليم فهو الذي طلب من الله جل وعلا أن يمكنه من رؤيته وأن يأذن له بالنظر إليه فقال: (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً) إذن تشوق للأمر فقال الله تعالى: لا يحصل لك ولا تتمكن من ذلك ثم لما تجلى الله للجبل صعق موسي وخر مغشياً عليه، بينما نبينا عليه الصلاة والسلام دعي للأمر دون أن يتشوق وأن يتطلع وأن يطلب، ثم ثبته الله فما زاغ البصر وما طغى. شتان شتان بين من يقول الله عنه: (ما زاغ البصر وما طغى) وبين من يقول عنه: (وخر موسى صعقاً) ، ولذلك قال أئمتنا: نبينا مراد، وموسى مريد، وشتان بين المراد والمريد. ذاك هو يطلب ثم لا يثبت ولا يتمكن، بينما هذا يطلبه الله، عليهم صلوات الله وسلامه. وقال أئمتنا: نبينا يطير وموسى يسير، وشتان بين من يطير ومن يسير.

وقال أئمتنا: إن موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مظهر للجلال والفخر الإلهي، كما أن عيسى مظهر للجمال والنور الإلهي، ومحمد عليه صلوات الله وسلامه مظهر للكمال الإلهي فجمع الجلال وجمع الجمال فهو الضحوك القتال، يخفض جناحه للمؤمنين وهو بهم رؤوف رحيم، ويفلق هام الكافرين ويغلظ عليهم، وهو عليهم شديد عظيم، وهذا هو حال الكمال، أن تضع كل شيء في موضعه، أما أن تغلظ على المؤمنين وتشد عليهم فهذا في الحقيقة في غير محله، فهارون نبي من أنبياء الله المصطفين الأخيار، لما رجع نبي الله موسى على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه إلى قومه بعد مناجاة ربه وقد عبدوا العجل، ماذا فعل؟ أخذ بلحية أخيه هارون وبرأسه يجره إليه ويضربه، وحمل ألواح التوراة وألقاها حتى تكسرت، وقال هارون: ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، لم تضربني إذا عبد بنو إسرائيل فماذا أفعل أنا؟ (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) ، أي أما خشيت أن نخاصمهم ونقاتلهم ثم تأتي وتقول: لقد عملت مشكلة في بني إسرائيل وفرقت بينهم، فانتظرت قدومك لأجل أن نبحث في أمرهم ونعيدهم إلى حظيرة الإسلام، وهذا جرى من موسى أي موسى وهو أكبر من هارون وله عليه دالة، ثم هو أعلى منه مكانه في النبوة، لكن هذا غضب وانفعال ودالة أخ على أخيه فهل هذا كمال؟ لا ليس بكمال، بل هو قهر وجلال. وانظر إلى نبي الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فهو على العكس لم يرفع صوته قط على أحد، وحياته كلها حياة وسلم وصفح وُحلم ورحمة، فهذا جمال لكن انظر إلى الكمال كيف يضع الأمر في موضعه؟ (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) ، (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليكم) ، يضع كل شيء في موضعه فهذا من الكمال. من الذي حاز الكمال من الصحابة؟

أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقط، ومن عداه إما جمال أو جلال، فعمر جلال ومظهر للانتقام والشدة والبطش في الحق، لكن ليس عند مظهر الجمال فعمر رضي الله عنه أرسل إلى امرأة بلغه حولها ريبة ففي الطريق بدأت تولول وتقول مالي ولأمير المؤمنين عمر، مالي ولعمر، فأسقطت خوفاً منه قبل أن تصل إليه. وكان يحلق رأسه في الحج بعد أن انتهي من النسك فتنحنح عمر: احم احم والحلاق يحلق رأسه، فأحدث – أي الحلاق – في سراويله، هيبة من عمر، هذا عمر، ومن الذي كان يجرؤ أن يعاركه، وهو الذي يقول النبي عليه الصلاة والسلام فيه – والحديث في الصحيحين [ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك] . وعثمان مظهر جمال ورقة وحلم وصفح فلا يخطر ببال أحد أنه يمكن أن ينتقم من شخص أو يبطش به، هذا هو الذي جرأ السفهاء عليه لما وسع عثمان المسجد كما في صحيح البخاري، وفي منبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال أيها الناس إنكم أكثرتم أي كل واحد يتكلم ويطلق لسانه ولا يستحي من الله مع أنه كان خليفة راشداً ذا النورين ما علم هذا لأحد من خلق الله، أنه تزوج بنتي نبي، قال: وإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: [من بنى لله مسجداً ولو كَمَفْحَصِ قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة] . ولنسأل: من الذي وسع المسجد قبله؟ هو عمر، لكن هل تكلم أحد عندما وسع عمر المسجد والله لو أن واحداً همس لأتى به عمر ووطأ على رقبته، لكن انظر إلى عثمان هو الذي يعتذر لهم يقول: أكثرتم، أكثرتم عليّ من الكلام في المدينة، فما عملته حتى تتكلموا عليّ؟ مسجد النبي عليه الصلاة والسلام وسعته فماذا في هذا؟! فسبحان الله خليفة يعتذر.

ثم لما اجتمع الثوار الأشرار لحصاره وبقي خمساً وعشرين يوماً يحاصروه جاءه عليُّ والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين والصحابة يطلبون منه أن يأذن لهم في نصرته فقال لهم: من كان سامعاً مطيعاً ولي عليه في رقبته بيعة، ولي عليه حق السمع والطاعة فليلق سلاحه ولينصرف حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين، ولا أريد أن يراق من أجلي قطرة دم، إن يقتلوني فالله يحاسبهم، وإذا انكفوا عن طغيانهم فحصل الذي أريد، أما أن يحصل قتال فهذا لا أريده، هذا ممكن أن يحصل في عهد عمر رضي الله عنه. فهناك جلال وهناك جمال وأما أبو بكر فهو الكمال. إخوتي الكرام.. من لطف الله بهذه الأمة أن الخليفة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام هو أبو بكر، ووالله لو جاء غيره لطاشت عقول الصحابة لأن أبا بكر هو صورة طبق الأصل للنبي عليه الصلاة والسلام، وما يختلفان إلا أن ذاك محمد رسول الله صلوات الله عليه وسلامه – وهذا عتيق الله أبو بكر الصديق، فذاك رسول وهذا صديق لا يختلفان في الطبيعة ولا بمثقال ذرة، وإن أردت أن تتحقق من هذا، انظر لصلح الحديبية لما أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام الصلح مع المشركين على أن يرجع هو والمؤمنون هذا العام ليأتوا في العام الآتي، وكتبوا شروطاً فيها قسوة في الظاهر على المسلمين، فمن الذي لج وضج؟ إنه عمر، بدأ ينفعل ويغضب غاية الغضب فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ألسنا على الحق؟ قال: بلي، فقال: أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: علام نعطى الدنية في ديننا؟! سيوفنا معنا والله معنا نبيدهم ونستأصل خضراءهم فماذا كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم؟ يا عمر إني رسول الله ولن يضيعني الله.

ثم ذهب إلى أبي بكر وقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: علام نعطى الدنية في ديننا؟! فماذا كان جوابه لعمر دون أن يسمع جواب النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: يا عمر اعرف قدرك إنه رسول الله ولن يضيعه الله فهذا كلام من مشكاة واحدة، اعرف قدرك من أنت لتفور لتثور؟ ، إن هذا رسول الله لا ينطق عن الهوى، يسدده في جميع أحواله، فأنا وأنت لا نعلم إلا الحاضر، لكن هذا رسول الله يوجهه من يعلم الغيب من يعلم السر وأخفى، فاعرف قدرك وقف عند حدك. لو جاء بعد النبي عليه الصلاة والسلام خليفة غير أبي بكر، والله لطاشت عقول الصحابة وجنوا على قيد الحياة، ولم هذا؟ لأنهم أصيبوا بنبيهم عليه الصلاة والسلام، وهذه أعظم المصائب في الدين، المصيبة الثانية أنه قد جاءهم من ليس على طبيعته وبالتالي تغيرت عليهم الأمور من جميع الأحوال، فالنبي عليه الصلاة والسلام ذهب ثم جاء من لا يمثله تماماً، لا أقول عنده انحراف، حاشا وكلا أن يكون في أحد الصحابة انحراف، لكن شتان بين طبيعة أبي بكر وطبيعة غيره، فجاءهم أبو بكر، ولذلك يعتبر أبو بكر برزخاً، أي مثل الحياة البرزخية بين الدنيا والآخرة، فهو برزخ بين حياة النبي عليه الصلاة والسلام وبين الحياة التي جاءت بعد ذلك لتكون انتقالاً، وليخف عليهم أثر فراق النبي عليه الصلاة والسلام، فما فقدوا في عهد أبي بكر إلا شخص النبي عليه الصلاة والسلام، وأما الرعاية والتوجيه والحلم والشدة في موضعها كل هذا موجودٌ كما كان النبي عليه الصلاة والسلام فيهم. المرحلة الثانية: مباحث الإسراء والمعراج المبحث الأول: اتفق أهل الحق على أن الإسراء والمعراج كانا بروح النبي عليه الصلاة والسلام وبدنه يقظة لا مناماً دل على هذا ثمانية أمور، كلها حق مقبول: الأمر الأول:

افتتاح آية الإسراء بلفظ التسبيح (سبحان) ، وقد تقدم معنا أن من معاني التسبيح تنزيه الله عن السوء والتعجب، والأمران يدخلان هنا، فالله جل وعلا ينزه نفسه عن السوء في مطلع هذه السورة للإشارة إلى أن طعن المشركين في خبر نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه طعنهم في خبره بأنه أسرى به وأن هذا لا يمكن أن يحصل له وأن هذا مستحيل وأن هذا بعيد، فهذا نقص يتنزه الله عنه فهو على كل شيء قدير. وفي ذلك أيضاً تعجيب للمسلمين وللخلق أجمعين لما حصل لنبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، والتعجب يحصل عند أمر غريب أو أمر غير مألوف؟ بل يحصل عند أمر غريب، ولذلك افتتحه بقوله (سبحان) ، فالتنزيه يدل على حصول الإسراء والمعراج والطعن في هذا طعن في قدرة الله التي لا تحد بحد، والتسبيح إذا كان معناه التعجب تعجبوا مما حصل للنبي عليه الصلاة والسلام من إسراء بروحه وجسده ومعراج بروحه وجسده في جزء من الليل. الأمر الثاني: أو اللفظة الثانية: (عبده) العبد هو اسم لمجموع الروح والجسد، هذا كقول الله جل وعلا: (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً) للروح أم للجسد؟ لهما. وكقوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) فأتى عليه لم يكن شيئاً للروح أم للجسد؟ لروحه ولجسده ولا كانت روحه والله خلقه ونفخ فيه الروح وهو على كل شيء قدير فالعبد والإنسان هذان اسمان للروح وللجسد فليس اسماً للجسد فقط، ولا للروح فقط، والله سبحانه يقول (سبحان الذي أسري بعبده) فدخل في لفظ العبد جسد النبي عليه الصلاة والسلام وروحه. الأمر الثالث: أو اللفظ الثالث:

في الآية (السميع البصير) وتقدم معنا أن الأظهر في (أنه هو السميع البصير) أنه يعود على الله جل وعلا وفي ذلك دلالة على أن الإسراء كان بروح النبي عليه الصلاة والسلام وجسده يقظة لا مناماً، لأن الأمر لو لم يكن كذلك وادعاه النبي عليه الصلاة والسلام فكيف يتركه السميع البصير، فلو كان مفترياً ومختلقاًً لهذا وتقولاً على الله لما أقره السميع البصير لأن الله لا يؤيد الكذاب ولا يناصر المخادع ويهتك ستر المنافق، فكيف إذاً يدعي النبي عليه الصلاة والسلام هذا ولم يكن يحصل له، والله سميع بصير يقره. وإذا عاد إلى النبي عليه الصلاة والسلام – كما ذكرنا قبل أنه أحد الأقوال – فقلنا إن الأمر كذلك فهو سميع لأوامري بصير بي، حدثت له الرؤية في حادث الإسراء والمعراج. الأمر الرابع: قول الله تعالى في وصف نبينا عليه الصلاة والسلام في سورة النجم عندما تعرض لذكر حادثة الإسراء والمعراج وأنه رأى في الملأ الأعلى ما رأى، قال: (ما زاغ البصر وما طغى لقدر رأى من آيات ربه الكبرى) وقوله في الآيات (ولقد رآه نزلة أخرى) أي ولقد رأى نبينا عليه الصلاة والسلام جبريل، (نزلة أخرى) أي مرة أخرى (عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى) فراش من ذهب ومن الألوان التي لا يوجد مثلها في زمن من الأزمان، أنواع عند سدرة المنتهي فراش من ذهب كما هو ثابت هذا في الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام، (ما زاغ البصر وما طغى) ,وزيغ البصر هذا يقع للإنسان يقظة لا مناماً. الأمر الخامس: أو الدليل الخامس:

لما تحدث الله سبحانه وتعالى عن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الإسراء، أخبرنا عن عظيم ما حصل له وعن عظيم ما رآه، فقال جل وعلا: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة الناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً) ، ثبت في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم] ، وهذه الرؤيا حقيقية هي فتنة وامتحان يظهر فيها المؤمن المصدق والكافر الجاحد عندما قال لهم نبينا عليه الصلاة والسلام أسري بي في جزء من الليل إلى بيت المقدس ثم عرج بي للسموات العلى ثم عدت إلى بيت المقدس، ثم عدت إلى مكة في جزء من الليل وفراشي دافئ فهذا فتنة أم لا؟ نعم هو فتنة، ولذلك سيأتينا أن تكذيب المشركين هذا دليل على أن الإسراء والمعراج بروح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده في اليقظة لا في المنام، لأنه لو كان في المنام لقالوا له: أنت ذهبت إلى بيت المقدس، أما نحن فذهبنا في هذه الليلة إلى الصين فينبغي أن تكون نبوتنا نحن أعلى من نبوتك لأنك تذهب إلى بيت المقدس أما نحن فنذهب إلى أبعد، فالقول بأنه كان في المنام ليس فيه معجزة للرسول صلي الله عليه وسلم وأمر خارق للعادة قد حصل له، وهو – أي الأمر الخارق – أنهم يذهبون لبيت المقدس خمسة عشر يوماً ذهاباً وخمسة عشر يوماً إياباً ويقطعها هو في جزء من الليل يضاف إلى هذا أنه يعرج به إلى السموات العلى ويعاد في جزء من الليل.

إذن رؤيا عين أريها رسول الله صلي الله عليه وسلم ومتى ثبتت له هذه؟ في حادث الإسراء والمعراج (الشجرة الملعونة في القرآن) أي أيضاً جعلناها فتنة للناس وهي شجرة الزقوم، ولذلك لما نزل قول الله جل ولعلا للإخبار بأن الكفار يأكلون من شجرة الزقوم قال أبو جهل عليه لعنة الله وغضبه مستهزءاً بكلام الله جل وعلا ومستخفاً بمحمد عليه صلوات الله وسلامه: أتدرون ما الزقوم هي عجوة يثرب بالزبد – (عجوة) أي أجود أنواع التمر، (الزبد) عندما يوضع على التمر قشدة الحليب وخلاصة الحليب الدسم – والله لأن أمكنني الله منها لأتزقمنها تزقماً، ونقول له: هنيئاً مريئاً بالزقوم، فقال الله تعالى: (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) فإن شجرة الزقوم فتنة ووجه كونها فتنة: قال المشركون: يا محمد أنت تخبرنا أن شجرة الزقوم تخرج في أصل الجحيم، فهل بدأت تهذي تخرف، كيف تنبت الأشجار في وسط النار، والنار تحرق الأشجار، أفليست هذه فتنة؟ !!. إخوتي الكرام.... هذه نار الدنيا تحرق الأشجار من طبيعة خاصة وإذا أراد الله أن ينبت في نار الدنيا شجراً فإنه على كل شيء قدير. (قصة القسيس مع الشيخ الحلبي الصالح لما وضع جبته داخل جبته وألقاها في فرن فاحترقت جبة القسيس ولم تحترق جبة الشيخ الصالح إلخ) . حقيقة. إن هذه القوانين التي وضعها الله سبحانه لتتحكم في هذا الكون لا نستطيع أن نخرج نحن عنها، لكن إذا أراد الله تعالى أن يبطلها فهو على كل شيء قدير، فالنار المحرقة يجعلها ظلاً بارداً والظل البارد يجعله الله سموماً محرقاً فإنه على كل شيء قدير. وإذا أراد الله أن يجعل الارتواء والري في البترول فإذا شربته ترتوي ويذهب الظمأ ويجعل العطش في الماء فهو على كل شيء قدير، أي فهل الماء بطبيعته يروي الإنسان؟ لا بل جعل الله فيه هذه الخاصة، فإذا أبطلها فإنه على كل شيء قدير.

هذا اللسان هل يتكلم وحده، أم جعل الله فيه هذه الخاصية؟ بل جعل الله فيه هذه الخاصية ولذلك إذا أراد أن يُنْطق يدك، فهل تنطق اليد؟ نعم (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) ، (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) ، والذي أنطق اللسان ينطق اليد وينطق الرجل وتشهد الجلود كما أخبر ربنا المعبود سبحانه وتعالى، فهذه القوانين تتحكم فيَّ وفيك، فأنا لا أستطيع أن أُنطق يدك فأقول لليد تكلمي فلا تتكلم. إنطاق اليد وإنطاق اللسان بالنسبة لقدرته سواء، أذن للسان فنطق، فإذا أذن لليد بالنطق نطقت. والأرض يوم القيامة ماذا يكون حالها (يومئذ تحدث أخبارها) ثبت في المستدرك وسنن الترمذي بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر] فالأرض هذه ستشهد عليك، ولا تقل كيف ستتكلم الأرض، إذ كيف تكلم لسانك؟ فكم من إنسان له لسان ولا يستطيع أن يتكلم به أي أخرس، هل لسانه أقصر من لساننا أو أطول أو شكله مختلف؟ لا بل هو هو ولكن ما أذن الله له بالنطق، فهو على كل شيء قدير. ولذلك أنت يا ابن آدم تتكلم بلحم وتسمع بعظم وتبصر بشحم والله على كل شيء قدير. فالعين مادة شحمية، والأذن عظام متجوفة بواسطتها تنتقل إليك ذبذبات الأصوات وتسمع، فإذا ابتلى الله إنساناً بالصمم فهل يستطيع أن يسمع؟ لا مع أن له أذناً. وإذا أفقد الله النور من البصر فلا يستطيع أن يرى مع أن له عينين لدرجة أنك لو نظرت إليه أحياناً ما تظن أنه أعمىً، لكنه أعمىً. ولذلك فاوت الله بين عباده لئلا يقول الناس هذا طبيعة، فلو كان كلهم يتكلمون لقال الناس هذا طبيعة، واللسان من طبيعته أن يتكلم، لكننا نقول له فلان عنده لسان ولا يتكلم، ولو كان طبيعة لتكلم هو ولتكلمت جميع الألسنة.

وهنا كذلك شجرة تنبت في النار والنار تحرق الأشجار، فهذه القوانين تتحكم فيَّ وفيك ولا تتحكم فيمن خلقها وأوجدها وهو رب العالمين سبحانه وتعالى، ولو تحكمت فيه لكان محكوماً ولما كان حاكماً وهو الذي لا يسأل عما يفعل، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وبم يتميز المؤمن عن غيره؟ ولذلك الشيطان يحزن عندما يموت العابد الجاهل، ويفرح عندما يموت العالم العليم الذكي، قالوا لمَ؟ قال: العابد كنا نضله ونخدع الأمة به باسم الشرع، وأما هذا العالم – فإننا ننصب للناس أشباكاً وأشراكاً – مصايد ونتعب فيها فيأتي العالم بكلمة واحدة يبطل حيلنا، ولذلك نحن إذا مات العالم نفرح وإذا مات العالم الجاهل نحزن، لأنه كان مصيدة لنا وأما ذاك فكان يكشف مصائدنا قالوا: وكيف؟ قال أريكم، فأخذ إبليس أعوانه وذهبوا إلى عابد جاهل وقالوا له: هل يستطيع الله أن يخلق الدنيا في جوف بيضة؟ فقال: وكيف يكون هذا؟ إنه لا يستطيع ولا يقدر على هذا فقال إبليس لأتباعه: كفر وهو لا يدري، ثم ذهبوا إلى عالم وقالوا: هذه الدنيا على سعتها ولا ترى طرفها فهل يستطيع الله أن يوجدها في داخل بيضة؟ فقال: ومن يمنعه؟ قالوا: وكيف يدخلها في داخل بيضة؟ قال يقول لها: كوني فكانت فيوسع البيضة، ويصغر الدنيا وهو على كل شيء قدير، فمن الذي يمنعه؟ ثم قال لهم إبليس: انظروا كيف يفعل بنا العالم وكيف نفعل بالعابد الجاهل. ولذلك هنا هذا الجاهل أبو الجهل أبو جهل لما نزلت الآية قال كيف تخبرنا أن شجرة الزقوم تخرج في أصل الجحيم؟ فهل بدأت تخرف؟ فكيف الأشجار تنبت في النار؟ (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) . الأمر السادس:

ركوب نبينا عليه الصلاة والسلام للبراق فهذا مما يدل على أن الإسراء والمعراج كان بروح النبي عليه الصلاة والسلام وجسده يقظة لا مناما، ثبت في سند الترمذي وصحيح ابن حبان بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أتيت بالبراق مسرجاً ملجماً – يضع خطوه عند منتهى طرفه] وهذا الحديث إلى هنا ثابت في الصحيحين، زاد الترمذي وابن حبان: [فلما قدمه لي جبريل نفر فقال له جبريل: مالك؟ والله ما ركبك خير منه، فما فارفضَّ عرقاً] (مسرجاً: أي عليه السرج ليركب عليه الراكب) ، (ملجماً ك أي عليه اللجام) ، (خطوه عند منتهى طرفه: أي إلى مقدار ما يرى فرجله تصل إلى ذلك) ، (فارفضّ: أي بدأ يتصبب من العرق) فهذا البراق الذي ركبه نبينا عليه الصلاة والسلام كان في اليقظة. يقول أئمتنا وإنما حصل في البراق شيئ من الامتناع والنفور في أول الأمر؛ لأمرين: أالأمر الأول: لأنه لم يروض منذ فترة، فالأنبياء كانوا يركبون على البراق قبل نبينا عليه الصلاة والسلام عندما كانوا يزورون بيت الله الحرام لكن من عهد عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما رُكب البراقُ، وعادة الخيل إذا أُهملت فترة ولم تُركب يصبح فيها نفور وتند وتشرد؛ لأنها ليست مروضة فلابد من اعتياد الركوب عليها ليسهل انقيادها ويسهل، فإذا فإذن من فترة طويلة لم تركب هذه الدابة التي كان يركب الأنبياء قبل نبينا عليه الصلاة والسلام عليها وانظر إلى الحمير الأهلية الآن التي تسمى الإنسية بسبب عدم خوفها من الناس ولكن تراها الآن تهرب وذلك لقلة استعمالها وهي دابة كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام دون البغل وفوق الحمار، يقال لها البراق، إما مأخوذة من البريق: وهو اللمعان؛ لأن لونها أبيض يتلألأ نوراً وإما من البراق، وهو منتهي السرعة لأنها تضع خطوها عند منتهى طرفها. ب الأمر الثاني:

ولعله أوجه الأمرين وأقوى وهو الذي يظهر لي والعلم عند الله، أنها ندت ونفرت وامتنعت امتناع زهو وخيلاء لا امتناع نفور وإباء، فلما جيء بالبراق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليركبه بدأت ترقص وتهرول ولا تنقاد ولا تجلس بسكينة بجواره لما حصل لها من الطرب والفرح لأنه سيركبها خير المخلوقات محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه حالة الإنسان عندما يفرح فرحاً شديداً يوصله إلى البطر فتراه يرقص، فالإنسان عندما يبشر بنعمة حصلت له قد يشتد فرحة بها لدرجة توصله إلى درجة الأشر والبطر، وهذا مذموم في حق الإنسان، لكن عندما يصل هذه الدرجة فما يكون حاله؟ تراه يقوم ويرقص ويأتي بحركات موزونة ليخبر عن فرحه، كما أن المصيبة عندما تشتد عليه ولا يملك نفسه فانظر ماذا يفعل؟ [ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية] ، ولذلك لا جزع ولا بطر، والمؤمن في حال النعمة يشكر الله وفي حال المصيبة يصبر. الشاهد أن هذه الدابة من شدة فرحها بدأت تهرول وترقص وتعمل حركات كما هو حال الخيل عندما يعتريها الزهو، فما كان نفورها نفور امتناع إنما كان للزهو والخيلاء كأنها تقول: أنا سأطرب وأرقص لما سيحصل لي من المنزلة العظيمة وهي ركوب خاتم الأنبياء والمرسلين عليه صلوات الله سلامه على ظهري، وهذه في الحقيقة منقبة عظيمة للبراق. الشاهد إخوتي الكرام..... ركوب نبينا عليه الصلاة والسلام على ظهر البراق وإحضار البراق له هذا دليل على أنه حصل في اليقظة. الأمر السابع:

تكذيب المشركين لنبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، دليل على أن تلك الحادثة وقعت له يقظة لا مناماً، فلو كانت مناما لما كان هناك داعٍ للتكذيب ولقالوا له: ما حصل لك في الرؤية يحصل لنا ما هو أبعد منه وليس في هذه دليل على مكانتك ونبوتك وصدقك وأنك رسول الله، فلما كذبوه دل على أنه بروحه وجسده يقظة لا مناماً، لاسيما عندما أخبرهم بعد ذلك بما يزيل تكذيبهم وسيأتينا في ذكر الآيات التي رآها – قالوا: إن كان كما تقول يا محمد، فانعت لنا المسجد الأقصى – وهذا لا يقال لرؤيا منامية إنما حصل له في اليقظة – وصفه لنا كم عدد أبوابه وكم عدد نوافذه وماذا يوجد فيه من أساطين؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لما قالوا لي هذا أحرجت حرجاً عظيماً حتى أتى جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام لي ببيت المقدس ووضعه أمامي فجعلت أنظر إليه وأنعته لهم باباً باباً، وجبريل إما اقتلع بيت المقدس وأتاه به – والله على كل شيء قدير – وإما أتى بمثال له، فكل من الأمرين يحصل به المراد وهو وصف المسجد الأقصى. الأمر الثامن أو الدليل الثامن وهو آخرها: نقول حادثة الإسراء والمعراج هي أمر ممكن، ورد به السمع فيجب الإيمان به، وهذه قاعدة عضوا عليه بالنواخذ وانتبهوا لها * كل ممكن: أي يجوز وقوعه ولا يحيل حصوله. * ورد السمع به: أي أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام به، بأنه أُسري به وعُرج مثلاً. * يجب الإيمان به: فلا يجوز تأويله ولا إخراجه عن ظاهره وكل من فعل هذا ففيه شعبة من شعب الباطنية ومسلك من مسالكهم. فمثلاً عذاب القبر ممكن أم مستحيل؟ ممكن، نعيم القبر ممكن أم مستحيل؟ ممكن

ورد بهما السمع فنؤمن بهما، ولا نقول كيف يكون؟! بل الواجب الإيمان به والتسليم ومثلهما وجود الموازين والصراط في يوم القيامة ممكن ورد به السمع نؤمن به، وكوننا لا نتوصل إليه بحواسنا، فهذا أمر لا يعنينا، لكن هل هذا مستحيل؟ لا، فإذا كان مستحيل هنا مجال البحث وهل تأتي الشريعة بما تحيله العقول، لا يمكن أن يتعارض معقول مع منقول، إذا تعارضا فالآفة في أحدهما، إما في النقل فلم يصح، وإما في العقل فليس بصريح ولا سديد فلا يتعارض نقل وعقل هذا شرع الله وهذا خلقه وليس في خلقه من تفاوت وليس في شرعه من تضارب (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) ، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) . وقد ألف الإمام ابن تيمية رحمه الله كتاباً في عشر مجلدات يدور حول هذا الموضوع سماه: (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) فلا يتعارض نقل صحيح مع عقل صريح، هذا الكتاب لو وزن ذهبا لكان أغلى من وزنه ذهباً، ويسمى (درء تعارض العقل والنقل) . ولذلك قال أئمتنا: لا تأتي الشرائع بما تحيله العقول لكن تأتي بما تحار فيه العقول، وشتان ما بين الحيرة والإحالة، فالإحالة لا يمكن أن تقع، أما الحيرة فموجودة فيما تشاهده، فكيف بما لا تشاهده؟ لسانك ينطق، وهو قطعة لحم فهذا يحير العقل أم لا؟ لكن الإنسان من غلظ كبده، وتبلد شعوره وإحساسه، ما يقع حسه عليه باستمرار يغفل عن الحكمة فيه ولا يعتبر في شأنه والله يقول: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ، كم من لسان يتكلم، فهذا يحار فيه العقل أم يحيله العقل؟ هذه حيرة تحير، فكيف تكلم هنا العضو من الإنسان فهذه حيرة مقصودة من الشارع، كما قلنا تنطق بلحم وتبصر بشحم وتسمع بعظم، كيف هذا؟ (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ، وهذا الخلق الذي هو في أحسن تقويم هذا مما يحار العقل فيه ولا يحيله لأنه مشاهد أمامنا، ولكن من أي شيء؟ خلق من ماء مهين كما قال ربنا جل وعلا.

وهذا الإنسان وتكونه ولو لم نره في حياتنا وقيل لنا: من هذا الماء يخلق إنسان له رجلان يمشي عليهما، ويدان يبطش بهما ورأس يدرك به وله أعضاء وتتحرك كله من هذه النطفة، لقلنا له أنت تخرف، كيف من هذه النطفة يخلق هذا، ولكن لمشاهدتنا له قل اعتبارنا به. يقول أئمتنا: لو لم نر حيواناً يمشي على بطنه والله يقول هذا في كتابه (فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) ، لاستغرب كثير من الناس بل لأحال بعضهم وأنكر وجود حيوان يمشي على بطنه، لكن لما رأينا الحية تمشي على بطنها فحينئذ قلنا ممكن، ورأينا إنساناً يمشي على رجلين، ورأينا دابة تمشي على أربع فقلنا ممكن، ولو أراد الله الإنسان أن يمشي على رأسه ممكن وهذا سيقع يوم القيامة (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) فهم يمشون على وجوههم وليس على أرجلهم، وقيل لقتادة: كيف يمشي على وجهه؟ قال: أوليس الذي أمشاهم على رجلين بقادر على أن يمشيهم على الوجوه؟! فكل هذا مما يحير العقل لا مما يحيله.

والحيرة مقصودة ليسلم المخلوق بعجزه لخالقه، لكن الإحالة باطلة، ومثال الإحالة الجمع بين النقيضين، نفي النقيضين، هذا مستحيل، فلو قيل لنا: هل يقدر الله أن يوجد هذا حياً ميتاً في وقت واحد فماذا يكون الجواب؟ نقول: هذا ليس متعلق القدرة والعقل يحيل هذا ولكن هل نقول ممكن أم غير ممكن؟ لا نقول ممكن ولا غير ممكن، أن يوجد الله هذا حياً ميتاً في وقت واحد لا نقول إنه ممكن لأنه ليس متعلق بقدرة بل هو مستحيل، ولا نقول غير ممكن لأن هذا سوء أدب مع الله، لأن متعلق القدرة الممكنات والجائزات، وهذا مر في شرح الطحاوية في مبحث القدرة والإرادة، وهو مفصل في موضعه، فلو قيل هل يستطيع الله أن يقلب فلاناً إلى سيارة؟ نقول نعم لأنه ممكن وهو على كل شيء قدير، وهل يستطيع أن يمسخه قرداً أو خنزيراً؟ نقول ممكن ولكن هل يستطيع أن يجعله حياً وميتاً في آنٍ واحدٍ؟ نقول: الحياة نقيض الموت فإذا كان حيا فليس بميت وإذا كان ميتا فليس بحي، فكيف ستتعلق القدرة بما يحيله العقل لا بما يحار فيه؟. وعندما يمسخ الإنسان (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) هذا المسخ يحيله العقل أم يحار فيه بل يحار فيه، إنسان سوي ثم مسخ. يذكر الإمام ابن كثير في تفسيره عند سورة أنه كان بعض الناس في مسجد نجران وعنده وسامة وجمال فقال له بعض الحاضرين: ما أجملك، يعني خلقة بهية خلقك الله عليها – فقال: أنت تتعجب من حسني! الله يتعجب من حسني، فبدأ يتصاغر أمام الناظرين وهم يرونه حتى صار طوله شبراً، فهذا ممكن أم مستحيل؟ ممكن لكن يحار فيه العقل. لذلك يمكن أن تأتي الشريعة بمستحيل، فنقول هذا الشيء إما موجود وإما معدوم، ولكن هل يمكن أن يجتمعا؟ لا يمكن أن يجتمعا ولا أن يرتفعا، قال أئمتنا: "عقول البشر قاطبة تقرر أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان" أي لا يمكن وجودهما ولا يمكن انتفاؤهما، بل لابد من وجود واحد منهما.

عذاب القبر ممكن وهو مما يحار فيه العقل ولا يحيله، ولو وضع صِدِّيق وزنديق في قبر واحد لكان القبر روضة من رياض الجنة على الصِدِّيق وحفرة من حفر النار على الزنديق، فإن قيل كيف هذا؟ نقول: هذا مما تحار فيه العقول وتعجز عن الوصول إليه من جميع الجهات فتسلم بعجزها لرب البريات، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) . العلم للرحمن جل جلاله ... وسواه في جهلانه يتغمغم ما للتراب وللعلوم وإنما ... يسعي ليعلم أنه لا يعلم فنحن نسعى لنعلم أننا كنا لا نعلم لا لنتعلم. ونحن نسعى ما كنا نجهله لا لنصل لدرجة العلم، لأن العلم لمن هو بكل شيء عليم (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) . انظر إلى الإمام الشافعي عليه رحمة الله – وهذا حال أئمتنا – يقول: كلما أدبني الدهر ... أراني نقص عقلي وإذا ما ازدت علماً ... زادني علماً بجهلي فحن نتعلم لنكشف جهلنا لا لنصل إلى مستوى ربنا جل وعلا، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بما تحيله العقول، حادث الإسراء والمعراج، كونه يسرى به من مكة إلى بيت المقدس إلى السموات العلا ثم يعاد في جزء من الليل، هل هو ممكن أم مستحيل؟ وهل يتصور العقل وجوده أم يحيل وجوده؟ هو ممكن ويتصور العقل وجوده، وقد ورد به السمع وهو الذي لا ينطق عن الهوى – فيجب الإيمان به. ولو كان مستحيلاً لا يقبله العقل لقلنا: انظروا لعل السمع ما صح، أما أن يصح السمع والعقل يحيل فهذا لا يمكن أن يقع على الإطلاق. فمثلاً حديث [خلق الله الورد من عرق النبي صلي الله عليه وسلم] هو حديث موضوع، فهذا العقل يكذبه لأن الورد كان موجوداً قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذن العقل يحيل هذا فكيف تقولون إن الورد خلق من عرق النبي صلى الله عليه وسلم.

في المقابل قد يقول قائل: الإسراء والمعراج باطل، ورد به السمع لكن العقل يحيله، وعليه فنرد السمع، نقول: لأن العقل ليس بصريح إنما هذا العقل قبيح، فلو كان عقلاً صريحاً لاحترم نفسه وقال: هذا ليس بمستحيل، لأنه ليس فيه جمع بين النقيضين وليس فيه نفي للنقيضين، فيتصور وجوده – ويتصور عدمه، فإذا شاء ربنا أحد الممكنات فليس بمستحيل (كن فيكون) ، (وهو على كل شيء قدير) . س: ما هي مواصفات العقل الصريح؟ جـ: العقل الصريح لا يمكن أن يوجد ولا أن يحصل في غير المؤمن الذي يخاف من الله ومن عدا المؤمن سيقول يوم القيامة: (لو كنا نسمع أو نعقل) كما أخبرنا الله عنهم، فكل من عدا المؤمن فليس عند واحد منهم عقل صريح، لكن قد تقل نسبة الحماقة وقد تكثر وأول الحمقى اللعين إبليس، لأنه أول من اعترض على الله، وهذا عقل صريح أم عقل قبيح؟ بل هو قبيح، فماذا قال لله: (رب أنظرني إلى يوم يبعثون) ، (رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) فيا إبليس يا ملعون، بماذا تخاطب الحي القيوم؟ تقول رب، إذن هو ربك خلقك فكيف تعترض عليه وتقول (أأسجد لمن خلقت طيناً) ، (أنا خير منه) أنت تقول رب، أمرتني بالسجود لآدم ثم تقول هذا خلاف الحكمة، فأنت سفيه الحكمة تقتضي أن يسجد آدم لي لأنني أنا من نار وهو من طين، ولنناقش كلامه: أنت تقول الله خلقك وأعطاك الحكمة فهل يعقل لمن أعطاك الحكمة أن يرضى لنفسه بالسفاهة فهذا لا يقبله عقل. أمر ثانٍ نناقشك فيه سلمنا أن عندك حكمة فأنت تقول النار أحسن من الطين، لم أحسن مع أن طبيعة النار الطياشة والتفريق، وطبيعة الطين الرزانة والهدوء؟ وانظر إلى نتيجة الطين ونفعه للمخلوقات أجمعين تضع فيه حبة يعطيك شجرة فيها من كل زوج بهيج، والنار تحرق ثيابك إن لم تحرقك فالطين طبيعته الإصلاح، والنار طبيعتها الإفساد.

سلمنا أن النار أفضل من الطين فهل يلزم مَنْ خُلِق من عنصر شريف أن يكون شريفا، وهل يلزم مَنْ خُلِقَ من عنصر خبيث أن يكون خبيثاً، أم كل نفس بما كسبت رهينة؟ إذا كانت النفس من باهلة والعرق والنسب من بني هاشم فماذا ينفع النسب؟ ألم يقل الله (تبت يدا أبي لهب) . إذا افتخرت بآباء لهم نسب ... قلنا صدقت: ولكن بئس ما ولدوا فهب أن النار أجود العناصر وأحسنها، فهل يلزم أن تكون أنت أفضل المخلوقات؟ لا يلزم، فانظر إلى هذه السفاهة، ولهذا أول الحمقى إبليس، وأول من مات من المخلوقات على وجه الإطلاق إبليس، وهو منظر إلى يوم الدين، لأن كل من عصى الله ذهبت منه الحياة الحقيقية (أفمن كان ميتاً فأحييناه) فهذا ميت لكنه في صورة حي. وبالجهل قبل الموت موت لأهله ... **** ... وأبدانهم قبل القبور قبور وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... **** ... وليس حتى النشور نشور ولذلك العقل الصريح هو الذي يلتزم بشرع الله الصحيح، قال تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) ، قال أبو العالية وقتادة وغيرهم: أجمع أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام أن كل من عصى الله فهو جاهل، وأن كل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب.

فالعقل الصريح ضابطه هو الذي لا يأتي بسخف ولا يتعالى على شرع الله ولا يأتينا بعد ذلك بمضحكات بمبكيات كما هو الحال في الدولة الأمريكية فالزنا في القانون الوضعي عندهم حلال، ومنعت المخدرات بل وتطارد عصاباتها، وتعمل مؤتمرات لمكافحتها، بينما لم تمنع المسكرات وسميت بمشروبات روحية وأهل الأرض من أهل القوانين الوضعية كلهم يسميها حلال، والمخدرات حرام مع أن الخمر أقوى في التحريم من الحشيش والأفيون، فهذه ألحقت بالخمر كما قال أئمتنا لوجود علة الإسكار فألحقت به تحريماً ونجاسة وحداً، ففيها حكم الخمر، لكن انظر إلى عقول البشرية: من يتاجر بالمخدرات يطلب ويشنق ويحكم عليه بالإعدام، ومن يتاجر بالمسكرات يعطى ترخيصاً من الدولة، فهذا عقل صريح أو عقل قبيح؟. ولقد وصل حال هذه العقول في الدولة البريطانية – ولكن أين من يغزو هذه الدول غزواً فكرياً ويكشف ضلالاتها وأفكارها للناس – ومن المعمول به في قانونها أن اللواط مباح ولا حرج فيه، بل يجوز التزاوج بين الرجال، فهذا عقل صريح أم قبيح؟ وأعجب لهذه العقول التي ضلت ولعنها الله كيف تزعم أنها ستحل مشاكلنا، اللواط الذي فطر الله العباد على استقباحه واستهجانه تبيحه أرقى الدول، بل إنه جائز عن طريق التزاوج، ولم يكتفوا بأن يجعلوه معصية، أو أمرا عاديا غير رسمي فكل من ينحرف عن شرع الله فهو ذو عقل قبيح؛ لأن شرع الله نور (قد جاءكم من الله نور) فمن خرج عن النور فليس له إلا الظلام، والظلمة قبح. فهذا هو ضابط العقل الصحيح الصريح من العقل الفاسد المنتكس القبيح وما لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده إخوتي الكرام ... عندنا وصفان ذكاء وزكاء، والثواب والعقاب يتعلق بالوصف الثاني وهو الزكاء، ويحمد به الإنسان حمداً حميداً.

فالذكاء هو تفتح في الذهن وإدراك لعواقب الأمور وسرعة استحضار وقوة حفظ، فهذا ذكاء، وهو مثل الثعلب، ولا يوجد منه في حيله واحتياله لكنه خبيث النفس نجسها، ولذلك قال أئمتنا في كثير ممن غضب الله عليهم كأبي العلاء المعري الذي هلك سنة 449هـ قال ابن كثير في ترجمته في البداية والنهاية في حوادث سنة 449هـ قال: "كان ذكياً ولم يكن زكياً". والزكاء هو طهارة القلب وموافقة شرع الرب، فهذه هي الفضيلة، أما كون الإنسان عنده بلادة في الذهن وعنده تحجر لا يستطيع أن يحفظ ولا يستحضر فذهنه فيه شيء من الإغلاق بسبب شواغل وصوارف، فلس في هذا مذمة عند الله وليس عليه النقص، لكن إذا كانت نفسه خبيثة فهذا هو البلاء وخير الناس من اجتمع فيه الذكاء والزكاء، لكن إذا انعدم واحد منهما فإياك أن تعدم الزكاء، ولهذا مهمة الأنبياء تزكية الناس لا أن يكونا أذكياء فالذكاء بيد الله وقد يحصل للإنسان عليه وقد لا يحصل، والعقول تتفاوت (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم) من التزكية (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) . المبحث الثاني: حادث الإسراء والمعراج خارق للعادة، ولذا قلنا إنه ممكن ورد به السمع وخوارق العادات تنقسم إلى ستة أقسام: 1- الإرهاص ... 2- المعجزة ... 3- الكرامة 4- المعونة ... 5- الاستدراج ... 6- الإهانة فهذه كلها يقال لها خوارق للعادات، لكن ماذا يقصد بخارق العادة؟ هو تخلف الملزوم عن لازمه، أو وجود الملزوم دون اللازم. مثال: تخلف الملزوم عن لازمه: النار من طبيعتها ولازمها الإحراق، فلو أججنا ناراً عظيمة وألقينا فيها إنساناً وما احترق، فهذا يكون خارقاً للعادة. مثال وجود الملزوم دون اللازم:

وجود ولد بدون والد أو بدون أم أو بدونهما، وإن كان هذا حسب العادة لا يوجد، فمن أراد أن يولد له أولاد فلابد من زوجة، ومن أرادت أن يأتيها أولاد فلابد من زوج، لكن لو ولد مولود من غير أب – كحال عيسى عليه السلام – فهذا خارق لعادة (قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً، قال كذلك قال ربك هو علي هين) ،وهذا مما يحار فيه العقل ولا يحيله. وإذا وجد مولود من غير أم – كحال حواء – خلقها الله من أبينا آدم فهذا أيضاً خارق للعادة وإذا وجد مخلوق من غير أب ولا أم – كحال أبينا آدم عليه السلام – فهذا كله خارق للعادة وقد وجد الملزوم في الأمثلة الثلاثة السابقة دون وجود لازمه. وهذا الملزوم اتصاله بلازمه أو حصوله بلا لازمه، وجوده وانفصاله مما يجيزه العقل ويقبله أم مما يحيله ويرفضه؟ نقول: بل هو مما يجيزه، وقد تقدم معنا أن العقل يمنع المستحيل فقط وهو اجتماع النقيضين، أو نفي النقيضين، أو اجتماع الضدين، فهذا هو المستحيل فقط، (¬1) ¬

_ (¬1) س: ذكرتم أن النقيضين لا يجتمعان، فكيف اجتمعت الذكورية والأنوثية في المخنثي المشكل؟ الجواب: هال ذكر الله المخنث في كتابه. لا لم يذكره الله في كتابه لأن الخنثي في حقيقة أمره إما ذكر أو أنثى، فهو أشكل علينا، لذلك نقول فيه: يرجى انكشاف حاله – أي انكشافها بعد البلوغ – فإن تكعب الثديان في صدره فهو أنثى وإن حاض فهو أنثى، وإن رق صوته فهو أنثى، بينما الغلام لو بلغ يخشن صوته وقبل بلوغه صوته ناعم والجارية بالعكس فبمجرد أن تبلغ يصبح صوتها ناعماً، وقبل البلوغ صوتها أخشن من صوتها بعد البلوغ، فالمرأة صوتها أرق من صوت الجارية التي لم تبلغ، فإذا خرجت لحية فهو ذكر، فالحاصل أنه أشكل علينا لكنه في حقيقة الأمر إما ذكر أو أنثى ول1لك قال الله تعالى وهذا انظروه في كتب التفسير بلا استثناء عند قوله تعالى: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً يهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثا ويجعل من يشاء عقيماً) يقول علماؤنا: لم يذكر الله غير هذين الصنفين للإشارة إلى الخنثى في نهاية أمره إما ذكر وأما أنثى فلا إشكال وما اجتمع النقيضان، النقيضان متى يكونا؟ إذا تصورنا وجود شخص ما فهو في إحدى الآليتين تزوج وولد، وفي إحدى آليته تزوج به وحمل وولد له فهنا يحصل اجتماع النقيضين، ولكن هذا لا يتصور وجوده، لأن الخنثى مثاله إما ذكر وأما إنثى. ... ولذلك قال أئمتنا: قبل ظهور علامات البلوغ من ذكورة وأنوثة تميزه في صغره فمن أي آليته يبول فإن بال من آلية الذكورة فهو ذكر وإن بال منهما فيتهما يبول منها أسبق، وإن بال منهما في وقت واحد فأيتهما يبول منها أكثر وهذا واضح. ... أما إن مات الخنثى بعد ولادته مباشرة أي بعد وفاة والده بقليل فات الولد الخنثى ليس له ولد غيره: فهذا إن كان أنثى له النصف، وللأم السدس لوجود الفرع الوارث، والباقيللأخوة أعمام الخنثى، وإن كان ذكر فله كل المال تعصيباً وللأم السدس وبعد وفاة الابن الخنثى المال كله للأم إلخ المسألة فنورثه بالافتراضية ثم نعطيه متوسط ما خرج له في الافتراضين على أنه نصف ذكورة ونصف أنوثة، وهذا لأجل جل عاجل في الدنيا، أما في حقيقة الأمر ذكر أو أنثى.

أما نفي الضدين فهذا ليس بمستحيل فالبياض والسواد مثلاً ضدان لا يجتمعان فإما أبيض أو أسود، ويصح أن يرتفعا فقد يكون أحمر لا أبيض ولا أسود. فكل ما يتقابل مع غيره تقابل سلب وإيجاب فهما نقيضان، بحيث إذا وجد أحدهما انتفى الآخر كالحياة والممات، والذكورة والأنوثة وغيرهما فإذن ما تقدم هو خارق للعادة، لكن هل يتصور أن يقع خارق للعقل؟ نقول: لا ولا يمكن أن تأتي شرائع الله بما تحيله العقول، إنما تأتي بما تحار فيه العقول أججت نار عظيمة لو مر طير في أقصى الجو لخر مشوياً، فكيف يوضع خليل الله إبراهيم عليه الصلاة السلام في المنجنيق من مكان بعيد يقذف ويلقى في النار؟ وهو لو لم يلق في النار لتكسرت عظامه من أثر الإلقاء والرمي، وإنما وضعوه في المنجنيق لأنهم لا يستطيعون أن يقتربوا من النار لإلقائه فيها، فيلقى في النار فتكون برداً وسلاماً ولا تحرق النار إلا وثاقه، فكان مقيدا ثم صار مطلقا، فهذا يتصوره العقل ولا يحيله، وهذا ليس بأغرب من أننا خلقنا من ماء مهين، كما أن الله قادر على أن يخلق إنساناً من غير هذه القطرات التي هي من ماء مهين – كما خلق عيسى – فمن الذي يمنعه؟ لذا قال: (هو علي هين) فهذا خارق للعادة وليس خارق للعقل فليتنبه!! ولا يمكن أن يقع شيء خارق للعادة وليس خارقاً للعقل فيه آفة – كما تقدم – يقول إن هذا مستحيل فنقول: الآفة في عقلك الهزيل، وليس هذا مستحيل، ولذلك قلنا خارق للعادة أي لم تجر العادة به فهو غريب، فكوننا خلقنا من هذا الماء غريب لكن جرب به العادة، وكوننا نتكلم بقطعة اللحم اللسان غريب لكن جرب به العادة، ولو أن أصبعك تكلمت لاعتبر الناس هذا خارقٌ للعادة، ولو أن الحصى سبحت كما سيأتينا في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حصىً تسبح كما يسبح اللسان فهذا غريب ما جرت به العادة فهو خارق للعادة، وهو في الحقيقة لا غرابة فيه بالنسبة لقدرة الله تعالى.

إذن خارق العادة ليس بخارق للعقل فلابد من التفريق بين خارق لعادة وخارق العقل، وخارق العقل هذا بين نقيضين، نفي نقيضين، جمع ضدين، فهذا لا يمكن أن يقع، ولذلك ما كانت معجزة نبي من الأنبياء أن يقول أجعلكم أحياء وأمواتا، موجودين ومعدومين؟ هذا مستحيل هذه سفسطة ولا يمكن أن تقع، ولكن معجزة نبي أنه يحيي الموتى، فهذا مستحيل أم ممكن؟ نقول: ممكن ميت يموت فيقول خذوا بقرة واذبحوها واضربوه ببعضها فيحيى بإذن الله (كذلك يحي الله الموتى) ، فإحياء الميت خارق للعادة التي جعلها لله تتحكم فينا نحن وفيما عدا الله. فجعل الله سنناً في هذه الحياة لا يستطيع أحد أن يخرج عنها، فإذا شاء الله جل وعلا أن يبطل هذه السنن، أفليس بقادر على ذلك؟ بلى. فنقول: إبطال لتلك السنة، إيقاف لمفعولها، خرق للعادة إلى غير ذلك من العبارات وليس هذا بمستحيل، بل إن هذا دليل على قدرة الله الجليل سبحانه وتعالى. وخوارق العادات كما ذكرنا ستة أقسام: القسم الأول: الإرهاص مأخوذ من الرهْص، وهو أساس الشيء، يقال إرهاص، أساس البيت القواعد التي يبني عليها هذه يقال في اللغة رهْص. وهو: خارق للعادة يقع على يد من سيكون نبيا قبل نبوته. وسميت إرهاصاً لأنها بمثابة التأسيس لما سيليه، وهو المعجزة والإخبار بنبوته، فيكون هذا بمثابة لفت ربنا لأذهان الناس وأنظارهم بأن هذا المخلوق الذي جرى على يديه إرهاصات سيكون له شأن في المستقبل القريب فترقبوا ذلك. مثاله: شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام عندما كان عند حليمة، وسيأتينا هذا ضمن الآيات التي حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام عند الإسراء والمعراج في مبحث مستقل ونبين أن شق صدر النبي عليه الصلاة والسلام وقع أربع مرات. مرة عند حليمة عندما كان عمره سنتان وثلاثة أشهر. ومرة عندما كان عمره عشر سنين. ومرة عندما كان في غار حراء وجاءه جبريل في أول نزوله عليه. والمرة الرابعة في حادث الإسراء والمعراج.

وكل هذه المرات ثابتة صحيحة أتعرض لها إن شاء الله تعالى، فيشق صدره من ثغره بنحره إلى شعرته عليه الصلاة والسلام – وهو منبت العانة – ثم يخرج قلبه ويغسل بقَسْطٍ من ذهب بماء زمزم ثم يحشى إيماناً وحكمة ثم يلتأم صدره الشريف عليه صلوات الله وسلامه. فالشق هذا الذي حدث له وعمره سنتان وثلاثة أشهر وعمره عشر سنين هذا خارق للعادة يأتيه ملكان فيضجعانه، ولذلك أرادت حليمة أن تعيده إلى أمه وعمه عندما شق صدره وهو صغير خشيت أن يكون قد أصابه مس من قبل الجن، لأنها ظنت أن هذا من فعل جن، فصدره عندما يشق ويستخرج قلبه ويغسل هذا خارق للعادة لكنه لم يكن نبياً في ذلك الوقت فهذا بمثابة إرهاص وإعلام بأن هذا المولود له شأن في المستقبل، وقد كان له أعظم الشؤون عليه صلوات الله وسلامه، في يوم ولادته حصل إرهاص عظيم فأمه آمنه عندما تلده يخرج منها نور كما تتحدث هي عن ذلك، يضيء من هذا النور قصور بُصرى في بلاد الشام، وعندما ولد تراه قد ولد مختوناً فلم يختنه خاتن، مسروراً أي سرته مقطوعة، ثم بعد ذلك يرسل إلله في ذلك العام طيراً أبابيل على الجند الذين جاءوا لهدم بيت الله العتيق، فهذا كله إرهاص، أي حصل في هذه البلدة خبر غريب من أجله فعلنا هذه الأعاجيب، فانتبهوا! إنه نبياً عليه الصلاة والسلام، لذا تؤرخ ولادته بعام الفيل التي وقعت إرهاصا لولادته وإرهاصاً لنبوته وإخباراً بما سيكون له من الشأن العظيم.

وفي رحلته بعد ذلك إلى بلاد الشام عندما ذهب مع ميسرة - غلام خديجة – وعندما ذهب قبل ذلك مع عمه أبي طالب كان الغمام يظلله عليه الصلاة والسلام لوجود الحر الشديد فكان أينما ذهب غمامة فوق رأسه عليه الصلاة والسلام كأنه يحمل مظلة تظلله من حرارة الشمس، وهذا أيضاً إرهاص وهكذا بقية الأنبياء عندما جعل الله لهم خوارق للعادات قبل نبوتهم، فعيسى تسمعه يقول عند ولادته: (إني عبد الله آتاني الكتاب) ويقول: (وبراً بوالدتي) فتكلمه في المهد يعد إرهاصاً لأمر سيحصل لنبوته. وموسى عليه الصلاة والسلام عندما يلقى في البحر (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) نجيناه من التلف بالتلف، نجيناه من فرعون بالبحر ليقوده إلى فرعون، وفرعون لم يتلفه، فنجيناه على يدي فرعون، وهذا رب العالمين الذي إذا أراد شيئاً فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، فموسى ألقي في اليم هرباً من فرعون فنجاه الله على يدي فرعون، وصار هلاك فرعون على يد هذا المولود الذي رُبِّيَ في حجره وكان يضرب لحيته في صغره، فهذا إرهاص عظيم، فهل خافت المرأة على ولدها تلقيه في البحر، أن إذا كان في البحر تأخذه؟ القسم الثاني: المعجزة: هي أمر خارقة للعادة يجريه الله تعالى على يد النبي، ليكون برهاناً على صدقه في أنه رسول الله وقد تقترن المعجزة بدعوى التحدي، وقد لا تقترن، فلا يشترط في المعجزة أن تكون مقترنة بدعوى التحدي. فمعجزة القرآن الكريم مقرونة بدعوى التحدي (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) . بقية المعجزات: كتكثير الطعام، وتسبيحه، وتسبيح الحصى، وانشقاق القمر (اقتربت الساعة وانشق القمر) حنين الجذع إلى النبي عليه الصلاة والسلام من المتواتر فكل هذا لم يقترن بالتحدي.

وهذه المعجزة لا يمكن لأحد أن يعارضها، ولذلك هي سالمة من المعارضة لأنه متى ما عارضها بطلت نبوة النبي، فلو قال النبي عليه الصلاة والسلام علامة صدقي أن ينشق القمر ويشير بإصبعه إلى القمر فينقلب فلقتين، ويظهر بين الفلقتين جبل حراء، فلقة عن يمينه وفلقة عن شماله ويقول مشركو مكة سحركم محمد عليه الصلاة والسلام، فقال بعض العقلاء فيهم -وليس فيهم عاقل - إذا سحرنا محمد فلن يسحر أهل الأرض، فسلوا التجار الذين سيعودون من بلاد الشام فهل رأوا انشقاق القمر في بلاد الشام في هذا الوقت أم لا؟ فلما عاد التجار من بلاد الشام سألوهم، هل انشق القمر في ليلة كذا؟ قالوا: نعم، فماذا قال المشركون (سحر مستمر) ، فهذا قد سحر أهل الأرض جميعاً هكذا زعموا وحاشاه صلى الله عليه وسلم فإذن هذه لم تقترن بدعوى التحدي وقد تقترن بدعوى التحدي لكن لا يمكن أن تعارض، فلو قال مسيلمة الكذاب أنت شققت القمر في هذه الليلة وأنا سأشقه في الليلة التي ستليها، وحقيقة لو شق لبطل صدق النبي عليه الصلاة والسلام وظهر أنه دعيٌّ وليس نبي، ولذلك اشترطنا سلامتها من المعارضة، فلا يمكن لأحد أن يعارضها، أيد الله أنبياءه بالمعجزات. بالمعجزات أيدوا تكرُّما ... وعصمة الباري لكلٍ حتِّما

فنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام عندما يخرج مع بني إسرائيل حسبما أمرهم ربنا الجليل وأسرى ببني إسرائيل ليلاًً ثم تبعهم فرعون وجنوده وصار البحر أمام نبي الله موسى وفرعون وراءه، فماذا قال المؤمنون في ذلك الوقت: (إنا لمدركون) ، فانظر إلى العبد الواثق بربه حيث قال: (كلا إن معيَِ ربي سيهدين) ، (فأوحينا إليه أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) ، فهذه معجزة النبي، البحر يصبح اثني عشر طريقاً يبسا ً والماء يتجمد كأنه جدران، والطرق بينها ثم هذا الماء عندما يتجمد والطرق اثنا عشر طريقاً لأنهم كانوا اثنا عشر سبطا وفريقاً جعل الله في هذه الطرق عندما تجمد الماء في هذه الحواجز نوافذ وطرقات ليرى كل فريق الفريق الآخر عندما يسيرون حتى لا يظن كل فريق أنه هو الناجي فقط والفرق الأخرى ماتت فكل واحد ينظر إلى صاحبه كأن بينهم حاجز من الزجاج، فهذا كله خارق للعادة جرى على يد نبي فهو إذن معجزة. القسم الثالث: الكرامة: هي: خارق للعادة يجريه الله على يد العبد الصالح. والعبد الصالح هو المؤمن الذي يفعل المأمورات من واجبات ومستحبات ويترك المنهيات من محرمات ومكروهات ولا ينهمك في اللذات والمباحات فهذا يقال له: صالح ولي، صدّيق، فحاله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مالي وللدنيا إنما أنا كراكب قال تحت شجرة ثم راح وتركها) . فإذا جرت على يد العبد الصالح خارق من خوارق العادات فيقال لها كرامة. مطرف بن عبد الله بن الشخير من أئمة التابعين كان إذا دخل إلى بيته تسبح معه آنية البيت وهذا ثابت، والله على كل شيء قدير.

والكرامات في هذه الأمة كالمطر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في الصحيحين -[قد كان في الأمم قبلكم محدثون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر] عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيد محدثي وملهمي هذه الأمة يخبر بأمور الغيب من غير أن ينزل عليه وحي، وما نظر إلى شيء وقال أراه كذا إلا كان كما يقول و"كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق" كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.

الحسن البصري عليه رحمة الله، كان الحجاج يرسل شرطته ليقبضوا عليه وهو جالس على سريره في صحن داره فتدخل الشرطة وتقول أين أبو سعيد؟ أين الحسن البصري؟ وهو ينظر إليهم ويبتسم ويخرجون، فهذا خارق للعادة، إنَّ عينيك تبصر ولكن حال الله بينك وبين الرؤيا أما قال الله في كتابه: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً) ، وقد ثبت في المستدرك بسند صحيح كالشمس عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن قول الله تعالى (تبت يدا أبي لهب وتب) لما نزل جاءت العوراء أم جميل - أم قبيح – زوجة أبي لهب تولول وفي يدها حجر يملأ اليد، وتقول: أين محمد؟ فقد بلغني أنه هجاني، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يجلس في فناء الكعبة وبجواره أبو بكر فقال: يا رسول الله أخاف عليك منها – أي لأنها سفيهة، امرأة فليست رجلاً لنقاتله وفي يدها فلو تواريت – فقال سيحول الله بيني وبينها، فقرأ قرآناً فاعتصم بالله منها فبدأ يراها ولا تراه فوقفت على رأس أبي بكر – والنبي عليه الصلاة والسلام بجواره – فقالت: أين صاحبك يا أبا بكر؟ قال: وماذا تريدين؟ قالت: بلغني أنه قد هجاني، فقال: والله ما يقول الشعر وهو صادق (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) والهجو والهجاء إنما يكون في الشعر فقالت: قد علمت قريش أني من أعلاها نسباً، ثم ذهبت تولول وتقول: مذمماً أبينا، وأمره عصينا، ودينه قلينا أي أن هذا عندنا مذموم أبيناه فلا نتبعه، ونعصي أوامره ودينه نكرهه فليفعل ما يشاء.

هذا إن وقع لنبي فهو معجزة كما هو الحال هنا، وإن وقع لعبد صالح فهو كرامة، ويذكر الإمام القرطبي عن نفسه كرامة أكرمه الله بها في بلاد الأندلس عند قول الله جل وعلا (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً) في سورة الإسراء وانظروها في تفسيره عند هذه الآية يقول:"لما دخل الفرنج – النصارى - إلى بلاد الأندلس كنت في حصن منسور في ذلك المكان وكنت في الصحراء وفي العراء ولا توجد شجرة أتوارى بها ولا أكمة أختبئ وراءها - أي تل مرتفع أو منبسط - وأنا في ذلك المكان وجحافل الجيش تتقدم، يقول: فالتجأت إلى الله وقرأت القرآن فصرت أراهم ولا يرونني، وبدأت أسمع أصواتهم، يقول بعضهم لبعض: هذا الرجل الذي ظهر لنا ثم توارى عنا ما هو؟ فيقول له الآخر: لعله ديبلة يقول هذا في لغتهم لعله جني ظهر ثم اختفى، يقول أنا أسمع كلامهم وأراهم ولا يرونني"، فهذه يقولها عن نفسه والله على كل شيء قدير. قال الإمام بن تيمية في (مجموع الفتاوى في 11/331) : "إذا صح الإيمان علماً وعملاً واحتاج صاحبه إلى خرق العادة، سيخرق الله له العادة ولابد، لأن الله يقول: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) ويقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) "لكن هذا يحتاج إلى تصليح الإيمان علماً وعملاً، ولذلك إخوتي الكرام: من لجأ إلى مخلوق دل على انفصاله عن الخالق. (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) ، لكن هو إذا صح إيمانه علماً وعملاً، علم نافع واعتقاد حق بالله وعمل صالح وإذا قال يا رب، لم يتخل عنه رب العالمين، لأنه قطع على نفسه مبدأً فقال (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) فلو كادته السموات والأرض لجعل الله له من بينهن فرجاً ومخرجاً والله على كل شيء قدير، وعندما يعرض العبد عن هذا يكله الله إلى نفسه وفلا يبالي في أي وادٍ هلك. القسم الرابع: المعونة

هي: خارق للعادة يجري على يد مؤمن مستور لم يظهر منه فسق ولا بدعة لكن ليس في درجة الذي قبله في الصلاح والاستقامة ولا يعرف عنه جد واجتهاد في طاعة الله فعل المأمورات من واجبات ومستحبات، وترك المنهيات من محرمات ومكروهات وعدم انهماك في اللذات فهذا ليس كذلك بل هو من عوام المسلمين، فلا تظهر عليه بدعة ولا فسق ولا يعرف بالصلاح والتقدم والاجتهاد في دين الله وما أكثر ما يجري من خوارق للعادات على يد عوام المؤمنين ليكرمهم بها رب العاملين إكراماً لهم وتثبيتاً للإيمان في قلوبهم مثلاً: تقع بعض الحوادث ممن شاهدوها يقول لن ينجو منها أحد، فيقال لك: كل من وقع عليه الحادث سلم فهذا من باب معونة الله. إنسان يسقط من الدور السابع في مكان ضيق على بلاط فينزل وما يخدش عظمة ولا جلدة. القسم الخامس: الاستدراج هو: خارق للعادة يجريه الله على يد عبد مخذول، صاحب العمل المرذول (فاسق، كافر، مبتدع، ضال مضل) على وفق مراده فيجري الله علي يده خوارق للعادات ويستدرج من حيث لا يعلم مثاله: الخوارق التي ستحدث على يد الدجال وهي خوارق عظيمة يأتي إلى الخربة – كما ثبت في الصحيحين – فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كيعاسيب النحل، أي كجماعات النحل عندما تتبع رئيستها ومليكتها. ويأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت وغير ذلك من الخوارق التي ستحصل على يد عبد كافر. وفي هذه الخوارق لهذا الصنف من الناس امتحان للبشر، هل سيغترون بهذه الظواهر ويتبعونهم أم لا؟

مع ما سيأتي به من آيات فيه أيضاً آيات تدل على أنه أرذل المخلوقات، فهو مثلاً ينظر بعين واحدة، وعلى جبينه مكتوب كافر يقرأها كل شخص سواء كان أمياً أو متعلماً فنقول له: أنت أعور ولا تستطيع أن تغير عورك، فكيف تحيي وتميت ولا تستطيع أن ترد عينك سليمة لتبصر ولتجعل صورتك صورة كاملة لا تشويه فيها، ولكنه لا يقدر على هذا لأنه عندما يعطيه الله بعض الخوارق لا يعني هذا أنه يتصرف تصرفاً مطلقاً بل إنه لا يزال ضمن البشرية وهو عبد مقهور لكن الله جعله فتنة للناس، هل يخدعون بهذه الأمور أم يتبعون الحق الثابت المزبور؟ فإذن فيه علامة تبين ضلاله، كما نقول له هذه الكتابة على جبينك امسحها كما أنك بعد ذلك لا يسخر لك من المركوبات إلا الحمار فلا تستطيع ركوب الخيل أو الفرس. فكل هذا من باب إذلال الله له لذا هو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام [هو رجس على رجس] القسم السادس: الإهانة هي: خارق للعادة يجريه لله على يد العبد المخذول (الفاسق، المبتدع، الضال، الكافر) لكن بنقيض قصده ومراده والأقسام الخمسة الأولى كلها وفق مراد من أجراها الله على يديه. مثالها: ما جرى لمسيلمة – وقد ذكرناها لكم – أنه بصق في عين إنسان فعمي، فهذا خارق للعادة لأن البصق عادة لا يتسبب في عمى الإنسان، لكنه بصق في عين شخص ليبرأ فصار أعمى فأراد أن يبرأه فأعماه فحصل له نقيض قصده. إخوتي الكرام.... وهذه الأقسام الستة من الخوارق تقع في واحد من ثلاثة أمور هي أمور الكمال بأسرها: 1- إما في العلم 2- وإما في القدرة 3- وإما في الغنى فالعلم: بأن يعلم ما يجهله غيره ويعلمه الله جل وعلا من غير سبب يتعلم منه العباد، فهذا خارق للعادة في أمور العلم. لأن أمور الكمال بأسرها علم وقدرة وغنىً فقط، وكل كمال مرده إلى واحدة من هذه الأمور الثلاثة فالله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وغني عن العالمين.

ولا يوجد أحد من خلق الله له صفة الكمال في هذه الأمور الثلاثة أو في واحد منها، لأن هذه الأمور مختصة بالرب ولذا أمر الله نبيه بأن ينفيها عن نفسه فقال جل وعلا كما في سورة الأنعام (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) (لا أقول لكم عندي خزائن الله) ... فنفى الغني (ولا أعلم الغيب) ... ... ... فنفى العلم (ولا أقول إني ملك) أقدر على مالا تقدرون عليه فنفى القدرة، فأنا مثلكم إنما أنا بشر لا أستغني عما تحتاجون إليه ولا أعلم إلا ما علمني ربي. وهكذا أمر الله أول الرسل بعد آدم - على نبينا وعلى جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه – وهو نوح أن يقول: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك) فأول الرسل إلى البشرية نفى هذه الأمور عن نفسه وكذا آخرهم عليهم جميعا صلوات الله وسلامه فمثلا: القرآن معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم وخارق في أمور العلم (وعلمك ما لم تكن تعلم) فوقوع هذا الخارق معجزة، ولو وقع خارق من أمور العلم لغير النبي لقيل له كرامة معونة: إلخ ... فعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يخطب على المنبر أيام خلافته والجيوش الإسلامية في بلاد فارس تقاتل في سبيل الله وكان قد أمر عليه رجلاً يدعى سارية، وهو في أصل الجبل والعدو من الجهة الأخرى للجبل يتسلقونه ليصيروا فوق المسلمين ويرشقونهم بنبال كالمطر فكشف الله لعمر هذه الموقعة هو في المدينة والموقعة في نهاوند في بلاد الفرس وصاح يا سارية الجبل فسمع سارية صوت عمر ورقي الجبل وإذا بجنود الفرس يتسلقون الجبال فصال المسلمون فوقهم وكتب الله النصر لهم فهذا تعليم لعمر، ثم هناك كرامة أخرى وهي أن صوته يصل إلى سارية وذاك ينفذ ذاك الأمر ويكتب الله لهم النصر.

والقصة صحيحة وقد ألف الحافظ الحلبي جزءاً في طرقها وحكم عليها بالصحة، والإمام السخاوي في المقاصد الحسنة حكى عن شيخه الحافظ ابن حجر عليهم رحمة الله أن إسنادها في درجة الحسن وطرقها كثيرة وفيرة. والشيخ محمد حامد الفقي عليه رحمة الله ومغفرته وهو الذي علق على كتاب مدارج السالكين ذكر كلاما ً منكراً حول هذه القصة في تعليقه على المدارج، فانتبهوا له واحذروه إلى مر معكم، يقول: إن عمر لا يعلم الغيب، ويقول له: يا عبد الله: لا يعلم الغيب إلا الله لكن إذا علَّم الله عمر هذا فأي حرج في هذا، أفلسنا نؤمن بالكرامات؟ أما قال الله عن مريم بأنها صديقة ولا يوجد في النساء نبية كما قال الله تعالى (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم) ، فالنبوة من جنس الذكورة فقط، كما أنه لا يصلح أن يكون في النساء إمامة – الإمامة – بحيث تكون أميرة وخليفة، فلا يجوز أن يكون في النساء نبية إذ كيف تبلغ دعوة الله وتتصل بالناس وهي مأمورة بالستر وأن تقر في بيتها؟ وهذا ليس من باب الامتهان لها إنه ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى فهذه الرتبة لا تتناسب مع طبيعتها فهي في مكان آخر وهذا واضح ولها أجر بعد ذلك عند الله إن كانت تقوم بما أوجب الله عليها فيما يتعلق بطبيعتها وفيما يتعلق بما هو عائد إليها فإذن لا تكون إمامة [لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة] ولا تكون نبية، فمريم صديقة بنص القرآن (وأمه صديقة) ، أفلم تثبت لها الكرامات؟ (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال: يا مريم أنى لك هذا قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) وانتبه: لم شك زكريا واستغرب وجود الرزق عندها؟ فهو يقول: يا مريم عندك رزق لا يمكن أن نقول إن أحداً من الخلق أحضره إليك لا عن طريق المعونة والمساعدة والإحسان ولا عن طريق الهبة، بل إن الرزق الذي يأتيك لا وجود له في هذه البلاد، ولو كان له وجود لقلنا جارتك ساعدتك، أو أحد

أحسن إليك. فما عاد هناك مجال أن يقال أنت تتصلين اتصالاً محرماً ببعض الناس، فإنه يأتيك شيء لا نظير له، فهذا مما يدهش العقول فمن أين جاءك؟ قالت (هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) ولو كان لما يأتيها نظير ومثيل لأمكن أن يقال هو إما مساعدة وإما وحاشاها – خيانة – ولكن لا هذا ولا هذا فهو شيء لا يمكن أن يحصل من قبل بشر. فإذا كانت كرامات الأولياء ثابتة فانظر ماذا يعلق الشيخ محمد حامد الفقي على هذه القصة: "عمر لا يعلم الغيب وهذه القصة وإن كانت ثابتة فمعناها وتأويلها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يخطب على المنبر أخذته سنة فنام فكشف الله له في الرؤيا عن حال الموقعة ثم صاح بأعلى صوته" لكن نقول: لو سلمنا لك بهذا فكيف سمع سارية صوت عمر إن كان علمه عن طريق الرؤيا، ولكن لا نعلم بما ذكرت، فهل يعقل أن ينام عمر على المنبر؟ فلو حصل ونام عمر على المنبر فإذا أحدث الخطباء في هذه الأيام على المنبر لكان قليلاً! فيا إخوتي لا نشتط في التأويل بحيث نصل إلى درجة الإنكار فهو لا يريد أن يقول باطلة لأن هذا ثابت، فيقول هذا معنى هذا، فتنبهوا! إذن فهذا من خارق العادة في العلم.

الثاني خارق العادة في القدرة فيقدر على ما يعجز عنه غيره ومنه قصة عرش بلقيس قال الله تعالى عنه (ولها عرش عظيم) والعرش سرير الملك مرصع بالجواهر واليواقيت وحجمه كبير، قال نبي الله سليمان كما حكى الله عنه (أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين، قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) ، وكان سليمان عليه الصلاة والسلام من الصباح حتى الظهر يقضي بين رعيته ويعلمهم، فقبل انفضاض المجلس سيكون العرش عندك (قال الذي عنده علم الكتاب) هو رجل صالح اسمه آصف، (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) أي إذا نظرت إلى شيء فقبل أن تغمض عينيك عنه يكون العرش عندك أي في ثوان ٍ ليظهر الله كرامة هذا العبد الصالح على قوة وجهد الجن مع ما معهم من قوة إمكانات، فهذا له مكانة عند الله أعلى وسيأتي بهذا العرش من اليمن إلى بيت المقدس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه (فلما رآه مستقراً قال هذا من فضل ربي لبلوني أأشكر أم أكفر) . إخوتي الكرام.... ما سبق هذا هو المعنى الحق أما من قال: (قال الذي عنده علم الكتاب) هو جبريل أو (قال الذي عنده علم الكتاب) هو نبي الله سليمان فهذا باطل. وهذه كما قال الإمام الذهبي في كتاب العلو للعلي الغفار ص 57 "سبحان الله ما أعظم هذه الكرامة ولا ينكر كرامات الأولياء إلا جاهل" الثالث: خارق للعادة في مجال الغنى، فيستغني عما يحتاج إليه الناس ثبت في ترجمة العبد الصالح إبراهيم التيمي أنه كان يمكث شهرين لا يأكل ولا يشرب، والإنسان إذا امتنع عن الشراب ثلاثة أيام يموت، إذا امتنع عن الطعام سبعة أيام – على أكبر تقدير – يموت. فهذا العبد الصالح عنده غنىً عن الطعام والشراب، والله على كل شيء قدير، فإذا جعل الملائكة لا يأكلون ولا يشربون فما الذي يمنعه من أن يجعل العبد بهذه الصفة ويكرمه بذلك؟

ومكث مرة أربعين يوماً، فأعطاه بعض أهله حبة عنب فأكلها، فمكث أربعين يوما ولما أكل لم يأكل إلا حبة العنب فقط فهذا غنىً عما يحتاج إليه الناس. ذكر الإمام بن كثير عند قوله تعالى (قال إنما أوتيته على علم عندي) حكايته عن قارون يقول: قال بعض الناس: (على علم عندي) أي بصنعة الكيمياء؟ أي أنه يقلب الخشب والحجر والنحاس إلى ذهب، وقال هذا هوس فالمعادن وحقائق الأشياء لا يمكن أن تقلب، فالخشب خشب والحجر حجر والحديد حديد، ولا يمكن أن نقلبه ذهباً أو فضة، يقول وأما قلب حقائق الأشياء إلى ذهب وفضة عن طريق خرق العادة من باب الكرامة فهذا جائز لأنه ليس بمشيئة الناس بل بمشيئة الله، كما جرى لحَيْوَة بن شُرَيْح وكان قد جاءه سائل فسأله – والقصة ثابتة صحيحة ثابتة في تهذيب التهذيب وتذكرة الحفاظ في ترجمة حَيْوَة بن شُرَيْح من شيوخ ورجال الكتب الستة فعلم حيوة صدقه واحتياجه، فأخذ مَدَرَة من الأرض – قطعة طين متجمدة – فأجالها في يده فوضعها في يد السائل فقلبها الله ذهباً خالصاً والله على كل شيء قدير، فهذا ليس بمشيئة المخلوقات إنما هو بمشيئة رب الأرض والسموات. الشاهد: حادثة الإسراء والمعراج خارقة للعادة ترجع إلى العلم أو القدرة أو الغنى؟ ترجع إلى القدرة، أقدره الله على ما يعجز عنه البشر إلا من أكرمه الله بذلك، فيسري به إلى البيت المقدس ويعرج به إلى السموات السابعة فيعاد إلى بيت المقدس، ويعاد إلى مكة في جزء من الليل ولازال فراشه دافئاً. وهذه الأمور الستة قد جمعها بعض أئمتنا في ستة أبيات من الشعر لطيفة وهي: 1- إذا رأيْتَ الأمرَ يخْرِقُ عادةً ... فمعجزةٌ إنْ مْن نبيٍّ لنا ظَهَرْ 2- وإن بان من قبل وصف نبوة ... فالإرهاصَ سِمْة ُ تتبع القومَ في الأثرْ 3- وإن جاء يوماً من ولي فإنه ... الكرامة في التحقيق عند ذوي النظرْ 4- وإن كان من بعض العوام صدوره ... فكنوه حقا بالمعونة واشتهرْ

5- ومن فاسق إن كان وفق مراده ... يسمي بالاستدراج فيما قد استقرْ 6- وإلا فالإهانة عندهم وقد ... تمت الأقسام عند من اختبرْ ومن شاء الرجوع إليه فلينظر في كتاب: لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية في شرح الدرة المضيئة في العقيدة الأثرية للإمام السفاريني (2/392) ، والدرة المضيئة له وشرحها في مجلدين وهو من الكتب النافعة في علم التوحيد على هدي السلف، وقد تعرض فيه لمبحث خوارق العادات وذكر الستة. بعض علماء التوحيد أضاف أمراً سابعاً لكنه لا يعتبر من خوارق العادات وهو: السحر، وهذه إضافة باطلة، فإنه لا يعتبر من خوارق العادات لأنه يتوصل إليه بالأسباب العادية فهناك أنواع من أنواع الكفريات من سلكها وصل إلى السحر فهو علم وتعلم مثل الموسيقى هذا حرام وذاك حرام، ولذلك من السبع الموبقات كما قال النبي عليه الصلاة والسلام السحر، وما شاع بين الناس من حديث مكذوب وهو: [تعلموا السحر ولا تعملوا به] فهذا لا يصح نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو خرافة، لأن تعلم السحر لا يحصل إلا بالكفر واستعانة بالقوى الخبيثة الشريرة من الشياطين والعفاريت، لكن هو علم عن طريق أسباب من تعلمها وصل إليه مثل الغناء والرقص والموسيقى وقلة الحياء. لكنه لا يحصل إلا بمشيئة الله قال تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) ، وهذا كما لو أطلقت رصاصة على إنسان فأنت الذي باشرت القتل لكنه لم يمت إلا بمشيئة الله وتقديره وإرادته ولكنك تعاقب على مباشرتك للقتل، ولو صبر القاتل على مقتوله لحظة لمات دون أن يقتله فالمقتول مات بأجله ولم يقدم القاتل أجله عن موعده بل ساعة قتله هي أجله، فلم يقدم أجله ولا طرفة عين لكن القاتل مسئول عن فعله.

وهناك عندما يمارس السحر ويفرق بين المرء وزوجه ويؤذي الإنسان ويكسب جسمه وهناً وضعفاً فهو بإذن الله، وقد سحر نبينا عليه الصلاة والسلام لكن لم يؤثر على عقله غاية ما كان إنه يصاب في بدنه بوهن وضعف واستمر به السحر أشهر عليه صلوات الله عليه وسلامه وزاد مفعوله فيه مدة أربعين يوماً وكان يشعر بتعب ثم أنزل الله عليه المعوذتين فقرأهما فقام وكأنما نشط من المقال عليه صلوات الله وسلامه والحديث في الصحيحين. فالسحر إذن بواسطة تعلم أشياء معلومة، وهو كما لو تعلمت فن القتال فضربت إنساناً فآذيته لكن بشيء معلوم، والساحر يؤذي بشيء معلوم، لكن ذلك بشيء ظاهر وهذا بشيء معلوم خفي، فالإيذاء بالسحر لا يكون إلا عن طريق مدارسة ولا يوصل إليه إلا بأسباب معلومة يتلقاها الناس بخلاف خوارق العادات فهذه لا دخل فيها لكسب ظاهر، إنما هي محض تقدير الله جل وعلا ومشيئته وبالتالي ليس السحر من خوارق العادات. كنا فيما سبق قد أشرنا إلى قصة الشيخ الصالح الحلبي إشارة وسنذكرها هنا: لقيه ذات مرة قسيس ملعون فقال له: أنتم تزعمون أنكم أفضل منا، وموجود عندكم أ، جميع الناس سيرد النار ويدخلها (وإن منكم إلا واردها) فعلام أنتم أفضل منا إذن؟ وكان الشيخ يملك الجواب على هذا وهو أن يقول له هذه النار تحرقكم ولا تحرقنا فتكون برد وسلاما علينا وتكون حميما وعذابا عليكم، ولكن الشيخ علم أن هذا القسيس لن يقتنع بهذا الجواب ولن يستوعبه.

وكان القسيس يلبس جبة فقال له الشيخ أعطني جبتك فأعطاه إياها فخلع الشيخ جبته وصرّهما ببعض فجعل الشيخ جبة القسيس من الداخل وجبته هم من الخارج ثم ذهبا إلى فرن وقال للخباز ضعهما في الفرن، فوضعهما وبعد ربع ساعة قال له أخرجهما فأخرجهما الخباز؟؟؟ فلما رأي القسيس ذلك قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وعلم كيف أن النار تحرق الكافر ولا تحرق المؤمن وقد ورد سؤال هنا يقول: هل يعرف الإنسان من نفسه أنه سيقع له خارق للعادة، كيف عرف الشيخ الميمون أن جبته لن تحترق، وأن جبة القسيس ستحترق؟ وهذا سؤال يتعلق بهذه القصة وبكل قصة أو حادثة فيها خارق للعادة مما ذكر. فنقول: خوارق العادات عندما تقع لها حالتان: الحالة الأولى: أن يُعْلِمَ الله الإنسان بذلك بنزول ملك أو بإلهام، فيلهمه الله ذلك ويضطر إلى فعله فلا اختيار له في ذلك. وعلى الحالتين (أنزل الملك، أو الإلهام) فهذا من نوع الوحي،ولا يشترط أن يكون الإنسان نبيا لينزل عليه ملك. فمريم – كما قلنا كانت صديقة، لأنه ليس في النساء نبية بالإجماع، ومع ذلك كانت تنزل عليها الملائكة (وإذ قالت الملائكة يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) ونزل عليها جبريل وقال لها جئتك لأهب لك غلاماً زكياً. ثم قال لها بعد ذلك (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا) ثم أمرها بعد ذلك أن تلزم الصمت. وأخبرها بأن ولدها سيدافع عنها، فهذا كله حصل بواسطة ملك. وقد يقع كما قلنا عن طريق الإلهام فيقع في قلبك أمر يضطرك إلى فعل أمرٍ، ولا اختيار لك فيه. الحالة الثانية:

كنت ذكرت لكم هذا سابقا – نقلا عن الإمام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى 11/331 "إذا صح الإيمان علماً وعملاً واحتاج صاحبه إلى خرق العادة خرق الله له العادة ولابد" أي أن الإنسان يعمل بالأسباب والباقي على الله، فعليه هو أن يسلك المسلك الشرعي الصحيح فإذا احتاج إلى كرامة خرق الله له العادة ولابد، لأن الله يقول (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) فهذا شرط، وجوابه، فإذا اتقيت الله فلن يتخلى الله عنك. العلاء بن الحضرمي: والقصة ثابتة صحيحة في ترجمته في حلية الأولياء لأبي نعيم وصفة الصفوة لابن الخوري والفرقان بين؟ الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية – حاصلها: أنه لما كان يغزو في بلاد الفرس، واعترضهم البحر كما اعترض نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام البحر، فوصلوا إليه والعدو وراءهم وليس عندهم سفن يقطعون بها البحر، فقال لهم العلاء قولوا: يا عليم، يا حليم، يا علي، يا عظيم، ثم جوزوا واتبعوني فبدأ يقولها وهم يقولونها وراءه، وسار وساروا خلفه فدخلوا البحر ومازالوا يقولونها فما ابتلت حوافر خيولهم، ثم قال لهم: من فقد شيء في هذا البحر فعلي؟ فقال له بعض الناس: سقط عني كذا وكذا، فدعا ربه على شاطئ البحر فقذف البحر له المتاع الذي سقط من ذلك الشخص. فإذن هذه كرامة تقع للعبد الصالح، فذا احتاجها تقع له ولابد، فإذا أكرم الله نبيه موسى بانشقاق البحر معجزة، فيكرم الله الصالحين بانشقاق البحر كرامة.

ويخبرنا نبينا عن كرامة وقعت لعبد صالح، والحديث في السنة ومعجم الطبراني بسند صحيح، وذكر؟؟؟؟؟ ذلك للناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل رجل؟؟ في الزمن الماضي – على أهله، فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البرية، فلما خرج قالت لنفسها لو قمت إلى التنور فتجرته (أي أحميته لأن زوجها سيعود عما قريب ومعه رزق، فستعجن وتخبز) قمت إلى الرحى (الطاحونة) فهيأتها، ولو قمت إلى الجفنة (التي يوضع فيها الطعام) فأعددت أي أجهز نفسي بهذه الأمور إذا دخل زوجي بعد خروجه ولا نتأخر في إعداد الطعام، فتأخر الزوج ثم قالت: لأتفقد التنور الذي سجرته، ماذا حصل له؟ فجاءت إليه فإذا فيه جنوب شاة مشوية (جمع جنب أي لحم جنب الشاة وهو أطيب أنواع اللحوم) ، ثم ذهبت إلى الرحى فنظرت إليها فإذا هي تدور وتطحن البر، ونظرت إلي قصعتها فإذا هي ممتلأة طعاما، قالت: فأوقفت الرحى، قال نبينا عليه الصلاة والسلام لو تركتها لبقيت تدور إلى يوم القيامة، أي تدور وتطحن، والله على كل شيء قدير. فهذا البعد لم يعلم أن الله سيرزقه هذا الرزق، ولكنه بذل ما عليه، وأخذ بالأسباب المؤدية إلى مثل هذه الخوارق، فرزقه الله هذا الرزق (وما من دابة إلا على الله رزقها) ، فخلقنا الله لنعبد وتكفل برزقنا. فنقول: هذا الرجل جاء ولم يجد رزقا، فلم يقصر أيضا في العمل بالأسباب وطلب الرزق والبحث عنه والله يقول (فامشوا في مناكبها) ، فإذا مشيت وبذلت ما في وسعك ولم تحصل رزقا فهل ستموت جوعا؟ والله الذي لا إله إلا هو، الذي كان يرزق مريم وهي في محرابها سيرزقك ولا شك في ذلك (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) . لكن هذا كله يحتاج إلى تحقيق الإيمان قولاً وعملاً.

كان دجاجلة البطائحية من الصوفية المخرفين الذين ينتسبون إلى الرفاعية، فيعهد الإمام ابن تيمية يدخلون النار، فيشعذون حيث كانوا يدخلون بحبل فيدهنون أبدانهم بزيت يسمى اللوزرينج – كما يذكر شيخ الإسلام – وهذه مادة عازلة، فإذا دهن بها الجسم وتعرض للنار فلا يتأثر. فقال لهم الإمام ابن تيمية، إن ما يحصل لكم ليس بخارق للعادة، بل هذا شعوذة لذلك سأدخل الحمام وتدخلون الحمام ونغتسل بالماء الحار ثم لتوقد أعظم نار وأدخلها أنا وأنتم والكاذب منا يحرقه الله!! ووالله الذي لا إله إلا هو لو فعلها لأحرقهم الله ونجاه، كرامة له. إن قيل: هل نزل عليه ملك؟ نقول: لا يشترط ذلك، فإنه قد صح الإيمان علماً وعملاً، اعتقاداً وفعلاً واحتاج لخرق العادة ليثبت كذبهم، فإنهم سيقولون له – أي لابد تيمية – نحن نفعل هذه الشعوذات تزعم – ونحن على حق وأنت على باطل وضلال، فيقول لهم: بل أنتم على باطل، فيقولون فكيف إذن تحدث لنا هذه الخوارق؟ فيقول: هذه ليست بخوارق، وسأثبت لكم ذلك فلنغتسل في الحمام ثم لندخل أنفسنا في النار والكاذب منا يحرقه الله، فهنا سيخرق الله له العادة ويثبت كذبهم وباطلهم حتى لا يلتبس الحق والباطل على العوام من الناس. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لن يخلف وعده (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) وإذا كنا مؤمنين فلن يكون عندنا شك في هذا الإيمان العظيم، وأما بعد ذلك، فإذا فرطنا وأتينا من قبل أنفسنا – كما هو الحال فنا توكلنا على أعدائنا وعلى الذين غضب الله عليهم العزيز القهار – فكيف ننتظر خرق العادات وكيف ننتظر الإجابة إذا دعو نسينا الله فنسينا (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) ، وليس المقصود بنسي الله لنا غفلته عنا بل إهماله لنا فإن الله لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.

قال الله لداوود عليه الصلاة والسلام: قل للظالم لم لا يذكرني فإنه إذا ذكرني سأذكره، لأنه يقول (فاذكروني أذكركم) وذكري إياه أن ألعنه. أي فهو إذا ذكرني ذكرته ولابد ولكن شتان شتان بين من يذكره الله بالرحمة والثناء عليه في الملأ الأعلى وبين من يذكره باللعنة. فكل ذاكر سيذكره الله، فإن كان تقيا فيذكر بالرضا والقبول،وإن كان شقيا فيذكر بالطرد والإبعاد. الحاصل أن الإنسان قد يعلم أنه ستخرق له العادة، يعلم ذلك إما بنزول ملك يراه هو ولا نراه نحن أو بإلهام يقع في قلبه يضطره إلى فعل هذا دون اختيار وقد لا يعلم، لكن بحسب الظاهر يقول أنا بذلت ما علي وأخذت بهذا الأمر؟؟ الإيمان وتصحيحه قولاً وعملاً، والباقي على الله فهو الذي تكفل بالنتيجة كما أ، الإنسان يتزوج من أجل أن ينجب ذرية، فهذا بذل ما عليه وقد يرزق بذرية وقد لا يرزق. عليك بذر الحب لا قَطْف الجني ... والله للساعين خير ضمين وهو الذي (لا يضيع أجر من أحسن عملا) فأنت هنا عليك أن تسير على المسلك الشرعي فإذا لزمك خارق للعادة، سيخرق الله هذا ولابد، وهو على كل شيء قدير. كنا فيما سبق قد أشرنا إلى قصة الشيخ الصالح الحلبي إشارة وسنذكرها هنا: لقيه ذات مرة قسيس ملعون فقال له: أنتم تزعمون أنكم أفضل منا، وموجود عندكم أن جميع الناس سيرد النار ويدخلها (وإن منكم إلا واردها) فعلام أنتم أفضل منا إذن؟ وكان الشيخ يملك الجواب على هذا وهو أن يقول له هذه النار تحرقكم ولا تحرقنا فتكون برداً وسلاماً علينا وتكون حميماً وعذاباً عليكم، ولكن الشيخ علم أن هذا القسيس لن يقتنع بهذا الجواب ولن يستوعبه.

وكان القسيس يلبس جبة فقال له الشيخ أعطني جبتك فأعطاه إياها فخلع الشيخ جبته وصرّهما ببعض فجعل الشيخ جبة القسيس من الداخل وجبته هو من الخارج ثم ذهبا إلى فرن وقال للخباز ضعهما في الفرن، فوضعهما وبعد ربع ساعة قال له أخرجهما فأخرجهما الخباز فلما رأى القسيس ذلك قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وعلم كيف أن النار تحرق الكافر ولا تحرق المؤمن وقد ورد سؤال هنا يقول: هل يعرف الإنسان من نفسه أنه سيقع له خارق للعادة كيف عرف الشيخ الميمون أن جبته لن تحترق وأن جبة القسيس ستحترق؟ وهذا سؤال يتعلق بهذه القصة وبكل قصة أو حادثة فيها خارق للعادة مما ذكر. فنقول: خوارق العادات عندما تقع لها حالتان: الحالة الأولى: أن يُعْلِمَ الله الإنسان بذلك بنزول ملك أو بإلهام، فيلهمه الله ذلك ويضطر إلى فعله فلا اختيار له في ذلك. وعلى الحالتين (أنزل الملك، أو الإلهام) فهذا من نوع الوحي، ولا يشترط أن يكون الإنسان نبياً لينزل عليه ملك. فمريم كما قلنا كانت صديقة، لأنه ليس في النساء نبية بالإجماع، ومع ذلك كانت تنزل عليها الملائكة (وإذ قالت الملائكة يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) ونزل عليها جبريل وقال لها جئتك لأهب لك غلاماً زكياً. ثم قال لها بعد ذلك (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) ثم أمرها بعد ذلك أن تلزم الصمت. وأخبرها بأن ولدها سيدافع عنها، فهذا كله حصل بواسطة ملك. وقد يقع كما قلنا عن طريق الإلهام فيقع في قلبك أمر يضطرك إلى فعل أمرٍ، ولا اختيار لك فيه. الحالة الثانية:

كنت ذكرت لكم هذا سابقاً نقلا ً عن الإمام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى 11/331 "إذا صح الإيمان علماً وعملاً واحتاج صاحبه إلى خرق العادة خرق الله له العادة ولابد" أي أن الإنسان يعمل بالأسباب والباقي على الله، فعليه هو أن يسلك المسلك الشرعي الصحيح فإذا احتاج إلى كرامة خرق الله له العادة ولابد، لأن الله يقول (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) فهذا شرط، وجوابه، فإذا اتقيت الله فلن يتخلى الله عنك. العلاء بن الحضرمي: والقصة ثابتة صحيحة في ترجمته في حلية الأولياء لأبي نُعيم وصفة الصفوة لابن الجوزي والفرقان بين الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية – حاصلها: أنه لما كان يغزو في بلاد الفرس، واعترضهم البحر كما اعترض نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام البحر، فوصلوا إليه والعدو وراءهم وليس عندهم سفن يقطعون بها البحر، فقال لهم العلاء قولوا: يا عليم، يا حليم، يا علي، يا عظيم، ثم جوزوا واتبعوني فبدأ يقولها وهم يقولونها وراءه، وسار وساروا خلفه فدخلوا البحر ومازالوا يقولونها فما ابتلت حوافر خيولهم، ثم قال لهم: من فقد شيء في هذا البحر فعلي؟ فقال له بعض الناس: سقط عني كذا وكذا، فدعا ربه على شاطئ البحر فقذف البحر له المتاع الذي سقط من ذلك الشخص. فإذن هذه كرامة تقع للعبد الصالح، فإذا احتاجها تقع له ولابد، فإذا أكرم الله نبيه موسى بانشقاق البحر معجزة، فيكرم الله الصالحين بانشقاق البحر كرامة.

ويخبرنا نبينا عن كرامة وقعت لعبد صالح، والحديث في السنة ومعجم الطبراني بسند صحيح، وذكر ذلك للناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل رجل - في الزمن الماضي – على أهله، فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البرية، فلما خرج قالت لنفسها لو قمت إلى التنور فسجَّرتُه (أي أحميته لأن زوجها سيعود عما قريب ومعه رزق، فستعجن وتخبز) قمت إلى الرحى (الطاحونة) فهيأتها، ولو قمت إلى الجفنة (التي يوضع فيها الطعام) فأعدت (أي أجهز نفسي بهذه الأمور) حتى إذا دخل زوجي بعد خروجه ولا نتأخر في إعداد الطعام، فتأخر الزوج ثم قالت: لأتفقد التنور الذي سجرته، ماذا حصل له؟ فجاءت إليه فإذا فيه جنوب شياه مشوية (جمع جنب أي لحم جنب الشاة وهو أطيب أنواع اللحوم) ، ثم ذهبت إلى الرحى فنظرت إليها فإذا هي تدور وتطحن البُرَّ، ونظرت إلي قصعتها فإذا هي ممتلأة طعاماً، قالت: فأوقفت الرحى، قال نبينا عليه الصلاة والسلام لو تركتها لبقيت تدور إلى يوم القيامة، أي تدور وتطحن، والله على كل شيء قدير. فهذا العبد لم يعلم أن الله سيرزقه هذا الرزق، ولكنه بذل ما عليه، وأخذ بالأسباب المؤدية إلى مثل هذه الخوارق، فرزقه الله هذا الرزق (وما من دابة إلا على الله رزقها) ، فخلقنا الله لنعبده وتكفل برزقنا. فنقول: هذا الرجل جاء ولم يجد رزقاً، فلم يقصر أيضاً في العمل بالأسباب وطلب الرزق والبحث عنه والله يقول (فامشوا في مناكبها) ، فإذا مشيت وبذلت ما في وسعك ولم تحصل رزقاً فهل ستموت جوعاً؟ والله الذي لا إله إلا هو، الذي كان يرزق مريم وهي في محرابها سيرزقك ولا شك في ذلك (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) . لكن هذا كله يحتاج إلى تحقيق الإيمان قولاً وعملاً.

كان دجاجلة البطائحية من الصوفية المخرفين الذين ينتسبون إلى الرفاعية، في عهد الإمام ابن تيمية يدخلون النار، فيشعوذون حيث كانوا يدخلون بحيل فيدهنون أبدانهم بزيت يسمى اللوزرينج – كما يذكر شيخ الإسلام – وهذه مادة عازلة، فإذا دهن بها الجسم وتعرض للنار فلا يتأثر. فقال لهم الإمام ابن تيمية، إن ما يحصل لكم ليس بخارق للعادة، بل هذا شعوذة لذلك سأدخل الحمام وتدخلون الحمام ونغتسل بالماء الحار ثم لتوقد أعظم نار وأدخلها أنا وأنتم والكاذب منا يحرقه الله. ووالله الذي لا إله إلا هو لو فعلها لأحرقهم الله ونجاه، كرامة له. إن قيل: هل نزل عليه ملك؟ نقول: لا يشترط ذلك، فإنه قد صح الإيمان علماً وعملاً، اعتقاداً وفعلاً واحتاج لخرق العادة ليثبت كذبهم، فإنهم سيقولون له – أي لابن تيمية – نحن نفعل هذه الشعوذات – كما تزعم - ونحن على حق وأنت على باطل وضلال، فيقول لهم: بل أنتم على باطل، فيقولون فكيف إذن تحدث لنا هذه الخوارق؟ فيقول: هذه ليست بخوارق، وسأثبت لكم ذلك فلنغتسل في الحمام ثم لندخل أنفسنا في النار والكاذب منا يحرقه الله، فهنا سيخرق الله له العادة ويثبت كذبهم وباطلهم حتى لا يلتبس الحق والباطل على العوام من الناس. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لن يخلف وعده (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) وإذا كنا مؤمنين فلن يكون عندنا شك في هذا الإيمان العظيم، وأما بعد ذلك، فإذا فرطنا وأتينا من قبل أنفسنا – كما هو الحال فينا توكلنا على أعدائنا وعلى الذين غضب عليهم العزيز القهار – فكيف ننتظر خرق العادات وكيف ننتظر الإجابة إذا دعونا نسينا الله فنسينا (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) ، وليس المقصود بنسي الله لنا غفلته عنا بل إهماله لنا فإن الله لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.

قال الله لداوود عليه الصلاة والسلام: قل للظالم لم لا يذكرني فإنه إذا ذكرني سأذكره، لأنه يقول (فاذكروني أذكركم) وذكري إياه أن ألعنه. أي فهو إذا ذكرني ذكرته ولابد ولكن شتان شتان بين من يذكره الله بالرحمة والثناء عليه في الملأ الأعلى وبين من يذكره باللعنة. فكل ذاكر سيذكره الله، فإن كان تقياً فيذكر بالرضا والقبول، وإن كان شقياً فيذكر بالطرد والإبعاد. الحاصل أن الإنسان قد يعلم أنه ستخرق له العادة، يعلم ذلك إما بنزول ملك يراه هو ولا نراه نحن أو بإلهام يقع في قلبه يضطره إلى فعل هذا دون اختيار وقد لا يعلم، لكن بحسب الظاهر يقول أنا بذلت ما علي وأخذت بهذا الأمر؟؟ الإيمان وتصحيحه قولاً وعملاً، والباقي على الله فهو الذي تكفل بالنتيجة كما أن الإنسان يتزوج من أجل أن ينجب ذرية، فهذا بذل ما عليه وقد يرزق بذرية وقد لا يرزق. عليك بذر الحب لا قَطْف الجني ... والله للساعين خير ضمين وهو الذي (لا يضيع أجر من أحسن عملا) فأنت هنا عليك أن تسير على المسلك الشرعي فإذا لزمك خارق للعادة، سيخرق الله هذا ولابد، وهو على كل شيء قدير. المبحث الثالث أكم مرة وقع فيها الإسراء والمعراج: الإسراء والمعراج لهما حالتان: الحالة الأولي: حالة وقوعهما في اليقظة، فلم يقعا إلا مرة واحدة قبل الهجرة، وسيأتي تحديد وقت حصولهما. وقد حكى الإمام بن حجر في فتح الباري (7/203) في هذه المسألة عشرة أقوال في تكرر الإسراء والمعراج – والمعتمد فيها – أن إسراء ومعراج اليقظة بنبينا عليه الصلاة والسلام كان مرة واحدة.

قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد: "والعجب ممن يدعي ويزعم تعدد الإسراء والمعراج في اليقظة فكيف سيحمل التعدد على فرضية الصلاة " فقد فرضت الصلاة ليلة المعراج وكانت خمسين فخفضت إلى خمس عندما كان يتلقى هذا من الله وينزل على نبي الله موسى عليه السلام – وسيأتينا هذا في الآيات التي رآها في السماء وما حصل له من عجائب – فإذا قلنا إن حادث الإسراء والمعراج قد تكرر إذن نعيد المسألة في كل حادث كانت خمسين وترجع إلى خمس وترجع إلى خمس فهذا لا يمكن أن يقع ويحصل، فإسراء ومعراج اليقظة هذا وقع مرة واحدة. الحالة الثانية: حالة وقوعهما في المنام بروح نبينا عليه الصلاة والسلام فلا مانع من تكرارها، أي أن يسرى بروحه فتذهب روحه إلى بيت المقدس وهو نائم ويعرج بروحه إلى السماء وهو نائم، فلا مانع من تعدده ولو وقع ألف مرة. والإمام النووي في فتاويه المشهورة – وهو كتاب مطبوع في 300 صفحة تقريباً – ذهب في هذه الفتاوى إلى أن الإسراء والمعراج وقعا مرتين لنبينا عليه الصلاة والسلام مرة في المنام ومرة في اليقظة. وذهب بعض الأئمة كالمهلب – كما حكى هذا الحافظ في الفتح – وذهب إليه الإمام ابن العربي والإمام السهيلي وأبو نصر عبد الرحيم القشيري وغيرهم: إلى أن الإسراء والمعراج في المنام تكرر فوقع قبل الهجرة ووقع بعدها، فاختلفوا في عدد المرات في المنام، أما في اليقظة بروحه وجسده فلم تقع إلا مرة واحدة. نعم التبس الأمر على بعض رواة الحديث عندما أخبرهم نبينا عليه الصلاة والسلام أنه عرج به وأسريَ به في غير اليقظة فظنوا أن ذلك الإسراء والمعراج حصل في اليقظة مع أنه حصل في المنام فلا مانع كما قلنا أن يعرج به وبغيره عليه الصلاة والسلام، أو يسرى به وبغيره عليه الصلاة والسلام في المنام لا في اليقظة.

إذا فقد ذهب الإمام النووي إلى وقوعها مرة في المنام وذهب غيره إلى أنها حصلت أكثر من مرة، فوقع قبل الهجرة وبعدها والذين قالوا أنه وقع قبل الهجرة قالوا وقع قبل أن يسرى به ويعرج في اليقظة فأسري وعرج بروحه ليكون توطئة لإسراء ومعراج الجسد بعد ذلك، ثم بعد أن هاجر أسري وعرج بروحه وهو نائم ليكون بمثابة التشويق وتذكرة بالنعمة التي حصلت له قبل هجرته. أمتى حصلا ووقعا لنبينا عليه الصلاة والسلام؟ ذهب الإمام الزهري – من أئمة التابعين – ولكلامه هذا حكم الرفع المرسل إلى أن الإسراء والمعراج حصلا ووقعا قبل الهجرة بسنة. وذهب الإمام ابن سعد في الطبقات الكبرى إلى أنه وقع قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا قلت: ولا تعارض بين القولين فيما يظهر لي والعلم عند الله، فمن قال عرج به وأسرى قبل الهجرة بسنة ألغى الكسر وأخبر عن العدد الصحيح ومن قال عرج به وأسرى قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً (سنة ونصف) أخبر عن حقيقة ما وقع وأثبت الكسر، فالإسراء والمعراج إذن وقعا قبل الهجرة بسنة ونصف. جـ- لم وقعا في ذلك الوقت؟ (الحكمة من وقوعها في ذلك الوقت) : في العام العاشر للبعثة لا للهجرة حدث أمران عظيمان في حياة نبينا عليه الصلاة والسلام كان لهما أثر كبير وهما: أولهما: موت زوجه خديجة، وخديجة هي أفضل نساء هذه الأمة على المعتمد وقيل فاطمة ابنتها، وقيل أمنا عائشة، وذهب بعض العلماء إلى أن كل واحدة منهن فيها فضيلة ومزية لا توجد في الأخرى، لكن أمنا خديجة رضي الله عنها لها منزلة عظيمة في قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فهي أول من آمن به من النساء، نصرته وواسته وأعانته بمالها، رزقها الله منها الأولاد وكانت نعم الزوج رضي الله عنها، فمن كان يبث إليه سره ويأنس في خلوته ذهب ومات.

ثانيهما: موت عمه أبي طالب بعد شهر وخمسة أيام، وأبو طالب كان مشركاً وكافراً ولم يؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام (¬1) ¬

_ (¬1) ثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام [أنه قيل له عمك أبو طالب كان ينصرك ويحميك ويدافع عنك هل نفعه ذلك عند الله؟ فقال: لا، إلا أنه كان في غمرات من نار جهنم فأخذته فوضع في ضحضاح من نار جهنم وضع في أخمصي رجليه جمرتان من نار جهنم يغلي منهما دماغه وإنه لأهون أهل النار عذاباً ويرى نفسه أشد أهل النار عذاباً.] [ولما احتضر جاءه النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله وكان عنده أبو جهل وأضرابه، فقالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكان آخر ما قاله أنه على ملة عبد المطلب] وثبت في النسائي [أن علياً رضي الله عنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله إن عمك وهو والد علي - عمك الشيخ الضال قد مات، قال: اذهب فوار أباك] أي ادفنه من غير تغسيل ولا صلاة فهذا مشرك. فنزل قول الله لما قال النبي عليه الصلاة والسلام بعمه بعد أن مات – لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك (ما كان للني والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا ذوي قربي من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) لكن مع ذلك فجهده ما ضاع فهو أهون أهل النار عذاباً، وهذا من الشفاعات الخاصة لنبينا عليه الصلاة والسلام لأن الكفار كما قال الله تعالى فيهم (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) . ولا يدخل الجنة لأنه كافر والله حرم الجنة على الكافرين. عند الشيعة فقط أبو طالب أفضل من أبي بكر فأبو طالب في الجنة وأبو بكر في النار، قالوا كيف يكون والد علي كافراً؟ أقول فكيف يكون والد إبراهيم الخليل كافراً. الشيعة جعلوا حب آل البيت ستاراً وهم زنادقة فلا يؤمنون بدين ولا يدخلون في الإسلام رغبة ولا رهبة إنما كيداً للإسلام وكيداً لأهله ولكن لابد من شيء يستترون به وهو حب آل البيت فهذه ستارة وإلا فما علي عندهم بأحسن من أبي بكر، وقالوا كلاماً لو ثبت لكان علي أحسن من أبي بكر عندهم وحاشاهم جميعاً من ذلك. يقال لهم كيف زوج على ابنته لعمر – وهو عندهم كافر – أجابوا بجوابين: - ... متقدمهم: من باب التقية ليرفع عن نفسه ضرر عمر. - ... متأخرهم زف إليه جنية بصورة أم كلثوم بنت فاطمة. قال جعفر الصادق يقولون التقية وينتمون يأتي كذبوا دين آل البيت التقوى لا التقية التقية دين اليهود.

لكن له صلة عظيمة بنبينا عليه صلوات الله وسلامه من سائر أعمامه فعمه العباس لم يكن مؤمناً في ذلك الوقت ثم آمن فيما بعد، وعمه أبو لهب لم يكن مؤمناً وما آمن وكان يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام والعباس لم يكن له من المكانة في قومه كما لأبي طالب، فأبو طالب هو الذي ورث مكانة عبد المطلب وصار سيد قريش، فكانت له كلمة نافذة فما استطاع سفيه في مكة أن يمد يده أو يلوح بأصبعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مدة حياة أبي طالب وهو الذي كان يقول له: "والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفيناً" وكانت قريش تهاب أبا طالب وتخاف سطوته ويخشون إذا آذوا النبي عليه الصلاة والسلام أن يثأر أبو طالب لابن أخيه من باب الحمية، فكانوا ينكفون عن أذى النبي عليه الصلاة والسلام ولذلك غاية ما وقع قبل العام العاشر للبعثة أذىً على أصحابه ولم يقع عليه أذىً عليه صلوات الله وسلامه، فلما مات عمه أبو طالب اشتد أذى المشركين على أصحابه بل وعلى النبي عليه الصلاة والسلام ووصل الأمر إلى أنهم أخذوا الجزور وهي الكرشة التي فيها الفرث والزبل – وطرحوها على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار الكعبة فإذن اشتد عليه الأذى وكثر بعد موت عمه أبي طالب، وصار يلاقي أذىً شديداً خارج البيت وإذا عاد إلى البيت فليس هناك من يؤنسه ويزيل همومه، فاشتد به الأذى وضاقت عليه الأرض بما رحبت في ذلك الوقت، في العام العاشر للبعثة الذي سمي بعام الحزن، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام من شدة الكرب الذي لحقه من المشركين إلى الطائف يلتمس نصرة من ثقيف، فكانوا أخبث من عتاة قريش وأهل مكة. فردوا عليه أقبح رد أما بعضهم فيقول: أما وجد الله رسولا ً غيرك ليرسله؟ والآخر يقول: والله لو كُنْتَ رسولاً لأمزقن ثياب الكعبة!

ثم ما اقتصر الأمر على أذى اللسان، بل أغروا به السفهاء وبدأوا يقذفونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه عليه صلوات الله وسلامه ومعه مولاه زيد بن حارثة يقيه هذه الحجارة فتارة يكون أمامه وتارة وراءه وتارة عن يمينه وتارة عن شماله، والحجارة تأتيه من قبل السفهاء من كل جهة. إذن فكان الأمر في منتهى الكرب والشدة، فلجأ بعد خروجه من الطائف إلى بستان عنب ولجأ إلى الله جل وعلا بالدعاء وقال الدعاء الذي رواه الطبراني وذكره الإمام محمد بن إسحاق في المغازي والطبراني رواه عن محمد بن إسحاق أيضاً وهو مدلس وقد عنن الحديث فهو من ناحية الإسناد في الظاهر فيه ضعف لكن المعنى حق وثابت، وهو حقيقة مع ضعف الإسناد فيه إلا أن الناظر فيه يرى عليه نور النبوة، قال: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلي بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك (. فغار الله لنبينا عليه الصلاة والسلام وأرسل له ملك الجبال وقال: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – الجبلين – وأريحك منهم حتى كأنه لا يوجد شيء اسمه قريش على وجه الأرض، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله (فهذا هو الرؤوف الرحيم عليه صلوات الله وسلامه. إذن اشتد عليه الأذى في العام العاشر للبعثة، وأخذ فترة طويلة والنبي عليه الصلاة والسلام يصبر والهجرة كانت في العام الثالث عشر للبعثة فهل يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما لاقاه من إيذاء وشدة بلا حادث جليل يرضيه ويأنسه؟ هذا مستبعد!! لذلك فقد حصل له صلوات الله وسلامه عليه بعد عودته من الطائف أمرين وحادثتين:

الحادث الأول: قبل أن يدخل إلى مكة عندما وصل إلى نخلة، وهي على الطريق القديم لمكة ويسمى طريق السيل حديث كان يسلكه المسلمون، والمعرب في الجاهلية لسهولته ويقع على ميقات أهل نجد قرن المنازل، ويقال له قرن المنازل على بعد 70 كيلومتر من مكة، وطريق السيل هذا طوله من الطائف إلى مكة 120 كيلومتر، وهناك طريق آخر جديد يسمى طريق الهدا وهو طريق جبلي شق حديثا وطوله إلى مكة قرابة 80 كيلومتر، والشاهد أنه لما وصل إلى نخلة وهي تبعد قرابة 4 كيلومتر عن مكة المكرمة – أكبر الله عليه بأعظم أمر وأكرم الجن برؤية نبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه فصرف له نفراً من الجن يستمعون قراءته وآمنوا به في نخلة: (وإذا صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولو إلى قومهم منذرين) ، وفي هذا تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم وبشارة، فكأنما الله تعالى يقول له: اصبر إن جهل عليك البشر، فالجن – الذين لا تستبعد من طبيعتهم الجهالة والعثرة – انظر كيف عرفوا قدرك وآمنوا بك واستمعوا لقراءتك فعما قريب سأفتك قلوب البشر لدعوتك. فإذن هذه بشارة حصلت له بعد الأذى الذي حصل له من البشر جاء الجن واستمعوا لقراءته وآمنوا به (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) والله تعالى أنزل سورة كاملة سماها باسم هذه الحادثة فسميت سورة (الجن) .

الحادث الثاني: بعد أن دخل مكة عليه الصلاة والسلام واطمأن فيها بعض الوقت أكرمه الله بحادثة الإسراء والمعراج، وكأن الله تعالى يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: أعلم أنه لا يوجد من قبلنا غضب عليك، فإذا جهل عليك البشر فليس هذا لغضب منا عليك فمكانتك عندنا عظيمة جليلة، أعطيناك ما لم نعط أحداً من العالمين، فيسرى بك إلى بين المقدس، ثم نقدمك على أفضل خلق الله وهم الأنبياء والمرسلون في بيت المقدس فيجمع لك الأنبياء وعددهم (124.000) فجمعوا كلهم في بيت المقدس كما سيأتينا في الآيات التي رآها في بيت المقدس، الأنبياء كلهم من آدم إلى عيسى عليهم صلوات الله وسلامه كلهم يجتمعون ويتقدمهم نبينا عليه الصلاة والسلام ويصلي بهم ركعتين ويلقي كل واحد خطبة – كما سيأتينا – ويتحدثون بما من الله به عليهم فيختم الخطب نبينا عليه الصلاة والسلام ويتحدث بما من الله به عليه، فيقول خليل الرحمن إبراهيم: بهذا فضلكم محمد، وعليه صلوات الله وسلامه. إذن أفضل خلق الله أنبياء الله ورسله أنت تتقدم عليهم ويتبركون برؤيتك وأنت إمامهم ويظهر فضلك عليهم، وفي هذا كله تأنيس لقلبه عليه صلوات الله وسلامه وتطمين وتثبيت عظيم ثم ما هو أعلي من هذا حيث رفعك في السماء، فكما قدمناك عليهم في الأرض نرفعك عليهم في السماء فإذا كان أرفع واحد فيهم وهو إبراهيم في السماء السابعة ودونه الكليم موسي في السماء السادسة فأنت ترفع إلى ما هو أعلي من ذلك، بل جبريل علي نبينا عليه صلوات الله وسلامه عندما يرتفع بعد السماء السابعة يقف ويقول لنبينا عليه الصلاة والسلام: تقدم، ولو تقدمت لحظة لاحترقت، وما منا إلا له مقام معلوم، ثم يعرج نبينا عليه الصلاة والسلام – كما تقدم معنا – إلى مستوي سمع فيه صريف الأقلام وماذا يسطر في لوح الرحمن، ثم ناجاه ربه وكلمه، وحصلت له الرؤية النظرية أم القلبية؟ سنتحدث في هذه عند مبحث الآيات التي رآها فوق السموات.

فهذه الآيات العظيمة التي رآها لتدل على عظيم رضوان الله عليه، فكأن الله تعالي يقول له: (لا تحزن إلا جهل عليك السفهاء، فهذا قدرك عند الأتقياء وعند الفضلاء وعند رب الأرض والسماء،والملائكة تتبرك برؤيتك،وأنبياء الله ورسله يفرحون بلقائك، والله جل وعلا يدعوك لجنابه الأعلى، فمن هؤلاء البشر إذا جهلوا عليك؟) إذا أهل الكرام يكرموني ... فلا أرجو الهوان من اللئام والرجاء من الأصداد فيأتي بمعني الأمل ويأتي بمعني الخوف والوجل وهنا بمعني الخوف، أي فلا أخاف الهوان من اللئام. فاللئيم إذا أهانك والكريم إذا أكرمك فلا تبالي بإهانة اللئيم، لكن لو أن الكريم أهانك وأبغضك وتغير قلبه عليك وعبس في وجهك فحقيقة لا يلذ لك طعم الحياة، وتقول: إذن أبغضني الله عندما أذاني الكرام، وعندما تغير قلبهم علي، لكن الواقع أن اللئام هم الذين آذوك ولذلك السفهاء، فهذا مما يدل على عظيم قدرة الله جل وعلا وهنا لئام يؤذونك،وكلام يتبركون برؤيتك. ونشير هنا إلى أنه: بالإجماع يتبرك بنبينا عليه الصلاة والسلام بجسده الشريف، وبفضلاته ببصاقه ومخاطه، وبشعره وبملابسه وبأثاثه، بلا خلاف بين أهل السنة وإذا حصل الإنسان شعره من شعر النبي عليه الصلاة والسلام وقبلها ومرغ خده عليها فهنيئا له هنيئا، فالتبرك بآثاره جائز بالاتفاق، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يوزع أحيانا شعره على الصحابة، كما حصل هذا في الحديبية،وأخذ أنس بعض الشعرات وأوصي أن توضع تحت لسانه بعد موته – ووضعت – من أجل أن يسدده الله عند سؤال الملكين.

وكأنه بعد حصول هذه المميزات لنبينا عليه الصلاة والسلام يقول له برنا: ليس في إيذاء السفهاء لك منقصة، وليس في ذلك غضب عليك، فاعلم هذا وقم بالدعوة بجد ونشاط وحذار حذار أن تسير مع الميول البشرية والطبيعة الإنسانية فتقول ضاقت علي الأرض بما رحبت قومي آذوني وكثر صبري عليهم مع ما حصلت منهم من الأعراض، ذهبت إلى الطائف فقابلوني أشنع مقابلة، وطبيعة البشر قد تخور وتضعف، فلا بد من تثبيت فأكلمه الله بالإسراء والمعراج وهذا في غاية التثبيت له عليه صلوات الله وسلامه وفعلا بعد هذه الحادثة كان نشاطه للدعوة أكثر وقام يدعو بجد ونشاط ولذلك في صبيحة اليوم التالي لليلة الإسراء والمعراج لقيه أبو جهل فقال: يا محمد، هل من خبر جديد؟ قال نعم: أسري بي هذه الليلة إلى بيت المقدس، وقال أو تستطيع أن تخبر قومك إذا دعوتهم؟ قال: نعم – فبين ثباته ولم يبال بأحد عليه صلوات الله وسلامه، فدعاهم أبو جهل وقال: اسمعوا ما يقول محمد، فقالوا: انعت لما بيت الله المقدس يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: فكربت كربا شديدا، لم أكرب مثله قط لأنني ما أثبته – أي ما علمت أحوال بيت المقدس وكم فيه من نافذة وكم له من أبواب فكيف سأنعته لهم، - يقول: فأتي جبريل ببيت المقدس فوضعه عند دار عقيل بن أبي طالب، وأنا أنظر إليه فجعلت أنعته لهم باباً بابا وشباكاً شباكا. فهذا هو حال النبي صلي الله عليه وسلام بعد ذلك الحادث العظيم، فقد صار عنده عزم وحماس للدعوة أكثر من الأول. إخوتي الكرام ... حادثة الإسراء والمعراج وقعت بعد هذين الحادثين المريرين وفاة زوجة وعمه وكل منهما كان له مواقف خاصة مع نبينا عليه صلوات الله وسلامه، وإذا كان الأمر كذلك فإذن هنا حزن على وفاتهم ثم هنا حزن لمزيد الأذى بعد موتهما فكان لابد من تسلية لنبينا صلي الله عليه وسلم.

ولذلك كان أئمتنا يقولون: من أقعدته نكاية اللئام، أقامته إعانة الكرام، لئام يؤذونك ويقعدونك عن دعوتك ويثبطونك، فلابد من معين ومساعد يشد أزرك ويقويك وهم الكرام، لكن البلية في عصرنا أن اللئام كثر، فهم يقعدونك ويؤذونك ولا تجد كريما تأوي إليه إلا من رحم الله. إخوتي الكرام ... الصحابة رضوان الله عليهم عندما اشتد عليهم أذى المشركين بمكة أشار عليهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يهاجروا إلى الحبشة وقال: هناك رجل عادل لا يظلم عنده أحد فاذهبوا إليه لعل الله أن يجعل عنده فرجا ومخرجا. وبالفعل حصل ما تمناه النبي صلي الله عليه وسلم حتى أنهم لم يعودوا إلى مكة بل ما عادوا إلى مكة إلا لما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم إلى المدينة فلحقوه هناك. س: لكن هل تركهم المشركون يهاجرون إلى الحبشة دون أن يلاحقوهم؟ جـ: لا بل أرسلوا عمر بن العاص وكان مشركا يومها – وعبد الله بن أبي ربيعة في طلبهم ومعهم الهدايا والقصة طويلة وردت في حديث طويل رواه الإمام أحمد في المسند وأخذ فيه ثلاث صفحات عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها لأنها كانت من جملة المهاجرات إلى الحبشة،والحديث إسناده صحيح. وحول السند: (1/201-203) ، (5/210-292)

قلنا أنه لما اشتد أذي المشركين علي الصحابة رضوان الله عليهم أمرهم النبي صلي الله عليه وسلم بأن يذهبوا ويهاجروا إلى الحبشة، فطالب المشركين بإعادتهم وقال البطارقة الذين كانوا في مجلس النجاشي صدقوا أيها ال؟؟ الملك أرسلهم دون أن تسمع كلامهم فقومهم أعلم بهم وقد كانوا يعلمون أن أصعب شيء عليهم أن يسمع النجاشي أصخمة كلامهم لأنه عاقل، وإذا كان عاقلا وسمع كلامهم سيقضى بالحق وبالتالي لن يسلم هؤلاء لعتاة قريش وسيحسن ضيافتهم ويكرمهم، وفكان أقبح شيء على هذا الوفد بمشورة العتاة في مكة شيء أن يستدعي النجاشي أصمخة هؤلاء الثلة الذين كانوا بضعا وسبعين ما بين رجل وامرأة رضي الله عنهم أجمعين فكان أشنع شيء عليهم أن يستدعيهم ويسمع كلامهم، فلما قال البطارقة: صدقوا أرسلهم، قال: لا، والله قوم لجأوا إلى واختاروني على من سواي كيف أطردهم قبل أن أسمع كلامهم، فإذا كان ما يقول هؤلاء حقا من أنهم مفسدون وخائبون ومخربون سلمتهم إليهم، وإذا لم يكونوا كذلك فلا أطردهم ما رغبوا في جواري. فاستدعاهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم به دين قومكم ولم تدخلوا في ديني، وكان هو على النصرانية – قالوا والذي تولي الإجابة هو جعفر بن أبي طالب ابن عم النبي صلي الله عليه وسلم: أيها الملك كفاني جاهلية وشر، نعبد الأصنام ونأكل الميتة والجيف ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي فينا الضعيف فبعث الله فينا رسولا منا نعرف صدقه ونسبه، فدعانا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ويأمرنا أن ننبذ ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام، وأمرنا بالصلاة وصدق الحديث وصلة الأرحام فآمنا به وصدقناه، فغدا علينا قومنا وآذونا فلجأنا إليك واخترناك على من سواك. فقال لهم: إن كنتم كذلك فلكم الأمر في بلادي.

وفي اليوم الثاني قال عمر بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة، لأذهبن إلى الملك ولأوغرن صدره عليهم، ولأحرضنه عليهم ولأقولن له إنهم يقولون في عيسي قولا عظيما، وهو أنه عبد الله ورسوله، لأن النصارى يقولون هو ابن الله، ولأبيدن خضراءهم بهذا الكلام، وكان عبد الله بن أبي ربيعة وهو على شركه فيه رحمة فقال: رفق بهم فإنهم أبناء العم والعشيرة، فقال بل لابد. فذهب إلى الملك وقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسي قولا عظيما، فاستدعاهم فقالوا لجعفر ماذا نقول؟ قال ما نقول إلا ما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام وليكن ما هو كائن. فقال لهم النجاشي: ماذا تقولون في عيسي؟ قالوا: ما نقول إلا ما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام فتلا عليهم صدر صورة مريم فلما وصل إلى قول الله (ذلك عيس بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون، وما كان الله أين يتخذ ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) . وانتبه لموقفهم هذا فلا يعني هروبنا وفرارنا من بلدة إلى بلدة فرارا بديننا أن نتنازل عن ديننا وقيمنا بل الواجب أن نثبت عليها كما خرجنا وفررنا بسببها إلى أن نلقي الله وهو راض عنا إذ لا يعقل أن تهاجر وتقاتل من أجل مبدأ ثم لما تغير بلدك تتنازل عن هذا المبدأ الذي هاجرت بسببه.

إذن فتلا عليه هذه الآيات ولما قال: (ما كان الله أن يتخذ ولد) نخر البطارقة، ولما قال عيسي في السورة (قال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا) فقال النجاشي: وإن نخرتم؟ وبكي حتى اخضلت لحيته من دموع عينيه ثم أخذ عودة صغيرة من أرض وقال والله ما زاد علي وصف عيسي بمقدار هذه، فهذا هو وصف عيسي هو عبد الله ورسوله وليس هو بثالث ثلاثة وليس هو ابن الله جل وعلا، ثم قال لجعفر ولمن معه: أنتم سيوم أنتم سيوم – والسيوم في لغة الحبشة الأحرار أي مثل الغنم السائمة تمشي وترعي أينما تريد،ولذلك الغنم إذا كانت سائمة فيها زكاة وإذا كانت تعلف فليس فيها زكاة – من سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، والله ما أحب أن لي دبرا من ذهب، والدبر هو الجبل العظيم الكبير بلغة الحبشة – وأن أحداً منكم يؤذي هذا العبد الصالح النجاشي أصمخة لما مات صلي عليه نبينا عليه الصلاة والسلام صلاة الغائب كما في الصحيحين. وقد ثبت في سند أبي داوود في كتاب الجهاد، باب النور يري على قبر الشهيد، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: [كنا نتحدث أنه لا يزال يري على قبر النجاشي نور بعد موته (وفي الحقيقة فإنه يستحق هذا الإكرام من ربنا الرحمن. فأولا: اعتقد اعتقاد الحق. وثانيا: بذل ما في إمكانه حسبما وسعه في ذلك الوقت فالرسول صلي الله عليه وسلم في ذلك الوقت في مكة ولا يمكن الهجرة إليه. وثالثا: نصر هؤلاء المؤمنين، فقال بما في وسعه وهو إن شاء الله في عداد المؤمنين الموحدين، فهذا هو النجاشي العبد الصالح ولا مثيل له في عصرنا. فتن لكن لا يوجد نجاشي، لئام فاضت الأرض بهم فيضا لكن لا يوجد ما يقابلهم من الكرام بحيث إذا ذهب الإنسان إليهم يجد النصر.

هذا فيقال رؤيته لهم في بيت المقدس لا يلزم أن تكون بنفس الصورة التي تكون في السماء يضاف إلى هذا أنه اجتمع بـ (124.000) نبي في لحظات من ليل، فكيف سيتمكن من أن يحفظ أشكالهم ويتثبت من صورهم، كما هو الحال في بيت المقدس عندما قال له المشركون انعته لنا، مع أنه رآه فالرؤية لا يلزم منها العلم بالمرئي على وجه التمام، والإحاطة به بحيث لو رآه مرة ثانية يقول هذا هو فلان لأنه جم غفير التقي بهم في لحظات، والعلم عن الله. الحكمة السادسة: لأن لبيت المقدس من تلك الجهة المصعد إلى السماء، أي باب السماء الذي يفتح يكون بحيال بيت المقدس. قال الحافظ بن حجر: والذي يظهر ضعف هذا لأن باب السموات الذي يفتح وينزل منه الملائكة يكون حيال الكعبة وفي وجهتها وسمتها لأعلي جهة بيت المقدس. الحكمة السابعة: وقلنا نقلها عن ابن أبي جمرة، قال: ليظهر الله الحق، عند من يريد إخماده ووجه هذا: لو أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرهم أنه عرج به إلى السموات العلا، ورأي في السموات ما رأي لقالوا له كذاب، وما عنده قرينة تدل على صدقه ولا على كذبه فلا يستطيع أن يثبت لهم صدقه، لكن عندما قال لهم أسري بي إلى بيت المقدس قالوا: كذاب قال: يا جماعة أنا تحققت من ذلك وتأكدت، قالوا: انعته لنا، فلما وصف لهم بيت المقدس الذي رأوه بأعينهم ظهر لهم الحق وقد حاولوا إخماده، أما السموات فلم يروها ولو قالوا له انعتها لنا، فسينعتها بشيء لا يعلموه، أما بيت المقدس فظهر الحق لهم عندما نعته لهم فظهر الحق عند من يريد أن يخمده ويبطله.

الحكمة الثالثة: تظهر في وما ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله – واعلم عند الله – وهي أ، هـ أسري بنبينا عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات العلي ليرتقي من كمال إلى كمال. فنقله إلى الكمال الأرضي وهو الاجتماع بالأنبياء وإظهار تقديمه عليهم وفضله عليهم، ثم نقله إلى ما هو أعلي من ذلك وهو العروج به إلى السموات العلا والالتقاء برب العالمين، فنقل من كمال إلي كمال أسري به ثم عرج ولو حصل العكس لم يكن في رؤيته الأنبياء فائدة معتبرة لأن أعلي الكمال حصل له وهو الاجتماع برب العالمين ولقاؤه. المبحث الرابع: الآيات التي رآها خير البريات عليه صلوات الله وسلامه في حادثة الإسراء والمعراج: وتنقسم هذه الآيات إلى أربعة أقسام (لنريه من آياتنا الكبري) : القسم الأول: آيات عظيمة رآها وحصلت له قبل البدء برحلة الإسراء والمعراج. القسم الثاني: آيات أرضية رآها عندما أسري به إلى بيت المقدس. القسم الثالث: آيات سماوية رآها عندما عرج به إلى السموات العلا. القسم الرابع: آيات عظيمة حصلت له بعد رقي السموات. وسنفصل الكلام في هذه الآيات الأربع إن شاء الله تعالي. القسم الأول: الآيات التي حصلت له قبل البدي برحلة الإسراء والمعراج: حصلت له حادثة عظيمة وهي حادثة شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام.

ثبت في الصحيحين من حديث أنس عن أبي ذر، ومن حديث أنس عن النبي عليه الصلاة والسلام ومن حديث مالك بن صعصعة، وثبت في المسند من حديث أنس عن أبي بن كعب - فالحديث عن أربعة من الصحابة – وفيه يقول النبي صلي الله عليه وسلم: (فرج سقف بيتي فنول ملكان وأخذاني وأضجعاني وشقا ما بين ثغرة نحري – هي المكان المنخفض الذي يكون بين الترقوتين في أصل الرقبة – إلى شعرتي – أي مكان منبت العانة – وأخرجا قلبي فغسلاه في طست – بكسر الطاء وفتحها وإثبات التاء وضمها وهو الطشت المعروف الآن – من ذهب فغسلاه بماء زمزم ثم حشيا قلبي وصدري – وفي رواية (حشيا صدري ولغاديدي) أي عروق رقبتي – إيمانا وحكمة (. هذا حصل له قبل حادثة الإسراء والمعراج: سق صدره، واستخرج قلبه، وضع في طشت من ذهب، غسل بماء زمزم، ثم حشئ قلبه وصدره، ولغاديده أي جميع عروقه ومناخذه حشي إيمانا وحكمة ثم التأم صدره عليه صلوات الله وسلامه. قال الحافظ ابن حجر: "شق سقف البيت من قبل الملكين فيه إشارة إلى أن صدر نبينا عليه الصلاة والسلام سينشق ويلتئم دون حصول أثر فيه كما التأم هذا السقف بعد ذلك"، ونحن في عصورنا لو شق جزء من الإنسان وأعيدت خياطته لبقي أثر الشق، بل يقول الأطباء إنه إذا شق بطن الإنسان فإنه لا يعود إلى طبيعته الأولى مهما كتب له من شفاء وعافية، ويبقى معرضاً للفتق فتراه يمنع من حمل الشيء الثقيل حتى لا تتفتق خياطة هذا كله مع تقدم العلم، وهو في شأن نبينا عليه الصلاة والسلام معجزة. قال الإمام ابن حجر في الفتح: واختير الطست من ذهب ليتناسب هذا الطست مع مكانة نبينا عليه الصلاة والسلام والكرامات التي تحصل له، فهو من أواني الجنة، والنبي صلى الله عليه وسلم صائر إليها بل محرمة على غيره ولا تفتح لأحد قبله.

الأمر الثاني: الذهب لا يأكله التراب ولا يظهر عليه صدىً ونبينا عليه الصلاة والسلام كذلك بدنه لا تأكله التراب، ولا يعتريه تغير وهو يوم يبعث كحاله يوم دفن عليه صلوات الله وسلامه، والله حرم على الأرض أجساد الأنبياء كما ثبت في السنة بإسناد صحيح (إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء (. الأمر الثالث من الحكم في اختيار الطست من الذهب: أن الذهب هو أثقل المعادن في الوزن النوعي فلو وزنت قطعة (ذهب 5سم × 5سم) لقلت على قطعة (حديد 5 سم × 5سم) ، فإذن الذهب أثقل المعادن وزناً ونبينا عليه الصلاة والسلام أثقل الخلق وزناً وقدرة، ووزن بالأمة كلها فرجح عليه صلوات الله وسلامه وهو أكرم الخلق على الله وأفضلهم عنده. الأمر الرابع: أن في لفظ الذهب تفاؤل بإذهاب الرجس عن نبينا عليه الصلاة والسلام وتطهيره تطهيراً، وهذا ما حصل له عندما استخرج منه حظ الشيطان وغسل قلبه بماء زمزم. الأمر الخامس: أن في لون الذهب تفاؤل بحصول النظرة والبهجة لنبينا عليه الصلاة والسلام ودعوته وإشراق نوره في العالمين، وهذا الذي حصل. الأمر السادس: أن الذهب أعز المعادن وأغلاها، وكذا نبينا عليه الصلاة والسلام أعز المخلوقات وأنفسها. ولهذا كله غسل قلبه بطست من ذهب وإنما غسل بماء زمزم لأن ماء زمزم هو أشرف الحياة وأصله نزل من الجنة وهو هزمة جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه لأم إسماعيل عندما اشتد عليها العطش، والذي دلها على ذلك المكان وحفره جبريل بواسطة ضربة إسماعيل برجله، فإذن ماء مبارك من الجنة حفره جبريل للنبي المبارك إسماعيل الذي هو والد نبينا عليه الصلاة والسلام، وينتمي إليه، فهو ابن الذبيحين عليه صلوات الله وسلامه.

وماء زمزم هو أشرف مياه الأرض وقد ثبت بإسناد حسن عن نبينا عليه الصلاة والسلام (ماء زمزم لما شرب له (وهو (طعام طعم وشفاء سقم (كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم، وكان كثير من الصالحين يتقوتون بماء زمزم فهو ماء وغذاء، ويمكث أربعين يوماً - كما يقول الإمام ابن القيم – لا يدخل شيء جوفه إلا ماء زمزم، وانظروا فضل ماء زمزم في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (4/392) وما لزمزم من خواص وآثار وهو يخبر عن نفسه أنه كان يمكث الأيام المتوالية ما يتغذى إلا بماء زمزم. فهو إذن ماء مبارك ومن أجل هذا غسل قلب نبينا عليه الصلاة والسلام به. قد يقول قائل: كيف غسل قلب النبي عليه الصلاة والسلام بطست من ذهب، والذهب محرم استعماله على الذكور والإناث؟ ذكر أئمتنا جوابين: الأول: وهو ضعيف في نظري – وهو أنه كان قبل التحريم. الثاني: وهو المعتمد أن هذه الحادثة من خوارق العادات وهي متعلقة بأمور الغيب وهي بأمر الآخرة ألصق منها وأقرب من أمر الدنيا، ولذلك لها أحكام الآخرة، فكما أننا في الآخرة نحلّى بأساور من ذهب (وحلوا أساور من ذهب) فحادثة الإسراء والمعراج لها أحكام الآخرة لا أحكام الدنيا، وهذه من باب خوارق العادات ولذلك لها حكم خاص خص الله به نبينا عليه الصلاة والسلام. قال بن حجر: قوله (حشياه إيماناً وحكمة) فيه إشارة إلى أن الحكمة هي أفضل شيء بعد الإيمان، ورأس الحكمة خشية الرحمن، والحكمة باختصار: وضع كل شيء في موضعه فالعبادة توضع للمعبود بحق وهو الله جل وعلا فلا نصرفها لغيره فهذه حكمة،ومن عبد غير الله فهو سفيه سفه نفسه: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) وهل هناك سفاهة أعظم من أن يصرف حق الخالق للمخلوق (إن الشرك لظلم عظيم) . فالحكمة هي أعلي الفضائل بعد الإيمان ولذلك حشي قلب نبينا عليه الصلاة والسلام وصدره إيمانا وحكمة.

قد يسأل سائل فيقول: كيف حشي إيمانا وحكمة، والإيمان والحكمة من الأشياء المعنوية؟ الجواب: يحتمل هذا أمرين: الأمر الأول: أن تجسيد تلك المعاني إلى أشياء حسية، فالإيمان الذي هو معنىً جُسِّد في شيء حسي يعلمه الله ولا نعلمه، وأدخل في قلب نبينا عليه صلوات الله وسلامه، ومثله الحكمة ولهذا نظائر: فالموت أمر معنوي، وسيجسد يوم القيامة – كما ثبت في الصحيحين – في صورة كبش أملح ثم يوقف بين الجنة والنار ويذبح بينهما ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت. والأعمال التي نقوم بها من طاعات ومعاص ٍ هذه معان ٍ أيضاً، وستجسد يوم القيامة كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم (متفق عليه، فإذن تجسد وتثقل الميزان فالطاعة تجسد وتوزن والمعصية تجسد وتوزن يوم القيامة، ولذلك قال أئمتنا: الذي يوزن يوم القيامة ثلاثة أشياء: الأعمال والعمال وصحف الأعمال. الأعمال وإن كانت معان ٍ وأعراضاً يجسدها الله بكيفية يعلمها ولا نعلمها، والعمال وهم المكلفون، قال الله عن الكافرين (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً) ، ورِجْْلُ عبدِ الله بْن ِ مسعودٍ – كما ثبت في المسند – أثقل عند الله من جبل أحد، وصحف الأعمال كما هو في حديث البطاقة وغيره. وقد تقع هذه الثلاثة لكل واحد وقد يقع بعضها لبعض الناس والعلم عند الله، لكن دلت النصوص الشرعية على أن الذي يوزن يوم القيامة الأعمال والعمال وصحف الأعمال.

الشاهد الآن: أن الأعمال معان ٍ وأعراض يجسدها الله وتوزن، وكذلك هنا الإيمان معنىً لا يقوم بنفسه فجسد بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها وهذا من أمور الغيب التي نؤمن بها ولا نبحث في كيفيتها، وقد تقدم معنا في الدليل الثامن من أدلة الإسراء والمعراج أن كل ممكن ورد به السمع وجب الإيمان به، وتجسيد الأعمال والموت وغيرها من المعاني ممكن وليس بمستحيل وقد ورد به السمع فيجب الإيمان به. الأمر الثاني: أن يكون الإيمان والحكمة قد مثلا بشيء ثم أدخل مثالهما الذي يدل عليهما ويعبر عنهما في قلب نبينا عليه الصلاة والسلام وصدره ولغاديده. ولهذا نظير: عندما (كان نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الكسوف وتقدم ومد يده ثم تأخر وقال عرضت عليَّ الجنة والنار ومدت يدي لآخذ عنقوداً من عنب من عناقيد الجنة فلو أخذته لأكلتم منه إلى أن تقوم الساعة (والحديث في الصحيحين. فهذا عن طريق التمثيل أم عن طريق التجسيد؟ بل هو عن طريق التمثيل، فمثل له شكل الجنة والنار في جدار القبلة عندما كان يصلي عليه صلوات الله عليه وسلامه. فإما أنهما جسدا أو مثلا والعلم عند الله، أي ذلك وقع، فنؤمن بأنه قد حشي قلب نبينا عليه الصلاة والسلام إيماناً وحكمة. قال أئمتنا: اشتملت هذه الحادثة على ما يدهش السامع فضلاً عن المشاهد فالسامع عندما يسمع هذه الأخبار يدهش، فكيف بنبينا عليه الصلاة والسلام الذي رأى هذا، ليعلم عظيم قدرة الله في نفسه وليتحقق من ذلك وليثبت قلبه في تبليغ دعوة الله على أتم وجه وأكلمه، لاسيما وقد حصل هذا بعد حوادث أليمة ومريرة مرت عليه كما قلنا من موت زوجه وعمه، واشتداد أذى المشركين عليه بعد ذلك عليه صلوات الله وسلامه، فانظروا إلى هذه العجائب كيف نفعلها ونحن على كل شيء قادرون. إذن في بداية حادثة الإسراء والمعراج وقبل السير فيها شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام وقد شق الصدر الشريف لنبينا عليه الصلاة والسلام أربع مرات:

المرة الأولى: عندما كان عمره عليه صلوات الله وسلامه سنتان وثلاثة أشهر، ثبت هذا في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ومستدرك الحاكم عن أنس رضي الله عنه عندما كان نبينا عليه الصلاة والسلام مع الغلمان عند مرضعته حليمة جاءه ملكان وأضجعانه وشقا صدره وقالا: هذا حظ ُ الشيطان منك، فأخرجا علقة من قلبه فطرحاها ثم حشيا قلبه إيماناً وحكمة وانصرفوا،وقام النبي عليه الصلاة والسلام يلعب مع الصبيان، وذهب الذين كانوا معه إلى مرضعته حليمة وأخبروها الخبر فخشيت أن يكون هذا من قبل الجن ولذلك أرادت أن تعيده إلى أمه وعمه بعد ذلك. المرة الثانية: عندما كان عمره عشر سنين، شق صدره عليه صلوات الله وسلامه، ثبت هذا في مسند الإمام أحمد (5/139) شق صدره عليه الصلاة والسلام وغسل قلبه مرة ثانية ومليء إيماناً وحكمة، والحديث رواه أيضاً أبو نُعيم في دلائل النبوة عن أبي بن كعب عن أبي هريرة (أنه كان جريئاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله، فسأله عن حادثة شق الصدر، وكيف حصلت له؟ فأخبره أنه كان في عمره عشر سنين – وانظروا يخبر عن هذا وكان يعي ويدرك في هذه السن [فأتاه ملكان وأضجعانه وشقا صدره.... (إلخ الحديث. المرة الثالثة: عندما كان عمره أربعين سنة، في غار حراء، والحديث في ذلك صحيح رواه أبو نُعيم في دلائل النبوة ص (69) ، وذكره الحافظ في الفتح مقراً له، وهو في درجة الحسن على حسب اضطلاحه (1/460) و (13/481) عن أمنا عائشة رضي الله عنها: تخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه عندما جاءه جبريل في غار حراء شق صدره وحشي قلبه إيماناً وحكمة (. والمرة الرابعة: وهي التي معنا وكان عمره إحدى وخمسين سنة ونصف السنة، وقد قلنا إنها في الصحيحين والمسند عن أربعة من الصحابة.

والمرة الأولى من هذه الحوادث لشق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام انتزع فيها حظ ُّ الشيطان وأما ما بعدها فكان تهييئاً لقلبه لأن يتلقى ما سيرد عليه من واجبات وتكاليف. فالأولى من باب التخلية وما تبعها من باب التقوية والتحلية. حادثة شق الصدر أشار إليها ربنا في كتابه في سورة (الانشراح) وتسمى سورة (الشرح) (ألم نشرح لك صدرك) والسورة مكية باتفاق المفسرين، وفيها يشير ربنا إلى الأمر العظيم الذي وقع له في مكة. والاستفهام في الآية للتقرير، ومعناه: حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد استقر عنده وعلمه وثبت لديه – فكأن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام أقد شرحنا لك صدرك أي شققناه شقاً حسياً، وأنت رأيت هذا بعينيك. وقد أرود الإمام الترمذي في كتاب التفسير عند سورة الانشراح حادثة شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام في تفسير هذه السورة، ليشير إلى أن المراد بالشرح شق صدره حساً عليه صلوات الله وسلامه. وهكذا فعل الإمام الحاكم في مستدركه في كتاب التفسير عند تفسير سورة الانشراح فأورد حديث شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام، وشرح صدر نبينا عليه الصلاة والسلام شامل – في الحقيقة - لأمرين: أشامل للشرح حساً، وهو ما وقع في هذه المرات الأربع. ب وشامل للشرح معنىً، وهو تقوية قلبه لتحمل ما سينزل عليه ثم ليقوم بموجبه. فحصل إذن الشرح الحسي والشرح المعنوي. قال الإمام ابن كثير في تفسيره: شرح صدره حساًَ لا ينافي شرح صدره معنىً، فحصل الأمران عليه صلوات الله وسلامه. وثبت في كتاب دلائل النبوة للبيهقي – لا لأبي نُعيم- (1/352) عن قتادة قال (ألم نشرح لك صدرك) المراد من ذلك الشق الحسي الذي حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام.

وقال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن عند تفسير سورة الانشراح (ألم نشرح لك صدرك) أي شرحاً حسياً وحقيقياً عندما كان عند ظئره – أي مرضعته – حليمة وعندما أسري به، فاقتصر على حادثتين من الحوادث الأربع التي وقعت لنبينا عليه الصلاة والسلام، ثم قال: وشرحنا لك صدرك معنىً عندما جمعنا لك التوحيد في صدرك وأنزلنا عليك القرآن، وعلمناك ما لم تكن تعلم وكان فضلنا عليك عظيماً، فحصل لك هذا وشرحنا لك صدرك عندما ألهمناك العمل بما أوحينا إليك وقويناك عليه. ثم قال الإمام ابن العربي: وبهذا يحصل كمال الشرح وزوال التَّرَح – وهو الغم. الحاصل أن سورة ألم نشرح لك تدل على حادثة شق الصدر التي حدثت لنبينا عليه صلوات الله وسلامه. القسم الثاني: الآيات الأرضية التي رآها عندما أسري به إلى بيت المقدس ماذا رأى من آيات؟ وقد رأى آيات كثيرة، سنتكلم على خمسة منها فقط، على طريق الإيجاز – وإن شاء الله تعالى، دون تفصيل في غيرها: الآية الأولي: ركوب البراق: ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت بالبراق مسرجاً ملجماً – وهو دابة دون البغل وفوق الحمار وهو دابة أبيض، يضع خطوه عند منتهى طرفه] وتقدم معنا في سنن الترمذي وصحيح ابن حيان – عندما قدم البراق لنبينا عليه الصلاة والسلام (استصعب عليه (، وفي رواية ابن عباس في المغازي: (قدم البراق لنبينا عليه الصلاة والسلام وعدم انقياد وعدم ذلة وفي خلقه صعوبة وشراسة – فقال له جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مالك فما ركبك أكرم على الله منه. ( وفي رواية ابن إسحاق قال له جبريل: (أما تستحي، فارفض عرقاً (وتقدم معنا أي تصبب عرقاً. وتقدم معنا إخوتي الكرام أن سبب شراسته ونفوره أمران ذكرناهما هناك

إذن هذا البراق وهو آية حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام في إسرائه، إما عندما عرج به وهو في المعراج سنتكلم على هذا في الآيات التي رآها في السموات إن شاء الله تعالى. وهذه الآية العظيمة التي حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام – من باب خرق العادات – وكما تقدم معنا أن كل ما ورد به السمع يجب الإيمان به، ووجود دابة اسمها البراق ممكن وليس مستحيلاً، والإسراء بنبينا عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس ممكن وليس مستحيلاً، وورد السمع بكليهما، بالبراق الحديث السابق و (سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) ، وبما أن الأمرين كليهما ممكن وورد السمع به فيجب الإيمان به، لأن القسمة العقلية في الأشياء الموجودة بأسرها تنحصر في ثلاثة لا رابع لها: 1- وجود واجب. 2- وجود مستحيل ممتنع. 3- وجود ممكن جائز. أما الواجب فلا يتصور في العقل هدمه، كوجود ربنا سبحانه وتعالى وحياته، وهذا ما يسمى بواجب الوجود فلا يتصور زوال الحياة أو الفناء على رب الأرض والسماء، فهذا واجب الوجود، وهو أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ( أما المستحيل الممتنع فهو – كما ذكرنا سابقاً – الجمع بين النقيضين أو نفي النقيضين. أما الجائز الممكن فهو يتصور وجوده ويتصور عدمه ليس وجوده في الحياة فقط بل في جميع الاعتبارات غنىً وفقر، ذكورته وأنوثته وجماله، ودمامته، وطوله وقصره، وكونه إنساناً أو جماداً فهذا كله ممكن يقدره الله أن يقلب الجماد إلى إنسان كقوله تعالى (إذ انبعث أشقاها) الآيات.

وذلك أن قوم ثمود قالوا لنبيهم صالح عليه الصلاة والسلام: لن نؤمن لك إلا أن تخرج لنا ناقة عشراء (أي حامل ملقحة) من صخرة؟ فقال لهم: إن أخرجتها تؤمنون؟ فقالوا نؤمن، فدعا ربه فأخرج لهم ناقة عشراء من صخرة صماء، ثم لما خرجت ولدت وليداً ورأوها ورأوا ودلها وسمعوا صوته ثم بعد ذلك قال لهم: إن كان الأمر كذلك فهذه الناقة لها حق عليكم فهذا الماء الذي تردونه يوم لكم ويوم لها، فأما اليوم الذي لكم فتزودوا ما شئتم،وأما اليوم الذي لها فاحلبوا منها ما شئتم، أي بدل الماء لكم لبن، لكن لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم. ثم بعد ذلك عقروها فعاقبهم الله ودمر عليكم، فهذا ممكن ورد السمع به فيجب الإيمان به. فلابد من أن يحترم الإنسان عقله ويقف عند حده ولا يهوس ولا يوسوس ولا يرتاب ولا يشك فهذه هي قدرة الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. والآن في عصرنا توجد مدرسة تسمى المدرسة العقلية، وهي حقيقة مدرسة ردية وليست بمدرسة للعقل بل مدرسة زوال العقل، ومدرسة خبل لا مدرسة عقل، ولا عقلاء تقول هذه المدرسة: (كل خارق للعادة ننفيه أو نؤوله بما يتمشي مع العقل) ، هكذا تقول مع أنه قد علمنا أن الخارق للعادة هو في الأصل ليس خارقاً للعقل وليس بمستحيل ولا يوجد بين خارق العادة والعقل معارضة ولا تضارب حتى نجمع بينهما بل نقول العقل يسلم والله على كل شيء قدير. وقالوا: لابد من جعل الإسلام بصورة تقبلها الأذهان في هذه الأيام. قلنا لهم: وماذا تفعلون بالخوارق الموجودة في القرآن أو السنة الصحيحة؟ قالوا: هذه سهلة مثلاً: 1- (اقتربت الساعة وانشق القمر) : يقول رشيد رضا ومحمد عبده: (وانشق القمر) أي ظهر الحق ووضح، وأما انشقاق القمر فهذه خرافة تتنافي مع العقل والإسلام لم يأت بهذه الأشياء لئلا يحرج الناس وهل النبوة لا تثبت إلا بخوارق العادة؟

2- (واضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) يقولون: حصل في البحر انحسار ثم عاد إلى مكانه وغرق فرعون وقومه، لكن لم يحصل بخارق من خوارق العادة أي لم يحصل بسبب ضرب موسى البحر بعصاه، قلنا لهم إذن كيف يحصل؟ قالوا: البحر فيه مد وجزر فلما وصل موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ومن معه إلى شاطئه حصل فيه جزر أي انحسر ماؤه، فسار نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذه سنة طبيعية دائمة الحصول في البحر، فإذن جف عندما وصل موسى لكن عندما تبعهم فرعون مد البحر نفسه فحصل فيه امتداد وغرق فرعون. ولكن هل يقبل هذا التأويل عقل؟ سبحان الله أنتم أردتم أن تمشوا هذه المعجزة مع العقل فأتيتم بما هو أغرب على العقل؟ فكيف سيحصل الانحسار والجزر ثم تمشي فيه المخلوقات ولا تغوص أرجلهم في المكان الذي كان فيه ماء، وانظر للسيل مثلا ً عندما يجف من وادٍ فيبقى الوادي أكثر من شهر ولا تستطيع أن تمشي فيه من أثر الطين والوحل، فكيف هذا الجيش بكامله سيمرون عليه كما قال تعالى (طريقاً يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى) . ثم لو سلمنا لكم أنه جف بطريق الانحسار والجزر، فكيف الحال مع جيش فرعون الذي كان وراء جيش موسى وما بينهما مسافة؟! كما قال قوم موسى إنا لمدركون فإذا انحسر البحر وتقدم فيه موسى 100 متر فإن فرعون وراءه وإلى أين سيفر موسى ما دام البحر أمامه لم ينحسر إلا جزء منه؟! بل لابد من جفاف البحر كله وهذا لم يحصل، وهذا على التسليم بقولكم. 3- (وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد) يقولون: الطير هو جيش والهدهد هو اسم أمير الجيش. 4- (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة) يقولون: وادي النمل هو اسم لوادٍ يسمى بهذا الاسم، قالت نملة: أي امرأة عرجاء واسمها نملة. وإنما قالوا كل هذا قالوا: لنخرج القرآن من هذه المعجزات التي لا تتمشى مع العقل فأتوا حقيقة بما لو ثبت لكان هو الذي لا يتمشى مع العقل.

إخوتي الكرام ... أول دعامة عندنا من دعامات الإيمان، الإيمان بالرحمن، فهل هذا غيب أم مشاهدة؟ بل هو غيب (الذين يؤمنون بالغيب) ، ولا يثبت للإنسان قدم في الإيمان إلا أن يؤمن بالغيب. فلم نأتي بعد بذلك ونشوش ونكثر اللغط حول هذه الأمور التي أخبرنا عنها العزيز الغفور الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون. وهذه المدرسة العقلية لها في عصرنا رواج وانتشار ويستقي من ضرعها المدعو محمد الغزالي جند جنوده وطياشته تحت ستار هذه المدرسة لمحاربة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بحجة أنه لا يتمشى مع العقل فكم من حديث في الصحيحين رواه ويقول لا يتنافى مع العقل. فمثلا: حديث مجيء ملك الموت إلى موسى – وهو في الصحيحين – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [جاء ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه فضربه نبي الله موسى فقلع علينه فذهب إلى ربه وقال، رب أرسلتني إلى عبد من عبادك لا يريد الموت، قال: اذهب إليه فليضع يده على مسك ثور – أي جلد ثور- فإن له بل شعره تغطيها يده سنة] ومعلوم أن موسى كان مما آتاه الله بسطة في جسمه، ويقول عنه صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء [كأنه من رجال أزد شنوءة] أي طويل جهيد ضخم، فالله أعلم كم سيكون حجم يده؟! وتتمة الحديث [قال ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال من الآن، قال من الآن] . ويقول هذا المدعو عن الحديث خرافة من الخرافات، أشبه بالخرافات المنقولة عن بني إسرائيل يقول هذا مع أن الحديث في أصح كتاب بعد كتاب الله، وهو البخاري ومن بعده مسلم. ثم يقول: فكيف يضرب موسى ملك الموت؟ وكيف يقلع عينه؟ وكيف لا يرغب موسى في لقاء الله؟

سبحان الله كل هذا لا وجود له في الحديث فمن أين أتيت به؟ كما أن موسى أعلى منزلة من ملك الموت عند الله، يضاف إلى هذا أن الأنبياء لا تقبض أرواحهم إلا بعد تخييرهم فجاء ملك الموت ليخير موسى وهذه للأنبياء خاصة ولذلك قال نبينا عليه الصلاة والسلام على المنبر: [إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين الآخرة فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر رضي الله عنه، قال الصحابة: علام يبكي هذا الرجل؟] وإنما بكى رضوان الله عليه لأنه علم أن هذا العبد المخير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذن الأنبياء لا يقبضون إلا بعد أن يخيروا، وإذا قبضوا يدفنوا في مكانهم، والأرض لا تأكل أجسادهم وأبدانهم إكراماً من الله لهم. فجاء ملك الموت إلى موسى فقال له: أمرني الله بقبض روحك إذا شئت – وقد كان في طبع نبي الله موسى حدة – كما ذكرت لكم وسأوضحه في الآيات السماوية التي حصلت لخير البرية عليه صلوات الله وسلامه في رحلة المعراج فضربه وهو كما قلنا أرفع منه منزلة وهل ضربه (¬1) في عالم الحقيقة أم في عالم المثال؟ ¬

_ (¬1) هل صح أن عمر رضي الله عنه قلع عين ملك الموت في قبره؟ لم يحصل هذا لعمر رضي الله عنه وأرضاه لكن النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في الصحيحين – يقول لعمر [ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك] أما أن عمر قلع عين ملك الموت فهذا لم يحصل ولم يقع.

بل كان هذا في عالم المثال، فملك الموت لم يأت لموسى بصورته الحقيقية، وكذلك كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في غير صورته، فكان يأتي بصورة دحية الكلبي أو في صورة أعرابي سائل وغيرها من الصور ولا يأتيه بصورته الحقيقية إذ أن صورته الحقيقية أن له ستمائة جناح، وملك الموت لو جاء بصورته الحقيقية لهدمت العمارات من رؤية صورته، فإذا جاء ملك الموت بصورة صديق لموسى وهذا من باب الغيب الذي نؤمن به ولا نبحث في كيفيته، فموسى له ومنزلة ورتبه على ملك الموت فضربه فقلع عينه المثالية وليس في هذا إشكال. وهذا كما لو ضربت شخصاً تحبه ويحبك، وقلعت عينه لكن في المنام ثم أخبرته في الصباح برؤياك فتراه، يقول لك لو قلعت عيني الأخرى، وهل ضربك عندي إلا أحلى من العسل وهذا مشاهد فإذا لوح موسى لملك الموت وضربه في عالم المثال فليس فيه منقصة، فهذا الضرب كان انفعال مؤقت وغضب ولا لأجل نفور منه. فذهب ملك الموت إلى الله جل وعلا فرد عينه المثالية التي قلت في عالم المثال دون تغير لحقيقة الأمر، ولا تسال عن كيفية هذا. ثم جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: إني مرسل من قبل الله بخبر ٍ آخر، فالله يقول لك إن شئت أن نقبض روحك الآن فقد انتهى أجلك، وإن شئت أن نمد في حياتك فلك ذلك لكن على أن تضع يدك على مسك ثور، فكم سنة ستعيشه يبارك الله لك فيها، فقال موسى: فبعدها؟ فقال له ملك الموت: لابد من الموت، فقال: فمن الآن، فقبض روحه وقال: اللهم قربني وأدنني من الأرض المباركة رمية حجر فيستحب إذن الدفن في الأرض الصالحة المباركة بجوار بيت المقدس وسيأتينا في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه عند الكثيب الأحمر قائماً يصلي في قبره، ثم قال: لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره الذي يصلي فيه نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام. فهل في فهم هذا الحديث على هذا المعنى إشكال؟ فإن قيل: كيف فعل نبي الله موسي هذا في عالم المثال؟

نقول: لأنه أعلى من الملك منزلة وله عليه، فله أن يعزره، كما أن للأستاذ أن يعزر أحد طلابه إذا لح عليه في الأسئلة، فله أن يعزره ولو كانت أسئلته كلها جيدة ولا منقصة في هذا للمعزر ولا للمعزر. وهذا قد كان في القديم، ولكن للأسف الآن ما عاد الطالب ليتحمل تعزيراً من أستاذه بل تراه يصول ويجول إذا قال له الأستاذ أو الشيخ اسكت أو ضغط على أذنيه، ونحو هذا من المتغيرات والله المستعان. (قصة أحد الطلاب الذين أرادوا تهذيب نفوسهم طلبوا العلم عند أحد المشايخ وألح عليه في طلبه، وبعدما قال له الشيخ كذبت – اختباراً له – اغتاظ الطالب وسب الشيخ ومن علمه وسب أهل الأرض جميعاً..إلخ القصة) . (قصة شيخنا الطحان مع شيخه الشنقيطي في شأن القنوت لما قال له كذبت، فماذا كان موقف شيخنا الطحان؟) فهنا عندما يضرب موسى ملك الموت فهل في هذا محظور أو إشكال، وهل هذه منقصة، ووالله لو ضربه في عالم الحقيقة لما كان عليه منقصة لأنه أرفع من ملك الموت. أوليس قد ضرب أخاه هارون وأخذ بلحيته ورأسه يجره إليه فهذا انفعال في وقت محدد زال أثره بعد ذلك. فانظر إلى أفكار هذه المدرسة العقلية الردية وانتبهوا منها. قد يقول قائل: لما جيء بالبراق – الذي ركبه نبينا عليه الصلاة والسلام – مع أنه بإمكان ربنا أن يسري بنبينا عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس دون البراق؟ نقول: فعل هذا لاعتبارين: الاعتبار الأول: تأنيس بالعادة عند خرق العادة، فقد جرت العادة عندما يدعوك أمير أو صاحب منصب أن يقدم لك مركوباً ويحضر لك عطية ويرسل من يخدمك من أجل أن يصحبك إلى بيته، فهذا مما جرت به العادة. فآنس ربنا نبيه بالعادة عند خرق العادة لئلا يكون الخارق من جميع الجهات، بل من جهة يأنس فيقدم له مركوب يركبه، ومن جهة أخرى هذا المركوب خرق للعادة وهذا واضح.

الاعتبار الثاني: ليكون أبهى وأفخم لنبينا المكرم عليه صلوات الله وسلامه عندما يسري به إلى بيت المقدس في صورة راكب. والراكب أعز وأبهى وأعلى مما لو أخذ إلى بيت المقدس في غير هذه الصورة، فلو نقل دون ركوب دابة فيكون قد وصل إلى بيت المقدس في صورة نائم مغمىً عليه، ولو قيل له: ضع خطوك من مكة إلى جهة بيت المقدس ففي خطوتين تصل إلى هناك فهذا يكون قد وصل في صورة ماش ٍ. وأيها أعز الراكب أم النائم أو الماشي؟ بل الراكب، وانظر إلى ربنا ماذا يقول عن أهل الجنة (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً) والذي سيق دوابهم لا هم، فيسق المتقون وهم يركبون الدواب، فإذن يدخلون الجنة وهم يركبون الدواب والنجائب – جمع نجيبة وهي السباقة من الخيل الكريمة العتاق – ليكون أعز لهم وأبهى، ولا يساقون لأن سوق الإنسان منقصة له. وهذا المعني أي معني الآية (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى..) يكاد يكون المفسرين مجمعين عليه وما خالف فيه إلا قليل، ولا يوجد أثر مرفوع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الدلالة، وهي أن المتقين تساق نجائبهم، لكن أخذ المفسرون هذا من قول الله تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً) قال ابن منظور في لسان العرب (4/480) الوفدهم الركبان المكرمون. وانظر إلى كلام الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره (15/285) يقول في حق الفريقين " وسيق بلفظ واحدة فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان كما يفعل بالأسارى والخارجين إلى السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل. وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين" وهذا هو الذي ذكره الإمام ابن كثير في تفسيره (4/65) ، وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفداً إلى الجنة.

وأما في حق الكفار فقال تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً) ، فهنا هم سيقوا ودفعوا كما يدفع المسجون المجرم في هذه الحياة لهم، كما قال تعالى: (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) ولذلك (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم) فيدفع أولهم على آخرهم، وآخرهم على أولهم كما يفعل بالمجرمين في هذه الحياة. ولذلك انظر إلى ما قاله الله عن أبواب الجنة وما قاله عن أبواب النيران: (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) فهذا لأبواب جهنم، أي تفتح بغتة وفجأة، فيساق ولا يدري إلى أن يذهب فلما يقترب منها تصيح وتفتح أبوابها فجأة وتلتهمهم. وقال عن أبواب الجنة (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) فتساق ركائبهم ونجائبهم التي يركبون عليها والجنة مفتحة أبوابها وهم ينظرون إليها فيطيرون شوقاً ويسرجون الدواب من أجل أن يصلوا إلى نعيم الكريم الوهاب، فإذن هنا الأبواب مفتوحة. ولذلك كان الجلوس عند الباب مذلة، والأمير عندنا في الدولة الإسلامية لا يغلق باباً ولا يتخذ حجاباً، لأنه لو فعل هذا لأذل الرعية، ولما وصل إليه وإلى مجلسه إلا أناس مخصصون. عن بصر نبينا عليه الصلاة والسلام بحيث رأى بيت المقدس وهو في مكة، وأي غرابة في هذا؟ وهذا ما تفيده رواية الصحيحين [فجلى الله لي] أي أظهر وكشف وبين. والأمور الثلاثة محتملة والعلم عند الله، فأي ذلك حصل حقيقة؟ لا يعلم ذلك إلا الله، وحقيقة هذه الآية أكبر شاهد على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام في دعواه أنه أسري به، وأنه رسول الله حقاً وصدقاً. الآية الثالثة:

وحصلت له في داخل المسجد الأقصى، جمع الله له الأنبياء من سمي منهم في القرآن ومن لم يسم من عهد آدم إلى عهده عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا عدتهم (124.000) جمعوا في تلك الليلة، ولما أقيمت الصلاة ليصلوا ركعتين تعظيماً لله تقدم جبريل بأخذ بيدي محمد عليه الصلاة والسلام وقدمه إماماً بهم – وهو أفضلهم وأكرمهم كما تقدم معنا وهو أفضل الخلق على الإطلاق – فصلَّى بهم ركعتين ثم بعد الصلاة جلس الأنبياء يتحدثون بفضل الله عليهم فكل واحد ألقى خطبة – إذن (124.000) خطبة ألقيت في تلك اللحظة – أثنى فيها على ربه وذكر ما من الله به عليه ثم ختم الخطب نبينا عليه الصلاة والسلام فقال في خطبته: إن الله بعثني رحمة للعالمين، وأرسلني للناس كافة بشيراً ونذيراً وأنزل علي القرآن فيه تبيان كل شيء وجعل أمتي خير الأمم وجعل أمتي وسطاً وأمتي هم الأولون والآخرون يوم القيامة – أي آخرون في الزمن، والأولون أي يوم القيامة – وشرح الله صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعلني فاتحاً وخاتماً، ففتح الله به آذاناً عمياً وقلوباً غلفاً وآذاناً صماً وهو خاتم النبيين فقال خليل الرحمن إبراهيم بهذا فضلكم محمد، وإبراهيم هو الذي يليه في الفضل وهو صاحب المرتبة الثانية بعد نبينا عليه الصلاة والسلام فاعترف أن هذا النبي هو أفضل أنبياء الله ورسله.

والحديث في ذلك وارد في المعجم الكبير للطبراني، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى بسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [ثم دخلنا المسجد فنشر الله لي الأنبياء من سمي ومن لم يسم – أي في القرآن – فصليت بهم ... ] وانظروا الحديث إخوتي الكرام في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/68) للإمام الحافظ ابن حجر الهيثمي، وهو غير ابن حجر الهيتمي، وغير ابن حجر العسقلاني العالم الحافظ المشهور فلا تخلطوا بين الثلاثة فالهيثمي توفي سنة 807هـ، والهيتمي من علماء القرن العاشر الهجري، والعسقلاني توفي سنة 852 هـ وهو تلميذ الهيثمي. أخوتي الكرام ... من هذا الكتاب (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) لو وزن بالذهب وقيل لطالب العلم اختر الذهب أو هو، لقال الطالب الحقيقي لو أعطيتموني عشرة أمثاله من ذهب، لما أخذتها وأخذت الكتاب. وهذا الكتاب في زوائد ستة كتب على ستة كتب، فإذا جمعت الستة مع هذا تكاد أن تكون جمعت السنة بأسرها وقل أن يخرج حديث عن هذه الكتب التي هي ستة مع هذا الكتاب. فهذا زوائد ستة كتب وهي مسند الإمام أحمد، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى والمعجم الكبير للطبراني، والمعجم الأوسط له والمعجم الصغير له أيضاً. على ستة كتب وهي البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي والترمذي، وابن ماجه (وفي الحقيقة قد جرى خلاف بين العلماء في عد الكتاب السادس من اصطلاح الكتب الستة) المشهور هل هو ابن ماجه وهو المشهور أو موطأ مالك كما هو في جامع الأصول لابن الأثير أو مسند الدارمي، والذي مشى عليه الهيثمي في مجمع الزوائد هو عد ابن ماجه) . الآية الرابعة من الآيات الأرضية: وحصلت له في بيت المقدس أيضاً، وتكررت في السماء فلن نعيد الكلام عليها عندما نصل إلى الآيات السماوية التي رآها خير البرية صلوات الله عليه وسلامه عندما عرج به. هذه الآية هي أنه قدم له أربعة أقداح:

وهذا خلاصة الروايات وبعد أن أذكرها لكم وحاصل ما فيها أرشدكم إلى مصادرها لترجعوا إليها لأن في بعض الروايات أنه قدم له قدحان، وبعضها ثلاثة أقداح وبعضها أنه حصل هذا في بيت المقدس وبعضها أنه حصل في السماء عند سدرة المنتهى. والمعتمد أنه تكرر عرض الآنية على نبينا عليه الصلاة والسلام مرة في بيت المقدس ومرة في السماء وكل مرة لها حكمة كما تقدم معنا في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات وكل مرة لها حكمة وهذا الأمر كذلك، ومجموع الآنية أربع لكن بعض الرواة قصر في الحفظ فذكر بعض هذه الآنية. الحاصل أن مجموع ما عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أربع آنية في حادثة الإسراء بعد أن ألقى كل نبي خطبته في بيت المقدس: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: [ثم جاءني جبريل بأربعة آنية، إناء فيه ماء،وإناء فيه عسل، وإناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، فقال: ألا تشرب يا محمد؟ عليه صلوات الله وسلامه] وكان سبب هذا الشرب وسبب عرض الآنية عليه هو لما حصل له من العطش في هذه الرحلة المباركة من مكة إلى بيت المقدس فإذن كان عرض الآنية عليه في الدنيا من أجل دفع الظمأ والعطش -[قال: فأخذت إناء الماء فشربت منه قليلا ً، فقال لي جبريل: لو ارتويت منه لغرقت وغرقت أمتك] والسبب في هذا أن الماء ليس كاللبن الذي هو شراب وغذاء، إذ أن اللبن غذاء الفطرة وأما الماء فهو دافع العطش والظمأ فقط فيأخذ الإنسان بمقدار دفع الحاجة فلو أخذ منه أكثر من المطلوب لآذى نفسه، ولو سلك الإمام طريق الأذى فالرعية سيسيرون وراءه، فأنت لو أخذت من الماء أكثر من حاجتك لنتج عن هذا أنك تغرق في شعب الدنيا وأوديتها وحطامها ولذائذها وتنهمك فيها وتعرض عن الآخرة وحاشاك من ذلك، إنما هذا على سبيل الافتراض البعيد ولغرقت أمتك أي لتبعت الدنيا وأعرضت عن الآخرة.

إذن الانهماك في الماء والأخذ منه فوق الحاجة يدل على ركون إلى الدنيا، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام أزهد خلق الله في حطام الدنيا وهو الذي يقول: [مالي وللدنيا إنما أنا كراكب قال تحت شجرة ثم راح وتركها] ، وقال في الحديث (قال) ولم يقل (نام) لأن القيلولة وقتها قصير من بعد الظهر إلى العصر بخلاف النوم، فإنه يكون طويلا ً لوقوعه في الليل، وهذا هو حال نبينا عليه الصلاة والسلام كان قليل النوم وكان يقوم الليل حتى تورمت قدماه، فإذا فرغت فانصب أي إذا فرغت من طاعة فانصب إلى طاعة أخرى وعملك جد متواصل وليس عندك كسل ولا فتور كما هو الحال في جامعاتنا الهابطة (4) شهور إجازة وعطلة، أي الطالب يصبح عاطلا ً، وطالب العلم الحقيقي لا يتوقف عن العلم إلا في مناسبات شرعها الإسلام كالعيدين، وما عداهما فلا ينبغي أن يتوقف عن العلم أو يعطى عطلة والله المستعان، فلا يوجد في قاموس المسلمين شيء اسمه عطلة لأن الله سبحانه يقول لنبيه ونحن له في هذا تبع (فإذا فرغت فانصب) ، فإذا فرغت من طاعة وعمل فانصب إلى عمل آخر ولا تظن أن العمل انتهى لأن الدنيا مزرعة الآخرة ولابد من غرس عمل متواصل، أما الحصاد ففي يوم الدين (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) والمزارع لا يعرف العطلة في موسم الزراعة، فذاك هو حال نبينا عليه الصلاة والسلام مع الدنيا. [وأما إناء العسل فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وشرب منه قليلا ً] وذلك لأن العسل شفاء كما قال تعالى (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) فإذن هو بمثابة الدواء والإنسان يأخذ منه بمقدار الحاجة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه غذاءً لشفاء البدن وصحته.

والعسل من آيات الله البارزة التي يخرج من هذا الحيوان وهي النحلة، قيل لبعض الصالحين: بأي شيء عرفت ربك؟ قال: بالنحلة قالوا: وكيف؟ قال: بأحد طرفيها تعسل وبالطرف الآخر تلسع، ومقلوب العسل لسع، أي عكس كلمة (عسل) خطاً (لسع) . وهذا من عظيم قدرة الله كيف يخلق المتضادات وليس المتناقضات في بدن واحد، ففيها سمية وفيها مادة حلوة عسلية، والعسل هذا من الأغذية المباركة وقد ثبت في سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم (4/200، 403) بسند صحيح كالشمس عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً، وروي موقوفاً عليه بإسنادين والموقوف له حكم الربع وفيه [عليكم بالشفاءين العسل والقرآن] أما القرآن فقوله تعالى دال على ذلك (قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) وهو – أي القرآن – لعقولنا كالشمس لأعيننا، وعين بلا أنوار لا ترى وعقل بلا وحي لا يهتدي، وهو لأرواحنا كالماء للسمك، فسمك بلا ماء لا يعيش وأرواح بلا قرآن ميتة (أومن كان ميتاً فأحييناه) (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) .

وأما العسل فهو الشفاء الثاني، وقد توصل من نحاسة بعض الأطباء ونكدهم وغلظ قلوبهم وفساد عقولهم في هذه الأيام أنهم يصفون الخمر علاجاً لبعض الأمراض؟ فهل يعقل أن تصبح أم الخبائث شفاءً والشفاء صار داءً؟ لكننا في عصر اختلت فيه الموازين من جميع جهاتها فصار الباطل حقاً والحق باطلا ً، وصار الكذاب صادقاً والصادق كذاباً، ونطق الرويبضة في أمر العامة وهو الحقير ابن الحقير؟ ، فإذن صار الشفاء وهو العسل في عصرنا داءً، وهذا العسل مثل التمر الذي هو أطيب طعام وأنفعه للبدن، ويقول الأطباء – وسيأتينا الإشارة له عند اللبن – لا يوجد غذاء فيه جميع ما يحتاجه الجسم إذا أخذه الإنسان لا يحتاج غيره إلا اللبن والتمر فقط، ولو عشت طول حياتك لم تأكل إلا لبناً وتمراً لعشت في أتم صحة وعافية، وقد كانت أهلة تمرُّ على بيوت النبي صلى الله عليه وسلم التسع ولا يوقد في بيته نار، فقال عروة: يا خالتي – عائشة – ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء. ولم تقل الأبيضان من باب التغليب وتعلق الصحة بالتمر، وجعلته أسود لأن غالب تمر المدينة أسود. [استطرد الشيخ في ذكر خبث الغرب في تحضيرهم للأغذية وأنهم لا يتورعون عن تنجيسها بغائطهم وبولهم ثم ذكر شيخ الإسلام مصطفى صبري آخر شيخ للإسلام لآخر دولة إسلامية وهو صاحب كتاب (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين) في أربع مجلدات، وصاحب كتاب (قولي في المرأة) رد فيه على قاسم أمين، الشاهد يقول شيخ الإسلام مصطفى صبري في كتابه (موقف العقل والعلم والعالم) لو أن الكفار صدروا إلينا عذرتهم رطبة لأكلناها، وهو كذلك، وما مرت فترة على الدولة الإسلامية ضربت فيها بالذل نحو أعداء الله إلا في هذا الأيام وهذا العصر)

فالعسل هو الشفاء والخمر هو الداء، وإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لأن نشرب زجاجة العسل كلها بل نشرب بمقدار الحاجة. ولذلك فقد شرب النبي صلى الله عليه وسلم ما يحتاجه فقط. [وأما اللبن فشرب منه نبينا صلى الله عليه وسلم وتضلع] أي حتى صار اللبن – والمقصود باللبن الحليب – في جميع ضلوعه وملأها بحيث ما بقي فيه مسلك، فتضلع كما يسن لنا أن نتضلع من ماء زمزم، أي لا يبقي في أضلاعك وبينها فجوة إلا ودخلها ماء زمزم، وآية ما بين المؤمنين والمنافقين التضلع من ماء زمزم وماء زمزم لما شرب له كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث بسند حسن وتقدم. فإذن كما تتضلع من ماء زمزم لأجل البركة، فاللبن تضلع منه نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه غذاء الفطرة، وهو شراب وطعام، وعليه يعيش المولود من بني الإِنسان في صغره فيبقى سنتين يرضع من ثدي أمه هذا ولا يأكل ولا يشرب غيره. إذن فإذا كنا على فطرتنا السوية فإننا نتزود من اللبن ولذلك أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى أدب ينبغي أن نحافظ عليه إذا شربنا اللبن لنخبر عن استقامة فطرتنا، وإذا أكلنا أو شربنا غيره نقول دعاءً آخر ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من أطعمه الله طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيراً منه، ومن أسقاه الله لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه] فلم يقل هنا وارزقنا خيراً منه بل قال وزدنا منه، بينما ذكر في الأول وارزقنا خيراً منه لأن كل طعام هناك ما هو خير منه وأنفع وأطيب ثم قال: [فإني لا أعلم ما يجزيء عن الطعام والشراب إلا اللبن] فلا تقل إذا شربت لبناً وارزقنا خيراً منه. ولأجل ذلك تضلع النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن، وما بقي بين ضلوعه مسلك لدخول قطرة من شراب، [فقال له جبريل: هديت الفطرة] .

[وأما الخمر فما مد نبينا صلى الله عليه وسلم يده إليه أبدا ولم يشرب منه] . وقد يقول قائل: ولم لم يشرب منها وهذه من خمر الجنة التي لا تسكر وليست من خمر الدنيا المسكرة بل هي من نهر الخمر الذي يجري في الجنة مع الأنهار الأخرى التي تخرج من أصل سدرة المنتهى؟ نقول: حتى لا يقوم مقام تهمة، وحتى لا يقف موقف تهمة، لأن لفظها واسمها خمر والخمر محرمة في الدنيا على هذه الأمة وحتى لا يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر رغم أنها طاهرة وتلك مسكرة إلا أن الناس والعامة لا تعرف هذا ولا تدركه ولو عرفته لبقي في نفسها شيء نحو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فلأجل أن يحصل التذرع بفعل النبي صلى الله عليه وسلم – الذي هو حقيقة لا إشكال فيه لو فعله – إذا شرب الخمر، فما شربها صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك [فقال له جبريل: لو شربت الخمر لغويت وغَوِيَتْ أمتك] ، وفي رواية [قال له: لما اتبعك أحد] لأنهم سيتوسعون ويخرجون عن دين الحي القيوم فيقولون نبينا شرب الخمر فنحن أيضاً نشربها مع اختلاف الخمرين لكن العامة لا تدرك هذا ولا تعيه. إخوتي الكرام ... العلماء ينظر إليهم العامة دائماً ويقتدون بهم، فالعالم إذا توسع في المباح توسع العامة في المكروهات، وإذا توسع في المكروهات توسعوا في المحرمات فإذا وقع العالم في الحرام كفرت العامة فتنبهوا لهذا رحمكم الله.

لذلك لا يجوز للمؤمن أن يقوم مقام تهمة أو أن يقف موقف ريبة، فمثلا ً إذا ذهب طالب العلم إلى مكان ريبة، ومكان فساد كشواطئ البحار ولكن ابتعد عن مكان الفساد وصد وجهه عن المفسدين فهذا في الحقيقة ليس عليه وزر أو إثم لكن لو رآه الناس موجوداً في هذا المكان لبدأوا باتهامه، ولو كان يجلس بعيداً لأن الناس لا تعذر، فكان الواجب على هذا الطالب أن لا يذهب إلى هذا المكان المحدد أو في هذا الوقت بل يحاول أن يتجنب مثل هذه الأوقات والأماكن حتى لا يتكلم عليه الناس ولا يتذرع العامة بفعله. فمن أقام نفسه مقام ريبة وتهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقمن مقام تهمة وريبة – هذا ليس بحديث ولكن معناه صحيح – وقد وردت أحاديث بهذا المعنى منها في الصحيحين [فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه] ودلَّ عليه حديث في المستدرك وسنن الترمذي وغيره بسند صحيح عن عطية السعدي: [لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس] . فيحتاط نبينا عليه الصلاة والسلام – وهو إمامنا في الاحتياط والورع – لم يمد يده إلى الخمر مع أنها طاهرة وحلال ومنعشة ونافعة سنشربها في الآخرة حتى لا يتذرع العامة بفعله إذا شربها. وهذه الآنية عرضت على نبينا عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس – كما ذكرنا – لدفع العطش وعرضت عليه فوق السموات العلا عند سدرة المنتهى من باب الضيافة والكرم، فلما رأى هذه الأنهار الأربعة تنبع من أصل سدرة المنتهى قدم له من كل نهر إناء فيه من ذلك النهر. وحاله في السموات كحاله في الأرض فشرب من الماء قليلا ً، والعسل قليلا ً، واللبن تضلع منه وأما الخمر فما مد نبينا عليه الصلاة والسلام يده إليه أبداً. ومن رأى نفسه في المنام وهو يشرب لبناً فليحمد الله، لأن هذه الرؤيا تدل على أمرين: (1) أنه على الفطرة والدين المستقيم. (2) أن الله سيمنحه العلم النافع العظيم.

وفي صحيح البخاري في كتاب التعبير بوب البخاري باباً بهذا الخصوص، فقال: باب اللبن في النوم، ثم ساق الحديث إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [بينما أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من تحت أظافري، ثم أعطيت فضلي عمر، قال فما أولت ذلك يا رسول الله، وقال: العلم] وعمر هو سيد المُحَدِّثين والْمُلْهَمِيْنَ في هذه الأمة فلا غرابة. وثبت في مسند البزار بسند فيه ضعف ويشهد له ما تقدم والحديث في مجمع الزوائد (7/183) في كتاب تعبير الرؤى، باب اللبن في المنام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [اللبن في المنام فطرة] . وفي حديث البخاري السابق منقبة لعمر وقد حصلت منقبة أخرى له في صحيح البخاري أيضاً في كتاب العلم يقول نبينا عليه الصلاة والسلام [رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قُمُص – جمع قميص وهو ما يلبسه الإنسان، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض عليَّ عمر بن الخطاب في ثوب يجره، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال الدين] . الآية الخامسة: وهي من الآيات الأرضية، وهي ما رآه صلى الله عليه وسلم في طريقه من مكة إلى بيت المقدس. فقد رأى آيات عظيمة وهي كثيرة كثيرة كثيرة ولا أريد التوسع فيها، لكن ارجعوا إلى مجمع الزوائد (1/65) فما بعدها وانقلوا هذه الآيات واكتبوها مع هذا المبحث وانظروا في فتح الباري (7/199) فما بعدها وانظروا في جامع الأصول (11/310) . وسأقتصر هنا في شرحي على آيتين والباقي تأخذونه من هذه الكتب فإنه كثير كثير: 1- الآية الأولى: ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مررت ليلة أسري بي على موسى في قبره عند الكثيب الأحمر- وهو التلة من الرمل – وهو قائم يصلي] .

وقد كنت أشرت سابقاً إلى أن أجساد الأنبياء في قبورهم لا تتغير، وهم أحياء فيها حياة يعلمها الله، ولا نعلم كيفيتها، ويكرمهم الله بكرامات عظيمة كما كان يكرمهم في حياتهم، من هذه الكرامات أن نبي الله موسى كان يصلي في قبره، ورآه نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي في قبره، فإن قيل: كيف هذا؟ نقول: قلنا إن حادثة الإسراء والمعراج معجزة ونبي الله موسى في عالم البرزخ، فالاطلاع عليه هذا من باب خرق العادات والممكنات التي أكرم الله بها خير البريات عليه صلوات الله وسلامه. وقال النبي صلى الله عليه وسلام لأصحابه لما ذكر لهم ذلك [لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره] ، أي لو كنت أنا وأنتم في ذلك المكان لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر عند البلاد المباركة. فهذه آية نؤمن بها وهي من الإيمان بالغيب الذي نؤمن به ونكل علم معرفته إلى خالقه. 2- الآية الثانية: وإنما اخترتها وأردت ذكرها لما فيها من غبرة وعظة، وهي إذا كانت المرأة تصل عزيمتها إلى هذا الحد، فالرجل ينبغي أن يستحي من الله وأن تكون عزيمته – على الأقل كعزيمتها – لا أقل منها. فهذه الكرامة التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام لامرأة صالحة ضعيفة مستضعفة وهذا كله من باب الاطلاع على ما في عالم البرزخ من عذاب أو نعيم، وعالم البرزخ لا يمكن أن نعلمه إلا عن طريق وحي صادق، فإذا نطق من لا ينطق عن الهوى آمنا به وصدقناه. ثبت في مسند الإمام أحمد والبزار والمعجم الكبير للطبراني والمعجم الأوسط له أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [مررت ليلة أسري بي بوادٍ فإذا فيه ريح طيبة، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها] . س: ما السبب في حصول هذه الكرامة لها؟

جـ: [كانت تسرح شعر ابنة فرعون وتمشطه فسقط المشط من يدها، فقالت باسم الله، فقالت هذه العاتية ابنة فرعون: أبي] أي باسم أبي الذي هو إله فالله يعني أبي، لأنه قال: أنا ربكم الأعلى، وكان رباً – كما يدعي – لأن الأنهار تجري من تحته، فتقول له يا منحوس، من الذي أجرى الأنهار من تحتك؟ فإنك تفتخر بملك غيرك، وتفتخر بنهر أجراه غيرك هل أنت الذي أجريتها وهل أنت الذي شققتها؟ إن هذه الأنهار التي تجري من تحتك عما قريب ستجري من فوقك وكل من ادعى دعوى قتله الله بدعواه. يقول أئمتنا احذروا الدعوى، هي بلوى وإن صحت، فلا تقل أنا أحفظ وأنا أعلم كذا، فإنك حتى ما قلت (أنا) استوجبت الخزي بل الواجب أن تقول هذا بفضل الله وبرحمته ولذلك قال الله في الحديث القدسي: [فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] ، (وما بكم من نعمة فمن الله) فهو الذي وفق. ولذلك العاتي النمروذ عندما تكبر وتجبر وقال أنا أحيي وأميت، أماته الله بأضعف جنده ببعوضة فقط، فدخلت إلى دماغه من أنفه، وبدأت تدور في رأسه فكان يجمع حاشيته وأصحابه ويعطيهم الأحذية الكبيرة الثقيلة ويقول لهم أخفقوني على رأسي لأجل أن تموت هذه البعوضة، فكان وزراؤه يضربونه – وقد كانت البعوضة تخمد عندما يأتيها الضرب فتقف ولا تتحرك، فإذا توقفوا عن الضرب بدأت بالحركة والطيران داخل دماغه حتى قتل ضرباً بالأحذية، فأنت يا من تقول بأنك تحيي وتميت لم تستطع أن تميت بعوضة، فإذن كل من ادعى بدعوى قتله الله بدعواه. قال هارون الرشيد لمحمد بن السماك – وكان من العلماء الواعظين الصالحين – إذا كان الله حكيماً وخلق كل شيء لحكمة فعلام خلق الذباب؟ فقال: ليذل به الملوك يا أمير المؤمنين، أي أنت يا أمير المؤمنين لا يدخل عليك أحد إلا باستئذان إلا الذباب فإنما يدخل من غير استئذان.

[فالماشطة سقط المدرا (المشط) من يدها فقالت باسم الله، قالت ابنة فرعون: أبي قالت: لا ربي وربك ورب أبيك، فقالت: أأخبر أبي بذلك؟ قالت: أخبريه، فأخبرته، فدعاها فرعون فقال لها: ألك رب غيري؟ ، قالت: نعم، ربي وربك الله، فأمرها أن تحضر هي وأولادها وقال: إما أن ترجعي عن دينك وتدخلي في ديني وتؤمني بأنني أنا الله الرب وإما أن أقتلك، فقالت، اقتلني بما شئت ولكن لي طلب عندك، قال: لك ما تريدين، قالت: إذا قتلتني فاجمع بين عظامي وعظام أولادي وادفنا في قبر واحد، فقال: لك ذلك] فوافق على ذلك لما لها عندهم من المنزلة والمكانة إذ أنت من خدم البيت ومن الحاشية لكن لأنك خرجت عن الدين فلابد لك من القتل. [فأتي بنقرة من نحاس] وهي الحلة الكبيرة والقدر الواسع بحجم الغرفة بل البيت وهذه هي التي عذب بها النصارى في بلاد الأندلس المسلمين لما سقطت الأندلس، فقد كانوا يأتون بهذه القدور – النقرة – ويضعون تحتها ناراً حتى يحمى الماء فيها ويغلي غلياناً عظيماً، ثم يؤتى بالمؤمن، ويقال له إما أن ترجع عن دينك وإما أن نلقيك فيها وهم أفواج فلا يرجع عن دينه ثم يأتي بالثاني ويخير وهكذا وما يصدهم ذلك عن دين الله رغم ما يرونه من العذاب الشديد لدرجة أن هذا الماء من حرارته يذوب فيه اللحم والعظم فلا يبقي للمؤمن أثر فيه ولكنهم يثبتون على إيمانهم. (قصة أحد المشايخ الذين حاولوا دخول مسجد قرطبة الذي صار كنيسة وكيف منعهم القسيس من دخوله – إلخ القصة) [فأحماها وبدأ يضع أولادها واحداً بعد واحد فيها وهي تصبر وتحتسب حتى ألقاهم جميعاً وبقي بين يديها ولد صغير لازال رضيعاً في المهد فأشفقت عليه وخافت، فلما أخذوه منها ليلقى في هذه النقرة ارتاعت وتغيرت، وفظن فرعون أنها سترجع عن دينها شفقة على ابنها الصغير، فقال هذا الغلام الصغير: يا أماه إنك على الحق فاصبري وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة]

قال نبينا عليه الصلاة والسلام: [لم يتكلم في المهد إلا أربعة ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وعيسى عليه السلام، وصاحب جُريج] وصاحب جُريج هذا حديثه في الصحيحين وهو عابد وراهب [عندما كان يصلي دعته أمه فقال اللهم أمي وصلاتي] ولو كان فقيهاً لأجاب أمه لأنه إذا دعتك أمك وأنت في نافلة فاقطع النافلة وأجب أمك لأن إجابتها فريضة والنافلة سنة لك أن تقطعها. [ثم قالت: يا جُريج، فقال: اللهم أمي وصلاتي، ثم قالت: يا جُريج (للمرة الثالثة) فقال: اللهم أمي وصلاتي فقالت أمه: والحمد لله أنها لم تدع عليه بغير هذا – اللهم لا يموت جُريج حتى يرى وجوه المياميس – أي الزانيات – وكان هناك راع يرعى الغنم وهناك امرأة بغي اتصل بها هذا الراعي عن طريق الحرام وأحبلها قيل لها من أين هذا؟ قالت: من جُريج العابد الذي يعبد ربه في هذه الصومعة، فغضب بنو إسرائيل وحملوا المعاول والعصي وجاءوا إلى صومعته فهدموها، فقال لهم ماذا تفعلون؟ قالوا: تدعي أنك عابد راهب معتدل ثم بعد ذلك تعتدي على هذه المرأة، فقال: أين الغلام؟ فقيل له هذا، فأتى إليه جُريج ونقر على بطنه وقال: من أبوك يا بابوس؟ قال: فلان الراعي، فأكب الناس على قدمي جُريج يقبلونها ويقولون له نبني لك صومعة لبنة من ذهب ولبنة من فضة فقال: بل أعيدوها كما كانت] . لكنه رأي وجوه المياميس رأى هذه المرأة التي وجهها منكر فيه هذا البلاء والغضب لأنه ما أجاب أمه، حذار حذار أن يدعو عليك أحد والديك إذن فهؤلاء تكلموا في المهد. [فلما قال لها الغلام هذا طرحت الولد في النقرة ثم أخذوها وألقوها مع أولادها فاحترقوا جميعاً فجمع فرعون – عليه لعنة الله – عظامهم (¬1) ¬

_ (¬1) كيف شم النبي صلى الله عليه وسلم رائحة قبرها مع أن طريق الرحلتين لا يمر على مصر فكيف كان هذا وبماذا يفسر؟ لا يلزم من شم نبينا عليه الصلاة والسلام لتلك الرائحة الزكية الطيبة في رحلته أن يكون قبر الماشطة وأولادها في طريق النبي عليه الصلاة والسلام فقبرها وقبر أولادها في بلاد مصر إخوتي الكرام ... كما قلنا هذه من أحوال البرزخ التي أطلعها الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: ولتوضيح الأمر: ألم ير النبي صلى الله عليه وسلم في طريق رحلته أناساً تقرض ألسنتهم وشفاههم مقاريض من نار، ثم قال من هؤلاء يا جبريل؟ فقال له: هؤلاء خطباء الفتنة. وهؤلاء لم يوجدوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سيوجدون بعده وسيخطبون لكنهم عرضوا عليه في هذا الوقت وكذلك رأى عذاب من يتثاقل عن الصلاة والصلاة إلى ذلك الوقت لم تفرض ورأى عذاب من لا يؤدي الزكاة والزكاة لم تفرض إلى ذلك الوقت، فإن قيل: كيف هذا؟ نقول: هذا من باب إطلاع الله لنبيه عليه الصلاة والسلام على مغيب وقع أو سيقع، وكذا قبر ماشطة فرعون لم يكن في طريقه لكن أطلعه الله عليه وأشمه رائحته. إذن فلا يشترط فيمن رآهم يعذبون أن يكونوا في طريق رحلته بل هذا كله من خوارق العادات ومن إطلاع الله لنبيه عليه الصلاة والسلام لبعض المغيبات ولا إشكال في هذا. ولذلك فبالنسبة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام عندما جمعهم الله في بيت المقدس وجمع له بعضهم في السموات العلا هل كان الاجتماع بأرواحهم أم بأرواحهم وأجسادهم؟ ذكر الحافظ ابن حجر الأمرين قيل. بعثوا من قبورهم من جميع أقطار الدنيا وقيل أرواحهم تشكلت في بيت المقدس قلت: السكوت في هذه المواطن من ذهب لأنها من أمور الغيب. وأمور الغيب إذا لم نطلع عليها فنؤمن بها دون البحث في كيفيتها، إذا جمع الله أجسادهم فهو على كل شيء قدير وإذا شكل الله أرواحهم فهو على كل شيء قدير ولا يجوز مطلقاً أن نفهم ما يجري في البرزخ على حسب ما يجري في الدنيا فهذا الدار لها أحكام وقوانين خاصة. فنحن في الدنيا الأحكام من عذاب ونعيم تقع على البدن فقط والروح تتأثر بذلك تبعاً للبدن لا أصلا ً وفي البرزخ على العكس تماماً فالنعيم والعذاب يقع أصالة على الروح، والبدن يشعر بذلك تبعاً. وفي الآخرة فهذه أكمل الدور – فالأحكام من عذاب ونعيم يقع أصالة على الروح والبدن كل واحد يشعر بعذاب ونعيم دون تبعية لغيره، (مثل ضربه الشيخ باستعمال ميزان البصل في وزن الذهب) فلكل شيء موازين خاصة فإياك أن تقيس البرزخ على الدنيا، وإياك أن تقيس الآخرة على البرزخ.

ودفنهم في قبر واحد] ولذلك فهؤلاء لهم ذلك النعيم العظيم لهم في البرزخ فبمجرد أن دفنوا حصلت لهم تلك الرائحة الشذية العطرية الطيبة من قبرهم في ذلك. فإذن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به شم هذه الرائحة الطيبة من ماشطة ابنة فرعون ومن أولادها الذين قتلوا معها. إخوتي الكرام ... هذا حال الحق عندما يدخل القلوب سواء كانت عند ذكور أو عند إناث، فانظروا إلى ثبات هذه المرأة على الحق وعدم مبالاتها بأطغى أهل الأرض في ذلك الوقت هو فرعون وماذا يملك فرعون وغيره من الجبابرة؟ هل يملك أكثر من قطع الرقبة؟ لا، ولكن الحال كما قال السحرة لفرعون (فاقض ما أنت قاض ٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) . أما غير هذا فليس في وسع أحد أن يفعله. ثم إن الموت سيصير إليه القاتل والمقتول، فهل سلم فرعون من الموت، وهل الأنبياء سلموا من الموت؟ لا، فهل في موتي منقصة لي؟ وليس القوي الذي يخاف من موت بدنه، إنما القوي الذي يخاف من موت القلب، فالقلب إذا مات هنا الطامة، وهذا الذي يوجب غضب الله والخسران للأبد أما موت البدن فما الذي يُخوِّف منه؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [تحفة المؤمن الموت] ، فالمسلم إذا مات انتقل من عناء إلى لقاء رب الأرض والسماء، انتقلت من شدة وبلاء إلى نعيم ورخاء. فإذا مت فماذا في هذا؟!! ووالله إن نعمة الله علينا بالموت أعظم من نعمته علينا بالحياة، فإذا مت انتقلت من دار إلى دار، ولذلك للإنسان ثلاث دور الدار الأولى: الدنيا وفي الدنيا دور متعددة أولها بطن الأم فهذا وإن سكنته وخرجت منه، ثم هذه المساكن التي تسكنها الله أعلم بعددها تسكن في الشام في مصر في لبنان في مصر في استراليا العلم عند الله. الدار الثانية دار البرزخ، وهي أوسع من دار الدنيا وأحسن منها بكثير ثم أكمل الدور وأتمها وهي الدار الثالثة دار الآخرة.

فإذن الانتقال إلى البرزخ بالموت كالانتقال من رأس الخيمة إلى مصر ولا فرق هنا عباد وهناك عباد قال تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) فهل يشترط أن نقيم في رأس الخيمة؟ كلا، إذن فكذلك لا يشترط أن نقيم في الحياة فأنت في كنف الله ورعايته إن كان في الدنيا تقوم بالواجب عليك، وإن كان في البرزخ فلا واجب عليك بل يكرمك الله جل وعلا بكرامات لا تخطر على بال وإن كان في الآخرة فرحمتُهُ أوسع وأوسع. فالمؤمن إذن لا يخاف الموت بل إنه يفرح بالموت وكان عدد من الصالحين إذا جاءهم الموت يقولون: حبيب، جاء على فاقة، لأننا في الدنيا نتألم كما يتألم الكفار لكن في النتيجة نختلف، فنحن يأتينا الموت راحة وهم ينتقلون من عذاب إلى عذاب أشد (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون) وهذه الآية في المعارك فنحن نرجو الشهادة وهم يرجون عرضاً من الدنيا ولو لم يكن في الدنيا تعب إلا إدخال الطعام وإخراجه لكفى، فعندما يمضغ ويأكل في اليوم مرتين أو ثلاثاً، ثم يجلس في الخلاء في صورة يستحي منها أفليس في هذا تعب؟ وهذا غير ما يحصل لك من نكد أو تعب أو إيذاء في هذه الدنيا، وكذلك فأنت تملأ وتفرغ وتملأ وتفرغ وهكذا ولذلك كان بعض الصالحين يقول: أشتهي أن يجعل الله رزقي في حصاة أمصها والله استحيت من ربي من كثرة دخولي الخلاء. وهذا الطعام الذي يدخل إلى جوفك لو كشف للناس عنه لهربوا من نتن ريحه ولذلك أنت أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وفيما بينهما تحمل العذرة

فهذا تعب ما بعده تعب فإذا من الله عليك بدار البرزخ ثم بالجنة، ليس هناك عناء ولا بلاء ولا حدث ولا مخاط ولا بصاق،والطعام والشراب يخرج منك على هيئة رشح من جبينك أطيب من المسك ولذلك كل الطعام هناك ليس من باب حفظ البدن من تلف أو لحاجته لطعام، إنما من باب التلذذ والتفكه كما قال تعالى: (وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون) وقال: (وأمددناهم بفاكهة) فسماها فاكهة. فإذن ماتت ماشطة ابنة فرعون وعذبت فماذا جرى لها؟ ثم انظر لهذه الكرامة بتعجب نبينا عليه الصلاة والسلام لطيب رائحتها. لذلك هذا المسلك الذي سلكته هذه المرأة الصالحة يجب أن يسلكه الذكور والإناث بلا استثناء. ولله الحمد توجد من هذه النماذج في عصرنا (قصة الطالبة الصالحة في أبهى التي كانت تشترط على من يتقدم لخطبتها ألا يدخل تليفزيوناً أو منكراً للبيت: إلخ القصة) . وهذا ما رآه نبينا عليه الصلاة والسلام في رحلته المباركة مما كشف الله له أطلعه عليه مما يكون في عالم البرزخ مما كان قد حصل – من الذنوب – والذنوب التي ستحصل وأطلعه عليها قبل وقوعها. وهذا كما أطلعه الله – عندما كان في المدينة والحديث في الصحيحين – مثل عذاب رجلين حيث قال صلى الله عليه وسلم: [إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ (وفي رواية يتنزه) من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة] . هاتان آيتان شرحناهما مفصلتين والآن نذكر جملة من الآيات التي وقفنا عليها في الكتب التي ذكرت في أول هذا المبحث في أول الحديث عن الآية الخامسة، وسنذكر هذه الآيات على وجه الإيجاز والاختصار مع ذكر مرجعها: 3- الآية الثالثة: مر صلى الله عليه وسلم على قوم يزرعون في يوم ويحصدون ي يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) .

4- الآية الرابعة: ومر صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ (تدق تكسر) رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت رؤوسهم عن الصلاة. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) . 5- الآية الخامسة: مر على قوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع والزقوم ورضف جهنم (أي حجارتها المحماة) ، قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم (أي لا يزكون) ، وما ظلمهم الله، وما الله بظلام للعبيد. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) . 6- الآية السادسة: مر على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضيج، ولحم آخر نيئ خبيث فجعلوا يأكلون الخبيث ويدعون النضيج الطيب، قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الرجل من أمتك يقوم من عند امرأته حلالا ً، فيأتي المرأة الخبيثة فيبيت معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا ً طيباً فتأتي الرجل الخبيث فتبيت عنده حتى تصبح. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) . 7- الآية السابعة: مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة من حطب لا يستطيع حملها ثم هو يريد أن يزيد عليها، فقال: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة الناس لا يستطيع أداءها ثم هو يزيد عليها ويطلب آخر. انظر: مجمع الزوائد (1/68) ، فتح الباري (7/200) . 8- الآية الثامنة: مر على قوم تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل، ما هؤلاء؟ قال: خطباء الفتنة. انظر: مجمع الزوائد (1/68) ، فتح الباري (7/200) . 9- الآية التاسعة: مر على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فيريد الثور أن يدخل من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: ما هذا يا جبريل؟ ، قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة فيندم عليها فيريد أن يردها فلا يستطيع.

انظر: مجمع الزوائد (1/68) ، فتح الباري (7/200) . 10- الآية العاشرة: أتى صلى الله عليه وسلم على وادٍ فوجد ريحاً طيبة ووجد ريح مسك مع صوت، فقال: ما هذا؟ قال: صوت الجنة تقول يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثر غرسي وحريري وسندسي وإستبرقي وعبقري ومرجاني وقضبي وذهبي وأكوابي ومما في وأباريقي وفواكهي وعسلي وثيابي ولبني وخمري، ائتني بما وعدتني، قال: لك كل مسلمة ومسلم ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحاً ولم يشرك بي شيئاً ولم يتخذ من دوني أنداداً فهو آمن ومن سألني أعطيته ومن أقرضني جزيته ومن توكل علي كفيته إني أنا الله لا إله إلا أنا لا خلف لميعادي، قد افلح المؤمنون، تبارك الله أحسن الخالقين فقالت: قد رضيت. انظر (1/68) . 11- الآية الحادية عشرة: أتى صلى الله عليه وسلم على وادٍ فسمع صوتاً منكراً، فقال: يا جبريل ما هذا الصوت؟ ، قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغساقي وغسليني وبعد قعري واشتد حري، ائتني بما وعدتني، قال: لك كل مشرك ومشركة وخبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت. انظر المجمع (1/68) . 12- الآية الثانية عشرة: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم – وهو راكب البراق – إلى أرض ذات نخل فقال جبريل: انزل، فنزل، ثم قال: صل، فصلى، ثم ركب فقال له: أتدري أين صليت؟ ، قال الله أعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة، وإنها المهاجرة. انظر المجمع (1/73) ، الفتح (7/199) . 13- الآية الثالثة عشرة: ثم بلغ أرضاً بيضاء فقال له: انزل، فنزل، ثم قال له: صل فصلى ثم ركب، فقال له أتدري أين صليت؟ قال: الله أعلم، قال صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى، وفي رواية: صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى عليه السلام. انظر المجمع (1/73) ، الفتح (7/199) .

14- الآية الرابعة عشرة: ثم قال له جبريل انزل، فنزل فقال صل، فصلى، ثم ركب فقال له: أتدري أين صليت؟ ، قال: الله أعلم، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى بن مريم. انظر المجمع (1/73) ، الفتح (7/199) . 15- الآية الخامسة عشرة: مر النبي صلى الله عليه وسلم في أرض غمة (ضيقة) منتنة، ثم أفضى به المسير إلى أرض فيحاء طيبة، فقال: يا جبريل كنا نسير في أرض غمة نتنة ثم إلى أرض فيحاء طيبة فقال تلك أرض النار وهذه أرض الجنة – وفي رواية: تلك أرض أهل النار وهذه أرض أهل الجنة. انظر المجمع (1/74) . 16- الآية السادسة عشرة: أتى على رجل قائم فقال من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. انظر المجمع (1/74) ، الفتح (7/199، 200) . 17- الآية السابعة عشرة: ثم سار فسمع صوتاً فأتى على رجل فقال: من هذا معك؟ قال هذا أخوك محمد صلي الله عليه وسلم فسلم ودعا لي بالبركة وقال سل لأمتك التيسير، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى صلى الله عليه وسلم. انظر المجمع (1/74) الفتح (7/199، 200) . 18- الآية الثامنة عشرة: ثم سار صلى الله عليه وسلم، فرأى شيئا، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال هذه شجرة أبيك إبراهيم، فقال: أدنو منها؟ قال: نعم، فدنا منها فرحب ودعا لي بالبركة. انظر المجمع (1/74) ، الفتح (7/199، 200) . 19- الآية التاسعة عشرة: رأى الدجال فقال: وأراني – أي جبريل – الدجال ممسوخ العين اليمنى شبهته بِقَطَن بن عبد العزي. انظر المجمع (1/75) . 20- الآية العشرون: عرض له رجل عن يمين الطريق – في ذهابه إلى بيت المقدس – فجعل يناديه يا محمد إلى الطريق – مرتين – فقال له جبريل امض ولا تكلم أحداً، ثم أخبره أن الرجل الذي عرض له عن يمين الطريق هم اليهود دعته إلى دينهم. انظر المجمع (1/77) .

21- الآية الحادية والعشرون: عرض له رجل عن يسار الطريق، فقال له: إلى الطريق يا محمد فقال له جبريل: امض ولا تكلم أحداً، ثم قال له جبريل: تدري من الرجل الذي دعاك عن يسار الطريق؟ قال: لا، قال: تلك النصارى دعتك إلى دينهم. انظر المجمع (1/77) . 22- الآية الثانية والعشرون: عرضت له امرأة حسناء جميلة، فقال له جبريل: هذه المرأة الحسناء هي الدنيا دعتك إلى نفسها. انظر المجمع (1/77) ، ووقع في الفتح (7/199) أنه مر بامرأة عجوز فقال له جبريل هذه الدنيا. 23- الآية الثالثة والعشرون: مر بشيء يدعوه متنحياً عن الطريق، فقال له جبريل: سر، ثم قال له: الذي دعاك هو إبليس. انظر الفتح (7/199) . 24- الآية الرابعة والعشرون: مر بقوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقال هم هؤلاء يا جبريل، قال هؤلاء أكلة الربا. انظر الفتح (7/200) ، المجمع (1/66) . 25- الآية الخامسة والعشرون: مر بقوم مشافرهم (شفاههم) كالإبل يلتقمون حجراً فيخرج من أسافلهم، فقال له جبريل: هؤلاء آكلة أموال اليتامى. انظر الفتح (7/200) . 26- الآية السادسة والعشرون: لما دخل المدينة التي فيها بيت المقدس من بابها الثامن أي قبلة المسجد فربط دابته ثم دخل المسجد من باب فيه مثل الشمس والقمر. انظر المجمع (1/73) . 27- الآية السابعة والعشرون: مر بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيراً لهم فسلم عليهم وقال بعضهم لبعض: هذا صوت محمد، وحاجه المشركون في مكة لما أخبرهم الخبر فقال لهم: مررت بعير لكم في مكان كذا قد أضلوا بعيراً لهم وأنا مسيرهم لكم ينزلون بكذا ثم يأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوتان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حتى كان قريباً من نصف النهار، أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر المجمع (1/73، 74، 75) الفتح (7/200) .

28- الآية الثامنة والعشرون: لما أخبرهم بخبر الإبل السابقة، قالوا له: هل مررت بإبل لبني فلان؟ ، قال: نعم وجدتهم في مكان كذا وكذا قد انكسرت لهم ناقة حمراء فوجدتهم وعندهم قصعة من ماء فشربت ما فيها، فقالوا: أخبرنا ما عدتها وما فيها من الرماة، قال: قد كنت عن عدتها مشغولا ً فقام فأتى بالإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاة ثم أتى قريشاً فقال لهم: سألتموني عن إبل بني فلان فهي كذا وكذا وفيها من الرعاء ابن أبي قحافة وفلان وهي مصبحتكم بالغداة عند الثنية، قال: فقعدوا إلى الثنية ينظرون أَصَدَقَهُمْ؟ فاستقبلوا الإبل فسألوا: هل انكسرت لكم ناقة حمراء؟ قالوا نعم، قالوا: فهل كان عندكم قصعة؟ قال أبو بكر: أنا والله وضعتها فما شربها أحد ولا أهراقوه في الأرض. انظر المجمع (1/75) ، الفتح (7/200) . 29- الآية التاسعة والعشرون: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى وصلى فيه وعرضت عليه الآنية انطلق به جبريل حتى أتى الوادي الذي في المدينة – أي المدينة التي فيها المسجد – فإذا جهنم تكشف عن مثل الزرابي، فقال الصحابة: يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال مثل الحمة المسخنة. انظر المجمع (1/73) . هذا ما تسر لي جمعه من الآيات التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام في طريقه من مكة إلى بيت المقدس أو العكس مما يدخل تحت الآيات الأرضية التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم. القسم الثالث: آيات سماوية رآها نبينا عليه الصلاة والسلام عندما عرج به إلى السموات العلا: الآية الأولي: المِعْراج أو المُعْراج – بكسر الميم أو ضمها – وهذا أول الآيات كما أن البراق هو أول الآيات الأرضية، فالبراق من مكة إلى بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى السموات العلا كان الصعود عن طريق المعراج أو المعراج، وهو آلة يعرج عليها ويُصْعَدُ بها كالسلم أو الدرج أو المصعد عندنا في حياتنا.

قال نبينا عليه الصلاة والسلام كما في مغازي ابن إسحاق – [فأتيت بالمعراج فلم أر شيئا أحسن منه] وهو الذي يشخص إليه الميت بعينيه إذا حضره أجله] فالميت عندما يموت ينظر إلى فوق، فينظر إلى هذا المعراج الذي ستعرج إليه روحه. [وكان مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة، وكان مكللا ً باللؤلؤ من جنة الفردوس] فهذا هو المعراج نؤمن به ونفوض العلم بكيفيته إلى ربنا جل وعلا، وعما قريب سيراه كل واحد وينظر إليه بعينه عندما يحضره أجله ويرى مقعده من الجنة أو النار عن طريق المعراج فإذا كان صالحاً فتحت له أبواب السماء وإلا أغلقت. الآية الثانية: آيات رآها عندما عرج به إلى السموات:

ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث مالك بن صعصعة، عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال ".... فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا (السماء الأولى) فاستفتح (استأذن) فقيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمدً [عليه صلوات الله وسلامه] وهذا أي قول الملائكة من معك يحتمل أن السماء شفافة فرأوا من هو خارجها أو أنهم سمعوا حساً للنبي عليه الصلاة والسلام معه، أو رأوا زيادة أنوار عرجت عندما ارتقى جبريل فاستفتح من أجل أن يلج السماء فقيل من؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد [فقال (حراس السماء الدنيا) أَوَقَدْ بعث إليه؟] أي أذن له بأن يدخل وطلب لمناجاة الله، وسؤال الملائكة هذا يحتمل عدة أمور إما أنه من باب التعجب إذ كيف حصل للنبي صلى الله عليه وسلم هذه المرتبة العظيمة الجليلة، فتعجب الملائكة من هذا، أو أن هذا للاستبشار، أي استبشاراً بلقائه وفرحاً بمجيئه، ويحتمل (قاله الحافظ) أنهم قالوا هذا إعلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يعلمون أنه سيأتي ويؤذن له في الدخول فكأنهم يقولون: نحن عندنا علم بمجيئه لكن هل حان الوقت وبُعث إليه وأرسلك الله يا جبريل إليه في هذا الوقت؟ أي نحن علمنا بأنه محمداً صلى الله عليه وسلم سيأتي ويدخل لكن ما حُدِدَ لنا الوقت، [فقال: نعم، فقيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء، ففتحت السماء، فلما خَلَصْتُ (أي دخلت إليها وسرت فيها) فإذا فيها آدم، فقال جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام ثم قال لي مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح] .

إخوتي الكرام.... ثم عرج به إلى السماء الثانية، ولكنا سنذكر على سبيل الاختصار الأنبياء الذين لقيهم في هذه السموات السبع، ولا أريد أن أستعرض ألفاظ الحديث لأنه في كل سماء لما يستأذن يُقال: أو قد بعث إليه؟ فيقال: نعم، فيفتح له فيقول فإذا فيها فلان من الأنبياء.... ومن أراد نص الحديث فليرجع إليه في صحيح البخاري أو مسلم. ففي السماء الأولى (السماء الدنيا) نبي الله آدم عليه السلام. وفي السماء الثانية ... ... نبيا الله عيسى ويحيى عليهما السلام. وفي السماء الثالثة ... ... نبي الله يوسف عليه السلام. وفي السماء الرابعة ... ... نبي الله إدريس عليه السلام. وفي السماء الخامسة ... ... نبي الله هارون عليه السلام. وفي السماء السادسة ... ... نبي الله موسى عليه السلام. وفي السماء السابعة ... ... نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام. الأنبياء كلهم جمعوا لنبينا عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس، أما في السموات السبع فما اجتمع إلا بثمانية من الأنبياء (¬1) . ¬

_ (¬1) هل ترتيب الأنبياء في السموات السبع باق ٍ أم أنهم رُتِّبُوا كذلك لحادثة الإسراء والمعراج للنبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كانوا باقين حسب هذا الترتيب فأين الأنبياء والرسل الباقون عليهم السلام؟ الجواب: هؤلاء الأنبياء ليست مساكنهم في السماء إنما [الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى ثقات، انظر المجمع (8/211) وقد نصَّ المُناوي في فيض القدير (3/184) على أن الحديث في درجة الحسن وهو من حديث أنس ٍ رضي الله عنه، والحديث رواه أيضاً البهيقي في حياة الأنبياء وتمام في فوائده وابن عساكر في تاريخ دمشق، انظر الجامع الكبير (1/359) ، لكن جمعوا في بيت المقدس وليست مساكنهم – إنما كما قلنا – إما أن أرواحكم تشكلت أو خرجوا من قبورهم واجتمعوا في بيت المقدس لعلة يعلمها الله ولا نعلمها وهو من أمور الغيب وخوارق العادات. وجُمِعَ بعضهم في السموات، وليست مساكنهم ولا هم يجلسون فيها، لكن ينبغي أن يحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام لقاء لمن حالُه يشابه حالَه، ولذلك رتب هؤلاء، وهناك بعض من لم له ولم يلقه في السموات وهو أفضل ممن رتب له كنبي الله نوح – وهو من أولي العزم ولم يذكر ويرتب ولم يكن في هذه السموات في لقاء خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، لأنه ليس بينه وبين نبينا عليه الصلاة والسلام – في حاله مع أمته – أي مشابهة، فقومه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وما استجاب له إلا قليل، ولو رتب لنبينا عليه الصلاة والسلام لربما فهم نبينا عليه الصلاة والسلام - سيصبر ويصبر ويصبر وأن حال هذه الأمة كمن يريد أن يخض الماء ليخرج منه زبداً!! ولربما قال: أنا حالي يشبه نبي الله نوح عليه السلام. ولذلك قلنا عُرِض له من يشبه حاله مع أمته كحال أولئك، لترتيبات معينة فإذن ليست منازلهم في السماء على هذا الترتيب إنما رتبوا في حادث الإسراء والمعراج هذا الترتيب. ولماذا كان هذا الترتيب؟ هذا هو الذي استعملنا عقولنا في إدراك حكمته، وأما بعد ذلك فأعيدوا قبورهم وهم أحياء يصلون باستثناء نبي الله عيسى عليه السلام الذي رفعه الله إليه. وسأضرب لكم مثلاً ولله المثل الأعلى، لما يأت أمير إلى مسؤول فإنه يرتب له شخصيات معينة للقائه على حسب وزنه ومنزلته، وليس هؤلاء مكانهم هذا، إنما جيء بهم في هذا الوقت لأجل لقاء طارئ وهنا كذلك. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

إن قيل: ما الحكمة في الاقتصار على هؤلاء الأنبياء فقط دون غيرهم، وكونهم بهذا الترتيب من السماء الأولى إلى السابعة؟ فنقول: أما آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فجعل في السماء الأولى ليحصل مباشرة أُنس النبوة بالأبوة، الابن محمد عليه الصلاة والسلام والأب الأول للبشرية كلها آدم عليه الصلاة والسلام، ولم يجعل في السماء الأولى من باب دنو منزلته إنما من باب أن هذا أب أول لجميع البشر، ولذلك فينبغي للابن أن يلتقي بأبيه قبل غيره. ولذلك لو دخلت بيتك الذي فارقته سنوات ورأيت أخاك ولم تر أباك لن تفرح وتسعد حتى ترى أباك، وهذا مشاهد ومجرب. ليكون في ذلك إشارة أيضاً – كما قال الحافظ ابن حجر نقلا ً عن السهيلي وابن أبي جمرة – إلى أنك يا محمد بعد هذه الحادثة سيحصل لك ما حصل لأبيك فلا تحزن. وماذا حصل لآدم؟ خروج من الجنة وهي وطنه، وأنت سيحصل لك خروج من مكة، وبالفعل حصل هذا بعد سنة ونصف، ولذلك قلنا الإسراء وقع قبل الهجرة بسنة ونصف. وآدم بعد خروجه من الجنة ازداد رفعة، وكان آدم بعد خروجه خيراً منه قبل خروجه (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) ، فاجتباه ربه بعدما خرج، وأما ما حصل منه ف [كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون] وإذا أقلع الإنسان عن معصية وأناب يكون حاله بعد المعصية خيرا من حاله قبل التوبة. إذن فسيحصل لك ما حصل لآدم وليس في هذا مضرة عليك فكما أن آدم بعد خروجه ارتفع قدره وعلا ذكره ولو بقي في الجنة لما وجدت هذه البشرية التي توحد الله وتعبده فقدر الله له الخروج (ليقضي الله أمراً كان مفعولاً) ، وأنت بعد خروجك سيرتفع ذكرك ويعلو أمرك ويظهر دينك وهذا الذي حصل.

لاسيما وقد ذكرنا في الآيات التي رآها في رحلته من مكة إلى بين المقدس أنه أمره جبريل بالصلاة في مكان ثم أخبره أنه صلى بطيبة، ثم قال له وإليها المهاجرة بفتح الجيم، أي ستكون دار لهجرتك، فإذن أخبر في الأرض أنه سيهاجر، فحتى لا يصبح في قلبه شيء ويخاف – هذا من الطبائع البشرية – وحتى لا ينكسر قلبه ويغتم ارتفع به إلى الكمالات وقابل هناك الأب الصالح أول من قابل فكأنه قيل له: الهجرة فيها خير كما حصل في الانتقال لهذا الأب الذي تقابله خير عندما هاجر من الجنة إلى الدنيا. ولِمَ كان عيسى ويحيى عليهما السلام في السماء الثانية؟ هناك عدة أجوبة والجواب المعتمد وهو الحق إن شاء الله وهو من باب الحكم التي تُشم كشم الوردة: لأنه ليس بين نبينا عليه الصلاة والسلام وبين نبي الله عيسى نبي آخر فهو أولى الناس به، وأما يحيى فهو ابن خالة عيسى فبما أنهما ابنا الخالة فقُرِنا في سماء واحدة، وقد ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى دينهم واحد] وفي رواية أخرى مختصر البخاري (7341) [أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبين نبي] . فإذن بعد أن حصل أُنس النبوة بالأبوة سيلتقي بعد ذلك بإخوانه الذين هم أقرب الناس إليه من غيرهم وأولهم عيسى عليه السلام. أما يوسف، فالحكمة من كونه في السماء الثالثة بعد الثانية بعد أن حصل أُنس النبوة بالأبوة وأنس الأخ بأخيه الأقرب، فإنه سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام أُنس خاص بنبي فيه شبه بنبينا عليه الصلاة والسلام من وجهين:

حسن الصورة وبهاء المنظر وجمال الطلعة، فنبي الله يوسف أعطاه الله شطر الحسن، ونبينا عليه الصلاة والسلام له الحسن بكامله. فأجمل الناس بعد نبينا عليه الصلاة والسلام هو يوسف فعندما يرى هذا النور يتلألأ منه يحصل حينئذ شيء من الشبه الظاهري، يضاف إليه شبه آخر يتعلق بالدعوة وهو: أنه لاقى مكراً وكيداً من أخوته لأبيه، وقرابته حيث مكروا به وألقوه في الجب وبعد ذلك مكن الله له في الأرض وجاءه إخوته فقال لهم (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا إنك لأنت يوسف، قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) سورة يوسف 89-92، وما حصل ليوسف هو عين ما حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فآذاه قرابته وعشيرته وطردوه من مكة وسيؤذونه وسيعيده الله بعد ذلك وسيقول لهم ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم فيقول، لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء الأحرار وقد وقع كل هذا، فهذا أيضاً شبه، فليحصل إذن استحضار لتلك المعاني، الصورة واحدة وما حصل لهذا النبي من المكر فسيحصل لك، وما حصل له من الظفر والنصر سيحصل لك. 4- وأما السماء الرابعة ففيها إدريس عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى (ورفعناه مكاناً علياً) وإنما قال مكاناً علياً وهو في السماء الرابعة وليس في السابعة لأنه في الوسط، والوسط مكان مرتفع ومعتدل. وفي ذلك إشارة إلى أن هذا العلو الذي حصل لهذا النبي بعد الثالثة – وهي الرابعة – سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة الدنيا وقد حصل له، وأن رسالتك وديانتك وسط (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) خياراً عدولاً تعتدلون في أحكامكم التي أنزلها ربكم عليكم.

5- وأما السماء الخامسة ففيها هارون عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك إشارة إلى قربه من نبي الله موسى وهارون تابع لموسى عليهما الصلاة والسلام فليكون إذن بمثابة تمهيد للقاء موسى عليه السلام. وفي ذلك إشارة لنبينا عليه الصلاة والسلام ليوطن نفسه على تحمل ما تحمله هارون من موسى عليهما السلام. وفي ذلك أيضاً إشارة عظيمة أيضاً وهي أن هارون رجع قومه إلى محبته بعد أن نفرتهم منه وعداوتهم له، وهذا سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فقومك سيحبونك بعد معاداتهم لك، فحالك كحال هارون فقد كان محبباً في قومه أكثر من نبي الله موسى عليه السلام وكانوا ينفرون من موسى ويأنسون بهارون عليهما صلوات الله وسلامه للين عريكته وعدم شدته وله فيهم منزلة عظيمة، الحاصل أن في لقائه بهارون تذكير له بطبيعة موسى ولذلك كأنه يقال: إذا لقيت موسى فاصبر وتحمل فإن له مقامات عند ربه وهو مدلل عنده. 6- وأما موسى عليه الصلاة والسلام، فاجتمع بهذا النبي في السماء السادسة ليعلم أنه رفيع القدر أعلى من هارون، فنبينا أعلى من هارون كما أن موسى أعلى من هارون إذن فأنت أعلى ممن تقدمك والحكمة الثانية: ليحصل لك ما حصل لهذا النبي من، فعاداه فرعون قومه فصبر فمكنه الله منه ونصره عليه، فأنت سيعاديك فرعون هذه الأمة – أبو جهل – فاصبر وستمكن منه وستقطع رقبته في يوم بدر وهذا الذي حصل، فيوم بدر بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم كغرق فرعون بالنسبة لموسى عليه الصلاة والسلام. 7- أما السماء السابعة، فكأنه يقال له: بدأنا الأمر بالأب الأبعد فلنختمه بالأب الأدنى وهو خليل الرحمن إبراهيم، أبو العرب، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم (ابن الذبيحين) فعبد الله ذبيح لأن عبد المطلب نذر أن يذبح أحد أولاده إذا عثر على زمزم فوقعت القرعة على عبد الله ثم فكه بعشر ديات، وإسماعيل ذبيح بنص القرآن، وقد نجى الله الذبيحين.

فكما أنك استأنست بأبيك الذي هو أبعد الآباء فلتستأنس بأبيك الذي هو أقرب الآباء إليك ممن هو نبي وهو خليل الرحمن، وليس في آبائه نبي آخر بعد ذلك ليستأنس به جاء من عبد المطلب أو غيره. وحكمة ثانية: فأنت خليل وهو خليل فلابد أن يجتمع الخليل مع الخليل ثم إن خلتك أعلى من خلته لأنك سترفع إلى مكان فوقه بعد ذلك فرغم أنه في أعلى الرتب وهي السماء السابعة لكن نبينا صلى الله عليه وسلم سيرفع إلى مكان فوقه. وفي ذلك إشارة – أيضاً – كما قال علماؤنا: إلى ما سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام في المستقبل، فالسماء السابعة فيها خليل الرحمن إبراهيم، وأنت ستخرج من مكة وستدخلها في العام السابع في عمرة القضاء بعد صلح الحديبية لأن هذا كان في العام السادس وقد تم الاتفاق على أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التالية ورُدَّ هذا العام، فجاء في العام السابع ودخل مكة واعتمر، ثم في العام الثامن فتحت مكة إذن فهذه المناسك التي في مكة وأقام إبراهيم هذا البيت على الدعائم الأولى التي أسس عليها البيت فأنت ستعود لمكة في العام السابع وستفرض عليك مناسك الحج كما فرضت على خليل الله إبراهيم (وأذن في الناس بالحج) ، وأنت ستؤذن وتدعو الناس إلى لك. فهذا هو مجمل الحكم عن الالتقاء بهؤلاء الأنبياء الثمانية صلوات الله وسلامه عليهم. تعارض وجمع: ورد في بعض روايات البخاري أن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام [لقيه نبينا عليه الصلاة والسلام في السماء السابعة] ، قال الحافظ ابن حجر: ورد هذا في رواية وشريك هذا هو الذي يروي حديث الإسراء والمعراج عن أنس رضي الله عنه، وله أوهام لكن هنا – كما يقول الحافظ- ضبطه وليس هذا من أوهامه. [وموسى في السماء السابعة بفضل كلام الله له]

قال الحافظ ابن حجر: لا إشكال بين هذه الرواية والروايات المتقدمة ولا تعارض فنبي الله موسى مكانه الحقيقي في السادسة لكن بعد أن عرج بنبينا عليه الصلاة والسلام السابعة صحبه موسى إلى غير داره الحقيقية كمرافق بفضل كلام الله له. أي بما أن الله كلم موسى تكليماً واتخذ إبراهيم خليلاً فجمع الله الخليلين مع الكليم في السماء السابعة، هذا هو الجمع المعتبر. وبقي موسى في السماء السابعة حتى عاد نبينا عليه الصلاة والسلام، وظهر أثر هذا: مَرَّ عليه وسأله ماذا فرض عليك؟ قال: خمسين صلاة، قال ارجع فسله التخفيف إلى أن خفضت إلى خمس، فنبينا عليه الصلاة والسلام لم يكن ينزل إلى السادسة إلى موسى ويسأله عما فرض عليه، ويمر مروراً على إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. فإذن موسى عليه الصلاة والسلام لازال منتظراً له في السماء السابعة ثم هو معه إلى السماء السادسة ثم بقي فيها وأعيد نبينا عليه الصلاة والسلام إلى مكانه. ورد في رواية الإمام مسلم – وهذه الرواية ليست في البخاري عن أنس رضي الله عنه – وحديثنا في الآية الثانية وعما فيها من عجائب – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [فإذا بإبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه] والبيت المعمور الذي هو في السماء كالكعبة في الأرض. وهذه آية عظيمة رآها نبينا عليه الصلاة والسلام. قال الحافظ ابن حجر "وفي هذا دلالة على أن أكثر المخلوقات هم الملائكة فلابد لجنس من الأجناس تزايد وتكاثر بهذه النسبة، فمنذ أن أوجد الله الكون إلى هذه الساعة يدخل إلى البيت المعمور سبعون ألفاً لا يعودون إليه، فالملائكة هم أكثر خلق الله (وما يعلم جنود ربك إلا هو) والإنسان وكل الله به 160 ملكاً، وفي حديث عند الطبراني: [وكل الله بالمؤمن 160 ملكاً يحفظونه للبصر من ذلك سبعة أملاك] وهو في المعجم الكبير وسنده ضعيف.

والله يشير إلى هذا في كتابه (له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) فهناك ملائكة تتعاقب على حراسته وحفظه ويعقب بعضها بعضاً في تقييد عمله وتسطير ما يحصل منه. وقد جرى في السماء السادسة عند رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لنبي الله موسى كليم الله موقفٌ ينبغي أن نقف عنده. المحاضرة الثانية عشرة:6/4/1412هـ هذا الموقف لما تجاوز نبينا عليه الصلاة والسلام موسى بكى – أي موسى- فقل له ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي] هذه رواية وورد أيضاً في رواية ابن مسعود رضي الله عنه [أن نبينا عليه الصلاة والسلام لما مر بموسى هو يرفع صوته فيقول: أكرمْتَهُ، وفضلْتَهُ، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام من هذا؟ فقال جبريل: هذا موسى، قال: ومن يعاتب؟ فقال: يعاتب ربه فيك، قال: كيف علو صوته على ربه؟ فقال: إن الله قد عرف له حدته] أي انفعاله وغضبه. وفي رواية في مسند أبي يعلى والبزار بسند حسن [أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: سمعت صوتا وتذمرا فسألت جبريل، فقال هذا موسى، قلت ـ على من تذمر؟ قال: على ربه، قلت: على ربه؟ ! قال: إنه قد عرف ذلك منه.] والتذمر شبه الاعتراض والتأثر. وهذا الموقف الذي جرى من نبي الله موسى ينبغي أن نقف عنده لنحلله وننظر إليه: ما جرى من نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام لا يعتبر حسداً، فالحسد من الكبائر والأنبياء معصومون عن ذلك، وحاشا لنبي أن يكون حسوداً وحاسداً لأحد على ما فضله الله وأنعم به عليه. فإن قيل: فما تعليل هذا الكلام إذن؟

نقول: إن موسى عليه الصلاة والسلام قال ما قال من باب الحزن على ما فاته من الذي سبقه به محمد عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك الحزن منه بسبب أمته – نبي إسرائيل فعندما لم يتبعوه على الوجه الكامل المرضي لم يكن لهم من الحسنات كما لهذه الأمة ولو اتبعوه ابتاعاً كاملاً لحصل هم حسنات ثم كتبت حسناتهم في صحيفة نبي الله موسى من دل على خير فله أجر فاعله، ولذلك نبينا عليه الصلاة والسلام له أجر هذه الأمة إلى أن تقوم الساعة. ولعل الله أعلم موسى بذلك وأن هذه الأمة حالها ليس كحال أمتك ومن أجل هذا ارتفع هذا النبي عليك لزيادة قدره عندي لأن حسناته لم يأت بها أحد من خلقي، فعدا عن حسناته الخاصة وجهده الذاتي فإن له حسنات تأتي بسببه بعد ذلك فيكتب له أجره إلى يوم القيامة. فموسى عليه الصلاة والسلام عندما جاوزه نبينا عليه الصلاة والسلام بدأ يحصل منه هذه التذمر لا من باب حسد نبينا عليه الصلاة والسلام إنما من باب الحزن على ما فرطت به بنو إسرائيل مما أدى به إلى أن تكون منزلته نازلة. وأضرب لكم مثلاً: لو أن عندك ولداً عنيداً بليداً وأنت تبذل ما في وسعك لتوجيهه فلا يتوجه. ثم مدَّ بك بعد ذلك بعض أولاد أصحابك وكان عليه ذكاء ونجابة وألمعية فأنت قد يحصل منك الآن تذمر وانفعال وغضب على ولدك وقد يسوء كلامك وخلقك. وهذا الذي حصل من نبي الله موسى، فإنه ليس من باب الحسد إنما من باب الحزن والتأنيب لقومه وأمته على ما تسببوا به من إنزال مرتبته. ونسأل الله أن لا يجعلنا ممن يسودون وجه نبينا عليه الصلاة والسلام وأن يجعل نبينا عليه الصلاة والسلام يباهي بنا الأمم يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير. 2- قوله عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه غلام، وليس في هذا تحقير فاشبه لهذا فإن الإنسان يمر بأربعة مراحل رئيسة في عمره: أ- المرحلة الأولى: غلام، ما دون التكليف من 15 سنة فما دونها.

ب- المرحلة الثانية: شباب، وهي من 15 سنة إلى 30نسة ومدها الإمام ابن القيم إلى 40 سنة، وقال هذا حد الشباب وفيها – أي في الأربعين – تكتمل قوى الإنسان ويبلغ أشده (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) ، وما بعث الله نبياً إلا على أربعين هذا على الأعم الأغلب، انظروا روح البيان للألوسي (26/18، 19) ، لأن قواه العقلية تكون قد اكتملت وتكون عنده التؤدة والتأني والثبات والرزانة ووضع الأمور في مواضعها. جـ- المرحلة الثالثة: كهولة، وهي من 40 سنة – إلى 60 سنة. د- المرحلة الرابعة: شيخوخة، وهي من 60 سنة إلى الوفاة نسأل الله حسن الخاتمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك] والحديث في المسند والسنن بسند صحيح. فإذن قوله غلام أي لازال صبياً ناهز الاحتلام، فلم يصفه بأنه شاب وكيف هذا؟ ذكر أئمتنا جوابين عن هذا: 1- الجواب الأول: ونقل عن المتقدمين كابن أبي جمرة وغيره، أن هذا من باب دالة موسى على نبينا عليه الصلاة والسلام. فموسى أكبر منه، ونبينا مع موسى كالغلام مع الشيخ من ناحية العمر، فهو وإن كان يزيد على الخمسين سنة (51 سنة ونصف) ودخل في الكهولة فعبر عنه بأنه غلام – في أول مراحل العمر بالنسبة إلى عمر نبي الله موسى، فالفارق بينهما يجعل هذا العمر الذي يزيد على خمسين سنة كأنه سنة مع عمر نبي الله موسى عليه صلوات الله وسلامه، لاسيما وأن لموسى دالة عليه ومنزلة لكبر سنه ولسبقه له في النبوة والرسالة، ولأنه سيشير عليه – كما سيأتي – بأمر ينفعه وينفع أمته فجزاه الله عنا خيراً. 2- الجواب الثاني: ذكره الحافظ ابن حجر – وهو في تقديري أقوى الجوابين – فقال إن هذا ليس من باب أن نبينا مع موسى كالغلام مع الشيخ، إنما عبر بغلام هنا ليخبره عن قوة نبينا عليه الصلاة والسلام وعزمه ونشاطه.

فهو كبير في العمر لكن همته همة الشباب، وهمته همة من لم يعرف تعباً في الحياة بل لازال؟؟ له كل شيء وهو جاهل لذلك قوته مجتمعة لم تبذل هنا وهناك، ولم يتعب في حياته وهذا هو حال الناس. فإذن ليدلل على عزيمته وقوته رغم كونه في سن الكهولة، وهذا حاله صلى الله عليه وسلم، يقول على رضي الله عنه [كنا إذا اشتد الوطيس وحمت المعركة أشجعنا يلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم] . وفي غزوة حنين عندما نصب المشركون كميناً للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة؟؟؟ بنبال كالمطر فتفرق الصحابة، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم وكان يردد: أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب ثم قال يا عباس، نادِ في الصحابة، يا أهل بيعة العقبة، يا أهل بيعة الشجرة، يا أهل بدر أي نادهم يا عباس ليجتمعوا إليَّ وهو ينادي ويقول: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب فإذن ما فيه من عزم ونشاط هو عزم الشباب لا عزم الكهولة ولذلك سماه غلاماً هو في آخر مراحل الغلام وأول مراحل الشباب. قال الحافظ ابن حجر: وقد تأيد هذا بالحديث الصحيح الثابت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه التسع في الساعة الواحدة من ليل أو نهار بغسل واحد فقيل لأنس: أو كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يطيق ذلك؟ فقال: كنا نتحدث أن الله أعطاه قوة ثلاثين] . وفي كتاب صفة الجنة لأبي نُعيم بسند صحيح – [أن الله أعطاه قوة أربعين رجلا ً من أهل الجنة] وقوة الرجل في أهل الجنة تعدل قوة مائة رجل من أهل الدنيا أكلا ً وشرباً ومباشرة.

فنضرب 40×100 فيكون الناتج 4000، إذن قوة نبينا عليه الصلاة والسلام إذا قورنت برجال أهل الأرض فإنها تعدل قوة (4000) رجلا ً، فهل يكون من هذا شأنه كهلا؟!! ولذا قيل له غلام، لأن مَنْ هذا حاله وشأنه لا يقال فيه [هذا الشيخ أو الكهل الذي بعث بعدي فقد يفهم منه أنه ضعيف ليس عنده قوة] ، فرسولنا صلى الله عليه وسلم فيه نشاط الغلمان لا عمرهم، وعمره عمر الكهول. وهذا خير ما يكون في الإنسان رزانة ووقار أي كبير في السن، لكن عزمه قوي يغلب عزم الشباب. إخوتي الكرام ... يكرم الله جل وعلا عباده بما شاء سبحانه وتعالى، وقد ذكر أئمتنا في ترجمة سُليم بن عِتْر قاضي مصر في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وسليم هو من أئمة التابعين توفي سنة 75هـ ذكر أئمتنا أنه كان يختم كل ليلة ثلاث مرات – وهو - ويتصل بأهله ثلاث مرات. وهذه قوة عجيبة يكرم الله بها بعده، فأولاً يختم القرآن في كل ليلة وهذا ورد ثلاث مرات وهو القاضي الذي فرغ نفسه لشؤون الناس في النهار فإذا جن الليل. وقد ذكر هذا في سير أعلام النبلاء للذهبي 4/132،وفي غيره. يقول الإمام الذهبي في ترجمته: "سُليم بن عِتْر الإمام الفقيه قاضي مصر ووعظها وقاصها وعابدها – "ثم قال: "وروي عنه أنه كان يختم كل ليلة ثلاث ختمات ويأتي امرأته ويغتسل ثلاث مرات، وأنها قالت بعد موته: رحمك الله، لقد كنت ترضي ربك وترضي أهلك" إلخ ترجمته. ويقول الشيخ شعيب الأرناؤوط – وهو المعلق على سير أعلام النبلاء -: ولا يعقل ذلك، ربما لا يصح عنه" لماذا لا يعقل هذا؟ وقد قلنا إن خارق العادة ليس بمستحيل ولا بمخالف للعقل. فلو أن الله أكرم أحد عباده بأن يختم القرآن كل ليلة مائة مرة يعقل هذا أم لا يعقل؟ بل يعقل وأن يتصل بأهله مائة مرة، يعقل هذا أم لا يعقل؟ بل يعقل. فلماذا لا يعقل وليس هو بمستحيل، لذلك فانتبهوا إخوتي الكرام إذا أردتم أن تتكلموا وزنوا كلامكم بميزان الشرع.

ولو قال هذا المعلق: "هذا غريب والله على كل شيء قدير" فلا بأس، ولكن انظر كيف يقول لا يعقل وربما لا يصح، فما دام ليس معقولاً عندك قل لا يصح ولا تقل ربما، فإذن كيف صار كلا منا لا احتراز فيه ولا احتراس ثم قال: لأنه مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص. ولكن نحن نقول هذه كرامة وليست من المستحيلات حتى نردها. والإمام النووي في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن – وهذا الكتاب – لابد أن يكون عند كل طالب علم، وهذا كتاب (الأذكار) وهكذا (رياض الصالحين) فهذه الكتب الثلاثة للإمام النووي لا يكون في البيت خير أو نور إذا لم تكن هذه الكتب فيه، وينبغي أن تجهز هذه الكتب في جهاز المرأة عندما تزف لزوجها. فالإمام النووي في هذا الكتاب – التبيان – في ص 47 يقول: "كان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه، فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة، وعن بعضهم في كل شهر ختمة وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال، وعن الأكثر في كل سبع ليال وعن بعضهم في كل ست ليال وعن بعضهم في كل خمس ليال، وعن بعضهم في كل أربع ليال وعن كثيرين في كل ثلاث ليال، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم ليلة ختمتين ومنهم من كان يزيد عن ثلاثة، وختم بعضهم ثماني ختمات أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار". فمن الذين كانوا يختمون ختمة في اليوم والليلة عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وآخرون. ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات سُليم بن عِتْر – وهذا هو الذي ذكرنا قصته – وكان

ثلاث ختمات، وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليل أربع ختمات، قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي؟ كان ابن الكاتب رحمه الله يختم في النهار أربع ختمات وفي الليل أربع ختمات، وهذا ما بلغنا في اليوم والليلة. ثم يقول في آخر المبحث: "والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرأه، وكذا من كان مشغولا ً بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر يحصل بسببه إخلال بما هو مُرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليتكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرهة ". هذا كله – كما قلت – يخرج منه ما ذكر – أن هذا من باب الكرامة فسعيد بن جبر رحمه الله ثابت بالإسناد الصحيح إليه أنه كان يختم القرآن بين المغرب والعشاء. كيف هذا والوقت بين المغرب والعشاء قصير لا يزيد على ساعتين على أكبر تقدير، ولو أخر العشاء ساعة فهل يختم القرآن في ثلاث ساعات؟ على أقل تقدير الحافظ المجد الذي يقرأ القرآن عن ظهر قلب قراءة حدراً يحتاج إلى خمس ساعات، فكيف إذن قرأه سعيد ابن جبير بين المغرب والعشاء؟ نقول هذه كرامة، إذ كيف أسري بنبينا عليه الصلاة والسلام وعرج به وحصل له ما حصل في هذه الرحلة المباركة في جزء من الليل. ولذلك يقول أئمتنا عن هذه الكرامة التي تقع في وقت قصير هي من باب (نشر الزمان أي توسعته، فهذا الزمن يوسع في حقك لكنه يبقى بالنسبة لغيرك كما هو. إخوتي الكرام ... الذي ينظر في أحوال سلفنا فسيجد حقيقة أن الله كان يبارك لهم في كل شيء في طعامهم وشرابهم وأولادهم وأهليهم، وبيوتهم وعلمهم. بعض مؤلفات بعض العلماء لو أردنا أن نقرأها فستنتهي أعمارنا قبل أن من قراءتها فقط فكيف بمن ألفها كيف ألفها في هذا الزمن؟

مؤلفات ابن الجوزي زادت على (500) مصنف ولا أقول مجلداً، فـ (زاد المسير) هو أحد كتب ثلاثة له في التفسير يقع في (9 مجلدات) ، و (المغني) له في (20مجلداً) ، و (المنتظم) له في (10 مجلدات) ، وصفة الصفوة له أيضاً في (4 مجلدات) وحدث بعد ذلك وما شئت ومع ذلك يروي هذه الكتب بالسند، وهي كتب موجودة بين أيدينا الآن!! وأما السيوطي فمؤلفاته زادت على (900) مصنف، يكتبونها كتابة ولو جاء أحد ينسخها نسخا فقط لما استطاع أن يكتبها طول حياته، فهي كرامة من الله لهم. فلا يقال بعد ذلك: لا يعقل، بل هي موجودة ووجودها دليل على أنها ليست مخالفة للعقل وليست بمستحيل بل نقول إن هذا خرق للعادة وإكرام من الله لهذا الإنسان والله على كل شيء قدير. فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب – وهو شيخ الإسلام – فإنه إذا سمع حفظ أقوى من جهاز التسجيل ولا يخطئ ولا يلحن بحرف، حدثه بمائة حديث بأسانيدها بمجلس واحد، يعيده لك على الترتيب، وأوليس قد جرى نحو هذا للبخاري؟ فعندما أراد الذهاب لبغداد أرادوا أن يمتحنوه فعمدوا إلى مائة حديث، فقسموها على عشرة طلاب فكل طالب عنده عشرة أحاديث، فأخذوا متون أحاديث زيد وأعطوه لعمرو ومتون أحاديث عمرو لزيد، ومتون أحاديث خالد أعطوها لمحمد ومتون أحاديث محمد لخالد وهكذا فعلوا بالعشرات الباقية.

فلما جاء إلى بغداد وكما قلنا أرادوا أن يمتحنوه وهل هو أمير المؤمنين في الحديث أم لا؟ ، في الأول قال: حديث كذا بإسناد كذا، فقال: لا أعرفه، ثم قال الثاني كذلك أحاديثه والثالث والرابع حتى انتهى العشرة وهو يقول في الأحاديث كلها لا أعرفه، فالذين يعرفون هذا المقلب يقولون: هو إمام هدى ثابت راسخ والجهال يقولون: سبحان الله عشرة أحاديث لم يعرف ولا واحد منها، أهذا هو أمير المؤمنين في الحديث!! فلما انتهى العشرة من عشراتهم قال للأول: قم أنت عشرة أحاديثك هي كذا على الترتيب الحديث الأول، الثاني، الثالث، الرابع، وأسانيدها، أسانيد الرابع فاسمعها فذكرها له (أي ذكر البخاري) وهكذا فرد مائة متن لمائة إسناد، فما بقي أحد في المجلس إلا قام وقبل رأسه وجبهته. فهذا هو العلم فهل يقال عن هذا لا يعقل؟ أم يقال هذه كرامات أكرمهم الله بها وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، والله لو أراد الإنسان أن يصل إلى هذا المسلك بجده واجتهاده فإنه عاجز عاجز عاجز، إلا إذا من الله عليه بذلك. فحقا ً إنه أمر عظيم ما حصل من الإمام البخاري ولذلك يقول الإمام العراقي في ألفيته: .................................. ... نحو امتحانهم إمام الفن في مائة لما أتى بغداد ... فردها وجود الإسناد

وهنا في قصته (سُليم) نقول لا يعقل!!!! دعنا من هذا فإن الله يكرم عباده بما شاء، فبعض يكرمه أحياناً بقوة الجسم وأحيانا بقوة الفكر، وأحياناً بهما، وأحياناً وأحياناً فيطوف صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع بغسل واحد في ساعة، إن هذا ليس بمقدور البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أنه إذا اتصل الإنسان بأهله ووجد نشاطاً من نفسه معاودة الوطء فأراد أن يتصل مرة ثانية فليغتسل أو ليتوضأ على أقل تقدير ليكون أنشط حتى لا يعتريه فتور، فكيف به صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه التسع بغسل واحد؟! ثبت في معجم الطبراني بسند رجاله ثقات عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أنه كان عنده أكّار – أي مزارع – فاستعدت عليه زوجته – أي اشتكته لأنس – وقالت لا يدعني في ليل ولا في نهار، وجسمي لا يتحمل، فقضى بينهما أنس على أن لا يزيد في كل يوم وليلة على ست مرات] وهذا ثابت في مجمع الزوائد (4/295) في كتاب النكاح، وبوب عليه الإمام الهيثمي باب فيمن يكثر الجماع. ألزمه بها أنس، لكن كم يريد هو؟ الله أعلم. فهذا حقيقة خارق للعادة وليس هذا في مقدور البشر. ولذلك إخوتي الكرام ... من حكمة مشروعية ربنا لتعداد الزواج هذا، فلو أن هناك رجلا ًعنده هذه القوة والشهوة وليس عنده إلا امرأة واحدة فماذا تفعل له؟ هل تعطله وتحجزه عن امرأته؟ ، أو تتركه يذهب يتلمس طريق الحرام هنا وهناك؟ إن أفضل علاج وأنجحه وأنجعه لمثل هذا هو التعدد، وما ألزم الله أحداً بالتعدد وإن كان رغب فيه وهذا شرع الله الحكيم (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . الحاصل أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان كهلا ً عندما أسري به لكنه – كما قلنا – شابٌ وفوق الشباب، عليه الصلاة والسلام فإذن هذا ليس من باب التنقيص. 3- كيف يرفع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام صوته، ويتذمر، والله يتحمل ذلك منه ويعرف له ذلك؟

نقول: هذا مدلل، والمدلل له حساب خاص، فإياك أن تقيس نفسك عليه. سفيان الثوري عليه رحمة الله عندما طلبه الشُّرَطة في عهد أبي جعفر المنصور، وطلب في عهد هارون الرشيد أيضاً، فلما كان في عهد أبي جعفر المنصور أرسل في طلب سفيان وأرسل الخشابين قبله إلى مكة وقال لهم انصبوا الأخشاب لأصلب عليها سفيان الثوري، أي يشنقه ويصلبه فذهبت الشرطة إلى المسجد الحرام، وسفيان الثوري بين الفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة، ورأسه في حجر الفضيل ورجلاه في حجر سفيان بن عيينة ويغطيانه من أجل ألا تراه الشُّرطة ويقبضوا عليه، ثم قالا له: يا سفيان اخرج من المسجد ولا تشمت بنا الأعداء أي اخرج وتوارى فليس حلا ً أن نغطيك هكذا لأنهم سيرونك، فقام رحمه الله ورضي عنه وتعلق بأستار الكعبة وقال: برئت من الله إن دخل أبو جعفر المنصور مكة وأنا مع أن أبا جعفر على الطريق أرسل الخشابين وهو في أثرهم ووراءهم، فلما وصل أبو جعفر على حدود مكة قبض الله روحه فمات، وما دخل مكة، والقصة انظروها في تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء في ترجمة سفيان أم الثوري وفي غيرهما كذلك. إن قال قائل كيف يصدر هذا من سفيان الثوري؟ نقول: هذا مدلل، فلا تجعل نفسك مثله. وهذا نبي الله موسى اتخذه نجياً وكليماً (وكلم الله موسى تكليماً) وفضله بذلك، فإذن هو من المدللين، وإذا كان ذلك كذلك فإنه يصبح بين المدلل وبين من يتدلل عليه أحيانا من؟؟ مالا يصلح أن تصدر من غيره، وهذا هو الذي جرى من نبي الله موسى، فتحمل الله منه لأنه مدلل. قال أئمتنا: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع (وإذا الحبيب أتى بذنب واحد) ، أخطأ وتذمر ورفع صوته وصاح.

(جاءت محاسنه بألف شفيع) : فهذا يقاوم أعتى أهل الأرض في زمنه ويصبر، فإذا جرى منه وقد كنت قلت لكم أن موسى عليه الصلاة والسلام مظهر للجلال والقهر الإلهي، كما أن عيسى عليه الصلاة والسلام مظهر للجمال، ونبينا عليه الصلاة والسلام مظهر للكمال (جلال وجمال) . فهذا مدلل وإذا كان كذلك فلا تقس على نفسك، وما جرى منه: حبيب وحبيب يتناجيان بما بينهما، فهل يجرؤ أحد منا أن يذهب إلى الكعبة ويقول يارب إني أبرأ منك إذا لم تقتل فلاناً وأمته؟ والله إني لأخشى أن تنزل عليك صاعقة من السماء تحرقك، لأن كل واحد منا ينبغي أن يعلم مكانته ومنزلته،وعليه فينبغي أن نقف عند حدنا. إذن المدلل له مكانة، أبو بكر رضي الله عنه من المدللين أم لا؟ هو من المدللين على نبينا عليه صلوات الله وسلامه، وسأذكر لكم قصتين باختصار: القصة الأولى: رواها الإمام البخاري في صحيحه في كتاب فضائل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام في فضائل أبي بكر ومناقبه: انظر (مختصر صحيح البخاري للزبيدي 1522)

اختصم أبو بكر وعمر وكان المخطئ أبا بكر رضي الله عنه، فذهب أبو بكر إلى عمر فقال أثمّ هو؟ قالوا: نعم، فاعتذر أبو بكر إلى عمر، فما قبل عمر، فخرج أبو بكر مغاضباً إلى النبي عليه الصلاة والسلام فلما وصل عرف النبي صلى الله عليه وسلم ما في وجهه، فقال: أمّا صاحبكم فقد غامر،؟؟ وقال: يا رسول الله، إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر – ثلاثاً -، ثم إن عمر ندم وأتى منزل أبي بكر فسأل أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعَّر (أي تذهب نضارته من الغضب) حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال – أي أبو بكر – يا رسول الله أنا كنت أظلم – مرتين – فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركوا لي صاحبي فما أوذي بعدها] فهو إذن من المدللين. فإذا غضب أبو بكر على أحد وتكلم عليه فيجب أن يتحمل عمر ومن دونه وليس من حققه أن يعترض على أبي بكر أو يعتب عليه ولو وطيء رقبته، فهذا أبو بكر له مكانته فاعترف أنه ذو شيبة المسلمين ووالدهم. ولو أن الزوج أخطأ على زوجته وضربها فهل يجوز لها أن تضربه؟ لا يجوز لها أن تلوح بيدها له فضلا ً على أن تضربه. فإن قيل: فهو لم ضربها مخطأ؟ نقول: هذا زوج، روى أحمد والنسائي بإسناد جيد رواته موثوقون مشهورون [ولو كان من قدمه إلى مَفْرَقِ رأسه قَرْحة تنْبَجِسُ بالقبيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه] كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، فهو إذن زوج فإن؟؟ عليها فعليها أن تتودد له ليصفو قلبه وليعود إلى صوابه، وأما أن تقول: ضربتني مخطئاً فخذ؟؟ فنعوذ بالله من هذا، ألم تعلم مثل هذه المرأة أنه زوج؟!

فإذا كانت الزوجة ليس من حقها أن تضرب زوجها – لأنه مدلل عليها – فليس من حق أحد من الأمة أن ينظر إلى أبي بكر نظراً فيه شيء من الشر والغضب فضلا ً على أن يأخذهم؟؟؟ القصة الثانية: رواها الإمام الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه، وغيره بسند صحيح عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا ربيعة ألا تتزوج قلت: لا والله يا رسول الله ما أريد أن أتزوج وما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء.

ثم عرض عليه الزواج مرة ثانية فرفض، ثم وافق في الثالثة فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى (؟) من الأنصار ليزوجوه فزوجوه، ثم جمع له الصحابة الصداق وزن نواة من ذهب ثم عاونوه على الوليمة، إلى أن أخذ قرابة صفحتين في المجمع) ، ثم قال – أبي ربيعة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بعد ذلك أرضاً وأعطى أبا بكر أرضا، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عِذق نخلة [لأنها متدلية على الأرض] فقلت أنا: هي في حَدّي، وقال أبو بكر هي في حَدّي وكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها، وندم – أي أبو بكر – فقال: يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصاً، قلت: لا أفعل، قال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدي عليك برسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: ما أنا بفاعل، قال وضرب الأرض [وضرب الأرض برجله مغضباً] وانطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم فقالوا: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لك ما قال؟ فقلت: أتدرون من هذا، هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، هذا ذو شيبة المسلمين،؟؟ لا يلتفت إليكم يسمعكم فيلتفت إليكم – فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه، فيغضب الله عز وجل لغضبهما فتهلك ربيعة، قالوا: ما تأمرنا، قال ارجعوا فانطلق أبو بكر رحمة الله عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته وحدي حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان، فرفع رأسه إلي فقال يا ربيعة مالك وللصديق، قلت: يا رسول الله، كان كذا، كان كذا، قال لي كلمة كرهتها فقال لي قل كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر، قال الحسن: فولى أبو بكر رحمه الله يبكي.

والقصة أوردها الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 4/256، 257 في كتاب النكاح. فهذا مدلل وموسى مدلل، فإذا ارتفع صوته فما الذي يحصل؟ فيجري بينه وبين حبيبه ما يجري فلا تدخل نفسك بينهما فأنت واجبك أن تحافظ على الحدود الشرعية التي قيدت بها. الآية الثالثة: من الآيات الثلاث التي رآها في السموات عندما عرج به إلى السموات العلا رؤية سدرة المنتهى وما يوجد حولها من عجائب: ثبت في حديث الإسراء والمعراج الذي تقدم معنا من رواية مالك بن صعصعة رضي الله عنه وفيه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم [ثم رُفِعْتُ إلى سدرة المنتهى [[وضبط: ثم رُفِعَتْ لي سدرة المنتهى أي أظهرت وبينت فإذا نَبِقْهَا (بفتح النون وإسكان الباء، ويقال بكسر الباء وهو ثمر السدر مثل قلال هجر (جمع قلة وهى وعاء كبير يوضع فيه الماء من الفخار، وهجر بلده في البحرين وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قلت: ما هذه يا جبريل: قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أراد أنها تخرج من أصلها: نهران باطنان (أي يسيران إلى داخل الجنة) ونهران ظاهران (إلى خارجها) قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنِّيْل والفرات] . وسنبحث هنا عدة أمور: المبحث الأول: (سدرة المنتهى) سميت بهذا الاسم لثلاثة أمور: [لما أسري بي انتُهي بي إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي ما يهبط فيُقبض منها، ينتهي ما يعرج من الأرض فيُقبض منها، وهي في السماء السادسة] . إذن سدرة المنتهى في السماء السادسة فما يعرج من الأرض ويصعد ينتهي إليها فلا؟ وما يهبط من السماء فما فوقها وينزل يكون محل هبوطه عندها، ثم تأخذه الملائكة الموكلة بتبليغه إلى ما شاءت، من أهل سدرة المنتهى، فما يصعد يقف عند سدرة المنتهى وما يهبط يقف عند سدرة المنتهى ثم تتولى الملائكة؟؟ وتوزيعه حسب ما يأمرها الله عز وجل.

الثاني: قال الإمام النووي عليه رحمة الله: سميت سدرة المنهتى لأن علم الملائكة ينتهي إليها فلا يتجاوزها. فالملائكة لا تعلم ماذا يوجد بعد سدرة المنتهى، وسدرة المنتهى أصلها في السماء السادسة – كما ذكرنا – وأغصانها وفروعها في السماء السابعة والملائكة لا تتجاوز هذا، ولذلك تقدم في حديث المعراج – وسيأتي هذا معنا في الآيات الرابعة أن نبينا عليه الصلاة والسلام عُرج به وتوقف جبريل لما وصلا إلى سدرة المنتهى (وما منا إلا له مقام معلوم وقال: لو تقدمت طرفة عين لاحترقت) . الثالث: نقله الإمام الطبري في تفسيره (27/31) عند تفسير سورة النجم فروى بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [سميت بسدرة المنتهى لأنه ينتهي إليها أرواح؟؟ من المؤمنين] فإذن أرواح المؤمنين تكون في أصل سدرة المنتهى في ذلك المكان. المبحث الثاني: وصف الله هذه السدرة في كتابه بقوله (إذ يغشى السدرة ما يغشى) والذي غشي السدرة عدة أمور منها: أ- ما ثبت في حديث ابن مسعود المتقدم في صحيح مسلم وفيه [أنه غشيها فراش من ذهب] أي مملوءة بفراش من ذهب. قد يقول قائل: فراش من ذهب له روح كيف هذا؟ نقول: يا عبد الله، لماذا هذا التفكير؟ فهل إذا كان الفراش من عصب أو لحم يمكن أن يكون فيه روح ويتحرك وإذا كان من ذهب لا يمكن؟ لماذا هذا التفكير؟ ألم ينزل على نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام عندما اغتسل بعد أن برأ من مرضه عندما قال الله له: (هذا مغتسل بارد وشراب) فسقط عليه جراد من ذهب فبدأ نبي الله أيوب يغترف من هذا الجراد فقال الله له: ما هذا يا أيوب أوليس قد أغنيتك؟ فقال يا رب لا غنى لي عن بركتك. أي هذه البركة نزلت من عندك فأنا سآخذها وأجمعها.

والحديث في صحيح البخاري، وهذا حصل في حياتنا الدنيوية هنا، أفلا يعقل في مثل هذه الرحلة المباركة التي حصلت لخير البرية عليه الصلاة والسلام أن يكون هناك فراش من ذهب يطير حولها ويعيش فيها وكل هذه الرحلة خوارق وعجائب. ب- ورد عن أبي سعد الخدري وابن عباس رضي الله عنهم قالا: [إنه يغشاها ملائكة الله] وثبت في سنن البيهقي عن أبي سعد الخدري رضي الله عنه أنه قال: [على كل ورقة منها ملك الله] . جـ- ورد أنه تغشاها أنوار عظيمة، ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [فلما غشيها من أمر الله ما غشيها (أي من أنواره) تغيرت فما أحد من خلالها يستطيع أن ينعتها من حسنها] المبحث الثالث: قال نبينا عليه الصلاة والسلام عن هذه السدرة: [فإذا نَبْقِها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة] . هذه الشجرة التي هي سدرة المنتهى، وهذا النبق الذي هو الثمر والذي هو كقلال هجر لِمَ خصت بالذكر ووضعت في ذلك المكان ورآها نبينا عليه الصلاة والسلام؟ خصت لثلاثة أمور: أولها: ثمرها طيب. ثانيها: رائحتها ذكية. ثالثها: ظلها واسع. فإذن لها طعم ولها ريح ولها ظل، فخصت لهذه الاعتبارات الثلاثة، وهذه الاعتبارات الثلاثة تشبه الإيمان فالمؤمن ينبغي أن يكون: رائحته: قوله حسناً ... ظله ... : وفعله حسناً ... طعامهِ ... : ونيته حسنة بمثابة شجرة السدر طعم ورائحة وظل. وهكذا المؤمن فالقول الذي يصدر منه هو بمثابة الرائحة الذكية التي تعبق وتفوح، فلا يتكلم إلا بطيب، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت] ، فهو قول حسن يعبق به المجلس ويفوح فلا نتكلم بما يخدش الآذان أو في عرض مسلم. والعمل الذي يصدر منه هو بمثابة ظل شجر السدر، فهو عمل صالح؟؟ النية التي تصدر منه هي بمثابة الطعم وهي أطيب وأطيب مما ذكر.

فإذن ذكرت هذه الشجرة وخصت في ذلك المكان ورآها نبينا عليه الصلاة والسلام؟؟ الإيمان الذي كلف به عليه الصلاة والسلام وبتبليغه يشبه هذه الشجرة التي غشاها ما غشاها، ونبقها في تلك الصورة الحسنة البهية وراحتها ذكية. وقد شبه نبينا عليه الصلاة والسلام المؤمن بالأترجة إذا قرأ القرآن،؟؟؟؟؟ يقرأ القرآن، ثبت في الصحيحين وسنن النسائي وغيرها من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب] والأترجة هي المانجو الآن، ويمكن أن يقال شجر التفاح يعد لها هي في الأصل المانجو،وهي موجودة في بلاد مصر بكثرة، وهكذا التفاح ريحه طيب وطعمه حلو، ولو اشتريت ثمر المانجو ووضعته في البيت، فإنك إذا دخلت إلى البيت تشم ريحه إذا كان ناضجاً وكأن البيت مطيب، وهكذا الطعم. ثم قال: [ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب، ولا ريح لها] فتوجد نية طيبة لكن لا توجد رائحة حسنة من هذا المؤمن. ثم قال: [ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة] ، والريحانة ريحها طيب لكن طعمها مر وكذا حال هذا المنافق فالقول الذي يصدر منه هو بمثابة الرائحة الطيبة، أما النية فهي سيئة الله أعلم بحال صاحبها، فتجده يتجمل بقراءة القرآن فتحصل منه رائحة طيبة. ثم قال [ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظل لا ريح لها وطعمها خبيث] .

فإذن شبه المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة، وشبه في حديث الإسراء والمعراج بشجرة السدر، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا ً لاستمرار الخيرية في المؤمن وعند انقطاع المؤمن عن الخير بشجرة النخيل، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مِثْل المسلم يفي مثل المسلم – أي هي تشبهه) فحدثوني ما هي؟ قال عبد الله بن عمر: فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت لأنه كان عاشر عشرة فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد كان صغيراً – ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله، قال: هي النخلة] فلما قال لوالده عمر: أنا علمت أنها النخلة ولكنني استحيت أن أقولها؟ فقال: لأن تكون قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا من الأرض ذهباً، ليكون له قدر عند النبي صلى الله عليه وسلم عندما يوفق إلى الحكمة وليسدد للصواب. (ألم تر كيف ضرب الله مثلا ً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها في السماء) فالكلمة الطيبة هي التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله. والشجرة الطيبة كشجرة السدر وشجرة التفاح وشجر النخيل وشجر الأترجة. (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) وهكذا المؤمن هو في الأرض لكن أعماله تصعد إلى الله جل وعلا (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) . المبحث الرابع: الأنهار التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام تخرج من أصل سدرة المنتهى: قلنا رأى النبي صلى الله عليه وسلم نهرين باطنين ونهرين ظاهرين، أما الباطنان فهما الكوثر والرحمة ويخرجان من عين هي أمّ لهما أسمها السلسبيل وأما الظاهران فهما النيل والفرات كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام.

وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [سيحان وجيحان والنيل والفرات كلها من أنهار الجنة] وسيحان وجيحان نهران في بلاد سمرقند التي هي الآن تحت حكم الاتحاد السوفيتي فك الله أسر بلاد المسلمين، والنيل في بلاد مصر، والفرات في بلاد الشام، وهذه الأنهار كلها من الجنة. فإن قيل: كيف نجمع بين هذا الحديث وبين حديث الإسراء والمعراج الذي ذكر فيه نهرين فقط؟ نقول: وهو الجواب المعتمد الذي قرره الإمام النووي رحمه الله والحافظ ابن حجر: لا إشكال في ذلك، فسيحان وجيحان من أنهار الجنة، لكن لا ينبعان من أصل سدرة المنتهى، وأما النيل والفرات فمن أنهار الجنة ولكن ينبعان من أصل سدرة المنتهى ثم يتفجران للناس في الأرض فالنيل والفرات لهما مزيد بركة وفضل ومزية على سيحان وجيحان. وانظروا شرح الإمام النووي على صحيح مسلم (17/177) وفتح الباري (7/203) . ما المراد هنا من كون هذه الأنهار الظاهرة (النيل والفرات وسيحان وجيحان) من الجنة؟) ذكر علماؤنا قولين: القول الأول: ذكره القاضي عياض – وهو في نظري مردود مع جلالة قائله وهو أن في كون سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة إشارة إلى معجزة عظيمة من معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام وهي: أن البلاد التي فيها تلك الأنهار عما قريب ستفتح ويسلم أهل تلك البلاد ويؤولون إلى الجنة بعد ذلك، فهذه الأنهار ليس ماؤها من الجنة فعبر بالمحل وأراد من سيحل فيها في المستقبل من أهل الجنة. وهذا في منتهى التكلف فيما يظهر لي ولا داعي دائماً لإخراج اللفظ من ظاهره.

القول الثاني: وهو المعتمد وهو الذي قرره شيخ الإسلام الإمام النووي وابن حجر وغيرهما أن هذه الأنهار من أنهار الجنة حقيقة، فماؤها ينزل من الجنة بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها ونحن نحن معشر أهل السنة نؤمن بأن الجنة مخلوقة، وأن النار مخلوقة، وإذا كان الأمر كذلك فالأنهار موجودة في الجنة الآن، وهذان النهران الظاهران (النيل والفرات) يصبان في النيل والفرات في الأرض بكيفية يعلمها الله جل وعلا. وحقيقة لو أكرمك الله بشرب ماء النيل قبل أن يلوثه أهل الضلال والأباطيل بما سار عليه من مياه المجاري، وكذا الفرات، فأنت لو ذهبت إلى منبع النيل الأصلي لوجدت الماء أحلى وأطيب من العسل، لأنه من أنهار الجنة. ولا يوجد ماء على وجه الأرض يعدل ماء النيل أو الفرات اللهم إلا ماء زمزم – كما تقدم معنا فإنه أفضل المياه. وكذا لو ذهبت إلى النهر الثاني (الفرات) وشربت من ذلك الماء الصافي قبل أن يعكر المعكرون لانتعشت انتعاشاً ليس بعده انتعاش. وهكذا سيحان وجيحان: هذا ما يتعلق بالمبحث الرابع. وختام الكلام على الآيات الثلاث التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام معراجه في السموات العلا: رأى الملائكة الكرام – كما تقدم معنا – كما رأى خليل الرحمن إبراهيم وكيف أن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى قيام الساعة. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن أحوال بعض الملائكة الذين رآهم،؟؟ وأميرهم ورئيسهم هو جبريل عليه الصلاة والسلام – كما أن سيد البشر وأميرهم وأولهم نبيناعليه الصلاة والسلام. ثبت في مسند البزار ومعجم الطبراني الأوسط بسند رجاله ثقات عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى (وهم الملائكة) فإذا جبريل كالحِلْس البالي من خشية الله] .

والحِلْس: المتاع والثياب، أي كالمتاع والثياب الممزق الذي مضى عليه وقت كثير من الدهر فبلى. وهذا هو حال الملائكة الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام. القسم الرابع: آخر الآيات وآخر مباحث الإسراء والمعراج: آيات عظيمة حصلت له بعد رقي السموات أكرمه الله بعدة أمور منها: 1- فرض الصلوات الخمس. 2- مغفرة الكبائر لأمته الذين لا يشركون بالله شيئاً. 3- خواتيم سورة البقرة. 4- رؤية الله. 5- كلام الله. فهذه آيات حصلت لخير البريات عليه صلوات الله وسلامه فوق السموات (؟؟؟) بعد أن انتهى من السماء السابعة وعُرج به إلى مستوىً سمع فيه صريف الأقلام. وهذه أعظم الجوائز، وعندما اجتمع الحبيب بحبيبه فيعطيه أحسن التحف وهي الخمسة السابقة. أولاً: أما الصلوات الخمس: فقد فرضت في تلك الليلة من رحلته المباركة. ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يروي لأصحابه حديث الإسراء والمعراج: [ففرض الله علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فمررت فنزلت إلى موسى – وتقدم معنا أن موسى صار في السماء السابعة بعد أن كان في السادسة – فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صلاة، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك؟؟ ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك وخبرتهم] أي أنا أعلم الناس بأحوال الناس؟؟؟؟ لن تطيق خمسين صلاة، إذ قد فرض الله على بني إسرائيل صلاتين في الغداء والعشي فما أطاقوها ولا فعلوها، فكيف ستؤدي أمتك خمسين صلاة؟ إنها لن تطيق ذلك.

[قال نبينا عليه الصلاة والسلام: فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتي، فحط عني خمساً، فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمساً، قال: فإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى، حتى قال، يا محمد، إنهن خمس صلواتٌ كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فذلك خمس صلاة (إذن نزل وصعر بسبع مرات) ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت عشراً، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب شيئاً فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت إلى موسى، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف (أي ليخفف من الخمس أيضاً شيئاً) فقلت: رجعت إلى ربي استحييت منه] وفي رواية البخاري (فقلت: لكن أرضى وأسلم) أي لا أريد أن أرجع إلى ربي مرة عاشرة لأنه راجعه تسع مرات حتى خفف الصلوات إلى خمس. [فلما جاوزت نادى منادٍ: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، فهي خمس وفي الأجر خمسون] . هذا هو الحديث الذي يقرر أن الصلوات فرضت في ليلة المعراج فوق السموات العلا بينه وبين ربه جل وعلا، ثم نزل ومر على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام وهو في السماء السابعة وهذا الحديث عندنا حوله عدة تنبيهات: أ - ورد في رواية الصحيحين من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [فوضع عني شطرها] وتقدم معنا هنا: أنه وضع عنه خمس صلوات، خمس صلوات حتى خففت إلى خمس ورواية أبي ذر شطرها، والشطر النصف أي خمس وعشرين. وفي رواية البخاري من حديث مالك بن صعصعة: [فوضع عني عشراً] و؟؟ خمساً فكيف نجمع بين هذه الألفاظ؟

نقول لا إشكال على الإطلاق: فالمراد من الشطر إما البعض وهو الخمس وليس النصف الذي هو خمس وعشرين، أو أن المراد منه النصف لكن ليس بمرة واحدة إنما بمرات متعددة فأخبر عن وضع الشطر في خمس مرات كل مرة يضع خمساً وخمساً وخمساً وخمساً فالمجموع خمسة وعشرون وهذا شطر الخمسين. وأما العشر: فالمراد أنه وضعها في مرتين. لكن الذي وقع حقيقة وضع خمس صلوات في كل مرة، هذا هو الجمع بين هذه الروايات. ب- تنبيه حول رجوع نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ربه: كيف رجع نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ربه يسأله التخفيف في المرات التسع؟؟ ولم يرجع في المرة العاشرة؟ نقول: لعله علم أن الله لما فرض عليه الخمسين لم يفرضها فرض إلزام، فبقي هنالك مجال للمراجعة، فلما وصلت إلى خمس وقد أخبره في المرة الأخيرة أنها خمس في كل يوم وليلة وهي في الأجر خمسون علم أن الأمر صار أمر إلزام وحتم فلا يمكن أن أطلب التخفيف فقال [أرضى وأسلم] . يضاف إلى هذا أنه إذا طلب التخفيف في المرة العاشرة (الأخيرة) وقد حط عنه خمساً خمساً فإذا حط عنه الخمس المتبقية فستبقى هذه الأمة بلا فريضة؟؟ تقوم بها، ولذلك لو سأل في المرة العاشرة التخفيف فإن حاله يدل على أنه يريد إسقاط هذه الفريضة عن هذه الأمة، وهذا لا يليق ولذلك قال [أرضى وأسلم] ، وأما المرات السابقة فلعله علم بقرينة من القرائن أن ما فرض ليس من باب الجزم ويدل على هذا أن الله قد أجاب سؤاله وخفف عنه حتى وصلت إلى خمس صلوات. جـ- ما الحكمة من فرضية الصلاة في تلك الليلة المباركة، وفي ذلك المكان الذي هو أشرف الأمكنة فوق السموات العلا. ذكر العلماء حكمة معتبرة، وتبدو لي حكمة معتبرة لعلها أوجه من ما هو موجود في الكتب والعلم عند الله.

1- الحكمة التي ذكروها هي: أن النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة الإسراء والمعراج رأى حال الملائكة وعبادتهم لربهم جل وعلا، فمنهم الراكع الذي لا يرفع رأسه من الركوع، ومنهم الساجد الذي لا يرفع رأسه من السجود، ومنهم القائم لله عز وجل، هكذا عبادتهم، فتطلع نبينا عليه الصلاة والسلام لهذه العبادات العظيمة التي يقوم بها الملائكة العظام، فأجاب تطلعه وحقق أمنيته فأعطاه هذه العبادات بأسرها التي يقوم الملائكة في ركعة واحدة من ركعات الصلاة ففيها قيام وفيها ركوع وفيها سجود. أي: ليجمع الله لهذه الأمة عبادات الملائكة بأسرها في ركعة من ركعات الصلاة. 2- والحكمة التي تبدو لي هي: أن الصلاة إنما فرضت في ذلك المكان المعتبر لما فيها من عظيم الأثر فالصلاة لها أثر في الإنسان لا يوجد هذا الأثر في غيرها من عبادات الرحمن، فالجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، والزكاة والحج والصوم وهكذا ما شئت من العبادات لا يوجد في هذه العبادات أثر كأثر الصلاة من تزكية للنفس ومن داوم مراقبة الرب جل وعلا، ومن؟؟ بين المؤمنين في هذه الصلوات. فإذن الآثار التي توجد في الصلاة لا توجد في غيرها، فكل يوم ينبغي أن تصلي خمس مرات ولعل الإنسان لا يمر عليه يوم ويصلي أقل من أربعين ركعة وأحياناً يزيد، فالفرائض سبعة عشر ركعة والسنة الراتبة اثنا عشرة صار المجموع 29، ثم ضم إليها قيام الليل الذي هو ثماني ركعات صار العدد 37، مع ثلاث ركعات الوتر صار العدد40 ركعة، هذا لم يؤدى سنة الضحى، ونافلة قبل العصر، ونافلة قبل المغرب، إذا لم يتطوع تطوعا؟؟ ويحيي ما بين العشاءين بالصلاة كما هو حال الصالحين.

فأنت تصلي هذا العدد في اليوم وهذا له أثر جليل، أما الصوم فيجيء شهر متواصل تصوم وينقضي، وفيه آثار عظيمة لكن ليس كأثر الصلاة، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كما في موطأ مالك – يكتب إلى عماله: [إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع] ، وأول ما يحاسب عليه العبد من أعمال يوم القيامة هو الصلاة، فإن صلحت نظر في سائر عمله وحوسب عليه وإلا فالويل له. فإذن الصلاة لها أثر معتبر ومنزلة عظيمة وإذا كان الأمر كذلك فتعظيماً لشأنها فرضت في مكان وأحسنه وأغلاه وهو فوق السموات العلا من قبل الله إلى عبده محمد عليه صلوات الله وسلامه عليه مباشرة ودون أن يتخلل ذلك واسطة من جبريل أو غيره. ثانياً: مغفرة الكبائر لأمته الذين لا يشركون به شيئاً: ... ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [فأُعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً – أي مما أعطي – (لما رفع فوق السماء السابعة) : الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغُفِرَ لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحماتُ] أي غفرت المقحمات لمن لم يشرك بالله من أمته والمقحمات هي الذنوب العظيمة الكبيرة التي يقحم صاحبها وتزجه في نار جهنم. ... وقد ثبت في سنن الترمذي بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [يقول الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك....] وآخر الحديث هو محل الشاهد: [يا ابن آدم لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة] أي لو أتيت بما يقارب ملء الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة، وهذا من فضل الله على هذه الأمة، فنسأل الله أن يتوفانا على الإيمان بفضله ورحمته إنه ذو الجلال والإكرام.

.. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديث صحيحة متواترة أن شفاعته لأهل الكبائر من أمته، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه أبو داوود والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أنس رضي الله عنه – وهو مروى عن غيره عند غيرهما أيضاً – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] ، فالله سبحانه وتعالى يشفّع نبيه في أهل الكبائر ويقبل شفاعته ويغفر لهم ويرحمهم فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين،وهذه أعظم تُحفة حصلت لهذه الأمة في حادث الإسراء والمعراج. المحاضرة الحادية عشرة: 8/4/1412هـ ... وعقيدتنا معشر أهل السنة أن أصحاب الكبائر يفوض أمرهم إلى ربنا القاهر فلا نحكم عليهم بنار، ولا ننزلهم جنة، لكن نرجو لهم المغفرة. ... هذا إذ لم يتوبوا، فإذا تابوا تاب الله عليهم، ومن يمت ولم يتب من ذنبه، فأمره مفوض لربه، فإن عذبه الله على ذنوبه فهذا عدل، وإن غفر له فهذا فضل، وأفعال الله تدور بين هذين الحكمين عدل، أو فضل، ولا دخل للظلم أو الجور في أفعاله سبحانه وتعالى؛ لأن أفعال الله إما أن تكون عدلاً أو فضلاً أو جوراً، والجور يتنزه الله عنه، يقول تعالى كما في الحديث القدسي [إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا] ، ويقول (ولا يظلم ربك أحداً) ويقول (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً) ، فبقي العدل والفضل فمن عذبه فبعدله، ومن غفر له وأدخله الجنة فبفضله سبحان الله.

وهذا فيه رد على الفرق الضالة من الخوارج والمعتزلة الذين يخلدون فاعل الكبيرة في النار وكذلك فيه رد على فرقة الإباضية بزعامة مفتي عمان في هذه الأيام أحمد الخليلي، فإن هذا يرد على الخوارج الذين يكفرون فاعل الكبيرة – مع أن الإباضية فرقة من الخوارج، لكن يقول: هم مخلدون في النار وليسوا بكفار، فمن فعل كبيرة من زناً أو سرقة أو شرب خمر فهو مخلد في النار لكن – كما يقول – ليس بكافر ثم يقول وقد أخطأت الخوارج بتكفيره. نقول له: ما الفارق بين قولك وقول الخوارج في النهاية والآخرة، هل يوجد هناك فرق؟ لا يوجد فارق أبداً، فالخوارج قالوا: يخلد فاعل الكبيرة في النار، وأنت تقول إنه يخلد في النار فما الفرق إذن؟!! لكن الخوارج أجرأ منك على الباطل فقالوا: هو في الدنيا كافر، أما أنت فتذبذبت وقلت إنه مؤمن. فنقول لك: إذا كان مؤمناً فكيف ستخلده في نار جهنم مع فرعون وأبي لهب وأبي جهل؟!! إن هذا لهو الضلال بعينه. وقد نشر في هذا الوقت كتاباً سماه (الحق الدامغ) ، وكله باطل ليس فيه حق، أراد أن يقرر فيه ثلاث مسائل فحشاها ضلالاً وباطلاً: 1- نفي رؤية الله في الآخرة، ومن قال بالرؤية فهو ضال!! 2- كلام الله مخلوق. 3- أهل الكبائر مخلدون في نار جهنم. وقد ضلَّ في هذه المسائل الثلاثة وحرف الكلام عن مواضعه، وافترى على الشريعة المطهرة، وهذا الكتاب الذي ألفه، سبقه إلى تأليف مثله زنديق ضال خبيث حيث ألف كتاباً سماه (الدامغ) ومؤلفه هو أحمد بن يحيى الرواندي المتوفى سنة 298هـ، يقول الحافظ ابن حجر في لسان الميزان في ترجمته ألف كتاب الدامغ ليرد به على القرآن ويبين – على زعمه – تناقضه – ثم قال: أجاد الذهبي في حذفه فلم يذكره في ميزانه، وإنما ذكرته لألعنه. فهذا ألف الحق الدامغ في هذا العصر، ونحن نقول له: إنك تتحلى - أو تتقبح – بقبائح مستعارة فهذا العنوان سبقك إليه زنديق ضال. فذاك ألف الدامغ ليدمغ به القرآن على زعمه.

وهذا – الخليلي – ألف الدامغ ليدمغ به عقيدة أهل السنة والجماعة، فانتبهوا لهذا!!. وهذا بمنصب مفتي عمان وقد قلقل أذهان أهل السنة في ذلك المكان، وقبل أن آتي إلى رأس الخيمة من أبها اتصل بي بعض الأخوة من عمان وأرسل لي رسالة صغيرة بحدود ثلاثين صفحة، نشرها ذلك المفتي هناك حول جواب على سؤال وجه إليه،وهو أن رؤية الله في الآخرة مستحيلة، ومن قد آمن بهذا فهو ضال يشبه الخالق بالمخلوق , ذكر كلاماً باطلاً، وقد قال لي هذا الأخ: هذه الرسالة زعزع بها أهل السنة، إذ أنه منطيق في الكلام، وصاحب كلام معسول ويأتي بأمور متشابهة وكما قال يصطاد في الماء العكر. فأعظم منه من الله بها على نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى هذه الأمة أن بُشِّر نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه سيغفر لهذه الأمة المقحمات وهى الذنوب الكبائر وهذا فضل عظيم،وهذه تحفة عظيمة، وحتى هذه التحفة على قدر المتحِف والمهدِي، وعلى قدر المُتحَف والمُهْدى، فهذه هدية بين الله ونبيه حبيبه وخير خلقه، فماذا ستكون؟! حقيقة لابد أن تكون أنفس الهدايا والتحف، فأمتك لن نسوءك فيهم، فمن جاءنا؟؟؟ وعليه من الذنوب أمثال الجبال – إذا لم يشرك بالله شيئاً – نغفر له برحمتنا الواسعة نسأل الله أن يدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوه إنه واسع المغفرة. ثالثا: خواتيم سورة البقرة: ... وهذه هي التحفة الثالثة، وقد نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج؟؟ بالآيتين في ذلك المكان وامتن الله على نبيه عليه الصلاة والسلام بهما، وبما لهما من الفضائل العظام. وقد وردت بذلك الأحاديث الكثيرة ففي مسند الإمام أحمد بسند حسن عن عقبة بن عامر الجهني قال: [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة، فإنهما من كنز من تحت العرش] أي هذه من الكنوز الثمينة وتلقيتها من تحت عرش الرحمن، فهذا إذن مال عظيم؟؟ ثمين نتقرب به إلى رب العالمين.

وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن منزلة هاتين الآيتين، ففي الصحيحين، وسنن النسائي والترمذي من حديث إلى أبي مسعود رضي الله عنه (وقد ورد في بعض الكتب ابن مسعود، كتفسير ابن كثير وغيره وهذا خطأ مطبعي صوابه: أبو مسعود وهو الأنصاري البدري وليس عبد الله بن مسعود فهذا من المهاجرين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه] . قال الإمام النووي: (كفتاه) تحتمل أمرين لعل الله يجمعهما للقارئ بفضل رحمته: 1- كفتاه عن قيام الليل إذا لم يتيسر له أن يقوم في تلك الليلة لغلبة نوم أو تعب، فيكون له أجر قيام الليل بفضله ورحمته، ولا يقل قائل: أقرهما ولا أقوم للقيام وسأحصل الأجر. 2- كفتاه تلك الليلة كل مكروه وأذىً وبلية تقع في تلك الليلة. وقد ثبت في سنن الترمذي وصحيح ابن حيان ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الآيتان من آخر سورة البقرة لا تُقرآن في دار ثلاث مرات فيقربها الشيطان] أي فمن قرأها ثلاث مرات في بيته فلا يقرب الشيطان هذا البيت في ذلك اليوم. وروى ابن مَرْدُويَهْ عن علي رضي الله عنه أنه قال [لا أرى أحداً يعقل؟؟ ينام قبل أن يقرأ آية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة] ومعنى كلامه أنه لا يمكن أن يكون ببالي أن أرى مسلماً يعقل – أي ليس بكافر، وليس بصغير حتى نقول إنه لا يدرك منزلة هذه الآيات – بل هو مسلم عاقل ينام دون أن يقرأ آية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة، فحافظوا على ذلك. أما آية الكرسي كما في صحيح البخاري: [من قرأها إذا أخذ مضجعه لا يقربه شيطان حتى يصبح] وهي أفضل آي القرآن على الإطلاق، فأفضل آياته آية الكرسي وأفضل سوره سورة الإخلاص.

وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أي آيات في كتاب الله أعظم؟ فقلت: آية الكرسي، فضرب النبي عليه الصلاة والسلام في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر] ومعنى ليهنك هنيئاً لك وأحسن على هذه الإصابة. وفي آية الكرسي اسمان؟؟؟؟؟؟؟ إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب. وكان النبي عليه الصلاة والسلام – كما في سنن الترمذي وغيره – [إذا اجتهد في الدعاء يقول: يا حي يا قيوم] أي إذا دعا دعاءً يلح به وهو مهم فإنه يناجي ربه بهذين الاسمين: يا حي، يا قيوم. وقد أوصى نبينا عليه الصلاة والسلام – كما في مستدرك الحاكم وعمل اليوم والليلة لابن السني بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة ما يمنعك أن تقولي ما أوصيتك به، تقولين إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين] فهذا توسل إلى الله بحياته وقيوميته. فحافظوا عليه صباحاً ومساءً، فإنه هدية من نبينا عليه الصلاة والسلام لبِضْعَتِه فلتأخذ به أنت وهذان الاسمان هما أصل لسائر صفاته، فكل صفة لله أصلها الحي أو القيوم. فالصفات الذاتية بأسرها لا يثبت شيء منها لله إلا بعد ثبوت الحياة له جل وعلا، والصفات الفعلية بأسرها من الخلق والرزق والإحياء والإماتة والإعزاز والإذلال وما شاكلها لا تثبت لله إلا إذا ثبتت القيومية له. فهو حي حياة كاملة فلا تأخذه سنة ولا نوم، ومن باب أولى لا يطرأ عليه فناء ولا يموت سبحانه وتعالى، وهو قيوم قائم بنفسه مقيم لشؤون غيره يدبر أمور عباده (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) .

وقد ورد في سنن ابن ماجه بسند حسن – وهو في غيره أيضاً – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الاسم الأعظم في ثلاث سور] قال القاسم بن عبد الرحمن، راوي الحديث، وهو من أئمة التابعين – فطلبته هذا فوجدته في سورة البقرة وآل عمران وطه. فهي في سورة البقرة في آية الكرسي آية (255) في سورة آل عمران الآية الثانية: (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي سورة طه الآية (111) : (وعنت الوجوه للحي القيوم) وما ذكر الله اسمي الحي القيوم مقترنين إلا في هذه السور الثلاث، فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث [اسم الله الأعظم في ثلاث سور] قرينة – كما قال أئمتنا – على أن هذين الاسمين هما اسم الله الأعظم لكن مع هذا نقول اختلف أئمتنا لقرائن هل هو هذا، أم يا ذا الجلال والإكرام؟ أم لفظ الله؟ وقيل غير ذلك، وكل فريق أورد أدلة له، لكن هذا – الحي القيوم – فيما يظهر أظهرها؛ لأن له ميزة على سائر أسماء الله سبحانه وتعالى، فإنهما كما قلنا أصلان لسائر أسماء وصفات الله سبحانه وتعالى فلا يستبعد أن يكونا هما اسم الله الأعظم، سبحانه وتعالى لاسيما مع قرينة [في ثلاث سور] . ومبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في الالتجاء إلى الله عندما يهمه أمر بـ (يا حي يا قيوم) فهذا مما يدل على أن لهذا منزلة، وكذلك تعليمه لابنته فاطمة أن تلجأ إلى الله في الصباح والمساء بـ (يا حي يا قيوم) والعلم عند الله. يقول الإمام ابن تيمية – كما نقل عنه هذا تلميذه ابن القيم في مدارج السالكين: "لهذين الاسمين المباركين الأثر في حياة القلب ما ليس لغيرهما" ويقول "ومن تجريبات السالكين أن من واظب عليه قبل صلاة الفجر أحيا الله قلبه". أي أن من تجريبات السالكين أنهم كانوا يلهجون بهذين الاسمين قبل صلاة الفجر فيحيي الله جل وعلا قلوبهم ويجعلها منشرحة منورة مطمئنة.

س: هل ثبت أن الاسم الأعظم من الغيب الذي لا يعلمه إلا الولي الصالح أو أنه استنتاج حيث أنه لم يصرح به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ جـ- لم يثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ونقول: هو استنتاج من أحاديثه ويتوصل إلى معرفته أصحاب العقول السليمة الواعية بالنظر في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم – أحياناً – يشير إلى شيء ممكن أن يصل الإنسان إليه عن طريق النظر والتفكير فيما أشار إليه، كما في تعيين ليلة القدر فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحددها ولكن أشار في أحاديثه إلى أشياء يمكن التوصل عن طريقها إلى معرفة الليلة. إذن فالتحفة الثالثة خواتيم سورة البقرة، وقد ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي عن ابن عباس الله رضي الله عنهما: [أن جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كان جالساً مع النبي ففتح باباً من السماء فسطع نورٌ ونزل ملك منه فقال جبريل: هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا محمد، أبشر بنورين قد أوتيتهما فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته] . وقد يقول قائل: هل نزل هذا الملك بفاتحة الكتاب وبالآيتين من آخر سورة البقرة؟ نقول: لا، الملك لم ينزل يهما إنما نزل مخبراً بفضلهما، إذ أن هذه الآيات – كما قلنا – نزلت على النبيِّ عليه الصلاة والسلام وبُلِّغها فوق السموات العلا. وقد ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن المؤمنين عندما يقرؤون آخر سورة البقرة؟؟؟ جملة فيها دعاء يقول الله قد فعلت.

.. (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) فيقول الله: قد فعلت؟؟؟ (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) يقول الله: قد فعلت، (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) قد فعلت، (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) قد فعلت، (واعف عنا) قد فعلت، (واغفر لنا) قد فعلت، (وارحمنا) قد فعلت (أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) قد فعلت. فلا يقرؤون بجملة إلا يقول الله قد فعلت. ... وأما سورة الفاتحة فقد ثبت في الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن الله جل وعلا قال: [قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال (الرحمن الرحيم) قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال (مالك يوم الدين) مجدني عبدي، وفي رواية: قال [فوض إليّ عبدي] وإذا قال (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي] وتكملة الحديث: [ولعبدي ما سأل] أي: بعد أن أثنى علي العبد فليسأل ما يريد فأنا سأجيبه. س: هل الأجر المذكور فيما سبق يترتب على مجرد التلفظ أم على إدراك المعنى؟ جـ: الأصل أن الأجر يترتب على القراءة التامة الكاملة بحضور القلب وخشوعه، وفهم المعنى ومعرفته، وحسن التلاوة وسلامتها، فإن نقص شيء من ذلك نقص الأجر بحسابه.

.. فإذا أخل بالقراءة السليمة نقص الأجر، وإذا أخل بالخشوع والمراقبة والاستحضار والتفكر نقص الأجر، وإذا أخل في فهم المعنى نقص الأجر، وهذا كالصلاة فإنها؟؟؟؟؟. كاملة، وكل ما نقص من كمالها ينقص من أجرها ولذلك ثبت في السنن عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنَّ العبد يصلي الصلاة وما يكتب له نصفها، وما يكتب له ثلثها، وما يكتب له ربعها، وما يكتب له خمسها، حتى وصل وما يكتب له عشرها، وإذ لم يكتب عشرها مع أنه صلى، والقراءة كذلك. ... فإذن الثواب الذي نيط بالقراءة وعلق بها هو للقراءة الكاملة التي فيها – كما ذكرنا – خشوع التلاوة وفهم المعنى، وسلامة النطق، فإذا أخل بشيء من ذلك نقص من أجره، وقد يصل إلى حالة: [ربَّ قارئ للقراءة والقرآن يلعنه] ، نسأل الله العافية، وقد يصل المصلي إلى حالة [لا تزيده صلاته من الله إلا بعداً] وقد يصل الصائم إلى حالة [ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش] ، وقد يصل القائم إلى حالة [ليس له من قيامه إلا التعب والسهر] . ... ولذلك كان بعض الصالحين من أجل هذه المخاوف يقول: "من لم ير أن طاعاته ستدخله الجنة فقد عقله وضاعت بصيرته، أي عليه أن يقول: إن طاعاتي قد تستوجب لي النار، فكيف بمخالفاتي، وواقع الأمر كذلك، فطاعاتنا فيها من نقص وشوائب، ولو قدمت لبشر لما رضي بها لما فيها من نقص وتفريط، فكيف لو قدمت إلى أرحم الراحمين، لكن ليس لنا تعويل إلا على فضل الله الجليل، كما قال الأعرابي عندما تعلق بأستار الكعبة: "اللهم إن استغفاري مع إصراري لؤم؟؟؟ وإن تركي للاستغفار مع علمي بواسع فضلك عجز مني، يا من تتحبب إلينا بالنعم، ونتبغَّض إليك بالمعاصي، يا من إذا وَعَد وفَّى، وإذا توعّد تجاوز وعفى أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك" الأمر كذلك فهذا حال البشر إذا رجعوا إلى عقولهم.

.. ولذلك كان الصالحون يقولون: "اللهم إن أطعناك فبفضلك والمنة لك، وإن عصيناك ف؟؟؟ وعدلك والحجة لك، اللهم بحق قيام حجتك علينا وانقطاع حجتنا اغفر لنا". أي نحن؟؟؟ عاجزون مستسلمون، وحقيقة.. لعل هذا يرضي ربنا علينا. ... الحجاج وهو الظالم المشهور سفاك الدماء عندما يخاطب بمثل هذا الأسلوب يلين ويرق قلبه، فقد أساء أناس مرة في حقه فأحضرهم وأعمل السيوف في رقابهم حتى وصل إلى واحد منهم فقال له: قف أيها الأمير، قال: وماذا تريد أن تقول؟ قال: إن أخطأنا عليك وجنينا فلا تخطئ أنت؟؟؟ العفو عنا، فطرح الحجاج سيفه وقال: أما في هؤلاء من يحسن يعتذر؟! أي هؤلاء الذين قطعت رؤوسهم لا يوجد فيهم شخص واحد يحسن الكلام والاعتذار ويقول كقول هذا. ... ونقول نحن حالنا يستوجب قعر جهنم، لكن لا تعويل لنا إلا على فضل الله، فإن عذبنا فهذا ما نستحق وإن رحمنا فهذا جود منه وإحسان، أما أنه نريد أن يكون لنا عند الله يد وعليه منة ونقول فعلنا وفعلنا ونخص الحسنات، فبئس هذا العمل وهذا القول، وهذه الحسنات لا يعلم حالها عندما فعلت إلا الله سبحانه وتعالى، فلنحسن التوبة والاعتذار فكما قلنا حسن الأسلوب يرق قلوب الجبابرة فكيف بأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين سبحانه وتعالى ذي الفضل العظيم، فخواتيم سورة البقرة إذن هي التحفة الثالثة. رابعا: رؤية الله سبحانه وتعالي: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ السموات العلا. ... ومبحث الرؤية مرّ في منهج السنة الأولى، وقد مرّ معكم مختصراً، وتكلم عن رؤية المؤمنين ربهم جل وعلا يوم القيامة، لكن هناك مباحث أخرى تتعلق بموضوع الرؤية منها: 1- النساء وهل يرين ربهن في الآخرة أم لا؟ وهذه المسألة شهيرة ولم يتعرض لها في شرح الطحاوية، وقد ألف أئمتنا كتباً فيها من جملة ذلك: تحفة الجلساء برؤية النساء لرب الأرض والسماء للإمام السيوطي، وهو مطبوع ضمن الحاوي للفتاوى له (2/397) .

والأقوال في هذه المسألة ثلاثة، والمعتمد أنهن يرين الله سبحانه وتعالى وهن مكلفات كما أن الذكور مكلفون، وسبب الخلاف ورود بعض الروايات التي استدل منها بعض الناس على خلاف ذلك وأورد بحثاً فقال النساء لا يرين الله جل وعلا، وهذا باطل، وكان لابد من التعرض لهذا؟؟؟. 2- موضوع الرؤيا المنامية لربنا جل وعلا، هل تحصل أم لا؟ ... نعم تحصل، والله جل وعلا يُرى في المنام، وقد رآه نبينا عليه الصلاة والسلام – وهذا ليس بخصوصية له. وقرر هذا الإمام ابن تيمية وغيره عليهم جميعاً رحمة الله. ... يقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/167) : "ولم يأتنا نص جلي بأن النبي عليه الصلاة والسلام رأى الله تعالى بعينيه فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة". ... وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص، جمع أحاديثها؟؟؟ والبهيقي وغيرهما". ... ففي رؤية الله في المنام ثابتة باتفاق أهل السنة، وقد حكى ابن حجر في فتح الباري في الجزء الثالث عشر الإجماع على أن الله يُرى في المنام. ... وقد رآه أبو حنيفة والإمام أحمد والإمام الأوزاعي وأبو سليمان الرَبْعي (محدث دمشق) ، ورآه عدد غيرهم، وأنا أعرف بعض من رآه ممن قصّ عليّ رؤيته، والله تعالى على كل شيء قدير. ... ولو كان البحث معنا في الرؤيا لذكرت الأدلة على ذلك بتوسع، لكن نذكر نزراً منها: ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "خير ما يرى النائم في منامه أن يرى ربه، أو نبينه عليه الصلاة والسلام، أو أبويه أو أحدهما ماتا على الإسلام". ... وثبت في سنن الدرامي في كتاب الرؤى باب رؤية الرب في المنام، ثم نقل عن؟؟؟ بسند صحيح: "من رأى ربه دخل الجنة". أي هذا هو تأويل الرؤيا إذا رآها. ... ثم بعد ذلك حديث معاذ، الذي ألف الإمام ابن رجب حوله كتاباً سماه (اختيار؟؟؟ في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى) .

3- رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربنا جل وعلا، فهذه المباحث حولها شيء من الخلاف ولابد من؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الآخرين فليس لنا به الآن شغل أو علاقة لضيق الوقت، ولعله يأتي في حينه إن شاء الله في مبحث الرؤيا، فنقول وبالله التوفيق: ... اتفق أهل الحق على أن رؤية الله لم تحصل لأحد من الأنبياء في هذه الحياة الدنيا من آدم إلى عيسى عليه السلام أو لأحد من البشر. ... وأن من ادعاها لنفسه أو لأحد غير نبينا عليه الصلاة والسلام فهو ضال، وهذا محل وفاق وإجماع، لكن حصل خلاف في نبينا عليه الصلاة والسلام فقط. ... ودليل هذا الإجماع ما ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] هذا لفظ ابن ماجه. ... ولفظ الإمام مسلم في صحيحه (18/56 – بشرح النووي) : [تعلموا (أي اعلموا) أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت] . ... وهذا الحديث ذكره نبينا عليه الصلاة والسلام عند معرض ذكره للدجال عليه لعنة ذي العزة والجلال لأن الدجال يدعي أنه الرب، فيقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم يكفي في بطلان دعواه أن الله لا يرى في هذه الحياة الدنيا ولا يراه أحد من المخلوقات فيها فـ[اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] ، والدجال أعور وربكم ليس بأعور. فإن قيل: لماذا لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم ضمن هذا الكلام لأنه عام يشمل كل أحد؟ فالجواب: أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه فيوجهه لغيره ويستثنى هو من الكلام فلا يشمله فذلك لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم ضمن هذا الكلام.

ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/96) حيث قال بعد ذكر الحديث من رواية الإمام مسلم المتقدم "وفيه تنبيه على أن دعواه الربوبية كذب، لأن رؤية الله مقيدة بالموت والدجال يدعي أنه الله، ويراه الناس مع ذلك، وفي هذا الحديث رد على من يزعم أنه يرى الله في اليقظة تعالى الله عن ذلك،ولا يرد على ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ليلة الإسراء لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فأعطاه الله في الدنيا القوة التي يُنعم الله بها على المؤمنين في الآخرة". فذكر هنا أن الله خص نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا، وفي (8/608) منه – أي من فتح الباري عند كتاب التفسير في تفسير سورة النجم تعرض لهذا المبحث، فقال: "فإن جازت الرؤية في الدنيا عقلاً فقد امتنعت سمعاً، لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له إن يقول: أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه". فإذن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشمله العموم السابق فهو مستثنىً، وهذا كما أنه صلى الله عليه وسلم أخبر هذه الأمة بأنه لا يحل لهم أن يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة وقال لمن أسلم وعنده تسع نسوة [اختر أربعاً وفارق سائرهن] ، فهو لم يدخل في هذا الكلام بل له حكم خاص خصه الله به. وهنا في هذا الحديث لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم هذا الكلام ولا يقال إنه لن تحصل الرؤية حتى يموت صلوات الله عليه وسلامه. وعليه فقد اختلف أهل السنة في مسألة رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه ليلة الإسراء والمعراج على أربعة أقوال أذكرها على سبيل الإجمال ثم أفصل الكلام فيها عازياً كل قول لأهله من أهل السنة والسلف مبيناً دليله، مرجحاً – بعد ذلك – ما يظهر لي أنه راجح والعلم عند الله. القول الأول: حصلت الرؤية بعيني رأسه صلى الله عليه وسلم. القول الثاني: حصلت الرؤية بقلبه. القول الثالث: لم تحصل الرؤية. القول الرابع: التوقف، فلا نقول حصلت له، ولا نقول: لم تحصل.

وسنفصل الكلام فيها الآن: المحاضرة الخامسة عشر 9/4/1412هـ القول الأول: أن رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه جل وعلا حصلت بعيني رأسه: ... قال بهذا جمّ غفير من أئمة الإسلام، منهم: الإمام الحسن البصري، وكان يحلف على ذلك وقد أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/381) في ترجمة العبد الصالح إبراهيم بن طهمان وهو من رجال الكتب الستة ثقة وفوق الثقة، توفي سنة 163هـ، أورد في ترجمته أنه كان يقول: "والله الذي لا إله إلا هو لقد رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه". ... قال الإمام ألألوي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع مثاني (27/54) : "وأنا أقول برؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربنا". ... وهذا القول قال به الإمام السخاوي وهو تلميذ الحافظ ابن حجر وصاحب كتاب المقاصد الحسنة – التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة (1/30) . ... والتحفة اللطيفة تتكلم عن المدينة المنورة كما أنه ألفت كتب في أخبار مكة مثل أخبار مكة لأزرقي، وشفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، والعِقد الثمين في أخبار البلد الأمين للإمام الفاسي،وهذا أحسن ما كتب في أخبار مكة ومن دخلها يقع في (8 مجلدات) ، وكذلك ألفت كتب في أخبار المدينة من ذلك الكتاب السابق الذكر الذي ألفه الإمام السخاوي وهو كتاب جليل، وكتاب المغانم المطابة في أخبار طابة للفيروز آبادي. ... الشاهد أنه قال في التحفة اللطيفة: "وأنا أقول برؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه" وقد انتصر لهذا القول الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد وقرره في صفحات كثيرة تزيد على الثلاثين (من 197 - 230) دليل هذا القول وعمدته خمسة أمور: أولها: آثار ثابتة عن الصحابة لها حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام: 1- روى ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 199 بإسناد قوي قاله الحافظ في الفتح 8/108 عن أنس رضي الله عنه قال [رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه] .

2- روي الإمام الطبري في تفسيره، وابن خزيمة في كتاب التوحيد، والحاكم في المستدرك 2/469 بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [اصطفى الله إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالتكليم، واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية؟؟؟؟؟؟؟؟ له الرؤية، وأي هذه التحف والعطايا أغلى؟ حتما إنها الرؤية فهي أغلى العطايا. ... فموسى اصطفاه الله بالكلام، وإبراهيم اصطفاه الله بالخلة، ونبينا عليه الصلاة والسلام حصل له التكليم – كما سيأتيننا – وحصلت له الخلة، وخلته أكمل خلة لربه ولذلك يقول خليل الله إبراهيم – كما في حديث الشفاعة وهو حديث متواتر – عندما يذهب الخلق ويقولون اشفع لنا فقد اتخذك الله خليلاً فيقول [إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] . ... فإذن هو خليلٌ وكليمٌ، وله فضل لم يحصل لغيره من النبيين وهو الرؤية. 3- روي الطبراني في معجمه الأوسط بسند لا بأس به – والأثر في مجمع الزوائد (1/79) – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرتين، مرة ببصره ومرة بفؤاده] . إذن فهذه آثار مصرحة بأن نبينا عليه الصلاة والسلام حصلت له الرؤية للعزيز الغفار. ثانيها: احتمال الآيات لهذا القول: ... انتبه!! هناك فارق كبير بين قولنا نص الآيات وبين احتمالها، وإذا احتملت الآية هذا فاللائق بكرم الله ومنزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام حصول هذا الأمر له. ونقول: إذا احتملت وكان الاحتمال صحيحاً وجيهاً فهذا كافٍ في الدلالة. ... فإذن الآيات تحتمل ولا تنص، لأنها لو نصت لما كان هناك مجال للخلاف في هذه القضية والذي دفعنا لقول هذا الاحتمال – كما قلنا – تفضيل الله لنبيه عليه الصلاة والسلام على غيره من؟؟؟ ولا مانع من أن تفضيله الله تعالى بهذا الأمر.

.. أي أن منزلة نبينا عليه الصلاة والسلام يليق بها حصول هذا التفضيل، فإذا احتملت الآيات ما يليق بكرم الله ومنزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام ثبت هذا له كما سيثبت للمؤمنين في جنات النعيم، والله على كل شيء قدير. أما الآيات التي تحتمل هذا، فهي أربع آيات: 1- قول الله تعالى (إنه هو السميع البصير) وقد تقدم الكلام عليها عند آية الإسراء وقلنا في تفسير الضمير ومرجعه قولان: الأول: أن يعود على الله، وهذا هو المعتمد أي أن الله سميع بصير. الثاني: وحكى هذا أبو البقاء العُكْبري يمكن أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم أنه، أي هذا النبي الذي أسري به وعرج سميع لأوامري بصير بي حصلت له الرؤية وليس حاله كحال نبي الله موسى وهذا القول ليس هو المعتمد في تفسير الآية لكن الآية تحتمل هذا وليس في هذا الاحتمال؟؟؟ حتى نقول إنه مطروح وهذا هو المطلوب وهو كافٍ في الدلالة. 2- قوله تعالى (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) وقد تقدم ذكر هذه الآية، وقلنا إنه ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: [هي رؤيا عين لربنا رسول الله صلى الله عليه وسلم] . وهذه الرؤيا شاملة للآيات العظيمة التي رآها في الأرض وفي السماء وفي؟؟؟. إذن إطلاق الآية بأن الله أرى نبيه عليه الصلاة والسلام آيات عظيمة بعينيه، أفلا يدخل في هذا الإطلاق رؤيته لربه جل وعلا؟ يدخل. وهذا احتمال في الآية وهو احتمال مقبول. 3- قوله تعالى في سورة النجم (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) . في بيان المراد بالضمائر في قوله (دنا فتدلى) قولان لسلفنا الكرام:

الأول وهو الظاهر: أنها تعود على جبريل عليه السلام، اقرأ الآيات وانظر إلى الترتيب (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علَّمه شديد القوى) . الذي علمه هو شديد القوى جبريل، تابع الآيات (ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا) أي جبريل (فتدلى فكان) من النبي عليه الصلاة والسلام (قاب قوسين أو أدنى) ؟؟؟ الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بواسطة هذا الذي دنا فتدلى في تلك الساعة ما أوحى. ... وهذا هو الظاهر من الآيات، وهو أن هذه الرؤية حصلت من نبينا لجبريل وما رآه إلا مرتين في صورته الحقيقية، مرة في حادثة الإسراء والمعراج، ومرة رآه بأجياد، وله ستمائة جناح قد سد الأفق، (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) هذه هي الرؤية الثانية (عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ... ) الآيات. الثاني: أنها تعود على الله سبحانه وتعالى فتقول (ثم دنا) أي الرب جل وعلا، وقد ثبت هذا في صحيح البخاري في حديث الإسراء: [ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى] من نبينا عليه الصلاة والسلام وحصل بينهما ما حصل (فأوحى إليه ما أوحى) وحصلت له الرؤية. إذن فالدنو والتدلي هنا للرب جل وعلا، ولا يقال كيف دنا وكيف تدلى؟ لأن صفات؟؟؟ إقرار وإمرار، نقر بالصفة ولا نبحث في كيفيتها فعندما يقول (الرحمن على العرش) استوى نقول الاستواء معلوم والكيف مجهول، وكل ما خاطر ببالك فالله بخلاف ذلك. ... وإذا بحثت في الكيفية فقد مثلت، وإذا نفيت النص فقد عطلت، فلا تمثيل ولا تعطيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . والعجز عن دَرَك الإدراك إدراك ... والبحث في كنه ذات الإله إشراك فلو قيل لنا: ما معنى استوى؟ نقول: معناها استوى، وما معنى دنا فتدلى؟ نقول: دنا فتدلى، فتفسيرها قراءتها وقراءتها تفسيرها فقط دون أن نكيف معنىً من المعاني نتخيله بأذهاننا.

وعليه نقول: ليس الدنو بأغرب من نزول الرب إلى السماء كل ليلة [وهو حديث متواتر نؤمن به ومنكره ضال] . وهذا الحديث: مع أنه صحيح البخاري إلا أنه جرى حوله كلام، رواية شريك؟؟؟ لذلك قيل: إن شريك وهم في هذا اللفظ المذكور. ... السند في صحيح البخاري صحيح لكن يوجد في المتن وهم، وهذا كما يوجد حديث في صحيح مسلم انقلب على الراوي مع أن الإسناد صحيح [حتى لا تعلم ما أنفقت شماله] والأصل [حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه] ؟؟؟؟؟ وهنا كذلك قيل إن آفة هذا الحديث وهم الراوي لا ضعف السند. لكن الحافظ ابن حجر في الفتح كأنه لم يرتض اتهام شريك بالوهم في هذا اللفظ المذكور فقال: روى الأموي في مغازيه بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: [ثم دنا منه ربه فتدلى] يقول: وهذه الرواية شاهد لرواية شريك وأنه ليس بواهم فيها. ... ويكفي أن يدخل هذا المعنى – الثاني – في الآية وأن لا يقال دخوله باطل وغير محتمل، لكن هل هو راجح أم مرجوح؟ فهذا موضوع آخر. 4- قوله تعالى (ألم نشرح لك صدرك) وتقدمت معنا، وتقدم معنا أن الشرح يراد منه أمران: الأول: شرح معنوي، أي عن طريق شق صدره عليه صلوات الله وسلامه أربع مرات ثابتة صحيحة. الثاني: شرح معنوي أي أن الله ألقى في قلبه العلم النافع والسكينة والطمأنينة وشرح صدره بذلك ووفقه للعمل بما ألقى في قلبه ثم رفع ذكره وأعلى مقامه ورتبته فحصل له الشرح من جميع الجهات. فنقول: أليس من أعظم أنواع شرح الصدر رؤية الله جل وعلا؟ بلى. وحقيقة كل شرح دون حصول رؤية الله فليس بشرح كامل، فإن الله سبحانه يمن على نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه شرح له صدره على وجه التمام والكمال بحيث لم يبق في هذا الصدر؟؟؟ للشرح مرة ثانية، فلو لو تحصل له الرؤية فهل حصل الشرح التام الكامل؟ أم أننا نقول إنه يحتاج إلى شرح آخر مرة ثانية؟.

.. ولذلك يكتمل نعيم الجنة ويطيب برؤية الله جل وعلا، ولولا هذا لما تلذذ أهل الجنة في الجنة، فكما أن هذه الدنيا لا تطيب إلا بمعرفة الله والأنس بذكره سبحانه وتعالى ولولا هذا؟؟؟ الحياة علينا، فهناك كذلك الجنة بلا رؤية لله كالدنيا بلا معرفة لله، فماذا تكون الفائدة من هذه الحياة إنما تكون كحياة البهائم. ... يقول الإمام الحسن البصري – عليه رحمة الله – كما في كتاب الاعتقاد للإمام البهيقي -: "والله لو علم العابدون أنهم لن يروا ربهم في الآخرة لزهقت أنفسهم" أي لماتوا، فكيف نعبد إلهاً في هذه الحياة، لم نره في الحياة لحكمة وهي حتى لا يكون الإيمان إيمان مشاهدة، لكن أن تصبح الحياة كلها إلى ما لا نهاية لن نرى فيها نور وجه ربنا الكريم؟ فهذا مما لا يرضاه أحد. ... وإن أحدنا لا يرضاه مع الزوجة فضلا ً عن المعبود، ولله المثل الأعلى – فيتزوج زوجة لا يراها ولا تراه بل مجرد كتابة عقد هي في الهند وهو في رأس الخيمة، فهل هذا مما يرضاه أحد؟ لا هذا مما لا يرضاه أحد – وهي زوجة – فكيف بالمعبود الذي نعبده جل وعلا ثم لا نتمتع برؤية نور وجهه. وألا يتمنى أحدنا أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!!. كما في معجم الطبراني عن أنس رضي الله عنه – مرفوعاً بسند حسن – [سيوشك أحدكم يتمنى أن ينظر إليَّ ولو بأهله وماله] وواقع الأمر كذلك، ولو قيل: يمكن لكم أن تروا نبينا صلى الله عليه وسلم، فكيف رؤية رب العالمين؟ وكيف نعبد إلهاً لا نراه؟!!. ساء ظن الإباضية بربهم – وهم فرقة من الخوارج – حيث يقولون رؤية الله ضلال ومن؟؟؟؟ وهل يوجد عندنا حبيب أعظم من ربنا جل وعلا الذي خلقنا ونعبده؟!!. فإذن آنسنا الله في هذه الحياة بذكره وفي الآخرة بعد الممات لا نأنس إلا برؤية وجهه سبحانه وتعالى، إذن دخول هذا المعنى في الآية لا مانع منه والآية تحتمله، وهذا غرضنا. هذا هو الدليل الثاني.

ثالثها: من أثبت الرؤية فمعه زيادة علم، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ: وعندنا قاعدة مقررة: المثبت مقدم على المنافي. ... وقد حصل عندنا الإثبات في أثر ابن عباس وليس رؤية مطلقة بل قيد فقال مرة ببصره ومرة بفؤاده، فالتصريح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه ثابت ولنضرب مثالا ً: لو قلت للأخ إبراهيم: رأيت والدك هذا اليوم في رأس الخيمة، فقال: أنا أعلم أن والدي في مكة، فأنا أثبتُّ وهو ينفي فبكلام من نأخذ؟ نأخذ بكلام المثبت، ولا يعني هذا أن كلام النافي باطل أو أنه كذاب، لكن النافي يخبرنا ما كان، والأصل عدم ثبوت مجيء والدك إلا ببينة، فأنا أثبت – وأنت متعلق بالحال السابق، وهنا من نفى الرؤية فهو متعلق بالحال السابق، ومن أثبت فمعه دليل زائد فيقدم على النافي. رابعاً: خصوصيات نبينا عليه الصلاة والسلام كثير وفيرة، فما المانع من أن يخصه بهذا؟!. س: فهل هناك محظور أو مانع؟ وهل الرؤية في الدنيا مستحيلة أم ممكنة؟ جـ: ممكنة لكن ورد الشرع بأنها لا تحصل لغير نبينا عليه الصلاة والسلام فنحن ننفيها عن طريق منع الشرع لا عن طريق الاستحالة العقلية، ولو كانت مستحيلة عقلاً لما سألها موسى عليه الصلاة والسلام (قال رب أرني أنظر إليك) ، ومعنى المستحيل أنه كفر، فهل يسأل موسى عليه السلام كفراً من ربه؟!. ... فدل هذا على أنه كان يعلم أن الرؤية ممكنة، فإذا أراد الله أن يكرم بعض عباده بها أكرمه، فموسى تطّلع لهذا فقال الله له: إنك لا تتأهل لذلك في الدنيا، لكن انظر إلى الجبل إن استقر فسوف تراني، وتعليق الرؤية على ممكن يدل على أن الرؤية ممكنة، فلو ثبَت الله الجبل لرأى موسى ربه، لكن لما تجلى ربنا للجبل (جعله دكاً وخرّ موسى صَعِقاً) الشاهد؟؟؟ أنه علق الرؤية على ممكن فدل ذلك على أن الرؤية ممكنة.

.. وإذا كان الأمر كذلك فموسى سأل الرؤية ولكنه أخبر أنه لا يتأهل لهذا في الدنيا لأنه دون نبينا عليه الصلاة والسلام لا لنقص فيه، ولكن – كما قلنا - الكمالات تتفاوت فنبينا أفضل من موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قطعاً وجزماً، بل قلنا – إن خليل الرحمن إبراهيم أفضل من موسى. ... فإذن الرؤية جائزة عقلاً ممتنعة سمعاً وشرعاً للحديث الذي ذكرنا [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] وقلنا المتكلم لا يدخل في عموم كلامه، فبقي النبي صلى الله عليه وسلم مستثنىً، فهي إذن خصوصية فما المانع منها؟ لا يوجد شيء يمنع من ذلك. خامسها: في هذا القول تأكيد لحصول الرؤية للمؤمنين في جنات النعيم: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فنحن إذا قلنا بهذا القول نقطع الطريق على المعتزلة والخوارج الذين ينفون رؤية المؤمنين لربهم؟؟؟ هل يمكن لمخلوق أن يرى ربه؟ فنقول لهم حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فإذن هي ليست مستحيلا ً فنحن سنراه في الآخرة. لكن عندما نقول لم تحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فيبقى البحث في الرؤية في الآخرة هل حصلت له ولنا أن لن تحصل لأحد؟!!. ... أما إذا قلنا أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه حصلت فإن هذا مما سيريحنا من مجادلتهم ونقاشهم. القول الثاني: يثبت رؤية نبينا علية الصلاة والسلام لربه، لكن بقلبه لا بعيني رأسه. س: وما المراد بالرؤية القلبية هل هي العلم؟

المراد من الرؤية القلبية أن يراه بقلبه كما يراه ببصره، وليس المراد منها العلم عند أصحاب هذا القول، لأن العلم مشترك بينه وبين سائر المؤمنين فكلهم يعلمون الله ولو كان المراد (رآه بقلبه) أي علمه ليلة المعراج، فهذا لا يستقيم فإنه كان يعلمه قبل ذلك وكلنا نعلم هذا فما الداعي إذن للقول بأن نبينا عليه الصلاة والسلام رأي ربه بقلبه أي علمه؟!!!! وقد قال أصحاب هذا القول: ولا يشترط عقلاً لحصول الرؤية أن يرى الإنسان بعينيه اللتين هما في رأسه، فقد يرى بأصبعه وقد يرى برجله وقد يرى ببطنه وقد يرى بظهره وقد يرى بقلبه. فإنه لم ير ربنا بعيني رأسه، لكن جعل له في قلبه بصراً فرأى ربه، كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم رؤية من وراء ظهره وله عينان يبصر بهما، ويرى من ورائه كما يرى من أمامه وهكذا جعل الله له في قلبه. وقد قال بهذا القول أئمة أجلاء منهم: الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والإمام ابن كثير وجمّ غفير وفي تقديري وعلمي أن هذا القول ضعيف لعدة أمور: إطلاق الرؤية ينصرف إلى رؤية البصر لا إلى رؤية القلب، ونحن عندنا قد ثبتت الرؤية مطلقة ومقيدة، فالمقيدة أثر ابن عباس (ببصره) ، والمطلقة – كقول أنس [رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه] . ولا أعلم من أين أتى أصحاب هذا القول بقولهم إنه رآه بقلبه؟! نقول: وثبت عنده [ببصره] وبقية الروايات عن الصحابة مطلقة، فعندما يقول أنس: [رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه] فهذا اللفظ المطلق عندما يسمعه الإنسان يفهم منه أنها رؤية بصرية، لأن الرؤية إذا أطلقت فهي رؤية بصرية بعيني الرأس، فنقول: إطلاق الآثار المصرحة بحصول الرؤية لنبينا عليه الصلاة والسلام تدل على أن الرؤية بالبصر لا بالقلب. ؟؟؟ رضي الله عنهما بأنه رآه ببصره. 3- أن هذا خصوصية وذاك خصوصية فما الداعي لاعتبار هذا وإلغاء ذاك، وما الذي يرجح خصوصيتكم على خصوصيتنا.

4- القول بالقول الأول يدخل فيه هذا القول دون العكس. فلو قلنا إنه رآه بقلبه فقط لما دخلت رؤية البصر، ولو قلنا إنه رآه ببصره فلا مانع من أن يراه بقلبه أيضاً. إذن فالرؤية البصرية لا تمنع الرؤية القلبية، بخلاف العكس، وإذا كان الأمر كذلك فالذي يتناسب مع فضل الله ومع منزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام ودلالة الآثار أنه قد رآه بالأمرين، ببصره وبقلبه والله على كل شيء قدير. والإباضية والخوارج والمعتزلة خالفوا في موضوع الرؤية ونفوا حصولها وقالوا هي مستحيلة فنقول نبي الله موسى سأل الرؤية، وهذا من أعظم أدلة أهل السنة على أن رؤية الله في الدنيا ممكنة فضلا ً عن الآخرة، لأنها أي الرؤية لو كانت كفراً وضلالاً فهل كان يسألها نبي من أولي العزم؟!! وانظر إلى سفاهة الزمخشري عند هذه الآية (لن تراني) يقول لن تفيد التأبيد وهذا في الدنيا والآخرة، ونقول له: ألم يقل الله عن اليهود (ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم) ؟ ثم أخبر عنهم وعن أهل النار عموماً بأنهم سيتمنون الموت (ونادوا يا مالك ليقضي علينا ربك) فإذن المراد بـ (لن تراني) أي في الدنيا، فما الذي جعلك تقول إنه في الآخرة أيضاً لن تراه. ثم بعد ذلك هجا أهل السنة ببيتين من الشعر في (كشافه) فيقول: لجماعة سَمَّوا هَواهم سنة ... لجماعة حُمْرٌ لعمري موكفه قد شبهوه بخلقه فتخوفوا ... شنع الورى فتستروا بالبلكفه (حمر موكفة) هي حمير عليها الأكاف فهي مستعدة للركوب، والأكاف هو الذي يوضع على ظهر الحمار كالسراج للخيل. (البلكفة) هي قولنا نراه بلا كيف، ويقصد أننا لما قلنا بأننا نرى ربنا خفنا أن يقول النار عنا مشبهة وأن يشنعوا علينا ويقولون كيف شبهتموه بالورى فتسترنا بالبلكفة، فحذار حذار من البلكفة فإنه من منصوبات طواغيت شيوخهم، هذا كلامه،وهو اعتقادنا بأننا كلما ذكرنا صفة قلنا: نؤمن بها من غير كيف لأن الله يقول (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) .

ونحن نقول إن كان هو شاعراً أفلا يوجد عندنا شعراء، فانظر بماذا أجابه أهل السنة: هل نحن من أهل الهوى أم أنتم ... ومن الذي منا حمير موكفه اعكس تصب فالوصف فيكم ظاهر ... كالشمس فارجع عن مقال الزخرفه أترى الكليم أتى بجهل ما أتى ... وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفه إن الوجوه إليه ناظرة بذا ... جاء الكتاب فقلت هذا سفه نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى ... فهوى الهوى بك في الهاوي المتلفه فليلزم هو وكذلك الإباضية حدهم وليقفوا عنده، هل صار أعظم نعيم نتمناه ضلال؟ والذي يسأله يكون من الكافرين؟ نعوذ بالله من هذا. القول الثالث: ينفي الرؤية، أي لم تحصل هذه الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج. تبنى هذا القول أمنا عائشة غفر الله لها ورضي عنها.

ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث مسروق أنه قال لأمنا عائشة: [يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت: لقد قفّ شعري مما قلت] ومعنى هذا أن شعري؟؟؟ من هول هذه الكلمة العظيمة فكيف تقول هذا، والإنسان إذا اعتراه وجل يصاب بمثل هذا كما قال جل وعلا (الله أنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين لا يخشون ربهم) فإذا اعتراك وجل وهم ينقبض جلدك وكأن هناك برداً شديداً وتشعر بشعر رأسك كأنه انتصب، فهذا هو القف، ثم قالت له: [أين أنت من ثلاث، من حدثك أن محمد صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، [وفي رواية فقد أعظم على الله الفرية] ورحمة الله على الإمام ابن خزيمة يقول في كتاب التوحيد ويلتمس عذراً لأمه: "قالت هذا في حال انفعال وغضب، ولا يجوز أن نقول إن من قال هذا إنه أخطأ فضلاً عن أن نقول إنه افترى فضلا ً عن أن نقول إنه أعظم الفرية" أي أن هذا الكلام صدر منها في حالة من الغضب ولا علم عندها في هذه المسألة فقالت على حسن ما عندها من العلم هذا اللفظ القاسي، فهي مخطئة في هذا وهي أمنا نستغفر لها ونترضى عنها ونسأل الله بفضله ورحمته أن يشفعها فينا إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وهذه شفاعة شرعية، وليست شركية، فإنك إذا سألت الله أن يشفع فيك أحداً من خلقه فهذه شفاعة شرعية بالإجماع، أما لو قلت: يا عائشة اشفعي لنا، فهذا هو المحظور وهي شفاعة شركية، لكن لو قلت اللهم شفع في أبا بكر، عمر، عثمان، علي ... اللهم شفع فيّ نبيك عليه الصلاة والسلام، شفع فيّ أمنا عائشة فهذا خالص التوحيد، فتطلب من الله أن يشفع لا تطلب من المخلوق، لأنه لا يشفع أحد إلا بعد أن يأذن له الرحمن ويرضى للمشفوع بحصول الشفاعة له، ولذلك نحن نطلب من الله أن يشفع فينا هذه الصديقة رضي الله عنها، ثم قالت: [؟؟؟ والله يقول (لا تدركه الأبصار) ] ولو أردنا الوقوف معها لقلنا هل يصح هذا دليلاً على نفي الرؤية عن نبينا عليه الصلاة والسلام؟ ليس فيه دليل على الإطلاق، فالإدراك هو رؤية مع إحاطة والله جل وعلا يُرى ولا يُحاط به، فإذن الإدراك معنىً زائد على الرؤية هذا هو المعنى المعتمد. وقيل لا تدركه: على التنزل لنجعل قول أمنا معتبراً، ويكون المعنى لا تدركه أي لا تراه في الدنيا بإحاطة أو غيرها ونستثني من هذا نبينا عليه الصلاة والسلام. وقيل: وهو المعنى الثالث: لا تدركه في الآخرة إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، فإذا تجلى بنوره الذي هو نوره فإنه لا يراه شيء في الدنيا ولا في الآخرة إلا مات واحترق والمؤمنون عندما يروه يكون بصورة تناسب قواهم في الآخرة، فإنه لو تجلى بنوره الذي هو نراه لم يره يابس إلا ند؟؟؟ ولا حي إلا مات، والأمر الثاني: [ومن حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أنزله الله عليه فقد كذب، والله يقول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ومن حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فقد كذب، والله يقول (قل لا يعلم من في السموات والأرض إلا الله) ] .

ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن شقيق (من التابعين) [أنه التقى بأبي ذر رضي الله عنهم أجمعين فقال له: ليتني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسأله؟ ققال: وماذا تريد أن تسأله؟ فقال: كنت سأسأله: هل رأيت ربك؟ فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ فقال: [نورٌ أنّى أراه] فهذا الأخير من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ومعظم من أورد هذا الحديث يقول هذا دليل على نفي الرؤية. أنا أقول: هل هذا دليل على نفي الرؤية أم على حصولها؟ الجواب: هذا الحديث دليل على حصول الرؤية، كيف هذا؟ يا إخوتي الكرام ... عندما أقول هذا رجل أنّى أراه، ما معنى هذا، معناه أنه كيفما أراه وفي أي حالة أراه فهو رجل. وهذا هو جواب الإمام ابن خزيمة وتعليله فيقول أنّى ليست للاستبعاد وإنما لبيان أن هذا هو حال الله في جميع الأحوال. فالمعنى هو أن الله جل وعلا كيفما أراه فهو نور، وهذا كقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم) أي كيف شئتم، وليس المعنى أنّى لا رآه ومستبعد أن أراه. فإذن هو يدل على حصول الرؤية، يدل على هذا الرواية الثانية في صحيح مسلم [رأيت نوراً] وقال النافون للرؤية: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يره لكن رأى النور الذي هو حجابه، فإن الله لا يُرى في الحياة الدنيا، وحملوا أنّى على الاستبعاد لا على هذا العموم الأحوال. المحاضرة السادسة عشرة وقد حاول أصحاب القول الثاني [الذين قالوا الرؤية قلبية ليست بصرية] أن يجمعوا بين القول الأول والثالث وأن يردوهما إلى القول الثاني فقالوا: من أثبت الرؤية فمراده الرؤية القلبية. ومن نفى الرؤية فمراده الرؤية البصرية. وعليه فالأقوال الثلاثة بمعنىً واحد ولا اختلاف بينها، وهذا هو رأي الإمام بن تيمية وتلميذه ابن القيم، والإمام ابن حجر في فتح الباري (8/608) مال إلى هذا وجمع بين الأقوال الثلاثة فردها إلى قول واحد.

وهذا مع جلالة من رجحه وقال به – هو في نظري جمع ضعيف لأمرين معتبرين: الأمر الأول: لا معارضة بين القول الأول والثاني عند أصحاب القول الأول فلا يجوز أن نرد قولهم إلى قول غيرهم. ووجه عدم المعارضة وضحته لكم سابقاً: أن من أثبت الرؤية البصرية لا ينفي الرؤية القلبية بل يقول: إذا حصلت رؤية البصر فرؤية القلب حاصلة من باب أولى، وعليه فلا داعي للجمع بين القولين لأن أصحاب القول الأول لا يخالفونكم في قولكم. الأمر الثاني: نقول: القول الثاني والثالث ينفيان الرؤية – أي الرؤية البصرية – وتقدمت معنا قاعدة ذهبية وهي أن المثبت مقدم على النافي. فعندما تأتينا رواية الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده] فهذا إثبات والإثبات لا يجوز أن نتركه لأجل نفي لأن المثبت مقدم على النافي، ومَنْ حفظ حجة على من لم يحفظ. والعلم عند الله. القول الرابع: التوقف، فلا نقول رآه ببصره ولا بقلبه ولا ننفي الرؤية، إنما نقول هذه مسألة لا يتعلق بها حكم دنيوي والنصوص متعارضة في الظاهر، فالسكوت أسلم ونفوض الأمر إلى الله جل وعلا. إذن لما تعارضت الأدلة وكان لا يتعلق بها حكم ظاهري أو دنيوي لنجمع أو لنرجح، إذ لو كانت في حكم دنيوي لكان لابد من الترجيح أو الجمع لأجل أن نعمل ببعض النصوص، لكن بما أن الحالة ليست كذلك والمسألة من أمور الغيب فالسكوت عنها أولى. وهذا ما ذهب إليه عدد من الأئمة منهم الإمام أبو العباس القرطبي، (ليس صاحب التفسير المشهور إنما هو صاحب كتاب المُفهِم في شرح صحيح مسلم) وقال: النصوص فيها متعارضة وأقاويل السلف مختلفة فمنهم من يثبت ببصره ومنهم من يثبت بقلبه ومنهم من ينفي، ولا يتعلق بهذه المسألة حكم دنيوي فالسكوت أسلم.

وذهب إلى هذا سعيد بن جبير من أئمة التابعين كما حكي ذلك عن القاضي عياض في كتابه (الشفا في التعريف بحقوق المصطفى) وهو كتاب سيرة نبوي – في ص 97 حيث نقل القاضي عن سعيد بن جبير عليه رحمة الله أنه قال: لا أقول رآه ولا أقول لم يره. ويفهم من كلام الإمام الذهبي عليه رحمة الله أنه يميل إلى هذا القول ففي سير أعلام النبلاء (10/114) يقول: "والذي دل عليه الدليل عدم الرؤية مع إمكانها فنقف عند هذه المسألة فإثبات ذلك أو نفيه صعب والوقوف سبيل السلامة والله أعلم، وإذا ثبت شيء قلنا به". انظر لهذا الكلام الذي هو أصفي من الذهب وأحلى من العسل، وهذا الإنصاف وهذا هو حال أئمتنا في البحث العلمي فلا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا عليه الصلاة والسلام في الدنيا ولا من نفاها بل نقول الله ورسوله أعلم، بلى نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة، إذ رؤية الله في الآخرة تثبت بنصوص متواتر. وهذه المسألة أشار إليها الإمام الذهبي أيضاً في (2/167) وقد ذكرته سابقاً، فيقول: "ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله بعينيه، وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة وأما رؤية الله سبحانه عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص وجمع أحاديث الرؤية الإمام البهيقي والإمام الدارقطني وغيرهما" فهذا فيما يظهر ميل الذهبي إلى هذا القول، أنه يتوقف ولا يعنف من قال بخصوص الرؤية ولا يعنف من نفاها. وخلاصة الكلام ... في هذه المسألة أربعة أقوال ثابتة عن سلفنا الكرام وهي مما يسع الإنسان في هذه المسألة أن يقول بواحد منها، وإذ قال بواحد منها فلا يعنف ولا يبدع ولا يضلل لاختلاف السلف في هذه المسألة. نعنف نعنف من أنكر الرؤية في الآخرة فذاك يخالف أمراً مجمعاً عليه، فنبدعه ونحكم عليه بالضلال فانتبه لهذا.

أخوتي الكرام ... العمدة والضابط في التماس عذر للمخالف من أمور الشرع وعدم التماس عذر له أمر واحد وهو اتفاق السلف واختلافهم فهم في العقائد والأحكام العملية (عبادات، معاملات، عقوبات) فمن خالفهم فيما اتفقوا عليه فهو ضال مبتدع ومن خالفهم فيما لم يتفقوا عليه فالمخالف في سعة فلا يبدع ما دام لم يقصد الهوى ولم يخبرنا أنه يفعل هذا شططاً وسفهاً. وهذا له نظائر كثيرة سواء كان في العقائد أو في الأحكام فالأمر مستوٍ فيهما، فإذن ننظر لحال واقع السلف في هذه المسألة فإن أجمعوا فالمخالف ضال وإن اختلفوا فالأمر فيه سعة، وهنا لا نعنف المثبت ولا نعنف النافي ولا نعنف المتوقف. ولأضرب لكم مثلا في أمر فرعي: آية الوضوء: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ... ) فهناك أربعة أعضاء ثلاثة تغسل وواحد يُمسح لا خلاف فيها بين المسلمين، فمن خالف في هذا فهو ضال شيطانٌ رجيم، لكن بعد ذلك في كيفية الإتيان بهذه الأعضاء في الوضوء اختلف العلماء قالوا: هل يلزم الترتيب أم لا؟! ، فلو جاء إنسان وتوضأ ولم يرتب صح الوضوء أم لا؟ عند الحنفية صح الوضوء، والترتيب بين هذه الأعضاء الأربعة مستحب لأن الله يقول (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ... ) والواو بإجماع أهل اللغة تفيد التشريك مع عدم الترتيب لا بمهلة ولا بدون مهلة، هذا كما تقول جاء زيد وبكر ومحمد وقد يكون محمد أولهم مجيئاً بخلاف ما لو قلت جاء زيد فبكر فمحمد فهنا الفاء للترتيب مع التعقيب فالأول وبعده الثاني مباشرة، وبخلاف ما لو قلت جاء زيد ثم إبراهيم فهنا ثم للترتيب مع التراخي. فإذن الترتيب عند الحنفية سنة، وهو عند الجمهور واجب، وعليه لو جاء رجل وتوضأ ولم يرتب فهل يجرؤ إنسان أن يقول له وضوؤك باطل؟!.

لا، لأن المسألة وقع الخلاف فيها بين السلف. وأبو حنيفة تابعي أدرك ستة من الصحابة، فالمسألة فيها سعة. مثال آخر: مسح الخفين بدل غسل الرجلين هذا لا خلاف فيه بين علماء الأمة، فإذا لبس الخفين على طهارة وجاء ليتوضأ فلا يلزمه أن ينزع خفيه بل يكفيه أن يمسح عليها. فلو خالف أحد وقال لا يجوز المسح على الخفين ولو مسح ما صحت صلاته، فماذا نقول له؟ مبتدع وضال لأنه لا خلاف في هذا بين أئمتنا، والمخالف في هذا هم الشيعة فقط يقولون لو مسح على خفيه لم يصح وضوؤه، ولو غسل رجليه لم يصح وضوؤه بل يمسح على رجليه مسحاً فقط. فخالفوا أهل السنة في الأمرين، في غسل الرجلين وفي المسح على الخفين، لكن نقول هل سبقهما إلى هذا أحد من السلف؟! وإن سبقهم أحد من السلف فلا يحق لأحد أن يضلل المخالف. وأحاديث المسح على الخفين رويت عن العشرة المبشرين بالجنة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه - الذي يزعمون زوراً وبهتاناً أنهم ينتمون إليه، وكان يمسح على الخفين، كما نقل عنه تحريم نكاح المتعة – وهذا ثابت في صحيح مسلم عنه وهم يخالفونه في الأمرين، ولا يمسحون على الخفين، وينكحون نكاح متعة ويدعون أنهم ينتسبون إلى آل البيت، والزنا في البلدان كلها يقع في دور العهر والفجور والفنادق إلا في إيران فإنه يقع في المساجد عن طريق نكاح المتعة، فتذهب إلى هناك ويأتي آية الله – بل هو آية الشيطان – فيعقد لك على من تريد وهناك نساء جالسات ينتظرن من يأتي ليعقد عليهن نكاح متعة يوماً أو يومين أو ليلة أو ليلتين كما تريد، وهذا عندهم لا حرج فيه بل هو من الأمور الفاضلة كما أنه لا يعتبر نكاحاً كالنكاح المعروف، فلو كان عندك أربع نسوة وأردت أن تعقد على غيرهن نكاح متعة فلا حرج في ذلك، وإذا تمتعت مرة فأنت في درجة الحسن – كما يقولون – ومرتين في درجة الحسين، وثلاثة في درجة علي ... نعوذ بالله من هذا الضلال والعار.

فإذن ننظر إلى المسألة هل تحتملها الأدلة أم لا؟ وكيف ذلك؟ نقول: خير من فيهم دين الله هم سلف هذه الأمة، فإذا اختلفوا دل هذا على أن الدليل يحتمل ويحتمل، ولا يوجد نص يرجح، فالمسألة بقيت محتملة والأقوال كلها جائزة، والإنسان يأخذ بما هو أقرب للمراد حسب اجتهاده، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وإذا لم يختلفوا – فهم خير من فهم دين الله – فاتفاقهم هذا يدل على أن النص ليس له معنىً إلا هذا ولذلك المخالف ضال ومبتدع. ولذلك إخوتي الكرام ... كل من يدعو إلى الكتاب والسنة – كما يوجد في هذه الأيام – دون الرجوع إلى فهم السلف فهو ضال زنديق يريد أن يضلل الأمة وأن يقضي على الكتاب والسنة باسم الكتاب والسنة، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج المتقدمين الجدد والحديث في الصحيحين [يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّه، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم] هذا حال الخوارج، وقد تواترت الأحاديث في ذم الخوارج، فهؤلاء ماذا يقولون؟ يدعون إلى تحكيم الكتاب ويقولون لا حكم إلا لله، وعليّ عندما حَكَّم الرجال كفر. ويوجد جماعة الآن يسمون بالقرآنيين يقولون ليس عندنا لا أبو بكر ولا عمر ولا أحمد ولا الشافعي، ليس عندنا إلا القرآن وعقولنا. فانظر لألفاظ علمائنا لا نعنف من أثبت الرؤية، ولا نعنف من نفاها، فماذا تختار؟ يقول: السكوت أسلم وإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وهي ما لا يتعلق به حكم دنيوي وهي من أمور الغيب فلنكِلْ أمرها إلى الرب جل وعلا ولا نخوض فيها والعلم عند الله.

انتبهوا لهذا طالب العلم لابد أن يحيط بهذه الأقوال الأربعة حتى إذا سمع قائلاً يقول بقول منها فليتمهل عليه ولا ينبذه بالبدعة ويقول له أنت مبتدع خالفت أهل السنة، انتبهوا المسألة مما اختلف فيها أهل السنة وفيها سعة وقد سبقنا في الخلاف فيها من قبل الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم، فابن عباس يثبت وأمنا عائشة تنفي والعلماء بعد ذلك على هذا المسلك وما دام الأمر كذلك فليسعنا ما وسعهم ولا يبدع بعضنا بعضاً والعلم عند الله. س: ما المراد بالسلف هنا؟ جـ: المراد بالسلف هنا الصحابة والتابعون وتابعوهم، وهم القرون المفضلة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك يفشوا الكذب كما يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح البخاري: [خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم] ، قال عمران بن الحصين أو الراوي عنه: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً] ثم يأتي بعد ذلك أقوام يشهدون ولا يستشهدون ويحلفون ولا يستحلفون ويخونون ولا يأتمنون [وفي بعض الروايات ينذرون ولا يوفون] ويظهر فيهم السِمَن يسبق يمين أحدهم شهادته وشهادته يمينه] أي يتعجل في كلامه ولا يتروي وهذا في العصور المتأخرة. ولذلك الحديث المرسل الذي يرفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم احتج به الجمهور، قالوا: لأن ذلك لم يفشُ فيه الكذب، فإنه حصل في العصور المتأخرة. خامساً: كلام العزيز الغفور لنبينا عليه الصلاة والسلام المبرور: كلمة الله جل وعلا فوق سبع سموات، فحصلت له الرؤية وحصل له الكلام ن وتقدم معنا ما يشير إلى هذا عند فرض الصلوات وفيه أن الله جل وعلا قال له بعد أن انتهت إلى خمس [أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي،هي خمس وهن في الآخرة خمسون] .

وهذا كلام يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من ربنا في ذلك الوقت، وهذا هو مما أطلعنا عليه من أنه حصل بينهما كلام، لكن ما الذي حصل بعد ذلك من مناجاة وتكليم؟ لا يعلم هذا إلا رب العالمين. وقد أشار الحافظ في الفتح (7/216) إلى هذا عند هذه الجملة من الحديث: "هذا من أقوى ما استدل به على أن الله كلم نبيه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج بغير واسطة" إن قيل: من أين علمنا أن هذا التكليم كان من غير واسطة؟ الجواب: من لفظ الحديث [أمضيت فريضتي] ، ولو أن الملك هو الذي بلغه لقال أمضى الله فريضته يا محمد [خففت عن عبادي] هذا كلام من؟ إنه كلام الله، هذا كما يفعل ربنا كل ليلة حين ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: [من يدعوني فاستجب له، ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له] والحديث متواتر، فجاء المؤولة وقالوا: معنى [ينزل ربنا] أي ينزل ملكه ونقول لهم: لو نزل الملك فهل يجوز أن يقول من يدعوني فأستجب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له بل لو نزل أعلى الملائكة لما جاز له أن يقول هذا الكلام، لكن يقول لو كان الملك الذي ينزل – من يدعو الله فيستجيب له ... وهكذا. وهنا لفظ الحديث يدل على أن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى إذ لا يصح أن يتكلم بهذه الصيغة غير الله جل وعلا. وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد (1/80) – وهذا الكتاب لا ينبغي أن يخلو منه بيت مسلم وهو في خمس مجلدات وهو كتاب نافع ضروري ضموه إلى ما ذكرناه سابقاً كتاب الأذكار ورياض الصالحين والتبيان في آداب جملة القرآن – يقول عند تعداد مراتب الوحي فذكر مرتبة ثامنة للوحي وهي آخر المراتب وهي خاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام ولم تحصل لغيره: "زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم الله لنبيه عليه الصلاة والسلام كفاحاً (أي من غير حجاب) على مذهب من يقول إنه رأى ربه، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف".

وهي كما قلنا لم تحصل لغير نبينا عليه الصلاة والسلام، أما الكلام الذي حصل لموسى بحجاب، فهذه زيادة رآه وكلمة، والله يقول في كتابه ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء فاستثنى من هذا نبينا عليه الصلاة والسلام فكلمه كفاحاً ومشافهة دون أن يكون هناك حاجز أو حجاب. وإذا لم نقل بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فنقول الكلام حصل له بحجاب كما حصل لموسى عليه السلام. والآن انتهينا من مبحث الإسراء والمعراج. س: متى وقع الإسراء والمعراج بالتحديد؟ جـ: لا يُعلم زمن وقوعه بالتحديد لا في أي يوم ولا في أي شهر ولم يثبت هذا بسند صحيح عن أحد وكل تحديد لشهره أو ليومه أو لليلته فهو محض التخرص والكذب والافتراء على النبي عليه الصلاة والسلام. أما الاحتفالات المزيفة بليلة الإسراء والمعراج فهذه احتفالات المنافقين الذين عادوا نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، فبعد أن محوا نوره وشرعه أراد الشيطان أن يخدّرهم , أن يخّدر الناس باحتفالات وتواشيح وأناشيد وشيء من الخطب وأحياناً بكاء، ثم يزول أثر كل ذلك بعد قليل. وهل احتفل الصحابة في حياتهم أو التابعون أو من بعدهم بإسراء ومعراج أو بمولد نبوي أو بحادث هجرة أو بغير ذلك؟ لا، ولكن هذا الآن صار عندنا أعظم الغايات وما كان الصحابة يبالون به ولا يعطونه شيئاً من الاهتمام، مع أنهم يعلمون في أي يوم أسري به صلى الله عليه وسلم ومتى عرج به لكن ما خطر ببال تابعي – لسلامة عقولهم – أن يسأل صحابياً عن اليوم بالتحديد، ولو سأله لأخبره لكن لا فائدة من هذا السؤال فليس من وراء معرفته على التحديد فائدة.

ولكننا ما عملنا هذا إلا لما انحرفنا عن دين الله وحاربنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأنا نحتفل بهذه الشكليات التي هي بدع وصار حالنا كالنصارى فإنهم احتفلوا بعيد الميلاد – عندهم - بعد أن ضيعوا دينهم وغيروا هذا الدين وضيعوه فلذلك صاروا يحتفلون بهذه المراسيم، وهكذا نحن سلكنا مسلكهم وسنسلك مسلك من كان قبلنا شبراً بشبر وذراعا ً بذراع. فإذن لم يضبط تاريخ هذه الحادثة ولعله لحكمة يشاؤها الله: أولا ً: لئلا يعكف المسلمون على هذه الليلة ويجعلون لها مراسيم، وهذا واضح فإنهم عملوا لها مراسيم الآن مع أنها لم تعلم بالتحديد فكيف لو عُلِمتْ. ثانياً: ليخبرنا الله أن هذه الأمور شكلية ولا وزن لها ولا قيمة، فليس المهم معرفة الزمن بالتحديد الذي وقعت فيه، لكن المهم الاتعاظ والوقوف عند هذه العبرة العظيمة وأخذ الأحكام والفوائد التي في هذه الحادثة. س: إذا اختلف الأئمة بعد القرون المفضلة، فهل في الأمر سعة كما لو اختلفوا في عهد السلف؟ نقول: إن خالفوا في أمر متفق عليه بين الصحابة وتابعيهم ومن بعدهم فالمخالف حينئذ ضال وهذا لا يوجد في المذاهب الأربعة قطعاً. وإن كانت المسألة جديدة وحادثة واختلفوا في حكم الله فيها ليلحقوها بأحد النصوص الشرعية الثابتة عن خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، فاختلفوا في هذا فهنا الأمر فيه سعة ما دامت النصوص تشهد له. إذن جرت مسألة ولا نص فيها فبحث العلماء في حكمها وشأنها فاختلفوا فبعضهم ألحقها بدليل وحاظر وبعضهم ألحقها بدليل مُبيح فيبقى الأمر كما لو حصل الاختلاف في زمن الصحابة رضوان الله عليهم والأمر فيه سعة، ورحمة الله واسعة. المبحث الثاني: مبحث الحَوض: معناه في اللغة: مجمع الماء، بمعنى البركة كما هو معروف لدينا في هذه الأيام فنقول: بركة، مسبح، حوض وجمعه حياض وأحواض. والمراد من الحوض: الحوض الذي يكون لنبينا صلى الله عليه وسلم في الآخرة.

وهذا الحوض قد تواترت به الأحاديث، فأحصى الحافظ ابن حجر الصحابة الذين رووا أحاديث الحوض فبلغوا (56) صحابياً، ثم قال: بلغني أن بعض المعاصرين جمع الصحابة الذين رووا أحاديث الحوض فبلغوا (80) صحابياً. فهذا إذن متواتر. قال الإمام الداوودي عليه رحمة الله: مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتاً واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ... ومسح خفين وهذي بعض أي هذه بعض الأحاديث المتواترة وهي أكثر من ذلك بكثير. (من كذب) حديث [من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار] ، روي عن جملة كبيرة من الصحابة منهم العشرة المبشرون بالجنة. (ومن بنى لله بيتاً واحتسب) : حديث [من بنى لله بيتاً واحتسب فله بيت في الجنة] . وحديث [من بنى لله بيتاً ولو كمَفْحَص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة] . وحديث [من بنى لله بيتاً ليذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة] . فهذا متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام. (ورؤية) أي أحاديث الرؤية، أي رؤية المؤمنين لربهم في جنات النعيم. (شفاعة) أي أحاديث الشفاعة، ويأتينا مبحث الشفاعة إن شاء الله بعد الحوض. (الحوض) فأحاديث الحوض متواترة. (ومسح الخفين) رويت أحاديث المسح على الخفين عن العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم. وسنتكلم عن الحوض ضمن خمسة أمور متتالية ننهي بها الكلام على الحوض إن شاء الله تعالى.

الأمر الأول: وصف الحوض لا يستطيع عقل بشري أن ينعت الحوض أو يصفه، لأنه يتعلق به غيب، فالطريق لمعرفة صفة الحوض المنقول لا المعقول والرواية لا الرأي، فلا طريق لوصف الحوض إلا عما جاء عن نبينا عليه الصلاة والسلام – من قرآن أو أحاديث – الذي لا ينطق عن الهوى فلنذكر بعض الأحاديث التي تعطينا وصفاً لهذا الحوض، إيماناً برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن الذي لا ينطق عن الهوى. ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه (جمع كوز وهو القدح والكأس) كنجوم السماء من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً] . ... إذن هذا الحوض طوله مسيرة شهر نؤمن بهذا ولا نبحث بعد ذلك في كيفية هذا المسير هل هو مسيرة شهر على الجواد المسرع؟ أم مسيرة شهر على حسب السير في الدنيا؟ أم مسيرة شهر على حسب سير أهل الجنة؟ فالله أعلم، نحن نثبت اللفظ ولا نبحث في كيفيته فإنه مغيب. وكيزانه كنجوم السماء ولا يعلم عددها إلا خالقها سبحانه وتعالى. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن طول الحوض وعرضه بمسافة واحدة فطوله مسيرة شهر وعرضه مسيرة شهر، ثبت في صحيح مسلم من رواية ابن عمر في الحديث المتقدم [حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء] أي أطرافه متساوية فشهر طولا ً وشهر عرضاً فتصبح الزوايا متساوية، أي على هيئة مربع كالبركة المربعة أضلاعها متساوية [ماؤه أبيض من الورِق] أي الفضة والرواية المتقدمة أبيض من اللبن، [وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء فمن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً] . يكفي هذان الحديثان لوصف الحوض بصفة مختصرة.

إذن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام في الآخرة أضلاعه متساوية وهو مربع مسيرة شهر في شهر، زواياه سواء، الماء الذي فيه ينعش النفوس، ويصح الأبدان لونه من أحسن الألوان كلون اللبن وكلون الفضة بياض خالص ليس فيه شائبة ولا عكر ولا كدر، ريحه أطيب ريح وهو ريح المسك بل أطيب منه، وهو أحلى من العسل والكيزان التي عليه لأجل كثرة الواردين على حوض نبينا عليه الصلاة والسلام كنجوم السماء، هذا هو الوصف مختصراً. الأمر الثاني: عدد الأحواض لنبينا عليه صلوات الله وسلامه: له حوضان: 1- واحد يكون قبل دخول الجنة في ساحات الحساب وعَرَصات الموقف. 2- والآخر يكون في داخل الجنة، وكل منهما يقال له حوض ويقال له كوثر. يقال لكل منهما حوض لأنه ينطبق عليه التعريف اللغوي (مجمع الماء) . ... ويقال لكل منهما كوثر لأن الحوض الذي في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف يستمد ماءها من نهر الكوثر الذي في الجنة، فنهر الكوثر له ميزابان - كما سيأتي وهذا لا دخل لعقل الإنسان فيه – يصبان صباً بدفق وقوة في حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف، فنجد أن الحوض الذي في ساحة الحساب يأخذ من نهر الكوثر قيل له كوثر وحوض، والنهر الذي في الجنة اسمه الكوثر وبما أنه في مكان محصور قيل له حوض، فكل منهما حوض وكل منهما كوثر. ... وقد أنزل الله سورة كاملة يمتن بها على نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا الخير الذي أعطاه إياه (إنا أعطيناك الكوثر) والكوثر: على وزن فوعل من الكثرة وهو الخير الكثير في الدنيا والآخرة ويدخل في ذلك النهر العظيم الذي يكون لنبينا عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم، وفيه ميزابان يغتّان غتاً (يصبان صباً) ويشخبان من مائه في حوضه الذي هو في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف فهذا خير عظيم أعطاه الله لنبيه الكريم عليه صلوات الله وسلامه.

ولذلك ثبت في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير رحمه الله – تلميذ العبد الصالح عبد الله بن عباس رضي الله عنهما – [أنه سئل عن تفسير الكوثر فقال هو الخير الكثير الذي أعطاه الله لنبيه عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، فقالوا له: يقولون إنه نهر في الجنة؟ ، فقال سعيد بن جبير: النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله لنبيه عليه الصلاة والسلام] . وهذا التفسير أعم وأشمل وأحسن من أن نقصر الكوثر على خصوص النهر فنقول: الكوثر خير كثير في الدنيا والآخرة وهبة من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام 0 من جملة ذلك الحوض، ونهر الكوثر والشفاعات والمقام المحمود ورتب كثيرة في الدنيا والآخرة مَنَّ الله بها على نبيه عليه صلوات الله وسلامه. ... وإذا مَنَّ الله عليك بالنعم فالواجب أن تشكر المُنعِم (فصلِّ لربك وانحر) أي اجعل صلاتك خالصة له، ونحرك خالصاً له – أي ذبحك – فيكون على اسم الله خالصاً له لا تشرك معه أحداً (إن شانئك) أي مبغضك (هو الأبتر) ، فالنعم تستدعي الشكر. ... ولذلك إخوتي الكرام ... ربطاً بحادثة الإسراء والمعراج – كان نبينا عليه الصلاة والسلام – كما ثبت هذا في المسند والسنن بسند حسن – [لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر] وما رأيت أحداً من أئمتنا وَجَّه الحكمة في ذلك؟ ويمكن استنباطها مما سبق تقريره في سورة الكوثر.

.. فنذكر أن النعم تستدعي الشكر وهناك عندما يريد أن ينام يقرأ سورة بني إسرائيل ليستحضر فضل الله عليه وكيف مَنَّ الله عليه بهذا الأمر الجليل وهو الإسراء والمعراج وفي ثنايا السورة ذكر الله سبحانه الآيات التي منحها لنبينا عليه الصلاة والسلام وكيف حفظه من شياطين الإنس والجن (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) ، وآيات كثيرة غيرها يخاطبه الله فيها في سورة الإسراء. إذن في هذه السورة ذِكْر فضل النبي عليه الصلاة والسلام؛ فكان لذلك يقرأها ليتذكر فضل الله عليه وهذا يستدعي ويتطلب الشكر. ... وكان يقرأ سورة الزمر لأنها – كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله – سورة تمحضت في توحيد الله جل وعلا فموضوعها من أولها إلى آخرها حول توحيد الله وإخلاص الدين له. إذن فبعد أن يذكر نعمة الله عليه ماذا يفعل؟

.. يوحده ويقرأ السورة التي فيها توحيد الله وعبادته كما يريد بما يريد، وانتبه لآيات هذه السورة (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم، إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص، والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار، لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار) ثم بعد ذلك في جميع آيات السورة يستعرض ربنا جل وعلا ما يقرر هذا الأمر (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلا ً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) وفي آخر السورة يتحدث ربنا جل وعلا عن هذا (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون، ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) وفي نهاية السورة يقول (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) . فإذن شكر وتوحيد، وهنا كذلك (إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر) . إذن لنبينا عليه الصلاة والسلام حوضان يقال لكل منهما: حوض ويقال لكل منهما: كوثر.

.. قال الإمام القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى، وأمور الآخرة في ص 362، وقد نقل صاحب شرح العقيدة الطحاوية الإمام ابن أبي العز كلام القرطبي لكن بواسطة الإمام ابن كثير في كتابه النهاية (2/31) لأن ابن كثير شيخ شارح الطحاوية، وابن كثير له كتاب البداية والنهاية في التاريخ طبع الكتاب البداية فقط ولم يطبع معه النهاية، ثم طبع في جزء بعد ذلك مستقلاً منفرداً، وقد تكلم ابن كثير في النهاية في الجزء الثاني في أول صفحة منه عن الحوض وتتبع طرق أحاديثه بما يزيد عن ثلاثين صفحة والبداية يقع في 14 جزءاً في 7 مجلدات كبيرة، وكتاب التذكرة كتاب نافع وطيب وفيه خير كثير لولا ما فيه من أحاديث تالفة لا خطام لها ولا زمام وما تحرى عليه رحمة الله الصحة ولا تثبت في رواية الأحاديث، وليت الكتاب حقق وخرجت أحاديثه ليكون طالب العلم على بصيرة عند قراءة هذا الكتاب. ... الحاصل.. قال الإمام القرطبي في الموضوع الذي حددناه "الصحيح أن للنبي عليه الصلاة والسلام حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط، والثاني في الجنة، وكلاهما يسمى كوثراً". قال الحافظ في الفتح (11/466) :" يطلق على الحوض كوثر لكونه يُمدّ منه"0 – كما عللته لكم – ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه (النبي) صلى الله عليه وسلم قال عند وصف الحوض: [يغتُّ فيه ميزا بان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورِق] والغت: هو جريان الماء بصوت، غتّ يَغُت غَتًّا إذا جرى الماء وصار له صوت عند جريانه من شدة هذا الماء وقوته واندفاعه، وهو الدفق بتتابع إذن معنى يغت فيه، يتدفق فيه ماء متتابع لا ينقطع. ... وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يشخب فيه ميزا بان من الجنة] ، شخب يشخب أي يسيل فيه ميزا بان من الجنة.

.. وثبت في سنن الترمذي بسند حسن صحيح، والحديث رواه ابن ماجه وأحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الكوثر نهر في الجنة] وهذا هو النهر الذي له ميزا بان يغتان ويشخبان في الحوض [حافتاه من ذهب ومجراه الدّرّ والياقوت وتربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج] . (مجراه) أي أرضه التي يجري فيها، ممر الماء، (حافتاه) أي جانباه. إذن بالنسبة للبياض صار معنا ثلاثة أوصاف أبيض من اللبن، ومن الورق، ومن الثلج، والثلج ترى بياضه يزيد على الماء. ... وهو أحلى من العسل وأطيب من المسك هذا كله في هذا النهر الذي هو في الجنة وهو نهر الكوثر وفيه ميزابان من ذهب وفضة يشخبان ويغتان في حوض نبينا عليه الصلاة والسلام. س: هل هذه الأوصاف تكون لنهري دجلة والفرات أيضاً؟ جـ: لا، لا يكون هذا إلا للكوثر فقط، فهو خاص به حتى الأنهار الأخرى التي في الجنة ليس لها هذه الميزات والصفات. ... وسيأتينا في الأمر الرابع أن لكل نبي حوضاً، لكن ليس حلاوة مائه وطيب رائحته كحوض نبينا عليه الصلاة والسلام. الأمر الثالث: مكان الحوض وموضعه: ... كما ذكرنا هما حوضان، فأما الحوض الثاني الذي هو نهر الكوثر فهذا في الجنة بالاتفاق، وأما الحوض الأول الذي يستقي ماءه من الكوثر فهو قبل الجنة بالاتفاق، لكن اختلف في موضعه ومكانه بالتحديد، فهل يكون قبل الميزان وقبل مرور الناس على الصراط؟ أم يكون بعدهما؟ في المسألة قولان لأئمتنا الكرام: وانتبه إلى أن هذين القولين ليسا من باب التقدير العقلي، إنما من باب فهم هذا من النصوص الشرعية، فالفهم من النصوص هذا غير اختراع شيء من العقول ...

القول الأول: - وعليه المعول – أن الحوض يكون قبل الميزان وقبل مرور الناس على الصراط المستقيم وقبل الحساب لأمرين معتبرين: أولهما: الحكمة من وجود الحوض ما أشار إليه نبينا صلى الله عليه وسلم [من شرب منه لم يظمأ..] ، الناس يخرجون من قبورهم عطشى، لاسيما عندما يحشرون في الموقف [حفاة عراة غرلاً] نسأل الله حسن الخاتمة والعافية – والشمس تدنو من رؤوسهم ويلجمهم العرق فيسبحون فيه كأنهم في أحواض ماء، فما الذي يحتاجونه في ذلك الوقت؟ إنه الحوض، لذلك يكرم الله الموحدين في ذلك الحين بالشرب من حوض نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، وهو فرطنا على الحوض، كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام، فإذن أول ما يحصل لنا عند البعث لقاء نبينا عليه الصلاة والسلام، كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام على حوضه يقول: هلم، هلم، ويسقينا. ... فإذن لتظهر كرامة نبينا عليه الصلاة والسلام وليظهر فضله على أتم وجه، يكون هو الذي يزيل عطش الناس المؤمنين من أمته لما منّ الله عليه في الآخرة من تلك النعمة، كما أزال عنا في هذه الحياة الهم والغم بواسطة النور الذي بلغه إلينا فاطمأنت قلوبنا (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) . ... فإذن أول ما يستقبلونه بعد البعث حوض النبي عليه الصلاة والسلام، فمن كان مؤمناً موحداً سقاه النبي صلى الله عليه وسلم وشرب، وإذا شرب لم يظمأ أبداً، طال الموقف أو قصر فإنه لا يبالي بذلك. ثانيا: تواتر في حديث الحوض المتواتر أنه يُذاد وسيأتي ذكر الحديث- يدفع ويبعد أناس عن حوضه فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: أمتي أمتي، يُذادون ولا يشربون فيقال: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك والحديث في الصحيحين فأقول سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي. فهذا الذود متى يكون؟

لو كان بعد الصراط لسقطوا في النار، ولا يوجد بعد الصراط إلا الجنة، فدفع الناس لكونهم منافقين مرتدين يكون قبل الصراط لأنهم لو مروا على الصراط ونجوا لدخلوا الجنة وإذا سقطوا في جهنم لن يَرِدُوا الحوض لِيُدْفَعُوا عنه ويُبْعَدُوا. وهذا الذي ارتآه ورجحه الإمام القرطبي في التذكرة في المكان المتقدم أي صـ (362) . والإمام ابن كثير في النهاية رجحه أيضاً كما قلت لكم إنه بحث في أحاديث الحوض فيما يزيد على 30 صفحة من أول الجزء الثاني إلي ص35 كلها في الحوض، وقد روى جميع الأحاديث بالسند الذي رواها به أصحاب الكتب المصنفة فإذا ذكر حديثاً في المسند ذكر إسناد الإمام أحمد وهكذا البخاري وغيره ولذلك طالت صفحات الكتاب والحقيقة أن أكثر صفحات الكتاب متشابهة فيورد عشرة أحادث في وصف الحوض عن الصحابة مثلا ًكلها بمعنىً واحد ولذلك لم أطل في ذكرها ومردها لا لزوم له لأنه يغني عن البقية وقلت لكم إن الحافظ ابن حجر تتبعها فوصلت إلى (56) صحابياً رووا أحادث الحوض، قال وبلغني أن بعض المعاصرين جمعها فبلغت (80) طريقاً، ولعل الحافظ ابن حجر كان يقصد بقوله (بعض المعاصرين) الإمام العَيْنِي، أقول لعله يقصده، فقد كان بينهما شيء من النفرة فيكني عنه الحافظ دائماً في الفتح ولا يصرح به، فلعله يقصده والعلم عند الله. والإمام ابن حجر شرح صحيح البخاري في فتح الباري والإمام العَيْنِي شرح صحيح البخاري في عمدة القاري

والكتابان متقاربان في الحجم، فعمدة القاري (12) مجلداً في 25 جزء، وقد كان ابن حجر والعيني – في بلدة واحدة - مصر- لكن أصل الإمام العيني من بلاد الشام ثم هاجر بعد ذلك إلي مصر واستوطن فيها، وشرحا صحيح البخاري في وقت واحد، وكان كل منهما قاضياً ابن حجر قاضي الشافعية والعيني قاضي الحنفية، والأقران في الغالب يجري بينهم شيء مما يجري بين بني الإنسان، لكن دون أن يصل ذلك إلى معصية أو اعتداء، هذا في الغالب وكما قال الإمام الذهبي: ما أعلم أحداً سلم من الحسد إلا الأنبياء..، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم – والحديث في درجة الحسن – [ثلاثة لا ينجو منهن أحد، الظن والطيرة والحسد، وسأخبركم بالمخرج من ذلك: إذا ظننت فلا تتحقق] أي إذا رأيت شخصاً أو تصرفاً فلا تقل لعل هذا حوله ريبة - فهذا ظلم كفارته ألا تتحقق هل توجد تلك الريبة أم لا؟ [وإذا تطيرت فامض ِ] مثلا ً خرجت في صباح ذات يوم فرأيت صورة مكروهه فقلت هذا صباح مشئوم، فلا ترجع إلي البيت، بل امض ِ إلى طريقك وقل: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك، لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يصرف السيئات إلا أنت. [وإذا حسدت فلا تبغي] أي لا تتجاوز وتعتدي. وأنا لا أجزم أنه يقصد الإمام العيني لكن في غالب ظني أنه كذلك. وأنا أعجب حقيقة لاشتهار فتح الباري بين الناس وعدم انتشار عمدة القاري بينهم ولله في خلقه سر لا يعلمه إلا هو، ولا أقول ذلك لم ينتشر بل هو منتشر لكن ليس له من القدر والمكانة – كما يقال – ما لفتح الباري. الحاصل.. إن الإمام ابن كثير رجح هذا القول في النهاية (2/3) للأمرين المعتبرين اللذين ذكرتهما لكم. القول الثاني: أن الحوض بعد المرور على الصراط.

وإلى هذا مال الإمام البخاري عليه رحمات ربنا القوي، وفقهه في تراجم أبوابه ومذهبه في تراجم أبوابه، فأورد أحاديث الحوض بعد أحاديث الميزان والشفاعة والصراط، في كتاب الرقاق قال الحافظ ابن حجر:"أشار البخاري إلى أن الحوض يكون بعد الصراط، أورد أحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة والصراط" ويفهم من كلام الحافظ ابن حجر الميل إلى هذا القول، حيث قال معللا ً ما سبق (1) لأن الصراط بين الجنة والموقف ميزابان يغتان ويشخبان في الحوض، فلو كان الحوض في عَرَصَات الموقف وفي ساحة الحساب لكان الصراط حاجزاً بين هذين الميزابين وبين الحوض، فكيف سيصب الميزابان ماءهما في الجنة إلى الموقف وبينهما هذه الفجوة صراط وتحته جهنم. نسأل الله العافية وكل من سقط منه يسقط في جهنم وبئس المصير فإذا كان الأمر كذلك فالحوض بعد الصراط وهو قُبيل الجنة قََبل أن يدخلها المؤمنون يشربون من الحوض ويستقبلهم نبينا عليه الصلاة والسلام عندما ينتهون من الصراط فيسقيهم من حوضه فينتعشون ويفرحون بعد أن مَنَّ الله عليهم بالسلامة ثم يدخلون دار النعيم، وهذا دليل.

(2) دليل آخر قرروا به هذا القول وهو: أنه ثبت في الحديث أن مَنْ شرب مِنَ الحوض لم يظمأ بعده أبداً، وقالوا: إذا لم يكن الحوض بعد الصراط فسنقع في إشكال من هذا النص والنصوص الأخرى وهو أن عصاه الموحدين سيعذبون في نار الجحيم ولا بد أن يعذب منهم قسم لم يغفر الله لهم لأن الأحاديث تواترت في إخراج العاصين من النار وهذا يعني أن هناك عذاباً للعصاة لكن هناك أناس يعفى عنهم وأناس يعذبون، قالوا: فهؤلاء الموحدون اللذين عذبوا في النار هل شربوا من الحوض أم لا؟ إن قلنا لم يشربوا، فالأمر ليس كذلك لأنهم موحدون وليسوا من المخلدين في نار جهنم فهم يستحقون السقيا والشراب إذ كيف يعامل الموحد معاملة المنافق والملحد. وإن قلنا شربوا، فكيف سيلقون في النار، وفي النار سيعطشون. لكن إذا كان الحوض بعد الصراط فلا إشكال لأن من شرب منه دخل الجنة فالذي يعذب في النار، ثم يخرج يجوز على الصراط ثم يشرب من الحوض ويدخل الجنة وحينئذ لا إشكال هنا على هذا القول. وهذا القول على ما وجاهة ما عُلِّلَ به فهو مردود لأمرين: الأمر الأول: لا مانع أن يكون بين الحوض والجنة فاصل، والميزابان يصبان فيه بطريقة يعلمها الله ولا نعلمها، كما قلنا في النيل والفرات فإنهما يَصبُّ فيهما نهر من أصل سدرة المنتهى بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها وكم بينهما من حواجب وفواصل وليس عندنا ميزاب متصل من سدرة المنتهى إلى النيل والفرات إنما هو أمر غيبي أخبرنا عنه نبينا عليه الصلاة والسلام آمنا به ولا نبحث في كيفيته. والأمر الثاني: قولهم إذا شرب عصاة الموحدين من الحوض وعذبوا في النار سيجدون العطش والظمأ، نقول: لا يشترط هذا فيعذبون بغير أنواع العطش، وذلك ليتميز العصاة في النار عن غيرهم من الكفار الأشرار في أنهم يعذبون ولا يعطشون كرماً من الله وفضلا ً.

.. فالأمران مردودان، ثم نقول لهم أخبرونا كيف سيذاد ويدفع أناس عن الحوض إذا كان الحوض بعد الصراط؟! فهذا لا يأتي أبداً , فأدلتكم يمكن أن يجاب عنها، أما أدلة القول الأول فلا يمكن الإجابة عنها مطلقاً؛ ولذلك القول الأول هو الصحيح وعليه المعول بأن الحوض قبل الصراط والعلم عند الله. الأمر الرابع: هل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحواض في عَرَصَات الموقف وساحة الحساب كما لنبينا عليه الصلاة والسلام حوض: سبق أن ذكرنا أن العبرة في هذا الموضوع على النقل لا على العقل، فعمدتنا المنقول الثابت ولا دخل للاجتهاد ولا للمعقول. ... وقد ورد في ذلك حديث لكن اختلف في درجته، روى الإمام الترمذي في سننه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن لكل نبي حوضاً ترده أمته وإنهم ليتباهون أيهم أكثر وارداً، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم وارداً] . (يتباهون) أي يتحدثون بنعمة الله عليهم بمنزلة حوضهم وبمن سيرده. (أيهم أكثر وارداً) أي جماعة يردون على حوضه. وهذا الرجاء والذي رجاه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث حققه الله له، فأكثر أهل الجنة من أمته، وأكثر الأحواض التي سيردها الموحدون المؤمنون هو حوض نبينا عليه الصلاة والسلام ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يقول ربنا فيه: [يا آدم قم فابعث بعث النار من كل ألف واحد إلى الجنة وتسعمائة وتسع وتسعون إلى النار، فخاف الصحابة وارتاعوا فقال صلى الله عليه وسلم: أنتم في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبروا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبروا، قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا، وقال: إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة] والحديث في الصحيحين.

وقد ثبت في المستدرك وغيره بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون صفاً منهم من هذه الأمة] ونحن مع ذلك نرجو أن يكون كل صف من هذه الأمة أضعافاً مضاعفة على سائر الصفوف الأخرى، فهي ثلثان في عدد الصفوف لكن نرجو أن تكون في عدد الأفراد أكثر بكثير، ونسبة هذه الأمة في الجنة لا تنقص عن الثلثين وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، إنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة] وهذا لفظ مسلم. فهذا الرجاء حققه الله لخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام. ومعنى الحديث أن كل نبي أعطى من الآيات ما آمن على مثله البشر، أي البشر يؤمنون بمثل هذه الآيات عندما تظهر وهي خوارق العادات (المعجزات كما أيد الله أنبياءه السابقين بمعجزة، فكل من رأى تلك المعجزة يُؤمن كما هو الحال في نبي الله عيسى عليه السلام يبرأ الأكمة والأبرص ويحي الموتى بإذن الله، لكن تلك المعجزة مضت وانقضت، فالذين جاؤوا بعد ذلك لم يروها، ولذلك قد يحصل عندهم ارتياب في أمر النبي عليه صلوات الله وسلامه، أما ما يتعلق بهذه الأمة، فمعجزة نبينا عليه الصلاة والسلام هي القرآن، وهذه المعجزة يراها المتأخر كما رآها المتقدم، فأبو بكر رضي الله عنه وآخر فرد في هذه الأمة بالنسبة لرؤية معجزة النبي عليه الصلاة والسلام سواء، فجعل الله معجزة نبينا عليه الصلاة والسلام عين رسالته ودعوته وهي القرآن الكريم الذي أُمِر بتبليغه. فالحاصل.. أنه قال: [أرجو أن أكون أكثرهم تابعاً] ، وفي حديث سمرة قال: [لأرجو أن أكون أكثرهم وارداً] فحقق الله له هذا الرجاء.

وحديث سمرة كما قلنا رواه الترمذي، وقد قال عنه: غريب، وغرائب الترمذي لا تسلم من مقال فهي ضعيفة والسبب في هذا أن الحسن البصري عليه رحمة الله عنعن الحديث عن سمرة أي رواه بصيغة عن ولم يصرح بالسماع، وفي سماع الحسن عن سمرة اختلاف، وأئمة الحديث على ثلاثة أقوال في ثبوت سماعه من سمرة: 1- لم يسمع منه مطلقاً. 2- سمع منه مطلقاً. 3- وهو المعتمد، سمع منه حديث العقيقة، وقد صرح في سنن النسائي بأنه سمع حديث العقيقة من سمرة بن جندب رضي الله عنه. والحسن مدلس بالاتفاق وقد عنعنه – كما ذكرنا – ورواية المدلس إذا لم تكن بصيغة السماع فهي محمولة على الانقطاع، فالسند إذن منقطع بين سمرة وبين الحسن. ... كما أن الحسن رفعه في بعض الطرق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسقط سمرة فصار إذن مرسلاً لأن المرسل هو مرفوع التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. مرفوع تابع على المشهور ... مرسل أو قيده بالكبير كما قال هذا الإمام عبد الرحيم الأثري العراقي في ألفيته المشهورة. وقوله (أو قيده بالكبير) فهذا قول آخر في تعريف المرسل وهو أن التابعي لابد أن يكون كبيراً، من كبار التابعين لا من أوسطهم ولا من صغارهم. والمعتمد أن التابعي صغيراً كان أو كبيراً، إذا رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث مرسل، فالحسن إذن أسقط سمرة رضي الله عنه، ولذلك قال الترمذي: وورد أن الحسن لم يذكر سمرة فهذا مرسل وهو أصح. والرواية المرسلة رواها ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح إلى الحسن، أن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن لكل نبي حوضاً ... ] الحديث. لكن مراسيل الحسن – كما يقول أئمتنا -، أشبه بالريح لا يعول عليها ولا يأخذ بها، لأنه كان لا يبالي عمن أرسل بخلاف مراسيل سعيد بن المسيب فهذه كلها يأخذ بها، حتى مَنْ ردَّ المرسل أخذ بمراسيل سعيد بن المسيب كالإمام الشافعي عليه رحمة الله.

فإن سعيد بن المسيب كان يسمع من عمه والد زوجته أبي هريرة أحاديث ويحدث عنه أحياناً، ويسقطه ولا يصرح به أحياناً أخرى لاعتبارات، منها أمور سياسية، فقد ينقل عنه سعيد رواية تتعلق بأمور العامة فلا يصرح بها بإضافتها لأبي هريرة لئلا تصبح هناك مشاكل وابتلاءات كما هو الحال في العصور التي جاءت بعد عصور الخلفاء الراشدين، وهذا من جملة أغراض التدليس حذف الصحابي أو الشيخ الذي أخذ عنه التلميذ فيسقطه لأن حوله ما حوله من الاعتبارات، وكأنه يقول لئلا ندخل في مشاكل مع الدولة، فنرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونسقط الواسطة (أبا هريرة) لئلا يُستدعى ويحقق معه وما شاكل هذا. وفعلا ً كان أبو هريرة يحفظ أحاديث فيها الإشارة إلى ذم بني أمية، فعلم سعيد بن المسيب أنه إذا حدث بها وسمى أبا هريرة، فهذا سيجر بلاءً عليه – أي على عمه – وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه – كما في صحيح البخاري - يقول: [حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم] أي لقطعت رقبتي، وهذا الذي كتمه لا يتعلق بالأحكام العملية، لأنه لو كان في الأحكام العملية لبثه أبو هريرة ولم يكتمه وهو يعلم وزر كتمان العلم، إنما كان ما يكتمه هو شيء فيه الإشارة إلى ذم الأمراء الذين سيأتون بعد معاوية وأولهم الفاسق المشهور يزيد بن معاوية الذي جاء وأفسد في دين الله، وفعل ما فعل ويكفيه عاراً وشناراً قتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [قلت: لم يثبت بأي سند صحيح هذا الأمر، وقد ألف في هذه الرسالة] ، ولذلك كان أبو هريرة يستعيذ بالله من رأس الستين وإمرة الصبيان قبل أن يأتي رأس الستين، فمات رضي الله عنه عندما قبل رأس الستين وسلم من الفتن التي جاءت بعد الستين.

سعيد بن المسيب عندما يروي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسقطاً الواسطة ففي الغالب هو أبو هريرة، وقد تتبع أئمتنا مراسيل سعيد فوجدوها موصولة من طرق ثابتة وصحيحة عن الصحابة؛ ولذلك احتجوا بمراسيله. الحاصل.. أن وراية الترمذي مرفوعة إلا أنها منقطعة ورواية ابن أبي الدنيا هي بسند صحيح إلى الحسن والحسن رواه مرسلاً، فالحديث من هذين الطريقتين ضعيف مرفوعاً. لكن يتقوى بالقواعد المقررة في شرع الله وهي أن ما ثبت لهذه الأمة يثبت للأمم الأخرى، وعليه فالحوض في الآخرة في عَرَصَات الموقف كما يكون لنبينا عليه الصلاة والسلام يكون لسائر الأنبياء الكرام عليهم السلام، إذ لا يليق بكرم الله وحكمته أن يسقي موحدي هذه الأمة ويترك الموحدين من الأمم السابقة. ثم أضيف هنا وأقول: الحديث يتقوى (¬1) ليصل إلى درجة الحسن إن شاء الله،لأن له ثلاث شواهد متصلة عن أبي سعيد الخدري كما أخرجه ابن أبي الدنيا، وعن ابن عباس كما أخرجه ابن أبي الدنيا أيضاً عن عوف بن مالك، هذا بالإضافة إلى الشاهد المرسل الصحيح الذي أخرجه ابن أبي الدنيا أيضاً، فالحديث بمجموع هذه الطرق يكتسب قوة ويرتفع إلى درجة الحسن، والعلم عند الله. إذن فلكل نبي حوض في الآخرة في عَرَصَات الموقف كما لنبينا عليه الصلاة والسلام، لكن يمتاز حوض نبينا عليه الصلاة والسلام بأمرين: الأمر الأول: أن ماء حوض نبينا عليه الصلاة والسلام أطيب المياه فهو من نهر الكوثر، وهذا لا يثبت لغيره من الأحواض. الأمر الثاني: أن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام هو أكبر الأحواض وأعظمها وأجلها، وهو أكثرها وارداً. ¬

_ (¬1) وانظر السلسلة الصحيحة 4/117 حديث رقم (1589) – ز-

.. وإلى جانب هذا ذهب أئمة الإسلام، يقول الحافظ في الفتح (11/467) عند أحاديث الحوض في كتاب الرقاق: "إن ثبت (¬1) – أي خبر الترمزي ومرسل الحسن – فالمختص بنبينا عليه الصلاة والسلام "أن حوضه يكون ماؤه من الكوثر". ... والأمر الثاني قال فيه الإمام ابن كثير في النهاية (2/38) حوض نبينا عليه الصلاة والسلام أعظمها وأجلها وأكثرها وارداً". تنبيه: ورد في مطبوعة مكة من شرح العقيدة الطحاوية بتحقيق أحمد شاكر، وفي مطبوعة المكتب الإسلامي بتحقيق جماعة من العلماء تصحيف بدل كلمة (أجلها) وقع عندهم (أجلاها) ، وإن كان كلا المعنيين صحيح. الخلاصة: أن لكل نبي حوضاً يوم القيامة، لكن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام يمتاز بأمرين ماؤه أطيب المياه، ووارده أكثر من بقية الأحواض. الأمر الخامس: يتعلق بأمرين: أبيان من يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم. ب بيان من يتقدم في الورود عليه ويسبق غيره. أبيان من يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم: كل موحد ختم له بالتوحيد سيرد ذلك الحوض المجيد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: [أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة (يعني البقيع) فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] وفي بعض الروايات في زيارات نبينا عليه الصلاة والسلام للقبور يقول: [السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] . و (السلام عليكم) هذا خطاب من يسمع ويعقل ويعي ويفهم، وسماع الأموات أدق من سماع الأحياء، ولذلك لو دخل داخل إلى المعهد وسلم عند باب المعهد لن يسمعه مَنْ في الفصل بل حتى لو كان أقرب من ذلك، بينما لو كنا موتى لسمعناه فبمجرد أن يدخل رجل إلى المقبرة ويقول السلام عليكم لسمع كل مدفون في تلك المقبرة – ولو كانت واسعة ما كانت – سلامه وردوا عليه في قبورهم. ¬

_ (¬1) وقد ثبت كما ذكرت ولله الحمد.

و (إن شاء الله) هل هناك شك في اللحوق بهم؟ لا لكنها من باب التبرك وتعليق الأمر على أنه تابع لمشيئة الله، كقوله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) ، وسيأتينا بحث الاستثناء في الإيمان إن شاء الله تعالى فهو من المباحث المقررة عندنا، وأن الاستثناء يجوز في الإيمان لأربعة أمور معتبرة من جملتها هذا من باب التبرك باسم الله، فتقول أنا مسلم إن شاء الله تعالى، ولا بأس في ذلك. ثم قال نبينا وحبيبنا عليه صلوات الله وسلامه – وهذه تكملة الحديث [وددت أنا رأينا إخواننا فقال الصحابة رضوان الله عليهم: أولسنا بإخوانك يا رسول الله؟!، قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني] عليك صلوات الله وسلامه، انتبه!! (أنتم أصحابي) أي أنتم لكم مزية على الأخوة العامة فقد فزتم بشرف الصحبة فأنتم إخوان وأصحاب. وَمَََنْ بعدكم إخوان لي، كما تقول هذا ابني ولا تقول هذا أخي، فهو أخوك في دين الله ولكن تقول له ابني لأن هذا أخص من الأخوة العامة وهنا كذلك الصحبة أخص من الأخوة العامة. فانظر لحب نبينا عليه الصلاة والسلام لنا، فلنكافئ هذا الحب بمثله، فهو يتمنى أن يرانا ووالله نتمنى أن نراه بأنفسنا وأهلينا وأموالنا ولو قيل لنا تفوزون بنظرة إلى نور نبينا عليه الصلاة والسلام مقابل أن تفقدوا حياتكم وأموالكم وأهلكم، لقلنا هذا يسير يسير، ضئيل حقير، ولذلك ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من أشد أمتي لي حباً ناسٌ يكونون من بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله] وهو في مختصر مسلم برقم (1604) .

وتتمة الحديث الذي معنا [فقال الصحابة: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي من أمتك ولم تره؟! فقال: أرأيتم لو أن رجلا له خيلٌ غُرٌّ محجلة بين ظهري خيل دُهْم بُهْم، أما كان يعرفها؟ قالوا: بلى، قال: فإن أمتي يدعون يوم القيامة غرّاً محجلين من آثار الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادنّ رجالٌ عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلمّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول سحقاً سحقاً] اللهم لا تجعلنا منهم بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين. (غرّ) : الغرّ بياض في الوجه، وهو من الصفات الجيدة في الفرس، وهذه الأمة تبعث يوم القيامة والنور يتلألأ في وجهها من آثار الوضوء، والوضوء حلية المؤمن. (محجلة) : بياض في قوائم الفرس، وهو من الصفات الجيدة فيها أيضاً، وهو من علامة جودتها، وهذه الأمة تأتي يوم القيامة وأعضاء الوضوء فيها تتلألأ (الوجه والأيدي والأرجل) ، ففي وجوههم نور وفي أطرافهم نور. (دُهْم) سوداء (بُهم) سوادها خالص ليس فيها لون آخر. فهذه الأمة تأتي يوم القيامة غراًُ محجلين، فالوضوء ثابت لهذه الأمة وللأمم السابقة لكن أثر الوضوء (الغرة والتحجيل) ثبت لهذه الأمة ولم يثبت للأمم السابقة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولذلك ورد في صحيح مسلم أنه [سيما ليست لغيركم] أي هذه السمة الغرة والتحجيل ليست لغيركم. إذن إخوانه عليه الصلاة والسلام ونسأل الله أن يجعلنا منهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، وجميع أهل الموقف ليس لهم هذا الوصف، وبالتالي فيميز نبينا صلى الله عليه وسلم أمته الكثيرة من تلك الأمم الوفيرة الغفيرة.

ثم أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن صنف شقي، أظهر الإيمان وأبطن النفاق والكفران، فيأتون إلى حوض النبي عليه الصلاة والسلام فيذادون ويدفعون تدفعهم الملائكة وتطردهم فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألا هلم، هلم فأنتم من أمتي ويبدو عليكم – في الظاهر – علامات الوضوء!! لكن بعد ذلك يخفت ذلك النور ويذهب، فيقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك وفي بعض الروايات: [إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ أن فارقتهم] وقد حصل هذا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ارتدوا، وهذا حاصل في هذه الأيام بكثرة فيمن يدعي الإسلام ويحارب النبي عليه الصلاة والسلام يقول لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، فهل يرد هذا حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا، إن هذا أكفر من أبي جهل وألعن من إبليس، فهو وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فقد أتى بما ينقض به إيمانه، حيث زعم أن شريعة الله لا تصلح لهذه الحياة، فهي أمور كهنوتية فقط، في داخل المسجد نصلي ونرقص (رقص الصوفية) وخارج المسجد ليس لله شأن في حياتنا وأمورنا، كما قال سعد زغلول "الدين لله والوطن للجميع". وكما قال شاعر البعث عليه وعلى حزبه لعنة الله: سلام على كفر يوحد بيننا ... وأهلا وسهلا بعده بجهنم ويكتبون في شعاراتهم الضالة في الأمكنة البارزة على الأركان وغيرها: كذب الدعي بما ادعى ... البعث لن يتصدعا لا تسل عني ولا عن مذهبي ... أنا بعثي اشتراكي عربي ولا يقولون: أنا مسلم، بل الإسلام في المسجد فقط. ويكتب الآن في لوحات المدارس: لو مثلوا لي وطني وثناً لعبدت ذلك الوثن. كلمة وطن ووطنية فما هي الوطنية؟!! إن الجنسية المعتبرة بين العقلاء والتي يمكن أن تجمع بين الناس جميعاً هي جنسية الإسلام فقط، وكل ما عداها يفرق بين المسلمين ويوقع بينهم العداوة.

الحاصل.. من يدعو إلى الأفكار الهدامة الباطلة، فماذا سيكون حاله؟ هل يشرب من الحوض؟! وهل يستوي مع المؤمنين في الشرب منه؟ لا يستوي إخوتي الكرام. وليس معنى يذادون للرجال فقط أي أن النساء لا تذاد، بل هذا من باب تعليق الشارع الأحكام بصنف من الصنفين وما يشمل أحدهما يشمل الصنف الآخر، كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) و (الذين) خطاب للذكور، (وعليكم) خطاب للذكور أيضاً ويشمل الذكور والإناث، لأن ما ينطبق على الرجل ينطبق على المرأة سواءً بسواء إلا إذا قام دليل على التخصيص فالنساء شقائق الرجال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فمثلا ً: لو جاءت هدى شعراوي للحوض فهل تتمكن من الشرب منه؟ لا فهذه أعتى من أبي جهل، وأعتى من عبد الله بن أبي بن سلول. وكذلك نزلي سعد زغلول وميادة أو مي الشاعرة (هؤلاء الثلاثة صاحبات الصالونات في مصر االتي أفسدت العالم) . وأنا أعجب حقيقة – إخوتي الكرام – لمضاء عزيمة النساء وكيف غيرت هذه النساء الثلاثة الحياة في هذه الأوقات. وفي المقابل تأتي للنساء الصالحات فلا ترى بعد ذلك إلا خمولاً وانعزالية وعدم بصيرة في هذه الحياة وتدبير لما يراد بهن فهذا لابد له من وعي – إخوتي الكرام – ولابد له من عزيمة ولابد من تحرك. فإذن هناك رجال يذادون ونساء يذدن ويدفعن فليس هو عقوبة للرجال فقط. وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أنا فرطكم على الحوض، ومن ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم] . وفي رواية أبي سعيد الخدري في تكملة حديث سهل بن سعد الساعدي [فأقول إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، سحقاً، سحقاً لمن بدل بعدي] . (والفرط) هو المتقدم أي أنا أتقدمكم على الحوض. إذن يرده كل الموحدين إلا من بدل وغير ونافق وكفر. ب بيان من يتقدم في الورود عليه ويسبق غيره:

أول مَنْ يتقدم في الورود عليه عندما يخرج الناس من قبورهم وهم عطاش هم صعاليك المهاجرين وفقراؤهم. المحاضرة التاسعة عشرة: الأربعاء 10/4/1412هـ ثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [أول الناس وروداً على الحوض فقراء المهاجرين، الشُعث رؤوساً، الدُنُس ثياباً، الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد] . (الشعث) : جمع أشعث، أي شعره متلبد وليس عنده وقت لتمشيطه وتسريحه وتجميله. (دُنس) : أي ثيابهم دنسة، وليس المراد من الدنس فيها نجاسة أو قذارة لكنها ثياب ممتهنة عند الناس قي قلة ثمنها، هذا كما ثبت في سنن الترمذي وغيره بسند حسن [البذاذة من الإيمان] والبذاذاة هي رثة الهيئة وعدم الاعتناء بالملبس، فمتى ما كوى ملابسه فليست دنسة حينئذ فلا يكوي ملابسه لا بنفسه ولا يضعها في دكان كي. فخلاف حالنا الآن فعندما يريد أن يلبس الغُترة (الكوفية) فتراه لابد أن يجعلها مثل السيف من الأمام ولا نقول هذا حرام لكنها درجة دون الكمال أي أن يأْسِرَ الإنسانَ لباسُه، فليفرض أن هذا اللباس لم يتهيأ له ولذلك البذاذة من الإيمان [من ترك اللباس الفاخر وهو قادر عليه دعاه الله يوم القيامة وخَيَّرَهُ من حُلل الجنة ما شاء] . (الذين لا ينكحون المنعمات) هذا وصف ثالث أي الثريات الموسرات بنات المترفين والأغنياء، فلا يقبلون الزواج بهن.

(ولا تفتح لهم أبواب السُدد) وهذا هو الوصف الرابع، والسُدد هي القصور والمقصورات التي تكون خاصة بالمترفين، مثل بيوت الأمراء ومثل المقاصر التي عملها معاوية وهو أول من عمل المقصورة في المسجد وهي مكان خاص في المسجد لا يدخلها إلا هو وحاشيته ويوجد منها للآن في أكثر بلاد الشام وبلاد مصر وتكون على شكل طابق ثان ٍ لكنه ليس واسعاً وله مصعد خاص وغالباً ما يصلي عليه أناس خاصون فلو جاء إنسان مسكين لاسيما في العصر الأول ليصعد إلى هذه السدة منعوه، فهؤلاء أي الممنوعون هم أول من يرد حوض نبينا عليه الصلاة والسلام. لِما امتاز الفقراء بهذا الورود؟ ولم يكن هذا للأغنياء من المهاجرين؟ فهم قد تركوا بلادهم وأوطانهم وأموالهم وما يملكون وخرجوا في سبيل الحي القيوم ابتغاء مرضاته ولا غرابة إن كوفئوا بالورود قبل غيرهم، لكن لم يحصل ذلك وفرق بينهم وبين الفقراء؟ إن الإنسان إذا هاجر وكان غنياً وعنده في هجرته ما يستعين به فإن ألم الهجرة والغربة يخف عليه، وإذا هاجر وكان فقيراً فيجتمع عليه أمران ومُصيبتان: الهجرة والفقر. وإذا كان كذلك فبما أنه في هذه الحياة اعترتهم هذه الشدة فينبغي إذن أن يكرموا قبل غيرهم يوم الفزع الأكبر، لأنه قد اعترتهم شدة وكربة في هذه الحياة من أجل الله سبحانه وتعالى، فَيُطَمْأَن بالشرب أولاً مقابل ما حصل من قلق وخوف في هذه الحياة إذن. والمهاجر الغني ليس أمره كذلك. وهؤلاء حالهم وإكرامهم كحال خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، فإن الناس يحشرون يوم القيامة حُفاة عُراة غُرْلاً (¬1) (كما بدأنا أول خلق نعيده) ويكون أول من يُكسى من هذه المخلوقات خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام والحديث في الصحيحين – لعدة اعتبارات فإن الجزاء من جنس العمل. ¬

_ (¬1) فتعاد الجلدة التي قطعت من رأس الذكر، وهي محل الختان.

1- فإن إبراهيم عليه السلام ألقي في النار ولما ألقي جرد من ثيابه كيوم ولدته أمه وقُيّد ثم رمي بالمنجنيق في النار العظيمة، وهو نبي من أولي العزم الكرام بل خليل الرحمن!!. فإذا كان الأمر كذلك وامتهن من قبل الأشرار في هذه الحياة فسيكسى يوم القيامة أول المخلوقات وأهل الموقف كلهم عراة كما ولدوا الرجال والنساء لا ينظر أحد إلى أحد كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: (لكل امرئِ منهم يومئذ شأن يغنيه) . فأول من يكسى إبراهيم وهكذا من حصل له مثل حاله، وهذا يحصل للمؤمنين في هذا الحين من قبل المخابرات في الدول العربية عندما تأخذ شباب المسلمين لتعذبهم فتجردهم من ثيابهم ثم يعمشون أعينهم حتى لا يعلموا إلى أين يساقون، نسأل الله أن يكفينا شر الشريرين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، فهؤلاء الذين عذبوا في السر ليستحقون هذا الإكرام وهو الكسوة قبل غيرهم؟!

2- لأن إبراهيم عليه السلام هو أول من سن لبس السراويل وهي أستر شيء لاسيما للنساء فإذا كان السروال طويلاً يصل إلى الكعبين بالنسبة للمرأة ويزيد على الركبة بالنسبة للرجل فهو ساتر للإنسان يحول دون كشف عورته لو سقط أو جلس ولم يحطت في جلسته، وأما هذه السراويل القصيرة التي يلبسونها في هذه الأيام من لا خلاق له ثم يخرج فتراه إذا جلس بدا فخذاه، وإذا سقط – لا سمح الله – بدت عورته. ولذلك ورد في معجم الطبراني وغيره – والحديث ضعيف لكن يستدل به في الفضائل: [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان جالساً أمام البقيع بعد دفن بعض الصحابة، فمرت امرأة تركب على دابة لها فتعثرت الدابة فسقطت فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها بوجهه فقيل: يا رسول الله إنها مستورة – أي تلبس السراويل – فقال: اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي] ، فخليل الرحمن إبراهيم من شدة حيائه هو أول من سن السراويل، فإذا كان فيه هنا الحياء فلا يصلح لأن يترك مكشوفاً كبقية المخلوقات، بل إنه تعجل له الكسوة قبل غيره. 3- لأنه كان أخوف الخلق لرب العالمين وكان يسمع أزيز قلبه من خشوعه وخوفه من مسافة ميل، فإذا كان هذا الخوف وهذا الاضطراب وهذا القلق فينبغي أن يعجل له الأمن 0 والكسوة علامة الأمن وأنه مرضي عنه. فإذن خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه تعجل له الكسوة لهذه الاعتبارات وفقراء المهاجرين أوذوا وليس عندهم شيء يَتَسَلَّوْنَ به من مال يستعينون به في غربتهم فإذا بعثوا من قبورهم ينبغي أن يكون لهم شأن على أغنياء المهاجرين فضلاً عن سائر الأمة بعد ذلك.

ولما بلغ هذا الحديث – حديث ثوبان رضي الله عنه – عمر بن عبد العزيز رحمه الله بكى وقال: "لقد نكحت المنعمات" ويقصد بها فاطمة بنت عبد الملك، مع أنها تقول – أي زوجته: "ما اغتسل عمر بن عبد العزيز من جنابة - من مباشرة أو احتلام منذ ولي الخلافة حتى لقي ربه". وكانت خلافته مدة سنتين إلا شهرين، ثم قال: "وفتحت لي أبواب السدد" فالقصور تفتح لي عندما أذهب لها "لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ"؛ لينال هذا الوصف رحمه الله تعالى، أي أن ما مضى مني أسأل الله أن يتجاوز عنه ويعفو بفضله ورحمته، وأما من الآن بعد أن بلغني هذا الحديث فلن أفعل هذه الأمور. وفاطمة بنت عبد الملك، والدها خليفة وزوجها خليفة، وأخوها خليفة – بل إخوتها الخمسة سليمان والوليد وهشام وغيرهم كانوا خلفاءً، وجدها خليفة فهذه من أعظم المنعمات وما حصل هذا لامرأة أخرى، وهي التي قيل فيها: بنت الخليفة والخليفة جدها ... أخت الخليفة والخليفة زوجها فإذن بكى رحمه الله لما بلغه هذه الحديث مع أنه رضي الله عنه جمع زوجته وإماءه وقال لهن: طرأ عليّ ما يشغلني عنكن فإن أردتن الفراق فلكن هذا، وإن أردتن البقاء فليس لي صلة بواحدة منكن.. فبكين بحيث سُمع البكاء في بيوت الجيران، ثم تحدثوا وسألوا ما السبب؟ فقالوا: عمر بن عبد العزيز خيَّر نساءه. ثم بعد ذلك قال لزوجته فاطمة هذا الحلي الذي عليك لا يحق لنا أخذ تيه من والدك عبد الملك وهذا من بيت المال فأرى أن نعيده في بيت المال، فقالت سمعاً وطاعة فأخذت حليها وأعطته إياه فأعطاه لخازن بيت المال، وخازن بيت المال احتاط فوضعه في زاوية وما صرفه في مصالح المسلمين – وبيت المال في عهد عمر بن عبد العزيز ممتلئ بالخيرات، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد [أن الحبة من القمح كانت في عهد عمر بن عبد العزيز كرأس الثوم] وحفظ هذا بعد موته وكتب عليه: هذا كان ببيت في زمان العدل.

ولما قيل له: إن الخيرات كثرت ونطلب من نعطيه الصدقة فلا نجد، فقال: اشتروا أرقاء وأعتقوهم واجعلوا ولاءهم لبيت المال. وكان في عهده ترعى الذئاب مع الغنم، وقد ثبت في حلية الأولياء أن بعض التابعين مرّ على راع ٍ يرعى الغنم فوجد عنده ما يزيد على ثلاثين كلباً، فقال له: ما تفعل بهذه الكلاب؟ وواحد يكفي!! فقال: سبحان الله، ألا تعلم أن هذه ذئاب وليست كلاب: فقال: ومتى اصطلح الذئب مع الشاة، فقال الراعي: "إذا صلح الرأس فما على الجسد بأس"، إذن إذا عدل أمير المؤمنين واتقى الله فإن الله يحول بين المخلوقات وبين الظلم. ورعاة الماشية في البادية علموا بموت عمر بن عبد العزيز رحمه الله ليلة انقضت فيها الذئاب على الغنم، فلما مات عمر وهم في البادية انقضت الذئاب على الغنم، فقالوا: أرخوا هذه الليلة – أي اكتبوا تاريخها – ثم ابحثوا عما حصل فقد مات عمر فلما تحققوا من الخبر علموا أن عمر مات في تلك الليلة رحمه الله ورضي عنه. هذا هو عمر بن عبد العزيز، فخازن بين المال عندما أعطاه عمر رحمه الله حلي فاطمة، وضعه في زاوية وما تصرف فيه فبعد أن مات عمر رضي الله عنهم أجمعين جاء إليها وقال: هذا حليك الذي أخذه عمر احتفظت به كما كان، فإذا أردتيه فخذيه، فقالت: ما كنت لأزهد فيه في حياة عمر ولأرغب فيه بعد موته. فانظر لهذا العبد الراشد وهو خامس الخلفاء الراشدين كما قال الشافعي: "فالخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبد العزيز"وهو خليفة راشد باتفاق أئمتنا وهو مجدد القرن الثاني باتفاق أئمتنا لأنه توفي سنة 101 هـ عليه رحمة الله فعاش شيئاً من نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني. وهو أول مجددي هذه الأمة، وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود وغيره بإسناد جيد [إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها] . س: هل جاء مجددون بعده؟

ج: لا شك في ... ذلك، فقد جاء مجددون في كل قرن ولا يشترط أن يأتي واحد بعينه، فمجدد القرن الثالث الإمام الشافعي باتفاق أئمتنا لأنه توفي سنة 204 هـ،ـ ويشترط في المجدد كما قلت لكم أن يدرك نهاية القرن المنصرم وبداية القرن التالي فالشافعي ولد سنة 150 هـ، فهو المجدد الثاني إذن، وهكذا سرد أئمتنا عدداً من المجددين إلى زماننا ولا يشترط أن يكون واحداً بعينه فأحياناً يوجد عدد من المجددين بحيث أن واحداً يجدد مثلاً في أمر العقيدة وتصحيح الأذهان من الخرافات، وآخر يجدد في نشر الحديث، وآخر في الجهاد، وهكذا في رأس كل مائة سنة. ونحن في هذه الأيام – لا أقول كما يقول الناس نشهد صحوة بل في بلوى وفي عمىً – يوجد من فضل الله شيء من مظاهر التجديد وأموره ونحن في بداية قرن، وهو القرن الخامس عشر الهجري فحقيقة قد حصل تجديد في هذا الوقت كثير لكن لا أقول صحوة كما يفهم الناس ويخدرونهم بهذا الكلام لكن حصل التجديد وحصل الوعي وهذا من فضل الله. فمصر مثلا ً سنة 1970 م لما ذهبتُ إليها لم تكن لترى فيها امرأة متحجبة، ولا ترى رجلاً في وجهه لحية، فمن فضل الله المتحجبات الآن في مصر لا أعلم لحجابهن نظير على وجه الأرض، إلا نساء الصحابة، فأنا لم أر امرأة تلبس جلباباً يجر على الأرض ذراعاً إلا في مصر، ولا أقول شبراً، وجر الثياب بالنسبة للرجل حرام ولا ينظر الله إلى من جر ثيابه خيلاء، وما نزل عن الكعبين في النار. وانظر لعادات الناس في البلاد المتغطرسة المتكبرة، فالرجال تجر الثياب والنساء تقصرها إلى الركبتين بل إلى ما فوقها فسبحان الله!!. والمرأة يجوز لها أن تتحجب بحيث تستر رجلها ويستحب لها أن ترخي ثيابها شبراً فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم [أترخيه شبراً قالت امرأة: يا رسول الله، إذن تبدو قدمها، فقال: لترخيه ذراعاً ولا تزد] .

(تحدث الشيخ عن أطماع الغرب في أن نقلده في كل شيء إلا في المرأة، وفوجئ بأن نساءنا قلدنه تقليداً لا مثيل له فوجه سهامه لهن وخطط لإشراكهن في ميادين الحياة العامة ما ينفعها ولما لا ينفعها ومنه ما يسمى بتطوع النساء للقتال والدفاع المدني وكيف صارت المرأة سلعة مبتذلة بسبب هذه المخططات ثم ذكر قول علي رضي الله عنه، شر خصال الرجل خير خصال المرأة، وأن المرأة تكون سلسلة مع زوجها نافرة عنيدة مع غيره.) وقبل أن ندخل في مبحث الشفاعة عندنا فائدتان: الفائدة الأولي: أنكر الخوارج والمعتزلة حوض نبينا عليه الصلاة والسلام، وحقيق بهم ألا يردوا ذلك الحوض وألا يشربوا منه. فقالوا: لا يوجد لنبينا عليه الصلاة والسلام حوض ولا للأنبياء الآخرين عليهم السلام وحجتهم أن هذا لم يثبت في القرآن، وأمور الاعتقاد لابد من أن تكون في القرآن أو في حديث متواتر. نقول: أما أن الحوض لم يثبت في القرآن فنحن معكم، لكن قلنا: إن الأحاديث متواترة وقد رواها ما يزيد على (56) وبلغت إلى (80) صحابياً، فهي إذا لم تكن متواترة فلا يوجد متواتر إذن فيقولون: إنها ليست متواترة عندنا بل هي أحاديث آحاد لا يؤخذ بها في الاعتقاد. وقد ضل الخوارج والمعتزلة ومعهم الشيعة في قاعدة خبيثة انتبهوا لها: أما الخوارج والمعتزلة فقالوا: كل حديث ورد في أمر الاعتقاد وليس له أصل في القرآن يطرح وهو مردود باطل.

تقول لهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقولون لك يطرح ولا قيمة له، وهو باطل ولو كان في الصحيحين ولو أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول، ولذلك أهل المدرسة العقلية كالضال محمد عبده وأمثاله كما ذكرت لكم سابقاً هكذا يفعلون بالأحاديث، يقولون: آحاد ولا يؤخذ بها في الاعتقاد، فأحاديث نزول عيسى عليه السلام مثلا ً– بلغت سبعين حديثاً وهي متواترة باتفاق المحدثين، يقول محمد عبده: "لنا نحو هذه الأحاديث موقفان: الأول: أن نقول هي آحاد فلا يؤخذ بها في الاعتقاد، الموقف الثاني، على فرض التسليم بثبوتها فنؤولها بأن المسيح الدجال هو رمز للدجل والخرافات وهي الجاهيلة التي كانت قبل بعثة خير البرية عليه الصلاة والسلام، والمسيح عيسى بن مريم رمز للنور والهدى وهو الإسلام الذي جاء وأزال الجاهلية، أما أنه سينزل عيسى ويقتل الأعور الدجال فيقول هذه خرافة!! لأن عيسى عندما أراد اليهود قتله هرب وذهب إلى الهند ومات هناك وقبره معروف هناك في قرية (سُرى نكر) واسم قبره (قبر عيسى الصاحب) والصاحب عند الهنود بمنزلة الشيخ في بلاد العرب وبمنزلة الخوجة عند الأتراك، وأما قول الله تعالى: (بل رفعه الله إليه) يقول رَفْعُه هو رفع مكانة لا مكان، وكأنه وضيعاً قبل ذلك!!!.

وأما الشيعة فقد زادوا على الخوارج والمعتزلة ضلالاً فقالوا: الأحاديث إذا كانت متعلقة بأمر الاعتقاد أو بالأحكام العملية وليس لها أصل في القرآن فهي مردودة 0إذن زادوا الأحكام العملية على الخوارج والمعتزلة، ولذلك الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها في النكاح محرم إلا عند الشيعة فعندهم يجوز أن تجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها باتفاقهم، والحديث قد ثبت في مسلم وغيره [نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين أربع نسوة بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها] لكنهم يقولون لا وجود لهذا في القرآن ولتقرؤوا آية المحرمات من النساء (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم....) ولم يقل وأن تجمعوا بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، نعم وأن تجمعوا بين الأختين فقط فالجمع بين الأختين محرم ولا مانع أن يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، والحديث لا قيمة له فهذا قد أثبت حكماً لا وجود له في القرآن نعوذ بالله من هذا الضلال، فهؤلاء الشيعة، هم أضل من الخوارج والمعتزلة بل هم أضل من فرق الأمة على الإطلاق، لو خلقهم الله طيراً لكانوا رَخْماً والرخم طائر أحمق لا يأكل إلا العذرة، ولو خلقهم الله بهائم لكانوا حُمُراً- جمع حمير-، وهكذا حال الشيعة لا عقل ولا نقل، وجمعوا الضلال الذي تفرق في الفرق بأسرها، ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، إنما دخلوا كيداً للإسلام ومقتاً لأهله. الفائدة الثانية: روى ابن جرير في تفسيره عن ابن أبي نَجيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليضع أصبعيه في أذنيه] . ضع أصبعيك في أذنيك الآن واسمع صوت الكوثر حقيقة كصوت الفرات عندما يجري، وقد جربتُ هذا مراراً. وهذا الأثر منقطع عن أمنا عائشة رضي الله عنها فابن أبي نَجيح لم يسمع منها قال الإمام ابن كثير في تفسيره وقد روى ابن أبي نَجيح هذا الأثر عن رجل عن أمنا عائشة والرجل مبهم.

وعلى كل حال فالأثر من حيث الإسناد ضعيف، وإذا ثبت عن أمنا عائشة فله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه يتعلق بمغيب لا يدركه عقل الإنسان. وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأياً حكمه الرفع على ما قال في المحصول نحو من أتى ... فالحاكم الرفع لهذا أثبتا فإذا قال الصحابي قولا ً لا يدرك بالرأي فله حكم الرفع إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه. ومعنى الحديث _لو ثبت_ قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "ومعناه: أنه يسمع نظير صوت الكوثر ومثل خريره لا أنه يسمعه بنفسه". تم بحمد الله مبحث الحوض المبحث الثالث: مبحث الشفاعة: الشفاعة: مأخوذة من الشفع وهو خلاف الوِتْر والوَتْر وهو الفرد، فالشفع هو الزوج. والله وِتّر ووَتّْر، والشفع هي المخلوقات، هذا من جملة ما قيل فيه، فقوله تقال (والفجر وليال عشر والشفع والوتر) الواو واو القسم فالشفع قسم بالمخلوقات، والوتر قسم بنفسه سبحانه وتعالى. والشفع قيل: يوم النحر، والوِتر قيل: عرفة، هذا من جملة ما قيل لأن هناك أقوالا ً كثيرة. أنما هنا الشفع هو الزوج لأنه شفع غيره فصار زوجاً، والوتر انفراد بنفسه فهو فرد، وسمي الشفع شفعاً لأنه شفع الوتر أي صاحبه وانضم إليه فجعله زوجاً بعد أن كان فرداً. إلى هنا تم التصحيح ويحصل بالشفع – كما ترون – معنى الزيادة؛ لأن الوتر والفرد عندما زيد عليه مثله صار شفعاً فحصل فيه إذن معنى الزيادة. ومنه الشُّفعة – بضم الشين – وهي ضم الشفيع المبيع إلى مكله فيشفعه به، كأنه كان وتراً فصار زوجاً شفعاً، كما جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة شفع (10/50) ، وهو أكبر معاجم اللغة العربية.

وصورة الشفعة: اشتركت أنا وأنت في بيت، ثم بعت نصيبي بمائة ألف درهم لغيرك فأنت لك حق الشفعة لتدفع الضرر عنك فتأتي وتقول لي شفعت في بيعك، أي ضممت بيعك إلى ملكي بمثل القيمة التي بعت بها نصيبك، فيفسخ البيع بيني وبين المشتري الغريب الذي ليس بشريك ويثبت لك كل البيت، وتدفع قيمة نصيبي، فإذن الشفعة ضمَّ الشريك المبيع إلى ملكه فصار ملكين وجزأين بعد أن كان جزءاً واحداً، وصار شفعاً بعد أن كان وتراً. المحاضرة العشرون ومعناها في الاصطلاح: طلب الخير للغير وفيها المعنى اللغوي. أي المعنى الاصطلاحي فيه المعنى اللغوي، فالشفيع عندما يطلب الخير من غيره يضم صوته وطلبه إلى طلب المشفوع له. فأنت تقول (رب اغفر لي) تطلب من الله المغفرة، ويجئ آخر فيدعو لك فيقول: (اللهم اغفر له وأجب دعواه) فهذه شفاعة، فكان السائل والطالب فرداً واحداً،وعندما طلبت أنت تحقيق طلبه صيّرته شفعاً وزوجاً وصار الطلب من جهتين من السائل لنفسه ومن الشافع. فالشافع إذن شفع السائل والطالب فصارا اثنين، فإذن شفع الشافع المشفوع له، وشفع الشافع المطلوب منه الشفاعة، حيث ضم الشافع رأيه إلى رأي من طُلبت منه الشفاعة فأنت ذهبت مثلاً إلى مدير تطلب منه حاجة، فأنا شفعت لك عنده فضممت صوتي إلى صوتك وصار الطلب من جهتين، وضممت رأيي إلى رأي المشفوع عنده. إذن شفعت للمشفوع له، وللمشفوع عنده، فأعطيت رأيي مع صاحب الحاجة وأعطيت رأيي مع من سيقضي هذه الحاجة، فشفعت لهذا وشفعت مع هذا. أما لهذا فطلبت قضاء حاجته. وأما ذاك فقد حرضته على قضاء حاجة الطالب فأنت شفعت لاثنين. أو تقول: شفعت الطالب والمطلوب منه، شفعت الطالب واضحة، وشفعت المطلوب منه أي الذي سيقضي حاجة الطالب.

أو تقول: شفعت المشفوع له وشفعت المشفوع إليه، أو: شفعت المشفَّع والمشفِّع، فالمشفَّع هو طالب قضاء الحاجة والمشفِّع هو الذي سيقضي الحاجة،ولو ضربنا هذا مثلاً للخليقة مع ربهم جل وعلا، فالمشفِّع هو الله سبحانه وتعالى، والمشفَّع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم [أول شافع وأول مشفَّع] . وقبل أن أنتقل إلى مباحث الشفاعة أحب أن أذكر مقدمة لها، وكل مباحثها تدور حول مبحثين فالشفاعة مطلوبة من المسلمين نحو بعضهم في الدنيا وفي الآخرة. يقول تعالى عن الشفاعة في الدنيا: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتاً) ، فقد حثنا الله تعالى في هذه الآية على الشفاعة الحسنة التي فيها قضاء مصالح العباد، وحذرنا من الشفاعة السيئة. وقد حثنا نبينا عليه الصلاة والسلام أيضاً على الشفاعة في أحاديثه الكثيرة الصحيحة الثابتة، ففي الصحيحين والسنن الثلاثة أبي داود والنسائي والترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء] وفي رواية أبي داود [اشفعوا لي] أي في طالب الحاجة [لتؤجروا وليقضي الله على لسان نبيه ما شاء] . وهذه الشفاعة – كما قلت – ينبغي أن تكون في تحصيل الخير للغير في الدنيا والآخرة ولكن بشرط عدم تعطيل أحكام الله الشرعية، لأنك إذا شفعت في حد من حدود الله أو في إسقاط واجب أو استحلال محرم فهذه شفاعة محرمة وهي مضادة لله في حكمه، (قصة سرقة المخزومية والتي شفع فيها أسامة) والشفاعة في الدنيا تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- شفاعة حسنة مستحبة وتكون في: أالمباحات. ب المستحبات. ولها صور كثيرة ولا يعجزكم التمثيل لها فلو طلب شخص مباحاً من مسئول أو مستحباً، فامتنع عليه، فشفعت له من أجل قضاء حاجته وطلبه، فهذه شفاعة حسنة ومستحبة.

وقد بوب البخاري عليه رحمة الله في كتاب الطلاق باباً بهذا الخصوص فقال: باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة. وزوجها هو مغيث، وحديثه ثابت في الكتب الستة، فقد كانت بريرة تحت مغيث وكانت أمة وهو عبد – على أرجح القولين – ثم اعتقت بريرة والتي أعتقتها أمنا عائشة رضي الله عنها – وعندنا في الشريعة أن الأَمَة إذا كانت تحت عبد ثم أعتقت وصارت حرة فهي مخيرة إن شاءت أن تفارقه وإن شاءت أن تبقى معه، وإذا كانت تحت حر فاختلف في ذلك والجمهور يقولون بالتخيير وأبو حنيفة يقول بالتخيير سواء كان الزوج حراً أو عبداً. الحاصل أن مغيثاً كان عبداً فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: أنتِ بالخيار ما لم يمسسك – أي يقربك – فقالت لا أريده يا رسول الله، وقالت لأمنا حفصة رضي الله عنها: هو الطلاق هو الطلاق هو الطلاق. فتشفع النبي صلى الله عليه وسلم لمغيث لأجل أن تعود له بريرة، فقد كان مغيث متعلقاً بها وكان قبل أن يحصل الطلاق بينهما يتبعها في سكك المدينة وهو يبكي وراءها والدموع تسيل على خديه وعلى لحيته ويسترضيها فتأبى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: [ألا تعجب يا عمِّ إلى حب مغيث لبريرة وإلى كراهية بريرة لمغيث، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم، ارجعي إليه يا بريرة هو زوجك وأبو أولادك، فقالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: لا، إنما أنا شافع] أي ألتمس منك العودة إليه، [فقالت: لا أريده يا رسول الله، الطلاق الطلاق الطلاق] فطلقت منه وما اجتمعت به بعد ذلك. فهذه شفاعة مستحبة وقد شفع خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه في هذا الأمر لكن عنصر النساء عجيب، ووالله لو كنت مكانها لو كان ثوراً أسود لقبلته من أجل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتطييباً لخاطره، وهل يقول النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وأردها؟ ! لكن هذا حال النساء.

لكن مع ذلك انظر لإيمانها، فليس عندها نقص فيه، حيث أرادت أن تتحقق هل هذا أمر واجب أم لا؟ فهي تعلم قول الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) . وهذا الحديث يقول الحافظ ابن حجر: استنبط أئمة الإسلام منه (300) فائدة، وأوجزها في فتح الباري وأشار إلى هذه الفوائد في الإصابة في ترجمة بريرة رضي الله عنها وعن زوجها. ونسأل الله أن لا يعلق قلوبنا إلا به، وأنا حقيقة لا أتعجب من بريرة إنما أتعجب من مغيث فالنساء سواها كثير، وما عند هذه عند تلك، وعلام المشي وراءها والبكاء عليها! لكن هذا هو حال الضعف الإنساني، وصدق الله إذ يقول (وخلق الإنسان ضعيفاً) . رفع إلى ابن عباس رضي الله عنهما في يوم عرفات رجل قد صار كالفَرْخ من ضعفه ومرضه، فقال: ما به؟ قالوا: العشق، فبدأ ابن عباس رضي الله عنهما – في يوم عرفات – يستعيذ بالله من العشق حتى مغيب الشمس. قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين العشق لا يستفيق الدهر صاحبُه ... وإنما يصرع المجنون في الحين إن هذه الشفاعة الأولى الدنيوية مستحبة في مباحات ومستحبات وقولوا ما شئتم لها من أمثلة. 2- شفاعة واجبة وتكون في: أ) تحصيل الواجبات. ب) دفع الظلم عن المؤمنين والمؤمنات. فإذا كان الطلب في أمر واجب ولأخذ حقه، أو كان الطلب لدفع الظلم عنه – وهو حق – فلم يجبه ولي الأمر لا في إعطائه حقه ولا في دفع الظلم عنه وأراد أن يوقع به عقوبة لا يستحقها أو أراد أن يمنعه حقاً هو له، وعلمت أنت بهذا فيجب عليك أن تشفع، لكن هذا الوجوب على حالتين، فهو فرض كفاية إن علمت وعلم غيرك ومنزلتك ومنزلتهم عند ولي الأمر سواء فيجب عليكم كلكم أن تشفعوا، فإذا قام البعض بتلك الشفاعة سقط الإثم عن الباقين كصلاة الجنازة.

ويكون واجباً وجوباً عينياً إذا لم يعلم بحالة طالب الحاجة إلا أنت، أو علم غيرك أيضاً لكن أنت لك منزلة إذا شفعت بحيث تقضي حاجته ويُحصّل الواجب ويُرفع الظلم فهنا تعين الوجوب عليك وإذا لم تشفع فأنت آثم. الإمام الشافعي استدعاه – ذكرها ابن عبد البر في كتابه الانتقاء في تراجم الأئمة الثلاثة الخلفاء – هارون الرشيد فأحضر من مكة إلى بغداد مقيداً، فما خلصته إلا شفاعة عبد صالح، إنه محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة، وذلك أن الشافعي زوِّر عليه أنه يريد أن يبايع رجلاً من آل علي لينقلبوا على العباسيين وبالأخص على الخليفة هارون الرشيد فجن جنونه فأرسل لإحضاره، فعلم بذلك محمد بن الحسن فاغتنم الغنم فتحين قدوم الشافعي فكان في مجلس هارون الرشيد، فلما دخل الشافعي عرّف محمدُ بن الحسن هارونَ بمنزلة الشافعيّ وبين له أن هذا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا إمام المسلمين....، ثم قال له هارون: يا محمد خذه إلى بيتك حتى يتبين لي الأمر، ثم ارتفع قدره (أي الشافعيّ) عند هارون بعد ذلك وأكرمه غاية الإكرام وأمر له بخمسين ديناراً. فلولا أن الله لطف بالشافعي بشفاعة محمد بن الحسن لطارت رقبته في مجلس هارون، ولو أن محمداً ما شفع للشافعي لشارك في إثم دمه لأنه يعلم قدره ومنزلته وعلم بحاله، فانتبه لهذا!! إذن هذه شفاعة واجبة.

وأخبرنا بعض شيوخنا الشيخ عبد الرحمن زين العابدين عليه رحمة الله عن قصة جرت لبعض العلماء الصالحين في الزمن القديم، حاصلها أن افتُري على طالب علم فاستدعاه ولي الأمر، فلما جاء إليه أعلم هذا الشيخ الصالح أن طالب العلم الفلاني قد استدعاه ولي الأمر وقد يفتك به – وقد كان للشيخ منزلة عند ولي الأمر ومكانة وكلمة مسموعة – فسارع الشيخ إلى منزل ولي الأمر وكان عنده اجتماع وطال الاجتماع والشيخ لا يزال جالساً وكان محصوراً - يحبس البول – فلما خرجوا دخل على ولي الأمر وكان مشغولاً في الكلام فانفجرت مثانة الشيخ ومات في مجلس الأمير فقال الأمير: ماله، وما الذي طرأ عليه حتى جاءني وقد كان الأصل أن آتي إلى بيته فهذا الشيخ هو شيخ المسلمين في بلدتنا؟ فقالوا: بلغه أن طالب علم ادُعىّ عليه وأحضر إليك فخشي أن تفتك به فجاء ليُعرِّف له وليشفع له , وكان محصوراً وهو رجل كبير لا يمسك هذا، فانفجرت مثانته فمات، فقال الأمير: والله لو علمت لأعطيته حِجْري ليبول فيه، ولجئت إلى بيته لأقبل شفاعته. فهذه شفاعة واجبة لتوصل الحق إلى صاحبه ولتدفع الظلم عنه. وأنا أقول لكم من باب شكر أهل الشفاعات والفضل على شفاعاتهم فمن تحدث بالنعمة فقد شكرها ومن كتمها فقد كفرها، وصاحب الشفاعة يعلم الله أنه لا يريد التحدث بها ولما أخبرني بها قلت له جزاك الله خيراً، فقال: وأنت كذلك، ولكنني ما أخبرتك من أجل أن تثني عليّ أو من أجل المنة عليك، إنما أخبرك من باب إخبارك بما يصدر ممن يكيد لك، ولمكانتك عندي، ونسأل الله أن يكفينا شر كل ذي شر.

هذا الشيخ صاحب الشفاعة هو عبد الله المصلح عميد كلية الشريعة وأصول الدين بأبها بجنوب السعودية، وقد عاشرته ما يقارب (12) سنة وجرى لي معه مواقف كثيرة، ومن جملتها الذي يتعلق بمبحث الشفاعة فقد أُرسِلَ مرة كتاب من بعض الضالين من لهم شأن إلى الجامعة وفيه: أنه يوجد في كلية الجنوب فلان – يقصدني – وهو ضال يضلل الطلاب ويفسد عقائدهم ... إلخ، فأرسل إليه كتاب بهذا الخصوص فلما ذهب الشيخ عبد الله المصلح إلى الرياض أطلعوه على الكتاب نفسه وفيه أن عندكم أستاذاً ضالا ً ووضعه كذا وكذا – فهنا الشفاعة واجبة ومتعينة أم لا؟ وبيان الحق والدفاع متعين أم لا؟ فقال الشيخ عبد الله لمدير الجامعة سبحان الله لا أعلم بم أجيبكم!! إذا كان الشيخ عبد الرحيم ضالاً فوالله إذن ما عندنا في كلية الشريعة وأصول الدين أحد مهتدي، وأولهم أنا عبد الله المصلح، ولذلك أرى أن تلغوا الكلية من أولها لآخرها. وبدأ يسرد لي بعض ما حصل وقال: لا أريد أن أذكر لك ما حصل، لكن من جملة كلامه أنه قال لهم، والله لا يوجد في هذه الكلية أستاذ إلا ولي عليه ملاحظة إلا فلان فهذا الذي يلاحظ علينا وينصحنا وأحيانا ينبهنا لأمور نحن نقصِّر فيها، وأنا لا أذكر مرة – وهذا كله من كلام الشيخ عبد الله المصلح – أنني نبهته على شيء، فاتقوا الله في أنفسكم، فهل هذا يتهم بمثل هذا الأمر الذي تذكرنه؟!.

ولم يُنهِ الأمر إلى هنا مع أن الأوراق والشكوى قطعت في مكتب مدير الجامعة ورميت في سلة الأوساخ وقيل له: دعك من هذا الأمر، فلم يقبل وواصل متابعة القضية وقال أنا سأتابع الأمر فذهب إلى من زكى كتابه من كتب الشكوى، فقال له: هل تعرف فلاناً – أي الشيخ الطحان؟ فقال: ليس لي اطلاع على حاله على وجه التمام، لكن فلان وفلان الذين جاؤوا إليّ ثقات وقالوا لي إن هذا الشيخ يضلل ويفسد، لذلك يجب التخلص منه والحذر، فقال الشيخ المصلح له: ما رأيك فيّ؟ فقال: أنت يا شيخ عبد الله لا تدور حولك تهمة ولا نعرف عنك سوءاً، فقال له: والله لو طعنتم فيّ لكان هناك مجال للتصديق، وأما أنكم تطعنون في هذا الشيخ المسكين، والله لن يصدقكم أحد في الدنيا ولا في الآخرة فاتقوا الله واستحيوا منه وبعد كلام طويل قال هذا المسئول للشيخ عبد الله المصلح: هات كتاباً أكتب لك بالثناء عليه والتزكية له وأرد على كلامي السابق – وهذا الشيخ المسئول الذي زكى شيخ صالح لكن يُخدع أحياناً من قبل بعض الناس فقال الشيخ المصلح: لا أريد الآن تزكية، وما جئت الآن من أجل التزكية، لأن المسئول عنه في النهاية أنا ولا يمكن أن يُفعل معه شيء إلا بعد أخذ رأيي، فأنا الذي أدير الكلية ولم آت من أجله، لكنني جئت من أجل أن تتقوا الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يتكرر هذا منكم، فلا يأتيك شخص صاحب هوىً ويتهم بعض طلبة العلم بنقيصة ليست فيهم ثم تزكيهم وليس لهؤلاء الطلبة مدافع، ثم قال له في النهاية، هَبْ أنكم آذيتموه وفصلتموه من الكلية أتظنون أنكم بذلك قد ضررتموه، لا والله، إن هذا مؤمن وسيتولاه الله أينما كان وسيرفعه من عز إلى عز، ولن يخسر من فصله إلا كليتنا وسنكتسب الوجه الأسود في الدنيا والآخرة.

أي افرضوا لو أن هذا الشيخ فُصِل، فهل إذا فصل يعني فصلت رقبته، وإذا فصلت رقبته هل حرم من الجنة أم ماذا جرى؟! ولو فصل من هذه الجامعة أفلا يوجد في هذه الدنيا مكان آخر فاتقوا الله وقفوا عند حدكم. فهذه الشفاعة تعينت عليه، فحقيقة لا يعلم بحالي على وجه التمام والكمال إلا هذا العميد ولا يعلم بهذه الشكاية إلا هو، فقلت له جزاك الله خيراً، فقال: والله لو لم أفعل هذا لأكبني الله على وجهي في نار جهنم، ولا تظن أن هذا الذي فعلته من باب المنة عليك إنما هذا تعين عليّ. وجاءت بعد ذلك تهمة وتطورت إلى بعض الجهات المسؤولة فقال لي من ضمن كلامه يا شيخ عبد الرحيم أنت نائم مع أهلك ولا تدري ما الذي يفعله لك وما الذي يحصل والله في وسط الليل أزج بنفسي من بيت إلى بيت ومن جهة إلى جهة، ويقول عندما يتصل ببعضهم: يا عباد الله اتقوا الله واستحيوا منه، والله أخشى أن يخسف الله بكم الأرض، إلى هذا الحد وصل بكم العنف والغلظة، فيقولون له: إنه يفعل كذا وكذا، فيقول لهم: استحيوا من الله يا جماعة فإن بعض ذلك مزوّر عليه ومفترىً وبعض ذلك لا حرج في فعله، وبعض ذلك حق وأنتم مخطئون. وبالنسبة لقضاء الحوائج واصطناع المعروف والشفاعات ألّف أئمتنا كتباً مستقلة في هذه المواضيع، من هذا ما وجد ضمن كتاب (أربعون حديثاً في اصطناع المعروف) للإمام المنذري صاحب الترغيب والترهيب وقد تكلم فيه عن الشفاعات وقضاء الحوائج، وإذا لم يوجد عندكم فانظروا في مجمع الزوائد (8/190 - 195) لزاماً عند كتاب البر والصلة باب في قضاء الحوائج ويدخل في قضاء الحوائج الشفاعات لاسيما إذا كانت واجبة.

من جملة ما ورد فيه – المجمع – من أحاديث: ما رواه الطبراني في الأوسط والصغير – وإسناده لا بأس به – عن أمنا عائشة رضي الله عنها، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من كان وصلة – واسطة – لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ (بلوغ) بر ٍ أو تيسير عسير أعانه الله على إجازة الصراط عند حفي الأقدام] . ولذلك أثر عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله أنه قال: "لكل شيء زكاة وزكاة المروءات الشفاعات" أي إذا كنت صاحب مروءة وجاه فزكاة هذا أن تشفع. ومنه ما رواه الطبراني في الأوسط بسند جيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكافه عشر سنين، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين] و (الخافقان) أي بين الأرض والسماء وبين المشرق والمغرب. وذكر الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه (جامع العلوم والحكم) عند شرحه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيح مسلم [ ... والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ... ] ذكر قصة في هذا الموضوع فقال: "وبعث الحسن البصري قوماً من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مروا بثابت البناني - وكان من العباد – فخذوه معكم، فأتوا ثابتاً، فقال: أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال قولوا له: يا أعمش، أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة فرجعوا إلى ثابت، فترك اعتكافه وذهب معهم" وقول الحسن هذا ورد في أحاديث لكن ضعيفة. المحاضرة الحادية والعشرون 3- شفاعة محرمة مذمومة وتكون في أ) المكروهات. ب) المحرمات. (يصلح مثالاً لها قصة الشفاعة في المخزومية التي سرقت) . كشفاعة أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز، ثم تابت من شفاعتها، حيث قالت لعزة يقول كثيّر (الذي كان مغرماً بعزة) : قضى كل ذي دينٍ علمتُ غريمَه ... وعزةُ ممطول معنّى غريمها

أي كل من عليه دين قضى صاحب الدين حقه إلا عزة فلم تقضي ديني، فقالت لها: ما هذا الدين الذي يقوله كثيّر وماذا له عليك من حق؟ فقالت عزة: كنت وعدته قبلة (عن طريق الحرام) فما طلته وما أعطيته ذلك، فقالت لها أم البنين: سبحان الله، أعطيه ذلك وما كان من إثم فعليّ. ثم ندمت بعد ذلك وتابت رحمها الله وعفا عنها، وأعتقت أربعين رقبة، وقالت ليتني خرست وما تكلمت بهذه الكلمة حيث شفَعتْ في أمر محرم. وانظروا القصة في صفة الصفوة (4/299) . فالشفاعة في المحرم والمكروه حرام. فهذا هو ضابط الشفاعة: الحسنة المستحبة، والحسنة الواجبة، والمذمومة المحرمة، والتمثيل لا يخفي عليكم بعد ذلك. والشفاعة الحسنة مطلوبة، والشفاعة السيئة مذمومة، وأكثر شفاعة الناس في هذه الأيام من الشفاعات المذمومة الملعونة ولا تجد من يشفع شفاعة حسنة إلا ما قلَّ وندر، وإذا طلبت منه شفاعة حسنة في تخليصك من ظلم أو بلاء يتعلل، وعندما يجب عليك حق شرعي أو تنتهك محرماً وستنزل بك عقوبة فما أكثر الشفعاء حينئذ وهذا هو الضلال عندما تضاد الشفاعة شرعية ذي العزة والجلال. فلنشفع في أمور لخير الدنيا، ونسأل الله أن يشفعنا في بعضنا في الآخرة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. وسنأتي الآن إلى مباحث الشفاعة. المبحث الأول: شرط حصول الشفاعة عند الله جل وعلا:

تقدم معنا أن الشفاعة طلب الخير للغير من الغير، وقلنا إن الشفاعة فيها ضم الشفيع صوته إلى المشفوع إليه كما في ضم صوته إلى المشفوع له، والله جل وعلا فرد أحد ليس له شفيع سبحانه وتعالى، فكيف ستحصل الشفاعة عنده؟ هل يعطي أحد رأيه لله كما هو الحال في ملوك الدنيا فهؤلاء تعطيهم رأيك وتضم رأيك إلى رأيهم؟ لا، الشفاعة عند الله تختلف عن سائر المعلوم من أنواع الشفاعات عند المخلوقين قاطبة، فهي شفاعة من نوع خاص لها شروط تميزها عن غيرها، فهذه الشفاعة لا تضم رأيك إلى رأي المشفوع عنده انتبه!! إنما أنت تشفع بعد أن يأذن لك سبحانه وتعالى، وهل هذا هو حال ملوك الدنيا؟ فقد تشفع بما لا يريد وترغمه فينفذ شفاعتك لأنه وإن كان عنده رغبة ورهبة فهو أيضاً يرغب ويرهب ويقول أخشى أن يدبر هذا لي مكيدة أو أن يغتالني إن أنا رددت شفاعته. فهذه الشروط – التي سنذكرها – لننفي بها ضم الشافع صوته إلى المشفوع عنده وأنه لا أحدٌ يشفع الله فهو وتر سبحانه وتعالى وهو أحدٌ ليس معه نظير ولا أحد يضم قوله إلى قوله. ولذلك اتفق أهل السنة الكرام على أن الشفاعة لا تحصل عند ذي الجلال والإكرام إلا بشرطين: الشرط الأول: إذن الله للشافع بحصول الشفاعة منه. دل على هذا آيات القرآن الكثيرة منها: ? قوله تعالى في آية الكرسي سورة البقرة 255 (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) . ? وقوله تعالى في سورة سبأ آية 23 (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) . ? وقوله تعالى في سورة يونس آية 3 (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) . الشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له بحصول الشفاعة له من الشافع فإذن أذن للشافع بأن يشفع، وليس هذا إذن مطلقاً، بل يُحِدّ له حداً أو يسمي له جماعة أو فرداً، فيقول اشفع لهذا بدخول الجنة، إذن هذا بتخصيص الله ومشيئته وإرادته. س: لم أشفع، وقد حَدَّه لي وليس على اختياري مطلقا؟

جـ: لينيلني الأجر عندما أشفع (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) ، وليحصل مزيد حب وود بيني وبين المشفوع له، وبالتالي يحصل مزيد ربط بين قلوب المؤمنين وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يفعل هذا في الدنيا فكانت إذا عرضت عليه حاجة يؤخر قضاءها ليشفع الصحابة ثم يقول لهم – ما قلت لكم – [اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء] ، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيقضي الحاجة لكن إن قُضيت بعد شفاعة فالمستفيد هو أنتم حيث سيحصل الربط فيما بينكم وتقضى الحاجة مع ذلك، فقضاء حاجة بلا شفاعة أنزل من قضائها بعد شفاعة، فهناك تكثير الخيرات من عدة جهات وهذا ما يحرض عليه النبي عليه الصلاة والسلام. لذلك قلت لكم ندبنا إلى شفاعة في الدنيا والله يشفعنا في بعضنا في الآخرة، إذن يحدد الله المشفوع له، ويأذن للشافع بحصول الشفاعة منه لهذا المشفوع له. دل على هذا قول الله جل وعلا في سورة الأنبياء في الآية (28) : (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) . وقد جمع الله الشرطين في آيات كثيرة من كتابه: 1) منها سورة النجم آية (26) : (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يساء ويرضى) . 2) وهكذا في سورة النبأ آية (38) يقول الله تعالى: (يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن) . فهذا هو الشرط الأول (وقال صواباً) أي أذن له ولم يتكلم بعد ذلك على حسن رأيه ويشفع لمن يريد دون إذن ربه بحصول الشفاعة له فلا يتكلم إلا على حسب ما يحدد له، والصواب هو رضا الله عن المشفوع له بحصول الشفاعة وهذا هو الشرط الثاني. 3) وقال ربنا جل وعلا في سورة طه آية (109) : (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولاً) وهذا كقوله تعالى (أذن له الرحمن وقال صواباً)

إذن لا بد من هذين الشرطين إُذنُ الله للشافع ورضاه عن المشفوع له لحصول الشفاعة له، وعليه فمرد الأمر لله جل وعلا فهو خالق الشفاعة وموجدها وهو الآذن لبعض الناس بالشفاعة لمن يشاء ويريد ويرضى سبحانه وتعالى، ولذلك لا تطلب إلا منه سبحانه وتعالى أن يشفع فينا الصالحين من عباده فهو على كل شيء قدير. يقول الله تعالى مقرراً هذا في سورة الزمر آية 43 و 44: (أم اتخذوا من دون الله شفعاء، قل: أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون، قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون) ، فلله الشفاعة جميعاً من بدايتها إلى نهايتها فهو الذي يأذن للشافع وهو الذي رضي عن المشفوع له بحصول الشفاعة له، إذن مردها إلى الله جل وعلا، نسأل الله أن يرحمنا وأن يشفع فينا نبينا عليه الصلاة والسلام والصالحين من عباده إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إشكال وجوابه: إن قيل: وردت آيات في القرآن الكريم ظاهرها يشعر بنفي حصول الشفاعة يوم الدين، فكيف سنوفق بينها وبين الآيات التي أثبتت الشفاعة في ذلك؟ ومن هذه الآيات: ? قول الله جل وعلا في سورة البقرة - وسأقتصر على هذه السورة فقط - آية 48 (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم يُنصرون) . ? وقوله تعالى في آية 123 من السورة نفسها: (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون) . ? وقوله تعالى في الآية 254 (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أي يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون) . إذن هذا اليوم ليس فيه شفاعة، وقد مرت معنا الآيات بثبوت الشفاعة وحصولها، فما التوفيق بين الأمرين؟

الجواب: أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة الشركية التي يدعيها المشركون لآلهتهم وطواغيتهم من البشر أو الحجر أو البقر أو الشمس أو القمر وغيرها حيث كانوا يزعمون بأنها ستشفع لهم يوم القيامة، فإن هؤلاء لا تحصل لهم الشفاعة والشفاعة منتفية عنهم، وقد وضح هذا آيات القرآن (1) يقول الله تعالى في سورة المدثر – وانتبه لسياق الآيات – (كل نفس بما كسبت رهينة، إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نَكُ من المصلين ولم نَكُ نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) فما هي النتيجة؟ (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) التي كانوا يدعونها لآلهتهم، ويفترون ويزعمون أن آلهتهم ستشفع لهم، فهذه الشفاعة الشركية لا تنفعهم وهم مشركون لا تنفعهم شفاعة. إذن (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) ، وما المراد بأصحاب اليمين؟ قيل: هم من يأخذ كتابه بيمينه. وقيل: هم الملائكة المقربون. لكن التفسير الدقيق الوارد في هذا عن صحابيين – ولذلك حكم الرفع – عن علي وعن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، عن علي في المستدرك بسند صحيح، وعن ابن عمر في تفسير ابن المنذر بسند صحيح: [ (إلا أصحاب اليمين) إلا أولاد المسلمين الذين ماتوا قبل أن يبلغوا] قبل أن يجري عليهم القلم. وهذه إحدى آيتين في القرآن تدل على أن أولاد المسلمين في الجنة إذا ماتوا قبل التكليف والآية الثانية في سورة الطور آية رقم (21) وستأتي ص (256) وهذا هو المقرر عند أهل السنة والجماعة، فإذا مات ولد من أبوين مسلمين أو من أحد أبوين مسلمين قبل أن يبلغ فهو في الجنة. وفي هذه الآية قرينتان على أن هذا التفسير هو المعتمد – وإن كان التفسيران الآخران يمكن أن يدخلا في الآية – ولكن هذا هو المعتمد وأقوى من غيره لقرينتين هما: القرينة الأولى:

قوله (رهينة) فإن معناها: مرتهنة ومحبوسة لتحاسب على عملها، فإن كان خيراً أثيبت وإن كان شراً عوقبت، لكن عندنا صنف ليس عنده ما يرهن عليه ويحبس من أجله فلم يعمل خيراً أو شراً ولم يجر القلم عليه، إذن فكل نفس مرتهنة بعملها إلا هؤلاء فليس عندهم عمل، ولذلك أولاد المسلمين في الجنة بمجرد موتهم [وصغارهم دعاميص الجنة] كما ثبت في مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام والدعاميص جمع دعموص وهي دودة لا تفارق الماء والولد الصغير بمجرد أن يموت لا يفارق الجنة، والدعموص أيضاً هو الذي يُكثر زيارة الملوك والأمراء فلكثرة زيارتهم ومخالطتهم لهم يدخل عليهم بغير استئذان، وهؤلاء دعاميص يدخلون ويسرحون حيث يشاءون ولا يمنعهم منها مانع وفلا يقيدون ويحاسبون. القرينة الثانية: قوله (يتساءلون) لأن سؤالهم هذا سؤال غرٍ جاهل سؤال من لا يدري الحقائق ولا ما جرى في عرصات الموقف، فهؤلاء – أي أصحاب اليمين الذين يتساءلون – لو شهدوا الحساب في عرصات الموقف وحضروا الميزان وأن هؤلاء ثقلت موازينهم فهم في عيشة رضية وهؤلاء خفت موازينهم فأمهم هاوية لو حضروا هذا لما سألوا هذا السؤال، فهو معلوم لديهم لأنهم حضروه، لكنهم لم يحضروا ولم يُحبسوا إنما دخلوا الجنة دون محاسبة ودون تقييد ورَهْن. الشاهد هنا أنه (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) الشفاعة الشركية هي المنفية.

3) وهكذا يقول الله في سورة الشعراء آية (100) : ( ... فمالنا من شافعين ولا صديق حميم) فالشفاعة المنفية هي حصول الشفاعة للآلهة وقد ذكروا قبل هذه الآية بثماني آيات وأيضاً قال في آية (96) من هذه السورة (قالوا وهم فيها يختصمون، تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين، وما أضلنا إلا المجرمون، فمالنا من شافعين ... ) إذن يسوون آلهتهم برب العالمين ويجعلونهم أنداداً له، وعدلاً ومثلاً له، يعبدونهم كما يعبدون الله، فهؤلاء لا تحصل لهم الشفاعة والله جل وعلا يقول: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم) أي جعلتموهم نظراء وعدلاً له، فسموهم وانعتوهم فماذا فيهم من صفات يستحقون أن يكونوا بها آلهة، هل خَلقوا أم خُلقوا؟ هل يملكون لغيرهم ضراً أو نفعاً أو يملكون هذا لأنفسهم؟!! كل من عدا الله مخلوق مقهور مربوب مسير في الحياة والموت والرزق رغم أنفه مخير في ما عداها جاء إلى الدنيا على غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره، في الصورة التي على غير اختياره، إذن فكيف يستحقون أن يكونوا آلهة مع الله أو من دون الله؟!!. 4) وهكذا يقول الله سبحانه وتعالى في سورة غافر آية (18) (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) . 5) وقال جل وعلا في سورة الأنعام آية (94) : ( ... وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء....) . 6) وقال جل وعلا في سورة يونس آية (18) : (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض، سبحانه وتعالى عما يشركون) . فالشفاعة المنفية هي الشفاعة الشركية التي تقع بغير إذن الله وبغير رضاه عن المشفوع له، وهذه كان الضالون يدعونها لمعبوداتهم وما أكثر من يدعيها من المسلمين لطواعيتهم الذين يعكفون حولهم.

وهناك قصة لبعض الضالين في بلاد الشام من الصوفية المخرفين الذين يتبعون شيخاً ضالاً يقول لهم: أولادي لا تخافوا، فإذا صار يوم القيامة أضعكم في رقبتي كما تضع المرأة القلادة في عنقها، ثم أمر من فوق جهنم فأطير إلى الجنة، وتلامذته ينقلون هذه القصة عنه ويبتهجون ويفرحون ويقول: نحن سيشفع لنا هذا الشيخ العظيم، فقلت لواحد منهم عندما كلمني: وإذا سقط شيخك في جهنم، فكيف سيكون حالكم؟ ووالله إذا لم يرجع عن اعتقاده هذا سيسقط رغم أنفه ما دام يدعي هذا الأمر الذي يحاد ويضاد به الله: ألم يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: [يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئاً، اعملي] . [يا عباس يا عم النبي، لا أغني عنك من الله شيئاً، اعمل] . [يا صفية سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً] . هذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه سيد الشافعين المشفعين والشفاعة له ثابتة بإجماع أهل السنة ودلت عليها النصوص الصحيحة الثابتة، ومع ذلك يقول كَوني سأشفع لهذا أو لهذا هذا مرده إلى الله جل وعلا!!. ولذلك في صحيح مسلم [لما جاء ربيعة بن كعب الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان دائماً يحضر للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ليتوضأ منه، فقال له ذات يوم لما أحضر له وضوءه: سلني فقال ربيعة: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال أَوَغير ذلك؟ فقال: هو ذاك يا رسول الله فأطرق النبي عليه الصلاة والسلام يقول ربيعة – وظننت أنه يوحى إليه – ثم رفع فقال إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود] ، نعم ما سأل ربيعة وهذه هي همم النفوس العالية.

فهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له من أول الأمر شيئاً لا أملك ولا لا أملك بل سكت فهولا يستطيع أن يتكلم من عنده، فهذا ليس في وسعه، فقال له، ألا تريد شيئاً آخر أستطيع قضاءه لك بنفسي؟ ، فقال: هو ذاك ولا أريد غيره، إذن فتحتاج المسألة إلى استئذان الله سبحانه وتعالى وانتظار الجواب منه، فأطرق الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه ونزل عليه الوحي، فلما رفع رأسه قال لربيعة: إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود فهذا شرط لا تفرط فيه حتى تكون في درجتي إن شاء الله في جنات النعيم. المبحث الثاني: أنواع الشفاعات يوم القيامة: مجموع الشفاعات ثمانية أربعة منها خاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام والأربعة الأخرى مشتركة بينه وبين غيره من أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم ومن الملائكة والصالحين من عباده. أما الشفاعات الخاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام: 1- الشفاعة العظمى: ويقصد بها: الشفاعة لأهل الموقف قاطبة من إنس وجن وحيوانات، ليحاسبهم رب الأرض والسموات، فحتى الحيوانات ستنالها هذه الشفاعة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وتكون نتيجة حسابها أن تكون تراباً لكنها مجموعة ليقضي الله للجماء من القرناء، وليظهر العدل الإلهي على أتم وجه، فيجتمعون في ذلك الموقف العصيب الرهيب، ولا يقضي بين هذه المخلوقات إلا بشفاعة خير البريات عليه صلوات الله وسلامه. وقد تواترت الأحاديث بذلك، وفيها:

(أن الله يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد وتدنو الشمس من منهم ويتصبب منهم العرق ويطول هذا الجمع ويبلغ الغم والكرب بالناس ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تظنون من يشفع لكم عند ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم فيذهبون إليه ويقولون: [يا آدم اشفع لنا عند ربك، فيقول لست لها] أي لا أبلغ هذا المقام وهذه الرتبة ليست لي، ثم يقول [إن ربي قد نهاني عن الشجرة فعصيته اذهبوا إلى نوح فإنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض] وكان بين نوح وبين آدم عشرة قرون كلهم على التوحيد، كما ثبت هذا في المستدرك بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما،وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام. والمراد من القرن: قيل مائة سنة، وعليه تكون المدة بينهما ألف سنة. وقيل المراد بالقرن مدة فناء جيل من الأجيال، وكان كل جيل يعيش ألف سنة فأكثر، فالألف تضرب في عشرة يصبح المجموع عشرة آلاف سنة بين نوح وآدم والله أعلم أيهما المراد.

[فيذهبون إلى نوح ويقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض فيقول: لست لها، ويذكر سؤاله لربه ما ليس له به علم] وهذا وراد في قوله تعالى (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال: يا نوح إنه ليس من أهلك) أي ليس من أهل ملتك وليس على دينك، وليس المراد أنه ليس من أولادك فهو ابن حرام كما توهم هذا بعض سفهاء الأنام حيث يقولون هذا ليس من أهلك أي ليس بولدك وإنما ولد على فراشك فامرأتك خانتك فيه، هذا كلام باطل وما بغت امرأة نبي قط، وزنا الزوجة منقصة في حق الزوج، فإن قيل قد تكون الزوجة كافرة، نقول: لا حرج لأن الكفر ليس بتعيير عند أهل الأرض وليس بمنقصة في حق الزوج بخلاف العهر، فهو – أي العهر – منقصة عند الكفار وعند المؤمنين بل عند الناس كلهم هو مذموم ولذلك القوانين الوضعية الوضيعة في هذا الوقت أباحت الزنا إلا زنا الزوجة، وعند النصارى لا يوجد طلاق إلا إذا ثبت أن الزوجة زنت فعند ذلك للزوج أن يطلقها. الشاهد أنَّ زنا المرأة طعن في زوجها ومعنى ليس من أهلك أي ليس من أهل ملتك وليس على دينك.

[فيقول نوح: اذهبوا إلى إبراهيم خليل الرحمن، فيقول لست لها، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات] وهي قوله (إني سقيم) مع أنه يجاهد ويجادل بها عن دين رب العالمين، وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) وقال عن سارة (إنها أختي) وهو صادق في كل ما قاله فهي أخته في دين الله بما أن هذا الكلام يوهم خلاف الظاهر فاستحى واعتذر فقال لست هنالك، ثم يقول إبراهيم [اذهبوا إلى موسى عليه السلام فإن الله قد كلمه فيذهبون إليه فيقول: لست هنالك، ويذكر ذنبه ويستحي وأنه قتل نفساً..] مع أن النفس تستحق القتل لكن كأنه يرى أنه تعجل ولعله كان بالإمكان أن يصلح أمره، ثم يقول: [اذهبوا إلى عيسى فإنه عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيذهبون إليه فيقول: لست هنالك ولا يذكر ذنباً] أي أنا لست في هذا المقام ولا أتأهل له سواء كان عليّ ذنب أستحي به من الله أم لا، ثم يقول [اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإنه عبد صالح قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيذهبون إليه ويقولون اشفع لنا إلى ربك، فيقول صلى الله عليه وسلم أنا لها وأنا صاحبها، فآتي تحت العرش فأسجد فيدعني الله ما شاء أن يدعني ويلهمني محامد أحمده بها لا أستحضرها الآن، ثم يقول لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفّع، فأقول: اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي] فتنصب الموازين وتنشأ الدواوين. يقول العبد الفقير وهذا الحديث ورد عن طرق متعددة وبروايات كثيرة من ذلك أن كل نبي لما تطلب منه الشفاعة يقول: [إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ثم يذكر ذنبه ويقول: نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى غيري....] . وكذلك لما يذهب الناس إلى كل نبي يثنون عليه بما هو فيه فمثلاً يقولون لآدم: [أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ... ] .

وفي بعض الروايات يعتذر نوح عليه السلام عن الشفاعة فيهم بقوله: [وإنه قد كان لي دعوة دعوتها على قومي ... ] ولا يذكر أنه بسبب سؤاله ما ليس له به علم. ومن ذلك أيضاً أنه لما يطلب من أي نبي الشفاعة يعتذر فيقول: [لست هنالكم] ، وفي روايات [ليس ذاكم عندي] وفي روايات [لست هناك ولست بذاك فأين الفعلة؟] أي الخطيئة أو الفعل الذي ارتكبه واستحى به من الله، وفي روايات [لست هناك] فقط. وهناك ألفاظ وروايات أخرى يطول ذكرها.

وعلى كل حال الحديث الطويل الذي ذكرناه هو ما قد أفادته عدة روايات، وإلا فرواية الصحيحين – وهي الرواية المشتهرة – ليس فيها التصريح بهذه الشفاعة العظمى للقضاء بين الخليقة بل اقتصر رواتها على ذكر شفاعة واحدة أخرى، ولكن يستفاد من نص الحديث في الصحيحين أن شفاعته ستكون للقضاء بين الخليقة بما ذكر في أول الحديث من اغتمام الناس وتضايقهم وكربهم وفزعهم من طول الاجتماع في هذا الصعيد الواحد، ثم إن ابن خزيمة بعد إيراده للحديث في كتابه (كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل) – أي الحديث الذي في الصحيحين – أراد أن يدلل على أن الشفاعة المذكورة فيه إنما هي الشفاعة التي يشفع بها النبي صلى الله عليه وسلم ليقضى بين الخلق حيث بوّب باباً بعد إيراده لرواية الصحيحين فقال: (باب ذكر الدليل على أن هذه الشفاعة التي وصفنا أنها أو الشفاعات هي التي يشفع بها النبي صلى الله عليه وسلم ليقضي الله بين الخلق فعندها يأمره الله عز وجل أن يدخل من لا حساب عليه من أمته الجنة من الباب الأيمن فهو أول الناس دخولاً الجنة من المؤمنين) ثم أورد حديثين يقرران ذلك: الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، وقال إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن وبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم بموسى فيقول: كذلك ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم.

الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [للأنبياء منابر من ذهب يجلسون عليها – قال – ويبقى منبري لا أجلس عليه ولا أقعد عليه قائماً بين يدي ربي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقول الله عز وجل: يا محمد، ما تريد أن تصنع بأمتك؟ فيقول: يا رب عجل حسابهم فيدعى بهم فيحاسبون فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي – فما أزال حتى أعطى صكاً برجال قد بعث بهم إلى النار، وحتى إن مالكاً – خازن النار – يقول: يا محمد، ما تركت النار لغضب ربك في أمتك من نقمة] وقد اشترط ابن خزيمة في كتابه هذا ألا يورد إلا حديثاً يرويه عدل عن عدل وبعد صفحات ذكر باباً آخر فقال: (باب ذكر بيان أن للنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات يوم القيامة في مقام واحد، واحدة بعد أخرى) ثم قال: "أولها ما ذكر في خبر أبي هريرة رضي الله عنه – ويقصد الحديث الطويل الذي رواه الشيخان أيضاً – وخبر عمر، وابن عباس – وقد تقدم قبل قليل ذكرها – وهي شفاعته لأمته ليخلصوا من ذلك الموقف وليعجل الله حسابهم ويقضي بينهم فرقة بعد أخرى - " ثم ذكر أن الصحابة رضوان الله عليهم ربما اختصروا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثوا بها وربما اقتصروا الحديث بتمامه وربما كان اختصاراً بعد الإخبار أو أن بعض السامعين يحفظ بعض الخبر ولا يحفظ جميع الخبر وربما نسي بعد الحفظ بعض المتن فإذا جمعت الأخبار كلها علم حينئذ جميع المتن والسند ودل بعض المتن على بعض، انظر: كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 242-247) . (وهذا الكلام الذي كتبه هو من كلامي أنا وليس للشيخ الطحان أي مسؤولية عنه فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان والله الموفق) . وقد أشار الله إلى هذه الشفاعة في كتابه فقال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) .

وقد فسر (المقام المحمود) بأربعة معان ٍ: أولها: أنه هو الشفاعة العظمى. قد حكى الواحدي إجماع المفسرين على القول بهذا، وقد روى ابن أبي عاصم في (السنّة) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم [في قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) قال: الشفاعة] وإسناده ضعيف لكن الحديث صحيح لشواهده وقد حسنه الترمذي. وروي أيضاً عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا كان يوم القيامة كنت أنا وأمتي على تل، فيكسوني حلة خضراء، ثم يأذن لي تبارك وتعالى أن أقول ما شاء الله أن أقول وذلك المقام المحمود] وإسناده جيد (وهذان الحديثان ذكرتهما أنا ولم يذكرهما الشيخ الطحان) . ثانيها: أنه لواء الحمد: ولا تعارض بينهما فهو يحمل لواء الحمد عندما يشفع وتحت لوائه آدم فمن دونه، فإذن لواء الحمد والشفاعة في وقت واحد. ثالثها: أن المقام المحمود هو كل خصلة حميدة يحمده عليها الأولون والآخرون في الدنيا والآخرة. رابعها: أن يجلس معه على العرش وهذا روي في تفسير الطبري وغيره [أن الله يُجْلِسُ نبيه على عرشه معه وهذا هو المقام المحمود] . والأقوال الثلاثة الأولي كلها مقبولة، والأخير الرابع جرى حوله كلام حتى أن بعض الأئمة استنكروه. المحاضرة الثانية والعشرون والأثر الذي رواه الطبري هو عن مجاهد فهو إذن ليس بمتصل إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عندنا عن طريق موصول صحيح.

والمعتمد عند أهل السنة الكرام أن هذا ونظائره إذا ثبت نؤمن به دون البحث في كيفيته، إقرار وإمرار، لكنه كما قلنا لم يثبت مرفوعاً فلذلك نتوقف فيه لا نرده ولا نثبته ونقول بموجبه وأكثر ما يمكن قوله أنه مرسل له حكم الرفع، والمرسل ضعيف لا يحتج به في الأحكام العملية فكيف في أمور الاعتقاد؟ لذلك لا نعتقد بموجبه لأن هذا يحتاج إلى نص ثابت لأنه كما لا يجوز أن تنفي أمراً ثابتاً في العقيدة لا يجوز أن تعتقد ما لم يثبت، فنتوقف فيه ونبين أنه روي أي من جملة الأقوال المروية. عدد من الأئمة ومن جملتهم الواحدي والرازي وأبو حيان وعدد من المفسرين قالوا، لو ثبت لكان مشكلاً فينبغي أن نطرحه – وأكثر من تبني رد هذا الإمام الواحدي قال: هذا التفسير باطل لا يصح، فالله يقول (عسى أن يبعثك) وهذا يفسر البعث بالقعود والجلوس، والبعث ضد الجلوس فكيف يفسر الشيء بضده؟! هذا الأمر الأول، أما الأمر الثاني: قوله (مقاماً محموداً) وهنا يقول مجلساً، والمقام ما يحصل فيه القيام. وأنا أقول هذا الأثر لو ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام فيمكن الخروج من هذه الاعتراضات فنقول: (يبعثك) أي يظهرك في مقام محمود وليس المراد منه البعث الذي هو ضد الجلوس والقعود. والمقام هنا ليس المراد منه أنه ضد الجلوس، بل المراد من المقام المنزلة والرتبة والشرف والفضيلة والفخر، وعلى هذا المعنى يحصل المقام للإنسان إذا جلس أو إذا قعد ولا فرق فليس المراد خصوص قيام أو خصوص قعود وجلوس، وهذا على تقدير ثبوته. وكان أئمتنا يقولون: لمجاهد قولان غريبان، وأنا أقول ثلاثة أقوال، وهي: 1) هذا الذي ذكرناه: تفسيره للمقام المحمود. 2) قال في قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) قال: تنتظر الثواب من ربها ولا يراه شيء من خلقه.

وهذا الأمر ثابت بإسناد صحيح إلى مجاهد وهي زلة من زلاته وهفوة من هفواته فلترد ولتطرح، ولو نقلت عن صحابي – وحاشاهم رضوان الله عليهم – لطرحت لأجل الحديث المتواتر بأن المؤمنين يرون ربهم في جنات النعيم، يقول ابن كثير بعد نقله لأثر مجاهد هذا: هذا باطل، يقول ابن كثير في تفسيره: (ومن تأول ذلك بأن المراد بإلى مفرد آلاء وهي النعم..... فقد أبعد هذا الناظر النُّجْعَة وأبطل فيما ذهب إليه ... ) . 3- القول الثالث: ولم يذكره العلماء وأضيفه أنا وهو مردود على مجاهد، قال تعالى (فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) قال مجاهد هذا مثلٌ ضربه الله لهم ولم تمسخ أبدانهم، أي أن المسخ حصل لقلوبهم فصاروا بمنزلة القردة وخستها لا أن أبدانهم مُسِخت حقيقة وهذا باطل قطعاً وجزماً. ثلاثة أقوال: القول الأول نتوقف فيه، والقولان الآخران – الثاني والثالث – نردهما بلا بلا توقف وكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أخذ بشواذ العلماء ضلّ، ومن تتبع رخص العلماء اجتمع فيه الشر كله، ولذلك مفتي عمان أخذ هذا الأثر عن مجاهد وجعله مثل قميص عثمان، يلوح به في رسالته يقول قال مجاهد: "تنتظر الثواب من ربها ولا يراه شيء من خلقه" نقول له: مجاهد على العين والرأس ونبينا عليه الصلاة والسلام فوق العين والرأس وعندما يتعارض كلام مجاهد مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم فبكلام من نأخذ؟! طبعاً بكلام من لا ينطق عن الهوى، فنقول مجاهد أخطأ فكان ماذا؟ أما نبينا عليه الصلاة والسلام فهل يمكننا أن نقول إنه أخطأ؟!! فأنت يا مفتي بين أمرين إما أن تخطئ النبي صلى الله عليه وسلم وإما أن تخطئ مجاهد!!.

فكيف رضيت أن تخطئ النبي صلى الله عليه وسلم واستصعب عليك أن تخطئ مجاهد، وإني لأعجب أعظم العجب لهذا المفتي جاء لأثر مجاهد وجعله هو العمدة في مسألة الرؤية، وأما الأحاديث المتواترة في الموضوع فأَعْرَضَ عنها صفحاً ولم يأخذ بها. إخوتي الكرام ... للإمام الذهبي رحمه الله - وهو تلميذ ابن تيمية – كتاب اسمه (العلو للعلي الغفار) احرصوا على شرائه ففيه خير كثير والكتاب كله في مسألة واحدة وهي إثبات العلو لربنا العلي. وقد تعرض فيه لأثر مجاهد في أربعة أماكن في (صـ 94) ، (صـ 99) ، (صـ 124) ، (صـ171) وسأقرأ لكم مكانين فقط من هذه الأمكنة وارجعوا إلى البقية: أولاً: في (صـ 94) قال: " [عن مجاهد: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً) قال: يجلسه أو يقعده على العرش] لهذا القول طرق خمسة، وأخرجه ابن جرير في تفسيره وعمل فيه المروزي مصنفاً وسيأتي إيضاح ذلك بعد". ثانيا: في (صـ 124) قال: "قال المروزي سمعت أبا عبد الله الخفماف يقول: سمعت ابن مصعب وتلا: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) قال نعم: يقعده على العرش".

ذكر الإمام أحمد ابن مصعب فقال قد كتبت عنه وأي رجل هو! ، ثم قال الذهبي: فأما قضية قعود نبينا عليه الصلاة والسلام على العرش فلم يثبت في ذلك نص – كما قلتُ لكم ما ثبت مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام – بل في الباب حديث واهٍ، وما فسَّرَ به مجاهد الآية كما ذكرنا فقد أنكره بعض أهل الكلام، فقام المرْوَزي وقعد وبالغ في الانتصار لذلك وجمع فيه كتاباً، وطرقُ قول مجاهد من رواية ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، وأبي يحيى القتات وجابر بن زيد، فمن أفتى في ذلك العصر بأن هذا الأثر يسلّم ولا يُعارض: أبو داود السجستاني صاحب السنن، وكان يقول: من رده فاتهمه – أي أنه من أهل البدع - , إبراهيمُ الحربي (وقع في طبعة المطبعة السلفية بالمدينة لهذا الكتاب الجربي – وهو خطأ) وخلقٌ بحيث أن ابن الإمام أحمد قال عقيب قول مجاهد: أنا منكر على كل ما رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوءٌ متهم، سمعته عن جماعة وما رأيت محدثاً ينكره، وعندنا إنما تنكره الجهمية" ثم بدأ يسوق الأسانيد عن مجاهد في قوله السابق الذكر. وهذه الشفاعة العظمى الثابتة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وردت بها أحاديث كثيرة – كما قلت إنها متواترة – وذكرت حديث الشفاعة الطويل، ومن تلك الأحاديث المتواترة: ما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فإيما رجل أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة] . وقد امتازت رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام بأمرين: أولهما: الختام فهي خاتمة الرسالات. ثانيهما: العموم عامة لكل الناس وللجن أيضاً.

والمقصود بالشفاعة الواردة في الحديث الشفاعة العظمى فهو الذي يشفع في أهل الموقف بعد أن يعتذر باقي الأنبياء عنها. وثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: [أنا سيد ولد آدم يوم القيامة] وفي رواية أبي داود بحذف: [يوم القيامة] ولا تعارض بينهما، فهو سيد مطلقاً في الدنيا وفي الآخرة، لكن متى تظهر السيادة؟ هنا في الدنيا يوجد من ينازعه، وأما هناك فلا يوجد أحد يستطيع أن يدعي أنه سيد، هذا كما قال تعالى: (مالك يوم الدين) وهو مالك الدين والدنيا، لكن هنا يوجد من ينازعه ويقول: لا إله والحياة مادة، و (إنما أوتيته على علم عندي) ، و (هذه الأنهار تجري من تحتي) وأنا ربكم الأعلى فيوجد من يقول هذا، وأما هناك في الآخرة فلا يوجد من يقول هذا كل واحد يقول (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) . إذن سواء حذفت يوم القيامة أو ذكرت لا إشكال، لأنه إذا ذكرت فالسيادة تظهر في ذلك اليوم لعدم المنازع. ثم قال [وأنا أول من تنشق عنه الأرض] فأول من يبعث هو نبينا عليه الصلاة والسلام. ثم قال [وأنا أول شافع وأول مشفَّع] وليس بين اللفظين [شافع ومشفع] تكرار، فالشافع هو الذي يطلب الشفاعة لغيره والمشفَّع هو الذي تقبل شفاعته، فنبينا عليه الصلاة والسلام سابق بالأمرين لا يشفع أحد قبله ولا يشفَّع أحد قبله، لأنه لو لم يُشفَّع قبل غيره، فقد يشفع بعض الأنبياء إذن بعد، لكن يجابون قبله فيكون غيره أول مشفّع، فإنه لا يلزم من ثبوت الشفاعة حصول التشفيع فقد يشفع ويؤخر سنة.

ولو قال صلى الله عليه وسلم: أنا أول شافع فقط (ربما توهم البعض أن نبينا عليه الصلاة والسلام يسبق في طلب الشفاعة لكن تؤخر إجابة نبينا عليه الصلاة والسلام، فدفعاً لهذا التوهم قال: كل من الأمرين سيحصلان لي على سبيل الأولية فأنا أول من يشفع وأول من يجاب في قبول الشفاعة، عليه الصلاة والسلام) . وثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه، أنه قال [أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا أيسوا، ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر] . إذن هو أول الناس خروجاً عندما يبعث الناس، وهو الذي يخطب الناس إذا وفدوا على الله عز وجل واجتمعوا وهو مبشرهم إذا أيسوا بطريق الشفاعة العظمى ... س: بخصوص الدعاء الوارد بعد الأذان (اللهم رب هذه الدعوة التامة ... ) هل يعتبر هذا الدعاء شفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان شفاعة فكيف تكون الشفاعة لخير البرية الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو الذي نرجو منه أن يشفع لنا عند رب العزة سبحانه وتعالى؟ جـ: هذه الشفاعة منا لنبينا عليه الصلاة والسلام بأن يعطيه الله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود إنما تحصل بعد إذن من الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك فقال [سلوا الله لي الوسيلة] ثم أخبرنا بفضيلةٍ لهذا السؤال وهو أن من سأل الله لنبيه الوسيلة [حلت له الشفاعة] وحلت من الحلول والنزول لا من الحل ضد التحريم، أي نزلت عليه شفاعتي أي استحقها كان الله قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: بشر أمتك بأن من سأل لك هذا ستشفع له يوم القيامة، فإذن هذه الشفاعة بإذن من الله عز وجل لنشفع لنبيه صلى الله عليه وسلم في أمر حاصل وثابت. س: فإن قيل ما فائدة هذه الشفاعة إذن؟ الجواب: لأوضح لكم الجواب أضرب لكم مثالاً مشابهاً:

ألم يقل الله سبحانه وتعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) ؟ يصلون ولم يقل صلوا، وفعل المضارع يفيد التجدد والحدوث، فصلاة الله على نبيه لا تنقطع وصلاته عليه أن يثني عليه في الملأ الأعلى وأن يتحدث بذكره ومحامده (ورفعنا لك ذكرك) فلا يذكر الله إلا ويذكر معه نبيه عليه صلوات الله وسلامه، فماذا قال الله بعد ذلك؟ (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) وصلاتنا على نبينا عليه صلوات الله وسلامه أن نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وغيرها من الصيغ نحقق فيها الصلاة على نبينا عليه الصلاة والسلام. إذن الله يصلي عليه ونحن نقول اللهم صلِّ فما فائدة هذا والصلاة من الله لا تنقطع؟ انتبه!! هذا مثل ما ورد في حديث الشفاعة [حلت له شفاعتي] وهنا فائدة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم [من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً] فصلاة الله حاصلة لنبيه صلينا عليه أوْ لم نصل، لكن فائدة هذا تعود إلينا وذلك حتى ننتفع من هذه القربة، وفائدته لنعلم قدر نبينا عليه صلوات الله وسلامه وهذه فائدة عائدة لنا. وفائدته لنتحدث بفضائله عليه الصلاة والسلام وفائدة هذا عائدة لنا، وأما هو - صلى الله عليه وسلم – فعالي القدر رفيع المنزلة، الله يصلي عليه وسيعطيه الوسيلة، سواء قلنا هذا أو لم نقل.

وفائدته ليغرس نبينا عليه الصلاة والسلام في قلوبنا حبه، وليغرس في قلوبنا أمور الاعتقاد وأنه رسول الله وليغرس في قلوبنا أن الشفاعة ثابتة له، وهذا من أمور الاعتقاد، وليغرس فينا معاني الإيمان أمرنا بأن نقول هذا الدعاء، وإلا لو اجتمع أهل الأرض قاطبة على سب النبي صلى الله عليه وسلم هل ينقص ذلك من قدره؟! لا، فماذا سيفعل العباد له بعد قول الله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) ، وماذا سيفعل العباد بعد قول نبينا عليه الصلاة والسلام [آتي باب الجنة] فأستفتح فيقول الخازن: من؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك] . وكذلك ما فائدة ثناء العباد عليه صلى الله عليه وسلم وما مضرة ذمهم؟ إنما هذا عائد لهم، فنحن لا نسأل هذا لنبينا عليه الصلاة والسلام لكونه غير حاصل ليحصل بدعائنا له إنما هو حاصل ثابت، فإذا كان ثابتاً ليحصل لنا من رواء هذا الأجر والمغنم وغرس عقائد الإيمان في ذلك. وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا رأى غلاماً صغيراً في المدينة يمسح على رأسه ويقول يا بني إن أدركت عيسى بن مريم فسلم عليه، فما مراد أبي هريرة من هذا؟ مراده أن يغرس في قلب هذا الغلام الإيمان بنزول عيسى عليه السلام، وإلا فإن أبا هريرة موقن أن هذا الغلام لن يدرك عيسى بن مريم عليه السلام، لكن هذه لابد من أن تُغرس في القلوب بأساليب مختلفة، تارة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أول شافع وأول مشفَّع،وتارة يقول [سلوا الله لي الوسيلة] فمن سألها لي [حلت له شفاعتي] ، إذن هذا ليحصل لنا الإيمان بالشفاعة لأنها من أمور الاعتقاد وليحصل لنا الأجر ولتتعلق قلوبنا بنبينا عليه الصلاة والسلام، ولا شيء يغرس الإيمان في القلوب كالتكرار.

وهنا طلب الشفاعة من هذا الباب وهو كذكر الله وعبادته فالفائدة تعود لنا، وإلا من المستفيد من قولنا: لا إله إلا الله، سبحان الله، الله أكبر، نحن أم الله؟ نحن، فلسانك يتلذذ وقلبك يخشع وينتعش ونفسك تتنور، وتحصل على أجر بعد ذلك في الدنيا والآخرة وليس معنى أنه إذا ذكرنا الله وأثنيا عليه يرتفع قدره، وإذا كفرناه ينقص؟ حاشاه بل فائدة هذا تعود لنا كما قلنا، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى فيما يرويه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: [يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً] . وللتقريب أقول لكم ولله المثل الأعلى: لو دخلت أنت على مدير مثلاً فقلت له السلام عليك أيها المدير، ودخل آخر وقال السلام عليكم، فقط فإنك ستجد أن المدير يرحب بك ويكرمك أكثر من الآخر لأنك بكلمتك هذه أظهرت له أنك تعترف وتقر بأنه مدير وليس معنى ذلك أنك إن لم تقل له ذلك أنه فُصِل لكن لكلمتك اعتبار في الخاطر، إذن ففائدة هذه الكلمة تعود إليك ولا ينتفع منها المدير أبداً. الحاصل أن فائدة سؤال المقام المحمود لنبينا عليه الصلاة والسلام عائدة لنا ونحن الذين سننتفع من وراء ذلك والله أعلم. 2- استفتاح باب الجنة: وطلب الشفاعة بفتحها فلا تفتح أبواب الجنة حتى يشفع نبينا عليه الصلاة والسلام بفتحها فتفتح له. وقد ثبت هذا في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وهو أول حديث في الجامع الصغير – عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن من؟ فأقول: محمد، فيقول: بل أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك] .

فالجنة لا يدخلها أحد ولا تفتح لأحد من متقدمين ومتأخرين حتى يشفع نبينا عليه الصلاة والسلام بفتح أبواب الجنة فيأتي ويستأذن ويطلب من الله الدخول، ثم يدخلها أهلها بعد أن يدخلها نبينا عليه الصلاة والسلام. وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس أيضاً عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: [أنا أول من يقرع باب الجنة] ، هذه هي الشفاعة الثانية من الشفاعات الخاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام. 3- إدخال قوم الجنة بغير حساب: فيشفع لهم إلى الكريم الوهاب فيدخلون الجنة بغير حساب، ولا ينشر لهم ديوان ولا ينصب لهم ميزان. نسأل الله أن يمن علينا بالجنة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأما أن تتعلق همتنا بأن نكون من هؤلاء، فوالله إننا لنستحي من ربنا أن يعلم منا أننا نتطلع إلى هذه المراتب، وكل واحد يعرف نفسه (بل الإنسان على نفسه بصيرة) ، فنسأل الله حسن الخاتمة.

وقد ثبت هذا في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه قال: [عُرِضت عليّ الأمم] أي مثلت له وكيف ستعرض يوم القيامة [فرأيت النبي ومعه الرُّهَيْط] تصغير رهط وهي الجماعة دون العشرة [والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد، إذ رُفع لي سوادٌ عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فنظرت فإذا سوادٌ عظيم فقيل لي: هذه أمتك، ومنهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض، فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يُشركوا بالله شيئاً، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه، فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن مِحصَن فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة] هذه الرواية من مختصر صحيح مسلم. ومحل الشاهد هو طلب عكاشة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون منهم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم [أنت منهم] ونبينا عليه صلوات الله وسلامه لا ينطق عن الهوى، فشفع إلى الله فأخبره الله أن عكاشة من هؤلاء. وقد ورد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [اللهم اجعله منهم] وورد في بعض الروايات أن عكاشة قال بعد أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أوصاف السبعين ألف، قال: [أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال نعم] . إذن هنا شفع نبينا عليه الصلاة والسلام لعكاشة وسيشفع لهؤلاء بأن يدخلوا الجنة بغير حساب، هؤلاء لهم الأعمال الجليلة وهي:

أولاً: (لا يكتوون) أي لا يسألون غيرهم أن يكويهم، والكي معروف وقد ثبت في صحيح البخاري عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي] . والمراد بقوله [شرطة محجم] : أي الحجامة، فيشرط الجلد ويشق وبعد ذلك يمص الدم، فأما [وأنهى أمتي عن الكي] والسبب في ذلك أنه فيه ما يشبه تعذيب الناس في جهنم، فجهنم نار وعندما يكتوي الإنسان كأنه عذب نفسه بالنار، ثم إن هذا العلاج لم يتعين عليك فما أكثر العلاجات التي يعالج بها المخلوقات، فما الذي ألجأك إلى أن تكتوي بالنار، يضاف إلى هذا أن العلاج بالكي قد ينتج عنه أذىً، وقد اكتوى بعض الصحابة – وغالب ظني أنه سعد بن عبادة ولا أستحضر اسمه بالضبط الآن – لكن الأثر ثابت – اكتوى فمات من أثر الكي، وكان قد اكتوى في رقبته. فإذن أحياناً قد يكتوي الإنسان ويتضرر، وقد يصبح هناك تشويه للجسم والجلد، ولذلك [أنهى أمتي عن الكي] . ثم إن أئمتنا قالوا: الكي دواء موهوم، وليس بمظنون، ولأمور ثلاثة: 1) مقطوع به وهو سبب لحصول المراد. 2) مظنون به وهو سبب – في الظن الغالب – لحصول المراد. 3) موهوم لا حقيقة فيه. فأما الأمر الأول: المقطوع به فيجب عليك أن تأخذه مثل الغِذاء، فلو تركت الطعام حتى مت تدخل النار، ولو قال إنسان: أنا أتوكل على الله ولا آكل فمات فهو من أهل النار. وأما الأمر الثاني: المظنون: وهو سائر أنواع العلاجات – غير الكي والرقية – إذا كانت غلبة الظن في الشفاء.

ومعظم العلاجات التي تجري الآن في المستشفيات كلها من باب الظن لا من باب القطع الأخذ بها جائز وتركها أحسن وأفضل، وعدم التداوي عزيمة والتداوي رخصة، فمثلاً إذا أرادوا أن يجروا له عملية جراحية بأن قالوا له: في بطنك آفة لا تشفى منها إلا بعملية جراحية، فهذا مظنون، لأنه قد يفتح بطنه ويموت وقد يخطئ الطبيب في تشخيص الداء، وقد يخطئ في وصف الدواء وما شاكل هذا، فلو قال المريض: لا تفتحوا بطني، أموت على فراشي إذا جاءتني المنية ولا أريد العلاج لكان أفضل، ولو قال: افتحوه وأنا أتوكل على الله ومات فليس عليه إثم. وأنا أعرف بعض إخواننا من الطلاب في كلية أصول الدين في أبها أصيب بالسرطان – نسأل الله العافية – وهو في سنة أولى أصول الدين، ودرسته الفصل الأول وأصيب في الفصل الثاني وسرى السرطان في كفيه ثم انتشر بعد ذلك إلى ذراعه فعرضوه على الأطباء فقالوا لابد من بَتْر يده من الكتف، لأن علامات السرطان بدأت تمشي وتنتشر، فجاءني إخوته فقالوا لي: ما رأيك؟ فقلت: رأيي أن لا تعالجوه بقطع يده، دعوه لقدر الله، فإذا قدر الله له أن يموت فكل نفس ذائقة الموت، وإذا شفاه الله بغير علاج فهو على كل شيء قدير، لكن من ناحية الجواز جائز قطعاً، إنما أقصد أن يده تقطع من الكتف ثم بعد ذلك النتيجة ليست محققة بل هي غلبة ظن لكن ثم رأي الأهل بعد مدارسات على بتر يده فقطعت وبعد شهر توفي رحمه الله، لأن السرطان انتشر في سائر جسده حيث كان انتشاره خفياً ولم يكشفه الأطباء.

وأعرف آخر أيضاً – بعده – من إخواننا، انتشر السرطان في معدته وكبده – نسأل الله العافية – وقرر بعد ذلك إجراء عمليات فجلس الأطباء – كما يقال يلعبون به – وهم أطباء من أعلى التخصصات يعملون له عملية في أبها على يد أمهر طبيب هناك، ثم أجريت له عملية أخرى في الرياض في أحدث مستشفى هناك تقريباً وهو مستشفى فيصل التخصصي – وأجرى عمليات خارج السعودية، لكنه مات بعد ذلك بعد أن جئت إلى رأس الخيمة، وما نفعه أحد من هؤلاء الاختصاصيين، وعلمت بوفاته عن طريق الاتصال بأبها والسؤال عنه، عليهم جميعاً رحمة الله. وما أعطى الناس من اليقين والإيمان خيراً من الصحة. إذن هذا مظنون إن أخذه لا حرج عليه وهو جائز، وإذا تركه جائز والترك أولى. وأنا أنصحكم ألا تلجأوا إلى عمليات، خصوصاً عمليات فتح البطن ولو استدعى بكم ذلك إلى الموت هذه نصيحة لا من باب أن هذا واجب، لأنه في الغالب عندما يفتح البطن تحصل مضاعفات اشد مما كانت ولا يعود الإنسان إلى طبيعته إذا فتح بطنه، بل تلازمه الآفات حتى يُلقى في الحفرة ميتاً، فاصبر على ما أنت عليه إذا قدر الله لك الحياة فالحمد له، وإذا قدر لك الموت فالموت لا يُخوِّف، وكل نفس ذائقة الموت، نسأل الله حسن الخاتمة. وأما الأمر الثالث: الموهوم، وهو كالكلي فهو وهمي ليس بمظنون، فهو شيء من تضخيم الأمر وتوهمت أن الكي فيه علاج مع أنه توجد أدوية أخرى تنوب عنه ليس فيها مضرة الكي، ثم قد يوسع دائرة الضرر عليك عندما تتداوى به – كما ذكرنا. ثانياً (لا يتطيرون) : أي لا يتشاءمون بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع ونحوها، فالتطير والتشاؤم موهوم فاتركه وابتعد عنه. وقد ثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً [الطيرة شرك الطيرة شرك] وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (هذا الحديث من زياداتي) .

ثالثاً: (لا يسترقون) : أي لا يطلبون الرقية، والرقية معروفة، وقد ورد في صحيح مسلم في رواية [ولا يرقون] ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذه الزيادة وهم من الراوي، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرقون". والرواية التي معنا وهي في الصحيحين أيضاً: [لا يسترقون] والذي يظهر لي – والعلم عند الله – أن كلاً من الروايتين ثابت، والإمام ابن تيمية عليه رحمة الله واهم في رد تلك الرواية. وهو يقول: لا يسترقون: أي لا يطلبون الرقية من غيرهم لأن هذا ينافي التوكل، أما أنه يرقي غيره فلا حرج لأن هذا من باب نفع الغير، نقول والله أعلم – ما في الاسترقاء موجود في الإرقاء، فعندما يأتي غيرك ليرقيك ينبغي أن تمتنع إن كان هذا ينافي التوكل،وأنت لا ينبغي لك أن ترقيه إن كان هذا ينافي التوكل. والأصل أن الرقى الشرعية جائزة، فما الحكمة من أن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب لا يرقون ولا يسترقون مع أنها جائزة وحالها كحال العلاجات الأخرى؟ الذي يبدو لي – والعلم عند الله – وما رأيت من نبه على هذا من أئمتنا وقد رأيتهم يحومون حول الحديث فأقول: أولاً: الذي يسترقي فهو وإن كان يطلب علاجاً شرعياً، لكنه قد يضع في قلبه – لا أقول شرك – أن هذا الإنسان له مزية ودعاءه له أثر، وهو عند الله معتبر فإذن كأنه صار فيه شيء من رجم الغيب، وكأنه صار فيه شيء من الاعتماد على الرقية وعلى الراقي، لذلك تحد أنك لا تأتي تطلب الرقية إلا من أناس معينين.

ونحن نقول إنه يعتقد في الراقي أنه يشفي لا، لأنه لو فعل هذا لأشرك، بل نقول صار في توكله شائبة وهذا بخلاف ما لو وصف لك الطبيب دواءً حسياً فهنا لا أثر له على توكلك ولا تتعلق به نفسك، وتتناوله كما تتناول الطعام، وأما الرقية فليست شيئاً حسياً فإنه يقرأ الفاتحة مثلاً وسورة الفلق والناس وآية الكرسي ويدعو فيقول (اللهم رب الناس أذهب الباس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك ... ) وينفث عليه، فقد يقع – بالتالي – في نفسك شيء من الأثر. ثانيا: الراقي: فهو عندما يرقي أيضاً كأنه صار في نفسه شيء يقدح في توكله من حيث أنه يرى أنه صار له شيء من المزية والمكانة حتى صار يرقي، ولذلك نقول لا حرج في رقية نبينا عليه الصلاة والسلام لغيره لأنه مزيته ثابتة وهو خير خلق الله، وسيد ولد آدم وأما من عداه فهل يستطيع أن يجزم لنفسه بمزية؟ وهل يستطيع أن يقول: أنا رجل مبارك ودعائي له أثر؟!! لا يستطيع، وبالتالي من رَقَى فكأنما صار في نفسه هذا المعنى، والعلم عن الله. ومما ينبغي أن نعلمه أن هؤلاء السبعين ألفاً ليسوا أفضل من غيرهم بإطلاق، فانتبهوا فإن المزية لا تقتضي الأفضلية، فقد يكتوي صديق ويحاسب وهو عند الله أعلى منزلة من هؤلاء فهذه ميزة لهؤلاء فقط أن يدخلوا الجنة بغير حساب، ولا يلزم أن تكون منزلتهم أعلى من غيرهم. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الوصف والأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال والخصال فقال: [وعلى ربهم يتوكلون] . وقد ورد أيضاً وصف آخر وقيد آخر، لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، ووصف آخر يخرجون من البقيع، فهذه خاصة بمن يدفن في البقيع بالمدينة المنورة.

ثبت هذا في رواية الطبراني من حديث أم قيس بنت محصن عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: [يحشر من هذه المقبرة – وأشار إلى البقيع سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب كأن وجوههم القمر ليلة البدر] إذن لهم شرطان: الأول: فعلهم فهم لا يسترقون ولا ولا والشرط الثاني: مكانهم: فهذا خاص بمن يتوفى بالمدينة ويدفن في البقيع. وأما من عداهم فقد يحاسب ويكون أعلى درجة منهم، وقد ورد لهذا شاهد، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن خزيمة وصحيح بن حبان – والحديث صحيح – عن رفاعة الجهني عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: [وعدني ربي أن يدخل من أمتي سبعين ألفاً الجنة بغير حساب، وأنا أرجو ألا يدخلوها حتى تتبوءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة] . إذن أنتم تدخلون قبلهم وتتبوءوا المنازل، لكن هم لهم خصوصية الدخول بغير حساب. المحاضرة الثالثة والعشرون تنبيه: لا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم للسبعين ألفاً كلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب، بل يشفع لبعضهم ليكونوا منهم ويدخلوها بغير حساب، والبعض الآخر يكونون منهم ويدخلوها بغير حساب السبب ما جرى منهم من أعمال وبفضل الله عليهم. أي أن هذا النوع من الشفاعة – أي الثالث – لا يثبت لغير نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا يوجد أحد يشفع لغيره في أن يدخل الجنة بغير حساب، ولم نورد حديث ابن عباس هنا لإثبات شفاعته صلى الله عليه وسلم للسبعين ألفاً بل لإثبات شفاعته لعكاشة ابن محصن، وكيف شفع له النبي صلى الله عليه وسلم فصار من هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب. فائدة:

هؤلاء السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام ما يشير إلى أن مع كل ألف منهم سبعون ألفاً أيضاً، ورد الحديث بذلك في سنن الترمذي وابن ماجه ومعجم الطبراني الكبير وصحيح ابن حبان – والحديث صحيح – عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب ومع كل ألف سبعون ألفاً] . فالسبعون ألفاً اقسمها على ألف يصبح معك سبعون، ثم اضرب السبعين هذه بسبعين ألف (أخرى غير الأولى) يصبح معك أربعة ملايين وتسعمائة ألف (4.900.000) يدخلون الجنة بغير حساب بفضل الله ورحمته. وثبت في صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني الكبير عن عتبة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفاً ثم يحثي ربي ثلاث حثيات] . ونسأل الله أن لا يبقى أحد من أمة نبينا عليه صلوات الله وسلامه إلا ويخرج بهذه الحثيات. و (الحثية) ملء الكفين. فيحثو ربنا ثلاث حثيات من هذه الأمة ويدخلهم الجنة بفضله ورحمته، [ثلاث حثيات] إقرار وإمرار، لا نبحث في كيفية هذه الحثيات. المحاضرة الرابعة والعشرون س: هل السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة مع كل ألف لابد أن تكون فيهم نفس الصفات المذكورة في السبعين ألفاً الأصليين؟ جـ: لهذا العدد الذي يدخل مع السبعين ألفاً هم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قطعاً كحال السبعين ألفاً المتقدمين، لكن هل يعملون بمثل عملهم أم لا؟ يحتمل الأمر الأمرين، ولم يرد ما يدل على واحد منهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام: أ) فيُحتمل أنه لابد من وجود هذه الصفات الخمس فيهم (لا يكتوون ولا يسترقون، ولا يرقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) . فإن قيل: إذا وجدت فيهم هذه الصفات الخمس فلمَ لم يكونوا من السبعين ألفاً؟

نقول: اعلم أن كل أمر له شروط لابد من وجودها، وموانع لابد من انتفائها لحصول ذلك الأمر، فهؤلاء السبعون ألفاً الآخرون قد توجد فيهم هذه الصفات كلها لكن لعله عندهم نقص في صفات أخرى، افرض مثلا ً– وكل بني آدم خطاء – أن عندهم نقصاً أحياناً في تأخير بعض الصلوات، فهم لم يحصّلوا جميع الشروط المطلوبة، إذن هذا الوصف – وهو دخول الجنة بغير حساب – لمن التزم بالأوامر والنواهي فعلاً وتركاً وحافظ بعد ذلك على هذه الصفات الخمس، إذ أنه عندنا شروط خاصة وشروط عامة، وشروط عامة هي الالتزام بكل مأمور وترك كل محظور، (انظر فتح الباري 11/410) . ب) ويحتمل أن يكون هؤلاء السبعون ألفاً الآخرون ليس فيهم صفة من هذه الصفات الخمس أو فيهم تفريط في بعض الصفات، فتوكلهم ليس بالدرجة الكاملة التي يقوم بها الراسخون في التوكل فربما رقوا أو استرقوا أو صدر منهم أحياناً تطير، فيمكن أن يكون قد وجد فيهم شيء من هذا. إذن لعله وجدت فيهم الصفات الخاصة كلها لكن تخلف فيهم بعض الصفات العامة ولعله وجدت فيهم الصفات العامة لكن الصفات الخاصة لم توجد بالكلية أو وجد بعضها، ولا يوجد دليل يوضح ذلك فالمسألة تحتمل الأمرين والعلم عند الله. 4- شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب: هذه هي آخر الشفاعات الخاصة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وهي خاصة بعمه فقط، والسبب في ذلك أن أبا طالب مات على الكفر، والله أخبرنا عن الكفار – كما تقدم – أنه لا تنفهم شفاعة الشافعين (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ، فالكافر إذن لا تنفعه شفاعة باستثناء أبي طالب. والله سبحانه يقول في سورة البقرة (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) أما هذه فخاصة فإنه يخفف عن أبي طالب، لكن لا يخرج من النار. فإن قيل: كل كافر لا يخفف عنه فلماذا أبو طالب يخفف عنه؟

نقول: شفاعة خاصة لنبينا عليه الصلاة والسلام بأبي طالب فتنفعه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الله قال (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ، ويخفف عنه العذاب مع أنه أخبر عن الكفار أنه (لا يخفف عنهم العذاب) . وهذا دل عليه أحادث النبي صلى الله عليه وسلم: ففي الصحيحين وغيرها عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال [أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، يوضع في أخمص قدميه جمرتان من نار جهنم يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذاباً، ويرى نفسه أنه أشد أهل النار عذاباً] (أَخْمص) على وزن أَحْمر، وهو الانخفاض الذي يكون في وسط القدم من الأسفل. وقد ثبت في الصحيحين أيضاً وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أرأيت عمك أبا طالب، كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ فقال: نعم، كان في غمرات من نار، فأخذته] أي بشفاعته عليه الصلاة والسلام [فوضعته في ضحضاح من نار] ، وروي الحديث عن العباس رضي الله عنه أيضاً. (كان في غمرات من نار) أي كان يخوض فيها وتغطي رأسه كأنه يسبح في نار جهنم. (ضحضاح) أصل الضحضاح الماء القليل كالذي يخوض فيه الأولاد ولا يجاوز كعبيهم ولا يُخشى منه غرق ولا تلف. فهذه شفاعة خاصة نؤمن بها ونثبتها لنبينا عليه الصلاة والسلام. إذن هذه أربع شفاعات خاصة لا يشاركه فيها أحد من المخلوقات. وأما الشفاعات العامة المشتركة بينه عليه الصلاة والسلام وبين غيره من الشافعين: من الملائكة المكرمين ورسل الله وأنبيائه المباركين والصالحين إلى يوم الدين. 1- شفاعة أهل الجنة في قراباتهم اللذين دخلوا الجنة، لكن منزلتهم دون منزلتهم: فيشفعون لهم فيرفع الله درجة النازل إلي درجة العالي دون العكس، فلا ينزل العالي إلى درجة النازل، فالزوج يشفع لزوجته والزوجة لزوجها، والابن لأبيه والأب لابنه وهكذا بقية الأقرباء.

ونبينا عليه الصلاة والسلام له أعلى درجة في الجنة فسيشفع لزوجاته قطعاً وجزماً، ليكنّ معه، وهل يتصور أن تكون أمهاتنا زوجات نبينا عليه الصلاة والسلام في مكان منفرد عنه؟!! وهنّ كما كن معه في الدنيا فهنّ معه في الآخرة. لكن هل وصلن إلي ذلك بعملهن؟ أم بشفاعة خير خلق الله لهن؟ بل بشفاعته لهن صلى الله عليه وسلم. لكن هل يلزم من هذا تفضيل أمهات المؤمنين على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهم سيكونون دون أمهات المؤمنين في المنزلة قطعاً وجزماً؟ فمنزلة عائشة رضيَّ لله عنها فوق منزلة أبيها أبي بكر، لكن أباها أفضل منها وكيف هذا؟! نقول: لا تعارض لأن المزية لا تقتضي الأفضلية، فهي أعلى منه في الدرجة ولم تستحقها أصالة إنما تبعاً لزوجها نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا يشترط لوجودها في تلك الدرجة أن يحصل لها من النعيم والتجليات ما يحصل للنبي عليه الصلاة والسلام وما يغدق على النبي عليه الصلاة والسلام من نعيم وأعظمه التجلي لله ورؤيته لا يشترط أن يحدث لهن هذا. وأبو بكر درجة أنزل من درجة أمهات المؤمنين لكن النعيم الذي يحصل له أكثر مما يحصل لهن، لأن كل واحد ينعم على حسب حاله – إن رفع – فهو في المنزلة مع صاحبه وقريبه لكن هذا ينعم بما لا ينعم به ذاك وكل واحد في شغل فاكهون. وأضرب لكم مثلا ً حسياً لأقرب لكم هذا ولله المثل الأعلى، الأمير عنده من يصب القهوة والشاي وهذا يدخل عليه ويختلط به كثيراً بل هو في غالب الأحيان يجلس في مجلسه ويقابله وجهاً لوجه ويخالطه بكثرة، فهل هذا الخادم يشعر بالمكانة التي يشعر بها الأمير وله من المنزلة ما للأمير؟.

وفي المقابل هناك آخر عند الأمير مثلاً وزير فهو بعيد عن الأمير وقد لا يلتقي به في الشهر إلا مرة، لكن له من المنزلة ما ليس للخادم، فالذي يصب القهوة حصلت له مزية على غيره من الناس بأنه يجتمع مع الأمير صباح مساء، لكن هل يقتضي هذا أنه أفضل من الوزير؟!! لا يقتضي هذا فالمزية لا تقتضي الأفضلية. س: بالنسبة لمنزلة أبي بكر رضي الله عنه. نعلم أنه أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يعني هذا أن منزلته يوم القيامة أعلى من الأنبياء والرسل أومن بعضهم، لأنه هو الذي يليه؟! ج: نقول إن منزلة كل نبي أعلى من غيره مهما علا شأنه وفضله فمنزلة أدني الأنبياء منزلة أعلى من رتبة أعلى الصديقين وأفضلهم، فرتبة أبي بكر الصديق بعد نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الدنيا فقط، ونحن نقول هذا لأجل إثبات فضيلته ومنزلته في هذه الأمة، لا في الأمم، فمنزلة الجنة موضوع آخر، نبينا عليه الصلاة والسلام ثم خليل الرحمن ثم بقية أولو العزم من الأنبياء على ترتيبهم ثم يأتي بعد ذلك أعظم الصديقين من الأولين والآخرين أبو بكر. س: ما المانع من أن يشفع الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه حتى يكون معه في نفس المنزلة؟ جـ: لا يمكن هذا، لأن درجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة لا يشاركه فيها أحد غيره، ودونه الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ولا يمكن لصديق أن تكون درجته أعلى من درجة نبي، فهي درجة عالية وكلهم يأخذون قربهم من ربهم على حسب درجاتهم وأعمالهم، فدرجة نبينا عليه الصلاة والسلام أعلى الدرجات تليه درجة خليل الرحمن ثم بقية الرسل أولي العزم المكملون للخمسة نوح وموسى وعيسى عليهم السلام وبعد ذلك الرسل علي حسب ترتيبهم كما ذكرنا لكن مع كل رسول أهله ولابد، تبعاً لا أصالة.

وأما إذا أردت أن تسحب هذا الآن فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأبي بكر وأبو بكر يشفع لأسرته وبالتالي صاروا كلهم فوق منزلة أنبياء الله ورسله، هذا لا يحصل فذاك له مقام وهذا له مقام والعلم عند ربنا الرحمن. وقد ألف ابن حزم كتاباً سماه (المفاضلة بين الصحابة) وجزم في كتابه بأن أمهات المؤمنين أفضل هذه الأمة بعد نبينا عليه الصلاة والسلام. فقال: خديجة وعائشة وسائر أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فقيل له من أين لك هذا؟ فقال: نحن نعلم ضرورة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم معه في الجنة، ونعلم ضرورة أن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من منزلة أبي بكر فمن دونه، فيلزم من هذا أن تكون منزلة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورتبتهم أعلى من منزلة أبي بكر ورتبته. فقال له أهل السنة كلاماً قطعوه به وأبطلوا قوله قالوا: يلزم من قولك أن تكون أم رمان وهي زوجة أبي بكر أفضل من عمر؟ قال: لا. قالوا له بطل قولك. إذن زوجاته معه صلى الله عليه وسلم، لكن لا يلزم من هذا أنهن أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وقد اتفق أهل الحق على تفضيل الشيخين بعد نبينا عليه الصلاة والسلام بلا خلاف عند أهل السنة فخير هذه الأمة بعد نبينا عليه الصلاة والسلام أبو بكر ثم عمر، واختلفوا في عثمان وعلي، والمعتمد عند جمهور المحدثين: ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي رضي الله عنه.

فهن لهن هذه المزية ولهن أيضاً مزية أخرى حيث امتزن بخلطة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبته بما لم يحصل هذا لأبي بكر، ونقصد العشرة التي حصلت بين نبينا عليه الصلاة والسلام وبين عائشة لم تحصل هذه لأبي بكر ولا لعمر، فهي عشرة خاصة تطلع فيها هذه المرأة على نبينا عليه الصلاة والسلام، فهذه مزية تذكر لها وتعرف بها، لكن لا يقتضي أنها أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، ولو جمعت الفضائل والمزايا والخصوصيات التي في أبي بكر، والفضائل والمزايا التي في أمنا عائشة أو في غيرها، لوجدت أن أبا بكر يفوق على غيره ممن له مزايا، وأنه يفوق غيره من الصحابة والصديقين. وابن حزم – رحمه الله – هو صاحب شذوذ كثير مع علم كبير فلنطرح شذوذه الذي يخالف فيه أهل السنة ولنأخذ بعلمه فيما عدا ذلك. وكان أئمتنا يقولون: "هو كالبحر يقذف بالدرر، ويرمي بالجيف" فالجيف اتركها واطرحها وخذ الدرر منه، ومن جملة ما شذ فيه وخالف فيه إجماع العلماء واتفاقهم، إباحته للمعازف والمزامير، ويطعن في حديث البخاري في ذلك [ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف] , ويقول هذا الحديث ضعيف لأنه معلق، وذلك أن البخاري لما رواه قال: قال هشام بن عمار ولم يقل حدثنا، وهشام بن عمار من شيوخ البخاري عليهم جميعاً رحمة الله، وإذا روى التلميذ عن شيخه بـ (قال) أو بـ (عن) أو بـ (سمعت) ونحوها فهذه الصيغ كلها تحمل على السماع إن لم يكن التلميذ مدلساً، والبخاري ليس بمدلس قطعاً وجزماً، وقوله قال هشام كقوله سمعت هشام. واجزم على التحريم أي جزم ... والحزم ألا نتبع ابن حزم ويقول الإمام العراقي: وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف ولو إلى آخره، أما الذي ... لشيخه عزا بقال فكذي عنعنه، كخبر المعازف ... لا تصغ لابن حزم المخالِف س: المرأة إذا تزوجها أكثر من واحد لمن تكون؟ ج: لعلمائنا ثلاثة أقوال وردت فيها والمعتمد منها آخرها:

فقيل: تكون للزوج الأول. وقيل: تكون للزوج الأخير. وقيل – وهو المعتمد – كما في المسند وغيره والحديث في درجة القبول – وأمنا أم سلمة رضي الله عنها تسأل عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [تكون لأحسنهم خلقاً، ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة] فتخير يوم القيامة بين من تزوجها لتختار من كان يُحسن عشرتها. إذن الشفاعة الأولى شفاعة أهل الجنة لقراباتهم، وقد ورد في كتاب الله ما يشير إلى هذا قال جل وعلا في سورة الطور (والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء) . (ما ألتناهم) أي ما أنقصناهم فنلحق النازل بدرجة العالي دون العكس. وثبت في مستدرك الحاكم (2/468) بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل، ثم قرأ (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.....) الآية] والأثر موقوف على ابن عباس وله حكم الرفع لأنه يتعلق بمغيب ولا يمكن للعقل أن يستنبط هذا. وقد ورد هذا في مسند البزار مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس أيضاً، انظر مجمع الزوائد (7/114) وزاد بعد قوله في العمل [لتقرّ بهم عينه] ، وهو صحيح أيضاً. وورد في معجم الطبراني الكبير والصغير تفسير ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: يا رب، عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به، ثم قرأ: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.....) الآية] ، وهذا الأثر ضعيف، لأنه من رواية محمد بن عبد الرحمن بن غزوان وهو ضعيف، لكن يشهد له الأثران المتقدمان. وهذا التفسير هو أحد تفسيرين في الآية المتقدمة، على أن المراد من الذرية هنا: الأهل الكبار، وقيل - وهو التفسير الثاني – المراد من الذرية الأولاد الصغار.

وقد ثبت في مسند الإمام أحمد بسند حسن عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال [إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، ثم تلا (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.....) ] وهذه هي الآية الثانية التي تدل على أن أولاد المؤمنين في الجنة وتقدمت معنا الآية الأولى ص225 وهي (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) . ويقول الحافظ بن حجر عن الحديث الذي في مسند الإمام أحمد المتقدم وهذا خير ما فُسِّرت به الآية، والإمام الشافعي مال إلى أن أولاد المؤمنين في الجنة ورجحه في أحكام القرآن، وعدد من الأئمة واستدلوا بهذه الآية على أن أولاد المؤمنين الصغار في الجنة. ونحن نقول: الأمران، فالأولاد مع أبويهم إذا لم يبلغوا التكليف، والذرية تكون مع آبائهم إذا كانوا كباراً أيضاً إذا لم يؤهلهم عملهم لارتفاع درجتهم إلى درجة الأبوين، أو العكس، فقد يكون الأولاد في درجة أعلى من الآباء، فيرفع الله الآباء إلى درجة الأبناء، وهكذا الزوجين، ليكتمل السرور والأنس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [لتقرَّ بهم عينه] ، والعلم عند الله. 2- الشفاعة في قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم بدخول الجنة: من رجحت حسناته على سيئاته: يدخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته: يدخل الجنة حتى يطهّر ويعذب ما لم تكن السيئة شركاً فلا ينفعه شيء من حسناته حينئذ بل يخلد في النار (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، من استوت حسناته وسيئاته: المعتمد أنه يحبس على الأعراف، وهو سور بين الجنة والنار.

قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في بيان المراد بأهل الأعراف، وكلها قريبة ترجع إلى معنىً واحد، وهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم، فما عندهم ما يدخلهم الجنة وما عندهم ما يدخلهم النار ويرجح إحدى الدارين في حقهم، فيسجرون على الأعراف، ثبت معنى هذا عن ابن عباس وابن مسعود وعن غير واحد من السلف"، وهذا القول هو الراجح المعتمد من اثني عشر قولاً قيلت في بيان المراد بأهل الأعراف. فيحبسون على سور بين الجنة والنار – كما ذكرنا – وفي نهاية الأمر سيدخلون الجنة بفضل الله ورحمته ثم بتشفيع الله للصالحين من عباده فيهم فيشفعون لهم ويدخلون. وقد أشار الله جل وعلا إلى أنهم سيدخلون الجنة في كتابه إشارةً لطيفة ظريفة فقال جل وعلا (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) هذا هو الشاهد (لم يدخلوها وهم يطمعون) . قال أئمتنا: ما أطمعهم الله في دخولها إلا وهو يريد أن يدخلهم، ومعنى الآية أي جعل في قلبهم هذا الطمع وهذا الرجاء وسيحقق الله لهم ذلك، ثم قال تعالى (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) فهنا دعوا الله ألا يجعلهم مع هذا الصنف، أما إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب الجنة يتمنون ويطمعون أن يكونوا فيها مع أهلها. خلاصة الكلام: أهل الأعراف هم من استوت حسناتهم وسيئاتهم يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من أنبياء الله ورسله والصالحين من عباده. 3- الشفاعة لقوم من العصاة قد استوجبوا دخول النار لرجحان سيئاتهم على حسناتهم ألا يدخلوها: فيشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو الصالحون من عباد الله بعد إذن الله لهم ورضاه عن المشفوع فيه، فيشفع الله الشافعين ويمنع هذا الإنسان من دخول نار الجحيم.

دليل هذا: ما رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه وابن ماجه في سننه أيضاً وأبو داود والدارمي – والحديث قال عنه الترمذي غريب، وغرائب الترمذي لا تسلم من مقال فهي ضعيفة عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لقارئ القرآن إذا أحل حلاله وحرم حرامه أن يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار] ، وورد عن علي أيضاً بلفظ آخر مرفوعاً [من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد استوجب النار] ، وهو ضعيف أيضاً. والحديث ورد له شاهد يقويه، رواه الطبراني في الأوسط انظر مجمع الزوائد (7/162) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما – وهو ضعيف أيضاً فيه جعفر بن الحارث وهو ضعيف لكن يتقوى الضعيفان ببعضهما ولا ينزل هذا الحديث عن درجة القبول إن شاء الله – عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [لقارئ القرآن إذا أحل حلاله وحرم حرامه أن يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار] . فإذ قرأ القرآن ثم أتى بشيء آخر حتى لا يكون من القراء الفسقة فأحل حلاله أي فعل الحلال معتقداً حله، وحرّم حرامه أي ترك الحرام معتقداً تحريمه، فهذا له جزاء عظيم عند الله يدخله الجنة ثم يشفعه في عشرة من أهل بيته وقرابته ممن استوجب دخول النار لرجحان سيئاته على حسناته فيشفع لعشرة منهم فيدخلون الجنة، والحديث كما قلت لا ينزل عن درجة القبول لأنه لا يوجد في رواتهما أحد كذاب أو متروك أو منكر الحديث، بل في رواتهما ضعف دون ذلك والضعف اليسير يزول بتعدد طرق الحديث، والعلم عند الله. المحاضرة الخامسة والعشرون 4- الشفاعة فيمن دخل النار بالخروج منها: من دخل النار استحق أن يمكث فيها فترة طويلة فيشفع له الشافعون فيخرجه الله منها قبل أن تتم مدة عذابه.

دليل هذا ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] والحديث صحيح بل هو مستفيض ودرجة الاستفاضة دون المتواتر وفوق المشهور. الحديث: 1) ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وأبي داود وصحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم. 2) وثبت أيضاً من رواية جابر بن عبد الله في سنن الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد ومستدرك الحاكم. 3) وثبت أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه في مسند أبي يعلى والسنن الكبرى للبهيقي لابن أبي عاصم ومسند البزار. 4) وروي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أيضاً. 5) وعن كعب بن عجرة. 6) وعن عوف بن مالك رضي الله عنهم أجمعين. وهذه الشفاعة شاملة لمن استوجب دخول النار ألا يدخلها، ولمن دخلها أن يخرج منها، فهي إذن شاملة للنوع الثالث والنوع الرابع. وستأتينا أحاديث تنص على إخراج أهل الكبائر من النار. إذن هذه أربع شفاعات عامة مشتركة. فائدة: خالف أهل البدع من المعتزلة والخوارج في مبحث الشفاعة وكان خلافهم في بعض أنواع الشفاعات المتقدمة، أما الشفاعات الخاصة فلا خلاف فيها، وأما الشفاعات العامة ففيها شفاعة واحدة لا خلاف فيها وهي الشفاعة الأولي بأن أهل الجنة يشفعون لذريتهم. فبقيت ثلاث شفاعات خالف فيها المعتزلة والخوارج وهي: 1- الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته. 2- ومن استوجب دخول النار. 3- ومن دخلها. فقال الخوارج والمعتزلة: من لقي الله بكبيرة، لم يتب عنها فيجب على الله أن يعذبه ولا يجوز أن يغفر له، وإذا عذبه فهو مخلد في نار جهنم لا يخرج منها. أما الخوارج فقالوا: إن فاعل الكبيرة كافر وبالتالي فهو مخلد في النار. وأما المعتزلة فقالوا: إن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين، أي ليس بمؤمن ولا كافر لكن مخلد في نار جهنم.

إذن الحكم الأخروي متفقون عليه وهو الخلود في نار جهنم، لكن الحكم الدنيوي اختلفوا فيه، فأولئك تجاسروا على إطلاق الكفر عليه وأما هؤلاء فتهيبوا من إطلاق الكفر عليه فقالوا في منزلة بين منزلتين وهذا القول الذي قرره الخوارج والمعتزلة باطلٌ لأربعة أمور: 1) تواترت الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بخروج عصاة الموحدين من نار جهنم بعد أن يعذبوا فيها فترة من الزمان. ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: [يدخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ ثم يقول الله: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان] . وثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه بُرَّة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذَرَّة من خير] . (بُرَّة) البرة هي حبة القمح والحنطة وهي تكون أخف وزناً من حبة الشعير، لأن قشرة الشعير غليظة وسميكة فلها وزن بخلاف قشرة الحنطة، يضاف إلى هذا أن حبة الشعير أطول من حبة الحنطة، وورد بدل لفظ (خير) في الألفاظ لفظ (إيمان) . وصحّف أبو بِسطام شعبة بن حجاج أمير المؤمنين في الحديث، صحّف اللفظ الثالث (ذرَّة) إلى (ذ ُرَة) أي حبة الذرة فقد اشتبه عليه الأمر رحمه الله لما وردت حبة الشعير وحبة القمح فظن أن الذرّة هي الذ ُرَة لأن رسم كتابتها واحد، والتشكيل هو الذي يختلف وإذا أخطأ المحدث خطأً يسيراً فلا يضره هذا ولا ينزله عن أعلى درجات الحفظ، ولا يعصم أحداً من خطأ، رحمه الله.

و (الذرَّة هي أقل شيء يوزن، هذا قول، وقيل: هي الهباء الذي يخرج ويتطاير عندما تسطع أشعة الشمس، وخصوصاً إذا سطعت الشمس داخل حجرة فإنه يُرى بشكل واضح) . وقال ابن عباس هي أن تضع يدك على التراب ثم تنفخها فالذي يتطاير من يدك من ترابٍ هو الذرات. وقيل: وهو القول الرابع – المراد من الذرّة النملة الصغيرة، وهي دون البرّة في الوزن. إذن من قال لا إله إلا الله وعمل من الكبائر ما عمل وعنده وزن شعيرة من خير، برة من خير ذَرَّة من خير فيخرج من النار إلى الجنة. وثبت في مسند الإمام أحمد ومسند أبي يعلى – انظر المجمع (10/384) عن أنس رضي الله عنه – والحديث فيه ضعف يسير وله شواهد كثيرة تجبره إن شاء الله وتقويه – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [إن عبداً لينادي في النار ألف سنة يا حنان يا منان] أي ألطف بي ومنّ عليّ بالخروج من هذه الدار الخبيثة [فيقول الله لجبريل عليه السلام: اذهب فأتني بعبدي هذا، فينطلق جبريل فيجد أهل النار منكبين يبكون، فيرجع إلى ربه فيخبره] أنه نظر في أهل النار فلم يميزه عن غيره ولم يعرفه [فيقول الله جل وعلا: ائتني به فإنه في مكان كذا وكذا، فيجيء به، فيوقفه على ربه عز وجل، فيقول: يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك] أي المكان الذي استقررت فيه وتنام فيه [فيقول: يا رب شر مكان وشر مقيل، فيقول: ردوا عبدي فيقول: يا رب ما كنت أرجو إذا أخرجتني أن تعيدني فيها، فيقول: دعوا عبدي] . الشاهد من هذا كله: أنه تواترت الأحاديث بخروج أناس من النار، وقد تواترت أحاديث كثيرة أن ذلك الخروج يكون أيضاً بشفاعة الشافعين، كما يكون برحمة رب العالمين، ومن تلك الأحاديث:

ما ثبت في صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة، يسمون الجهنميين] أي: نسبة إلى الدار التي كانوا فيها وهي جهنم، ويسمون الجهنميين في البداية عندما يدخلون فيقال هؤلاء الجهنميين ثم بعد ذلك يصب عليهم أهل الجنة من ماء الجنة فيذهب عنهم القَتَر والسواد ويصبحون كأهل الجنة في النعيم والبهجة والسرور. وثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يخرج قوم من النار بالشفاعة كأنهم الثغارير] وضبط بالعين المعملة: الثعارير [فقيل وما الثعارير؟ فقال: الضغابيس] وهي صغار القثاء، وهي التي تشبه الخيار لكن تكون معكوفة في الغالب وملتوية، وهي من أنواع الخضار ومن فصيلة الخيار، وتسمى قتة في بلاد الشام، وتسمى في الإمارات فقّوس. أي يخرجون من النار وفيهم هذا الذل، وهذا الامتهان وهذا الاحتراق بحيث أن أبدانهم صارت بهذا الحجم من ضمورها وهزالها، فذهبت صحتهم حتى صار الواحد منهم كأنه صغار القثاء، ثم يخرجون من النار بالشفاعة كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم. يقول مفتي عمان في كتاب الحق الدامغ صـ 191: "وعقيدتنا معشر الأباضية أن كل من دخل النار من عصاة الموحدين والمشركين مخلدون فيها إلى غير أمد" قلت: هل يستقيم هذا في رحمة أرحم الراحمين أن يجعل المؤمن الموحد الذي له حسنات أكثر من الجبال عدداً ووزناً كأبي جهل، كيف سيسوي الله من وحده بمن جحده وألحده؟!!. ثم يقول: "كما أن من دخل الجنة من عباد الله الأبرار لا يخرجون منها"!! ما هذا المقياس مع الفارق الكبير فأولئك دخلوا الجنة ولا يخرجون منها، وأما هؤلاء فعلى حسب أعمالهم فيدخلوا النار من أجل أن يطهروا وينقوا من الذنوب.

ثم يقول: "إذ الداران دار خلود"!!! نحن لا نقول إن النار تفنى، بل هي دار خلود لكن في حق من يخلد فيها، لكن هذا هو التلاعب بالحقائق!!. يقول: "ووافقنا على ذلك المعتزلة والخوارج على اختلاف طوائفهم"، أي وافقهم في أن من دخل النار لا يخرج منها، سبحان الله!! هلا كان من وافقك هم أهل السنة والجماعة!!! ثم يقول: "وإنما خالفنا الخوارج من حيث إنهم يحكمون على كل معصية تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرج من الملة، فخالفوا بذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة"!!! وأنت ماذا خالفت يا مفتي!!. نحن الآن في موضوع خروج عصاة الموحدين من النار في هذا المبحث المختصر ذكرنا (5) أحاديث فقط وقلنا الأحاديث متواترة، فكيف تخالف هذا؟!!! وإذا كان الخوارج قد حكموا على فاعل الكبيرة بالكفر والله إنهم لأعقل منك عندما حكمت عليه بالإيمان وقلت إنه مخلد في النيران، ولذلك هم يقولون: إن تخليد العصاة في النار هذا دليل على أنهم كافرون، فإذن هم يقولون بكفرهم وخلودهم، فكلامهم مستقيم مع بعضه وإن كان ضلالاً وباطلاً، وأما كلامك يا مفتي ففيه سفاهة من وجهين: أولا: إن كلامك باطل من ناحية الشرع. ثانيا: أنه يناقض بعضه بعضاً فإنك تقول هو مؤمن وهو مخلد في النار، كيف هذا؟!! ولا يخلد في النار إلا الكفار. ثم إنك خالفت الخوارج في هذه الجزئية لكنك وافقت المعتزلة، حيث يقولون: لا نكفره لكن نحكم عليه بالخلود في النار، إخوتي الكرام ... هذا قول باطل فاحذروه. إذن تواترت الأحاديث بخروج أقوام من النار بالشفاعة بعد دخولها. 2- تواترت الأحاديث أيضاً بأن من لقي الله على التوحيد وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه صلوات الله وسلامه في هذه الحياة ثم مات مآله إلى الجنة، إذا لم يأت بما ينقص إيمانه من مُكَفِّر أو ردة.

أما المعاصي فلا تعتبر كفراً ولا ردة، لأنها لو كانت كذلك لما رتب الشارع عليها حدوداً مقدرة، فالزاني مثلاً يجلد ولو كان الزنا كفراً لقال الشارع: اقتلوه. وقد أجمع الصحابة على أن مخالف المأمور أو مرتكب المحظور ليس بكافر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المفارق لدينه التارك للجماعة] والحديث في الصحيحين، إذن فكيف نستحل دم إنسان مسلم إذا لم يفعل أحد هذه الأمور الثلاثة؟!! فإذا شرب الخمر لا يستحل دمه، ولو استحل دم من زنى وهو ثيب أومن قتل نفساً أخرى فلا يموت على الكفر، إنما إذا استُحل دم من ارتد فهذا الذي يموت كافراً مخلداً في نار جهنم.

من تلك الأحاديث ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال أبو ذر: وإن زنى، وإن سرق؟ ، فقال وإن زنى وإن سرق، فأعاد أبو ذر وإن زنى وإن سرق؟ فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الجواب وإن زنى وإن سرق فأعاد أبو ذر السؤال ثالثة] يستبعد هذا ويستغرب منه غاية الغرابة، يدخل الجنة وهو مقصر في حق الله معتدٍ على حقوق العباد، وذكر السرقة والزنا للإشارة إلى حق الله وحق عباده ويدخل في هذا سائر الحقوق، فتعديه على حق الله عندما يزني، وتعديه على حق العباد عندما يسرق منهم [فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الثالثة: وإن زنى وإن سرق، فأعاد أبو ذر السؤال رابعة، فقال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنفك يا أبا ذر] فلا داعي لإعادة السؤال مرة خامسة، لأن التكرار ثلاث مرات، وفي الرابعة تستحق هذا الجواب حسماً للسؤال، [فكان أبو ذر رضي الله عنه إذا حدث بالحديث يقول من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق على رغم أنفي] يعني أنا ضاقت نفسي من هذا ولم أسترح إليه لكن على رغم أنفي سيدخل الجنة وهذا هو حكم الله وهذا هو تبليغ رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام النووي عليه رحمة الله في شرحه هذا الحديث في صحيح مسلم (1/217) : "أفاد حديث أبي ذر فائدتين: الفائدة الأولي: أن عصاة الموحدين لا يقطع لهم بنار الجحيم. الفائدة الثانية: لو عذبهم الله فمآلهم إلى الجنة". وإنما لا يقطع لهم بنار الجحيم لأنه ورد في الحديث [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ... وتقدم، وهذا الدخول قد يكون سابقاً وقد يكون لاحقاً، فإذا غفر الله له دخل مع السابقين، وإذا عذبه لحقهم بعد حين، فلابد من الدخول ولن يخلد في نار جهنم.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/111) : "يدل الحديث على أن من فعل الكبيرة لا يخلد في النار" وهذه فائدة كالتي ذكرها الإمام النووي لكنه ذكر فائدة ثالثة: "ويدل على أن فاعل الكبيرة لا يُسلب عنه اسم الإيمان" أي فاعل الكبيرة مؤمن ولا يخرج عن الإيمان بفعلها المجرد فهو مؤمن بإيمانه فاسق بعصيانه. 3- أنتم تقولون من لقي الله بكبيرة فهو مخلد في نار جهنم ولن تنفعه أعماله الصالحة أي بطل ثوابها وحبطت، وهذا منكر عظيم لا يستقيم في عدل ورحمة أرحم الراحمين. فكيف تضيع الحسنات أمثال الجبال بسيئة من السيئات، والله جل وعلا لم يجعل شيئا من الأعمال المنكرة محبطاً للأعمال الصالحة إلا شيئاً واحداً هو الشرك، وبشرط الموت عليه، فمن كان مؤمناً وعمل الصالحات ثم ارتد حبط عمله، فإذا آمن رجع إليه ثواب عمله الصالح،ولذلك لو حج ثم ارتد ثم آمن لم يجب عليه أن يعيد الحج مرة أخرى. فلا يحبط العمل إلا بالكفر والموت عليه، الله قرر هذا في كتابه فقال جل وعلا في سورة البقرة آية (217) : (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) .

فإذن من لقي الله بمعصية من المعاصي لا نقول إنه صديق، وكذلك لا نقول إنه كافر عنيد بل نقول مؤمن عاص ٍ، إن غفر الله له فرحمته واسعة، وإن عذبه فبِعَدْلِه، ولن يخلده في نار جهنم إذ كيف سيسوي الله هذا مع الكافر الذي لم يسجد لله سجدة واحدة؟! إن التسوية بين المؤمنين والكافرين هذا مما لا يستقيم في عدل ورحمة أرحم الراحمين يقول الله تعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) ، فإن قيل: فاعل الكبيرة ليس بمتقٍ؟ ، فنقول: التقوى قسمان: تقوى الشرك وتقوى المعاصي، فالمؤمن الذي ارتكب المعاصي هو متقٍ للشرك لكنه لم يتق المعاصي فتقواه ناقصة وليست معدومة بينما الكافر والمشرك ليس عنده نوع من أنواع التقوى. 4- قولهم يجب على الله أن يعاقب العصاة ولا يجوز أن يغفر لهم في وقت من الأوقات لا عند الحساب ولا بعد دخولهم النار، أي لا يجوز أن يغفر لهم ولا أن يخرجهم من النار، هو قول باطل يصادم النصوص القطعية: 1- قال الله عز وجل في كتابه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، (ما دون ذلك) أي ما دون الشرك من جميع الكبائر والموبقات (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فإذا عذب الله فاعل الكبيرة فهذا بِعَدْلِه سبحانه وتعالى، وإن غفر له فهذا بفضله، وأفعال الله سبحانه وتعالى بين عدل وفضل ولا ثالث لفعله فالظلم والجور منتفٍ عنه، بل هذا من أفعال العباد، والفعل المطلق للإنسان لا يخرج عن واحد من ثلاث إما أن يكون عدلاً أو فضلاً أو جوراً.

إذن لو عفا عنه فهذا فضله ورحمته سبقت غضبه، ولذلك ثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن علي رضي الله عنه أنه قال: [ما في القرآن آية أحبَّ إليَّ من هذه الآية] ، وهي عنده أرجى آية في القرآن أيضاً، وثبت هذا عن حفيده علي بن الحسين زين العابدين حيث قال: [هذه أرجى آية في القرآن] ، ووجه كونها أرجى آية في القرآن إخوتي الكرام ... كما قلت العذاب عدل والمغفرة فضل وإذا دارت أفعال الله بين العدل والفضل فالمرجح في حقه الفضل؛ لأن رحمته سبقت غضبه، يضاف إلى هذا أن كل عاصٍ لم يقع في الشرك يطمع في أن يكون ممن شاء الله له المغفرة، وما أطمعنا الله إلا ليعطينا كما قال في حق أهل الأعراف (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، وقد قال الله في الحديث القدسي [أنا عند ظن عبدي بي فليظن ما شاء] وظننا بربنا أن يغفر لنا وأن يتجاوز عنا ذنوبنا وأن يعاملنا بفضله وإحسانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

2- وقد ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن الترمذي وابن ماجه عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة (10-40) من أصحابه: [بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفّى منكم فأجره على الله] . هذه هي الحالة الأولي، والحالة الثانية [ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له] لأن الحدود زواجر وجوابر، فهي تزجر الفاعل بالناس، وتطهّر الفاعل والأمة من سخط الله، فالحدود مطهّرة ولو لم يتب المحدود، فإذا سرق وقطعت يده غُفِرَ ذنبه تاب منه أم لم يتب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز: [إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها] بعد أن أقام عليه الحد، والحديث في صحيح مسلم، أما الحالة الثالثة فبينها بقوله [ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك] إذن أنتم بين ثلاثة أحوال، وهو حديث صحيح صريح في بابه. 3- وثبت في مسند أبي يعلى والبزار وكتاب السنندة لابن أبي عاصم، والخرائطي في (مكارم الأخلاق) والبهيقي في (البعث والنشور) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو بالخيار إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه] فالثواب ينجزه والعقاب قد ينجزه، وقد لا ينجزه (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . ومما يبين أن قول المعتزلة والخوارج بأنه يجب على الله أن يعاقب العصاة – باطل هذه المناظرة المحكمة السديدة، التي جرت بين إمامين أحدهما مهتدي ٍ والآخر ضال غوى:

1- أما المهتدي فهو شيخ أهل السنة وأحد القراء السبع أبو عمرو بن العلاء، وهذا قارئ البصرة، والبصريان إذا أطلقا فيراد بهما أبا عمرو هذا ويعقوب، فالبصريان هذان الاثنان والكوفيون أربعة والمدنيان اثنان والمكي واحد، والشامي واحد فالمجموع عشرة فهؤلاء هم القراء العشرة الذين قراءتهم متواترة. 2- وأما الضال فهو عمرو بن عبيد، أبو عثمان، ولا يتعمد أحد إذا قلنا كذا عن عمرو بن عبيد كما اعترض بعضهم على ذمنا للحجاج، ولا يقول كيف نقول على عمرو بن عبيد هذا وهو من أئمة الإسلام وله شأن، وهو خليل وصفي الخليفة العباس أبي جعفر المنصور وكان من الزهاد العباد وكان أبو جعفر يقول: "كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد" أي كل واحد منكم يريد الدنيا إلا عمرو بن عبيد، وكان إذا دخل على أبي جعفر المنصور لا يستطيع أبو جعفر أن يبقى في مجلس الخلافة، بل يأمر بأن تجهز له غرفة ليس فيها إلا فراش على الأرض ليجلس عليه إجلالاً لعمرو بن عبيد، وليستمع إلى نصح عمرو بن عبيد له.

وهو مع زهده وتنسُّكه ضال، كما قال بن كثير: والزهد لا يدل على صلاح في الإنسان، فعباد الهنود والمتقشفون فيهم عندهم من الزهد والانزواء عن الدنيا والامتناع عن الطعام والشراب ما لا يوجد في كثير من زهاد المسلمين، لكنهم لجهنم حطباً، بل لا بد من أن يكون الزاهد على المسلك الشرعي وإلا فزهده لوحده لا يكفيه، وأبو العلاء المعري كان زاهداً لدرجة أنه لم يتزوج، بل اعتبر الزواج جريمة، وبلغ من إعراضه عن الدنيا أنه يقول إن أعظم المجرمين في حق الأبناء هم الآباء، وأوصى أن يكتب على قبره هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد، لعنة الله على هذا الزهد، ولذلك اتفق أئمة الإسلام على "أن الزهد إنما يكون فيما يلهيك عن الله ويضرك عنده" فهل النكاح فيه ذلك؟!!! بل فيه حسنات لا تستطيع أن تحصلها من كثير من الطاعات، وهل يجب إلى خير البريات عليه صلوات الله وسلامه شيء مؤذٍ وضار، وهو سيد الطيبين وهو الذي يقول: [حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة] . ولذلك إخوتي الكرام.... لا يقبل الله من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً، ولا يوجد عندنا أن كل واحد يعبد ربه برأيه، ويخترع شريعة ما أنزل الله بها من سلطان ثم نقول زاهد عابد، إن زهده لن يوصله إلا إلى نار جهنم ورضي الله عن عمر عندما كان يرى عباد النصارى في الصوامع فيتلو قول الله تعالى (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) .

فعمرو بن عبيد من أولئك الزهاد الذين لم ينفهم زهدهم بل هو ضال باتفاق أئمتنا، ووالله لا نعرف عمرو بن عبيد ولا نعرف أبا عمرو بن العلاء لكن عن طريق ما نقله عنهم أئمتنا وأخبرونا به عنهم، فذاك طالح فأبغضناه وذاك صالح فأحببناه وليس بيننا وبينه قرابة ولا بيننا وبين الآخر عداوة، وعندما نحب عمر بن عبد العزيز وهو من بني أمية – لأننا أمويون!! ، ونكره الحجاج الضال الخبيث لأننا عباسيون!! أهذا هو السبب في حبنا لواحد وبغضنا للآخر أم نحن نحكم حبنا وبغضنا على حسب شرع ربنا جل وعلا؟!! انتبه لهذه المناظرة المحكمة: اجتمعنا في مجلس فأراد عمرو بن عبيد أن يرد على مذهب أهل السنة: فقال: يا أبا عمرو إن الله وعد (¬1) وعداً وأوعد إيعاداً فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده (¬2) . ¬

_ (¬1) الوعد في المسرة، والإيعاد في المضرة، تقول: وعدته جائزة وأوعدته عقوبة. (¬2) أي كما أنه ينجز الوعد فهو سينجز الإيعاد، هذا كقول مفتي عُمان "لأن الله لا يخلف الميعاد" والميعاد شامل للوعد والوعيد، فالله عندما يخبرنا بأن من شرب الخمر في هذه الدنيا كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال وهي عصارة أهل النار والقيح والصديد الذي يسيل من أجسادهم، يقول: لو أخلف الله هذا وعفا عن شارب الخمر في الآخرة لكان كذاباً فلابد من أن يعاقبه وأن يسقيه من ردغة الخبال وألا يخرجه من نار جهنم.

فقال: أبو عمرو: إنك أعجمي (¬1) ، إنّ خُلْفَ الوعيد كرم، وإن خُلْفَ الوعد لؤم (¬2) . ثم قال له: ألم تسمع إلى قول الشاعر: ¬

_ (¬1) ولا أقول إنك أعجم اللسان بل أنت فصيح منطيق، لكنك أعجم القلب، وعجمة القلب هي عدم الفهم عن الرب، أي أن لا يكون القلب زكياً ولا طاهراً ولا نقياً، وليس في عجمة اللسان منقصة، لكن عجمة القلب هي التي فيها منقصة وهي المذمومة سواء كانت في العرب أو في العجم، وكما أن من كان أعجم اللسان لا يفهم لغة العرب فمن كان أعجم القلب لا يفهم عن الرب. (¬2) فإذا لم يوقع الله العقوبة بالعاصي هذا كرم منه، وأنا إذا قلت لشخص - مثلاً – إن خالفت أمري لأضربنك مائة سوط ثم خالف أمري، وقضيت عليه، فقال لي: اعف عني، فقلت له: عفوت عنك، فهل يقول لي أحد الآن كذبت، بل ماذا يقولون؟ عفوت وتكرمت، العفو عند المقدرة من شيم الكرام، ولذلك وصف الله عباده بأنهم (والدين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) ووصفهم بأنهم (والعافين عن الناس) فكيف هذا؟! الجواب: كان سلفنا يكرهون أن يُستذلوا فإذا قدروا عفوا، فهو عندما يصيبه البغي لا يعفو بل يمسك بالمجرم ويكاد أن يقتله، فيقول له ذاك عندها: اعف عني، فيقول: عفوت عنك، فإذن هم يعفون بعد تمكنهم من الانتصار لأنفسهم، أما من يعفون في حال الضعف فهذا يعتبر هنا خوراً وذلاً وجبناً، ولذلك قال (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) فأثنى الله عليهم بأخذهم لحقهم ثم إذا تمكنوا من الباغي عليهم عفوا عنه، ولذلك ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة بعد أن تمكن منهم وكانوا قد آذوه إحدى وعشرين سنة ثلاثة عشر سنة في مكة وثماني سنين في المدينة يعارضونه فبعد أن تمكن منهم قال لهم ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم ... إذن هنا قدر عليهم – فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فهذا يعتبر كرماً وشهامة ومروءة في حق المخلوق فكيف في حق الخالق.

وإني وإن وعدته أو أوعدته ... لمخلف إيعاد ومنجز موعدي (¬1) وقول الآخر: إذا وعد السراء أنجز وعده ... وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه ولذلك كان أبو عثمان عمرو بن عبيد أعجمي القلب، لأنه لا يفقه عن الله شيئاً فالله إذا هدد العصاة فله ذلك، وكذلك إذا عاقبهم له ذلك، وإذا عفا عنهم له ذلك ولا يقال أخلف إيعاده، بل يقال: ما أكرمه، ما أحلمه، ألم يقل الله (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) فهو حذرنا من مخالفته وعصيانه ولكنه لم يؤاخذنا بكل ما نعمله إذن فهو يؤخرنا ويمهلنا إذن فهو رؤوف رحيم غفور حليم، ووالله لو عاملنا الله بأعمالنا لاستأصلنا من أولنا لآخرنا، وإذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول – والحديث في صحيح ابن حبان وحلية الأولياء بسند صحيح: [لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان – وأشار إلى الإبهام والسبابة – لعذبنا ثم لم يظلمنا] هذا يقوله خير خلق الله صلى الله عليه وسلم وهذه الجوارح تستحق شكر أم لا؟!! وأنت لن تستطيع أن تفي بشكر جارحة واحدة فضلاً عن جارحتين، فلو حاسبك الله على الإبهام والسبابة لألقاك في نار جهنم كالعابد الذي في بني إسرائيل عبد الله خمسمائة سنة وما عصاه طرفة عين، وسأل الله أن يقبضه في سجوده وألا تأكل الأرض جسده وأن يبقى ساجداً إلى يوم الدين فأعطاه الله ذلك فإذا كان يوم القيامة يقول الله له: ادخل الجنة برحمتي، فيقول: بل بعملي يا رب، فيقول الله: حاسبوه، فتوضع نعمة البصر في كفة وعبادة خمسمائة سنة في كفة أخرى فلا تكفي عبادته لنعمة البصر، فيقول الله: خذوه إلى النار، فيقول: يا رب أدخلني الجنة برحمتك. وهذه القصة رواها الحاكم في المستدرك. ¬

_ (¬1) أي إن أنا وعدته مثلاً جائزة، أو أوعدته مثلاً عقوبة، فأخلف إيعادي من باب كرمي ونبلي وشهامتي وأنجز موعدي وهو السراء والجائزة، فانظر للشاعر العربي يتمدح بهذا.

فإذن فالله سبحانه وتعالى عندما يعفو عنا ويرحمنا ويتجاوز عن خطايانا فهذه منقصة فيه أم كرم؟ بل كرم، [يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً] (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) إذن هذا مما يتمدح به رب العالمين. فانظر إلى المعتزلة كيف قلبوا الأمر وقالوا لو عفا الله عنهم لكان كذاباً وهذه منقصة في حقه يتنزه عنها، فجعلوا الفضيلة رذيلة، وهذا خلاف ما فطر الله عليه أهل الأرض قاطبة أنهم يعتبرون العفو مكرمة. وهذه المناظرة المحكمة انظروها في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (12/175) ، وفي تهذيب التهذيب للحافظ بن حجر (8/71) ، وفي مدارج السالكين للإمام ابن القيم (1/396) وهذا الكتاب نافع جداً احرصوا على شرائه، وإذا لم يتيسر لكم فلا أقل من شراء تهذيبه ومختصره، ومن قصد البحر استقل السواقي، أي الذي يقتني المدارج ليس كالذي يقتني المختصر، ودائماً لتكن هممكم عالية ولا تقنعوا بالمختصرات، واطلبوا الأمور من مصادرها وعلو الهمة من الإيمان. وتوجد هذه القصة أيضاً في مجموع الفتاوى وكررها في مواضع مختلفة، وموجودة في غير هذه المراجع أيضاً. مسألة مهمة: ذكرها ابن أبي العز في شرحه وهي: ما حكم سؤال المخلوقِ الخالقَ أو المخلوقَ بمخلوق؟ أي: مسألة التوسل: فما حكم أن تتوسل إلى الخالق بمخلوق، وأن تتوسل إلى المخلوق بمخلوق؟ مثال الصورة الأولى: (توسل إلى خالق بمخلوق) : أن تقول لله: أتوسل إليك يا رب بنبيك صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر أن تقضي حاجتي. مثال الصورة الثانية: (توسل إلى مخلوق بمخلوق) أن تقول لشخص: أتوسل إليك يا فلان بأبيك وأمك وزوجك أن تقضي حاجتي. فما حكم هذا؟

قال الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية في (القاعدة الجلية في التوسل والوسيلة) : "قول القائل أسألك بكذا، يحتمل أمرين، لأن الباء أما أن تكون للقسم وإما أن تكون للسبب". الحالة الأولي: فإذا كانت الباء للقسم فلا يجوز أن يصدر هذا من مخلوق سواء كان الإقسام به على خالق أو مخلوق. فلا يجوز أن تقول: أقسم عليك يا رب بنبيك أن تقضي حاجتي ولا أن تقول: أقسم عليك يا فلان بالنبي أن تقضي حاجتي. ومثلها قول القائل يا رب بنبيك اقضي حاجتي. ويا فلان بالنبي اقضي حاجتي، فلا يجوز أيضاً، لأن الباء هنا (بنبيك، بالنبي) للقسم كما أن الواو حرف للقسم، وحروف القسم التي يقسم بها الواو والتاء والباء، والله، تالله، بالله، وهكذا بمخلوق: ورأس أبيك، ترأس أبيك، برأس أبيك. فهذا لا يجوز لما ثبت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة باستثناء سنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت] ، وللحديث سبب في وروده: وهو أن عمر بن الخطاب كان يحلف بأبيه، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال، [إن الله ينهاكم ... ] الحديث، وكذلك الصحابة كانوا يحلفون بآبائهم ثم نهوا عن ذلك. وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر] . وهذا الأمر المذكور في هذه الحالة مجمع عليه بين علماء الإسلام، وما وقع فيه خلاف إلا في صورة من صورة، فانتبهوا لها وهي: خصوص القسم بالنبي عليه الصلاة والسلام فهل يجوز أن تقول أقسم عليك بالنبي أن تذهب إلي بيتي، وإذا قلت ذلك فهل انعقدت اليمين وعليك الكفارة أم لا؟

الجمهور – وهو الحق – أن القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز وهو كالقسم بغيره، وعند الإمام أحمد يجوز القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم كما هو مذكور في كتاب المغني (11/209) لابن قدامة يقول فيه: وقال أصحابنا: إن القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم يمين منعقدة وإذا حَنِث فعليه الكفارة، ونقل هذا عن أبي عبد الله – أي الإمام أحمد – وهذا القول الذي قاله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالي علله بتعليل شرعي – مع وجاهته نرده ولا نأخذ به – وهو: أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو أحد شطري الشهادة فالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فكما يجوز القسم بالشطر الأول، يجوز بالشطر الثاني. وهذا التعليل مع وجاهته نقول إنه يعارض النصوص، ولا اجتهاد عند ورود النص ولا قياس مع ثبوت النص، فنقول له نِعم ما قلت وأحسنت فيما قلت، لكنه اجتهاد يخالف النص فغفر الله لك وأثابك لكننا لا نقتدي بك في هذه المسألة، ولا نقول: إن القسم بغير الله شرك والإمام أحمد يجيز الشرك بل نقول إن كل إنسان يخطئ ويصيب لكن المهم أن يكون بحثه ضمن الأدلة الشرعية ولا يتبع الهوى. إذن فانتبه حال الإمام أحمد ليس كالحجاج فهذا عندما يقطع رقاب المسلمين هل هذا ضمن أدلة شرعية أم ضمن هوىً؟!! بل ضمن هوىً. * أتدرون ماذا فعل الحجاج؟

ضرب مكة بالمنجنيق حتى طارت القذائف إلى الكعبة فاحترقت وهدم قسم منها، وأُحصي عدد الأرواح التي قتلها الحجاج فبلغت – كما في شذرات الذهب لابن العماد (120.000) نفساً، وكلهم من الموحدين الذين يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلي رأسهم ابن عمر رضي الله عنهما، وعلى رأس المقتولين أيضاً الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قتله وصلبه ومثل به بعد ذلك في حرم الله في مكة وقد مر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قبل أن يُقتل بجوار عبد الله بن الزبير وهو مصلوب فقال مخاطباً إياه: رحمة الله عليك يا أبا خُبيب – وهذه كنية عبد الله بن الزبير – والله لقد كنت صواما ً قواما ً وإن أمة أنت شرها إنها على خير، فأرسل إليه الحجاج أحد شرطته فضربه بحربة مسمومة – وهو في صحن الطواف – لأنه قال هذه الكلمة لعبد الله بن الزبير، ثم مات بعد ذلك بسبب هذه الضربة، والحديث ثابت في الصحيح. وكان يقول لأنس بن مالك رضي الله عنه أيها الشيخ الخرف، فذهب أنس إلي الشام من البصرة، إلى عبد الملك بن مروان يشكو الحجاج فقال: والله لو أن النصارى رأوا من خدم عيسي لأكرموه فكيف بمن خدم من هو أفضل من عيسى عليه السلام، خدم النبي صلى الله عليه وسلم ويهينني الحجاج، فأرسل عبد الملك بن مروان بعد ذلك إلي الحجاج: أنْ لا إمرة لك على أنسً ووالله لو رأى إنسان أنس بن مالك وعنده إيمان لقبل رجليه وليس رأسه ووالله لو كان يجوز شرب بوله لشربت بوله وتقربت بذلك إلى الله فهذا يخدم النبي صلى الله عليه وسلم. فهل الحجاج يكون مجتهداً ضمن أدلة شرعية عندما قتل هؤلاء وأهانهم؟ وقد ورد في الحديث [ولا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما ً حراما ً] ولو اجتمع أهل الأرض على قتل نفس مؤمن لأكبهم الله على وجوههم في نار جهنم.

ويقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/343) " الحجاج: أهلكه الله في رمضان سنة 95 هـ كهلا ً وكان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدامٍ ومكرٍ ودهاءٍ وفصاحةٍ وبلاغةٍ وتعظيم للقرآن، وقد سقت في سوء سيرته في تاريخي الكبير وحصاره لابن الزبير في الكعبة ورميه إياها بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين ثم ولايته للعراق والمشرق كله عشرين سنة وحروب بن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله، فنسبّه ولا نحبّه بل نبغضه في الله فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان وله حسناتٌ مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله جل وعلا ". ولما بلغ الحسن موت الحجاج سجد شكراً لله، وكان الحسن البصري يقول: "اللهم كما أمته أمت سنته" وسنته بدعة وظلمة وهو أول من أخر الصلوات عن وقتها، ولما بلغ إبراهيم النخعي موت الحجاج بكى من شدة الفرح، ولما بلغ ابن عمر مقتل ابن الزبير رضي الله عنهم قال: عدو الله استحل حرم الله، وضرب بيت الله وقتل أولياء الله، انظر تذكرة الحفاظ للذهبي (1/37) . إخوتي الكرام.... ولما نذكر هذا عن الحجاج لا يُقال هذا فيه انتهاك لحرمة الميت، إنما انتهاك حرمة الميت يحصل إن كان الميت قد عصى ربه ثم تاب أو عصاه بمعصية بينه وبين ربه، أو عصاه وجاهر بمعصيته، أما إن كانت المعصية تتعلق بحقوق العباد فهذا ظلم فيجب أن يُبين للناس ليعلموه وليجتنبوا وليبتعدوا عن مثل هذا الظلم ولا يقعوا فيه.

إخوتي الكرام.... لا يقال لنا بعد ذلك كله أنتم عندكم ميزانان تأتون للحجاج وتتكلمون عليه وتأتون للإمام أحمد وتترضون عنه، نقول: قف عند حدك، من يبحث في النصوص الشرعية فهو على هدىً أصاب أم أخطأ إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فهذا إمام بذل ما في وسعه للوصول إلى مراد ربه ضمن أدلة شرعية، ولو قال هذا القول عن طريق الهوى لقلنا إنه ضال، فلابد من أن نزن الأمور بالميزان الشرعي، ونسأل الله أن يجعل هوانا تبعاً لشرع مولانا إنه أرحكم الراحمين وأكرم الأكرمين. الحالة الثانية: وإذا كانت الباء للسبب – لا للقسم – فهذه لها صورتان: الصورة الأولي: أن تسأل مخلوقاً بسبب مخلوق فهذا جائز بالاتفاق مثالها: أن تقول لشخص أسألك بحق أبيك، أو أسألك بكرامة جدك، أو أسألك بمنزلة زوجتك ونحو هذه من الأسباب فتتوسل بمخلوق إلى مخلوق بالسبب والمنزلة التي له عندك والمكانة والمقام الذي له عندك. وقد ثبت أن ابن جعفر بن أبي طالب كان إذا أتى عمه علياً – رضي الله عنه – وسأله بحق أخيه جعفر – والذي هو أبو السائل – قضى عليٌّ حاجته؛ لأن له منزلة عنده، وهذا من باب إكرام الأخ لأخيه؛ فإذن هذا السؤال بالمنزلة والسبب والحق وما شاكل هذا، وهذا الباب من التوسل لا حرج فيه وجائز بالاتفاق – كما ذكرنا – وعلى هذه تنزل قراءة حمزة، وأحد التوجيهين في قراءة الجمهور من قول الله جل وعلا (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) . فـ (الأرحام) قرئت بالنصب، وهي قراءة الجمهور (التسعة) وقرئت بالخفض – الكسر – وهي قراءة حمزة فقط، فـ (الأرحام) على قراءة الجمهور، منصوبةً عطفاً على لفظ الجلالة (واتقوا الله) أي: فلا تعصوه، واتقوا (الأرحام) فلا تقطعوها لأنها مما أمر الله به أن يوصل، وحينئذ فلا شاهد فيها على هذه الصورة، وهذا أحد توجيهي الجمهور لنصبها.

و (الأرحام) عن حمزة، بالكسر، هي التي فيها الشاهد بأننا نسأل ونتوسل بحقها ومنزلتها،وهي على أنها معطوفة في هذه الحالة على لفظ الضمير المجرور (به) لا على محله. والتوجيه الآخر للجمهور لقراءة النصب قالوا: أن (الأرحام) معطوف على محل الضمير المكني (به) لا على لفظه، فمحله هو النصب، ولفظه هو الجر، هذا كما تقول: مررت بعمرَ وزيداً، فعمر محله النصب وإن جر بحرف الجر فلذلك تعطف زيداً على المحل لا على اللفظ، وعلى هذا فالقراءتان بمعنىً واحد تكون في هذا التوجيه شاهد لهذه الصورة، والمعنى: يسأل بعضكم بعضاً بالله ويسأل بعضكم بعضاً بالرحم، فتقول: أسألك بحق الرحم عليك أن تقضي حاجتي، وأنشده بالرحم التي بيني وبينك أن تقضي حاجتي، كما كان ولد جعفر يسأل عمه علياً بالرحم التي بينه وبين أخيه جعفر ... وقراءة حمزة جرى حولها كلام كثير، ولما شرحتها للطلاب في العام الماضي في المستوى الثاني / الفصل الثاني، أخذت معنا ما يزيد على خمس محاضرات) س: لو قال شخص: أسألك بحياة أبيك، فما الحكم؟ جـ: قوله أسألك بحياة أبيك كقوله أسألك بمنزلة / برأس / برجل / بعين / بوجه / بشرف أبيك/، كلها سواء، لأن هذا القول توسل إلى مخلوق بمخلوق، وهو جائز – كما قلنا – ليس من باب القسم، وليس من باب التوسل إلى الله، إذ سيأتينا أنه لا يجوز التوسل إلى الله بذات مخلوق أو حياته أو شرفه، وما شاكل كل هذا. س: هل يجوز أن يسأل شخصٌ بحق ميت؟ جـ: لا حرج في ذلك. وفي قصة سؤال جعفر علياً رضي الله عنه دليل على ذلك لأن جعفر استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، لكن لأجل مكانته ومنزلته عند أخيه علي رضي الله عنه، كان أولاده بعد موته إذا جاءوا إلى عمهم توسلوا إليه بأبيهم. الصورة الثانية: أن تسأل الخالق بسبب مخلوق:

قال الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية: "ينبغي أن نعلم أن ذوات المخلوقين ليست سبباً لقضاء الحوائج، فلابد من سبب إما من المتوسِل، وإما من المتوسَّل به" إذن عندنا فرعان لهذه الصورة: الفرع الأول: أن يصدر سبب من المتوسِّل نحو من توسل به يرضاه الله فيصبح توسله بذلك السبب، والتوسل في هذا الفرع شرعي. مثاله: أن يتوسل المخلوق بمحبته للنبي عليه الصلاة والسلام وباتباعه له في قضاء حاجته، أو قد يقول المتوسل: اللهم إني أسألك بحبي لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي أن تفرج كربي وأن تقضي حاجتي وأن تغفر ذنبي وأن تدخلني الجنة مثلاً. فهو هنا لم يتوسل بذات المخلوق، بل توسل بفعل منه – أي من المتوسِّل – وهو طاعةٌ فهو كما لو توسل بطاعاته الأخرى، وهو جائز فقال اللهم إني أسألك بإيماني بك أن تغفر ذنبي وهو من أفضل أنواع التوسل. مثاله من السنة: ما ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ ، فقال له ويحك [وفي رواية: ويلك] وما أعددت لها قال: لا شيء (¬1) [وفي رواية: ما أعددتُ لها كبير صلاة ولا صيام] ، لكني أحب الله ورسوله] وأكرم بهذا العمل، وهل بعد هذا العمل عمل؟!! [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت] وهذا فيه بشارة عظيمة لهذا السائل. ¬

_ (¬1) هذا احتقار لعمله، أي ليس عندي شيء يبيض الوجه وليس عندي من الأعمال الكبيرة التي تسطر وتذكر وتذاع، وهذا حال التقي دائماً يهضم نفسه ويخرج من الدنيا ولم يشبع من أمرين: أ) ثناء على ربه. ب) اعتراف بعجزه وتقصيره ولوم لنفسه، لكن بيّن أن عنده عملا ً جليلا ً جميلا ً، وهو حب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

لكن الشاهد من الحديث هو قول أنس بعد أن رواه [فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بقول نبينا عليه الصلاة والسلام: أنت مع من أحببت] ثم قال – وانظر لهذا التوسل منه – [فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن كون معهم بحبي إياهم] هذا لفظ البخاري وزاد مسلم [فأنا أحب الله ورسوله ... ] . ولفظ حديث [أنت مع من أحببت] [المرء مع من أحب] هو حديث متواتر، وقد ألف أبو نُعم كتاباً مستقلاً حوله سماه (المحبين مع المحبوبين) تتبع فيه طرق هذا الحديث. إذن هنا توسلٌ إلى الله بمخلوق لكن جرى من المتوسِّل سبب نحو ذلك المخلوق، ولا حرج في ذلك بإجماع أهل السنة، وأنا أعجب في هذه الأيام حقيقة من المتنطعين الذين تَصْغُر أذهانهم ويضيق عقلهم ويأتي ليزجَّ نفسه في أمر ممنوع – كما سيأتي – فيقول: أسألك بجاه رسولك صلى الله عليه وسلم أن تغفر ذنبي، مع أن الجاه والذات ليست سببا للمغفرة فهذا التوسل أقل ما فيه أن فيه خلافاً وإن كان غير معتبر، فلماذا يترك ذاك المتنطع التوسل الذي لا خلاف فيه ويعمل ما فيه خلاف؟!!!.

مثال آخر أيضاً: ثبت في الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا يُنْجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قلبهما أهلاً، ولا مالاً، فنأى بي في طلب شيء يوماً، فلم أُرِح] عليهما حتى ناما، فجلست لهما غَبُوقهما (¬1) ¬

_ (¬1) الغبوق شرب اللبن وقت العشي..

فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أَغْبِق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يديّ أنتظر استيقاظهما حتى الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج، قال النبي صلى الله عليه وسلم،وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عمٍ كانت أحب الناس إليّ، فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمتُ بها سنة من السنين، فجاءتني، فأعطيها عشرين ومائة دينار على أن تخلّي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرتُ عليها، قالت: لا أُحِلُّ لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرّجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركتُ الذهب الذي أعطيتُها، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمّرتُ أجره حتى كَثُرَت منه الأموال فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري: فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون] . فانظر، هنا الأول يتوسل إلى الله ببره لوالديه، والثاني توسل إلى الله بعفته، والثالث بأمانته، لذلك لو وقعت في كرب فقل – مثلا ً– أسألك يا ربي ببري لوالدي أن تفرج كربي فهو جائز بالإجماع. إخوتي الكرام ... هذا الحديث للإمام ابن الجوزي رحمه الله تعليقُ بديع حوله في كتابه صيد الخاطر، والكتاب نافع احرصوا على شرائه ففيه خير كثير،ولم يؤلفه في موضوع معين بل كان يقيد فيه ما يعنّ له من فوائد واستنباطات وإرشادات وتوجيهات.

يقول في صـ321 من الكتاب كلاماً في منتهى الإحكام، وكأن المعلق عليه لم يَرُق له هذا الكلام فانتبهوا لذلك!!! يقول: "التقرب إلى الله عز وجل إذا تم على الإنسان لم ير لنفسه عملاً وإنما يرى إنعام الموفق (¬1) لذلك العمل الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملاً أو يعجب به (¬2) وذلك بأشياء" هذه الأمور منها أن الله وفق لهذا العمل، ومنها أنه إذا قيس ذلك العمل بالنعم لم يفي بمعشار عشرها، ومنها ... منها.... ومنها...." ثم يقول: ¬

_ (¬1) الموفق هو الله ولذلك الحديث [فمن وجد خيراً فليحمد الله] . (¬2)) أي أنك وفقت لعمل صالح فلا تنظر إلى العمل، إنما تنظر إلى الموفق، فلا تهتم بالعمل ولا تصاب بغرور ولا إدلال، وهذا هو ما قاله الصحابي [ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام] .

"وهذا شأن جميع العقلاء فرضي الله عن الجميع" ثم ذكر بعد ذلك قصصاً كثيرة منها: قول الخليل إبراهيم (والذي أطمع أن يغفر لي) فلم يُدّلَ بعمل بل يطمع من الله بالمغفرة، ومنها قول أبي بكر وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله، وذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نفعني مال كمال أبي بكر، فقام أبو بكر وقال ذلك، فانظر لحال العقل الكامل، وهكذا أورد كلاماً لعدد من الصالحين ثم يقول: "وهذا شأن جميع العقلاء فرضي الله عن الجميع" فإذن هذا فعل عقلاء هذه الأمة، وانظروا لصلحاء بني إسرائيل، ومنهم هؤلاء الثلاثة يقول:"وقد روي عن أقوام من صلحاء بني إسرائيل يدل على قلة الإفهام لما شرحتُه لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدلوا بهما (¬1) ، فمنه حديث العابد الذي تعبد خمسمائة سنة في جزيرة،وأخرج الله له كل ليلة رمانة، وسأله أن يميته في سجوده فإذا حشر قيل له: ادخل الجنة برحمتي قال: لا بعملي، فيوزن جميع عمله بنعمة واحدة فلا يفي، فيقول: يا رب برحمتك (¬2) ، ¬

_ (¬1) أدلّوا بها: يعني تقربوا بها ورأوا لها مكانة تستحق أن تطلب حاجةٌ بسببها. (¬2) حديث العابد رواه الحاكم في مستدركه (4/251) ، وقد أوردته لكم مختصراً، وأوله: [أن رجلا كان في جبل وطلب أن يخرج الله له عيناً يشرب منها (أي حتى لا يختلط بالناس) وأن يخرج له شجرة رمان فأخرج الله له عيناً وشجرة رمان كانت تحمل كل يوم رمانة فيأكل الرمانة ويشرب من الماء ويتعبد في صومعته، وسأل الله أن يميته وهو ساجد فأماته....] .إلخ الحديث – وفيه [فيحاسبه الله على نعمة البصر فلا تفي عبادة خمسمائة سنة] ثم قال جبريل: [يا محمد إنما الأشياء برحمة الله جل وعلا] ، ثم قال الحاكم: وهذا حديث صحيح الإسناد، فإن سليمان بن هَرم العابد من زهاد أهل الشام والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين" وعلق الذهبي على هذا الحديث في تلخيصه للمستدرك: "صحيح!! قلت لا والله، وسليمان غير معتمد، وقال في ميزان الاعتدال – أي الذهبي – في ترجمة سليمان بن هرم: "قلت: لم يصح هذا، والله يقول (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) ، ... ولكن لا يُنجي أحداً عملُه من عذاب الله كما صح، بلى أعمالنا الصالحة هي من فضل الله علينا ومن نعمه لا بحول منا ولا قوة، فله الحمد على الحمد له" إذن كأن الحافظ الذهبي يريد أن يقول الحديث ضعيف لأن فيه هذا المجهول، وأراد أن يؤكد هذا فقال الحديث يعارض نصوصاً، فأراد أن يرده من جهة المعنى، وقبله أراد أن يرده من جهة السند. قلت: أما من ناحية سليمان بن هرم (أي من ناحية السند) فكأن الحافظ ابن حجر في لسان الميزان لم يرتضِ كلام الذهبي، فنقل هنا كلام الحاكم عن سليمان وأقره فقال: "وقد قال الحاكم عقيب رواية الحديث والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين" فكأنه يريد - أي ابن حجر – أن يقول إن سليمان بن هرم ليس بمجهول. وأقول أيضاً: الحديث صحيح الإسناد وما فيه إلا سليمان بن هرم فقد جرى حوله كلام وكأن الحافظ ابن حجر يوافق الحاكم على أن سليمان ليس بمجهول وأما من ناحية المعنى فالمعنى صحيح أيضاً، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته] ، وقد حقق الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح السعادة ومنشور ولايتي العلم والإرادة (1/8) حقق هذا المبحث غاية التحقيق وقال عند حديث [لا يدخل أحد الجنة بعمله] وقوله تعالى (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) : "وصفوة الكلام أن الباء هنا ليست بمعنى الباء هناك" أي الباء في الحديث غير الباء في الآية، فهي في الحديث للمعارضة والمقابلة، وفي الآية الباء للسببية أي جعل الله الأعمال منا سبب لذلك الجزاء بفضله ورحمته، لا أن العمل منا يستحق الجنة، أو أنه يكون عوضاً عنها، نستحقه كما نستحق في هذه الحياة عوضاً عندما ندفع ثمناًً مقابل سلعة، فهذه ليست مبايعة ومعاوضة فنحن لا نعمل والجنة تكون في مقابل العمل، بل نحن نقوم بواجب علينا وحق لله – وهو عبادته – دخلنا الجنة أم لا، فهذا هو الفرق بين الباءين، ثم قال ابن القيم كلاماً ينبغي أن ترددوه وأن تنقشوه في قلوبكم: "كل من ينجو من النار فبفضل الله، وكل من يدخل الجنة فبرحمة الله، وأهل الجنة يقتسمون منازلهم على حسب أعمالهم". إذن عندنا أمران لا دخل للعمل فيهما، النجاة من النار والدخول في الجنة، لكن منازل الجنة هذه بحسب عمل الإنسان. فمن نجا من النار فبفضل الله، ومن دخل الجنة فبرحمته،وكل من ألقي في النار فبعد له يقول الشاعر: ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا يسعى لديه ضائع إن عذبوا فبعد له أو فعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع فالآن هذا العابد هو حاله كحال الصحابة الذين كانوا يستصغرون أعمالهم؟ شتان بين الاثنين، فانظر لهذا العبد المسكين كيف يُدلّ بعمله يقول الله له: ادخل الجنة برحمتي فيقول: بل بعملي!!!. ولذلك قال ابن الجوزي: "وقد روي عن قوم من صلحاء بني إسرائيل ما يدل على قلة الأفهام لما شرحته لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدلّوا بها".

وكذلك أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فإن أحدهم توسل بعمل كان ينبغي أن يستحي من ذكره – وهو أنه عزم على الزنا ثم خاف العقوبة فتركه – فليت شعري بماذا يُدلّ من خاف أن يعاقب على شيء فتركه لخوفه العقوبة (¬1) إنما لو كان مباحاً فتركه كأن فيه ما فيه، ولو فَهِم لشغله خجله من الإدلال، كما قال يوسف: (وما أبرئ نفسي (¬2)) والآخر ترك صبيانه يتضاغنون إلى الفجر ليسقي أبويه وفي هذا البر أذىً للأطفال (¬3) ، لكن الفهم عزيز، وكأنهم لما أحسنوا قال لسان الحال أعطوهم ما طلبوا، فإنهم يطلبون أجرة ما عملوا، ولولا عزة الفهم ما تكبر متكبر على جنسه، ولكان كل كامل خائفاً محتقراً لعمله حذراً من التقصير في شكر ما أنعم عليه، وفهم هذا المشروح ينكّس رأس الكبر ويوجب مساكنة الذل، فتأمله، فإنه أصل عظيم" أ. هـ إي والله إنه أصل عظيم، وما رأيت هذا المعنى إلا في صيد الخاطر، وهو أن هؤلاء توسلوا إلى الله بعمل كان ينبغي أن يستحي بعضهم من ذكره، لكن الفهم عزيز، فقضى الله حاجتهم،وهو أرحم الراحمين. إذن أن يصدر سبب من المتوسل نحو المتوسل به، وهذا هو أحد الفرعين للصورة الثانية. الفرع الثاني: أن يصدر سبب من المتوسل يقتضي حصول طلبك والتوسل في هذه الحالة أيضاً شرعي. ¬

_ (¬1) أي ترك الشيء لخوف منه لا يستحق الرجل عليه أجراً،وهذا كما لو ذهب شخص إلى الأمير وقال له: أنا لن أسلبك، لأنني أخشى أن تقطع رقبتي فأسألك بعدم سلبي لك أن تعطيني ألف درهم. فهل يستحق هذا الألف؟ كلا ... لأنه ترك سلب الأمير خوفاً من العقوبة لا إجلالاً له. (¬2) المعتمد أن (وما أبرئ نفسي من قول) امرأة العزيز. (¬3) أي هو من ناحية بر ومن ناحية أخرى أذىً، وكان بإمكانه أن يسقي الأطفال ثم ينتظر أبويه حتى يستيقظا.

مثاله: أن يتوسل مخلوق إلى مخلوق فيقوم المتوسل به فيدعو يشفع للمتوسل أو: أن يقول شخص: نتوسل إليك يا رب بالعبد الصالح فلان – ولابد من أن يكون موجوداً بينهم ليس بغائب – فيقوم ذاك العبد الصالح ويقول: يا رب اقض حاجتهم وفرج كروبهم والطف بهم وردّ عنهم عدوهم، إذن دعا لنا ونحن طلبنا من الله أن يجيب دعاءه. كذلك: إذا جرى من المتوسَل به سبب نحو المتوسِل إلى المتوسِل إليه وهو الله جل وعلا فدعا لك من توسلت به، وشفع لك. وهنا أنت لم تتوسل بذات المتوسل به، ولا بجاهه ولا بمنزلته بل بسبب صدر وجرى منه من دعاء وشفاعة وطلب ونحو هذا. مثاله من السنة: ثبت في صحيح البخاري (2/495- مع الفتح) عن أنس رضي الله عنه قال: [إن عمر بن الخطاب كان إذا قَحِطوا (¬1) استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فيقول – أي عمر: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا (¬2) عليه الصلاة والسلام فتسقينا وأنا أتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال أنس: فيسقون] . وورد في رواية الإسماعيلي (¬3) عن أنس رضي الله عنه قال: [كانوا إذا قحطوا عهد عهد رسول صلى الله عليه وسلم استسقوا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فيستسقي لهم فيسقون، فلما كانت إمارة عمر رضي الله عنه استسقى عمر بالعباس] رضي الله عنهم أجمعين. وورد في المصنف لعبد الرزاق أن عمر رضي الله عنه قال بعد أن قال ما تقدم في صحيح البخاري: [قال للعباس: يا عباس يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فادع] أي نحن طلبنا من الله أن يقضي حاجتنا بدعائك، فقم ونفذ هذا الطلب وادع لنا ليقضي الله لنا حاجتنا. ¬

_ (¬1) أي أصابهم القحط والجدب. (¬2) أي بدعائه في حياته صلى الله عليه وسلم (¬3) الاسماعيلي عمل مستخرجاً على صحيح البخاري، أي روي أحاديث البخاري نفسها، لكن بأسانيد لنفسه ويسمى مستخرج الاسماعيلي.

وورد في كتاب الزبير بن بكار في تاريخ المدينة المشرفة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عندما قحطوا: [إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى العباس للعباس ما يرى الولد للوالد – أي من المنزلة – فاقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واجعلوه وسيلة لكم بينكم وبين الله] والمراد بالوسيلة هنا الواسطة الذي سيدعوا ونحن نؤمن على دعائه. وثبت في كتاب الزبير بن بكار أن العباس رضي الله عنه دعا فقال: [اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة وقد توجه (¬1) القوم بي إليك لمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب (¬2) ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث] قال: أنس رضي الله عنه: فأرخت السماء مثل الجبال (¬3) حتى أخصبت الأرض وعاش الناس] . وهذا الذي فعله عمل لم يفعله تخرصاً من رأيه ولا اجتهاداً من ذهنه ـ إنما فعله بناءً على أثر ثابت – كما ذكرنا – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه كان يوجه أمته إلى مثل هذا التوسل، وهو أن نتوسل بدعاء فلان. ¬

_ (¬1) أي توسلوا بي إليك. (¬2) أي مغفرة مقرة وتائبة منيبة. (¬3) هذه الكلمة وردت في الفتح (الجبال) وأخشى أن يكون تصفحاً وأن يكون الصواب (مثل الحبال) أي مثل الحبال المدلاة، فالمطر منصب كأنه حبال متصلة وصلت السماء بالأرض، وإن كان (الجبال) فالمعنى أنه نزل مطر كثير غزير يشبه الجبال من كثرة تصببه واندفاعه وأنه صار سيولاً عظيمة والعلم عند الله.

إخوتي الكرام..... بالنسبة للجدب الذي يقع فيه الناس ينبغي أن يتوبوا إلى الله جل وعلا وأن يلجأوا إليه ليغيثهم ويفرج كروبهم، واستسقاء عمر كان في عام الرمادة الذي وقع سنة (18) هـ وفي ذلك العام لم ينزل من السماء قطرة ماء وبقي الحال على ذلك تسع أشهر، وسمي رمادة لأن الأرض صارت كالرماد ينسف نسفاً فليس فيها حشيشة خضراء ونتيجة لذلك كادت المواشي أن تهلك وتموت، ويموت الناس تبعاً لذلك لاسيما في العصر الأول لأن قوتهم من الأرض ومن هذه المواشي التي تتغذى على الأرض فاشتد الأمر على المسلمين ثم قدم عمر رضي الله عنه العباس فاستسقى فسقي الناس. والعباد عندما تكثر منهم المعاصي يبتليهم الله جل وعلا بأنواع المحن، ولما حصلت رجفة في المدينة المنورة قال عمر: "أحدثتم والله، والله لو رجفت ثانية أساكنكم فيها وسأخرج منها" فالقحط يقع عندما يعصي العباد ربهم كما قال العباس [ما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا ترفع إلا بتوبة] وهكذا الزلازل والفيضانات التي تقع هذه الأيام في بلاد الكفر ونسأل الله أن يغرقهم على بكرة أبيهم كما غرّق قوم نوح، إنه على كل شيء قدير، وأن يلهمنا رشدنا وأن يتوب علينا.

ووالله الذي لا إله إلا هو ما يمنع الله عقوبته عن الكفار إلا لفساد فينا، ولو كان فينا صلاح واستقامة لأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فإذا كنا ضعافاً وليس عندنا قوة على مقاومتهم فإن معنا القوي الذي يمكر من حيث لا يعلم العباد، وأسلحتهم التي يجبرون بها ويتكبرون يدمرهم الله بها والله على كل شيء قدير، كما دمر أهل اليمن عندما فعلوا ما فعلوا وعتوا عن أمر ربهم، دمرهم بالسد الذي بنوه كما قال تعالى: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق الله واشكرا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم (¬1) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أُكُلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) . وهكذا تلك البلاد التي تجبرت وتكبرت وأنعم الله عليها فطغت وبطرت ولو وجد عندنا ما يستدعي عقوبتها لعاقبها الله، لكن يوجد عندنا من ينبغي أن يعاقب قبل أولئك، وما تأخرت عقوبتنا أيضاً إلا لما فينا من بقايا الصالحين. ¬

_ (¬1) هو سيل العرم، بنوه، وجعل الله حتفهم فيه.

يذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) في حوادث 718 هـ، وكان قد أدرك ذلك الأمر وهو في سن السابعة عشر تقريباً، فيخبر عن القحط الذي وقع في بلاد المشرق في الجزيرة بلغ عن ذلك القحط أنهم أكلوا الجيف ونبشوا القبور وأكلوا الموتى وأكلوا الكلاب، حتى أن الأم بدأت تأخذ ولدها وتبيعه من أجل أن يستعمله ويعطونها ثمناً خمسين درهماً، وبدأ الناس يذبحون أولادهم أيضاً ليأكلوهم ويذكر أبو شامة في كتابه (الذيل على الروضتين) أنه حدث في سنة 597 هـ ما لا يخطر ببال بشر، كان الناس يدعون الأطباء إلى بيوتهم بحجة العلاج فإذا دخلوا ذبحوهم وأكلوهم حتى أنهم أكلوا القطط والكلاب أيضاً ونبشوا القبور وأكلوا الموتى والجيف، حتى أن الأم كانت تمسك ولدها ليذبحه الوالد وأكلانه، وصلب السلطان كثيراً من الناس الذين فعلوا هذه الفعلة الشنيعة. وهذه النعم التي الآن نأشر بها ونبطر، والله الذي لا إله إلا هو أتوقع زوالها أكثر من توقعي لمجيء الغد، وقدر الله إذا حلَّ ونزل ينزل كلمح البصر وليس له نذر تتقدمه (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس) ولا يوجد عصر تنطبق عليه هذه الآية كعصرنا، فنسأل الله لطفه ومعونته وستره إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. س: ما الفرق بين البلاء والابتلاء؟ جـ: إذا نزل البلاء بالإنسان واعتبر به وحسَّن حاله فهذا مكفر له، وإذا نزل البلاء بالإنسان ولم يكن هناك اعتبار منه ولا انزجار فهذه نقمة له.

مثال آخر له: - كتوسل عمر بالعباس – ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمزي وابن ماجة، ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن عثمان بن حُنَيْف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوتُ لك، وإن شئت صبرت فهو خير لك، فقال: بل ادع (¬1) ¬

_ (¬1) أي أريد أن يعود إلي بصري، وهذا لا حرج فيه لكن لو صبر لكان أفضل، وهذا ونظائره من الأدلة – كما قال أئمتنا – يؤخذ منه أن الصبر على المرض خير من التداوي، وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء [ألا أريك امرأة من أهل الجنة، فقال بلى، فقال: هذه المرأة السوداء جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله إني أصرع وأتكشف، فادع الله لي أن لا أصرع فقال: إن شئتِ دعوت لك، وإن شئتِ صبرت ولك الجنة – فكان جوابها خير من الأعمى – قالت: بل أصبر يا رسول الله، لكن ادع الله لي ألا أتكشف، أي عندما أصرع وأقع أخشى أن يبدو مني شيئ أكرهه – فدعى الله لها أن لا تتكشف] ففي هذا الحديث دليل على أن الصبر على المرض عزيمة والتداوي رخصة، وهذا هو المقرر عند أهل السنة والجماعة ومن صبر على المرض حتى مات دخل الجنة، ومن صبر على الجوع مع قدرته على الأكل حتى مات دخل النار، انتبه لأن ذلك سبب يفضي إلى المسبَّب حتماً حسب ما ربط الله الأسباب بالمسببات، وأما هذا فكما تقدم معنا إما ظن وإما وهم فليس هو سبب لحصول الشفاء قطعاً وجزماً فقد تأخذ العلاج ويزداد مرضك وذكرت لكم حوادث في ذلك، وكم من إنسان أجريت له عملية ومات فالتداوي رخصة والصبر عزيمة، وهذا الأمر لو رعيناه لما أكثرنا من فتح المستشفيات، لكن لم تظهر الفاحشة في قوم إلا فشى فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، فهذا عقوبة من رب العالمين لعباده عندما ينحرفون عن شرعه (مخدرات – عهر – فجور – لواط- ... ) .وهذا سينتج عنه أمراض خبيثة كثيرة كالهِرْبز والإيدز الذين انتشرا في بلاد الغرب ولا يعرف لهما علاج فهو موت بطيء للمصاب بهما، وحقيقة كثير من الأمراض نسمع بها لم يكن أسلافنا يعلمون بها.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ فأحسن الوضوء ثم صلِّ ركعتين وقل (¬1) اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي اللهم فشفعه فيّ (¬2) ] زاد الحاكم: [وشفعني فيه] ، فما برح الأعرابي من مكانه حتى رد الله عليه بصره. فهنا الأعرابي توجه لله سبحانه وتعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بذاته فانتبهوا!! رحمة الله على الإمام النووي يذكر عند شرحه للحديث المتفق عليه [الكمأة من المن (¬3) ¬

_ (¬1) أي قل الدعاء فهو الآن يتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. (¬2) أي اقبل دعاءه عندما يدعو لي بأن يرد الله بصري ومعنى (وشفعني فيه) أي اقبل يا ربي دعاء نبيك صلى الله عليه وسلم في أن ترد علي بصري، أي قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنا سأدعو لك، وأنت اطلب من الله أن يقبل دعائي، ليحصل الطلب من جهتين وليعظم الانكسار لله عز وجل ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ، لكن من أجل أن يرغب هذا السائل بالخير فقال له توسل إلى الله بي، أي بدعائي، وسل الله أن يجيب دعائي، وليعلم هذا السائل أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يدعو فهو بشر، وليس هو كحال الرب جل وعلا يرد البصر من نفسه، وأيضاً حتى لا يحصل في هذا النبي صلى الله عليه وسلم غلو كما حصل في عيسى عليه السلام، إذن أنا أشفع لك بأن يرد الله بصرك وأن ِ اشفع لي في أن يُقبل دعائي لك برد بصرك. (¬3) أي حالها كحال المن الذي مَنَّ الله به على بني إسرائيل، فهي لا يزرعها العباد إنما تتصدع الأرض في أيام الشتاء وتخرج منه الكمأة كالبطاطس، فتخرج بلا زراعة ولا كلفة وبلا بذور. وجاء في الفتح: الكمأة نبات لا ورق له ولا ساق يوجد في الأرض من غير أن يزرع، يخرج إلى سطح الأرض ببرد الشتاء وينميه مطر الربيع فيتولد ويندفع متجسداً ولذلك كان بعض العرب يسميه جدري الأرض.

وماؤها شفاء العين] في شرح صحيح مسلم أن بعض شيوخه في بلاد الشام عَمِيّ، فتداوى بالكمأة تبركاً بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلاج الذي فيها للعين، فأخذها وغلاها في الماء وبدأ يقطر هذا الماء في عينيه فما مضت عليه إلا أيام يسيرة حتى عاد إليه بصره بإذن الله. والتداوي بالقرآن وهكذا التداوي بعد ذلك بالأدوية النبوية التي أخبرنا بها خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، هذه حجبنا عنها بما عندنا من الأدوية المركبة، وقد كان يكفينا العلاج القرآني والنبوي، ومن ينظر في المجلد الرابع من كتاب زاد المعاد يجده كله من أوله لآخره يتكلم عن الطب والعلاج، ويذكر أحاديث نبوية وأذكاراً تقال عند بعض الأمراض كالأرق، واللدغ، ونحوهما ... وهذا الذي حصل للضرير الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يعتبر خارقاً للعادة ويسمى معجزة لأنه جرى على يدي نبي. س: هل لما طلب الأعرابي العلاج بعد التخيير لن يدخل الجنة؟ جـ: قطعاً سيدخل وليس عندنا شك في ذلك، فهو لما قال له إن شئت صبرت فهو خير لك أي لك الجنة ليس المراد من هذا أنه إن صبر له الجنة بل المراد شيئاً أعلى من البشارة بالجنة فهو إن صبر له الجنة مع رفعة المكانة، وإن لم تصبر فليس لك هذه الرفعة للمكانة إنما لك الجنة مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم – في البخاري – [إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه – أي عينيه – فصبر، عوضته منهما الجنة] ثم إنه صحابي مؤمن، والمؤمنون في الجنة فكل من بُشر بالجنة هو ليس له بشارة بالدخول فقط، بل له بشارة بالدخول مع شيء آخر مع ذهاب الخوف والفزع يوم الفزع الأكبر مع منزلة خاصة ...

وسأضرب لذلك مثلاً: لو أن إنساناً عمل حفلة ودعى الناس إلى هذه الحفلة دعوة عامة بحيث أن كل من جاء سيدخل، لكنه وجه بطاقات دعوة خاصة لأشخاص مقربين،فإذا جاء الناس إلى الحفلة كلهم سيدخلون لكن من عنده بطاقة دعوة ستأخذه إلى غرفة خاصة، فهم الآن لهم شأن، ولله المثل الأعلى. فهذا إذا بُشر ونحن إذا أكرمنا الله ودخلنا الجنة فيكون كلنا قد دخلها، هو ونحن لكن هو له اعتبار خاص ومزية خاصة إن كان قد صبر، وإن لم يصبر فله أيضاً مزية وهي بسبب الصبر على هذه البلية، هذا هو المعنى وليس المعنى أنه إن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فلن يدخل الجنة، ونحن نجزم أن الصحابة كلهم من أهل الجنة لكن دون تحديد لأعيانهم إلا من ورد فيه النص، كما أننا نجزم بأن جنس المؤمنين كلهم من أهل الجنة لكن دون تحديد لأعيانهم لأننا لا ندري بأي شيء سيختم لهم، لكن لو علمنا أن هذا خُتم له على الإيمان فهو من أهل الجنة قطعاً وجزماً، وسيدخلها إن عاجلاً مع الباقين، أو آجلاً بعد أن يعذب ويطهر، لا، الله أعطانا عهداً بأن من ختم له على الإيمان سيدخله غرف الجنان. إخوتي الكرام.... هذا الحديث – حديث عثمان بن حنيف – قال عنه الإمام الشوكاني في كتابه (تحفة الذاكرين) صـ37 وصـ138 صلاة الحاجة: "في هذا الحديث دليل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع اعتقاد أن الفاعل هو الله،وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن".

وهذا الكلام الذي قاله الشوكاني لا يزيل الإشكال الذي زيد إزالته، فنقول: إن هذا التوسل ليس بذات النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ينبغي أن يقول: "إن هذا التوسل بدعائه ... " ولذلك عَلّقوا على كلام الإمام الشوكاني، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، في كتابه النفيس (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) واحرصوا على هذا الكتاب فهو أحسن ما كتب في التوسل، قال في صـ65: "وهذا التوسل – أي توسل الأعمى بالنبي عليه الصلاة والسلام هو من النوع الثاني" أي من التوسل بدعاء المتوسَل به، فهو كنظير توسل عمر بالعباس رضي الله عنهم أجمعين. إخوتي الكرام.... إذن لابد من سبب إما من المتوسِل نحو المتوسَل به وإما من المتوسَل به. الرسم التخطيطي بعد أن انتهينا من هذه المسألة المهمة عندنا سؤال، وهو يرد على كثير من الأذهان فلابد من الجواب عليه. سؤال: لو قال قائل: أسألك يا رب بجاه / بمنزلة / بشرف / بنبوة / بمكانة / نبيك صلى الله عليه وسلم أن تقضي حاجتي وكذلك لو قال أسألك يا رب بجاه / بمنزلة / بشرف / بنبوة / بمكانة / أبي بكر رضي الله عنه أن تقضي حاجتي وكذلك لو قال في حق غيرهما أيضاً، وهذا النوع فاشٍ في هذه الأيام، فهل يجوز التوسل بهذه الكيفية أم لا؟ والجواب: أنه لا يجوز مثل هذا النوع من التوسل ويمكن تقرير هذا الجواب بخمسة أجوبه: الجواب الأول: أننا نعلم يقيناً أنه لا حق للمخلوق على الخالق فمن توسل بحق مخلوق على الخالق، فقد خالف الأمر الشرعي.

فإن قيل: ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام حديث يشير إلى أن للمخلوق حقاً على الخالق، والحديث في المسند والصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: [كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار اسمه عُفير، وليس بيني وبينه إلا مثل مؤخرة الرحل (¬1) فقال لي: يا معاذ قلت: لبيك رسول الله وسعديك (¬2) ، فسار النبي صلى الله عليه وسلم ساعة (¬3) ، ثم قال ثانية: يا معاذ، قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة، فقال في الثالثة: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، فقال: أتدري ما حق الله على عباده؟ ، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سار النبي عليه الصلاة والسلام ساعة فقال في الرابعة: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك] انتبه!! [قال أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه (¬4) ، ¬

_ (¬1) مؤخرة الرحل: هي الخشبة التي توضع على ظهر البعير لأجل أن يتمسك بها أو يستند إليها الراكب عندما يركب والمراد لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا حاجز يشير بمقدار شبر وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه يركب على الحمار ويردف أصحابه خلفه. (¬2) (لبيك) ألبَّ بالمكان إذا قام به وعكف عليه ولزمه، والمراد أنا مقيم على طاعتك مواظب على سماع أوامرك (سعديك) إسعاداً لك بعد إسعاد وهو من باب الدعاء، أي أنا مقيم على طاعتك وأدعو لك بالسعادة فمرني بما شئت وهذا من أدبه رضي الله عنه. (¬3) أي فترة من الوقت، وليست بالساعة الزمنية. (¬4) أي إذا عبدوا الله ولم يشركوا به شيئاً، وقد قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، وكان كل رسول يقول لقومه (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ..

قلت الله ورسوله أعلم، قال: حقهم على الله ألا يعذبهم، قلت: يا رسول الله، أفلا أُبشّر الناس، قال: لا تبشرهم فيتكلوا] أي خشية أن يصبح عندهم شيء من الغرور والأماني وترك العمل ويقولوا ما دمنا موحدين فلن يعذبنا الله، فيفتر عزمهم في الطاعات – وهذا حال البشر – فلا يتهجدون ولا يتنفلون ولا يكثرون من الصدقة ولا من الذكر ولا من الدعاء ولا يتنافسون في أمور الخير (¬1) . إخوتي الكرام ... الشاهد أنه أوجب لهم حقاً في هذا الحديث ونقول: لا إشكال في هذا الحديث، لأن هذا الحق هو محض فضل من الله ومحض كرم منه والعبد لا يستحق هذا على ربه لأنه مخلوق له وتوفيقه بالطاعة هو من فضل الله، فكيف إذن يستحق على الله شيئاً؟!! وقد تقدم معنا أنه لن ينجو أحد النار إلا بفضل الله، ولن يدخل الجنة إلا برحمته: فإن يثيبنا فبمحض الفضل ... وإن يعذبنا فبمحض العدل ¬

_ (¬1) إخوتي الكرام كثير من الناس يحملون أخبار الوعد على غير محلها مع أن أخبار الوعد ينبغي أن تدعوك لزيادة العمل لا للفتور عن العمل، ولذلك كل رجاء لا يبعث على عمل فهذا غرور وأماني لا صحة له، فمثلاً: أنت إذا كنت تريد أن تتزوج زوجة فتطلبها أم تهرب منها وتبتعد؟ بل تطلبها وتكدح وتعمل وتقدم الهدية بعد الهدية لأنك راج ٍ، ومن علامة الرجاء الطلب لا الهرب، ولذلك كان سلفنا يقولون: "عجبنا من الجنة نام طالبها، وعجبنا من النار نام هاربها" إذن في حال الرجاء طلب وفي حالة الخوف هرب، وقد وقع في هذا كثير من طلبة العلم فهو لما سمع (أن النظرة إلى المرأة صغيرة) قال ما دامت صغيرة فلا مانع من أن أنظر وسمع قيام الليل سنة والسنة لا يعاقب تاركها، إذن لا داعي أن أقوم الليل، وصلاة الفجر مستحبة قال: إذن لا عليّ شيئاً في تركها، فهل هذا طالب علم شرعي؟!! العلم هو ما يكسبك خشية الله، وإذا لم يُكسبك خشية وبال عليك.

إذن فحق العباد هنا هو تفضل الله به عليهم، وقد ثبت في سنن أبي داود وابن ماجه وصحيح بن حبان ومسند الإمام أحمد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي قال: [لو عذب الله أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم] وهذا محض عدل [ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم] أي: خيراً من أعمالهم. إذن فأنت عندما تقول: أسألك بحق نبيك، فهل للمخلوق حق على الخالق؟ لا، وقد تقدم معنا أنه "لو عذب الله وحاسب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وعيسى بن مريم بما جنت السبابة والإبهام لعذبهما ثم لم يظلمهما" ولو عذب الله جبريل فمن دونه من المخلوقات في العالم الأعلى والأسفل لعذبهم وهو غير ظالم لهم،ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم. تنبيه: إن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى معاذاً عن البشارة وقد بلغنا، وقد ورد في آخر الحديث، فأخبر معاذ بها – أي بهذه البشارة – عند موته تأثماً أي خشية الإثم، فكيف ينهى عن التبشير ثم يبلغ ويبشر بهذا الحديث؟ أجاب العلماء عن ذلك بأربعة أجوبة: أولها: وهو اختيار الحافظ ابن حجر، وهو: أن معاذاً فهم من المنع كراهة التنزيه (خلاف الأولى) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه مرشداً له إلى الأكمل، لا أن عليه إثماً إذا أخبر بذلك، فتعارض هذا مع الأحاديث الآمرة بالبيان وعدم الكتمان لحديث [من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار] فأخبر بذلك دفاعاً للوقوع في المحرم وهو الكتمان وإن وقع في خلاف الأولي وهو التبشير.

ثانيها: وهو اختيار القاضي عياض وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد من نهي معاذ عن البشارة النهي لا التحريم ولا التنزيه، إنما أراد أن يكسر عزمه، لئلا يذهب معاذ إلى الأسواق والمجامع وينادي حقكم على الله ألا يعذبكم إذا عبدتموه وبالتالي يحصل سوء فهم لهذه البشارة على حقيقته فكسر عزمه وقال لا تخبرهم أي الآن في هذا الوقت وأنت مندفع ومتحمس، لكن أخبرهم بعد أن تتروى ويخف الأمر على نفسك. وهذا الجواب لعله أوجه الأجوبة. ثالثها: وقد ذكره القاضي عياض ذكراً فقط، وهو: أن معاذاً فهم المنع والتحريم من النهي، ثم تبين له النسخ بعد ذلك بالأحاديث التي فيها حض على نشر العلم وتحريم كتمانه، فبلغ الحديث. وهو وجه ضعيف، لأنه لو كان الأمر كذلك لما أخر معاذ هذا إلى وقت وفاته. رابعها: وقد ذكره الإمام ابن الصلاح: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى معاذاً عن البشارة العامة ورخص له بالبشارة الخاصة، وهذا هو الذي فعله معاذ، فإنه لم يخبر الناس في مجامعهم، لكنه أخبرهم عندما احتضر، والعادة أنه لا يحضر مجلس المحتضر إلا خواصه وأصحابه ليسلوه ويثبتوه ويدعوا له فأخبرهم عند موته. أظهر الأجوبة والعلم عند الله الجواب الثاني، وأما الجواب الثالث ففيه بعد، والجوابان الأول والرابع مقبولان والعلم عند الله. الجواب الثاني:

إذا قيل: ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام السؤال بحق السائلين وهذا توسل بحق مخلوق، ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد ومسند بن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري والحديث رواه الإمام ابن السني في كتابه (عمل اليوم والليلة) من حديث بلال وأبي سعيد الخدري، ورواه أيضاً أبو نُعيم في كتاب الصلاة، وابن خزيمة في كتاب التوحيد، ولفظ الحديث. عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني من النار وأن تدخلني الجنة وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قال ذلك: أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك] فهنا ورد [بحق السائلين] فكيف هذا؟ والجواب: أن السؤال بحق السائلين هو توسل إلى رب العالمين بما جعل الله سبباً لإجابة دعاء المخلوقين وذلك السبب هو: دعاء الله وعبادته، وكأن القائل للدعاء المتقدم يقول: يا رب إنك وعدت السائلين الإجابة وقطعت وعداً على نفسك بذلك لما قلت (ادعوني أستجب لكم) فأسألك بذلك الوعد الذي قطعته على نفسك وأسألك بحق السائلين هذا أن تجيرني من النار وأن تدخلني الجنة وأن تغفر لي ذنوبي (¬1) وهذا توسل بمعنىً مقبول فإن هناك ارتباطاً وملازمة بين المتوسَل به وبين المتوسِل. ¬

_ (¬1) هذا كما لو أن رجلاً مثلاً نشر في جريدة بياناً أن من يأتي إلي بيته في يوم كذا سيعطيه مائة درهم فذهبت ولم يعطك إعانة فتقول له أسألك بشرطك الذي نشرته بعرضك الذي وعدته أن تعطيني مائة درهم.

وليس من هذا النوع سؤال المخلوق الخالق بحق مخلوق أو بصلاحه أو بجاهه أو بمنزلته، لأن كون المخلوق له منزلة وله جاه وله قدر وله شرف وله رتبة ليس ذلك بمعنىً موجب لإجابة الدعاء، فأي مناسبة بين صلاح إنسان ما وبين توسلك إلى الله بصلاحه في إجابة دعائك؟!! وأي مناسبة بين نبوة وجاه ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم وبين دعائك. ثم إن السؤال بالجاه والمنزلة يستوي فيه الكافر والمؤمن فلو قال الكافر يا رب أسألك بجاه بينك أن تقضي حاجتي، ولو قال المؤمن يا رب أسألك بنبيك صلى الله عليه وسلم – أن تقضي حاجتي لاستوى الأمر، فهذا الكلام لو قاله الكافر لما أمر به ولو صار مؤمناً بقوله هذا، ولو قاله المؤمن لما دل على أنه متبع، بل لابد من سبب منك نحو المتوسّل به، أو منه، أو نفس الجاه والمنزلة فليس بعله في إجابة الدعاء ولا يوجب قضاء الجوائج، ولا يلزم من حصول ذلك الجاه، قضاء حاجتك إلا إذا آمنت به، فقل: اللهم إني أسألك بإيماني بمنزلة نبيك صلى الله عليه وسلم أن تقضي حاجتي، ولا حرج في ذلك، ثم إن التوسل هنا بحق السائلين إنما توسل بأمر قد وعد الله به عباده فآل الأمر إلى توسل بسبب من المتوسِّل، لأن الله قطع على نفسه عهداً أن يجيب السائل، فنحن كأننا نقول: نسألك يا رب بذلك الحق الذي آمنا به وصدقنا أن تجيب دعاءنا والدليل على إيماننا هذا الدعاء منا. تنبيه: حديث أبي سعد وبلال هذا ضعيف على انفراده، قال أئمتنا: هو مسلسل بالضعفاء. وقد حكم عليه بالضعف الإمام النووي في الأذكار والإمام المنذري في الترغيب والترهيب، لكن الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله حسنه في تخريج أحاديث الأذكار لكثرة طرقه وشواهده. وعليه فهو ضعيف على انفراده، لكن له شواهد ترفعه لدرجة الحسن، فلا مانع من الدعاء به إذا خرج الإنسان إلى المسجد. الجواب الثالث:

قررنا في الجواب السابق أن هذا التوسل يؤول في النهاية إلى أنه توسل إلى الله بفعلنا، ويمكن أن يقال هنا في هذا الجواب، أن هذا من باب التوسل إلى الله بأفعاله أيضاً، فالله جل وعلا عندما وعد السائلين العطاء والداعين الإجابة فهذا فعل من أفعاله، ويجوز أن نتوسل إلى الله جل وعلا بأفعاله وصفاته كما يجوز بذاته، فكأننا نقول: يا رب كما أنك تعطي السائلين وتجيب الداعين نتوسل إليك بهذا الفعل الذي يجري منك والذي تكرمت به علينا وأن تقضي حوائجنا وأن تعطينا طلبنا (دخول الجنة، والإجارة من النار، ومغفرة الذنوب) . وكل من الجوابين أفادهما الإمام ابن تيمية في كتابه الجليل (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) من صـ52 إلى صـ65، وأعاده في صـ145 إلى صـ147. الجواب الرابع: في جواب أنه لا يجوز أن نقول بحق فلان ... أنه لو كان التوسل بالجاه مشروعاً لاستوى الأمر في ذلك كون المتوسَّل به حياً أو ميتاً وإذا كان الأمر كذلك فجاه نبينا عليه الصلاة والسلام أعلى جاه وأرفعه وأتمه، فلو كان التوسل بجاهه جائزاً لما عَدَل عمر عن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى العباس، لان جاه نبينا عليه الصلاة والسلام جاه رفيع عالٍ لا يختلف سواء كلن حياً أو ميتاً. ولم ينقل عن صحابي أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، بل غاية ما قاله عمر كما تقدم في صحيح البخاري [إنا كنا نتوسل إليك بنبينا عليه الصلاة والسلام فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا عليه الصلاة والسلام فاسقنا] . فإذن عدول الصحابة عن التوسل بجاه نبينا عليه الصلاة والسلام بعد موته دل على أنه لا يجوز التوسل بجاهه في حياته لأن الجاه لا يختلف حياً أو ميتاً، نعم كانوا يتوسلون به لكن بدعائه واستشفاعه لا بجاهه،ولو كانوا يتوسلون بجاهه في حياته لتوسلوا بجاهه بعد مماته. الجواب الخامس: وهو آخر الأجوبة:

نقول: أمور الاعتقاد ينبغي فيها غاية الاحتياط ولو سلمنا جدلاً وتنزلاً – بعد أن قررنا في الأجوبة الأربعة الماضية أنه لا يجوز – لو سلمنا أن هذا النوع من التوسل اختلف في جوازه مع أن المذاهب الأربعة يقولون: "ولا يُسأل الله إلا به (¬1) فلا تقل: أسألك بملائكتك أو أنبيائك أو رسلك" وهذا نص متن الحنفية في كتاب (الاختيار) وهذا على سبيل المثال لو سلمنا أن فيه خلافاً فتركه متعين عند المهتدي خشية أن يكون فيه ضلال وهو لا يدري فليترك الصيغة المختلف فيها فليقل صيغة لا اختلاف فيها. إخوتي الكرام.... انتبهوا!! نظير هذه المسألة مسألة شد الرحل لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم هل يجوز أم لا؟ فالإمام ابن تيمية قال: لا يجوز شد الرحل لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد] ، فجاء الإمام السُبكِي ورد عليه بعد ذلك بكتاب سماه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) ، ثم ألف الإمام الحافظ ابن عبد الهادي بعد ذلك كتاباً رد فيه على السبكي سماه (الصارم المُنْكِي في الرد على السُبْكِي) . ¬

_ (¬1) أي لا يسأل الله إلا بالله، أو بسبب مشروع كطلب الدعاء من إنسان أو عمل صالح منك تتوسل به إلى الله، إذن فتتوسل إلى الله بالله، وتتوسل إلى الله بدعاء إنسان وتتوسل إلى الله بعمل صالح، والأول أعلى أنواع التوسل أن تتوسل إلى الله بالله يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث [في رواية: بك أستغيث] فأصلح لي شأنيَ كُلَّه ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.

إخوتي الكرام ... والله ما أدري أن الأمر يستدعي هذا الخلاف الطويل الشديد، ولا أرى هذا مشروعاً، فالمسألة تحل بسهولة، قال لي بعض الإخوة مرة، وأنت ما رأيك في المسألة فقلت: والله إن المسألة أقل من أن نبذل جهداً في حلها، ثم قلت له: هل تجوز زيارة مسجد النبي عليه الصلاة والسلام أم لا؟ قال: بالإجماع تجوز، قلت: وإذا دخلنا المسجد فهل يجوز أن نسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وأن نبكي في الروضة المشرفة شوقاً إليه وحزناً على عدم رؤيته أم لا؟ قال: يجوز، قلت: إذن لا خلاف في المسألة، فلماذا بدلاً من أن أقول شددت الرحل إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أقول شددت الرحل لزيارة المسجد ثم بعد دخول المسجد أزور النبي عليه الصلاة والسلام، فلماذا لا ينوي من يريد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم نية مجمعاً على جوازها ولا يقول لأى أحد إنك قد ابتدعت، لأنه نحن في الأصل لا خلاف بيننا في النهاية أنا وأنت سنزور النبي صلى الله عليه وسلم، لكن اختلافنا في القصد هل نشد الرحل للزيارة المجردة أو للمسجد قلت: ما أحد يشد الرحل للزيارة المجردة، فهل يعقل أن يذهب أحد إليه ولا يصلي فيه مع أن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة؟!! وهل يعقل أن يذهب أحد للروضة ولا يصلي فيها؟!! هذا مستحيل. إذن فالذي يذهب إلى المدينة المنورة فلينو الذهاب إلى المسجد ثم يقول بعد ذلك: سأزور النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حرج في ذلك إن شاء الله. بعض المتوسلين ممن كان يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قال لي – وهو يعلم أنني لا أجيز هذا – وكأنه يريد أن يتحداني -: يا شيخ هؤلاء الوهابية يقولون لا يجوز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن للنبي جاه فمن له جاه؟!

إخوتي الكرام ... لو أردت أن أقابل عنفه بعنف فلن نصل إلى حل، فقلت له: يا عبد الله لا أريد الآن لا وهابية ولا صوفية، هذه الشريعة إسلامية ونحن نعبد الله بها، وأقل ما في هذه الصورة التي تقولها أن فيها خلافاً وعندنا صيغة أخرى تؤدي مدلولها وفيها زيادة عليها ولا خلاف في جوازها، قل: أسألك بحبي لنبيك عليه الصلاة والسلام أن تقضي حاجتي وأرح نفسك وخلص الأمة من الخلافات والمشاكل وهل صار الدين نكاية ببعضنا، فلكوني لا أجيز هذا أنت ستتحداني، بل تعال يا عبد الله لنقل كلمة مجمع عليها، أنا أقول لك جزاك الله خيراً، وأنت تقول لي جزاك الله خيراً، وأنت مهتد وأنا مهتدي إن شاء الله تعالى. إخوتي الكرام.... بالنسبة لتوحيد كلمة الأمة والتأليف بين القلوب هذا مطلوب لاسيما إن لم يكن في ذلك ترك لركن أو شعيرة، ولم يكن فيه احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم، أما لو كان فيه ذلك وكان فيه احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم فإننا لا نوافق أهل الأرض على كلامهم بحجة التأليف وتوحيد الكلمة فلا مجاملة في دين الله، والأمر الذي عندنا ليس كذلك فليس في توحيد الكلمة فيه ترك لركن أو شعيرة بل وهو مما ليس فيه أيضاً احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك يجب على المهتدي أن يقول صيغة في توسله لا خلاف فيها حتى، لا يُعترض عليه لاسيما أننا في أمر اعتقاد، وليس في أحكام عملية فرعية حتى يُقال دعوا الأمة في سعة، وقد تقدم معنا إخوتي الكرام ما يشير إلى هذا عند كلام الإمام أحمد في

أنه يجوز القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم وذكرت لكم هذا، وأننا إذا أقسمنا بالله فهو قسم جائز بالإجماع، وإذا أقسمنا بالنبي عليه الصلاة والسلام فهو مما فيه خلاف، فلنترك ما فيه خلاف إلى ما لا فيه خلاف، وهنا كذلك، التوسل بحب النبي صلى الله عليه وسلم أو بنحوه من التوسل الجائز أفضل من التوسل بالجاه لأنه مما أُجمع على جوازه، ثم إن فيها معنىً أعلى من التوسل بالجاه أيضاً، بالإضافة إلى ما فيها من توحيد القلوب وتآلفها، ودين الله ليس نكاية ببعضنا البعض، فنحن كلنا نتبع نبياً واحداً عليه الصلاة والسلام ونعبد إلهاً واحداً، فأنا إذا رأيت فعلك شرعياً، وعندي بعد ذلك رأي يمكن أن يخالف فعلك، فأقول: أفعل الفعل الشرعي الذي تفعله كي أوافق أخي وأترك رأيي وإن كان شرعي خير وأحسن من فعل يفعله واحد وهو شرعي. ... إخوتي الكرام ... الاحتياط في أمور الاعتقاد مطلوب، وإذا رأيتم من يفعل هذا النوع من التوسل – وما أكثرهم – فعظوه برفق ولطف، وقل له: أدري أنك لا تقصد بدعة ولا ضلالاً ولا انحرافاً بدعائك هذا، بل أنت لا تقصد إلا خيراً، لكني سأرشدك إلى صيغة أحسن من هذه وأكمل وتدل على تعلقك بنبيك عليه الصلاة والسلام – وأنت إذا قلت هذا فسيفرح حتماً ويقول لك: وما هي التي أعلى منها؟ فقل له قل: أسألك بحبي للنبي عليه الصلاة والسلام، فبالرفق ادعوه وأما إذا رأيته يتوسل بالجاه وقلت له: هذه بدعة، فإنه سيسبك أنت وأبويك والذي علمك ومن هم على طريقتك من أهل الأرض لأنه يفسّر هذا القول منك بأنه احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم وامتهان له مع أن الأمر ليس كذلك، واللهِ إن الذي يقول لا يوجد جاه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وإذ لم يكن للنبي جاه فمن الذي له جاه؟!! وهو الذي يقول عن نفسه: [أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر] فهل بعد هذه السيادة من سيادة؟!!!. واختموا الكلام عن هذا السؤال وأجوبته بقول أئمتنا، وهو:

إن السؤال بجاه مخلوق هذا من باب الاعتداء في الدعاء، وهو حرام، وقد نهانا نبينا عليه الصلاة والسلام عن الاعتداء في الدعاء. ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه – والحديث صحيح – عن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه [أنه سمع ابناً له يدعو فيقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة، فقال: يا بني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الدعاء وفي الطُّهور، فإذا دعوت فسَل الله الجنة واستعذ به من النار] . هذا التحكم وهذا التحديد وهذا الشطط من باب الاعتداء في الدعاء، بل الواجب أن تسأل الله الجنة، وأن تستعذ به من النار، ولا تحدد وتتحكم. والاعتداء في الطهور هذا موجود وهو الإسراف في الوضوء والغسل، فتراه يتوضأ ببرميل واثنين وأكثر ويرى أنه لم يتطهر ولم يغتسل ولم يسبغ الوضوء، حتى أن البعض ينغمس في البركة خمس مرات ثم يخرج ويقول الماء لم يبلغ جسمي!!!. وقد رأيت أمثال هؤلاء الموسوسين في حلب لما يأتي للصنبور (الحنفية) يضربها برجله خشية أن يكون مسها إنسان ونجسها ثم يجلس يتوضأ من بداية الآذان وتنتهي الصلاة وما زال يتوضأ وكلما قام رجع وقال لم أسبغ الوضوء بعد!!!. وجاء رجل إلى الإمام ابن عقيل الحنبلي فقال له أغتسل في البركة ويوسوس لي الشيطان بأنني لم أبلّغ أعضائي ولم يسقط غسل الجنابة عني، فماذا أعمل؟ فقال له الإمام: تسمع مني؟ قال: نعم، قال: اترك الصلاة، قال: وكيف أتركها؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث ذكر منهم: وعن المجنون حتى يعقل، ولا يفعل هذا إلا مجنون. الحاصل أن الإسراف في الماء من الاعتداء في الطهور، والطهور إنما شُرع لأجل أن يزيل الخطايا والذنوب لا ليطهّر الأعضاء الحسية، فلا داعي للإسراف وإياكم أن تعتدوا!!!. وكذلك الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم هذا من باب الاعتداء في الدعاء، فإياكم أن تعتدوا!!!.

تنبيه ثانٍ: روي الحاكم في المستدرك (2/615) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لما اقترف آدم الخطئية (¬1) ، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي (¬2) ، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه (¬3) ، قال: يا رب إنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله، صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إليّ ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك] ، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. فقد يقول قائل: هذا حديث في المستدرك على الصحيحين وقد صححه الحاكم مع أن فيه: أن آدم توسل بحق محمد – عليه الصلاة والسلام – فكيف تقولون: إنه لا يجوز أن نسأل الخالق بحق مخلوق؟ والجواب: إن الإمام الذهبي علق على كلام الحاكم في تلخيص المستدرك وهو مطبوع مع المستدرك في حاشيته: "صحيح الإسناد!! قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ" إذن هذا حديث موضوع مكذوب فلا حجة فيه. والسبب في أن الحاكم أخطأ في كثير من الأحاديث وصححها وهي ضعيفة بل موضوعة، أن كتابه المستدرك هذا كتبه تلامذته وكان هو يمليهم من صدره، فلما كتبه التلاميذ بقى في حيز المسوّدات ولم يبيضه الحاكم وكان ينوي أن يعيد النظر فيه، ويراجعه، فتوفي قبل ذلك رحمه الله. ¬

_ (¬1) أي أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها. (¬2) أي أسألك بحق محمد أن تغفر لي. (¬3) أي ما الذي أدراك به وأنت أول البشر، ولم يحصل لك للآن نسل أو أولاد، فكيف عرفت به وهو آخر رسل الله على الإطلاق.

والإنسان أحياناً عندما يحدث من حفظه قد يشتبه عليه بعض الرواة فيكون الراوي ضعيفاً أو كذاباً ولا ينتبه له عندما يحدث من حفظه، لكن عندما يجلس ليؤلف ويصنف فهناك يتحقق، ودائماً الحديث الشفوي النظري ليس له من التحري والتأكد كما يكون في حال الكتابة والتوثيق، فهذا مثلاً في هذا الحديث عند الرحمن بن زيد بن أسلم واهٍ لكن خفي هذا الكلام على الحاكم، لأنه في مجلس إملاء – كما قلت – ومجالس (¬1) الإملاء كانت في سلفنا وانقضت بانقضاء السلف الصالح وما خلفهم أحد يسد مسدهم والعجب لموقف الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية نحو هذا الحديث، ففي كتاب الاستغاثة الذي سماه في الرد على البكري، يقول في صـ5: هذا الحديث لا يوجد في شيء من دواوين الإسلام فلم يخرجه أحد من أصحاب الصحيحين ولا المسانيد ولا السنن ولا الحاكم في المستدرك ولا غيرهم. ¬

_ (¬1) مجالس الإملاء: كان الشيخ يجلس فيها ويملي من صدره لا من كتابه، فأحياناً يملي في المجلس الواحد ألف حديث أو خمسمائة حديث أو مائة حديث بأسانيدها ومتونها من صدره، وهذا كان يتميز به سلفنا عمن بعدهم؟ فالعلم في صدورهم لا في كتبهم، وكما قيل: العلم ما حواه الصدر لا ما حواه القِمَطْرُ. وحقيقة مجالس الإملاء تدل على نبل العلماء لكن كما ذكرت ليس فيها من التحري ما يوجد في التصنيف، والتأليف والتحقيق فهذه كما قال البخاري: لم أودع حديثاً في الجامع الصحيح إلا بعد أن اغتسلت وصليت ركعتين واستخرت الله في وضعه، فانظر لهذا التحري من الإمام البخاري؛ لأن هذا تصنيف وليس من إملائه على أحد، لكن الحاكم ليس كذلك كان يملي وتلامذته يكتبون وراءه ما يملى عليهم، فمات قبل أن ينظر فيما كتب عنه وكانت فيه أحاديث ليست بصحيحة فجاء الإمام الذهبي واستدركها على الحاكم وسماه تلخيص المستدرك.

وجاء في كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة فقال صـ69 بعد أن ذكر هذا الحديث: "رواه أبو عبد الله الحاكم في المستدرك وهذا مما أنكر عليه". وفوق كل ذي علمٍ عليم – وهذا حال البشر – فلعله – والعلم عند الله – ألف كتاب الاستغاثة في أول الأمر وما علم بوجود هذا الحديث في المستدرك ثم اطلع عليه بعد ذلك فتعرض له في كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة وبين أن هذا الحديث موضوع. فهذا الحديث باطل قطعاً وجزماً [لولا محمد ما خلقتك] ، والحديث الموضوع الآخر [لولاك لما خلق الله الأفلاك] أي الكواكب والنجوم والحديث الموضوع الآخر [خلق الله الورد من عرق النبي صلى الله عليه وسلم] . هذه الأحاديث كلها أحاديث موضوعة يضعها بعض المخرفين الذين يزعمون أنهم بوضع هذه الأحاديث يحبون النبي الأمين عليه صلوات الله وسلامه، وعندنا فرقة ضالة في الأمة الإسلامية أجازت وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب هم الكرامية (¬1) ¬

_ (¬1) الكرامية هم أتباع محمد بن كرام السِّجستاني الذي هلك سنة 225هـ، هؤلاء أجازوا وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب يقول أئمتنا في ترجمة هذا العبد المخذول – محمد بن كرام -: التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها – وهؤلاء أولاً: يقولون بتشبيه الخالق بالمخلوقات. ثانياً: يقولون بجواز وضع الأحاديث على خير البريات وقالوا: نحن نكذب له لا عليه ونحن نروج دعوته، وكأن دين الله الحق ليس فيه ما يحبب الناس فيه حتى احتاج إلى كذب الكذابين وإفك الآفكين؟!! سبحان الله!! منزلة نبينا عليه الصلاة والسلام وهي أعلى منزلة بلا خلاف. وأفضل الخلق على الإطلاق ... نبينا فمِلْ عن الشقاق لكن لا يجوز بعد ذلك أيضاً الإطراء والغلو أيضاً، كما حذرنا عليه صلوات الله وسلامه ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب مرفوعاً [لا تطروني كما أَطْرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله] والإطراء هو المدح بالباطل والمجازفة في المدح والمبالغة فيه بحيث تذكر في الممدوح ما لا يوجد فيه، فهل خلق الله الكون من أجل محمد عليه الصلاة والسلام؟!! أم أنه ما خُلِق هو، والخلق كلهم إلا لتوحيد الله وعبادته؟!! (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، فلماذا هذا الإطراء والافتراء على رب الأرض والسموات لولا محمد ما خلقتك، ولولا محمد ما خلق الله الأفلاك، هذا كلام باطل وهو من الإطراء المنهي عنه فاحذروا، وعندنا في التفسير آيات تسمى آيات العتاب، قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام (عفى الله عنك لم أذنت لهم) (لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم) (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) . ثالثاً: يقولون الإيمان مجرد نطق باللسان وإن لم يعتقد بالجنان (القلب) ، فهذه هي ضلالات الكرامية الثلاثة.

وجوز الوضع على الترغيب ... قوم ابن كرّام وفي الترهيب س: حُكمنا على هذا الحديث جاء من المتن أو الإسناد؟ جـ: جاء من الأمرين معاً: فالسند كما قلنا فيه عبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف بالاتفاق، وخفي ضعفه على الحاكم، فليس هو من رجال البخاري ولا من رجال مسلم، وأخرج له الترمذي وابن ماجه القزويني، ولذلك إذا نظرت في ترجمته في تقريب التهذيب ترى الحافظ ابن حجر قال: "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من الثامنة ضعيف، ت، ق" أي هو من طبقة الرواة الثامنة، وهو من رجال الترمذي والقزويني ابن ماجة. ثم إن معنى الحديث كما قلت باطل ومردود منكر، فالآفة من الأمرين، والحاكم في الأصل أنه يورد في المستدرك أحاديث الرواة الذين أخرج لهم البخاري ومسلم، ولكن عبد الرحمن بن زيد ليس كذلك بل وليس هو أيضاً على شرط الصحيح مطلقاً.

.. حكم عليه الإمام الذهبي بالوضع، وإلا فالسند لا يقوى على الوضع، والراوي الضعيف أحياناً نحكم على روايته بالوضع لا لأنه ضعيف إنما لأن هذه الرواية خالفت عندنا الأصول الشرعية الثابتة، فلعله لضعفه التبس الأمر عليه ووهم، لكن شتان بين من يتعمد الوضع وبين من يخطئ ويهم وينسى ولا يضبط، فنحن بالنسبة لعبد الرحمن على انفراده لا نقول عنه إنه وضاع كذاب لكن نقول: هذه الرواية موضوعة ووهم في روايتها، هذا كما لو جاءنا راوٍ ثقة برواية مقلوبة، فما معنى مقلوبة؟ يعني موضوعة لكن أئمتنا أرادوا أن يهذبوا اللفظ لأن لفظ الوضع فيه شناعة لا يليق أن توصف به رواية الراوي الثقة كالحديث الثابت في صحيح مسلم عن السبع الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله [رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله] هذا مما انقلب على الراوي والصحيح الثابت عند البخاري وغيره من الأئمة [حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه] ، كأن القلب وضع، لكن هناك فرق بين يكون الراوي تعمد ذلك وبين أن يكون قد أخطأ، فلما أخطأ قلنا هذه مقلوبة في المتن، والمقلوب ليس من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه موضوع لكنه لا يوصف بأنه موضوع كما ذكرنا ولا يوصف الراوي بأنه وضاع بل يبقى عندنا ثقة، وهنا كذلك الراوي ضعيف لكن الرواية موضوعة نص على وضعها الذهبي في تلخيص المستدرك، ونص على وضعها أيضاً الإمام ابن تيمية عليهم جميعاً رحمة الله. س: لماذا أورد الحاكم هذا الحديث مع بطلانه وضعف سنده؟

جـ: بالإضافة إلى ما ذكرناه من أنه رحمه الله لم يصنف هذا الكتاب إنما أملاه إملاءً وكتبه تلامذته وراءه، نضيف هنا فنقول: الإمام الحاكم رحمه الله يجمع ما بلغه وما نُقل له وما حَدَّث به ثم يبقى بعد ذلك دور الغربلة والتنقية: هل هذا الحديث صحيح أم لا؟ يحتاج لنظر ولو صح هل وجد ما يعارضه أم لا؟ فإذا وجد ما يعارضه هل هذا أقوى أم ذلك حتى نعمل بينهما ترجيحاً؟ فشتان بين جمع الأحاديث فقط وبين جمعها للاستدلال بها. ففي الحالة الأولي (الجمع) يجمع فقط، وفي الثانية (الاستدلال) يختار ويمحص. ... وقد قلت مرة لأحد شيوخنا الشيخ مصطفى الحبيب الطير في مصر، وهو من المشايخ الصالحين الطيبين قلت له: موضوع أئمة الإسلام المتقدمين كأمثال ابن جرير (ت: 310هـ) وغيره كأبي نُعيم والخطيب البغدادي ملأوا كتبهم بالأحاديث الضعيفة، بل في بعضها موضوع أيضاً، فهذا العمل منهم يحيرني وهم الجهابذة وعلماء السنة والرجال والتاريخ. فقال لي: يا بني، إن عصرهم كان عصر جمع فقط، وهذا من أمانتهم وتقاهم وخشوعهم لربهم وتحريهم جمعوا ما بلغوا لكن لا تظنوا أنه جمع كجمعنا كحاطب ليل، بل جمع بأدق وأحسن وأتم طرق الجمع معه علامات تدل على قبول الرواية أوردها، وهذه العلامات هي الإسناد، وكأنهم يقولون لنا: هذا الكنز الذي نقلناه إليكم لم نخنكم فيه، بل أعطيناكم علامات تدل على ثبوته أو على رده وهي الإسناد. ولذلك قال أئمتنا: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقالوا أيضاً: إذا روى الإنسان حديثاً موضوعاً فلا يبرأ من عهدته ولا يخرج من إثم روايته إلا بأحد أمرين: أ) إما أن يرويه بالسند، فمن أسند لك فقد حملك. ب) وإما أن يبين أنه موضوع. وإذا لم يفعل أحد هذين الأمرين فهو آثم، وهو أحد الكاذبَيْن على رسول الله صلى الله عليه وسلم [من كذب علي....] وهو هنا الذي نشر الكذب، لا الذي أنشأه وصاغه.

وقال السخاوي في فتح المغيث في شرح ألفية الحديث، كان الإسناد من جملة البيان عند المتقدمين، وفي الأعصار المتأخرة صار ذكر الإسناد وعدمه سواء عند الناس فإذن هذا من أمانة العلماء المتقديمن. ثم قال لي – وهو جواب على ما استشكل على -: يا بني قد يكون الحديث ضعيفاً عند الطبري، والضعف يسير محتمل، وقد يوجد هذا الحديث نفسه عند أبي نُعيم من طريق آخر ضعيف أيضاً، وكذلك يوجد الخطيب البغدادي الحديث نفسه من طريق آخر ضعيفاً فلو أن كلاً منهم أهمل هذا الحديث بحجة أنه ضعيف عنده لأهملوا لنا ثروة عظيمة وهي الشواهد والمتابعات، فهذا الحديث الذي رواه الطبري وهو ضعيف يتقوى بما رواه أبو نعيم ويتقوى بما رواه الخطيب، فيصل لدرجة الحسن ويصبح مقبولاً. مبحث الميثاق يقول الإمام الطحاوي عليه رحمات ربنا الباري: "والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق" إخوتي الكرام ... الميثاق معناه في اللغة: العهد المؤكد، والوثاق هو حبل أو قيد يشد ويربط به الأسير أو الدابة، يقول الله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق) ، ما معنى الوثاق؟ حبل وقيد، فما يقيد به يسمى وثاق لأن فيه أحكاماً وربطاً وهكذا الميثاق عهد مؤكد، لكن العهد معنوي إن أكدته بيمين أو بالتزام وتصميم يقال له ميثاق كما أن ذاك إذا قيدته بالحبل يقال له أحكمت وثاقه وجعلته في ميثاق محكم لكنه ميثاق حسي.

إنما أصل الميثاق – كما قلت – عهد مؤكد ولذلك قال الله جل وعلا في سورة النساء (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) الميثاق هنا عهد مؤكد،وقوله، (غليظاً) أي ميثاقاً مؤكداً كثيراً وكثيراً، إذن التأكيد فيه كثير ولذلك [إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج] كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، والحديث في صحيح مسلم، فالميثاق الغليظ هذا هو عقد النكاح عندما يتم إيجاب وقبول، هذا ميثاق غليظ فهو عهد مؤكد أمرنا الله أن نرعى هذا العهد وأمرنا ولي المرأة أن نرعى هذا العهد وأن نتقي الله في عرضه وهكذا المرأة جاءت إلى الرجل لتكون في كنفه ورعايته وأعطاها عهداً بذلك عن طريق العهد فإذن هذه ميثاق غليظ وعهد مؤكد بمزيد التأكيد. فالمراد بالميثاق إخوتي الكرام ... أقام الله جل وعلا ميثاقه على عباده وحججه عليهم بأمور كثيرة، كثرتها تنضبط في ثلاثة أمور: أولها: وهو أولاها بالاعتبار – إرسال الرسل. الثاني: العهد الذي أخذ عليهم في عالم الذر عندما استخرجوا من صلب أبيهم آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، ومن أصلاب آبائهم. الثالث: الفطرة المستقيمة التي فطر الله عباده عليها. أما إرسال الرسل فهو آخر الأمور وآخر المواثيق التي أخذها الله على عباده وهو أهمها، وأول المواثيق التي أخذها الله على المكلفين هو الميثاق الذين أخذ عليهم في عالم الذر، وبين هذين الميثاقين ميثاق الفطرة، وهذه المواثيق الثلاثة هي شيء واحد فكل المقصود منها هو أخذ العهد على العباد وإقامة الحجج عليهم بأن يعبدوا الله وحده لا شريك له، جرى هذا في عالم الذر، وفطر الله العباد عليه بعد أن خلقهم وأرسل إليهم الرسل بعد أن أوجدهم ليؤمنوا بالله ويعبدوه وحده لا شريك له.

.. وسنتكلم عن هذه المواثيق كلها لنعرف الميثاق من جميع وجوهه، ولنعرف بعد ذلك الميثاق الذي أُخذ علينا في عالم الذر وأشار إليه ربنا في سورة الأعراف (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى (شهدنا (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون، وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) آية 172، 173. 1- الميثاق الأول: إرسال الرسل: يشترك لتكليف العباد إرسال الرسل إليهم وغالب ظني أنه تقدم معكم في السنة الأولى أنه يشترط في تكليف العباد بتوحيد ربهم أربعة شروط: أولها: العقل. وثانيها: البلوغ. ثالثها: سلامة إحدى حاستي السمع أو البصر، فلابد من وجود واحدة منها، أما لو كان أعمى وأصم في آنٍ واحد فيرفع عنه التكليف كما لو كان مجنوناً، أما لو كان أعمى أو أصم، فلا يرفع عنه التكليف، لأنه إن كان أعمى فنبلغه دعوة الله عن طريق السمع، وإن كان أصم فنبلغه دعوة الله عن طريق الإشارة. رابعها: بلوغ الدعوة عن طريق رسل الله الكرام. والذين لا توجد فيهم هذه الشروط لتكليفهم بتوحيد ربنا المعبود يمتحنون في عَرَصات الموقف كما امتحنا نحن في هذه الحياة فمن أطاع الله منهم دخل الجنة ومن عصاه دخل النار وهذا القول ثبتت به الأحاديث تقارب الأحاديث المتواترة حكم عليها أئمتنا بأنها مستفيضة وهذا القول هو الذي يجمع بين الأحاديث التي وردت في هذه المسألة. فقد وردت بعض الأحاديث التي تخبر بأن أولاد المشركين في النار، وبعض الأحاديث تقول إنهم في الجنة، وبعض الأحاديث تقول الله أعلم بما كانوا عاملين، وبعض الأحاديث – كما قلت لكم – أخبرت أنهم يمتحنون فالجمع بين هذه الأحاديث أن نقول: ? إن الأحاديث التي أخبرت أنهم في النار أي هم في النار بعد أن يمتحنوا ويعصوا.

والأحاديث التي أخبرت أنهم في الجنة أي هم في الجنة بعد أن يمتحنوا ويطيعوا. ? وأما الأحاديث توقف فيها نبينا عليه الصلاة والسلام وقال الله أعلم بما كانوا عاملين، أي الله أعلم بمصيرهم هل هو إلى الجنة أو على النار قبل الامتحان، فهذا لا نعلمه نحن قبل أن يمتحنوا بل الله وحده هو العالم بما سيعملون بعد امتحانهم. ? والأحاديث التي أخبرت أنهم سيمتحنون هذا هو الواقع وهذا هو الذي سيحصل فيمتحنون فيظهر معلوم الله فيهم، فبعضهم يدخل الجنة وبعضهم يدخل النار. إذن أولاد المشركين وهكذا الذين ماتوا في الفترة ومن في حكم من لم تكتمل فيهم شروط تكليفهم يمتحنون في عرصات الموقف وساحة الحساب فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار كما امتحنا نحن في هذه الحياة. ... إذن الميثاق الأول هو إرسال الرسل وهو حجة عظيمة أقامها الله جل وعلا على عباده بواسطة الرسل فأخبرنا الله في كتابه أنه لا يعذب العباد إذا لم يرسل إليهم رسولاً قال في سورة الإسراء آية رقم 15 (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ، وأخبرنا الله جل وعلا أنه لو عذب العباد قبل إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم لاحتجوا على ربهم جل وعلا يقول الله جل وعلا في سورة طه آية رقم 134 (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) (من قبله) : أي من قبل إرسال الرسل إليهم، يعني لو عاقبنا الكفار من عتاة قريش وغيرهم قبل إرسال رسول إليهم لاعترضوا وقالوا كيف تعذبنا ولم يأتنا منك رسول ليبلغنا دعوة الله على أتم وجه،ولذلك قلت لكم هذا الميثاق الثالث الذي هو آخر المواثيق به يتعلق ويربط التكليف، فإذا لم يوجد فلا عبرة بميثاق الفطرة ولا بالميثاق الذي أخذ علينا في عالم الذر.

وأخبرنا الله في كتابه أنه أرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة فقال جل وعلا في سورة النساء آية 163-165 (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً رسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً) الشاهد: رسلاً مبشرين ومنذرين. ... وأخبرنا الله جل وعلا في سورة الزمر أنه يقول للكفار يوم القيامة إن الرسل جاؤوكم فكذبتم واستكبرتم وما أعذبكم إلا بعد قيام الحجة عليكم، فقال جل وعلا 54-59 (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرَّةً فأكون من المحسنين، بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) الشاهد: بلى قد جاءتك آياتي. ... ولذلك أخبرنا الله في آخر السورة بعد ذلك أن الكفار يعترفون بأن الرسل أرسلوا إليهم وبلغوهم دعوة ربهم (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم قالوا بلى ... ) الآية 71 سورة الزمر.

.. وأخبرنا الله في أوائل سورة الملك أن الله أعد للكفار عذاب جهنم وبئس المصير وأنهم يعترفون بأنهم لو كانوا يسمعون أو يعقلون ما كانوا في نار الجحيم، يقول الله جل وعلا (وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير، إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور، تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير، قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير، وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير، فاعترفوا بذنوبهم فسحقاً لأصحاب السعير) . سورة الملك آية 6-11. ... وثبت في صحيح البخاري وصحيح ابن خزيمة – وهذا حديث يقرر إرسال الرسل إلى المخلوقين من أجل إقامة الحجة عليهم – عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [وليلقين أحدكم ربه فيقول الله له: ألم أرسل إليك رسولاً فيبلّغْكَ؟ فيقول: بلى] أي بلى أرسلت إليّ رسولاً بلغني وثبتت الحجة عليّ. 2- الميثاق الثاني: إشهاد العباد على أنفسهم في عالم الذر عندما أخرجهم من صلب آبائهم وصوّرهم وكلمهم قُبُلاً وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. وقد وقع هذا في عالم الذر للأرواح والأبدان فاستخرج الله الصور والأبدان من المواد التي ستخلق منها بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، ثم بعد أن استنطقهم وأشهدهم أعادهم إلى تلك المواد التي سيُخرجون منها بعد ذلك والله على كل شيء قدير، ولم يكن الخلق للروح فقط، ولا للبدن فقط – بل كما قلنا – للأرواح والأبدان خلقها الله وبثها بين يده وكلمنا قبلا ً. هذا الميثاق وردت آية من القرآن تدل عليه، وحديثان مرفوعان إلى نبينا عليه الصلاة والسلام يقررانه، وآثر موقوف صحيح، كما سأورد أحاديث تشهد لمعناه – وهي كثيرة – ولكن ليس فيها التصريح بأن الله أخرج الذرية من صلب آدم في ذلك الوقت.

أما الآية ... فهي في سورة الأعراف وتقدم ذكرها، يقول الله جل وعلا: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم (¬1) ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى (شهدنا (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) . فإذاً تم جوابهم عند قوله بلى، فتكون كلمة شهدنا إما من الله أو من الملائكة أي فقالت لهم الملائكة شهدنا، أو قال الله شهدنا عليكم بذلك: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) فلا تتعللوا بأحد أمرين: الأول: لا تقولوا نحن في غفلة عن هذا وما عندنا علم به فأنا أشهدتكم وأنتم في عالم الذر، الثاني: لا تقلدوا آباءكم في الضلالة ولا تقولوا نحن تبعنا آباءنا فهم كانوا على ضلال ونحن على طريقتهم، لا تقولوا هذا أيضاً فكل نفس بما كسبت رهينة أنا أخرجت كل واحد منكم وأشهدته على نفسه من ربك ومن إلهك؟ فقال: أنت إلهي وأنت ربي، فنحن إذ شهدنا عليكم بذلك ولذلك يحسن الوقف على كلمة بلى إذ كان جوابهم ينتهي عند هذه الكلمة (بلى) . وإذا تم جوابهم عند قوله شهدنا فيكون المعنى: أخذنا عليكم العهد والميثاق في عالم الذر لئلا تقولوا (إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) . ¬

_ (¬1) قال (من ظهورهم) ولم يقل (من ظهره) لأن هذه الفروع مأخوذه من ذلك الأصل فهم أخرجهم الله من ظهر آدم ثم هذه الفروع أيضاً أخرها من بعضها، إذن أخرج الأحفاد من الآباء، والآباء من الأجداد، وكل من سيولد من أب بعد ذلك سيكون ممن أخرج من ظهره.

إذن كلمة (شهدنا) إما أن تكون من الله ومن ملائكته أي: شهدنا لئلا تقولوا إنا كنا ... وإما أن تكون من قول الذرية، أي أخذنا من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدناهم على أنفسهم لئلا يقولوا إنا كنا.... وكلا التقديرين حق وأنت على حسب ما تلاحظه من المعنى تحدد الوقف. وأما الحديثان المرفوعان: أولهما: ثبت في مسند الإمام أحمد – بسند رجاله رجال الصحيح كما في المجمع (7/25، 189) – والحديث رواه الحاكم في المستدرك (1/28) وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي، ورواه ابن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردُوْيَهْ في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنَعْمان – يعني عرفة – فأخرج من صلبه كل ذرَّيّة ذرأها، فنثرها بين يديه (كالذر) ثم كلمهم قُبُلاً، قال: (ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) ] . (قُبُلاً) أي مشفاهة بدون واسطة. فكان هذا الميثاق عليهم إذن فى عرفة وهي معروفة والتي يقف فيها الحجاج في اليوم التاسع من ذي الحجة، في مكان معروف اسمه نعمان من عرفات أخذ الله علينا العهد في ذلك الوقت، أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالو: بلى.

وهذا لم يكن في الجنة، بل كان بعد أن أهبط (¬1) آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلى الأرض، وهذا الذي وقع في عالم الذر هذا من الإيمان بالغيب نؤمن به ولا نبحث في حقيقته. وقد حاول الإمام ابن كثير أن يحكم على هذا الأثر بالوقف لأن الرواة اختلفوا فيه فمنهم من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من وقفه على ابن عباس وهي محاولة غير مرضية لأن مثل هذا لا يقدح في المرفوع فمن حفظ حجة على من لم يحفظ، وزيادة الثقة مقبولة، فإذا رفع راوٍ ثقة الحديث، ووقفه راوٍ آخر فيحكم بالزيادة وبرفع الحديث؛ لأن معه زيادة علم، فلعل ذاك شك فوقف الحديث على ابن عباس، وهذا تأكد وتحقق بأنه مرفوع وأنه سمعه من شيوخه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فصرح برفعه. على أننا لو سلمنا أن هذا الأثر موقوف فله حكم الرفع قطعاً وجزماً لأن مثله لا يقال من قبل الرأي ولا الاجتهاد ولا الاستنباط. ¬

_ (¬1) هل كان إهباط آدم وإنزاله في عرفات أو في الهند؟ أقوال قيلت في ذلك لا دليل علي شيء منها أنه ثبت صحيح أن نزوله كان في مكان كذا، لكن أخذ على ذريته الميثاق في ذلك المكان، وهذا فيما يظهر والعلم عند الله أنه يرجح أن نزوله كان من الجنة إلى هذه البقعة المباركة الطاهرة (عرفات) ولا مانع أن يكون نزوله في أرض الهند ثم أتى به إلى هذا المكان واستخرج الله من صلبه وظهره كل ذرية ستكون إلى يوم القيامة ثم كلمهم قبلاً.

الثاني: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9/77) عند تفسير هذه الآية – التي تقدم ذكرها – من سورة الأعراف – عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أُخذوا من ظهره كما يؤخذ بالشطر من الرأس، فقال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فقالت الملائكة (¬1) : (شهدنا أن تقولوا ... ) الآية] . ... قال الإمام ابن جرير بعد أن روى هذا الأثر: لا أعلمه صحيحاً، فإن الثقات رووه عن سفيان الثوري فوقفوه على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه. ويعني بقوله: لا أعلمه صحيحاً أي لا أعلمه صحيحاً مرفوعاً، إنما أعلمه أنه موقوف على عبد الله بن عمرو. نقول: لو ثبت الوقف فله حكم الرفع، والرواية المتقدمة ورد التصريح بأنها مرفوعة وهي صحيحة. فهذان هما الحديثان المرفوعان. وأما الأثر الموقوف: ¬

_ (¬1) هنا كلمة شهدنا مصّرحٌ بأن قائلها هم الملائكة وليست ذرية بني آدم، والآية تحتمل الأمرين فلا مانع من أن يقول الذرية شهدنا، وأن تقول لهم الملائكة بعد ذلك شهدنا على قولكم وشهادتكم. وتقدم.

.. فهو ما رواه الإمام أحمد في المسند أيضاً،والحاكم في المستدرك (2/324) وقال إسناده صحيح وأقره الذهبي، والحديث رواه أصحاب التفاسير الثلاثة المتقدمة أيضاً: ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مَرْدُوْيَهْ – فهؤلاء الخمسة رووا الحديث الأول المرفوع عن ابن عباس، ورووا هذا الأثر أيضاً – عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال في قول الله جل وعلا: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم....) الآية. قال فيها: [جمعهم فجعلهم أرواحاً ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قال (¬1) : فإني أُشهد عليكم السموات السبع والأراضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم – عليه السلام – أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بذلك، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري فلا تشركوا بي شيئاً، إني سأرسل لكم رسلي (¬2) يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأُنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا (¬3) بأنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك فأقَرّوا بذلك] . وهذا الإيجاد الذي حصل لهم في عالم الذر أخبرنا به من لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه فنؤمن به دون البحث في كيفيته إذ هو من باب الإيمان بالغيب. فإن قيل: إن العلم بهذا الميثاق الذي أخذ علينا في عالم الذر غير معلوم لنا، فما فائدته؟ فنقول: تحصل لنا فائدتان: ¬

_ (¬1) أي قال الله هذا بعد أن قالت الذرية بلى، ولم يذكر أبي جواب الذرية لأنه معلوم وقد ذكر في القرآن الكريم. (¬2) هذا هو الميثاق الأخير والذي تدارسناه أول شيء، لأنه أهمها. (¬3) فكلمة شهدنا هنا إذن من كلام ذرية بين آدم وقلت لكم الآية تحتمل الأمرين ونجمع بينهما بأنهم قالوا شهدنا فقال الله وملائكته شهدنا على شهادتكم فحذار حذار من إهمالها ونسيانها، والله أعلم.

الفائدة الأولي: أنه قد أخبرنا به من لا ينطق عن الهوى رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأتانا بما يقرره ويوضحه ويثبته في رسالته ودعوته، فإذا آمنا بهذا يحصل لنا شرف وفضل الإيمان بالغيب. الفائدة الثانية: أنه يحصل علينا بهذا الميثاق مزيد من حجة وإثبات، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا: انتبهوا!! أنتم إذا لم تتبعوني فإنكم تعتبرون عاصون لله مباشرة حيث أخذ الله عليكم العهد في عالم الذر بتوحيده وعدم الإشراك به. ... إذن جحدتم إقراركم أمام ربكم ثم عصيتم أمري ولم تتبعوني فانتبهوا فليس الكفر بي يعتبر رداً لدعوتي فقط، إنما هو رد لشهادتكم التي صدرت منكم أمام ربكم جل وعلا أيضاً. ... وكلما كثرت وسائل الإثبات على الإنسان كلما دعاه هذا للاستحياء من نفسه ومن ربه، فالله عندما يقول لعبده: أنا أشهدتك على نفسك بين يدي فشهدتّ، وأوجدت في فطرتك ما يدل على أنني إلهك وربك، وأرسلت إليك رسلاً يقررون هذا ففي هذا الكلام تحذير للعبد من المخالفة، فليست هي شهادة واحدة ولا حجة واحدة ولا بينة واحدة فقط.

.. ولذلك الله جل وعلا عندما يحاسب عباده يوم القيامة هل يحاسبهم أيضاً بشهادة واحدة وببينة أم بشهادات وبينات؟ بشهادات وبينات فالملائكة والأرض تحدث أخبارها بما عمل ابن آدم على ظهرها من خير أو شر فتشهد عليك يوم القيامة، والصحف تشهد،والجوارح تشهد،والله كفى به شهيداً لا تخفى عليه خافية، قال الله جل وعلا (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) ، وقال جل وعلا في سورة النور في حق القاذفين (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) وقال في سورة فصلت: (حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم (¬1) بما كانوا يعملون) ، وثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام [أنه كان بين أصحابه فضحك، فقالوا له: أضحك ألله سنك يا رسول الله، ما الذي أضحكك؟ ، فقال ضحكت من محاجة العبد لربه، يقول: فإني لا أقبل على نفسي شهيداً إلا من نفسي فيقول الله له: لك ذلك، فيختم على فيه، ويقول لجوارحه انطقي فتشهد عليه يداه ورجلاه وجوارحه بما عمل، ثم خلى الله بينه وبين الكلام فقال لجوارحه بُعداً لكُنْ وسحقاً فعنكُنَّ كنت أناضل] أي عنكن كنت أدافع، فقالت الجوارح (أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الحادثة. (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) العمر ينقص والذنوب تزيد ... وتُقال عثرات الفتى فيعود هل يستطيع جحود ذنب واحد ... رجلٌ جوارحه عليه شهود ¬

_ (¬1) كثير من المفسرين قالوا: المراد من الجلود خصوص الفرج، فكنى بالجد عن الفرج الذي إذا فعل الإنسان حراماً يشهد عليه،ولفظ الجلد أعم من ذلك يشمل الفرج وغيره من الجوارح الأخرى، فلو كشف فخذه سيشهد عليه هذا الفخذ بأنه كشف أمام من لا يحل أن ينظر إليه، وهكذا لو كشفت المرأة يدها أو شعرها أو شيئاً سيشهد عليها ذلك أمام الله، لأنها كشفته أمام من لا يحل أن ينظر إليه.

.. فأنت يكلمك الله قبلاً وجهاً لوجه في عالم الذر دون واسطة ويقول عبدي ألست بربك فقلت: بلى يا رب وإلهي وسيدي وخالقي، ولا أشرك بك شيئاً، ويقول لك انتبه!! ملائكتي تشهد وأنا أشهد شهدنا عليك بهذا الإقرار فإياك إذا خلقتك في الحياة أن تقول إنا كنا عن هذا غافلين، وإياك أن تقلد آباءك في الضلالة، فكل نفس بما كسبت رهينة فأنت عبدي وأنا خالقك وربك أشهدتك وأخذت إقرارك فإياك أن ترجع فإذا رجعت وبال ذلك عليك، ومع ذلك لن يكون حسابي لك في الآخرة على حسب هذا الميثاق فقط، بل سأجعل معه ميثاقاً آخر وهو الفطرة وسأجعل معه ميثاقاً آخر وحجة أقوى وهي أن أرسل إليك رسلاً تكلف بإتباعهم بعد بلوغك ووجود عقلك وسلامة إحدى حاستيك وأن تبلغك الدعوة، فرفعت الأعذار عنك؟ فلم يبق لك عذر ولا شبهة، ولذلك يقول الكفار (لو كنا نسمع أو نعقل) لأنهم حقيقة لا يسمعون ولا يعقلون، وينطبق عليهم قوله تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع) وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل) وينطبق عليهم قوله تعالى (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) وقوله تعالى (كمثل الحمار يحمل أسفاراً) وقوله تعالى (كأنهم خشب مسندة) ، وكذلك قوله (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) . ... إذن كان لهم سمع وكانت لهم قلوب وما أرادوا بهذا أنهم كانوا في حكم المجانين ليس لهم قلوب وليس لهم أسماع، لا، إنما لا يسمعون آيات الله كما قال جل وعلا عن الكفار (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) فلا يسمعونها سماع تلذذ أو تدبر، ولا سماع قبول لأجل العمل، لا هذا ولا ذاك، بل إعراض من جميع الجهات.

.. إذن هذا الميثاق – ميثاق عالم الذر - لا ينبغي أن يقول أحد نحن لا نعلم به فما فائدته؟!!!. ... هذه الآثار الثلاثة المتقدمة عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم أجمعين ورد ما يدل عليها ويقررها من حيث المعنى العام لا من حيث التصريح بأن الله أخرجنا من ظهور آبائنا ومن صلب أبينا آدم في عالم الذر، ومن هذه الأحاديث: 1- ما ثبت في المسند والصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يقول الله جل وعلا للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتدياً به؟ فيقول: نعم رب، فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك العهد في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي] . فالحديث فيه دلالة على أنه أخذ علينا العهد في ظهر أبينا آدم لكن كيف كان؟ هذا لم يفصله الحديث. 2- وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وأبي داود وموطأ مالك ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله لما خلق آدم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته فقال: هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج من ظهره ذرية فقال هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من خلقه الله للجنة فسيوفق لعمل أهل الجنة حتى يختم له بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، ومن خلقه الله للنار فسيوفق لعمل أهل النار ويختم له بعمل أهل النار فيدخل النار] ، فهذا الحديث فيه دلالة على أنه استخرجهم الله جل وعلا من صلب أبيهم آدم، فوقع هنا استخراج، والأحاديث المتقدمة دلت على أنه حصل استنطاق وإشهاد مع الاستخراج.

وهذا التقدير الأزلي ليس فيه شائبة إكراه ولا قسر ولا جبر إنما ربنا جل وعلا يعلم الأمور الماضية والحاضرة والمستقبلة ويعلم ما سيقع في كونه وفي ملكه، فكونه يعلم أن هذا سيختار الكفر أو أن هذا سيختار الإيمان ليس في هذا جبر ولا إكراه، فالله جل وعلا لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وليس حاله كحال المخلوقات لا نعلم الأشياء إلا بعد وقوعها ولو قيل لنا فلان سيختم له على الإيمان أو الكفر؟ لقلنا لا ندري، ولو كان الله سبحانه وتعالى كحالنا لما كان إلهاً، سبحانه وتعالى وتنزه بل هو بكل شيء عليم يستوي في عمله ما وقع وما سيقع فالكل عنده سواء ولذلك العلم صفة انكشاف يعلم بها ربنا جل وعلا الأشياء على ما هي عليه وقعت أم لم تقع. ... ولو أن فلاناً من الناس قبل أن يتزوج قيل لنا ماذا سيولد له؟ هل نعلم؟ لا طيب ولو تزوج واستقر الحمل في بطن زوجته بعد أربعة أشهر يمكن أن نعلمه أم لا؟ يمكن أن نعلم ما في بطن زوجته هل ذكر أم أنثى لأنه لا يحول بيننا وبينه إلا جلدة البطن، فلو علمنا ما في الرحم بواسطة الأشعة فهذا ليس علماً بغيب وليس مختصاً بالرب بل علمته الملائكة التي تبعث إلى الجنين وهو في الرحم، فليس هذا العلم من العلم بالغيب الذي اختص به الرب جل وعلا، فإذا علمه الأطباء وقبلهم الملائكة فلا حرج في ذلك، لكن قبل أن تنفخ فيه الروح وهو نطفة لو اجتمع أطباء الأرض ليعرفوه هل هو ذكر أم أنثى لن يستطيعوا. ... ثم إن علم الأطباء هذا قاصر وجزئي، فإنهم لا يعلمون هل سيولد أعمى أم بصير، سميع أم أصم؟ ذكي أم بليد؟ طويل أم قصير؟ سمين أو ضعيف؟ سيقولون لك لا ندري، إذن لم يعلم الأطباء من الجنين إلا كونه ذكراً أو أنثى. ... إذا علمت هذا علمت سخف من يزعم أن القرآن متناقض ويقول كيف يقول الله في كتابه (يعلم ما في الأرحام) ونحن قد علمنا؟!! سبحان الله الحمد لله على نعمة العقل.

.. الشاهد إخوتي الكرام ... ليس في قول ربنا [هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون] إكراه أو جبر لأن الله يعلم الغيب والمستقبل كما يعلم الحاضر، فهؤلاء للجنة أي سيؤمنون ويدخلون الجنة وأنَّ الله أعلم ما سيقع في المستقبل، [وهؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون] فسيكفرون وأنَّ الله أعلم ما سيكون في المستقبل، فكلام الله جل وعلا هذا ليس من باب الإكراه وإلا لارتفع التكليف، ولذلك لما قال الصحابة ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فحسب ما يختار يكون الأمر. إخوتي الكرام ... لا يلتبس عليكم الأمر ولا بمقدار شعرة والشيطان يستغل مثل هذه الأحاديث ليلبس على الناس، عندنا للإنسان في هذه الحياة حالتان: الحالة الأولي: هو فيها مكره، مجبور مقسور مسيّر لا اختيار له فيها ولا يستطيع أن يخرج عنها أبداً، فإذا وجدت هذه الحالة فلا ثواب ولا عقاب إلا إذا صدر منه رضاً أو كراهية نحو هذا الأمر الذي قُسِر عليه فيثاب أو يعاقب على العمل الذي صدر منه لا على ما وقع عليه قسراً مثلاً: أنت خلقت ذكراً وتلك خلقت أنثى فهل لذكورتك فضل عند الله،وهل لأنوثتها نقص عند الله أو العكس؟ كلا، هذا غير حاصل لأن هذا (الذكورة والأنوثة) مما لا اختيار لواحد من الصنفين فيه، ولو كانت إحدى الصفتين باختيار الإنسان لربما قلنا في هذه مدح أو في هذه نقص، لكن ليس في هذه مدح ولا في هذه نقص (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) ، فلا ثواب على الذكور ولا عقاب على الأنوثة والعكس كذلك لا ثواب على الأنوثة ولا عقوبة على الذكورة، إنما يثاب الإنسان إن شكر الله على ذكورته أو أنوثته، ويعاقب إن كفر وسخط على ذلك وإن لم يحصل منه شكر ولا سخط فلا ثواب ولا عقاب.

والحالة الثانية: هو فيها: مختار، مريد، شاءٍ (له مشيئة) ، مخيّر، انتبهوا لهذا لإزالة هذا الإشكال الذي يستفعله أحياناً الشيطان يقول للإنسان: إذا كنت مكرهاً ومقسوراً إذن لا حرج عليك في أن تفعل ما شئت إن كنت من أهل الجنة فستدخلها، إن كنت من أهل النار فلا داعي لأن تهتم وتجد وتجتهد في العبادة ونحو ذلك من الوساوس، هذا كلام باطل بل أنت مخير ومريد فيما يريد الشيطان أن يثني عزمك عن فعله في كل ما كلفنا به فعلاً أو تركاً نحن مخيرون مريدون. المأمورات بأسرها والمنهيات بأسرها لنا فيها اختيار أو نحن مجبورون مكرهون؟ بل لنا فيها اختيار قطعاً وجزماً، فليس صلاتي كذكورتي، لأن ذكورتي لا يمكن أن أغيرها وأما صلاتي فيمكن لي أن أصلي ويمكن أن لا أصلي، وليس إيماني كلوني أيضاً. فالإيمان والصلاة هذا اختياري، فكل ما كُلفنا به وهو محل الثواب والعقاب فهذا لك فيه اختيار والفارق بين الحالتين كالفارق بين تحريك اليد اختياراً أو اضطراراً، فالمرتعش تتحرك يده بغير اختياره اضطراراً فهو مجبور ولا يستطيع أن يسكنها، فذكورتنا وأنوثتنا، طولنا وقصرنا، جمالنا ودمامتنا، طول أعمارنا وقصرها، هذا كله كحركة المرتعش، مجبور مقسور. ... والأعمال الاختيارية التكليفية من أمر ونهي كالصلاة والصوم وترك الزنا والخمر، هذا كتحريك اليد باختيارك يمكنك تحريكها وتسكينها. ... فانتبهوا رحمكم الله فهذه المسألة ليست من باب القسر والجبو فكل ميسر لما خلق له، فما علمه الله منه سيقع، فعلم الله من هذا أنه سيؤمن، ومن ذاك سيكفر لكن ليس هذا العلم فيه قسر للعباد ولا إكراه لهم. س: هل الإنسان الذي خلق للجنة سيوفق لعمل أهل الجنة؟ والذي خلق للنار سيوفق لعمل أهل النار أرجو توضيح هذا.

جـ: لا شك عندنا أن الله جل وعلا منّ على المؤمن وخذل الكافر، فالتوفيق هذا شيء لا شك فيه. ولذلك المؤمن إذا عمل الطاعة فبجده واجتهاده أم بتوفيق الله له؟ بتوفيق الله له، وذاك عندما يعمل المعصية بحيله ومكره أم بخذلان الله له؟ بخذلان الله له هذا مما لا شك فيه يقول الله تعالى (ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) لكن هو لا يكره إلا من يستحق الكراهة كما قال الله تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) (وزادهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) ، فإذن ما عندنا شك في أن من وفق لطاعة فهذا بفضل الله وأن من عمل معصية هذا بخذلان الله له، لكن عندنا بعد ذلك ما يقرر على سبيل القطع أن الله حكيم، أقول – ولله المثل الأعلى – أنت لو عندك ولدان وهما من صلبك واحدٌ تكرمه، والآخر تهينه فهل تفعل هذا اعتباطاً وسفاهة أو لأنك ترى واحداً مطيعاً نجيباً، والآخر عاقاً شقياً، فبالنسبة لنا ظهر فعل اختياري هنا، أفلا يعلم الله معادن الناس؟ أفلا يعلم الله نحاسة ونجاسة معدن الكفار عندما قال (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) أفلا يعلم نجاسة هذه المعادن وأنها بكيفية لا تقبل التطهير؟! ولذلك خذلها وامتهنها وأعرض عنها وجعلها في دار غضبه وسخطه.

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [نظر الله في قلوب العباد فرأى قلب محمد عليه الصلاة والسلام خير القلوب وأتقاها فاختاره لرسالة، ثم نظر في قلوب العباد فوجد قلوب الصحابة خير القلوب وأتقاها فاختارهم (¬1) ¬

_ (¬1) أي أن الله سبحانه وتعالى عندما اختار أبا بكر لصحبة نبينا عليه الصلاة والسلام وهكذا سائر الصحابة لم يخترهم اعتباطاً بل هو حكيم يضع الأمور في مواضعها، يعني هل يتصور أن يكون قلبنا أو قلب أحد من الصحابة كقلب أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو غيرهم من الصحابة؟ هذا مستحيل، إذن قلوب طاهرة علم الله فيها هذا فجعل لها هذه المكانة وبعد ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في صحيح مسلم [لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوني على الحوض] فما معنى شر منه؟ يعني هل الأيام فيها شر وتتغير أو أهلها والناس الذين يعيشون فيها؟ بل الناس، وتأمل أحوال العالم منذ أن كان نبينا عليه الصلاة والسلام إلى هذا اليوم خير يقل وشر يتزايد فإذن القلوب كلما تأخرت تدنست وتنجست وفسدت وخبثت هذا علمه الله من أحوال القلوب، فإذن هل تصلح مثل هذه القلوب لأن تكون في العصر الأول؟ الحمد لله مع شوقنا والله لرسولنا صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي لم يخلقنا في ذلك الوقت لأنه لو خلقنا آنذاك لخذلنا نبينا عليه الصلاة والسلام فنحن لسنا بأهل لأن نصحبه، وما عندنا شك في ذلك، ونسأل جل وعلا أن يكرمنا بجنات النعيم برؤيته ورؤية نبيه صلى الله عليه وسلم بفضله وكرمه، لكن هل نحن عندنا جد الصحابة وعزيمتهم واجتهادهم؟ هيهات هيهات..

لصحبة نبيه فاعرفوا لهم قدرهم] ، فأمر الرسالة أسند إلى من هو بكل شيء عليم فعندما اختار محمداً عليه الصلاة والسلام لحمل رسالته ليس الأمر اعتباطاً بل لأن (الله أعلم حيث يجعل رسالته) فإذن هو عندما وضعها في ذلك المكان فهذا هو الجدير بها لكن يبقى الأمر من فضل الله عليه ولا شك في ذلك، (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (فألهمها فجورها وتقواها) (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) أي خلقكم كافراً ومؤمناً على أصح القولين في التفسير، وقيل: هو الذي خلقكم فانقسمتم إلى كافر ومؤمن، لكن هذا الانقسام لا يكون إلا على حسب التقدير الذي سبق عند الرحمن ويبقى الأمر كما قلت لا قسر فيه ولا إجبار، فهذا وفقه الله وذاك خذله لكن هل هذا فيه إكراه؟ لا، وكل واحد يميز هذا من نفسه عندما يريد أن يعصي ربه، فمثلاً عندما يريد أن يشرب الخمر سل عصاة أهل الأرض أجمعين هل جاء أحد وأخذك من بيتك إلى الفندق في الساعة الواحدة ليلاً وأضجعوك وفتحوا فمك وصبوا فيه الخمر دون رضاك؟ أم أن الواقع هو أنه ذهب باختياره ودفع الفلوس وسكر، وسل الزاني هل جاء أحد وأخذك من فراشك ودارَ بك على بيوت الناس حتى ألقاك على أنثى وأكرهك على عملية الزنا؟ أم أن الواقع أنك تراه يجوب الشوارع هنا وهناك من أجل أن يحصل على خبيثة مثله، فهل هذا إذن كان باختياره أو باضطراره؟ باختياره، يعني عندما قال الله جل وعلا (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) انظر لهذا الحافظ الذي جعله الله عندنا، فلما كانت العين تتعرض لرؤية ما لا يحل، جعل الله جل وعلا منع النظر في منتهى السهولة لئلا يقول إنسان كيف سأتصرف إذا عرض لي ما لا يحل لي النظر إليه، فقال الله لك لا يحتاج هذا منك إلى تصرف كبير لا دخول سرداب ولا دخول حجرة، الحل كله يتمثل في إطباق الجفن على الجفن (قل للمؤمنين يغضوا) ما معنى الغض؟ أن تطبق الجفن على الجفن.

.. ثم هذا اللسان الذي هو ثعبان وتراه يلدغ الحي والميت والكبير والصغير والحاضر والغائب جعل الله له أيضاً حافظاً هو الشفتان إذا ضممتهما لن تتكلم فتسلم، ولست مجبوراً على الكلام فلم يأت أحد ولن يأت ويحرك لسانك دون إرادة وقصد منك، وهذا لو حصل لو حصل فأنت تكون مجبوراً لأنك لا تريد الكلام ولكن غيرك يحرك لسانك ويتكلم وحينئذ يرفع التكليف عنك [رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه] فإذا أكرهنا لن يكلفنا ربنا، لن يبقى من اهتدى منا فبفضل الله، ومن شقي فبعدل الله والله خذله ووكله إلى نفسه لكن ذلك التوفيق بسبب أنه معدن طيب، وهذا الخذلان بسبب أنه معدن نحس، ولذلك قال الله (فلما آسفونا انتقمنا منهم) ما معنى الأسف هنا؟ شدة الغضب أي لما أغضبونا غضباً شديداً بسبب ما قاموا به من أعمال خبيثة انتقمنا منهم، إذن هم أغضبوا الله وآسفوه فحل عليهم مقته وغضبه ولعنته وسخطه، والذي يقرر هذا كما قلنا أن من يموت قبل التكليف أو قبل البلوغ أو قبل بلوغه الدعوة وإذا لم يكن عنده عقل، فالقلم مرفوع عنه، فإن كان من أولاد المؤمنين تفضل الله عليه بأن يكون من أهل الجنة، وإن كان من أولاد الكافرين فنقول هنا سيظهر العدل الإلهي، سيمتحنه الله في عرصات الموقف، فإن أطاع دخل الجنة وإن عصى دخل النار. قد يقول قائل: لِمَ لم يجعل الله ابن الكافر كابن المؤمن؟

نقول: الزم حدك، هذا فضل ولصاحب الفضل أن يعطيه لمن يشاء لكن لا يجوز له أن يظلم ويجور، فمثلا ً: لو كان عندك ألف دينار فلك حرية التصرف في أن تعطيها لأي أحد فلو أعطيتها لخالد مثلاً فهل يحق لي أن أقول لك أنت ظلمتني لأنك أعطيت خالداً ولم تعطني؟ لا يحق فتقول أنت: هذا فضل، وهو مالي وحقي أعطيه لمن أشاء ما دمت لم أظلمك ولم أعتد على مالك ولم آخذ منك شيئاً،وهنا كذلك الله سبحانه وتعالى ما جار على ابن الكافر وكونه رحم أولاد المؤمنين هذا فضله يعطيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولا يجوز عليه الظلم (ولا يظلم ربك أحداً) [إني حرمت الظلم على نفسي] ، هذا حال الرب جل وعلا. إذن هذا حديث عمر رضي الله فيه دلالة عامة على أن العباد أخرجوا من صلب أبيهم في عالم الذر، وهذا الحديث الثاني.

3- روى الإمام الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه والبهيقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط كُلُّ نسمة من ظهره كائنة إلى يوم القيامة وجعل جل وعلا بين عيني كل إنسان وبيصاً من نور (¬1) ثم عرضهم على آدم عليه السلام فقال من هؤلاء يا رب؟ قال: هؤلاء ذريتك إلى قيام الساعة، فرأى فيهم إنساناً أعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أَيْ رَبِّ، من هذا؟ قال: هذا ابنك داود، قال كم عمره؟ فقال الله له: ستون عاماً، قال: زده يا رب أربعين، فقال الله جل وعلا: لا أزيده إلا أن تزيده من عمرك (¬2) ، فقال: قبلت يا رب أعطه من عمري أربعين سنة، فلما جاء ملك الموت إلى آدم قبل الألف بأربعين سنة ليقبض روحه، قال له آدم: بقي من عمري أربعون سنة، فقال له ملك الموت إنك وهبتها لابنك داود، فقال ما وهبته شيئاً ما وهبته شيئاً، فذهب وعاد إلى ربه وأخبره بذلك فأمر الله ملك الموت أن يزيد في عمر آدم أربعين سنة، وأن لا ينقص هذه الأربعين من عمر داود، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته وخَطئ آدم فخطئت ذريته] وإسناده صحيح، ارتكب الخطيئة وذريته تخطئ، نسي ولم نجد له عزماً وذريته تنسى. فإن نسيت عهوداً منك سالفة ... فاغفر فأول ناس ٍ أول الناس ولعل جحود آدم – والعلم عند الله – سببه نسيان ولا يستبعد أنه بعد أن مر عليه تسعمائة وستون سنة أن ينسى العهد الذي أعطاه على نفسه، أو أن هذا الجحود من باب التدلل على الرب المعبود جل وعلا أي كأنه يقول: يا رب ينقص من ملكك إن تركت الأربعين لي كما كانت وزدت عبدك وداود أربعين من فضلك فحقق الله الأمرين. ¬

_ (¬1) أي شيئاً من نور وضوءاً من نور. (¬2) وكان عمر آدم الذي قدره الله ألف سنة، وتقدم معنا أن الأنبياء لا يقبضون إلا بعد أن يخيروا.

الشاهد: أنه مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة فهذه الأحاديث تشهد في الجملة للأحاديث الثلاثة المتقدمة الحديثان المرفوعان وحديث أُبيّ الموقوف. ... وكما قلت لكم عن الذي حصل في عالم الذر هو إخراج للأرواح مع الصور (الأجساد) ، استخرجها الله من موادها بكيفية يعلمها ولا نعلمها ثم بعد أن أشهدها أعادها إلى موادها بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، أما ما قاله ابن حزم من أن الخلق في عالم الذر كان للأرواح فقط، وذلك يقول خلقت الروح قبل الجسد فأشهدها الله ثم وضعها في مكان عنده سبحانه وتعالى فإذا خلق الجسد جاءت روح كل إنسان إلى بدنه فدخلت فيه، فقوله هذا لا تدل عليه الآثار المتقدمة، إنما ما ذكرته لكم هو الذي حصل وإذا ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام فنؤمن به دون أن تحيط عقولنا بكيفيته، فعقولنا أعجز من ذلك، وإذا كانت الروح التي بين جنبينا نحن عاجزون عن إدراك ماهيتها وحقيقتها أو أي صفة من صفاتها (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) فكيف سندرك بعد ذلك ما هو مغيب عنا مما يدهش العقول ويحير الألباب (إشهاد الذرية) ، وتقدمت معنا قاعدة (كل ممكن رود به السمع يجب الإيمان به) (آمنا به كل من عند ربنا) . 3- الميثاق الثالث: ميثاق الفطرة: وهو الميثاق المتوسط بين ميثاق عالم الذر وميثاق إرسال الرسل ويراد بالفطرة: ما ركزه الله في طبيعة الإنسان وجِبِلّتِه من الإقرار بربوبية الله جل وعلا وألوهيته، وأنه وحده لا شريك له يستحق منا العبادة سبحانه وتعالى. وهذا الدليل أعني الاستدلال بالفطرة من الأدلة المعتبرة عند أئمتنا الكرام وقد قرر أئمتنا الكرام أن الأدلة التي يستدل بها دليلان: الأول: سلفي شرعي وله نوعان والثاني: خلفي بدعي وله نوعان، فالمجموع أربعة أنواع: أما السلفي الشرعي، فالنوع الأول منه: النصوص الشرعية من كتاب وسنة، أما الكتاب:

أ) قال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولون الله) ، فالله خلقهم وفطرهم بصورة يقرون بأن الله ربهم ومالكهم وخالقهم. ب) وقال الله جل وعلا في كتابه مبيناً استدلال الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام على أقوامهم بدليل الفطرة: (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى) وقبلها حكى الله عن الأقوام أنهم قالوا: (إنا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) فقالت لهم رسلهم أفي الله شك، فلم يجبهم الأقوام عن هذا ولم يذكر الله جوابهم لأنه معلوم ضرورة أن ليس في الله شك وهو الذي خلقنا وخلق كل شيء. جـ) وقال جل وعلا في سورة النمل آية 51 وما بعدها (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تُنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا ًوجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61) أمن يجيب المضطر أذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون (62) أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى عما يشركون (63) أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (64) .)

أذن فاستدل الله عليهم بما ركزه في فطرهم أإله مع الله ... ، واستدل عليهم بما يُسلّمون به. وهو الإقرار بوجود الله جل وعلا وأنه خالق كل شيء علي ما يخالفون فيه وهو إفراده بالعبودية. فهم يقولون الله موجود لكن ينبغي أن نجعل بيننا وبينه وسائط وشفعاء فنقول لهم: اطرحوا الشفعاء، فهذا الموجود هو الذي يُقصد ويُعبد ولا يجوز أن تلجأوا إلى غيره، ولذلك قال أئمتنا توحيد الربوبية باب إلى توحيد الألوهية، فأنت إذا أقررت بأن الله ربك وسيدك، ومالكك ويتصرف في أمرك فيجب عليك أن تعبده وأن توحده وأن تفرده بالعبادة سبحانه وتعالى.

إذن هذا دليل الفطرة المستقيمة وهو أن الله فطرنا على الإقرار بوجوده، ويترتب على هذه فطرة ثانية وهي وجوب تعظيمه لأن العقل يقول: إذا كان الله خالقنا وخالق كل شيء فيجب أن يعبد وأن لا نصرف العبادة لما سواه سبحانه وتعالى، وقد قرر الله هذا المعنى في آيات كثيرة من كتابه فأخبرنا الله في قرآنه أننا فقراء وهو الغني، وهذا مما يقرر دليل الفطرة الذي فينا فكل واحد يلحظ هذا من نفسه بأنه فقير لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، جاء إلى الدنيا على غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره ويلحظ أن الذي يملك أمره وأمر العالمين هو رب العالمين قال تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) ولذلك العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه هي الفقر وهذا خلاف ما يقوله الفلاسفة والمتكلمون يقولون العلة في احتياج العالم هي الحدوث أي كون العالم حادث والحادث لابد له من محدث وموجد، ويقولون العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه هي الإمكان أي ممكن الوجود ليس بواجب الوجود، وهذا كلام باطل نقول الإمكان والحدوث علامتان على الفقر وليستا بعلة لاحتياج العالم إلى الله، فالفقر ممكن الوجود، فالإمكان في هذا علامة فقره لأن يمكن أن يوجد ويمكن أن يُقدم والذي رجح أحد الضدين هو الله جل وعلا والحدوث علامة فقر لأنه لا يمكن أن يوجد إلا بحادث وموجد وهو الله رب العالمين. ولذلك أخص وصف في المخلوق أنه فقير وأخص وصف في الخالق أنه غني ويوجد للإمام ابن تيمية عليه رحمة الله قصيدة من (11) بيتاً تتعلق في بيان حقيقة الخالق والمخلوق وقد ذكرها تلميذه الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في مدارج السالكين (1/520، 521 – ط دار الكتاب العربي) يقول الإمام ابن القيم: "وبعث إليّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهره أبيات بخطه من نظمه: أنا الفقير إلى رب البريات ... أن المسكين في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ... والخير إن يأتنا من عنده ياتي لا أستطيع لنفسي جلب منفعة ... ولا عن النفس لي رفع المضرّات وليس لي دونه مولىً يدبرني ... ولا شفيع إذا أحاطت خطيئاتي إلا بإذن من الرحمن خالقنا ... إلى الشفيع كما قد جا في الآياتِ ولست أملك شيئاً دونه أبداً ... ولا شريك أنا في بعض ذراتي ولا ظهير له، كي يستعين به ... كما يكون لأرباب الولايات والفقر لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً ... كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي وهذه الحال حال الخلق أجمعهم ... وكلهم عنده عبد له آتي فمن بغى مطلباً من غير خالقه ... فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي والحمد لله مِلء الكون أجمعه ... ما كان منه وما من بعد قد ياتي ... وأما السنة فقد قرر نبينا عليه الصلاة والسلام الفطرة المستقيمة في أحاديثه الكثيرة:

أ) ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن الترمذي وأبي داود وموطأ مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [كل مولود يولد على الفطرة] أي على الإسلام الحق وعلى الدين الحنيف [فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (¬1) كما تُنْتَج (¬2) البهيمة جمعاء (¬3) هل تحسون فيها من جدعاء (¬4) ] أي هي تولد سليمة الأطراف لكن صاحبها هو الذي يغيرها، وهكذا بالنسبة للناس في صغرهم فطرهم الله على الحنيفية السمحة، لكن من الذي غيّر من تغير منهم؟ آباؤهم أو أمهاتهم أو مجتمعهم وغيرهم ولذلك ثبت في كتاب السنة لابن أبي عاصم (حديث رقم 192) بسند ضعيف – لكن هذا الحديث يشهد له – عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مغيِّر الخُلُق كمغّير الخَلْق] ، أي مغير الأخلاق الطيبة إلى خبيثة ومغير الإسلام إلى عصيان وشرك بالرحمن كمغير الخلق أي كما لو غير بعض أطراف المولود، أو لو أن المرأة بدلت خلقتها وصورتها وهكذا الرجل بالنمص (ترقيق الحواجب أو إزالتها) أو بالوشم، أو حلق اللحية بالنسبة للرجل أو قص الشعر من الرأس بالكلية بالنسبة للمرأة فهذا كله من تغيير خلق الله. ¬

_ (¬1) كان بعض شيوخنا إذا روى الحديث يقول [أو يرذلانه] أي إذا كان أبواه مسلمين رذيلين بالفساد والفجور فسيرذلانه، وأول الفساد الآن جهاز التلفاز جهاز الشيطان فاتقوا الله، وحذار حذار أن ترذلوا أولادكم. (¬2) أي توجد وتخلق. (¬3) جمعاء: أي كاملة الخلق سليمة الأطراف. (¬4) جدعاء: أي مقطوعة الأنف والأذن أو مشقوقة ونحو ذلك من التشويه.

.. إخوتي الكرام ... والمراد بالفطرة في الحديث دين الإسلام والحنيفية السمحة، وقد قرر الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) ويسمى (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) في مائتي صفحة متتابعة بأن المراد من الفطرة هي الإسلام، فانظروا بحثه المحكم الرشيد فيه (8/370) وما بعدها، والحافظ ابن حجر عليه رحمة الله في فتح الباري (3/248) نقل عن عامة السلف أن المراد من الفطرة الإسلام، والإمام ابن القيم عليه رحمة الله ختم كتابه (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل) بهذه المسألة، فانظروا الكتاب من صـ283 إلى آخر الكتاب صـ307 وهذا الكتاب (شفاء العليل) هو أحسن ما كتب في قدر الله جل وعلا. ب) وأشار نبينا عليه الصلاة والسلام إلى هذه الفطرة المستقيمة أيضاً في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: [ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال (¬1) نحلته عبداً حلالاً، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم (¬2) عن دينهم وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل سلطاناً، وإن الله عز وجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء....] إلخ الحديث، ومعنى حنفاء أي مائلين عن الشرك إلى الهدى مستقيمين مهتدين على الفطرة. ¬

_ (¬1) ؟؟؟؟؟ عذراً الحاشية غير واضحة في التصوير. (¬2) الحاشية غير واضحة في التصوير.

جـ) ويكفي دليلاً على الفطرة ما ثبت في الصحيحين [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية أين الله، فقالت في السماء.....] الحديث. وأما النوع الثاني من الدليل السلفي الشرعي فهو الفطرة المستقيمة، فإن في النفس فطرة توجب عليه الإيمان بأن الله ربنا وخالقنا ورازقنا ومدبرنا فهي فطرة توصل إلى التوحيد لو لم تغير. ... ولذلك عندما جلس أبو المعالي إمام الحرمين غفر الله له ورحمه وقد رجع عن هوسه وهذيانه جلس يقرر نفي علو الله على مخلوقاته فقال: كان الله ولا مكان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان أي ليس فوق عرشه على سمواته، فقام الإمام الهمذاني وقال: يا إمام دعنا من العرش والزمان والمكان وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في أنفسنا ما قال أحد يا رب يا الله إلا طلب المعونة فمن فوقه، فبماذا نؤول هذا الشعور الذي في داخل نفوسنا، فلطم إمام الحرمين رأسه وقال حيرني الهمذاني حيرني الهمذاني. ... أي حيره في الجواب، لأن الأدلة الكلامية يمكن التلاعب بها والتصرف فيها وتأويلها لكن هذه الضرورة في النفس ماذا سيقول عنها؟ وبماذا سيفسر هذا الالتجاء من الإنسان حيث يلجأ إلى فوق ولا يلجأ إلى يميناً ولا يساراً ولا تحتاً؟!! إن هذا الشعور وهذه الضرورة هي الفطرة التي فطر الله عباده عليها (مناقشة الشيخ الطحان لآراء الدكتور البوطي حول العلو لما جاء إلى دبي وألقى محاضرة في ذلك) . ... وكل نص من كتاب أو سنة مما سبق ذكره هو من حيث وروده هو دليل على الفطرة من النصوص الشرعية، وهو من حيث دلالته هو دليل على ميثاق الفطرة من الفطرة. 2- وأما الدليل الخلفي البدعي فالنوع الأول منه: دليل العقل المتعمق المتكلف فيه من جوهر وحيز وعرض وغيرها من الاصطلاحات التي نعتها المتكلمون وعكفوا عليها كما عكف المشركون على الأصنام.

.. وهذا كما هو عند المتكلمين فهو عند الفلاسفة ولم يوصلهم هذا إلا إلى متاهات عندما عولوا على العقل وتركوا النقل، وتقدم معنا أن العقل مع النقل كالعين مع الشمس، فمن أراد أن ينظر بدون شمس ونور لا يرى، ومن أراد أن يفكر بدون وحي لا يهتدي. والنوع الثاني منه: ... دليل الكشف، الذي ابتدعه الصوفية، يقول: ألقي في روعيَ كذا، ووقع في قلبي كذا، وحَدثت بكذا حدثني قلبي عن ربي، وما شاكل هذا، كما كان ابن عربي الصوفي صاحب الضلالات يقول حديث [كنت كنزاً لا أُعرف، فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق فبه عرفوني] يقول هذا الحديث لم يثبت عند المحدثين عن طريق الإسناد لكن ثبت عن طريق الكشف. وقد كان شيوخ التصوف الصالحين الصادقين يحذرون من هذا الدليل، فكانوا يقولون: دوروا مع الشرع حيث دار لامع الكشف، فإنه يخطئ، وكان أبو سليمان الداراني عليه رحمة الله يقول: "إنه لتقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة" أي إذا وقع في قلبي معنىً من المعاني، واستنباط ومن الاستنباطات عن طريق الكشف والفتح والإلهام فإني لا أجزم بثبوت هذا حتى أتحقق من ذلك بشاهدين عدلين هما القرآن والسنة هل يشهدا بصحة ما وقع في قلبي أم لا؟ ولذلك قال أئمتنا: وينبذ الإلهام بالعراء ... أعني به إلهام الأولياء وقد رآه بعض من تصوفا ... وعصمة الباري توجب اقتفا أي لا يستدل بالإلهام بل ينبذ فهو من الأدلة البدعية، وبعض الصوفية رأوا الإلهام والكشف دليلاً شرعياً معتبراً يُقدم على النصوص الشرعية، لكن عصمة الباري للأنبياء توجب أن نقتفي أثرهم وأن نتبعهم؛ لأن وحيهم وإلهامهم معصوم وأما إلهام الأولياء فليس بمعصوم. ... هذه هي مواثيق ثلاثة أخذت علينا أو خذاً ما أخذ علينا في عالم الذر يليه ما ركز في فطرنا يليه إرسال الرسل وإقامة الحجة على العباد.

.. والميثاق الأخير (الذي جعلناه أولاً – إرسال الرسل) لم يذكره عندما شارح الطحاوي وهو في الحقيقة أقوى المواثيق وأعظمها وأبلغ الحجج،وهو مناط التكليف ولا يحصل تكليف إلا به، ولذلك يقول الله جل وعلا في سورة النحل آية 89: (ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمة للمسلمين) ومثل هذا في سورة النساء آية 41 (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) . ... الشاهد في الآيتين أن أعظم المواثيق إرسال الرسل فالله جل وعلا يقول للأمم ألم أرسل لكم رسلاً؟ فيكذبون ويجحدون ذلك، فيأتي برسلهم ويقولون: يا رب بلغنا دعوة الله فيقول الله للرسل السابقين من يشهد لكم؟ فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد بأننا بلغنا أقوامنا، فيستشهد الله هذه الأمة فيشهدون، فيقول الله: كيف تشهدون وأنتم لم تروا ذلك؟ فيقولون: بعثت إلينا رسولاً فأخبرنا بذلك وأنزلت علينا ذلك في كتابك بأن نوحاً وغيره من الأنبياء بلغوا دعوتك إلى أقوامهم وهذا هو معنى (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) ثم يشهد الرسول عليه الصلاة والسلام على شهادة هذه الأمة ثم بعد ذلك يعاقب الله المكذبين من الأمم السابقين الذين جحدوا إرسال الرسل إليهم، وهذا الجحود منهم يحصل في الموقف قبل أن يقضى بالناس إلى الجنة أو النار، يطنون أن هذا الجحود ينفعهم. وقول الله سبحانه وتعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ... ) الآية، نتحدث عن ميثاقين اثنين: 1- ميثاق عالم الذر. 2- ميثاق الفطرة.

فلاهما مراد بالآية هذا القول الصحيح وقد خالف هذا بعض أئمة الإسلام – وسيأتي ذكرهم – وقالوا: الآية لا تشمل إلا ميثاق الفطرة وسأذكر شبهتهم فيما بعد وأدحضها إن شاء الله تعالى، وأما ميثاق عالم الذر – لم تثبت به الأحاديث؟؟؟؟؟؟ يقولون لكن ثبت موقوفاً ووهم بعض الرواة في رفعه وقد تقدم معنا إن زيادة الثقة مقبولة وهذا لا يدعونا إلى أن نرد الرواية المرفوعة لأن بعض الرواة وقفها وبعضهم رفعها ولو سلمنا بوقفه فله حكم الرفع ومحاولة هؤلاء الأئمة على جلالتهم وتقربنا إلى الله بحبهم محاولة ضعيفة في غير محلها. ... والقول بأن الآية تشمل ميثاق عالم الذر لا ينفي أنه ركز الله في فطرتنا، لكن القول بقصر الآية على ميثاق الفطرة فإنه ينفي بذلك ميثاق عالم الذر. ... فعلى القول بأن الآية تشمل ميثاق الذر يكون معنى الآية (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ... ) أي قالوا بلى بلسان مقالهم.

.. وعلى القول بأن الآية لا تشمل ميثاق عالم الذر يكون معنى الآية، قالوا بلى بلسان حالهم أي حالهم يدل على أنهم مربوبون مخلوقون لخالقهم الحي القيوم، هذا كقوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت ... ) فالجمال والسماء هذه لو لم تنطق وتقل الله خلقني والسماء تقول الله رفعني لو لم تقل هذا بلسانها بصوت نسمعه لكان حالها يدل على هذا، وكذلك الإنسان (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) فحالك يا إنسان يدل على الحي القيوم ولو لم تنطق وكل إنسان – مهما كفر وطغى وتجبر – حاله تشهد بذلك بأنه فقير إلى غني وأنه مخلوق لخالق ضعيف لقوي، ولذلك قال موسى لفرعون (لقد عملت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر..) أي أنت تعلم يا فرعون أني رسول من رب العالمين، وإن هذه الآيات والدلائل لم ينزلها ولم يعطني إياها إلا رب العالمين، فإذن شهادتك بحالك ثابتة لكن لسانك لم ينطق بهذا، وكذلك هو حال العالم كله يدل على أن الله خالقه وهذا بدلالة الحال لا بدلالة المقال، هذا كقول العربي: امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلاً رويداً قد ملأت بطني فهنا (قال) بحاله فالحوض امتلأ ولم يعد يمسك ماءً وإذا صببت فيه نزل فحاله هذه كأنه يقول لك لا تصب في الماء. إذن فحال المخلوقات بأسرها تدل على أنها فقيرة إلى ربها، ولا يوجد أحد من خلقه مستغن ٍ عنه: الله قل وذر الوجود وما حوى ... إن كنت مرتاداً بلوغ كمال فالكل دون الله إن حققتهم ... عدم على التفصيل والإجمال واعلم بأنك والعوالم كلها ... لولاه في محوٍ وفي اضمحلال من لا وجود لذاته من ذاته ... فوجوده لولاه عين محال والعارفون بربهم لم يشهدوا ... شيئاً سوى المتكبر المتعالي ورأوا سواهم على الحقيقة هالكاً ... في الحال والماضي والاستقبال فقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) أي هالك في الحال والماضي والاستقبال، من مضى هلك ومن هو موجود سيهلك ومن سيأتي سيهلك. س: هل الحال تعتبر شهادة أو لابد ومن نطق اللسان؟

جـ: إنسان يقر بقلبه أنه مقهور مجبور فقير لخالق جليل فهذه شهادة وإن نفاها بلسانه، وإذا جحد بلسانه، فشهادة القلب ثابتة، ولهذا أمثلة: 1- كقوله تعالى في سورة التوبة (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) أي مقرين على أنفسهم بالكفر بحالهم، فلا يشترط أن يقول الكافر: أنا كافر، بل حاله يدل على أنه كافر. 2- كقوله تعالى (أنه على ذلك لشهيد) فعلى أن الضمير في (أنه) يعود على الإنسان فالتقدير: أن الإنسان لشهيد على كنوده وجحوده كيف هذا الشهود؟ بأنه مغمور بنعم الله فلا يشكر الله وهذا جحود ولا يشترط أن يقول عن نفسه: أنا جاحد، فإذن هذه شهادة من الإنسان على نفسه بالحال لا بالمقال. وهو محل الشاهد. ... وعلى أن الضمير في (أنه) يعود على الله سبحانه وتعالى فالتقدير وأن الله لشهيد على كنود الإنسان وجحوده ولا تخفى عليه خافية. وكلا المعنيين والتقديرين ثابت. فالإنسان يشهد على جحوده بحاله والله يشهد عليه بعلمه فلا تخفى عليه خافية من أمور العباد 3- وكقوله هنا معنا في الآية (أشهدهم) أي بحالهم على أن الآية تشمل ميثاق الفطرة فقط، أي ركز هذا في فطرهم وعلموه وثبت عندهم بعد أن خلقهم وجعلهم خلائف في الأرض جيلاً بعد جيل. إذن هذا هو المعنى على أنه ميثاق الفطرة فقط وعلى أنه ميثاق عالم الذر تشمل الآية أيضاً فالمعنى مسح ظهر آدم وأخرج من صلبه كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة ثم كلمهم قبلاً، فهنا – ميثاق الفطرة – أشهدهم على أنفسهم بما ركزه في فطرهم وهناك أشهدهم على أنفسهم وكلمهم مقابلة بلا حاجز ولا واسطة هنا جعل هذا في فطرهم أنهم يقررون بربهم، وهناك قالوا بلى بلسانهم وهنا قالوا بلى بحالهم وهذا هو معنى الآية على القولين وكل منهما تشمله الآية، وهذا هو المعتمد في تفسيرها.

وقد ذكر هذا عدد من المفسرين من جملتهم الإمام القرطبي والإمام ابن الجوزي في زاد المسير والإمام الألوسي في روح المعاني وغيره. (الآية تشمل الميثاقين) . ? واقتصر كثير من المفسرين على الميثاق الأول وحملوا الآية عليه وهو الذي حصل في عالم الذر فقط، منهم الإمام الثعلبي والإمام البغوي في معالم التنزيل. ? وقد ذهب بعض أئمة الإسلام ومنهم الإمام ابن تيمية والإمام ابن كثير والإمام ابن القيم وشارح الطحاوية ابن أبي العز إلى أن آية الأعراف لا تشمل إلا ميثاق الفطرة، ورجحوا حمل الآية عليه. وقولهم – كما قلت لكم – مردود ومن جملة من رد عليهم شيخنا المبارك الشيخ الشنقيطي عليه رحمة الله في أضواء البيان (2/336) ، والشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد وبين أن الآية تشمل الميثاق الذي أخذ علينا في عالم الذر والقول به لا يتنافر مع الميثاق الثاني (ميثاق الفطرة) بخلاف الاقتصار على الميثاق الثاني بإن بالقول به إلغاء للميثاق الأول. ... وأما ما احتج به الإمام ابن كثير وابن أبي العز – وهو موجود عندكم في شرح الطحاوية – فمردود منقوض لا حجة فيه ولا دلالة على أن المراد من الميثاق ميثاق الفطرة فقط. وهذه الحجج التي ذكروها وهي (عشر حجج) أولوا بها الآية وأن المراد منها ميثاق الفطرة فقط لو لم يذكرها صاحب الكتاب ابن أبي العز لأعرضت عنها صفحاً فحقيقة لا فائدة منها، لكن بما أنها مذكورة أذكرها على سبيل الإيجاز وأنقضها إن شاء الله، وهذه الحجج موجودة في كتاب الروح لابن القيم أيضاً من ص ـ167 إلى صـ168. حجة من قال بأن الآية يراد بها ميثاق الفطرة فقط: (عشر حجج) 1) الحجة الأولى: قالوا: الله سبحانه وتعالى قال (من بني آدم) ولم يقل من آدم، فإذن هو جعلهم خلائف في الأرض ولم يخرجهم من صلب أبيهم آدم في عالم الذر.

والجواب عن هذا: لا عبرة بهذا القول ولا يعترف به على ما قلناه لأن ذكر آدم معلوم في؟؟؟؟؟؟؟ (آدم) أخرج الذ رية منهم وأخرج الذرية التى يستخرج من تلك الظهور إلى يوم القيامة فهي ليست من صلب آدم فقط بل هي من ظهر كل من سيخلق. فذكر الآباء لأن ذكر الأب معلوم وهؤلاء الأبناء لا يكونون إلا بعد وجود أبيهم. 2) الحجة الثانية قالوا: قال (من ظهورهم) ولم يقل من ظهره. والجواب عن هذا: كالجواب عن الحجة الأولى، فأخذ العهد من الفرع مستلزم لأن يخرج ذلك الفرع من الأصل، فذلك الفرع لا يكون إلا بعد وجود الأصل. 3) الحجة الثالثة: قالوا: الله سبحانه وتعالى قال (من ذريتهم) ولم يقل من ذريته. والجواب عن هذا: كالجوابين المتقدمين، فبما أن هذه الذرية أخرجت من صلب آدم وهم بنوه فما يشملهم يشمله ولم يذكر هو لأنه معلوم، فلا يمكن أن توجد هذه الذرية إلا بواسطة وجود الأصل وهو آدم فأضيفت الذرية إلى الفرع الذي أخذت منه كما تضاف إلى الأصل الذي خرجت منه، ولذلك ورد في الحديث إضافتها إلى ظهر أبيهم، وفي الآية إضافتها إلى ظهور آبائها. 4) الحجة الرابعة: قالوا: الله سبحانه وتعالى قال (وأشهدهم) فهذا دليل على أن المراد من هذه الشهادة ما ركز في فطرهم لا أنهم شهدوا بألسنتهم، لأن معنى أشهدهم جعلهم شاهدين ولابد لحصول تلك الشهادة من كون الشاهد ذاكراً لشهادته وهم في هذه الحياة لا يذكرون الشهادة التي صدرت منهم في عالم الذر بل يذكرون الشهادة التي ركزت في فطرهم. والجواب عن هذا: أن الشهادة التي حصلت منهم في عالم الذر يدل على أنهم شهدوا في ذلك الوقت على أنفسهم وتحققت الشهادة منهم وعلموا بها ثم ذكرهم الرسل بها في هذه الحياة فكأنهم علموها في هذه الحياة وكأنها ركزت في فطرهم، فصار كأنه أمر علمناه في هذه الحياة ونحن نشهده ونحن نذكره ونحن نستحضره عندما أعلمنا بها الرسل.

5) الحجة الخامسة: قالوا: الحكمة من الإشهاد إقامة الحجة على العباد والحجة لا تقام عليهم إلا بالفطرة وبإرسال الرسل وأما ما وقع في عالم الذر فهذا لا تقوم الحجة به على أحد. والجواب عن هذا: إذا أخبرنا الرسل الكرام عليه الصلاة والسلام بتلك الشهادة فقط فقد أقيمت الحجة علينا بذلك. 6) الحجة السادسة: المقصود من أخذ الميثاق عليهم (ميثاق الفطرة) تذكيرهم بهذا الميثاق لئلا يقولوا (إنا كنا عن هذا غافلين) وهم لا يذكرون إلا ميثاق الفطرة فلم يغفلوا عنه طرفة عين وأما الميثاق في عالم الذر هم في غفلة عنه ولا يعلمونه. والجواب عن هذا: بعد أن يعلموه صار له من المكانة كميثاق الفطرة بل ما هو أشد من ذلك. قال الإمام القرطبي: ومثال هذا مثال من طلق زوجته ثم نسي وغفل عن طلاقه فإذا قامت عليه البينة لشهادة شاهدين على أنه طلق، فإنه يثبت عليه الطلاق مع أنه في غفلة عنه. ... وهنا شهدنا ثم غفلنا عن تلك الشهادة ونسيناها فذكرنا بها الرسل فصار لها من الثبوت والمنزلة كثبوت دليل الفطرة ومنزلته بل ما هو أشد من ذلك. 7) الحجة السابعة: قالوا: إن الله جل وعلا ذكر حكمتين اثنتين لذلك الميثاق أولها: لئلا يقول الناس إنا كنا في غفلة عن هذا، والثانية لئلا يقولوا إننا قلدنا آباءنا وما عندنا ما يردعنا ويبين الحق لنا، وهاتان الحكمتان لا تحصلان إلا بعد دليلين معتبرين وحجتين عظيمتين: إرسال الرسل والفطرة، فالفطرة لا يجوز للإنسان أن يجحد خالقه، وبإرسال الرسل لا يجوز للإنسان أن يجحد خالقه وبهما أيضاً لا يجوز أن يقلد آباءه على الضلال والشرك.

والجواب عن هذا: هذا الاعتراض الذي ذكرتموه منقوض في حق دليل الفطرة فهل يعاقب الله عباده إذا كانوا في غفلة عن عبادته، ولم يوحدوه وقلدوا آباءهم في شركهم وضلالهم إذا لم يرسل لهم رسولاً؟ لا، إذن فالفطرة وحدها ليست كافية وهكذا نقول أيضاً إن ميثاق عالم الذر ليس بكافٍ وحده لإقامة الحجة بل لابد من إرسال رسول وقلت لكم هذا هو مناط التكليف، فإذن فميثاق الفطرة وحده لا تثبت به حجة وكذلك ميثاق عالم الذر لا تثبت به وحده حجه وعليه فهما متساويان فكيف تحملون الحكمة من الإشهاد على دليل الفطرة دون دليل وميثاق عالم الذر. 8) الحجة الثامنة: قالوا: إن الله جل وعلا لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار ولا يحصل قطع عذر العباد إلا بدليل الفطرة وإرسال الرسل ولذلك يقول الله جل وعلا مشيراً إلى نفي عذر الناس وأنه أخذ عليهم الميثاق لئلا يتعللوا ويتعذروا (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) أي كيف تهلكنا ونحن لم تقم علينا الحجة. والجواب عن هذا: كالجواب عن الذي قبله تماماً فالحجة لا تثبت على الناس بميثاق الفطرة فقط ولا تثبت عليهم بميثاق عالم الذر، فالإعذار لا يقطع إلا بإرسال الرسل فعلام أنتم حملتم هذا الميثاق في الآية على ميثاق الفطرة فقط وهذا لا يقطع عذر العباد، (قلت: ز- والحجة السابعة والثامنة والله أعلم – كأنها ناشئة من توهم أننا نرى أن ميثاق عالم الذر تحصل به الحكمتان ويحصل به الإعذار ونحن لا نقول بهذا على الإطلاق، فإن الظاهر من ميثاق احتجاجهم علينا أنهم يقصرون الحكمتين والإعذار على ميثاق الفطرة وإرسال الرسل فقط ويقولون لنا ميثاق عالم الذر لا يحصل به شيء من هذه الأمور الثلاثة (الحكمتين والإعذار) !! فكان الجواب كما ذكر شيخنا حفظه الله أن هذه الأمور الثلاثة إنما تثبت في حق ميثاق واحد هو ميثاق إرسال الرسل، ولا تثبت في حق ميثاق الفطرة كما زعمتم، ولا تثبت في حق ميثاق عالم الذر كما نقول نحن والله أعلم) .

9) الحجة التاسعة: قالوا إن الله أشهد كل واحد على نفسه واحتج عليهم بتلك الشهادة وهذه الشهادة التي يحتج بها عليهم هي ما ركز في فطرهم، ولذلك قال الله تعالى (ولإن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) . والجواب عن هذا: نقول وكذلك الشهادة التي شهدوا بها في عالم الذر يحتج بها ربنا علينا فقال في هذه الآية (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) ، فإن قيل: إن كثيراً من الناس لا يستحضرونها، أو كل الناس لا يعلمونها، نقول: إذا أعلمهم الرسل بها فصارت كما لو علموها كدليل الفطرة كما تقدم معنا. 10) الحجة العاشرة: قالوا: إن الله جل وعلا بعد أن ذكر هذا الميثاق قال: (وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) والآيات جمع آية والآية هي الدلالة الواضحة البينة التي لا يختلف عنها مدلولها، ودليل الفطرة لا يختلف عنها مدلوله. وهو الإقرار بأن الله ربهم وخالقهم. والجواب عن هذا: كم من إنسان يقر بفطرته بأن الله خلقه لكنه يجحده؟ فإذن لا يلزم من الإقرار الفطري أن يعبده ولا يلزم من الإقرار في عالم الذر أن يعبده وعليه فهذه الحجج كلها لا تقوم ولا تنهض، بل هي مجرد تكلف في أن المراد من الآية ميثاق الفطرة لا ميثاق عالم الذر. المواثيق الثلاثة وحجج الله على عباده التي أقامها عليهم انتهينا منها وعندنا تعليق يسير على هذا المبحث. الميثاق الفطري لا ينكره أحد فهذا موجود في الفطرة هو غريزة من الغرائز الموجودة في الإنسان، فالعباد فيهم غرائز يقومون بموجبها لأفعال في هذه الحياة منها غريزة التدين أو غريزة الجنس أو غريزة حب التملك، لذلك فالغريزة أصوات إلهية تقود المخلوقات بأسرها إلى إيجاد ما جعله الله فيها (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) .

فمثلا ً سواء وردت شريعة بحل النكاح أو لم ترد سيحصل اتصال بين الذكور والإناث لأن هذه غريزة جعلها الله في قلوب الناس فالأنثى عندها غريزة لا تهنأ إلا إذا صارت أماً والرجل لا يهنأ إلا إذا صار أباً ولذلك إذا تزوج ولم يأته أولاد تراه يبحث عن أطباء الأرض من أجل إنجاب ذرية. فإذن هذه (الجنس) غريزة تقود المخلوقات فترى الناس يسعون لتنفيذها لكن المؤمن هنا يتميز عن الكافر أو الفاسق، فالمؤمن يقوم بإشباع هذه الغريزة على حسب هدي الشرع فيثاب عليها [وفي بضع أحدكم صدقة] وأن الكافر أو الفاسق فيقوم بإشباع هذه الغريزة غالباً عن طريق الشهوة البهيمية والمتعة الحرام فيعاقب.

وكذلك التدين غريزة فلابد لكل إنسان أن يتدين لكن إما أن يتدين تديناً معوجاً وإما أن يتدين تديناً مستقيماً، فإما أن يتدين لله وهو التدين المستقيم وإما أن يتدين التدين المعوج فيتدين لبشر كحال الشيوعية أنكرت وجود الإله وقيام الساعة وكذبت وخونت الرسل عليهم الصلاة والسلام لكنهم يتدينون رغم ذلك لمن؟ يعبدون لينين بدلا ً من أن يعبدوا رب العالمين، وإما أن يتدين لبقر، أو لحجر أو لذكر، أو لشمس أو لقمر، لكن لابد من تدين فالإنسان عندما يشعر بضعفه وفقره ومسكنته يريد أن يلجأ إلى ما يراه أنه أقوى منه وأغنى منه، فالمؤمن يلجأ إلى الغني الحقيقي القوي، والمشرك تراه إما أن يلجأ إلى بشر أو إلى شمس أو إلى قمر أو حجر وما شاكل هذا، وما عبادة الأحجار والأشجار والأبقار إلا دليل على إشباع غريزة التدين، ولذلك فلابد لكل مخلوق مهما كان شأنه من عبادة لكن إما أن يعبد الله وإما أن يعبد غيره وإما أن يعبد نفسه (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) ، والقلب لابد له من تعلق لكن إما أن يتعلق بالرب وإما أن يتعلق بالخلق بصور أو بفرد أو بنساء أو بخمر أو ببقر ووصل هوس المهوسيين في موضوع التعلق بالمقبورين أنهم كانوا يقولون إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أي الجؤوا للأموات سبحان الله!! ماذا يغنون عنكم بل ماذا يغنون عن أنفسهم؟؟ لكن هذا هو القلب الخربان وهذه هي الذلة لغير الله، وأعز الناس في هذه الحياة وهو صاحب الحرية الحقيقية من لا تنحني جبهته إلا لخالقه سبحانه وتعالى ولا يذل نفسه إلا لربه وأما من عداه فلا يذل نفسه له. تغرب لا مستعظماً غير نفسه ... ولا قابلاً إلا لخالقه حكماً

أي لا يستعظم إلا نفسه (عزة إيمانية) ولا يقبل إلا حكم الخالق جل وعلا وحقيقة هذه هي الحرية هذا هو العز وهذه هي الكرامة وليس في تذلل الإنسان لخالقه منقصة، لكن في تذلله لغيره كل المنقصة ولذلك السؤال في حالة ضرورة يجوز لكن تركه أولى، لأن السؤال ذل ولا يليق أن يتذلل المخلوق لمخلوق؟! لا، إن الموت أحسن من أن تتذلل لمخلوق، ثم إن في سؤال المخلوقين ثلاث أنواع من الظلم: أولها: في حق نفسك حيث امتهنتها والله أمرك أن تعزها. والثانية: في حق المسئول لأنك أضجرته وآذيته، فبنو آدم عندما يسألون يتضجرون. والثالثة: اعتديت على الخالق لأن الله هو الذي يقول يا عبادي سلوني لأقضي حوائجكم. لا تسألن بُني آدم حاجة ... وسل الذي أبوابه لا تُحجبُ الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبُني آدم حين يُسأَل يغضب فإذن التدين غريزة، ركز في فطرنا وكذلك التملك غريزة، فكل واحد يحب أن يتملك وأن يكون في جيبه دراهم، فهذا فطر الله القلوب عليه (وتحبون المال حباً جماً) (وإنه لحب الخير لشديد) وبعض الناس وصل الآن سفاهتهم أنهم قالوا الدراهم مراهم، ولكن الحقيقة قالها بعض الأكياس الفطناء سمي الدرهم درهماً لأنه يُدِرُ الهم أي يجلبه ويأتي به. الشاهد أن حب التملك غريزة يحبها الإنسان ولا حرج عليه في ذلك إذ أخذها عن طريق شرعي [نِعْم المال الصالح للرجل الصالح] فيأخذه من حله ويضعه في حقه، وليس في جلب المال منقصة ما دمت تأخذه من حله وأنت مأجور وتضعه في حقه وأنت مثاب على ذلك وكما في الصحيحين [لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس] فلا حرج عليك في جمعه ولا تجعله يطغيك ولا تسرف فيه ولا تبطر به.

.. وليس في حب النساء منقصة للإنسان ما دام على حسب شريعة الله وكذلك حب المال ما دام على حسب شريعة الله وقد قال سيد الكاملين عليه الصلاة والسلام [حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني في الصلاة] فمثل هذه الطيبات لا حرج في حبها ما دامت على حسب شريعة الله، قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ... ) فهذه الطيبات يتمتع بها المؤمن والكافر في الحياة الدنيا، أما في الآخرة فلا يشارك المؤمن فيها أحد. (هذا الكلام كله جعلته كالتمهيد للإشكال الذي سيأتي، وهو مأخوذ من كلام الشيخ حفظه الله) الإشكال: قد يقول قائل: إذا أخذ الله علينا الميثاق في عالم الذر – كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة – على أنه خالقنا وربنا ومالكنا، وأودع هذا في فطرنا وغرزه فينا – وهو الميثاق الثاني – فجعلنا نقر بوجوب عبادته، فعلام توقف التكليف على إرسال الرسل ونزول الكتب، وقد أخذ علينا ميثاقين (في عالم الذر، والفطرة) ؟ الجواب عن الإشكال: توقف التكليف على إرسال الرسل ونزول الكتب لأمرين: الأمر الأول: أن العباد يكلفون قبل إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم بتوحيد ربهم، لكن الله جل وعلا كرماً منه وفضلاً رفع عنا العقاب قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب فقط لأن الغريزة الفطرية وإن كانت مركوزة في النفس الإنسانية إلا أنها في عرضة – أحياناً – للتغيير وللتلاعب وللخطأ، فلابد من إرسال الرسل لتكون الغريزة مستقيمة تهتدي بهدي ذلك الرسول، فغريزة التدين موجودة لكنها عرضة للتغيير. ... والعباد إذا أشركوا بالله قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب ظالمون معتدون مسرفون لكن لا عقاب على ظلمهم كرماً من الله وفضلاً.

.. وقد قرر الله هذين الأمرين (أن العباد ظالمون إذا لم يوحدوا الله قبل إرسال الرسل، وأنه لا عقاب عليهم مع ظلمهم) في سورة الأنعام يقول الله جل وعلا: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا، قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون، يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين، ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) الآيات 128- 131 (ألم يأتكم رسل منكم؟؟؟؟؟؟؟؟) وهو إرسال الرسل، (ذلك أن لم يكن..) هذا هو الشاهد أي إرسال الرسل وإقامة الحجة على العباد لئلا يهلك الله القرى بظلم منهم وبشرك منهم وضلال منهم، وهم غافلون عن بلوغ الدعوة ووصول الرسالة. ... إذن فأثبت لهم الظلم في حال غفلتهم وعدم إرسال الرسول إليهم إذ لم يعبدوه ولم يوحدوه ومع ذلك لا عذاب عليهم كرماً منه وفضلاً سبحانه وتعالى، وكان الأصل أن يعذبوا لأنهم جحدوا الميثاق الفطري لكن الله تكرم فقال أنا لا أعذب إلا بعد قيام الحجة على أتم وجه فانتبهوا يا عبادي أشهدتكم على أنفسكم في عالم الذر، وركزت في فطركم الإقرار بوجودي ووجوب عبادتي وأرسلت إليكم الرسل وأنزلت عليكم الكتب وتركتكم على المحجة البيضاء، فمن ضل بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه ولو عذبنا على الميثاق الفطري لاستحققنا العذاب لأننا ظالمون.

الأمر الثاني: الفطرة وإن دلت على وجود الله ووجوب تعظيمه إلا أنها لا تستطيع أن تحدد الأشكال التي يحصل بها تعظيم ذي العزة والجلال أي لا تستطيع أن تحدد شكل العبادة وشكل التعظيم الذي يتقرب به إلى الله، فقد يقول هذا أنا أعبد الحمار الذي خلقه الله تقرباً إلى الله، ويأتي هذا ويقول أنا أعبد هبل، وآخر يقول: اللات، وآخر لنين وآخر الشمس وآخر القمر وآخر الحجر وهكذا كلٌ سيعبد ما شاء إن لم يرسل رسولاً وينزل كتاباً على البشر. ... ولذلك كل ما يحصل به تعظيم الله جل وعلا هو عبادة والعبادة توقيفية لا مجال للعقل فيها، فنعبد الله بما يشاء لا بما نشاء ولذلك [من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد] . (ذكر الشيخ قصة عن الشيخ صالح الجعفري من علماء الأزهر حيث كان يقول لا يوجد شيء اسمه بدعة فكل ما نقصد به الخير فهو جائز مستدلاً بالآية (وافعلوا الخير..)) . (ذكر الشيخ قصة المهوس عيسى؟؟؟ وضلالاته التي يقررها من جواز الاستغاثة بغير الله، وأن أهل السنة حذفوا لفظ وعترتي من حديث فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين وغير ذلك من الضلالات ... ) فمن أجل الأمرين السابقين توقف التكليف على إرسال الرسل وإنزال الكتب.

الكرسي والعرش للشيخ عبد الرحيم الطحان - التعليق على الطحاوية

لفضيلة الشيخ الدكتور جمعها أبو عبد الرحمن زيد محمد بكَّار الكيلاني بسم الله الرحمن الرحيم المحاضرة الأولى 21/2/1421 هـ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فأول مبحث عندنا هو: مبحث: الإسراء والمعراج المراد بالإسراء: ما حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام من رحلة مباركة من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في جزء من الليل وتبع ذلك العروج به إلى السموات العلا إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام أي حسها وكتابتها في اللوح المحفوظ عندما تكتب تقدير الله جلا وعلا، ثم أعيد عليه صلوات الله وسلامه إلى مكة المكرمة ولا زال فراشه دافئاً أي: لم يبرد بعد فراق النبي صلي الله عليه وسلم، وذلك أن الفراش يدفأ من أثر احتكاك الإنسان به وتنفسه ويسخن عندما ينام الإنسان فيه وهكذا عندما يجلس الإنسان، لذلك ورد في معجم الطبراني أو البزار – شك الشيخ الطحان – بسند ضعيف [أن امرأة جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام تناجيه في مسألة وتستفتيه في أمر في مسجده عليه صلوات الله وسلامه عليه وبعد أن انتهت وقامت جاء رجل وأراد أن يجلس مكانها، قال: لا حتى يبرد المكان] فالشاهد: أن الإنسان عندما يجلس في مكان أو ينام في هذا المكان يكون فيه شيء من دفئه وحرارته الغريزية. وسنتناول مبحث الإسراء والمعراج ضمن مراحل متعددة: المرحلة الأولي:

يجب علينا إذا أردنا أن نتكلم على هذا الحادث العظيم الجليل الشريف المبارك أن نذكر الآية التي أشارت إليه في سورة سميت باسم هذا الحادث المبارك وهي سورة (الإسراء) ، وتسمي أيضا بسورة (بني إسرائيل) وتسمي أيضا بسورة (سبحان) فلها ثلاثة أسماء، وأسماء السور توقيفية مبناها على النقل لأعلى العقل وعلى الرواية لأعلى الرأي، إما من الصحابة فلكلامهم حكم الرفع إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه ورضي الله عنهم أجمعين، وإما النقل عن التابعين فلذلك حكم الرفع المرسل فيقبل قول التابعي: (1) إذا تعزز بقول تابعي الآخر (2) إذا كان قائله من أئمة التفسير الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة كمجاهد بن جبر وسعيد بن جبير عليهم جميعاً رحمة الله. فأسماء السور إذن توقيفية وكذا القول بأن هذا مكي وهذا مدني وأسباب النزول كلها مبنية على الرواية لأعلى الرأي وعلى النقل لأعلى العقل. يقول ربنا الجليل في أولها (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) . هذه الآية لابد من تفسيرها وكل من يتكلم على حادث الإسراء والمعراج ينبغي أن يستعرض تفسير هذه الآية لتربط المباحث ببعضها. (سبحان) مأخوذة من السَّبْح وهو الذهاب والإبعاد في الأرض، ومنه يقال السابح الذي يسبح في البركة وفي البحر سابح لأنه يبعد ويذهب بعيداً في حال سباحته، ولذلك لا تصلح السباحة في مكان ضيق محصور متر في متر ونحوها.

فسبحان مأخوذة في أصلها اللغوي من المسبح وهو الذهاب والابتعاد في الأرض كما ذكرنا ولفظ (سبحان) إما أن يكون مصدر (سبَّح - يسبح – تسبيحاً – وسبحاناً) على وزن (كفر – يكفر – تكفيراً وكفراناً) وهذا المصدر منصوب يعامل إما من لفظه فنقدر نُسبِّحُ الله سبحاناً، وإما من غير لفظه فنقدر: أُنِّزهُ الله سبحاناً، وكلا التقديرين صحيح، وأما سبحان عَلَمٌُ على التسبيح انتصب بفعل مضمر، ثم نُزِّل ذلك العلم منزلة الفعل وسد مَسَدَّهُ. وأما معنى (سبحان) فقد جاء لثلاثة معانٍ في القرآن: 1- أولها: تنزيه الله عن السوء وتبرئته من كل نقص، قال الإمام ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل في آخر سورة الصافات عند قوله: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) الآيات قال: "كثيراً ما يقرن الله بين التسبيح والتحميد" (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) يقرن بين التسبيح والتحميد؛ لأن كلاً منها يكمل الآخر "، فالتسبيح فيه تبرئَة لله عن النقائص ويستلزم ذلك إثبات المحامد إذن فيتضمن نفي النقص عن الله ويستلزم إثبات الكمال له، والحمد بالعكس يتضمن إثبات الكمال لله ويستلزم نفي النقص عنه فكل منها يستلزم الآخر. التسبيح يتضمن معناه الأصلي – نفي النقص عن الله وذلك يستلزم إثبات الكمال فإذا انتفى النقص ثبت الكمال وكل نفي لا يدل على إثبات ما يضاده فلا مدح فيه. س: إثبات الكمال بلفظ التسبيح من أي أنواع الدلالات هل هو دلالة تضمن أم دلالة مطابقة أم دلالة التزام؟ جـ: دلالة التزام، فإن معنى دلالة التضمن هو أن يدل اللفظ على ما وضع له أي وضع لأجل أن يدل على تبرئة الله عن النقص، وأما معنى دلالة الالتزام فهو دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعني لكن لازم له فإذا نُفي النقص ثَبَتَ الكمال.

فمثلاً: الحمد يتضمن إثبات الكمال والمحامد لله وذلك يستلزم نفي النقص فكلاً منهما يستلزم الآخر ويدل عليه فقرن الله بينهما فكأن الدلالة التي في فظ التسبيح جيء بالحمد ليدلل الله عليها دلالة تضمن ودلالة مطابقة لا دلالة الالتزام، وهكذا الدلالة التي في الحمد وهي نفي النقص عن الله جيء بلفظ التسبيح ليدل عليها صراحة وتضمناً ومطابقة لا التزاماً. فـ[نفي النقص عن الله يستلزم إثبات الكمال وإثبات الكمال يستلزم نفي النقائص] ولذلك يقرن الله بين التسبيح والحمد لكن أصل معنى التسبيح تنزيه الله عن كل نقص وسوء. لذلك قال ربنا جل وعلا: (وقالوا اتخذ الله ولداً) فبأي شيء عقب على هذا الكلام (سبحانه) تعالى وتنزه عن هذا النقص، فهكذا كل نقيصة يقولها الكفار ينفيها الله جل وعلا عن نفسه بلفظ التسبيح. إذن تنزيه الله عن السوء وقد ورد في مستدرك الحاكم (1/502) في كتاب الذكر والدعاء عن طلحة بن عبيد الله – أحد العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم – قال [سألت النبي صلي الله عليه وسلم عن معني التسبيح فقال نبينا عليه الصلاة والسلام: هو تنزيه الله عن كل سوء] إذن فهذا هو معنى التسبيح، تبرئة الله عن النقائص وعن السوء. وهذا الأثر صححه الحاكم وقال إسناده صحيح لكن تعقبه الذهبي وقال: قلت: ليس كذلك ثم بين أن فيه ثلاث علل: العلة الأولي: فيه طلحة بن يحي بن طلحة بن عبيد الله الحفيد، منكر الحديث كما قال البخاري.

العلة الثانية: وفيه حفص تالف الحديث واهٍ، وحفص هذا هو الذي نقرأ بقراءته فهو في القراءة إمام لكنه في الحديث تالف ضعيف، فإنه ما صرف وقته لحفظ الحديث وضبطه فكان إذا حدث يَهِمُ وسبب الضعف عدم الضبط لا عدم الديانة فانتبه!!!.. فإن سبب الضعف إما زوال الديانة أو زوال الضبط وليس في زوال الضبط منقصة وإن كانت روايته تُردُّ، لكن إذا كان الضعف بسبب ضياع العدالة؛ لأنه فاسق، كذاب، شارب للخمر، مرتكب الكبيرة، وما شاكل هذا فهذا هو النقص، أما إذا كان الإنسان لا يحفظ، وإذا حفظ ينسى، وإذا حدث يخلط، فهو مردود الرواية وسبب الرد عدم الضبط وذلك لأنه لابد من عدالة وضبط فإذا رُدَّتْ رواية الراوي لعدم ضبطه فلا منقصة في دينه، وإذا رُدَّتْ رواية الراوي لعدم عدالته فهذا هو البلاء. وحفص من ناحية العدالة عدل وفوق العدل، عدل إمام رضا، لكن في ناحية ضبط الحديث واهي الحديث تالف الحديث. العلة الثالثة: وفيه أيضاً عبد الرحمن بن حماد منكر الحديث كما قال ابن أبي حاتم، فالحديث من ناحية الإسناد ضعيف لكن المعنى صحيح، أي تفسير سبحان الله والتسبيح بأنه تبرئة الله عن كل سوء وعن كل نقص، ثبوت هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم ضعيف من حيث الإسناد لكن المعنى صحيح. ثانيها: ويأتي التسبيح بمعنى التعجب، وهذه المعاني ضروري معرفتها في هذا المبحث إذ لها معانٍ كبيرة وخفية فلفظ (سبحان) هذا وحده يدلنا على أن الإسراء كان بالروح وبالجسد كما سيأتينا، فلفظ سبحان على حسب ما فيها من دلالتين: إما تنزيه الله عن كل نقص أو التعجب، نستدل على أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد، كيف هذا؟

لو كان رسولنا عليه الصلاة والسلام كذاباً – وحاشاه من ذلك- وقال: أسرى الله بي إلى بيت المقدس وعرج بى إلى السموات ورجعت ولم يكن ذلك قد حصل، فإذا أقره الله فماذا يكون في هذا؟ يكون فيه منقصة في حق الله، فإذن هذا يكذب عليه وهو يؤيده بخوارق العادات من إنزال القرآن وغيره أفلا يكون في هذا منقصة والله تعالى يقول: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) . فلفظ (سبحان) إذن أول ما يدل عليه أن الإسراء والمعراج بالجسد لا بالروح فقط لأن هذا لو كان على خلاف ذلك لما كان هنا داعٍ لتعجيب العباد من هذا، فالروح كل واحد يرى أنه أسري بها، فقد يري الكافر أنه أسري بها إلى الصين التي هي أبعد من بيت المقدس، وهذا واضح ولو كان النبي صلي الله عليه وسلم يخبر بخلاف الحقيقة فكيف يقره الله وهو أحكم الحاكمين ورب العالمين؟! لذلك قال أئمتنا: المعجزة تدل على صدق الرسول لأنها بمثابة قول الله: صدق عبدي فيما بلغ عني. فلو كان نور مثلا حاضراً في مجلس الأمير، والأمير جالس، وقام وقال أنا رسول الأمير إليكم وأنني مسئول عن أمور الرعية، وأنا نائبه، وقد فوض إلي تدبير الشؤون في هذه المنطقة وأنا ممثله وليس عندي كتاب عنه وما تكلم هو، لكن الدليل على أنني رسوله وأنني نائبه أن الأمير يقعد الآن أمامكم عشر مرات فقام الأمير وجلس وقام وجلس وقام وجلس عشر مرات وما تكلم، أفلا يدل هذا على صدقه؟ نعم يدل دلالة أقوى من الكلام، ولو كان كذاباً لقال الأمير: اضربوا رقبته. فعندما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام للقمر بيده هكذا فينشق فلقتين فهذا لو كان كذاباً لما أيده الله، فإذا كان من علامة صدقه أنه يشير إلى القمر فينشق (اقتربت الساعة وانشق القمر) ولو كان كذاباً لما أيده الله.

وانظر إلى مسيلمة الكذاب لما قيل له: إن محمداً عليه الصلاة والسلام يبصق في عين الأرمد فيبرأ، فقد بصق في عين علي بن أبي طالب وكان يشتكي عينيه فما اشتكي منهما بعد ذلك، فقال مسيلمة هاتوا أرمداً لأبصق في عينيه فأتي له أرمداً فبصق في عينيه فعمي. فجوزي بنقيض قصده لذا قال أئمتنا: تلك معجزة وهذه إهانة وذلك خارق للعادة وهذا خارق للعادة لكن ليفضحه الله. وقيل له كان النبي صلي الله عليه وسلم يضع يده في الماء فيفور الماء من بين أصابعه ولما كان صلوات الله وسلامه عليه مع أصحابه في صلح الحديبية كانوا (1500) شخصاً وكفاهم الماء القليل عندما وضع في تور من ماء – إناء صغير- أصابعه صلوات الله عليه فبدأ الماء يفور من بين أصابعه فقيل لمسيلمة عندنا بئر ماؤها قليل لعلك تدخل فيها وتقرأ عليها وتتمتم ليبارك لنا في مائها ففعل فغارت. فهذا خارق للعادة لكنه إهانة وذلك خارق للعادة لكنه معجزة. إذن فلا يظن أن البحث في معنى سبحان من باب النافلة بل هو مرتبط ببحثنا فـ (سبحان) سيأتي أنه من الأدلة على أن الإسراء كان بالروح والجسد.

فـ (سبحان) تأتي بمعني التعجب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة كما في صحيح البخاري: [سبحان الله: إن المؤمن لا ينجس] وأول الحديث يقول أبو هريرة: [لقيت النبي عليه الصلاة والسلام في بعض طرق المدينة أو مكة وكنت جنباً فانخنست منه] أي تسللت في خفية وتواريت عنه لئلا يراني – وقد كان من عادة النبي صلي الله عليه وسلم إذا التقى بأصحابه يصافحهم ويداعبهم ويضاحكهم وليس حاله كحال الجبابرة الطغاة، لذلك لما حج النبي صلي الله عليه وسلم وفداه أبي وأمي فرد فردا ولا إليك إليك أي ما أحد يقال له تنح من أمام النبي عليه الصلاة والسلام، فالناس يمشون بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وهو مع الناس، نَفَرٌ منهم، فإذن له لما رأى أبو هريرة النبي عليه الصلاة والسلام وكان أبو هريرة جنباً يقول: انخنست منه أي تسللت في خفية لئلا يصافحني فكيف يصافحني وأنا جنب، وقد كان يظن أن الإنسان إذا أجنب تنجس [فذهب فاغتسل ثم جاء، قال أين كنت يا أبا هريرة؟ قال كنت جنباً فكرهت أن أجالسك قال: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس] فما معنى (سبحان الله) هنا؟ معناها: أتعجب منك يا أبا هريرة، أنت حافظ العلم ورواية الإسلام كيف يخفى عليك هذا الحكم في شريعة الرحمن. (أسرى) قال علماء اللغة سرى وأسرى بمعنىً واحد مثل سقى وأسقى، قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: حي النضيرة ربت الخدر ... أسرت إليّ ولم تكن تسري النضيرة في البيت إما زوجته أو ابنته أو أخته المقصود جاءته في الليل يحييها أسرت إليه ولم تكن تسري، قال علماؤنا: جمع حسان اللغتين في هذا البيت أسرت فهذا أن أسرى وتسري من سرت لأنها لو كانت من أسرت لقال تُسري.

قيل إنه سير الليل خاصة، وعليه فذكر (ليلاً) في الآية للإشارة إلى تقليل الزمن في تلك الليلة فما سراه لم يكن في مدة الليلة بكاملها إنما كان الإسراء والمعراج به كان في جزء من الليل ولم يكن في جميع الليلة، ويدل على هذا قراءة بن مسعود وحذيفة وهى قراءة شاذة (سبحان الذي أسري بعبده بالليل) بدلاً من (ليلاً) أي أن السرى حصل لنبينا صلوات الله عليه وسلامه والإسراء به حصل في جزء من الليل فذكر ليلاً، فالتنكير هذا للتقليل حصل له في جزء من الليل وكما ذكرنا فراشه دافئ وقال الزجاج: هو مطلق السير في ليل أو نهار وعليه فذكر الليل لبيان وقت الإسراء. (بعبده) هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الرحمن ونعته بهذا الوصف وهو العبودية لأمرين معتبرين: الأمر الأول: أنه أكمل النعوت وأشرف الخصال في حق البشر؛ لأن العبودية تضمن أمرين اثنين: حب كامل وذل تام، ولا يكون العبد عبداً إلا بهذين الأمرين، فيحب الله محبة تامة كاملة، ويتذلل تذللاً تاماً كاملاً، فمن بلغ هذين الأمرين يقال له: هو عبد، وهذه أشرف صفة ولذلك نعت الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف الذي يشير إلى هذين الأمرين في أعلى المقامات وأجلها منها قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده) ، (الحمد لله الذي أنزل على عبده) ، (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) ، (وأنه لما قام عبد الله يدعوه) فينعته ربنا بلفظ العبودية؛ لأنه أشرف وصف في المخلوق وهو أن يكون عبداً للخالق، أي يحبه حباً تاماً ويتذلل إليه تذللاً تاماً.

ونبينا عليه الصلاة والسلام نال من هذين الوصفين أعلى نصيب ممكن في حق البشر لذلك فهو أشرف المخلوقات على الإطلاق، ثبت في المستدرك وميند البزار بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً عليه وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [خيار ولد آدم] وفي رواية: [سيد ولد آدم خمسة محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح وسيد خلقه محمد عليه صلوات الله وسلامه] . فقد اتفق أئمتنا – وهذا قد مر معكم في مبحث النبوة في المستوى الأول في شرح العقيدة الطحاوية – على أن أفضل البشر الأنبياء وأفضل الأنبياء الرسل وأفضل الرسل أولو العزم وهم الخمسة الذين ذكرهم الله في آيتين من كتابه (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم) آية 7 من سورة الأحزاب، وفى سورة الشورى آية رقم 13 (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) فأفضل الرسل أولو العزم، وأفضل أولو العزم الخليلان إبراهيم ومحمد على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وأفضل الخليلين أكملها خلة وأعظمها محبة لربه وهو محمد صلى الله عليه وسلم. فخلة إبراهيم لربه دون خلة نبينا عليه الصلاة والسلام لربه، والخلة هي أكمل مراتب المحبة وهي في المحبة كالمقت في الغضب فكما أن المقت أعظم أنواع الغضب، فالخلة أعلى مراتب المحبة. قد تخليت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلا

ولذلك ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله] فليس في قلبي متسع لغير ربي، فمحبتي كلها له فهذا أعلى الحب وأكمله ولذلك يقول إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كما في حديث الشفاعة الطويل الثابت في مسلم وغيره عندما [يذهبون إليه فيقولون له اشفع لنا فأنت اتخذك الله خليلاً فيقول: إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإنه عبد صالح قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيذهبون له فيشفع لهم] وهي الشفاعة العظمي والمقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون، النبيون والمرسلون عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. نعم يلي نبينا في الفضيلة إبراهيم فهو خليل الرحمن وما بلغ مرتبة الخلة إلا نبينا عليه الصلاة والسلام وأبونا إبراهيم، فإبراهيم جعل قلبه للرحمن بشهادة ذي الجلال والإكرام حيث قال (إذ جاء ربه بقلب سليم) ، وجعل بدنه للنيران وماله للضيفان وولده للقربان أما يستحق هذا أن يتخذه ربنا الرحمن خليلاً وحقيقة الخلة كاملة، والمحبة تامة والعبد هو من جمع حباً وذلاً، يحب ربه من كل قلبه بكل قلبه، ويتذلل له بجميع جوارحه. فمن حقق هذين الأمرين فهو عبد، فالنعت إذن بوصف العبودية هذا مدح ليس بعده مدح أن يقول لك ربك عبدي، هذا شرف لك ليس بعده شرف. ومما زادني عجباً وتيهاً ... وكدت بأخمصي أطأ الثُّربا دخولي تحت قولك يا عبادي ... وأن صيرت أحمد لي نبيا ولكل ما سبق نُعت النبيُّ صلي الله عليه وسلم بـ (عبده) . الأمر الثاني:

الذي من أجله وصفه الله بهذا الوصف خشية أن تغلو الأمة فيه، فنعته بوصف العبودية لتعرف الأمة وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم ومكانته لا نقول: بما أنه أفضل المخلوقات وأسرى الله به وعرج به إلى السماء وأنزل عليه القرآن وفضله على العالمين إذن نذهب نصلي لقبره ركعتين وعندما نذبح نقول بسم محمد وعندما نقع في كربة نقول يا رسول الله فرج عنا، فلئلا تقع الأمة في هذا الضلال أخبرنا الله أنه عبد فإذا كان عبداً فلا يحق أن تصرف له شيئاً من العبادة، فهذا خاص لله جل وعلا. فَنُعِتَ بهذا الأمر لأجل المدح والتحذير من الغلو ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله] عليك صلوات الله وسلامه يا أفضل خلق الله ويا أكرم رسل الله، والإطراء وهو المجاوزة في المدح والمبالغة فيه. إخوتي الكرام..... إذا ذكر الإنسان النبي عليه الصلاة والسلام فينبغي أن يذكره بالتبجيل والتوقير والاحترام وأن يتبع هذا عليه الصلاة والسلام. وأما ما شاع بين الناس في هذه الأيام لما خربت قلوبهم وأظلمت من جفاء نحو ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام تراه على المنبر وأحيانا داعي يقول: كما قال رسولكم محمد بن عبد الله، فهذا ينبغي أن يضرب على فمه حتى تسيل الدماء منه، فهذا جفاء وقلة حياء بل كان الواجب أن يقول قال محمد رسول الله، هل نعته الله بأنه ابن عبد الله في كتابه؟ وهل في نسبته لأبيه مدح؟ لا إنما في نسبته إلى الله مدح فالواجب أن يقال: رسول الله خاتم النبيين وغيرها فبهذا نعته الله (محمد رسول الله) ، (محمد عبد الله ورسوله) ، (ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله إليكم وخاتم النبيين) ، (يا أيها النبي اتق الله) ، (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل لك) ، ولم ترد إضافته إلى أبيه في القرآن.

ولا يجوز أن تضيفه إلى أبيه إلا في مقام النسب فقط، فتأتي بنسبه فتقول: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب – إلخ النسب ما عدا هذا ذكره مضافاً إلى أبيه من البذاء والجفاء وقلة الحياء وعدم تعظيم خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه، فانتبهوا لهذا. تضيفه لله فلا حرج قال محمد بن عبد الله ورسوله لكن ليس: قال محمد بن عبد الله. (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) وقد أفتى ابن حجر الهيتمي بأن من قال عن نبينا عليه الصلاة والسلام بمقام الدعوة والتبليغ قال محمد بن عبد الله بأنه يعزر. وحقيقة الأمر كذلك لأن هذا كما قلنا من عدم توقير النبي عليه الصلاة والسلام. (المسجد الحرام) الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج وردت في الظاهر متعارضة، لكن نجمع بينها فيزول التعارض: ورد أنه أسري به من بيت بنت عمه فاخِتة أم هانئ بنت أبي طالب. وورد أنه أسري به من شعب أبي طالب. وورد أنه أسري به من بيته ففرج سقف بيته ونزل المكان وأخذاه. وورد أنه أسري به من الحجر من الحطيم وهو حجر إسماعيل. قال الحافظ ابن حجر: لا تعارض بينها، فكان نبينا عليه الصلاة والسلام نائما في بيت بنت عمه أبي طالب فاخِتة أم هانئ، وبيتها كان في شعب أبي طالب، أضيف إليه سقف بيته فرج لأجل سكناه فيه؛ لأنه يسكن فيه وإن كان لا يتملكه كما تقول فتح علي باب حجرتي وأنت في الفندق فأضيفت إليه الحجرة تملكاً في السكن لسكنه فيها وكذا أضيف البيت للنبي صلى الله عليه وسلم لسكناه فيه ثم بعد أن أخرج من بيت أم هانئ في شعب أبي طالب وقيل له بيته لأنه يسكنه أُخذ عليه صلوات الله وسلامه إلى الحجر ولازال فيه أثر النعاس وأُرْجِعَ فيه، ثم بعد ذلك هيأ من ذلك المكان وأخرج من باب المسجد الحرام إلى رحلة الإسراء والمعراج فحصلت جميع هذه الأمور من بيت أم هانئ في شعب أبي طالب وهذا بيته وأُخذ إلى الحِجْر وأُسري به من حِجْر إسماعيل وهو الحطيم. المحاضرة الثانية

الثلاثاء 16/3/1412هـ وقد أضيف بيت بنت عمه أبي طالب أم هانئ فأختة للنبي صلى الله عليه وسلم لسكناه فيه كما قال الله جل وعلا: (لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم) فالإضافة هنا للسكن أو للملك؟ هي للسكن، ولو كنت تملك البيت، لكنك أجرته فلا يجوز أن تدخله وإن كان ملكاً لك وهنا أضيف البيت إليه لسكناه فيه، هذا البيت هو لبنت عمه في شعب أبي طالب وأضيف إليه هو ضمن الحرم. والمراد من (المسجد الحرام) حرم مكة المكرمة، وليس المراد منه خصوص المسجد لأن لفظ المسجد الحرام شامل لحرم مكة، ولذلك من صلى في أي بقعة من بقاع الحرم تضاعف صلاته مائة ألف صلاة ولا يشترط هذا أن يكون في خصوص المسجد الحرام الذي يحيط بالكعبة بخلاف مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فالأجر هناك بألف لمن صلى في خصوص المسجد أما مكة فكلها حرم في أي جهة تصلى في مسجد الكعبة الذي يحيط بالكعبة أو في أي مسجد آخر فالصلاة تضاعف بمائة ألف صلاة والله تعالى أشار إلى هذا في كتابه فقال (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام) أي عن مكة، وهذا وقع في صلح الحديبية، والله جل وعلا يقول: (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواءً العاكف فيه والباد) فما المراد بالمسجد الحرام هنا؟ هل المراد خصوص المسجد وبقعته التي تحيط بالكعبة؟ لا، بل المراد مكة يستوي فيها البادي والحاضر فهذه خصوصية لمكة، جميع بقعة الحرم يقال لها مسجد حرام.

وعليه فإن المراد بقوله: (من المسجد الحرام) أي من مكة المكرمة سواء كان في بيت أم هانئ أو سواء كان في الحجر، لكنني قد جمعت بين هذه الألفاظ وقلنا: إنه كان نائما في بيت أم هانئ وهو شعب أبي طالب، وأضيف البيت إليه لسكناه وقيل أنه أسري به من الحجر والحطيم الذي حطم وفصل من الكعبة عندما ضاقت بقريش النفقة وهو حجر إسماعيل وهو جزء نصف دائري يبعد عن الكعبة قليلاً ومازال موجوداً إلى الآن وهو من الكعبة ومن مر بينه وبين الكعبة فكأنما مر في جوف الكعبة تماماً، ولو كنت تطوف فيما بينه وبين الكعبة لم يصح الطواف بل لابد من الطواف خارج حجر إسماعيل، وهذا الحجر الأصل أنه من الكعبة لكن لما ضاقت النفقة بقريش سابقاً فصلوا هذه البقعة عن الكعبة وحوطوا عليها للإشارة إلى أنها من الكعبة وبقي البناء على هذا والنبي عليه الصلاة والسلام قال لأمنا عائشة والحديث في صحيح البخاري: [لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فنقض وأدخلت حجر إسماعيل وجعلت له باباً شرقياً وغربياً يدخل الناس ويخرجون] أي إلى جوف الكعبة، لكن ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام هذا لئلا يقول الناس وهم حديثو عهد بجاهلية بدأ يتلاعب في هذا البيت المعظم الذي هو بيت الله الحرام، فتركه على ما كان ولا حرج في ذلك ولا مضرة ثم بقي على هذه الشاكلة. لما جاء عبد الله بن الزبير نقض البيت الحرام وأدخل الحجر وجعل له بابين: باباً من الشرق وباباً من الغرب ولما قتل رضي الله عنه وأرضاه في الحروب التي جرت بينه وبين بني أمية في عهد عبد الملك بن مروان أمر عبد الملك بأن يعاد البيت كما كان فأعادوه إلى هذه الكيفية الموجودة الآن.

ولما جاء أبو جعفر المنصور – الخليفة العباسي - استشار الأئمة وعلى رأسهم الإمام مالك عليهم رحمة الله في أن يعيد البيت كما فعله عبد الله بن الزبير فقال الإمام مالك: الله الله يا أمير المؤمنين في هذا البيت ألا يصبح ألعوبة بأيدي الحكام كل واحد يأتي ينقضه من أجل أهواء سياسية، عبد الله بن الزبير أصاب السنة فمن أجل أن يخالفه بنو أمية نقضوا البيت، فأنت الآن ستخالفهم وتعيد البيت نكاية ببني أمية، فيأتي حاكم بعد ذلك نكاية بك ينقضه، فيصبح البيت ملعبة، فاتركه على شاكلته. الشاهد: أنه صلى الله عليه وسلم نائماً في الحجر في الحطيم فجاءه ملكان وأخرجاه إلى باب المسجد وبدأت رحلة الإسراء والمعراج، هذه الأمور الأربعة المسجد الحرام والحجر وشعب أبي طالب وبيته كلها يشملها المسجد الحرام. (إلى المسجد الأقصى) هو بيت المقدس المعروف والموجود في بلاد الشام في فلسطين وسمي بالأقصى وهو الأبعد لأنه لم يكن على وجه الأرض في ذلك الوقت إلا مسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والمسجد الأقصى بالنسبة للمسجد الحرام بعيد المسافة، كما قال المشركون خمسة عشر يوماً ذهاباًً وخمسة عشر يوماً إياباً فيحتاج من يسافر إليه شهراً كاملاً ذهاباً وإياباً، فقيل الأقصى أي الأبعد مسافة لأنه هو أبعد مسجد عن مكة وما كان على وجه الأرض في ذلك الوقت إلا هذين المسجدين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، أما مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن له وجود لأنه حصل بعد الهجرة وسيأتينا أن حادثة الإسراء والمعراج كانت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله. إذن المسجد الأقصى قيل له: أقصى لبعد المسافة بيه وبين مكة.

والمسجد الحرام هو أول بيت وضع للناس كما قال الله تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين) . بكة ومكة اسمان مترادفان، سميت بكة ومكة لأنها تبك وتمك رؤوس الجبابرة وتقسم ظهورهم وما أحد أرادها بسوء إلا عاجله الله بالعقوبة. بك هو قطع العنق ودقه، وهكذا المك، بك ومك، وسميت ببكة وبمكة مأخوذ من المك يقال: إذا خرجت أمعاؤه ونفسه وروحه من كثرة الزحام، ولما يحصل فيها أيضاً زحام حول الطواف عند اجتماع الناس من كل فج عميق. فإن قيل لها مكة وبكة لحصول الزحام فيها ولعقوبة الله لكل من أرادها بسوء. والمسجد الحرام بمكة هو أول بيت وضع للناس يليه المسجد الأقصى، وبينهما أربعون عاماً كما ثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام من حديث أبي ذر، ولا يشكلن عليك هذا الدليل وإياك أن تقول إن أول من بنى بيت الله الحرام إبراهيم وأول من بنى بيت المقدس داوود فليس الأمر كذلك. أول من بنى المسجد الحرام الملائكة ثم بنت بيت المقدس بعده بأربعين عاماً. وهناك قول ثانٍ ولا يصح غير هذين القولين، أول من بنى المسجد الحرام آدم وآدم حج إلى بيت الله الحرام قطعاً وجزماً وهكذا جميع أنبياء الله ورسله كلهم حجوا بيت الله الحرام. والبيت المعمور في السموات بعد ذلك هذا على حيال وعلى اتجاه الكعبة التي في الأرض تماماً، وهذا البيت – المسجد الحرام – كان موجود من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة، كان يحجه ويزوره وآدم زار البيت وحج واعتمر وهكذا جميع أنبياء الله ورسله ثم بعض بنى آدم بني المسجد الأقصى وكان بينهما أربعون عاماً هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح مسلم ونص الحديث: [أول مسجد بنى المسجد الحرام قلت: ثم أي يا رسول الله؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون عاماً] . فقيل له أقصى لأن مسافته بعيدة عن المسجد الحرام. (الذي باركنا حوله)

البركة هي: ثبوت الخير للشيء والله جعل بركات عظيمة حول المسجد الأقصى هذه البركات شاملة لبركات الدين والدنيا. أما الدين فهي مكان بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه، في بلاد الشام. وأما الدنيا فما فيها من الخيرات والزروع والثمار لا يوجد في الأرض له مثيل ونظير، فالخيرات فيها عظيمة فيما يتعلق بخيرات الدين وفيما يتعلق بخيرات الدنيا. (باركنا حوله) ديناً ودنيا ولذلك اعتبر نبينا عليه الصلاة والسلام أصول الفساد في بلاد الشام علامة على فساد سائر البلدان لأن المكان المبارك إذا فسد فعيره أفسد؛ ثبت في صحيح ابن حبان ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذي عن قرة بن إياس – والحديث حسنه الترمذي وصححه بن حبان – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم] وأهل الشام الآن أخبث من الشيطان إلا من رحم ربه وقليل ما هم، ولذلك فالبشرية فيها هذا البلاء والغثاء والضلال لأن الخيار فسدوا فكيف سيكون حال الأشرار؟! المكان الذي بارك ألله فيه ضل وزاغ فكيف سيكون حال الأمكنة الأخرى؟! وحديث الصحيحين عندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة [وأنه لن تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله قال: وهم بالشام ظاهرون] فإذن بركة الدين والدنيا، ونزول عيسي على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه في آخر الزمان سيكون في بلاد الشام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب المسيح الدجال عليه وعلى جميع الدجاجلة لعنة الله وغضبه – فيقتله بباب لد في فلسطين، فإذا رآه الدجال إنماع كما ينماع الملح في الماء فيقول: اخسأ عدو الله فإن لك ضربة لن تخطأك فيضربه عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فيقتله.

وليقرر إليه هذه البركة على أتم وجه أتى بأسلوب مقرر في البلاغة وهو أسلوب الالتفات وهو نقل المخاطب من هيئة إِلى هيئة ومن صيغة إلى صيغة، فمثلاً: يكون يتحدث في حال الحضور فينتقل إلى الغيبة ويكون في حال الإفراد فينتقل إلى الجمع، ويكون في حال غيبة فينتقل إلى حضور وهكذا، فيغير في أسلوب الكلام من أجل أن يلفت الأذهان ويشحذها وأن هذا أمر عظيم ينبغي أن تقفوا عنده، فأين الالتفات في الآية؟

المُخاطِبُ هو الله – سبحان الله - غير في الكلام، فكان الكلام على صيغة (سبحان الذي أسرى) وأسرى غيبة، (أسرى بعبده) فلم يقل أسريت بعبدي، ولم يقل: سبحاني أسريت بعبدي، أو سبحاننا أسرينا بعبدنا على وجه التعظيم – من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله، إذ أصل الكلام أن يقول: سبحاننا أسرينا بعبدنا ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله فتكون باركنا مثل سبحاننا وأسرينا وعبدنا، لكن قال تعالى: (سبحان الذي أسري بعبده) على جهة الغيبة ثم قال (ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) فلو أراد أن يكون الكلام متفقاً مع الغيبة لقال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله ليريه من آياته إنه هو السميع البصير إذن فالمتكلم نقل كلامه من غيبة إلى حضور ومن جهة إلى جهة. وغرضه الأصلي أن يشحذ الذهن وأن يشد الانتباه لمضمون الكلام لئلا يحصل ملل وسآمة من مجيء الكلام على صورة واحدة، ثم للتنبيه وهنا فائدة خاصة أيضاً، أما غرض الالتفات العام شحذ الأذهان وجلب الانتباه ثم في كل مكان له غرض خاص، فما هو الغرض الخاص هنا؟ للإشارة إلى عظيم تلك البركات الموجودة حول المسجد الأقصى فلأجل أن يقرر تلك البركات وكثرتها ونفعها نقل الكلام من هيئة إلى هيئة، شحذ الذهن ثم قرر تلك البركات، يدل على هذا: أنه أتى بنون التعظيم التي يعظم بها ربنا نفسه كأنه يقول: العظيم لا يفعل إلا أمراً عظيماً، وهناك بركات جسيمة جعلتها حول المسجد الأقصى. وهذا المسجد الأقصى الذي فرطنا فيه وفرطنا في بلاد الإسلام كلها بل فرطنا في الإسلام وما أقمنا وزناً للرحمن ولا لنبينا عليه الصلاة والسلام. (لنريه من آياتنا)

الآيات العظيمة التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام تأتي الإشارة إليها إن شاء الله ضمن مبحث خاص فيما حصل له قبل إسرائه، وعند إسرائه عليه الصلاة والسلام ولا زال في الأرض وعندما عرج به في السموات وعندما رقي إلى ما فوق السموات، فهذه الآيات الأربع سنتكلم عنها إن شاء الله. إذن آيات قبل رحلة الإسراء وسيأتينا منها شق الصدر الشريف لنبينا عليه صلوات الله وسلامه، وما حصل له أثناء رحلته قبل أن يصل إلى السماء، وما حصل له في السموات، وما حصل له بعد السموات من آيات عظيمة: تكليم الله حصل له، ولكن هل حصلت الرؤية أم لا؟ سنتكلم عن هذا كله إن شاء الله عند مبحث خاص في الآيات التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام. (إنه هو السميع البصير) الضمير في (إنه) يعود على الله جل وعلا على المعتمد، (إنه) أي إن الله (هو السميع البصير) ، وفي ذلك دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغ ويقول ويدعي، فلو كان مفترياً هذا الأمر وأنه أسري به وعرج ولم يكن ذلك قد حصل فإن الله سميع لأقواله بصير فلبطش وأخذه أخذ عزيز مقتدر، كما قال لنبييه موسى وهارون (إنني معكما أسمع وأرى) فإذا أراد ذاك اللعين – وهو فرعون – أن يتحرك فأنا لست بغائب، أنا أسمع وأنا أرى، أخسف به الأرض أرسل عليه حاصباً من السماء فتخطفه الملائكة من جميع الجهات، فأنا معكما أسمع وأرى. ولذلك قال نبينا عليه الصلاة والسلام لأبي بكر في حادثة الهجرة: [ما ظنك باثنين الله ثالثهم] (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) فإذا كان الله معك فلا تخف ولو كادك أهل الأرض ومعهم أهل السماء لو حصل ذلك، فالله سيتولاك ويجعل لك فرجاً ومخرجاً من حيث لا تحتسب، كما قال الله جل وعلا: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) .

ثبت في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه هذه الآية (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لوسعتهم فمازال يكررها عليّ حتى نعست] . إذن (إنه هو السميع البصير) يعود على الله جل وعلا، هو سميع بصير ففي ذلك إشارة إلى صدق نبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه فيما ادعى وأخبر فلو كان الأمر بخلاف ذلك لما أقره الله ولما تركه ولعاجل له العقوبة: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) .

وقيل: إن الضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيما حكاه أبو البقاء العكبري (إنه) أي إن النبي صلى الله عليه وسلم سميع بصير، سميع لأوامر الله، بصير بي وفي ذلك إشارة إلى حصول رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه، والمعتمد أنه حصلت له الرؤية، لكن هل بقلبه أم بعين رأسه؟ نشير إلى هذا عند الآيات التي رآها فوق السموات، فالرؤية حصلت له (ما زاغ البصر وما طغى) وكما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: [رأيت نوراً] وكما قال ابن عباس: [رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه مرتين] لكن هل هذه رؤية قلبية أم بصرية بعين رأسه، سنفصل الكلام على هذا في حينه إن شاء الله تعالى إذن سميع لأوامر الله، بصير بي، ليس حاله كحال غيره فانظر للفارق العظيم بينه وبين الكليم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، أما موسى الكليم فهو الذي طلب من الله جل وعلا أن يمكنه من رؤيته وأن يأذن له بالنظر إليه فقال: (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً) إذن تشوق للأمر فقال الله تعالى: لا يحصل لك ولا تتمكن من ذلك ثم لما تجلى الله للجبل صعق موسي وخر مغشياً عليه، بينما نبينا عليه الصلاة والسلام دعي للأمر دون أن يتشوق وأن يتطلع وأن يطلب، ثم ثبته الله فما زاغ البصر وما طغى. شتان شتان بين من يقول الله عنه: (ما زاغ البصر وما طغى) وبين من يقول عنه: (وخر موسى صعقاً) ، ولذلك قال أئمتنا: نبينا مراد، وموسى مريد، وشتان بين المراد والمريد. ذاك هو يطلب ثم لا يثبت ولا يتمكن، بينما هذا يطلبه الله، عليهم صلوات الله وسلامه. وقال أئمتنا: نبينا يطير وموسى يسير، وشتان بين من يطير ومن يسير.

وقال أئمتنا: إن موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مظهر للجلال والفخر الإلهي، كما أن عيسى مظهر للجمال والنور الإلهي، ومحمد عليه صلوات الله وسلامه مظهر للكمال الإلهي فجمع الجلال وجمع الجمال فهو الضحوك القتال، يخفض جناحه للمؤمنين وهو بهم رؤوف رحيم، ويفلق هام الكافرين ويغلظ عليهم، وهو عليهم شديد عظيم، وهذا هو حال الكمال، أن تضع كل شيء في موضعه، أما أن تغلظ على المؤمنين وتشد عليهم فهذا في الحقيقة في غير محله، فهارون نبي من أنبياء الله المصطفين الأخيار، لما رجع نبي الله موسى على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه إلى قومه بعد مناجاة ربه وقد عبدوا العجل، ماذا فعل؟ أخذ بلحية أخيه هارون وبرأسه يجره إليه ويضربه، وحمل ألواح التوراة وألقاها حتى تكسرت، وقال هارون: ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، لم تضربني إذا عبد بنو إسرائيل فماذا أفعل أنا؟ (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) ، أي أما خشيت أن نخاصمهم ونقاتلهم ثم تأتي وتقول: لقد عملت مشكلة في بني إسرائيل وفرقت بينهم، فانتظرت قدومك لأجل أن نبحث في أمرهم ونعيدهم إلى حظيرة الإسلام، وهذا جرى من موسى أي موسى وهو أكبر من هارون وله عليه دالة، ثم هو أعلى منه مكانه في النبوة، لكن هذا غضب وانفعال ودالة أخ على أخيه فهل هذا كمال؟ لا ليس بكمال، بل هو قهر وجلال. وانظر إلى نبي الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فهو على العكس لم يرفع صوته قط على أحد، وحياته كلها حياة وسلم وصفح وُحلم ورحمة، فهذا جمال لكن انظر إلى الكمال كيف يضع الأمر في موضعه؟ (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم) ، (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليكم) ، يضع كل شيء في موضعه فهذا من الكمال. من الذي حاز الكمال من الصحابة؟

أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقط، ومن عداه إما جمال أو جلال، فعمر جلال ومظهر للانتقام والشدة والبطش في الحق، لكن ليس عند مظهر الجمال فعمر رضي الله عنه أرسل إلى امرأة بلغه حولها ريبة ففي الطريق بدأت تولول وتقول مالي ولأمير المؤمنين عمر، مالي ولعمر، فأسقطت خوفاً منه قبل أن تصل إليه. وكان يحلق رأسه في الحج بعد أن انتهي من النسك فتنحنح عمر: احم احم والحلاق يحلق رأسه، فأحدث – أي الحلاق – في سراويله، هيبة من عمر، هذا عمر، ومن الذي كان يجرؤ أن يعاركه، وهو الذي يقول النبي عليه الصلاة والسلام فيه – والحديث في الصحيحين [ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك] . وعثمان مظهر جمال ورقة وحلم وصفح فلا يخطر ببال أحد أنه يمكن أن ينتقم من شخص أو يبطش به، هذا هو الذي جرأ السفهاء عليه لما وسع عثمان المسجد كما في صحيح البخاري، وفي منبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال أيها الناس إنكم أكثرتم أي كل واحد يتكلم ويطلق لسانه ولا يستحي من الله مع أنه كان خليفة راشداً ذا النورين ما علم هذا لأحد من خلق الله، أنه تزوج بنتي نبي، قال: وإني سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: [من بنى لله مسجداً ولو كَمَفْحَصِ قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة] . ولنسأل: من الذي وسع المسجد قبله؟ هو عمر، لكن هل تكلم أحد عندما وسع عمر المسجد والله لو أن واحداً همس لأتى به عمر ووطأ على رقبته، لكن انظر إلى عثمان هو الذي يعتذر لهم يقول: أكثرتم، أكثرتم عليّ من الكلام في المدينة، فما عملته حتى تتكلموا عليّ؟ مسجد النبي عليه الصلاة والسلام وسعته فماذا في هذا؟! فسبحان الله خليفة يعتذر.

ثم لما اجتمع الثوار الأشرار لحصاره وبقي خمساً وعشرين يوماً يحاصروه جاءه عليُّ والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين والصحابة يطلبون منه أن يأذن لهم في نصرته فقال لهم: من كان سامعاً مطيعاً ولي عليه في رقبته بيعة، ولي عليه حق السمع والطاعة فليلق سلاحه ولينصرف حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين، ولا أريد أن يراق من أجلي قطرة دم، إن يقتلوني فالله يحاسبهم، وإذا انكفوا عن طغيانهم فحصل الذي أريد، أما أن يحصل قتال فهذا لا أريده، هذا ممكن أن يحصل في عهد عمر رضي الله عنه. فهناك جلال وهناك جمال وأما أبو بكر فهو الكمال. إخوتي الكرام.. من لطف الله بهذه الأمة أن الخليفة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام هو أبو بكر، ووالله لو جاء غيره لطاشت عقول الصحابة لأن أبا بكر هو صورة طبق الأصل للنبي عليه الصلاة والسلام، وما يختلفان إلا أن ذاك محمد رسول الله صلوات الله عليه وسلامه – وهذا عتيق الله أبو بكر الصديق، فذاك رسول وهذا صديق لا يختلفان في الطبيعة ولا بمثقال ذرة، وإن أردت أن تتحقق من هذا، انظر لصلح الحديبية لما أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام الصلح مع المشركين على أن يرجع هو والمؤمنون هذا العام ليأتوا في العام الآتي، وكتبوا شروطاً فيها قسوة في الظاهر على المسلمين، فمن الذي لج وضج؟ إنه عمر، بدأ ينفعل ويغضب غاية الغضب فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ألسنا على الحق؟ قال: بلي، فقال: أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: علام نعطى الدنية في ديننا؟! سيوفنا معنا والله معنا نبيدهم ونستأصل خضراءهم فماذا كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم؟ يا عمر إني رسول الله ولن يضيعني الله.

ثم ذهب إلى أبي بكر وقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال أليسوا على الباطل؟ قال: بلى، قال: علام نعطى الدنية في ديننا؟! فماذا كان جوابه لعمر دون أن يسمع جواب النبي عليه الصلاة والسلام؟ قال: يا عمر اعرف قدرك إنه رسول الله ولن يضيعه الله فهذا كلام من مشكاة واحدة، اعرف قدرك من أنت لتفور لتثور؟، إن هذا رسول الله لا ينطق عن الهوى، يسدده في جميع أحواله، فأنا وأنت لا نعلم إلا الحاضر، لكن هذا رسول الله يوجهه من يعلم الغيب من يعلم السر وأخفى، فاعرف قدرك وقف عند حدك. لو جاء بعد النبي عليه الصلاة والسلام خليفة غير أبي بكر، والله لطاشت عقول الصحابة وجنوا على قيد الحياة، ولم هذا؟ لأنهم أصيبوا بنبيهم عليه الصلاة والسلام، وهذه أعظم المصائب في الدين، المصيبة الثانية أنه قد جاءهم من ليس على طبيعته وبالتالي تغيرت عليهم الأمور من جميع الأحوال، فالنبي عليه الصلاة والسلام ذهب ثم جاء من لا يمثله تماماً، لا أقول عنده انحراف، حاشا وكلا أن يكون في أحد الصحابة انحراف، لكن شتان بين طبيعة أبي بكر وطبيعة غيره، فجاءهم أبو بكر، ولذلك يعتبر أبو بكر برزخاً، أي مثل الحياة البرزخية بين الدنيا والآخرة، فهو برزخ بين حياة النبي عليه الصلاة والسلام وبين الحياة التي جاءت بعد ذلك لتكون انتقالاً، وليخف عليهم أثر فراق النبي عليه الصلاة والسلام، فما فقدوا في عهد أبي بكر إلا شخص النبي عليه الصلاة والسلام، وأما الرعاية والتوجيه والحلم والشدة في موضعها كل هذا موجودٌ كما كان النبي عليه الصلاة والسلام فيهم. المرحلة الثانية: مباحث الإسراء والمعراج المبحث الأول: اتفق أهل الحق على أن الإسراء والمعراج كانا بروح النبي عليه الصلاة والسلام وبدنه يقظة لا مناماً دل على هذا ثمانية أمور، كلها حق مقبول: الأمر الأول:

افتتاح آية الإسراء بلفظ التسبيح (سبحان) ، وقد تقدم معنا أن من معاني التسبيح تنزيه الله عن السوء والتعجب، والأمران يدخلان هنا، فالله جل وعلا ينزه نفسه عن السوء في مطلع هذه السورة للإشارة إلى أن طعن المشركين في خبر نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه طعنهم في خبره بأنه أسرى به وأن هذا لا يمكن أن يحصل له وأن هذا مستحيل وأن هذا بعيد، فهذا نقص يتنزه الله عنه فهو على كل شيء قدير. وفي ذلك أيضاً تعجيب للمسلمين وللخلق أجمعين لما حصل لنبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، والتعجب يحصل عند أمر غريب أو أمر غير مألوف؟ بل يحصل عند أمر غريب، ولذلك افتتحه بقوله (سبحان) ، فالتنزيه يدل على حصول الإسراء والمعراج والطعن في هذا طعن في قدرة الله التي لا تحد بحد، والتسبيح إذا كان معناه التعجب تعجبوا مما حصل للنبي عليه الصلاة والسلام من إسراء بروحه وجسده ومعراج بروحه وجسده في جزء من الليل. الأمر الثاني: أو اللفظة الثانية: (عبده) العبد هو اسم لمجموع الروح والجسد، هذا كقول الله جل وعلا: (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً) للروح أم للجسد؟ لهما. وكقوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) فأتى عليه لم يكن شيئاً للروح أم للجسد؟ لروحه ولجسده ولا كانت روحه والله خلقه ونفخ فيه الروح وهو على كل شيء قدير فالعبد والإنسان هذان اسمان للروح وللجسد فليس اسماً للجسد فقط، ولا للروح فقط، والله سبحانه يقول (سبحان الذي أسري بعبده) فدخل في لفظ العبد جسد النبي عليه الصلاة والسلام وروحه. الأمر الثالث: أو اللفظ الثالث:

في الآية (السميع البصير) وتقدم معنا أن الأظهر في (أنه هو السميع البصير) أنه يعود على الله جل وعلا وفي ذلك دلالة على أن الإسراء كان بروح النبي عليه الصلاة والسلام وجسده يقظة لا مناماً، لأن الأمر لو لم يكن كذلك وادعاه النبي عليه الصلاة والسلام فكيف يتركه السميع البصير، فلو كان مفترياً ومختلقاًً لهذا وتقولاً على الله لما أقره السميع البصير لأن الله لا يؤيد الكذاب ولا يناصر المخادع ويهتك ستر المنافق، فكيف إذاً يدعي النبي عليه الصلاة والسلام هذا ولم يكن يحصل له، والله سميع بصير يقره. وإذا عاد إلى النبي عليه الصلاة والسلام – كما ذكرنا قبل أنه أحد الأقوال – فقلنا إن الأمر كذلك فهو سميع لأوامري بصير بي، حدثت له الرؤية في حادث الإسراء والمعراج. الأمر الرابع: قول الله تعالى في وصف نبينا عليه الصلاة والسلام في سورة النجم عندما تعرض لذكر حادثة الإسراء والمعراج وأنه رأى في الملأ الأعلى ما رأى، قال: (ما زاغ البصر وما طغى لقدر رأى من آيات ربه الكبرى) وقوله في الآيات (ولقد رآه نزلة أخرى) أي ولقد رأى نبينا عليه الصلاة والسلام جبريل، (نزلة أخرى) أي مرة أخرى (عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى) فراش من ذهب ومن الألوان التي لا يوجد مثلها في زمن من الأزمان، أنواع عند سدرة المنتهي فراش من ذهب كما هو ثابت هذا في الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام، (ما زاغ البصر وما طغى) ,وزيغ البصر هذا يقع للإنسان يقظة لا مناماً. الأمر الخامس: أو الدليل الخامس:

لما تحدث الله سبحانه وتعالى عن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الإسراء، أخبرنا عن عظيم ما حصل له وعن عظيم ما رآه، فقال جل وعلا: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة الناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً) ، ثبت في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم] ، وهذه الرؤيا حقيقية هي فتنة وامتحان يظهر فيها المؤمن المصدق والكافر الجاحد عندما قال لهم نبينا عليه الصلاة والسلام أسري بي في جزء من الليل إلى بيت المقدس ثم عرج بي للسموات العلى ثم عدت إلى بيت المقدس، ثم عدت إلى مكة في جزء من الليل وفراشي دافئ فهذا فتنة أم لا؟ نعم هو فتنة، ولذلك سيأتينا أن تكذيب المشركين هذا دليل على أن الإسراء والمعراج بروح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده في اليقظة لا في المنام، لأنه لو كان في المنام لقالوا له: أنت ذهبت إلى بيت المقدس، أما نحن فذهبنا في هذه الليلة إلى الصين فينبغي أن تكون نبوتنا نحن أعلى من نبوتك لأنك تذهب إلى بيت المقدس أما نحن فنذهب إلى أبعد، فالقول بأنه كان في المنام ليس فيه معجزة للرسول صلي الله عليه وسلم وأمر خارق للعادة قد حصل له، وهو – أي الأمر الخارق – أنهم يذهبون لبيت المقدس خمسة عشر يوماً ذهاباً وخمسة عشر يوماً إياباً ويقطعها هو في جزء من الليل يضاف إلى هذا أنه يعرج به إلى السموات العلى ويعاد في جزء من الليل.

إذن رؤيا عين أريها رسول الله صلي الله عليه وسلم ومتى ثبتت له هذه؟ في حادث الإسراء والمعراج (الشجرة الملعونة في القرآن) أي أيضاً جعلناها فتنة للناس وهي شجرة الزقوم، ولذلك لما نزل قول الله جل ولعلا للإخبار بأن الكفار يأكلون من شجرة الزقوم قال أبو جهل عليه لعنة الله وغضبه مستهزءاً بكلام الله جل وعلا ومستخفاً بمحمد عليه صلوات الله وسلامه: أتدرون ما الزقوم هي عجوة يثرب بالزبد – (عجوة) أي أجود أنواع التمر، (الزبد) عندما يوضع على التمر قشدة الحليب وخلاصة الحليب الدسم – والله لأن أمكنني الله منها لأتزقمنها تزقماً، ونقول له: هنيئاً مريئاً بالزقوم، فقال الله تعالى: (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) فإن شجرة الزقوم فتنة ووجه كونها فتنة: قال المشركون: يا محمد أنت تخبرنا أن شجرة الزقوم تخرج في أصل الجحيم، فهل بدأت تهذي تخرف، كيف تنبت الأشجار في وسط النار، والنار تحرق الأشجار، أفليست هذه فتنة؟ !!. إخوتي الكرام.... هذه نار الدنيا تحرق الأشجار من طبيعة خاصة وإذا أراد الله أن ينبت في نار الدنيا شجراً فإنه على كل شيء قدير. (قصة القسيس مع الشيخ الحلبي الصالح لما وضع جبته داخل جبته وألقاها في فرن فاحترقت جبة القسيس ولم تحترق جبة الشيخ الصالح إلخ) . حقيقة. إن هذه القوانين التي وضعها الله سبحانه لتتحكم في هذا الكون لا نستطيع أن نخرج نحن عنها، لكن إذا أراد الله تعالى أن يبطلها فهو على كل شيء قدير، فالنار المحرقة يجعلها ظلاً بارداً والظل البارد يجعله الله سموماً محرقاً فإنه على كل شيء قدير. وإذا أراد الله أن يجعل الارتواء والري في البترول فإذا شربته ترتوي ويذهب الظمأ ويجعل العطش في الماء فهو على كل شيء قدير، أي فهل الماء بطبيعته يروي الإنسان؟ لا بل جعل الله فيه هذه الخاصة، فإذا أبطلها فإنه على كل شيء قدير.

هذا اللسان هل يتكلم وحده، أم جعل الله فيه هذه الخاصية؟ بل جعل الله فيه هذه الخاصية ولذلك إذا أراد أن يُنْطق يدك، فهل تنطق اليد؟ نعم (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) ، (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) ، والذي أنطق اللسان ينطق اليد وينطق الرجل وتشهد الجلود كما أخبر ربنا المعبود سبحانه وتعالى، فهذه القوانين تتحكم فيَّ وفيك، فأنا لا أستطيع أن أُنطق يدك فأقول لليد تكلمي فلا تتكلم. إنطاق اليد وإنطاق اللسان بالنسبة لقدرته سواء، أذن للسان فنطق، فإذا أذن لليد بالنطق نطقت. والأرض يوم القيامة ماذا يكون حالها (يومئذ تحدث أخبارها) ثبت في المستدرك وسنن الترمذي بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر] فالأرض هذه ستشهد عليك، ولا تقل كيف ستتكلم الأرض، إذ كيف تكلم لسانك؟ فكم من إنسان له لسان ولا يستطيع أن يتكلم به أي أخرس، هل لسانه أقصر من لساننا أو أطول أو شكله مختلف؟ لا بل هو هو ولكن ما أذن الله له بالنطق، فهو على كل شيء قدير. ولذلك أنت يا ابن آدم تتكلم بلحم وتسمع بعظم وتبصر بشحم والله على كل شيء قدير. فالعين مادة شحمية، والأذن عظام متجوفة بواسطتها تنتقل إليك ذبذبات الأصوات وتسمع، فإذا ابتلى الله إنساناً بالصمم فهل يستطيع أن يسمع؟ لا مع أن له أذناً. وإذا أفقد الله النور من البصر فلا يستطيع أن يرى مع أن له عينين لدرجة أنك لو نظرت إليه أحياناً ما تظن أنه أعمىً، لكنه أعمىً. ولذلك فاوت الله بين عباده لئلا يقول الناس هذا طبيعة، فلو كان كلهم يتكلمون لقال الناس هذا طبيعة، واللسان من طبيعته أن يتكلم، لكننا نقول له فلان عنده لسان ولا يتكلم، ولو كان طبيعة لتكلم هو ولتكلمت جميع الألسنة.

وهنا كذلك شجرة تنبت في النار والنار تحرق الأشجار، فهذه القوانين تتحكم فيَّ وفيك ولا تتحكم فيمن خلقها وأوجدها وهو رب العالمين سبحانه وتعالى، ولو تحكمت فيه لكان محكوماً ولما كان حاكماً وهو الذي لا يسأل عما يفعل، لا راد لحكمه، ولا معقب لقضائه، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وبم يتميز المؤمن عن غيره؟ ولذلك الشيطان يحزن عندما يموت العابد الجاهل، ويفرح عندما يموت العالم العليم الذكي، قالوا لمَ؟ قال: العابد كنا نضله ونخدع الأمة به باسم الشرع، وأما هذا العالم – فإننا ننصب للناس أشباكاً وأشراكاً – مصايد ونتعب فيها فيأتي العالم بكلمة واحدة يبطل حيلنا، ولذلك نحن إذا مات العالم نفرح وإذا مات العالم الجاهل نحزن، لأنه كان مصيدة لنا وأما ذاك فكان يكشف مصائدنا قالوا: وكيف؟ قال أريكم، فأخذ إبليس أعوانه وذهبوا إلى عابد جاهل وقالوا له: هل يستطيع الله أن يخلق الدنيا في جوف بيضة؟ فقال: وكيف يكون هذا؟ إنه لا يستطيع ولا يقدر على هذا فقال إبليس لأتباعه: كفر وهو لا يدري، ثم ذهبوا إلى عالم وقالوا: هذه الدنيا على سعتها ولا ترى طرفها فهل يستطيع الله أن يوجدها في داخل بيضة؟ فقال: ومن يمنعه؟ قالوا: وكيف يدخلها في داخل بيضة؟ قال يقول لها: كوني فكانت فيوسع البيضة، ويصغر الدنيا وهو على كل شيء قدير، فمن الذي يمنعه؟ ثم قال لهم إبليس: انظروا كيف يفعل بنا العالم وكيف نفعل بالعابد الجاهل. ولذلك هنا هذا الجاهل أبو الجهل أبو جهل لما نزلت الآية قال كيف تخبرنا أن شجرة الزقوم تخرج في أصل الجحيم؟ فهل بدأت تخرف؟ فكيف الأشجار تنبت في النار؟ (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) . الأمر السادس:

ركوب نبينا عليه الصلاة والسلام للبراق فهذا مما يدل على أن الإسراء والمعراج كان بروح النبي عليه الصلاة والسلام وجسده يقظة لا مناما، ثبت في سند الترمذي وصحيح ابن حبان بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أتيت بالبراق مسرجاً ملجماً – يضع خطوه عند منتهى طرفه] وهذا الحديث إلى هنا ثابت في الصحيحين، زاد الترمذي وابن حبان: [فلما قدمه لي جبريل نفر فقال له جبريل: مالك؟ والله ما ركبك خير منه، فما فارفضَّ عرقاً] (مسرجاً: أي عليه السرج ليركب عليه الراكب) ، (ملجماً ك أي عليه اللجام) ، (خطوه عند منتهى طرفه: أي إلى مقدار ما يرى فرجله تصل إلى ذلك) ، (فارفضّ: أي بدأ يتصبب من العرق) فهذا البراق الذي ركبه نبينا عليه الصلاة والسلام كان في اليقظة. يقول أئمتنا وإنما حصل في البراق شيئ من الامتناع والنفور في أول الأمر؛ لأمرين: أالأمر الأول: لأنه لم يروض منذ فترة، فالأنبياء كانوا يركبون على البراق قبل نبينا عليه الصلاة والسلام عندما كانوا يزورون بيت الله الحرام لكن من عهد عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما رُكب البراقُ، وعادة الخيل إذا أُهملت فترة ولم تُركب يصبح فيها نفور وتند وتشرد؛ لأنها ليست مروضة فلابد من اعتياد الركوب عليها ليسهل انقيادها ويسهل، فإذا فإذن من فترة طويلة لم تركب هذه الدابة التي كان يركب الأنبياء قبل نبينا عليه الصلاة والسلام عليها وانظر إلى الحمير الأهلية الآن التي تسمى الإنسية بسبب عدم خوفها من الناس ولكن تراها الآن تهرب وذلك لقلة استعمالها وهي دابة كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام دون البغل وفوق الحمار، يقال لها البراق، إما مأخوذة من البريق: وهو اللمعان؛ لأن لونها أبيض يتلألأ نوراً وإما من البراق، وهو منتهي السرعة لأنها تضع خطوها عند منتهى طرفها. ب الأمر الثاني:

ولعله أوجه الأمرين وأقوى وهو الذي يظهر لي والعلم عند الله، أنها ندت ونفرت وامتنعت امتناع زهو وخيلاء لا امتناع نفور وإباء، فلما جيء بالبراق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليركبه بدأت ترقص وتهرول ولا تنقاد ولا تجلس بسكينة بجواره لما حصل لها من الطرب والفرح لأنه سيركبها خير المخلوقات محمد عليه الصلاة والسلام، وهذه حالة الإنسان عندما يفرح فرحاً شديداً يوصله إلى البطر فتراه يرقص، فالإنسان عندما يبشر بنعمة حصلت له قد يشتد فرحة بها لدرجة توصله إلى درجة الأشر والبطر، وهذا مذموم في حق الإنسان، لكن عندما يصل هذه الدرجة فما يكون حاله؟ تراه يقوم ويرقص ويأتي بحركات موزونة ليخبر عن فرحه، كما أن المصيبة عندما تشتد عليه ولا يملك نفسه فانظر ماذا يفعل؟ [ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية] ، ولذلك لا جزع ولا بطر، والمؤمن في حال النعمة يشكر الله وفي حال المصيبة يصبر. الشاهد أن هذه الدابة من شدة فرحها بدأت تهرول وترقص وتعمل حركات كما هو حال الخيل عندما يعتريها الزهو، فما كان نفورها نفور امتناع إنما كان للزهو والخيلاء كأنها تقول: أنا سأطرب وأرقص لما سيحصل لي من المنزلة العظيمة وهي ركوب خاتم الأنبياء والمرسلين عليه صلوات الله سلامه على ظهري، وهذه في الحقيقة منقبة عظيمة للبراق. الشاهد إخوتي الكرام..... ركوب نبينا عليه الصلاة والسلام على ظهر البراق وإحضار البراق له هذا دليل على أنه حصل في اليقظة. الأمر السابع:

تكذيب المشركين لنبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، دليل على أن تلك الحادثة وقعت له يقظة لا مناماً، فلو كانت مناما لما كان هناك داعٍ للتكذيب ولقالوا له: ما حصل لك في الرؤية يحصل لنا ما هو أبعد منه وليس في هذه دليل على مكانتك ونبوتك وصدقك وأنك رسول الله، فلما كذبوه دل على أنه بروحه وجسده يقظة لا مناماً، لاسيما عندما أخبرهم بعد ذلك بما يزيل تكذيبهم وسيأتينا في ذكر الآيات التي رآها – قالوا: إن كان كما تقول يا محمد، فانعت لنا المسجد الأقصى – وهذا لا يقال لرؤيا منامية إنما حصل له في اليقظة – وصفه لنا كم عدد أبوابه وكم عدد نوافذه وماذا يوجد فيه من أساطين؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لما قالوا لي هذا أحرجت حرجاً عظيماً حتى أتى جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام لي ببيت المقدس ووضعه أمامي فجعلت أنظر إليه وأنعته لهم باباً باباً، وجبريل إما اقتلع بيت المقدس وأتاه به – والله على كل شيء قدير – وإما أتى بمثال له، فكل من الأمرين يحصل به المراد وهو وصف المسجد الأقصى. الأمر الثامن أو الدليل الثامن وهو آخرها: نقول حادثة الإسراء والمعراج هي أمر ممكن، ورد به السمع فيجب الإيمان به، وهذه قاعدة عضوا عليه بالنواخذ وانتبهوا لها * كل ممكن: أي يجوز وقوعه ولا يحيل حصوله. * ورد السمع به: أي أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام به، بأنه أُسري به وعُرج مثلاً. * يجب الإيمان به: فلا يجوز تأويله ولا إخراجه عن ظاهره وكل من فعل هذا ففيه شعبة من شعب الباطنية ومسلك من مسالكهم. فمثلاً عذاب القبر ممكن أم مستحيل؟ ممكن، نعيم القبر ممكن أم مستحيل؟ ممكن

ورد بهما السمع فنؤمن بهما، ولا نقول كيف يكون؟! بل الواجب الإيمان به والتسليم ومثلهما وجود الموازين والصراط في يوم القيامة ممكن ورد به السمع نؤمن به، وكوننا لا نتوصل إليه بحواسنا، فهذا أمر لا يعنينا، لكن هل هذا مستحيل؟ لا، فإذا كان مستحيل هنا مجال البحث وهل تأتي الشريعة بما تحيله العقول، لا يمكن أن يتعارض معقول مع منقول، إذا تعارضا فالآفة في أحدهما، إما في النقل فلم يصح، وإما في العقل فليس بصريح ولا سديد فلا يتعارض نقل وعقل هذا شرع الله وهذا خلقه وليس في خلقه من تفاوت وليس في شرعه من تضارب (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) ، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) . وقد ألف الإمام ابن تيمية رحمه الله كتاباً في عشر مجلدات يدور حول هذا الموضوع سماه: (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) فلا يتعارض نقل صحيح مع عقل صريح، هذا الكتاب لو وزن ذهبا لكان أغلى من وزنه ذهباً، ويسمى (درء تعارض العقل والنقل) . ولذلك قال أئمتنا: لا تأتي الشرائع بما تحيله العقول لكن تأتي بما تحار فيه العقول، وشتان ما بين الحيرة والإحالة، فالإحالة لا يمكن أن تقع، أما الحيرة فموجودة فيما تشاهده، فكيف بما لا تشاهده؟ لسانك ينطق، وهو قطعة لحم فهذا يحير العقل أم لا؟ لكن الإنسان من غلظ كبده، وتبلد شعوره وإحساسه، ما يقع حسه عليه باستمرار يغفل عن الحكمة فيه ولا يعتبر في شأنه والله يقول: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ، كم من لسان يتكلم، فهذا يحار فيه العقل أم يحيله العقل؟ هذه حيرة تحير، فكيف تكلم هنا العضو من الإنسان فهذه حيرة مقصودة من الشارع، كما قلنا تنطق بلحم وتبصر بشحم وتسمع بعظم، كيف هذا؟ (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) ، وهذا الخلق الذي هو في أحسن تقويم هذا مما يحار العقل فيه ولا يحيله لأنه مشاهد أمامنا، ولكن من أي شيء؟ خلق من ماء مهين كما قال ربنا جل وعلا.

وهذا الإنسان وتكونه ولو لم نره في حياتنا وقيل لنا: من هذا الماء يخلق إنسان له رجلان يمشي عليهما، ويدان يبطش بهما ورأس يدرك به وله أعضاء وتتحرك كله من هذه النطفة، لقلنا له أنت تخرف، كيف من هذه النطفة يخلق هذا، ولكن لمشاهدتنا له قل اعتبارنا به. يقول أئمتنا: لو لم نر حيواناً يمشي على بطنه والله يقول هذا في كتابه (فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع) ، لاستغرب كثير من الناس بل لأحال بعضهم وأنكر وجود حيوان يمشي على بطنه، لكن لما رأينا الحية تمشي على بطنها فحينئذ قلنا ممكن، ورأينا إنساناً يمشي على رجلين، ورأينا دابة تمشي على أربع فقلنا ممكن، ولو أراد الله الإنسان أن يمشي على رأسه ممكن وهذا سيقع يوم القيامة (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم) فهم يمشون على وجوههم وليس على أرجلهم، وقيل لقتادة: كيف يمشي على وجهه؟ قال: أوليس الذي أمشاهم على رجلين بقادر على أن يمشيهم على الوجوه؟! فكل هذا مما يحير العقل لا مما يحيله.

والحيرة مقصودة ليسلم المخلوق بعجزه لخالقه، لكن الإحالة باطلة، ومثال الإحالة الجمع بين النقيضين، نفي النقيضين، هذا مستحيل، فلو قيل لنا: هل يقدر الله أن يوجد هذا حياً ميتاً في وقت واحد فماذا يكون الجواب؟ نقول: هذا ليس متعلق القدرة والعقل يحيل هذا ولكن هل نقول ممكن أم غير ممكن؟ لا نقول ممكن ولا غير ممكن، أن يوجد الله هذا حياً ميتاً في وقت واحد لا نقول إنه ممكن لأنه ليس متعلق بقدرة بل هو مستحيل، ولا نقول غير ممكن لأن هذا سوء أدب مع الله، لأن متعلق القدرة الممكنات والجائزات، وهذا مر في شرح الطحاوية في مبحث القدرة والإرادة، وهو مفصل في موضعه، فلو قيل هل يستطيع الله أن يقلب فلاناً إلى سيارة؟ نقول نعم لأنه ممكن وهو على كل شيء قدير، وهل يستطيع أن يمسخه قرداً أو خنزيراً؟ نقول ممكن ولكن هل يستطيع أن يجعله حياً وميتاً في آنٍ واحدٍ؟ نقول: الحياة نقيض الموت فإذا كان حيا فليس بميت وإذا كان ميتا فليس بحي، فكيف ستتعلق القدرة بما يحيله العقل لا بما يحار فيه؟. وعندما يمسخ الإنسان (فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) هذا المسخ يحيله العقل أم يحار فيه بل يحار فيه، إنسان سوي ثم مسخ. يذكر الإمام ابن كثير في تفسيره عند سورة أنه كان بعض الناس في مسجد نجران وعنده وسامة وجمال فقال له بعض الحاضرين: ما أجملك، يعني خلقة بهية خلقك الله عليها – فقال: أنت تتعجب من حسني! الله يتعجب من حسني، فبدأ يتصاغر أمام الناظرين وهم يرونه حتى صار طوله شبراً، فهذا ممكن أم مستحيل؟ ممكن لكن يحار فيه العقل. لذلك يمكن أن تأتي الشريعة بمستحيل، فنقول هذا الشيء إما موجود وإما معدوم، ولكن هل يمكن أن يجتمعا؟ لا يمكن أن يجتمعا ولا أن يرتفعا، قال أئمتنا: "عقول البشر قاطبة تقرر أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان" أي لا يمكن وجودهما ولا يمكن انتفاؤهما، بل لابد من وجود واحد منهما.

عذاب القبر ممكن وهو مما يحار فيه العقل ولا يحيله، ولو وضع صِدِّيق وزنديق في قبر واحد لكان القبر روضة من رياض الجنة على الصِدِّيق وحفرة من حفر النار على الزنديق، فإن قيل كيف هذا؟ نقول: هذا مما تحار فيه العقول وتعجز عن الوصول إليه من جميع الجهات فتسلم بعجزها لرب البريات، (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) . العلم للرحمن جل جلاله ... وسواه في جهلانه يتغمغم ما للتراب وللعلوم وإنما ... يسعي ليعلم أنه لا يعلم فنحن نسعى لنعلم أننا كنا لا نعلم لا لنتعلم. ونحن نسعى ما كنا نجهله لا لنصل لدرجة العلم، لأن العلم لمن هو بكل شيء عليم (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) . انظر إلى الإمام الشافعي عليه رحمة الله – وهذا حال أئمتنا – يقول: كلما أدبني الدهر ... أراني نقص عقلي وإذا ما ازدت علماً ... زادني علماً بجهلي فحن نتعلم لنكشف جهلنا لا لنصل إلى مستوى ربنا جل وعلا، ولا يمكن أن تأتي الشريعة بما تحيله العقول، حادث الإسراء والمعراج، كونه يسرى به من مكة إلى بيت المقدس إلى السموات العلا ثم يعاد في جزء من الليل، هل هو ممكن أم مستحيل؟ وهل يتصور العقل وجوده أم يحيل وجوده؟ هو ممكن ويتصور العقل وجوده، وقد ورد به السمع وهو الذي لا ينطق عن الهوى – فيجب الإيمان به. ولو كان مستحيلاً لا يقبله العقل لقلنا: انظروا لعل السمع ما صح، أما أن يصح السمع والعقل يحيل فهذا لا يمكن أن يقع على الإطلاق. فمثلاً حديث [خلق الله الورد من عرق النبي صلي الله عليه وسلم] هو حديث موضوع، فهذا العقل يكذبه لأن الورد كان موجوداً قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذن العقل يحيل هذا فكيف تقولون إن الورد خلق من عرق النبي صلى الله عليه وسلم.

في المقابل قد يقول قائل: الإسراء والمعراج باطل، ورد به السمع لكن العقل يحيله، وعليه فنرد السمع، نقول: لأن العقل ليس بصريح إنما هذا العقل قبيح، فلو كان عقلاً صريحاً لاحترم نفسه وقال: هذا ليس بمستحيل، لأنه ليس فيه جمع بين النقيضين وليس فيه نفي للنقيضين، فيتصور وجوده – ويتصور عدمه، فإذا شاء ربنا أحد الممكنات فليس بمستحيل (كن فيكون) ، (وهو على كل شيء قدير) . س: ما هي مواصفات العقل الصريح؟ جـ: العقل الصريح لا يمكن أن يوجد ولا أن يحصل في غير المؤمن الذي يخاف من الله ومن عدا المؤمن سيقول يوم القيامة: (لو كنا نسمع أو نعقل) كما أخبرنا الله عنهم، فكل من عدا المؤمن فليس عند واحد منهم عقل صريح، لكن قد تقل نسبة الحماقة وقد تكثر وأول الحمقى اللعين إبليس، لأنه أول من اعترض على الله، وهذا عقل صريح أم عقل قبيح؟ بل هو قبيح، فماذا قال لله: (رب أنظرني إلى يوم يبعثون) ، (رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) فيا إبليس يا ملعون، بماذا تخاطب الحي القيوم؟ تقول رب، إذن هو ربك خلقك فكيف تعترض عليه وتقول (أأسجد لمن خلقت طيناً) ، (أنا خير منه) أنت تقول رب، أمرتني بالسجود لآدم ثم تقول هذا خلاف الحكمة، فأنت سفيه الحكمة تقتضي أن يسجد آدم لي لأنني أنا من نار وهو من طين، ولنناقش كلامه: أنت تقول الله خلقك وأعطاك الحكمة فهل يعقل لمن أعطاك الحكمة أن يرضى لنفسه بالسفاهة فهذا لا يقبله عقل. أمر ثانٍ نناقشك فيه سلمنا أن عندك حكمة فأنت تقول النار أحسن من الطين، لم أحسن مع أن طبيعة النار الطياشة والتفريق، وطبيعة الطين الرزانة والهدوء؟ وانظر إلى نتيجة الطين ونفعه للمخلوقات أجمعين تضع فيه حبة يعطيك شجرة فيها من كل زوج بهيج، والنار تحرق ثيابك إن لم تحرقك فالطين طبيعته الإصلاح، والنار طبيعتها الإفساد.

سلمنا أن النار أفضل من الطين فهل يلزم مَنْ خُلِق من عنصر شريف أن يكون شريفا، وهل يلزم مَنْ خُلِقَ من عنصر خبيث أن يكون خبيثاً، أم كل نفس بما كسبت رهينة؟ إذا كانت النفس من باهلة والعرق والنسب من بني هاشم فماذا ينفع النسب؟ ألم يقل الله (تبت يدا أبي لهب) . إذا افتخرت بآباء لهم نسب ... قلنا صدقت: ولكن بئس ما ولدوا فهب أن النار أجود العناصر وأحسنها، فهل يلزم أن تكون أنت أفضل المخلوقات؟ لا يلزم، فانظر إلى هذه السفاهة، ولهذا أول الحمقى إبليس، وأول من مات من المخلوقات على وجه الإطلاق إبليس، وهو منظر إلى يوم الدين، لأن كل من عصى الله ذهبت منه الحياة الحقيقية (أفمن كان ميتاً فأحييناه) فهذا ميت لكنه في صورة حي. وبالجهل قبل الموت موت لأهله ... **** ... وأبدانهم قبل القبور قبور وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... **** ... وليس حتى النشور نشور ولذلك العقل الصريح هو الذي يلتزم بشرع الله الصحيح، قال تعالى: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) ، قال أبو العالية وقتادة وغيرهم: أجمع أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام أن كل من عصى الله فهو جاهل، وأن كل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب.

فالعقل الصريح ضابطه هو الذي لا يأتي بسخف ولا يتعالى على شرع الله ولا يأتينا بعد ذلك بمضحكات بمبكيات كما هو الحال في الدولة الأمريكية فالزنا في القانون الوضعي عندهم حلال، ومنعت المخدرات بل وتطارد عصاباتها، وتعمل مؤتمرات لمكافحتها، بينما لم تمنع المسكرات وسميت بمشروبات روحية وأهل الأرض من أهل القوانين الوضعية كلهم يسميها حلال، والمخدرات حرام مع أن الخمر أقوى في التحريم من الحشيش والأفيون، فهذه ألحقت بالخمر كما قال أئمتنا لوجود علة الإسكار فألحقت به تحريماً ونجاسة وحداً، ففيها حكم الخمر، لكن انظر إلى عقول البشرية: من يتاجر بالمخدرات يطلب ويشنق ويحكم عليه بالإعدام، ومن يتاجر بالمسكرات يعطى ترخيصاً من الدولة، فهذا عقل صريح أو عقل قبيح؟. ولقد وصل حال هذه العقول في الدولة البريطانية – ولكن أين من يغزو هذه الدول غزواً فكرياً ويكشف ضلالاتها وأفكارها للناس – ومن المعمول به في قانونها أن اللواط مباح ولا حرج فيه، بل يجوز التزاوج بين الرجال، فهذا عقل صريح أم قبيح؟ وأعجب لهذه العقول التي ضلت ولعنها الله كيف تزعم أنها ستحل مشاكلنا، اللواط الذي فطر الله العباد على استقباحه واستهجانه تبيحه أرقى الدول، بل إنه جائز عن طريق التزاوج، ولم يكتفوا بأن يجعلوه معصية، أو أمرا عاديا غير رسمي فكل من ينحرف عن شرع الله فهو ذو عقل قبيح؛ لأن شرع الله نور (قد جاءكم من الله نور) فمن خرج عن النور فليس له إلا الظلام، والظلمة قبح. فهذا هو ضابط العقل الصحيح الصريح من العقل الفاسد المنتكس القبيح وما لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده إخوتي الكرام ... عندنا وصفان ذكاء وزكاء، والثواب والعقاب يتعلق بالوصف الثاني وهو الزكاء، ويحمد به الإنسان حمداً حميداً.

فالذكاء هو تفتح في الذهن وإدراك لعواقب الأمور وسرعة استحضار وقوة حفظ، فهذا ذكاء، وهو مثل الثعلب، ولا يوجد منه في حيله واحتياله لكنه خبيث النفس نجسها، ولذلك قال أئمتنا في كثير ممن غضب الله عليهم كأبي العلاء المعري الذي هلك سنة 449هـ قال ابن كثير في ترجمته في البداية والنهاية في حوادث سنة 449هـ قال: "كان ذكياً ولم يكن زكياً". والزكاء هو طهارة القلب وموافقة شرع الرب، فهذه هي الفضيلة، أما كون الإنسان عنده بلادة في الذهن وعنده تحجر لا يستطيع أن يحفظ ولا يستحضر فذهنه فيه شيء من الإغلاق بسبب شواغل وصوارف، فلس في هذا مذمة عند الله وليس عليه النقص، لكن إذا كانت نفسه خبيثة فهذا هو البلاء وخير الناس من اجتمع فيه الذكاء والزكاء، لكن إذا انعدم واحد منهما فإياك أن تعدم الزكاء، ولهذا مهمة الأنبياء تزكية الناس لا أن يكونا أذكياء فالذكاء بيد الله وقد يحصل للإنسان عليه وقد لا يحصل، والعقول تتفاوت (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم) من التزكية (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) . المبحث الثاني: حادث الإسراء والمعراج خارق للعادة، ولذا قلنا إنه ممكن ورد به السمع وخوارق العادات تنقسم إلى ستة أقسام: 1- الإرهاص ... 2- المعجزة ... 3- الكرامة 4- المعونة ... 5- الاستدراج ... 6- الإهانة فهذه كلها يقال لها خوارق للعادات، لكن ماذا يقصد بخارق العادة؟ هو تخلف الملزوم عن لازمه، أو وجود الملزوم دون اللازم. مثال: تخلف الملزوم عن لازمه: النار من طبيعتها ولازمها الإحراق، فلو أججنا ناراً عظيمة وألقينا فيها إنساناً وما احترق، فهذا يكون خارقاً للعادة. مثال وجود الملزوم دون اللازم:

وجود ولد بدون والد أو بدون أم أو بدونهما، وإن كان هذا حسب العادة لا يوجد، فمن أراد أن يولد له أولاد فلابد من زوجة، ومن أرادت أن يأتيها أولاد فلابد من زوج، لكن لو ولد مولود من غير أب – كحال عيسى عليه السلام – فهذا خارق لعادة (قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغياً، قال كذلك قال ربك هو علي هين) ،وهذا مما يحار فيه العقل ولا يحيله. وإذا وجد مولود من غير أم – كحال حواء – خلقها الله من أبينا آدم فهذا أيضاً خارق للعادة وإذا وجد مخلوق من غير أب ولا أم – كحال أبينا آدم عليه السلام – فهذا كله خارق للعادة وقد وجد الملزوم في الأمثلة الثلاثة السابقة دون وجود لازمه. وهذا الملزوم اتصاله بلازمه أو حصوله بلا لازمه، وجوده وانفصاله مما يجيزه العقل ويقبله أم مما يحيله ويرفضه؟ نقول: بل هو مما يجيزه، وقد تقدم معنا أن العقل يمنع المستحيل فقط وهو اجتماع النقيضين، أو نفي النقيضين، أو اجتماع الضدين، فهذا هو المستحيل فقط، (¬1) ¬

_ (¬1) س: ذكرتم أن النقيضين لا يجتمعان، فكيف اجتمعت الذكورية والأنوثية في المخنثي المشكل؟ الجواب: هال ذكر الله المخنث في كتابه. لا لم يذكره الله في كتابه لأن الخنثي في حقيقة أمره إما ذكر أو أنثى، فهو أشكل علينا، لذلك نقول فيه: يرجى انكشاف حاله – أي انكشافها بعد البلوغ – فإن تكعب الثديان في صدره فهو أنثى وإن حاض فهو أنثى، وإن رق صوته فهو أنثى، بينما الغلام لو بلغ يخشن صوته وقبل بلوغه صوته ناعم والجارية بالعكس فبمجرد أن تبلغ يصبح صوتها ناعماً، وقبل البلوغ صوتها أخشن من صوتها بعد البلوغ، فالمرأة صوتها أرق من صوت الجارية التي لم تبلغ، فإذا خرجت لحية فهو ذكر، فالحاصل أنه أشكل علينا لكنه في حقيقة الأمر إما ذكر أو أنثى ول1لك قال الله تعالى وهذا انظروه في كتب التفسير بلا استثناء عند قوله تعالى: (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً يهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثا ويجعل من يشاء عقيماً) يقول علماؤنا: لم يذكر الله غير هذين الصنفين للإشارة إلى الخنثى في نهاية أمره إما ذكر وأما أنثى فلا إشكال وما اجتمع النقيضان، النقيضان متى يكونا؟ إذا تصورنا وجود شخص ما فهو في إحدى الآليتين تزوج وولد، وفي إحدى آليته تزوج به وحمل وولد له فهنا يحصل اجتماع النقيضين، ولكن هذا لا يتصور وجوده، لأن الخنثى مثاله إما ذكر وأما إنثى. ... ولذلك قال أئمتنا: قبل ظهور علامات البلوغ من ذكورة وأنوثة تميزه في صغره فمن أي آليته يبول فإن بال من آلية الذكورة فهو ذكر وإن بال منهما فيتهما يبول منها أسبق، وإن بال منهما في وقت واحد فأيتهما يبول منها أكثر وهذا واضح. ... أما إن مات الخنثى بعد ولادته مباشرة أي بعد وفاة والده بقليل فات الولد الخنثى ليس له ولد غيره: فهذا إن كان أنثى له النصف، وللأم السدس لوجود الفرع الوارث، والباقيللأخوة أعمام الخنثى، وإن كان ذكر فله كل المال تعصيباً وللأم السدس وبعد وفاة الابن الخنثى المال كله للأم إلخ المسألة فنورثه بالافتراضية ثم نعطيه متوسط ما خرج له في الافتراضين على أنه نصف ذكورة ونصف أنوثة، وهذا لأجل جل عاجل في الدنيا، أما في حقيقة الأمر ذكر أو أنثى.

أما نفي الضدين فهذا ليس بمستحيل فالبياض والسواد مثلاً ضدان لا يجتمعان فإما أبيض أو أسود، ويصح أن يرتفعا فقد يكون أحمر لا أبيض ولا أسود. فكل ما يتقابل مع غيره تقابل سلب وإيجاب فهما نقيضان، بحيث إذا وجد أحدهما انتفى الآخر كالحياة والممات، والذكورة والأنوثة وغيرهما فإذن ما تقدم هو خارق للعادة، لكن هل يتصور أن يقع خارق للعقل؟ نقول: لا ولا يمكن أن تأتي شرائع الله بما تحيله العقول، إنما تأتي بما تحار فيه العقول أججت نار عظيمة لو مر طير في أقصى الجو لخر مشوياً، فكيف يوضع خليل الله إبراهيم عليه الصلاة السلام في المنجنيق من مكان بعيد يقذف ويلقى في النار؟ وهو لو لم يلق في النار لتكسرت عظامه من أثر الإلقاء والرمي، وإنما وضعوه في المنجنيق لأنهم لا يستطيعون أن يقتربوا من النار لإلقائه فيها، فيلقى في النار فتكون برداً وسلاماً ولا تحرق النار إلا وثاقه، فكان مقيدا ثم صار مطلقا، فهذا يتصوره العقل ولا يحيله، وهذا ليس بأغرب من أننا خلقنا من ماء مهين، كما أن الله قادر على أن يخلق إنساناً من غير هذه القطرات التي هي من ماء مهين – كما خلق عيسى – فمن الذي يمنعه؟ لذا قال: (هو علي هين) فهذا خارق للعادة وليس خارق للعقل فليتنبه!! ولا يمكن أن يقع شيء خارق للعادة وليس خارقاً للعقل فيه آفة – كما تقدم – يقول إن هذا مستحيل فنقول: الآفة في عقلك الهزيل، وليس هذا مستحيل، ولذلك قلنا خارق للعادة أي لم تجر العادة به فهو غريب، فكوننا خلقنا من هذا الماء غريب لكن جرب به العادة، وكوننا نتكلم بقطعة اللحم اللسان غريب لكن جرب به العادة، ولو أن أصبعك تكلمت لاعتبر الناس هذا خارقٌ للعادة، ولو أن الحصى سبحت كما سيأتينا في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم حصىً تسبح كما يسبح اللسان فهذا غريب ما جرت به العادة فهو خارق للعادة، وهو في الحقيقة لا غرابة فيه بالنسبة لقدرة الله تعالى.

إذن خارق العادة ليس بخارق للعقل فلابد من التفريق بين خارق لعادة وخارق العقل، وخارق العقل هذا بين نقيضين، نفي نقيضين، جمع ضدين، فهذا لا يمكن أن يقع، ولذلك ما كانت معجزة نبي من الأنبياء أن يقول أجعلكم أحياء وأمواتا، موجودين ومعدومين؟ هذا مستحيل هذه سفسطة ولا يمكن أن تقع، ولكن معجزة نبي أنه يحيي الموتى، فهذا مستحيل أم ممكن؟ نقول: ممكن ميت يموت فيقول خذوا بقرة واذبحوها واضربوه ببعضها فيحيى بإذن الله (كذلك يحي الله الموتى) ، فإحياء الميت خارق للعادة التي جعلها لله تتحكم فينا نحن وفيما عدا الله. فجعل الله سنناً في هذه الحياة لا يستطيع أحد أن يخرج عنها، فإذا شاء الله جل وعلا أن يبطل هذه السنن، أفليس بقادر على ذلك؟ بلى. فنقول: إبطال لتلك السنة، إيقاف لمفعولها، خرق للعادة إلى غير ذلك من العبارات وليس هذا بمستحيل، بل إن هذا دليل على قدرة الله الجليل سبحانه وتعالى. وخوارق العادات كما ذكرنا ستة أقسام: القسم الأول: الإرهاص مأخوذ من الرهْص، وهو أساس الشيء، يقال إرهاص، أساس البيت القواعد التي يبني عليها هذه يقال في اللغة رهْص. وهو: خارق للعادة يقع على يد من سيكون نبيا قبل نبوته. وسميت إرهاصاً لأنها بمثابة التأسيس لما سيليه، وهو المعجزة والإخبار بنبوته، فيكون هذا بمثابة لفت ربنا لأذهان الناس وأنظارهم بأن هذا المخلوق الذي جرى على يديه إرهاصات سيكون له شأن في المستقبل القريب فترقبوا ذلك. مثاله: شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام عندما كان عند حليمة، وسيأتينا هذا ضمن الآيات التي حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام عند الإسراء والمعراج في مبحث مستقل ونبين أن شق صدر النبي عليه الصلاة والسلام وقع أربع مرات. مرة عند حليمة عندما كان عمره سنتان وثلاثة أشهر. ومرة عندما كان عمره عشر سنين. ومرة عندما كان في غار حراء وجاءه جبريل في أول نزوله عليه. والمرة الرابعة في حادث الإسراء والمعراج.

وكل هذه المرات ثابتة صحيحة أتعرض لها إن شاء الله تعالى، فيشق صدره من ثغره بنحره إلى شعرته عليه الصلاة والسلام – وهو منبت العانة – ثم يخرج قلبه ويغسل بقَسْطٍ من ذهب بماء زمزم ثم يحشى إيماناً وحكمة ثم يلتأم صدره الشريف عليه صلوات الله وسلامه. فالشق هذا الذي حدث له وعمره سنتان وثلاثة أشهر وعمره عشر سنين هذا خارق للعادة يأتيه ملكان فيضجعانه، ولذلك أرادت حليمة أن تعيده إلى أمه وعمه عندما شق صدره وهو صغير خشيت أن يكون قد أصابه مس من قبل الجن، لأنها ظنت أن هذا من فعل جن، فصدره عندما يشق ويستخرج قلبه ويغسل هذا خارق للعادة لكنه لم يكن نبياً في ذلك الوقت فهذا بمثابة إرهاص وإعلام بأن هذا المولود له شأن في المستقبل، وقد كان له أعظم الشؤون عليه صلوات الله وسلامه، في يوم ولادته حصل إرهاص عظيم فأمه آمنه عندما تلده يخرج منها نور كما تتحدث هي عن ذلك، يضيء من هذا النور قصور بُصرى في بلاد الشام، وعندما ولد تراه قد ولد مختوناً فلم يختنه خاتن، مسروراً أي سرته مقطوعة، ثم بعد ذلك يرسل إلله في ذلك العام طيراً أبابيل على الجند الذين جاءوا لهدم بيت الله العتيق، فهذا كله إرهاص، أي حصل في هذه البلدة خبر غريب من أجله فعلنا هذه الأعاجيب، فانتبهوا! إنه نبياً عليه الصلاة والسلام، لذا تؤرخ ولادته بعام الفيل التي وقعت إرهاصا لولادته وإرهاصاً لنبوته وإخباراً بما سيكون له من الشأن العظيم.

وفي رحلته بعد ذلك إلى بلاد الشام عندما ذهب مع ميسرة - غلام خديجة – وعندما ذهب قبل ذلك مع عمه أبي طالب كان الغمام يظلله عليه الصلاة والسلام لوجود الحر الشديد فكان أينما ذهب غمامة فوق رأسه عليه الصلاة والسلام كأنه يحمل مظلة تظلله من حرارة الشمس، وهذا أيضاً إرهاص وهكذا بقية الأنبياء عندما جعل الله لهم خوارق للعادات قبل نبوتهم، فعيسى تسمعه يقول عند ولادته: (إني عبد الله آتاني الكتاب) ويقول: (وبراً بوالدتي) فتكلمه في المهد يعد إرهاصاً لأمر سيحصل لنبوته. وموسى عليه الصلاة والسلام عندما يلقى في البحر (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) نجيناه من التلف بالتلف، نجيناه من فرعون بالبحر ليقوده إلى فرعون، وفرعون لم يتلفه، فنجيناه على يدي فرعون، وهذا رب العالمين الذي إذا أراد شيئاً فلا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، فموسى ألقي في اليم هرباً من فرعون فنجاه الله على يدي فرعون، وصار هلاك فرعون على يد هذا المولود الذي رُبِّيَ في حجره وكان يضرب لحيته في صغره، فهذا إرهاص عظيم، فهل خافت المرأة على ولدها تلقيه في البحر، أن إذا كان في البحر تأخذه؟ القسم الثاني: المعجزة: هي أمر خارقة للعادة يجريه الله تعالى على يد النبي، ليكون برهاناً على صدقه في أنه رسول الله وقد تقترن المعجزة بدعوى التحدي، وقد لا تقترن، فلا يشترط في المعجزة أن تكون مقترنة بدعوى التحدي. فمعجزة القرآن الكريم مقرونة بدعوى التحدي (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) . بقية المعجزات: كتكثير الطعام، وتسبيحه، وتسبيح الحصى، وانشقاق القمر (اقتربت الساعة وانشق القمر) حنين الجذع إلى النبي عليه الصلاة والسلام من المتواتر فكل هذا لم يقترن بالتحدي.

وهذه المعجزة لا يمكن لأحد أن يعارضها، ولذلك هي سالمة من المعارضة لأنه متى ما عارضها بطلت نبوة النبي، فلو قال النبي عليه الصلاة والسلام علامة صدقي أن ينشق القمر ويشير بإصبعه إلى القمر فينقلب فلقتين، ويظهر بين الفلقتين جبل حراء، فلقة عن يمينه وفلقة عن شماله ويقول مشركو مكة سحركم محمد عليه الصلاة والسلام، فقال بعض العقلاء فيهم -وليس فيهم عاقل - إذا سحرنا محمد فلن يسحر أهل الأرض، فسلوا التجار الذين سيعودون من بلاد الشام فهل رأوا انشقاق القمر في بلاد الشام في هذا الوقت أم لا؟ فلما عاد التجار من بلاد الشام سألوهم، هل انشق القمر في ليلة كذا؟ قالوا: نعم، فماذا قال المشركون (سحر مستمر) ، فهذا قد سحر أهل الأرض جميعاً هكذا زعموا وحاشاه صلى الله عليه وسلم فإذن هذه لم تقترن بدعوى التحدي وقد تقترن بدعوى التحدي لكن لا يمكن أن تعارض، فلو قال مسيلمة الكذاب أنت شققت القمر في هذه الليلة وأنا سأشقه في الليلة التي ستليها، وحقيقة لو شق لبطل صدق النبي عليه الصلاة والسلام وظهر أنه دعيٌّ وليس نبي، ولذلك اشترطنا سلامتها من المعارضة، فلا يمكن لأحد أن يعارضها، أيد الله أنبياءه بالمعجزات. بالمعجزات أيدوا تكرُّما ... وعصمة الباري لكلٍ حتِّما

فنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام عندما يخرج مع بني إسرائيل حسبما أمرهم ربنا الجليل وأسرى ببني إسرائيل ليلاًً ثم تبعهم فرعون وجنوده وصار البحر أمام نبي الله موسى وفرعون وراءه، فماذا قال المؤمنون في ذلك الوقت: (إنا لمدركون) ، فانظر إلى العبد الواثق بربه حيث قال: (كلا إن معيَِ ربي سيهدين) ، (فأوحينا إليه أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) ، فهذه معجزة النبي، البحر يصبح اثني عشر طريقاً يبسا ً والماء يتجمد كأنه جدران، والطرق بينها ثم هذا الماء عندما يتجمد والطرق اثنا عشر طريقاً لأنهم كانوا اثنا عشر سبطا وفريقاً جعل الله في هذه الطرق عندما تجمد الماء في هذه الحواجز نوافذ وطرقات ليرى كل فريق الفريق الآخر عندما يسيرون حتى لا يظن كل فريق أنه هو الناجي فقط والفرق الأخرى ماتت فكل واحد ينظر إلى صاحبه كأن بينهم حاجز من الزجاج، فهذا كله خارق للعادة جرى على يد نبي فهو إذن معجزة. القسم الثالث: الكرامة: هي: خارق للعادة يجريه الله على يد العبد الصالح. والعبد الصالح هو المؤمن الذي يفعل المأمورات من واجبات ومستحبات ويترك المنهيات من محرمات ومكروهات ولا ينهمك في اللذات والمباحات فهذا يقال له: صالح ولي، صدّيق، فحاله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مالي وللدنيا إنما أنا كراكب قال تحت شجرة ثم راح وتركها) . فإذا جرت على يد العبد الصالح خارق من خوارق العادات فيقال لها كرامة. مطرف بن عبد الله بن الشخير من أئمة التابعين كان إذا دخل إلى بيته تسبح معه آنية البيت وهذا ثابت، والله على كل شيء قدير.

والكرامات في هذه الأمة كالمطر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في الصحيحين -[قد كان في الأمم قبلكم محدثون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر] عمر بن الخطاب رضي الله عنه سيد محدثي وملهمي هذه الأمة يخبر بأمور الغيب من غير أن ينزل عليه وحي، وما نظر إلى شيء وقال أراه كذا إلا كان كما يقول و"كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق" كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.

الحسن البصري عليه رحمة الله، كان الحجاج يرسل شرطته ليقبضوا عليه وهو جالس على سريره في صحن داره فتدخل الشرطة وتقول أين أبو سعيد؟ أين الحسن البصري؟ وهو ينظر إليهم ويبتسم ويخرجون، فهذا خارق للعادة، إنَّ عينيك تبصر ولكن حال الله بينك وبين الرؤيا أما قال الله في كتابه: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً) ، وقد ثبت في المستدرك بسند صحيح كالشمس عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن قول الله تعالى (تبت يدا أبي لهب وتب) لما نزل جاءت العوراء أم جميل - أم قبيح – زوجة أبي لهب تولول وفي يدها حجر يملأ اليد، وتقول: أين محمد؟ فقد بلغني أنه هجاني، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يجلس في فناء الكعبة وبجواره أبو بكر فقال: يا رسول الله أخاف عليك منها – أي لأنها سفيهة، امرأة فليست رجلاً لنقاتله وفي يدها فلو تواريت – فقال سيحول الله بيني وبينها، فقرأ قرآناً فاعتصم بالله منها فبدأ يراها ولا تراه فوقفت على رأس أبي بكر – والنبي عليه الصلاة والسلام بجواره – فقالت: أين صاحبك يا أبا بكر؟ قال: وماذا تريدين؟ قالت: بلغني أنه قد هجاني، فقال: والله ما يقول الشعر وهو صادق (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) والهجو والهجاء إنما يكون في الشعر فقالت: قد علمت قريش أني من أعلاها نسباً، ثم ذهبت تولول وتقول: مذمماً أبينا، وأمره عصينا، ودينه قلينا أي أن هذا عندنا مذموم أبيناه فلا نتبعه، ونعصي أوامره ودينه نكرهه فليفعل ما يشاء.

هذا إن وقع لنبي فهو معجزة كما هو الحال هنا، وإن وقع لعبد صالح فهو كرامة، ويذكر الإمام القرطبي عن نفسه كرامة أكرمه الله بها في بلاد الأندلس عند قول الله جل وعلا (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً) في سورة الإسراء وانظروها في تفسيره عند هذه الآية يقول:"لما دخل الفرنج – النصارى - إلى بلاد الأندلس كنت في حصن منسور في ذلك المكان وكنت في الصحراء وفي العراء ولا توجد شجرة أتوارى بها ولا أكمة أختبئ وراءها - أي تل مرتفع أو منبسط - وأنا في ذلك المكان وجحافل الجيش تتقدم، يقول: فالتجأت إلى الله وقرأت القرآن فصرت أراهم ولا يرونني، وبدأت أسمع أصواتهم، يقول بعضهم لبعض: هذا الرجل الذي ظهر لنا ثم توارى عنا ما هو؟ فيقول له الآخر: لعله ديبلة يقول هذا في لغتهم لعله جني ظهر ثم اختفى، يقول أنا أسمع كلامهم وأراهم ولا يرونني"، فهذه يقولها عن نفسه والله على كل شيء قدير. قال الإمام بن تيمية في (مجموع الفتاوى في 11/331) : "إذا صح الإيمان علماً وعملاً واحتاج صاحبه إلى خرق العادة، سيخرق الله له العادة ولابد، لأن الله يقول: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) ويقول: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) "لكن هذا يحتاج إلى تصليح الإيمان علماً وعملاً، ولذلك إخوتي الكرام: من لجأ إلى مخلوق دل على انفصاله عن الخالق. (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) ، لكن هو إذا صح إيمانه علماً وعملاً، علم نافع واعتقاد حق بالله وعمل صالح وإذا قال يا رب، لم يتخل عنه رب العالمين، لأنه قطع على نفسه مبدأً فقال (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) فلو كادته السموات والأرض لجعل الله له من بينهن فرجاً ومخرجاً والله على كل شيء قدير، وعندما يعرض العبد عن هذا يكله الله إلى نفسه وفلا يبالي في أي وادٍ هلك. القسم الرابع: المعونة

هي: خارق للعادة يجري على يد مؤمن مستور لم يظهر منه فسق ولا بدعة لكن ليس في درجة الذي قبله في الصلاح والاستقامة ولا يعرف عنه جد واجتهاد في طاعة الله فعل المأمورات من واجبات ومستحبات، وترك المنهيات من محرمات ومكروهات وعدم انهماك في اللذات فهذا ليس كذلك بل هو من عوام المسلمين، فلا تظهر عليه بدعة ولا فسق ولا يعرف بالصلاح والتقدم والاجتهاد في دين الله وما أكثر ما يجري من خوارق للعادات على يد عوام المؤمنين ليكرمهم بها رب العاملين إكراماً لهم وتثبيتاً للإيمان في قلوبهم مثلاً: تقع بعض الحوادث ممن شاهدوها يقول لن ينجو منها أحد، فيقال لك: كل من وقع عليه الحادث سلم فهذا من باب معونة الله. إنسان يسقط من الدور السابع في مكان ضيق على بلاط فينزل وما يخدش عظمة ولا جلدة. القسم الخامس: الاستدراج هو: خارق للعادة يجريه الله على يد عبد مخذول، صاحب العمل المرذول (فاسق، كافر، مبتدع، ضال مضل) على وفق مراده فيجري الله علي يده خوارق للعادات ويستدرج من حيث لا يعلم مثاله: الخوارق التي ستحدث على يد الدجال وهي خوارق عظيمة يأتي إلى الخربة – كما ثبت في الصحيحين – فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كيعاسيب النحل، أي كجماعات النحل عندما تتبع رئيستها ومليكتها. ويأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت وغير ذلك من الخوارق التي ستحصل على يد عبد كافر. وفي هذه الخوارق لهذا الصنف من الناس امتحان للبشر، هل سيغترون بهذه الظواهر ويتبعونهم أم لا؟

مع ما سيأتي به من آيات فيه أيضاً آيات تدل على أنه أرذل المخلوقات، فهو مثلاً ينظر بعين واحدة، وعلى جبينه مكتوب كافر يقرأها كل شخص سواء كان أمياً أو متعلماً فنقول له: أنت أعور ولا تستطيع أن تغير عورك، فكيف تحيي وتميت ولا تستطيع أن ترد عينك سليمة لتبصر ولتجعل صورتك صورة كاملة لا تشويه فيها، ولكنه لا يقدر على هذا لأنه عندما يعطيه الله بعض الخوارق لا يعني هذا أنه يتصرف تصرفاً مطلقاً بل إنه لا يزال ضمن البشرية وهو عبد مقهور لكن الله جعله فتنة للناس، هل يخدعون بهذه الأمور أم يتبعون الحق الثابت المزبور؟ فإذن فيه علامة تبين ضلاله، كما نقول له هذه الكتابة على جبينك امسحها كما أنك بعد ذلك لا يسخر لك من المركوبات إلا الحمار فلا تستطيع ركوب الخيل أو الفرس. فكل هذا من باب إذلال الله له لذا هو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام [هو رجس على رجس] القسم السادس: الإهانة هي: خارق للعادة يجريه لله على يد العبد المخذول (الفاسق، المبتدع، الضال، الكافر) لكن بنقيض قصده ومراده والأقسام الخمسة الأولى كلها وفق مراد من أجراها الله على يديه. مثالها: ما جرى لمسيلمة – وقد ذكرناها لكم – أنه بصق في عين إنسان فعمي، فهذا خارق للعادة لأن البصق عادة لا يتسبب في عمى الإنسان، لكنه بصق في عين شخص ليبرأ فصار أعمى فأراد أن يبرأه فأعماه فحصل له نقيض قصده. إخوتي الكرام.... وهذه الأقسام الستة من الخوارق تقع في واحد من ثلاثة أمور هي أمور الكمال بأسرها: 1- إما في العلم 2- وإما في القدرة 3- وإما في الغنى فالعلم: بأن يعلم ما يجهله غيره ويعلمه الله جل وعلا من غير سبب يتعلم منه العباد، فهذا خارق للعادة في أمور العلم. لأن أمور الكمال بأسرها علم وقدرة وغنىً فقط، وكل كمال مرده إلى واحدة من هذه الأمور الثلاثة فالله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وغني عن العالمين.

ولا يوجد أحد من خلق الله له صفة الكمال في هذه الأمور الثلاثة أو في واحد منها، لأن هذه الأمور مختصة بالرب ولذا أمر الله نبيه بأن ينفيها عن نفسه فقال جل وعلا كما في سورة الأنعام (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ) (لا أقول لكم عندي خزائن الله) ... فنفى الغني (ولا أعلم الغيب) ... ... ... فنفى العلم (ولا أقول إني ملك) أقدر على مالا تقدرون عليه فنفى القدرة، فأنا مثلكم إنما أنا بشر لا أستغني عما تحتاجون إليه ولا أعلم إلا ما علمني ربي. وهكذا أمر الله أول الرسل بعد آدم - على نبينا وعلى جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه – وهو نوح أن يقول: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك) فأول الرسل إلى البشرية نفى هذه الأمور عن نفسه وكذا آخرهم عليهم جميعا صلوات الله وسلامه فمثلا: القرآن معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم وخارق في أمور العلم (وعلمك ما لم تكن تعلم) فوقوع هذا الخارق معجزة، ولو وقع خارق من أمور العلم لغير النبي لقيل له كرامة معونة: إلخ ... فعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يخطب على المنبر أيام خلافته والجيوش الإسلامية في بلاد فارس تقاتل في سبيل الله وكان قد أمر عليه رجلاً يدعى سارية، وهو في أصل الجبل والعدو من الجهة الأخرى للجبل يتسلقونه ليصيروا فوق المسلمين ويرشقونهم بنبال كالمطر فكشف الله لعمر هذه الموقعة هو في المدينة والموقعة في نهاوند في بلاد الفرس وصاح يا سارية الجبل فسمع سارية صوت عمر ورقي الجبل وإذا بجنود الفرس يتسلقون الجبال فصال المسلمون فوقهم وكتب الله النصر لهم فهذا تعليم لعمر، ثم هناك كرامة أخرى وهي أن صوته يصل إلى سارية وذاك ينفذ ذاك الأمر ويكتب الله لهم النصر.

والقصة صحيحة وقد ألف الحافظ الحلبي جزءاً في طرقها وحكم عليها بالصحة، والإمام السخاوي في المقاصد الحسنة حكى عن شيخه الحافظ ابن حجر عليهم رحمة الله أن إسنادها في درجة الحسن وطرقها كثيرة وفيرة. والشيخ محمد حامد الفقي عليه رحمة الله ومغفرته وهو الذي علق على كتاب مدارج السالكين ذكر كلاما ً منكراً حول هذه القصة في تعليقه على المدارج، فانتبهوا له واحذروه إلى مر معكم، يقول: إن عمر لا يعلم الغيب، ويقول له: يا عبد الله: لا يعلم الغيب إلا الله لكن إذا علَّم الله عمر هذا فأي حرج في هذا، أفلسنا نؤمن بالكرامات؟ أما قال الله عن مريم بأنها صديقة ولا يوجد في النساء نبية كما قال الله تعالى (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم) ، فالنبوة من جنس الذكورة فقط، كما أنه لا يصلح أن يكون في النساء إمامة – الإمامة – بحيث تكون أميرة وخليفة، فلا يجوز أن يكون في النساء نبية إذ كيف تبلغ دعوة الله وتتصل بالناس وهي مأمورة بالستر وأن تقر في بيتها؟ وهذا ليس من باب الامتهان لها إنه ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى فهذه الرتبة لا تتناسب مع طبيعتها فهي في مكان آخر وهذا واضح ولها أجر بعد ذلك عند الله إن كانت تقوم بما أوجب الله عليها فيما يتعلق بطبيعتها وفيما يتعلق بما هو عائد إليها فإذن لا تكون إمامة [لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة] ولا تكون نبية، فمريم صديقة بنص القرآن (وأمه صديقة) ، أفلم تثبت لها الكرامات؟ (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال: يا مريم أنى لك هذا قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) وانتبه: لم شك زكريا واستغرب وجود الرزق عندها؟ فهو يقول: يا مريم عندك رزق لا يمكن أن نقول إن أحداً من الخلق أحضره إليك لا عن طريق المعونة والمساعدة والإحسان ولا عن طريق الهبة، بل إن الرزق الذي يأتيك لا وجود له في هذه البلاد، ولو كان له وجود لقلنا جارتك ساعدتك، أو أحد أحسن إليك.

فما عاد هناك مجال أن يقال أنت تتصلين اتصالاً محرماً ببعض الناس، فإنه يأتيك شيء لا نظير له، فهذا مما يدهش العقول فمن أين جاءك؟ قالت (هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) ولو كان لما يأتيها نظير ومثيل لأمكن أن يقال هو إما مساعدة وإما وحاشاها – خيانة – ولكن لا هذا ولا هذا فهو شيء لا يمكن أن يحصل من قبل بشر. فإذا كانت كرامات الأولياء ثابتة فانظر ماذا يعلق الشيخ محمد حامد الفقي على هذه القصة: "عمر لا يعلم الغيب وهذه القصة وإن كانت ثابتة فمعناها وتأويلها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يخطب على المنبر أخذته سنة فنام فكشف الله له في الرؤيا عن حال الموقعة ثم صاح بأعلى صوته" لكن نقول: لو سلمنا لك بهذا فكيف سمع سارية صوت عمر إن كان علمه عن طريق الرؤيا، ولكن لا نعلم بما ذكرت، فهل يعقل أن ينام عمر على المنبر؟ فلو حصل ونام عمر على المنبر فإذا أحدث الخطباء في هذه الأيام على المنبر لكان قليلاً! فيا إخوتي لا نشتط في التأويل بحيث نصل إلى درجة الإنكار فهو لا يريد أن يقول باطلة لأن هذا ثابت، فيقول هذا معنى هذا، فتنبهوا! إذن فهذا من خارق العادة في العلم.

الثاني خارق العادة في القدرة فيقدر على ما يعجز عنه غيره ومنه قصة عرش بلقيس قال الله تعالى عنه (ولها عرش عظيم) والعرش سرير الملك مرصع بالجواهر واليواقيت وحجمه كبير، قال نبي الله سليمان كما حكى الله عنه (أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين، قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) ، وكان سليمان عليه الصلاة والسلام من الصباح حتى الظهر يقضي بين رعيته ويعلمهم، فقبل انفضاض المجلس سيكون العرش عندك (قال الذي عنده علم الكتاب) هو رجل صالح اسمه آصف، (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) أي إذا نظرت إلى شيء فقبل أن تغمض عينيك عنه يكون العرش عندك أي في ثوان ٍ ليظهر الله كرامة هذا العبد الصالح على قوة وجهد الجن مع ما معهم من قوة إمكانات، فهذا له مكانة عند الله أعلى وسيأتي بهذا العرش من اليمن إلى بيت المقدس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه (فلما رآه مستقراً قال هذا من فضل ربي لبلوني أأشكر أم أكفر) . إخوتي الكرام.... ما سبق هذا هو المعنى الحق أما من قال: (قال الذي عنده علم الكتاب) هو جبريل أو (قال الذي عنده علم الكتاب) هو نبي الله سليمان فهذا باطل. وهذه كما قال الإمام الذهبي في كتاب العلو للعلي الغفار ص 57 "سبحان الله ما أعظم هذه الكرامة ولا ينكر كرامات الأولياء إلا جاهل" الثالث: خارق للعادة في مجال الغنى، فيستغني عما يحتاج إليه الناس ثبت في ترجمة العبد الصالح إبراهيم التيمي أنه كان يمكث شهرين لا يأكل ولا يشرب، والإنسان إذا امتنع عن الشراب ثلاثة أيام يموت، إذا امتنع عن الطعام سبعة أيام – على أكبر تقدير – يموت. فهذا العبد الصالح عنده غنىً عن الطعام والشراب، والله على كل شيء قدير، فإذا جعل الملائكة لا يأكلون ولا يشربون فما الذي يمنعه من أن يجعل العبد بهذه الصفة ويكرمه بذلك؟

ومكث مرة أربعين يوماً، فأعطاه بعض أهله حبة عنب فأكلها، فمكث أربعين يوما ولما أكل لم يأكل إلا حبة العنب فقط فهذا غنىً عما يحتاج إليه الناس. ذكر الإمام بن كثير عند قوله تعالى (قال إنما أوتيته على علم عندي) حكايته عن قارون يقول: قال بعض الناس: (على علم عندي) أي بصنعة الكيمياء؟ أي أنه يقلب الخشب والحجر والنحاس إلى ذهب، وقال هذا هوس فالمعادن وحقائق الأشياء لا يمكن أن تقلب، فالخشب خشب والحجر حجر والحديد حديد، ولا يمكن أن نقلبه ذهباً أو فضة، يقول وأما قلب حقائق الأشياء إلى ذهب وفضة عن طريق خرق العادة من باب الكرامة فهذا جائز لأنه ليس بمشيئة الناس بل بمشيئة الله، كما جرى لحَيْوَة بن شُرَيْح وكان قد جاءه سائل فسأله – والقصة ثابتة صحيحة ثابتة في تهذيب التهذيب وتذكرة الحفاظ في ترجمة حَيْوَة بن شُرَيْح من شيوخ ورجال الكتب الستة فعلم حيوة صدقه واحتياجه، فأخذ مَدَرَة من الأرض – قطعة طين متجمدة – فأجالها في يده فوضعها في يد السائل فقلبها الله ذهباً خالصاً والله على كل شيء قدير، فهذا ليس بمشيئة المخلوقات إنما هو بمشيئة رب الأرض والسموات. الشاهد: حادثة الإسراء والمعراج خارقة للعادة ترجع إلى العلم أو القدرة أو الغنى؟ ترجع إلى القدرة، أقدره الله على ما يعجز عنه البشر إلا من أكرمه الله بذلك، فيسري به إلى البيت المقدس ويعرج به إلى السموات السابعة فيعاد إلى بيت المقدس، ويعاد إلى مكة في جزء من الليل ولازال فراشه دافئاً. وهذه الأمور الستة قد جمعها بعض أئمتنا في ستة أبيات من الشعر لطيفة وهي: 1- إذا رأيْتَ الأمرَ يخْرِقُ عادةً ... فمعجزةٌ إنْ مْن نبيٍّ لنا ظَهَرْ 2- وإن بان من قبل وصف نبوة ... فالإرهاصَ سِمْة ُ تتبع القومَ في الأثرْ 3- وإن جاء يوماً من ولي فإنه ... الكرامة في التحقيق عند ذوي النظرْ 4- وإن كان من بعض العوام صدوره ... فكنوه حقا بالمعونة واشتهرْ

5- ومن فاسق إن كان وفق مراده ... يسمي بالاستدراج فيما قد استقرْ 6- وإلا فالإهانة عندهم وقد ... تمت الأقسام عند من اختبرْ ومن شاء الرجوع إليه فلينظر في كتاب: لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية في شرح الدرة المضيئة في العقيدة الأثرية للإمام السفاريني (2/392) ، والدرة المضيئة له وشرحها في مجلدين وهو من الكتب النافعة في علم التوحيد على هدي السلف، وقد تعرض فيه لمبحث خوارق العادات وذكر الستة. بعض علماء التوحيد أضاف أمراً سابعاً لكنه لا يعتبر من خوارق العادات وهو: السحر، وهذه إضافة باطلة، فإنه لا يعتبر من خوارق العادات لأنه يتوصل إليه بالأسباب العادية فهناك أنواع من أنواع الكفريات من سلكها وصل إلى السحر فهو علم وتعلم مثل الموسيقى هذا حرام وذاك حرام، ولذلك من السبع الموبقات كما قال النبي عليه الصلاة والسلام السحر، وما شاع بين الناس من حديث مكذوب وهو: [تعلموا السحر ولا تعملوا به] فهذا لا يصح نسبته إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو خرافة، لأن تعلم السحر لا يحصل إلا بالكفر واستعانة بالقوى الخبيثة الشريرة من الشياطين والعفاريت، لكن هو علم عن طريق أسباب من تعلمها وصل إليه مثل الغناء والرقص والموسيقى وقلة الحياء. لكنه لا يحصل إلا بمشيئة الله قال تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) ، وهذا كما لو أطلقت رصاصة على إنسان فأنت الذي باشرت القتل لكنه لم يمت إلا بمشيئة الله وتقديره وإرادته ولكنك تعاقب على مباشرتك للقتل، ولو صبر القاتل على مقتوله لحظة لمات دون أن يقتله فالمقتول مات بأجله ولم يقدم القاتل أجله عن موعده بل ساعة قتله هي أجله، فلم يقدم أجله ولا طرفة عين لكن القاتل مسئول عن فعله.

وهناك عندما يمارس السحر ويفرق بين المرء وزوجه ويؤذي الإنسان ويكسب جسمه وهناً وضعفاً فهو بإذن الله، وقد سحر نبينا عليه الصلاة والسلام لكن لم يؤثر على عقله غاية ما كان إنه يصاب في بدنه بوهن وضعف واستمر به السحر أشهر عليه صلوات الله عليه وسلامه وزاد مفعوله فيه مدة أربعين يوماً وكان يشعر بتعب ثم أنزل الله عليه المعوذتين فقرأهما فقام وكأنما نشط من المقال عليه صلوات الله وسلامه والحديث في الصحيحين. فالسحر إذن بواسطة تعلم أشياء معلومة، وهو كما لو تعلمت فن القتال فضربت إنساناً فآذيته لكن بشيء معلوم، والساحر يؤذي بشيء معلوم، لكن ذلك بشيء ظاهر وهذا بشيء معلوم خفي، فالإيذاء بالسحر لا يكون إلا عن طريق مدارسة ولا يوصل إليه إلا بأسباب معلومة يتلقاها الناس بخلاف خوارق العادات فهذه لا دخل فيها لكسب ظاهر، إنما هي محض تقدير الله جل وعلا ومشيئته وبالتالي ليس السحر من خوارق العادات. كنا فيما سبق قد أشرنا إلى قصة الشيخ الصالح الحلبي إشارة وسنذكرها هنا: لقيه ذات مرة قسيس ملعون فقال له: أنتم تزعمون أنكم أفضل منا، وموجود عندكم أ، جميع الناس سيرد النار ويدخلها (وإن منكم إلا واردها) فعلام أنتم أفضل منا إذن؟ وكان الشيخ يملك الجواب على هذا وهو أن يقول له هذه النار تحرقكم ولا تحرقنا فتكون برد وسلاما علينا وتكون حميما وعذابا عليكم، ولكن الشيخ علم أن هذا القسيس لن يقتنع بهذا الجواب ولن يستوعبه.

وكان القسيس يلبس جبة فقال له الشيخ أعطني جبتك فأعطاه إياها فخلع الشيخ جبته وصرّهما ببعض فجعل الشيخ جبة القسيس من الداخل وجبته هم من الخارج ثم ذهبا إلى فرن وقال للخباز ضعهما في الفرن، فوضعهما وبعد ربع ساعة قال له أخرجهما فأخرجهما الخباز؟؟؟ فلما رأي القسيس ذلك قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وعلم كيف أن النار تحرق الكافر ولا تحرق المؤمن وقد ورد سؤال هنا يقول: هل يعرف الإنسان من نفسه أنه سيقع له خارق للعادة، كيف عرف الشيخ الميمون أن جبته لن تحترق، وأن جبة القسيس ستحترق؟ وهذا سؤال يتعلق بهذه القصة وبكل قصة أو حادثة فيها خارق للعادة مما ذكر. فنقول: خوارق العادات عندما تقع لها حالتان: الحالة الأولى: أن يُعْلِمَ الله الإنسان بذلك بنزول ملك أو بإلهام، فيلهمه الله ذلك ويضطر إلى فعله فلا اختيار له في ذلك. وعلى الحالتين (أنزل الملك، أو الإلهام) فهذا من نوع الوحي، ولا يشترط أن يكون الإنسان نبيا لينزل عليه ملك. فمريم – كما قلنا كانت صديقة، لأنه ليس في النساء نبية بالإجماع، ومع ذلك كانت تنزل عليها الملائكة (وإذ قالت الملائكة يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) ونزل عليها جبريل وقال لها جئتك لأهب لك غلاماً زكياً. ثم قال لها بعد ذلك (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا) ثم أمرها بعد ذلك أن تلزم الصمت. وأخبرها بأن ولدها سيدافع عنها، فهذا كله حصل بواسطة ملك. وقد يقع كما قلنا عن طريق الإلهام فيقع في قلبك أمر يضطرك إلى فعل أمرٍ، ولا اختيار لك فيه. الحالة الثانية:

كنت ذكرت لكم هذا سابقا – نقلا عن الإمام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى 11/331 "إذا صح الإيمان علماً وعملاً واحتاج صاحبه إلى خرق العادة خرق الله له العادة ولابد" أي أن الإنسان يعمل بالأسباب والباقي على الله، فعليه هو أن يسلك المسلك الشرعي الصحيح فإذا احتاج إلى كرامة خرق الله له العادة ولابد، لأن الله يقول (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) فهذا شرط، وجوابه، فإذا اتقيت الله فلن يتخلى الله عنك. العلاء بن الحضرمي: والقصة ثابتة صحيحة في ترجمته في حلية الأولياء لأبي نعيم وصفة الصفوة لابن الخوري والفرقان بين؟ الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية – حاصلها: أنه لما كان يغزو في بلاد الفرس، واعترضهم البحر كما اعترض نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام البحر، فوصلوا إليه والعدو وراءهم وليس عندهم سفن يقطعون بها البحر، فقال لهم العلاء قولوا: يا عليم، يا حليم، يا علي، يا عظيم، ثم جوزوا واتبعوني فبدأ يقولها وهم يقولونها وراءه، وسار وساروا خلفه فدخلوا البحر ومازالوا يقولونها فما ابتلت حوافر خيولهم، ثم قال لهم: من فقد شيء في هذا البحر فعلي؟ فقال له بعض الناس: سقط عني كذا وكذا، فدعا ربه على شاطئ البحر فقذف البحر له المتاع الذي سقط من ذلك الشخص. فإذن هذه كرامة تقع للعبد الصالح، فذا احتاجها تقع له ولابد، فإذا أكرم الله نبيه موسى بانشقاق البحر معجزة، فيكرم الله الصالحين بانشقاق البحر كرامة.

ويخبرنا نبينا عن كرامة وقعت لعبد صالح، والحديث في السنة ومعجم الطبراني بسند صحيح، وذكر؟؟؟؟؟ ذلك للناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل رجل؟؟ في الزمن الماضي – على أهله، فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البرية، فلما خرج قالت لنفسها لو قمت إلى التنور فتجرته (أي أحميته لأن زوجها سيعود عما قريب ومعه رزق، فستعجن وتخبز) قمت إلى الرحى (الطاحونة) فهيأتها، ولو قمت إلى الجفنة (التي يوضع فيها الطعام) فأعددت أي أجهز نفسي بهذه الأمور إذا دخل زوجي بعد خروجه ولا نتأخر في إعداد الطعام، فتأخر الزوج ثم قالت: لأتفقد التنور الذي سجرته، ماذا حصل له؟ فجاءت إليه فإذا فيه جنوب شاة مشوية (جمع جنب أي لحم جنب الشاة وهو أطيب أنواع اللحوم) ، ثم ذهبت إلى الرحى فنظرت إليها فإذا هي تدور وتطحن البر، ونظرت إلي قصعتها فإذا هي ممتلأة طعاما، قالت: فأوقفت الرحى، قال نبينا عليه الصلاة والسلام لو تركتها لبقيت تدور إلى يوم القيامة، أي تدور وتطحن، والله على كل شيء قدير. فهذا البعد لم يعلم أن الله سيرزقه هذا الرزق، ولكنه بذل ما عليه، وأخذ بالأسباب المؤدية إلى مثل هذه الخوارق، فرزقه الله هذا الرزق (وما من دابة إلا على الله رزقها) ، فخلقنا الله لنعبد وتكفل برزقنا. فنقول: هذا الرجل جاء ولم يجد رزقا، فلم يقصر أيضا في العمل بالأسباب وطلب الرزق والبحث عنه والله يقول (فامشوا في مناكبها) ، فإذا مشيت وبذلت ما في وسعك ولم تحصل رزقا فهل ستموت جوعا؟ والله الذي لا إله إلا هو، الذي كان يرزق مريم وهي في محرابها سيرزقك ولا شك في ذلك (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) . لكن هذا كله يحتاج إلى تحقيق الإيمان قولاً وعملاً.

كان دجاجلة البطائحية من الصوفية المخرفين الذين ينتسبون إلى الرفاعية، فيعهد الإمام ابن تيمية يدخلون النار، فيشعذون حيث كانوا يدخلون بحبل فيدهنون أبدانهم بزيت يسمى اللوزرينج – كما يذكر شيخ الإسلام – وهذه مادة عازلة، فإذا دهن بها الجسم وتعرض للنار فلا يتأثر. فقال لهم الإمام ابن تيمية، إن ما يحصل لكم ليس بخارق للعادة، بل هذا شعوذة لذلك سأدخل الحمام وتدخلون الحمام ونغتسل بالماء الحار ثم لتوقد أعظم نار وأدخلها أنا وأنتم والكاذب منا يحرقه الله!! ووالله الذي لا إله إلا هو لو فعلها لأحرقهم الله ونجاه، كرامة له. إن قيل: هل نزل عليه ملك؟ نقول: لا يشترط ذلك، فإنه قد صح الإيمان علماً وعملاً، اعتقاداً وفعلاً واحتاج لخرق العادة ليثبت كذبهم، فإنهم سيقولون له – أي لابد تيمية – نحن نفعل هذه الشعوذات تزعم – ونحن على حق وأنت على باطل وضلال، فيقول لهم: بل أنتم على باطل، فيقولون فكيف إذن تحدث لنا هذه الخوارق؟ فيقول: هذه ليست بخوارق، وسأثبت لكم ذلك فلنغتسل في الحمام ثم لندخل أنفسنا في النار والكاذب منا يحرقه الله، فهنا سيخرق الله له العادة ويثبت كذبهم وباطلهم حتى لا يلتبس الحق والباطل على العوام من الناس. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لن يخلف وعده (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) وإذا كنا مؤمنين فلن يكون عندنا شك في هذا الإيمان العظيم، وأما بعد ذلك، فإذا فرطنا وأتينا من قبل أنفسنا – كما هو الحال فنا توكلنا على أعدائنا وعلى الذين غضب الله عليهم العزيز القهار – فكيف ننتظر خرق العادات وكيف ننتظر الإجابة إذا دعو نسينا الله فنسينا (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) ، وليس المقصود بنسي الله لنا غفلته عنا بل إهماله لنا فإن الله لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. قال الله لداوود عليه الصلاة والسلام: قل للظالم لم لا يذكرني فإنه إذا ذكرني سأذكره، لأنه يقول (فاذكروني أذكركم) وذكري إياه أن ألعنه.

أي فهو إذا ذكرني ذكرته ولابد ولكن شتان شتان بين من يذكره الله بالرحمة والثناء عليه في الملأ الأعلى وبين من يذكره باللعنة. فكل ذاكر سيذكره الله، فإن كان تقيا فيذكر بالرضا والقبول، وإن كان شقيا فيذكر بالطرد والإبعاد. الحاصل أن الإنسان قد يعلم أنه ستخرق له العادة، يعلم ذلك إما بنزول ملك يراه هو ولا نراه نحن أو بإلهام يقع في قلبه يضطره إلى فعل هذا دون اختيار وقد لا يعلم، لكن بحسب الظاهر يقول أنا بذلت ما علي وأخذت بهذا الأمر؟؟ الإيمان وتصحيحه قولاً وعملاً، والباقي على الله فهو الذي تكفل بالنتيجة كما أ، الإنسان يتزوج من أجل أن ينجب ذرية، فهذا بذل ما عليه وقد يرزق بذرية وقد لا يرزق. عليك بذر الحب لا قَطْف الجني ... والله للساعين خير ضمين وهو الذي (لا يضيع أجر من أحسن عملا) فأنت هنا عليك أن تسير على المسلك الشرعي فإذا لزمك خارق للعادة، سيخرق الله هذا ولابد، وهو على كل شيء قدير. كنا فيما سبق قد أشرنا إلى قصة الشيخ الصالح الحلبي إشارة وسنذكرها هنا: لقيه ذات مرة قسيس ملعون فقال له: أنتم تزعمون أنكم أفضل منا، وموجود عندكم أن جميع الناس سيرد النار ويدخلها (وإن منكم إلا واردها) فعلام أنتم أفضل منا إذن؟ وكان الشيخ يملك الجواب على هذا وهو أن يقول له هذه النار تحرقكم ولا تحرقنا فتكون برداً وسلاماً علينا وتكون حميماً وعذاباً عليكم، ولكن الشيخ علم أن هذا القسيس لن يقتنع بهذا الجواب ولن يستوعبه.

وكان القسيس يلبس جبة فقال له الشيخ أعطني جبتك فأعطاه إياها فخلع الشيخ جبته وصرّهما ببعض فجعل الشيخ جبة القسيس من الداخل وجبته هو من الخارج ثم ذهبا إلى فرن وقال للخباز ضعهما في الفرن، فوضعهما وبعد ربع ساعة قال له أخرجهما فأخرجهما الخباز فلما رأى القسيس ذلك قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وعلم كيف أن النار تحرق الكافر ولا تحرق المؤمن وقد ورد سؤال هنا يقول: هل يعرف الإنسان من نفسه أنه سيقع له خارق للعادة كيف عرف الشيخ الميمون أن جبته لن تحترق وأن جبة القسيس ستحترق؟ وهذا سؤال يتعلق بهذه القصة وبكل قصة أو حادثة فيها خارق للعادة مما ذكر. فنقول: خوارق العادات عندما تقع لها حالتان: الحالة الأولى: أن يُعْلِمَ الله الإنسان بذلك بنزول ملك أو بإلهام، فيلهمه الله ذلك ويضطر إلى فعله فلا اختيار له في ذلك. وعلى الحالتين (أنزل الملك، أو الإلهام) فهذا من نوع الوحي، ولا يشترط أن يكون الإنسان نبياً لينزل عليه ملك. فمريم كما قلنا كانت صديقة، لأنه ليس في النساء نبية بالإجماع، ومع ذلك كانت تنزل عليها الملائكة (وإذ قالت الملائكة يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) ونزل عليها جبريل وقال لها جئتك لأهب لك غلاماً زكياً. ثم قال لها بعد ذلك (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) ثم أمرها بعد ذلك أن تلزم الصمت. وأخبرها بأن ولدها سيدافع عنها، فهذا كله حصل بواسطة ملك. وقد يقع كما قلنا عن طريق الإلهام فيقع في قلبك أمر يضطرك إلى فعل أمرٍ، ولا اختيار لك فيه. الحالة الثانية:

كنت ذكرت لكم هذا سابقاً نقلا ً عن الإمام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى 11/331 "إذا صح الإيمان علماً وعملاً واحتاج صاحبه إلى خرق العادة خرق الله له العادة ولابد" أي أن الإنسان يعمل بالأسباب والباقي على الله، فعليه هو أن يسلك المسلك الشرعي الصحيح فإذا احتاج إلى كرامة خرق الله له العادة ولابد، لأن الله يقول (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) فهذا شرط، وجوابه، فإذا اتقيت الله فلن يتخلى الله عنك. العلاء بن الحضرمي: والقصة ثابتة صحيحة في ترجمته في حلية الأولياء لأبي نُعيم وصفة الصفوة لابن الجوزي والفرقان بين الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية – حاصلها: أنه لما كان يغزو في بلاد الفرس، واعترضهم البحر كما اعترض نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام البحر، فوصلوا إليه والعدو وراءهم وليس عندهم سفن يقطعون بها البحر، فقال لهم العلاء قولوا: يا عليم، يا حليم، يا علي، يا عظيم، ثم جوزوا واتبعوني فبدأ يقولها وهم يقولونها وراءه، وسار وساروا خلفه فدخلوا البحر ومازالوا يقولونها فما ابتلت حوافر خيولهم، ثم قال لهم: من فقد شيء في هذا البحر فعلي؟ فقال له بعض الناس: سقط عني كذا وكذا، فدعا ربه على شاطئ البحر فقذف البحر له المتاع الذي سقط من ذلك الشخص. فإذن هذه كرامة تقع للعبد الصالح، فإذا احتاجها تقع له ولابد، فإذا أكرم الله نبيه موسى بانشقاق البحر معجزة، فيكرم الله الصالحين بانشقاق البحر كرامة.

ويخبرنا نبينا عن كرامة وقعت لعبد صالح، والحديث في السنة ومعجم الطبراني بسند صحيح، وذكر ذلك للناس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل رجل - في الزمن الماضي – على أهله، فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البرية، فلما خرج قالت لنفسها لو قمت إلى التنور فسجَّرتُه (أي أحميته لأن زوجها سيعود عما قريب ومعه رزق، فستعجن وتخبز) قمت إلى الرحى (الطاحونة) فهيأتها، ولو قمت إلى الجفنة (التي يوضع فيها الطعام) فأعدت (أي أجهز نفسي بهذه الأمور) حتى إذا دخل زوجي بعد خروجه ولا نتأخر في إعداد الطعام، فتأخر الزوج ثم قالت: لأتفقد التنور الذي سجرته، ماذا حصل له؟ فجاءت إليه فإذا فيه جنوب شياه مشوية (جمع جنب أي لحم جنب الشاة وهو أطيب أنواع اللحوم) ، ثم ذهبت إلى الرحى فنظرت إليها فإذا هي تدور وتطحن البُرَّ، ونظرت إلي قصعتها فإذا هي ممتلأة طعاماً، قالت: فأوقفت الرحى، قال نبينا عليه الصلاة والسلام لو تركتها لبقيت تدور إلى يوم القيامة، أي تدور وتطحن، والله على كل شيء قدير. فهذا العبد لم يعلم أن الله سيرزقه هذا الرزق، ولكنه بذل ما عليه، وأخذ بالأسباب المؤدية إلى مثل هذه الخوارق، فرزقه الله هذا الرزق (وما من دابة إلا على الله رزقها) ، فخلقنا الله لنعبده وتكفل برزقنا. فنقول: هذا الرجل جاء ولم يجد رزقاً، فلم يقصر أيضاً في العمل بالأسباب وطلب الرزق والبحث عنه والله يقول (فامشوا في مناكبها) ، فإذا مشيت وبذلت ما في وسعك ولم تحصل رزقاً فهل ستموت جوعاً؟ والله الذي لا إله إلا هو، الذي كان يرزق مريم وهي في محرابها سيرزقك ولا شك في ذلك (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) . لكن هذا كله يحتاج إلى تحقيق الإيمان قولاً وعملاً.

كان دجاجلة البطائحية من الصوفية المخرفين الذين ينتسبون إلى الرفاعية، في عهد الإمام ابن تيمية يدخلون النار، فيشعوذون حيث كانوا يدخلون بحيل فيدهنون أبدانهم بزيت يسمى اللوزرينج – كما يذكر شيخ الإسلام – وهذه مادة عازلة، فإذا دهن بها الجسم وتعرض للنار فلا يتأثر. فقال لهم الإمام ابن تيمية، إن ما يحصل لكم ليس بخارق للعادة، بل هذا شعوذة لذلك سأدخل الحمام وتدخلون الحمام ونغتسل بالماء الحار ثم لتوقد أعظم نار وأدخلها أنا وأنتم والكاذب منا يحرقه الله. ووالله الذي لا إله إلا هو لو فعلها لأحرقهم الله ونجاه، كرامة له. إن قيل: هل نزل عليه ملك؟ نقول: لا يشترط ذلك، فإنه قد صح الإيمان علماً وعملاً، اعتقاداً وفعلاً واحتاج لخرق العادة ليثبت كذبهم، فإنهم سيقولون له – أي لابن تيمية – نحن نفعل هذه الشعوذات – كما تزعم - ونحن على حق وأنت على باطل وضلال، فيقول لهم: بل أنتم على باطل، فيقولون فكيف إذن تحدث لنا هذه الخوارق؟ فيقول: هذه ليست بخوارق، وسأثبت لكم ذلك فلنغتسل في الحمام ثم لندخل أنفسنا في النار والكاذب منا يحرقه الله، فهنا سيخرق الله له العادة ويثبت كذبهم وباطلهم حتى لا يلتبس الحق والباطل على العوام من الناس. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لن يخلف وعده (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) وإذا كنا مؤمنين فلن يكون عندنا شك في هذا الإيمان العظيم، وأما بعد ذلك، فإذا فرطنا وأتينا من قبل أنفسنا – كما هو الحال فينا توكلنا على أعدائنا وعلى الذين غضب عليهم العزيز القهار – فكيف ننتظر خرق العادات وكيف ننتظر الإجابة إذا دعونا نسينا الله فنسينا (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) ، وليس المقصود بنسي الله لنا غفلته عنا بل إهماله لنا فإن الله لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض. قال الله لداوود عليه الصلاة والسلام: قل للظالم لم لا يذكرني فإنه إذا ذكرني سأذكره، لأنه يقول (فاذكروني أذكركم) وذكري إياه أن ألعنه.

أي فهو إذا ذكرني ذكرته ولابد ولكن شتان شتان بين من يذكره الله بالرحمة والثناء عليه في الملأ الأعلى وبين من يذكره باللعنة. فكل ذاكر سيذكره الله، فإن كان تقياً فيذكر بالرضا والقبول، وإن كان شقياً فيذكر بالطرد والإبعاد. الحاصل أن الإنسان قد يعلم أنه ستخرق له العادة، يعلم ذلك إما بنزول ملك يراه هو ولا نراه نحن أو بإلهام يقع في قلبه يضطره إلى فعل هذا دون اختيار وقد لا يعلم، لكن بحسب الظاهر يقول أنا بذلت ما علي وأخذت بهذا الأمر؟؟ الإيمان وتصحيحه قولاً وعملاً، والباقي على الله فهو الذي تكفل بالنتيجة كما أن الإنسان يتزوج من أجل أن ينجب ذرية، فهذا بذل ما عليه وقد يرزق بذرية وقد لا يرزق. عليك بذر الحب لا قَطْف الجني ... والله للساعين خير ضمين وهو الذي (لا يضيع أجر من أحسن عملا) فأنت هنا عليك أن تسير على المسلك الشرعي فإذا لزمك خارق للعادة، سيخرق الله هذا ولابد، وهو على كل شيء قدير. المبحث الثالث أكم مرة وقع فيها الإسراء والمعراج: الإسراء والمعراج لهما حالتان: الحالة الأولي: حالة وقوعهما في اليقظة، فلم يقعا إلا مرة واحدة قبل الهجرة، وسيأتي تحديد وقت حصولهما. وقد حكى الإمام بن حجر في فتح الباري (7/203) في هذه المسألة عشرة أقوال في تكرر الإسراء والمعراج – والمعتمد فيها – أن إسراء ومعراج اليقظة بنبينا عليه الصلاة والسلام كان مرة واحدة.

قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد: "والعجب ممن يدعي ويزعم تعدد الإسراء والمعراج في اليقظة فكيف سيحمل التعدد على فرضية الصلاة " فقد فرضت الصلاة ليلة المعراج وكانت خمسين فخفضت إلى خمس عندما كان يتلقى هذا من الله وينزل على نبي الله موسى عليه السلام – وسيأتينا هذا في الآيات التي رآها في السماء وما حصل له من عجائب – فإذا قلنا إن حادث الإسراء والمعراج قد تكرر إذن نعيد المسألة في كل حادث كانت خمسين وترجع إلى خمس وترجع إلى خمس فهذا لا يمكن أن يقع ويحصل، فإسراء ومعراج اليقظة هذا وقع مرة واحدة. الحالة الثانية: حالة وقوعهما في المنام بروح نبينا عليه الصلاة والسلام فلا مانع من تكرارها، أي أن يسرى بروحه فتذهب روحه إلى بيت المقدس وهو نائم ويعرج بروحه إلى السماء وهو نائم، فلا مانع من تعدده ولو وقع ألف مرة. والإمام النووي في فتاويه المشهورة – وهو كتاب مطبوع في 300 صفحة تقريباً – ذهب في هذه الفتاوى إلى أن الإسراء والمعراج وقعا مرتين لنبينا عليه الصلاة والسلام مرة في المنام ومرة في اليقظة. وذهب بعض الأئمة كالمهلب – كما حكى هذا الحافظ في الفتح – وذهب إليه الإمام ابن العربي والإمام السهيلي وأبو نصر عبد الرحيم القشيري وغيرهم: إلى أن الإسراء والمعراج في المنام تكرر فوقع قبل الهجرة ووقع بعدها، فاختلفوا في عدد المرات في المنام، أما في اليقظة بروحه وجسده فلم تقع إلا مرة واحدة. نعم التبس الأمر على بعض رواة الحديث عندما أخبرهم نبينا عليه الصلاة والسلام أنه عرج به وأسريَ به في غير اليقظة فظنوا أن ذلك الإسراء والمعراج حصل في اليقظة مع أنه حصل في المنام فلا مانع كما قلنا أن يعرج به وبغيره عليه الصلاة والسلام، أو يسرى به وبغيره عليه الصلاة والسلام في المنام لا في اليقظة.

إذا فقد ذهب الإمام النووي إلى وقوعها مرة في المنام وذهب غيره إلى أنها حصلت أكثر من مرة، فوقع قبل الهجرة وبعدها والذين قالوا أنه وقع قبل الهجرة قالوا وقع قبل أن يسرى به ويعرج في اليقظة فأسري وعرج بروحه ليكون توطئة لإسراء ومعراج الجسد بعد ذلك، ثم بعد أن هاجر أسري وعرج بروحه وهو نائم ليكون بمثابة التشويق وتذكرة بالنعمة التي حصلت له قبل هجرته. أمتى حصلا ووقعا لنبينا عليه الصلاة والسلام؟ ذهب الإمام الزهري – من أئمة التابعين – ولكلامه هذا حكم الرفع المرسل إلى أن الإسراء والمعراج حصلا ووقعا قبل الهجرة بسنة. وذهب الإمام ابن سعد في الطبقات الكبرى إلى أنه وقع قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا قلت: ولا تعارض بين القولين فيما يظهر لي والعلم عند الله، فمن قال عرج به وأسرى قبل الهجرة بسنة ألغى الكسر وأخبر عن العدد الصحيح ومن قال عرج به وأسرى قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً (سنة ونصف) أخبر عن حقيقة ما وقع وأثبت الكسر، فالإسراء والمعراج إذن وقعا قبل الهجرة بسنة ونصف. جـ- لم وقعا في ذلك الوقت؟ (الحكمة من وقوعها في ذلك الوقت) : في العام العاشر للبعثة لا للهجرة حدث أمران عظيمان في حياة نبينا عليه الصلاة والسلام كان لهما أثر كبير وهما: أولهما: موت زوجه خديجة، وخديجة هي أفضل نساء هذه الأمة على المعتمد وقيل فاطمة ابنتها، وقيل أمنا عائشة، وذهب بعض العلماء إلى أن كل واحدة منهن فيها فضيلة ومزية لا توجد في الأخرى، لكن أمنا خديجة رضي الله عنها لها منزلة عظيمة في قلب النبي عليه الصلاة والسلام، فهي أول من آمن به من النساء، نصرته وواسته وأعانته بمالها، رزقها الله منها الأولاد وكانت نعم الزوج رضي الله عنها، فمن كان يبث إليه سره ويأنس في خلوته ذهب ومات.

ثانيهما: موت عمه أبي طالب بعد شهر وخمسة أيام، وأبو طالب كان مشركاً وكافراً ولم يؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام (¬1) ¬

_ (¬1) ثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام [أنه قيل له عمك أبو طالب كان ينصرك ويحميك ويدافع عنك هل نفعه ذلك عند الله؟ فقال: لا، إلا أنه كان في غمرات من نار جهنم فأخذته فوضع في ضحضاح من نار جهنم وضع في أخمصي رجليه جمرتان من نار جهنم يغلي منهما دماغه وإنه لأهون أهل النار عذاباً ويرى نفسه أشد أهل النار عذاباً.] [ولما احتضر جاءه النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله وكان عنده أبو جهل وأضرابه، فقالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فكان آخر ما قاله أنه على ملة عبد المطلب] وثبت في النسائي [أن علياً رضي الله عنه جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله إن عمك وهو والد علي - عمك الشيخ الضال قد مات، قال: اذهب فوار أباك] أي ادفنه من غير تغسيل ولا صلاة فهذا مشرك. فنزل قول الله لما قال النبي عليه الصلاة والسلام بعمه بعد أن مات – لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك (ما كان للني والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا ذوي قربي من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) لكن مع ذلك فجهده ما ضاع فهو أهون أهل النار عذاباً، وهذا من الشفاعات الخاصة لنبينا عليه الصلاة والسلام لأن الكفار كما قال الله تعالى فيهم (لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) . ولا يدخل الجنة لأنه كافر والله حرم الجنة على الكافرين. عند الشيعة فقط أبو طالب أفضل من أبي بكر فأبو طالب في الجنة وأبو بكر في النار، قالوا كيف يكون والد علي كافراً؟ أقول فكيف يكون والد إبراهيم الخليل كافراً. الشيعة جعلوا حب آل البيت ستاراً وهم زنادقة فلا يؤمنون بدين ولا يدخلون في الإسلام رغبة ولا رهبة إنما كيداً للإسلام وكيداً لأهله ولكن لابد من شيء يستترون به وهو حب آل البيت فهذه ستارة وإلا فما علي عندهم بأحسن من أبي بكر، وقالوا كلاماً لو ثبت لكان علي أحسن من أبي بكر عندهم وحاشاهم جميعاً من ذلك. يقال لهم كيف زوج على ابنته لعمر – وهو عندهم كافر – أجابوا بجوابين: - ... متقدمهم: من باب التقية ليرفع عن نفسه ضرر عمر. - ... متأخرهم زف إليه جنية بصورة أم كلثوم بنت فاطمة. قال جعفر الصادق يقولون التقية وينتمون يأتي كذبوا دين آل البيت التقوى لا التقية التقية دين اليهود.

لكن له صلة عظيمة بنبينا عليه صلوات الله وسلامه من سائر أعمامه فعمه العباس لم يكن مؤمناً في ذلك الوقت ثم آمن فيما بعد، وعمه أبو لهب لم يكن مؤمناً وما آمن وكان يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام والعباس لم يكن له من المكانة في قومه كما لأبي طالب، فأبو طالب هو الذي ورث مكانة عبد المطلب وصار سيد قريش، فكانت له كلمة نافذة فما استطاع سفيه في مكة أن يمد يده أو يلوح بأصبعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مدة حياة أبي طالب وهو الذي كان يقول له: "والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفيناً" وكانت قريش تهاب أبا طالب وتخاف سطوته ويخشون إذا آذوا النبي عليه الصلاة والسلام أن يثأر أبو طالب لابن أخيه من باب الحمية، فكانوا ينكفون عن أذى النبي عليه الصلاة والسلام ولذلك غاية ما وقع قبل العام العاشر للبعثة أذىً على أصحابه ولم يقع عليه أذىً عليه صلوات الله وسلامه، فلما مات عمه أبو طالب اشتد أذى المشركين على أصحابه بل وعلى النبي عليه الصلاة والسلام ووصل الأمر إلى أنهم أخذوا الجزور وهي الكرشة التي فيها الفرث والزبل – وطرحوها على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم بجوار الكعبة فإذن اشتد عليه الأذى وكثر بعد موت عمه أبي طالب، وصار يلاقي أذىً شديداً خارج البيت وإذا عاد إلى البيت فليس هناك من يؤنسه ويزيل همومه، فاشتد به الأذى وضاقت عليه الأرض بما رحبت في ذلك الوقت، في العام العاشر للبعثة الذي سمي بعام الحزن، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام من شدة الكرب الذي لحقه من المشركين إلى الطائف يلتمس نصرة من ثقيف، فكانوا أخبث من عتاة قريش وأهل مكة. فردوا عليه أقبح رد أما بعضهم فيقول: أما وجد الله رسولا ً غيرك ليرسله؟ والآخر يقول: والله لو كُنْتَ رسولاً لأمزقن ثياب الكعبة!

ثم ما اقتصر الأمر على أذى اللسان، بل أغروا به السفهاء وبدأوا يقذفونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه عليه صلوات الله وسلامه ومعه مولاه زيد بن حارثة يقيه هذه الحجارة فتارة يكون أمامه وتارة وراءه وتارة عن يمينه وتارة عن شماله، والحجارة تأتيه من قبل السفهاء من كل جهة. إذن فكان الأمر في منتهى الكرب والشدة، فلجأ بعد خروجه من الطائف إلى بستان عنب ولجأ إلى الله جل وعلا بالدعاء وقال الدعاء الذي رواه الطبراني وذكره الإمام محمد بن إسحاق في المغازي والطبراني رواه عن محمد بن إسحاق أيضاً وهو مدلس وقد عنن الحديث فهو من ناحية الإسناد في الظاهر فيه ضعف لكن المعنى حق وثابت، وهو حقيقة مع ضعف الإسناد فيه إلا أن الناظر فيه يرى عليه نور النبوة، قال: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلي بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك (. فغار الله لنبينا عليه الصلاة والسلام وأرسل له ملك الجبال وقال: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – الجبلين – وأريحك منهم حتى كأنه لا يوجد شيء اسمه قريش على وجه الأرض، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله (فهذا هو الرؤوف الرحيم عليه صلوات الله وسلامه. إذن اشتد عليه الأذى في العام العاشر للبعثة، وأخذ فترة طويلة والنبي عليه الصلاة والسلام يصبر والهجرة كانت في العام الثالث عشر للبعثة فهل يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما لاقاه من إيذاء وشدة بلا حادث جليل يرضيه ويأنسه؟ هذا مستبعد!! لذلك فقد حصل له صلوات الله وسلامه عليه بعد عودته من الطائف أمرين وحادثتين:

الحادث الأول: قبل أن يدخل إلى مكة عندما وصل إلى نخلة، وهي على الطريق القديم لمكة ويسمى طريق السيل حديث كان يسلكه المسلمون، والمعرب في الجاهلية لسهولته ويقع على ميقات أهل نجد قرن المنازل، ويقال له قرن المنازل على بعد 70 كيلومتر من مكة، وطريق السيل هذا طوله من الطائف إلى مكة 120 كيلومتر، وهناك طريق آخر جديد يسمى طريق الهدا وهو طريق جبلي شق حديثا وطوله إلى مكة قرابة 80 كيلومتر، والشاهد أنه لما وصل إلى نخلة وهي تبعد قرابة 4 كيلومتر عن مكة المكرمة – أكبر الله عليه بأعظم أمر وأكرم الجن برؤية نبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه فصرف له نفراً من الجن يستمعون قراءته وآمنوا به في نخلة: (وإذا صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولو إلى قومهم منذرين) ، وفي هذا تأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم وبشارة، فكأنما الله تعالى يقول له: اصبر إن جهل عليك البشر، فالجن – الذين لا تستبعد من طبيعتهم الجهالة والعثرة – انظر كيف عرفوا قدرك وآمنوا بك واستمعوا لقراءتك فعما قريب سأفتك قلوب البشر لدعوتك. فإذن هذه بشارة حصلت له بعد الأذى الذي حصل له من البشر جاء الجن واستمعوا لقراءته وآمنوا به (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحداً) والله تعالى أنزل سورة كاملة سماها باسم هذه الحادثة فسميت سورة (الجن) .

الحادث الثاني: بعد أن دخل مكة عليه الصلاة والسلام واطمأن فيها بعض الوقت أكرمه الله بحادثة الإسراء والمعراج، وكأن الله تعالى يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: أعلم أنه لا يوجد من قبلنا غضب عليك، فإذا جهل عليك البشر فليس هذا لغضب منا عليك فمكانتك عندنا عظيمة جليلة، أعطيناك ما لم نعط أحداً من العالمين، فيسرى بك إلى بين المقدس، ثم نقدمك على أفضل خلق الله وهم الأنبياء والمرسلون في بيت المقدس فيجمع لك الأنبياء وعددهم (124.000) فجمعوا كلهم في بيت المقدس كما سيأتينا في الآيات التي رآها في بيت المقدس، الأنبياء كلهم من آدم إلى عيسى عليهم صلوات الله وسلامه كلهم يجتمعون ويتقدمهم نبينا عليه الصلاة والسلام ويصلي بهم ركعتين ويلقي كل واحد خطبة – كما سيأتينا – ويتحدثون بما من الله به عليهم فيختم الخطب نبينا عليه الصلاة والسلام ويتحدث بما من الله به عليه، فيقول خليل الرحمن إبراهيم: بهذا فضلكم محمد، وعليه صلوات الله وسلامه. إذن أفضل خلق الله أنبياء الله ورسله أنت تتقدم عليهم ويتبركون برؤيتك وأنت إمامهم ويظهر فضلك عليهم، وفي هذا كله تأنيس لقلبه عليه صلوات الله وسلامه وتطمين وتثبيت عظيم ثم ما هو أعلي من هذا حيث رفعك في السماء، فكما قدمناك عليهم في الأرض نرفعك عليهم في السماء فإذا كان أرفع واحد فيهم وهو إبراهيم في السماء السابعة ودونه الكليم موسي في السماء السادسة فأنت ترفع إلى ما هو أعلي من ذلك، بل جبريل علي نبينا عليه صلوات الله وسلامه عندما يرتفع بعد السماء السابعة يقف ويقول لنبينا عليه الصلاة والسلام: تقدم، ولو تقدمت لحظة لاحترقت، وما منا إلا له مقام معلوم، ثم يعرج نبينا عليه الصلاة والسلام – كما تقدم معنا – إلى مستوي سمع فيه صريف الأقلام وماذا يسطر في لوح الرحمن، ثم ناجاه ربه وكلمه، وحصلت له الرؤية النظرية أم القلبية؟ سنتحدث في هذه عند مبحث الآيات التي رآها فوق السموات.

فهذه الآيات العظيمة التي رآها لتدل على عظيم رضوان الله عليه، فكأن الله تعالي يقول له: (لا تحزن إلا جهل عليك السفهاء، فهذا قدرك عند الأتقياء وعند الفضلاء وعند رب الأرض والسماء، والملائكة تتبرك برؤيتك، وأنبياء الله ورسله يفرحون بلقائك، والله جل وعلا يدعوك لجنابه الأعلى، فمن هؤلاء البشر إذا جهلوا عليك؟) إذا أهل الكرام يكرموني ... فلا أرجو الهوان من اللئام والرجاء من الأصداد فيأتي بمعني الأمل ويأتي بمعني الخوف والوجل وهنا بمعني الخوف، أي فلا أخاف الهوان من اللئام. فاللئيم إذا أهانك والكريم إذا أكرمك فلا تبالي بإهانة اللئيم، لكن لو أن الكريم أهانك وأبغضك وتغير قلبه عليك وعبس في وجهك فحقيقة لا يلذ لك طعم الحياة، وتقول: إذن أبغضني الله عندما أذاني الكرام، وعندما تغير قلبهم علي، لكن الواقع أن اللئام هم الذين آذوك ولذلك السفهاء، فهذا مما يدل على عظيم قدرة الله جل وعلا وهنا لئام يؤذونك، وكلام يتبركون برؤيتك. ونشير هنا إلى أنه: بالإجماع يتبرك بنبينا عليه الصلاة والسلام بجسده الشريف، وبفضلاته ببصاقه ومخاطه، وبشعره وبملابسه وبأثاثه، بلا خلاف بين أهل السنة وإذا حصل الإنسان شعره من شعر النبي عليه الصلاة والسلام وقبلها ومرغ خده عليها فهنيئا له هنيئا، فالتبرك بآثاره جائز بالاتفاق، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يوزع أحيانا شعره على الصحابة، كما حصل هذا في الحديبية، وأخذ أنس بعض الشعرات وأوصي أن توضع تحت لسانه بعد موته – ووضعت – من أجل أن يسدده الله عند سؤال الملكين.

وكأنه بعد حصول هذه المميزات لنبينا عليه الصلاة والسلام يقول له برنا: ليس في إيذاء السفهاء لك منقصة، وليس في ذلك غضب عليك، فاعلم هذا وقم بالدعوة بجد ونشاط وحذار حذار أن تسير مع الميول البشرية والطبيعة الإنسانية فتقول ضاقت علي الأرض بما رحبت قومي آذوني وكثر صبري عليهم مع ما حصلت منهم من الأعراض، ذهبت إلى الطائف فقابلوني أشنع مقابلة، وطبيعة البشر قد تخور وتضعف، فلا بد من تثبيت فأكلمه الله بالإسراء والمعراج وهذا في غاية التثبيت له عليه صلوات الله وسلامه وفعلا بعد هذه الحادثة كان نشاطه للدعوة أكثر وقام يدعو بجد ونشاط ولذلك في صبيحة اليوم التالي لليلة الإسراء والمعراج لقيه أبو جهل فقال: يا محمد، هل من خبر جديد؟ قال نعم: أسري بي هذه الليلة إلى بيت المقدس، وقال أو تستطيع أن تخبر قومك إذا دعوتهم؟ قال: نعم – فبين ثباته ولم يبال بأحد عليه صلوات الله وسلامه، فدعاهم أبو جهل وقال: اسمعوا ما يقول محمد، فقالوا: انعت لما بيت الله المقدس يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: فكربت كربا شديدا، لم أكرب مثله قط لأنني ما أثبته – أي ما علمت أحوال بيت المقدس وكم فيه من نافذة وكم له من أبواب فكيف سأنعته لهم، - يقول: فأتي جبريل ببيت المقدس فوضعه عند دار عقيل بن أبي طالب، وأنا أنظر إليه فجعلت أنعته لهم باباً بابا وشباكاً شباكا. فهذا هو حال النبي صلي الله عليه وسلام بعد ذلك الحادث العظيم، فقد صار عنده عزم وحماس للدعوة أكثر من الأول. إخوتي الكرام ... حادثة الإسراء والمعراج وقعت بعد هذين الحادثين المريرين وفاة زوجة وعمه وكل منهما كان له مواقف خاصة مع نبينا عليه صلوات الله وسلامه، وإذا كان الأمر كذلك فإذن هنا حزن على وفاتهم ثم هنا حزن لمزيد الأذى بعد موتهما فكان لابد من تسلية لنبينا صلي الله عليه وسلم.

ولذلك كان أئمتنا يقولون: من أقعدته نكاية اللئام، أقامته إعانة الكرام، لئام يؤذونك ويقعدونك عن دعوتك ويثبطونك، فلابد من معين ومساعد يشد أزرك ويقويك وهم الكرام، لكن البلية في عصرنا أن اللئام كثر، فهم يقعدونك ويؤذونك ولا تجد كريما تأوي إليه إلا من رحم الله. إخوتي الكرام ... الصحابة رضوان الله عليهم عندما اشتد عليهم أذى المشركين بمكة أشار عليهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يهاجروا إلى الحبشة وقال: هناك رجل عادل لا يظلم عنده أحد فاذهبوا إليه لعل الله أن يجعل عنده فرجا ومخرجا. وبالفعل حصل ما تمناه النبي صلي الله عليه وسلم حتى أنهم لم يعودوا إلى مكة بل ما عادوا إلى مكة إلا لما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم إلى المدينة فلحقوه هناك. س: لكن هل تركهم المشركون يهاجرون إلى الحبشة دون أن يلاحقوهم؟ جـ: لا بل أرسلوا عمر بن العاص وكان مشركا يومها – وعبد الله بن أبي ربيعة في طلبهم ومعهم الهدايا والقصة طويلة وردت في حديث طويل رواه الإمام أحمد في المسند وأخذ فيه ثلاث صفحات عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها لأنها كانت من جملة المهاجرات إلى الحبشة، والحديث إسناده صحيح. وحول السند: (1/201-203) ، (5/210-292)

قلنا أنه لما اشتد أذي المشركين علي الصحابة رضوان الله عليهم أمرهم النبي صلي الله عليه وسلم بأن يذهبوا ويهاجروا إلى الحبشة، فطالب المشركين بإعادتهم وقال البطارقة الذين كانوا في مجلس النجاشي صدقوا أيها ال؟؟ الملك أرسلهم دون أن تسمع كلامهم فقومهم أعلم بهم وقد كانوا يعلمون أن أصعب شيء عليهم أن يسمع النجاشي أصخمة كلامهم لأنه عاقل، وإذا كان عاقلا وسمع كلامهم سيقضى بالحق وبالتالي لن يسلم هؤلاء لعتاة قريش وسيحسن ضيافتهم ويكرمهم، وفكان أقبح شيء على هذا الوفد بمشورة العتاة في مكة شيء أن يستدعي النجاشي أصمخة هؤلاء الثلة الذين كانوا بضعا وسبعين ما بين رجل وامرأة رضي الله عنهم أجمعين فكان أشنع شيء عليهم أن يستدعيهم ويسمع كلامهم، فلما قال البطارقة: صدقوا أرسلهم، قال: لا، والله قوم لجأوا إلى واختاروني على من سواي كيف أطردهم قبل أن أسمع كلامهم، فإذا كان ما يقول هؤلاء حقا من أنهم مفسدون وخائبون ومخربون سلمتهم إليهم، وإذا لم يكونوا كذلك فلا أطردهم ما رغبوا في جواري. فاستدعاهم فقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم به دين قومكم ولم تدخلوا في ديني، وكان هو على النصرانية – قالوا والذي تولي الإجابة هو جعفر بن أبي طالب ابن عم النبي صلي الله عليه وسلم: أيها الملك كفاني جاهلية وشر، نعبد الأصنام ونأكل الميتة والجيف ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي فينا الضعيف فبعث الله فينا رسولا منا نعرف صدقه ونسبه، فدعانا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ويأمرنا أن ننبذ ما كان يعبد آباؤنا من الأصنام، وأمرنا بالصلاة وصدق الحديث وصلة الأرحام فآمنا به وصدقناه، فغدا علينا قومنا وآذونا فلجأنا إليك واخترناك على من سواك. فقال لهم: إن كنتم كذلك فلكم الأمر في بلادي.

وفي اليوم الثاني قال عمر بن العاص لعبد الله بن أبي ربيعة، لأذهبن إلى الملك ولأوغرن صدره عليهم، ولأحرضنه عليهم ولأقولن له إنهم يقولون في عيسي قولا عظيما، وهو أنه عبد الله ورسوله، لأن النصارى يقولون هو ابن الله، ولأبيدن خضراءهم بهذا الكلام، وكان عبد الله بن أبي ربيعة وهو على شركه فيه رحمة فقال: رفق بهم فإنهم أبناء العم والعشيرة، فقال بل لابد. فذهب إلى الملك وقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسي قولا عظيما، فاستدعاهم فقالوا لجعفر ماذا نقول؟ قال ما نقول إلا ما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام وليكن ما هو كائن. فقال لهم النجاشي: ماذا تقولون في عيسي؟ قالوا: ما نقول إلا ما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام فتلا عليهم صدر صورة مريم فلما وصل إلى قول الله (ذلك عيس بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون، وما كان الله أين يتخذ ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) . وانتبه لموقفهم هذا فلا يعني هروبنا وفرارنا من بلدة إلى بلدة فرارا بديننا أن نتنازل عن ديننا وقيمنا بل الواجب أن نثبت عليها كما خرجنا وفررنا بسببها إلى أن نلقي الله وهو راض عنا إذ لا يعقل أن تهاجر وتقاتل من أجل مبدأ ثم لما تغير بلدك تتنازل عن هذا المبدأ الذي هاجرت بسببه.

إذن فتلا عليه هذه الآيات ولما قال: (ما كان الله أن يتخذ ولد) نخر البطارقة، ولما قال عيسي في السورة (قال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا) فقال النجاشي: وإن نخرتم؟ وبكي حتى اخضلت لحيته من دموع عينيه ثم أخذ عودة صغيرة من أرض وقال والله ما زاد علي وصف عيسي بمقدار هذه، فهذا هو وصف عيسي هو عبد الله ورسوله وليس هو بثالث ثلاثة وليس هو ابن الله جل وعلا، ثم قال لجعفر ولمن معه: أنتم سيوم أنتم سيوم – والسيوم في لغة الحبشة الأحرار أي مثل الغنم السائمة تمشي وترعي أينما تريد، ولذلك الغنم إذا كانت سائمة فيها زكاة وإذا كانت تعلف فليس فيها زكاة – من سبكم غرم، من سبكم غرم، من سبكم غرم، والله ما أحب أن لي دبرا من ذهب، والدبر هو الجبل العظيم الكبير بلغة الحبشة – وأن أحداً منكم يؤذي هذا العبد الصالح النجاشي أصمخة لما مات صلي عليه نبينا عليه الصلاة والسلام صلاة الغائب كما في الصحيحين. وقد ثبت في سند أبي داوود في كتاب الجهاد، باب النور يري على قبر الشهيد، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: [كنا نتحدث أنه لا يزال يري على قبر النجاشي نور بعد موته (وفي الحقيقة فإنه يستحق هذا الإكرام من ربنا الرحمن. فأولا: اعتقد اعتقاد الحق. وثانيا: بذل ما في إمكانه حسبما وسعه في ذلك الوقت فالرسول صلي الله عليه وسلم في ذلك الوقت في مكة ولا يمكن الهجرة إليه. وثالثا: نصر هؤلاء المؤمنين، فقال بما في وسعه وهو إن شاء الله في عداد المؤمنين الموحدين، فهذا هو النجاشي العبد الصالح ولا مثيل له في عصرنا. فتن لكن لا يوجد نجاشي، لئام فاضت الأرض بهم فيضا لكن لا يوجد ما يقابلهم من الكرام بحيث إذا ذهب الإنسان إليهم يجد النصر.

هذا فيقال رؤيته لهم في بيت المقدس لا يلزم أن تكون بنفس الصورة التي تكون في السماء يضاف إلى هذا أنه اجتمع بـ (124.000) نبي في لحظات من ليل، فكيف سيتمكن من أن يحفظ أشكالهم ويتثبت من صورهم، كما هو الحال في بيت المقدس عندما قال له المشركون انعته لنا، مع أنه رآه فالرؤية لا يلزم منها العلم بالمرئي على وجه التمام، والإحاطة به بحيث لو رآه مرة ثانية يقول هذا هو فلان لأنه جم غفير التقي بهم في لحظات، والعلم عن الله. الحكمة السادسة: لأن لبيت المقدس من تلك الجهة المصعد إلى السماء، أي باب السماء الذي يفتح يكون بحيال بيت المقدس. قال الحافظ بن حجر: والذي يظهر ضعف هذا لأن باب السموات الذي يفتح وينزل منه الملائكة يكون حيال الكعبة وفي وجهتها وسمتها لأعلي جهة بيت المقدس. الحكمة السابعة: وقلنا نقلها عن ابن أبي جمرة، قال: ليظهر الله الحق، عند من يريد إخماده ووجه هذا: لو أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرهم أنه عرج به إلى السموات العلا، ورأي في السموات ما رأي لقالوا له كذاب، وما عنده قرينة تدل على صدقه ولا على كذبه فلا يستطيع أن يثبت لهم صدقه، لكن عندما قال لهم أسري بي إلى بيت المقدس قالوا: كذاب قال: يا جماعة أنا تحققت من ذلك وتأكدت، قالوا: انعته لنا، فلما وصف لهم بيت المقدس الذي رأوه بأعينهم ظهر لهم الحق وقد حاولوا إخماده، أما السموات فلم يروها ولو قالوا له انعتها لنا، فسينعتها بشيء لا يعلموه، أما بيت المقدس فظهر الحق لهم عندما نعته لهم فظهر الحق عند من يريد أن يخمده ويبطله.

الحكمة الثالثة: تظهر في وما ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله – واعلم عند الله – وهي أ، هـ أسري بنبينا عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات العلي ليرتقي من كمال إلى كمال. فنقله إلى الكمال الأرضي وهو الاجتماع بالأنبياء وإظهار تقديمه عليهم وفضله عليهم، ثم نقله إلى ما هو أعلي من ذلك وهو العروج به إلى السموات العلا والالتقاء برب العالمين، فنقل من كمال إلي كمال أسري به ثم عرج ولو حصل العكس لم يكن في رؤيته الأنبياء فائدة معتبرة لأن أعلي الكمال حصل له وهو الاجتماع برب العالمين ولقاؤه. المبحث الرابع: الآيات التي رآها خير البريات عليه صلوات الله وسلامه في حادثة الإسراء والمعراج: وتنقسم هذه الآيات إلى أربعة أقسام (لنريه من آياتنا الكبري) : القسم الأول: آيات عظيمة رآها وحصلت له قبل البدء برحلة الإسراء والمعراج. القسم الثاني: آيات أرضية رآها عندما أسري به إلى بيت المقدس. القسم الثالث: آيات سماوية رآها عندما عرج به إلى السموات العلا. القسم الرابع: آيات عظيمة حصلت له بعد رقي السموات. وسنفصل الكلام في هذه الآيات الأربع إن شاء الله تعالي. القسم الأول: الآيات التي حصلت له قبل البدي برحلة الإسراء والمعراج: حصلت له حادثة عظيمة وهي حادثة شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام.

ثبت في الصحيحين من حديث أنس عن أبي ذر، ومن حديث أنس عن النبي عليه الصلاة والسلام ومن حديث مالك بن صعصعة، وثبت في المسند من حديث أنس عن أبي بن كعب - فالحديث عن أربعة من الصحابة – وفيه يقول النبي صلي الله عليه وسلم: (فرج سقف بيتي فنول ملكان وأخذاني وأضجعاني وشقا ما بين ثغرة نحري – هي المكان المنخفض الذي يكون بين الترقوتين في أصل الرقبة – إلى شعرتي – أي مكان منبت العانة – وأخرجا قلبي فغسلاه في طست – بكسر الطاء وفتحها وإثبات التاء وضمها وهو الطشت المعروف الآن – من ذهب فغسلاه بماء زمزم ثم حشيا قلبي وصدري – وفي رواية (حشيا صدري ولغاديدي) أي عروق رقبتي – إيمانا وحكمة (. هذا حصل له قبل حادثة الإسراء والمعراج: سق صدره، واستخرج قلبه، وضع في طشت من ذهب، غسل بماء زمزم، ثم حشئ قلبه وصدره، ولغاديده أي جميع عروقه ومناخذه حشي إيمانا وحكمة ثم التأم صدره عليه صلوات الله وسلامه. قال الحافظ ابن حجر: "شق سقف البيت من قبل الملكين فيه إشارة إلى أن صدر نبينا عليه الصلاة والسلام سينشق ويلتئم دون حصول أثر فيه كما التأم هذا السقف بعد ذلك"، ونحن في عصورنا لو شق جزء من الإنسان وأعيدت خياطته لبقي أثر الشق، بل يقول الأطباء إنه إذا شق بطن الإنسان فإنه لا يعود إلى طبيعته الأولى مهما كتب له من شفاء وعافية، ويبقى معرضاً للفتق فتراه يمنع من حمل الشيء الثقيل حتى لا تتفتق خياطة هذا كله مع تقدم العلم، وهو في شأن نبينا عليه الصلاة والسلام معجزة. قال الإمام ابن حجر في الفتح: واختير الطست من ذهب ليتناسب هذا الطست مع مكانة نبينا عليه الصلاة والسلام والكرامات التي تحصل له، فهو من أواني الجنة، والنبي صلى الله عليه وسلم صائر إليها بل محرمة على غيره ولا تفتح لأحد قبله.

الأمر الثاني: الذهب لا يأكله التراب ولا يظهر عليه صدىً ونبينا عليه الصلاة والسلام كذلك بدنه لا تأكله التراب، ولا يعتريه تغير وهو يوم يبعث كحاله يوم دفن عليه صلوات الله وسلامه، والله حرم على الأرض أجساد الأنبياء كما ثبت في السنة بإسناد صحيح (إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء (. الأمر الثالث من الحكم في اختيار الطست من الذهب: أن الذهب هو أثقل المعادن في الوزن النوعي فلو وزنت قطعة (ذهب 5سم × 5سم) لقلت على قطعة (حديد 5 سم × 5سم) ، فإذن الذهب أثقل المعادن وزناً ونبينا عليه الصلاة والسلام أثقل الخلق وزناً وقدرة، ووزن بالأمة كلها فرجح عليه صلوات الله وسلامه وهو أكرم الخلق على الله وأفضلهم عنده. الأمر الرابع: أن في لفظ الذهب تفاؤل بإذهاب الرجس عن نبينا عليه الصلاة والسلام وتطهيره تطهيراً، وهذا ما حصل له عندما استخرج منه حظ الشيطان وغسل قلبه بماء زمزم. الأمر الخامس: أن في لون الذهب تفاؤل بحصول النظرة والبهجة لنبينا عليه الصلاة والسلام ودعوته وإشراق نوره في العالمين، وهذا الذي حصل. الأمر السادس: أن الذهب أعز المعادن وأغلاها، وكذا نبينا عليه الصلاة والسلام أعز المخلوقات وأنفسها. ولهذا كله غسل قلبه بطست من ذهب وإنما غسل بماء زمزم لأن ماء زمزم هو أشرف الحياة وأصله نزل من الجنة وهو هزمة جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه لأم إسماعيل عندما اشتد عليها العطش، والذي دلها على ذلك المكان وحفره جبريل بواسطة ضربة إسماعيل برجله، فإذن ماء مبارك من الجنة حفره جبريل للنبي المبارك إسماعيل الذي هو والد نبينا عليه الصلاة والسلام، وينتمي إليه، فهو ابن الذبيحين عليه صلوات الله وسلامه.

وماء زمزم هو أشرف مياه الأرض وقد ثبت بإسناد حسن عن نبينا عليه الصلاة والسلام (ماء زمزم لما شرب له (وهو (طعام طعم وشفاء سقم (كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم، وكان كثير من الصالحين يتقوتون بماء زمزم فهو ماء وغذاء، ويمكث أربعين يوماً - كما يقول الإمام ابن القيم – لا يدخل شيء جوفه إلا ماء زمزم، وانظروا فضل ماء زمزم في كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (4/392) وما لزمزم من خواص وآثار وهو يخبر عن نفسه أنه كان يمكث الأيام المتوالية ما يتغذى إلا بماء زمزم. فهو إذن ماء مبارك ومن أجل هذا غسل قلب نبينا عليه الصلاة والسلام به. قد يقول قائل: كيف غسل قلب النبي عليه الصلاة والسلام بطست من ذهب، والذهب محرم استعماله على الذكور والإناث؟ ذكر أئمتنا جوابين: الأول: وهو ضعيف في نظري – وهو أنه كان قبل التحريم. الثاني: وهو المعتمد أن هذه الحادثة من خوارق العادات وهي متعلقة بأمور الغيب وهي بأمر الآخرة ألصق منها وأقرب من أمر الدنيا، ولذلك لها أحكام الآخرة، فكما أننا في الآخرة نحلّى بأساور من ذهب (وحلوا أساور من ذهب) فحادثة الإسراء والمعراج لها أحكام الآخرة لا أحكام الدنيا، وهذه من باب خوارق العادات ولذلك لها حكم خاص خص الله به نبينا عليه الصلاة والسلام. قال بن حجر: قوله (حشياه إيماناً وحكمة) فيه إشارة إلى أن الحكمة هي أفضل شيء بعد الإيمان، ورأس الحكمة خشية الرحمن، والحكمة باختصار: وضع كل شيء في موضعه فالعبادة توضع للمعبود بحق وهو الله جل وعلا فلا نصرفها لغيره فهذه حكمة، ومن عبد غير الله فهو سفيه سفه نفسه: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) وهل هناك سفاهة أعظم من أن يصرف حق الخالق للمخلوق (إن الشرك لظلم عظيم) . فالحكمة هي أعلي الفضائل بعد الإيمان ولذلك حشي قلب نبينا عليه الصلاة والسلام وصدره إيمانا وحكمة.

قد يسأل سائل فيقول: كيف حشي إيمانا وحكمة، والإيمان والحكمة من الأشياء المعنوية؟ الجواب: يحتمل هذا أمرين: الأمر الأول: أن تجسيد تلك المعاني إلى أشياء حسية، فالإيمان الذي هو معنىً جُسِّد في شيء حسي يعلمه الله ولا نعلمه، وأدخل في قلب نبينا عليه صلوات الله وسلامه، ومثله الحكمة ولهذا نظائر: فالموت أمر معنوي، وسيجسد يوم القيامة – كما ثبت في الصحيحين – في صورة كبش أملح ثم يوقف بين الجنة والنار ويذبح بينهما ويقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت. والأعمال التي نقوم بها من طاعات ومعاص ٍ هذه معان ٍ أيضاً، وستجسد يوم القيامة كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام (كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم (متفق عليه، فإذن تجسد وتثقل الميزان فالطاعة تجسد وتوزن والمعصية تجسد وتوزن يوم القيامة، ولذلك قال أئمتنا: الذي يوزن يوم القيامة ثلاثة أشياء: الأعمال والعمال وصحف الأعمال. الأعمال وإن كانت معان ٍ وأعراضاً يجسدها الله بكيفية يعلمها ولا نعلمها، والعمال وهم المكلفون، قال الله عن الكافرين (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً) ، ورِجْْلُ عبدِ الله بْن ِ مسعودٍ – كما ثبت في المسند – أثقل عند الله من جبل أحد، وصحف الأعمال كما هو في حديث البطاقة وغيره. وقد تقع هذه الثلاثة لكل واحد وقد يقع بعضها لبعض الناس والعلم عند الله، لكن دلت النصوص الشرعية على أن الذي يوزن يوم القيامة الأعمال والعمال وصحف الأعمال.

الشاهد الآن: أن الأعمال معان ٍ وأعراض يجسدها الله وتوزن، وكذلك هنا الإيمان معنىً لا يقوم بنفسه فجسد بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها وهذا من أمور الغيب التي نؤمن بها ولا نبحث في كيفيتها، وقد تقدم معنا في الدليل الثامن من أدلة الإسراء والمعراج أن كل ممكن ورد به السمع وجب الإيمان به، وتجسيد الأعمال والموت وغيرها من المعاني ممكن وليس بمستحيل وقد ورد به السمع فيجب الإيمان به. الأمر الثاني: أن يكون الإيمان والحكمة قد مثلا بشيء ثم أدخل مثالهما الذي يدل عليهما ويعبر عنهما في قلب نبينا عليه الصلاة والسلام وصدره ولغاديده. ولهذا نظير: عندما (كان نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الكسوف وتقدم ومد يده ثم تأخر وقال عرضت عليَّ الجنة والنار ومدت يدي لآخذ عنقوداً من عنب من عناقيد الجنة فلو أخذته لأكلتم منه إلى أن تقوم الساعة (والحديث في الصحيحين. فهذا عن طريق التمثيل أم عن طريق التجسيد؟ بل هو عن طريق التمثيل، فمثل له شكل الجنة والنار في جدار القبلة عندما كان يصلي عليه صلوات الله عليه وسلامه. فإما أنهما جسدا أو مثلا والعلم عند الله، أي ذلك وقع، فنؤمن بأنه قد حشي قلب نبينا عليه الصلاة والسلام إيماناً وحكمة. قال أئمتنا: اشتملت هذه الحادثة على ما يدهش السامع فضلاً عن المشاهد فالسامع عندما يسمع هذه الأخبار يدهش، فكيف بنبينا عليه الصلاة والسلام الذي رأى هذا، ليعلم عظيم قدرة الله في نفسه وليتحقق من ذلك وليثبت قلبه في تبليغ دعوة الله على أتم وجه وأكلمه، لاسيما وقد حصل هذا بعد حوادث أليمة ومريرة مرت عليه كما قلنا من موت زوجه وعمه، واشتداد أذى المشركين عليه بعد ذلك عليه صلوات الله وسلامه، فانظروا إلى هذه العجائب كيف نفعلها ونحن على كل شيء قادرون. إذن في بداية حادثة الإسراء والمعراج وقبل السير فيها شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام وقد شق الصدر الشريف لنبينا عليه الصلاة والسلام أربع مرات:

المرة الأولى: عندما كان عمره عليه صلوات الله وسلامه سنتان وثلاثة أشهر، ثبت هذا في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ومستدرك الحاكم عن أنس رضي الله عنه عندما كان نبينا عليه الصلاة والسلام مع الغلمان عند مرضعته حليمة جاءه ملكان وأضجعانه وشقا صدره وقالا: هذا حظ ُ الشيطان منك، فأخرجا علقة من قلبه فطرحاها ثم حشيا قلبه إيماناً وحكمة وانصرفوا، وقام النبي عليه الصلاة والسلام يلعب مع الصبيان، وذهب الذين كانوا معه إلى مرضعته حليمة وأخبروها الخبر فخشيت أن يكون هذا من قبل الجن ولذلك أرادت أن تعيده إلى أمه وعمه بعد ذلك. المرة الثانية: عندما كان عمره عشر سنين، شق صدره عليه صلوات الله وسلامه، ثبت هذا في مسند الإمام أحمد (5/139) شق صدره عليه الصلاة والسلام وغسل قلبه مرة ثانية ومليء إيماناً وحكمة، والحديث رواه أيضاً أبو نُعيم في دلائل النبوة عن أبي بن كعب عن أبي هريرة (أنه كان جريئاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله، فسأله عن حادثة شق الصدر، وكيف حصلت له؟ فأخبره أنه كان في عمره عشر سنين – وانظروا يخبر عن هذا وكان يعي ويدرك في هذه السن [فأتاه ملكان وأضجعانه وشقا صدره.... (إلخ الحديث. المرة الثالثة: عندما كان عمره أربعين سنة، في غار حراء، والحديث في ذلك صحيح رواه أبو نُعيم في دلائل النبوة ص (69) ، وذكره الحافظ في الفتح مقراً له، وهو في درجة الحسن على حسب اضطلاحه (1/460) و (13/481) عن أمنا عائشة رضي الله عنها: تخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه عندما جاءه جبريل في غار حراء شق صدره وحشي قلبه إيماناً وحكمة (. والمرة الرابعة: وهي التي معنا وكان عمره إحدى وخمسين سنة ونصف السنة، وقد قلنا إنها في الصحيحين والمسند عن أربعة من الصحابة.

والمرة الأولى من هذه الحوادث لشق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام انتزع فيها حظ ُّ الشيطان وأما ما بعدها فكان تهييئاً لقلبه لأن يتلقى ما سيرد عليه من واجبات وتكاليف. فالأولى من باب التخلية وما تبعها من باب التقوية والتحلية. حادثة شق الصدر أشار إليها ربنا في كتابه في سورة (الانشراح) وتسمى سورة (الشرح) (ألم نشرح لك صدرك) والسورة مكية باتفاق المفسرين، وفيها يشير ربنا إلى الأمر العظيم الذي وقع له في مكة. والاستفهام في الآية للتقرير، ومعناه: حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد استقر عنده وعلمه وثبت لديه – فكأن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام أقد شرحنا لك صدرك أي شققناه شقاً حسياً، وأنت رأيت هذا بعينيك. وقد أرود الإمام الترمذي في كتاب التفسير عند سورة الانشراح حادثة شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام في تفسير هذه السورة، ليشير إلى أن المراد بالشرح شق صدره حساً عليه صلوات الله وسلامه. وهكذا فعل الإمام الحاكم في مستدركه في كتاب التفسير عند تفسير سورة الانشراح فأورد حديث شق صدر نبينا عليه الصلاة والسلام، وشرح صدر نبينا عليه الصلاة والسلام شامل – في الحقيقة - لأمرين: أشامل للشرح حساً، وهو ما وقع في هذه المرات الأربع. ب وشامل للشرح معنىً، وهو تقوية قلبه لتحمل ما سينزل عليه ثم ليقوم بموجبه. فحصل إذن الشرح الحسي والشرح المعنوي. قال الإمام ابن كثير في تفسيره: شرح صدره حساًَ لا ينافي شرح صدره معنىً، فحصل الأمران عليه صلوات الله وسلامه. وثبت في كتاب دلائل النبوة للبيهقي – لا لأبي نُعيم- (1/352) عن قتادة قال (ألم نشرح لك صدرك) المراد من ذلك الشق الحسي الذي حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام.

وقال الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه أحكام القرآن عند تفسير سورة الانشراح (ألم نشرح لك صدرك) أي شرحاً حسياً وحقيقياً عندما كان عند ظئره – أي مرضعته – حليمة وعندما أسري به، فاقتصر على حادثتين من الحوادث الأربع التي وقعت لنبينا عليه الصلاة والسلام، ثم قال: وشرحنا لك صدرك معنىً عندما جمعنا لك التوحيد في صدرك وأنزلنا عليك القرآن، وعلمناك ما لم تكن تعلم وكان فضلنا عليك عظيماً، فحصل لك هذا وشرحنا لك صدرك عندما ألهمناك العمل بما أوحينا إليك وقويناك عليه. ثم قال الإمام ابن العربي: وبهذا يحصل كمال الشرح وزوال التَّرَح – وهو الغم. الحاصل أن سورة ألم نشرح لك تدل على حادثة شق الصدر التي حدثت لنبينا عليه صلوات الله وسلامه. القسم الثاني: الآيات الأرضية التي رآها عندما أسري به إلى بيت المقدس ماذا رأى من آيات؟ وقد رأى آيات كثيرة، سنتكلم على خمسة منها فقط، على طريق الإيجاز – وإن شاء الله تعالى، دون تفصيل في غيرها: الآية الأولي: ركوب البراق: ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتيت بالبراق مسرجاً ملجماً – وهو دابة دون البغل وفوق الحمار وهو دابة أبيض، يضع خطوه عند منتهى طرفه] وتقدم معنا في سنن الترمذي وصحيح ابن حيان – عندما قدم البراق لنبينا عليه الصلاة والسلام (استصعب عليه (، وفي رواية ابن عباس في المغازي: (قدم البراق لنبينا عليه الصلاة والسلام وعدم انقياد وعدم ذلة وفي خلقه صعوبة وشراسة – فقال له جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مالك فما ركبك أكرم على الله منه. ( وفي رواية ابن إسحاق قال له جبريل: (أما تستحي، فارفض عرقاً (وتقدم معنا أي تصبب عرقاً. وتقدم معنا إخوتي الكرام أن سبب شراسته ونفوره أمران ذكرناهما هناك

إذن هذا البراق وهو آية حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام في إسرائه، إما عندما عرج به وهو في المعراج سنتكلم على هذا في الآيات التي رآها في السموات إن شاء الله تعالى. وهذه الآية العظيمة التي حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام – من باب خرق العادات – وكما تقدم معنا أن كل ما ورد به السمع يجب الإيمان به، ووجود دابة اسمها البراق ممكن وليس مستحيلاً، والإسراء بنبينا عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس ممكن وليس مستحيلاً، وورد السمع بكليهما، بالبراق الحديث السابق و (سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) ، وبما أن الأمرين كليهما ممكن وورد السمع به فيجب الإيمان به، لأن القسمة العقلية في الأشياء الموجودة بأسرها تنحصر في ثلاثة لا رابع لها: 1- وجود واجب. 2- وجود مستحيل ممتنع. 3- وجود ممكن جائز. أما الواجب فلا يتصور في العقل هدمه، كوجود ربنا سبحانه وتعالى وحياته، وهذا ما يسمى بواجب الوجود فلا يتصور زوال الحياة أو الفناء على رب الأرض والسماء، فهذا واجب الوجود، وهو أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ( أما المستحيل الممتنع فهو – كما ذكرنا سابقاً – الجمع بين النقيضين أو نفي النقيضين. أما الجائز الممكن فهو يتصور وجوده ويتصور عدمه ليس وجوده في الحياة فقط بل في جميع الاعتبارات غنىً وفقر، ذكورته وأنوثته وجماله، ودمامته، وطوله وقصره، وكونه إنساناً أو جماداً فهذا كله ممكن يقدره الله أن يقلب الجماد إلى إنسان كقوله تعالى (إذ انبعث أشقاها) الآيات.

وذلك أن قوم ثمود قالوا لنبيهم صالح عليه الصلاة والسلام: لن نؤمن لك إلا أن تخرج لنا ناقة عشراء (أي حامل ملقحة) من صخرة؟ فقال لهم: إن أخرجتها تؤمنون؟ فقالوا نؤمن، فدعا ربه فأخرج لهم ناقة عشراء من صخرة صماء، ثم لما خرجت ولدت وليداً ورأوها ورأوا ودلها وسمعوا صوته ثم بعد ذلك قال لهم: إن كان الأمر كذلك فهذه الناقة لها حق عليكم فهذا الماء الذي تردونه يوم لكم ويوم لها، فأما اليوم الذي لكم فتزودوا ما شئتم، وأما اليوم الذي لها فاحلبوا منها ما شئتم، أي بدل الماء لكم لبن، لكن لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم. ثم بعد ذلك عقروها فعاقبهم الله ودمر عليكم، فهذا ممكن ورد السمع به فيجب الإيمان به. فلابد من أن يحترم الإنسان عقله ويقف عند حده ولا يهوس ولا يوسوس ولا يرتاب ولا يشك فهذه هي قدرة الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. والآن في عصرنا توجد مدرسة تسمى المدرسة العقلية، وهي حقيقة مدرسة ردية وليست بمدرسة للعقل بل مدرسة زوال العقل، ومدرسة خبل لا مدرسة عقل، ولا عقلاء تقول هذه المدرسة: (كل خارق للعادة ننفيه أو نؤوله بما يتمشي مع العقل) ، هكذا تقول مع أنه قد علمنا أن الخارق للعادة هو في الأصل ليس خارقاً للعقل وليس بمستحيل ولا يوجد بين خارق العادة والعقل معارضة ولا تضارب حتى نجمع بينهما بل نقول العقل يسلم والله على كل شيء قدير. وقالوا: لابد من جعل الإسلام بصورة تقبلها الأذهان في هذه الأيام. قلنا لهم: وماذا تفعلون بالخوارق الموجودة في القرآن أو السنة الصحيحة؟ قالوا: هذه سهلة مثلاً: 1- (اقتربت الساعة وانشق القمر) : يقول رشيد رضا ومحمد عبده: (وانشق القمر) أي ظهر الحق ووضح، وأما انشقاق القمر فهذه خرافة تتنافي مع العقل والإسلام لم يأت بهذه الأشياء لئلا يحرج الناس وهل النبوة لا تثبت إلا بخوارق العادة؟

2- (واضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) يقولون: حصل في البحر انحسار ثم عاد إلى مكانه وغرق فرعون وقومه، لكن لم يحصل بخارق من خوارق العادة أي لم يحصل بسبب ضرب موسى البحر بعصاه، قلنا لهم إذن كيف يحصل؟ قالوا: البحر فيه مد وجزر فلما وصل موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ومن معه إلى شاطئه حصل فيه جزر أي انحسر ماؤه، فسار نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذه سنة طبيعية دائمة الحصول في البحر، فإذن جف عندما وصل موسى لكن عندما تبعهم فرعون مد البحر نفسه فحصل فيه امتداد وغرق فرعون. ولكن هل يقبل هذا التأويل عقل؟ سبحان الله أنتم أردتم أن تمشوا هذه المعجزة مع العقل فأتيتم بما هو أغرب على العقل؟ فكيف سيحصل الانحسار والجزر ثم تمشي فيه المخلوقات ولا تغوص أرجلهم في المكان الذي كان فيه ماء، وانظر للسيل مثلا ً عندما يجف من وادٍ فيبقى الوادي أكثر من شهر ولا تستطيع أن تمشي فيه من أثر الطين والوحل، فكيف هذا الجيش بكامله سيمرون عليه كما قال تعالى (طريقاً يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى) . ثم لو سلمنا لكم أنه جف بطريق الانحسار والجزر، فكيف الحال مع جيش فرعون الذي كان وراء جيش موسى وما بينهما مسافة؟! كما قال قوم موسى إنا لمدركون فإذا انحسر البحر وتقدم فيه موسى 100 متر فإن فرعون وراءه وإلى أين سيفر موسى ما دام البحر أمامه لم ينحسر إلا جزء منه؟! بل لابد من جفاف البحر كله وهذا لم يحصل، وهذا على التسليم بقولكم. 3- (وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد) يقولون: الطير هو جيش والهدهد هو اسم أمير الجيش. 4- (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة) يقولون: وادي النمل هو اسم لوادٍ يسمى بهذا الاسم، قالت نملة: أي امرأة عرجاء واسمها نملة. وإنما قالوا كل هذا قالوا: لنخرج القرآن من هذه المعجزات التي لا تتمشى مع العقل فأتوا حقيقة بما لو ثبت لكان هو الذي لا يتمشى مع العقل.

إخوتي الكرام ... أول دعامة عندنا من دعامات الإيمان، الإيمان بالرحمن، فهل هذا غيب أم مشاهدة؟ بل هو غيب (الذين يؤمنون بالغيب) ، ولا يثبت للإنسان قدم في الإيمان إلا أن يؤمن بالغيب. فلم نأتي بعد بذلك ونشوش ونكثر اللغط حول هذه الأمور التي أخبرنا عنها العزيز الغفور الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون. وهذه المدرسة العقلية لها في عصرنا رواج وانتشار ويستقي من ضرعها المدعو محمد الغزالي جند جنوده وطياشته تحت ستار هذه المدرسة لمحاربة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بحجة أنه لا يتمشى مع العقل فكم من حديث في الصحيحين رواه ويقول لا يتنافى مع العقل. فمثلا: حديث مجيء ملك الموت إلى موسى – وهو في الصحيحين – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [جاء ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه فضربه نبي الله موسى فقلع علينه فذهب إلى ربه وقال، رب أرسلتني إلى عبد من عبادك لا يريد الموت، قال: اذهب إليه فليضع يده على مسك ثور – أي جلد ثور- فإن له بل شعره تغطيها يده سنة] ومعلوم أن موسى كان مما آتاه الله بسطة في جسمه، ويقول عنه صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء [كأنه من رجال أزد شنوءة] أي طويل جهيد ضخم، فالله أعلم كم سيكون حجم يده؟! وتتمة الحديث [قال ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال من الآن، قال من الآن] . ويقول هذا المدعو عن الحديث خرافة من الخرافات، أشبه بالخرافات المنقولة عن بني إسرائيل يقول هذا مع أن الحديث في أصح كتاب بعد كتاب الله، وهو البخاري ومن بعده مسلم. ثم يقول: فكيف يضرب موسى ملك الموت؟ وكيف يقلع عينه؟ وكيف لا يرغب موسى في لقاء الله؟

سبحان الله كل هذا لا وجود له في الحديث فمن أين أتيت به؟ كما أن موسى أعلى منزلة من ملك الموت عند الله، يضاف إلى هذا أن الأنبياء لا تقبض أرواحهم إلا بعد تخييرهم فجاء ملك الموت ليخير موسى وهذه للأنبياء خاصة ولذلك قال نبينا عليه الصلاة والسلام على المنبر: [إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين الآخرة فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر رضي الله عنه، قال الصحابة: علام يبكي هذا الرجل؟] وإنما بكى رضوان الله عليه لأنه علم أن هذا العبد المخير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذن الأنبياء لا يقبضون إلا بعد أن يخيروا، وإذا قبضوا يدفنوا في مكانهم، والأرض لا تأكل أجسادهم وأبدانهم إكراماً من الله لهم. فجاء ملك الموت إلى موسى فقال له: أمرني الله بقبض روحك إذا شئت – وقد كان في طبع نبي الله موسى حدة – كما ذكرت لكم وسأوضحه في الآيات السماوية التي حصلت لخير البرية عليه صلوات الله وسلامه في رحلة المعراج فضربه وهو كما قلنا أرفع منه منزلة وهل ضربه (¬1) في عالم الحقيقة أم في عالم المثال؟ ¬

_ (¬1) هل صح أن عمر رضي الله عنه قلع عين ملك الموت في قبره؟ لم يحصل هذا لعمر رضي الله عنه وأرضاه لكن النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في الصحيحين – يقول لعمر [ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك] أما أن عمر قلع عين ملك الموت فهذا لم يحصل ولم يقع.

بل كان هذا في عالم المثال، فملك الموت لم يأت لموسى بصورته الحقيقية، وكذلك كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في غير صورته، فكان يأتي بصورة دحية الكلبي أو في صورة أعرابي سائل وغيرها من الصور ولا يأتيه بصورته الحقيقية إذ أن صورته الحقيقية أن له ستمائة جناح، وملك الموت لو جاء بصورته الحقيقية لهدمت العمارات من رؤية صورته، فإذا جاء ملك الموت بصورة صديق لموسى وهذا من باب الغيب الذي نؤمن به ولا نبحث في كيفيته، فموسى له ومنزلة ورتبه على ملك الموت فضربه فقلع عينه المثالية وليس في هذا إشكال. وهذا كما لو ضربت شخصاً تحبه ويحبك، وقلعت عينه لكن في المنام ثم أخبرته في الصباح برؤياك فتراه، يقول لك لو قلعت عيني الأخرى، وهل ضربك عندي إلا أحلى من العسل وهذا مشاهد فإذا لوح موسى لملك الموت وضربه في عالم المثال فليس فيه منقصة، فهذا الضرب كان انفعال مؤقت وغضب ولا لأجل نفور منه. فذهب ملك الموت إلى الله جل وعلا فرد عينه المثالية التي قلت في عالم المثال دون تغير لحقيقة الأمر، ولا تسال عن كيفية هذا. ثم جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: إني مرسل من قبل الله بخبر ٍ آخر، فالله يقول لك إن شئت أن نقبض روحك الآن فقد انتهى أجلك، وإن شئت أن نمد في حياتك فلك ذلك لكن على أن تضع يدك على مسك ثور، فكم سنة ستعيشه يبارك الله لك فيها، فقال موسى: فبعدها؟ فقال له ملك الموت: لابد من الموت، فقال: فمن الآن، فقبض روحه وقال: اللهم قربني وأدنني من الأرض المباركة رمية حجر فيستحب إذن الدفن في الأرض الصالحة المباركة بجوار بيت المقدس وسيأتينا في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم رآه عند الكثيب الأحمر قائماً يصلي في قبره، ثم قال: لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره الذي يصلي فيه نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام. فهل في فهم هذا الحديث على هذا المعنى إشكال؟ فإن قيل: كيف فعل نبي الله موسي هذا في عالم المثال؟

نقول: لأنه أعلى من الملك منزلة وله عليه، فله أن يعزره، كما أن للأستاذ أن يعزر أحد طلابه إذا لح عليه في الأسئلة، فله أن يعزره ولو كانت أسئلته كلها جيدة ولا منقصة في هذا للمعزر ولا للمعزر. وهذا قد كان في القديم، ولكن للأسف الآن ما عاد الطالب ليتحمل تعزيراً من أستاذه بل تراه يصول ويجول إذا قال له الأستاذ أو الشيخ اسكت أو ضغط على أذنيه، ونحو هذا من المتغيرات والله المستعان. (قصة أحد الطلاب الذين أرادوا تهذيب نفوسهم طلبوا العلم عند أحد المشايخ وألح عليه في طلبه، وبعدما قال له الشيخ كذبت – اختباراً له – اغتاظ الطالب وسب الشيخ ومن علمه وسب أهل الأرض جميعاً..إلخ القصة) . (قصة شيخنا الطحان مع شيخه الشنقيطي في شأن القنوت لما قال له كذبت، فماذا كان موقف شيخنا الطحان؟) فهنا عندما يضرب موسى ملك الموت فهل في هذا محظور أو إشكال، وهل هذه منقصة، ووالله لو ضربه في عالم الحقيقة لما كان عليه منقصة لأنه أرفع من ملك الموت. أوليس قد ضرب أخاه هارون وأخذ بلحيته ورأسه يجره إليه فهذا انفعال في وقت محدد زال أثره بعد ذلك. فانظر إلى أفكار هذه المدرسة العقلية الردية وانتبهوا منها. قد يقول قائل: لما جيء بالبراق – الذي ركبه نبينا عليه الصلاة والسلام – مع أنه بإمكان ربنا أن يسري بنبينا عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس دون البراق؟ نقول: فعل هذا لاعتبارين: الاعتبار الأول: تأنيس بالعادة عند خرق العادة، فقد جرت العادة عندما يدعوك أمير أو صاحب منصب أن يقدم لك مركوباً ويحضر لك عطية ويرسل من يخدمك من أجل أن يصحبك إلى بيته، فهذا مما جرت به العادة. فآنس ربنا نبيه بالعادة عند خرق العادة لئلا يكون الخارق من جميع الجهات، بل من جهة يأنس فيقدم له مركوب يركبه، ومن جهة أخرى هذا المركوب خرق للعادة وهذا واضح. الاعتبار الثاني: ليكون أبهى وأفخم لنبينا المكرم عليه صلوات الله وسلامه عندما يسري به إلى بيت المقدس في صورة راكب.

والراكب أعز وأبهى وأعلى مما لو أخذ إلى بيت المقدس في غير هذه الصورة، فلو نقل دون ركوب دابة فيكون قد وصل إلى بيت المقدس في صورة نائم مغمىً عليه، ولو قيل له: ضع خطوك من مكة إلى جهة بيت المقدس ففي خطوتين تصل إلى هناك فهذا يكون قد وصل في صورة ماش ٍ. وأيها أعز الراكب أم النائم أو الماشي؟ بل الراكب، وانظر إلى ربنا ماذا يقول عن أهل الجنة (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً) والذي سيق دوابهم لا هم، فيسق المتقون وهم يركبون الدواب، فإذن يدخلون الجنة وهم يركبون الدواب والنجائب – جمع نجيبة وهي السباقة من الخيل الكريمة العتاق – ليكون أعز لهم وأبهى، ولا يساقون لأن سوق الإنسان منقصة له. وهذا المعني أي معني الآية (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى..) يكاد يكون المفسرين مجمعين عليه وما خالف فيه إلا قليل، ولا يوجد أثر مرفوع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الدلالة، وهي أن المتقين تساق نجائبهم، لكن أخذ المفسرون هذا من قول الله تعالى: (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً) قال ابن منظور في لسان العرب (4/480) الوفدهم الركبان المكرمون. وانظر إلى كلام الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره (15/285) يقول في حق الفريقين " وسيق بلفظ واحدة فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزي والهوان كما يفعل بالأسارى والخارجين إلى السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل. وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم إلى دار الكرامة والرضوان لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على بعض الملوك، فشتان ما بين السوقين" وهذا هو الذي ذكره الإمام ابن كثير في تفسيره (4/65) ، وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفداً إلى الجنة.

وأما في حق الكفار فقال تعالى (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً) ، فهنا هم سيقوا ودفعوا كما يدفع المسجون المجرم في هذه الحياة لهم، كما قال تعالى: (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) ولذلك (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم) فيدفع أولهم على آخرهم، وآخرهم على أولهم كما يفعل بالمجرمين في هذه الحياة. ولذلك انظر إلى ما قاله الله عن أبواب الجنة وما قاله عن أبواب النيران: (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) فهذا لأبواب جهنم، أي تفتح بغتة وفجأة، فيساق ولا يدري إلى أن يذهب فلما يقترب منها تصيح وتفتح أبوابها فجأة وتلتهمهم. وقال عن أبواب الجنة (حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها) فتساق ركائبهم ونجائبهم التي يركبون عليها والجنة مفتحة أبوابها وهم ينظرون إليها فيطيرون شوقاً ويسرجون الدواب من أجل أن يصلوا إلى نعيم الكريم الوهاب، فإذن هنا الأبواب مفتوحة. ولذلك كان الجلوس عند الباب مذلة، والأمير عندنا في الدولة الإسلامية لا يغلق باباً ولا يتخذ حجاباً، لأنه لو فعل هذا لأذل الرعية، ولما وصل إليه وإلى مجلسه إلا أناس مخصصون. عن بصر نبينا عليه الصلاة والسلام بحيث رأى بيت المقدس وهو في مكة، وأي غرابة في هذا؟ وهذا ما تفيده رواية الصحيحين [فجلى الله لي] أي أظهر وكشف وبين. والأمور الثلاثة محتملة والعلم عند الله، فأي ذلك حصل حقيقة؟ لا يعلم ذلك إلا الله، وحقيقة هذه الآية أكبر شاهد على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام في دعواه أنه أسري به، وأنه رسول الله حقاً وصدقاً. الآية الثالثة:

وحصلت له في داخل المسجد الأقصى، جمع الله له الأنبياء من سمي منهم في القرآن ومن لم يسم من عهد آدم إلى عهده عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا عدتهم (124.000) جمعوا في تلك الليلة، ولما أقيمت الصلاة ليصلوا ركعتين تعظيماً لله تقدم جبريل بأخذ بيدي محمد عليه الصلاة والسلام وقدمه إماماً بهم – وهو أفضلهم وأكرمهم كما تقدم معنا وهو أفضل الخلق على الإطلاق – فصلَّى بهم ركعتين ثم بعد الصلاة جلس الأنبياء يتحدثون بفضل الله عليهم فكل واحد ألقى خطبة – إذن (124.000) خطبة ألقيت في تلك اللحظة – أثنى فيها على ربه وذكر ما من الله به عليه ثم ختم الخطب نبينا عليه الصلاة والسلام فقال في خطبته: إن الله بعثني رحمة للعالمين، وأرسلني للناس كافة بشيراً ونذيراً وأنزل علي القرآن فيه تبيان كل شيء وجعل أمتي خير الأمم وجعل أمتي وسطاً وأمتي هم الأولون والآخرون يوم القيامة – أي آخرون في الزمن، والأولون أي يوم القيامة – وشرح الله صدري ووضع عني وزري ورفع لي ذكري وجعلني فاتحاً وخاتماً، ففتح الله به آذاناً عمياً وقلوباً غلفاً وآذاناً صماً وهو خاتم النبيين فقال خليل الرحمن إبراهيم بهذا فضلكم محمد، وإبراهيم هو الذي يليه في الفضل وهو صاحب المرتبة الثانية بعد نبينا عليه الصلاة والسلام فاعترف أن هذا النبي هو أفضل أنبياء الله ورسله.

والحديث في ذلك وارد في المعجم الكبير للطبراني، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى بسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [ثم دخلنا المسجد فنشر الله لي الأنبياء من سمي ومن لم يسم – أي في القرآن – فصليت بهم ... ] وانظروا الحديث إخوتي الكرام في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (1/68) للإمام الحافظ ابن حجر الهيثمي، وهو غير ابن حجر الهيتمي، وغير ابن حجر العسقلاني العالم الحافظ المشهور فلا تخلطوا بين الثلاثة فالهيثمي توفي سنة 807هـ، والهيتمي من علماء القرن العاشر الهجري، والعسقلاني توفي سنة 852 هـ وهو تلميذ الهيثمي. أخوتي الكرام ... من هذا الكتاب (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) لو وزن بالذهب وقيل لطالب العلم اختر الذهب أو هو، لقال الطالب الحقيقي لو أعطيتموني عشرة أمثاله من ذهب، لما أخذتها وأخذت الكتاب. وهذا الكتاب في زوائد ستة كتب على ستة كتب، فإذا جمعت الستة مع هذا تكاد أن تكون جمعت السنة بأسرها وقل أن يخرج حديث عن هذه الكتب التي هي ستة مع هذا الكتاب. فهذا زوائد ستة كتب وهي مسند الإمام أحمد، ومسند البزار، ومسند أبي يعلى والمعجم الكبير للطبراني، والمعجم الأوسط له والمعجم الصغير له أيضاً. على ستة كتب وهي البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي والترمذي، وابن ماجه (وفي الحقيقة قد جرى خلاف بين العلماء في عد الكتاب السادس من اصطلاح الكتب الستة) المشهور هل هو ابن ماجه وهو المشهور أو موطأ مالك كما هو في جامع الأصول لابن الأثير أو مسند الدارمي، والذي مشى عليه الهيثمي في مجمع الزوائد هو عد ابن ماجه) . الآية الرابعة من الآيات الأرضية: وحصلت له في بيت المقدس أيضاً، وتكررت في السماء فلن نعيد الكلام عليها عندما نصل إلى الآيات السماوية التي رآها خير البرية صلوات الله عليه وسلامه عندما عرج به. هذه الآية هي أنه قدم له أربعة أقداح:

وهذا خلاصة الروايات وبعد أن أذكرها لكم وحاصل ما فيها أرشدكم إلى مصادرها لترجعوا إليها لأن في بعض الروايات أنه قدم له قدحان، وبعضها ثلاثة أقداح وبعضها أنه حصل هذا في بيت المقدس وبعضها أنه حصل في السماء عند سدرة المنتهى. والمعتمد أنه تكرر عرض الآنية على نبينا عليه الصلاة والسلام مرة في بيت المقدس ومرة في السماء وكل مرة لها حكمة كما تقدم معنا في شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات وكل مرة لها حكمة وهذا الأمر كذلك، ومجموع الآنية أربع لكن بعض الرواة قصر في الحفظ فذكر بعض هذه الآنية. الحاصل أن مجموع ما عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أربع آنية في حادثة الإسراء بعد أن ألقى كل نبي خطبته في بيت المقدس: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: [ثم جاءني جبريل بأربعة آنية، إناء فيه ماء، وإناء فيه عسل، وإناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، فقال: ألا تشرب يا محمد؟ عليه صلوات الله وسلامه] وكان سبب هذا الشرب وسبب عرض الآنية عليه هو لما حصل له من العطش في هذه الرحلة المباركة من مكة إلى بيت المقدس فإذن كان عرض الآنية عليه في الدنيا من أجل دفع الظمأ والعطش -[قال: فأخذت إناء الماء فشربت منه قليلا ً، فقال لي جبريل: لو ارتويت منه لغرقت وغرقت أمتك] والسبب في هذا أن الماء ليس كاللبن الذي هو شراب وغذاء، إذ أن اللبن غذاء الفطرة وأما الماء فهو دافع العطش والظمأ فقط فيأخذ الإنسان بمقدار دفع الحاجة فلو أخذ منه أكثر من المطلوب لآذى نفسه، ولو سلك الإمام طريق الأذى فالرعية سيسيرون وراءه، فأنت لو أخذت من الماء أكثر من حاجتك لنتج عن هذا أنك تغرق في شعب الدنيا وأوديتها وحطامها ولذائذها وتنهمك فيها وتعرض عن الآخرة وحاشاك من ذلك، إنما هذا على سبيل الافتراض البعيد ولغرقت أمتك أي لتبعت الدنيا وأعرضت عن الآخرة.

إذن الانهماك في الماء والأخذ منه فوق الحاجة يدل على ركون إلى الدنيا، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام أزهد خلق الله في حطام الدنيا وهو الذي يقول: [مالي وللدنيا إنما أنا كراكب قال تحت شجرة ثم راح وتركها] ، وقال في الحديث (قال) ولم يقل (نام) لأن القيلولة وقتها قصير من بعد الظهر إلى العصر بخلاف النوم، فإنه يكون طويلا ً لوقوعه في الليل، وهذا هو حال نبينا عليه الصلاة والسلام كان قليل النوم وكان يقوم الليل حتى تورمت قدماه، فإذا فرغت فانصب أي إذا فرغت من طاعة فانصب إلى طاعة أخرى وعملك جد متواصل وليس عندك كسل ولا فتور كما هو الحال في جامعاتنا الهابطة (4) شهور إجازة وعطلة، أي الطالب يصبح عاطلا ً، وطالب العلم الحقيقي لا يتوقف عن العلم إلا في مناسبات شرعها الإسلام كالعيدين، وما عداهما فلا ينبغي أن يتوقف عن العلم أو يعطى عطلة والله المستعان، فلا يوجد في قاموس المسلمين شيء اسمه عطلة لأن الله سبحانه يقول لنبيه ونحن له في هذا تبع (فإذا فرغت فانصب) ، فإذا فرغت من طاعة وعمل فانصب إلى عمل آخر ولا تظن أن العمل انتهى لأن الدنيا مزرعة الآخرة ولابد من غرس عمل متواصل، أما الحصاد ففي يوم الدين (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) والمزارع لا يعرف العطلة في موسم الزراعة، فذاك هو حال نبينا عليه الصلاة والسلام مع الدنيا. [وأما إناء العسل فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وشرب منه قليلا ً] وذلك لأن العسل شفاء كما قال تعالى (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) فإذن هو بمثابة الدواء والإنسان يأخذ منه بمقدار الحاجة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخذ منه غذاءً لشفاء البدن وصحته.

والعسل من آيات الله البارزة التي يخرج من هذا الحيوان وهي النحلة، قيل لبعض الصالحين: بأي شيء عرفت ربك؟ قال: بالنحلة قالوا: وكيف؟ قال: بأحد طرفيها تعسل وبالطرف الآخر تلسع، ومقلوب العسل لسع، أي عكس كلمة (عسل) خطاً (لسع) . وهذا من عظيم قدرة الله كيف يخلق المتضادات وليس المتناقضات في بدن واحد، ففيها سمية وفيها مادة حلوة عسلية، والعسل هذا من الأغذية المباركة وقد ثبت في سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم (4/200، 403) بسند صحيح كالشمس عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً، وروي موقوفاً عليه بإسنادين والموقوف له حكم الربع وفيه [عليكم بالشفاءين العسل والقرآن] أما القرآن فقوله تعالى دال على ذلك (قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) وهو – أي القرآن – لعقولنا كالشمس لأعيننا، وعين بلا أنوار لا ترى وعقل بلا وحي لا يهتدي، وهو لأرواحنا كالماء للسمك، فسمك بلا ماء لا يعيش وأرواح بلا قرآن ميتة (أومن كان ميتاً فأحييناه) (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) .

وأما العسل فهو الشفاء الثاني، وقد توصل من نحاسة بعض الأطباء ونكدهم وغلظ قلوبهم وفساد عقولهم في هذه الأيام أنهم يصفون الخمر علاجاً لبعض الأمراض؟ فهل يعقل أن تصبح أم الخبائث شفاءً والشفاء صار داءً؟ لكننا في عصر اختلت فيه الموازين من جميع جهاتها فصار الباطل حقاً والحق باطلا ً، وصار الكذاب صادقاً والصادق كذاباً، ونطق الرويبضة في أمر العامة وهو الحقير ابن الحقير؟، فإذن صار الشفاء وهو العسل في عصرنا داءً، وهذا العسل مثل التمر الذي هو أطيب طعام وأنفعه للبدن، ويقول الأطباء – وسيأتينا الإشارة له عند اللبن – لا يوجد غذاء فيه جميع ما يحتاجه الجسم إذا أخذه الإنسان لا يحتاج غيره إلا اللبن والتمر فقط، ولو عشت طول حياتك لم تأكل إلا لبناً وتمراً لعشت في أتم صحة وعافية، وقد كانت أهلة تمرُّ على بيوت النبي صلى الله عليه وسلم التسع ولا يوقد في بيته نار، فقال عروة: يا خالتي – عائشة – ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء. ولم تقل الأبيضان من باب التغليب وتعلق الصحة بالتمر، وجعلته أسود لأن غالب تمر المدينة أسود. [استطرد الشيخ في ذكر خبث الغرب في تحضيرهم للأغذية وأنهم لا يتورعون عن تنجيسها بغائطهم وبولهم ثم ذكر شيخ الإسلام مصطفى صبري آخر شيخ للإسلام لآخر دولة إسلامية وهو صاحب كتاب (موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين) في أربع مجلدات، وصاحب كتاب (قولي في المرأة) رد فيه على قاسم أمين، الشاهد يقول شيخ الإسلام مصطفى صبري في كتابه (موقف العقل والعلم والعالم) لو أن الكفار صدروا إلينا عذرتهم رطبة لأكلناها، وهو كذلك، وما مرت فترة على الدولة الإسلامية ضربت فيها بالذل نحو أعداء الله إلا في هذا الأيام وهذا العصر) فالعسل هو الشفاء والخمر هو الداء، وإذا كان الأمر كذلك فلا داعي لأن نشرب زجاجة العسل كلها بل نشرب بمقدار الحاجة. ولذلك فقد شرب النبي صلى الله عليه وسلم ما يحتاجه فقط.

[وأما اللبن فشرب منه نبينا صلى الله عليه وسلم وتضلع] أي حتى صار اللبن – والمقصود باللبن الحليب – في جميع ضلوعه وملأها بحيث ما بقي فيه مسلك، فتضلع كما يسن لنا أن نتضلع من ماء زمزم، أي لا يبقي في أضلاعك وبينها فجوة إلا ودخلها ماء زمزم، وآية ما بين المؤمنين والمنافقين التضلع من ماء زمزم وماء زمزم لما شرب له كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث بسند حسن وتقدم. فإذن كما تتضلع من ماء زمزم لأجل البركة، فاللبن تضلع منه نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه غذاء الفطرة، وهو شراب وطعام، وعليه يعيش المولود من بني الإِنسان في صغره فيبقى سنتين يرضع من ثدي أمه هذا ولا يأكل ولا يشرب غيره. إذن فإذا كنا على فطرتنا السوية فإننا نتزود من اللبن ولذلك أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى أدب ينبغي أن نحافظ عليه إذا شربنا اللبن لنخبر عن استقامة فطرتنا، وإذا أكلنا أو شربنا غيره نقول دعاءً آخر ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من أطعمه الله طعاماً فليقل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيراً منه، ومن أسقاه الله لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وزدنا منه] فلم يقل هنا وارزقنا خيراً منه بل قال وزدنا منه، بينما ذكر في الأول وارزقنا خيراً منه لأن كل طعام هناك ما هو خير منه وأنفع وأطيب ثم قال: [فإني لا أعلم ما يجزيء عن الطعام والشراب إلا اللبن] فلا تقل إذا شربت لبناً وارزقنا خيراً منه. ولأجل ذلك تضلع النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن، وما بقي بين ضلوعه مسلك لدخول قطرة من شراب، [فقال له جبريل: هديت الفطرة] . [وأما الخمر فما مد نبينا صلى الله عليه وسلم يده إليه أبدا ولم يشرب منه] .

وقد يقول قائل: ولم لم يشرب منها وهذه من خمر الجنة التي لا تسكر وليست من خمر الدنيا المسكرة بل هي من نهر الخمر الذي يجري في الجنة مع الأنهار الأخرى التي تخرج من أصل سدرة المنتهى؟ نقول: حتى لا يقوم مقام تهمة، وحتى لا يقف موقف تهمة، لأن لفظها واسمها خمر والخمر محرمة في الدنيا على هذه الأمة وحتى لا يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم شرب الخمر رغم أنها طاهرة وتلك مسكرة إلا أن الناس والعامة لا تعرف هذا ولا تدركه ولو عرفته لبقي في نفسها شيء نحو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فلأجل أن يحصل التذرع بفعل النبي صلى الله عليه وسلم – الذي هو حقيقة لا إشكال فيه لو فعله – إذا شرب الخمر، فما شربها صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك [فقال له جبريل: لو شربت الخمر لغويت وغَوِيَتْ أمتك] ، وفي رواية [قال له: لما اتبعك أحد] لأنهم سيتوسعون ويخرجون عن دين الحي القيوم فيقولون نبينا شرب الخمر فنحن أيضاً نشربها مع اختلاف الخمرين لكن العامة لا تدرك هذا ولا تعيه. إخوتي الكرام ... العلماء ينظر إليهم العامة دائماً ويقتدون بهم، فالعالم إذا توسع في المباح توسع العامة في المكروهات، وإذا توسع في المكروهات توسعوا في المحرمات فإذا وقع العالم في الحرام كفرت العامة فتنبهوا لهذا رحمكم الله. لذلك لا يجوز للمؤمن أن يقوم مقام تهمة أو أن يقف موقف ريبة، فمثلا ً إذا ذهب طالب العلم إلى مكان ريبة، ومكان فساد كشواطئ البحار ولكن ابتعد عن مكان الفساد وصد وجهه عن المفسدين فهذا في الحقيقة ليس عليه وزر أو إثم لكن لو رآه الناس موجوداً في هذا المكان لبدأوا باتهامه، ولو كان يجلس بعيداً لأن الناس لا تعذر، فكان الواجب على هذا الطالب أن لا يذهب إلى هذا المكان المحدد أو في هذا الوقت بل يحاول أن يتجنب مثل هذه الأوقات والأماكن حتى لا يتكلم عليه الناس ولا يتذرع العامة بفعله.

فمن أقام نفسه مقام ريبة وتهمة فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقمن مقام تهمة وريبة – هذا ليس بحديث ولكن معناه صحيح – وقد وردت أحاديث بهذا المعنى منها في الصحيحين [فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه] ودلَّ عليه حديث في المستدرك وسنن الترمذي وغيره بسند صحيح عن عطية السعدي: [لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس] . فيحتاط نبينا عليه الصلاة والسلام – وهو إمامنا في الاحتياط والورع – لم يمد يده إلى الخمر مع أنها طاهرة وحلال ومنعشة ونافعة سنشربها في الآخرة حتى لا يتذرع العامة بفعله إذا شربها. وهذه الآنية عرضت على نبينا عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس – كما ذكرنا – لدفع العطش وعرضت عليه فوق السموات العلا عند سدرة المنتهى من باب الضيافة والكرم، فلما رأى هذه الأنهار الأربعة تنبع من أصل سدرة المنتهى قدم له من كل نهر إناء فيه من ذلك النهر. وحاله في السموات كحاله في الأرض فشرب من الماء قليلا ً، والعسل قليلا ً، واللبن تضلع منه وأما الخمر فما مد نبينا عليه الصلاة والسلام يده إليه أبداً. ومن رأى نفسه في المنام وهو يشرب لبناً فليحمد الله، لأن هذه الرؤيا تدل على أمرين: (1) أنه على الفطرة والدين المستقيم. (2) أن الله سيمنحه العلم النافع العظيم. وفي صحيح البخاري في كتاب التعبير بوب البخاري باباً بهذا الخصوص، فقال: باب اللبن في النوم، ثم ساق الحديث إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [بينما أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يخرج من تحت أظافري، ثم أعطيت فضلي عمر، قال فما أولت ذلك يا رسول الله، وقال: العلم] وعمر هو سيد المُحَدِّثين والْمُلْهَمِيْنَ في هذه الأمة فلا غرابة.

وثبت في مسند البزار بسند فيه ضعف ويشهد له ما تقدم والحديث في مجمع الزوائد (7/183) في كتاب تعبير الرؤى، باب اللبن في المنام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [اللبن في المنام فطرة] . وفي حديث البخاري السابق منقبة لعمر وقد حصلت منقبة أخرى له في صحيح البخاري أيضاً في كتاب العلم يقول نبينا عليه الصلاة والسلام [رأيت الناس يعرضون عليَّ وعليهم قُمُص – جمع قميص وهو ما يلبسه الإنسان، منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض عليَّ عمر بن الخطاب في ثوب يجره، قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال الدين] . الآية الخامسة: وهي من الآيات الأرضية، وهي ما رآه صلى الله عليه وسلم في طريقه من مكة إلى بيت المقدس. فقد رأى آيات عظيمة وهي كثيرة كثيرة كثيرة ولا أريد التوسع فيها، لكن ارجعوا إلى مجمع الزوائد (1/65) فما بعدها وانقلوا هذه الآيات واكتبوها مع هذا المبحث وانظروا في فتح الباري (7/199) فما بعدها وانظروا في جامع الأصول (11/310) . وسأقتصر هنا في شرحي على آيتين والباقي تأخذونه من هذه الكتب فإنه كثير كثير: 1- الآية الأولى: ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مررت ليلة أسري بي على موسى في قبره عند الكثيب الأحمر- وهو التلة من الرمل – وهو قائم يصلي] . وقد كنت أشرت سابقاً إلى أن أجساد الأنبياء في قبورهم لا تتغير، وهم أحياء فيها حياة يعلمها الله، ولا نعلم كيفيتها، ويكرمهم الله بكرامات عظيمة كما كان يكرمهم في حياتهم، من هذه الكرامات أن نبي الله موسى كان يصلي في قبره، ورآه نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي في قبره، فإن قيل: كيف هذا؟ نقول: قلنا إن حادثة الإسراء والمعراج معجزة ونبي الله موسى في عالم البرزخ، فالاطلاع عليه هذا من باب خرق العادات والممكنات التي أكرم الله بها خير البريات عليه صلوات الله وسلامه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلام لأصحابه لما ذكر لهم ذلك [لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره] ، أي لو كنت أنا وأنتم في ذلك المكان لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر عند البلاد المباركة. فهذه آية نؤمن بها وهي من الإيمان بالغيب الذي نؤمن به ونكل علم معرفته إلى خالقه. 2- الآية الثانية: وإنما اخترتها وأردت ذكرها لما فيها من غبرة وعظة، وهي إذا كانت المرأة تصل عزيمتها إلى هذا الحد، فالرجل ينبغي أن يستحي من الله وأن تكون عزيمته – على الأقل كعزيمتها – لا أقل منها. فهذه الكرامة التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام لامرأة صالحة ضعيفة مستضعفة وهذا كله من باب الاطلاع على ما في عالم البرزخ من عذاب أو نعيم، وعالم البرزخ لا يمكن أن نعلمه إلا عن طريق وحي صادق، فإذا نطق من لا ينطق عن الهوى آمنا به وصدقناه. ثبت في مسند الإمام أحمد والبزار والمعجم الكبير للطبراني والمعجم الأوسط له أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [مررت ليلة أسري بي بوادٍ فإذا فيه ريح طيبة، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها] . س: ما السبب في حصول هذه الكرامة لها؟ جـ: [كانت تسرح شعر ابنة فرعون وتمشطه فسقط المشط من يدها، فقالت باسم الله، فقالت هذه العاتية ابنة فرعون: أبي] أي باسم أبي الذي هو إله فالله يعني أبي، لأنه قال: أنا ربكم الأعلى، وكان رباً – كما يدعي – لأن الأنهار تجري من تحته، فتقول له يا منحوس، من الذي أجرى الأنهار من تحتك؟ فإنك تفتخر بملك غيرك، وتفتخر بنهر أجراه غيرك هل أنت الذي أجريتها وهل أنت الذي شققتها؟ إن هذه الأنهار التي تجري من تحتك عما قريب ستجري من فوقك وكل من ادعى دعوى قتله الله بدعواه.

يقول أئمتنا احذروا الدعوى، هي بلوى وإن صحت، فلا تقل أنا أحفظ وأنا أعلم كذا، فإنك حتى ما قلت (أنا) استوجبت الخزي بل الواجب أن تقول هذا بفضل الله وبرحمته ولذلك قال الله في الحديث القدسي: [فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] ، (وما بكم من نعمة فمن الله) فهو الذي وفق. ولذلك العاتي النمروذ عندما تكبر وتجبر وقال أنا أحيي وأميت، أماته الله بأضعف جنده ببعوضة فقط، فدخلت إلى دماغه من أنفه، وبدأت تدور في رأسه فكان يجمع حاشيته وأصحابه ويعطيهم الأحذية الكبيرة الثقيلة ويقول لهم أخفقوني على رأسي لأجل أن تموت هذه البعوضة، فكان وزراؤه يضربونه – وقد كانت البعوضة تخمد عندما يأتيها الضرب فتقف ولا تتحرك، فإذا توقفوا عن الضرب بدأت بالحركة والطيران داخل دماغه حتى قتل ضرباً بالأحذية، فأنت يا من تقول بأنك تحيي وتميت لم تستطع أن تميت بعوضة، فإذن كل من ادعى بدعوى قتله الله بدعواه. قال هارون الرشيد لمحمد بن السماك – وكان من العلماء الواعظين الصالحين – إذا كان الله حكيماً وخلق كل شيء لحكمة فعلام خلق الذباب؟ فقال: ليذل به الملوك يا أمير المؤمنين، أي أنت يا أمير المؤمنين لا يدخل عليك أحد إلا باستئذان إلا الذباب فإنما يدخل من غير استئذان.

[فالماشطة سقط المدرا (المشط) من يدها فقالت باسم الله، قالت ابنة فرعون: أبي قالت: لا ربي وربك ورب أبيك، فقالت: أأخبر أبي بذلك؟ قالت: أخبريه، فأخبرته، فدعاها فرعون فقال لها: ألك رب غيري؟، قالت: نعم، ربي وربك الله، فأمرها أن تحضر هي وأولادها وقال: إما أن ترجعي عن دينك وتدخلي في ديني وتؤمني بأنني أنا الله الرب وإما أن أقتلك، فقالت، اقتلني بما شئت ولكن لي طلب عندك، قال: لك ما تريدين، قالت: إذا قتلتني فاجمع بين عظامي وعظام أولادي وادفنا في قبر واحد، فقال: لك ذلك] فوافق على ذلك لما لها عندهم من المنزلة والمكانة إذ أنت من خدم البيت ومن الحاشية لكن لأنك خرجت عن الدين فلابد لك من القتل. [فأتي بنقرة من نحاس] وهي الحلة الكبيرة والقدر الواسع بحجم الغرفة بل البيت وهذه هي التي عذب بها النصارى في بلاد الأندلس المسلمين لما سقطت الأندلس، فقد كانوا يأتون بهذه القدور – النقرة – ويضعون تحتها ناراً حتى يحمى الماء فيها ويغلي غلياناً عظيماً، ثم يؤتى بالمؤمن، ويقال له إما أن ترجع عن دينك وإما أن نلقيك فيها وهم أفواج فلا يرجع عن دينه ثم يأتي بالثاني ويخير وهكذا وما يصدهم ذلك عن دين الله رغم ما يرونه من العذاب الشديد لدرجة أن هذا الماء من حرارته يذوب فيه اللحم والعظم فلا يبقي للمؤمن أثر فيه ولكنهم يثبتون على إيمانهم. (قصة أحد المشايخ الذين حاولوا دخول مسجد قرطبة الذي صار كنيسة وكيف منعهم القسيس من دخوله – إلخ القصة) [فأحماها وبدأ يضع أولادها واحداً بعد واحد فيها وهي تصبر وتحتسب حتى ألقاهم جميعاً وبقي بين يديها ولد صغير لازال رضيعاً في المهد فأشفقت عليه وخافت، فلما أخذوه منها ليلقى في هذه النقرة ارتاعت وتغيرت، وفظن فرعون أنها سترجع عن دينها شفقة على ابنها الصغير، فقال هذا الغلام الصغير: يا أماه إنك على الحق فاصبري وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة]

قال نبينا عليه الصلاة والسلام: [لم يتكلم في المهد إلا أربعة ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وعيسى عليه السلام، وصاحب جُريج] وصاحب جُريج هذا حديثه في الصحيحين وهو عابد وراهب [عندما كان يصلي دعته أمه فقال اللهم أمي وصلاتي] ولو كان فقيهاً لأجاب أمه لأنه إذا دعتك أمك وأنت في نافلة فاقطع النافلة وأجب أمك لأن إجابتها فريضة والنافلة سنة لك أن تقطعها. [ثم قالت: يا جُريج، فقال: اللهم أمي وصلاتي، ثم قالت: يا جُريج (للمرة الثالثة) فقال: اللهم أمي وصلاتي فقالت أمه: والحمد لله أنها لم تدع عليه بغير هذا – اللهم لا يموت جُريج حتى يرى وجوه المياميس – أي الزانيات – وكان هناك راع يرعى الغنم وهناك امرأة بغي اتصل بها هذا الراعي عن طريق الحرام وأحبلها قيل لها من أين هذا؟ قالت: من جُريج العابد الذي يعبد ربه في هذه الصومعة، فغضب بنو إسرائيل وحملوا المعاول والعصي وجاءوا إلى صومعته فهدموها، فقال لهم ماذا تفعلون؟ قالوا: تدعي أنك عابد راهب معتدل ثم بعد ذلك تعتدي على هذه المرأة، فقال: أين الغلام؟ فقيل له هذا، فأتى إليه جُريج ونقر على بطنه وقال: من أبوك يا بابوس؟ قال: فلان الراعي، فأكب الناس على قدمي جُريج يقبلونها ويقولون له نبني لك صومعة لبنة من ذهب ولبنة من فضة فقال: بل أعيدوها كما كانت] . لكنه رأي وجوه المياميس رأى هذه المرأة التي وجهها منكر فيه هذا البلاء والغضب لأنه ما أجاب أمه، حذار حذار أن يدعو عليك أحد والديك إذن فهؤلاء تكلموا في المهد. [فلما قال لها الغلام هذا طرحت الولد في النقرة ثم أخذوها وألقوها مع أولادها فاحترقوا جميعاً فجمع فرعون – عليه لعنة الله – عظامهم (¬1) ¬

_ (¬1) كيف شم النبي صلى الله عليه وسلم رائحة قبرها مع أن طريق الرحلتين لا يمر على مصر فكيف كان هذا وبماذا يفسر؟ لا يلزم من شم نبينا عليه الصلاة والسلام لتلك الرائحة الزكية الطيبة في رحلته أن يكون قبر الماشطة وأولادها في طريق النبي عليه الصلاة والسلام فقبرها وقبر أولادها في بلاد مصر إخوتي الكرام ... كما قلنا هذه من أحوال البرزخ التي أطلعها الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: ولتوضيح الأمر: ألم ير النبي صلى الله عليه وسلم في طريق رحلته أناساً تقرض ألسنتهم وشفاههم مقاريض من نار، ثم قال من هؤلاء يا جبريل؟ فقال له: هؤلاء خطباء الفتنة. وهؤلاء لم يوجدوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سيوجدون بعده وسيخطبون لكنهم عرضوا عليه في هذا الوقت وكذلك رأى عذاب من يتثاقل عن الصلاة والصلاة إلى ذلك الوقت لم تفرض ورأى عذاب من لا يؤدي الزكاة والزكاة لم تفرض إلى ذلك الوقت، فإن قيل: كيف هذا؟ نقول: هذا من باب إطلاع الله لنبيه عليه الصلاة والسلام على مغيب وقع أو سيقع، وكذا قبر ماشطة فرعون لم يكن في طريقه لكن أطلعه الله عليه وأشمه رائحته. إذن فلا يشترط فيمن رآهم يعذبون أن يكونوا في طريق رحلته بل هذا كله من خوارق العادات ومن إطلاع الله لنبيه عليه الصلاة والسلام لبعض المغيبات ولا إشكال في هذا. ولذلك فبالنسبة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام عندما جمعهم الله في بيت المقدس وجمع له بعضهم في السموات العلا هل كان الاجتماع بأرواحهم أم بأرواحهم وأجسادهم؟ ذكر الحافظ ابن حجر الأمرين قيل. بعثوا من قبورهم من جميع أقطار الدنيا وقيل أرواحهم تشكلت في بيت المقدس قلت: السكوت في هذه المواطن من ذهب لأنها من أمور الغيب. وأمور الغيب إذا لم نطلع عليها فنؤمن بها دون البحث في كيفيتها، إذا جمع الله أجسادهم فهو على كل شيء قدير وإذا شكل الله أرواحهم فهو على كل شيء قدير ولا يجوز مطلقاً أن نفهم ما يجري في البرزخ على حسب ما يجري في الدنيا فهذا الدار لها أحكام وقوانين خاصة. فنحن في الدنيا الأحكام من عذاب ونعيم تقع على البدن فقط والروح تتأثر بذلك تبعاً للبدن لا أصلا ً وفي البرزخ على العكس تماماً فالنعيم والعذاب يقع أصالة على الروح، والبدن يشعر بذلك تبعاً. وفي الآخرة فهذه أكمل الدور – فالأحكام من عذاب ونعيم يقع أصالة على الروح والبدن كل واحد يشعر بعذاب ونعيم دون تبعية لغيره، (مثل ضربه الشيخ باستعمال ميزان البصل في وزن الذهب) فلكل شيء موازين خاصة فإياك أن تقيس البرزخ على الدنيا، وإياك أن تقيس الآخرة على البرزخ.

ودفنهم في قبر واحد] ولذلك فهؤلاء لهم ذلك النعيم العظيم لهم في البرزخ فبمجرد أن دفنوا حصلت لهم تلك الرائحة الشذية العطرية الطيبة من قبرهم في ذلك. فإذن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به شم هذه الرائحة الطيبة من ماشطة ابنة فرعون ومن أولادها الذين قتلوا معها. إخوتي الكرام ... هذا حال الحق عندما يدخل القلوب سواء كانت عند ذكور أو عند إناث، فانظروا إلى ثبات هذه المرأة على الحق وعدم مبالاتها بأطغى أهل الأرض في ذلك الوقت هو فرعون وماذا يملك فرعون وغيره من الجبابرة؟ هل يملك أكثر من قطع الرقبة؟ لا، ولكن الحال كما قال السحرة لفرعون (فاقض ما أنت قاض ٍ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) . أما غير هذا فليس في وسع أحد أن يفعله. ثم إن الموت سيصير إليه القاتل والمقتول، فهل سلم فرعون من الموت، وهل الأنبياء سلموا من الموت؟ لا، فهل في موتي منقصة لي؟ وليس القوي الذي يخاف من موت بدنه، إنما القوي الذي يخاف من موت القلب، فالقلب إذا مات هنا الطامة، وهذا الذي يوجب غضب الله والخسران للأبد أما موت البدن فما الذي يُخوِّف منه؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [تحفة المؤمن الموت] ، فالمسلم إذا مات انتقل من عناء إلى لقاء رب الأرض والسماء، انتقلت من شدة وبلاء إلى نعيم ورخاء. فإذا مت فماذا في هذا؟!! ووالله إن نعمة الله علينا بالموت أعظم من نعمته علينا بالحياة، فإذا مت انتقلت من دار إلى دار، ولذلك للإنسان ثلاث دور الدار الأولى: الدنيا وفي الدنيا دور متعددة أولها بطن الأم فهذا وإن سكنته وخرجت منه، ثم هذه المساكن التي تسكنها الله أعلم بعددها تسكن في الشام في مصر في لبنان في مصر في استراليا العلم عند الله. الدار الثانية دار البرزخ، وهي أوسع من دار الدنيا وأحسن منها بكثير ثم أكمل الدور وأتمها وهي الدار الثالثة دار الآخرة.

فإذن الانتقال إلى البرزخ بالموت كالانتقال من رأس الخيمة إلى مصر ولا فرق هنا عباد وهناك عباد قال تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) فهل يشترط أن نقيم في رأس الخيمة؟ كلا، إذن فكذلك لا يشترط أن نقيم في الحياة فأنت في كنف الله ورعايته إن كان في الدنيا تقوم بالواجب عليك، وإن كان في البرزخ فلا واجب عليك بل يكرمك الله جل وعلا بكرامات لا تخطر على بال وإن كان في الآخرة فرحمتُهُ أوسع وأوسع. فالمؤمن إذن لا يخاف الموت بل إنه يفرح بالموت وكان عدد من الصالحين إذا جاءهم الموت يقولون: حبيب، جاء على فاقة، لأننا في الدنيا نتألم كما يتألم الكفار لكن في النتيجة نختلف، فنحن يأتينا الموت راحة وهم ينتقلون من عذاب إلى عذاب أشد (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون) وهذه الآية في المعارك فنحن نرجو الشهادة وهم يرجون عرضاً من الدنيا ولو لم يكن في الدنيا تعب إلا إدخال الطعام وإخراجه لكفى، فعندما يمضغ ويأكل في اليوم مرتين أو ثلاثاً، ثم يجلس في الخلاء في صورة يستحي منها أفليس في هذا تعب؟ وهذا غير ما يحصل لك من نكد أو تعب أو إيذاء في هذه الدنيا، وكذلك فأنت تملأ وتفرغ وتملأ وتفرغ وهكذا ولذلك كان بعض الصالحين يقول: أشتهي أن يجعل الله رزقي في حصاة أمصها والله استحيت من ربي من كثرة دخولي الخلاء. وهذا الطعام الذي يدخل إلى جوفك لو كشف للناس عنه لهربوا من نتن ريحه ولذلك أنت أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وفيما بينهما تحمل العذرة

فهذا تعب ما بعده تعب فإذا من الله عليك بدار البرزخ ثم بالجنة، ليس هناك عناء ولا بلاء ولا حدث ولا مخاط ولا بصاق، والطعام والشراب يخرج منك على هيئة رشح من جبينك أطيب من المسك ولذلك كل الطعام هناك ليس من باب حفظ البدن من تلف أو لحاجته لطعام، إنما من باب التلذذ والتفكه كما قال تعالى: (وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون) وقال: (وأمددناهم بفاكهة) فسماها فاكهة. فإذن ماتت ماشطة ابنة فرعون وعذبت فماذا جرى لها؟ ثم انظر لهذه الكرامة بتعجب نبينا عليه الصلاة والسلام لطيب رائحتها. لذلك هذا المسلك الذي سلكته هذه المرأة الصالحة يجب أن يسلكه الذكور والإناث بلا استثناء. ولله الحمد توجد من هذه النماذج في عصرنا (قصة الطالبة الصالحة في أبهى التي كانت تشترط على من يتقدم لخطبتها ألا يدخل تليفزيوناً أو منكراً للبيت: إلخ القصة) . وهذا ما رآه نبينا عليه الصلاة والسلام في رحلته المباركة مما كشف الله له أطلعه عليه مما يكون في عالم البرزخ مما كان قد حصل – من الذنوب – والذنوب التي ستحصل وأطلعه عليها قبل وقوعها. وهذا كما أطلعه الله – عندما كان في المدينة والحديث في الصحيحين – مثل عذاب رجلين حيث قال صلى الله عليه وسلم: [إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ (وفي رواية يتنزه) من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة] . هاتان آيتان شرحناهما مفصلتين والآن نذكر جملة من الآيات التي وقفنا عليها في الكتب التي ذكرت في أول هذا المبحث في أول الحديث عن الآية الخامسة، وسنذكر هذه الآيات على وجه الإيجاز والاختصار مع ذكر مرجعها: 3- الآية الثالثة: مر صلى الله عليه وسلم على قوم يزرعون في يوم ويحصدون ي يوم كلما حصدوا عاد كما كان فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) .

4- الآية الرابعة: ومر صلى الله عليه وسلم على قوم ترضخ (تدق تكسر) رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت رؤوسهم عن الصلاة. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) . 5- الآية الخامسة: مر على قوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع والزقوم ورضف جهنم (أي حجارتها المحماة) ، قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم (أي لا يزكون) ، وما ظلمهم الله، وما الله بظلام للعبيد. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) . 6- الآية السادسة: مر على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضيج، ولحم آخر نيئ خبيث فجعلوا يأكلون الخبيث ويدعون النضيج الطيب، قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: الرجل من أمتك يقوم من عند امرأته حلالا ً، فيأتي المرأة الخبيثة فيبيت معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا ً طيباً فتأتي الرجل الخبيث فتبيت عنده حتى تصبح. انظر: مجمع الزوائد (1/67) ، فتح الباري (7/200) . 7- الآية السابعة: مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة من حطب لا يستطيع حملها ثم هو يريد أن يزيد عليها، فقال: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة الناس لا يستطيع أداءها ثم هو يزيد عليها ويطلب آخر. انظر: مجمع الزوائد (1/68) ، فتح الباري (7/200) . 8- الآية الثامنة: مر على قوم تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: يا جبريل، ما هؤلاء؟ قال: خطباء الفتنة. انظر: مجمع الزوائد (1/68) ، فتح الباري (7/200) . 9- الآية التاسعة: مر على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فيريد الثور أن يدخل من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: ما هذا يا جبريل؟، قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة فيندم عليها فيريد أن يردها فلا يستطيع. انظر: مجمع الزوائد (1/68) ، فتح الباري (7/200) .

10- الآية العاشرة: أتى صلى الله عليه وسلم على وادٍ فوجد ريحاً طيبة ووجد ريح مسك مع صوت، فقال: ما هذا؟ قال: صوت الجنة تقول يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثر غرسي وحريري وسندسي وإستبرقي وعبقري ومرجاني وقضبي وذهبي وأكوابي ومما في وأباريقي وفواكهي وعسلي وثيابي ولبني وخمري، ائتني بما وعدتني، قال: لك كل مسلمة ومسلم ومؤمن ومؤمنة ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحاً ولم يشرك بي شيئاً ولم يتخذ من دوني أنداداً فهو آمن ومن سألني أعطيته ومن أقرضني جزيته ومن توكل علي كفيته إني أنا الله لا إله إلا أنا لا خلف لميعادي، قد افلح المؤمنون، تبارك الله أحسن الخالقين فقالت: قد رضيت. انظر (1/68) . 11- الآية الحادية عشرة: أتى صلى الله عليه وسلم على وادٍ فسمع صوتاً منكراً، فقال: يا جبريل ما هذا الصوت؟، قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغساقي وغسليني وبعد قعري واشتد حري، ائتني بما وعدتني، قال: لك كل مشرك ومشركة وخبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت. انظر المجمع (1/68) . 12- الآية الثانية عشرة: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم – وهو راكب البراق – إلى أرض ذات نخل فقال جبريل: انزل، فنزل، ثم قال: صل، فصلى، ثم ركب فقال له: أتدري أين صليت؟، قال الله أعلم، قال: صليت بيثرب، صليت بطيبة، وإنها المهاجرة. انظر المجمع (1/73) ، الفتح (7/199) . 13- الآية الثالثة عشرة: ثم بلغ أرضاً بيضاء فقال له: انزل، فنزل، ثم قال له: صل فصلى ثم ركب، فقال له أتدري أين صليت؟ قال: الله أعلم، قال صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى، وفي رواية: صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى عليه السلام. انظر المجمع (1/73) ، الفتح (7/199) .

14- الآية الرابعة عشرة: ثم قال له جبريل انزل، فنزل فقال صل، فصلى، ثم ركب فقال له: أتدري أين صليت؟، قال: الله أعلم، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى بن مريم. انظر المجمع (1/73) ، الفتح (7/199) . 15- الآية الخامسة عشرة: مر النبي صلى الله عليه وسلم في أرض غمة (ضيقة) منتنة، ثم أفضى به المسير إلى أرض فيحاء طيبة، فقال: يا جبريل كنا نسير في أرض غمة نتنة ثم إلى أرض فيحاء طيبة فقال تلك أرض النار وهذه أرض الجنة – وفي رواية: تلك أرض أهل النار وهذه أرض أهل الجنة. انظر المجمع (1/74) . 16- الآية السادسة عشرة: أتى على رجل قائم فقال من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. انظر المجمع (1/74) ، الفتح (7/199، 200) . 17- الآية السابعة عشرة: ثم سار فسمع صوتاً فأتى على رجل فقال: من هذا معك؟ قال هذا أخوك محمد صلي الله عليه وسلم فسلم ودعا لي بالبركة وقال سل لأمتك التيسير، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى صلى الله عليه وسلم. انظر المجمع (1/74) الفتح (7/199، 200) . 18- الآية الثامنة عشرة: ثم سار صلى الله عليه وسلم، فرأى شيئا، فقال: ما هذه يا جبريل؟ قال هذه شجرة أبيك إبراهيم، فقال: أدنو منها؟ قال: نعم، فدنا منها فرحب ودعا لي بالبركة. انظر المجمع (1/74) ، الفتح (7/199، 200) . 19- الآية التاسعة عشرة: رأى الدجال فقال: وأراني – أي جبريل – الدجال ممسوخ العين اليمنى شبهته بِقَطَن بن عبد العزي. انظر المجمع (1/75) . 20- الآية العشرون: عرض له رجل عن يمين الطريق – في ذهابه إلى بيت المقدس – فجعل يناديه يا محمد إلى الطريق – مرتين – فقال له جبريل امض ولا تكلم أحداً، ثم أخبره أن الرجل الذي عرض له عن يمين الطريق هم اليهود دعته إلى دينهم. انظر المجمع (1/77) .

21- الآية الحادية والعشرون: عرض له رجل عن يسار الطريق، فقال له: إلى الطريق يا محمد فقال له جبريل: امض ولا تكلم أحداً، ثم قال له جبريل: تدري من الرجل الذي دعاك عن يسار الطريق؟ قال: لا، قال: تلك النصارى دعتك إلى دينهم. انظر المجمع (1/77) . 22- الآية الثانية والعشرون: عرضت له امرأة حسناء جميلة، فقال له جبريل: هذه المرأة الحسناء هي الدنيا دعتك إلى نفسها. انظر المجمع (1/77) ، ووقع في الفتح (7/199) أنه مر بامرأة عجوز فقال له جبريل هذه الدنيا. 23- الآية الثالثة والعشرون: مر بشيء يدعوه متنحياً عن الطريق، فقال له جبريل: سر، ثم قال له: الذي دعاك هو إبليس. انظر الفتح (7/199) . 24- الآية الرابعة والعشرون: مر بقوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقال هم هؤلاء يا جبريل، قال هؤلاء أكلة الربا. انظر الفتح (7/200) ، المجمع (1/66) . 25- الآية الخامسة والعشرون: مر بقوم مشافرهم (شفاههم) كالإبل يلتقمون حجراً فيخرج من أسافلهم، فقال له جبريل: هؤلاء آكلة أموال اليتامى. انظر الفتح (7/200) . 26- الآية السادسة والعشرون: لما دخل المدينة التي فيها بيت المقدس من بابها الثامن أي قبلة المسجد فربط دابته ثم دخل المسجد من باب فيه مثل الشمس والقمر. انظر المجمع (1/73) . 27- الآية السابعة والعشرون: مر بعير لقريش بمكان كذا وكذا قد أضلوا بعيراً لهم فسلم عليهم وقال بعضهم لبعض: هذا صوت محمد، وحاجه المشركون في مكة لما أخبرهم الخبر فقال لهم: مررت بعير لكم في مكان كذا قد أضلوا بعيراً لهم وأنا مسيرهم لكم ينزلون بكذا ثم يأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم عليه مسح أسود وغرارتان سوداوتان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينظرون حتى كان قريباً من نصف النهار، أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر المجمع (1/73، 74، 75) الفتح (7/200) .

28- الآية الثامنة والعشرون: لما أخبرهم بخبر الإبل السابقة، قالوا له: هل مررت بإبل لبني فلان؟، قال: نعم وجدتهم في مكان كذا وكذا قد انكسرت لهم ناقة حمراء فوجدتهم وعندهم قصعة من ماء فشربت ما فيها، فقالوا: أخبرنا ما عدتها وما فيها من الرماة، قال: قد كنت عن عدتها مشغولا ً فقام فأتى بالإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاة ثم أتى قريشاً فقال لهم: سألتموني عن إبل بني فلان فهي كذا وكذا وفيها من الرعاء ابن أبي قحافة وفلان وهي مصبحتكم بالغداة عند الثنية، قال: فقعدوا إلى الثنية ينظرون أَصَدَقَهُمْ؟ فاستقبلوا الإبل فسألوا: هل انكسرت لكم ناقة حمراء؟ قالوا نعم، قالوا: فهل كان عندكم قصعة؟ قال أبو بكر: أنا والله وضعتها فما شربها أحد ولا أهراقوه في الأرض. انظر المجمع (1/75) ، الفتح (7/200) . 29- الآية التاسعة والعشرون: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى وصلى فيه وعرضت عليه الآنية انطلق به جبريل حتى أتى الوادي الذي في المدينة – أي المدينة التي فيها المسجد – فإذا جهنم تكشف عن مثل الزرابي، فقال الصحابة: يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال مثل الحمة المسخنة. انظر المجمع (1/73) . هذا ما تسر لي جمعه من الآيات التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام في طريقه من مكة إلى بيت المقدس أو العكس مما يدخل تحت الآيات الأرضية التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم. القسم الثالث: آيات سماوية رآها نبينا عليه الصلاة والسلام عندما عرج به إلى السموات العلا: الآية الأولي: المِعْراج أو المُعْراج – بكسر الميم أو ضمها – وهذا أول الآيات كما أن البراق هو أول الآيات الأرضية، فالبراق من مكة إلى بيت المقدس، ومن بيت المقدس إلى السموات العلا كان الصعود عن طريق المعراج أو المعراج، وهو آلة يعرج عليها ويُصْعَدُ بها كالسلم أو الدرج أو المصعد عندنا في حياتنا.

قال نبينا عليه الصلاة والسلام كما في مغازي ابن إسحاق – [فأتيت بالمعراج فلم أر شيئا أحسن منه] وهو الذي يشخص إليه الميت بعينيه إذا حضره أجله] فالميت عندما يموت ينظر إلى فوق، فينظر إلى هذا المعراج الذي ستعرج إليه روحه. [وكان مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة، وكان مكللا ً باللؤلؤ من جنة الفردوس] فهذا هو المعراج نؤمن به ونفوض العلم بكيفيته إلى ربنا جل وعلا، وعما قريب سيراه كل واحد وينظر إليه بعينه عندما يحضره أجله ويرى مقعده من الجنة أو النار عن طريق المعراج فإذا كان صالحاً فتحت له أبواب السماء وإلا أغلقت. الآية الثانية: آيات رآها عندما عرج به إلى السموات:

ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث مالك بن صعصعة، عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال ".... فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا (السماء الأولى) فاستفتح (استأذن) فقيل من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمدً [عليه صلوات الله وسلامه] وهذا أي قول الملائكة من معك يحتمل أن السماء شفافة فرأوا من هو خارجها أو أنهم سمعوا حساً للنبي عليه الصلاة والسلام معه، أو رأوا زيادة أنوار عرجت عندما ارتقى جبريل فاستفتح من أجل أن يلج السماء فقيل من؟ قال: جبريل، قيل ومن معك؟ قال: محمد [فقال (حراس السماء الدنيا) أَوَقَدْ بعث إليه؟] أي أذن له بأن يدخل وطلب لمناجاة الله، وسؤال الملائكة هذا يحتمل عدة أمور إما أنه من باب التعجب إذ كيف حصل للنبي صلى الله عليه وسلم هذه المرتبة العظيمة الجليلة، فتعجب الملائكة من هذا، أو أن هذا للاستبشار، أي استبشاراً بلقائه وفرحاً بمجيئه، ويحتمل (قاله الحافظ) أنهم قالوا هذا إعلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يعلمون أنه سيأتي ويؤذن له في الدخول فكأنهم يقولون: نحن عندنا علم بمجيئه لكن هل حان الوقت وبُعث إليه وأرسلك الله يا جبريل إليه في هذا الوقت؟ أي نحن علمنا بأنه محمداً صلى الله عليه وسلم سيأتي ويدخل لكن ما حُدِدَ لنا الوقت، [فقال: نعم، فقيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء، ففتحت السماء، فلما خَلَصْتُ (أي دخلت إليها وسرت فيها) فإذا فيها آدم، فقال جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد علي السلام ثم قال لي مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح] . إخوتي الكرام.... ثم عرج به إلى السماء الثانية، ولكنا سنذكر على سبيل الاختصار الأنبياء الذين لقيهم في هذه السموات السبع، ولا أريد أن أستعرض ألفاظ الحديث لأنه في كل سماء لما يستأذن يُقال: أو قد بعث إليه؟ فيقال: نعم، فيفتح له فيقول فإذا فيها فلان من الأنبياء.... ومن أراد نص الحديث فليرجع إليه في صحيح البخاري أو مسلم.

ففي السماء الأولى (السماء الدنيا) نبي الله آدم عليه السلام. وفي السماء الثانية ... ... نبيا الله عيسى ويحيى عليهما السلام. وفي السماء الثالثة ... ... نبي الله يوسف عليه السلام. وفي السماء الرابعة ... ... نبي الله إدريس عليه السلام. وفي السماء الخامسة ... ... نبي الله هارون عليه السلام. وفي السماء السادسة ... ... نبي الله موسى عليه السلام. وفي السماء السابعة ... ... نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام. الأنبياء كلهم جمعوا لنبينا عليه الصلاة والسلام في بيت المقدس، أما في السموات السبع فما اجتمع إلا بثمانية من الأنبياء (¬1) . ¬

_ (¬1) هل ترتيب الأنبياء في السموات السبع باق ٍ أم أنهم رُتِّبُوا كذلك لحادثة الإسراء والمعراج للنبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كانوا باقين حسب هذا الترتيب فأين الأنبياء والرسل الباقون عليهم السلام؟ الجواب: هؤلاء الأنبياء ليست مساكنهم في السماء إنما [الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى ثقات، انظر المجمع (8/211) وقد نصَّ المُناوي في فيض القدير (3/184) على أن الحديث في درجة الحسن وهو من حديث أنس ٍ رضي الله عنه، والحديث رواه أيضاً البهيقي في حياة الأنبياء وتمام في فوائده وابن عساكر في تاريخ دمشق، انظر الجامع الكبير (1/359) ، لكن جمعوا في بيت المقدس وليست مساكنهم – إنما كما قلنا – إما أن أرواحكم تشكلت أو خرجوا من قبورهم واجتمعوا في بيت المقدس لعلة يعلمها الله ولا نعلمها وهو من أمور الغيب وخوارق العادات. وجُمِعَ بعضهم في السموات، وليست مساكنهم ولا هم يجلسون فيها، لكن ينبغي أن يحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام لقاء لمن حالُه يشابه حالَه، ولذلك رتب هؤلاء، وهناك بعض من لم له ولم يلقه في السموات وهو أفضل ممن رتب له كنبي الله نوح – وهو من أولي العزم ولم يذكر ويرتب ولم يكن في هذه السموات في لقاء خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، لأنه ليس بينه وبين نبينا عليه الصلاة والسلام – في حاله مع أمته – أي مشابهة، فقومه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وما استجاب له إلا قليل، ولو رتب لنبينا عليه الصلاة والسلام لربما فهم نبينا عليه الصلاة والسلام - سيصبر ويصبر ويصبر وأن حال هذه الأمة كمن يريد أن يخض الماء ليخرج منه زبداً!! ولربما قال: أنا حالي يشبه نبي الله نوح عليه السلام. ولذلك قلنا عُرِض له من يشبه حاله مع أمته كحال أولئك، لترتيبات معينة فإذن ليست منازلهم في السماء على هذا الترتيب إنما رتبوا في حادث الإسراء والمعراج هذا الترتيب. ولماذا كان هذا الترتيب؟ هذا هو الذي استعملنا عقولنا في إدراك حكمته، وأما بعد ذلك فأعيدوا قبورهم وهم أحياء يصلون باستثناء نبي الله عيسى عليه السلام الذي رفعه الله إليه. وسأضرب لكم مثلاً ولله المثل الأعلى، لما يأت أمير إلى مسؤول فإنه يرتب له شخصيات معينة للقائه على حسب وزنه ومنزلته، وليس هؤلاء مكانهم هذا، إنما جيء بهم في هذا الوقت لأجل لقاء طارئ وهنا كذلك. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

إن قيل: ما الحكمة في الاقتصار على هؤلاء الأنبياء فقط دون غيرهم، وكونهم بهذا الترتيب من السماء الأولى إلى السابعة؟ فنقول: أما آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فجعل في السماء الأولى ليحصل مباشرة أُنس النبوة بالأبوة، الابن محمد عليه الصلاة والسلام والأب الأول للبشرية كلها آدم عليه الصلاة والسلام، ولم يجعل في السماء الأولى من باب دنو منزلته إنما من باب أن هذا أب أول لجميع البشر، ولذلك فينبغي للابن أن يلتقي بأبيه قبل غيره. ولذلك لو دخلت بيتك الذي فارقته سنوات ورأيت أخاك ولم تر أباك لن تفرح وتسعد حتى ترى أباك، وهذا مشاهد ومجرب. ليكون في ذلك إشارة أيضاً – كما قال الحافظ ابن حجر نقلا ً عن السهيلي وابن أبي جمرة – إلى أنك يا محمد بعد هذه الحادثة سيحصل لك ما حصل لأبيك فلا تحزن. وماذا حصل لآدم؟ خروج من الجنة وهي وطنه، وأنت سيحصل لك خروج من مكة، وبالفعل حصل هذا بعد سنة ونصف، ولذلك قلنا الإسراء وقع قبل الهجرة بسنة ونصف. وآدم بعد خروجه من الجنة ازداد رفعة، وكان آدم بعد خروجه خيراً منه قبل خروجه (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) ، فاجتباه ربه بعدما خرج، وأما ما حصل منه ف [كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون] وإذا أقلع الإنسان عن معصية وأناب يكون حاله بعد المعصية خيرا من حاله قبل التوبة. إذن فسيحصل لك ما حصل لآدم وليس في هذا مضرة عليك فكما أن آدم بعد خروجه ارتفع قدره وعلا ذكره ولو بقي في الجنة لما وجدت هذه البشرية التي توحد الله وتعبده فقدر الله له الخروج (ليقضي الله أمراً كان مفعولاً) ، وأنت بعد خروجك سيرتفع ذكرك ويعلو أمرك ويظهر دينك وهذا الذي حصل.

لاسيما وقد ذكرنا في الآيات التي رآها في رحلته من مكة إلى بين المقدس أنه أمره جبريل بالصلاة في مكان ثم أخبره أنه صلى بطيبة، ثم قال له وإليها المهاجرة بفتح الجيم، أي ستكون دار لهجرتك، فإذن أخبر في الأرض أنه سيهاجر، فحتى لا يصبح في قلبه شيء ويخاف – هذا من الطبائع البشرية – وحتى لا ينكسر قلبه ويغتم ارتفع به إلى الكمالات وقابل هناك الأب الصالح أول من قابل فكأنه قيل له: الهجرة فيها خير كما حصل في الانتقال لهذا الأب الذي تقابله خير عندما هاجر من الجنة إلى الدنيا. ولِمَ كان عيسى ويحيى عليهما السلام في السماء الثانية؟ هناك عدة أجوبة والجواب المعتمد وهو الحق إن شاء الله وهو من باب الحكم التي تُشم كشم الوردة: لأنه ليس بين نبينا عليه الصلاة والسلام وبين نبي الله عيسى نبي آخر فهو أولى الناس به، وأما يحيى فهو ابن خالة عيسى فبما أنهما ابنا الخالة فقُرِنا في سماء واحدة، وقد ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى دينهم واحد] وفي رواية أخرى مختصر البخاري (7341) [أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد علات ليس بيني وبين نبي] . فإذن بعد أن حصل أُنس النبوة بالأبوة سيلتقي بعد ذلك بإخوانه الذين هم أقرب الناس إليه من غيرهم وأولهم عيسى عليه السلام. أما يوسف، فالحكمة من كونه في السماء الثالثة بعد الثانية بعد أن حصل أُنس النبوة بالأبوة وأنس الأخ بأخيه الأقرب، فإنه سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام أُنس خاص بنبي فيه شبه بنبينا عليه الصلاة والسلام من وجهين:

حسن الصورة وبهاء المنظر وجمال الطلعة، فنبي الله يوسف أعطاه الله شطر الحسن، ونبينا عليه الصلاة والسلام له الحسن بكامله. فأجمل الناس بعد نبينا عليه الصلاة والسلام هو يوسف فعندما يرى هذا النور يتلألأ منه يحصل حينئذ شيء من الشبه الظاهري، يضاف إليه شبه آخر يتعلق بالدعوة وهو: أنه لاقى مكراً وكيداً من أخوته لأبيه، وقرابته حيث مكروا به وألقوه في الجب وبعد ذلك مكن الله له في الأرض وجاءه إخوته فقال لهم (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا إنك لأنت يوسف، قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين، قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) سورة يوسف 89-92، وما حصل ليوسف هو عين ما حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فآذاه قرابته وعشيرته وطردوه من مكة وسيؤذونه وسيعيده الله بعد ذلك وسيقول لهم ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم فيقول، لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء الأحرار وقد وقع كل هذا، فهذا أيضاً شبه، فليحصل إذن استحضار لتلك المعاني، الصورة واحدة وما حصل لهذا النبي من المكر فسيحصل لك، وما حصل له من الظفر والنصر سيحصل لك. 4- وأما السماء الرابعة ففيها إدريس عليه الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى (ورفعناه مكاناً علياً) وإنما قال مكاناً علياً وهو في السماء الرابعة وليس في السابعة لأنه في الوسط، والوسط مكان مرتفع ومعتدل. وفي ذلك إشارة إلى أن هذا العلو الذي حصل لهذا النبي بعد الثالثة – وهي الرابعة – سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة الدنيا وقد حصل له، وأن رسالتك وديانتك وسط (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) خياراً عدولاً تعتدلون في أحكامكم التي أنزلها ربكم عليكم.

5- وأما السماء الخامسة ففيها هارون عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك إشارة إلى قربه من نبي الله موسى وهارون تابع لموسى عليهما الصلاة والسلام فليكون إذن بمثابة تمهيد للقاء موسى عليه السلام. وفي ذلك إشارة لنبينا عليه الصلاة والسلام ليوطن نفسه على تحمل ما تحمله هارون من موسى عليهما السلام. وفي ذلك أيضاً إشارة عظيمة أيضاً وهي أن هارون رجع قومه إلى محبته بعد أن نفرتهم منه وعداوتهم له، وهذا سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فقومك سيحبونك بعد معاداتهم لك، فحالك كحال هارون فقد كان محبباً في قومه أكثر من نبي الله موسى عليه السلام وكانوا ينفرون من موسى ويأنسون بهارون عليهما صلوات الله وسلامه للين عريكته وعدم شدته وله فيهم منزلة عظيمة، الحاصل أن في لقائه بهارون تذكير له بطبيعة موسى ولذلك كأنه يقال: إذا لقيت موسى فاصبر وتحمل فإن له مقامات عند ربه وهو مدلل عنده. 6- وأما موسى عليه الصلاة والسلام، فاجتمع بهذا النبي في السماء السادسة ليعلم أنه رفيع القدر أعلى من هارون، فنبينا أعلى من هارون كما أن موسى أعلى من هارون إذن فأنت أعلى ممن تقدمك والحكمة الثانية: ليحصل لك ما حصل لهذا النبي من، فعاداه فرعون قومه فصبر فمكنه الله منه ونصره عليه، فأنت سيعاديك فرعون هذه الأمة – أبو جهل – فاصبر وستمكن منه وستقطع رقبته في يوم بدر وهذا الذي حصل، فيوم بدر بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم كغرق فرعون بالنسبة لموسى عليه الصلاة والسلام. 7- أما السماء السابعة، فكأنه يقال له: بدأنا الأمر بالأب الأبعد فلنختمه بالأب الأدنى وهو خليل الرحمن إبراهيم، أبو العرب، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم (ابن الذبيحين) فعبد الله ذبيح لأن عبد المطلب نذر أن يذبح أحد أولاده إذا عثر على زمزم فوقعت القرعة على عبد الله ثم فكه بعشر ديات، وإسماعيل ذبيح بنص القرآن، وقد نجى الله الذبيحين.

فكما أنك استأنست بأبيك الذي هو أبعد الآباء فلتستأنس بأبيك الذي هو أقرب الآباء إليك ممن هو نبي وهو خليل الرحمن، وليس في آبائه نبي آخر بعد ذلك ليستأنس به جاء من عبد المطلب أو غيره. وحكمة ثانية: فأنت خليل وهو خليل فلابد أن يجتمع الخليل مع الخليل ثم إن خلتك أعلى من خلته لأنك سترفع إلى مكان فوقه بعد ذلك فرغم أنه في أعلى الرتب وهي السماء السابعة لكن نبينا صلى الله عليه وسلم سيرفع إلى مكان فوقه. وفي ذلك إشارة – أيضاً – كما قال علماؤنا: إلى ما سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام في المستقبل، فالسماء السابعة فيها خليل الرحمن إبراهيم، وأنت ستخرج من مكة وستدخلها في العام السابع في عمرة القضاء بعد صلح الحديبية لأن هذا كان في العام السادس وقد تم الاتفاق على أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التالية ورُدَّ هذا العام، فجاء في العام السابع ودخل مكة واعتمر، ثم في العام الثامن فتحت مكة إذن فهذه المناسك التي في مكة وأقام إبراهيم هذا البيت على الدعائم الأولى التي أسس عليها البيت فأنت ستعود لمكة في العام السابع وستفرض عليك مناسك الحج كما فرضت على خليل الله إبراهيم (وأذن في الناس بالحج) ، وأنت ستؤذن وتدعو الناس إلى لك. فهذا هو مجمل الحكم عن الالتقاء بهؤلاء الأنبياء الثمانية صلوات الله وسلامه عليهم. تعارض وجمع: ورد في بعض روايات البخاري أن نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام [لقيه نبينا عليه الصلاة والسلام في السماء السابعة] ، قال الحافظ ابن حجر: ورد هذا في رواية وشريك هذا هو الذي يروي حديث الإسراء والمعراج عن أنس رضي الله عنه، وله أوهام لكن هنا – كما يقول الحافظ- ضبطه وليس هذا من أوهامه. [وموسى في السماء السابعة بفضل كلام الله له]

قال الحافظ ابن حجر: لا إشكال بين هذه الرواية والروايات المتقدمة ولا تعارض فنبي الله موسى مكانه الحقيقي في السادسة لكن بعد أن عرج بنبينا عليه الصلاة والسلام السابعة صحبه موسى إلى غير داره الحقيقية كمرافق بفضل كلام الله له. أي بما أن الله كلم موسى تكليماً واتخذ إبراهيم خليلاً فجمع الله الخليلين مع الكليم في السماء السابعة، هذا هو الجمع المعتبر. وبقي موسى في السماء السابعة حتى عاد نبينا عليه الصلاة والسلام، وظهر أثر هذا: مَرَّ عليه وسأله ماذا فرض عليك؟ قال: خمسين صلاة، قال ارجع فسله التخفيف إلى أن خفضت إلى خمس، فنبينا عليه الصلاة والسلام لم يكن ينزل إلى السادسة إلى موسى ويسأله عما فرض عليه، ويمر مروراً على إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. فإذن موسى عليه الصلاة والسلام لازال منتظراً له في السماء السابعة ثم هو معه إلى السماء السادسة ثم بقي فيها وأعيد نبينا عليه الصلاة والسلام إلى مكانه. ورد في رواية الإمام مسلم – وهذه الرواية ليست في البخاري عن أنس رضي الله عنه – وحديثنا في الآية الثانية وعما فيها من عجائب – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [فإذا بإبراهيم مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه] والبيت المعمور الذي هو في السماء كالكعبة في الأرض. وهذه آية عظيمة رآها نبينا عليه الصلاة والسلام. قال الحافظ ابن حجر "وفي هذا دلالة على أن أكثر المخلوقات هم الملائكة فلابد لجنس من الأجناس تزايد وتكاثر بهذه النسبة، فمنذ أن أوجد الله الكون إلى هذه الساعة يدخل إلى البيت المعمور سبعون ألفاً لا يعودون إليه، فالملائكة هم أكثر خلق الله (وما يعلم جنود ربك إلا هو) والإنسان وكل الله به 160 ملكاً، وفي حديث عند الطبراني: [وكل الله بالمؤمن 160 ملكاً يحفظونه للبصر من ذلك سبعة أملاك] وهو في المعجم الكبير وسنده ضعيف.

والله يشير إلى هذا في كتابه (له معقباتٌ من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) فهناك ملائكة تتعاقب على حراسته وحفظه ويعقب بعضها بعضاً في تقييد عمله وتسطير ما يحصل منه. وقد جرى في السماء السادسة عند رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لنبي الله موسى كليم الله موقفٌ ينبغي أن نقف عنده. المحاضرة الثانية عشرة:6/4/1412هـ هذا الموقف لما تجاوز نبينا عليه الصلاة والسلام موسى بكى – أي موسى- فقل له ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي] هذه رواية وورد أيضاً في رواية ابن مسعود رضي الله عنه [أن نبينا عليه الصلاة والسلام لما مر بموسى هو يرفع صوته فيقول: أكرمْتَهُ، وفضلْتَهُ، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام من هذا؟ فقال جبريل: هذا موسى، قال: ومن يعاتب؟ فقال: يعاتب ربه فيك، قال: كيف علو صوته على ربه؟ فقال: إن الله قد عرف له حدته] أي انفعاله وغضبه. وفي رواية في مسند أبي يعلى والبزار بسند حسن [أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: سمعت صوتا وتذمرا فسألت جبريل، فقال هذا موسى، قلت ـ على من تذمر؟ قال: على ربه، قلت: على ربه؟ ! قال: إنه قد عرف ذلك منه.] والتذمر شبه الاعتراض والتأثر. وهذا الموقف الذي جرى من نبي الله موسى ينبغي أن نقف عنده لنحلله وننظر إليه: ما جرى من نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام لا يعتبر حسداً، فالحسد من الكبائر والأنبياء معصومون عن ذلك، وحاشا لنبي أن يكون حسوداً وحاسداً لأحد على ما فضله الله وأنعم به عليه. فإن قيل: فما تعليل هذا الكلام إذن؟

نقول: إن موسى عليه الصلاة والسلام قال ما قال من باب الحزن على ما فاته من الذي سبقه به محمد عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك الحزن منه بسبب أمته – نبي إسرائيل فعندما لم يتبعوه على الوجه الكامل المرضي لم يكن لهم من الحسنات كما لهذه الأمة ولو اتبعوه ابتاعاً كاملاً لحصل هم حسنات ثم كتبت حسناتهم في صحيفة نبي الله موسى من دل على خير فله أجر فاعله، ولذلك نبينا عليه الصلاة والسلام له أجر هذه الأمة إلى أن تقوم الساعة. ولعل الله أعلم موسى بذلك وأن هذه الأمة حالها ليس كحال أمتك ومن أجل هذا ارتفع هذا النبي عليك لزيادة قدره عندي لأن حسناته لم يأت بها أحد من خلقي، فعدا عن حسناته الخاصة وجهده الذاتي فإن له حسنات تأتي بسببه بعد ذلك فيكتب له أجره إلى يوم القيامة. فموسى عليه الصلاة والسلام عندما جاوزه نبينا عليه الصلاة والسلام بدأ يحصل منه هذه التذمر لا من باب حسد نبينا عليه الصلاة والسلام إنما من باب الحزن على ما فرطت به بنو إسرائيل مما أدى به إلى أن تكون منزلته نازلة. وأضرب لكم مثلاً: لو أن عندك ولداً عنيداً بليداً وأنت تبذل ما في وسعك لتوجيهه فلا يتوجه. ثم مدَّ بك بعد ذلك بعض أولاد أصحابك وكان عليه ذكاء ونجابة وألمعية فأنت قد يحصل منك الآن تذمر وانفعال وغضب على ولدك وقد يسوء كلامك وخلقك. وهذا الذي حصل من نبي الله موسى، فإنه ليس من باب الحسد إنما من باب الحزن والتأنيب لقومه وأمته على ما تسببوا به من إنزال مرتبته. ونسأل الله أن لا يجعلنا ممن يسودون وجه نبينا عليه الصلاة والسلام وأن يجعل نبينا عليه الصلاة والسلام يباهي بنا الأمم يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير. 2- قوله عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه غلام، وليس في هذا تحقير فاشبه لهذا فإن الإنسان يمر بأربعة مراحل رئيسة في عمره: أ- المرحلة الأولى: غلام، ما دون التكليف من 15 سنة فما دونها.

ب- المرحلة الثانية: شباب، وهي من 15 سنة إلى 30نسة ومدها الإمام ابن القيم إلى 40 سنة، وقال هذا حد الشباب وفيها – أي في الأربعين – تكتمل قوى الإنسان ويبلغ أشده (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة) ، وما بعث الله نبياً إلا على أربعين هذا على الأعم الأغلب، انظروا روح البيان للألوسي (26/18، 19) ، لأن قواه العقلية تكون قد اكتملت وتكون عنده التؤدة والتأني والثبات والرزانة ووضع الأمور في مواضعها. جـ- المرحلة الثالثة: كهولة، وهي من 40 سنة – إلى 60 سنة. د- المرحلة الرابعة: شيخوخة، وهي من 60 سنة إلى الوفاة نسأل الله حسن الخاتمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك] والحديث في المسند والسنن بسند صحيح. فإذن قوله غلام أي لازال صبياً ناهز الاحتلام، فلم يصفه بأنه شاب وكيف هذا؟ ذكر أئمتنا جوابين عن هذا: 1- الجواب الأول: ونقل عن المتقدمين كابن أبي جمرة وغيره، أن هذا من باب دالة موسى على نبينا عليه الصلاة والسلام. فموسى أكبر منه، ونبينا مع موسى كالغلام مع الشيخ من ناحية العمر، فهو وإن كان يزيد على الخمسين سنة (51 سنة ونصف) ودخل في الكهولة فعبر عنه بأنه غلام – في أول مراحل العمر بالنسبة إلى عمر نبي الله موسى، فالفارق بينهما يجعل هذا العمر الذي يزيد على خمسين سنة كأنه سنة مع عمر نبي الله موسى عليه صلوات الله وسلامه، لاسيما وأن لموسى دالة عليه ومنزلة لكبر سنه ولسبقه له في النبوة والرسالة، ولأنه سيشير عليه – كما سيأتي – بأمر ينفعه وينفع أمته فجزاه الله عنا خيراً. 2- الجواب الثاني: ذكره الحافظ ابن حجر – وهو في تقديري أقوى الجوابين – فقال إن هذا ليس من باب أن نبينا مع موسى كالغلام مع الشيخ، إنما عبر بغلام هنا ليخبره عن قوة نبينا عليه الصلاة والسلام وعزمه ونشاطه.

فهو كبير في العمر لكن همته همة الشباب، وهمته همة من لم يعرف تعباً في الحياة بل لازال؟؟ له كل شيء وهو جاهل لذلك قوته مجتمعة لم تبذل هنا وهناك، ولم يتعب في حياته وهذا هو حال الناس. فإذن ليدلل على عزيمته وقوته رغم كونه في سن الكهولة، وهذا حاله صلى الله عليه وسلم، يقول على رضي الله عنه [كنا إذا اشتد الوطيس وحمت المعركة أشجعنا يلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم] . وفي غزوة حنين عندما نصب المشركون كميناً للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة؟؟؟ بنبال كالمطر فتفرق الصحابة، وثبت النبي صلى الله عليه وسلم وكان يردد: أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب ثم قال يا عباس، نادِ في الصحابة، يا أهل بيعة العقبة، يا أهل بيعة الشجرة، يا أهل بدر أي نادهم يا عباس ليجتمعوا إليَّ وهو ينادي ويقول: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب فإذن ما فيه من عزم ونشاط هو عزم الشباب لا عزم الكهولة ولذلك سماه غلاماً هو في آخر مراحل الغلام وأول مراحل الشباب. قال الحافظ ابن حجر: وقد تأيد هذا بالحديث الصحيح الثابت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه التسع في الساعة الواحدة من ليل أو نهار بغسل واحد فقيل لأنس: أو كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يطيق ذلك؟ فقال: كنا نتحدث أن الله أعطاه قوة ثلاثين] . وفي كتاب صفة الجنة لأبي نُعيم بسند صحيح – [أن الله أعطاه قوة أربعين رجلا ً من أهل الجنة] وقوة الرجل في أهل الجنة تعدل قوة مائة رجل من أهل الدنيا أكلا ً وشرباً ومباشرة.

فنضرب 40×100 فيكون الناتج 4000، إذن قوة نبينا عليه الصلاة والسلام إذا قورنت برجال أهل الأرض فإنها تعدل قوة (4000) رجلا ً، فهل يكون من هذا شأنه كهلا؟!! ولذا قيل له غلام، لأن مَنْ هذا حاله وشأنه لا يقال فيه [هذا الشيخ أو الكهل الذي بعث بعدي فقد يفهم منه أنه ضعيف ليس عنده قوة] ، فرسولنا صلى الله عليه وسلم فيه نشاط الغلمان لا عمرهم، وعمره عمر الكهول. وهذا خير ما يكون في الإنسان رزانة ووقار أي كبير في السن، لكن عزمه قوي يغلب عزم الشباب. إخوتي الكرام ... يكرم الله جل وعلا عباده بما شاء سبحانه وتعالى، وقد ذكر أئمتنا في ترجمة سُليم بن عِتْر قاضي مصر في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وسليم هو من أئمة التابعين توفي سنة 75هـ ذكر أئمتنا أنه كان يختم كل ليلة ثلاث مرات – وهو - ويتصل بأهله ثلاث مرات. وهذه قوة عجيبة يكرم الله بها بعده، فأولاً يختم القرآن في كل ليلة وهذا ورد ثلاث مرات وهو القاضي الذي فرغ نفسه لشؤون الناس في النهار فإذا جن الليل. وقد ذكر هذا في سير أعلام النبلاء للذهبي 4/132،وفي غيره. يقول الإمام الذهبي في ترجمته: "سُليم بن عِتْر الإمام الفقيه قاضي مصر ووعظها وقاصها وعابدها – "ثم قال: "وروي عنه أنه كان يختم كل ليلة ثلاث ختمات ويأتي امرأته ويغتسل ثلاث مرات، وأنها قالت بعد موته: رحمك الله، لقد كنت ترضي ربك وترضي أهلك" إلخ ترجمته. ويقول الشيخ شعيب الأرناؤوط – وهو المعلق على سير أعلام النبلاء -: ولا يعقل ذلك، ربما لا يصح عنه" لماذا لا يعقل هذا؟ وقد قلنا إن خارق العادة ليس بمستحيل ولا بمخالف للعقل. فلو أن الله أكرم أحد عباده بأن يختم القرآن كل ليلة مائة مرة يعقل هذا أم لا يعقل؟ بل يعقل وأن يتصل بأهله مائة مرة، يعقل هذا أم لا يعقل؟ بل يعقل. فلماذا لا يعقل وليس هو بمستحيل، لذلك فانتبهوا إخوتي الكرام إذا أردتم أن تتكلموا وزنوا كلامكم بميزان الشرع.

ولو قال هذا المعلق: "هذا غريب والله على كل شيء قدير" فلا بأس، ولكن انظر كيف يقول لا يعقل وربما لا يصح، فما دام ليس معقولاً عندك قل لا يصح ولا تقل ربما، فإذن كيف صار كلا منا لا احتراز فيه ولا احتراس ثم قال: لأنه مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص. ولكن نحن نقول هذه كرامة وليست من المستحيلات حتى نردها. والإمام النووي في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن – وهذا الكتاب – لابد أن يكون عند كل طالب علم، وهذا كتاب (الأذكار) وهكذا (رياض الصالحين) فهذه الكتب الثلاثة للإمام النووي لا يكون في البيت خير أو نور إذا لم تكن هذه الكتب فيه، وينبغي أن تجهز هذه الكتب في جهاز المرأة عندما تزف لزوجها. فالإمام النووي في هذا الكتاب – التبيان – في ص 47 يقول: "كان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه، فروى ابن أبي داود عن بعض السلف رضي الله عنهم أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة، وعن بعضهم في كل شهر ختمة وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال، وعن الأكثر في كل سبع ليال وعن بعضهم في كل ست ليال وعن بعضهم في كل خمس ليال، وعن بعضهم في كل أربع ليال وعن كثيرين في كل ثلاث ليال، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم ليلة ختمتين ومنهم من كان يزيد عن ثلاثة، وختم بعضهم ثماني ختمات أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار". فمن الذين كانوا يختمون ختمة في اليوم والليلة عثمان بن عفان وتميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وآخرون. ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات سُليم بن عِتْر – وهذا هو الذي ذكرنا قصته – وكان

ثلاث ختمات، وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليل أربع ختمات، قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي؟ كان ابن الكاتب رحمه الله يختم في النهار أربع ختمات وفي الليل أربع ختمات، وهذا ما بلغنا في اليوم والليلة. ثم يقول في آخر المبحث: "والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرأه، وكذا من كان مشغولا ً بنشر العلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة فليقتصر على قدر يحصل بسببه إخلال بما هو مُرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليتكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرهة ". هذا كله – كما قلت – يخرج منه ما ذكر – أن هذا من باب الكرامة فسعيد بن جبر رحمه الله ثابت بالإسناد الصحيح إليه أنه كان يختم القرآن بين المغرب والعشاء. كيف هذا والوقت بين المغرب والعشاء قصير لا يزيد على ساعتين على أكبر تقدير، ولو أخر العشاء ساعة فهل يختم القرآن في ثلاث ساعات؟ على أقل تقدير الحافظ المجد الذي يقرأ القرآن عن ظهر قلب قراءة حدراً يحتاج إلى خمس ساعات، فكيف إذن قرأه سعيد ابن جبير بين المغرب والعشاء؟ نقول هذه كرامة، إذ كيف أسري بنبينا عليه الصلاة والسلام وعرج به وحصل له ما حصل في هذه الرحلة المباركة في جزء من الليل. ولذلك يقول أئمتنا عن هذه الكرامة التي تقع في وقت قصير هي من باب (نشر الزمان أي توسعته، فهذا الزمن يوسع في حقك لكنه يبقى بالنسبة لغيرك كما هو. إخوتي الكرام ... الذي ينظر في أحوال سلفنا فسيجد حقيقة أن الله كان يبارك لهم في كل شيء في طعامهم وشرابهم وأولادهم وأهليهم، وبيوتهم وعلمهم. بعض مؤلفات بعض العلماء لو أردنا أن نقرأها فستنتهي أعمارنا قبل أن من قراءتها فقط فكيف بمن ألفها كيف ألفها في هذا الزمن؟

مؤلفات ابن الجوزي زادت على (500) مصنف ولا أقول مجلداً، فـ (زاد المسير) هو أحد كتب ثلاثة له في التفسير يقع في (9 مجلدات) ، و (المغني) له في (20مجلداً) ، و (المنتظم) له في (10 مجلدات) ، وصفة الصفوة له أيضاً في (4 مجلدات) وحدث بعد ذلك وما شئت ومع ذلك يروي هذه الكتب بالسند، وهي كتب موجودة بين أيدينا الآن!! وأما السيوطي فمؤلفاته زادت على (900) مصنف، يكتبونها كتابة ولو جاء أحد ينسخها نسخا فقط لما استطاع أن يكتبها طول حياته، فهي كرامة من الله لهم. فلا يقال بعد ذلك: لا يعقل، بل هي موجودة ووجودها دليل على أنها ليست مخالفة للعقل وليست بمستحيل بل نقول إن هذا خرق للعادة وإكرام من الله لهذا الإنسان والله على كل شيء قدير. فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب – وهو شيخ الإسلام – فإنه إذا سمع حفظ أقوى من جهاز التسجيل ولا يخطئ ولا يلحن بحرف، حدثه بمائة حديث بأسانيدها بمجلس واحد، يعيده لك على الترتيب، وأوليس قد جرى نحو هذا للبخاري؟ فعندما أراد الذهاب لبغداد أرادوا أن يمتحنوه فعمدوا إلى مائة حديث، فقسموها على عشرة طلاب فكل طالب عنده عشرة أحاديث، فأخذوا متون أحاديث زيد وأعطوه لعمرو ومتون أحاديث عمرو لزيد، ومتون أحاديث خالد أعطوها لمحمد ومتون أحاديث محمد لخالد وهكذا فعلوا بالعشرات الباقية.

فلما جاء إلى بغداد وكما قلنا أرادوا أن يمتحنوه وهل هو أمير المؤمنين في الحديث أم لا؟، في الأول قال: حديث كذا بإسناد كذا، فقال: لا أعرفه، ثم قال الثاني كذلك أحاديثه والثالث والرابع حتى انتهى العشرة وهو يقول في الأحاديث كلها لا أعرفه، فالذين يعرفون هذا المقلب يقولون: هو إمام هدى ثابت راسخ والجهال يقولون: سبحان الله عشرة أحاديث لم يعرف ولا واحد منها، أهذا هو أمير المؤمنين في الحديث!! فلما انتهى العشرة من عشراتهم قال للأول: قم أنت عشرة أحاديثك هي كذا على الترتيب الحديث الأول، الثاني، الثالث، الرابع، وأسانيدها، أسانيد الرابع فاسمعها فذكرها له (أي ذكر البخاري) وهكذا فرد مائة متن لمائة إسناد، فما بقي أحد في المجلس إلا قام وقبل رأسه وجبهته. فهذا هو العلم فهل يقال عن هذا لا يعقل؟ أم يقال هذه كرامات أكرمهم الله بها وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، والله لو أراد الإنسان أن يصل إلى هذا المسلك بجده واجتهاده فإنه عاجز عاجز عاجز، إلا إذا من الله عليه بذلك. فحقا ً إنه أمر عظيم ما حصل من الإمام البخاري ولذلك يقول الإمام العراقي في ألفيته: .................................. ... نحو امتحانهم إمام الفن في مائة لما أتى بغداد ... فردها وجود الإسناد

وهنا في قصته (سُليم) نقول لا يعقل!!!! دعنا من هذا فإن الله يكرم عباده بما شاء، فبعض يكرمه أحياناً بقوة الجسم وأحيانا بقوة الفكر، وأحياناً بهما، وأحياناً وأحياناً فيطوف صلى الله عليه وسلم على نسائه التسع بغسل واحد في ساعة، إن هذا ليس بمقدور البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أنه إذا اتصل الإنسان بأهله ووجد نشاطاً من نفسه معاودة الوطء فأراد أن يتصل مرة ثانية فليغتسل أو ليتوضأ على أقل تقدير ليكون أنشط حتى لا يعتريه فتور، فكيف به صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه التسع بغسل واحد؟! ثبت في معجم الطبراني بسند رجاله ثقات عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أنه كان عنده أكّار – أي مزارع – فاستعدت عليه زوجته – أي اشتكته لأنس – وقالت لا يدعني في ليل ولا في نهار، وجسمي لا يتحمل، فقضى بينهما أنس على أن لا يزيد في كل يوم وليلة على ست مرات] وهذا ثابت في مجمع الزوائد (4/295) في كتاب النكاح، وبوب عليه الإمام الهيثمي باب فيمن يكثر الجماع. ألزمه بها أنس، لكن كم يريد هو؟ الله أعلم. فهذا حقيقة خارق للعادة وليس هذا في مقدور البشر. ولذلك إخوتي الكرام ... من حكمة مشروعية ربنا لتعداد الزواج هذا، فلو أن هناك رجلا ًعنده هذه القوة والشهوة وليس عنده إلا امرأة واحدة فماذا تفعل له؟ هل تعطله وتحجزه عن امرأته؟، أو تتركه يذهب يتلمس طريق الحرام هنا وهناك؟ إن أفضل علاج وأنجحه وأنجعه لمثل هذا هو التعدد، وما ألزم الله أحداً بالتعدد وإن كان رغب فيه وهذا شرع الله الحكيم (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) . الحاصل أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان كهلا ً عندما أسري به لكنه – كما قلنا – شابٌ وفوق الشباب، عليه الصلاة والسلام فإذن هذا ليس من باب التنقيص. 3- كيف يرفع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام صوته، ويتذمر، والله يتحمل ذلك منه ويعرف له ذلك؟ نقول: هذا مدلل، والمدلل له حساب خاص، فإياك أن تقيس نفسك عليه.

سفيان الثوري عليه رحمة الله عندما طلبه الشُّرَطة في عهد أبي جعفر المنصور، وطلب في عهد هارون الرشيد أيضاً، فلما كان في عهد أبي جعفر المنصور أرسل في طلب سفيان وأرسل الخشابين قبله إلى مكة وقال لهم انصبوا الأخشاب لأصلب عليها سفيان الثوري، أي يشنقه ويصلبه فذهبت الشرطة إلى المسجد الحرام، وسفيان الثوري بين الفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة، ورأسه في حجر الفضيل ورجلاه في حجر سفيان بن عيينة ويغطيانه من أجل ألا تراه الشُّرطة ويقبضوا عليه، ثم قالا له: يا سفيان اخرج من المسجد ولا تشمت بنا الأعداء أي اخرج وتوارى فليس حلا ً أن نغطيك هكذا لأنهم سيرونك، فقام رحمه الله ورضي عنه وتعلق بأستار الكعبة وقال: برئت من الله إن دخل أبو جعفر المنصور مكة وأنا مع أن أبا جعفر على الطريق أرسل الخشابين وهو في أثرهم ووراءهم، فلما وصل أبو جعفر على حدود مكة قبض الله روحه فمات، وما دخل مكة، والقصة انظروها في تذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء في ترجمة سفيان أم الثوري وفي غيرهما كذلك. إن قال قائل كيف يصدر هذا من سفيان الثوري؟ نقول: هذا مدلل، فلا تجعل نفسك مثله. وهذا نبي الله موسى اتخذه نجياً وكليماً (وكلم الله موسى تكليماً) وفضله بذلك، فإذن هو من المدللين، وإذا كان ذلك كذلك فإنه يصبح بين المدلل وبين من يتدلل عليه أحيانا من؟؟ مالا يصلح أن تصدر من غيره، وهذا هو الذي جرى من نبي الله موسى، فتحمل الله منه لأنه مدلل. قال أئمتنا: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع (وإذا الحبيب أتى بذنب واحد) ، أخطأ وتذمر ورفع صوته وصاح. (جاءت محاسنه بألف شفيع) : فهذا يقاوم أعتى أهل الأرض في زمنه ويصبر، فإذا جرى منه وقد كنت قلت لكم أن موسى عليه الصلاة والسلام مظهر للجلال والقهر الإلهي، كما أن عيسى عليه الصلاة والسلام مظهر للجمال، ونبينا عليه الصلاة والسلام مظهر للكمال (جلال وجمال) .

فهذا مدلل وإذا كان كذلك فلا تقس على نفسك، وما جرى منه: حبيب وحبيب يتناجيان بما بينهما، فهل يجرؤ أحد منا أن يذهب إلى الكعبة ويقول يارب إني أبرأ منك إذا لم تقتل فلاناً وأمته؟ والله إني لأخشى أن تنزل عليك صاعقة من السماء تحرقك، لأن كل واحد منا ينبغي أن يعلم مكانته ومنزلته، وعليه فينبغي أن نقف عند حدنا. إذن المدلل له مكانة، أبو بكر رضي الله عنه من المدللين أم لا؟ هو من المدللين على نبينا عليه صلوات الله وسلامه، وسأذكر لكم قصتين باختصار: القصة الأولى: رواها الإمام البخاري في صحيحه في كتاب فضائل أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام في فضائل أبي بكر ومناقبه: انظر (مختصر صحيح البخاري للزبيدي 1522) اختصم أبو بكر وعمر وكان المخطئ أبا بكر رضي الله عنه، فذهب أبو بكر إلى عمر فقال أثمّ هو؟ قالوا: نعم، فاعتذر أبو بكر إلى عمر، فما قبل عمر، فخرج أبو بكر مغاضباً إلى النبي عليه الصلاة والسلام فلما وصل عرف النبي صلى الله عليه وسلم ما في وجهه، فقال: أمّا صاحبكم فقد غامر،؟؟ وقال: يا رسول الله، إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر – ثلاثاً -، ثم إن عمر ندم وأتى منزل أبي بكر فسأل أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعَّر (أي تذهب نضارته من الغضب) حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال – أي أبو بكر – يا رسول الله أنا كنت أظلم – مرتين – فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركوا لي صاحبي فما أوذي بعدها] فهو إذن من المدللين.

فإذا غضب أبو بكر على أحد وتكلم عليه فيجب أن يتحمل عمر ومن دونه وليس من حققه أن يعترض على أبي بكر أو يعتب عليه ولو وطيء رقبته، فهذا أبو بكر له مكانته فاعترف أنه ذو شيبة المسلمين ووالدهم. ولو أن الزوج أخطأ على زوجته وضربها فهل يجوز لها أن تضربه؟ لا يجوز لها أن تلوح بيدها له فضلا ً على أن تضربه. فإن قيل: فهو لم ضربها مخطأ؟ نقول: هذا زوج، روى أحمد والنسائي بإسناد جيد رواته موثوقون مشهورون [ولو كان من قدمه إلى مَفْرَقِ رأسه قَرْحة تنْبَجِسُ بالقبيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه] كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، فهو إذن زوج فإن؟؟ عليها فعليها أن تتودد له ليصفو قلبه وليعود إلى صوابه، وأما أن تقول: ضربتني مخطئاً فخذ؟؟ فنعوذ بالله من هذا، ألم تعلم مثل هذه المرأة أنه زوج؟! فإذا كانت الزوجة ليس من حقها أن تضرب زوجها – لأنه مدلل عليها – فليس من حق أحد من الأمة أن ينظر إلى أبي بكر نظراً فيه شيء من الشر والغضب فضلا ً على أن يأخذهم؟؟؟

القصة الثانية: رواها الإمام الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه، وغيره بسند صحيح عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا ربيعة ألا تتزوج قلت: لا والله يا رسول الله ما أريد أن أتزوج وما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء. ثم عرض عليه الزواج مرة ثانية فرفض، ثم وافق في الثالثة فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى (؟) من الأنصار ليزوجوه فزوجوه، ثم جمع له الصحابة الصداق وزن نواة من ذهب ثم عاونوه على الوليمة، إلى أن أخذ قرابة صفحتين في المجمع) ، ثم قال – أبي ربيعة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بعد ذلك أرضاً وأعطى أبا بكر أرضا، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عِذق نخلة [لأنها متدلية على الأرض] فقلت أنا: هي في حَدّي، وقال أبو بكر هي في حَدّي وكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها، وندم – أي أبو بكر – فقال: يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصاً، قلت: لا أفعل، قال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدي عليك برسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: ما أنا بفاعل، قال وضرب الأرض [وضرب الأرض برجله مغضباً] وانطلق أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم فقالوا: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لك ما قال؟ فقلت: أتدرون من هذا، هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، هذا ذو شيبة المسلمين،؟؟ لا يلتفت إليكم يسمعكم فيلتفت إليكم – فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه، فيغضب الله عز وجل لغضبهما فتهلك ربيعة، قالوا: ما تأمرنا، قال ارجعوا فانطلق أبو بكر رحمة الله عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته وحدي حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان، فرفع رأسه إلي فقال يا ربيعة مالك وللصديق، قلت: يا رسول الله، كان كذا، كان كذا، قال لي

كلمة كرهتها فقال لي قل كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر، قال الحسن: فولى أبو بكر رحمه الله يبكي. والقصة أوردها الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 4/256، 257 في كتاب النكاح. فهذا مدلل وموسى مدلل، فإذا ارتفع صوته فما الذي يحصل؟ فيجري بينه وبين حبيبه ما يجري فلا تدخل نفسك بينهما فأنت واجبك أن تحافظ على الحدود الشرعية التي قيدت بها. الآية الثالثة: من الآيات الثلاث التي رآها في السموات عندما عرج به إلى السموات العلا رؤية سدرة المنتهى وما يوجد حولها من عجائب: ثبت في حديث الإسراء والمعراج الذي تقدم معنا من رواية مالك بن صعصعة رضي الله عنه وفيه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم [ثم رُفِعْتُ إلى سدرة المنتهى [[وضبط: ثم رُفِعَتْ لي سدرة المنتهى أي أظهرت وبينت فإذا نَبِقْهَا (بفتح النون وإسكان الباء، ويقال بكسر الباء وهو ثمر السدر مثل قلال هجر (جمع قلة وهى وعاء كبير يوضع فيه الماء من الفخار، وهجر بلده في البحرين وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قلت: ما هذه يا جبريل: قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أراد أنها تخرج من أصلها: نهران باطنان (أي يسيران إلى داخل الجنة) ونهران ظاهران (إلى خارجها) قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنِّيْل والفرات] . وسنبحث هنا عدة أمور: المبحث الأول: (سدرة المنتهى) سميت بهذا الاسم لثلاثة أمور: [لما أسري بي انتُهي بي إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي ما يهبط فيُقبض منها، ينتهي ما يعرج من الأرض فيُقبض منها، وهي في السماء السادسة] .

إذن سدرة المنتهى في السماء السادسة فما يعرج من الأرض ويصعد ينتهي إليها فلا؟ وما يهبط من السماء فما فوقها وينزل يكون محل هبوطه عندها، ثم تأخذه الملائكة الموكلة بتبليغه إلى ما شاءت، من أهل سدرة المنتهى، فما يصعد يقف عند سدرة المنتهى وما يهبط يقف عند سدرة المنتهى ثم تتولى الملائكة؟؟ وتوزيعه حسب ما يأمرها الله عز وجل. الثاني: قال الإمام النووي عليه رحمة الله: سميت سدرة المنهتى لأن علم الملائكة ينتهي إليها فلا يتجاوزها. فالملائكة لا تعلم ماذا يوجد بعد سدرة المنتهى، وسدرة المنتهى أصلها في السماء السادسة – كما ذكرنا – وأغصانها وفروعها في السماء السابعة والملائكة لا تتجاوز هذا، ولذلك تقدم في حديث المعراج – وسيأتي هذا معنا في الآيات الرابعة أن نبينا عليه الصلاة والسلام عُرج به وتوقف جبريل لما وصلا إلى سدرة المنتهى (وما منا إلا له مقام معلوم وقال: لو تقدمت طرفة عين لاحترقت) . الثالث: نقله الإمام الطبري في تفسيره (27/31) عند تفسير سورة النجم فروى بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [سميت بسدرة المنتهى لأنه ينتهي إليها أرواح؟؟ من المؤمنين] فإذن أرواح المؤمنين تكون في أصل سدرة المنتهى في ذلك المكان. المبحث الثاني: وصف الله هذه السدرة في كتابه بقوله (إذ يغشى السدرة ما يغشى) والذي غشي السدرة عدة أمور منها: أ- ما ثبت في حديث ابن مسعود المتقدم في صحيح مسلم وفيه [أنه غشيها فراش من ذهب] أي مملوءة بفراش من ذهب. قد يقول قائل: فراش من ذهب له روح كيف هذا؟ نقول: يا عبد الله، لماذا هذا التفكير؟ فهل إذا كان الفراش من عصب أو لحم يمكن أن يكون فيه روح ويتحرك وإذا كان من ذهب لا يمكن؟ لماذا هذا التفكير؟

ألم ينزل على نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام عندما اغتسل بعد أن برأ من مرضه عندما قال الله له: (هذا مغتسل بارد وشراب) فسقط عليه جراد من ذهب فبدأ نبي الله أيوب يغترف من هذا الجراد فقال الله له: ما هذا يا أيوب أوليس قد أغنيتك؟ فقال يا رب لا غنى لي عن بركتك. أي هذه البركة نزلت من عندك فأنا سآخذها وأجمعها. والحديث في صحيح البخاري، وهذا حصل في حياتنا الدنيوية هنا، أفلا يعقل في مثل هذه الرحلة المباركة التي حصلت لخير البرية عليه الصلاة والسلام أن يكون هناك فراش من ذهب يطير حولها ويعيش فيها وكل هذه الرحلة خوارق وعجائب. ب- ورد عن أبي سعد الخدري وابن عباس رضي الله عنهم قالا: [إنه يغشاها ملائكة الله] وثبت في سنن البيهقي عن أبي سعد الخدري رضي الله عنه أنه قال: [على كل ورقة منها ملك الله] . جـ- ورد أنه تغشاها أنوار عظيمة، ففي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [فلما غشيها من أمر الله ما غشيها (أي من أنواره) تغيرت فما أحد من خلالها يستطيع أن ينعتها من حسنها] المبحث الثالث: قال نبينا عليه الصلاة والسلام عن هذه السدرة: [فإذا نَبْقِها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة] . هذه الشجرة التي هي سدرة المنتهى، وهذا النبق الذي هو الثمر والذي هو كقلال هجر لِمَ خصت بالذكر ووضعت في ذلك المكان ورآها نبينا عليه الصلاة والسلام؟ خصت لثلاثة أمور: أولها: ثمرها طيب. ثانيها: رائحتها ذكية. ثالثها: ظلها واسع. فإذن لها طعم ولها ريح ولها ظل، فخصت لهذه الاعتبارات الثلاثة، وهذه الاعتبارات الثلاثة تشبه الإيمان فالمؤمن ينبغي أن يكون: رائحته: قوله حسناً ... ظله ... : وفعله حسناً ... طعامهِ ... : ونيته حسنة بمثابة شجرة السدر طعم ورائحة وظل.

وهكذا المؤمن فالقول الذي يصدر منه هو بمثابة الرائحة الذكية التي تعبق وتفوح، فلا يتكلم إلا بطيب، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت] ، فهو قول حسن يعبق به المجلس ويفوح فلا نتكلم بما يخدش الآذان أو في عرض مسلم. والعمل الذي يصدر منه هو بمثابة ظل شجر السدر، فهو عمل صالح؟؟ النية التي تصدر منه هي بمثابة الطعم وهي أطيب وأطيب مما ذكر. فإذن ذكرت هذه الشجرة وخصت في ذلك المكان ورآها نبينا عليه الصلاة والسلام؟؟ الإيمان الذي كلف به عليه الصلاة والسلام وبتبليغه يشبه هذه الشجرة التي غشاها ما غشاها، ونبقها في تلك الصورة الحسنة البهية وراحتها ذكية. وقد شبه نبينا عليه الصلاة والسلام المؤمن بالأترجة إذا قرأ القرآن،؟؟؟؟؟ يقرأ القرآن، ثبت في الصحيحين وسنن النسائي وغيرها من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب] والأترجة هي المانجو الآن، ويمكن أن يقال شجر التفاح يعد لها هي في الأصل المانجو، وهي موجودة في بلاد مصر بكثرة، وهكذا التفاح ريحه طيب وطعمه حلو، ولو اشتريت ثمر المانجو ووضعته في البيت، فإنك إذا دخلت إلى البيت تشم ريحه إذا كان ناضجاً وكأن البيت مطيب، وهكذا الطعم. ثم قال: [ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب، ولا ريح لها] فتوجد نية طيبة لكن لا توجد رائحة حسنة من هذا المؤمن. ثم قال: [ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة] ، والريحانة ريحها طيب لكن طعمها مر وكذا حال هذا المنافق فالقول الذي يصدر منه هو بمثابة الرائحة الطيبة، أما النية فهي سيئة الله أعلم بحال صاحبها، فتجده يتجمل بقراءة القرآن فتحصل منه رائحة طيبة. ثم قال [ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظل لا ريح لها وطعمها خبيث] .

فإذن شبه المؤمن الذي يقرأ القرآن بالأترجة، وشبه في حديث الإسراء والمعراج بشجرة السدر، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا ً لاستمرار الخيرية في المؤمن وعند انقطاع المؤمن عن الخير بشجرة النخيل، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مِثْل المسلم يفي مثل المسلم – أي هي تشبهه) فحدثوني ما هي؟ قال عبد الله بن عمر: فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت لأنه كان عاشر عشرة فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد كان صغيراً – ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله، قال: هي النخلة] فلما قال لوالده عمر: أنا علمت أنها النخلة ولكنني استحيت أن أقولها؟ فقال: لأن تكون قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا من الأرض ذهباً، ليكون له قدر عند النبي صلى الله عليه وسلم عندما يوفق إلى الحكمة وليسدد للصواب. (ألم تر كيف ضرب الله مثلا ً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها في السماء) فالكلمة الطيبة هي التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله. والشجرة الطيبة كشجرة السدر وشجرة التفاح وشجر النخيل وشجر الأترجة. (تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) وهكذا المؤمن هو في الأرض لكن أعماله تصعد إلى الله جل وعلا (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) . المبحث الرابع: الأنهار التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام تخرج من أصل سدرة المنتهى: قلنا رأى النبي صلى الله عليه وسلم نهرين باطنين ونهرين ظاهرين، أما الباطنان فهما الكوثر والرحمة ويخرجان من عين هي أمّ لهما أسمها السلسبيل وأما الظاهران فهما النيل والفرات كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام.

وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [سيحان وجيحان والنيل والفرات كلها من أنهار الجنة] وسيحان وجيحان نهران في بلاد سمرقند التي هي الآن تحت حكم الاتحاد السوفيتي فك الله أسر بلاد المسلمين، والنيل في بلاد مصر، والفرات في بلاد الشام، وهذه الأنهار كلها من الجنة. فإن قيل: كيف نجمع بين هذا الحديث وبين حديث الإسراء والمعراج الذي ذكر فيه نهرين فقط؟ نقول: وهو الجواب المعتمد الذي قرره الإمام النووي رحمه الله والحافظ ابن حجر: لا إشكال في ذلك، فسيحان وجيحان من أنهار الجنة، لكن لا ينبعان من أصل سدرة المنتهى، وأما النيل والفرات فمن أنهار الجنة ولكن ينبعان من أصل سدرة المنتهى ثم يتفجران للناس في الأرض فالنيل والفرات لهما مزيد بركة وفضل ومزية على سيحان وجيحان. وانظروا شرح الإمام النووي على صحيح مسلم (17/177) وفتح الباري (7/203) . ما المراد هنا من كون هذه الأنهار الظاهرة (النيل والفرات وسيحان وجيحان) من الجنة؟) ذكر علماؤنا قولين: القول الأول: ذكره القاضي عياض – وهو في نظري مردود مع جلالة قائله وهو أن في كون سيحان وجيحان والنيل والفرات من أنهار الجنة إشارة إلى معجزة عظيمة من معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام وهي: أن البلاد التي فيها تلك الأنهار عما قريب ستفتح ويسلم أهل تلك البلاد ويؤولون إلى الجنة بعد ذلك، فهذه الأنهار ليس ماؤها من الجنة فعبر بالمحل وأراد من سيحل فيها في المستقبل من أهل الجنة. وهذا في منتهى التكلف فيما يظهر لي ولا داعي دائماً لإخراج اللفظ من ظاهره.

القول الثاني: وهو المعتمد وهو الذي قرره شيخ الإسلام الإمام النووي وابن حجر وغيرهما أن هذه الأنهار من أنهار الجنة حقيقة، فماؤها ينزل من الجنة بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها ونحن نحن معشر أهل السنة نؤمن بأن الجنة مخلوقة، وأن النار مخلوقة، وإذا كان الأمر كذلك فالأنهار موجودة في الجنة الآن، وهذان النهران الظاهران (النيل والفرات) يصبان في النيل والفرات في الأرض بكيفية يعلمها الله جل وعلا. وحقيقة لو أكرمك الله بشرب ماء النيل قبل أن يلوثه أهل الضلال والأباطيل بما سار عليه من مياه المجاري، وكذا الفرات، فأنت لو ذهبت إلى منبع النيل الأصلي لوجدت الماء أحلى وأطيب من العسل، لأنه من أنهار الجنة. ولا يوجد ماء على وجه الأرض يعدل ماء النيل أو الفرات اللهم إلا ماء زمزم – كما تقدم معنا فإنه أفضل المياه. وكذا لو ذهبت إلى النهر الثاني (الفرات) وشربت من ذلك الماء الصافي قبل أن يعكر المعكرون لانتعشت انتعاشاً ليس بعده انتعاش. وهكذا سيحان وجيحان: هذا ما يتعلق بالمبحث الرابع. وختام الكلام على الآيات الثلاث التي رآها نبينا عليه الصلاة والسلام معراجه في السموات العلا: رأى الملائكة الكرام – كما تقدم معنا – كما رأى خليل الرحمن إبراهيم وكيف أن البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى قيام الساعة. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن أحوال بعض الملائكة الذين رآهم،؟؟ وأميرهم ورئيسهم هو جبريل عليه الصلاة والسلام – كما أن سيد البشر وأميرهم وأولهم نبيناعليه الصلاة والسلام. ثبت في مسند البزار ومعجم الطبراني الأوسط بسند رجاله ثقات عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى (وهم الملائكة) فإذا جبريل كالحِلْس البالي من خشية الله] . والحِلْس: المتاع والثياب، أي كالمتاع والثياب الممزق الذي مضى عليه وقت كثير من الدهر فبلى.

وهذا هو حال الملائكة الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام. القسم الرابع: آخر الآيات وآخر مباحث الإسراء والمعراج: آيات عظيمة حصلت له بعد رقي السموات أكرمه الله بعدة أمور منها: 1- فرض الصلوات الخمس. 2- مغفرة الكبائر لأمته الذين لا يشركون بالله شيئاً. 3- خواتيم سورة البقرة. 4- رؤية الله. 5- كلام الله. فهذه آيات حصلت لخير البريات عليه صلوات الله وسلامه فوق السموات (؟؟؟) بعد أن انتهى من السماء السابعة وعُرج به إلى مستوىً سمع فيه صريف الأقلام. وهذه أعظم الجوائز، وعندما اجتمع الحبيب بحبيبه فيعطيه أحسن التحف وهي الخمسة السابقة. أولاً: أما الصلوات الخمس: فقد فرضت في تلك الليلة من رحلته المباركة. ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يروي لأصحابه حديث الإسراء والمعراج: [ففرض الله علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فمررت فنزلت إلى موسى – وتقدم معنا أن موسى صار في السماء السابعة بعد أن كان في السادسة – فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت خمسين صلاة، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك؟؟ ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك وخبرتهم] أي أنا أعلم الناس بأحوال الناس؟؟؟؟ لن تطيق خمسين صلاة، إذ قد فرض الله على بني إسرائيل صلاتين في الغداء والعشي فما أطاقوها ولا فعلوها، فكيف ستؤدي أمتك خمسين صلاة؟ إنها لن تطيق ذلك.

[قال نبينا عليه الصلاة والسلام: فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتي، فحط عني خمساً، فرجعت إلى موسى فقلت: حط عني خمساً، قال: فإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى، حتى قال، يا محمد، إنهن خمس صلواتٌ كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فذلك خمس صلاة (إذن نزل وصعر بسبع مرات) ، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت عشراً، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب شيئاً فإن عملها كتبت سيئة واحدة، قال: فنزلت إلى موسى، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف (أي ليخفف من الخمس أيضاً شيئاً) فقلت: رجعت إلى ربي استحييت منه] وفي رواية البخاري (فقلت: لكن أرضى وأسلم) أي لا أريد أن أرجع إلى ربي مرة عاشرة لأنه راجعه تسع مرات حتى خفف الصلوات إلى خمس. [فلما جاوزت نادى منادٍ: أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، فهي خمس وفي الأجر خمسون] . هذا هو الحديث الذي يقرر أن الصلوات فرضت في ليلة المعراج فوق السموات العلا بينه وبين ربه جل وعلا، ثم نزل ومر على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام وهو في السماء السابعة وهذا الحديث عندنا حوله عدة تنبيهات: أ - ورد في رواية الصحيحين من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [فوضع عني شطرها] وتقدم معنا هنا: أنه وضع عنه خمس صلوات، خمس صلوات حتى خففت إلى خمس ورواية أبي ذر شطرها، والشطر النصف أي خمس وعشرين. وفي رواية البخاري من حديث مالك بن صعصعة: [فوضع عني عشراً] و؟؟ خمساً فكيف نجمع بين هذه الألفاظ؟ نقول لا إشكال على الإطلاق: فالمراد من الشطر إما البعض وهو الخمس وليس النصف الذي هو خمس وعشرين، أو أن المراد منه النصف لكن ليس بمرة واحدة إنما بمرات متعددة فأخبر عن وضع الشطر في خمس مرات كل مرة يضع خمساً وخمساً وخمساً وخمساً فالمجموع خمسة وعشرون وهذا شطر الخمسين. وأما العشر: فالمراد أنه وضعها في مرتين.

لكن الذي وقع حقيقة وضع خمس صلوات في كل مرة، هذا هو الجمع بين هذه الروايات. ب- تنبيه حول رجوع نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ربه: كيف رجع نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ربه يسأله التخفيف في المرات التسع؟؟ ولم يرجع في المرة العاشرة؟ نقول: لعله علم أن الله لما فرض عليه الخمسين لم يفرضها فرض إلزام، فبقي هنالك مجال للمراجعة، فلما وصلت إلى خمس وقد أخبره في المرة الأخيرة أنها خمس في كل يوم وليلة وهي في الأجر خمسون علم أن الأمر صار أمر إلزام وحتم فلا يمكن أن أطلب التخفيف فقال [أرضى وأسلم] . يضاف إلى هذا أنه إذا طلب التخفيف في المرة العاشرة (الأخيرة) وقد حط عنه خمساً خمساً فإذا حط عنه الخمس المتبقية فستبقى هذه الأمة بلا فريضة؟؟ تقوم بها، ولذلك لو سأل في المرة العاشرة التخفيف فإن حاله يدل على أنه يريد إسقاط هذه الفريضة عن هذه الأمة، وهذا لا يليق ولذلك قال [أرضى وأسلم] ، وأما المرات السابقة فلعله علم بقرينة من القرائن أن ما فرض ليس من باب الجزم ويدل على هذا أن الله قد أجاب سؤاله وخفف عنه حتى وصلت إلى خمس صلوات. جـ- ما الحكمة من فرضية الصلاة في تلك الليلة المباركة، وفي ذلك المكان الذي هو أشرف الأمكنة فوق السموات العلا. ذكر العلماء حكمة معتبرة، وتبدو لي حكمة معتبرة لعلها أوجه من ما هو موجود في الكتب والعلم عند الله. 1- الحكمة التي ذكروها هي: أن النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة الإسراء والمعراج رأى حال الملائكة وعبادتهم لربهم جل وعلا، فمنهم الراكع الذي لا يرفع رأسه من الركوع، ومنهم الساجد الذي لا يرفع رأسه من السجود، ومنهم القائم لله عز وجل، هكذا عبادتهم، فتطلع نبينا عليه الصلاة والسلام لهذه العبادات العظيمة التي يقوم بها الملائكة العظام، فأجاب تطلعه وحقق أمنيته فأعطاه هذه العبادات بأسرها التي يقوم الملائكة في ركعة واحدة من ركعات الصلاة ففيها قيام وفيها ركوع وفيها سجود.

أي: ليجمع الله لهذه الأمة عبادات الملائكة بأسرها في ركعة من ركعات الصلاة. 2- والحكمة التي تبدو لي هي: أن الصلاة إنما فرضت في ذلك المكان المعتبر لما فيها من عظيم الأثر فالصلاة لها أثر في الإنسان لا يوجد هذا الأثر في غيرها من عبادات الرحمن، فالجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، والزكاة والحج والصوم وهكذا ما شئت من العبادات لا يوجد في هذه العبادات أثر كأثر الصلاة من تزكية للنفس ومن داوم مراقبة الرب جل وعلا، ومن؟؟ بين المؤمنين في هذه الصلوات. فإذن الآثار التي توجد في الصلاة لا توجد في غيرها، فكل يوم ينبغي أن تصلي خمس مرات ولعل الإنسان لا يمر عليه يوم ويصلي أقل من أربعين ركعة وأحياناً يزيد، فالفرائض سبعة عشر ركعة والسنة الراتبة اثنا عشرة صار المجموع 29، ثم ضم إليها قيام الليل الذي هو ثماني ركعات صار العدد 37، مع ثلاث ركعات الوتر صار العدد40 ركعة، هذا لم يؤدى سنة الضحى، ونافلة قبل العصر، ونافلة قبل المغرب، إذا لم يتطوع تطوعا؟؟ ويحيي ما بين العشاءين بالصلاة كما هو حال الصالحين. فأنت تصلي هذا العدد في اليوم وهذا له أثر جليل، أما الصوم فيجيء شهر متواصل تصوم وينقضي، وفيه آثار عظيمة لكن ليس كأثر الصلاة، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كما في موطأ مالك – يكتب إلى عماله: [إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع] ، وأول ما يحاسب عليه العبد من أعمال يوم القيامة هو الصلاة، فإن صلحت نظر في سائر عمله وحوسب عليه وإلا فالويل له. فإذن الصلاة لها أثر معتبر ومنزلة عظيمة وإذا كان الأمر كذلك فتعظيماً لشأنها فرضت في مكان وأحسنه وأغلاه وهو فوق السموات العلا من قبل الله إلى عبده محمد عليه صلوات الله وسلامه عليه مباشرة ودون أن يتخلل ذلك واسطة من جبريل أو غيره. ثانياً: مغفرة الكبائر لأمته الذين لا يشركون به شيئاً:

.. ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [فأُعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً – أي مما أعطي – (لما رفع فوق السماء السابعة) : الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة، وغُفِرَ لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحماتُ] أي غفرت المقحمات لمن لم يشرك بالله من أمته والمقحمات هي الذنوب العظيمة الكبيرة التي يقحم صاحبها وتزجه في نار جهنم. ... وقد ثبت في سنن الترمذي بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [يقول الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك....] وآخر الحديث هو محل الشاهد: [يا ابن آدم لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة] أي لو أتيت بما يقارب ملء الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة، وهذا من فضل الله على هذه الأمة، فنسأل الله أن يتوفانا على الإيمان بفضله ورحمته إنه ذو الجلال والإكرام. ... وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديث صحيحة متواترة أن شفاعته لأهل الكبائر من أمته، والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه أبو داوود والحاكم وابن حبان وغيرهم عن أنس رضي الله عنه – وهو مروى عن غيره عند غيرهما أيضاً – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] ، فالله سبحانه وتعالى يشفّع نبيه في أهل الكبائر ويقبل شفاعته ويغفر لهم ويرحمهم فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وهذه أعظم تُحفة حصلت لهذه الأمة في حادث الإسراء والمعراج. المحاضرة الحادية عشرة: 8/4/1412هـ ... وعقيدتنا معشر أهل السنة أن أصحاب الكبائر يفوض أمرهم إلى ربنا القاهر فلا نحكم عليهم بنار، ولا ننزلهم جنة، لكن نرجو لهم المغفرة.

.. هذا إذ لم يتوبوا، فإذا تابوا تاب الله عليهم، ومن يمت ولم يتب من ذنبه، فأمره مفوض لربه، فإن عذبه الله على ذنوبه فهذا عدل، وإن غفر له فهذا فضل، وأفعال الله تدور بين هذين الحكمين عدل، أو فضل، ولا دخل للظلم أو الجور في أفعاله سبحانه وتعالى؛ لأن أفعال الله إما أن تكون عدلاً أو فضلاً أو جوراً، والجور يتنزه الله عنه، يقول تعالى كما في الحديث القدسي [إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا] ، ويقول (ولا يظلم ربك أحداً) ويقول (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً) ، فبقي العدل والفضل فمن عذبه فبعدله، ومن غفر له وأدخله الجنة فبفضله سبحان الله. وهذا فيه رد على الفرق الضالة من الخوارج والمعتزلة الذين يخلدون فاعل الكبيرة في النار وكذلك فيه رد على فرقة الإباضية بزعامة مفتي عمان في هذه الأيام أحمد الخليلي، فإن هذا يرد على الخوارج الذين يكفرون فاعل الكبيرة – مع أن الإباضية فرقة من الخوارج، لكن يقول: هم مخلدون في النار وليسوا بكفار، فمن فعل كبيرة من زناً أو سرقة أو شرب خمر فهو مخلد في النار لكن – كما يقول – ليس بكافر ثم يقول وقد أخطأت الخوارج بتكفيره. نقول له: ما الفارق بين قولك وقول الخوارج في النهاية والآخرة، هل يوجد هناك فرق؟ لا يوجد فارق أبداً، فالخوارج قالوا: يخلد فاعل الكبيرة في النار، وأنت تقول إنه يخلد في النار فما الفرق إذن؟!! لكن الخوارج أجرأ منك على الباطل فقالوا: هو في الدنيا كافر، أما أنت فتذبذبت وقلت إنه مؤمن. فنقول لك: إذا كان مؤمناً فكيف ستخلده في نار جهنم مع فرعون وأبي لهب وأبي جهل؟!! إن هذا لهو الضلال بعينه. وقد نشر في هذا الوقت كتاباً سماه (الحق الدامغ) ، وكله باطل ليس فيه حق، أراد أن يقرر فيه ثلاث مسائل فحشاها ضلالاً وباطلاً: 1- نفي رؤية الله في الآخرة، ومن قال بالرؤية فهو ضال!! 2- كلام الله مخلوق. 3- أهل الكبائر مخلدون في نار جهنم.

وقد ضلَّ في هذه المسائل الثلاثة وحرف الكلام عن مواضعه، وافترى على الشريعة المطهرة، وهذا الكتاب الذي ألفه، سبقه إلى تأليف مثله زنديق ضال خبيث حيث ألف كتاباً سماه (الدامغ) ومؤلفه هو أحمد بن يحيى الرواندي المتوفى سنة 298هـ، يقول الحافظ ابن حجر في لسان الميزان في ترجمته ألف كتاب الدامغ ليرد به على القرآن ويبين – على زعمه – تناقضه – ثم قال: أجاد الذهبي في حذفه فلم يذكره في ميزانه، وإنما ذكرته لألعنه. فهذا ألف الحق الدامغ في هذا العصر، ونحن نقول له: إنك تتحلى - أو تتقبح – بقبائح مستعارة فهذا العنوان سبقك إليه زنديق ضال. فذاك ألف الدامغ ليدمغ به القرآن على زعمه. وهذا – الخليلي – ألف الدامغ ليدمغ به عقيدة أهل السنة والجماعة، فانتبهوا لهذا!!. وهذا بمنصب مفتي عمان وقد قلقل أذهان أهل السنة في ذلك المكان، وقبل أن آتي إلى رأس الخيمة من أبها اتصل بي بعض الأخوة من عمان وأرسل لي رسالة صغيرة بحدود ثلاثين صفحة، نشرها ذلك المفتي هناك حول جواب على سؤال وجه إليه، وهو أن رؤية الله في الآخرة مستحيلة، ومن قد آمن بهذا فهو ضال يشبه الخالق بالمخلوق , ذكر كلاماً باطلاً، وقد قال لي هذا الأخ: هذه الرسالة زعزع بها أهل السنة، إذ أنه منطيق في الكلام، وصاحب كلام معسول ويأتي بأمور متشابهة وكما قال يصطاد في الماء العكر. فأعظم منه من الله بها على نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى هذه الأمة أن بُشِّر نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه سيغفر لهذه الأمة المقحمات وهى الذنوب الكبائر وهذا فضل عظيم، وهذه تحفة عظيمة، وحتى هذه التحفة على قدر المتحِف والمهدِي، وعلى قدر المُتحَف والمُهْدى، فهذه هدية بين الله ونبيه حبيبه وخير خلقه، فماذا ستكون؟!

حقيقة لابد أن تكون أنفس الهدايا والتحف، فأمتك لن نسوءك فيهم، فمن جاءنا؟؟؟ وعليه من الذنوب أمثال الجبال – إذا لم يشرك بالله شيئاً – نغفر له برحمتنا الواسعة نسأل الله أن يدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوه إنه واسع المغفرة. ثالثا: خواتيم سورة البقرة: ... وهذه هي التحفة الثالثة، وقد نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج؟؟ بالآيتين في ذلك المكان وامتن الله على نبيه عليه الصلاة والسلام بهما، وبما لهما من الفضائل العظام. وقد وردت بذلك الأحاديث الكثيرة ففي مسند الإمام أحمد بسند حسن عن عقبة بن عامر الجهني قال: [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة، فإنهما من كنز من تحت العرش] أي هذه من الكنوز الثمينة وتلقيتها من تحت عرش الرحمن، فهذا إذن مال عظيم؟؟ ثمين نتقرب به إلى رب العالمين. وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن منزلة هاتين الآيتين، ففي الصحيحين، وسنن النسائي والترمذي من حديث إلى أبي مسعود رضي الله عنه (وقد ورد في بعض الكتب ابن مسعود، كتفسير ابن كثير وغيره وهذا خطأ مطبعي صوابه: أبو مسعود وهو الأنصاري البدري وليس عبد الله بن مسعود فهذا من المهاجرين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه] . قال الإمام النووي: (كفتاه) تحتمل أمرين لعل الله يجمعهما للقارئ بفضل رحمته: 1- كفتاه عن قيام الليل إذا لم يتيسر له أن يقوم في تلك الليلة لغلبة نوم أو تعب، فيكون له أجر قيام الليل بفضله ورحمته، ولا يقل قائل: أقرهما ولا أقوم للقيام وسأحصل الأجر. 2- كفتاه تلك الليلة كل مكروه وأذىً وبلية تقع في تلك الليلة.

وقد ثبت في سنن الترمذي وصحيح ابن حيان ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الآيتان من آخر سورة البقرة لا تُقرآن في دار ثلاث مرات فيقربها الشيطان] أي فمن قرأها ثلاث مرات في بيته فلا يقرب الشيطان هذا البيت في ذلك اليوم. وروى ابن مَرْدُويَهْ عن علي رضي الله عنه أنه قال [لا أرى أحداً يعقل؟؟ ينام قبل أن يقرأ آية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة] ومعنى كلامه أنه لا يمكن أن يكون ببالي أن أرى مسلماً يعقل – أي ليس بكافر، وليس بصغير حتى نقول إنه لا يدرك منزلة هذه الآيات – بل هو مسلم عاقل ينام دون أن يقرأ آية الكرسي والآيتين من آخر سورة البقرة، فحافظوا على ذلك. أما آية الكرسي كما في صحيح البخاري: [من قرأها إذا أخذ مضجعه لا يقربه شيطان حتى يصبح] وهي أفضل آي القرآن على الإطلاق، فأفضل آياته آية الكرسي وأفضل سوره سورة الإخلاص. وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أي آيات في كتاب الله أعظم؟ فقلت: آية الكرسي، فضرب النبي عليه الصلاة والسلام في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر] ومعنى ليهنك هنيئاً لك وأحسن على هذه الإصابة. وفي آية الكرسي اسمان؟؟؟؟؟؟؟ إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب. وكان النبي عليه الصلاة والسلام – كما في سنن الترمذي وغيره – [إذا اجتهد في الدعاء يقول: يا حي يا قيوم] أي إذا دعا دعاءً يلح به وهو مهم فإنه يناجي ربه بهذين الاسمين: يا حي، يا قيوم. وقد أوصى نبينا عليه الصلاة والسلام – كما في مستدرك الحاكم وعمل اليوم والليلة لابن السني بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة ما يمنعك أن تقولي ما أوصيتك به، تقولين إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين] فهذا توسل إلى الله بحياته وقيوميته.

فحافظوا عليه صباحاً ومساءً، فإنه هدية من نبينا عليه الصلاة والسلام لبِضْعَتِه فلتأخذ به أنت وهذان الاسمان هما أصل لسائر صفاته، فكل صفة لله أصلها الحي أو القيوم. فالصفات الذاتية بأسرها لا يثبت شيء منها لله إلا بعد ثبوت الحياة له جل وعلا، والصفات الفعلية بأسرها من الخلق والرزق والإحياء والإماتة والإعزاز والإذلال وما شاكلها لا تثبت لله إلا إذا ثبتت القيومية له. فهو حي حياة كاملة فلا تأخذه سنة ولا نوم، ومن باب أولى لا يطرأ عليه فناء ولا يموت سبحانه وتعالى، وهو قيوم قائم بنفسه مقيم لشؤون غيره يدبر أمور عباده (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) . وقد ورد في سنن ابن ماجه بسند حسن – وهو في غيره أيضاً – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الاسم الأعظم في ثلاث سور] قال القاسم بن عبد الرحمن، راوي الحديث، وهو من أئمة التابعين – فطلبته هذا فوجدته في سورة البقرة وآل عمران وطه. فهي في سورة البقرة في آية الكرسي آية (255) في سورة آل عمران الآية الثانية: (الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم) وفي سورة طه الآية (111) : (وعنت الوجوه للحي القيوم) وما ذكر الله اسمي الحي القيوم مقترنين إلا في هذه السور الثلاث، فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث [اسم الله الأعظم في ثلاث سور] قرينة – كما قال أئمتنا – على أن هذين الاسمين هما اسم الله الأعظم لكن مع هذا نقول اختلف أئمتنا لقرائن هل هو هذا، أم يا ذا الجلال والإكرام؟ أم لفظ الله؟ وقيل غير ذلك، وكل فريق أورد أدلة له، لكن هذا – الحي القيوم – فيما يظهر أظهرها؛ لأن له ميزة على سائر أسماء الله سبحانه وتعالى، فإنهما كما قلنا أصلان لسائر أسماء وصفات الله سبحانه وتعالى فلا يستبعد أن يكونا هما اسم الله الأعظم، سبحانه وتعالى لاسيما مع قرينة [في ثلاث سور] .

ومبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في الالتجاء إلى الله عندما يهمه أمر بـ (يا حي يا قيوم) فهذا مما يدل على أن لهذا منزلة، وكذلك تعليمه لابنته فاطمة أن تلجأ إلى الله في الصباح والمساء بـ (يا حي يا قيوم) والعلم عند الله. يقول الإمام ابن تيمية – كما نقل عنه هذا تلميذه ابن القيم في مدارج السالكين: "لهذين الاسمين المباركين الأثر في حياة القلب ما ليس لغيرهما" ويقول "ومن تجريبات السالكين أن من واظب عليه قبل صلاة الفجر أحيا الله قلبه". أي أن من تجريبات السالكين أنهم كانوا يلهجون بهذين الاسمين قبل صلاة الفجر فيحيي الله جل وعلا قلوبهم ويجعلها منشرحة منورة مطمئنة. س: هل ثبت أن الاسم الأعظم من الغيب الذي لا يعلمه إلا الولي الصالح أو أنه استنتاج حيث أنه لم يصرح به الرسول صلى الله عليه وسلم؟ جـ- لم يثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ونقول: هو استنتاج من أحاديثه ويتوصل إلى معرفته أصحاب العقول السليمة الواعية بالنظر في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم – أحياناً – يشير إلى شيء ممكن أن يصل الإنسان إليه عن طريق النظر والتفكير فيما أشار إليه، كما في تعيين ليلة القدر فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحددها ولكن أشار في أحاديثه إلى أشياء يمكن التوصل عن طريقها إلى معرفة الليلة. إذن فالتحفة الثالثة خواتيم سورة البقرة، وقد ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي عن ابن عباس الله رضي الله عنهما: [أن جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كان جالساً مع النبي ففتح باباً من السماء فسطع نورٌ ونزل ملك منه فقال جبريل: هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط ثم جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا محمد، أبشر بنورين قد أوتيتهما فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته] . وقد يقول قائل: هل نزل هذا الملك بفاتحة الكتاب وبالآيتين من آخر سورة البقرة؟

نقول: لا، الملك لم ينزل يهما إنما نزل مخبراً بفضلهما، إذ أن هذه الآيات – كما قلنا – نزلت على النبيِّ عليه الصلاة والسلام وبُلِّغها فوق السموات العلا. وقد ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن المؤمنين عندما يقرؤون آخر سورة البقرة؟؟؟ جملة فيها دعاء يقول الله قد فعلت. ... (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) فيقول الله: قد فعلت؟؟؟ (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) يقول الله: قد فعلت، (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) قد فعلت، (ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به) قد فعلت، (واعف عنا) قد فعلت، (واغفر لنا) قد فعلت، (وارحمنا) قد فعلت (أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) قد فعلت. فلا يقرؤون بجملة إلا يقول الله قد فعلت. ... وأما سورة الفاتحة فقد ثبت في الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن الله جل وعلا قال: [قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال (الرحمن الرحيم) قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال (مالك يوم الدين) مجدني عبدي، وفي رواية: قال [فوض إليّ عبدي] وإذا قال (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي] وتكملة الحديث: [ولعبدي ما سأل] أي: بعد أن أثنى علي العبد فليسأل ما يريد فأنا سأجيبه. س: هل الأجر المذكور فيما سبق يترتب على مجرد التلفظ أم على إدراك المعنى؟ جـ: الأصل أن الأجر يترتب على القراءة التامة الكاملة بحضور القلب وخشوعه، وفهم المعنى ومعرفته، وحسن التلاوة وسلامتها، فإن نقص شيء من ذلك نقص الأجر بحسابه.

.. فإذا أخل بالقراءة السليمة نقص الأجر، وإذا أخل بالخشوع والمراقبة والاستحضار والتفكر نقص الأجر، وإذا أخل في فهم المعنى نقص الأجر، وهذا كالصلاة فإنها؟؟؟؟؟. كاملة، وكل ما نقص من كمالها ينقص من أجرها ولذلك ثبت في السنن عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنَّ العبد يصلي الصلاة وما يكتب له نصفها، وما يكتب له ثلثها، وما يكتب له ربعها، وما يكتب له خمسها، حتى وصل وما يكتب له عشرها، وإذ لم يكتب عشرها مع أنه صلى، والقراءة كذلك. ... فإذن الثواب الذي نيط بالقراءة وعلق بها هو للقراءة الكاملة التي فيها – كما ذكرنا – خشوع التلاوة وفهم المعنى، وسلامة النطق، فإذا أخل بشيء من ذلك نقص من أجره، وقد يصل إلى حالة: [ربَّ قارئ للقراءة والقرآن يلعنه] ، نسأل الله العافية، وقد يصل المصلي إلى حالة [لا تزيده صلاته من الله إلا بعداً] وقد يصل الصائم إلى حالة [ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش] ، وقد يصل القائم إلى حالة [ليس له من قيامه إلا التعب والسهر] . ... ولذلك كان بعض الصالحين من أجل هذه المخاوف يقول: "من لم ير أن طاعاته ستدخله الجنة فقد عقله وضاعت بصيرته، أي عليه أن يقول: إن طاعاتي قد تستوجب لي النار، فكيف بمخالفاتي، وواقع الأمر كذلك، فطاعاتنا فيها من نقص وشوائب، ولو قدمت لبشر لما رضي بها لما فيها من نقص وتفريط، فكيف لو قدمت إلى أرحم الراحمين، لكن ليس لنا تعويل إلا على فضل الله الجليل، كما قال الأعرابي عندما تعلق بأستار الكعبة: "اللهم إن استغفاري مع إصراري لؤم؟؟؟ وإن تركي للاستغفار مع علمي بواسع فضلك عجز مني، يا من تتحبب إلينا بالنعم، ونتبغَّض إليك بالمعاصي، يا من إذا وَعَد وفَّى، وإذا توعّد تجاوز وعفى أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك" الأمر كذلك فهذا حال البشر إذا رجعوا إلى عقولهم.

.. ولذلك كان الصالحون يقولون: "اللهم إن أطعناك فبفضلك والمنة لك، وإن عصيناك ف؟؟؟ وعدلك والحجة لك، اللهم بحق قيام حجتك علينا وانقطاع حجتنا اغفر لنا". أي نحن؟؟؟ عاجزون مستسلمون، وحقيقة.. لعل هذا يرضي ربنا علينا. ... الحجاج وهو الظالم المشهور سفاك الدماء عندما يخاطب بمثل هذا الأسلوب يلين ويرق قلبه، فقد أساء أناس مرة في حقه فأحضرهم وأعمل السيوف في رقابهم حتى وصل إلى واحد منهم فقال له: قف أيها الأمير، قال: وماذا تريد أن تقول؟ قال: إن أخطأنا عليك وجنينا فلا تخطئ أنت؟؟؟ العفو عنا، فطرح الحجاج سيفه وقال: أما في هؤلاء من يحسن يعتذر؟! أي هؤلاء الذين قطعت رؤوسهم لا يوجد فيهم شخص واحد يحسن الكلام والاعتذار ويقول كقول هذا. ... ونقول نحن حالنا يستوجب قعر جهنم، لكن لا تعويل لنا إلا على فضل الله، فإن عذبنا فهذا ما نستحق وإن رحمنا فهذا جود منه وإحسان، أما أنه نريد أن يكون لنا عند الله يد وعليه منة ونقول فعلنا وفعلنا ونخص الحسنات، فبئس هذا العمل وهذا القول، وهذه الحسنات لا يعلم حالها عندما فعلت إلا الله سبحانه وتعالى، فلنحسن التوبة والاعتذار فكما قلنا حسن الأسلوب يرق قلوب الجبابرة فكيف بأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين سبحانه وتعالى ذي الفضل العظيم، فخواتيم سورة البقرة إذن هي التحفة الثالثة. رابعا: رؤية الله سبحانه وتعالي: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ السموات العلا. ... ومبحث الرؤية مرّ في منهج السنة الأولى، وقد مرّ معكم مختصراً، وتكلم عن رؤية المؤمنين ربهم جل وعلا يوم القيامة، لكن هناك مباحث أخرى تتعلق بموضوع الرؤية منها: 1- النساء وهل يرين ربهن في الآخرة أم لا؟ وهذه المسألة شهيرة ولم يتعرض لها في شرح الطحاوية، وقد ألف أئمتنا كتباً فيها من جملة ذلك: تحفة الجلساء برؤية النساء لرب الأرض والسماء للإمام السيوطي، وهو مطبوع ضمن الحاوي للفتاوى له (2/397) .

والأقوال في هذه المسألة ثلاثة، والمعتمد أنهن يرين الله سبحانه وتعالى وهن مكلفات كما أن الذكور مكلفون، وسبب الخلاف ورود بعض الروايات التي استدل منها بعض الناس على خلاف ذلك وأورد بحثاً فقال النساء لا يرين الله جل وعلا، وهذا باطل، وكان لابد من التعرض لهذا؟؟؟. 2- موضوع الرؤيا المنامية لربنا جل وعلا، هل تحصل أم لا؟ ... نعم تحصل، والله جل وعلا يُرى في المنام، وقد رآه نبينا عليه الصلاة والسلام – وهذا ليس بخصوصية له. وقرر هذا الإمام ابن تيمية وغيره عليهم جميعاً رحمة الله. ... يقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/167) : "ولم يأتنا نص جلي بأن النبي عليه الصلاة والسلام رأى الله تعالى بعينيه فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة". ... وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص، جمع أحاديثها؟؟؟ والبهيقي وغيرهما". ... ففي رؤية الله في المنام ثابتة باتفاق أهل السنة، وقد حكى ابن حجر في فتح الباري في الجزء الثالث عشر الإجماع على أن الله يُرى في المنام. ... وقد رآه أبو حنيفة والإمام أحمد والإمام الأوزاعي وأبو سليمان الرَبْعي (محدث دمشق) ، ورآه عدد غيرهم، وأنا أعرف بعض من رآه ممن قصّ عليّ رؤيته، والله تعالى على كل شيء قدير. ... ولو كان البحث معنا في الرؤيا لذكرت الأدلة على ذلك بتوسع، لكن نذكر نزراً منها: ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "خير ما يرى النائم في منامه أن يرى ربه، أو نبينه عليه الصلاة والسلام، أو أبويه أو أحدهما ماتا على الإسلام". ... وثبت في سنن الدرامي في كتاب الرؤى باب رؤية الرب في المنام، ثم نقل عن؟؟؟ بسند صحيح: "من رأى ربه دخل الجنة". أي هذا هو تأويل الرؤيا إذا رآها. ... ثم بعد ذلك حديث معاذ، الذي ألف الإمام ابن رجب حوله كتاباً سماه (اختيار؟؟؟ في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى) .

3- رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربنا جل وعلا، فهذه المباحث حولها شيء من الخلاف ولابد من؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الآخرين فليس لنا به الآن شغل أو علاقة لضيق الوقت، ولعله يأتي في حينه إن شاء الله في مبحث الرؤيا، فنقول وبالله التوفيق: ... اتفق أهل الحق على أن رؤية الله لم تحصل لأحد من الأنبياء في هذه الحياة الدنيا من آدم إلى عيسى عليه السلام أو لأحد من البشر. ... وأن من ادعاها لنفسه أو لأحد غير نبينا عليه الصلاة والسلام فهو ضال، وهذا محل وفاق وإجماع، لكن حصل خلاف في نبينا عليه الصلاة والسلام فقط. ... ودليل هذا الإجماع ما ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] هذا لفظ ابن ماجه. ... ولفظ الإمام مسلم في صحيحه (18/56 – بشرح النووي) : [تعلموا (أي اعلموا) أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت] . ... وهذا الحديث ذكره نبينا عليه الصلاة والسلام عند معرض ذكره للدجال عليه لعنة ذي العزة والجلال لأن الدجال يدعي أنه الرب، فيقول لنا النبي صلى الله عليه وسلم يكفي في بطلان دعواه أن الله لا يرى في هذه الحياة الدنيا ولا يراه أحد من المخلوقات فيها فـ[اعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] ، والدجال أعور وربكم ليس بأعور. فإن قيل: لماذا لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم ضمن هذا الكلام لأنه عام يشمل كل أحد؟ فالجواب: أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه فيوجهه لغيره ويستثنى هو من الكلام فلا يشمله فذلك لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم ضمن هذا الكلام.

ذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/96) حيث قال بعد ذكر الحديث من رواية الإمام مسلم المتقدم "وفيه تنبيه على أن دعواه الربوبية كذب، لأن رؤية الله مقيدة بالموت والدجال يدعي أنه الله، ويراه الناس مع ذلك، وفي هذا الحديث رد على من يزعم أنه يرى الله في اليقظة تعالى الله عن ذلك، ولا يرد على ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ليلة الإسراء لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فأعطاه الله في الدنيا القوة التي يُنعم الله بها على المؤمنين في الآخرة". فذكر هنا أن الله خص نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا، وفي (8/608) منه – أي من فتح الباري عند كتاب التفسير في تفسير سورة النجم تعرض لهذا المبحث، فقال: "فإن جازت الرؤية في الدنيا عقلاً فقد امتنعت سمعاً، لكن من أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم له إن يقول: أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه". فإذن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشمله العموم السابق فهو مستثنىً، وهذا كما أنه صلى الله عليه وسلم أخبر هذه الأمة بأنه لا يحل لهم أن يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة وقال لمن أسلم وعنده تسع نسوة [اختر أربعاً وفارق سائرهن] ، فهو لم يدخل في هذا الكلام بل له حكم خاص خصه الله به. وهنا في هذا الحديث لا يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عموم هذا الكلام ولا يقال إنه لن تحصل الرؤية حتى يموت صلوات الله عليه وسلامه. وعليه فقد اختلف أهل السنة في مسألة رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه ليلة الإسراء والمعراج على أربعة أقوال أذكرها على سبيل الإجمال ثم أفصل الكلام فيها عازياً كل قول لأهله من أهل السنة والسلف مبيناً دليله، مرجحاً – بعد ذلك – ما يظهر لي أنه راجح والعلم عند الله. القول الأول: حصلت الرؤية بعيني رأسه صلى الله عليه وسلم. القول الثاني: حصلت الرؤية بقلبه. القول الثالث: لم تحصل الرؤية. القول الرابع: التوقف، فلا نقول حصلت له، ولا نقول: لم تحصل. وسنفصل الكلام فيها الآن:

المحاضرة الخامسة عشر 9/4/1412هـ القول الأول: أن رؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربه جل وعلا حصلت بعيني رأسه: ... قال بهذا جمّ غفير من أئمة الإسلام، منهم: الإمام الحسن البصري، وكان يحلف على ذلك وقد أورد الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/381) في ترجمة العبد الصالح إبراهيم بن طهمان وهو من رجال الكتب الستة ثقة وفوق الثقة، توفي سنة 163هـ، أورد في ترجمته أنه كان يقول: "والله الذي لا إله إلا هو لقد رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه". ... قال الإمام ألألوي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع مثاني (27/54) : "وأنا أقول برؤية نبينا عليه الصلاة والسلام لربنا". ... وهذا القول قال به الإمام السخاوي وهو تلميذ الحافظ ابن حجر وصاحب كتاب المقاصد الحسنة – التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة (1/30) . ... والتحفة اللطيفة تتكلم عن المدينة المنورة كما أنه ألفت كتب في أخبار مكة مثل أخبار مكة لأزرقي، وشفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، والعِقد الثمين في أخبار البلد الأمين للإمام الفاسي، وهذا أحسن ما كتب في أخبار مكة ومن دخلها يقع في (8 مجلدات) ، وكذلك ألفت كتب في أخبار المدينة من ذلك الكتاب السابق الذكر الذي ألفه الإمام السخاوي وهو كتاب جليل، وكتاب المغانم المطابة في أخبار طابة للفيروز آبادي. ... الشاهد أنه قال في التحفة اللطيفة: "وأنا أقول برؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه" وقد انتصر لهذا القول الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد وقرره في صفحات كثيرة تزيد على الثلاثين (من 197 - 230) دليل هذا القول وعمدته خمسة أمور: أولها: آثار ثابتة عن الصحابة لها حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام: 1- روى ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 199 بإسناد قوي قاله الحافظ في الفتح 8/108 عن أنس رضي الله عنه قال [رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه] .

2- روي الإمام الطبري في تفسيره، وابن خزيمة في كتاب التوحيد، والحاكم في المستدرك 2/469 بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [اصطفى الله إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالتكليم، واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية؟؟؟؟؟؟؟؟ له الرؤية، وأي هذه التحف والعطايا أغلى؟ حتما إنها الرؤية فهي أغلى العطايا. ... فموسى اصطفاه الله بالكلام، وإبراهيم اصطفاه الله بالخلة، ونبينا عليه الصلاة والسلام حصل له التكليم – كما سيأتيننا – وحصلت له الخلة، وخلته أكمل خلة لربه ولذلك يقول خليل الله إبراهيم – كما في حديث الشفاعة وهو حديث متواتر – عندما يذهب الخلق ويقولون اشفع لنا فقد اتخذك الله خليلاً فيقول [إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] . ... فإذن هو خليلٌ وكليمٌ، وله فضل لم يحصل لغيره من النبيين وهو الرؤية. 3- روي الطبراني في معجمه الأوسط بسند لا بأس به – والأثر في مجمع الزوائد (1/79) – عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرتين، مرة ببصره ومرة بفؤاده] . إذن فهذه آثار مصرحة بأن نبينا عليه الصلاة والسلام حصلت له الرؤية للعزيز الغفار. ثانيها: احتمال الآيات لهذا القول: ... انتبه!! هناك فارق كبير بين قولنا نص الآيات وبين احتمالها، وإذا احتملت الآية هذا فاللائق بكرم الله ومنزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام حصول هذا الأمر له. ونقول: إذا احتملت وكان الاحتمال صحيحاً وجيهاً فهذا كافٍ في الدلالة. ... فإذن الآيات تحتمل ولا تنص، لأنها لو نصت لما كان هناك مجال للخلاف في هذه القضية والذي دفعنا لقول هذا الاحتمال – كما قلنا – تفضيل الله لنبيه عليه الصلاة والسلام على غيره من؟؟؟ ولا مانع من أن تفضيله الله تعالى بهذا الأمر.

.. أي أن منزلة نبينا عليه الصلاة والسلام يليق بها حصول هذا التفضيل، فإذا احتملت الآيات ما يليق بكرم الله ومنزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام ثبت هذا له كما سيثبت للمؤمنين في جنات النعيم، والله على كل شيء قدير. أما الآيات التي تحتمل هذا، فهي أربع آيات: 1- قول الله تعالى (إنه هو السميع البصير) وقد تقدم الكلام عليها عند آية الإسراء وقلنا في تفسير الضمير ومرجعه قولان: الأول: أن يعود على الله، وهذا هو المعتمد أي أن الله سميع بصير. الثاني: وحكى هذا أبو البقاء العُكْبري يمكن أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم أنه، أي هذا النبي الذي أسري به وعرج سميع لأوامري بصير بي حصلت له الرؤية وليس حاله كحال نبي الله موسى وهذا القول ليس هو المعتمد في تفسير الآية لكن الآية تحتمل هذا وليس في هذا الاحتمال؟؟؟ حتى نقول إنه مطروح وهذا هو المطلوب وهو كافٍ في الدلالة. 2- قوله تعالى (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) وقد تقدم ذكر هذه الآية، وقلنا إنه ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: [هي رؤيا عين لربنا رسول الله صلى الله عليه وسلم] . وهذه الرؤيا شاملة للآيات العظيمة التي رآها في الأرض وفي السماء وفي؟؟؟. إذن إطلاق الآية بأن الله أرى نبيه عليه الصلاة والسلام آيات عظيمة بعينيه، أفلا يدخل في هذا الإطلاق رؤيته لربه جل وعلا؟ يدخل. وهذا احتمال في الآية وهو احتمال مقبول. 3- قوله تعالى في سورة النجم (ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) . في بيان المراد بالضمائر في قوله (دنا فتدلى) قولان لسلفنا الكرام:

الأول وهو الظاهر: أنها تعود على جبريل عليه السلام، اقرأ الآيات وانظر إلى الترتيب (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علَّمه شديد القوى) . الذي علمه هو شديد القوى جبريل، تابع الآيات (ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا) أي جبريل (فتدلى فكان) من النبي عليه الصلاة والسلام (قاب قوسين أو أدنى) ؟؟؟ الله إلى نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بواسطة هذا الذي دنا فتدلى في تلك الساعة ما أوحى. ... وهذا هو الظاهر من الآيات، وهو أن هذه الرؤية حصلت من نبينا لجبريل وما رآه إلا مرتين في صورته الحقيقية، مرة في حادثة الإسراء والمعراج، ومرة رآه بأجياد، وله ستمائة جناح قد سد الأفق، (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى) هذه هي الرؤية الثانية (عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ... ) الآيات. الثاني: أنها تعود على الله سبحانه وتعالى فتقول (ثم دنا) أي الرب جل وعلا، وقد ثبت هذا في صحيح البخاري في حديث الإسراء: [ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى] من نبينا عليه الصلاة والسلام وحصل بينهما ما حصل (فأوحى إليه ما أوحى) وحصلت له الرؤية. إذن فالدنو والتدلي هنا للرب جل وعلا، ولا يقال كيف دنا وكيف تدلى؟ لأن صفات؟؟؟ إقرار وإمرار، نقر بالصفة ولا نبحث في كيفيتها فعندما يقول (الرحمن على العرش) استوى نقول الاستواء معلوم والكيف مجهول، وكل ما خاطر ببالك فالله بخلاف ذلك. ... وإذا بحثت في الكيفية فقد مثلت، وإذا نفيت النص فقد عطلت، فلا تمثيل ولا تعطيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . والعجز عن دَرَك الإدراك إدراك ... والبحث في كنه ذات الإله إشراك فلو قيل لنا: ما معنى استوى؟ نقول: معناها استوى، وما معنى دنا فتدلى؟ نقول: دنا فتدلى، فتفسيرها قراءتها وقراءتها تفسيرها فقط دون أن نكيف معنىً من المعاني نتخيله بأذهاننا.

وعليه نقول: ليس الدنو بأغرب من نزول الرب إلى السماء كل ليلة [وهو حديث متواتر نؤمن به ومنكره ضال] . وهذا الحديث: مع أنه صحيح البخاري إلا أنه جرى حوله كلام، رواية شريك؟؟؟ لذلك قيل: إن شريك وهم في هذا اللفظ المذكور. ... السند في صحيح البخاري صحيح لكن يوجد في المتن وهم، وهذا كما يوجد حديث في صحيح مسلم انقلب على الراوي مع أن الإسناد صحيح [حتى لا تعلم ما أنفقت شماله] والأصل [حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه] ؟؟؟؟؟ وهنا كذلك قيل إن آفة هذا الحديث وهم الراوي لا ضعف السند. لكن الحافظ ابن حجر في الفتح كأنه لم يرتض اتهام شريك بالوهم في هذا اللفظ المذكور فقال: روى الأموي في مغازيه بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: [ثم دنا منه ربه فتدلى] يقول: وهذه الرواية شاهد لرواية شريك وأنه ليس بواهم فيها. ... ويكفي أن يدخل هذا المعنى – الثاني – في الآية وأن لا يقال دخوله باطل وغير محتمل، لكن هل هو راجح أم مرجوح؟ فهذا موضوع آخر. 4- قوله تعالى (ألم نشرح لك صدرك) وتقدمت معنا، وتقدم معنا أن الشرح يراد منه أمران: الأول: شرح معنوي، أي عن طريق شق صدره عليه صلوات الله وسلامه أربع مرات ثابتة صحيحة. الثاني: شرح معنوي أي أن الله ألقى في قلبه العلم النافع والسكينة والطمأنينة وشرح صدره بذلك ووفقه للعمل بما ألقى في قلبه ثم رفع ذكره وأعلى مقامه ورتبته فحصل له الشرح من جميع الجهات. فنقول: أليس من أعظم أنواع شرح الصدر رؤية الله جل وعلا؟ بلى. وحقيقة كل شرح دون حصول رؤية الله فليس بشرح كامل، فإن الله سبحانه يمن على نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه شرح له صدره على وجه التمام والكمال بحيث لم يبق في هذا الصدر؟؟؟ للشرح مرة ثانية، فلو لو تحصل له الرؤية فهل حصل الشرح التام الكامل؟ أم أننا نقول إنه يحتاج إلى شرح آخر مرة ثانية؟.

.. ولذلك يكتمل نعيم الجنة ويطيب برؤية الله جل وعلا، ولولا هذا لما تلذذ أهل الجنة في الجنة، فكما أن هذه الدنيا لا تطيب إلا بمعرفة الله والأنس بذكره سبحانه وتعالى ولولا هذا؟؟؟ الحياة علينا، فهناك كذلك الجنة بلا رؤية لله كالدنيا بلا معرفة لله، فماذا تكون الفائدة من هذه الحياة إنما تكون كحياة البهائم. ... يقول الإمام الحسن البصري – عليه رحمة الله – كما في كتاب الاعتقاد للإمام البهيقي -: "والله لو علم العابدون أنهم لن يروا ربهم في الآخرة لزهقت أنفسهم" أي لماتوا، فكيف نعبد إلهاً في هذه الحياة، لم نره في الحياة لحكمة وهي حتى لا يكون الإيمان إيمان مشاهدة، لكن أن تصبح الحياة كلها إلى ما لا نهاية لن نرى فيها نور وجه ربنا الكريم؟ فهذا مما لا يرضاه أحد. ... وإن أحدنا لا يرضاه مع الزوجة فضلا ً عن المعبود، ولله المثل الأعلى – فيتزوج زوجة لا يراها ولا تراه بل مجرد كتابة عقد هي في الهند وهو في رأس الخيمة، فهل هذا مما يرضاه أحد؟ لا هذا مما لا يرضاه أحد – وهي زوجة – فكيف بالمعبود الذي نعبده جل وعلا ثم لا نتمتع برؤية نور وجهه. وألا يتمنى أحدنا أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!!. كما في معجم الطبراني عن أنس رضي الله عنه – مرفوعاً بسند حسن – [سيوشك أحدكم يتمنى أن ينظر إليَّ ولو بأهله وماله] وواقع الأمر كذلك، ولو قيل: يمكن لكم أن تروا نبينا صلى الله عليه وسلم، فكيف رؤية رب العالمين؟ وكيف نعبد إلهاً لا نراه؟!!. ساء ظن الإباضية بربهم – وهم فرقة من الخوارج – حيث يقولون رؤية الله ضلال ومن؟؟؟؟ وهل يوجد عندنا حبيب أعظم من ربنا جل وعلا الذي خلقنا ونعبده؟!!. فإذن آنسنا الله في هذه الحياة بذكره وفي الآخرة بعد الممات لا نأنس إلا برؤية وجهه سبحانه وتعالى، إذن دخول هذا المعنى في الآية لا مانع منه والآية تحتمله، وهذا غرضنا. هذا هو الدليل الثاني.

ثالثها: من أثبت الرؤية فمعه زيادة علم، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ: وعندنا قاعدة مقررة: المثبت مقدم على المنافي. ... وقد حصل عندنا الإثبات في أثر ابن عباس وليس رؤية مطلقة بل قيد فقال مرة ببصره ومرة بفؤاده، فالتصريح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه ثابت ولنضرب مثالا ً: لو قلت للأخ إبراهيم: رأيت والدك هذا اليوم في رأس الخيمة، فقال: أنا أعلم أن والدي في مكة، فأنا أثبتُّ وهو ينفي فبكلام من نأخذ؟ نأخذ بكلام المثبت، ولا يعني هذا أن كلام النافي باطل أو أنه كذاب، لكن النافي يخبرنا ما كان، والأصل عدم ثبوت مجيء والدك إلا ببينة، فأنا أثبت – وأنت متعلق بالحال السابق، وهنا من نفى الرؤية فهو متعلق بالحال السابق، ومن أثبت فمعه دليل زائد فيقدم على النافي. رابعاً: خصوصيات نبينا عليه الصلاة والسلام كثير وفيرة، فما المانع من أن يخصه بهذا؟!. س: فهل هناك محظور أو مانع؟ وهل الرؤية في الدنيا مستحيلة أم ممكنة؟ جـ: ممكنة لكن ورد الشرع بأنها لا تحصل لغير نبينا عليه الصلاة والسلام فنحن ننفيها عن طريق منع الشرع لا عن طريق الاستحالة العقلية، ولو كانت مستحيلة عقلاً لما سألها موسى عليه الصلاة والسلام (قال رب أرني أنظر إليك) ، ومعنى المستحيل أنه كفر، فهل يسأل موسى عليه السلام كفراً من ربه؟!. ... فدل هذا على أنه كان يعلم أن الرؤية ممكنة، فإذا أراد الله أن يكرم بعض عباده بها أكرمه، فموسى تطّلع لهذا فقال الله له: إنك لا تتأهل لذلك في الدنيا، لكن انظر إلى الجبل إن استقر فسوف تراني، وتعليق الرؤية على ممكن يدل على أن الرؤية ممكنة، فلو ثبَت الله الجبل لرأى موسى ربه، لكن لما تجلى ربنا للجبل (جعله دكاً وخرّ موسى صَعِقاً) الشاهد؟؟؟ أنه علق الرؤية على ممكن فدل ذلك على أن الرؤية ممكنة.

.. وإذا كان الأمر كذلك فموسى سأل الرؤية ولكنه أخبر أنه لا يتأهل لهذا في الدنيا لأنه دون نبينا عليه الصلاة والسلام لا لنقص فيه، ولكن – كما قلنا - الكمالات تتفاوت فنبينا أفضل من موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قطعاً وجزماً، بل قلنا – إن خليل الرحمن إبراهيم أفضل من موسى. ... فإذن الرؤية جائزة عقلاً ممتنعة سمعاً وشرعاً للحديث الذي ذكرنا [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا] وقلنا المتكلم لا يدخل في عموم كلامه، فبقي النبي صلى الله عليه وسلم مستثنىً، فهي إذن خصوصية فما المانع منها؟ لا يوجد شيء يمنع من ذلك. خامسها: في هذا القول تأكيد لحصول الرؤية للمؤمنين في جنات النعيم: ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فنحن إذا قلنا بهذا القول نقطع الطريق على المعتزلة والخوارج الذين ينفون رؤية المؤمنين لربهم؟؟؟ هل يمكن لمخلوق أن يرى ربه؟ فنقول لهم حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فإذن هي ليست مستحيلا ً فنحن سنراه في الآخرة. لكن عندما نقول لم تحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فيبقى البحث في الرؤية في الآخرة هل حصلت له ولنا أن لن تحصل لأحد؟!!. ... أما إذا قلنا أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه حصلت فإن هذا مما سيريحنا من مجادلتهم ونقاشهم. القول الثاني: يثبت رؤية نبينا علية الصلاة والسلام لربه، لكن بقلبه لا بعيني رأسه. س: وما المراد بالرؤية القلبية هل هي العلم؟

المراد من الرؤية القلبية أن يراه بقلبه كما يراه ببصره، وليس المراد منها العلم عند أصحاب هذا القول، لأن العلم مشترك بينه وبين سائر المؤمنين فكلهم يعلمون الله ولو كان المراد (رآه بقلبه) أي علمه ليلة المعراج، فهذا لا يستقيم فإنه كان يعلمه قبل ذلك وكلنا نعلم هذا فما الداعي إذن للقول بأن نبينا عليه الصلاة والسلام رأي ربه بقلبه أي علمه؟!!!! وقد قال أصحاب هذا القول: ولا يشترط عقلاً لحصول الرؤية أن يرى الإنسان بعينيه اللتين هما في رأسه، فقد يرى بأصبعه وقد يرى برجله وقد يرى ببطنه وقد يرى بظهره وقد يرى بقلبه. فإنه لم ير ربنا بعيني رأسه، لكن جعل له في قلبه بصراً فرأى ربه، كما كان للنبي صلى الله عليه وسلم رؤية من وراء ظهره وله عينان يبصر بهما، ويرى من ورائه كما يرى من أمامه وهكذا جعل الله له في قلبه. وقد قال بهذا القول أئمة أجلاء منهم: الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والإمام ابن كثير وجمّ غفير وفي تقديري وعلمي أن هذا القول ضعيف لعدة أمور: إطلاق الرؤية ينصرف إلى رؤية البصر لا إلى رؤية القلب، ونحن عندنا قد ثبتت الرؤية مطلقة ومقيدة، فالمقيدة أثر ابن عباس (ببصره) ، والمطلقة – كقول أنس [رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه] . ولا أعلم من أين أتى أصحاب هذا القول بقولهم إنه رآه بقلبه؟! نقول: وثبت عنده [ببصره] وبقية الروايات عن الصحابة مطلقة، فعندما يقول أنس: [رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه] فهذا اللفظ المطلق عندما يسمعه الإنسان يفهم منه أنها رؤية بصرية، لأن الرؤية إذا أطلقت فهي رؤية بصرية بعيني الرأس، فنقول: إطلاق الآثار المصرحة بحصول الرؤية لنبينا عليه الصلاة والسلام تدل على أن الرؤية بالبصر لا بالقلب. ؟؟؟ رضي الله عنهما بأنه رآه ببصره. 3- أن هذا خصوصية وذاك خصوصية فما الداعي لاعتبار هذا وإلغاء ذاك، وما الذي يرجح خصوصيتكم على خصوصيتنا. 4- القول بالقول الأول يدخل فيه هذا القول دون العكس.

فلو قلنا إنه رآه بقلبه فقط لما دخلت رؤية البصر، ولو قلنا إنه رآه ببصره فلا مانع من أن يراه بقلبه أيضاً. إذن فالرؤية البصرية لا تمنع الرؤية القلبية، بخلاف العكس، وإذا كان الأمر كذلك فالذي يتناسب مع فضل الله ومع منزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام ودلالة الآثار أنه قد رآه بالأمرين، ببصره وبقلبه والله على كل شيء قدير. والإباضية والخوارج والمعتزلة خالفوا في موضوع الرؤية ونفوا حصولها وقالوا هي مستحيلة فنقول نبي الله موسى سأل الرؤية، وهذا من أعظم أدلة أهل السنة على أن رؤية الله في الدنيا ممكنة فضلا ً عن الآخرة، لأنها أي الرؤية لو كانت كفراً وضلالاً فهل كان يسألها نبي من أولي العزم؟!! وانظر إلى سفاهة الزمخشري عند هذه الآية (لن تراني) يقول لن تفيد التأبيد وهذا في الدنيا والآخرة، ونقول له: ألم يقل الله عن اليهود (ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم) ؟ ثم أخبر عنهم وعن أهل النار عموماً بأنهم سيتمنون الموت (ونادوا يا مالك ليقضي علينا ربك) فإذن المراد بـ (لن تراني) أي في الدنيا، فما الذي جعلك تقول إنه في الآخرة أيضاً لن تراه. ثم بعد ذلك هجا أهل السنة ببيتين من الشعر في (كشافه) فيقول: لجماعة سَمَّوا هَواهم سنة ... لجماعة حُمْرٌ لعمري موكفه قد شبهوه بخلقه فتخوفوا ... شنع الورى فتستروا بالبلكفه (حمر موكفة) هي حمير عليها الأكاف فهي مستعدة للركوب، والأكاف هو الذي يوضع على ظهر الحمار كالسراج للخيل. (البلكفة) هي قولنا نراه بلا كيف، ويقصد أننا لما قلنا بأننا نرى ربنا خفنا أن يقول النار عنا مشبهة وأن يشنعوا علينا ويقولون كيف شبهتموه بالورى فتسترنا بالبلكفة، فحذار حذار من البلكفة فإنه من منصوبات طواغيت شيوخهم، هذا كلامه، وهو اعتقادنا بأننا كلما ذكرنا صفة قلنا: نؤمن بها من غير كيف لأن الله يقول (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) . ونحن نقول إن كان هو شاعراً أفلا يوجد عندنا شعراء، فانظر بماذا أجابه أهل السنة:

هل نحن من أهل الهوى أم أنتم ... ومن الذي منا حمير موكفه اعكس تصب فالوصف فيكم ظاهر ... كالشمس فارجع عن مقال الزخرفه أترى الكليم أتى بجهل ما أتى ... وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفه إن الوجوه إليه ناظرة بذا ... جاء الكتاب فقلت هذا سفه نطق الكتاب وأنت تنطق بالهوى ... فهوى الهوى بك في الهاوي المتلفه فليلزم هو وكذلك الإباضية حدهم وليقفوا عنده، هل صار أعظم نعيم نتمناه ضلال؟ والذي يسأله يكون من الكافرين؟ نعوذ بالله من هذا. القول الثالث: ينفي الرؤية، أي لم تحصل هذه الرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج. تبنى هذا القول أمنا عائشة غفر الله لها ورضي عنها. ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث مسروق أنه قال لأمنا عائشة: [يا أمتاه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فقالت: لقد قفّ شعري مما قلت] ومعنى هذا أن شعري؟؟؟ من هول هذه الكلمة العظيمة فكيف تقول هذا، والإنسان إذا اعتراه وجل يصاب بمثل هذا كما قال جل وعلا (الله أنزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين لا يخشون ربهم) فإذا اعتراك وجل وهم ينقبض جلدك وكأن هناك برداً شديداً وتشعر بشعر رأسك كأنه انتصب، فهذا هو القف، ثم قالت له: [أين أنت من ثلاث، من حدثك أن محمد صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، [وفي رواية فقد أعظم على الله الفرية] ورحمة الله على الإمام ابن خزيمة يقول في كتاب التوحيد ويلتمس عذراً لأمه: "قالت هذا في حال انفعال وغضب، ولا يجوز أن نقول إن من قال هذا إنه أخطأ فضلاً عن أن نقول إنه افترى فضلا ً عن أن نقول إنه أعظم الفرية" أي أن هذا الكلام صدر منها في حالة من الغضب ولا علم عندها في هذه المسألة فقالت على حسن ما عندها من العلم هذا اللفظ القاسي، فهي مخطئة في هذا وهي أمنا نستغفر لها ونترضى عنها ونسأل الله بفضله ورحمته أن يشفعها فينا إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وهذه شفاعة شرعية، وليست شركية، فإنك إذا سألت الله أن يشفع فيك أحداً من خلقه فهذه شفاعة شرعية بالإجماع، أما لو قلت: يا عائشة اشفعي لنا، فهذا هو المحظور وهي شفاعة شركية، لكن لو قلت اللهم شفع في أبا بكر، عمر، عثمان، علي ... اللهم شفع فيّ نبيك عليه الصلاة والسلام، شفع فيّ أمنا عائشة فهذا خالص التوحيد، فتطلب من الله أن يشفع لا تطلب من المخلوق، لأنه لا يشفع أحد إلا بعد أن يأذن له الرحمن ويرضى للمشفوع بحصول الشفاعة له، ولذلك نحن نطلب من الله أن يشفع فينا هذه الصديقة رضي الله عنها، ثم قالت: [؟؟؟ والله يقول (لا تدركه الأبصار) ] ولو أردنا الوقوف معها لقلنا هل يصح هذا دليلاً على نفي الرؤية عن نبينا عليه الصلاة والسلام؟ ليس فيه دليل على الإطلاق، فالإدراك هو رؤية مع إحاطة والله جل وعلا يُرى ولا يُحاط به، فإذن الإدراك معنىً زائد على الرؤية هذا هو المعنى المعتمد. وقيل لا تدركه: على التنزل لنجعل قول أمنا معتبراً، ويكون المعنى لا تدركه أي لا تراه في الدنيا بإحاطة أو غيرها ونستثني من هذا نبينا عليه الصلاة والسلام. وقيل: وهو المعنى الثالث: لا تدركه في الآخرة إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، فإذا تجلى بنوره الذي هو نوره فإنه لا يراه شيء في الدنيا ولا في الآخرة إلا مات واحترق والمؤمنون عندما يروه يكون بصورة تناسب قواهم في الآخرة، فإنه لو تجلى بنوره الذي هو نراه لم يره يابس إلا ند؟؟؟ ولا حي إلا مات، والأمر الثاني: [ومن حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أنزله الله عليه فقد كذب، والله يقول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ومن حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فقد كذب، والله يقول (قل لا يعلم من في السموات والأرض إلا الله) ] .

ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن شقيق (من التابعين) [أنه التقى بأبي ذر رضي الله عنهم أجمعين فقال له: ليتني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسأله؟ ققال: وماذا تريد أن تسأله؟ فقال: كنت سأسأله: هل رأيت ربك؟ فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هل رأيت ربك؟ فقال: [نورٌ أنّى أراه] فهذا الأخير من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ومعظم من أورد هذا الحديث يقول هذا دليل على نفي الرؤية. أنا أقول: هل هذا دليل على نفي الرؤية أم على حصولها؟ الجواب: هذا الحديث دليل على حصول الرؤية، كيف هذا؟ يا إخوتي الكرام ... عندما أقول هذا رجل أنّى أراه، ما معنى هذا، معناه أنه كيفما أراه وفي أي حالة أراه فهو رجل. وهذا هو جواب الإمام ابن خزيمة وتعليله فيقول أنّى ليست للاستبعاد وإنما لبيان أن هذا هو حال الله في جميع الأحوال. فالمعنى هو أن الله جل وعلا كيفما أراه فهو نور، وهذا كقوله تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم) أي كيف شئتم، وليس المعنى أنّى لا رآه ومستبعد أن أراه. فإذن هو يدل على حصول الرؤية، يدل على هذا الرواية الثانية في صحيح مسلم [رأيت نوراً] وقال النافون للرؤية: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يره لكن رأى النور الذي هو حجابه، فإن الله لا يُرى في الحياة الدنيا، وحملوا أنّى على الاستبعاد لا على هذا العموم الأحوال. المحاضرة السادسة عشرة وقد حاول أصحاب القول الثاني [الذين قالوا الرؤية قلبية ليست بصرية] أن يجمعوا بين القول الأول والثالث وأن يردوهما إلى القول الثاني فقالوا: من أثبت الرؤية فمراده الرؤية القلبية. ومن نفى الرؤية فمراده الرؤية البصرية. وعليه فالأقوال الثلاثة بمعنىً واحد ولا اختلاف بينها، وهذا هو رأي الإمام بن تيمية وتلميذه ابن القيم، والإمام ابن حجر في فتح الباري (8/608) مال إلى هذا وجمع بين الأقوال الثلاثة فردها إلى قول واحد.

وهذا مع جلالة من رجحه وقال به – هو في نظري جمع ضعيف لأمرين معتبرين: الأمر الأول: لا معارضة بين القول الأول والثاني عند أصحاب القول الأول فلا يجوز أن نرد قولهم إلى قول غيرهم. ووجه عدم المعارضة وضحته لكم سابقاً: أن من أثبت الرؤية البصرية لا ينفي الرؤية القلبية بل يقول: إذا حصلت رؤية البصر فرؤية القلب حاصلة من باب أولى، وعليه فلا داعي للجمع بين القولين لأن أصحاب القول الأول لا يخالفونكم في قولكم. الأمر الثاني: نقول: القول الثاني والثالث ينفيان الرؤية – أي الرؤية البصرية – وتقدمت معنا قاعدة ذهبية وهي أن المثبت مقدم على النافي. فعندما تأتينا رواية الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [رأى محمد عليه الصلاة والسلام ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده] فهذا إثبات والإثبات لا يجوز أن نتركه لأجل نفي لأن المثبت مقدم على النافي، ومَنْ حفظ حجة على من لم يحفظ. والعلم عند الله. القول الرابع: التوقف، فلا نقول رآه ببصره ولا بقلبه ولا ننفي الرؤية، إنما نقول هذه مسألة لا يتعلق بها حكم دنيوي والنصوص متعارضة في الظاهر، فالسكوت أسلم ونفوض الأمر إلى الله جل وعلا. إذن لما تعارضت الأدلة وكان لا يتعلق بها حكم ظاهري أو دنيوي لنجمع أو لنرجح، إذ لو كانت في حكم دنيوي لكان لابد من الترجيح أو الجمع لأجل أن نعمل ببعض النصوص، لكن بما أن الحالة ليست كذلك والمسألة من أمور الغيب فالسكوت عنها أولى. وهذا ما ذهب إليه عدد من الأئمة منهم الإمام أبو العباس القرطبي، (ليس صاحب التفسير المشهور إنما هو صاحب كتاب المُفهِم في شرح صحيح مسلم) وقال: النصوص فيها متعارضة وأقاويل السلف مختلفة فمنهم من يثبت ببصره ومنهم من يثبت بقلبه ومنهم من ينفي، ولا يتعلق بهذه المسألة حكم دنيوي فالسكوت أسلم.

وذهب إلى هذا سعيد بن جبير من أئمة التابعين كما حكي ذلك عن القاضي عياض في كتابه (الشفا في التعريف بحقوق المصطفى) وهو كتاب سيرة نبوي – في ص 97 حيث نقل القاضي عن سعيد بن جبير عليه رحمة الله أنه قال: لا أقول رآه ولا أقول لم يره. ويفهم من كلام الإمام الذهبي عليه رحمة الله أنه يميل إلى هذا القول ففي سير أعلام النبلاء (10/114) يقول: "والذي دل عليه الدليل عدم الرؤية مع إمكانها فنقف عند هذه المسألة فإثبات ذلك أو نفيه صعب والوقوف سبيل السلامة والله أعلم، وإذا ثبت شيء قلنا به". انظر لهذا الكلام الذي هو أصفي من الذهب وأحلى من العسل، وهذا الإنصاف وهذا هو حال أئمتنا في البحث العلمي فلا نعنف من أثبت الرؤية لنبينا عليه الصلاة والسلام في الدنيا ولا من نفاها بل نقول الله ورسوله أعلم، بلى نعنف ونبدع من أنكر الرؤية في الآخرة، إذ رؤية الله في الآخرة تثبت بنصوص متواتر. وهذه المسألة أشار إليها الإمام الذهبي أيضاً في (2/167) وقد ذكرته سابقاً، فيقول: "ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله بعينيه، وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة وأما رؤية الله سبحانه عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص وجمع أحاديث الرؤية الإمام البهيقي والإمام الدارقطني وغيرهما" فهذا فيما يظهر ميل الذهبي إلى هذا القول، أنه يتوقف ولا يعنف من قال بخصوص الرؤية ولا يعنف من نفاها. وخلاصة الكلام ... في هذه المسألة أربعة أقوال ثابتة عن سلفنا الكرام وهي مما يسع الإنسان في هذه المسألة أن يقول بواحد منها، وإذ قال بواحد منها فلا يعنف ولا يبدع ولا يضلل لاختلاف السلف في هذه المسألة. نعنف نعنف من أنكر الرؤية في الآخرة فذاك يخالف أمراً مجمعاً عليه، فنبدعه ونحكم عليه بالضلال فانتبه لهذا.

أخوتي الكرام ... العمدة والضابط في التماس عذر للمخالف من أمور الشرع وعدم التماس عذر له أمر واحد وهو اتفاق السلف واختلافهم فهم في العقائد والأحكام العملية (عبادات، معاملات، عقوبات) فمن خالفهم فيما اتفقوا عليه فهو ضال مبتدع ومن خالفهم فيما لم يتفقوا عليه فالمخالف في سعة فلا يبدع ما دام لم يقصد الهوى ولم يخبرنا أنه يفعل هذا شططاً وسفهاً. وهذا له نظائر كثيرة سواء كان في العقائد أو في الأحكام فالأمر مستوٍ فيهما، فإذن ننظر لحال واقع السلف في هذه المسألة فإن أجمعوا فالمخالف ضال وإن اختلفوا فالأمر فيه سعة، وهنا لا نعنف المثبت ولا نعنف النافي ولا نعنف المتوقف. ولأضرب لكم مثلا في أمر فرعي: آية الوضوء: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ... ) فهناك أربعة أعضاء ثلاثة تغسل وواحد يُمسح لا خلاف فيها بين المسلمين، فمن خالف في هذا فهو ضال شيطانٌ رجيم، لكن بعد ذلك في كيفية الإتيان بهذه الأعضاء في الوضوء اختلف العلماء قالوا: هل يلزم الترتيب أم لا؟!، فلو جاء إنسان وتوضأ ولم يرتب صح الوضوء أم لا؟ عند الحنفية صح الوضوء، والترتيب بين هذه الأعضاء الأربعة مستحب لأن الله يقول (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ... ) والواو بإجماع أهل اللغة تفيد التشريك مع عدم الترتيب لا بمهلة ولا بدون مهلة، هذا كما تقول جاء زيد وبكر ومحمد وقد يكون محمد أولهم مجيئاً بخلاف ما لو قلت جاء زيد فبكر فمحمد فهنا الفاء للترتيب مع التعقيب فالأول وبعده الثاني مباشرة، وبخلاف ما لو قلت جاء زيد ثم إبراهيم فهنا ثم للترتيب مع التراخي. فإذن الترتيب عند الحنفية سنة، وهو عند الجمهور واجب، وعليه لو جاء رجل وتوضأ ولم يرتب فهل يجرؤ إنسان أن يقول له وضوؤك باطل؟!.

لا، لأن المسألة وقع الخلاف فيها بين السلف. وأبو حنيفة تابعي أدرك ستة من الصحابة، فالمسألة فيها سعة. مثال آخر: مسح الخفين بدل غسل الرجلين هذا لا خلاف فيه بين علماء الأمة، فإذا لبس الخفين على طهارة وجاء ليتوضأ فلا يلزمه أن ينزع خفيه بل يكفيه أن يمسح عليها. فلو خالف أحد وقال لا يجوز المسح على الخفين ولو مسح ما صحت صلاته، فماذا نقول له؟ مبتدع وضال لأنه لا خلاف في هذا بين أئمتنا، والمخالف في هذا هم الشيعة فقط يقولون لو مسح على خفيه لم يصح وضوؤه، ولو غسل رجليه لم يصح وضوؤه بل يمسح على رجليه مسحاً فقط. فخالفوا أهل السنة في الأمرين، في غسل الرجلين وفي المسح على الخفين، لكن نقول هل سبقهما إلى هذا أحد من السلف؟! وإن سبقهم أحد من السلف فلا يحق لأحد أن يضلل المخالف. وأحاديث المسح على الخفين رويت عن العشرة المبشرين بالجنة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه - الذي يزعمون زوراً وبهتاناً أنهم ينتمون إليه، وكان يمسح على الخفين، كما نقل عنه تحريم نكاح المتعة – وهذا ثابت في صحيح مسلم عنه وهم يخالفونه في الأمرين، ولا يمسحون على الخفين، وينكحون نكاح متعة ويدعون أنهم ينتسبون إلى آل البيت، والزنا في البلدان كلها يقع في دور العهر والفجور والفنادق إلا في إيران فإنه يقع في المساجد عن طريق نكاح المتعة، فتذهب إلى هناك ويأتي آية الله – بل هو آية الشيطان – فيعقد لك على من تريد وهناك نساء جالسات ينتظرن من يأتي ليعقد عليهن نكاح متعة يوماً أو يومين أو ليلة أو ليلتين كما تريد، وهذا عندهم لا حرج فيه بل هو من الأمور الفاضلة كما أنه لا يعتبر نكاحاً كالنكاح المعروف، فلو كان عندك أربع نسوة وأردت أن تعقد على غيرهن نكاح متعة فلا حرج في ذلك، وإذا تمتعت مرة فأنت في درجة الحسن – كما يقولون – ومرتين في درجة الحسين، وثلاثة في درجة علي ... نعوذ بالله من هذا الضلال والعار.

فإذن ننظر إلى المسألة هل تحتملها الأدلة أم لا؟ وكيف ذلك؟ نقول: خير من فيهم دين الله هم سلف هذه الأمة، فإذا اختلفوا دل هذا على أن الدليل يحتمل ويحتمل، ولا يوجد نص يرجح، فالمسألة بقيت محتملة والأقوال كلها جائزة، والإنسان يأخذ بما هو أقرب للمراد حسب اجتهاده، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وإذا لم يختلفوا – فهم خير من فهم دين الله – فاتفاقهم هذا يدل على أن النص ليس له معنىً إلا هذا ولذلك المخالف ضال ومبتدع. ولذلك إخوتي الكرام ... كل من يدعو إلى الكتاب والسنة – كما يوجد في هذه الأيام – دون الرجوع إلى فهم السلف فهو ضال زنديق يريد أن يضلل الأمة وأن يقضي على الكتاب والسنة باسم الكتاب والسنة، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج المتقدمين الجدد والحديث في الصحيحين [يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّه، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وقراءته مع قراءتهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم] هذا حال الخوارج، وقد تواترت الأحاديث في ذم الخوارج، فهؤلاء ماذا يقولون؟ يدعون إلى تحكيم الكتاب ويقولون لا حكم إلا لله، وعليّ عندما حَكَّم الرجال كفر. ويوجد جماعة الآن يسمون بالقرآنيين يقولون ليس عندنا لا أبو بكر ولا عمر ولا أحمد ولا الشافعي، ليس عندنا إلا القرآن وعقولنا. فانظر لألفاظ علمائنا لا نعنف من أثبت الرؤية، ولا نعنف من نفاها، فماذا تختار؟ يقول: السكوت أسلم وإذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب وهي ما لا يتعلق به حكم دنيوي وهي من أمور الغيب فلنكِلْ أمرها إلى الرب جل وعلا ولا نخوض فيها والعلم عند الله.

انتبهوا لهذا طالب العلم لابد أن يحيط بهذه الأقوال الأربعة حتى إذا سمع قائلاً يقول بقول منها فليتمهل عليه ولا ينبذه بالبدعة ويقول له أنت مبتدع خالفت أهل السنة، انتبهوا المسألة مما اختلف فيها أهل السنة وفيها سعة وقد سبقنا في الخلاف فيها من قبل الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم، فابن عباس يثبت وأمنا عائشة تنفي والعلماء بعد ذلك على هذا المسلك وما دام الأمر كذلك فليسعنا ما وسعهم ولا يبدع بعضنا بعضاً والعلم عند الله. س: ما المراد بالسلف هنا؟ جـ: المراد بالسلف هنا الصحابة والتابعون وتابعوهم، وهم القرون المفضلة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك يفشوا الكذب كما يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح البخاري: [خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم] ، قال عمران بن الحصين أو الراوي عنه: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً] ثم يأتي بعد ذلك أقوام يشهدون ولا يستشهدون ويحلفون ولا يستحلفون ويخونون ولا يأتمنون [وفي بعض الروايات ينذرون ولا يوفون] ويظهر فيهم السِمَن يسبق يمين أحدهم شهادته وشهادته يمينه] أي يتعجل في كلامه ولا يتروي وهذا في العصور المتأخرة. ولذلك الحديث المرسل الذي يرفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم احتج به الجمهور، قالوا: لأن ذلك لم يفشُ فيه الكذب، فإنه حصل في العصور المتأخرة. خامساً: كلام العزيز الغفور لنبينا عليه الصلاة والسلام المبرور: كلمة الله جل وعلا فوق سبع سموات، فحصلت له الرؤية وحصل له الكلام ن وتقدم معنا ما يشير إلى هذا عند فرض الصلوات وفيه أن الله جل وعلا قال له بعد أن انتهت إلى خمس [أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، هي خمس وهن في الآخرة خمسون] . وهذا كلام يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من ربنا في ذلك الوقت، وهذا هو مما أطلعنا عليه من أنه حصل بينهما كلام، لكن ما الذي حصل بعد ذلك من مناجاة وتكليم؟ لا يعلم هذا إلا رب العالمين.

وقد أشار الحافظ في الفتح (7/216) إلى هذا عند هذه الجملة من الحديث: "هذا من أقوى ما استدل به على أن الله كلم نبيه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج بغير واسطة" إن قيل: من أين علمنا أن هذا التكليم كان من غير واسطة؟ الجواب: من لفظ الحديث [أمضيت فريضتي] ، ولو أن الملك هو الذي بلغه لقال أمضى الله فريضته يا محمد [خففت عن عبادي] هذا كلام من؟ إنه كلام الله، هذا كما يفعل ربنا كل ليلة حين ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: [من يدعوني فاستجب له، ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له] والحديث متواتر، فجاء المؤولة وقالوا: معنى [ينزل ربنا] أي ينزل ملكه ونقول لهم: لو نزل الملك فهل يجوز أن يقول من يدعوني فأستجب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له بل لو نزل أعلى الملائكة لما جاز له أن يقول هذا الكلام، لكن يقول لو كان الملك الذي ينزل – من يدعو الله فيستجيب له ... وهكذا. وهنا لفظ الحديث يدل على أن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى إذ لا يصح أن يتكلم بهذه الصيغة غير الله جل وعلا. وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد (1/80) – وهذا الكتاب لا ينبغي أن يخلو منه بيت مسلم وهو في خمس مجلدات وهو كتاب نافع ضروري ضموه إلى ما ذكرناه سابقاً كتاب الأذكار ورياض الصالحين والتبيان في آداب جملة القرآن – يقول عند تعداد مراتب الوحي فذكر مرتبة ثامنة للوحي وهي آخر المراتب وهي خاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام ولم تحصل لغيره: "زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي تكليم الله لنبيه عليه الصلاة والسلام كفاحاً (أي من غير حجاب) على مذهب من يقول إنه رأى ربه، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف".

وهي كما قلنا لم تحصل لغير نبينا عليه الصلاة والسلام، أما الكلام الذي حصل لموسى بحجاب، فهذه زيادة رآه وكلمة، والله يقول في كتابه ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء فاستثنى من هذا نبينا عليه الصلاة والسلام فكلمه كفاحاً ومشافهة دون أن يكون هناك حاجز أو حجاب. وإذا لم نقل بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فنقول الكلام حصل له بحجاب كما حصل لموسى عليه السلام. والآن انتهينا من مبحث الإسراء والمعراج. س: متى وقع الإسراء والمعراج بالتحديد؟ جـ: لا يُعلم زمن وقوعه بالتحديد لا في أي يوم ولا في أي شهر ولم يثبت هذا بسند صحيح عن أحد وكل تحديد لشهره أو ليومه أو لليلته فهو محض التخرص والكذب والافتراء على النبي عليه الصلاة والسلام. أما الاحتفالات المزيفة بليلة الإسراء والمعراج فهذه احتفالات المنافقين الذين عادوا نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، فبعد أن محوا نوره وشرعه أراد الشيطان أن يخدّرهم , أن يخّدر الناس باحتفالات وتواشيح وأناشيد وشيء من الخطب وأحياناً بكاء، ثم يزول أثر كل ذلك بعد قليل. وهل احتفل الصحابة في حياتهم أو التابعون أو من بعدهم بإسراء ومعراج أو بمولد نبوي أو بحادث هجرة أو بغير ذلك؟ لا، ولكن هذا الآن صار عندنا أعظم الغايات وما كان الصحابة يبالون به ولا يعطونه شيئاً من الاهتمام، مع أنهم يعلمون في أي يوم أسري به صلى الله عليه وسلم ومتى عرج به لكن ما خطر ببال تابعي – لسلامة عقولهم – أن يسأل صحابياً عن اليوم بالتحديد، ولو سأله لأخبره لكن لا فائدة من هذا السؤال فليس من وراء معرفته على التحديد فائدة.

ولكننا ما عملنا هذا إلا لما انحرفنا عن دين الله وحاربنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأنا نحتفل بهذه الشكليات التي هي بدع وصار حالنا كالنصارى فإنهم احتفلوا بعيد الميلاد – عندهم - بعد أن ضيعوا دينهم وغيروا هذا الدين وضيعوه فلذلك صاروا يحتفلون بهذه المراسيم، وهكذا نحن سلكنا مسلكهم وسنسلك مسلك من كان قبلنا شبراً بشبر وذراعا ً بذراع. فإذن لم يضبط تاريخ هذه الحادثة ولعله لحكمة يشاؤها الله: أولا ً: لئلا يعكف المسلمون على هذه الليلة ويجعلون لها مراسيم، وهذا واضح فإنهم عملوا لها مراسيم الآن مع أنها لم تعلم بالتحديد فكيف لو عُلِمتْ. ثانياً: ليخبرنا الله أن هذه الأمور شكلية ولا وزن لها ولا قيمة، فليس المهم معرفة الزمن بالتحديد الذي وقعت فيه، لكن المهم الاتعاظ والوقوف عند هذه العبرة العظيمة وأخذ الأحكام والفوائد التي في هذه الحادثة. س: إذا اختلف الأئمة بعد القرون المفضلة، فهل في الأمر سعة كما لو اختلفوا في عهد السلف؟ نقول: إن خالفوا في أمر متفق عليه بين الصحابة وتابعيهم ومن بعدهم فالمخالف حينئذ ضال وهذا لا يوجد في المذاهب الأربعة قطعاً. وإن كانت المسألة جديدة وحادثة واختلفوا في حكم الله فيها ليلحقوها بأحد النصوص الشرعية الثابتة عن خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، فاختلفوا في هذا فهنا الأمر فيه سعة ما دامت النصوص تشهد له. إذن جرت مسألة ولا نص فيها فبحث العلماء في حكمها وشأنها فاختلفوا فبعضهم ألحقها بدليل وحاظر وبعضهم ألحقها بدليل مُبيح فيبقى الأمر كما لو حصل الاختلاف في زمن الصحابة رضوان الله عليهم والأمر فيه سعة، ورحمة الله واسعة. المبحث الثاني: مبحث الحَوض: معناه في اللغة: مجمع الماء، بمعنى البركة كما هو معروف لدينا في هذه الأيام فنقول: بركة، مسبح، حوض وجمعه حياض وأحواض. والمراد من الحوض: الحوض الذي يكون لنبينا صلى الله عليه وسلم في الآخرة.

وهذا الحوض قد تواترت به الأحاديث، فأحصى الحافظ ابن حجر الصحابة الذين رووا أحاديث الحوض فبلغوا (56) صحابياً، ثم قال: بلغني أن بعض المعاصرين جمع الصحابة الذين رووا أحاديث الحوض فبلغوا (80) صحابياً. فهذا إذن متواتر. قال الإمام الداوودي عليه رحمة الله: مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتاً واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ... ومسح خفين وهذي بعض أي هذه بعض الأحاديث المتواترة وهي أكثر من ذلك بكثير. (من كذب) حديث [من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار] ، روي عن جملة كبيرة من الصحابة منهم العشرة المبشرون بالجنة. (ومن بنى لله بيتاً واحتسب) : حديث [من بنى لله بيتاً واحتسب فله بيت في الجنة] . وحديث [من بنى لله بيتاً ولو كمَفْحَص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة] . وحديث [من بنى لله بيتاً ليذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة] . فهذا متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام. (ورؤية) أي أحاديث الرؤية، أي رؤية المؤمنين لربهم في جنات النعيم. (شفاعة) أي أحاديث الشفاعة، ويأتينا مبحث الشفاعة إن شاء الله بعد الحوض. (الحوض) فأحاديث الحوض متواترة. (ومسح الخفين) رويت أحاديث المسح على الخفين عن العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم. وسنتكلم عن الحوض ضمن خمسة أمور متتالية ننهي بها الكلام على الحوض إن شاء الله تعالى.

الأمر الأول: وصف الحوض لا يستطيع عقل بشري أن ينعت الحوض أو يصفه، لأنه يتعلق به غيب، فالطريق لمعرفة صفة الحوض المنقول لا المعقول والرواية لا الرأي، فلا طريق لوصف الحوض إلا عما جاء عن نبينا عليه الصلاة والسلام – من قرآن أو أحاديث – الذي لا ينطق عن الهوى فلنذكر بعض الأحاديث التي تعطينا وصفاً لهذا الحوض، إيماناً برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن الذي لا ينطق عن الهوى. ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه (جمع كوز وهو القدح والكأس) كنجوم السماء من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً] . ... إذن هذا الحوض طوله مسيرة شهر نؤمن بهذا ولا نبحث بعد ذلك في كيفية هذا المسير هل هو مسيرة شهر على الجواد المسرع؟ أم مسيرة شهر على حسب السير في الدنيا؟ أم مسيرة شهر على حسب سير أهل الجنة؟ فالله أعلم، نحن نثبت اللفظ ولا نبحث في كيفيته فإنه مغيب. وكيزانه كنجوم السماء ولا يعلم عددها إلا خالقها سبحانه وتعالى. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن طول الحوض وعرضه بمسافة واحدة فطوله مسيرة شهر وعرضه مسيرة شهر، ثبت في صحيح مسلم من رواية ابن عمر في الحديث المتقدم [حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء] أي أطرافه متساوية فشهر طولا ً وشهر عرضاً فتصبح الزوايا متساوية، أي على هيئة مربع كالبركة المربعة أضلاعها متساوية [ماؤه أبيض من الورِق] أي الفضة والرواية المتقدمة أبيض من اللبن، [وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء فمن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً] . يكفي هذان الحديثان لوصف الحوض بصفة مختصرة.

إذن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام في الآخرة أضلاعه متساوية وهو مربع مسيرة شهر في شهر، زواياه سواء، الماء الذي فيه ينعش النفوس، ويصح الأبدان لونه من أحسن الألوان كلون اللبن وكلون الفضة بياض خالص ليس فيه شائبة ولا عكر ولا كدر، ريحه أطيب ريح وهو ريح المسك بل أطيب منه، وهو أحلى من العسل والكيزان التي عليه لأجل كثرة الواردين على حوض نبينا عليه الصلاة والسلام كنجوم السماء، هذا هو الوصف مختصراً. الأمر الثاني: عدد الأحواض لنبينا عليه صلوات الله وسلامه: له حوضان: 1- واحد يكون قبل دخول الجنة في ساحات الحساب وعَرَصات الموقف. 2- والآخر يكون في داخل الجنة، وكل منهما يقال له حوض ويقال له كوثر. يقال لكل منهما حوض لأنه ينطبق عليه التعريف اللغوي (مجمع الماء) . ... ويقال لكل منهما كوثر لأن الحوض الذي في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف يستمد ماءها من نهر الكوثر الذي في الجنة، فنهر الكوثر له ميزابان - كما سيأتي وهذا لا دخل لعقل الإنسان فيه – يصبان صباً بدفق وقوة في حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف، فنجد أن الحوض الذي في ساحة الحساب يأخذ من نهر الكوثر قيل له كوثر وحوض، والنهر الذي في الجنة اسمه الكوثر وبما أنه في مكان محصور قيل له حوض، فكل منهما حوض وكل منهما كوثر. ... وقد أنزل الله سورة كاملة يمتن بها على نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا الخير الذي أعطاه إياه (إنا أعطيناك الكوثر) والكوثر: على وزن فوعل من الكثرة وهو الخير الكثير في الدنيا والآخرة ويدخل في ذلك النهر العظيم الذي يكون لنبينا عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم، وفيه ميزابان يغتّان غتاً (يصبان صباً) ويشخبان من مائه في حوضه الذي هو في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف فهذا خير عظيم أعطاه الله لنبيه الكريم عليه صلوات الله وسلامه.

ولذلك ثبت في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير رحمه الله – تلميذ العبد الصالح عبد الله بن عباس رضي الله عنهما – [أنه سئل عن تفسير الكوثر فقال هو الخير الكثير الذي أعطاه الله لنبيه عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، فقالوا له: يقولون إنه نهر في الجنة؟، فقال سعيد بن جبير: النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله لنبيه عليه الصلاة والسلام] . وهذا التفسير أعم وأشمل وأحسن من أن نقصر الكوثر على خصوص النهر فنقول: الكوثر خير كثير في الدنيا والآخرة وهبة من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام 0 من جملة ذلك الحوض، ونهر الكوثر والشفاعات والمقام المحمود ورتب كثيرة في الدنيا والآخرة مَنَّ الله بها على نبيه عليه صلوات الله وسلامه. ... وإذا مَنَّ الله عليك بالنعم فالواجب أن تشكر المُنعِم (فصلِّ لربك وانحر) أي اجعل صلاتك خالصة له، ونحرك خالصاً له – أي ذبحك – فيكون على اسم الله خالصاً له لا تشرك معه أحداً (إن شانئك) أي مبغضك (هو الأبتر) ، فالنعم تستدعي الشكر. ... ولذلك إخوتي الكرام ... ربطاً بحادثة الإسراء والمعراج – كان نبينا عليه الصلاة والسلام – كما ثبت هذا في المسند والسنن بسند حسن – [لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر] وما رأيت أحداً من أئمتنا وَجَّه الحكمة في ذلك؟ ويمكن استنباطها مما سبق تقريره في سورة الكوثر.

.. فنذكر أن النعم تستدعي الشكر وهناك عندما يريد أن ينام يقرأ سورة بني إسرائيل ليستحضر فضل الله عليه وكيف مَنَّ الله عليه بهذا الأمر الجليل وهو الإسراء والمعراج وفي ثنايا السورة ذكر الله سبحانه الآيات التي منحها لنبينا عليه الصلاة والسلام وكيف حفظه من شياطين الإنس والجن (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) ، وآيات كثيرة غيرها يخاطبه الله فيها في سورة الإسراء. إذن في هذه السورة ذِكْر فضل النبي عليه الصلاة والسلام؛ فكان لذلك يقرأها ليتذكر فضل الله عليه وهذا يستدعي ويتطلب الشكر. ... وكان يقرأ سورة الزمر لأنها – كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله – سورة تمحضت في توحيد الله جل وعلا فموضوعها من أولها إلى آخرها حول توحيد الله وإخلاص الدين له. إذن فبعد أن يذكر نعمة الله عليه ماذا يفعل؟

.. يوحده ويقرأ السورة التي فيها توحيد الله وعبادته كما يريد بما يريد، وانتبه لآيات هذه السورة (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم، إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص، والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار، لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار) ثم بعد ذلك في جميع آيات السورة يستعرض ربنا جل وعلا ما يقرر هذا الأمر (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلا ً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) وفي آخر السورة يتحدث ربنا جل وعلا عن هذا (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون، ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) وفي نهاية السورة يقول (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) . فإذن شكر وتوحيد، وهنا كذلك (إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر) . إذن لنبينا عليه الصلاة والسلام حوضان يقال لكل منهما: حوض ويقال لكل منهما: كوثر.

.. قال الإمام القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى، وأمور الآخرة في ص 362، وقد نقل صاحب شرح العقيدة الطحاوية الإمام ابن أبي العز كلام القرطبي لكن بواسطة الإمام ابن كثير في كتابه النهاية (2/31) لأن ابن كثير شيخ شارح الطحاوية، وابن كثير له كتاب البداية والنهاية في التاريخ طبع الكتاب البداية فقط ولم يطبع معه النهاية، ثم طبع في جزء بعد ذلك مستقلاً منفرداً، وقد تكلم ابن كثير في النهاية في الجزء الثاني في أول صفحة منه عن الحوض وتتبع طرق أحاديثه بما يزيد عن ثلاثين صفحة والبداية يقع في 14 جزءاً في 7 مجلدات كبيرة، وكتاب التذكرة كتاب نافع وطيب وفيه خير كثير لولا ما فيه من أحاديث تالفة لا خطام لها ولا زمام وما تحرى عليه رحمة الله الصحة ولا تثبت في رواية الأحاديث، وليت الكتاب حقق وخرجت أحاديثه ليكون طالب العلم على بصيرة عند قراءة هذا الكتاب. ... الحاصل.. قال الإمام القرطبي في الموضوع الذي حددناه "الصحيح أن للنبي عليه الصلاة والسلام حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط، والثاني في الجنة، وكلاهما يسمى كوثراً". قال الحافظ في الفتح (11/466) :" يطلق على الحوض كوثر لكونه يُمدّ منه"0 – كما عللته لكم – ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه (النبي) صلى الله عليه وسلم قال عند وصف الحوض: [يغتُّ فيه ميزا بان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورِق] والغت: هو جريان الماء بصوت، غتّ يَغُت غَتًّا إذا جرى الماء وصار له صوت عند جريانه من شدة هذا الماء وقوته واندفاعه، وهو الدفق بتتابع إذن معنى يغت فيه، يتدفق فيه ماء متتابع لا ينقطع. ... وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يشخب فيه ميزا بان من الجنة] ، شخب يشخب أي يسيل فيه ميزا بان من الجنة.

.. وثبت في سنن الترمذي بسند حسن صحيح، والحديث رواه ابن ماجه وأحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الكوثر نهر في الجنة] وهذا هو النهر الذي له ميزا بان يغتان ويشخبان في الحوض [حافتاه من ذهب ومجراه الدّرّ والياقوت وتربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج] . (مجراه) أي أرضه التي يجري فيها، ممر الماء، (حافتاه) أي جانباه. إذن بالنسبة للبياض صار معنا ثلاثة أوصاف أبيض من اللبن، ومن الورق، ومن الثلج، والثلج ترى بياضه يزيد على الماء. ... وهو أحلى من العسل وأطيب من المسك هذا كله في هذا النهر الذي هو في الجنة وهو نهر الكوثر وفيه ميزابان من ذهب وفضة يشخبان ويغتان في حوض نبينا عليه الصلاة والسلام. س: هل هذه الأوصاف تكون لنهري دجلة والفرات أيضاً؟ جـ: لا، لا يكون هذا إلا للكوثر فقط، فهو خاص به حتى الأنهار الأخرى التي في الجنة ليس لها هذه الميزات والصفات. ... وسيأتينا في الأمر الرابع أن لكل نبي حوضاً، لكن ليس حلاوة مائه وطيب رائحته كحوض نبينا عليه الصلاة والسلام. الأمر الثالث: مكان الحوض وموضعه: ... كما ذكرنا هما حوضان، فأما الحوض الثاني الذي هو نهر الكوثر فهذا في الجنة بالاتفاق، وأما الحوض الأول الذي يستقي ماءه من الكوثر فهو قبل الجنة بالاتفاق، لكن اختلف في موضعه ومكانه بالتحديد، فهل يكون قبل الميزان وقبل مرور الناس على الصراط؟ أم يكون بعدهما؟ في المسألة قولان لأئمتنا الكرام: وانتبه إلى أن هذين القولين ليسا من باب التقدير العقلي، إنما من باب فهم هذا من النصوص الشرعية، فالفهم من النصوص هذا غير اختراع شيء من العقول ...

القول الأول: - وعليه المعول – أن الحوض يكون قبل الميزان وقبل مرور الناس على الصراط المستقيم وقبل الحساب لأمرين معتبرين: أولهما: الحكمة من وجود الحوض ما أشار إليه نبينا صلى الله عليه وسلم [من شرب منه لم يظمأ..] ، الناس يخرجون من قبورهم عطشى، لاسيما عندما يحشرون في الموقف [حفاة عراة غرلاً] نسأل الله حسن الخاتمة والعافية – والشمس تدنو من رؤوسهم ويلجمهم العرق فيسبحون فيه كأنهم في أحواض ماء، فما الذي يحتاجونه في ذلك الوقت؟ إنه الحوض، لذلك يكرم الله الموحدين في ذلك الحين بالشرب من حوض نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، وهو فرطنا على الحوض، كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام، فإذن أول ما يحصل لنا عند البعث لقاء نبينا عليه الصلاة والسلام، كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام على حوضه يقول: هلم، هلم، ويسقينا. ... فإذن لتظهر كرامة نبينا عليه الصلاة والسلام وليظهر فضله على أتم وجه، يكون هو الذي يزيل عطش الناس المؤمنين من أمته لما منّ الله عليه في الآخرة من تلك النعمة، كما أزال عنا في هذه الحياة الهم والغم بواسطة النور الذي بلغه إلينا فاطمأنت قلوبنا (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) . ... فإذن أول ما يستقبلونه بعد البعث حوض النبي عليه الصلاة والسلام، فمن كان مؤمناً موحداً سقاه النبي صلى الله عليه وسلم وشرب، وإذا شرب لم يظمأ أبداً، طال الموقف أو قصر فإنه لا يبالي بذلك. ثانيا: تواتر في حديث الحوض المتواتر أنه يُذاد وسيأتي ذكر الحديث- يدفع ويبعد أناس عن حوضه فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: أمتي أمتي، يُذادون ولا يشربون فيقال: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك والحديث في الصحيحين فأقول سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي. فهذا الذود متى يكون؟

لو كان بعد الصراط لسقطوا في النار، ولا يوجد بعد الصراط إلا الجنة، فدفع الناس لكونهم منافقين مرتدين يكون قبل الصراط لأنهم لو مروا على الصراط ونجوا لدخلوا الجنة وإذا سقطوا في جهنم لن يَرِدُوا الحوض لِيُدْفَعُوا عنه ويُبْعَدُوا. وهذا الذي ارتآه ورجحه الإمام القرطبي في التذكرة في المكان المتقدم أي صـ (362) . والإمام ابن كثير في النهاية رجحه أيضاً كما قلت لكم إنه بحث في أحاديث الحوض فيما يزيد على 30 صفحة من أول الجزء الثاني إلي ص35 كلها في الحوض، وقد روى جميع الأحاديث بالسند الذي رواها به أصحاب الكتب المصنفة فإذا ذكر حديثاً في المسند ذكر إسناد الإمام أحمد وهكذا البخاري وغيره ولذلك طالت صفحات الكتاب والحقيقة أن أكثر صفحات الكتاب متشابهة فيورد عشرة أحادث في وصف الحوض عن الصحابة مثلا ًكلها بمعنىً واحد ولذلك لم أطل في ذكرها ومردها لا لزوم له لأنه يغني عن البقية وقلت لكم إن الحافظ ابن حجر تتبعها فوصلت إلى (56) صحابياً رووا أحادث الحوض، قال وبلغني أن بعض المعاصرين جمعها فبلغت (80) طريقاً، ولعل الحافظ ابن حجر كان يقصد بقوله (بعض المعاصرين) الإمام العَيْنِي، أقول لعله يقصده، فقد كان بينهما شيء من النفرة فيكني عنه الحافظ دائماً في الفتح ولا يصرح به، فلعله يقصده والعلم عند الله. والإمام ابن حجر شرح صحيح البخاري في فتح الباري والإمام العَيْنِي شرح صحيح البخاري في عمدة القاري

والكتابان متقاربان في الحجم، فعمدة القاري (12) مجلداً في 25 جزء، وقد كان ابن حجر والعيني – في بلدة واحدة - مصر- لكن أصل الإمام العيني من بلاد الشام ثم هاجر بعد ذلك إلي مصر واستوطن فيها، وشرحا صحيح البخاري في وقت واحد، وكان كل منهما قاضياً ابن حجر قاضي الشافعية والعيني قاضي الحنفية، والأقران في الغالب يجري بينهم شيء مما يجري بين بني الإنسان، لكن دون أن يصل ذلك إلى معصية أو اعتداء، هذا في الغالب وكما قال الإمام الذهبي: ما أعلم أحداً سلم من الحسد إلا الأنبياء..، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم – والحديث في درجة الحسن – [ثلاثة لا ينجو منهن أحد، الظن والطيرة والحسد، وسأخبركم بالمخرج من ذلك: إذا ظننت فلا تتحقق] أي إذا رأيت شخصاً أو تصرفاً فلا تقل لعل هذا حوله ريبة - فهذا ظلم كفارته ألا تتحقق هل توجد تلك الريبة أم لا؟ [وإذا تطيرت فامض ِ] مثلا ً خرجت في صباح ذات يوم فرأيت صورة مكروهه فقلت هذا صباح مشئوم، فلا ترجع إلي البيت، بل امض ِ إلى طريقك وقل: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك، لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يصرف السيئات إلا أنت. [وإذا حسدت فلا تبغي] أي لا تتجاوز وتعتدي. وأنا لا أجزم أنه يقصد الإمام العيني لكن في غالب ظني أنه كذلك. وأنا أعجب حقيقة لاشتهار فتح الباري بين الناس وعدم انتشار عمدة القاري بينهم ولله في خلقه سر لا يعلمه إلا هو، ولا أقول ذلك لم ينتشر بل هو منتشر لكن ليس له من القدر والمكانة – كما يقال – ما لفتح الباري. الحاصل.. إن الإمام ابن كثير رجح هذا القول في النهاية (2/3) للأمرين المعتبرين اللذين ذكرتهما لكم. القول الثاني: أن الحوض بعد المرور على الصراط.

وإلى هذا مال الإمام البخاري عليه رحمات ربنا القوي، وفقهه في تراجم أبوابه ومذهبه في تراجم أبوابه، فأورد أحاديث الحوض بعد أحاديث الميزان والشفاعة والصراط، في كتاب الرقاق قال الحافظ ابن حجر:"أشار البخاري إلى أن الحوض يكون بعد الصراط، أورد أحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة والصراط" ويفهم من كلام الحافظ ابن حجر الميل إلى هذا القول، حيث قال معللا ً ما سبق (1) لأن الصراط بين الجنة والموقف ميزابان يغتان ويشخبان في الحوض، فلو كان الحوض في عَرَصَات الموقف وفي ساحة الحساب لكان الصراط حاجزاً بين هذين الميزابين وبين الحوض، فكيف سيصب الميزابان ماءهما في الجنة إلى الموقف وبينهما هذه الفجوة صراط وتحته جهنم. نسأل الله العافية وكل من سقط منه يسقط في جهنم وبئس المصير فإذا كان الأمر كذلك فالحوض بعد الصراط وهو قُبيل الجنة قََبل أن يدخلها المؤمنون يشربون من الحوض ويستقبلهم نبينا عليه الصلاة والسلام عندما ينتهون من الصراط فيسقيهم من حوضه فينتعشون ويفرحون بعد أن مَنَّ الله عليهم بالسلامة ثم يدخلون دار النعيم، وهذا دليل.

(2) دليل آخر قرروا به هذا القول وهو: أنه ثبت في الحديث أن مَنْ شرب مِنَ الحوض لم يظمأ بعده أبداً، وقالوا: إذا لم يكن الحوض بعد الصراط فسنقع في إشكال من هذا النص والنصوص الأخرى وهو أن عصاه الموحدين سيعذبون في نار الجحيم ولا بد أن يعذب منهم قسم لم يغفر الله لهم لأن الأحاديث تواترت في إخراج العاصين من النار وهذا يعني أن هناك عذاباً للعصاة لكن هناك أناس يعفى عنهم وأناس يعذبون، قالوا: فهؤلاء الموحدون اللذين عذبوا في النار هل شربوا من الحوض أم لا؟ إن قلنا لم يشربوا، فالأمر ليس كذلك لأنهم موحدون وليسوا من المخلدين في نار جهنم فهم يستحقون السقيا والشراب إذ كيف يعامل الموحد معاملة المنافق والملحد. وإن قلنا شربوا، فكيف سيلقون في النار، وفي النار سيعطشون. لكن إذا كان الحوض بعد الصراط فلا إشكال لأن من شرب منه دخل الجنة فالذي يعذب في النار، ثم يخرج يجوز على الصراط ثم يشرب من الحوض ويدخل الجنة وحينئذ لا إشكال هنا على هذا القول. وهذا القول على ما وجاهة ما عُلِّلَ به فهو مردود لأمرين: الأمر الأول: لا مانع أن يكون بين الحوض والجنة فاصل، والميزابان يصبان فيه بطريقة يعلمها الله ولا نعلمها، كما قلنا في النيل والفرات فإنهما يَصبُّ فيهما نهر من أصل سدرة المنتهى بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها وكم بينهما من حواجب وفواصل وليس عندنا ميزاب متصل من سدرة المنتهى إلى النيل والفرات إنما هو أمر غيبي أخبرنا عنه نبينا عليه الصلاة والسلام آمنا به ولا نبحث في كيفيته. والأمر الثاني: قولهم إذا شرب عصاة الموحدين من الحوض وعذبوا في النار سيجدون العطش والظمأ، نقول: لا يشترط هذا فيعذبون بغير أنواع العطش، وذلك ليتميز العصاة في النار عن غيرهم من الكفار الأشرار في أنهم يعذبون ولا يعطشون كرماً من الله وفضلا ً.

.. فالأمران مردودان، ثم نقول لهم أخبرونا كيف سيذاد ويدفع أناس عن الحوض إذا كان الحوض بعد الصراط؟! فهذا لا يأتي أبداً , فأدلتكم يمكن أن يجاب عنها، أما أدلة القول الأول فلا يمكن الإجابة عنها مطلقاً؛ ولذلك القول الأول هو الصحيح وعليه المعول بأن الحوض قبل الصراط والعلم عند الله. الأمر الرابع: هل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحواض في عَرَصَات الموقف وساحة الحساب كما لنبينا عليه الصلاة والسلام حوض: سبق أن ذكرنا أن العبرة في هذا الموضوع على النقل لا على العقل، فعمدتنا المنقول الثابت ولا دخل للاجتهاد ولا للمعقول. ... وقد ورد في ذلك حديث لكن اختلف في درجته، روى الإمام الترمذي في سننه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن لكل نبي حوضاً ترده أمته وإنهم ليتباهون أيهم أكثر وارداً، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم وارداً] . (يتباهون) أي يتحدثون بنعمة الله عليهم بمنزلة حوضهم وبمن سيرده. (أيهم أكثر وارداً) أي جماعة يردون على حوضه. وهذا الرجاء والذي رجاه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث حققه الله له، فأكثر أهل الجنة من أمته، وأكثر الأحواض التي سيردها الموحدون المؤمنون هو حوض نبينا عليه الصلاة والسلام ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يقول ربنا فيه: [يا آدم قم فابعث بعث النار من كل ألف واحد إلى الجنة وتسعمائة وتسع وتسعون إلى النار، فخاف الصحابة وارتاعوا فقال صلى الله عليه وسلم: أنتم في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبروا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبروا، قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا، وقال: إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة] والحديث في الصحيحين.

وقد ثبت في المستدرك وغيره بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون صفاً منهم من هذه الأمة] ونحن مع ذلك نرجو أن يكون كل صف من هذه الأمة أضعافاً مضاعفة على سائر الصفوف الأخرى، فهي ثلثان في عدد الصفوف لكن نرجو أن تكون في عدد الأفراد أكثر بكثير، ونسبة هذه الأمة في الجنة لا تنقص عن الثلثين وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، إنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة] وهذا لفظ مسلم. فهذا الرجاء حققه الله لخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام. ومعنى الحديث أن كل نبي أعطى من الآيات ما آمن على مثله البشر، أي البشر يؤمنون بمثل هذه الآيات عندما تظهر وهي خوارق العادات (المعجزات كما أيد الله أنبياءه السابقين بمعجزة، فكل من رأى تلك المعجزة يُؤمن كما هو الحال في نبي الله عيسى عليه السلام يبرأ الأكمة والأبرص ويحي الموتى بإذن الله، لكن تلك المعجزة مضت وانقضت، فالذين جاؤوا بعد ذلك لم يروها، ولذلك قد يحصل عندهم ارتياب في أمر النبي عليه صلوات الله وسلامه، أما ما يتعلق بهذه الأمة، فمعجزة نبينا عليه الصلاة والسلام هي القرآن، وهذه المعجزة يراها المتأخر كما رآها المتقدم، فأبو بكر رضي الله عنه وآخر فرد في هذه الأمة بالنسبة لرؤية معجزة النبي عليه الصلاة والسلام سواء، فجعل الله معجزة نبينا عليه الصلاة والسلام عين رسالته ودعوته وهي القرآن الكريم الذي أُمِر بتبليغه. فالحاصل.. أنه قال: [أرجو أن أكون أكثرهم تابعاً] ، وفي حديث سمرة قال: [لأرجو أن أكون أكثرهم وارداً] فحقق الله له هذا الرجاء.

وحديث سمرة كما قلنا رواه الترمذي، وقد قال عنه: غريب، وغرائب الترمذي لا تسلم من مقال فهي ضعيفة والسبب في هذا أن الحسن البصري عليه رحمة الله عنعن الحديث عن سمرة أي رواه بصيغة عن ولم يصرح بالسماع، وفي سماع الحسن عن سمرة اختلاف، وأئمة الحديث على ثلاثة أقوال في ثبوت سماعه من سمرة: 1- لم يسمع منه مطلقاً. 2- سمع منه مطلقاً. 3- وهو المعتمد، سمع منه حديث العقيقة، وقد صرح في سنن النسائي بأنه سمع حديث العقيقة من سمرة بن جندب رضي الله عنه. والحسن مدلس بالاتفاق وقد عنعنه – كما ذكرنا – ورواية المدلس إذا لم تكن بصيغة السماع فهي محمولة على الانقطاع، فالسند إذن منقطع بين سمرة وبين الحسن. ... كما أن الحسن رفعه في بعض الطرق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسقط سمرة فصار إذن مرسلاً لأن المرسل هو مرفوع التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. مرفوع تابع على المشهور ... مرسل أو قيده بالكبير كما قال هذا الإمام عبد الرحيم الأثري العراقي في ألفيته المشهورة. وقوله (أو قيده بالكبير) فهذا قول آخر في تعريف المرسل وهو أن التابعي لابد أن يكون كبيراً، من كبار التابعين لا من أوسطهم ولا من صغارهم. والمعتمد أن التابعي صغيراً كان أو كبيراً، إذا رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث مرسل، فالحسن إذن أسقط سمرة رضي الله عنه، ولذلك قال الترمذي: وورد أن الحسن لم يذكر سمرة فهذا مرسل وهو أصح. والرواية المرسلة رواها ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح إلى الحسن، أن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن لكل نبي حوضاً ... ] الحديث. لكن مراسيل الحسن – كما يقول أئمتنا -، أشبه بالريح لا يعول عليها ولا يأخذ بها، لأنه كان لا يبالي عمن أرسل بخلاف مراسيل سعيد بن المسيب فهذه كلها يأخذ بها، حتى مَنْ ردَّ المرسل أخذ بمراسيل سعيد بن المسيب كالإمام الشافعي عليه رحمة الله.

فإن سعيد بن المسيب كان يسمع من عمه والد زوجته أبي هريرة أحاديث ويحدث عنه أحياناً، ويسقطه ولا يصرح به أحياناً أخرى لاعتبارات، منها أمور سياسية، فقد ينقل عنه سعيد رواية تتعلق بأمور العامة فلا يصرح بها بإضافتها لأبي هريرة لئلا تصبح هناك مشاكل وابتلاءات كما هو الحال في العصور التي جاءت بعد عصور الخلفاء الراشدين، وهذا من جملة أغراض التدليس حذف الصحابي أو الشيخ الذي أخذ عنه التلميذ فيسقطه لأن حوله ما حوله من الاعتبارات، وكأنه يقول لئلا ندخل في مشاكل مع الدولة، فنرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونسقط الواسطة (أبا هريرة) لئلا يُستدعى ويحقق معه وما شاكل هذا. وفعلا ً كان أبو هريرة يحفظ أحاديث فيها الإشارة إلى ذم بني أمية، فعلم سعيد بن المسيب أنه إذا حدث بها وسمى أبا هريرة، فهذا سيجر بلاءً عليه – أي على عمه – وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه – كما في صحيح البخاري - يقول: [حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم] أي لقطعت رقبتي، وهذا الذي كتمه لا يتعلق بالأحكام العملية، لأنه لو كان في الأحكام العملية لبثه أبو هريرة ولم يكتمه وهو يعلم وزر كتمان العلم، إنما كان ما يكتمه هو شيء فيه الإشارة إلى ذم الأمراء الذين سيأتون بعد معاوية وأولهم الفاسق المشهور يزيد بن معاوية الذي جاء وأفسد في دين الله، وفعل ما فعل ويكفيه عاراً وشناراً قتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [قلت: لم يثبت بأي سند صحيح هذا الأمر، وقد ألف في هذه الرسالة] ، ولذلك كان أبو هريرة يستعيذ بالله من رأس الستين وإمرة الصبيان قبل أن يأتي رأس الستين، فمات رضي الله عنه عندما قبل رأس الستين وسلم من الفتن التي جاءت بعد الستين.

سعيد بن المسيب عندما يروي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسقطاً الواسطة ففي الغالب هو أبو هريرة، وقد تتبع أئمتنا مراسيل سعيد فوجدوها موصولة من طرق ثابتة وصحيحة عن الصحابة؛ ولذلك احتجوا بمراسيله. الحاصل.. أن وراية الترمذي مرفوعة إلا أنها منقطعة ورواية ابن أبي الدنيا هي بسند صحيح إلى الحسن والحسن رواه مرسلاً، فالحديث من هذين الطريقتين ضعيف مرفوعاً. لكن يتقوى بالقواعد المقررة في شرع الله وهي أن ما ثبت لهذه الأمة يثبت للأمم الأخرى، وعليه فالحوض في الآخرة في عَرَصَات الموقف كما يكون لنبينا عليه الصلاة والسلام يكون لسائر الأنبياء الكرام عليهم السلام، إذ لا يليق بكرم الله وحكمته أن يسقي موحدي هذه الأمة ويترك الموحدين من الأمم السابقة. ثم أضيف هنا وأقول: الحديث يتقوى (¬1) ليصل إلى درجة الحسن إن شاء الله، لأن له ثلاث شواهد متصلة عن أبي سعيد الخدري كما أخرجه ابن أبي الدنيا، وعن ابن عباس كما أخرجه ابن أبي الدنيا أيضاً عن عوف بن مالك، هذا بالإضافة إلى الشاهد المرسل الصحيح الذي أخرجه ابن أبي الدنيا أيضاً، فالحديث بمجموع هذه الطرق يكتسب قوة ويرتفع إلى درجة الحسن، والعلم عند الله. إذن فلكل نبي حوض في الآخرة في عَرَصَات الموقف كما لنبينا عليه الصلاة والسلام، لكن يمتاز حوض نبينا عليه الصلاة والسلام بأمرين: الأمر الأول: أن ماء حوض نبينا عليه الصلاة والسلام أطيب المياه فهو من نهر الكوثر، وهذا لا يثبت لغيره من الأحواض. الأمر الثاني: أن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام هو أكبر الأحواض وأعظمها وأجلها، وهو أكثرها وارداً. ¬

_ (¬1) وانظر السلسلة الصحيحة 4/117 حديث رقم (1589) – ز-

.. وإلى جانب هذا ذهب أئمة الإسلام، يقول الحافظ في الفتح (11/467) عند أحاديث الحوض في كتاب الرقاق: "إن ثبت (¬1) – أي خبر الترمزي ومرسل الحسن – فالمختص بنبينا عليه الصلاة والسلام "أن حوضه يكون ماؤه من الكوثر". ... والأمر الثاني قال فيه الإمام ابن كثير في النهاية (2/38) حوض نبينا عليه الصلاة والسلام أعظمها وأجلها وأكثرها وارداً". تنبيه: ورد في مطبوعة مكة من شرح العقيدة الطحاوية بتحقيق أحمد شاكر، وفي مطبوعة المكتب الإسلامي بتحقيق جماعة من العلماء تصحيف بدل كلمة (أجلها) وقع عندهم (أجلاها) ، وإن كان كلا المعنيين صحيح. الخلاصة: أن لكل نبي حوضاً يوم القيامة، لكن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام يمتاز بأمرين ماؤه أطيب المياه، ووارده أكثر من بقية الأحواض. الأمر الخامس: يتعلق بأمرين: أبيان من يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم. ب بيان من يتقدم في الورود عليه ويسبق غيره. أبيان من يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم: كل موحد ختم له بالتوحيد سيرد ذلك الحوض المجيد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: [أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة (يعني البقيع) فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] وفي بعض الروايات في زيارات نبينا عليه الصلاة والسلام للقبور يقول: [السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] . و (السلام عليكم) هذا خطاب من يسمع ويعقل ويعي ويفهم، وسماع الأموات أدق من سماع الأحياء، ولذلك لو دخل داخل إلى المعهد وسلم عند باب المعهد لن يسمعه مَنْ في الفصل بل حتى لو كان أقرب من ذلك، بينما لو كنا موتى لسمعناه فبمجرد أن يدخل رجل إلى المقبرة ويقول السلام عليكم لسمع كل مدفون في تلك المقبرة – ولو كانت واسعة ما كانت – سلامه وردوا عليه في قبورهم. ¬

_ (¬1) وقد ثبت كما ذكرت ولله الحمد.

و (إن شاء الله) هل هناك شك في اللحوق بهم؟ لا لكنها من باب التبرك وتعليق الأمر على أنه تابع لمشيئة الله، كقوله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) ، وسيأتينا بحث الاستثناء في الإيمان إن شاء الله تعالى فهو من المباحث المقررة عندنا، وأن الاستثناء يجوز في الإيمان لأربعة أمور معتبرة من جملتها هذا من باب التبرك باسم الله، فتقول أنا مسلم إن شاء الله تعالى، ولا بأس في ذلك. ثم قال نبينا وحبيبنا عليه صلوات الله وسلامه – وهذه تكملة الحديث [وددت أنا رأينا إخواننا فقال الصحابة رضوان الله عليهم: أولسنا بإخوانك يا رسول الله؟!، قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني] عليك صلوات الله وسلامه، انتبه!! (أنتم أصحابي) أي أنتم لكم مزية على الأخوة العامة فقد فزتم بشرف الصحبة فأنتم إخوان وأصحاب. وَمَََنْ بعدكم إخوان لي، كما تقول هذا ابني ولا تقول هذا أخي، فهو أخوك في دين الله ولكن تقول له ابني لأن هذا أخص من الأخوة العامة وهنا كذلك الصحبة أخص من الأخوة العامة. فانظر لحب نبينا عليه الصلاة والسلام لنا، فلنكافئ هذا الحب بمثله، فهو يتمنى أن يرانا ووالله نتمنى أن نراه بأنفسنا وأهلينا وأموالنا ولو قيل لنا تفوزون بنظرة إلى نور نبينا عليه الصلاة والسلام مقابل أن تفقدوا حياتكم وأموالكم وأهلكم، لقلنا هذا يسير يسير، ضئيل حقير، ولذلك ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من أشد أمتي لي حباً ناسٌ يكونون من بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله] وهو في مختصر مسلم برقم (1604) .

وتتمة الحديث الذي معنا [فقال الصحابة: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي من أمتك ولم تره؟! فقال: أرأيتم لو أن رجلا له خيلٌ غُرٌّ محجلة بين ظهري خيل دُهْم بُهْم، أما كان يعرفها؟ قالوا: بلى، قال: فإن أمتي يدعون يوم القيامة غرّاً محجلين من آثار الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادنّ رجالٌ عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلمّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول سحقاً سحقاً] اللهم لا تجعلنا منهم بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين. (غرّ) : الغرّ بياض في الوجه، وهو من الصفات الجيدة في الفرس، وهذه الأمة تبعث يوم القيامة والنور يتلألأ في وجهها من آثار الوضوء، والوضوء حلية المؤمن. (محجلة) : بياض في قوائم الفرس، وهو من الصفات الجيدة فيها أيضاً، وهو من علامة جودتها، وهذه الأمة تأتي يوم القيامة وأعضاء الوضوء فيها تتلألأ (الوجه والأيدي والأرجل) ، ففي وجوههم نور وفي أطرافهم نور. (دُهْم) سوداء (بُهم) سوادها خالص ليس فيها لون آخر. فهذه الأمة تأتي يوم القيامة غراًُ محجلين، فالوضوء ثابت لهذه الأمة وللأمم السابقة لكن أثر الوضوء (الغرة والتحجيل) ثبت لهذه الأمة ولم يثبت للأمم السابقة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولذلك ورد في صحيح مسلم أنه [سيما ليست لغيركم] أي هذه السمة الغرة والتحجيل ليست لغيركم. إذن إخوانه عليه الصلاة والسلام ونسأل الله أن يجعلنا منهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، وجميع أهل الموقف ليس لهم هذا الوصف، وبالتالي فيميز نبينا صلى الله عليه وسلم أمته الكثيرة من تلك الأمم الوفيرة الغفيرة.

ثم أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن صنف شقي، أظهر الإيمان وأبطن النفاق والكفران، فيأتون إلى حوض النبي عليه الصلاة والسلام فيذادون ويدفعون تدفعهم الملائكة وتطردهم فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألا هلم، هلم فأنتم من أمتي ويبدو عليكم – في الظاهر – علامات الوضوء!! لكن بعد ذلك يخفت ذلك النور ويذهب، فيقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك وفي بعض الروايات: [إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ أن فارقتهم] وقد حصل هذا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ارتدوا، وهذا حاصل في هذه الأيام بكثرة فيمن يدعي الإسلام ويحارب النبي عليه الصلاة والسلام يقول لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، فهل يرد هذا حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا، إن هذا أكفر من أبي جهل وألعن من إبليس، فهو وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فقد أتى بما ينقض به إيمانه، حيث زعم أن شريعة الله لا تصلح لهذه الحياة، فهي أمور كهنوتية فقط، في داخل المسجد نصلي ونرقص (رقص الصوفية) وخارج المسجد ليس لله شأن في حياتنا وأمورنا، كما قال سعد زغلول "الدين لله والوطن للجميع". وكما قال شاعر البعث عليه وعلى حزبه لعنة الله: سلام على كفر يوحد بيننا ... وأهلا وسهلا بعده بجهنم ويكتبون في شعاراتهم الضالة في الأمكنة البارزة على الأركان وغيرها: كذب الدعي بما ادعى ... البعث لن يتصدعا لا تسل عني ولا عن مذهبي ... أنا بعثي اشتراكي عربي ولا يقولون: أنا مسلم، بل الإسلام في المسجد فقط. ويكتب الآن في لوحات المدارس: لو مثلوا لي وطني وثناً لعبدت ذلك الوثن. كلمة وطن ووطنية فما هي الوطنية؟!! إن الجنسية المعتبرة بين العقلاء والتي يمكن أن تجمع بين الناس جميعاً هي جنسية الإسلام فقط، وكل ما عداها يفرق بين المسلمين ويوقع بينهم العداوة.

الحاصل.. من يدعو إلى الأفكار الهدامة الباطلة، فماذا سيكون حاله؟ هل يشرب من الحوض؟! وهل يستوي مع المؤمنين في الشرب منه؟ لا يستوي إخوتي الكرام. وليس معنى يذادون للرجال فقط أي أن النساء لا تذاد، بل هذا من باب تعليق الشارع الأحكام بصنف من الصنفين وما يشمل أحدهما يشمل الصنف الآخر، كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) و (الذين) خطاب للذكور، (وعليكم) خطاب للذكور أيضاً ويشمل الذكور والإناث، لأن ما ينطبق على الرجل ينطبق على المرأة سواءً بسواء إلا إذا قام دليل على التخصيص فالنساء شقائق الرجال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فمثلا ً: لو جاءت هدى شعراوي للحوض فهل تتمكن من الشرب منه؟ لا فهذه أعتى من أبي جهل، وأعتى من عبد الله بن أبي بن سلول. وكذلك نزلي سعد زغلول وميادة أو مي الشاعرة (هؤلاء الثلاثة صاحبات الصالونات في مصر االتي أفسدت العالم) . وأنا أعجب حقيقة – إخوتي الكرام – لمضاء عزيمة النساء وكيف غيرت هذه النساء الثلاثة الحياة في هذه الأوقات. وفي المقابل تأتي للنساء الصالحات فلا ترى بعد ذلك إلا خمولاً وانعزالية وعدم بصيرة في هذه الحياة وتدبير لما يراد بهن فهذا لابد له من وعي – إخوتي الكرام – ولابد له من عزيمة ولابد من تحرك. فإذن هناك رجال يذادون ونساء يذدن ويدفعن فليس هو عقوبة للرجال فقط. وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أنا فرطكم على الحوض، ومن ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم] . وفي رواية أبي سعيد الخدري في تكملة حديث سهل بن سعد الساعدي [فأقول إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، سحقاً، سحقاً لمن بدل بعدي] . (والفرط) هو المتقدم أي أنا أتقدمكم على الحوض. إذن يرده كل الموحدين إلا من بدل وغير ونافق وكفر. ب بيان من يتقدم في الورود عليه ويسبق غيره:

أول مَنْ يتقدم في الورود عليه عندما يخرج الناس من قبورهم وهم عطاش هم صعاليك المهاجرين وفقراؤهم. المحاضرة التاسعة عشرة: الأربعاء 10/4/1412هـ ثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [أول الناس وروداً على الحوض فقراء المهاجرين، الشُعث رؤوساً، الدُنُس ثياباً، الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد] . (الشعث) : جمع أشعث، أي شعره متلبد وليس عنده وقت لتمشيطه وتسريحه وتجميله. (دُنس) : أي ثيابهم دنسة، وليس المراد من الدنس فيها نجاسة أو قذارة لكنها ثياب ممتهنة عند الناس قي قلة ثمنها، هذا كما ثبت في سنن الترمذي وغيره بسند حسن [البذاذة من الإيمان] والبذاذاة هي رثة الهيئة وعدم الاعتناء بالملبس، فمتى ما كوى ملابسه فليست دنسة حينئذ فلا يكوي ملابسه لا بنفسه ولا يضعها في دكان كي. فخلاف حالنا الآن فعندما يريد أن يلبس الغُترة (الكوفية) فتراه لابد أن يجعلها مثل السيف من الأمام ولا نقول هذا حرام لكنها درجة دون الكمال أي أن يأْسِرَ الإنسانَ لباسُه، فليفرض أن هذا اللباس لم يتهيأ له ولذلك البذاذة من الإيمان [من ترك اللباس الفاخر وهو قادر عليه دعاه الله يوم القيامة وخَيَّرَهُ من حُلل الجنة ما شاء] . (الذين لا ينكحون المنعمات) هذا وصف ثالث أي الثريات الموسرات بنات المترفين والأغنياء، فلا يقبلون الزواج بهن.

(ولا تفتح لهم أبواب السُدد) وهذا هو الوصف الرابع، والسُدد هي القصور والمقصورات التي تكون خاصة بالمترفين، مثل بيوت الأمراء ومثل المقاصر التي عملها معاوية وهو أول من عمل المقصورة في المسجد وهي مكان خاص في المسجد لا يدخلها إلا هو وحاشيته ويوجد منها للآن في أكثر بلاد الشام وبلاد مصر وتكون على شكل طابق ثان ٍ لكنه ليس واسعاً وله مصعد خاص وغالباً ما يصلي عليه أناس خاصون فلو جاء إنسان مسكين لاسيما في العصر الأول ليصعد إلى هذه السدة منعوه، فهؤلاء أي الممنوعون هم أول من يرد حوض نبينا عليه الصلاة والسلام. لِما امتاز الفقراء بهذا الورود؟ ولم يكن هذا للأغنياء من المهاجرين؟ فهم قد تركوا بلادهم وأوطانهم وأموالهم وما يملكون وخرجوا في سبيل الحي القيوم ابتغاء مرضاته ولا غرابة إن كوفئوا بالورود قبل غيرهم، لكن لم يحصل ذلك وفرق بينهم وبين الفقراء؟ إن الإنسان إذا هاجر وكان غنياً وعنده في هجرته ما يستعين به فإن ألم الهجرة والغربة يخف عليه، وإذا هاجر وكان فقيراً فيجتمع عليه أمران ومُصيبتان: الهجرة والفقر. وإذا كان كذلك فبما أنه في هذه الحياة اعترتهم هذه الشدة فينبغي إذن أن يكرموا قبل غيرهم يوم الفزع الأكبر، لأنه قد اعترتهم شدة وكربة في هذه الحياة من أجل الله سبحانه وتعالى، فَيُطَمْأَن بالشرب أولاً مقابل ما حصل من قلق وخوف في هذه الحياة إذن. والمهاجر الغني ليس أمره كذلك. وهؤلاء حالهم وإكرامهم كحال خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، فإن الناس يحشرون يوم القيامة حُفاة عُراة غُرْلاً (¬1) (كما بدأنا أول خلق نعيده) ويكون أول من يُكسى من هذه المخلوقات خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام والحديث في الصحيحين – لعدة اعتبارات فإن الجزاء من جنس العمل. ¬

_ (¬1) فتعاد الجلدة التي قطعت من رأس الذكر، وهي محل الختان.

1- فإن إبراهيم عليه السلام ألقي في النار ولما ألقي جرد من ثيابه كيوم ولدته أمه وقُيّد ثم رمي بالمنجنيق في النار العظيمة، وهو نبي من أولي العزم الكرام بل خليل الرحمن!!. فإذا كان الأمر كذلك وامتهن من قبل الأشرار في هذه الحياة فسيكسى يوم القيامة أول المخلوقات وأهل الموقف كلهم عراة كما ولدوا الرجال والنساء لا ينظر أحد إلى أحد كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: (لكل امرئِ منهم يومئذ شأن يغنيه) . فأول من يكسى إبراهيم وهكذا من حصل له مثل حاله، وهذا يحصل للمؤمنين في هذا الحين من قبل المخابرات في الدول العربية عندما تأخذ شباب المسلمين لتعذبهم فتجردهم من ثيابهم ثم يعمشون أعينهم حتى لا يعلموا إلى أين يساقون، نسأل الله أن يكفينا شر الشريرين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، فهؤلاء الذين عذبوا في السر ليستحقون هذا الإكرام وهو الكسوة قبل غيرهم؟!

2- لأن إبراهيم عليه السلام هو أول من سن لبس السراويل وهي أستر شيء لاسيما للنساء فإذا كان السروال طويلاً يصل إلى الكعبين بالنسبة للمرأة ويزيد على الركبة بالنسبة للرجل فهو ساتر للإنسان يحول دون كشف عورته لو سقط أو جلس ولم يحطت في جلسته، وأما هذه السراويل القصيرة التي يلبسونها في هذه الأيام من لا خلاق له ثم يخرج فتراه إذا جلس بدا فخذاه، وإذا سقط – لا سمح الله – بدت عورته. ولذلك ورد في معجم الطبراني وغيره – والحديث ضعيف لكن يستدل به في الفضائل: [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان جالساً أمام البقيع بعد دفن بعض الصحابة، فمرت امرأة تركب على دابة لها فتعثرت الدابة فسقطت فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها بوجهه فقيل: يا رسول الله إنها مستورة – أي تلبس السراويل – فقال: اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي] ، فخليل الرحمن إبراهيم من شدة حيائه هو أول من سن السراويل، فإذا كان فيه هنا الحياء فلا يصلح لأن يترك مكشوفاً كبقية المخلوقات، بل إنه تعجل له الكسوة قبل غيره. 3- لأنه كان أخوف الخلق لرب العالمين وكان يسمع أزيز قلبه من خشوعه وخوفه من مسافة ميل، فإذا كان هذا الخوف وهذا الاضطراب وهذا القلق فينبغي أن يعجل له الأمن 0 والكسوة علامة الأمن وأنه مرضي عنه. فإذن خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه تعجل له الكسوة لهذه الاعتبارات وفقراء المهاجرين أوذوا وليس عندهم شيء يَتَسَلَّوْنَ به من مال يستعينون به في غربتهم فإذا بعثوا من قبورهم ينبغي أن يكون لهم شأن على أغنياء المهاجرين فضلاً عن سائر الأمة بعد ذلك.

ولما بلغ هذا الحديث – حديث ثوبان رضي الله عنه – عمر بن عبد العزيز رحمه الله بكى وقال: "لقد نكحت المنعمات" ويقصد بها فاطمة بنت عبد الملك، مع أنها تقول – أي زوجته: "ما اغتسل عمر بن عبد العزيز من جنابة - من مباشرة أو احتلام منذ ولي الخلافة حتى لقي ربه". وكانت خلافته مدة سنتين إلا شهرين، ثم قال: "وفتحت لي أبواب السدد" فالقصور تفتح لي عندما أذهب لها "لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ"؛ لينال هذا الوصف رحمه الله تعالى، أي أن ما مضى مني أسأل الله أن يتجاوز عنه ويعفو بفضله ورحمته، وأما من الآن بعد أن بلغني هذا الحديث فلن أفعل هذه الأمور. وفاطمة بنت عبد الملك، والدها خليفة وزوجها خليفة، وأخوها خليفة – بل إخوتها الخمسة سليمان والوليد وهشام وغيرهم كانوا خلفاءً، وجدها خليفة فهذه من أعظم المنعمات وما حصل هذا لامرأة أخرى، وهي التي قيل فيها: بنت الخليفة والخليفة جدها ... أخت الخليفة والخليفة زوجها فإذن بكى رحمه الله لما بلغه هذه الحديث مع أنه رضي الله عنه جمع زوجته وإماءه وقال لهن: طرأ عليّ ما يشغلني عنكن فإن أردتن الفراق فلكن هذا، وإن أردتن البقاء فليس لي صلة بواحدة منكن.. فبكين بحيث سُمع البكاء في بيوت الجيران، ثم تحدثوا وسألوا ما السبب؟ فقالوا: عمر بن عبد العزيز خيَّر نساءه. ثم بعد ذلك قال لزوجته فاطمة هذا الحلي الذي عليك لا يحق لنا أخذ تيه من والدك عبد الملك وهذا من بيت المال فأرى أن نعيده في بيت المال، فقالت سمعاً وطاعة فأخذت حليها وأعطته إياه فأعطاه لخازن بيت المال، وخازن بيت المال احتاط فوضعه في زاوية وما صرفه في مصالح المسلمين – وبيت المال في عهد عمر بن عبد العزيز ممتلئ بالخيرات، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد [أن الحبة من القمح كانت في عهد عمر بن عبد العزيز كرأس الثوم] وحفظ هذا بعد موته وكتب عليه: هذا كان ببيت في زمان العدل.

ولما قيل له: إن الخيرات كثرت ونطلب من نعطيه الصدقة فلا نجد، فقال: اشتروا أرقاء وأعتقوهم واجعلوا ولاءهم لبيت المال. وكان في عهده ترعى الذئاب مع الغنم، وقد ثبت في حلية الأولياء أن بعض التابعين مرّ على راع ٍ يرعى الغنم فوجد عنده ما يزيد على ثلاثين كلباً، فقال له: ما تفعل بهذه الكلاب؟ وواحد يكفي!! فقال: سبحان الله، ألا تعلم أن هذه ذئاب وليست كلاب: فقال: ومتى اصطلح الذئب مع الشاة، فقال الراعي: "إذا صلح الرأس فما على الجسد بأس"، إذن إذا عدل أمير المؤمنين واتقى الله فإن الله يحول بين المخلوقات وبين الظلم. ورعاة الماشية في البادية علموا بموت عمر بن عبد العزيز رحمه الله ليلة انقضت فيها الذئاب على الغنم، فلما مات عمر وهم في البادية انقضت الذئاب على الغنم، فقالوا: أرخوا هذه الليلة – أي اكتبوا تاريخها – ثم ابحثوا عما حصل فقد مات عمر فلما تحققوا من الخبر علموا أن عمر مات في تلك الليلة رحمه الله ورضي عنه. هذا هو عمر بن عبد العزيز، فخازن بين المال عندما أعطاه عمر رحمه الله حلي فاطمة، وضعه في زاوية وما تصرف فيه فبعد أن مات عمر رضي الله عنهم أجمعين جاء إليها وقال: هذا حليك الذي أخذه عمر احتفظت به كما كان، فإذا أردتيه فخذيه، فقالت: ما كنت لأزهد فيه في حياة عمر ولأرغب فيه بعد موته. فانظر لهذا العبد الراشد وهو خامس الخلفاء الراشدين كما قال الشافعي: "فالخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبد العزيز"وهو خليفة راشد باتفاق أئمتنا وهو مجدد القرن الثاني باتفاق أئمتنا لأنه توفي سنة 101 هـ عليه رحمة الله فعاش شيئاً من نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني. وهو أول مجددي هذه الأمة، وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود وغيره بإسناد جيد [إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها] . س: هل جاء مجددون بعده؟

ج: لا شك في ... ذلك، فقد جاء مجددون في كل قرن ولا يشترط أن يأتي واحد بعينه، فمجدد القرن الثالث الإمام الشافعي باتفاق أئمتنا لأنه توفي سنة 204 هـ، ـ ويشترط في المجدد كما قلت لكم أن يدرك نهاية القرن المنصرم وبداية القرن التالي فالشافعي ولد سنة 150 هـ، فهو المجدد الثاني إذن، وهكذا سرد أئمتنا عدداً من المجددين إلى زماننا ولا يشترط أن يكون واحداً بعينه فأحياناً يوجد عدد من المجددين بحيث أن واحداً يجدد مثلاً في أمر العقيدة وتصحيح الأذهان من الخرافات، وآخر يجدد في نشر الحديث، وآخر في الجهاد، وهكذا في رأس كل مائة سنة. ونحن في هذه الأيام – لا أقول كما يقول الناس نشهد صحوة بل في بلوى وفي عمىً – يوجد من فضل الله شيء من مظاهر التجديد وأموره ونحن في بداية قرن، وهو القرن الخامس عشر الهجري فحقيقة قد حصل تجديد في هذا الوقت كثير لكن لا أقول صحوة كما يفهم الناس ويخدرونهم بهذا الكلام لكن حصل التجديد وحصل الوعي وهذا من فضل الله. فمصر مثلا ً سنة 1970 م لما ذهبتُ إليها لم تكن لترى فيها امرأة متحجبة، ولا ترى رجلاً في وجهه لحية، فمن فضل الله المتحجبات الآن في مصر لا أعلم لحجابهن نظير على وجه الأرض، إلا نساء الصحابة، فأنا لم أر امرأة تلبس جلباباً يجر على الأرض ذراعاً إلا في مصر، ولا أقول شبراً، وجر الثياب بالنسبة للرجل حرام ولا ينظر الله إلى من جر ثيابه خيلاء، وما نزل عن الكعبين في النار. وانظر لعادات الناس في البلاد المتغطرسة المتكبرة، فالرجال تجر الثياب والنساء تقصرها إلى الركبتين بل إلى ما فوقها فسبحان الله!!. والمرأة يجوز لها أن تتحجب بحيث تستر رجلها ويستحب لها أن ترخي ثيابها شبراً فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم [أترخيه شبراً قالت امرأة: يا رسول الله، إذن تبدو قدمها، فقال: لترخيه ذراعاً ولا تزد] .

(تحدث الشيخ عن أطماع الغرب في أن نقلده في كل شيء إلا في المرأة، وفوجئ بأن نساءنا قلدنه تقليداً لا مثيل له فوجه سهامه لهن وخطط لإشراكهن في ميادين الحياة العامة ما ينفعها ولما لا ينفعها ومنه ما يسمى بتطوع النساء للقتال والدفاع المدني وكيف صارت المرأة سلعة مبتذلة بسبب هذه المخططات ثم ذكر قول علي رضي الله عنه، شر خصال الرجل خير خصال المرأة، وأن المرأة تكون سلسلة مع زوجها نافرة عنيدة مع غيره.) وقبل أن ندخل في مبحث الشفاعة عندنا فائدتان: الفائدة الأولي: أنكر الخوارج والمعتزلة حوض نبينا عليه الصلاة والسلام، وحقيق بهم ألا يردوا ذلك الحوض وألا يشربوا منه. فقالوا: لا يوجد لنبينا عليه الصلاة والسلام حوض ولا للأنبياء الآخرين عليهم السلام وحجتهم أن هذا لم يثبت في القرآن، وأمور الاعتقاد لابد من أن تكون في القرآن أو في حديث متواتر. نقول: أما أن الحوض لم يثبت في القرآن فنحن معكم، لكن قلنا: إن الأحاديث متواترة وقد رواها ما يزيد على (56) وبلغت إلى (80) صحابياً، فهي إذا لم تكن متواترة فلا يوجد متواتر إذن فيقولون: إنها ليست متواترة عندنا بل هي أحاديث آحاد لا يؤخذ بها في الاعتقاد. وقد ضل الخوارج والمعتزلة ومعهم الشيعة في قاعدة خبيثة انتبهوا لها: أما الخوارج والمعتزلة فقالوا: كل حديث ورد في أمر الاعتقاد وليس له أصل في القرآن يطرح وهو مردود باطل.

تقول لهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقولون لك يطرح ولا قيمة له، وهو باطل ولو كان في الصحيحين ولو أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول، ولذلك أهل المدرسة العقلية كالضال محمد عبده وأمثاله كما ذكرت لكم سابقاً هكذا يفعلون بالأحاديث، يقولون: آحاد ولا يؤخذ بها في الاعتقاد، فأحاديث نزول عيسى عليه السلام مثلا ً– بلغت سبعين حديثاً وهي متواترة باتفاق المحدثين، يقول محمد عبده: "لنا نحو هذه الأحاديث موقفان: الأول: أن نقول هي آحاد فلا يؤخذ بها في الاعتقاد، الموقف الثاني، على فرض التسليم بثبوتها فنؤولها بأن المسيح الدجال هو رمز للدجل والخرافات وهي الجاهيلة التي كانت قبل بعثة خير البرية عليه الصلاة والسلام، والمسيح عيسى بن مريم رمز للنور والهدى وهو الإسلام الذي جاء وأزال الجاهلية، أما أنه سينزل عيسى ويقتل الأعور الدجال فيقول هذه خرافة!! لأن عيسى عندما أراد اليهود قتله هرب وذهب إلى الهند ومات هناك وقبره معروف هناك في قرية (سُرى نكر) واسم قبره (قبر عيسى الصاحب) والصاحب عند الهنود بمنزلة الشيخ في بلاد العرب وبمنزلة الخوجة عند الأتراك، وأما قول الله تعالى: (بل رفعه الله إليه) يقول رَفْعُه هو رفع مكانة لا مكان، وكأنه وضيعاً قبل ذلك!!!.

وأما الشيعة فقد زادوا على الخوارج والمعتزلة ضلالاً فقالوا: الأحاديث إذا كانت متعلقة بأمر الاعتقاد أو بالأحكام العملية وليس لها أصل في القرآن فهي مردودة 0إذن زادوا الأحكام العملية على الخوارج والمعتزلة، ولذلك الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها في النكاح محرم إلا عند الشيعة فعندهم يجوز أن تجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها باتفاقهم، والحديث قد ثبت في مسلم وغيره [نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين أربع نسوة بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها] لكنهم يقولون لا وجود لهذا في القرآن ولتقرؤوا آية المحرمات من النساء (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم....) ولم يقل وأن تجمعوا بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، نعم وأن تجمعوا بين الأختين فقط فالجمع بين الأختين محرم ولا مانع أن يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، والحديث لا قيمة له فهذا قد أثبت حكماً لا وجود له في القرآن نعوذ بالله من هذا الضلال، فهؤلاء الشيعة، هم أضل من الخوارج والمعتزلة بل هم أضل من فرق الأمة على الإطلاق، لو خلقهم الله طيراً لكانوا رَخْماً والرخم طائر أحمق لا يأكل إلا العذرة، ولو خلقهم الله بهائم لكانوا حُمُراً- جمع حمير-، وهكذا حال الشيعة لا عقل ولا نقل، وجمعوا الضلال الذي تفرق في الفرق بأسرها، ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، إنما دخلوا كيداً للإسلام ومقتاً لأهله. الفائدة الثانية: روى ابن جرير في تفسيره عن ابن أبي نَجيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليضع أصبعيه في أذنيه] . ضع أصبعيك في أذنيك الآن واسمع صوت الكوثر حقيقة كصوت الفرات عندما يجري، وقد جربتُ هذا مراراً. وهذا الأثر منقطع عن أمنا عائشة رضي الله عنها فابن أبي نَجيح لم يسمع منها قال الإمام ابن كثير في تفسيره وقد روى ابن أبي نَجيح هذا الأثر عن رجل عن أمنا عائشة والرجل مبهم.

وعلى كل حال فالأثر من حيث الإسناد ضعيف، وإذا ثبت عن أمنا عائشة فله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه يتعلق بمغيب لا يدركه عقل الإنسان. وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأياً حكمه الرفع على ما قال في المحصول نحو من أتى ... فالحاكم الرفع لهذا أثبتا فإذا قال الصحابي قولا ً لا يدرك بالرأي فله حكم الرفع إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه. ومعنى الحديث _لو ثبت_ قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "ومعناه: أنه يسمع نظير صوت الكوثر ومثل خريره لا أنه يسمعه بنفسه". تم بحمد الله مبحث الحوض المبحث الثالث: مبحث الشفاعة: الشفاعة: مأخوذة من الشفع وهو خلاف الوِتْر والوَتْر وهو الفرد، فالشفع هو الزوج. والله وِتّر ووَتّْر، والشفع هي المخلوقات، هذا من جملة ما قيل فيه، فقوله تقال (والفجر وليال عشر والشفع والوتر) الواو واو القسم فالشفع قسم بالمخلوقات، والوتر قسم بنفسه سبحانه وتعالى. والشفع قيل: يوم النحر، والوِتر قيل: عرفة، هذا من جملة ما قيل لأن هناك أقوالا ً كثيرة. أنما هنا الشفع هو الزوج لأنه شفع غيره فصار زوجاً، والوتر انفراد بنفسه فهو فرد، وسمي الشفع شفعاً لأنه شفع الوتر أي صاحبه وانضم إليه فجعله زوجاً بعد أن كان فرداً. إلى هنا تم التصحيح ويحصل بالشفع – كما ترون – معنى الزيادة؛ لأن الوتر والفرد عندما زيد عليه مثله صار شفعاً فحصل فيه إذن معنى الزيادة. ومنه الشُّفعة – بضم الشين – وهي ضم الشفيع المبيع إلى مكله فيشفعه به، كأنه كان وتراً فصار زوجاً شفعاً، كما جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة شفع (10/50) ، وهو أكبر معاجم اللغة العربية.

وصورة الشفعة: اشتركت أنا وأنت في بيت، ثم بعت نصيبي بمائة ألف درهم لغيرك فأنت لك حق الشفعة لتدفع الضرر عنك فتأتي وتقول لي شفعت في بيعك، أي ضممت بيعك إلى ملكي بمثل القيمة التي بعت بها نصيبك، فيفسخ البيع بيني وبين المشتري الغريب الذي ليس بشريك ويثبت لك كل البيت، وتدفع قيمة نصيبي، فإذن الشفعة ضمَّ الشريك المبيع إلى ملكه فصار ملكين وجزأين بعد أن كان جزءاً واحداً، وصار شفعاً بعد أن كان وتراً. المحاضرة العشرون ومعناها في الاصطلاح: طلب الخير للغير وفيها المعنى اللغوي. أي المعنى الاصطلاحي فيه المعنى اللغوي، فالشفيع عندما يطلب الخير من غيره يضم صوته وطلبه إلى طلب المشفوع له. فأنت تقول (رب اغفر لي) تطلب من الله المغفرة، ويجئ آخر فيدعو لك فيقول: (اللهم اغفر له وأجب دعواه) فهذه شفاعة، فكان السائل والطالب فرداً واحداً، وعندما طلبت أنت تحقيق طلبه صيّرته شفعاً وزوجاً وصار الطلب من جهتين من السائل لنفسه ومن الشافع. فالشافع إذن شفع السائل والطالب فصارا اثنين، فإذن شفع الشافع المشفوع له، وشفع الشافع المطلوب منه الشفاعة، حيث ضم الشافع رأيه إلى رأي من طُلبت منه الشفاعة فأنت ذهبت مثلاً إلى مدير تطلب منه حاجة، فأنا شفعت لك عنده فضممت صوتي إلى صوتك وصار الطلب من جهتين، وضممت رأيي إلى رأي المشفوع عنده. إذن شفعت للمشفوع له، وللمشفوع عنده، فأعطيت رأيي مع صاحب الحاجة وأعطيت رأيي مع من سيقضي هذه الحاجة، فشفعت لهذا وشفعت مع هذا. أما لهذا فطلبت قضاء حاجته. وأما ذاك فقد حرضته على قضاء حاجة الطالب فأنت شفعت لاثنين. أو تقول: شفعت الطالب والمطلوب منه، شفعت الطالب واضحة، وشفعت المطلوب منه أي الذي سيقضي حاجة الطالب.

أو تقول: شفعت المشفوع له وشفعت المشفوع إليه، أو: شفعت المشفَّع والمشفِّع، فالمشفَّع هو طالب قضاء الحاجة والمشفِّع هو الذي سيقضي الحاجة، ولو ضربنا هذا مثلاً للخليقة مع ربهم جل وعلا، فالمشفِّع هو الله سبحانه وتعالى، والمشفَّع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم [أول شافع وأول مشفَّع] . وقبل أن أنتقل إلى مباحث الشفاعة أحب أن أذكر مقدمة لها، وكل مباحثها تدور حول مبحثين فالشفاعة مطلوبة من المسلمين نحو بعضهم في الدنيا وفي الآخرة. يقول تعالى عن الشفاعة في الدنيا: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتاً) ، فقد حثنا الله تعالى في هذه الآية على الشفاعة الحسنة التي فيها قضاء مصالح العباد، وحذرنا من الشفاعة السيئة. وقد حثنا نبينا عليه الصلاة والسلام أيضاً على الشفاعة في أحاديثه الكثيرة الصحيحة الثابتة، ففي الصحيحين والسنن الثلاثة أبي داود والنسائي والترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء] وفي رواية أبي داود [اشفعوا لي] أي في طالب الحاجة [لتؤجروا وليقضي الله على لسان نبيه ما شاء] . وهذه الشفاعة – كما قلت – ينبغي أن تكون في تحصيل الخير للغير في الدنيا والآخرة ولكن بشرط عدم تعطيل أحكام الله الشرعية، لأنك إذا شفعت في حد من حدود الله أو في إسقاط واجب أو استحلال محرم فهذه شفاعة محرمة وهي مضادة لله في حكمه، (قصة سرقة المخزومية والتي شفع فيها أسامة) والشفاعة في الدنيا تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- شفاعة حسنة مستحبة وتكون في: أالمباحات. ب المستحبات. ولها صور كثيرة ولا يعجزكم التمثيل لها فلو طلب شخص مباحاً من مسئول أو مستحباً، فامتنع عليه، فشفعت له من أجل قضاء حاجته وطلبه، فهذه شفاعة حسنة ومستحبة.

وقد بوب البخاري عليه رحمة الله في كتاب الطلاق باباً بهذا الخصوص فقال: باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة. وزوجها هو مغيث، وحديثه ثابت في الكتب الستة، فقد كانت بريرة تحت مغيث وكانت أمة وهو عبد – على أرجح القولين – ثم اعتقت بريرة والتي أعتقتها أمنا عائشة رضي الله عنها – وعندنا في الشريعة أن الأَمَة إذا كانت تحت عبد ثم أعتقت وصارت حرة فهي مخيرة إن شاءت أن تفارقه وإن شاءت أن تبقى معه، وإذا كانت تحت حر فاختلف في ذلك والجمهور يقولون بالتخيير وأبو حنيفة يقول بالتخيير سواء كان الزوج حراً أو عبداً. الحاصل أن مغيثاً كان عبداً فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: أنتِ بالخيار ما لم يمسسك – أي يقربك – فقالت لا أريده يا رسول الله، وقالت لأمنا حفصة رضي الله عنها: هو الطلاق هو الطلاق هو الطلاق. فتشفع النبي صلى الله عليه وسلم لمغيث لأجل أن تعود له بريرة، فقد كان مغيث متعلقاً بها وكان قبل أن يحصل الطلاق بينهما يتبعها في سكك المدينة وهو يبكي وراءها والدموع تسيل على خديه وعلى لحيته ويسترضيها فتأبى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: [ألا تعجب يا عمِّ إلى حب مغيث لبريرة وإلى كراهية بريرة لمغيث، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم، ارجعي إليه يا بريرة هو زوجك وأبو أولادك، فقالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: لا، إنما أنا شافع] أي ألتمس منك العودة إليه، [فقالت: لا أريده يا رسول الله، الطلاق الطلاق الطلاق] فطلقت منه وما اجتمعت به بعد ذلك. فهذه شفاعة مستحبة وقد شفع خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه في هذا الأمر لكن عنصر النساء عجيب، ووالله لو كنت مكانها لو كان ثوراً أسود لقبلته من أجل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتطييباً لخاطره، وهل يقول النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وأردها؟ ! لكن هذا حال النساء.

لكن مع ذلك انظر لإيمانها، فليس عندها نقص فيه، حيث أرادت أن تتحقق هل هذا أمر واجب أم لا؟ فهي تعلم قول الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) . وهذا الحديث يقول الحافظ ابن حجر: استنبط أئمة الإسلام منه (300) فائدة، وأوجزها في فتح الباري وأشار إلى هذه الفوائد في الإصابة في ترجمة بريرة رضي الله عنها وعن زوجها. ونسأل الله أن لا يعلق قلوبنا إلا به، وأنا حقيقة لا أتعجب من بريرة إنما أتعجب من مغيث فالنساء سواها كثير، وما عند هذه عند تلك، وعلام المشي وراءها والبكاء عليها! لكن هذا هو حال الضعف الإنساني، وصدق الله إذ يقول (وخلق الإنسان ضعيفاً) . رفع إلى ابن عباس رضي الله عنهما في يوم عرفات رجل قد صار كالفَرْخ من ضعفه ومرضه، فقال: ما به؟ قالوا: العشق، فبدأ ابن عباس رضي الله عنهما – في يوم عرفات – يستعيذ بالله من العشق حتى مغيب الشمس. قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين العشق لا يستفيق الدهر صاحبُه ... وإنما يصرع المجنون في الحين إن هذه الشفاعة الأولى الدنيوية مستحبة في مباحات ومستحبات وقولوا ما شئتم لها من أمثلة. 2- شفاعة واجبة وتكون في: أ) تحصيل الواجبات. ب) دفع الظلم عن المؤمنين والمؤمنات. فإذا كان الطلب في أمر واجب ولأخذ حقه، أو كان الطلب لدفع الظلم عنه – وهو حق – فلم يجبه ولي الأمر لا في إعطائه حقه ولا في دفع الظلم عنه وأراد أن يوقع به عقوبة لا يستحقها أو أراد أن يمنعه حقاً هو له، وعلمت أنت بهذا فيجب عليك أن تشفع، لكن هذا الوجوب على حالتين، فهو فرض كفاية إن علمت وعلم غيرك ومنزلتك ومنزلتهم عند ولي الأمر سواء فيجب عليكم كلكم أن تشفعوا، فإذا قام البعض بتلك الشفاعة سقط الإثم عن الباقين كصلاة الجنازة.

ويكون واجباً وجوباً عينياً إذا لم يعلم بحالة طالب الحاجة إلا أنت، أو علم غيرك أيضاً لكن أنت لك منزلة إذا شفعت بحيث تقضي حاجته ويُحصّل الواجب ويُرفع الظلم فهنا تعين الوجوب عليك وإذا لم تشفع فأنت آثم. الإمام الشافعي استدعاه – ذكرها ابن عبد البر في كتابه الانتقاء في تراجم الأئمة الثلاثة الخلفاء – هارون الرشيد فأحضر من مكة إلى بغداد مقيداً، فما خلصته إلا شفاعة عبد صالح، إنه محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة، وذلك أن الشافعي زوِّر عليه أنه يريد أن يبايع رجلاً من آل علي لينقلبوا على العباسيين وبالأخص على الخليفة هارون الرشيد فجن جنونه فأرسل لإحضاره، فعلم بذلك محمد بن الحسن فاغتنم الغنم فتحين قدوم الشافعي فكان في مجلس هارون الرشيد، فلما دخل الشافعي عرّف محمدُ بن الحسن هارونَ بمنزلة الشافعيّ وبين له أن هذا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا إمام المسلمين....، ثم قال له هارون: يا محمد خذه إلى بيتك حتى يتبين لي الأمر، ثم ارتفع قدره (أي الشافعيّ) عند هارون بعد ذلك وأكرمه غاية الإكرام وأمر له بخمسين ديناراً. فلولا أن الله لطف بالشافعي بشفاعة محمد بن الحسن لطارت رقبته في مجلس هارون، ولو أن محمداً ما شفع للشافعي لشارك في إثم دمه لأنه يعلم قدره ومنزلته وعلم بحاله، فانتبه لهذا!! إذن هذه شفاعة واجبة.

وأخبرنا بعض شيوخنا الشيخ عبد الرحمن زين العابدين عليه رحمة الله عن قصة جرت لبعض العلماء الصالحين في الزمن القديم، حاصلها أن افتُري على طالب علم فاستدعاه ولي الأمر، فلما جاء إليه أعلم هذا الشيخ الصالح أن طالب العلم الفلاني قد استدعاه ولي الأمر وقد يفتك به – وقد كان للشيخ منزلة عند ولي الأمر ومكانة وكلمة مسموعة – فسارع الشيخ إلى منزل ولي الأمر وكان عنده اجتماع وطال الاجتماع والشيخ لا يزال جالساً وكان محصوراً - يحبس البول – فلما خرجوا دخل على ولي الأمر وكان مشغولاً في الكلام فانفجرت مثانة الشيخ ومات في مجلس الأمير فقال الأمير: ماله، وما الذي طرأ عليه حتى جاءني وقد كان الأصل أن آتي إلى بيته فهذا الشيخ هو شيخ المسلمين في بلدتنا؟ فقالوا: بلغه أن طالب علم ادُعىّ عليه وأحضر إليك فخشي أن تفتك به فجاء ليُعرِّف له وليشفع له , وكان محصوراً وهو رجل كبير لا يمسك هذا، فانفجرت مثانته فمات، فقال الأمير: والله لو علمت لأعطيته حِجْري ليبول فيه، ولجئت إلى بيته لأقبل شفاعته. فهذه شفاعة واجبة لتوصل الحق إلى صاحبه ولتدفع الظلم عنه. وأنا أقول لكم من باب شكر أهل الشفاعات والفضل على شفاعاتهم فمن تحدث بالنعمة فقد شكرها ومن كتمها فقد كفرها، وصاحب الشفاعة يعلم الله أنه لا يريد التحدث بها ولما أخبرني بها قلت له جزاك الله خيراً، فقال: وأنت كذلك، ولكنني ما أخبرتك من أجل أن تثني عليّ أو من أجل المنة عليك، إنما أخبرك من باب إخبارك بما يصدر ممن يكيد لك، ولمكانتك عندي، ونسأل الله أن يكفينا شر كل ذي شر.

هذا الشيخ صاحب الشفاعة هو عبد الله المصلح عميد كلية الشريعة وأصول الدين بأبها بجنوب السعودية، وقد عاشرته ما يقارب (12) سنة وجرى لي معه مواقف كثيرة، ومن جملتها الذي يتعلق بمبحث الشفاعة فقد أُرسِلَ مرة كتاب من بعض الضالين من لهم شأن إلى الجامعة وفيه: أنه يوجد في كلية الجنوب فلان – يقصدني – وهو ضال يضلل الطلاب ويفسد عقائدهم ... إلخ، فأرسل إليه كتاب بهذا الخصوص فلما ذهب الشيخ عبد الله المصلح إلى الرياض أطلعوه على الكتاب نفسه وفيه أن عندكم أستاذاً ضالا ً ووضعه كذا وكذا – فهنا الشفاعة واجبة ومتعينة أم لا؟ وبيان الحق والدفاع متعين أم لا؟ فقال الشيخ عبد الله لمدير الجامعة سبحان الله لا أعلم بم أجيبكم!! إذا كان الشيخ عبد الرحيم ضالاً فوالله إذن ما عندنا في كلية الشريعة وأصول الدين أحد مهتدي، وأولهم أنا عبد الله المصلح، ولذلك أرى أن تلغوا الكلية من أولها لآخرها. وبدأ يسرد لي بعض ما حصل وقال: لا أريد أن أذكر لك ما حصل، لكن من جملة كلامه أنه قال لهم، والله لا يوجد في هذه الكلية أستاذ إلا ولي عليه ملاحظة إلا فلان فهذا الذي يلاحظ علينا وينصحنا وأحيانا ينبهنا لأمور نحن نقصِّر فيها، وأنا لا أذكر مرة – وهذا كله من كلام الشيخ عبد الله المصلح – أنني نبهته على شيء، فاتقوا الله في أنفسكم، فهل هذا يتهم بمثل هذا الأمر الذي تذكرنه؟!.

ولم يُنهِ الأمر إلى هنا مع أن الأوراق والشكوى قطعت في مكتب مدير الجامعة ورميت في سلة الأوساخ وقيل له: دعك من هذا الأمر، فلم يقبل وواصل متابعة القضية وقال أنا سأتابع الأمر فذهب إلى من زكى كتابه من كتب الشكوى، فقال له: هل تعرف فلاناً – أي الشيخ الطحان؟ فقال: ليس لي اطلاع على حاله على وجه التمام، لكن فلان وفلان الذين جاؤوا إليّ ثقات وقالوا لي إن هذا الشيخ يضلل ويفسد، لذلك يجب التخلص منه والحذر، فقال الشيخ المصلح له: ما رأيك فيّ؟ فقال: أنت يا شيخ عبد الله لا تدور حولك تهمة ولا نعرف عنك سوءاً، فقال له: والله لو طعنتم فيّ لكان هناك مجال للتصديق، وأما أنكم تطعنون في هذا الشيخ المسكين، والله لن يصدقكم أحد في الدنيا ولا في الآخرة فاتقوا الله واستحيوا منه وبعد كلام طويل قال هذا المسئول للشيخ عبد الله المصلح: هات كتاباً أكتب لك بالثناء عليه والتزكية له وأرد على كلامي السابق – وهذا الشيخ المسئول الذي زكى شيخ صالح لكن يُخدع أحياناً من قبل بعض الناس فقال الشيخ المصلح: لا أريد الآن تزكية، وما جئت الآن من أجل التزكية، لأن المسئول عنه في النهاية أنا ولا يمكن أن يُفعل معه شيء إلا بعد أخذ رأيي، فأنا الذي أدير الكلية ولم آت من أجله، لكنني جئت من أجل أن تتقوا الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يتكرر هذا منكم، فلا يأتيك شخص صاحب هوىً ويتهم بعض طلبة العلم بنقيصة ليست فيهم ثم تزكيهم وليس لهؤلاء الطلبة مدافع، ثم قال له في النهاية، هَبْ أنكم آذيتموه وفصلتموه من الكلية أتظنون أنكم بذلك قد ضررتموه، لا والله، إن هذا مؤمن وسيتولاه الله أينما كان وسيرفعه من عز إلى عز، ولن يخسر من فصله إلا كليتنا وسنكتسب الوجه الأسود في الدنيا والآخرة.

أي افرضوا لو أن هذا الشيخ فُصِل، فهل إذا فصل يعني فصلت رقبته، وإذا فصلت رقبته هل حرم من الجنة أم ماذا جرى؟! ولو فصل من هذه الجامعة أفلا يوجد في هذه الدنيا مكان آخر فاتقوا الله وقفوا عند حدكم. فهذه الشفاعة تعينت عليه، فحقيقة لا يعلم بحالي على وجه التمام والكمال إلا هذا العميد ولا يعلم بهذه الشكاية إلا هو، فقلت له جزاك الله خيراً، فقال: والله لو لم أفعل هذا لأكبني الله على وجهي في نار جهنم، ولا تظن أن هذا الذي فعلته من باب المنة عليك إنما هذا تعين عليّ. وجاءت بعد ذلك تهمة وتطورت إلى بعض الجهات المسؤولة فقال لي من ضمن كلامه يا شيخ عبد الرحيم أنت نائم مع أهلك ولا تدري ما الذي يفعله لك وما الذي يحصل والله في وسط الليل أزج بنفسي من بيت إلى بيت ومن جهة إلى جهة، ويقول عندما يتصل ببعضهم: يا عباد الله اتقوا الله واستحيوا منه، والله أخشى أن يخسف الله بكم الأرض، إلى هذا الحد وصل بكم العنف والغلظة، فيقولون له: إنه يفعل كذا وكذا، فيقول لهم: استحيوا من الله يا جماعة فإن بعض ذلك مزوّر عليه ومفترىً وبعض ذلك لا حرج في فعله، وبعض ذلك حق وأنتم مخطئون. وبالنسبة لقضاء الحوائج واصطناع المعروف والشفاعات ألّف أئمتنا كتباً مستقلة في هذه المواضيع، من هذا ما وجد ضمن كتاب (أربعون حديثاً في اصطناع المعروف) للإمام المنذري صاحب الترغيب والترهيب وقد تكلم فيه عن الشفاعات وقضاء الحوائج، وإذا لم يوجد عندكم فانظروا في مجمع الزوائد (8/190 - 195) لزاماً عند كتاب البر والصلة باب في قضاء الحوائج ويدخل في قضاء الحوائج الشفاعات لاسيما إذا كانت واجبة.

من جملة ما ورد فيه – المجمع – من أحاديث: ما رواه الطبراني في الأوسط والصغير – وإسناده لا بأس به – عن أمنا عائشة رضي الله عنها، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من كان وصلة – واسطة – لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ (بلوغ) بر ٍ أو تيسير عسير أعانه الله على إجازة الصراط عند حفي الأقدام] . ولذلك أثر عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله أنه قال: "لكل شيء زكاة وزكاة المروءات الشفاعات" أي إذا كنت صاحب مروءة وجاه فزكاة هذا أن تشفع. ومنه ما رواه الطبراني في الأوسط بسند جيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكافه عشر سنين، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين] و (الخافقان) أي بين الأرض والسماء وبين المشرق والمغرب. وذكر الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه (جامع العلوم والحكم) عند شرحه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيح مسلم [ ... والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ... ] ذكر قصة في هذا الموضوع فقال: "وبعث الحسن البصري قوماً من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مروا بثابت البناني - وكان من العباد – فخذوه معكم، فأتوا ثابتاً، فقال: أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال قولوا له: يا أعمش، أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة فرجعوا إلى ثابت، فترك اعتكافه وذهب معهم" وقول الحسن هذا ورد في أحاديث لكن ضعيفة. المحاضرة الحادية والعشرون 3- شفاعة محرمة مذمومة وتكون في أ) المكروهات. ب) المحرمات. (يصلح مثالاً لها قصة الشفاعة في المخزومية التي سرقت) . كشفاعة أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز، ثم تابت من شفاعتها، حيث قالت لعزة يقول كثيّر (الذي كان مغرماً بعزة) : قضى كل ذي دينٍ علمتُ غريمَه ... وعزةُ ممطول معنّى غريمها

أي كل من عليه دين قضى صاحب الدين حقه إلا عزة فلم تقضي ديني، فقالت لها: ما هذا الدين الذي يقوله كثيّر وماذا له عليك من حق؟ فقالت عزة: كنت وعدته قبلة (عن طريق الحرام) فما طلته وما أعطيته ذلك، فقالت لها أم البنين: سبحان الله، أعطيه ذلك وما كان من إثم فعليّ. ثم ندمت بعد ذلك وتابت رحمها الله وعفا عنها، وأعتقت أربعين رقبة، وقالت ليتني خرست وما تكلمت بهذه الكلمة حيث شفَعتْ في أمر محرم. وانظروا القصة في صفة الصفوة (4/299) . فالشفاعة في المحرم والمكروه حرام. فهذا هو ضابط الشفاعة: الحسنة المستحبة، والحسنة الواجبة، والمذمومة المحرمة، والتمثيل لا يخفي عليكم بعد ذلك. والشفاعة الحسنة مطلوبة، والشفاعة السيئة مذمومة، وأكثر شفاعة الناس في هذه الأيام من الشفاعات المذمومة الملعونة ولا تجد من يشفع شفاعة حسنة إلا ما قلَّ وندر، وإذا طلبت منه شفاعة حسنة في تخليصك من ظلم أو بلاء يتعلل، وعندما يجب عليك حق شرعي أو تنتهك محرماً وستنزل بك عقوبة فما أكثر الشفعاء حينئذ وهذا هو الضلال عندما تضاد الشفاعة شرعية ذي العزة والجلال. فلنشفع في أمور لخير الدنيا، ونسأل الله أن يشفعنا في بعضنا في الآخرة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. وسنأتي الآن إلى مباحث الشفاعة. المبحث الأول: شرط حصول الشفاعة عند الله جل وعلا:

تقدم معنا أن الشفاعة طلب الخير للغير من الغير، وقلنا إن الشفاعة فيها ضم الشفيع صوته إلى المشفوع إليه كما في ضم صوته إلى المشفوع له، والله جل وعلا فرد أحد ليس له شفيع سبحانه وتعالى، فكيف ستحصل الشفاعة عنده؟ هل يعطي أحد رأيه لله كما هو الحال في ملوك الدنيا فهؤلاء تعطيهم رأيك وتضم رأيك إلى رأيهم؟ لا، الشفاعة عند الله تختلف عن سائر المعلوم من أنواع الشفاعات عند المخلوقين قاطبة، فهي شفاعة من نوع خاص لها شروط تميزها عن غيرها، فهذه الشفاعة لا تضم رأيك إلى رأي المشفوع عنده انتبه!! إنما أنت تشفع بعد أن يأذن لك سبحانه وتعالى، وهل هذا هو حال ملوك الدنيا؟ فقد تشفع بما لا يريد وترغمه فينفذ شفاعتك لأنه وإن كان عنده رغبة ورهبة فهو أيضاً يرغب ويرهب ويقول أخشى أن يدبر هذا لي مكيدة أو أن يغتالني إن أنا رددت شفاعته. فهذه الشروط – التي سنذكرها – لننفي بها ضم الشافع صوته إلى المشفوع عنده وأنه لا أحدٌ يشفع الله فهو وتر سبحانه وتعالى وهو أحدٌ ليس معه نظير ولا أحد يضم قوله إلى قوله. ولذلك اتفق أهل السنة الكرام على أن الشفاعة لا تحصل عند ذي الجلال والإكرام إلا بشرطين: الشرط الأول: إذن الله للشافع بحصول الشفاعة منه. دل على هذا آيات القرآن الكثيرة منها: ? قوله تعالى في آية الكرسي سورة البقرة 255 (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) . ? وقوله تعالى في سورة سبأ آية 23 (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) . ? وقوله تعالى في سورة يونس آية 3 (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) . الشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له بحصول الشفاعة له من الشافع فإذن أذن للشافع بأن يشفع، وليس هذا إذن مطلقاً، بل يُحِدّ له حداً أو يسمي له جماعة أو فرداً، فيقول اشفع لهذا بدخول الجنة، إذن هذا بتخصيص الله ومشيئته وإرادته. س: لم أشفع، وقد حَدَّه لي وليس على اختياري مطلقا؟

جـ: لينيلني الأجر عندما أشفع (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) ، وليحصل مزيد حب وود بيني وبين المشفوع له، وبالتالي يحصل مزيد ربط بين قلوب المؤمنين وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يفعل هذا في الدنيا فكانت إذا عرضت عليه حاجة يؤخر قضاءها ليشفع الصحابة ثم يقول لهم – ما قلت لكم – [اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء] ، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيقضي الحاجة لكن إن قُضيت بعد شفاعة فالمستفيد هو أنتم حيث سيحصل الربط فيما بينكم وتقضى الحاجة مع ذلك، فقضاء حاجة بلا شفاعة أنزل من قضائها بعد شفاعة، فهناك تكثير الخيرات من عدة جهات وهذا ما يحرض عليه النبي عليه الصلاة والسلام. لذلك قلت لكم ندبنا إلى شفاعة في الدنيا والله يشفعنا في بعضنا في الآخرة، إذن يحدد الله المشفوع له، ويأذن للشافع بحصول الشفاعة منه لهذا المشفوع له. دل على هذا قول الله جل وعلا في سورة الأنبياء في الآية (28) : (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) . وقد جمع الله الشرطين في آيات كثيرة من كتابه: 1) منها سورة النجم آية (26) : (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يساء ويرضى) . 2) وهكذا في سورة النبأ آية (38) يقول الله تعالى: (يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن) . فهذا هو الشرط الأول (وقال صواباً) أي أذن له ولم يتكلم بعد ذلك على حسن رأيه ويشفع لمن يريد دون إذن ربه بحصول الشفاعة له فلا يتكلم إلا على حسب ما يحدد له، والصواب هو رضا الله عن المشفوع له بحصول الشفاعة وهذا هو الشرط الثاني. 3) وقال ربنا جل وعلا في سورة طه آية (109) : (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولاً) وهذا كقوله تعالى (أذن له الرحمن وقال صواباً)

إذن لا بد من هذين الشرطين إُذنُ الله للشافع ورضاه عن المشفوع له لحصول الشفاعة له، وعليه فمرد الأمر لله جل وعلا فهو خالق الشفاعة وموجدها وهو الآذن لبعض الناس بالشفاعة لمن يشاء ويريد ويرضى سبحانه وتعالى، ولذلك لا تطلب إلا منه سبحانه وتعالى أن يشفع فينا الصالحين من عباده فهو على كل شيء قدير. يقول الله تعالى مقرراً هذا في سورة الزمر آية 43 و 44: (أم اتخذوا من دون الله شفعاء، قل: أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون، قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون) ، فلله الشفاعة جميعاً من بدايتها إلى نهايتها فهو الذي يأذن للشافع وهو الذي رضي عن المشفوع له بحصول الشفاعة له، إذن مردها إلى الله جل وعلا، نسأل الله أن يرحمنا وأن يشفع فينا نبينا عليه الصلاة والسلام والصالحين من عباده إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إشكال وجوابه: إن قيل: وردت آيات في القرآن الكريم ظاهرها يشعر بنفي حصول الشفاعة يوم الدين، فكيف سنوفق بينها وبين الآيات التي أثبتت الشفاعة في ذلك؟ ومن هذه الآيات: ? قول الله جل وعلا في سورة البقرة - وسأقتصر على هذه السورة فقط - آية 48 (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم يُنصرون) . ? وقوله تعالى في آية 123 من السورة نفسها: (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون) . ? وقوله تعالى في الآية 254 (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أي يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون) . إذن هذا اليوم ليس فيه شفاعة، وقد مرت معنا الآيات بثبوت الشفاعة وحصولها، فما التوفيق بين الأمرين؟

الجواب: أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة الشركية التي يدعيها المشركون لآلهتهم وطواغيتهم من البشر أو الحجر أو البقر أو الشمس أو القمر وغيرها حيث كانوا يزعمون بأنها ستشفع لهم يوم القيامة، فإن هؤلاء لا تحصل لهم الشفاعة والشفاعة منتفية عنهم، وقد وضح هذا آيات القرآن (1) يقول الله تعالى في سورة المدثر – وانتبه لسياق الآيات – (كل نفس بما كسبت رهينة، إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نَكُ من المصلين ولم نَكُ نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) فما هي النتيجة؟ (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) التي كانوا يدعونها لآلهتهم، ويفترون ويزعمون أن آلهتهم ستشفع لهم، فهذه الشفاعة الشركية لا تنفعهم وهم مشركون لا تنفعهم شفاعة. إذن (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) ، وما المراد بأصحاب اليمين؟ قيل: هم من يأخذ كتابه بيمينه. وقيل: هم الملائكة المقربون. لكن التفسير الدقيق الوارد في هذا عن صحابيين – ولذلك حكم الرفع – عن علي وعن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، عن علي في المستدرك بسند صحيح، وعن ابن عمر في تفسير ابن المنذر بسند صحيح: [ (إلا أصحاب اليمين) إلا أولاد المسلمين الذين ماتوا قبل أن يبلغوا] قبل أن يجري عليهم القلم. وهذه إحدى آيتين في القرآن تدل على أن أولاد المسلمين في الجنة إذا ماتوا قبل التكليف والآية الثانية في سورة الطور آية رقم (21) وستأتي ص (256) وهذا هو المقرر عند أهل السنة والجماعة، فإذا مات ولد من أبوين مسلمين أو من أحد أبوين مسلمين قبل أن يبلغ فهو في الجنة. وفي هذه الآية قرينتان على أن هذا التفسير هو المعتمد – وإن كان التفسيران الآخران يمكن أن يدخلا في الآية – ولكن هذا هو المعتمد وأقوى من غيره لقرينتين هما: القرينة الأولى:

قوله (رهينة) فإن معناها: مرتهنة ومحبوسة لتحاسب على عملها، فإن كان خيراً أثيبت وإن كان شراً عوقبت، لكن عندنا صنف ليس عنده ما يرهن عليه ويحبس من أجله فلم يعمل خيراً أو شراً ولم يجر القلم عليه، إذن فكل نفس مرتهنة بعملها إلا هؤلاء فليس عندهم عمل، ولذلك أولاد المسلمين في الجنة بمجرد موتهم [وصغارهم دعاميص الجنة] كما ثبت في مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام والدعاميص جمع دعموص وهي دودة لا تفارق الماء والولد الصغير بمجرد أن يموت لا يفارق الجنة، والدعموص أيضاً هو الذي يُكثر زيارة الملوك والأمراء فلكثرة زيارتهم ومخالطتهم لهم يدخل عليهم بغير استئذان، وهؤلاء دعاميص يدخلون ويسرحون حيث يشاءون ولا يمنعهم منها مانع وفلا يقيدون ويحاسبون. القرينة الثانية: قوله (يتساءلون) لأن سؤالهم هذا سؤال غرٍ جاهل سؤال من لا يدري الحقائق ولا ما جرى في عرصات الموقف، فهؤلاء – أي أصحاب اليمين الذين يتساءلون – لو شهدوا الحساب في عرصات الموقف وحضروا الميزان وأن هؤلاء ثقلت موازينهم فهم في عيشة رضية وهؤلاء خفت موازينهم فأمهم هاوية لو حضروا هذا لما سألوا هذا السؤال، فهو معلوم لديهم لأنهم حضروه، لكنهم لم يحضروا ولم يُحبسوا إنما دخلوا الجنة دون محاسبة ودون تقييد ورَهْن. الشاهد هنا أنه (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) الشفاعة الشركية هي المنفية.

3) وهكذا يقول الله في سورة الشعراء آية (100) : ( ... فمالنا من شافعين ولا صديق حميم) فالشفاعة المنفية هي حصول الشفاعة للآلهة وقد ذكروا قبل هذه الآية بثماني آيات وأيضاً قال في آية (96) من هذه السورة (قالوا وهم فيها يختصمون، تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين، وما أضلنا إلا المجرمون، فمالنا من شافعين ... ) إذن يسوون آلهتهم برب العالمين ويجعلونهم أنداداً له، وعدلاً ومثلاً له، يعبدونهم كما يعبدون الله، فهؤلاء لا تحصل لهم الشفاعة والله جل وعلا يقول: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم) أي جعلتموهم نظراء وعدلاً له، فسموهم وانعتوهم فماذا فيهم من صفات يستحقون أن يكونوا بها آلهة، هل خَلقوا أم خُلقوا؟ هل يملكون لغيرهم ضراً أو نفعاً أو يملكون هذا لأنفسهم؟!! كل من عدا الله مخلوق مقهور مربوب مسير في الحياة والموت والرزق رغم أنفه مخير في ما عداها جاء إلى الدنيا على غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره، في الصورة التي على غير اختياره، إذن فكيف يستحقون أن يكونوا آلهة مع الله أو من دون الله؟!!. 4) وهكذا يقول الله سبحانه وتعالى في سورة غافر آية (18) (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) . 5) وقال جل وعلا في سورة الأنعام آية (94) : ( ... وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء....) . 6) وقال جل وعلا في سورة يونس آية (18) : (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض، سبحانه وتعالى عما يشركون) . فالشفاعة المنفية هي الشفاعة الشركية التي تقع بغير إذن الله وبغير رضاه عن المشفوع له، وهذه كان الضالون يدعونها لمعبوداتهم وما أكثر من يدعيها من المسلمين لطواعيتهم الذين يعكفون حولهم.

وهناك قصة لبعض الضالين في بلاد الشام من الصوفية المخرفين الذين يتبعون شيخاً ضالاً يقول لهم: أولادي لا تخافوا، فإذا صار يوم القيامة أضعكم في رقبتي كما تضع المرأة القلادة في عنقها، ثم أمر من فوق جهنم فأطير إلى الجنة، وتلامذته ينقلون هذه القصة عنه ويبتهجون ويفرحون ويقول: نحن سيشفع لنا هذا الشيخ العظيم، فقلت لواحد منهم عندما كلمني: وإذا سقط شيخك في جهنم، فكيف سيكون حالكم؟ ووالله إذا لم يرجع عن اعتقاده هذا سيسقط رغم أنفه ما دام يدعي هذا الأمر الذي يحاد ويضاد به الله: ألم يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: [يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئاً، اعملي] . [يا عباس يا عم النبي، لا أغني عنك من الله شيئاً، اعمل] . [يا صفية سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً] . هذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه سيد الشافعين المشفعين والشفاعة له ثابتة بإجماع أهل السنة ودلت عليها النصوص الصحيحة الثابتة، ومع ذلك يقول كَوني سأشفع لهذا أو لهذا هذا مرده إلى الله جل وعلا!!. ولذلك في صحيح مسلم [لما جاء ربيعة بن كعب الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان دائماً يحضر للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ليتوضأ منه، فقال له ذات يوم لما أحضر له وضوءه: سلني فقال ربيعة: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال أَوَغير ذلك؟ فقال: هو ذاك يا رسول الله فأطرق النبي عليه الصلاة والسلام يقول ربيعة – وظننت أنه يوحى إليه – ثم رفع فقال إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود] ، نعم ما سأل ربيعة وهذه هي همم النفوس العالية.

فهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له من أول الأمر شيئاً لا أملك ولا لا أملك بل سكت فهولا يستطيع أن يتكلم من عنده، فهذا ليس في وسعه، فقال له، ألا تريد شيئاً آخر أستطيع قضاءه لك بنفسي؟، فقال: هو ذاك ولا أريد غيره، إذن فتحتاج المسألة إلى استئذان الله سبحانه وتعالى وانتظار الجواب منه، فأطرق الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه ونزل عليه الوحي، فلما رفع رأسه قال لربيعة: إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود فهذا شرط لا تفرط فيه حتى تكون في درجتي إن شاء الله في جنات النعيم. المبحث الثاني: أنواع الشفاعات يوم القيامة: مجموع الشفاعات ثمانية أربعة منها خاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام والأربعة الأخرى مشتركة بينه وبين غيره من أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم ومن الملائكة والصالحين من عباده. أما الشفاعات الخاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام: 1- الشفاعة العظمى: ويقصد بها: الشفاعة لأهل الموقف قاطبة من إنس وجن وحيوانات، ليحاسبهم رب الأرض والسموات، فحتى الحيوانات ستنالها هذه الشفاعة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وتكون نتيجة حسابها أن تكون تراباً لكنها مجموعة ليقضي الله للجماء من القرناء، وليظهر العدل الإلهي على أتم وجه، فيجتمعون في ذلك الموقف العصيب الرهيب، ولا يقضي بين هذه المخلوقات إلا بشفاعة خير البريات عليه صلوات الله وسلامه. وقد تواترت الأحاديث بذلك، وفيها:

(أن الله يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد وتدنو الشمس من منهم ويتصبب منهم العرق ويطول هذا الجمع ويبلغ الغم والكرب بالناس ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تظنون من يشفع لكم عند ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم فيذهبون إليه ويقولون: [يا آدم اشفع لنا عند ربك، فيقول لست لها] أي لا أبلغ هذا المقام وهذه الرتبة ليست لي، ثم يقول [إن ربي قد نهاني عن الشجرة فعصيته اذهبوا إلى نوح فإنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض] وكان بين نوح وبين آدم عشرة قرون كلهم على التوحيد، كما ثبت هذا في المستدرك بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام. والمراد من القرن: قيل مائة سنة، وعليه تكون المدة بينهما ألف سنة. وقيل المراد بالقرن مدة فناء جيل من الأجيال، وكان كل جيل يعيش ألف سنة فأكثر، فالألف تضرب في عشرة يصبح المجموع عشرة آلاف سنة بين نوح وآدم والله أعلم أيهما المراد.

[فيذهبون إلى نوح ويقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض فيقول: لست لها، ويذكر سؤاله لربه ما ليس له به علم] وهذا وراد في قوله تعالى (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال: يا نوح إنه ليس من أهلك) أي ليس من أهل ملتك وليس على دينك، وليس المراد أنه ليس من أولادك فهو ابن حرام كما توهم هذا بعض سفهاء الأنام حيث يقولون هذا ليس من أهلك أي ليس بولدك وإنما ولد على فراشك فامرأتك خانتك فيه، هذا كلام باطل وما بغت امرأة نبي قط، وزنا الزوجة منقصة في حق الزوج، فإن قيل قد تكون الزوجة كافرة، نقول: لا حرج لأن الكفر ليس بتعيير عند أهل الأرض وليس بمنقصة في حق الزوج بخلاف العهر، فهو – أي العهر – منقصة عند الكفار وعند المؤمنين بل عند الناس كلهم هو مذموم ولذلك القوانين الوضعية الوضيعة في هذا الوقت أباحت الزنا إلا زنا الزوجة، وعند النصارى لا يوجد طلاق إلا إذا ثبت أن الزوجة زنت فعند ذلك للزوج أن يطلقها. الشاهد أنَّ زنا المرأة طعن في زوجها ومعنى ليس من أهلك أي ليس من أهل ملتك وليس على دينك.

[فيقول نوح: اذهبوا إلى إبراهيم خليل الرحمن، فيقول لست لها، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات] وهي قوله (إني سقيم) مع أنه يجاهد ويجادل بها عن دين رب العالمين، وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) وقال عن سارة (إنها أختي) وهو صادق في كل ما قاله فهي أخته في دين الله بما أن هذا الكلام يوهم خلاف الظاهر فاستحى واعتذر فقال لست هنالك، ثم يقول إبراهيم [اذهبوا إلى موسى عليه السلام فإن الله قد كلمه فيذهبون إليه فيقول: لست هنالك، ويذكر ذنبه ويستحي وأنه قتل نفساً..] مع أن النفس تستحق القتل لكن كأنه يرى أنه تعجل ولعله كان بالإمكان أن يصلح أمره، ثم يقول: [اذهبوا إلى عيسى فإنه عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيذهبون إليه فيقول: لست هنالك ولا يذكر ذنباً] أي أنا لست في هذا المقام ولا أتأهل له سواء كان عليّ ذنب أستحي به من الله أم لا، ثم يقول [اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإنه عبد صالح قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيذهبون إليه ويقولون اشفع لنا إلى ربك، فيقول صلى الله عليه وسلم أنا لها وأنا صاحبها، فآتي تحت العرش فأسجد فيدعني الله ما شاء أن يدعني ويلهمني محامد أحمده بها لا أستحضرها الآن، ثم يقول لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفّع، فأقول: اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي] فتنصب الموازين وتنشأ الدواوين. يقول العبد الفقير وهذا الحديث ورد عن طرق متعددة وبروايات كثيرة من ذلك أن كل نبي لما تطلب منه الشفاعة يقول: [إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ثم يذكر ذنبه ويقول: نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى غيري....] . وكذلك لما يذهب الناس إلى كل نبي يثنون عليه بما هو فيه فمثلاً يقولون لآدم: [أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ... ] .

وفي بعض الروايات يعتذر نوح عليه السلام عن الشفاعة فيهم بقوله: [وإنه قد كان لي دعوة دعوتها على قومي ... ] ولا يذكر أنه بسبب سؤاله ما ليس له به علم. ومن ذلك أيضاً أنه لما يطلب من أي نبي الشفاعة يعتذر فيقول: [لست هنالكم] ، وفي روايات [ليس ذاكم عندي] وفي روايات [لست هناك ولست بذاك فأين الفعلة؟] أي الخطيئة أو الفعل الذي ارتكبه واستحى به من الله، وفي روايات [لست هناك] فقط. وهناك ألفاظ وروايات أخرى يطول ذكرها.

وعلى كل حال الحديث الطويل الذي ذكرناه هو ما قد أفادته عدة روايات، وإلا فرواية الصحيحين – وهي الرواية المشتهرة – ليس فيها التصريح بهذه الشفاعة العظمى للقضاء بين الخليقة بل اقتصر رواتها على ذكر شفاعة واحدة أخرى، ولكن يستفاد من نص الحديث في الصحيحين أن شفاعته ستكون للقضاء بين الخليقة بما ذكر في أول الحديث من اغتمام الناس وتضايقهم وكربهم وفزعهم من طول الاجتماع في هذا الصعيد الواحد، ثم إن ابن خزيمة بعد إيراده للحديث في كتابه (كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل) – أي الحديث الذي في الصحيحين – أراد أن يدلل على أن الشفاعة المذكورة فيه إنما هي الشفاعة التي يشفع بها النبي صلى الله عليه وسلم ليقضى بين الخلق حيث بوّب باباً بعد إيراده لرواية الصحيحين فقال: (باب ذكر الدليل على أن هذه الشفاعة التي وصفنا أنها أو الشفاعات هي التي يشفع بها النبي صلى الله عليه وسلم ليقضي الله بين الخلق فعندها يأمره الله عز وجل أن يدخل من لا حساب عليه من أمته الجنة من الباب الأيمن فهو أول الناس دخولاً الجنة من المؤمنين) ثم أورد حديثين يقرران ذلك: الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، وقال إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن وبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم بموسى فيقول: كذلك ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم.

الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [للأنبياء منابر من ذهب يجلسون عليها – قال – ويبقى منبري لا أجلس عليه ولا أقعد عليه قائماً بين يدي ربي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقول الله عز وجل: يا محمد، ما تريد أن تصنع بأمتك؟ فيقول: يا رب عجل حسابهم فيدعى بهم فيحاسبون فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي – فما أزال حتى أعطى صكاً برجال قد بعث بهم إلى النار، وحتى إن مالكاً – خازن النار – يقول: يا محمد، ما تركت النار لغضب ربك في أمتك من نقمة] وقد اشترط ابن خزيمة في كتابه هذا ألا يورد إلا حديثاً يرويه عدل عن عدل وبعد صفحات ذكر باباً آخر فقال: (باب ذكر بيان أن للنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات يوم القيامة في مقام واحد، واحدة بعد أخرى) ثم قال: "أولها ما ذكر في خبر أبي هريرة رضي الله عنه – ويقصد الحديث الطويل الذي رواه الشيخان أيضاً – وخبر عمر، وابن عباس – وقد تقدم قبل قليل ذكرها – وهي شفاعته لأمته ليخلصوا من ذلك الموقف وليعجل الله حسابهم ويقضي بينهم فرقة بعد أخرى - " ثم ذكر أن الصحابة رضوان الله عليهم ربما اختصروا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثوا بها وربما اقتصروا الحديث بتمامه وربما كان اختصاراً بعد الإخبار أو أن بعض السامعين يحفظ بعض الخبر ولا يحفظ جميع الخبر وربما نسي بعد الحفظ بعض المتن فإذا جمعت الأخبار كلها علم حينئذ جميع المتن والسند ودل بعض المتن على بعض، انظر: كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 242-247) . (وهذا الكلام الذي كتبه هو من كلامي أنا وليس للشيخ الطحان أي مسؤولية عنه فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان والله الموفق) . وقد أشار الله إلى هذه الشفاعة في كتابه فقال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) .

وقد فسر (المقام المحمود) بأربعة معان ٍ: أولها: أنه هو الشفاعة العظمى. قد حكى الواحدي إجماع المفسرين على القول بهذا، وقد روى ابن أبي عاصم في (السنّة) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم [في قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) قال: الشفاعة] وإسناده ضعيف لكن الحديث صحيح لشواهده وقد حسنه الترمذي. وروي أيضاً عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا كان يوم القيامة كنت أنا وأمتي على تل، فيكسوني حلة خضراء، ثم يأذن لي تبارك وتعالى أن أقول ما شاء الله أن أقول وذلك المقام المحمود] وإسناده جيد (وهذان الحديثان ذكرتهما أنا ولم يذكرهما الشيخ الطحان) . ثانيها: أنه لواء الحمد: ولا تعارض بينهما فهو يحمل لواء الحمد عندما يشفع وتحت لوائه آدم فمن دونه، فإذن لواء الحمد والشفاعة في وقت واحد. ثالثها: أن المقام المحمود هو كل خصلة حميدة يحمده عليها الأولون والآخرون في الدنيا والآخرة. رابعها: أن يجلس معه على العرش وهذا روي في تفسير الطبري وغيره [أن الله يُجْلِسُ نبيه على عرشه معه وهذا هو المقام المحمود] . والأقوال الثلاثة الأولي كلها مقبولة، والأخير الرابع جرى حوله كلام حتى أن بعض الأئمة استنكروه. المحاضرة الثانية والعشرون والأثر الذي رواه الطبري هو عن مجاهد فهو إذن ليس بمتصل إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عندنا عن طريق موصول صحيح.

والمعتمد عند أهل السنة الكرام أن هذا ونظائره إذا ثبت نؤمن به دون البحث في كيفيته، إقرار وإمرار، لكنه كما قلنا لم يثبت مرفوعاً فلذلك نتوقف فيه لا نرده ولا نثبته ونقول بموجبه وأكثر ما يمكن قوله أنه مرسل له حكم الرفع، والمرسل ضعيف لا يحتج به في الأحكام العملية فكيف في أمور الاعتقاد؟ لذلك لا نعتقد بموجبه لأن هذا يحتاج إلى نص ثابت لأنه كما لا يجوز أن تنفي أمراً ثابتاً في العقيدة لا يجوز أن تعتقد ما لم يثبت، فنتوقف فيه ونبين أنه روي أي من جملة الأقوال المروية. عدد من الأئمة ومن جملتهم الواحدي والرازي وأبو حيان وعدد من المفسرين قالوا، لو ثبت لكان مشكلاً فينبغي أن نطرحه – وأكثر من تبني رد هذا الإمام الواحدي قال: هذا التفسير باطل لا يصح، فالله يقول (عسى أن يبعثك) وهذا يفسر البعث بالقعود والجلوس، والبعث ضد الجلوس فكيف يفسر الشيء بضده؟! هذا الأمر الأول، أما الأمر الثاني: قوله (مقاماً محموداً) وهنا يقول مجلساً، والمقام ما يحصل فيه القيام. وأنا أقول هذا الأثر لو ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام فيمكن الخروج من هذه الاعتراضات فنقول: (يبعثك) أي يظهرك في مقام محمود وليس المراد منه البعث الذي هو ضد الجلوس والقعود. والمقام هنا ليس المراد منه أنه ضد الجلوس، بل المراد من المقام المنزلة والرتبة والشرف والفضيلة والفخر، وعلى هذا المعنى يحصل المقام للإنسان إذا جلس أو إذا قعد ولا فرق فليس المراد خصوص قيام أو خصوص قعود وجلوس، وهذا على تقدير ثبوته. وكان أئمتنا يقولون: لمجاهد قولان غريبان، وأنا أقول ثلاثة أقوال، وهي: 1) هذا الذي ذكرناه: تفسيره للمقام المحمود. 2) قال في قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) قال: تنتظر الثواب من ربها ولا يراه شيء من خلقه.

وهذا الأمر ثابت بإسناد صحيح إلى مجاهد وهي زلة من زلاته وهفوة من هفواته فلترد ولتطرح، ولو نقلت عن صحابي – وحاشاهم رضوان الله عليهم – لطرحت لأجل الحديث المتواتر بأن المؤمنين يرون ربهم في جنات النعيم، يقول ابن كثير بعد نقله لأثر مجاهد هذا: هذا باطل، يقول ابن كثير في تفسيره: (ومن تأول ذلك بأن المراد بإلى مفرد آلاء وهي النعم..... فقد أبعد هذا الناظر النُّجْعَة وأبطل فيما ذهب إليه ... ) . 3- القول الثالث: ولم يذكره العلماء وأضيفه أنا وهو مردود على مجاهد، قال تعالى (فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) قال مجاهد هذا مثلٌ ضربه الله لهم ولم تمسخ أبدانهم، أي أن المسخ حصل لقلوبهم فصاروا بمنزلة القردة وخستها لا أن أبدانهم مُسِخت حقيقة وهذا باطل قطعاً وجزماً. ثلاثة أقوال: القول الأول نتوقف فيه، والقولان الآخران – الثاني والثالث – نردهما بلا بلا توقف وكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أخذ بشواذ العلماء ضلّ، ومن تتبع رخص العلماء اجتمع فيه الشر كله، ولذلك مفتي عمان أخذ هذا الأثر عن مجاهد وجعله مثل قميص عثمان، يلوح به في رسالته يقول قال مجاهد: "تنتظر الثواب من ربها ولا يراه شيء من خلقه" نقول له: مجاهد على العين والرأس ونبينا عليه الصلاة والسلام فوق العين والرأس وعندما يتعارض كلام مجاهد مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم فبكلام من نأخذ؟! طبعاً بكلام من لا ينطق عن الهوى، فنقول مجاهد أخطأ فكان ماذا؟ أما نبينا عليه الصلاة والسلام فهل يمكننا أن نقول إنه أخطأ؟!! فأنت يا مفتي بين أمرين إما أن تخطئ النبي صلى الله عليه وسلم وإما أن تخطئ مجاهد!!.

فكيف رضيت أن تخطئ النبي صلى الله عليه وسلم واستصعب عليك أن تخطئ مجاهد، وإني لأعجب أعظم العجب لهذا المفتي جاء لأثر مجاهد وجعله هو العمدة في مسألة الرؤية، وأما الأحاديث المتواترة في الموضوع فأَعْرَضَ عنها صفحاً ولم يأخذ بها. إخوتي الكرام ... للإمام الذهبي رحمه الله - وهو تلميذ ابن تيمية – كتاب اسمه (العلو للعلي الغفار) احرصوا على شرائه ففيه خير كثير والكتاب كله في مسألة واحدة وهي إثبات العلو لربنا العلي. وقد تعرض فيه لأثر مجاهد في أربعة أماكن في (صـ 94) ، (صـ 99) ، (صـ 124) ، (صـ171) وسأقرأ لكم مكانين فقط من هذه الأمكنة وارجعوا إلى البقية: أولاً: في (صـ 94) قال: " [عن مجاهد: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً) قال: يجلسه أو يقعده على العرش] لهذا القول طرق خمسة، وأخرجه ابن جرير في تفسيره وعمل فيه المروزي مصنفاً وسيأتي إيضاح ذلك بعد". ثانيا: في (صـ 124) قال: "قال المروزي سمعت أبا عبد الله الخفماف يقول: سمعت ابن مصعب وتلا: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) قال نعم: يقعده على العرش".

ذكر الإمام أحمد ابن مصعب فقال قد كتبت عنه وأي رجل هو!، ثم قال الذهبي: فأما قضية قعود نبينا عليه الصلاة والسلام على العرش فلم يثبت في ذلك نص – كما قلتُ لكم ما ثبت مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام – بل في الباب حديث واهٍ، وما فسَّرَ به مجاهد الآية كما ذكرنا فقد أنكره بعض أهل الكلام، فقام المرْوَزي وقعد وبالغ في الانتصار لذلك وجمع فيه كتاباً، وطرقُ قول مجاهد من رواية ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، وأبي يحيى القتات وجابر بن زيد، فمن أفتى في ذلك العصر بأن هذا الأثر يسلّم ولا يُعارض: أبو داود السجستاني صاحب السنن، وكان يقول: من رده فاتهمه – أي أنه من أهل البدع - , إبراهيمُ الحربي (وقع في طبعة المطبعة السلفية بالمدينة لهذا الكتاب الجربي – وهو خطأ) وخلقٌ بحيث أن ابن الإمام أحمد قال عقيب قول مجاهد: أنا منكر على كل ما رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوءٌ متهم، سمعته عن جماعة وما رأيت محدثاً ينكره، وعندنا إنما تنكره الجهمية" ثم بدأ يسوق الأسانيد عن مجاهد في قوله السابق الذكر. وهذه الشفاعة العظمى الثابتة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وردت بها أحاديث كثيرة – كما قلت إنها متواترة – وذكرت حديث الشفاعة الطويل، ومن تلك الأحاديث المتواترة: ما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فإيما رجل أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة] . وقد امتازت رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام بأمرين: أولهما: الختام فهي خاتمة الرسالات. ثانيهما: العموم عامة لكل الناس وللجن أيضاً. والمقصود بالشفاعة الواردة في الحديث الشفاعة العظمى فهو الذي يشفع في أهل الموقف بعد أن يعتذر باقي الأنبياء عنها.

وثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: [أنا سيد ولد آدم يوم القيامة] وفي رواية أبي داود بحذف: [يوم القيامة] ولا تعارض بينهما، فهو سيد مطلقاً في الدنيا وفي الآخرة، لكن متى تظهر السيادة؟ هنا في الدنيا يوجد من ينازعه، وأما هناك فلا يوجد أحد يستطيع أن يدعي أنه سيد، هذا كما قال تعالى: (مالك يوم الدين) وهو مالك الدين والدنيا، لكن هنا يوجد من ينازعه ويقول: لا إله والحياة مادة، و (إنما أوتيته على علم عندي) ، و (هذه الأنهار تجري من تحتي) وأنا ربكم الأعلى فيوجد من يقول هذا، وأما هناك في الآخرة فلا يوجد من يقول هذا كل واحد يقول (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) . إذن سواء حذفت يوم القيامة أو ذكرت لا إشكال، لأنه إذا ذكرت فالسيادة تظهر في ذلك اليوم لعدم المنازع. ثم قال [وأنا أول من تنشق عنه الأرض] فأول من يبعث هو نبينا عليه الصلاة والسلام. ثم قال [وأنا أول شافع وأول مشفَّع] وليس بين اللفظين [شافع ومشفع] تكرار، فالشافع هو الذي يطلب الشفاعة لغيره والمشفَّع هو الذي تقبل شفاعته، فنبينا عليه الصلاة والسلام سابق بالأمرين لا يشفع أحد قبله ولا يشفَّع أحد قبله، لأنه لو لم يُشفَّع قبل غيره، فقد يشفع بعض الأنبياء إذن بعد، لكن يجابون قبله فيكون غيره أول مشفّع، فإنه لا يلزم من ثبوت الشفاعة حصول التشفيع فقد يشفع ويؤخر سنة. ولو قال صلى الله عليه وسلم: أنا أول شافع فقط (ربما توهم البعض أن نبينا عليه الصلاة والسلام يسبق في طلب الشفاعة لكن تؤخر إجابة نبينا عليه الصلاة والسلام، فدفعاً لهذا التوهم قال: كل من الأمرين سيحصلان لي على سبيل الأولية فأنا أول من يشفع وأول من يجاب في قبول الشفاعة، عليه الصلاة والسلام) .

وثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه، أنه قال [أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا أيسوا، ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر] . إذن هو أول الناس خروجاً عندما يبعث الناس، وهو الذي يخطب الناس إذا وفدوا على الله عز وجل واجتمعوا وهو مبشرهم إذا أيسوا بطريق الشفاعة العظمى ... س: بخصوص الدعاء الوارد بعد الأذان (اللهم رب هذه الدعوة التامة ... ) هل يعتبر هذا الدعاء شفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان شفاعة فكيف تكون الشفاعة لخير البرية الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو الذي نرجو منه أن يشفع لنا عند رب العزة سبحانه وتعالى؟ جـ: هذه الشفاعة منا لنبينا عليه الصلاة والسلام بأن يعطيه الله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود إنما تحصل بعد إذن من الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك فقال [سلوا الله لي الوسيلة] ثم أخبرنا بفضيلةٍ لهذا السؤال وهو أن من سأل الله لنبيه الوسيلة [حلت له الشفاعة] وحلت من الحلول والنزول لا من الحل ضد التحريم، أي نزلت عليه شفاعتي أي استحقها كان الله قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: بشر أمتك بأن من سأل لك هذا ستشفع له يوم القيامة، فإذن هذه الشفاعة بإذن من الله عز وجل لنشفع لنبيه صلى الله عليه وسلم في أمر حاصل وثابت. س: فإن قيل ما فائدة هذه الشفاعة إذن؟ الجواب: لأوضح لكم الجواب أضرب لكم مثالاً مشابهاً:

ألم يقل الله سبحانه وتعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) ؟ يصلون ولم يقل صلوا، وفعل المضارع يفيد التجدد والحدوث، فصلاة الله على نبيه لا تنقطع وصلاته عليه أن يثني عليه في الملأ الأعلى وأن يتحدث بذكره ومحامده (ورفعنا لك ذكرك) فلا يذكر الله إلا ويذكر معه نبيه عليه صلوات الله وسلامه، فماذا قال الله بعد ذلك؟ (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) وصلاتنا على نبينا عليه صلوات الله وسلامه أن نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وغيرها من الصيغ نحقق فيها الصلاة على نبينا عليه الصلاة والسلام. إذن الله يصلي عليه ونحن نقول اللهم صلِّ فما فائدة هذا والصلاة من الله لا تنقطع؟ انتبه!! هذا مثل ما ورد في حديث الشفاعة [حلت له شفاعتي] وهنا فائدة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم [من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً] فصلاة الله حاصلة لنبيه صلينا عليه أوْ لم نصل، لكن فائدة هذا تعود إلينا وذلك حتى ننتفع من هذه القربة، وفائدته لنعلم قدر نبينا عليه صلوات الله وسلامه وهذه فائدة عائدة لنا. وفائدته لنتحدث بفضائله عليه الصلاة والسلام وفائدة هذا عائدة لنا، وأما هو - صلى الله عليه وسلم – فعالي القدر رفيع المنزلة، الله يصلي عليه وسيعطيه الوسيلة، سواء قلنا هذا أو لم نقل.

وفائدته ليغرس نبينا عليه الصلاة والسلام في قلوبنا حبه، وليغرس في قلوبنا أمور الاعتقاد وأنه رسول الله وليغرس في قلوبنا أن الشفاعة ثابتة له، وهذا من أمور الاعتقاد، وليغرس فينا معاني الإيمان أمرنا بأن نقول هذا الدعاء، وإلا لو اجتمع أهل الأرض قاطبة على سب النبي صلى الله عليه وسلم هل ينقص ذلك من قدره؟! لا، فماذا سيفعل العباد له بعد قول الله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) ، وماذا سيفعل العباد بعد قول نبينا عليه الصلاة والسلام [آتي باب الجنة] فأستفتح فيقول الخازن: من؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك] . وكذلك ما فائدة ثناء العباد عليه صلى الله عليه وسلم وما مضرة ذمهم؟ إنما هذا عائد لهم، فنحن لا نسأل هذا لنبينا عليه الصلاة والسلام لكونه غير حاصل ليحصل بدعائنا له إنما هو حاصل ثابت، فإذا كان ثابتاً ليحصل لنا من رواء هذا الأجر والمغنم وغرس عقائد الإيمان في ذلك. وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا رأى غلاماً صغيراً في المدينة يمسح على رأسه ويقول يا بني إن أدركت عيسى بن مريم فسلم عليه، فما مراد أبي هريرة من هذا؟ مراده أن يغرس في قلب هذا الغلام الإيمان بنزول عيسى عليه السلام، وإلا فإن أبا هريرة موقن أن هذا الغلام لن يدرك عيسى بن مريم عليه السلام، لكن هذه لابد من أن تُغرس في القلوب بأساليب مختلفة، تارة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أول شافع وأول مشفَّع، وتارة يقول [سلوا الله لي الوسيلة] فمن سألها لي [حلت له شفاعتي] ، إذن هذا ليحصل لنا الإيمان بالشفاعة لأنها من أمور الاعتقاد وليحصل لنا الأجر ولتتعلق قلوبنا بنبينا عليه الصلاة والسلام، ولا شيء يغرس الإيمان في القلوب كالتكرار.

وهنا طلب الشفاعة من هذا الباب وهو كذكر الله وعبادته فالفائدة تعود لنا، وإلا من المستفيد من قولنا: لا إله إلا الله، سبحان الله، الله أكبر، نحن أم الله؟ نحن، فلسانك يتلذذ وقلبك يخشع وينتعش ونفسك تتنور، وتحصل على أجر بعد ذلك في الدنيا والآخرة وليس معنى أنه إذا ذكرنا الله وأثنيا عليه يرتفع قدره، وإذا كفرناه ينقص؟ حاشاه بل فائدة هذا تعود لنا كما قلنا، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى فيما يرويه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: [يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً] . وللتقريب أقول لكم ولله المثل الأعلى: لو دخلت أنت على مدير مثلاً فقلت له السلام عليك أيها المدير، ودخل آخر وقال السلام عليكم، فقط فإنك ستجد أن المدير يرحب بك ويكرمك أكثر من الآخر لأنك بكلمتك هذه أظهرت له أنك تعترف وتقر بأنه مدير وليس معنى ذلك أنك إن لم تقل له ذلك أنه فُصِل لكن لكلمتك اعتبار في الخاطر، إذن ففائدة هذه الكلمة تعود إليك ولا ينتفع منها المدير أبداً. الحاصل أن فائدة سؤال المقام المحمود لنبينا عليه الصلاة والسلام عائدة لنا ونحن الذين سننتفع من وراء ذلك والله أعلم. 2- استفتاح باب الجنة: وطلب الشفاعة بفتحها فلا تفتح أبواب الجنة حتى يشفع نبينا عليه الصلاة والسلام بفتحها فتفتح له. وقد ثبت هذا في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وهو أول حديث في الجامع الصغير – عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن من؟ فأقول: محمد، فيقول: بل أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك] .

فالجنة لا يدخلها أحد ولا تفتح لأحد من متقدمين ومتأخرين حتى يشفع نبينا عليه الصلاة والسلام بفتح أبواب الجنة فيأتي ويستأذن ويطلب من الله الدخول، ثم يدخلها أهلها بعد أن يدخلها نبينا عليه الصلاة والسلام. وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس أيضاً عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: [أنا أول من يقرع باب الجنة] ، هذه هي الشفاعة الثانية من الشفاعات الخاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام. 3- إدخال قوم الجنة بغير حساب: فيشفع لهم إلى الكريم الوهاب فيدخلون الجنة بغير حساب، ولا ينشر لهم ديوان ولا ينصب لهم ميزان. نسأل الله أن يمن علينا بالجنة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأما أن تتعلق همتنا بأن نكون من هؤلاء، فوالله إننا لنستحي من ربنا أن يعلم منا أننا نتطلع إلى هذه المراتب، وكل واحد يعرف نفسه (بل الإنسان على نفسه بصيرة) ، فنسأل الله حسن الخاتمة.

وقد ثبت هذا في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه قال: [عُرِضت عليّ الأمم] أي مثلت له وكيف ستعرض يوم القيامة [فرأيت النبي ومعه الرُّهَيْط] تصغير رهط وهي الجماعة دون العشرة [والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد، إذ رُفع لي سوادٌ عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فنظرت فإذا سوادٌ عظيم فقيل لي: هذه أمتك، ومنهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض، فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يُشركوا بالله شيئاً، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه، فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن مِحصَن فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة] هذه الرواية من مختصر صحيح مسلم. ومحل الشاهد هو طلب عكاشة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون منهم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم [أنت منهم] ونبينا عليه صلوات الله وسلامه لا ينطق عن الهوى، فشفع إلى الله فأخبره الله أن عكاشة من هؤلاء. وقد ورد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [اللهم اجعله منهم] وورد في بعض الروايات أن عكاشة قال بعد أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أوصاف السبعين ألف، قال: [أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال نعم] . إذن هنا شفع نبينا عليه الصلاة والسلام لعكاشة وسيشفع لهؤلاء بأن يدخلوا الجنة بغير حساب، هؤلاء لهم الأعمال الجليلة وهي:

أولاً: (لا يكتوون) أي لا يسألون غيرهم أن يكويهم، والكي معروف وقد ثبت في صحيح البخاري عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي] . والمراد بقوله [شرطة محجم] : أي الحجامة، فيشرط الجلد ويشق وبعد ذلك يمص الدم، فأما [وأنهى أمتي عن الكي] والسبب في ذلك أنه فيه ما يشبه تعذيب الناس في جهنم، فجهنم نار وعندما يكتوي الإنسان كأنه عذب نفسه بالنار، ثم إن هذا العلاج لم يتعين عليك فما أكثر العلاجات التي يعالج بها المخلوقات، فما الذي ألجأك إلى أن تكتوي بالنار، يضاف إلى هذا أن العلاج بالكي قد ينتج عنه أذىً، وقد اكتوى بعض الصحابة – وغالب ظني أنه سعد بن عبادة ولا أستحضر اسمه بالضبط الآن – لكن الأثر ثابت – اكتوى فمات من أثر الكي، وكان قد اكتوى في رقبته. فإذن أحياناً قد يكتوي الإنسان ويتضرر، وقد يصبح هناك تشويه للجسم والجلد، ولذلك [أنهى أمتي عن الكي] . ثم إن أئمتنا قالوا: الكي دواء موهوم، وليس بمظنون، ولأمور ثلاثة: 1) مقطوع به وهو سبب لحصول المراد. 2) مظنون به وهو سبب – في الظن الغالب – لحصول المراد. 3) موهوم لا حقيقة فيه. فأما الأمر الأول: المقطوع به فيجب عليك أن تأخذه مثل الغِذاء، فلو تركت الطعام حتى مت تدخل النار، ولو قال إنسان: أنا أتوكل على الله ولا آكل فمات فهو من أهل النار. وأما الأمر الثاني: المظنون: وهو سائر أنواع العلاجات – غير الكي والرقية – إذا كانت غلبة الظن في الشفاء.

ومعظم العلاجات التي تجري الآن في المستشفيات كلها من باب الظن لا من باب القطع الأخذ بها جائز وتركها أحسن وأفضل، وعدم التداوي عزيمة والتداوي رخصة، فمثلاً إذا أرادوا أن يجروا له عملية جراحية بأن قالوا له: في بطنك آفة لا تشفى منها إلا بعملية جراحية، فهذا مظنون، لأنه قد يفتح بطنه ويموت وقد يخطئ الطبيب في تشخيص الداء، وقد يخطئ في وصف الدواء وما شاكل هذا، فلو قال المريض: لا تفتحوا بطني، أموت على فراشي إذا جاءتني المنية ولا أريد العلاج لكان أفضل، ولو قال: افتحوه وأنا أتوكل على الله ومات فليس عليه إثم. وأنا أعرف بعض إخواننا من الطلاب في كلية أصول الدين في أبها أصيب بالسرطان – نسأل الله العافية – وهو في سنة أولى أصول الدين، ودرسته الفصل الأول وأصيب في الفصل الثاني وسرى السرطان في كفيه ثم انتشر بعد ذلك إلى ذراعه فعرضوه على الأطباء فقالوا لابد من بَتْر يده من الكتف، لأن علامات السرطان بدأت تمشي وتنتشر، فجاءني إخوته فقالوا لي: ما رأيك؟ فقلت: رأيي أن لا تعالجوه بقطع يده، دعوه لقدر الله، فإذا قدر الله له أن يموت فكل نفس ذائقة الموت، وإذا شفاه الله بغير علاج فهو على كل شيء قدير، لكن من ناحية الجواز جائز قطعاً، إنما أقصد أن يده تقطع من الكتف ثم بعد ذلك النتيجة ليست محققة بل هي غلبة ظن لكن ثم رأي الأهل بعد مدارسات على بتر يده فقطعت وبعد شهر توفي رحمه الله، لأن السرطان انتشر في سائر جسده حيث كان انتشاره خفياً ولم يكشفه الأطباء.

وأعرف آخر أيضاً – بعده – من إخواننا، انتشر السرطان في معدته وكبده – نسأل الله العافية – وقرر بعد ذلك إجراء عمليات فجلس الأطباء – كما يقال يلعبون به – وهم أطباء من أعلى التخصصات يعملون له عملية في أبها على يد أمهر طبيب هناك، ثم أجريت له عملية أخرى في الرياض في أحدث مستشفى هناك تقريباً وهو مستشفى فيصل التخصصي – وأجرى عمليات خارج السعودية، لكنه مات بعد ذلك بعد أن جئت إلى رأس الخيمة، وما نفعه أحد من هؤلاء الاختصاصيين، وعلمت بوفاته عن طريق الاتصال بأبها والسؤال عنه، عليهم جميعاً رحمة الله. وما أعطى الناس من اليقين والإيمان خيراً من الصحة. إذن هذا مظنون إن أخذه لا حرج عليه وهو جائز، وإذا تركه جائز والترك أولى. وأنا أنصحكم ألا تلجأوا إلى عمليات، خصوصاً عمليات فتح البطن ولو استدعى بكم ذلك إلى الموت هذه نصيحة لا من باب أن هذا واجب، لأنه في الغالب عندما يفتح البطن تحصل مضاعفات اشد مما كانت ولا يعود الإنسان إلى طبيعته إذا فتح بطنه، بل تلازمه الآفات حتى يُلقى في الحفرة ميتاً، فاصبر على ما أنت عليه إذا قدر الله لك الحياة فالحمد له، وإذا قدر لك الموت فالموت لا يُخوِّف، وكل نفس ذائقة الموت، نسأل الله حسن الخاتمة. وأما الأمر الثالث: الموهوم، وهو كالكلي فهو وهمي ليس بمظنون، فهو شيء من تضخيم الأمر وتوهمت أن الكي فيه علاج مع أنه توجد أدوية أخرى تنوب عنه ليس فيها مضرة الكي، ثم قد يوسع دائرة الضرر عليك عندما تتداوى به – كما ذكرنا. ثانياً (لا يتطيرون) : أي لا يتشاءمون بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع ونحوها، فالتطير والتشاؤم موهوم فاتركه وابتعد عنه. وقد ثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً [الطيرة شرك الطيرة شرك] وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (هذا الحديث من زياداتي) .

ثالثاً: (لا يسترقون) : أي لا يطلبون الرقية، والرقية معروفة، وقد ورد في صحيح مسلم في رواية [ولا يرقون] ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذه الزيادة وهم من الراوي، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرقون". والرواية التي معنا وهي في الصحيحين أيضاً: [لا يسترقون] والذي يظهر لي – والعلم عند الله – أن كلاً من الروايتين ثابت، والإمام ابن تيمية عليه رحمة الله واهم في رد تلك الرواية. وهو يقول: لا يسترقون: أي لا يطلبون الرقية من غيرهم لأن هذا ينافي التوكل، أما أنه يرقي غيره فلا حرج لأن هذا من باب نفع الغير، نقول والله أعلم – ما في الاسترقاء موجود في الإرقاء، فعندما يأتي غيرك ليرقيك ينبغي أن تمتنع إن كان هذا ينافي التوكل، وأنت لا ينبغي لك أن ترقيه إن كان هذا ينافي التوكل. والأصل أن الرقى الشرعية جائزة، فما الحكمة من أن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب لا يرقون ولا يسترقون مع أنها جائزة وحالها كحال العلاجات الأخرى؟ الذي يبدو لي – والعلم عند الله – وما رأيت من نبه على هذا من أئمتنا وقد رأيتهم يحومون حول الحديث فأقول: أولاً: الذي يسترقي فهو وإن كان يطلب علاجاً شرعياً، لكنه قد يضع في قلبه – لا أقول شرك – أن هذا الإنسان له مزية ودعاءه له أثر، وهو عند الله معتبر فإذن كأنه صار فيه شيء من رجم الغيب، وكأنه صار فيه شيء من الاعتماد على الرقية وعلى الراقي، لذلك تحد أنك لا تأتي تطلب الرقية إلا من أناس معينين.

ونحن نقول إنه يعتقد في الراقي أنه يشفي لا، لأنه لو فعل هذا لأشرك، بل نقول صار في توكله شائبة وهذا بخلاف ما لو وصف لك الطبيب دواءً حسياً فهنا لا أثر له على توكلك ولا تتعلق به نفسك، وتتناوله كما تتناول الطعام، وأما الرقية فليست شيئاً حسياً فإنه يقرأ الفاتحة مثلاً وسورة الفلق والناس وآية الكرسي ويدعو فيقول (اللهم رب الناس أذهب الباس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك ... ) وينفث عليه، فقد يقع – بالتالي – في نفسك شيء من الأثر. ثانيا: الراقي: فهو عندما يرقي أيضاً كأنه صار في نفسه شيء يقدح في توكله من حيث أنه يرى أنه صار له شيء من المزية والمكانة حتى صار يرقي، ولذلك نقول لا حرج في رقية نبينا عليه الصلاة والسلام لغيره لأنه مزيته ثابتة وهو خير خلق الله، وسيد ولد آدم وأما من عداه فهل يستطيع أن يجزم لنفسه بمزية؟ وهل يستطيع أن يقول: أنا رجل مبارك ودعائي له أثر؟!! لا يستطيع، وبالتالي من رَقَى فكأنما صار في نفسه هذا المعنى، والعلم عن الله. ومما ينبغي أن نعلمه أن هؤلاء السبعين ألفاً ليسوا أفضل من غيرهم بإطلاق، فانتبهوا فإن المزية لا تقتضي الأفضلية، فقد يكتوي صديق ويحاسب وهو عند الله أعلى منزلة من هؤلاء فهذه ميزة لهؤلاء فقط أن يدخلوا الجنة بغير حساب، ولا يلزم أن تكون منزلتهم أعلى من غيرهم. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الوصف والأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال والخصال فقال: [وعلى ربهم يتوكلون] . وقد ورد أيضاً وصف آخر وقيد آخر، لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، ووصف آخر يخرجون من البقيع، فهذه خاصة بمن يدفن في البقيع بالمدينة المنورة.

ثبت هذا في رواية الطبراني من حديث أم قيس بنت محصن عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: [يحشر من هذه المقبرة – وأشار إلى البقيع سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب كأن وجوههم القمر ليلة البدر] إذن لهم شرطان: الأول: فعلهم فهم لا يسترقون ولا ولا والشرط الثاني: مكانهم: فهذا خاص بمن يتوفى بالمدينة ويدفن في البقيع. وأما من عداهم فقد يحاسب ويكون أعلى درجة منهم، وقد ورد لهذا شاهد، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن خزيمة وصحيح بن حبان – والحديث صحيح – عن رفاعة الجهني عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: [وعدني ربي أن يدخل من أمتي سبعين ألفاً الجنة بغير حساب، وأنا أرجو ألا يدخلوها حتى تتبوءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة] . إذن أنتم تدخلون قبلهم وتتبوءوا المنازل، لكن هم لهم خصوصية الدخول بغير حساب. المحاضرة الثالثة والعشرون تنبيه: لا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم للسبعين ألفاً كلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب، بل يشفع لبعضهم ليكونوا منهم ويدخلوها بغير حساب، والبعض الآخر يكونون منهم ويدخلوها بغير حساب السبب ما جرى منهم من أعمال وبفضل الله عليهم. أي أن هذا النوع من الشفاعة – أي الثالث – لا يثبت لغير نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا يوجد أحد يشفع لغيره في أن يدخل الجنة بغير حساب، ولم نورد حديث ابن عباس هنا لإثبات شفاعته صلى الله عليه وسلم للسبعين ألفاً بل لإثبات شفاعته لعكاشة ابن محصن، وكيف شفع له النبي صلى الله عليه وسلم فصار من هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب. فائدة:

هؤلاء السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام ما يشير إلى أن مع كل ألف منهم سبعون ألفاً أيضاً، ورد الحديث بذلك في سنن الترمذي وابن ماجه ومعجم الطبراني الكبير وصحيح ابن حبان – والحديث صحيح – عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب ومع كل ألف سبعون ألفاً] . فالسبعون ألفاً اقسمها على ألف يصبح معك سبعون، ثم اضرب السبعين هذه بسبعين ألف (أخرى غير الأولى) يصبح معك أربعة ملايين وتسعمائة ألف (4.900.000) يدخلون الجنة بغير حساب بفضل الله ورحمته. وثبت في صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني الكبير عن عتبة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفاً ثم يحثي ربي ثلاث حثيات] . ونسأل الله أن لا يبقى أحد من أمة نبينا عليه صلوات الله وسلامه إلا ويخرج بهذه الحثيات. و (الحثية) ملء الكفين. فيحثو ربنا ثلاث حثيات من هذه الأمة ويدخلهم الجنة بفضله ورحمته، [ثلاث حثيات] إقرار وإمرار، لا نبحث في كيفية هذه الحثيات. المحاضرة الرابعة والعشرون س: هل السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة مع كل ألف لابد أن تكون فيهم نفس الصفات المذكورة في السبعين ألفاً الأصليين؟ جـ: لهذا العدد الذي يدخل مع السبعين ألفاً هم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قطعاً كحال السبعين ألفاً المتقدمين، لكن هل يعملون بمثل عملهم أم لا؟ يحتمل الأمر الأمرين، ولم يرد ما يدل على واحد منهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام: أ) فيُحتمل أنه لابد من وجود هذه الصفات الخمس فيهم (لا يكتوون ولا يسترقون، ولا يرقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) . فإن قيل: إذا وجدت فيهم هذه الصفات الخمس فلمَ لم يكونوا من السبعين ألفاً؟

نقول: اعلم أن كل أمر له شروط لابد من وجودها، وموانع لابد من انتفائها لحصول ذلك الأمر، فهؤلاء السبعون ألفاً الآخرون قد توجد فيهم هذه الصفات كلها لكن لعله عندهم نقص في صفات أخرى، افرض مثلا ً– وكل بني آدم خطاء – أن عندهم نقصاً أحياناً في تأخير بعض الصلوات، فهم لم يحصّلوا جميع الشروط المطلوبة، إذن هذا الوصف – وهو دخول الجنة بغير حساب – لمن التزم بالأوامر والنواهي فعلاً وتركاً وحافظ بعد ذلك على هذه الصفات الخمس، إذ أنه عندنا شروط خاصة وشروط عامة، وشروط عامة هي الالتزام بكل مأمور وترك كل محظور، (انظر فتح الباري 11/410) . ب) ويحتمل أن يكون هؤلاء السبعون ألفاً الآخرون ليس فيهم صفة من هذه الصفات الخمس أو فيهم تفريط في بعض الصفات، فتوكلهم ليس بالدرجة الكاملة التي يقوم بها الراسخون في التوكل فربما رقوا أو استرقوا أو صدر منهم أحياناً تطير، فيمكن أن يكون قد وجد فيهم شيء من هذا. إذن لعله وجدت فيهم الصفات الخاصة كلها لكن تخلف فيهم بعض الصفات العامة ولعله وجدت فيهم الصفات العامة لكن الصفات الخاصة لم توجد بالكلية أو وجد بعضها، ولا يوجد دليل يوضح ذلك فالمسألة تحتمل الأمرين والعلم عند الله. 4- شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب: هذه هي آخر الشفاعات الخاصة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وهي خاصة بعمه فقط، والسبب في ذلك أن أبا طالب مات على الكفر، والله أخبرنا عن الكفار – كما تقدم – أنه لا تنفهم شفاعة الشافعين (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ، فالكافر إذن لا تنفعه شفاعة باستثناء أبي طالب. والله سبحانه يقول في سورة البقرة (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) أما هذه فخاصة فإنه يخفف عن أبي طالب، لكن لا يخرج من النار. فإن قيل: كل كافر لا يخفف عنه فلماذا أبو طالب يخفف عنه؟

نقول: شفاعة خاصة لنبينا عليه الصلاة والسلام بأبي طالب فتنفعه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الله قال (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ، ويخفف عنه العذاب مع أنه أخبر عن الكفار أنه (لا يخفف عنهم العذاب) . وهذا دل عليه أحادث النبي صلى الله عليه وسلم: ففي الصحيحين وغيرها عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال [أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، يوضع في أخمص قدميه جمرتان من نار جهنم يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذاباً، ويرى نفسه أنه أشد أهل النار عذاباً] (أَخْمص) على وزن أَحْمر، وهو الانخفاض الذي يكون في وسط القدم من الأسفل. وقد ثبت في الصحيحين أيضاً وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أرأيت عمك أبا طالب، كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ فقال: نعم، كان في غمرات من نار، فأخذته] أي بشفاعته عليه الصلاة والسلام [فوضعته في ضحضاح من نار] ، وروي الحديث عن العباس رضي الله عنه أيضاً. (كان في غمرات من نار) أي كان يخوض فيها وتغطي رأسه كأنه يسبح في نار جهنم. (ضحضاح) أصل الضحضاح الماء القليل كالذي يخوض فيه الأولاد ولا يجاوز كعبيهم ولا يُخشى منه غرق ولا تلف. فهذه شفاعة خاصة نؤمن بها ونثبتها لنبينا عليه الصلاة والسلام. إذن هذه أربع شفاعات خاصة لا يشاركه فيها أحد من المخلوقات. وأما الشفاعات العامة المشتركة بينه عليه الصلاة والسلام وبين غيره من الشافعين: من الملائكة المكرمين ورسل الله وأنبيائه المباركين والصالحين إلى يوم الدين. 1- شفاعة أهل الجنة في قراباتهم اللذين دخلوا الجنة، لكن منزلتهم دون منزلتهم: فيشفعون لهم فيرفع الله درجة النازل إلي درجة العالي دون العكس، فلا ينزل العالي إلى درجة النازل، فالزوج يشفع لزوجته والزوجة لزوجها، والابن لأبيه والأب لابنه وهكذا بقية الأقرباء.

ونبينا عليه الصلاة والسلام له أعلى درجة في الجنة فسيشفع لزوجاته قطعاً وجزماً، ليكنّ معه، وهل يتصور أن تكون أمهاتنا زوجات نبينا عليه الصلاة والسلام في مكان منفرد عنه؟!! وهنّ كما كن معه في الدنيا فهنّ معه في الآخرة. لكن هل وصلن إلي ذلك بعملهن؟ أم بشفاعة خير خلق الله لهن؟ بل بشفاعته لهن صلى الله عليه وسلم. لكن هل يلزم من هذا تفضيل أمهات المؤمنين على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهم سيكونون دون أمهات المؤمنين في المنزلة قطعاً وجزماً؟ فمنزلة عائشة رضيَّ لله عنها فوق منزلة أبيها أبي بكر، لكن أباها أفضل منها وكيف هذا؟! نقول: لا تعارض لأن المزية لا تقتضي الأفضلية، فهي أعلى منه في الدرجة ولم تستحقها أصالة إنما تبعاً لزوجها نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا يشترط لوجودها في تلك الدرجة أن يحصل لها من النعيم والتجليات ما يحصل للنبي عليه الصلاة والسلام وما يغدق على النبي عليه الصلاة والسلام من نعيم وأعظمه التجلي لله ورؤيته لا يشترط أن يحدث لهن هذا. وأبو بكر درجة أنزل من درجة أمهات المؤمنين لكن النعيم الذي يحصل له أكثر مما يحصل لهن، لأن كل واحد ينعم على حسب حاله – إن رفع – فهو في المنزلة مع صاحبه وقريبه لكن هذا ينعم بما لا ينعم به ذاك وكل واحد في شغل فاكهون. وأضرب لكم مثلا ً حسياً لأقرب لكم هذا ولله المثل الأعلى، الأمير عنده من يصب القهوة والشاي وهذا يدخل عليه ويختلط به كثيراً بل هو في غالب الأحيان يجلس في مجلسه ويقابله وجهاً لوجه ويخالطه بكثرة، فهل هذا الخادم يشعر بالمكانة التي يشعر بها الأمير وله من المنزلة ما للأمير؟.

وفي المقابل هناك آخر عند الأمير مثلاً وزير فهو بعيد عن الأمير وقد لا يلتقي به في الشهر إلا مرة، لكن له من المنزلة ما ليس للخادم، فالذي يصب القهوة حصلت له مزية على غيره من الناس بأنه يجتمع مع الأمير صباح مساء، لكن هل يقتضي هذا أنه أفضل من الوزير؟!! لا يقتضي هذا فالمزية لا تقتضي الأفضلية. س: بالنسبة لمنزلة أبي بكر رضي الله عنه. نعلم أنه أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يعني هذا أن منزلته يوم القيامة أعلى من الأنبياء والرسل أومن بعضهم، لأنه هو الذي يليه؟! ج: نقول إن منزلة كل نبي أعلى من غيره مهما علا شأنه وفضله فمنزلة أدني الأنبياء منزلة أعلى من رتبة أعلى الصديقين وأفضلهم، فرتبة أبي بكر الصديق بعد نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الدنيا فقط، ونحن نقول هذا لأجل إثبات فضيلته ومنزلته في هذه الأمة، لا في الأمم، فمنزلة الجنة موضوع آخر، نبينا عليه الصلاة والسلام ثم خليل الرحمن ثم بقية أولو العزم من الأنبياء على ترتيبهم ثم يأتي بعد ذلك أعظم الصديقين من الأولين والآخرين أبو بكر. س: ما المانع من أن يشفع الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه حتى يكون معه في نفس المنزلة؟ جـ: لا يمكن هذا، لأن درجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة لا يشاركه فيها أحد غيره، ودونه الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ولا يمكن لصديق أن تكون درجته أعلى من درجة نبي، فهي درجة عالية وكلهم يأخذون قربهم من ربهم على حسب درجاتهم وأعمالهم، فدرجة نبينا عليه الصلاة والسلام أعلى الدرجات تليه درجة خليل الرحمن ثم بقية الرسل أولي العزم المكملون للخمسة نوح وموسى وعيسى عليهم السلام وبعد ذلك الرسل علي حسب ترتيبهم كما ذكرنا لكن مع كل رسول أهله ولابد، تبعاً لا أصالة.

وأما إذا أردت أن تسحب هذا الآن فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأبي بكر وأبو بكر يشفع لأسرته وبالتالي صاروا كلهم فوق منزلة أنبياء الله ورسله، هذا لا يحصل فذاك له مقام وهذا له مقام والعلم عند ربنا الرحمن. وقد ألف ابن حزم كتاباً سماه (المفاضلة بين الصحابة) وجزم في كتابه بأن أمهات المؤمنين أفضل هذه الأمة بعد نبينا عليه الصلاة والسلام. فقال: خديجة وعائشة وسائر أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فقيل له من أين لك هذا؟ فقال: نحن نعلم ضرورة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم معه في الجنة، ونعلم ضرورة أن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من منزلة أبي بكر فمن دونه، فيلزم من هذا أن تكون منزلة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورتبتهم أعلى من منزلة أبي بكر ورتبته. فقال له أهل السنة كلاماً قطعوه به وأبطلوا قوله قالوا: يلزم من قولك أن تكون أم رمان وهي زوجة أبي بكر أفضل من عمر؟ قال: لا. قالوا له بطل قولك. إذن زوجاته معه صلى الله عليه وسلم، لكن لا يلزم من هذا أنهن أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وقد اتفق أهل الحق على تفضيل الشيخين بعد نبينا عليه الصلاة والسلام بلا خلاف عند أهل السنة فخير هذه الأمة بعد نبينا عليه الصلاة والسلام أبو بكر ثم عمر، واختلفوا في عثمان وعلي، والمعتمد عند جمهور المحدثين: ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي رضي الله عنه.

فهن لهن هذه المزية ولهن أيضاً مزية أخرى حيث امتزن بخلطة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبته بما لم يحصل هذا لأبي بكر، ونقصد العشرة التي حصلت بين نبينا عليه الصلاة والسلام وبين عائشة لم تحصل هذه لأبي بكر ولا لعمر، فهي عشرة خاصة تطلع فيها هذه المرأة على نبينا عليه الصلاة والسلام، فهذه مزية تذكر لها وتعرف بها، لكن لا يقتضي أنها أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، ولو جمعت الفضائل والمزايا والخصوصيات التي في أبي بكر، والفضائل والمزايا التي في أمنا عائشة أو في غيرها، لوجدت أن أبا بكر يفوق على غيره ممن له مزايا، وأنه يفوق غيره من الصحابة والصديقين. وابن حزم – رحمه الله – هو صاحب شذوذ كثير مع علم كبير فلنطرح شذوذه الذي يخالف فيه أهل السنة ولنأخذ بعلمه فيما عدا ذلك. وكان أئمتنا يقولون: "هو كالبحر يقذف بالدرر، ويرمي بالجيف" فالجيف اتركها واطرحها وخذ الدرر منه، ومن جملة ما شذ فيه وخالف فيه إجماع العلماء واتفاقهم، إباحته للمعازف والمزامير، ويطعن في حديث البخاري في ذلك [ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف] , ويقول هذا الحديث ضعيف لأنه معلق، وذلك أن البخاري لما رواه قال: قال هشام بن عمار ولم يقل حدثنا، وهشام بن عمار من شيوخ البخاري عليهم جميعاً رحمة الله، وإذا روى التلميذ عن شيخه بـ (قال) أو بـ (عن) أو بـ (سمعت) ونحوها فهذه الصيغ كلها تحمل على السماع إن لم يكن التلميذ مدلساً، والبخاري ليس بمدلس قطعاً وجزماً، وقوله قال هشام كقوله سمعت هشام. واجزم على التحريم أي جزم ... والحزم ألا نتبع ابن حزم ويقول الإمام العراقي: وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف ولو إلى آخره، أما الذي ... لشيخه عزا بقال فكذي عنعنه، كخبر المعازف ... لا تصغ لابن حزم المخالِف س: المرأة إذا تزوجها أكثر من واحد لمن تكون؟ ج: لعلمائنا ثلاثة أقوال وردت فيها والمعتمد منها آخرها: فقيل: تكون للزوج الأول.

وقيل: تكون للزوج الأخير. وقيل – وهو المعتمد – كما في المسند وغيره والحديث في درجة القبول – وأمنا أم سلمة رضي الله عنها تسأل عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [تكون لأحسنهم خلقاً، ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة] فتخير يوم القيامة بين من تزوجها لتختار من كان يُحسن عشرتها. إذن الشفاعة الأولى شفاعة أهل الجنة لقراباتهم، وقد ورد في كتاب الله ما يشير إلى هذا قال جل وعلا في سورة الطور (والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء) . (ما ألتناهم) أي ما أنقصناهم فنلحق النازل بدرجة العالي دون العكس. وثبت في مستدرك الحاكم (2/468) بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل، ثم قرأ (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.....) الآية] والأثر موقوف على ابن عباس وله حكم الرفع لأنه يتعلق بمغيب ولا يمكن للعقل أن يستنبط هذا. وقد ورد هذا في مسند البزار مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس أيضاً، انظر مجمع الزوائد (7/114) وزاد بعد قوله في العمل [لتقرّ بهم عينه] ، وهو صحيح أيضاً. وورد في معجم الطبراني الكبير والصغير تفسير ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: يا رب، عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به، ثم قرأ: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.....) الآية] ، وهذا الأثر ضعيف، لأنه من رواية محمد بن عبد الرحمن بن غزوان وهو ضعيف، لكن يشهد له الأثران المتقدمان. وهذا التفسير هو أحد تفسيرين في الآية المتقدمة، على أن المراد من الذرية هنا: الأهل الكبار، وقيل - وهو التفسير الثاني – المراد من الذرية الأولاد الصغار.

وقد ثبت في مسند الإمام أحمد بسند حسن عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال [إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، ثم تلا (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.....) ] وهذه هي الآية الثانية التي تدل على أن أولاد المؤمنين في الجنة وتقدمت معنا الآية الأولى ص225 وهي (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) . ويقول الحافظ بن حجر عن الحديث الذي في مسند الإمام أحمد المتقدم وهذا خير ما فُسِّرت به الآية، والإمام الشافعي مال إلى أن أولاد المؤمنين في الجنة ورجحه في أحكام القرآن، وعدد من الأئمة واستدلوا بهذه الآية على أن أولاد المؤمنين الصغار في الجنة. ونحن نقول: الأمران، فالأولاد مع أبويهم إذا لم يبلغوا التكليف، والذرية تكون مع آبائهم إذا كانوا كباراً أيضاً إذا لم يؤهلهم عملهم لارتفاع درجتهم إلى درجة الأبوين، أو العكس، فقد يكون الأولاد في درجة أعلى من الآباء، فيرفع الله الآباء إلى درجة الأبناء، وهكذا الزوجين، ليكتمل السرور والأنس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [لتقرَّ بهم عينه] ، والعلم عند الله. 2- الشفاعة في قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم بدخول الجنة: من رجحت حسناته على سيئاته: يدخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته: يدخل الجنة حتى يطهّر ويعذب ما لم تكن السيئة شركاً فلا ينفعه شيء من حسناته حينئذ بل يخلد في النار (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، من استوت حسناته وسيئاته: المعتمد أنه يحبس على الأعراف، وهو سور بين الجنة والنار.

قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في بيان المراد بأهل الأعراف، وكلها قريبة ترجع إلى معنىً واحد، وهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم، فما عندهم ما يدخلهم الجنة وما عندهم ما يدخلهم النار ويرجح إحدى الدارين في حقهم، فيسجرون على الأعراف، ثبت معنى هذا عن ابن عباس وابن مسعود وعن غير واحد من السلف"، وهذا القول هو الراجح المعتمد من اثني عشر قولاً قيلت في بيان المراد بأهل الأعراف. فيحبسون على سور بين الجنة والنار – كما ذكرنا – وفي نهاية الأمر سيدخلون الجنة بفضل الله ورحمته ثم بتشفيع الله للصالحين من عباده فيهم فيشفعون لهم ويدخلون. وقد أشار الله جل وعلا إلى أنهم سيدخلون الجنة في كتابه إشارةً لطيفة ظريفة فقال جل وعلا (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) هذا هو الشاهد (لم يدخلوها وهم يطمعون) . قال أئمتنا: ما أطمعهم الله في دخولها إلا وهو يريد أن يدخلهم، ومعنى الآية أي جعل في قلبهم هذا الطمع وهذا الرجاء وسيحقق الله لهم ذلك، ثم قال تعالى (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) فهنا دعوا الله ألا يجعلهم مع هذا الصنف، أما إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب الجنة يتمنون ويطمعون أن يكونوا فيها مع أهلها. خلاصة الكلام: أهل الأعراف هم من استوت حسناتهم وسيئاتهم يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من أنبياء الله ورسله والصالحين من عباده. 3- الشفاعة لقوم من العصاة قد استوجبوا دخول النار لرجحان سيئاتهم على حسناتهم ألا يدخلوها: فيشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو الصالحون من عباد الله بعد إذن الله لهم ورضاه عن المشفوع فيه، فيشفع الله الشافعين ويمنع هذا الإنسان من دخول نار الجحيم.

دليل هذا: ما رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه وابن ماجه في سننه أيضاً وأبو داود والدارمي – والحديث قال عنه الترمذي غريب، وغرائب الترمذي لا تسلم من مقال فهي ضعيفة عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لقارئ القرآن إذا أحل حلاله وحرم حرامه أن يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار] ، وورد عن علي أيضاً بلفظ آخر مرفوعاً [من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد استوجب النار] ، وهو ضعيف أيضاً. والحديث ورد له شاهد يقويه، رواه الطبراني في الأوسط انظر مجمع الزوائد (7/162) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما – وهو ضعيف أيضاً فيه جعفر بن الحارث وهو ضعيف لكن يتقوى الضعيفان ببعضهما ولا ينزل هذا الحديث عن درجة القبول إن شاء الله – عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [لقارئ القرآن إذا أحل حلاله وحرم حرامه أن يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار] . فإذ قرأ القرآن ثم أتى بشيء آخر حتى لا يكون من القراء الفسقة فأحل حلاله أي فعل الحلال معتقداً حله، وحرّم حرامه أي ترك الحرام معتقداً تحريمه، فهذا له جزاء عظيم عند الله يدخله الجنة ثم يشفعه في عشرة من أهل بيته وقرابته ممن استوجب دخول النار لرجحان سيئاته على حسناته فيشفع لعشرة منهم فيدخلون الجنة، والحديث كما قلت لا ينزل عن درجة القبول لأنه لا يوجد في رواتهما أحد كذاب أو متروك أو منكر الحديث، بل في رواتهما ضعف دون ذلك والضعف اليسير يزول بتعدد طرق الحديث، والعلم عند الله. المحاضرة الخامسة والعشرون 4- الشفاعة فيمن دخل النار بالخروج منها: من دخل النار استحق أن يمكث فيها فترة طويلة فيشفع له الشافعون فيخرجه الله منها قبل أن تتم مدة عذابه.

دليل هذا ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] والحديث صحيح بل هو مستفيض ودرجة الاستفاضة دون المتواتر وفوق المشهور. الحديث: 1) ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وأبي داود وصحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم. 2) وثبت أيضاً من رواية جابر بن عبد الله في سنن الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد ومستدرك الحاكم. 3) وثبت أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه في مسند أبي يعلى والسنن الكبرى للبهيقي لابن أبي عاصم ومسند البزار. 4) وروي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أيضاً. 5) وعن كعب بن عجرة. 6) وعن عوف بن مالك رضي الله عنهم أجمعين. وهذه الشفاعة شاملة لمن استوجب دخول النار ألا يدخلها، ولمن دخلها أن يخرج منها، فهي إذن شاملة للنوع الثالث والنوع الرابع. وستأتينا أحاديث تنص على إخراج أهل الكبائر من النار. إذن هذه أربع شفاعات عامة مشتركة. فائدة: خالف أهل البدع من المعتزلة والخوارج في مبحث الشفاعة وكان خلافهم في بعض أنواع الشفاعات المتقدمة، أما الشفاعات الخاصة فلا خلاف فيها، وأما الشفاعات العامة ففيها شفاعة واحدة لا خلاف فيها وهي الشفاعة الأولي بأن أهل الجنة يشفعون لذريتهم. فبقيت ثلاث شفاعات خالف فيها المعتزلة والخوارج وهي: 1- الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته. 2- ومن استوجب دخول النار. 3- ومن دخلها. فقال الخوارج والمعتزلة: من لقي الله بكبيرة، لم يتب عنها فيجب على الله أن يعذبه ولا يجوز أن يغفر له، وإذا عذبه فهو مخلد في نار جهنم لا يخرج منها. أما الخوارج فقالوا: إن فاعل الكبيرة كافر وبالتالي فهو مخلد في النار. وأما المعتزلة فقالوا: إن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين، أي ليس بمؤمن ولا كافر لكن مخلد في نار جهنم.

إذن الحكم الأخروي متفقون عليه وهو الخلود في نار جهنم، لكن الحكم الدنيوي اختلفوا فيه، فأولئك تجاسروا على إطلاق الكفر عليه وأما هؤلاء فتهيبوا من إطلاق الكفر عليه فقالوا في منزلة بين منزلتين وهذا القول الذي قرره الخوارج والمعتزلة باطلٌ لأربعة أمور: 1) تواترت الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بخروج عصاة الموحدين من نار جهنم بعد أن يعذبوا فيها فترة من الزمان. ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: [يدخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ ثم يقول الله: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان] . وثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه بُرَّة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذَرَّة من خير] . (بُرَّة) البرة هي حبة القمح والحنطة وهي تكون أخف وزناً من حبة الشعير، لأن قشرة الشعير غليظة وسميكة فلها وزن بخلاف قشرة الحنطة، يضاف إلى هذا أن حبة الشعير أطول من حبة الحنطة، وورد بدل لفظ (خير) في الألفاظ لفظ (إيمان) . وصحّف أبو بِسطام شعبة بن حجاج أمير المؤمنين في الحديث، صحّف اللفظ الثالث (ذرَّة) إلى (ذ ُرَة) أي حبة الذرة فقد اشتبه عليه الأمر رحمه الله لما وردت حبة الشعير وحبة القمح فظن أن الذرّة هي الذ ُرَة لأن رسم كتابتها واحد، والتشكيل هو الذي يختلف وإذا أخطأ المحدث خطأً يسيراً فلا يضره هذا ولا ينزله عن أعلى درجات الحفظ، ولا يعصم أحداً من خطأ، رحمه الله.

و (الذرَّة هي أقل شيء يوزن، هذا قول، وقيل: هي الهباء الذي يخرج ويتطاير عندما تسطع أشعة الشمس، وخصوصاً إذا سطعت الشمس داخل حجرة فإنه يُرى بشكل واضح) . وقال ابن عباس هي أن تضع يدك على التراب ثم تنفخها فالذي يتطاير من يدك من ترابٍ هو الذرات. وقيل: وهو القول الرابع – المراد من الذرّة النملة الصغيرة، وهي دون البرّة في الوزن. إذن من قال لا إله إلا الله وعمل من الكبائر ما عمل وعنده وزن شعيرة من خير، برة من خير ذَرَّة من خير فيخرج من النار إلى الجنة. وثبت في مسند الإمام أحمد ومسند أبي يعلى – انظر المجمع (10/384) عن أنس رضي الله عنه – والحديث فيه ضعف يسير وله شواهد كثيرة تجبره إن شاء الله وتقويه – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [إن عبداً لينادي في النار ألف سنة يا حنان يا منان] أي ألطف بي ومنّ عليّ بالخروج من هذه الدار الخبيثة [فيقول الله لجبريل عليه السلام: اذهب فأتني بعبدي هذا، فينطلق جبريل فيجد أهل النار منكبين يبكون، فيرجع إلى ربه فيخبره] أنه نظر في أهل النار فلم يميزه عن غيره ولم يعرفه [فيقول الله جل وعلا: ائتني به فإنه في مكان كذا وكذا، فيجيء به، فيوقفه على ربه عز وجل، فيقول: يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك] أي المكان الذي استقررت فيه وتنام فيه [فيقول: يا رب شر مكان وشر مقيل، فيقول: ردوا عبدي فيقول: يا رب ما كنت أرجو إذا أخرجتني أن تعيدني فيها، فيقول: دعوا عبدي] . الشاهد من هذا كله: أنه تواترت الأحاديث بخروج أناس من النار، وقد تواترت أحاديث كثيرة أن ذلك الخروج يكون أيضاً بشفاعة الشافعين، كما يكون برحمة رب العالمين، ومن تلك الأحاديث:

ما ثبت في صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة، يسمون الجهنميين] أي: نسبة إلى الدار التي كانوا فيها وهي جهنم، ويسمون الجهنميين في البداية عندما يدخلون فيقال هؤلاء الجهنميين ثم بعد ذلك يصب عليهم أهل الجنة من ماء الجنة فيذهب عنهم القَتَر والسواد ويصبحون كأهل الجنة في النعيم والبهجة والسرور. وثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يخرج قوم من النار بالشفاعة كأنهم الثغارير] وضبط بالعين المعملة: الثعارير [فقيل وما الثعارير؟ فقال: الضغابيس] وهي صغار القثاء، وهي التي تشبه الخيار لكن تكون معكوفة في الغالب وملتوية، وهي من أنواع الخضار ومن فصيلة الخيار، وتسمى قتة في بلاد الشام، وتسمى في الإمارات فقّوس. أي يخرجون من النار وفيهم هذا الذل، وهذا الامتهان وهذا الاحتراق بحيث أن أبدانهم صارت بهذا الحجم من ضمورها وهزالها، فذهبت صحتهم حتى صار الواحد منهم كأنه صغار القثاء، ثم يخرجون من النار بالشفاعة كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم. يقول مفتي عمان في كتاب الحق الدامغ صـ 191: "وعقيدتنا معشر الأباضية أن كل من دخل النار من عصاة الموحدين والمشركين مخلدون فيها إلى غير أمد" قلت: هل يستقيم هذا في رحمة أرحم الراحمين أن يجعل المؤمن الموحد الذي له حسنات أكثر من الجبال عدداً ووزناً كأبي جهل، كيف سيسوي الله من وحده بمن جحده وألحده؟!!. ثم يقول: "كما أن من دخل الجنة من عباد الله الأبرار لا يخرجون منها"!! ما هذا المقياس مع الفارق الكبير فأولئك دخلوا الجنة ولا يخرجون منها، وأما هؤلاء فعلى حسب أعمالهم فيدخلوا النار من أجل أن يطهروا وينقوا من الذنوب.

ثم يقول: "إذ الداران دار خلود"!!! نحن لا نقول إن النار تفنى، بل هي دار خلود لكن في حق من يخلد فيها، لكن هذا هو التلاعب بالحقائق!!. يقول: "ووافقنا على ذلك المعتزلة والخوارج على اختلاف طوائفهم"، أي وافقهم في أن من دخل النار لا يخرج منها، سبحان الله!! هلا كان من وافقك هم أهل السنة والجماعة!!! ثم يقول: "وإنما خالفنا الخوارج من حيث إنهم يحكمون على كل معصية تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرج من الملة، فخالفوا بذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة"!!! وأنت ماذا خالفت يا مفتي!!. نحن الآن في موضوع خروج عصاة الموحدين من النار في هذا المبحث المختصر ذكرنا (5) أحاديث فقط وقلنا الأحاديث متواترة، فكيف تخالف هذا؟!!! وإذا كان الخوارج قد حكموا على فاعل الكبيرة بالكفر والله إنهم لأعقل منك عندما حكمت عليه بالإيمان وقلت إنه مخلد في النيران، ولذلك هم يقولون: إن تخليد العصاة في النار هذا دليل على أنهم كافرون، فإذن هم يقولون بكفرهم وخلودهم، فكلامهم مستقيم مع بعضه وإن كان ضلالاً وباطلاً، وأما كلامك يا مفتي ففيه سفاهة من وجهين: أولا: إن كلامك باطل من ناحية الشرع. ثانيا: أنه يناقض بعضه بعضاً فإنك تقول هو مؤمن وهو مخلد في النار، كيف هذا؟!! ولا يخلد في النار إلا الكفار. ثم إنك خالفت الخوارج في هذه الجزئية لكنك وافقت المعتزلة، حيث يقولون: لا نكفره لكن نحكم عليه بالخلود في النار، إخوتي الكرام ... هذا قول باطل فاحذروه. إذن تواترت الأحاديث بخروج أقوام من النار بالشفاعة بعد دخولها. 2- تواترت الأحاديث أيضاً بأن من لقي الله على التوحيد وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه صلوات الله وسلامه في هذه الحياة ثم مات مآله إلى الجنة، إذا لم يأت بما ينقص إيمانه من مُكَفِّر أو ردة.

أما المعاصي فلا تعتبر كفراً ولا ردة، لأنها لو كانت كذلك لما رتب الشارع عليها حدوداً مقدرة، فالزاني مثلاً يجلد ولو كان الزنا كفراً لقال الشارع: اقتلوه. وقد أجمع الصحابة على أن مخالف المأمور أو مرتكب المحظور ليس بكافر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المفارق لدينه التارك للجماعة] والحديث في الصحيحين، إذن فكيف نستحل دم إنسان مسلم إذا لم يفعل أحد هذه الأمور الثلاثة؟!! فإذا شرب الخمر لا يستحل دمه، ولو استحل دم من زنى وهو ثيب أومن قتل نفساً أخرى فلا يموت على الكفر، إنما إذا استُحل دم من ارتد فهذا الذي يموت كافراً مخلداً في نار جهنم.

من تلك الأحاديث ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال أبو ذر: وإن زنى، وإن سرق؟، فقال وإن زنى وإن سرق، فأعاد أبو ذر وإن زنى وإن سرق؟ فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الجواب وإن زنى وإن سرق فأعاد أبو ذر السؤال ثالثة] يستبعد هذا ويستغرب منه غاية الغرابة، يدخل الجنة وهو مقصر في حق الله معتدٍ على حقوق العباد، وذكر السرقة والزنا للإشارة إلى حق الله وحق عباده ويدخل في هذا سائر الحقوق، فتعديه على حق الله عندما يزني، وتعديه على حق العباد عندما يسرق منهم [فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الثالثة: وإن زنى وإن سرق، فأعاد أبو ذر السؤال رابعة، فقال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنفك يا أبا ذر] فلا داعي لإعادة السؤال مرة خامسة، لأن التكرار ثلاث مرات، وفي الرابعة تستحق هذا الجواب حسماً للسؤال، [فكان أبو ذر رضي الله عنه إذا حدث بالحديث يقول من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق على رغم أنفي] يعني أنا ضاقت نفسي من هذا ولم أسترح إليه لكن على رغم أنفي سيدخل الجنة وهذا هو حكم الله وهذا هو تبليغ رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام النووي عليه رحمة الله في شرحه هذا الحديث في صحيح مسلم (1/217) : "أفاد حديث أبي ذر فائدتين: الفائدة الأولي: أن عصاة الموحدين لا يقطع لهم بنار الجحيم. الفائدة الثانية: لو عذبهم الله فمآلهم إلى الجنة". وإنما لا يقطع لهم بنار الجحيم لأنه ورد في الحديث [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ... وتقدم، وهذا الدخول قد يكون سابقاً وقد يكون لاحقاً، فإذا غفر الله له دخل مع السابقين، وإذا عذبه لحقهم بعد حين، فلابد من الدخول ولن يخلد في نار جهنم.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/111) : "يدل الحديث على أن من فعل الكبيرة لا يخلد في النار" وهذه فائدة كالتي ذكرها الإمام النووي لكنه ذكر فائدة ثالثة: "ويدل على أن فاعل الكبيرة لا يُسلب عنه اسم الإيمان" أي فاعل الكبيرة مؤمن ولا يخرج عن الإيمان بفعلها المجرد فهو مؤمن بإيمانه فاسق بعصيانه. 3- أنتم تقولون من لقي الله بكبيرة فهو مخلد في نار جهنم ولن تنفعه أعماله الصالحة أي بطل ثوابها وحبطت، وهذا منكر عظيم لا يستقيم في عدل ورحمة أرحم الراحمين. فكيف تضيع الحسنات أمثال الجبال بسيئة من السيئات، والله جل وعلا لم يجعل شيئا من الأعمال المنكرة محبطاً للأعمال الصالحة إلا شيئاً واحداً هو الشرك، وبشرط الموت عليه، فمن كان مؤمناً وعمل الصالحات ثم ارتد حبط عمله، فإذا آمن رجع إليه ثواب عمله الصالح، ولذلك لو حج ثم ارتد ثم آمن لم يجب عليه أن يعيد الحج مرة أخرى. فلا يحبط العمل إلا بالكفر والموت عليه، الله قرر هذا في كتابه فقال جل وعلا في سورة البقرة آية (217) : (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) . فإذن من لقي الله بمعصية من المعاصي لا نقول إنه صديق، وكذلك لا نقول إنه كافر عنيد بل نقول مؤمن عاص ٍ، إن غفر الله له فرحمته واسعة، وإن عذبه فبِعَدْلِه، ولن يخلده في نار جهنم إذ كيف سيسوي الله هذا مع الكافر الذي لم يسجد لله سجدة واحدة؟! إن التسوية بين المؤمنين والكافرين هذا مما لا يستقيم في عدل ورحمة أرحم الراحمين يقول الله تعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) ، فإن قيل: فاعل الكبيرة ليس بمتقٍ؟، فنقول: التقوى قسمان: تقوى الشرك وتقوى المعاصي، فالمؤمن الذي ارتكب المعاصي هو متقٍ للشرك لكنه لم يتق المعاصي فتقواه ناقصة وليست معدومة بينما الكافر والمشرك ليس عنده نوع من أنواع التقوى.

4- قولهم يجب على الله أن يعاقب العصاة ولا يجوز أن يغفر لهم في وقت من الأوقات لا عند الحساب ولا بعد دخولهم النار، أي لا يجوز أن يغفر لهم ولا أن يخرجهم من النار، هو قول باطل يصادم النصوص القطعية: 1- قال الله عز وجل في كتابه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، (ما دون ذلك) أي ما دون الشرك من جميع الكبائر والموبقات (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فإذا عذب الله فاعل الكبيرة فهذا بِعَدْلِه سبحانه وتعالى، وإن غفر له فهذا بفضله، وأفعال الله سبحانه وتعالى بين عدل وفضل ولا ثالث لفعله فالظلم والجور منتفٍ عنه، بل هذا من أفعال العباد، والفعل المطلق للإنسان لا يخرج عن واحد من ثلاث إما أن يكون عدلاً أو فضلاً أو جوراً. إذن لو عفا عنه فهذا فضله ورحمته سبقت غضبه، ولذلك ثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن علي رضي الله عنه أنه قال: [ما في القرآن آية أحبَّ إليَّ من هذه الآية] ، وهي عنده أرجى آية في القرآن أيضاً، وثبت هذا عن حفيده علي بن الحسين زين العابدين حيث قال: [هذه أرجى آية في القرآن] ، ووجه كونها أرجى آية في القرآن إخوتي الكرام ... كما قلت العذاب عدل والمغفرة فضل وإذا دارت أفعال الله بين العدل والفضل فالمرجح في حقه الفضل؛ لأن رحمته سبقت غضبه، يضاف إلى هذا أن كل عاصٍ لم يقع في الشرك يطمع في أن يكون ممن شاء الله له المغفرة، وما أطمعنا الله إلا ليعطينا كما قال في حق أهل الأعراف (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، وقد قال الله في الحديث القدسي [أنا عند ظن عبدي بي فليظن ما شاء] وظننا بربنا أن يغفر لنا وأن يتجاوز عنا ذنوبنا وأن يعاملنا بفضله وإحسانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

2- وقد ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن الترمذي وابن ماجه عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة (10-40) من أصحابه: [بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفّى منكم فأجره على الله] . هذه هي الحالة الأولي، والحالة الثانية [ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له] لأن الحدود زواجر وجوابر، فهي تزجر الفاعل بالناس، وتطهّر الفاعل والأمة من سخط الله، فالحدود مطهّرة ولو لم يتب المحدود، فإذا سرق وقطعت يده غُفِرَ ذنبه تاب منه أم لم يتب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز: [إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها] بعد أن أقام عليه الحد، والحديث في صحيح مسلم، أما الحالة الثالثة فبينها بقوله [ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك] إذن أنتم بين ثلاثة أحوال، وهو حديث صحيح صريح في بابه. 3- وثبت في مسند أبي يعلى والبزار وكتاب السنندة لابن أبي عاصم، والخرائطي في (مكارم الأخلاق) والبهيقي في (البعث والنشور) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو بالخيار إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه] فالثواب ينجزه والعقاب قد ينجزه، وقد لا ينجزه (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . ومما يبين أن قول المعتزلة والخوارج بأنه يجب على الله أن يعاقب العصاة – باطل هذه المناظرة المحكمة السديدة، التي جرت بين إمامين أحدهما مهتدي ٍ والآخر ضال غوى:

1- أما المهتدي فهو شيخ أهل السنة وأحد القراء السبع أبو عمرو بن العلاء، وهذا قارئ البصرة، والبصريان إذا أطلقا فيراد بهما أبا عمرو هذا ويعقوب، فالبصريان هذان الاثنان والكوفيون أربعة والمدنيان اثنان والمكي واحد، والشامي واحد فالمجموع عشرة فهؤلاء هم القراء العشرة الذين قراءتهم متواترة. 2- وأما الضال فهو عمرو بن عبيد، أبو عثمان، ولا يتعمد أحد إذا قلنا كذا عن عمرو بن عبيد كما اعترض بعضهم على ذمنا للحجاج، ولا يقول كيف نقول على عمرو بن عبيد هذا وهو من أئمة الإسلام وله شأن، وهو خليل وصفي الخليفة العباس أبي جعفر المنصور وكان من الزهاد العباد وكان أبو جعفر يقول: "كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد" أي كل واحد منكم يريد الدنيا إلا عمرو بن عبيد، وكان إذا دخل على أبي جعفر المنصور لا يستطيع أبو جعفر أن يبقى في مجلس الخلافة، بل يأمر بأن تجهز له غرفة ليس فيها إلا فراش على الأرض ليجلس عليه إجلالاً لعمرو بن عبيد، وليستمع إلى نصح عمرو بن عبيد له.

وهو مع زهده وتنسُّكه ضال، كما قال بن كثير: والزهد لا يدل على صلاح في الإنسان، فعباد الهنود والمتقشفون فيهم عندهم من الزهد والانزواء عن الدنيا والامتناع عن الطعام والشراب ما لا يوجد في كثير من زهاد المسلمين، لكنهم لجهنم حطباً، بل لا بد من أن يكون الزاهد على المسلك الشرعي وإلا فزهده لوحده لا يكفيه، وأبو العلاء المعري كان زاهداً لدرجة أنه لم يتزوج، بل اعتبر الزواج جريمة، وبلغ من إعراضه عن الدنيا أنه يقول إن أعظم المجرمين في حق الأبناء هم الآباء، وأوصى أن يكتب على قبره هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد، لعنة الله على هذا الزهد، ولذلك اتفق أئمة الإسلام على "أن الزهد إنما يكون فيما يلهيك عن الله ويضرك عنده" فهل النكاح فيه ذلك؟!!! بل فيه حسنات لا تستطيع أن تحصلها من كثير من الطاعات، وهل يجب إلى خير البريات عليه صلوات الله وسلامه شيء مؤذٍ وضار، وهو سيد الطيبين وهو الذي يقول: [حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة] . ولذلك إخوتي الكرام.... لا يقبل الله من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً، ولا يوجد عندنا أن كل واحد يعبد ربه برأيه، ويخترع شريعة ما أنزل الله بها من سلطان ثم نقول زاهد عابد، إن زهده لن يوصله إلا إلى نار جهنم ورضي الله عن عمر عندما كان يرى عباد النصارى في الصوامع فيتلو قول الله تعالى (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) .

فعمرو بن عبيد من أولئك الزهاد الذين لم ينفهم زهدهم بل هو ضال باتفاق أئمتنا، ووالله لا نعرف عمرو بن عبيد ولا نعرف أبا عمرو بن العلاء لكن عن طريق ما نقله عنهم أئمتنا وأخبرونا به عنهم، فذاك طالح فأبغضناه وذاك صالح فأحببناه وليس بيننا وبينه قرابة ولا بيننا وبين الآخر عداوة، وعندما نحب عمر بن عبد العزيز وهو من بني أمية – لأننا أمويون!!، ونكره الحجاج الضال الخبيث لأننا عباسيون!! أهذا هو السبب في حبنا لواحد وبغضنا للآخر أم نحن نحكم حبنا وبغضنا على حسب شرع ربنا جل وعلا؟!! انتبه لهذه المناظرة المحكمة: اجتمعنا في مجلس فأراد عمرو بن عبيد أن يرد على مذهب أهل السنة: فقال: يا أبا عمرو إن الله وعد (¬1) وعداً وأوعد إيعاداً فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده (¬2) . ¬

_ (¬1) الوعد في المسرة، والإيعاد في المضرة، تقول: وعدته جائزة وأوعدته عقوبة. (¬2) أي كما أنه ينجز الوعد فهو سينجز الإيعاد، هذا كقول مفتي عُمان "لأن الله لا يخلف الميعاد" والميعاد شامل للوعد والوعيد، فالله عندما يخبرنا بأن من شرب الخمر في هذه الدنيا كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال وهي عصارة أهل النار والقيح والصديد الذي يسيل من أجسادهم، يقول: لو أخلف الله هذا وعفا عن شارب الخمر في الآخرة لكان كذاباً فلابد من أن يعاقبه وأن يسقيه من ردغة الخبال وألا يخرجه من نار جهنم.

فقال: أبو عمرو: إنك أعجمي (¬1) ، إنّ خُلْفَ الوعيد كرم، وإن خُلْفَ الوعد لؤم (¬2) . ثم قال له: ألم تسمع إلى قول الشاعر: ¬

_ (¬1) ولا أقول إنك أعجم اللسان بل أنت فصيح منطيق، لكنك أعجم القلب، وعجمة القلب هي عدم الفهم عن الرب، أي أن لا يكون القلب زكياً ولا طاهراً ولا نقياً، وليس في عجمة اللسان منقصة، لكن عجمة القلب هي التي فيها منقصة وهي المذمومة سواء كانت في العرب أو في العجم، وكما أن من كان أعجم اللسان لا يفهم لغة العرب فمن كان أعجم القلب لا يفهم عن الرب. (¬2) فإذا لم يوقع الله العقوبة بالعاصي هذا كرم منه، وأنا إذا قلت لشخص - مثلاً – إن خالفت أمري لأضربنك مائة سوط ثم خالف أمري، وقضيت عليه، فقال لي: اعف عني، فقلت له: عفوت عنك، فهل يقول لي أحد الآن كذبت، بل ماذا يقولون؟ عفوت وتكرمت، العفو عند المقدرة من شيم الكرام، ولذلك وصف الله عباده بأنهم (والدين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) ووصفهم بأنهم (والعافين عن الناس) فكيف هذا؟! الجواب: كان سلفنا يكرهون أن يُستذلوا فإذا قدروا عفوا، فهو عندما يصيبه البغي لا يعفو بل يمسك بالمجرم ويكاد أن يقتله، فيقول له ذاك عندها: اعف عني، فيقول: عفوت عنك، فإذن هم يعفون بعد تمكنهم من الانتصار لأنفسهم، أما من يعفون في حال الضعف فهذا يعتبر هنا خوراً وذلاً وجبناً، ولذلك قال (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) فأثنى الله عليهم بأخذهم لحقهم ثم إذا تمكنوا من الباغي عليهم عفوا عنه، ولذلك ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة بعد أن تمكن منهم وكانوا قد آذوه إحدى وعشرين سنة ثلاثة عشر سنة في مكة وثماني سنين في المدينة يعارضونه فبعد أن تمكن منهم قال لهم ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم ... إذن هنا قدر عليهم – فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فهذا يعتبر كرماً وشهامة ومروءة في حق المخلوق فكيف في حق الخالق.

وإني وإن وعدته أو أوعدته ... لمخلف إيعاد ومنجز موعدي (¬1) وقول الآخر: إذا وعد السراء أنجز وعده ... وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه ولذلك كان أبو عثمان عمرو بن عبيد أعجمي القلب، لأنه لا يفقه عن الله شيئاً فالله إذا هدد العصاة فله ذلك، وكذلك إذا عاقبهم له ذلك، وإذا عفا عنهم له ذلك ولا يقال أخلف إيعاده، بل يقال: ما أكرمه، ما أحلمه، ألم يقل الله (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) فهو حذرنا من مخالفته وعصيانه ولكنه لم يؤاخذنا بكل ما نعمله إذن فهو يؤخرنا ويمهلنا إذن فهو رؤوف رحيم غفور حليم، ووالله لو عاملنا الله بأعمالنا لاستأصلنا من أولنا لآخرنا، وإذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول – والحديث في صحيح ابن حبان وحلية الأولياء بسند صحيح: [لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان – وأشار إلى الإبهام والسبابة – لعذبنا ثم لم يظلمنا] هذا يقوله خير خلق الله صلى الله عليه وسلم وهذه الجوارح تستحق شكر أم لا؟!! وأنت لن تستطيع أن تفي بشكر جارحة واحدة فضلاً عن جارحتين، فلو حاسبك الله على الإبهام والسبابة لألقاك في نار جهنم كالعابد الذي في بني إسرائيل عبد الله خمسمائة سنة وما عصاه طرفة عين، وسأل الله أن يقبضه في سجوده وألا تأكل الأرض جسده وأن يبقى ساجداً إلى يوم الدين فأعطاه الله ذلك فإذا كان يوم القيامة يقول الله له: ادخل الجنة برحمتي، فيقول: بل بعملي يا رب، فيقول الله: حاسبوه، فتوضع نعمة البصر في كفة وعبادة خمسمائة سنة في كفة أخرى فلا تكفي عبادته لنعمة البصر، فيقول الله: خذوه إلى النار، فيقول: يا رب أدخلني الجنة برحمتك. وهذه القصة رواها الحاكم في المستدرك. ¬

_ (¬1) أي إن أنا وعدته مثلاً جائزة، أو أوعدته مثلاً عقوبة، فأخلف إيعادي من باب كرمي ونبلي وشهامتي وأنجز موعدي وهو السراء والجائزة، فانظر للشاعر العربي يتمدح بهذا.

فإذن فالله سبحانه وتعالى عندما يعفو عنا ويرحمنا ويتجاوز عن خطايانا فهذه منقصة فيه أم كرم؟ بل كرم، [يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً] (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) إذن هذا مما يتمدح به رب العالمين. فانظر إلى المعتزلة كيف قلبوا الأمر وقالوا لو عفا الله عنهم لكان كذاباً وهذه منقصة في حقه يتنزه عنها، فجعلوا الفضيلة رذيلة، وهذا خلاف ما فطر الله عليه أهل الأرض قاطبة أنهم يعتبرون العفو مكرمة. وهذه المناظرة المحكمة انظروها في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (12/175) ، وفي تهذيب التهذيب للحافظ بن حجر (8/71) ، وفي مدارج السالكين للإمام ابن القيم (1/396) وهذا الكتاب نافع جداً احرصوا على شرائه، وإذا لم يتيسر لكم فلا أقل من شراء تهذيبه ومختصره، ومن قصد البحر استقل السواقي، أي الذي يقتني المدارج ليس كالذي يقتني المختصر، ودائماً لتكن هممكم عالية ولا تقنعوا بالمختصرات، واطلبوا الأمور من مصادرها وعلو الهمة من الإيمان. وتوجد هذه القصة أيضاً في مجموع الفتاوى وكررها في مواضع مختلفة، وموجودة في غير هذه المراجع أيضاً. مسألة مهمة: ذكرها ابن أبي العز في شرحه وهي: ما حكم سؤال المخلوقِ الخالقَ أو المخلوقَ بمخلوق؟ أي: مسألة التوسل: فما حكم أن تتوسل إلى الخالق بمخلوق، وأن تتوسل إلى المخلوق بمخلوق؟ مثال الصورة الأولى: (توسل إلى خالق بمخلوق) : أن تقول لله: أتوسل إليك يا رب بنبيك صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر أن تقضي حاجتي. مثال الصورة الثانية: (توسل إلى مخلوق بمخلوق) أن تقول لشخص: أتوسل إليك يا فلان بأبيك وأمك وزوجك أن تقضي حاجتي. فما حكم هذا؟

قال الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية في (القاعدة الجلية في التوسل والوسيلة) : "قول القائل أسألك بكذا، يحتمل أمرين، لأن الباء أما أن تكون للقسم وإما أن تكون للسبب". الحالة الأولي: فإذا كانت الباء للقسم فلا يجوز أن يصدر هذا من مخلوق سواء كان الإقسام به على خالق أو مخلوق. فلا يجوز أن تقول: أقسم عليك يا رب بنبيك أن تقضي حاجتي ولا أن تقول: أقسم عليك يا فلان بالنبي أن تقضي حاجتي. ومثلها قول القائل يا رب بنبيك اقضي حاجتي. ويا فلان بالنبي اقضي حاجتي، فلا يجوز أيضاً، لأن الباء هنا (بنبيك، بالنبي) للقسم كما أن الواو حرف للقسم، وحروف القسم التي يقسم بها الواو والتاء والباء، والله، تالله، بالله، وهكذا بمخلوق: ورأس أبيك، ترأس أبيك، برأس أبيك. فهذا لا يجوز لما ثبت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة باستثناء سنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت] ، وللحديث سبب في وروده: وهو أن عمر بن الخطاب كان يحلف بأبيه، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال، [إن الله ينهاكم ... ] الحديث، وكذلك الصحابة كانوا يحلفون بآبائهم ثم نهوا عن ذلك. وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر] . وهذا الأمر المذكور في هذه الحالة مجمع عليه بين علماء الإسلام، وما وقع فيه خلاف إلا في صورة من صورة، فانتبهوا لها وهي: خصوص القسم بالنبي عليه الصلاة والسلام فهل يجوز أن تقول أقسم عليك بالنبي أن تذهب إلي بيتي، وإذا قلت ذلك فهل انعقدت اليمين وعليك الكفارة أم لا؟

الجمهور – وهو الحق – أن القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز وهو كالقسم بغيره، وعند الإمام أحمد يجوز القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم كما هو مذكور في كتاب المغني (11/209) لابن قدامة يقول فيه: وقال أصحابنا: إن القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم يمين منعقدة وإذا حَنِث فعليه الكفارة، ونقل هذا عن أبي عبد الله – أي الإمام أحمد – وهذا القول الذي قاله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالي علله بتعليل شرعي – مع وجاهته نرده ولا نأخذ به – وهو: أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو أحد شطري الشهادة فالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فكما يجوز القسم بالشطر الأول، يجوز بالشطر الثاني. وهذا التعليل مع وجاهته نقول إنه يعارض النصوص، ولا اجتهاد عند ورود النص ولا قياس مع ثبوت النص، فنقول له نِعم ما قلت وأحسنت فيما قلت، لكنه اجتهاد يخالف النص فغفر الله لك وأثابك لكننا لا نقتدي بك في هذه المسألة، ولا نقول: إن القسم بغير الله شرك والإمام أحمد يجيز الشرك بل نقول إن كل إنسان يخطئ ويصيب لكن المهم أن يكون بحثه ضمن الأدلة الشرعية ولا يتبع الهوى. إذن فانتبه حال الإمام أحمد ليس كالحجاج فهذا عندما يقطع رقاب المسلمين هل هذا ضمن أدلة شرعية أم ضمن هوىً؟!! بل ضمن هوىً. * أتدرون ماذا فعل الحجاج؟

ضرب مكة بالمنجنيق حتى طارت القذائف إلى الكعبة فاحترقت وهدم قسم منها، وأُحصي عدد الأرواح التي قتلها الحجاج فبلغت – كما في شذرات الذهب لابن العماد (120.000) نفساً، وكلهم من الموحدين الذين يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلي رأسهم ابن عمر رضي الله عنهما، وعلى رأس المقتولين أيضاً الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قتله وصلبه ومثل به بعد ذلك في حرم الله في مكة وقد مر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قبل أن يُقتل بجوار عبد الله بن الزبير وهو مصلوب فقال مخاطباً إياه: رحمة الله عليك يا أبا خُبيب – وهذه كنية عبد الله بن الزبير – والله لقد كنت صواما ً قواما ً وإن أمة أنت شرها إنها على خير، فأرسل إليه الحجاج أحد شرطته فضربه بحربة مسمومة – وهو في صحن الطواف – لأنه قال هذه الكلمة لعبد الله بن الزبير، ثم مات بعد ذلك بسبب هذه الضربة، والحديث ثابت في الصحيح. وكان يقول لأنس بن مالك رضي الله عنه أيها الشيخ الخرف، فذهب أنس إلي الشام من البصرة، إلى عبد الملك بن مروان يشكو الحجاج فقال: والله لو أن النصارى رأوا من خدم عيسي لأكرموه فكيف بمن خدم من هو أفضل من عيسى عليه السلام، خدم النبي صلى الله عليه وسلم ويهينني الحجاج، فأرسل عبد الملك بن مروان بعد ذلك إلي الحجاج: أنْ لا إمرة لك على أنسً ووالله لو رأى إنسان أنس بن مالك وعنده إيمان لقبل رجليه وليس رأسه ووالله لو كان يجوز شرب بوله لشربت بوله وتقربت بذلك إلى الله فهذا يخدم النبي صلى الله عليه وسلم. فهل الحجاج يكون مجتهداً ضمن أدلة شرعية عندما قتل هؤلاء وأهانهم؟ وقد ورد في الحديث [ولا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما ً حراما ً] ولو اجتمع أهل الأرض على قتل نفس مؤمن لأكبهم الله على وجوههم في نار جهنم.

ويقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/343) " الحجاج: أهلكه الله في رمضان سنة 95 هـ كهلا ً وكان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدامٍ ومكرٍ ودهاءٍ وفصاحةٍ وبلاغةٍ وتعظيم للقرآن، وقد سقت في سوء سيرته في تاريخي الكبير وحصاره لابن الزبير في الكعبة ورميه إياها بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين ثم ولايته للعراق والمشرق كله عشرين سنة وحروب بن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله، فنسبّه ولا نحبّه بل نبغضه في الله فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان وله حسناتٌ مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله جل وعلا ". ولما بلغ الحسن موت الحجاج سجد شكراً لله، وكان الحسن البصري يقول: "اللهم كما أمته أمت سنته" وسنته بدعة وظلمة وهو أول من أخر الصلوات عن وقتها، ولما بلغ إبراهيم النخعي موت الحجاج بكى من شدة الفرح، ولما بلغ ابن عمر مقتل ابن الزبير رضي الله عنهم قال: عدو الله استحل حرم الله، وضرب بيت الله وقتل أولياء الله، انظر تذكرة الحفاظ للذهبي (1/37) . إخوتي الكرام.... ولما نذكر هذا عن الحجاج لا يُقال هذا فيه انتهاك لحرمة الميت، إنما انتهاك حرمة الميت يحصل إن كان الميت قد عصى ربه ثم تاب أو عصاه بمعصية بينه وبين ربه، أو عصاه وجاهر بمعصيته، أما إن كانت المعصية تتعلق بحقوق العباد فهذا ظلم فيجب أن يُبين للناس ليعلموه وليجتنبوا وليبتعدوا عن مثل هذا الظلم ولا يقعوا فيه.

إخوتي الكرام.... لا يقال لنا بعد ذلك كله أنتم عندكم ميزانان تأتون للحجاج وتتكلمون عليه وتأتون للإمام أحمد وتترضون عنه، نقول: قف عند حدك، من يبحث في النصوص الشرعية فهو على هدىً أصاب أم أخطأ إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فهذا إمام بذل ما في وسعه للوصول إلى مراد ربه ضمن أدلة شرعية، ولو قال هذا القول عن طريق الهوى لقلنا إنه ضال، فلابد من أن نزن الأمور بالميزان الشرعي، ونسأل الله أن يجعل هوانا تبعاً لشرع مولانا إنه أرحكم الراحمين وأكرم الأكرمين. الحالة الثانية: وإذا كانت الباء للسبب – لا للقسم – فهذه لها صورتان: الصورة الأولي: أن تسأل مخلوقاً بسبب مخلوق فهذا جائز بالاتفاق مثالها: أن تقول لشخص أسألك بحق أبيك، أو أسألك بكرامة جدك، أو أسألك بمنزلة زوجتك ونحو هذه من الأسباب فتتوسل بمخلوق إلى مخلوق بالسبب والمنزلة التي له عندك والمكانة والمقام الذي له عندك. وقد ثبت أن ابن جعفر بن أبي طالب كان إذا أتى عمه علياً – رضي الله عنه – وسأله بحق أخيه جعفر – والذي هو أبو السائل – قضى عليٌّ حاجته؛ لأن له منزلة عنده، وهذا من باب إكرام الأخ لأخيه؛ فإذن هذا السؤال بالمنزلة والسبب والحق وما شاكل هذا، وهذا الباب من التوسل لا حرج فيه وجائز بالاتفاق – كما ذكرنا – وعلى هذه تنزل قراءة حمزة، وأحد التوجيهين في قراءة الجمهور من قول الله جل وعلا (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) . فـ (الأرحام) قرئت بالنصب، وهي قراءة الجمهور (التسعة) وقرئت بالخفض – الكسر – وهي قراءة حمزة فقط، فـ (الأرحام) على قراءة الجمهور، منصوبةً عطفاً على لفظ الجلالة (واتقوا الله) أي: فلا تعصوه، واتقوا (الأرحام) فلا تقطعوها لأنها مما أمر الله به أن يوصل، وحينئذ فلا شاهد فيها على هذه الصورة، وهذا أحد توجيهي الجمهور لنصبها.

و (الأرحام) عن حمزة، بالكسر، هي التي فيها الشاهد بأننا نسأل ونتوسل بحقها ومنزلتها، وهي على أنها معطوفة في هذه الحالة على لفظ الضمير المجرور (به) لا على محله. والتوجيه الآخر للجمهور لقراءة النصب قالوا: أن (الأرحام) معطوف على محل الضمير المكني (به) لا على لفظه، فمحله هو النصب، ولفظه هو الجر، هذا كما تقول: مررت بعمرَ وزيداً، فعمر محله النصب وإن جر بحرف الجر فلذلك تعطف زيداً على المحل لا على اللفظ، وعلى هذا فالقراءتان بمعنىً واحد تكون في هذا التوجيه شاهد لهذه الصورة، والمعنى: يسأل بعضكم بعضاً بالله ويسأل بعضكم بعضاً بالرحم، فتقول: أسألك بحق الرحم عليك أن تقضي حاجتي، وأنشده بالرحم التي بيني وبينك أن تقضي حاجتي، كما كان ولد جعفر يسأل عمه علياً بالرحم التي بينه وبين أخيه جعفر ... وقراءة حمزة جرى حولها كلام كثير، ولما شرحتها للطلاب في العام الماضي في المستوى الثاني / الفصل الثاني، أخذت معنا ما يزيد على خمس محاضرات) س: لو قال شخص: أسألك بحياة أبيك، فما الحكم؟ جـ: قوله أسألك بحياة أبيك كقوله أسألك بمنزلة / برأس / برجل / بعين / بوجه / بشرف أبيك/، كلها سواء، لأن هذا القول توسل إلى مخلوق بمخلوق، وهو جائز – كما قلنا – ليس من باب القسم، وليس من باب التوسل إلى الله، إذ سيأتينا أنه لا يجوز التوسل إلى الله بذات مخلوق أو حياته أو شرفه، وما شاكل كل هذا. س: هل يجوز أن يسأل شخصٌ بحق ميت؟ جـ: لا حرج في ذلك. وفي قصة سؤال جعفر علياً رضي الله عنه دليل على ذلك لأن جعفر استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، لكن لأجل مكانته ومنزلته عند أخيه علي رضي الله عنه، كان أولاده بعد موته إذا جاءوا إلى عمهم توسلوا إليه بأبيهم. الصورة الثانية: أن تسأل الخالق بسبب مخلوق:

قال الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية: "ينبغي أن نعلم أن ذوات المخلوقين ليست سبباً لقضاء الحوائج، فلابد من سبب إما من المتوسِل، وإما من المتوسَّل به" إذن عندنا فرعان لهذه الصورة: الفرع الأول: أن يصدر سبب من المتوسِّل نحو من توسل به يرضاه الله فيصبح توسله بذلك السبب، والتوسل في هذا الفرع شرعي. مثاله: أن يتوسل المخلوق بمحبته للنبي عليه الصلاة والسلام وباتباعه له في قضاء حاجته، أو قد يقول المتوسل: اللهم إني أسألك بحبي لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي أن تفرج كربي وأن تقضي حاجتي وأن تغفر ذنبي وأن تدخلني الجنة مثلاً. فهو هنا لم يتوسل بذات المخلوق، بل توسل بفعل منه – أي من المتوسِّل – وهو طاعةٌ فهو كما لو توسل بطاعاته الأخرى، وهو جائز فقال اللهم إني أسألك بإيماني بك أن تغفر ذنبي وهو من أفضل أنواع التوسل. مثاله من السنة: ما ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟، فقال له ويحك [وفي رواية: ويلك] وما أعددت لها قال: لا شيء (¬1) [وفي رواية: ما أعددتُ لها كبير صلاة ولا صيام] ، لكني أحب الله ورسوله] وأكرم بهذا العمل، وهل بعد هذا العمل عمل؟!! [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت] وهذا فيه بشارة عظيمة لهذا السائل. ¬

_ (¬1) هذا احتقار لعمله، أي ليس عندي شيء يبيض الوجه وليس عندي من الأعمال الكبيرة التي تسطر وتذكر وتذاع، وهذا حال التقي دائماً يهضم نفسه ويخرج من الدنيا ولم يشبع من أمرين: أ) ثناء على ربه. ب) اعتراف بعجزه وتقصيره ولوم لنفسه، لكن بيّن أن عنده عملا ً جليلا ً جميلا ً، وهو حب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

لكن الشاهد من الحديث هو قول أنس بعد أن رواه [فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بقول نبينا عليه الصلاة والسلام: أنت مع من أحببت] ثم قال – وانظر لهذا التوسل منه – [فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن كون معهم بحبي إياهم] هذا لفظ البخاري وزاد مسلم [فأنا أحب الله ورسوله ... ] . ولفظ حديث [أنت مع من أحببت] [المرء مع من أحب] هو حديث متواتر، وقد ألف أبو نُعم كتاباً مستقلاً حوله سماه (المحبين مع المحبوبين) تتبع فيه طرق هذا الحديث. إذن هنا توسلٌ إلى الله بمخلوق لكن جرى من المتوسِّل سبب نحو ذلك المخلوق، ولا حرج في ذلك بإجماع أهل السنة، وأنا أعجب في هذه الأيام حقيقة من المتنطعين الذين تَصْغُر أذهانهم ويضيق عقلهم ويأتي ليزجَّ نفسه في أمر ممنوع – كما سيأتي – فيقول: أسألك بجاه رسولك صلى الله عليه وسلم أن تغفر ذنبي، مع أن الجاه والذات ليست سببا للمغفرة فهذا التوسل أقل ما فيه أن فيه خلافاً وإن كان غير معتبر، فلماذا يترك ذاك المتنطع التوسل الذي لا خلاف فيه ويعمل ما فيه خلاف؟!!!.

مثال آخر أيضاً: ثبت في الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا يُنْجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قلبهما أهلاً، ولا مالاً، فنأى بي في طلب شيء يوماً، فلم أُرِح] عليهما حتى ناما، فجلست لهما غَبُوقهما (¬1) ¬

_ (¬1) الغبوق شرب اللبن وقت العشي..

فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أَغْبِق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يديّ أنتظر استيقاظهما حتى الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج، قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عمٍ كانت أحب الناس إليّ، فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمتُ بها سنة من السنين، فجاءتني، فأعطيها عشرين ومائة دينار على أن تخلّي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرتُ عليها، قالت: لا أُحِلُّ لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرّجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركتُ الذهب الذي أعطيتُها، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمّرتُ أجره حتى كَثُرَت منه الأموال فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري: فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون] . فانظر، هنا الأول يتوسل إلى الله ببره لوالديه، والثاني توسل إلى الله بعفته، والثالث بأمانته، لذلك لو وقعت في كرب فقل – مثلا ً– أسألك يا ربي ببري لوالدي أن تفرج كربي فهو جائز بالإجماع. إخوتي الكرام ... هذا الحديث للإمام ابن الجوزي رحمه الله تعليقُ بديع حوله في كتابه صيد الخاطر، والكتاب نافع احرصوا على شرائه ففيه خير كثير، ولم يؤلفه في موضوع معين بل كان يقيد فيه ما يعنّ له من فوائد واستنباطات وإرشادات وتوجيهات.

يقول في صـ321 من الكتاب كلاماً في منتهى الإحكام، وكأن المعلق عليه لم يَرُق له هذا الكلام فانتبهوا لذلك!!! يقول: "التقرب إلى الله عز وجل إذا تم على الإنسان لم ير لنفسه عملاً وإنما يرى إنعام الموفق (¬1) لذلك العمل الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملاً أو يعجب به (¬2) وذلك بأشياء" هذه الأمور منها أن الله وفق لهذا العمل، ومنها أنه إذا قيس ذلك العمل بالنعم لم يفي بمعشار عشرها، ومنها ... منها.... ومنها...." ثم يقول: ¬

_ (¬1) الموفق هو الله ولذلك الحديث [فمن وجد خيراً فليحمد الله] . (¬2)) أي أنك وفقت لعمل صالح فلا تنظر إلى العمل، إنما تنظر إلى الموفق، فلا تهتم بالعمل ولا تصاب بغرور ولا إدلال، وهذا هو ما قاله الصحابي [ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام] .

"وهذا شأن جميع العقلاء فرضي الله عن الجميع" ثم ذكر بعد ذلك قصصاً كثيرة منها: قول الخليل إبراهيم (والذي أطمع أن يغفر لي) فلم يُدّلَ بعمل بل يطمع من الله بالمغفرة، ومنها قول أبي بكر وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله، وذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نفعني مال كمال أبي بكر، فقام أبو بكر وقال ذلك، فانظر لحال العقل الكامل، وهكذا أورد كلاماً لعدد من الصالحين ثم يقول: "وهذا شأن جميع العقلاء فرضي الله عن الجميع" فإذن هذا فعل عقلاء هذه الأمة، وانظروا لصلحاء بني إسرائيل، ومنهم هؤلاء الثلاثة يقول:"وقد روي عن أقوام من صلحاء بني إسرائيل يدل على قلة الإفهام لما شرحتُه لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدلوا بهما (¬1) ، فمنه حديث العابد الذي تعبد خمسمائة سنة في جزيرة، وأخرج الله له كل ليلة رمانة، وسأله أن يميته في سجوده فإذا حشر قيل له: ادخل الجنة برحمتي قال: لا بعملي، فيوزن جميع عمله بنعمة واحدة فلا يفي، فيقول: يا رب برحمتك (¬2) ، ¬

_ (¬1) أدلّوا بها: يعني تقربوا بها ورأوا لها مكانة تستحق أن تطلب حاجةٌ بسببها. (¬2) حديث العابد رواه الحاكم في مستدركه (4/251) ، وقد أوردته لكم مختصراً، وأوله: [أن رجلا كان في جبل وطلب أن يخرج الله له عيناً يشرب منها (أي حتى لا يختلط بالناس) وأن يخرج له شجرة رمان فأخرج الله له عيناً وشجرة رمان كانت تحمل كل يوم رمانة فيأكل الرمانة ويشرب من الماء ويتعبد في صومعته، وسأل الله أن يميته وهو ساجد فأماته....] .إلخ الحديث – وفيه [فيحاسبه الله على نعمة البصر فلا تفي عبادة خمسمائة سنة] ثم قال جبريل: [يا محمد إنما الأشياء برحمة الله جل وعلا] ، ثم قال الحاكم: وهذا حديث صحيح الإسناد، فإن سليمان بن هَرم العابد من زهاد أهل الشام والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين" وعلق الذهبي على هذا الحديث في تلخيصه للمستدرك: "صحيح!! قلت لا والله، وسليمان غير معتمد، وقال في ميزان الاعتدال – أي الذهبي – في ترجمة سليمان بن هرم: "قلت: لم يصح هذا، والله يقول (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) ، ... ولكن لا يُنجي أحداً عملُه من عذاب الله كما صح، بلى أعمالنا الصالحة هي من فضل الله علينا ومن نعمه لا بحول منا ولا قوة، فله الحمد على الحمد له" إذن كأن الحافظ الذهبي يريد أن يقول الحديث ضعيف لأن فيه هذا المجهول، وأراد أن يؤكد هذا فقال الحديث يعارض نصوصاً، فأراد أن يرده من جهة المعنى، وقبله أراد أن يرده من جهة السند. قلت: أما من ناحية سليمان بن هرم (أي من ناحية السند) فكأن الحافظ ابن حجر في لسان الميزان لم يرتضِ كلام الذهبي، فنقل هنا كلام الحاكم عن سليمان وأقره فقال: "وقد قال الحاكم عقيب رواية الحديث والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين" فكأنه يريد - أي ابن حجر – أن يقول إن سليمان بن هرم ليس بمجهول. وأقول أيضاً: الحديث صحيح الإسناد وما فيه إلا سليمان بن هرم فقد جرى حوله كلام وكأن الحافظ ابن حجر يوافق الحاكم على أن سليمان ليس بمجهول وأما من ناحية المعنى فالمعنى صحيح أيضاً، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته] ، وقد حقق الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح السعادة ومنشور ولايتي العلم والإرادة (1/8) حقق هذا المبحث غاية التحقيق وقال عند حديث [لا يدخل أحد الجنة بعمله] وقوله تعالى (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) : "وصفوة الكلام أن الباء هنا ليست بمعنى الباء هناك" أي الباء في الحديث غير الباء في الآية، فهي في الحديث للمعارضة والمقابلة، وفي الآية الباء للسببية أي جعل الله الأعمال منا سبب لذلك الجزاء بفضله ورحمته، لا أن العمل منا يستحق الجنة، أو أنه يكون عوضاً عنها، نستحقه كما نستحق في هذه الحياة عوضاً عندما ندفع ثمناًً مقابل سلعة، فهذه ليست مبايعة ومعاوضة فنحن لا نعمل والجنة تكون في مقابل العمل، بل نحن نقوم بواجب علينا وحق لله – وهو عبادته – دخلنا الجنة أم لا، فهذا هو الفرق بين الباءين، ثم قال ابن القيم كلاماً ينبغي أن ترددوه وأن تنقشوه في قلوبكم: "كل من ينجو من النار فبفضل الله، وكل من يدخل الجنة فبرحمة الله، وأهل الجنة يقتسمون منازلهم على حسب أعمالهم". إذن عندنا أمران لا دخل للعمل فيهما، النجاة من النار والدخول في الجنة، لكن منازل الجنة هذه بحسب عمل الإنسان. فمن نجا من النار فبفضل الله، ومن دخل الجنة فبرحمته، وكل من ألقي في النار فبعد له يقول الشاعر: ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا يسعى لديه ضائع إن عذبوا فبعد له أو فعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع فالآن هذا العابد هو حاله كحال الصحابة الذين كانوا يستصغرون أعمالهم؟ شتان بين الاثنين، فانظر لهذا العبد المسكين كيف يُدلّ بعمله يقول الله له: ادخل الجنة برحمتي فيقول: بل بعملي!!!. ولذلك قال ابن الجوزي: "وقد روي عن قوم من صلحاء بني إسرائيل ما يدل على قلة الأفهام لما شرحته لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدلّوا بها".

وكذلك أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فإن أحدهم توسل بعمل كان ينبغي أن يستحي من ذكره – وهو أنه عزم على الزنا ثم خاف العقوبة فتركه – فليت شعري بماذا يُدلّ من خاف أن يعاقب على شيء فتركه لخوفه العقوبة (¬1) إنما لو كان مباحاً فتركه كأن فيه ما فيه، ولو فَهِم لشغله خجله من الإدلال، كما قال يوسف: (وما أبرئ نفسي (¬2)) والآخر ترك صبيانه يتضاغنون إلى الفجر ليسقي أبويه وفي هذا البر أذىً للأطفال (¬3) ، لكن الفهم عزيز، وكأنهم لما أحسنوا قال لسان الحال أعطوهم ما طلبوا، فإنهم يطلبون أجرة ما عملوا، ولولا عزة الفهم ما تكبر متكبر على جنسه، ولكان كل كامل خائفاً محتقراً لعمله حذراً من التقصير في شكر ما أنعم عليه، وفهم هذا المشروح ينكّس رأس الكبر ويوجب مساكنة الذل، فتأمله، فإنه أصل عظيم" أ. هـ إي والله إنه أصل عظيم، وما رأيت هذا المعنى إلا في صيد الخاطر، وهو أن هؤلاء توسلوا إلى الله بعمل كان ينبغي أن يستحي بعضهم من ذكره، لكن الفهم عزيز، فقضى الله حاجتهم، وهو أرحم الراحمين. إذن أن يصدر سبب من المتوسل نحو المتوسل به، وهذا هو أحد الفرعين للصورة الثانية. الفرع الثاني: أن يصدر سبب من المتوسل يقتضي حصول طلبك والتوسل في هذه الحالة أيضاً شرعي. ¬

_ (¬1) أي ترك الشيء لخوف منه لا يستحق الرجل عليه أجراً، وهذا كما لو ذهب شخص إلى الأمير وقال له: أنا لن أسلبك، لأنني أخشى أن تقطع رقبتي فأسألك بعدم سلبي لك أن تعطيني ألف درهم. فهل يستحق هذا الألف؟ كلا ... لأنه ترك سلب الأمير خوفاً من العقوبة لا إجلالاً له. (¬2) المعتمد أن (وما أبرئ نفسي من قول) امرأة العزيز. (¬3) أي هو من ناحية بر ومن ناحية أخرى أذىً، وكان بإمكانه أن يسقي الأطفال ثم ينتظر أبويه حتى يستيقظا.

مثاله: أن يتوسل مخلوق إلى مخلوق فيقوم المتوسل به فيدعو يشفع للمتوسل أو: أن يقول شخص: نتوسل إليك يا رب بالعبد الصالح فلان – ولابد من أن يكون موجوداً بينهم ليس بغائب – فيقوم ذاك العبد الصالح ويقول: يا رب اقض حاجتهم وفرج كروبهم والطف بهم وردّ عنهم عدوهم، إذن دعا لنا ونحن طلبنا من الله أن يجيب دعاءه. كذلك: إذا جرى من المتوسَل به سبب نحو المتوسِل إلى المتوسِل إليه وهو الله جل وعلا فدعا لك من توسلت به، وشفع لك. وهنا أنت لم تتوسل بذات المتوسل به، ولا بجاهه ولا بمنزلته بل بسبب صدر وجرى منه من دعاء وشفاعة وطلب ونحو هذا. مثاله من السنة: ثبت في صحيح البخاري (2/495- مع الفتح) عن أنس رضي الله عنه قال: [إن عمر بن الخطاب كان إذا قَحِطوا (¬1) استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فيقول – أي عمر: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا (¬2) عليه الصلاة والسلام فتسقينا وأنا أتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال أنس: فيسقون] . وورد في رواية الإسماعيلي (¬3) عن أنس رضي الله عنه قال: [كانوا إذا قحطوا عهد عهد رسول صلى الله عليه وسلم استسقوا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فيستسقي لهم فيسقون، فلما كانت إمارة عمر رضي الله عنه استسقى عمر بالعباس] رضي الله عنهم أجمعين. وورد في المصنف لعبد الرزاق أن عمر رضي الله عنه قال بعد أن قال ما تقدم في صحيح البخاري: [قال للعباس: يا عباس يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فادع] أي نحن طلبنا من الله أن يقضي حاجتنا بدعائك، فقم ونفذ هذا الطلب وادع لنا ليقضي الله لنا حاجتنا. ¬

_ (¬1) أي أصابهم القحط والجدب. (¬2) أي بدعائه في حياته صلى الله عليه وسلم (¬3) الاسماعيلي عمل مستخرجاً على صحيح البخاري، أي روي أحاديث البخاري نفسها، لكن بأسانيد لنفسه ويسمى مستخرج الاسماعيلي.

وورد في كتاب الزبير بن بكار في تاريخ المدينة المشرفة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عندما قحطوا: [إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى العباس للعباس ما يرى الولد للوالد – أي من المنزلة – فاقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واجعلوه وسيلة لكم بينكم وبين الله] والمراد بالوسيلة هنا الواسطة الذي سيدعوا ونحن نؤمن على دعائه. وثبت في كتاب الزبير بن بكار أن العباس رضي الله عنه دعا فقال: [اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة وقد توجه (¬1) القوم بي إليك لمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب (¬2) ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث] قال: أنس رضي الله عنه: فأرخت السماء مثل الجبال (¬3) حتى أخصبت الأرض وعاش الناس] . وهذا الذي فعله عمل لم يفعله تخرصاً من رأيه ولا اجتهاداً من ذهنه ـ إنما فعله بناءً على أثر ثابت – كما ذكرنا – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه كان يوجه أمته إلى مثل هذا التوسل، وهو أن نتوسل بدعاء فلان. ¬

_ (¬1) أي توسلوا بي إليك. (¬2) أي مغفرة مقرة وتائبة منيبة. (¬3) هذه الكلمة وردت في الفتح (الجبال) وأخشى أن يكون تصفحاً وأن يكون الصواب (مثل الحبال) أي مثل الحبال المدلاة، فالمطر منصب كأنه حبال متصلة وصلت السماء بالأرض، وإن كان (الجبال) فالمعنى أنه نزل مطر كثير غزير يشبه الجبال من كثرة تصببه واندفاعه وأنه صار سيولاً عظيمة والعلم عند الله.

إخوتي الكرام..... بالنسبة للجدب الذي يقع فيه الناس ينبغي أن يتوبوا إلى الله جل وعلا وأن يلجأوا إليه ليغيثهم ويفرج كروبهم، واستسقاء عمر كان في عام الرمادة الذي وقع سنة (18) هـ وفي ذلك العام لم ينزل من السماء قطرة ماء وبقي الحال على ذلك تسع أشهر، وسمي رمادة لأن الأرض صارت كالرماد ينسف نسفاً فليس فيها حشيشة خضراء ونتيجة لذلك كادت المواشي أن تهلك وتموت، ويموت الناس تبعاً لذلك لاسيما في العصر الأول لأن قوتهم من الأرض ومن هذه المواشي التي تتغذى على الأرض فاشتد الأمر على المسلمين ثم قدم عمر رضي الله عنه العباس فاستسقى فسقي الناس. والعباد عندما تكثر منهم المعاصي يبتليهم الله جل وعلا بأنواع المحن، ولما حصلت رجفة في المدينة المنورة قال عمر: "أحدثتم والله، والله لو رجفت ثانية أساكنكم فيها وسأخرج منها" فالقحط يقع عندما يعصي العباد ربهم كما قال العباس [ما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا ترفع إلا بتوبة] وهكذا الزلازل والفيضانات التي تقع هذه الأيام في بلاد الكفر ونسأل الله أن يغرقهم على بكرة أبيهم كما غرّق قوم نوح، إنه على كل شيء قدير، وأن يلهمنا رشدنا وأن يتوب علينا.

ووالله الذي لا إله إلا هو ما يمنع الله عقوبته عن الكفار إلا لفساد فينا، ولو كان فينا صلاح واستقامة لأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فإذا كنا ضعافاً وليس عندنا قوة على مقاومتهم فإن معنا القوي الذي يمكر من حيث لا يعلم العباد، وأسلحتهم التي يجبرون بها ويتكبرون يدمرهم الله بها والله على كل شيء قدير، كما دمر أهل اليمن عندما فعلوا ما فعلوا وعتوا عن أمر ربهم، دمرهم بالسد الذي بنوه كما قال تعالى: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق الله واشكرا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم (¬1) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أُكُلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) . وهكذا تلك البلاد التي تجبرت وتكبرت وأنعم الله عليها فطغت وبطرت ولو وجد عندنا ما يستدعي عقوبتها لعاقبها الله، لكن يوجد عندنا من ينبغي أن يعاقب قبل أولئك، وما تأخرت عقوبتنا أيضاً إلا لما فينا من بقايا الصالحين. يذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) في حوادث 718 هـ، وكان قد أدرك ذلك الأمر وهو في سن السابعة عشر تقريباً، فيخبر عن القحط الذي وقع في بلاد المشرق في الجزيرة بلغ عن ذلك القحط أنهم أكلوا الجيف ونبشوا القبور وأكلوا الموتى وأكلوا الكلاب، حتى أن الأم بدأت تأخذ ولدها وتبيعه من أجل أن يستعمله ويعطونها ثمناً خمسين درهماً، وبدأ الناس يذبحون أولادهم أيضاً ليأكلوهم ويذكر أبو شامة في كتابه (الذيل على الروضتين) أنه حدث في سنة 597 هـ ما لا يخطر ببال بشر، كان الناس يدعون الأطباء إلى بيوتهم بحجة العلاج فإذا دخلوا ذبحوهم وأكلوهم حتى أنهم أكلوا القطط والكلاب أيضاً ونبشوا القبور وأكلوا الموتى والجيف، حتى أن الأم كانت تمسك ولدها ليذبحه الوالد وأكلانه، وصلب السلطان كثيراً من الناس الذين فعلوا هذه الفعلة الشنيعة. ¬

_ (¬1) هو سيل العرم، بنوه، وجعل الله حتفهم فيه.

وهذه النعم التي الآن نأشر بها ونبطر، والله الذي لا إله إلا هو أتوقع زوالها أكثر من توقعي لمجيء الغد، وقدر الله إذا حلَّ ونزل ينزل كلمح البصر وليس له نذر تتقدمه (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس) ولا يوجد عصر تنطبق عليه هذه الآية كعصرنا، فنسأل الله لطفه ومعونته وستره إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. س: ما الفرق بين البلاء والابتلاء؟ جـ: إذا نزل البلاء بالإنسان واعتبر به وحسَّن حاله فهذا مكفر له، وإذا نزل البلاء بالإنسان ولم يكن هناك اعتبار منه ولا انزجار فهذه نقمة له.

مثال آخر له: - كتوسل عمر بالعباس – ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمزي وابن ماجة، ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن عثمان بن حُنَيْف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوتُ لك، وإن شئت صبرت فهو خير لك، فقال: بل ادع (¬1) ¬

_ (¬1) أي أريد أن يعود إلي بصري، وهذا لا حرج فيه لكن لو صبر لكان أفضل، وهذا ونظائره من الأدلة – كما قال أئمتنا – يؤخذ منه أن الصبر على المرض خير من التداوي، وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء [ألا أريك امرأة من أهل الجنة، فقال بلى، فقال: هذه المرأة السوداء جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله إني أصرع وأتكشف، فادع الله لي أن لا أصرع فقال: إن شئتِ دعوت لك، وإن شئتِ صبرت ولك الجنة – فكان جوابها خير من الأعمى – قالت: بل أصبر يا رسول الله، لكن ادع الله لي ألا أتكشف، أي عندما أصرع وأقع أخشى أن يبدو مني شيئ أكرهه – فدعى الله لها أن لا تتكشف] ففي هذا الحديث دليل على أن الصبر على المرض عزيمة والتداوي رخصة، وهذا هو المقرر عند أهل السنة والجماعة ومن صبر على المرض حتى مات دخل الجنة، ومن صبر على الجوع مع قدرته على الأكل حتى مات دخل النار، انتبه لأن ذلك سبب يفضي إلى المسبَّب حتماً حسب ما ربط الله الأسباب بالمسببات، وأما هذا فكما تقدم معنا إما ظن وإما وهم فليس هو سبب لحصول الشفاء قطعاً وجزماً فقد تأخذ العلاج ويزداد مرضك وذكرت لكم حوادث في ذلك، وكم من إنسان أجريت له عملية ومات فالتداوي رخصة والصبر عزيمة، وهذا الأمر لو رعيناه لما أكثرنا من فتح المستشفيات، لكن لم تظهر الفاحشة في قوم إلا فشى فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، فهذا عقوبة من رب العالمين لعباده عندما ينحرفون عن شرعه (مخدرات – عهر – فجور – لواط- ... ) .وهذا سينتج عنه أمراض خبيثة كثيرة كالهِرْبز والإيدز الذين انتشرا في بلاد الغرب ولا يعرف لهما علاج فهو موت بطيء للمصاب بهما، وحقيقة كثير من الأمراض نسمع بها لم يكن أسلافنا يعلمون بها.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ فأحسن الوضوء ثم صلِّ ركعتين وقل (¬1) اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي اللهم فشفعه فيّ (¬2) ] زاد الحاكم: [وشفعني فيه] ، فما برح الأعرابي من مكانه حتى رد الله عليه بصره. فهنا الأعرابي توجه لله سبحانه وتعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بذاته فانتبهوا!! رحمة الله على الإمام النووي يذكر عند شرحه للحديث المتفق عليه [الكمأة من المن (¬3) ¬

_ (¬1) أي قل الدعاء فهو الآن يتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. (¬2) أي اقبل دعاءه عندما يدعو لي بأن يرد الله بصري ومعنى (وشفعني فيه) أي اقبل يا ربي دعاء نبيك صلى الله عليه وسلم في أن ترد علي بصري، أي قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنا سأدعو لك، وأنت اطلب من الله أن يقبل دعائي، ليحصل الطلب من جهتين وليعظم الانكسار لله عز وجل ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ، لكن من أجل أن يرغب هذا السائل بالخير فقال له توسل إلى الله بي، أي بدعائي، وسل الله أن يجيب دعائي، وليعلم هذا السائل أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يدعو فهو بشر، وليس هو كحال الرب جل وعلا يرد البصر من نفسه، وأيضاً حتى لا يحصل في هذا النبي صلى الله عليه وسلم غلو كما حصل في عيسى عليه السلام، إذن أنا أشفع لك بأن يرد الله بصرك وأن ِ اشفع لي في أن يُقبل دعائي لك برد بصرك. (¬3) أي حالها كحال المن الذي مَنَّ الله به على بني إسرائيل، فهي لا يزرعها العباد إنما تتصدع الأرض في أيام الشتاء وتخرج منه الكمأة كالبطاطس، فتخرج بلا زراعة ولا كلفة وبلا بذور. وجاء في الفتح: الكمأة نبات لا ورق له ولا ساق يوجد في الأرض من غير أن يزرع، يخرج إلى سطح الأرض ببرد الشتاء وينميه مطر الربيع فيتولد ويندفع متجسداً ولذلك كان بعض العرب يسميه جدري الأرض.

وماؤها شفاء العين] في شرح صحيح مسلم أن بعض شيوخه في بلاد الشام عَمِيّ، فتداوى بالكمأة تبركاً بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلاج الذي فيها للعين، فأخذها وغلاها في الماء وبدأ يقطر هذا الماء في عينيه فما مضت عليه إلا أيام يسيرة حتى عاد إليه بصره بإذن الله. والتداوي بالقرآن وهكذا التداوي بعد ذلك بالأدوية النبوية التي أخبرنا بها خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، هذه حجبنا عنها بما عندنا من الأدوية المركبة، وقد كان يكفينا العلاج القرآني والنبوي، ومن ينظر في المجلد الرابع من كتاب زاد المعاد يجده كله من أوله لآخره يتكلم عن الطب والعلاج، ويذكر أحاديث نبوية وأذكاراً تقال عند بعض الأمراض كالأرق، واللدغ، ونحوهما ... وهذا الذي حصل للضرير الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يعتبر خارقاً للعادة ويسمى معجزة لأنه جرى على يدي نبي. س: هل لما طلب الأعرابي العلاج بعد التخيير لن يدخل الجنة؟ جـ: قطعاً سيدخل وليس عندنا شك في ذلك، فهو لما قال له إن شئت صبرت فهو خير لك أي لك الجنة ليس المراد من هذا أنه إن صبر له الجنة بل المراد شيئاً أعلى من البشارة بالجنة فهو إن صبر له الجنة مع رفعة المكانة، وإن لم تصبر فليس لك هذه الرفعة للمكانة إنما لك الجنة مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم – في البخاري – [إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه – أي عينيه – فصبر، عوضته منهما الجنة] ثم إنه صحابي مؤمن، والمؤمنون في الجنة فكل من بُشر بالجنة هو ليس له بشارة بالدخول فقط، بل له بشارة بالدخول مع شيء آخر مع ذهاب الخوف والفزع يوم الفزع الأكبر مع منزلة خاصة ... وسأضرب لذلك مثلاً: لو أن إنساناً عمل حفلة ودعى الناس إلى هذه الحفلة دعوة عامة بحيث أن كل من جاء سيدخل، لكنه وجه بطاقات دعوة خاصة لأشخاص مقربين، فإذا جاء الناس إلى الحفلة كلهم سيدخلون لكن من عنده بطاقة دعوة ستأخذه إلى غرفة خاصة، فهم الآن لهم شأن، ولله المثل الأعلى.

فهذا إذا بُشر ونحن إذا أكرمنا الله ودخلنا الجنة فيكون كلنا قد دخلها، هو ونحن لكن هو له اعتبار خاص ومزية خاصة إن كان قد صبر، وإن لم يصبر فله أيضاً مزية وهي بسبب الصبر على هذه البلية، هذا هو المعنى وليس المعنى أنه إن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فلن يدخل الجنة، ونحن نجزم أن الصحابة كلهم من أهل الجنة لكن دون تحديد لأعيانهم إلا من ورد فيه النص، كما أننا نجزم بأن جنس المؤمنين كلهم من أهل الجنة لكن دون تحديد لأعيانهم لأننا لا ندري بأي شيء سيختم لهم، لكن لو علمنا أن هذا خُتم له على الإيمان فهو من أهل الجنة قطعاً وجزماً، وسيدخلها إن عاجلاً مع الباقين، أو آجلاً بعد أن يعذب ويطهر، لا، الله أعطانا عهداً بأن من ختم له على الإيمان سيدخله غرف الجنان. إخوتي الكرام.... هذا الحديث – حديث عثمان بن حنيف – قال عنه الإمام الشوكاني في كتابه (تحفة الذاكرين) صـ37 وصـ138 صلاة الحاجة: "في هذا الحديث دليل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع اعتقاد أن الفاعل هو الله، وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن". وهذا الكلام الذي قاله الشوكاني لا يزيل الإشكال الذي زيد إزالته، فنقول: إن هذا التوسل ليس بذات النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ينبغي أن يقول: "إن هذا التوسل بدعائه ... " ولذلك عَلّقوا على كلام الإمام الشوكاني، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، في كتابه النفيس (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) واحرصوا على هذا الكتاب فهو أحسن ما كتب في التوسل، قال في صـ65: "وهذا التوسل – أي توسل الأعمى بالنبي عليه الصلاة والسلام هو من النوع الثاني" أي من التوسل بدعاء المتوسَل به، فهو كنظير توسل عمر بالعباس رضي الله عنهم أجمعين. إخوتي الكرام.... إذن لابد من سبب إما من المتوسِل نحو المتوسَل به وإما من المتوسَل به. الرسم التخطيطي

بعد أن انتهينا من هذه المسألة المهمة عندنا سؤال، وهو يرد على كثير من الأذهان فلابد من الجواب عليه. سؤال: لو قال قائل: أسألك يا رب بجاه / بمنزلة / بشرف / بنبوة / بمكانة / نبيك صلى الله عليه وسلم أن تقضي حاجتي وكذلك لو قال أسألك يا رب بجاه / بمنزلة / بشرف / بنبوة / بمكانة / أبي بكر رضي الله عنه أن تقضي حاجتي وكذلك لو قال في حق غيرهما أيضاً، وهذا النوع فاشٍ في هذه الأيام، فهل يجوز التوسل بهذه الكيفية أم لا؟ والجواب: أنه لا يجوز مثل هذا النوع من التوسل ويمكن تقرير هذا الجواب بخمسة أجوبه: الجواب الأول: أننا نعلم يقيناً أنه لا حق للمخلوق على الخالق فمن توسل بحق مخلوق على الخالق، فقد خالف الأمر الشرعي.

فإن قيل: ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام حديث يشير إلى أن للمخلوق حقاً على الخالق، والحديث في المسند والصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: [كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار اسمه عُفير، وليس بيني وبينه إلا مثل مؤخرة الرحل (¬1) فقال لي: يا معاذ قلت: لبيك رسول الله وسعديك (¬2) ، فسار النبي صلى الله عليه وسلم ساعة (¬3) ، ثم قال ثانية: يا معاذ، قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة، فقال في الثالثة: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، فقال: أتدري ما حق الله على عباده؟، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سار النبي عليه الصلاة والسلام ساعة فقال في الرابعة: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك] انتبه!! [قال أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه (¬4) ، ¬

_ (¬1) مؤخرة الرحل: هي الخشبة التي توضع على ظهر البعير لأجل أن يتمسك بها أو يستند إليها الراكب عندما يركب والمراد لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا حاجز يشير بمقدار شبر وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه يركب على الحمار ويردف أصحابه خلفه. (¬2) (لبيك) ألبَّ بالمكان إذا قام به وعكف عليه ولزمه، والمراد أنا مقيم على طاعتك مواظب على سماع أوامرك (سعديك) إسعاداً لك بعد إسعاد وهو من باب الدعاء، أي أنا مقيم على طاعتك وأدعو لك بالسعادة فمرني بما شئت وهذا من أدبه رضي الله عنه. (¬3) أي فترة من الوقت، وليست بالساعة الزمنية. (¬4) أي إذا عبدوا الله ولم يشركوا به شيئاً، وقد قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، وكان كل رسول يقول لقومه (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ..

قلت الله ورسوله أعلم، قال: حقهم على الله ألا يعذبهم، قلت: يا رسول الله، أفلا أُبشّر الناس، قال: لا تبشرهم فيتكلوا] أي خشية أن يصبح عندهم شيء من الغرور والأماني وترك العمل ويقولوا ما دمنا موحدين فلن يعذبنا الله، فيفتر عزمهم في الطاعات – وهذا حال البشر – فلا يتهجدون ولا يتنفلون ولا يكثرون من الصدقة ولا من الذكر ولا من الدعاء ولا يتنافسون في أمور الخير (¬1) . إخوتي الكرام ... الشاهد أنه أوجب لهم حقاً في هذا الحديث ونقول: لا إشكال في هذا الحديث، لأن هذا الحق هو محض فضل من الله ومحض كرم منه والعبد لا يستحق هذا على ربه لأنه مخلوق له وتوفيقه بالطاعة هو من فضل الله، فكيف إذن يستحق على الله شيئاً؟!! وقد تقدم معنا أنه لن ينجو أحد النار إلا بفضل الله، ولن يدخل الجنة إلا برحمته: فإن يثيبنا فبمحض الفضل ... وإن يعذبنا فبمحض العدل ¬

_ (¬1) إخوتي الكرام كثير من الناس يحملون أخبار الوعد على غير محلها مع أن أخبار الوعد ينبغي أن تدعوك لزيادة العمل لا للفتور عن العمل، ولذلك كل رجاء لا يبعث على عمل فهذا غرور وأماني لا صحة له، فمثلاً: أنت إذا كنت تريد أن تتزوج زوجة فتطلبها أم تهرب منها وتبتعد؟ بل تطلبها وتكدح وتعمل وتقدم الهدية بعد الهدية لأنك راج ٍ، ومن علامة الرجاء الطلب لا الهرب، ولذلك كان سلفنا يقولون: "عجبنا من الجنة نام طالبها، وعجبنا من النار نام هاربها" إذن في حال الرجاء طلب وفي حالة الخوف هرب، وقد وقع في هذا كثير من طلبة العلم فهو لما سمع (أن النظرة إلى المرأة صغيرة) قال ما دامت صغيرة فلا مانع من أن أنظر وسمع قيام الليل سنة والسنة لا يعاقب تاركها، إذن لا داعي أن أقوم الليل، وصلاة الفجر مستحبة قال: إذن لا عليّ شيئاً في تركها، فهل هذا طالب علم شرعي؟!! العلم هو ما يكسبك خشية الله، وإذا لم يُكسبك خشية وبال عليك.

إذن فحق العباد هنا هو تفضل الله به عليهم، وقد ثبت في سنن أبي داود وابن ماجه وصحيح بن حبان ومسند الإمام أحمد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي قال: [لو عذب الله أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم] وهذا محض عدل [ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم] أي: خيراً من أعمالهم. إذن فأنت عندما تقول: أسألك بحق نبيك، فهل للمخلوق حق على الخالق؟ لا، وقد تقدم معنا أنه "لو عذب الله وحاسب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وعيسى بن مريم بما جنت السبابة والإبهام لعذبهما ثم لم يظلمهما" ولو عذب الله جبريل فمن دونه من المخلوقات في العالم الأعلى والأسفل لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم. تنبيه: إن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى معاذاً عن البشارة وقد بلغنا، وقد ورد في آخر الحديث، فأخبر معاذ بها – أي بهذه البشارة – عند موته تأثماً أي خشية الإثم، فكيف ينهى عن التبشير ثم يبلغ ويبشر بهذا الحديث؟ أجاب العلماء عن ذلك بأربعة أجوبة: أولها: وهو اختيار الحافظ ابن حجر، وهو: أن معاذاً فهم من المنع كراهة التنزيه (خلاف الأولى) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه مرشداً له إلى الأكمل، لا أن عليه إثماً إذا أخبر بذلك، فتعارض هذا مع الأحاديث الآمرة بالبيان وعدم الكتمان لحديث [من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار] فأخبر بذلك دفاعاً للوقوع في المحرم وهو الكتمان وإن وقع في خلاف الأولي وهو التبشير.

ثانيها: وهو اختيار القاضي عياض وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد من نهي معاذ عن البشارة النهي لا التحريم ولا التنزيه، إنما أراد أن يكسر عزمه، لئلا يذهب معاذ إلى الأسواق والمجامع وينادي حقكم على الله ألا يعذبكم إذا عبدتموه وبالتالي يحصل سوء فهم لهذه البشارة على حقيقته فكسر عزمه وقال لا تخبرهم أي الآن في هذا الوقت وأنت مندفع ومتحمس، لكن أخبرهم بعد أن تتروى ويخف الأمر على نفسك. وهذا الجواب لعله أوجه الأجوبة. ثالثها: وقد ذكره القاضي عياض ذكراً فقط، وهو: أن معاذاً فهم المنع والتحريم من النهي، ثم تبين له النسخ بعد ذلك بالأحاديث التي فيها حض على نشر العلم وتحريم كتمانه، فبلغ الحديث. وهو وجه ضعيف، لأنه لو كان الأمر كذلك لما أخر معاذ هذا إلى وقت وفاته. رابعها: وقد ذكره الإمام ابن الصلاح: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى معاذاً عن البشارة العامة ورخص له بالبشارة الخاصة، وهذا هو الذي فعله معاذ، فإنه لم يخبر الناس في مجامعهم، لكنه أخبرهم عندما احتضر، والعادة أنه لا يحضر مجلس المحتضر إلا خواصه وأصحابه ليسلوه ويثبتوه ويدعوا له فأخبرهم عند موته. أظهر الأجوبة والعلم عند الله الجواب الثاني، وأما الجواب الثالث ففيه بعد، والجوابان الأول والرابع مقبولان والعلم عند الله. الجواب الثاني:

إذا قيل: ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام السؤال بحق السائلين وهذا توسل بحق مخلوق، ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد ومسند بن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري والحديث رواه الإمام ابن السني في كتابه (عمل اليوم والليلة) من حديث بلال وأبي سعيد الخدري، ورواه أيضاً أبو نُعيم في كتاب الصلاة، وابن خزيمة في كتاب التوحيد، ولفظ الحديث. عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني من النار وأن تدخلني الجنة وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قال ذلك: أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك] فهنا ورد [بحق السائلين] فكيف هذا؟ والجواب: أن السؤال بحق السائلين هو توسل إلى رب العالمين بما جعل الله سبباً لإجابة دعاء المخلوقين وذلك السبب هو: دعاء الله وعبادته، وكأن القائل للدعاء المتقدم يقول: يا رب إنك وعدت السائلين الإجابة وقطعت وعداً على نفسك بذلك لما قلت (ادعوني أستجب لكم) فأسألك بذلك الوعد الذي قطعته على نفسك وأسألك بحق السائلين هذا أن تجيرني من النار وأن تدخلني الجنة وأن تغفر لي ذنوبي (¬1) وهذا توسل بمعنىً مقبول فإن هناك ارتباطاً وملازمة بين المتوسَل به وبين المتوسِل. ¬

_ (¬1) هذا كما لو أن رجلاً مثلاً نشر في جريدة بياناً أن من يأتي إلي بيته في يوم كذا سيعطيه مائة درهم فذهبت ولم يعطك إعانة فتقول له أسألك بشرطك الذي نشرته بعرضك الذي وعدته أن تعطيني مائة درهم.

وليس من هذا النوع سؤال المخلوق الخالق بحق مخلوق أو بصلاحه أو بجاهه أو بمنزلته، لأن كون المخلوق له منزلة وله جاه وله قدر وله شرف وله رتبة ليس ذلك بمعنىً موجب لإجابة الدعاء، فأي مناسبة بين صلاح إنسان ما وبين توسلك إلى الله بصلاحه في إجابة دعائك؟!! وأي مناسبة بين نبوة وجاه ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم وبين دعائك. ثم إن السؤال بالجاه والمنزلة يستوي فيه الكافر والمؤمن فلو قال الكافر يا رب أسألك بجاه بينك أن تقضي حاجتي، ولو قال المؤمن يا رب أسألك بنبيك صلى الله عليه وسلم – أن تقضي حاجتي لاستوى الأمر، فهذا الكلام لو قاله الكافر لما أمر به ولو صار مؤمناً بقوله هذا، ولو قاله المؤمن لما دل على أنه متبع، بل لابد من سبب منك نحو المتوسّل به، أو منه، أو نفس الجاه والمنزلة فليس بعله في إجابة الدعاء ولا يوجب قضاء الجوائج، ولا يلزم من حصول ذلك الجاه، قضاء حاجتك إلا إذا آمنت به، فقل: اللهم إني أسألك بإيماني بمنزلة نبيك صلى الله عليه وسلم أن تقضي حاجتي، ولا حرج في ذلك، ثم إن التوسل هنا بحق السائلين إنما توسل بأمر قد وعد الله به عباده فآل الأمر إلى توسل بسبب من المتوسِّل، لأن الله قطع على نفسه عهداً أن يجيب السائل، فنحن كأننا نقول: نسألك يا رب بذلك الحق الذي آمنا به وصدقنا أن تجيب دعاءنا والدليل على إيماننا هذا الدعاء منا. تنبيه: حديث أبي سعد وبلال هذا ضعيف على انفراده، قال أئمتنا: هو مسلسل بالضعفاء. وقد حكم عليه بالضعف الإمام النووي في الأذكار والإمام المنذري في الترغيب والترهيب، لكن الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله حسنه في تخريج أحاديث الأذكار لكثرة طرقه وشواهده. وعليه فهو ضعيف على انفراده، لكن له شواهد ترفعه لدرجة الحسن، فلا مانع من الدعاء به إذا خرج الإنسان إلى المسجد. الجواب الثالث:

قررنا في الجواب السابق أن هذا التوسل يؤول في النهاية إلى أنه توسل إلى الله بفعلنا، ويمكن أن يقال هنا في هذا الجواب، أن هذا من باب التوسل إلى الله بأفعاله أيضاً، فالله جل وعلا عندما وعد السائلين العطاء والداعين الإجابة فهذا فعل من أفعاله، ويجوز أن نتوسل إلى الله جل وعلا بأفعاله وصفاته كما يجوز بذاته، فكأننا نقول: يا رب كما أنك تعطي السائلين وتجيب الداعين نتوسل إليك بهذا الفعل الذي يجري منك والذي تكرمت به علينا وأن تقضي حوائجنا وأن تعطينا طلبنا (دخول الجنة، والإجارة من النار، ومغفرة الذنوب) . وكل من الجوابين أفادهما الإمام ابن تيمية في كتابه الجليل (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) من صـ52 إلى صـ65، وأعاده في صـ145 إلى صـ147. الجواب الرابع: في جواب أنه لا يجوز أن نقول بحق فلان ... أنه لو كان التوسل بالجاه مشروعاً لاستوى الأمر في ذلك كون المتوسَّل به حياً أو ميتاً وإذا كان الأمر كذلك فجاه نبينا عليه الصلاة والسلام أعلى جاه وأرفعه وأتمه، فلو كان التوسل بجاهه جائزاً لما عَدَل عمر عن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى العباس، لان جاه نبينا عليه الصلاة والسلام جاه رفيع عالٍ لا يختلف سواء كلن حياً أو ميتاً. ولم ينقل عن صحابي أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، بل غاية ما قاله عمر كما تقدم في صحيح البخاري [إنا كنا نتوسل إليك بنبينا عليه الصلاة والسلام فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا عليه الصلاة والسلام فاسقنا] . فإذن عدول الصحابة عن التوسل بجاه نبينا عليه الصلاة والسلام بعد موته دل على أنه لا يجوز التوسل بجاهه في حياته لأن الجاه لا يختلف حياً أو ميتاً، نعم كانوا يتوسلون به لكن بدعائه واستشفاعه لا بجاهه، ولو كانوا يتوسلون بجاهه في حياته لتوسلوا بجاهه بعد مماته. الجواب الخامس: وهو آخر الأجوبة:

نقول: أمور الاعتقاد ينبغي فيها غاية الاحتياط ولو سلمنا جدلاً وتنزلاً – بعد أن قررنا في الأجوبة الأربعة الماضية أنه لا يجوز – لو سلمنا أن هذا النوع من التوسل اختلف في جوازه مع أن المذاهب الأربعة يقولون: "ولا يُسأل الله إلا به (¬1) فلا تقل: أسألك بملائكتك أو أنبيائك أو رسلك" وهذا نص متن الحنفية في كتاب (الاختيار) وهذا على سبيل المثال لو سلمنا أن فيه خلافاً فتركه متعين عند المهتدي خشية أن يكون فيه ضلال وهو لا يدري فليترك الصيغة المختلف فيها فليقل صيغة لا اختلاف فيها. إخوتي الكرام.... انتبهوا!! نظير هذه المسألة مسألة شد الرحل لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم هل يجوز أم لا؟ فالإمام ابن تيمية قال: لا يجوز شد الرحل لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد] ، فجاء الإمام السُبكِي ورد عليه بعد ذلك بكتاب سماه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) ، ثم ألف الإمام الحافظ ابن عبد الهادي بعد ذلك كتاباً رد فيه على السبكي سماه (الصارم المُنْكِي في الرد على السُبْكِي) . ¬

_ (¬1) أي لا يسأل الله إلا بالله، أو بسبب مشروع كطلب الدعاء من إنسان أو عمل صالح منك تتوسل به إلى الله، إذن فتتوسل إلى الله بالله، وتتوسل إلى الله بدعاء إنسان وتتوسل إلى الله بعمل صالح، والأول أعلى أنواع التوسل أن تتوسل إلى الله بالله يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث [في رواية: بك أستغيث] فأصلح لي شأنيَ كُلَّه ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.

إخوتي الكرام ... والله ما أدري أن الأمر يستدعي هذا الخلاف الطويل الشديد، ولا أرى هذا مشروعاً، فالمسألة تحل بسهولة، قال لي بعض الإخوة مرة، وأنت ما رأيك في المسألة فقلت: والله إن المسألة أقل من أن نبذل جهداً في حلها، ثم قلت له: هل تجوز زيارة مسجد النبي عليه الصلاة والسلام أم لا؟ قال: بالإجماع تجوز، قلت: وإذا دخلنا المسجد فهل يجوز أن نسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وأن نبكي في الروضة المشرفة شوقاً إليه وحزناً على عدم رؤيته أم لا؟ قال: يجوز، قلت: إذن لا خلاف في المسألة، فلماذا بدلاً من أن أقول شددت الرحل إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أقول شددت الرحل لزيارة المسجد ثم بعد دخول المسجد أزور النبي عليه الصلاة والسلام، فلماذا لا ينوي من يريد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم نية مجمعاً على جوازها ولا يقول لأى أحد إنك قد ابتدعت، لأنه نحن في الأصل لا خلاف بيننا في النهاية أنا وأنت سنزور النبي صلى الله عليه وسلم، لكن اختلافنا في القصد هل نشد الرحل للزيارة المجردة أو للمسجد قلت: ما أحد يشد الرحل للزيارة المجردة، فهل يعقل أن يذهب أحد إليه ولا يصلي فيه مع أن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة؟!! وهل يعقل أن يذهب أحد للروضة ولا يصلي فيها؟!! هذا مستحيل. إذن فالذي يذهب إلى المدينة المنورة فلينو الذهاب إلى المسجد ثم يقول بعد ذلك: سأزور النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حرج في ذلك إن شاء الله. بعض المتوسلين ممن كان يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قال لي – وهو يعلم أنني لا أجيز هذا – وكأنه يريد أن يتحداني -: يا شيخ هؤلاء الوهابية يقولون لا يجوز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن للنبي جاه فمن له جاه؟!

إخوتي الكرام ... لو أردت أن أقابل عنفه بعنف فلن نصل إلى حل، فقلت له: يا عبد الله لا أريد الآن لا وهابية ولا صوفية، هذه الشريعة إسلامية ونحن نعبد الله بها، وأقل ما في هذه الصورة التي تقولها أن فيها خلافاً وعندنا صيغة أخرى تؤدي مدلولها وفيها زيادة عليها ولا خلاف في جوازها، قل: أسألك بحبي لنبيك عليه الصلاة والسلام أن تقضي حاجتي وأرح نفسك وخلص الأمة من الخلافات والمشاكل وهل صار الدين نكاية ببعضنا، فلكوني لا أجيز هذا أنت ستتحداني، بل تعال يا عبد الله لنقل كلمة مجمع عليها، أنا أقول لك جزاك الله خيراً، وأنت تقول لي جزاك الله خيراً، وأنت مهتد وأنا مهتدي إن شاء الله تعالى. إخوتي الكرام.... بالنسبة لتوحيد كلمة الأمة والتأليف بين القلوب هذا مطلوب لاسيما إن لم يكن في ذلك ترك لركن أو شعيرة، ولم يكن فيه احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم، أما لو كان فيه ذلك وكان فيه احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم فإننا لا نوافق أهل الأرض على كلامهم بحجة التأليف وتوحيد الكلمة فلا مجاملة في دين الله، والأمر الذي عندنا ليس كذلك فليس في توحيد الكلمة فيه ترك لركن أو شعيرة بل وهو مما ليس فيه أيضاً احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك يجب على المهتدي أن يقول صيغة في توسله لا خلاف فيها حتى، لا يُعترض عليه لاسيما أننا في أمر اعتقاد، وليس في أحكام عملية فرعية حتى يُقال دعوا الأمة في سعة، وقد تقدم معنا إخوتي الكرام ما يشير إلى هذا عند كلام الإمام أحمد في

أنه يجوز القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم وذكرت لكم هذا، وأننا إذا أقسمنا بالله فهو قسم جائز بالإجماع، وإذا أقسمنا بالنبي عليه الصلاة والسلام فهو مما فيه خلاف، فلنترك ما فيه خلاف إلى ما لا فيه خلاف، وهنا كذلك، التوسل بحب النبي صلى الله عليه وسلم أو بنحوه من التوسل الجائز أفضل من التوسل بالجاه لأنه مما أُجمع على جوازه، ثم إن فيها معنىً أعلى من التوسل بالجاه أيضاً، بالإضافة إلى ما فيها من توحيد القلوب وتآلفها، ودين الله ليس نكاية ببعضنا البعض، فنحن كلنا نتبع نبياً واحداً عليه الصلاة والسلام ونعبد إلهاً واحداً، فأنا إذا رأيت فعلك شرعياً، وعندي بعد ذلك رأي يمكن أن يخالف فعلك، فأقول: أفعل الفعل الشرعي الذي تفعله كي أوافق أخي وأترك رأيي وإن كان شرعي خير وأحسن من فعل يفعله واحد وهو شرعي. ... إخوتي الكرام ... الاحتياط في أمور الاعتقاد مطلوب، وإذا رأيتم من يفعل هذا النوع من التوسل – وما أكثرهم – فعظوه برفق ولطف، وقل له: أدري أنك لا تقصد بدعة ولا ضلالاً ولا انحرافاً بدعائك هذا، بل أنت لا تقصد إلا خيراً، لكني سأرشدك إلى صيغة أحسن من هذه وأكمل وتدل على تعلقك بنبيك عليه الصلاة والسلام – وأنت إذا قلت هذا فسيفرح حتماً ويقول لك: وما هي التي أعلى منها؟ فقل له قل: أسألك بحبي للنبي عليه الصلاة والسلام، فبالرفق ادعوه وأما إذا رأيته يتوسل بالجاه وقلت له: هذه بدعة، فإنه سيسبك أنت وأبويك والذي علمك ومن هم على طريقتك من أهل الأرض لأنه يفسّر هذا القول منك بأنه احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم وامتهان له مع أن الأمر ليس كذلك، واللهِ إن الذي يقول لا يوجد جاه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وإذ لم يكن للنبي جاه فمن الذي له جاه؟!! وهو الذي يقول عن نفسه: [أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر] فهل بعد هذه السيادة من سيادة؟!!!. واختموا الكلام عن هذا السؤال وأجوبته بقول أئمتنا، وهو:

إن السؤال بجاه مخلوق هذا من باب الاعتداء في الدعاء، وهو حرام، وقد نهانا نبينا عليه الصلاة والسلام عن الاعتداء في الدعاء. ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه – والحديث صحيح – عن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه [أنه سمع ابناً له يدعو فيقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة، فقال: يا بني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الدعاء وفي الطُّهور، فإذا دعوت فسَل الله الجنة واستعذ به من النار] . هذا التحكم وهذا التحديد وهذا الشطط من باب الاعتداء في الدعاء، بل الواجب أن تسأل الله الجنة، وأن تستعذ به من النار، ولا تحدد وتتحكم. والاعتداء في الطهور هذا موجود وهو الإسراف في الوضوء والغسل، فتراه يتوضأ ببرميل واثنين وأكثر ويرى أنه لم يتطهر ولم يغتسل ولم يسبغ الوضوء، حتى أن البعض ينغمس في البركة خمس مرات ثم يخرج ويقول الماء لم يبلغ جسمي!!!. وقد رأيت أمثال هؤلاء الموسوسين في حلب لما يأتي للصنبور (الحنفية) يضربها برجله خشية أن يكون مسها إنسان ونجسها ثم يجلس يتوضأ من بداية الآذان وتنتهي الصلاة وما زال يتوضأ وكلما قام رجع وقال لم أسبغ الوضوء بعد!!!. وجاء رجل إلى الإمام ابن عقيل الحنبلي فقال له أغتسل في البركة ويوسوس لي الشيطان بأنني لم أبلّغ أعضائي ولم يسقط غسل الجنابة عني، فماذا أعمل؟ فقال له الإمام: تسمع مني؟ قال: نعم، قال: اترك الصلاة، قال: وكيف أتركها؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث ذكر منهم: وعن المجنون حتى يعقل، ولا يفعل هذا إلا مجنون. الحاصل أن الإسراف في الماء من الاعتداء في الطهور، والطهور إنما شُرع لأجل أن يزيل الخطايا والذنوب لا ليطهّر الأعضاء الحسية، فلا داعي للإسراف وإياكم أن تعتدوا!!!. وكذلك الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم هذا من باب الاعتداء في الدعاء، فإياكم أن تعتدوا!!!. تنبيه ثانٍ:

روي الحاكم في المستدرك (2/615) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لما اقترف آدم الخطئية (¬1) ، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي (¬2) ، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه (¬3) ، قال: يا رب إنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله، صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إليّ ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك] ، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. فقد يقول قائل: هذا حديث في المستدرك على الصحيحين وقد صححه الحاكم مع أن فيه: أن آدم توسل بحق محمد – عليه الصلاة والسلام – فكيف تقولون: إنه لا يجوز أن نسأل الخالق بحق مخلوق؟ والجواب: إن الإمام الذهبي علق على كلام الحاكم في تلخيص المستدرك وهو مطبوع مع المستدرك في حاشيته: "صحيح الإسناد!! قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ" إذن هذا حديث موضوع مكذوب فلا حجة فيه. والسبب في أن الحاكم أخطأ في كثير من الأحاديث وصححها وهي ضعيفة بل موضوعة، أن كتابه المستدرك هذا كتبه تلامذته وكان هو يمليهم من صدره، فلما كتبه التلاميذ بقى في حيز المسوّدات ولم يبيضه الحاكم وكان ينوي أن يعيد النظر فيه، ويراجعه، فتوفي قبل ذلك رحمه الله. ¬

_ (¬1) أي أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها. (¬2) أي أسألك بحق محمد أن تغفر لي. (¬3) أي ما الذي أدراك به وأنت أول البشر، ولم يحصل لك للآن نسل أو أولاد، فكيف عرفت به وهو آخر رسل الله على الإطلاق.

والإنسان أحياناً عندما يحدث من حفظه قد يشتبه عليه بعض الرواة فيكون الراوي ضعيفاً أو كذاباً ولا ينتبه له عندما يحدث من حفظه، لكن عندما يجلس ليؤلف ويصنف فهناك يتحقق، ودائماً الحديث الشفوي النظري ليس له من التحري والتأكد كما يكون في حال الكتابة والتوثيق، فهذا مثلاً في هذا الحديث عند الرحمن بن زيد بن أسلم واهٍ لكن خفي هذا الكلام على الحاكم، لأنه في مجلس إملاء – كما قلت – ومجالس (¬1) الإملاء كانت في سلفنا وانقضت بانقضاء السلف الصالح وما خلفهم أحد يسد مسدهم والعجب لموقف الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية نحو هذا الحديث، ففي كتاب الاستغاثة الذي سماه في الرد على البكري، يقول في صـ5: هذا الحديث لا يوجد في شيء من دواوين الإسلام فلم يخرجه أحد من أصحاب الصحيحين ولا المسانيد ولا السنن ولا الحاكم في المستدرك ولا غيرهم. ¬

_ (¬1) مجالس الإملاء: كان الشيخ يجلس فيها ويملي من صدره لا من كتابه، فأحياناً يملي في المجلس الواحد ألف حديث أو خمسمائة حديث أو مائة حديث بأسانيدها ومتونها من صدره، وهذا كان يتميز به سلفنا عمن بعدهم؟ فالعلم في صدورهم لا في كتبهم، وكما قيل: العلم ما حواه الصدر لا ما حواه القِمَطْرُ. وحقيقة مجالس الإملاء تدل على نبل العلماء لكن كما ذكرت ليس فيها من التحري ما يوجد في التصنيف، والتأليف والتحقيق فهذه كما قال البخاري: لم أودع حديثاً في الجامع الصحيح إلا بعد أن اغتسلت وصليت ركعتين واستخرت الله في وضعه، فانظر لهذا التحري من الإمام البخاري؛ لأن هذا تصنيف وليس من إملائه على أحد، لكن الحاكم ليس كذلك كان يملي وتلامذته يكتبون وراءه ما يملى عليهم، فمات قبل أن ينظر فيما كتب عنه وكانت فيه أحاديث ليست بصحيحة فجاء الإمام الذهبي واستدركها على الحاكم وسماه تلخيص المستدرك.

وجاء في كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة فقال صـ69 بعد أن ذكر هذا الحديث: "رواه أبو عبد الله الحاكم في المستدرك وهذا مما أنكر عليه". وفوق كل ذي علمٍ عليم – وهذا حال البشر – فلعله – والعلم عند الله – ألف كتاب الاستغاثة في أول الأمر وما علم بوجود هذا الحديث في المستدرك ثم اطلع عليه بعد ذلك فتعرض له في كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة وبين أن هذا الحديث موضوع. فهذا الحديث باطل قطعاً وجزماً [لولا محمد ما خلقتك] ، والحديث الموضوع الآخر [لولاك لما خلق الله الأفلاك] أي الكواكب والنجوم والحديث الموضوع الآخر [خلق الله الورد من عرق النبي صلى الله عليه وسلم] . هذه الأحاديث كلها أحاديث موضوعة يضعها بعض المخرفين الذين يزعمون أنهم بوضع هذه الأحاديث يحبون النبي الأمين عليه صلوات الله وسلامه، وعندنا فرقة ضالة في الأمة الإسلامية أجازت وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب هم الكرامية (¬1) ¬

_ (¬1) الكرامية هم أتباع محمد بن كرام السِّجستاني الذي هلك سنة 225هـ، هؤلاء أجازوا وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب يقول أئمتنا في ترجمة هذا العبد المخذول – محمد بن كرام -: التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها – وهؤلاء أولاً: يقولون بتشبيه الخالق بالمخلوقات. ثانياً: يقولون بجواز وضع الأحاديث على خير البريات وقالوا: نحن نكذب له لا عليه ونحن نروج دعوته، وكأن دين الله الحق ليس فيه ما يحبب الناس فيه حتى احتاج إلى كذب الكذابين وإفك الآفكين؟!! سبحان الله!! منزلة نبينا عليه الصلاة والسلام وهي أعلى منزلة بلا خلاف. وأفضل الخلق على الإطلاق ... نبينا فمِلْ عن الشقاق لكن لا يجوز بعد ذلك أيضاً الإطراء والغلو أيضاً، كما حذرنا عليه صلوات الله وسلامه ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب مرفوعاً [لا تطروني كما أَطْرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله] والإطراء هو المدح بالباطل والمجازفة في المدح والمبالغة فيه بحيث تذكر في الممدوح ما لا يوجد فيه، فهل خلق الله الكون من أجل محمد عليه الصلاة والسلام؟!! أم أنه ما خُلِق هو، والخلق كلهم إلا لتوحيد الله وعبادته؟!! (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، فلماذا هذا الإطراء والافتراء على رب الأرض والسموات لولا محمد ما خلقتك، ولولا محمد ما خلق الله الأفلاك، هذا كلام باطل وهو من الإطراء المنهي عنه فاحذروا، وعندنا في التفسير آيات تسمى آيات العتاب، قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام (عفى الله عنك لم أذنت لهم) (لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم) (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) . ثالثاً: يقولون الإيمان مجرد نطق باللسان وإن لم يعتقد بالجنان (القلب) ، فهذه هي ضلالات الكرامية الثلاثة.

وجوز الوضع على الترغيب ... قوم ابن كرّام وفي الترهيب س: حُكمنا على هذا الحديث جاء من المتن أو الإسناد؟ جـ: جاء من الأمرين معاً: فالسند كما قلنا فيه عبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف بالاتفاق، وخفي ضعفه على الحاكم، فليس هو من رجال البخاري ولا من رجال مسلم، وأخرج له الترمذي وابن ماجه القزويني، ولذلك إذا نظرت في ترجمته في تقريب التهذيب ترى الحافظ ابن حجر قال: "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من الثامنة ضعيف، ت، ق" أي هو من طبقة الرواة الثامنة، وهو من رجال الترمذي والقزويني ابن ماجة. ثم إن معنى الحديث كما قلت باطل ومردود منكر، فالآفة من الأمرين، والحاكم في الأصل أنه يورد في المستدرك أحاديث الرواة الذين أخرج لهم البخاري ومسلم، ولكن عبد الرحمن بن زيد ليس كذلك بل وليس هو أيضاً على شرط الصحيح مطلقاً.

.. حكم عليه الإمام الذهبي بالوضع، وإلا فالسند لا يقوى على الوضع، والراوي الضعيف أحياناً نحكم على روايته بالوضع لا لأنه ضعيف إنما لأن هذه الرواية خالفت عندنا الأصول الشرعية الثابتة، فلعله لضعفه التبس الأمر عليه ووهم، لكن شتان بين من يتعمد الوضع وبين من يخطئ ويهم وينسى ولا يضبط، فنحن بالنسبة لعبد الرحمن على انفراده لا نقول عنه إنه وضاع كذاب لكن نقول: هذه الرواية موضوعة ووهم في روايتها، هذا كما لو جاءنا راوٍ ثقة برواية مقلوبة، فما معنى مقلوبة؟ يعني موضوعة لكن أئمتنا أرادوا أن يهذبوا اللفظ لأن لفظ الوضع فيه شناعة لا يليق أن توصف به رواية الراوي الثقة كالحديث الثابت في صحيح مسلم عن السبع الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله [رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله] هذا مما انقلب على الراوي والصحيح الثابت عند البخاري وغيره من الأئمة [حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه] ، كأن القلب وضع، لكن هناك فرق بين يكون الراوي تعمد ذلك وبين أن يكون قد أخطأ، فلما أخطأ قلنا هذه مقلوبة في المتن، والمقلوب ليس من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه موضوع لكنه لا يوصف بأنه موضوع كما ذكرنا ولا يوصف الراوي بأنه وضاع بل يبقى عندنا ثقة، وهنا كذلك الراوي ضعيف لكن الرواية موضوعة نص على وضعها الذهبي في تلخيص المستدرك، ونص على وضعها أيضاً الإمام ابن تيمية عليهم جميعاً رحمة الله. س: لماذا أورد الحاكم هذا الحديث مع بطلانه وضعف سنده؟

جـ: بالإضافة إلى ما ذكرناه من أنه رحمه الله لم يصنف هذا الكتاب إنما أملاه إملاءً وكتبه تلامذته وراءه، نضيف هنا فنقول: الإمام الحاكم رحمه الله يجمع ما بلغه وما نُقل له وما حَدَّث به ثم يبقى بعد ذلك دور الغربلة والتنقية: هل هذا الحديث صحيح أم لا؟ يحتاج لنظر ولو صح هل وجد ما يعارضه أم لا؟ فإذا وجد ما يعارضه هل هذا أقوى أم ذلك حتى نعمل بينهما ترجيحاً؟ فشتان بين جمع الأحاديث فقط وبين جمعها للاستدلال بها. ففي الحالة الأولي (الجمع) يجمع فقط، وفي الثانية (الاستدلال) يختار ويمحص. ... وقد قلت مرة لأحد شيوخنا الشيخ مصطفى الحبيب الطير في مصر، وهو من المشايخ الصالحين الطيبين قلت له: موضوع أئمة الإسلام المتقدمين كأمثال ابن جرير (ت: 310هـ) وغيره كأبي نُعيم والخطيب البغدادي ملأوا كتبهم بالأحاديث الضعيفة، بل في بعضها موضوع أيضاً، فهذا العمل منهم يحيرني وهم الجهابذة وعلماء السنة والرجال والتاريخ. فقال لي: يا بني، إن عصرهم كان عصر جمع فقط، وهذا من أمانتهم وتقاهم وخشوعهم لربهم وتحريهم جمعوا ما بلغوا لكن لا تظنوا أنه جمع كجمعنا كحاطب ليل، بل جمع بأدق وأحسن وأتم طرق الجمع معه علامات تدل على قبول الرواية أوردها، وهذه العلامات هي الإسناد، وكأنهم يقولون لنا: هذا الكنز الذي نقلناه إليكم لم نخنكم فيه، بل أعطيناكم علامات تدل على ثبوته أو على رده وهي الإسناد. ولذلك قال أئمتنا: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقالوا أيضاً: إذا روى الإنسان حديثاً موضوعاً فلا يبرأ من عهدته ولا يخرج من إثم روايته إلا بأحد أمرين: أ) إما أن يرويه بالسند، فمن أسند لك فقد حملك. ب) وإما أن يبين أنه موضوع. وإذا لم يفعل أحد هذين الأمرين فهو آثم، وهو أحد الكاذبَيْن على رسول الله صلى الله عليه وسلم [من كذب علي....] وهو هنا الذي نشر الكذب، لا الذي أنشأه وصاغه.

وقال السخاوي في فتح المغيث في شرح ألفية الحديث، كان الإسناد من جملة البيان عند المتقدمين، وفي الأعصار المتأخرة صار ذكر الإسناد وعدمه سواء عند الناس فإذن هذا من أمانة العلماء المتقديمن. ثم قال لي – وهو جواب على ما استشكل على -: يا بني قد يكون الحديث ضعيفاً عند الطبري، والضعف يسير محتمل، وقد يوجد هذا الحديث نفسه عند أبي نُعيم من طريق آخر ضعيف أيضاً، وكذلك يوجد الخطيب البغدادي الحديث نفسه من طريق آخر ضعيفاً فلو أن كلاً منهم أهمل هذا الحديث بحجة أنه ضعيف عنده لأهملوا لنا ثروة عظيمة وهي الشواهد والمتابعات، فهذا الحديث الذي رواه الطبري وهو ضعيف يتقوى بما رواه أبو نعيم ويتقوى بما رواه الخطيب، فيصل لدرجة الحسن ويصبح مقبولاً. مبحث الميثاق يقول الإمام الطحاوي عليه رحمات ربنا الباري: "والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق" إخوتي الكرام ... الميثاق معناه في اللغة: العهد المؤكد، والوثاق هو حبل أو قيد يشد ويربط به الأسير أو الدابة، يقول الله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق) ، ما معنى الوثاق؟ حبل وقيد، فما يقيد به يسمى وثاق لأن فيه أحكاماً وربطاً وهكذا الميثاق عهد مؤكد، لكن العهد معنوي إن أكدته بيمين أو بالتزام وتصميم يقال له ميثاق كما أن ذاك إذا قيدته بالحبل يقال له أحكمت وثاقه وجعلته في ميثاق محكم لكنه ميثاق حسي.

إنما أصل الميثاق – كما قلت – عهد مؤكد ولذلك قال الله جل وعلا في سورة النساء (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) الميثاق هنا عهد مؤكد، وقوله، (غليظاً) أي ميثاقاً مؤكداً كثيراً وكثيراً، إذن التأكيد فيه كثير ولذلك [إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج] كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، والحديث في صحيح مسلم، فالميثاق الغليظ هذا هو عقد النكاح عندما يتم إيجاب وقبول، هذا ميثاق غليظ فهو عهد مؤكد أمرنا الله أن نرعى هذا العهد وأمرنا ولي المرأة أن نرعى هذا العهد وأن نتقي الله في عرضه وهكذا المرأة جاءت إلى الرجل لتكون في كنفه ورعايته وأعطاها عهداً بذلك عن طريق العهد فإذن هذه ميثاق غليظ وعهد مؤكد بمزيد التأكيد. فالمراد بالميثاق إخوتي الكرام ... أقام الله جل وعلا ميثاقه على عباده وحججه عليهم بأمور كثيرة، كثرتها تنضبط في ثلاثة أمور: أولها: وهو أولاها بالاعتبار – إرسال الرسل. الثاني: العهد الذي أخذ عليهم في عالم الذر عندما استخرجوا من صلب أبيهم آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، ومن أصلاب آبائهم. الثالث: الفطرة المستقيمة التي فطر الله عباده عليها. أما إرسال الرسل فهو آخر الأمور وآخر المواثيق التي أخذها الله على عباده وهو أهمها، وأول المواثيق التي أخذها الله على المكلفين هو الميثاق الذين أخذ عليهم في عالم الذر، وبين هذين الميثاقين ميثاق الفطرة، وهذه المواثيق الثلاثة هي شيء واحد فكل المقصود منها هو أخذ العهد على العباد وإقامة الحجج عليهم بأن يعبدوا الله وحده لا شريك له، جرى هذا في عالم الذر، وفطر الله العباد عليه بعد أن خلقهم وأرسل إليهم الرسل بعد أن أوجدهم ليؤمنوا بالله ويعبدوه وحده لا شريك له.

.. وسنتكلم عن هذه المواثيق كلها لنعرف الميثاق من جميع وجوهه، ولنعرف بعد ذلك الميثاق الذي أُخذ علينا في عالم الذر وأشار إليه ربنا في سورة الأعراف (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى (شهدنا (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون، وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) آية 172، 173. 1- الميثاق الأول: إرسال الرسل: يشترك لتكليف العباد إرسال الرسل إليهم وغالب ظني أنه تقدم معكم في السنة الأولى أنه يشترط في تكليف العباد بتوحيد ربهم أربعة شروط: أولها: العقل. وثانيها: البلوغ. ثالثها: سلامة إحدى حاستي السمع أو البصر، فلابد من وجود واحدة منها، أما لو كان أعمى وأصم في آنٍ واحد فيرفع عنه التكليف كما لو كان مجنوناً، أما لو كان أعمى أو أصم، فلا يرفع عنه التكليف، لأنه إن كان أعمى فنبلغه دعوة الله عن طريق السمع، وإن كان أصم فنبلغه دعوة الله عن طريق الإشارة. رابعها: بلوغ الدعوة عن طريق رسل الله الكرام. والذين لا توجد فيهم هذه الشروط لتكليفهم بتوحيد ربنا المعبود يمتحنون في عَرَصات الموقف كما امتحنا نحن في هذه الحياة فمن أطاع الله منهم دخل الجنة ومن عصاه دخل النار وهذا القول ثبتت به الأحاديث تقارب الأحاديث المتواترة حكم عليها أئمتنا بأنها مستفيضة وهذا القول هو الذي يجمع بين الأحاديث التي وردت في هذه المسألة. فقد وردت بعض الأحاديث التي تخبر بأن أولاد المشركين في النار، وبعض الأحاديث تقول إنهم في الجنة، وبعض الأحاديث تقول الله أعلم بما كانوا عاملين، وبعض الأحاديث – كما قلت لكم – أخبرت أنهم يمتحنون فالجمع بين هذه الأحاديث أن نقول: ? إن الأحاديث التي أخبرت أنهم في النار أي هم في النار بعد أن يمتحنوا ويعصوا.

والأحاديث التي أخبرت أنهم في الجنة أي هم في الجنة بعد أن يمتحنوا ويطيعوا. ? وأما الأحاديث توقف فيها نبينا عليه الصلاة والسلام وقال الله أعلم بما كانوا عاملين، أي الله أعلم بمصيرهم هل هو إلى الجنة أو على النار قبل الامتحان، فهذا لا نعلمه نحن قبل أن يمتحنوا بل الله وحده هو العالم بما سيعملون بعد امتحانهم. ? والأحاديث التي أخبرت أنهم سيمتحنون هذا هو الواقع وهذا هو الذي سيحصل فيمتحنون فيظهر معلوم الله فيهم، فبعضهم يدخل الجنة وبعضهم يدخل النار. إذن أولاد المشركين وهكذا الذين ماتوا في الفترة ومن في حكم من لم تكتمل فيهم شروط تكليفهم يمتحنون في عرصات الموقف وساحة الحساب فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار كما امتحنا نحن في هذه الحياة. ... إذن الميثاق الأول هو إرسال الرسل وهو حجة عظيمة أقامها الله جل وعلا على عباده بواسطة الرسل فأخبرنا الله في كتابه أنه لا يعذب العباد إذا لم يرسل إليهم رسولاً قال في سورة الإسراء آية رقم 15 (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ، وأخبرنا الله جل وعلا أنه لو عذب العباد قبل إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم لاحتجوا على ربهم جل وعلا يقول الله جل وعلا في سورة طه آية رقم 134 (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) (من قبله) : أي من قبل إرسال الرسل إليهم، يعني لو عاقبنا الكفار من عتاة قريش وغيرهم قبل إرسال رسول إليهم لاعترضوا وقالوا كيف تعذبنا ولم يأتنا منك رسول ليبلغنا دعوة الله على أتم وجه، ولذلك قلت لكم هذا الميثاق الثالث الذي هو آخر المواثيق به يتعلق ويربط التكليف، فإذا لم يوجد فلا عبرة بميثاق الفطرة ولا بالميثاق الذي أخذ علينا في عالم الذر.

وأخبرنا الله في كتابه أنه أرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة فقال جل وعلا في سورة النساء آية 163-165 (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً رسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً) الشاهد: رسلاً مبشرين ومنذرين. ... وأخبرنا الله جل وعلا في سورة الزمر أنه يقول للكفار يوم القيامة إن الرسل جاؤوكم فكذبتم واستكبرتم وما أعذبكم إلا بعد قيام الحجة عليكم، فقال جل وعلا 54-59 (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرَّةً فأكون من المحسنين، بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) الشاهد: بلى قد جاءتك آياتي. ... ولذلك أخبرنا الله في آخر السورة بعد ذلك أن الكفار يعترفون بأن الرسل أرسلوا إليهم وبلغوهم دعوة ربهم (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم قالوا بلى ... ) الآية 71 سورة الزمر.

.. وأخبرنا الله في أوائل سورة الملك أن الله أعد للكفار عذاب جهنم وبئس المصير وأنهم يعترفون بأنهم لو كانوا يسمعون أو يعقلون ما كانوا في نار الجحيم، يقول الله جل وعلا (وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير، إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور، تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير، قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير، وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير، فاعترفوا بذنوبهم فسحقاً لأصحاب السعير) . سورة الملك آية 6-11. ... وثبت في صحيح البخاري وصحيح ابن خزيمة – وهذا حديث يقرر إرسال الرسل إلى المخلوقين من أجل إقامة الحجة عليهم – عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [وليلقين أحدكم ربه فيقول الله له: ألم أرسل إليك رسولاً فيبلّغْكَ؟ فيقول: بلى] أي بلى أرسلت إليّ رسولاً بلغني وثبتت الحجة عليّ. 2- الميثاق الثاني: إشهاد العباد على أنفسهم في عالم الذر عندما أخرجهم من صلب آبائهم وصوّرهم وكلمهم قُبُلاً وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. وقد وقع هذا في عالم الذر للأرواح والأبدان فاستخرج الله الصور والأبدان من المواد التي ستخلق منها بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، ثم بعد أن استنطقهم وأشهدهم أعادهم إلى تلك المواد التي سيُخرجون منها بعد ذلك والله على كل شيء قدير، ولم يكن الخلق للروح فقط، ولا للبدن فقط – بل كما قلنا – للأرواح والأبدان خلقها الله وبثها بين يده وكلمنا قبلا ً. هذا الميثاق وردت آية من القرآن تدل عليه، وحديثان مرفوعان إلى نبينا عليه الصلاة والسلام يقررانه، وآثر موقوف صحيح، كما سأورد أحاديث تشهد لمعناه – وهي كثيرة – ولكن ليس فيها التصريح بأن الله أخرج الذرية من صلب آدم في ذلك الوقت.

أما الآية ... فهي في سورة الأعراف وتقدم ذكرها، يقول الله جل وعلا: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم (¬1) ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى (شهدنا (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) . فإذاً تم جوابهم عند قوله بلى، فتكون كلمة شهدنا إما من الله أو من الملائكة أي فقالت لهم الملائكة شهدنا، أو قال الله شهدنا عليكم بذلك: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) فلا تتعللوا بأحد أمرين: الأول: لا تقولوا نحن في غفلة عن هذا وما عندنا علم به فأنا أشهدتكم وأنتم في عالم الذر، الثاني: لا تقلدوا آباءكم في الضلالة ولا تقولوا نحن تبعنا آباءنا فهم كانوا على ضلال ونحن على طريقتهم، لا تقولوا هذا أيضاً فكل نفس بما كسبت رهينة أنا أخرجت كل واحد منكم وأشهدته على نفسه من ربك ومن إلهك؟ فقال: أنت إلهي وأنت ربي، فنحن إذ شهدنا عليكم بذلك ولذلك يحسن الوقف على كلمة بلى إذ كان جوابهم ينتهي عند هذه الكلمة (بلى) . وإذا تم جوابهم عند قوله شهدنا فيكون المعنى: أخذنا عليكم العهد والميثاق في عالم الذر لئلا تقولوا (إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) . ¬

_ (¬1) قال (من ظهورهم) ولم يقل (من ظهره) لأن هذه الفروع مأخوذه من ذلك الأصل فهم أخرجهم الله من ظهر آدم ثم هذه الفروع أيضاً أخرها من بعضها، إذن أخرج الأحفاد من الآباء، والآباء من الأجداد، وكل من سيولد من أب بعد ذلك سيكون ممن أخرج من ظهره.

إذن كلمة (شهدنا) إما أن تكون من الله ومن ملائكته أي: شهدنا لئلا تقولوا إنا كنا ... وإما أن تكون من قول الذرية، أي أخذنا من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدناهم على أنفسهم لئلا يقولوا إنا كنا.... وكلا التقديرين حق وأنت على حسب ما تلاحظه من المعنى تحدد الوقف. وأما الحديثان المرفوعان: أولهما: ثبت في مسند الإمام أحمد – بسند رجاله رجال الصحيح كما في المجمع (7/25، 189) – والحديث رواه الحاكم في المستدرك (1/28) وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي، ورواه ابن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردُوْيَهْ في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنَعْمان – يعني عرفة – فأخرج من صلبه كل ذرَّيّة ذرأها، فنثرها بين يديه (كالذر) ثم كلمهم قُبُلاً، قال: (ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) ] . (قُبُلاً) أي مشفاهة بدون واسطة. فكان هذا الميثاق عليهم إذن فى عرفة وهي معروفة والتي يقف فيها الحجاج في اليوم التاسع من ذي الحجة، في مكان معروف اسمه نعمان من عرفات أخذ الله علينا العهد في ذلك الوقت، أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالو: بلى.

وهذا لم يكن في الجنة، بل كان بعد أن أهبط (¬1) آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلى الأرض، وهذا الذي وقع في عالم الذر هذا من الإيمان بالغيب نؤمن به ولا نبحث في حقيقته. وقد حاول الإمام ابن كثير أن يحكم على هذا الأثر بالوقف لأن الرواة اختلفوا فيه فمنهم من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من وقفه على ابن عباس وهي محاولة غير مرضية لأن مثل هذا لا يقدح في المرفوع فمن حفظ حجة على من لم يحفظ، وزيادة الثقة مقبولة، فإذا رفع راوٍ ثقة الحديث، ووقفه راوٍ آخر فيحكم بالزيادة وبرفع الحديث؛ لأن معه زيادة علم، فلعل ذاك شك فوقف الحديث على ابن عباس، وهذا تأكد وتحقق بأنه مرفوع وأنه سمعه من شيوخه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فصرح برفعه. على أننا لو سلمنا أن هذا الأثر موقوف فله حكم الرفع قطعاً وجزماً لأن مثله لا يقال من قبل الرأي ولا الاجتهاد ولا الاستنباط. ¬

_ (¬1) هل كان إهباط آدم وإنزاله في عرفات أو في الهند؟ أقوال قيلت في ذلك لا دليل علي شيء منها أنه ثبت صحيح أن نزوله كان في مكان كذا، لكن أخذ على ذريته الميثاق في ذلك المكان، وهذا فيما يظهر والعلم عند الله أنه يرجح أن نزوله كان من الجنة إلى هذه البقعة المباركة الطاهرة (عرفات) ولا مانع أن يكون نزوله في أرض الهند ثم أتى به إلى هذا المكان واستخرج الله من صلبه وظهره كل ذرية ستكون إلى يوم القيامة ثم كلمهم قبلاً.

الثاني: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9/77) عند تفسير هذه الآية – التي تقدم ذكرها – من سورة الأعراف – عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أُخذوا من ظهره كما يؤخذ بالشطر من الرأس، فقال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فقالت الملائكة (¬1) : (شهدنا أن تقولوا ... ) الآية] . ... قال الإمام ابن جرير بعد أن روى هذا الأثر: لا أعلمه صحيحاً، فإن الثقات رووه عن سفيان الثوري فوقفوه على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه. ويعني بقوله: لا أعلمه صحيحاً أي لا أعلمه صحيحاً مرفوعاً، إنما أعلمه أنه موقوف على عبد الله بن عمرو. نقول: لو ثبت الوقف فله حكم الرفع، والرواية المتقدمة ورد التصريح بأنها مرفوعة وهي صحيحة. فهذان هما الحديثان المرفوعان. وأما الأثر الموقوف: ¬

_ (¬1) هنا كلمة شهدنا مصّرحٌ بأن قائلها هم الملائكة وليست ذرية بني آدم، والآية تحتمل الأمرين فلا مانع من أن يقول الذرية شهدنا، وأن تقول لهم الملائكة بعد ذلك شهدنا على قولكم وشهادتكم. وتقدم.

.. فهو ما رواه الإمام أحمد في المسند أيضاً، والحاكم في المستدرك (2/324) وقال إسناده صحيح وأقره الذهبي، والحديث رواه أصحاب التفاسير الثلاثة المتقدمة أيضاً: ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مَرْدُوْيَهْ – فهؤلاء الخمسة رووا الحديث الأول المرفوع عن ابن عباس، ورووا هذا الأثر أيضاً – عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال في قول الله جل وعلا: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم....) الآية. قال فيها: [جمعهم فجعلهم أرواحاً ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قال (¬1) : فإني أُشهد عليكم السموات السبع والأراضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم – عليه السلام – أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بذلك، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري فلا تشركوا بي شيئاً، إني سأرسل لكم رسلي (¬2) يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأُنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا (¬3) بأنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك فأقَرّوا بذلك] . وهذا الإيجاد الذي حصل لهم في عالم الذر أخبرنا به من لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه فنؤمن به دون البحث في كيفيته إذ هو من باب الإيمان بالغيب. فإن قيل: إن العلم بهذا الميثاق الذي أخذ علينا في عالم الذر غير معلوم لنا، فما فائدته؟ فنقول: تحصل لنا فائدتان: ¬

_ (¬1) أي قال الله هذا بعد أن قالت الذرية بلى، ولم يذكر أبي جواب الذرية لأنه معلوم وقد ذكر في القرآن الكريم. (¬2) هذا هو الميثاق الأخير والذي تدارسناه أول شيء، لأنه أهمها. (¬3) فكلمة شهدنا هنا إذن من كلام ذرية بين آدم وقلت لكم الآية تحتمل الأمرين ونجمع بينهما بأنهم قالوا شهدنا فقال الله وملائكته شهدنا على شهادتكم فحذار حذار من إهمالها ونسيانها، والله أعلم.

الفائدة الأولي: أنه قد أخبرنا به من لا ينطق عن الهوى رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأتانا بما يقرره ويوضحه ويثبته في رسالته ودعوته، فإذا آمنا بهذا يحصل لنا شرف وفضل الإيمان بالغيب. الفائدة الثانية: أنه يحصل علينا بهذا الميثاق مزيد من حجة وإثبات، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا: انتبهوا!! أنتم إذا لم تتبعوني فإنكم تعتبرون عاصون لله مباشرة حيث أخذ الله عليكم العهد في عالم الذر بتوحيده وعدم الإشراك به. ... إذن جحدتم إقراركم أمام ربكم ثم عصيتم أمري ولم تتبعوني فانتبهوا فليس الكفر بي يعتبر رداً لدعوتي فقط، إنما هو رد لشهادتكم التي صدرت منكم أمام ربكم جل وعلا أيضاً. ... وكلما كثرت وسائل الإثبات على الإنسان كلما دعاه هذا للاستحياء من نفسه ومن ربه، فالله عندما يقول لعبده: أنا أشهدتك على نفسك بين يدي فشهدتّ، وأوجدت في فطرتك ما يدل على أنني إلهك وربك، وأرسلت إليك رسلاً يقررون هذا ففي هذا الكلام تحذير للعبد من المخالفة، فليست هي شهادة واحدة ولا حجة واحدة ولا بينة واحدة فقط.

.. ولذلك الله جل وعلا عندما يحاسب عباده يوم القيامة هل يحاسبهم أيضاً بشهادة واحدة وببينة أم بشهادات وبينات؟ بشهادات وبينات فالملائكة والأرض تحدث أخبارها بما عمل ابن آدم على ظهرها من خير أو شر فتشهد عليك يوم القيامة، والصحف تشهد، والجوارح تشهد، والله كفى به شهيداً لا تخفى عليه خافية، قال الله جل وعلا (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) ، وقال جل وعلا في سورة النور في حق القاذفين (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) وقال في سورة فصلت: (حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم (¬1) بما كانوا يعملون) ، وثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام [أنه كان بين أصحابه فضحك، فقالوا له: أضحك ألله سنك يا رسول الله، ما الذي أضحكك؟، فقال ضحكت من محاجة العبد لربه، يقول: فإني لا أقبل على نفسي شهيداً إلا من نفسي فيقول الله له: لك ذلك، فيختم على فيه، ويقول لجوارحه انطقي فتشهد عليه يداه ورجلاه وجوارحه بما عمل، ثم خلى الله بينه وبين الكلام فقال لجوارحه بُعداً لكُنْ وسحقاً فعنكُنَّ كنت أناضل] أي عنكن كنت أدافع، فقالت الجوارح (أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الحادثة. (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) العمر ينقص والذنوب تزيد ... وتُقال عثرات الفتى فيعود هل يستطيع جحود ذنب واحد ... رجلٌ جوارحه عليه شهود ¬

_ (¬1) كثير من المفسرين قالوا: المراد من الجلود خصوص الفرج، فكنى بالجد عن الفرج الذي إذا فعل الإنسان حراماً يشهد عليه، ولفظ الجلد أعم من ذلك يشمل الفرج وغيره من الجوارح الأخرى، فلو كشف فخذه سيشهد عليه هذا الفخذ بأنه كشف أمام من لا يحل أن ينظر إليه، وهكذا لو كشفت المرأة يدها أو شعرها أو شيئاً سيشهد عليها ذلك أمام الله، لأنها كشفته أمام من لا يحل أن ينظر إليه.

.. فأنت يكلمك الله قبلاً وجهاً لوجه في عالم الذر دون واسطة ويقول عبدي ألست بربك فقلت: بلى يا رب وإلهي وسيدي وخالقي، ولا أشرك بك شيئاً، ويقول لك انتبه!! ملائكتي تشهد وأنا أشهد شهدنا عليك بهذا الإقرار فإياك إذا خلقتك في الحياة أن تقول إنا كنا عن هذا غافلين، وإياك أن تقلد آباءك في الضلالة، فكل نفس بما كسبت رهينة فأنت عبدي وأنا خالقك وربك أشهدتك وأخذت إقرارك فإياك أن ترجع فإذا رجعت وبال ذلك عليك، ومع ذلك لن يكون حسابي لك في الآخرة على حسب هذا الميثاق فقط، بل سأجعل معه ميثاقاً آخر وهو الفطرة وسأجعل معه ميثاقاً آخر وحجة أقوى وهي أن أرسل إليك رسلاً تكلف بإتباعهم بعد بلوغك ووجود عقلك وسلامة إحدى حاستيك وأن تبلغك الدعوة، فرفعت الأعذار عنك؟ فلم يبق لك عذر ولا شبهة، ولذلك يقول الكفار (لو كنا نسمع أو نعقل) لأنهم حقيقة لا يسمعون ولا يعقلون، وينطبق عليهم قوله تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع) وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل) وينطبق عليهم قوله تعالى (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) وقوله تعالى (كمثل الحمار يحمل أسفاراً) وقوله تعالى (كأنهم خشب مسندة) ، وكذلك قوله (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) . ... إذن كان لهم سمع وكانت لهم قلوب وما أرادوا بهذا أنهم كانوا في حكم المجانين ليس لهم قلوب وليس لهم أسماع، لا، إنما لا يسمعون آيات الله كما قال جل وعلا عن الكفار (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) فلا يسمعونها سماع تلذذ أو تدبر، ولا سماع قبول لأجل العمل، لا هذا ولا ذاك، بل إعراض من جميع الجهات.

.. إذن هذا الميثاق – ميثاق عالم الذر - لا ينبغي أن يقول أحد نحن لا نعلم به فما فائدته؟!!!. ... هذه الآثار الثلاثة المتقدمة عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم أجمعين ورد ما يدل عليها ويقررها من حيث المعنى العام لا من حيث التصريح بأن الله أخرجنا من ظهور آبائنا ومن صلب أبينا آدم في عالم الذر، ومن هذه الأحاديث: 1- ما ثبت في المسند والصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يقول الله جل وعلا للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتدياً به؟ فيقول: نعم رب، فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك العهد في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي] . فالحديث فيه دلالة على أنه أخذ علينا العهد في ظهر أبينا آدم لكن كيف كان؟ هذا لم يفصله الحديث. 2- وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وأبي داود وموطأ مالك ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله لما خلق آدم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته فقال: هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج من ظهره ذرية فقال هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من خلقه الله للجنة فسيوفق لعمل أهل الجنة حتى يختم له بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، ومن خلقه الله للنار فسيوفق لعمل أهل النار ويختم له بعمل أهل النار فيدخل النار] ، فهذا الحديث فيه دلالة على أنه استخرجهم الله جل وعلا من صلب أبيهم آدم، فوقع هنا استخراج، والأحاديث المتقدمة دلت على أنه حصل استنطاق وإشهاد مع الاستخراج.

وهذا التقدير الأزلي ليس فيه شائبة إكراه ولا قسر ولا جبر إنما ربنا جل وعلا يعلم الأمور الماضية والحاضرة والمستقبلة ويعلم ما سيقع في كونه وفي ملكه، فكونه يعلم أن هذا سيختار الكفر أو أن هذا سيختار الإيمان ليس في هذا جبر ولا إكراه، فالله جل وعلا لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وليس حاله كحال المخلوقات لا نعلم الأشياء إلا بعد وقوعها ولو قيل لنا فلان سيختم له على الإيمان أو الكفر؟ لقلنا لا ندري، ولو كان الله سبحانه وتعالى كحالنا لما كان إلهاً، سبحانه وتعالى وتنزه بل هو بكل شيء عليم يستوي في عمله ما وقع وما سيقع فالكل عنده سواء ولذلك العلم صفة انكشاف يعلم بها ربنا جل وعلا الأشياء على ما هي عليه وقعت أم لم تقع. ... ولو أن فلاناً من الناس قبل أن يتزوج قيل لنا ماذا سيولد له؟ هل نعلم؟ لا طيب ولو تزوج واستقر الحمل في بطن زوجته بعد أربعة أشهر يمكن أن نعلمه أم لا؟ يمكن أن نعلم ما في بطن زوجته هل ذكر أم أنثى لأنه لا يحول بيننا وبينه إلا جلدة البطن، فلو علمنا ما في الرحم بواسطة الأشعة فهذا ليس علماً بغيب وليس مختصاً بالرب بل علمته الملائكة التي تبعث إلى الجنين وهو في الرحم، فليس هذا العلم من العلم بالغيب الذي اختص به الرب جل وعلا، فإذا علمه الأطباء وقبلهم الملائكة فلا حرج في ذلك، لكن قبل أن تنفخ فيه الروح وهو نطفة لو اجتمع أطباء الأرض ليعرفوه هل هو ذكر أم أنثى لن يستطيعوا. ... ثم إن علم الأطباء هذا قاصر وجزئي، فإنهم لا يعلمون هل سيولد أعمى أم بصير، سميع أم أصم؟ ذكي أم بليد؟ طويل أم قصير؟ سمين أو ضعيف؟ سيقولون لك لا ندري، إذن لم يعلم الأطباء من الجنين إلا كونه ذكراً أو أنثى. ... إذا علمت هذا علمت سخف من يزعم أن القرآن متناقض ويقول كيف يقول الله في كتابه (يعلم ما في الأرحام) ونحن قد علمنا؟!! سبحان الله الحمد لله على نعمة العقل.

.. الشاهد إخوتي الكرام ... ليس في قول ربنا [هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون] إكراه أو جبر لأن الله يعلم الغيب والمستقبل كما يعلم الحاضر، فهؤلاء للجنة أي سيؤمنون ويدخلون الجنة وأنَّ الله أعلم ما سيقع في المستقبل، [وهؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون] فسيكفرون وأنَّ الله أعلم ما سيكون في المستقبل، فكلام الله جل وعلا هذا ليس من باب الإكراه وإلا لارتفع التكليف، ولذلك لما قال الصحابة ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فحسب ما يختار يكون الأمر. إخوتي الكرام ... لا يلتبس عليكم الأمر ولا بمقدار شعرة والشيطان يستغل مثل هذه الأحاديث ليلبس على الناس، عندنا للإنسان في هذه الحياة حالتان: الحالة الأولي: هو فيها مكره، مجبور مقسور مسيّر لا اختيار له فيها ولا يستطيع أن يخرج عنها أبداً، فإذا وجدت هذه الحالة فلا ثواب ولا عقاب إلا إذا صدر منه رضاً أو كراهية نحو هذا الأمر الذي قُسِر عليه فيثاب أو يعاقب على العمل الذي صدر منه لا على ما وقع عليه قسراً مثلاً: أنت خلقت ذكراً وتلك خلقت أنثى فهل لذكورتك فضل عند الله، وهل لأنوثتها نقص عند الله أو العكس؟ كلا، هذا غير حاصل لأن هذا (الذكورة والأنوثة) مما لا اختيار لواحد من الصنفين فيه، ولو كانت إحدى الصفتين باختيار الإنسان لربما قلنا في هذه مدح أو في هذه نقص، لكن ليس في هذه مدح ولا في هذه نقص (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) ، فلا ثواب على الذكور ولا عقاب على الأنوثة والعكس كذلك لا ثواب على الأنوثة ولا عقوبة على الذكورة، إنما يثاب الإنسان إن شكر الله على ذكورته أو أنوثته، ويعاقب إن كفر وسخط على ذلك وإن لم يحصل منه شكر ولا سخط فلا ثواب ولا عقاب.

والحالة الثانية: هو فيها: مختار، مريد، شاءٍ (له مشيئة) ، مخيّر، انتبهوا لهذا لإزالة هذا الإشكال الذي يستفعله أحياناً الشيطان يقول للإنسان: إذا كنت مكرهاً ومقسوراً إذن لا حرج عليك في أن تفعل ما شئت إن كنت من أهل الجنة فستدخلها، إن كنت من أهل النار فلا داعي لأن تهتم وتجد وتجتهد في العبادة ونحو ذلك من الوساوس، هذا كلام باطل بل أنت مخير ومريد فيما يريد الشيطان أن يثني عزمك عن فعله في كل ما كلفنا به فعلاً أو تركاً نحن مخيرون مريدون. المأمورات بأسرها والمنهيات بأسرها لنا فيها اختيار أو نحن مجبورون مكرهون؟ بل لنا فيها اختيار قطعاً وجزماً، فليس صلاتي كذكورتي، لأن ذكورتي لا يمكن أن أغيرها وأما صلاتي فيمكن لي أن أصلي ويمكن أن لا أصلي، وليس إيماني كلوني أيضاً. فالإيمان والصلاة هذا اختياري، فكل ما كُلفنا به وهو محل الثواب والعقاب فهذا لك فيه اختيار والفارق بين الحالتين كالفارق بين تحريك اليد اختياراً أو اضطراراً، فالمرتعش تتحرك يده بغير اختياره اضطراراً فهو مجبور ولا يستطيع أن يسكنها، فذكورتنا وأنوثتنا، طولنا وقصرنا، جمالنا ودمامتنا، طول أعمارنا وقصرها، هذا كله كحركة المرتعش، مجبور مقسور. ... والأعمال الاختيارية التكليفية من أمر ونهي كالصلاة والصوم وترك الزنا والخمر، هذا كتحريك اليد باختيارك يمكنك تحريكها وتسكينها. ... فانتبهوا رحمكم الله فهذه المسألة ليست من باب القسر والجبو فكل ميسر لما خلق له، فما علمه الله منه سيقع، فعلم الله من هذا أنه سيؤمن، ومن ذاك سيكفر لكن ليس هذا العلم فيه قسر للعباد ولا إكراه لهم. س: هل الإنسان الذي خلق للجنة سيوفق لعمل أهل الجنة؟ والذي خلق للنار سيوفق لعمل أهل النار أرجو توضيح هذا.

جـ: لا شك عندنا أن الله جل وعلا منّ على المؤمن وخذل الكافر، فالتوفيق هذا شيء لا شك فيه. ولذلك المؤمن إذا عمل الطاعة فبجده واجتهاده أم بتوفيق الله له؟ بتوفيق الله له، وذاك عندما يعمل المعصية بحيله ومكره أم بخذلان الله له؟ بخذلان الله له هذا مما لا شك فيه يقول الله تعالى (ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) لكن هو لا يكره إلا من يستحق الكراهة كما قال الله تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) (وزادهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) ، فإذن ما عندنا شك في أن من وفق لطاعة فهذا بفضل الله وأن من عمل معصية هذا بخذلان الله له، لكن عندنا بعد ذلك ما يقرر على سبيل القطع أن الله حكيم، أقول – ولله المثل الأعلى – أنت لو عندك ولدان وهما من صلبك واحدٌ تكرمه، والآخر تهينه فهل تفعل هذا اعتباطاً وسفاهة أو لأنك ترى واحداً مطيعاً نجيباً، والآخر عاقاً شقياً، فبالنسبة لنا ظهر فعل اختياري هنا، أفلا يعلم الله معادن الناس؟ أفلا يعلم الله نحاسة ونجاسة معدن الكفار عندما قال (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) أفلا يعلم نجاسة هذه المعادن وأنها بكيفية لا تقبل التطهير؟! ولذلك خذلها وامتهنها وأعرض عنها وجعلها في دار غضبه وسخطه.

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [نظر الله في قلوب العباد فرأى قلب محمد عليه الصلاة والسلام خير القلوب وأتقاها فاختاره لرسالة، ثم نظر في قلوب العباد فوجد قلوب الصحابة خير القلوب وأتقاها فاختارهم (¬1) ¬

_ (¬1) أي أن الله سبحانه وتعالى عندما اختار أبا بكر لصحبة نبينا عليه الصلاة والسلام وهكذا سائر الصحابة لم يخترهم اعتباطاً بل هو حكيم يضع الأمور في مواضعها، يعني هل يتصور أن يكون قلبنا أو قلب أحد من الصحابة كقلب أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو غيرهم من الصحابة؟ هذا مستحيل، إذن قلوب طاهرة علم الله فيها هذا فجعل لها هذه المكانة وبعد ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في صحيح مسلم [لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوني على الحوض] فما معنى شر منه؟ يعني هل الأيام فيها شر وتتغير أو أهلها والناس الذين يعيشون فيها؟ بل الناس، وتأمل أحوال العالم منذ أن كان نبينا عليه الصلاة والسلام إلى هذا اليوم خير يقل وشر يتزايد فإذن القلوب كلما تأخرت تدنست وتنجست وفسدت وخبثت هذا علمه الله من أحوال القلوب، فإذن هل تصلح مثل هذه القلوب لأن تكون في العصر الأول؟ الحمد لله مع شوقنا والله لرسولنا صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي لم يخلقنا في ذلك الوقت لأنه لو خلقنا آنذاك لخذلنا نبينا عليه الصلاة والسلام فنحن لسنا بأهل لأن نصحبه، وما عندنا شك في ذلك، ونسأل جل وعلا أن يكرمنا بجنات النعيم برؤيته ورؤية نبيه صلى الله عليه وسلم بفضله وكرمه، لكن هل نحن عندنا جد الصحابة وعزيمتهم واجتهادهم؟ هيهات هيهات..

لصحبة نبيه فاعرفوا لهم قدرهم] ، فأمر الرسالة أسند إلى من هو بكل شيء عليم فعندما اختار محمداً عليه الصلاة والسلام لحمل رسالته ليس الأمر اعتباطاً بل لأن (الله أعلم حيث يجعل رسالته) فإذن هو عندما وضعها في ذلك المكان فهذا هو الجدير بها لكن يبقى الأمر من فضل الله عليه ولا شك في ذلك، (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (فألهمها فجورها وتقواها) (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) أي خلقكم كافراً ومؤمناً على أصح القولين في التفسير، وقيل: هو الذي خلقكم فانقسمتم إلى كافر ومؤمن، لكن هذا الانقسام لا يكون إلا على حسب التقدير الذي سبق عند الرحمن ويبقى الأمر كما قلت لا قسر فيه ولا إجبار، فهذا وفقه الله وذاك خذله لكن هل هذا فيه إكراه؟ لا، وكل واحد يميز هذا من نفسه عندما يريد أن يعصي ربه، فمثلاً عندما يريد أن يشرب الخمر سل عصاة أهل الأرض أجمعين هل جاء أحد وأخذك من بيتك إلى الفندق في الساعة الواحدة ليلاً وأضجعوك وفتحوا فمك وصبوا فيه الخمر دون رضاك؟ أم أن الواقع هو أنه ذهب باختياره ودفع الفلوس وسكر، وسل الزاني هل جاء أحد وأخذك من فراشك ودارَ بك على بيوت الناس حتى ألقاك على أنثى وأكرهك على عملية الزنا؟ أم أن الواقع أنك تراه يجوب الشوارع هنا وهناك من أجل أن يحصل على خبيثة مثله، فهل هذا إذن كان باختياره أو باضطراره؟ باختياره، يعني عندما قال الله جل وعلا (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) انظر لهذا الحافظ الذي جعله الله عندنا، فلما كانت العين تتعرض لرؤية ما لا يحل، جعل الله جل وعلا منع النظر في منتهى السهولة لئلا يقول إنسان كيف سأتصرف إذا عرض لي ما لا يحل لي النظر إليه، فقال الله لك لا يحتاج هذا منك إلى تصرف كبير لا دخول سرداب ولا دخول حجرة، الحل كله يتمثل في إطباق الجفن على الجفن (قل للمؤمنين يغضوا) ما معنى الغض؟ أن تطبق الجفن على الجفن.

.. ثم هذا اللسان الذي هو ثعبان وتراه يلدغ الحي والميت والكبير والصغير والحاضر والغائب جعل الله له أيضاً حافظاً هو الشفتان إذا ضممتهما لن تتكلم فتسلم، ولست مجبوراً على الكلام فلم يأت أحد ولن يأت ويحرك لسانك دون إرادة وقصد منك، وهذا لو حصل لو حصل فأنت تكون مجبوراً لأنك لا تريد الكلام ولكن غيرك يحرك لسانك ويتكلم وحينئذ يرفع التكليف عنك [رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه] فإذا أكرهنا لن يكلفنا ربنا، لن يبقى من اهتدى منا فبفضل الله، ومن شقي فبعدل الله والله خذله ووكله إلى نفسه لكن ذلك التوفيق بسبب أنه معدن طيب، وهذا الخذلان بسبب أنه معدن نحس، ولذلك قال الله (فلما آسفونا انتقمنا منهم) ما معنى الأسف هنا؟ شدة الغضب أي لما أغضبونا غضباً شديداً بسبب ما قاموا به من أعمال خبيثة انتقمنا منهم، إذن هم أغضبوا الله وآسفوه فحل عليهم مقته وغضبه ولعنته وسخطه، والذي يقرر هذا كما قلنا أن من يموت قبل التكليف أو قبل البلوغ أو قبل بلوغه الدعوة وإذا لم يكن عنده عقل، فالقلم مرفوع عنه، فإن كان من أولاد المؤمنين تفضل الله عليه بأن يكون من أهل الجنة، وإن كان من أولاد الكافرين فنقول هنا سيظهر العدل الإلهي، سيمتحنه الله في عرصات الموقف، فإن أطاع دخل الجنة وإن عصى دخل النار. قد يقول قائل: لِمَ لم يجعل الله ابن الكافر كابن المؤمن؟

نقول: الزم حدك، هذا فضل ولصاحب الفضل أن يعطيه لمن يشاء لكن لا يجوز له أن يظلم ويجور، فمثلا ً: لو كان عندك ألف دينار فلك حرية التصرف في أن تعطيها لأي أحد فلو أعطيتها لخالد مثلاً فهل يحق لي أن أقول لك أنت ظلمتني لأنك أعطيت خالداً ولم تعطني؟ لا يحق فتقول أنت: هذا فضل، وهو مالي وحقي أعطيه لمن أشاء ما دمت لم أظلمك ولم أعتد على مالك ولم آخذ منك شيئاً، وهنا كذلك الله سبحانه وتعالى ما جار على ابن الكافر وكونه رحم أولاد المؤمنين هذا فضله يعطيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولا يجوز عليه الظلم (ولا يظلم ربك أحداً) [إني حرمت الظلم على نفسي] ، هذا حال الرب جل وعلا. إذن هذا حديث عمر رضي الله فيه دلالة عامة على أن العباد أخرجوا من صلب أبيهم في عالم الذر، وهذا الحديث الثاني.

3- روى الإمام الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه والبهيقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط كُلُّ نسمة من ظهره كائنة إلى يوم القيامة وجعل جل وعلا بين عيني كل إنسان وبيصاً من نور (¬1) ثم عرضهم على آدم عليه السلام فقال من هؤلاء يا رب؟ قال: هؤلاء ذريتك إلى قيام الساعة، فرأى فيهم إنساناً أعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أَيْ رَبِّ، من هذا؟ قال: هذا ابنك داود، قال كم عمره؟ فقال الله له: ستون عاماً، قال: زده يا رب أربعين، فقال الله جل وعلا: لا أزيده إلا أن تزيده من عمرك (¬2) ، فقال: قبلت يا رب أعطه من عمري أربعين سنة، فلما جاء ملك الموت إلى آدم قبل الألف بأربعين سنة ليقبض روحه، قال له آدم: بقي من عمري أربعون سنة، فقال له ملك الموت إنك وهبتها لابنك داود، فقال ما وهبته شيئاً ما وهبته شيئاً، فذهب وعاد إلى ربه وأخبره بذلك فأمر الله ملك الموت أن يزيد في عمر آدم أربعين سنة، وأن لا ينقص هذه الأربعين من عمر داود، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته وخَطئ آدم فخطئت ذريته] وإسناده صحيح، ارتكب الخطيئة وذريته تخطئ، نسي ولم نجد له عزماً وذريته تنسى. فإن نسيت عهوداً منك سالفة ... فاغفر فأول ناس ٍ أول الناس ولعل جحود آدم – والعلم عند الله – سببه نسيان ولا يستبعد أنه بعد أن مر عليه تسعمائة وستون سنة أن ينسى العهد الذي أعطاه على نفسه، أو أن هذا الجحود من باب التدلل على الرب المعبود جل وعلا أي كأنه يقول: يا رب ينقص من ملكك إن تركت الأربعين لي كما كانت وزدت عبدك وداود أربعين من فضلك فحقق الله الأمرين. ¬

_ (¬1) أي شيئاً من نور وضوءاً من نور. (¬2) وكان عمر آدم الذي قدره الله ألف سنة، وتقدم معنا أن الأنبياء لا يقبضون إلا بعد أن يخيروا.

الشاهد: أنه مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة فهذه الأحاديث تشهد في الجملة للأحاديث الثلاثة المتقدمة الحديثان المرفوعان وحديث أُبيّ الموقوف. ... وكما قلت لكم عن الذي حصل في عالم الذر هو إخراج للأرواح مع الصور (الأجساد) ، استخرجها الله من موادها بكيفية يعلمها ولا نعلمها ثم بعد أن أشهدها أعادها إلى موادها بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، أما ما قاله ابن حزم من أن الخلق في عالم الذر كان للأرواح فقط، وذلك يقول خلقت الروح قبل الجسد فأشهدها الله ثم وضعها في مكان عنده سبحانه وتعالى فإذا خلق الجسد جاءت روح كل إنسان إلى بدنه فدخلت فيه، فقوله هذا لا تدل عليه الآثار المتقدمة، إنما ما ذكرته لكم هو الذي حصل وإذا ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام فنؤمن به دون أن تحيط عقولنا بكيفيته، فعقولنا أعجز من ذلك، وإذا كانت الروح التي بين جنبينا نحن عاجزون عن إدراك ماهيتها وحقيقتها أو أي صفة من صفاتها (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) فكيف سندرك بعد ذلك ما هو مغيب عنا مما يدهش العقول ويحير الألباب (إشهاد الذرية) ، وتقدمت معنا قاعدة (كل ممكن رود به السمع يجب الإيمان به) (آمنا به كل من عند ربنا) . 3- الميثاق الثالث: ميثاق الفطرة: وهو الميثاق المتوسط بين ميثاق عالم الذر وميثاق إرسال الرسل ويراد بالفطرة: ما ركزه الله في طبيعة الإنسان وجِبِلّتِه من الإقرار بربوبية الله جل وعلا وألوهيته، وأنه وحده لا شريك له يستحق منا العبادة سبحانه وتعالى. وهذا الدليل أعني الاستدلال بالفطرة من الأدلة المعتبرة عند أئمتنا الكرام وقد قرر أئمتنا الكرام أن الأدلة التي يستدل بها دليلان: الأول: سلفي شرعي وله نوعان والثاني: خلفي بدعي وله نوعان، فالمجموع أربعة أنواع: أما السلفي الشرعي، فالنوع الأول منه: النصوص الشرعية من كتاب وسنة، أما الكتاب:

أ) قال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولون الله) ، فالله خلقهم وفطرهم بصورة يقرون بأن الله ربهم ومالكهم وخالقهم. ب) وقال الله جل وعلا في كتابه مبيناً استدلال الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام على أقوامهم بدليل الفطرة: (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى) وقبلها حكى الله عن الأقوام أنهم قالوا: (إنا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) فقالت لهم رسلهم أفي الله شك، فلم يجبهم الأقوام عن هذا ولم يذكر الله جوابهم لأنه معلوم ضرورة أن ليس في الله شك وهو الذي خلقنا وخلق كل شيء. جـ) وقال جل وعلا في سورة النمل آية 51 وما بعدها (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تُنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا ًوجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61) أمن يجيب المضطر أذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون (62) أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى عما يشركون (63) أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (64) .)

أذن فاستدل الله عليهم بما ركزه في فطرهم أإله مع الله ... ، واستدل عليهم بما يُسلّمون به. وهو الإقرار بوجود الله جل وعلا وأنه خالق كل شيء علي ما يخالفون فيه وهو إفراده بالعبودية. فهم يقولون الله موجود لكن ينبغي أن نجعل بيننا وبينه وسائط وشفعاء فنقول لهم: اطرحوا الشفعاء، فهذا الموجود هو الذي يُقصد ويُعبد ولا يجوز أن تلجأوا إلى غيره، ولذلك قال أئمتنا توحيد الربوبية باب إلى توحيد الألوهية، فأنت إذا أقررت بأن الله ربك وسيدك، ومالكك ويتصرف في أمرك فيجب عليك أن تعبده وأن توحده وأن تفرده بالعبادة سبحانه وتعالى.

إذن هذا دليل الفطرة المستقيمة وهو أن الله فطرنا على الإقرار بوجوده، ويترتب على هذه فطرة ثانية وهي وجوب تعظيمه لأن العقل يقول: إذا كان الله خالقنا وخالق كل شيء فيجب أن يعبد وأن لا نصرف العبادة لما سواه سبحانه وتعالى، وقد قرر الله هذا المعنى في آيات كثيرة من كتابه فأخبرنا الله في قرآنه أننا فقراء وهو الغني، وهذا مما يقرر دليل الفطرة الذي فينا فكل واحد يلحظ هذا من نفسه بأنه فقير لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، جاء إلى الدنيا على غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره ويلحظ أن الذي يملك أمره وأمر العالمين هو رب العالمين قال تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) ولذلك العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه هي الفقر وهذا خلاف ما يقوله الفلاسفة والمتكلمون يقولون العلة في احتياج العالم هي الحدوث أي كون العالم حادث والحادث لابد له من محدث وموجد، ويقولون العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه هي الإمكان أي ممكن الوجود ليس بواجب الوجود، وهذا كلام باطل نقول الإمكان والحدوث علامتان على الفقر وليستا بعلة لاحتياج العالم إلى الله، فالفقر ممكن الوجود، فالإمكان في هذا علامة فقره لأن يمكن أن يوجد ويمكن أن يُقدم والذي رجح أحد الضدين هو الله جل وعلا والحدوث علامة فقر لأنه لا يمكن أن يوجد إلا بحادث وموجد وهو الله رب العالمين. ولذلك أخص وصف في المخلوق أنه فقير وأخص وصف في الخالق أنه غني ويوجد للإمام ابن تيمية عليه رحمة الله قصيدة من (11) بيتاً تتعلق في بيان حقيقة الخالق والمخلوق وقد ذكرها تلميذه الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في مدارج السالكين (1/520، 521 – ط دار الكتاب العربي) يقول الإمام ابن القيم: "وبعث إليّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهره أبيات بخطه من نظمه: أنا الفقير إلى رب البريات ... أن المسكين في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ... والخير إن يأتنا من عنده ياتي لا أستطيع لنفسي جلب منفعة ... ولا عن النفس لي رفع المضرّات وليس لي دونه مولىً يدبرني ... ولا شفيع إذا أحاطت خطيئاتي إلا بإذن من الرحمن خالقنا ... إلى الشفيع كما قد جا في الآياتِ ولست أملك شيئاً دونه أبداً ... ولا شريك أنا في بعض ذراتي ولا ظهير له، كي يستعين به ... كما يكون لأرباب الولايات والفقر لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً ... كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي وهذه الحال حال الخلق أجمعهم ... وكلهم عنده عبد له آتي فمن بغى مطلباً من غير خالقه ... فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي والحمد لله مِلء الكون أجمعه ... ما كان منه وما من بعد قد ياتي ... وأما السنة فقد قرر نبينا عليه الصلاة والسلام الفطرة المستقيمة في أحاديثه الكثيرة:

أ) ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن الترمذي وأبي داود وموطأ مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [كل مولود يولد على الفطرة] أي على الإسلام الحق وعلى الدين الحنيف [فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (¬1) كما تُنْتَج (¬2) البهيمة جمعاء (¬3) هل تحسون فيها من جدعاء (¬4) ] أي هي تولد سليمة الأطراف لكن صاحبها هو الذي يغيرها، وهكذا بالنسبة للناس في صغرهم فطرهم الله على الحنيفية السمحة، لكن من الذي غيّر من تغير منهم؟ آباؤهم أو أمهاتهم أو مجتمعهم وغيرهم ولذلك ثبت في كتاب السنة لابن أبي عاصم (حديث رقم 192) بسند ضعيف – لكن هذا الحديث يشهد له – عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مغيِّر الخُلُق كمغّير الخَلْق] ، أي مغير الأخلاق الطيبة إلى خبيثة ومغير الإسلام إلى عصيان وشرك بالرحمن كمغير الخلق أي كما لو غير بعض أطراف المولود، أو لو أن المرأة بدلت خلقتها وصورتها وهكذا الرجل بالنمص (ترقيق الحواجب أو إزالتها) أو بالوشم، أو حلق اللحية بالنسبة للرجل أو قص الشعر من الرأس بالكلية بالنسبة للمرأة فهذا كله من تغيير خلق الله. ¬

_ (¬1) كان بعض شيوخنا إذا روى الحديث يقول [أو يرذلانه] أي إذا كان أبواه مسلمين رذيلين بالفساد والفجور فسيرذلانه، وأول الفساد الآن جهاز التلفاز جهاز الشيطان فاتقوا الله، وحذار حذار أن ترذلوا أولادكم. (¬2) أي توجد وتخلق. (¬3) جمعاء: أي كاملة الخلق سليمة الأطراف. (¬4) جدعاء: أي مقطوعة الأنف والأذن أو مشقوقة ونحو ذلك من التشويه.

.. إخوتي الكرام ... والمراد بالفطرة في الحديث دين الإسلام والحنيفية السمحة، وقد قرر الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) ويسمى (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) في مائتي صفحة متتابعة بأن المراد من الفطرة هي الإسلام، فانظروا بحثه المحكم الرشيد فيه (8/370) وما بعدها، والحافظ ابن حجر عليه رحمة الله في فتح الباري (3/248) نقل عن عامة السلف أن المراد من الفطرة الإسلام، والإمام ابن القيم عليه رحمة الله ختم كتابه (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل) بهذه المسألة، فانظروا الكتاب من صـ283 إلى آخر الكتاب صـ307 وهذا الكتاب (شفاء العليل) هو أحسن ما كتب في قدر الله جل وعلا. ب) وأشار نبينا عليه الصلاة والسلام إلى هذه الفطرة المستقيمة أيضاً في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: [ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال (¬1) نحلته عبداً حلالاً، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم (¬2) عن دينهم وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل سلطاناً، وإن الله عز وجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء....] إلخ الحديث، ومعنى حنفاء أي مائلين عن الشرك إلى الهدى مستقيمين مهتدين على الفطرة. ¬

_ (¬1) ؟؟؟؟؟ عذراً الحاشية غير واضحة في التصوير. (¬2) الحاشية غير واضحة في التصوير.

جـ) ويكفي دليلاً على الفطرة ما ثبت في الصحيحين [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية أين الله، فقالت في السماء.....] الحديث. وأما النوع الثاني من الدليل السلفي الشرعي فهو الفطرة المستقيمة، فإن في النفس فطرة توجب عليه الإيمان بأن الله ربنا وخالقنا ورازقنا ومدبرنا فهي فطرة توصل إلى التوحيد لو لم تغير. ... ولذلك عندما جلس أبو المعالي إمام الحرمين غفر الله له ورحمه وقد رجع عن هوسه وهذيانه جلس يقرر نفي علو الله على مخلوقاته فقال: كان الله ولا مكان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان أي ليس فوق عرشه على سمواته، فقام الإمام الهمذاني وقال: يا إمام دعنا من العرش والزمان والمكان وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في أنفسنا ما قال أحد يا رب يا الله إلا طلب المعونة فمن فوقه، فبماذا نؤول هذا الشعور الذي في داخل نفوسنا، فلطم إمام الحرمين رأسه وقال حيرني الهمذاني حيرني الهمذاني. ... أي حيره في الجواب، لأن الأدلة الكلامية يمكن التلاعب بها والتصرف فيها وتأويلها لكن هذه الضرورة في النفس ماذا سيقول عنها؟ وبماذا سيفسر هذا الالتجاء من الإنسان حيث يلجأ إلى فوق ولا يلجأ إلى يميناً ولا يساراً ولا تحتاً؟!! إن هذا الشعور وهذه الضرورة هي الفطرة التي فطر الله عباده عليها (مناقشة الشيخ الطحان لآراء الدكتور البوطي حول العلو لما جاء إلى دبي وألقى محاضرة في ذلك) . ... وكل نص من كتاب أو سنة مما سبق ذكره هو من حيث وروده هو دليل على الفطرة من النصوص الشرعية، وهو من حيث دلالته هو دليل على ميثاق الفطرة من الفطرة. 2- وأما الدليل الخلفي البدعي فالنوع الأول منه: دليل العقل المتعمق المتكلف فيه من جوهر وحيز وعرض وغيرها من الاصطلاحات التي نعتها المتكلمون وعكفوا عليها كما عكف المشركون على الأصنام.

.. وهذا كما هو عند المتكلمين فهو عند الفلاسفة ولم يوصلهم هذا إلا إلى متاهات عندما عولوا على العقل وتركوا النقل، وتقدم معنا أن العقل مع النقل كالعين مع الشمس، فمن أراد أن ينظر بدون شمس ونور لا يرى، ومن أراد أن يفكر بدون وحي لا يهتدي. والنوع الثاني منه: ... دليل الكشف، الذي ابتدعه الصوفية، يقول: ألقي في روعيَ كذا، ووقع في قلبي كذا، وحَدثت بكذا حدثني قلبي عن ربي، وما شاكل هذا، كما كان ابن عربي الصوفي صاحب الضلالات يقول حديث [كنت كنزاً لا أُعرف، فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق فبه عرفوني] يقول هذا الحديث لم يثبت عند المحدثين عن طريق الإسناد لكن ثبت عن طريق الكشف. وقد كان شيوخ التصوف الصالحين الصادقين يحذرون من هذا الدليل، فكانوا يقولون: دوروا مع الشرع حيث دار لامع الكشف، فإنه يخطئ، وكان أبو سليمان الداراني عليه رحمة الله يقول: "إنه لتقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة" أي إذا وقع في قلبي معنىً من المعاني، واستنباط ومن الاستنباطات عن طريق الكشف والفتح والإلهام فإني لا أجزم بثبوت هذا حتى أتحقق من ذلك بشاهدين عدلين هما القرآن والسنة هل يشهدا بصحة ما وقع في قلبي أم لا؟ ولذلك قال أئمتنا: وينبذ الإلهام بالعراء ... أعني به إلهام الأولياء وقد رآه بعض من تصوفا ... وعصمة الباري توجب اقتفا أي لا يستدل بالإلهام بل ينبذ فهو من الأدلة البدعية، وبعض الصوفية رأوا الإلهام والكشف دليلاً شرعياً معتبراً يُقدم على النصوص الشرعية، لكن عصمة الباري للأنبياء توجب أن نقتفي أثرهم وأن نتبعهم؛ لأن وحيهم وإلهامهم معصوم وأما إلهام الأولياء فليس بمعصوم. ... هذه هي مواثيق ثلاثة أخذت علينا أو خذاً ما أخذ علينا في عالم الذر يليه ما ركز في فطرنا يليه إرسال الرسل وإقامة الحجة على العباد.

.. والميثاق الأخير (الذي جعلناه أولاً – إرسال الرسل) لم يذكره عندما شارح الطحاوي وهو في الحقيقة أقوى المواثيق وأعظمها وأبلغ الحجج، وهو مناط التكليف ولا يحصل تكليف إلا به، ولذلك يقول الله جل وعلا في سورة النحل آية 89: (ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمة للمسلمين) ومثل هذا في سورة النساء آية 41 (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) . ... الشاهد في الآيتين أن أعظم المواثيق إرسال الرسل فالله جل وعلا يقول للأمم ألم أرسل لكم رسلاً؟ فيكذبون ويجحدون ذلك، فيأتي برسلهم ويقولون: يا رب بلغنا دعوة الله فيقول الله للرسل السابقين من يشهد لكم؟ فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد بأننا بلغنا أقوامنا، فيستشهد الله هذه الأمة فيشهدون، فيقول الله: كيف تشهدون وأنتم لم تروا ذلك؟ فيقولون: بعثت إلينا رسولاً فأخبرنا بذلك وأنزلت علينا ذلك في كتابك بأن نوحاً وغيره من الأنبياء بلغوا دعوتك إلى أقوامهم وهذا هو معنى (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) ثم يشهد الرسول عليه الصلاة والسلام على شهادة هذه الأمة ثم بعد ذلك يعاقب الله المكذبين من الأمم السابقين الذين جحدوا إرسال الرسل إليهم، وهذا الجحود منهم يحصل في الموقف قبل أن يقضى بالناس إلى الجنة أو النار، يطنون أن هذا الجحود ينفعهم. وقول الله سبحانه وتعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ... ) الآية، نتحدث عن ميثاقين اثنين: 1- ميثاق عالم الذر. 2- ميثاق الفطرة.

فلاهما مراد بالآية هذا القول الصحيح وقد خالف هذا بعض أئمة الإسلام – وسيأتي ذكرهم – وقالوا: الآية لا تشمل إلا ميثاق الفطرة وسأذكر شبهتهم فيما بعد وأدحضها إن شاء الله تعالى، وأما ميثاق عالم الذر – لم تثبت به الأحاديث؟؟؟؟؟؟ يقولون لكن ثبت موقوفاً ووهم بعض الرواة في رفعه وقد تقدم معنا إن زيادة الثقة مقبولة وهذا لا يدعونا إلى أن نرد الرواية المرفوعة لأن بعض الرواة وقفها وبعضهم رفعها ولو سلمنا بوقفه فله حكم الرفع ومحاولة هؤلاء الأئمة على جلالتهم وتقربنا إلى الله بحبهم محاولة ضعيفة في غير محلها. ... والقول بأن الآية تشمل ميثاق عالم الذر لا ينفي أنه ركز الله في فطرتنا، لكن القول بقصر الآية على ميثاق الفطرة فإنه ينفي بذلك ميثاق عالم الذر. ... فعلى القول بأن الآية تشمل ميثاق الذر يكون معنى الآية (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ... ) أي قالوا بلى بلسان مقالهم.

.. وعلى القول بأن الآية لا تشمل ميثاق عالم الذر يكون معنى الآية، قالوا بلى بلسان حالهم أي حالهم يدل على أنهم مربوبون مخلوقون لخالقهم الحي القيوم، هذا كقوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت ... ) فالجمال والسماء هذه لو لم تنطق وتقل الله خلقني والسماء تقول الله رفعني لو لم تقل هذا بلسانها بصوت نسمعه لكان حالها يدل على هذا، وكذلك الإنسان (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) فحالك يا إنسان يدل على الحي القيوم ولو لم تنطق وكل إنسان – مهما كفر وطغى وتجبر – حاله تشهد بذلك بأنه فقير إلى غني وأنه مخلوق لخالق ضعيف لقوي، ولذلك قال موسى لفرعون (لقد عملت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر..) أي أنت تعلم يا فرعون أني رسول من رب العالمين، وإن هذه الآيات والدلائل لم ينزلها ولم يعطني إياها إلا رب العالمين، فإذن شهادتك بحالك ثابتة لكن لسانك لم ينطق بهذا، وكذلك هو حال العالم كله يدل على أن الله خالقه وهذا بدلالة الحال لا بدلالة المقال، هذا كقول العربي: امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلاً رويداً قد ملأت بطني فهنا (قال) بحاله فالحوض امتلأ ولم يعد يمسك ماءً وإذا صببت فيه نزل فحاله هذه كأنه يقول لك لا تصب في الماء. إذن فحال المخلوقات بأسرها تدل على أنها فقيرة إلى ربها، ولا يوجد أحد من خلقه مستغن ٍ عنه: الله قل وذر الوجود وما حوى ... إن كنت مرتاداً بلوغ كمال فالكل دون الله إن حققتهم ... عدم على التفصيل والإجمال واعلم بأنك والعوالم كلها ... لولاه في محوٍ وفي اضمحلال من لا وجود لذاته من ذاته ... فوجوده لولاه عين محال والعارفون بربهم لم يشهدوا ... شيئاً سوى المتكبر المتعالي ورأوا سواهم على الحقيقة هالكاً ... في الحال والماضي والاستقبال فقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) أي هالك في الحال والماضي والاستقبال، من مضى هلك ومن هو موجود سيهلك ومن سيأتي سيهلك. س: هل الحال تعتبر شهادة أو لابد ومن نطق اللسان؟

جـ: إنسان يقر بقلبه أنه مقهور مجبور فقير لخالق جليل فهذه شهادة وإن نفاها بلسانه، وإذا جحد بلسانه، فشهادة القلب ثابتة، ولهذا أمثلة: 1- كقوله تعالى في سورة التوبة (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) أي مقرين على أنفسهم بالكفر بحالهم، فلا يشترط أن يقول الكافر: أنا كافر، بل حاله يدل على أنه كافر. 2- كقوله تعالى (أنه على ذلك لشهيد) فعلى أن الضمير في (أنه) يعود على الإنسان فالتقدير: أن الإنسان لشهيد على كنوده وجحوده كيف هذا الشهود؟ بأنه مغمور بنعم الله فلا يشكر الله وهذا جحود ولا يشترط أن يقول عن نفسه: أنا جاحد، فإذن هذه شهادة من الإنسان على نفسه بالحال لا بالمقال. وهو محل الشاهد. ... وعلى أن الضمير في (أنه) يعود على الله سبحانه وتعالى فالتقدير وأن الله لشهيد على كنود الإنسان وجحوده ولا تخفى عليه خافية. وكلا المعنيين والتقديرين ثابت. فالإنسان يشهد على جحوده بحاله والله يشهد عليه بعلمه فلا تخفى عليه خافية من أمور العباد 3- وكقوله هنا معنا في الآية (أشهدهم) أي بحالهم على أن الآية تشمل ميثاق الفطرة فقط، أي ركز هذا في فطرهم وعلموه وثبت عندهم بعد أن خلقهم وجعلهم خلائف في الأرض جيلاً بعد جيل. إذن هذا هو المعنى على أنه ميثاق الفطرة فقط وعلى أنه ميثاق عالم الذر تشمل الآية أيضاً فالمعنى مسح ظهر آدم وأخرج من صلبه كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة ثم كلمهم قبلاً، فهنا – ميثاق الفطرة – أشهدهم على أنفسهم بما ركزه في فطرهم وهناك أشهدهم على أنفسهم وكلمهم مقابلة بلا حاجز ولا واسطة هنا جعل هذا في فطرهم أنهم يقررون بربهم، وهناك قالوا بلى بلسانهم وهنا قالوا بلى بحالهم وهذا هو معنى الآية على القولين وكل منهما تشمله الآية، وهذا هو المعتمد في تفسيرها.

وقد ذكر هذا عدد من المفسرين من جملتهم الإمام القرطبي والإمام ابن الجوزي في زاد المسير والإمام الألوسي في روح المعاني وغيره. (الآية تشمل الميثاقين) . ? واقتصر كثير من المفسرين على الميثاق الأول وحملوا الآية عليه وهو الذي حصل في عالم الذر فقط، منهم الإمام الثعلبي والإمام البغوي في معالم التنزيل. ? وقد ذهب بعض أئمة الإسلام ومنهم الإمام ابن تيمية والإمام ابن كثير والإمام ابن القيم وشارح الطحاوية ابن أبي العز إلى أن آية الأعراف لا تشمل إلا ميثاق الفطرة، ورجحوا حمل الآية عليه. وقولهم – كما قلت لكم – مردود ومن جملة من رد عليهم شيخنا المبارك الشيخ الشنقيطي عليه رحمة الله في أضواء البيان (2/336) ، والشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد وبين أن الآية تشمل الميثاق الذي أخذ علينا في عالم الذر والقول به لا يتنافر مع الميثاق الثاني (ميثاق الفطرة) بخلاف الاقتصار على الميثاق الثاني بإن بالقول به إلغاء للميثاق الأول. ... وأما ما احتج به الإمام ابن كثير وابن أبي العز – وهو موجود عندكم في شرح الطحاوية – فمردود منقوض لا حجة فيه ولا دلالة على أن المراد من الميثاق ميثاق الفطرة فقط. وهذه الحجج التي ذكروها وهي (عشر حجج) أولوا بها الآية وأن المراد منها ميثاق الفطرة فقط لو لم يذكرها صاحب الكتاب ابن أبي العز لأعرضت عنها صفحاً فحقيقة لا فائدة منها، لكن بما أنها مذكورة أذكرها على سبيل الإيجاز وأنقضها إن شاء الله، وهذه الحجج موجودة في كتاب الروح لابن القيم أيضاً من ص ـ167 إلى صـ168. حجة من قال بأن الآية يراد بها ميثاق الفطرة فقط: (عشر حجج) 1) الحجة الأولى: قالوا: الله سبحانه وتعالى قال (من بني آدم) ولم يقل من آدم، فإذن هو جعلهم خلائف في الأرض ولم يخرجهم من صلب أبيهم آدم في عالم الذر.

والجواب عن هذا: لا عبرة بهذا القول ولا يعترف به على ما قلناه لأن ذكر آدم معلوم في؟؟؟؟؟؟؟ (آدم) أخرج الذ رية منهم وأخرج الذرية التى يستخرج من تلك الظهور إلى يوم القيامة فهي ليست من صلب آدم فقط بل هي من ظهر كل من سيخلق. فذكر الآباء لأن ذكر الأب معلوم وهؤلاء الأبناء لا يكونون إلا بعد وجود أبيهم. 2) الحجة الثانية قالوا: قال (من ظهورهم) ولم يقل من ظهره. والجواب عن هذا: كالجواب عن الحجة الأولى، فأخذ العهد من الفرع مستلزم لأن يخرج ذلك الفرع من الأصل، فذلك الفرع لا يكون إلا بعد وجود الأصل. 3) الحجة الثالثة: قالوا: الله سبحانه وتعالى قال (من ذريتهم) ولم يقل من ذريته. والجواب عن هذا: كالجوابين المتقدمين، فبما أن هذه الذرية أخرجت من صلب آدم وهم بنوه فما يشملهم يشمله ولم يذكر هو لأنه معلوم، فلا يمكن أن توجد هذه الذرية إلا بواسطة وجود الأصل وهو آدم فأضيفت الذرية إلى الفرع الذي أخذت منه كما تضاف إلى الأصل الذي خرجت منه، ولذلك ورد في الحديث إضافتها إلى ظهر أبيهم، وفي الآية إضافتها إلى ظهور آبائها. 4) الحجة الرابعة: قالوا: الله سبحانه وتعالى قال (وأشهدهم) فهذا دليل على أن المراد من هذه الشهادة ما ركز في فطرهم لا أنهم شهدوا بألسنتهم، لأن معنى أشهدهم جعلهم شاهدين ولابد لحصول تلك الشهادة من كون الشاهد ذاكراً لشهادته وهم في هذه الحياة لا يذكرون الشهادة التي صدرت منهم في عالم الذر بل يذكرون الشهادة التي ركزت في فطرهم. والجواب عن هذا: أن الشهادة التي حصلت منهم في عالم الذر يدل على أنهم شهدوا في ذلك الوقت على أنفسهم وتحققت الشهادة منهم وعلموا بها ثم ذكرهم الرسل بها في هذه الحياة فكأنهم علموها في هذه الحياة وكأنها ركزت في فطرهم، فصار كأنه أمر علمناه في هذه الحياة ونحن نشهده ونحن نذكره ونحن نستحضره عندما أعلمنا بها الرسل.

5) الحجة الخامسة: قالوا: الحكمة من الإشهاد إقامة الحجة على العباد والحجة لا تقام عليهم إلا بالفطرة وبإرسال الرسل وأما ما وقع في عالم الذر فهذا لا تقوم الحجة به على أحد. والجواب عن هذا: إذا أخبرنا الرسل الكرام عليه الصلاة والسلام بتلك الشهادة فقط فقد أقيمت الحجة علينا بذلك. 6) الحجة السادسة: المقصود من أخذ الميثاق عليهم (ميثاق الفطرة) تذكيرهم بهذا الميثاق لئلا يقولوا (إنا كنا عن هذا غافلين) وهم لا يذكرون إلا ميثاق الفطرة فلم يغفلوا عنه طرفة عين وأما الميثاق في عالم الذر هم في غفلة عنه ولا يعلمونه. والجواب عن هذا: بعد أن يعلموه صار له من المكانة كميثاق الفطرة بل ما هو أشد من ذلك. قال الإمام القرطبي: ومثال هذا مثال من طلق زوجته ثم نسي وغفل عن طلاقه فإذا قامت عليه البينة لشهادة شاهدين على أنه طلق، فإنه يثبت عليه الطلاق مع أنه في غفلة عنه. ... وهنا شهدنا ثم غفلنا عن تلك الشهادة ونسيناها فذكرنا بها الرسل فصار لها من الثبوت والمنزلة كثبوت دليل الفطرة ومنزلته بل ما هو أشد من ذلك. 7) الحجة السابعة: قالوا: إن الله جل وعلا ذكر حكمتين اثنتين لذلك الميثاق أولها: لئلا يقول الناس إنا كنا في غفلة عن هذا، والثانية لئلا يقولوا إننا قلدنا آباءنا وما عندنا ما يردعنا ويبين الحق لنا، وهاتان الحكمتان لا تحصلان إلا بعد دليلين معتبرين وحجتين عظيمتين: إرسال الرسل والفطرة، فالفطرة لا يجوز للإنسان أن يجحد خالقه، وبإرسال الرسل لا يجوز للإنسان أن يجحد خالقه وبهما أيضاً لا يجوز أن يقلد آباءه على الضلال والشرك.

والجواب عن هذا: هذا الاعتراض الذي ذكرتموه منقوض في حق دليل الفطرة فهل يعاقب الله عباده إذا كانوا في غفلة عن عبادته، ولم يوحدوه وقلدوا آباءهم في شركهم وضلالهم إذا لم يرسل لهم رسولاً؟ لا، إذن فالفطرة وحدها ليست كافية وهكذا نقول أيضاً إن ميثاق عالم الذر ليس بكافٍ وحده لإقامة الحجة بل لابد من إرسال رسول وقلت لكم هذا هو مناط التكليف، فإذن فميثاق الفطرة وحده لا تثبت به حجة وكذلك ميثاق عالم الذر لا تثبت به وحده حجه وعليه فهما متساويان فكيف تحملون الحكمة من الإشهاد على دليل الفطرة دون دليل وميثاق عالم الذر. 8) الحجة الثامنة: قالوا: إن الله جل وعلا لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار ولا يحصل قطع عذر العباد إلا بدليل الفطرة وإرسال الرسل ولذلك يقول الله جل وعلا مشيراً إلى نفي عذر الناس وأنه أخذ عليهم الميثاق لئلا يتعللوا ويتعذروا (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) أي كيف تهلكنا ونحن لم تقم علينا الحجة. والجواب عن هذا: كالجواب عن الذي قبله تماماً فالحجة لا تثبت على الناس بميثاق الفطرة فقط ولا تثبت عليهم بميثاق عالم الذر، فالإعذار لا يقطع إلا بإرسال الرسل فعلام أنتم حملتم هذا الميثاق في الآية على ميثاق الفطرة فقط وهذا لا يقطع عذر العباد، (قلت: ز- والحجة السابعة والثامنة والله أعلم – كأنها ناشئة من توهم أننا نرى أن ميثاق عالم الذر تحصل به الحكمتان ويحصل به الإعذار ونحن لا نقول بهذا على الإطلاق، فإن الظاهر من ميثاق احتجاجهم علينا أنهم يقصرون الحكمتين والإعذار على ميثاق الفطرة وإرسال الرسل فقط ويقولون لنا ميثاق عالم الذر لا يحصل به شيء من هذه الأمور الثلاثة (الحكمتين والإعذار) !! فكان الجواب كما ذكر شيخنا حفظه الله أن هذه الأمور الثلاثة إنما تثبت في حق ميثاق واحد هو ميثاق إرسال الرسل، ولا تثبت في حق ميثاق الفطرة كما زعمتم، ولا تثبت في حق ميثاق عالم الذر كما نقول نحن والله أعلم) .

9) الحجة التاسعة: قالوا إن الله أشهد كل واحد على نفسه واحتج عليهم بتلك الشهادة وهذه الشهادة التي يحتج بها عليهم هي ما ركز في فطرهم، ولذلك قال الله تعالى (ولإن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) . والجواب عن هذا: نقول وكذلك الشهادة التي شهدوا بها في عالم الذر يحتج بها ربنا علينا فقال في هذه الآية (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) ، فإن قيل: إن كثيراً من الناس لا يستحضرونها، أو كل الناس لا يعلمونها، نقول: إذا أعلمهم الرسل بها فصارت كما لو علموها كدليل الفطرة كما تقدم معنا. 10) الحجة العاشرة: قالوا: إن الله جل وعلا بعد أن ذكر هذا الميثاق قال: (وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) والآيات جمع آية والآية هي الدلالة الواضحة البينة التي لا يختلف عنها مدلولها، ودليل الفطرة لا يختلف عنها مدلوله. وهو الإقرار بأن الله ربهم وخالقهم. والجواب عن هذا: كم من إنسان يقر بفطرته بأن الله خلقه لكنه يجحده؟ فإذن لا يلزم من الإقرار الفطري أن يعبده ولا يلزم من الإقرار في عالم الذر أن يعبده وعليه فهذه الحجج كلها لا تقوم ولا تنهض، بل هي مجرد تكلف في أن المراد من الآية ميثاق الفطرة لا ميثاق عالم الذر. المواثيق الثلاثة وحجج الله على عباده التي أقامها عليهم انتهينا منها وعندنا تعليق يسير على هذا المبحث. الميثاق الفطري لا ينكره أحد فهذا موجود في الفطرة هو غريزة من الغرائز الموجودة في الإنسان، فالعباد فيهم غرائز يقومون بموجبها لأفعال في هذه الحياة منها غريزة التدين أو غريزة الجنس أو غريزة حب التملك، لذلك فالغريزة أصوات إلهية تقود المخلوقات بأسرها إلى إيجاد ما جعله الله فيها (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) .

فمثلا ً سواء وردت شريعة بحل النكاح أو لم ترد سيحصل اتصال بين الذكور والإناث لأن هذه غريزة جعلها الله في قلوب الناس فالأنثى عندها غريزة لا تهنأ إلا إذا صارت أماً والرجل لا يهنأ إلا إذا صار أباً ولذلك إذا تزوج ولم يأته أولاد تراه يبحث عن أطباء الأرض من أجل إنجاب ذرية. فإذن هذه (الجنس) غريزة تقود المخلوقات فترى الناس يسعون لتنفيذها لكن المؤمن هنا يتميز عن الكافر أو الفاسق، فالمؤمن يقوم بإشباع هذه الغريزة على حسب هدي الشرع فيثاب عليها [وفي بضع أحدكم صدقة] وأن الكافر أو الفاسق فيقوم بإشباع هذه الغريزة غالباً عن طريق الشهوة البهيمية والمتعة الحرام فيعاقب.

وكذلك التدين غريزة فلابد لكل إنسان أن يتدين لكن إما أن يتدين تديناً معوجاً وإما أن يتدين تديناً مستقيماً، فإما أن يتدين لله وهو التدين المستقيم وإما أن يتدين التدين المعوج فيتدين لبشر كحال الشيوعية أنكرت وجود الإله وقيام الساعة وكذبت وخونت الرسل عليهم الصلاة والسلام لكنهم يتدينون رغم ذلك لمن؟ يعبدون لينين بدلا ً من أن يعبدوا رب العالمين، وإما أن يتدين لبقر، أو لحجر أو لذكر، أو لشمس أو لقمر، لكن لابد من تدين فالإنسان عندما يشعر بضعفه وفقره ومسكنته يريد أن يلجأ إلى ما يراه أنه أقوى منه وأغنى منه، فالمؤمن يلجأ إلى الغني الحقيقي القوي، والمشرك تراه إما أن يلجأ إلى بشر أو إلى شمس أو إلى قمر أو حجر وما شاكل هذا، وما عبادة الأحجار والأشجار والأبقار إلا دليل على إشباع غريزة التدين، ولذلك فلابد لكل مخلوق مهما كان شأنه من عبادة لكن إما أن يعبد الله وإما أن يعبد غيره وإما أن يعبد نفسه (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) ، والقلب لابد له من تعلق لكن إما أن يتعلق بالرب وإما أن يتعلق بالخلق بصور أو بفرد أو بنساء أو بخمر أو ببقر ووصل هوس المهوسيين في موضوع التعلق بالمقبورين أنهم كانوا يقولون إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أي الجؤوا للأموات سبحان الله!! ماذا يغنون عنكم بل ماذا يغنون عن أنفسهم؟؟ لكن هذا هو القلب الخربان وهذه هي الذلة لغير الله، وأعز الناس في هذه الحياة وهو صاحب الحرية الحقيقية من لا تنحني جبهته إلا لخالقه سبحانه وتعالى ولا يذل نفسه إلا لربه وأما من عداه فلا يذل نفسه له. تغرب لا مستعظماً غير نفسه ... ولا قابلاً إلا لخالقه حكماً

أي لا يستعظم إلا نفسه (عزة إيمانية) ولا يقبل إلا حكم الخالق جل وعلا وحقيقة هذه هي الحرية هذا هو العز وهذه هي الكرامة وليس في تذلل الإنسان لخالقه منقصة، لكن في تذلله لغيره كل المنقصة ولذلك السؤال في حالة ضرورة يجوز لكن تركه أولى، لأن السؤال ذل ولا يليق أن يتذلل المخلوق لمخلوق؟! لا، إن الموت أحسن من أن تتذلل لمخلوق، ثم إن في سؤال المخلوقين ثلاث أنواع من الظلم: أولها: في حق نفسك حيث امتهنتها والله أمرك أن تعزها. والثانية: في حق المسئول لأنك أضجرته وآذيته، فبنو آدم عندما يسألون يتضجرون. والثالثة: اعتديت على الخالق لأن الله هو الذي يقول يا عبادي سلوني لأقضي حوائجكم. لا تسألن بُني آدم حاجة ... وسل الذي أبوابه لا تُحجبُ الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبُني آدم حين يُسأَل يغضب فإذن التدين غريزة، ركز في فطرنا وكذلك التملك غريزة، فكل واحد يحب أن يتملك وأن يكون في جيبه دراهم، فهذا فطر الله القلوب عليه (وتحبون المال حباً جماً) (وإنه لحب الخير لشديد) وبعض الناس وصل الآن سفاهتهم أنهم قالوا الدراهم مراهم، ولكن الحقيقة قالها بعض الأكياس الفطناء سمي الدرهم درهماً لأنه يُدِرُ الهم أي يجلبه ويأتي به. الشاهد أن حب التملك غريزة يحبها الإنسان ولا حرج عليه في ذلك إذ أخذها عن طريق شرعي [نِعْم المال الصالح للرجل الصالح] فيأخذه من حله ويضعه في حقه، وليس في جلب المال منقصة ما دمت تأخذه من حله وأنت مأجور وتضعه في حقه وأنت مثاب على ذلك وكما في الصحيحين [لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس] فلا حرج عليك في جمعه ولا تجعله يطغيك ولا تسرف فيه ولا تبطر به.

.. وليس في حب النساء منقصة للإنسان ما دام على حسب شريعة الله وكذلك حب المال ما دام على حسب شريعة الله وقد قال سيد الكاملين عليه الصلاة والسلام [حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني في الصلاة] فمثل هذه الطيبات لا حرج في حبها ما دامت على حسب شريعة الله، قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ... ) فهذه الطيبات يتمتع بها المؤمن والكافر في الحياة الدنيا، أما في الآخرة فلا يشارك المؤمن فيها أحد. (هذا الكلام كله جعلته كالتمهيد للإشكال الذي سيأتي، وهو مأخوذ من كلام الشيخ حفظه الله) الإشكال: قد يقول قائل: إذا أخذ الله علينا الميثاق في عالم الذر – كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة – على أنه خالقنا وربنا ومالكنا، وأودع هذا في فطرنا وغرزه فينا – وهو الميثاق الثاني – فجعلنا نقر بوجوب عبادته، فعلام توقف التكليف على إرسال الرسل ونزول الكتب، وقد أخذ علينا ميثاقين (في عالم الذر، والفطرة) ؟ الجواب عن الإشكال: توقف التكليف على إرسال الرسل ونزول الكتب لأمرين: الأمر الأول: أن العباد يكلفون قبل إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم بتوحيد ربهم، لكن الله جل وعلا كرماً منه وفضلاً رفع عنا العقاب قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب فقط لأن الغريزة الفطرية وإن كانت مركوزة في النفس الإنسانية إلا أنها في عرضة – أحياناً – للتغيير وللتلاعب وللخطأ، فلابد من إرسال الرسل لتكون الغريزة مستقيمة تهتدي بهدي ذلك الرسول، فغريزة التدين موجودة لكنها عرضة للتغيير. ... والعباد إذا أشركوا بالله قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب ظالمون معتدون مسرفون لكن لا عقاب على ظلمهم كرماً من الله وفضلاً.

.. وقد قرر الله هذين الأمرين (أن العباد ظالمون إذا لم يوحدوا الله قبل إرسال الرسل، وأنه لا عقاب عليهم مع ظلمهم) في سورة الأنعام يقول الله جل وعلا: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا، قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون، يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين، ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) الآيات 128- 131 (ألم يأتكم رسل منكم؟؟؟؟؟؟؟؟) وهو إرسال الرسل، (ذلك أن لم يكن..) هذا هو الشاهد أي إرسال الرسل وإقامة الحجة على العباد لئلا يهلك الله القرى بظلم منهم وبشرك منهم وضلال منهم، وهم غافلون عن بلوغ الدعوة ووصول الرسالة. ... إذن فأثبت لهم الظلم في حال غفلتهم وعدم إرسال الرسول إليهم إذ لم يعبدوه ولم يوحدوه ومع ذلك لا عذاب عليهم كرماً منه وفضلاً سبحانه وتعالى، وكان الأصل أن يعذبوا لأنهم جحدوا الميثاق الفطري لكن الله تكرم فقال أنا لا أعذب إلا بعد قيام الحجة على أتم وجه فانتبهوا يا عبادي أشهدتكم على أنفسكم في عالم الذر، وركزت في فطركم الإقرار بوجودي ووجوب عبادتي وأرسلت إليكم الرسل وأنزلت عليكم الكتب وتركتكم على المحجة البيضاء، فمن ضل بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه ولو عذبنا على الميثاق الفطري لاستحققنا العذاب لأننا ظالمون.

الأمر الثاني: الفطرة وإن دلت على وجود الله ووجوب تعظيمه إلا أنها لا تستطيع أن تحدد الأشكال التي يحصل بها تعظيم ذي العزة والجلال أي لا تستطيع أن تحدد شكل العبادة وشكل التعظيم الذي يتقرب به إلى الله، فقد يقول هذا أنا أعبد الحمار الذي خلقه الله تقرباً إلى الله، ويأتي هذا ويقول أنا أعبد هبل، وآخر يقول: اللات، وآخر لنين وآخر الشمس وآخر القمر وآخر الحجر وهكذا كلٌ سيعبد ما شاء إن لم يرسل رسولاً وينزل كتاباً على البشر. ... ولذلك كل ما يحصل به تعظيم الله جل وعلا هو عبادة والعبادة توقيفية لا مجال للعقل فيها، فنعبد الله بما يشاء لا بما نشاء ولذلك [من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد] . (ذكر الشيخ قصة عن الشيخ صالح الجعفري من علماء الأزهر حيث كان يقول لا يوجد شيء اسمه بدعة فكل ما نقصد به الخير فهو جائز مستدلاً بالآية (وافعلوا الخير..)) . (ذكر الشيخ قصة المهوس عيسى؟؟؟ وضلالاته التي يقررها من جواز الاستغاثة بغير الله، وأن أهل السنة حذفوا لفظ وعترتي من حديث فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين وغير ذلك من الضلالات ... ) فمن أجل الأمرين السابقين توقف التكليف على إرسال الرسل وإنزال الكتب. مبحث القَدر يقول الإمام الطحاوي عليه رحمات ربنا الباري: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطّلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبيُّ مرسَل والتعمق والنظر في ذلك ذريعة (¬1) الخِذلان، وسلم الحرمان ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً (¬2) فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب، كان من الكافرين". أ. هـ. ¬

_ (¬1) أي سبب وطريق. (¬2) أي احذر أن تنظر أو تفكر أو توسوس في موضوع القدر كما سيأتينا إن شاء الله في مسألة الوسوسة في القدر.

.. هذا المتن للإمام الطحاوي شرحه الإمام ابن أبي العز في عشر صفحات (ط. أحمد شاكر) أو أكثر، وسأضم إليه ما تقدم معكم موجزاً مبحث الإرادة وانقسامها إلى إرادة شرعية وإرادة كونية لتأخذوا هذا المبحث بصورة متكاملة من أطرافه إن شاء الله. القدر مسألة عظيمة من مسائل شريعتنا القويمة سنبحث مبحث القدر ضمن ست مباحث المبحث الأول تعريف القدر لغة واصطلاحاً: القدر لغة: مصدر قَدَرْت الشيء أقدِره – أقدَرُه قَدْراً وقَدَراً ـ إذا أحطت بمقداره. اصطلاحاً: هو علم الله بمقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم إيجادها حسبما سبق في علم الله جل وعلا، فكل محدَث وكل مخلوق وكل موجود صادر عن علم الله وإرادته وقدرته، هذا الأمر معلوم من الدين بمحكم البراهين، وعليه كان الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان وهو مذهب أهل السنة الكرام. ... والإيمان بالقدر من أركان الإيمان كما ثبت في الصحيحين وغيرها من حديث أبي هريرة، وفي مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث جبريل الطويل وفي آخره [قال جبريل: ما الإيمان؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره] وفي رواية: [حلوه ومره من الله تعالى] وهذا الحديث – حديث جبريل – هو أم السنة كما أن الفاتحة أم الكتاب، والإمام البغوي عليه رحمة الله جعله أول حديث في كتابه (مصابيح السنة) مشيراً إلى أن هذا الحديث ينبغي أن يُقدم على الأحاديث كما قدمت الفاتحة على سور القرآن. وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تَعْجِزْ فإن أصابك شيء فقل قدّر الله وما شاء فعل ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا فإن لو تفتح عمل الشيطان] أي ما فيها إلا حسرة وندامة.

.. والمراد بالقوة هنا قوة القلب أي المؤمن القوي الذي قلبه فيه قوة وعنده عزيمة قوية لأن قوة البدن تتبع قوة القلب، والذي يثبت في المعركة هو قوي القلب ولا عبرة بقوة البدل دون قوة القلب، فإن صاحب القلب القوي يثبت في المعركة ولو قطعت أطرافه الأربع ولا يتحرك ولا يولي الأدبار، وصاحب القلب الضعيف يجبن ويفر.

.. فالمؤمن القوي الذي إيمانه تام وعزيمته تامة أحب إلى الله من المؤمن ناقص الإيمان ضعيف الإيمان ففي قلبه رخاوة وليس فيه ثبات، لكن في كل خير فهذا مع ضعف إيمانه إلا أن فيه خيراً ولم يخرج عن حظيرة الإيمان وليس هو كأهل النفاق والكفران فهؤلاء كما قال تعالى (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوقم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً، يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً) فهم من رعبهم وضعف عزيمتهم وخورهم وجبنهم يحسبون الأحزاب لم يذهبوا مع أنهم ذهبوا وهؤلاء في المدينة وإن يأت الأحزاب يودون لو أنهم بادون في الأعراب أي لو أنهم في بادية وليسوا في المدينة لئلا يلاقوا الخوف مرة أخرى كما حصلوه في المرة الأولى، ولذلك المؤمن قوته في قلبه وضعفه في بدنه أي تظهر عليه علامة الهزال وعلامة الخشوع وعلامة الإخبات من أجل صيامه وقيامه يذبل جسمه ويصغر فترى عليه علامة الإعياء والتعب، لكن عندما يفعل نتعجب من صدور هذه الأفعال وهذه القوة من هذا الضعف، والمنافق على العكس فهو قوي في بدنه لكن ضعيف في قلبه (¬1) . ¬

_ (¬1) والله إخوتي الكرام كما قال الله عن اليهود (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرىً محصنة أو من وراء جدر) فهؤلاء لو وجدوا من يقاتلهم ومعه الله لحصل النصر الذي لا يخطر ببال من الله، هذا كلام الله (لا يقاتلونكم جميعاُ إلا في قرىً محصنة) هذا من رعبهم لا يستطيع واحد منهم أن يقاتل وجهاً لوجه، لو وقف مائة ألف يهودي لا أقول ألف يهودي لو واجهوا مسلماً واحداً بسكين لماتوا رعباً فضلاً عن إطلاق رصاص، هذا كلام الله الذي يعلم طبائع عباده لكن لما استوينا نحن وهم في المعصية صاروا أسوداً علينا في هذه الأيام لأننا نحن صرنا مثلهم إن لم نكن أعتى منهم فصار لهم الفضل علينا بالقوة الظاهرة ونحن لا توجد عندنا قوة باطنية وهم لا توجد عندهم أيضاً قوة باطنية فإذن استوى الحالان في الباطن ضال يقاتل ضالاً والذي هو أقوى في الظاهر سينتصر فهم الذين سينتصرون لعدم وجود صاحب قوة قلبية يردعهم. إذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا فهؤلاء يطلبون الطعن والنزال ويتحدون العالم بأسره لأن الساحة أمامهم مكشوفة ولا يوجد من يوقفهم عند حدهم، فهذا حال اليهود وحال الأمة الكافرة الأخرى التي جعلناها قدوتنا وكل ما جاءنا من عندهم حسن حتى قال أغا أوغلي أحمد من تركيا من زعماء الكماليين أتباع مصطفي كمال أتاتورك: "عزمنا على أن نأخذ كل مما عند الغرب حتى الالتهابات التي في رئيهم (جمع رئة) والنجاسات التي في أمعائهم".

[احرص على ما ينفعك] أي لا تتواكل وتلقي الأمر على القدر بل ابذل ما في وسعك لتحصيل ما يجلب إليك منفعة ويدفع عنك مضرة. [فإن أصابك شيء] حرصت ورتبت الجيش مثلاً لكن قدر الله أن يقع انكسار وهزيمة (¬1) . [لو أني فعلت كذا..] أي عمل عملية لابنه فمات فقال لو لم يعمل العملية لكان سيحيى ويعيش مثل هذا لا يجوز أن تقوله فهذا تسخط على القدر وجحود وقد تكفر وأنت لا تدري، وهذا يا عبد الله مات بأجله سواء أجريت له عملية أو لم تجر له فسيموت، فدعك من هذا الكلام وقل قدر الله وما شاء فعل. ¬

_ (¬1) والمسلمون خسروا في عدد من المعارك لكنهم لم يخسروا حرباً، وشتان بين الخسارتين، والمسلمون لم يخسروا الحرب أما في المعارك فلا حرج لنا يوم ولهم يوم قال تعالى [وتلك أيام نداولها بين الناس] ، وعندما قال هرقل لأبي سفيان – والحديث في صحيح البخاري – هل قاتلتموه، قالوا: نعم، فقال كيف كان قتالكم إياه قال كانت الحرب بيننا وبينه سجالاً ينال منا ونناله منه، فقال وكذلك (..............) فكرة التعايش السلمي التي نشرت بيننا الآن حاصلها أن نأكل وننام ولا نعادي لا يهوداً ولا نصارى فضلا ً عن محاربتهم وجهادهم بل نعيش في هذه الحياة ونأكل ونتمتع (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم) ، فلا نكلم اليهود والنصارى في شيء من الدين بل نتركهم وحالهم ولو أدى الحال إلى أن نصبح مثلهم، وكل من دعا إلى التعايش السلمي فهو مرتد لأن الله تعالى يقول (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) أي شرك ثم قال (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) فهم لا يهنأون ما دام على وجه الأرض مؤمن، ونحن إذا كنا مؤمنين لا نهنأ ما دام على وجه الأرض كافر.

والقدر – كما سيأتينا – حجة في المصائب لا في المعايب، فإذا زنيت فلا تقل قدر الله وما شاء فعل وإذا شربت الخمر فلا تقل قدر الله وما شاء فعل، فهذا (الزنا والسرقة) وقع بقدر الله لكنك تقول قدر الله وما شاء فعل نقصد بذلك أن تنفي اللوم عن نفسك وأنت ملوم، وأما إذا سقط عليك حجر أو انهدم جزء من بيتك أو مات لك قريب أو صديق ونحو ذلك فهذه كلها مصايب فتقول قدر الله وما شاء فعل، فالكلام صحيح قدر الله وما شاء فعل فالزاني بقدر وشرب الخمر بقدر ولا يقع شيء إلا بقدر الله لكن ذاك لك فيه اختيار (الزنا وشرب الخمر ... ) فأنت ستعاقب عليه، وأما هذا (موت القريب، سقوط الحجر) فهو اضطرار وقع عليك دون اختيارك ولذلك تقول قدر الله وما شاء فعل. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان لا يحصل في قلب الإنسان حتى يؤمن بقدر الرحمن. (1) ثبت في سنن الترمذي بسند حسن من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن البني صلى الله عليه وسلم قال: [لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه] . [وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه] فما أصابك هو بقدر الله ولا يمكن أن يزول عنك. [وما أخطأه لم يكن ليصيبه] فلو فاتك شيء محمود كنت تمناه فقل قدر الله وما شاء فعل لأنه لم يكتب لك في هذا الوقت وقد يكتب لك فيما بعد وقد لا يكتب لك بل لأحد غيرك أيضاً فلن تستطيع أن تنال وتحصل ما فاتك مهما حاولت ولهذا كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث في المسند وسنن الترمذي وغيرهما – قال لابن عباس عندما كان رديفه: [.... واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، رفعت الأقلام وجفت الصحف] فإذن ما كتبه الله لك وجعله من نصيبك لن يذهب إلى غيرك، وما كتبه لغيرك وجعله من نصيبه لا يمكن أن تناله وتحصله مهما حاولت.

(2) وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والترمذي بسند صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه [أنه قال لابنه عند الموت: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: يا رب وماذا اكتب – قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة] ، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [من مات على غير هذا فليس مني] أي ليس منه صلى الله عليه وسلم لأنه ترك ركناً من أركان الإيمان. ... والحديث هذا رواه الإمام الترمذي برواية أخرى فيها شيء من الطول وفيها شاهد لموضوع تقدم (¬1) ¬

_ (¬1) تقدم في محاضرة (27) ذكر أحاديث تدل على أن فرعون مات كافراً وأنه في النار وأنه مخلد مع بعض الكافرين المجرمين، وكان هذا جواب لسؤال طالب ولم أكتب هذا هناك لضيق الوقت وسأذكر هذه الأحاديث هنا: 1- روى ابن حبان عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: [من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهان ولا نور ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف] وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند (2/169) ، وقال الهيثمي في المجمع (1/292) : ورواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات. 2- روى الطبراني بسند جيد كما قال الهيثمي في المجمع (7/193) كان نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً وخلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً] . 3- ثبت في مسند الترمذي ومسند الإمام أحمد والحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [عندما أغرق الله فرعون قال آمنت وأنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل: يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر أي من طين البحر فأدسه في فمه مخافة أن تدركه رحمة الله] وفي رواية [ذكر أن جبريل جعل يدس في فم فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلا الله فيرحمه الله أو خشية أن يرحمه] وفعل جبريل هذا ليس باختياره بل هو مضطر فقد سخره الله سبحانه وتعالى وهيأه وأمره بأن يدس التراب في (فمه) فهذه أحاديث تدل على كفر فرعون وأنه في النار ومنها هذا الحديث الذي سنذكره.

معنا – يقول [قال عبد الواحد بن سليم: قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح فقلت له يا أبا محمد إن بالبصرة قوماً يقولون لا قدر، فقال عطاء يا بني أتقرأ القرآن، قلت: نعم، قال: فاقرأ الزخرف، فقرأت: (حم والكتاب المبين إن جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) ثم قال – أي عطاء – أتدري ما أم الكتاب؟ قلت: لا، قال: فإنه كتاب كتبه الله قبل أن يخلق السموات والأرض فيه: إن فرعون من أهل النار وفيه تبت يدا أبي لهب ثم قال – أي عطاء – ولقد رأيت الوليد بن عبادة بن الصامت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته ما كانت وصية أبيك لك عند الموت؟ فذكر الوصية التي تقدم ذكرها وهذا الذي أشارت إليه الأحاديث النبوية ودلت عليه الآيات القرآنية أذكر بعضها: أ – قال جل وعلا في سورة الأنعام: (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) وهو – أي الكتاب – اللوح المحفوظ فلا يوجد شيء وقع أو سيقع إلى يوم القيامة إلا وهو مسطر فيه. ب- وقال ربنا جل وعلا في سورة الحديد: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كلا مختال فخور) . ج- وقال جل وعلا في سورة التغابن: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدى قلبه والله بكل شيء عليم) . وسعي العباد وعمل المخلوقات بأسرها تنتهي إلى آيتين من كتاب الله: 1- قوله تعالى في سورة الإنسان: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً) . 2- قوله تعالى في سورة التكوير: (لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) . خلاصة قولنا في قدر ربنا:

.. أن الله علم الأشياء ومقاديرها وأزمانها قبل وقوعها ثم أوقعها وأوجدها حسبما علم ربنا جل وعلا ولذلك كل مخلوق وكل محدث وكل شيء يقع بعلم الله وإرادته وقدرته؛ أي علم الله وقوعه في الأزل قبل أن يقع وأراد الله وقوعه إرادة كونية لا يختلف مقتضاها، وقدر عليه فأوجده وخلقه فالله خالق كل شيء (والله خلقكم وما تعملون) ، إذن فـ: (1) العلم. (2) والإرادة. (3) الإيجاد والخلق. كل هذا لله جل وعلا فلا يوجد مخلوق إلا وقد أحاط به علم الله وتعلقت به إرادته وأوجدته قدرته خيراً كان أو شراً. المبحث الثاني إرادة الله جل وعلا تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: إرادة كونية قدرية: ... وهي عامة شاملة لا يتخلف مقتضاها وتكون فيما يحبه الله وفيما يكرهه فـ[ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن] كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مسند أبي داود وغيره. ... وهذه الجملة – ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن – من نفيس اعتقاد أهل السنة والجماعة كما قرر ذلك الإمام أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن (3/1234) ، وقال الإمام ابن القيم في كتاب الفوائد صـ 95 – ونعمت هذه الفائدة التي سيذكرها – "أساس كل خير أن يعلم العبد أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن". ووجه ذلك: أنه إذا أصابه خير وصدرت منه طاعة فيعلم أن هذا بمشيئة الله وتقديره وفضله وإحسانه فيشكر الله ويحمده ولا يفتخر ولا يعجب ولا يُدلِّ ولا يتكبر لأن هذا بتقدير الله [فمن وجد خيراً فليحمد الله] ، فليس لك في فعل الطاعة فضل إنما الفضل كله لمن قدر لك فعل هذه الطاعة وأقدرك عليها.

وإذا عمل معصية أو أصابه سوء فيعلم أن هذا وقع بسبب خذلان الله له وهذا الخذلان وضعه الله في موضعه بسبب تقصير الإنسان أو فساده أو جُُرْمهِ فيدعوه هذا إلى الإقلاع عن ذنبه والتوبة إلى ربه ليقدر الله له الخير وييسره عليه، لأن الله أخبرنا أن العبد عندما يضل يزده الله ضلالاً (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) سورة الصف / آية 5، (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) سورة الأنعام 110. [فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] فليتب إلى ربه وليسأله إصلاح قلبه فبيده قلوب العباد فهو على كل شيء قدير، إذن إذا عمل طاعة يقول بفضل الله وإذا عمل معصية يقول بعدل الله، ولهذا كان أساس كل خير أن يعلم العبد أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. الأدلة من القرآن على هذا القسم من الإرادة: 1- قال الله جل وعلا (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء) ، فالمراد من قوله (فمن يرد الله أن يهديه – يرد أن يضله) إرادة كونية قدرية لا يختلف مقتضاها، فمن أراد الله هدايته كوناً وقدراً فسيهتدي ولا بد ومن أراد إضلاله كوناً وقدراً سيفعل ولابد، وهو الحكيم سبحانه يضع الأمور في مواضعها. 2- وقال جل وعلا في سورة البقرة آية 253 (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم ومن كفر، ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) فقوله (ولو شاء الله ما اقتتل ... ) المراد منه مشيئة كونية قدرية لا يتخلف مقتضاها. والآيات في هذا كثيرة. القسم الثاني: إرادة دينية شرعية:

وتكون في خصوص ما يحبه الله ويرضاه فقط وقد يوجد مقتضاها وقد يتخلف، وفي الغالب يتخلف مقتضاها ولا ينتج عن تخلف مقتضاها أي إشكال لأن المشيئة الدينية بمعنى الأمر فإذا أمرنا الله بشيء ولم نمتثله ولم نفعله نعاقب وليس في عدم فعلنا إلغاء لأمر الله جل وعلا، وإذا قمنا به أثابنا الله ورضي عنا. الأدلة من القرآن على هذا القسم من الإرادة: 1- قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، (يريد الله بكم السير) أي يأمركم باليسر، فقد يمتثل أشخاص وقد يخالف أشخاص في ذلك، ولو كانت الإرادة هنا إرادة كونية قدرية لما وقع عسر في هذه الحياة أبداً بل لكان كل شيء يُسْراً، لكن ليست الإرادة كذلك بل هي دينية شرعية قد يوجد مقتضاها وقد يتخلف، فالله يحب اليسر وأمرنا به ويكره العسر وينهانا عنه وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [يسروا ولا يتعسروا، بشروا ولا تنفروا] ، لكن كم من إنسان ينفر ولا يبشر، وكم من إنسان يعسِّر ولا ييسِّر؟!. 2- وقال جل وعلا في سورة المائدة (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم) فالإرادة هنا دينية شرعية يحبها ربنا جل وعلا، ولا يحب الله أن يكون عليكم حرج أو شقة، ولكن يريد أن يطهركم، ولو كانت إرادة كونية لانتفى الحرج في هذه الحياة ولحصلت الطهارة لجميع المخلوقات لكنها إرادة دينية قد يوجد مقتضاها وقد يتخلف وفي الغالب يتخلف فمن يعصي الله في هذه الحياة أكثر ممن يطيعه وأهل النار من كل ألف 999 وواحد من الألف إلى الجنة (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) فهي نسبة كبيرة كثيرة لم يَسْلم من الألف إلا واحد.

ولذلك ثبت في المسند والصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يقول الله يوم القيامة لأهون أهل النار عذاباً أرأيت لو كان لك الدنيا وما فيها أكنت مفتدياً بها من عذاب يومئذ، فيقول: نعم يا رب، فيقول الله له: أردت منك ما هو أهون من ذلك ألا تشرك بي وأنت في صلب أبيك آدم (¬1) فأبيت إلا الشرك] . ... فقوله [أردت منك ... ] المراد بالإرادة هنا الإرادة الدينية الشرعية أي أحببت منك وأمرتك بما هو أهون من ذلك فإن وحدت حصل المطلوب وأثبتك وإن جحدت عاقبتك، إذن فقد يوجد مقتضى هذه الإرادة وقد يتخلف ولذلك هذا – في الحديث – كفر ودخل النار فلم يحقق مقتضى الإرادة وليس في هذا إلغاء لقدر الله. س: لفظ (أهل النار) ألا يشمل المؤمنين العصاة الذين سيعذبون ثم يخرجون؟ ج: لفظ (أهل النار) إذا أطلق ينصرف لأهلها الذين هم أصحابها، أما المؤمنون فليسوا بأهلها ولا من أصحابها فوجودهم فيها عارض وليس للاستيطان فهم كالمسافر فإنه لا ينسب إلى البلد التي يجلس فيها فترة وجيزة بل ينسب إلى بلده الذي يقيم فيه، ولا ينسب إلى بلد إلا من هم أهله أصلاً أو جاءوا وأطالوا المكث في البلد وأطالوا الإقامة فينسبون له، فالنار لا تنسب إلا لأهلها الأصليين وهم الكفار وأما المؤمن العاصي فهذا مروره في النار عارض بل ليطهر ثم لينقل بعد ذلك إلى جنات النعيم برحمة أرحم الراحمين. ... وعند المحدثين لا ينسب الإنسان إلى بلده إلا إذا أقام فيها، أربع سنين، فيصح أن تنسبه إليها وتقول مستوطن أصلي ولا أقول كتعبير الجاهلية في هذا الحين مواطن، فليس عند المؤمنين إلا جنسية واحدة هي جنسية (لا إله إلا الله) . وصفوة الكلام وخلاصته: إرادة الله ومشيئته قسمان: ¬

_ (¬1) أي في صلب أبيك آدم أخذت عليك الميثاق وأقررت على نفسك وشهدت عليك ثم لما خرجت إلى الحياة أبيت إلا الشرك برب الأرض والسماء.

1- إرادة أمر وتشريع وتكون هذه الطاعات والمعاصي سواء وقعت أو لم تقع، والمقصود أن ما أمرنا به الله ونهانا عنه مرادٌ له إرادة دينية شرعية. 2- إرادة قضاء وتقدير وهي شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات لا يخرج عنها شيء على الإطلاق، ولذلك كانت من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: [أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بَرُّ ولا فاجر من شرما خلقت] فكلمات الله هنا هي: الكونية لأنه قال لا يجاوزها ولا يخرج عنها بر ولا فاجر. إذن الإرادة الدينية الشرعية قد تقع وقد لا تقع، والإرادة الكونية لابد من وقوعها والإرادة الدينية الشرعية تتعلق بما يحبه الله ويرضاه، والإرادة الكونية تتعلق فيما يحبه وفيما يكرهه فمن لازم ما يريده الله إرادة دينية شرعية أن يحبه ويرضاه، ومن لازم ما يريده إرادة كونية قدرية أن يقع ولا يتخلف. المبحث الثالث العلاقة بين الإرادتين: تتحدد العلاقة بينهما في أربع صور ليس لها خامس: ? الصورة الأولي: اجتماعهما: أي: أن توجد الإرادة الكونية المقدرية والإرادة الدينية الشرعية. مثالها: إيمان المؤمن، تحجب المرأة الصالحة، باختصار: كل طاعة تقع في هذه الحياة، فهي تقع بإرادة الله الدينية والكونية، بإرادة الله الدينية حيث أمر الله بها وأحبها، وبإرادته الكونية حيث قدرها وشاءها فلولا ذلك ما حصلت. ... فإذن الله أراد الإيمان من المؤمن إرادة دينية لأنه يحب هذا ويرضاه، وأراده إرادة كونية لأنه وقع منه، ولو لم يرده منه كوناً لما وقع منه. ? الصورة الثانية: انتفاؤهما: أي: لا توجد الإرادة الكونية القدرية ولا الإرادة الدينية الشرعية. مثالها: انتفاء الكفر في حق المؤمن.

.. فانتفى الكفر في حق المؤمن لانتفاء الإرادتين، لا، هم لم يأمروا به (إن الله لا يؤمر بالفحشاء) وبالتالي فلم تتعلق به الإرادة الدينية الشرعية، وكذلك لم يقدرهم عليه حيث لم يكفروا وبالتالي لم تتعلق به الإرادة الكونية القدرية، فإذن انتفت الإرادتين. ... ومثله: انتفاء السفور في حق المرأة المتحجبة، وباختصار: كل شيء لم يقع مما يكرهه الله ويبغضه فلانتفاء الإرادتين الكونية لأنه لم يقع، وانتفت الإرادة الكونية لأنه مما يبغضه الله. ? الصورة الثالثة: وجود الإرادة الدينية الشرعية فقط وتخلف الإرادة الكونية القدرية: مثالها: طلب الإيمان من أبي جهل وأبي لهب ومن الكفار جميعاً فالله سبحانه وتعالى أراد الإيمان منهم وأمرهم به (اعبدوا الله مالكم من إله غيره) إرادة دينية شرعية لأن الإيمان مما يحبه الله، ولكن الله جل وعلا لم يرد هذا منهم كوناً وقدراً لأنه لم يحصل منهم لأنه لو أراده كوناً وقدراً لحصل منهم، فلما لم يحصل منهم علمنا أن الإرادة الكونية منتفية في حقهم. ? الصورة الرابعة: (عكس السابقة: وجود الإرادة الكونية القدرية) : وتخلف الإرادة الدينية الشرعية: مثالها: كفر أبي جهل: فالله لم يأمر أبا جهل ولم يرد منه الكفر إرادة دينية شرعية بها طلب منه الإيمان، وقع هذا بإرادته الدينية لا الكونية، لأنه لو وقع طلب الإيمان بإرادة كونية قدرية لما تخلف مقتضاها، لكن ليس الحال كذلك فالذي وقع بإرادة الله الكونية القدرية هو الكفر، فلذلك إذن وجدت الإرادة الكونية القدرية فقط، وتخلفت الإرادة الدينية الشرعية لأن الكفر ليس مما يحبه الله ويرضاه. ... هذه هي الصورة الرابعة للإرادتين س: بالنسبة لأمر الله هل ينقسم إلى أمر كوني قدري وأمر ديني شرعي؟ ج: لا شك أن أمر الله وإرادته ومشيئته وكلماته كل هذا ينقسم إلى كوني وشرعي قال الله تعالى في سورة الإسراء: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً) .

(أمرنا مترفيها) اختلف أئمتنا الكرام في الأمر هنا على قولين: فقيل: أنه من الأمر الذي هو ضد النهي وقيل: أنه من الأمر الذي هو بمعنى التكثير وعلى القول الأول – الأمر الذي هو ضد النهي – فيحتمل معنيين أيضاً: الأول: أي أمرنا مترفيها بالفسق ففسقوا وعليه فالآن هنا أمر كوني قدري، كما قال الله تعالى: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً ... ) أي الأمر الكوني القدري، بمعنى شئنا لهم ذلك وقدرناه عليهم لما نعلمه من حكمة فيهم. الثاني: قيل يوجد في الآية شيء محذوف والتقدير: أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا عن شرع الله وعليه فالأمر هنا ديني شرعي. ... والمعنيان تحتملهما الآية وكل منهما مقرر في كتب التفسير، وهو قول حق مقبول، وانظروا هذا في تفسير ابن كثير وغيره. وعلى القول الثاني – أي بمعنى التكثير – فمعنى كثّرنا، يقال: أَمِرَ كذا بمعنى كثّر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في المسند ومعجم الطبراني بسند رجاله ثقات كما قال الهيثمي: [خير مال المرء مُهْرة مأمورة أو سكة مأبورة] . ... فمعنى مأمورة هنا كثيرة النتاج والنسل، وهذا حقيقة من خير مال المسلم أن تكون له خيل تنتج الأولاد الذين يُغزى عليهم في سبيل الله ويستعان بهم على أمور الحياة والخيل هي وسيلة الجهاد المفضلة لاسيما عندما كان الجهاد بالسلاح الأبيض لا بالسلاح الأسود، والآن يجلسون في الخنادق ويحاربون، هذه ليست شجاعة، بل الشجاعة هي المواجهة وجهاً لوجه والتبارز. [أو سكة مأبورة] أي طريق مصطف بالنخل، مأبورة أي مؤبرة ملقحة بوضع طلح الذكر على الأنثى لئلا يسقط الحمل.

ويشهد لهذا المعنى قراءة يعقوب وهو من القراء العشرة المتواترة قراءاتهم، حيث قرأ الآية (وإذا أردنا أن نهلك قرية آمرنا..) والقراءة متواترة، أي أكثرناهم كثرة زائدة، لا، المسرفين إذا أكثروا وكثر الترف والبطر والأشر تستحق الأمة بعد ذلك العقوبة، قال الإمام الكسائي: آمرنا وأمرنا بمعن ً واحد بمعنى أكثرنا. ... وهناك قراءة للحسن البصري وهي شاذة لا يجوز القراءة بها لكن توجه من ناحية المعنى واللغة بتشديد الميم ( ... أمّرنا ... ) أي جعلناهم أمراء مسلطين. الأمر يكون كونياً ويكون دينياً، فهو كوني قدري لكن حسب التقدير: أمرنا بالطاعة فالأمر ديني، أمرنا بالفسق فالأمر كوني. المبحث الرابع الضالون الزائغون في قدر الحي القيوم: ضل في قدر الله وإرادته وتقديره ومشيئته فرقتان: 1- قدرية مجوسية. 2- قدرية جبرية. الفرقة الأولي: القدرية المجوسية: فقد ظهرت بذورها في أواخر أيام الصحابة الكرام وأول من دعا إليها نصراني ملعون اسمه (سوسن) (أي هو أول من أظهر بذورها دون تحديد معالم هذا القول الباطل) . وهذه الضلالة التي أحدثها تلقاها عنه شيطان رجيم هو معبد الجهنمي وحاصل قوله: 1) أن الله لا يعلم الشيء إلا بعد أن يقع. 2) وأنه لم يقدر شيئاً. 3) أنه لم يرد شيئاً ولم يشأه. وكان هو أول من قال بهذا، وهذا هو قول المتقدمين من القدرية المجوسية ويسمون القدرية الغلاة ثم انقرض من قال هذا القول بعد ذلك وذهب أهل هذا القول، فجاء بعدهم من انتسب إليه وقال بقول آخر، سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. فإذن أول من قال بهذا الضلال معبد الجهنمي فهو الذي حدد معالم هذا القول، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول له، يا تيس جهينة لست من أهل السر ولا من أهل العلانية، لا ينفعك الحق ولا يضرك الباطل أي أنت أحمق سفيه لا تصلح لا لليسر ولا للجهد ولا للسلم ولا للحرب ثم بعد ذلك لو علمت الحق لا تنتفع به ولو عرفت الباطل لا تتضرر به.

وقال مسلم بن يسار: احذروا معبداً فإنه ضال مضل، إنه يقول بقول النصارى، وهكذا قال الحسن البصري. ... ولما ظهرت مقالة معبد هذه أخذه الحجاج – بأمر من عبد الله بن مروان – فقطع يديه ورجليه ثم صلبه وحرّقه بالنار، وهذه من حسنات الحجاج لكنها مغمورة في بحر سيئاته كما تقدم معنا. ... وأول حديث في صحيح مسلم في كتاب الإيمان يتعرض لذكر معبد الجهنمي وضلاله، فعن يحيى بن يَعْمُر (ويصح: ابن يَعْمَد) قال: كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهنمي، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين، فقلنا لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القدرى، فَوُفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قِبَلَنا أناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم (¬1) ¬

_ (¬1) أي يتتبعون غوامضه ويبحثون عن خفيه بعد أن أحكموا ظاهره وواضحه وجليله [وذكر من شأنهم] أي عن عبادتهم واجتهادهم في طاعة الله لأنهن كانوا في البصرة وأهل البصرة ظهر فيهم النسك والتقشف والزهد في أول الأمر كما ظهر في الكوفة الفقه والاستنباط والاجتهاد ولذلك كان أئمتنا إذا أرادوا أن يخبروا عن تنسك إنسان يقولون عبادته عبادة بَصْرية وإذا أرادوا أن يخبروا عن فقهه وسعة نظره واستنباطه واجتهاده قالوا فقهه فقه كوفي وأول من بنى دويريه للعبادة الزهاد في البصرة هو عبد الواحد بن زيد عليهم جميعاً رحمة الله..

وذكر من شأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم ساق حديث جبريل الطويل وفيه: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ... الحديث. الشاهد في الحديث: قول يحيى بن يعمر كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهنمي، فقال إن الأمر أُنُف أي مستأنف جديد، ولم يقدر الله شيئاً في الأزل ولا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، وهؤلاء أصحاب هذا القول هم أهل جد واجتهاد وحزم في العبادة ولذلك ذكر يحيى بن يعمر وصفهم لعبد الله بن عمر فقال له يتقفرون العلم وذكر من شأنهم أي عن عبادتهم واجتهادهم في طاعة الله. ... وهؤلاء هم القدرية الغلاة والقائل بقولهم كافر عند المؤمنين والمؤمنات وهم الذين نفوا علم الله وقالوا الله لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، وفي الحقيقة هذا فيه أعظم نقص في الله عز وجل إذا انتفى علمه وكان لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها ثم إن العباد لا يعلمون الشيء بعد وقوعه فكيف نسوي الخالق بالمخلوق؟!! إن الله سبحانه وتعالى 1) بكل شيء عليم 2) على كل شيء قدير 3) فعال لما يريد، فهذه الأمور الثلاثة على إطلاقها وعمومها لا تكون إلا لربنا سبحانه وتعالى (إنما أمره إذا أراد شيئاً إن يقول له كن فيكون) وأما أنا وأنت فيما يكون مما لا نريده أكثر مما يكون مما نريده، وكم من إنسان يتمنى أماني لعله لا يقع عشر معشارها.

.. الحاصل: أنه بعد أن قتل الحجاج معبداً ذهبت البدعة من البصرة إلى الشام، والذي تولى نشر البدعة في بلاد الشام – بعد قتل معبد – هو غيلان الدمشقي – وقال بقول معبد فاستدعاه عمر بن عبد العزيز وكان خليفة المسلمين آنذاك – وناظره فرجع عن ضلاله، ثم قال – أي غيلان -: يا أمير المؤمنين كنتُ أعمىً فبصَّرْتني وضالاً فهديتني، وأصم فأسمعتني، جزاك الله خيراً لن أعود إلى هذه الضلالة، فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن كان عبدك غيلان صادقاً ثبته واشرح صدره، وإن كان كاذباً فعجل عقوبته.

.. فبقي غيلان في عهد عمر على حاله لم يصدر شيئاً بدعياً أو شيئاً من وساوس الشيطان التي تاب عنها ظاهراً وأما في السر فبقي على ضلاله ولذلك بمجرد موت عمر بن عبد العزيز رحمه الله أعلن غيلان بهذه البدعة ودعا إليها، فاستدعاه الخليفة في ذلك الوقت هشام بن عبد الملك وناظره سيد المسلمين في ذلك الوقت الإمام الأوزاعي ليرجع عن ضلاله فلم يرجع، فقال الإمام الأوزاعي: يا أمير المؤمنين لا يستحق إلا القتل، فقتله هشام، وقد كان هشام بن عبد الملك من أكثر الخلفاء تورعاً في الدماء وكان لا يتعجل في قتل من يثبت عليه الكفر ويقول لعله يتوب لعله يقلع لعله..لعله - وهذا في الحقيقة أمر حسن في الخليفة والمسؤول – فلما أفتى الإمام الأوزاعي بقتله كأنه اعترى هشام شيء من الندم بعد قتله وقال ليتني توقفت ولم استعجل بقتله، فكتب إليه رجاء (¬1) بن حَيْوَهْ: يا أمير المؤمنين: بلغني أنه وقع في نفسك شيئٌ من دم غيلان، والله إن قتله أفضل عند الله من قتل ألفين من الروم (¬2) . وبمقتل غيلان زالت بدعة القدرية الغلاة ولم يبق قائل بتلك البدعة بعد غيلان، لكن المنهج تغير إلى المعتزلة فآل القول إليهم ونحتوا المذهب بعض النحت فانظروا ماذا قالوا: 1) قالوا: إن الله يعلم الأشياء بعد وقوعها – وبهذا خالفوا قول القدرية الغلاة لكنهم ضلوا في الباقي، فقالوا: 2) إن الله لم يقدر على عباده شيئاً. 3) إن الله لم يرد إلا ما أمر به وأحبه. ¬

_ (¬1) وكان من شيوخ أهل الشام الصالحين، وكان مسلمة بن عبد الملك بقول بدعاء رجاء يسقينا الله غيث السماء وبدعائه ينصرنا الله على الأعداء. (¬2) أي فطب نفسك ولا تملها، لأن غيلان هذا الآن مرتد، ثم إنه يفسد الإسلام، باسم الإسلام، فهو أخطر ممن يفسد الإسلام باسم الكفر فهو كافر (باقي الحاشية لا تظهر في التصوير)

فبالقول الأول فارقوا القدرية الغلاة وبالقولين الأخيرين فارقوا أهل السنة، فليسوا بقدرية غلاة وليسوا بأهل هداة، وهذه الاعتقادات الثلاثة تدخل تحت أصل من أصولهم الخمسة – وستأتي – يسمونه العدل. وأول من قال بهذا القول – قول المعتزلة – واصل (¬1) بن عطاء الغزّال وتبعه عليه أبو عثمان عمرو بن عبيد، وهؤلاء المعتزلة أتوا بأصول خمسة هدموا بها أركان الإيمان - وهي من مباحثنا المقررة -: أصول المعتزلة الخمسة: الأول: العدل ¬

_ (¬1) وضع المعتزلة سوّء الله وجوههم حديثاً موضوعاً في واصل، في طبقات المعتزلة لقاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي، يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ليكونن في أمتي رجل اسمه واصل يفصل الله به بين الحق والباطل] وعمرو بن عبيد شغف بشيخه الضال واصل شغفاً كبيراً، بحيث زوجه أخته – أي عمرو وزوج لواصل أخته – وقال: أريد أن يأتيها ولد منك فيقال خال أولاد واصل هو عمرو بن عبيد، فقطع الله نسله ولله الحمد وما أنجبت شيئاً، وواصل بن عطاء كان فصيحاً مفوهاً بليغاً وكان من العلماء، وهكذا عمرو بن عبيد، وقد كان – أي عمرو تلميذاً للحسن البصري، ويقول الحسن في عمرو بن عبيد: (نعم الفتى عمرو لو لم يحدث) والحسن البصري قال هذا قبل أن يجهر عمرو ببدعته وكأنه كان يتوسم فيه هذا وإن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم، قال أئمتنا: فأحدث والله أعظم الحدث، وكانوا يقولون نحن أرجى للحجاج منا لعمرو بن عبيد لأنه بدعة الحجاج زالت وانقضت وأما هذا فقد ترك الأمة على مثل لُجج البحار، فهذه بدعة لم تَزُل، وأما بدعة الحجاج فزالت لأن المبتدع خطره أعظم من فاعل الكبيرة.

.. وإليه ينسبون أنفسهم فيقولون الطائفة العدلية، ويقصدون بالعدل نفي عموم مشيئة الله، يعني هم لا يقولون على جهة العموم – ما شاء الله كان، بل يقولون: الله يريد الخير ولا يريد الشر – وقد قلنا إن أكثر ما يقع في هذه الحياة الدنيا مخالفات ومعاص ٍ فهذه تقع بغير مشيئته سبحانه وتعالى يقولون: لا، نقول: إذن بمشيئة من تقع؟!! هذا بزعمهم عدل، إنه جور. الثاني: التوحيد: ... ويقصدون بالتوحيد نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى فليس له صفة تقوم به، فنفوا الصفات وتعللوا بأمرين: الأمر الأول: إن إثبات الصفات يقتضي تعدد القدماء، والله واحد، فلئلا يتعدد القدماء تنفى الصفات عن رب الأرض والسماء، وهذه الصفات رحمة، قدره، علم وما ورد به القرآن قالوا: هذه أعلام محضة مترادفة تدل على الذات فليس لها معنىً آخر هذا كما تقول: حسام ومهند وحازم وصمصام فهذه كلها أعلام محضة مترادفة تدل على ذات معينة وهي قطعة الحديد التي هي السيف. نقول: هذا باطل من جهتين: 1) هذه الأسماء لها معانٍ وهذه المعاني مختلفة وليست بمعنىً واحد وليست مترادفة، فليس الحال كما هو في أسماء السيف. 2) نقول: هذه الأسماء ليست هي الذات إنما تقوم بالذات، فمثلا ً، علمك وقدرتك ووجهك وسمعك وبصرك ليست هي ذاتك بل هي تقوم بذاتك، فكذلك الله سبحانه وتعالى، وله المثل الأعلى سبحانه. الأمر الثاني: قالوا: لو أثبتنا لله الصفات للزم من هذا مشابهته بالمخلوقات، أي لو أثبتنا لله جل وعلا وجهاً وعلماً وقدرة وإرادة وسمعاً وبصراً للزم من هذا تشبيهه بنا. نقول: إننا نرى الفرق واضحاً بين يد الإنسان ويد الكلب، ويد الباب فلكل واحد يد تناسبه مع أنها مخلوقات فكيف سيلزم التشبيه بين الخالق والمخلوق إن كان مخلوق مع مخلوق لم تتشابه أيديهم وله المثل الأعلى.

ونقول لهم يلزم التشبيه في حالة واحدة إذا اتحدت الذوات والصفات تتشابه فمثلاً ذاتي وذواتكم متشابهة فعندما أقول لي عين نقول مباشرة: كعيني، ولا يصح إذا قلت لك لي وجه ولك وجه أن تقول كوجه الصرصر لأن هنا الذرات اختلفت فذات البشر غير ذات الصرصر، فإذا اختلفت صفاتنا لاختلاف ذواتنا، فكذلك الخالق سبحانه وتعالى ذاته ليست كذواتنا وصفاته ليست كصفاتنا فلا يلزم التشبيه من باب الأولي، والله ليس كمثله شيء ولذلك إيماننا بالصفات – كما تقدم – إقرار وإمرار، نقرّ بالصفة ونمرها دون البحث في كيفيتها. إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده فهم أرادوا أن يعملوا عقولهم في أمر غيبي فضلوا وأخلوا، كيف نأتي لصفات مدح الله بها نفسه فننفيها، وهل تعقل ذات بلا صفة؟!! ونفي الصفات هو التعطيل المحض ولذلك قال أئمتنا المعطل يعبد عدماً، والممثل يعبد صنماً وتوحيدهم في الحقيقة تلحيد. الثالث: المنزلة بين منزلتين: وهذه من أحكام الدنيا لا من أحكام الآخرة، ويعنون بها أن من فعل كبيرة ولم يتب منها ومات على ذلك فهو مخلد في نار جهنم – هذا في الآخرة – لكنه ليس بمؤمن ولا كافر – هذا في الدنيا -، وهذا هو قول الإباضية وتقدم معنا، وأما الخوارج فكفَّروا فاعل الكبيرة، وأخرجوه من الإيمان وخلدوه في النيران، وأهل السنة قالوا فاعل الكبيرة: مؤمنٌ عاص ٍ فلم يكفَّروه، وقالوا مآله إلى الجنة مهما عذب إذا لم يغفر الله له ابتداءً. ... وأما المعتزلة فتذبذبوا فقالوا لا نكفره كما كفره الخوارج ولا نحكم له بالإيمان كما قال أهل السنة، فهو لا مؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين بين الإيمان والكفر، وأما في الآخرة فلأنه لا يوجد إلا داران إما جنة أو نار فقالوا هو مخلد في النار.

نقول: كيف لم تكفروه وحكمتم عليه بالخلود في النار، ولذلك قول الخوارج – مع ضلاله – أوفق مع بعض فهم كفروه وخلدوه، وأما هؤلاء فقالوا ليس بكافر وخلدوه في النار ولذلك كان أئمتنا يقولون عن المعتزلة في هذه المسألة: إنهم مخانيث الخوارج لأنهم وافقوهم في النتيجة (الخلود في النار) . الرابع: إنفاذ الوعيد: ... يعنون به أنه يجب على الله أن يعاقب العاصي ولا يجوز أن يغفر له وذلك العقاب هو؟؟؟ وتقدمت معنا مناظرة أبي عمرو بن العلاء وأبي عثمان عمرو بن عبيد. نقول: هذا الوجوب باطل لأن كل وعيد مقيد بقيدين: 1) عدم مغفرة الله للعاصي، فإذا غفر له لا يناله الوعيد، لحديث عبادة مرفوعاً [..ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه] كما رواه الإمام أحمد والستة إلا أبا داود، وتقدم معنا أن أعظم آيات الرجاء رجاءً قول الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . 2) عدم التوبة، فإذا تاب لا يناله الوعيد، والمعتزلة سلموا بهذا القيد – عدم التوبة – فقالوا من تاب لا يناله الوعيد فإذن هو قيد مجمع عليه، قالوا: هذا قيد لأنه ورد بدليل منفصل (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) ، (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً) .

وهذا حق من المعتزلة، لكن نقول لهم كما جعلتم عدم التوبة قيداً فتجعلوا عدم المغفرة قيداً، قالوا: لا نجعله قيداً لأنه إذا غفر له فيكون قد أخلف وعيده فهذا كذب منه، فنقول لهم: ذلك الوعيد مقيد بعدم المغفرة كما أنه مقيد بعدم التوبة، وكما أخرجتم قيد عدم التوبة بدليل منفصل فأخرجوا القيد الثاني (عدم المغفرة) بدليل منفصل، فلم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟!، فالله سبحانه وتعالى قال: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقال (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) . وقد دلت الأدلة الشرعية على أن التوبة مقبولة ما لم يصل الإنسان إلى أحد حالتين: أ) الغرغرة، فإذا وصلت روح الإنسان إلى حلقومه لم تقبل توبته لأنه يدخل في أول حالة من أحوال الآخرة وهي البرزخ، والدنيا انتهت في حقه الآن، لما ثبت عن عبد الله بن عمر – والحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن حبان – بسند صحيح – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر] . ب) طلوع الشمس من المغرب، فإذا طلعت من مغربها لا تقبل توبة التائبين، لأن نظام الحياة انتهى ودخل الناس في أحوال الآخرة. الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ويقصدون به وجوب الخروج بالسيف على أئمة الجور، هذا يدَّعون أنه أمر بمعروف ونهي عن منكر، والله إنه توسيع للمنكر وليس نهياً عن المنكر. نقول: الأئمة ثلاثة أصناف:

1- إمام إيمان وعدل، وصفاته بالإجماع: أن يكون ذكراً، حراً، عاقلاً، بالغاً، بايعته الأمة عن رضاً واختيار، يحكم بشريعة العزيز القهار (ستة) ، واختلف في السابع وهو القرشية والمعتمد عند جمهور أهل السنة اشتراط القرشية في الإمام ليكون من أئمة العدل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الأئمة من قريش] والمراد بالإمام هنا الإمام الأعظم الذي هو خليفة المسلمين، لا ولاته ووزراؤه وأعوانه فهؤلاء لا يشترط فيهم القرشية بالاتفاق، وكما قال أبو بكر رضي الله عنه للأنصار [نحن الأمراء وأنتم الوزراء] . (؟؟؟؟) صلى الله عليه وسلم، وحب هذا الإمام من أفضل خصال الإيمان، وإنه هو الإمام الذي يحفظ بَيْضة الإسلام ويجمع كلمة المسلمين. 2- إمام جَوْر: وهو من يحكم بشريعة الله جل وعلا في رعيته لكنه يفرط في حق نفسه فيشرب الخمر أو يعمل الفواحش. هذا الإمام لا يجوز الخروج عليه بالسيف، لأن شريعة الله منفذة وأما وزره فيبقى في رقبته، فلا نخرج عليه لأن الخروج عليه سيزيد الأمر سوءاً وبلاءاً وفتنة وضرراً، فلا ندفع مفسدة بمفسدة هذا كحال كثير من خلفاء الدولة الأموية والعباسية وغيرها، فمثلا ً الحجاج كان سفاكاً وكانت شريعة الله منفذة فلو أن السلف لم ينازعوه ولم يقاوموه لما أريقت هذه الدماء التي أراقها والتي بلغت (120.000) نفساً كما ثبت في سنن الترمذي عن هشام بن حسان مقطوعاً عليه، فمثل هذا ينبغي أن يترك ويلجأ إلى الله بأن يصلح حاله وحالنا.

.. قال أئمتنا: هذا الإمام لا يجوز الخروج عليه، لكن إن أمكن عزله بلا فتنة وبلا إراقة قطرة من دم وجب، وهذه صورة نظرية ليست عملية فهي تتوقع في حالة واحدة وهي لو أن الإمام جرى منه شيء من الجور وحصل منه بعض الفسق فذهب إليه بعض أهل الخير ونصحه بالتوبة أو يترك الإمامة فقال – أي الإمام – إن كنتم لا ترغبون فيَّ فقد عزلتُ نفسي، فهذه هي الصورة التي يمكن أن يعزل بها الإمام دون إراقة دماء، وما عدا هذه الصورة ستراق الدماء هذا عند أهل السنة الكرام. ... وعند أهل المعتزلة: قالوا إذا فسق الإمام وجب الخروج عليه بالسيف ولو أن الأمة كلها ستهلك هذا قاله المعتزلة ولم يطبقوه فكان كلاماً نظرياً، فإنه لم يكن يسير وراء خلفاء الجور ويمشون وراءهم إلا المعتزلة، فمثلاً عمرو بن عبيد كان صديقاً حميماً لأبي جعفر المنصور، وأبو الهذيل العلاف من أئمة المعتزلة كان أستاذاً للخليفة العباسي المأمور، وأحمد بن دؤاد كان قاضي القضاة – وهو معتزلي – لثلاثة من خلفاء بني العباس.

.. فالمعتزلة أوجبوا الخروج عليهم – ولا أقول سكتوا – بل خالطوهم، وأما أهل السنة فاعتزلوا الخلفاء مطلقاً ولم يتصلوا بهم ورأوا في العزلة السلامة، ولما جاء الخليفة المتوكل ليزور الإمام أحمد اعتذر الإمام عن زيارته والخليفة واقف على الباب، فخرج ولده – ولد الإمام أحمد – عبد الله فقال لأبيه الخليفة يستأذن لزيارتك، فقال: قل له ولم يخرج لمقابلته أمير المؤمنين أعفاني مما أكره وهذا مما أكره، أي أكره دخول الخليفة إلى بيتي، فانصرف الخليفة المتوكل، فانظر أولئك يذهبون يتمسحون بالخلفاء وانظر لأئمة أهل السنة يأتيهم الخلفاء فيرفضون دخولهم منازلهم، ولذلك قال عبد الله بن مسعود – كما في سنن الدارمي – "ومن أراد أن يكرم دينه فلا يخلون بالنسوان، ولا يدخلن على السلطان، ولا يجادل أهل الأهواء"، فامرأة لا تخلو بها ولو خدعك الشيطان بأن تعلمها القرآن فانتبه واحذر!! ولذلك كل من كان سبباً لفتنة كان أئمتنا يعبسون في وجهه ولا يضحكون، فإياك أن تضحك في وجه امرأة ليست من محارمك، أو أن تسمعها كلمة ليونة، وإذا قابلت مبتدعاً فإياك أن تبشر في وجهه فذاك يطمع في إغوائك، وهذه تطمع في إغوائك، قال بعض المبتدعة لأيوب السختياني: قف حتى أكلمك كلمة، قال أيوب: ولا نصف كلمة. 3- إمام كفر: وهو الذي لا يحكم بشريعة الله المنزلة، هذا بالإجماع من قدر على إزالته فلم يُزله إثمه في رقبته، وإذا لم يقدر فيجب عليه أن يغير على حسب استطاعته، وإذا لم يقدر فيجب عليه أن يهاجر إن أمكنه، وإذا لم يقدر فليصبر وليلجأ إلى الله جل وعلا فيلقى الله معذوراً إن شاء الله و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . مناقشة أصل (العدل) الذي نسبوا إليه أنفسهم، ومناظرتهم في قولهم، إن الله علم الأشياء في الأزل، لكنه لم يقدر على عباده شيئاً ولا يريد إلا ما أمر به:

قول المعتزلة بأن الله قدر الخير وأراده ولم يقدر الشر ولم يرده والعباد يخلقون أفعالهم، قولٌ باطل دلت الأدلة الشرعية على بطلانه، وقد أشار أئمتنا إلى تلك الأدلة ووجهونا إلى مناظرتهم بها، من ذلك: أ) ما قاله إمام أهل السنة الإمام الشافعي: "ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه كفروا". ونِعْم ما قال. أي الأمر يسير في مناظرة المعتزلة قولوا لهم: ... هل الله يعلم الأشياء قبل وقوعها أم لا؟ أي الله يعلم ما سيعمله العباد أم لا؟ إن قالوا نعم، خصموا وبطل قولهم، ووجه ذلك: أن الله إذا علم الأشياء في الأزل قبل وقوعها إذن علم الخير والشر فإذن قدر على عباده ما سيعملونه، وإن قالوا لا، التحقوا بالقدرية الغلاة وهم الذين كفروا وتقدم أنهم أنكروا سبق علم الله لوقوع الأشياء. ب) وقال الإمام أبو الفضل العباسي الشَّكْلي – كما في كتاب الشريعة للآجرّي صـ244 – "أمران يقطع بهما المعتزلي، فنقول له: هل قدر الله فلم يرد، أو أراد فلم يقدر". ... أي إن قالوا قدر الله على هداية الناس جميعهم فلم يرد، فحينئذ يكون قولهم قد بَطل وانتقض، فهذا هو قول أهل السنة إذ من يستطيع أن يهدي من لم يرد الله هدايته (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً) ، فقدر لكنه لم يرد، لحكمة بالغة تامة له سبحانه وتعالى. ... وإن قالوا أراد الله هدايتهم لكنه لم يقدر فحينئذ هم كفروا بهذا القول لأنهم وصفوا الله بالعجز حيث غلبت الناس إرادته تعالى الله عن ذلك. ... ولذلك قال الإمام عبد الرحمن العلامي (ت 795 هـ) في السنة التي توفي فيها ابن رجب الحنبلي قالوا يريد ولا يكون مراده ... عدلوا ولكن عن طريق المعرفَهْ (يريد) أي يريد للناس الإيمان ولا يكون مراده. (عدلوا) أي مالوا عن الهدي إلى الباطل والضلال، فالله أراد هداية الناس لكنهم عارضوه وخالفوه فما اهتدوا.

ومن جملة مناظرات أئمتنا الهداة للمعتزلة الضالين في إبطال قولهم هذه المناظرة المحكمة السديدة (موجودة في طبقات الشافعية الكبرى (4/261) و (5/98) ، الفتح (13/451) ، وأوردها شيخنا في دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب صـ286 في تفسير سورة الشمس عند قوله تعالى (فألهمها فجورها وتقواها) . وحاصلها: أنه اجتمع في مجلس ٍشيخان أحدهما مهتدٍ والآخر ضال، أما المهتدي: من شيوخ أهل السنة الكرام أبو إسحاق الإسفراييني، وأما الضال: عبد الجبار المعتزلي. فقال عبد الجبار (مُعرِّضاً بأهل السنة الأبرار) : سبحان من تنزه عن الفحشاء (¬1) . فقال أبو إسحاق: كلمة حق أريد بها باطل ثم أجابه فقال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء. فقال عبد الجبار: أفيريد ربنا أن يُعصى (¬2) ؟ فقال أبو إسحاق: أفيُعص ربنا مكرهاً (¬3) ؟ فقال عبد الجبار: أرأيت إن قضي عليّ بالردى (¬4) ومنعني من الهدى أحسَنَ إليّ أم أساء؟ فقال أبو إسحاق: إن كان الذي منعك ملكاً لك فقد أساء، وإن كان ملكه فهو الذي يفعل ما يشاء. ... فَبُهِتَ عَبْدُ الجبار، وقال الحاضرون: لا يستطيع أن ينازع هذا أحد، فهذا الآن من أئمة الهدى أي إن أعطاك ففضل وإن منعك فعدل، ولا يظلم ربك أحداً، وهذه المناظرة حقيقة تبطل مذهب المعتزلة بهذه الحجة المحكمة الدامغة. ... يقول إياس بن معاوية الذي يضرب به المثل بالذكاء والفراسة والألمعية: "ما ناقشت أحداً بجميع عقلي إلا القدرية" ثم قلت لهم، أخبروني عن الظلم ما هو؟ قالوا: الظلم أن تعتدي على غيرك بأن تأخذ حقه من غير إذنه أو تتصرف في ماله بغير إذنه. ¬

_ (¬1) ويقصد بذلك أن الله لم يقدر الشر ولم يرده. (¬2) كان يعرِّض والآن يصرح. (¬3) هنا جواب وحجة على الجواب، والمعنى: أنه يريد لأنه لو لم يرد لأكره العبد ربه في فعل المعصية. (¬4) الهلاك.

.. فقال لهم إياس: فهذا الكون ملك مَنْ؟!! هو ملك الله، فإذا تصرف الله فيه فهل يُعد هذا ظلماً؟! لا، مَنَّ على هذا بالهدى وخذل هذا ولم يوفقه. ... نعم أقام الحجة على جميع العباد وأرسل الرسل وأنزل الكتب ومنحنا العقول ثم بعد ذلك لطف بهذا المؤمن فوفقه، وخذل ذلك الكافر وما مَنّ عليه بالهداية، فأي ظلم في هذا؟!! الظلم هو أن تعتدي على حق غيرك وأن تتصرف في ماله بغير إذنه، ولا يدخل الظلم في دائرة أفعال الله سبحانه وتعالى وهذه المناظرة عن إياس أوردها الإمام ابن تيمية وهي في مجموع الفتاوى (18/139و 140) . ... إذن قول القدرية بأن الله لم يقدر الشر ولم يرده ولو قدره لكان ظلماً للعباد، هذه سفاهة وقلة أدب منهم مع ربهم جل وعلا، فلا يقع شيء إلا بعد تقدير الله له ذاك أمرنا به هذا نهانا عنه وأقام علينا الحجج، ذاك مَنَّ على من فعله وهو الطاعة، وهذا أخذل من فعله وهي المعصية (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً) أليس من الممكن أن يجعل الله أبا جهل كجبريل؟! ممكن لكنه لم يرد ذلك، فهل يقال ظلمه؟ نقول: لا فإن ذاك أعطاه الاختيار والعقل وأرسل الرسل وأنزل الكتب، فلا يقال عن ترك المنّ إنه الظلم، ولا يقال على عدم الفضل إنه ظلم ونحن نعلم يقيناً أنه لم يهتد مهتدٍ إلا بفضل الله لا بعقله ولا باختياره ولا بجده ولا بذكائه ولا بألمعيته، وقد ترى البدوي لا تلقي بالاً لخفة عقله ولكنه لا يفتر عن ذكر الله وترى صاحب العقل الضخم كافراً فما مَنَّ الله عليه بأن يوحده، فكون الله لم يعط فضله للكافر هذا لا يقال إنه ظلم فهذا ملكه يتصرف فيه كما يريد نعم نقول الله منّ على البدوي بالإيمان وشرح صدره (فألهما فجورها وتقواتها) .

.. وهذا الأمر أشار إليه نبينا صلى الله عليه وسلم وكان سلفنا الكرام يُذّكر بعضهم بعضاً استمعوا إلى هذا الحديث في صحيح مسلم في كتاب القدر (2650) (10) عن أبي الأسود (¬1) الدَّئلي يقول [قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قُضي عليهم ومضى عليهم مِنْ قدر ما سَبَق (¬2) ، أو في ما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت (القائل أبو الأسود) : بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم، فقال عمران: أفلا يكون ظلماً؟ يقول أبو الأسود: ففزعت من ذلك فزعاً شديداً (¬3) ، وقلت: كل شيء خَلق الله وملْك يده فلا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. ... فقال لي - عمران -: يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأَحزِر (¬4) عقلك، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي ومضى فيهم من قدر ما سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم. فقال: لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ] فجواب أبي الأسود كجواب النبي عليه الصلاة والسلام تماماً وسؤال عمران كسؤال الاثنين الذين أتيا من مزينة. ¬

_ (¬1) ويقال الدِّئلي، ويقال الدُّؤلي، ولا يذكر إلا بكنيته وهو تلميذ علي رضي الله عنه وصاحبه وهو الذي وضع قواعد النحو واسمه ظالم بن عمرو، وكان أئمتنا يتجنبون ذكر اسمه هذا فيقولون الكنية فقط، وهو سمي بهذا الاسم في الجاهلية وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبي عليه الصلاة والسلام. (¬2) أي في اللوح المحفوظ وأن هذا مقدر. (¬3) أي هذه كلمة خشنة كبيرة أفزعتني. (¬4) أي اعرف واخبر واستفسر وتبين ونحوها، فامتحن فهمك وعقلك ومعرفتك وأختبر ذلك.

وسيأتينا إن شاء الله تعالى – أن الإنسان له اختيار لكنه مضطر في اختياره (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) (فألهمها فجورها وتقواها) فالمُلْهِمُ هو الله والهادي هو الله والمضل هو الله (يهدي من يشاء ويضل من يشاء) يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله وإذا قلت هذا للمعتزلي ينتفض يقول: الله يضل؟ قل له: هذا كلام الله وليس كلامي. أتدرون بماذا يفسرون كلمة (يضل ويهدي) يضل: أي حكم لهم بالضلال بعد أن ضلوا (¬1) ، ويهدي: أي حكم لهم بالهداية بعد أن اهتدوا. ولذلك شيء قضى عليهم ومضى فلا يمكن أن يتخلف طرفة عين، والله جل وعلا – كما قلنا – من مقتضى ألوهيته وربوبيته أنه يعلم الشيء قبل وقوعه وهو المقدر سبحانه وتعالى لا إله غيره ولا رب سواه. جاء أعرابي إلى أبي عثمان عمرو بن عبيد (الشيخ الثاني لمذهب المعتزلة) وهو في مسجد البصرة فقال الأعرابي: يا أبا عثمان إن حمارتي قد سُرقت، فادع الله أن يردها عليّ فرفع عمرو بن عبيد يديه وقال: اللهم إن حمارته سُرقت وأنت لم تُرِد سرقتها، فأرددها عليه فقال الأعرابي: يا شيخ السوء كف عن دعائك (الخبيث) ، إذا لم يرد سرقتها وقد سُرِقت، فقد يريد ردها ولا ترد. أي إذا كان العبد يغلب الرب فهذه مشكلة المشاكل، فانظروا للأعرابي ولفطنته ولفطرته وسداد جوابه. ¬

_ (¬1) أي لما اهتدوا قال لهم مهتدون، ولما ضلوا قال لهم ضالون!!! نقول هذا حكم البشر لا حكم خالق البشر، والله يقول في الآية (فألهمها) أي جعلها تختار وجعل في روعها وقلبها، فألهمها فجورها وألهمها تقواها، لكن الله لا يعذب إلا بعد أن يصدر هذا الفجور أو التقوى من الإنسان

اجتمع في سفينة رجلان أحدهما: مجوسي والآخر معتزلي، فقال المعتزلي للمجوسي: أسلم، فقال المجوسي: حتى يريد الله، فقال المعتزلي: الله أراد لك الإسلام لكنك أنت الذي لم تُرِدْه والشيطان هو الذي لم يُرد لك الإسلام، فقال المجوسي، إذا أراد الله لي الإسلام والشيطان لم يرد لي الإسلام وغلبت إرادة الشيطان إرادة الرحمن فأنا مع أقواهما. أي إذا كان الشيطان يغلب الله، فلماذا تقول لي أسلم لله. ونحن – أهل السنة – نقول لهذا المجوسي: أسلم، فإذا قال لنا حتى يريد الله، نقول هذه كلمة حق أريد بها باطل فلا نسلم له بجوابه، بل نقول له، الله أمرك بالإسلام ووضح لك الأمر وأزال عنك الأعذار فكتاب الله بين يديك وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين يديك أيضاً حججٌ قائمة تدعوك للإيمان فيجب عليك أن تؤمن، فلا يجوز لك أن تتعلل بقدر الله – بعد ذلك – في عدم إيمانك، لأن قدر الله غيب، فلا يجوز أن تستدل بما لا تعلم وتقدم معنا أن القدر يستدل به في المصائب لا في المعايب. فإذن جوابك حق أريد به باطل أريد به تبرئة النفس من المعصية والشين، نعم إذا لم يرد الله لك أن تصلي فلا يمكن أن تصلي، لكن من الذي أعلمك أن الله لم يرد لك الصلاة، ومن الذي يُعلم الإنسان أن الله قدر له السوء ولم يقدر له الخير، فتجده يتعلل بعد ذلك بهذا القدر. وقلنا كل واحد يشهد من نفسه ضرورة التفريق بين ما جبر عليه وبين ما خيّر فيه، فما جبرت عليه لا اختيار لك فيه وأما ما خيرت فيه فلك فيه اختيار وهذا الاختيار يعلمه الله ويقدره ويحصل.

فعليك إذن أن تعمل بما في وسعك وألا تبرئ نفسك، فليست الذكورة والأنوثة كالطاعة والمعصية، فتلك مجبور فيها وأما هذا – الطاعة والمعصية – فمخير فيها وليس ذلك كهذا كل منهما بقضاء وقدر، فتثاب وتعاقب على اختيارك، فإن اخترت الخير نقول جرى به قدر الله وهذه منة الله عليك، وإن اخترت الشر نقول جرى به قدر الله وهذا خذلان الله لك [فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] . وقد سماهم – أي هذه الفرقة الضالة المعتزلة نبينا عليه الصلاة والسلام بالمجوس (¬1) ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وروي الحديث من روايته عدة صحابة كرام اذكر لكم أسماءهم مع الاختصار في ذكر المخرجين: حذيفة بن اليمان، في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وكتاب السنة لابن أبي عاصم، وعن جابر بن عبد الله في سنن ابن ماجه ومعجم الطبراني الصغير والشريعة للآجرّي والسنة لابن أبي عاصم، وعن أمنا عائشة في السنة لابن أبي عاصم، وعن أبي هريرة في السنة لابن أبي عاصم والشريعة للآجرّي وعن سهل بن سعد في كتاب تاريخ بغداد والطبراني في معجمه الأوسط، وكتاب السنة للإمام اللالكائي، وعن أنس في معجم الطبراني الأوسط. ¬

_ (¬1) المجوس يقولون لهذا العالم إلهان إله الخير وإله الشر، والمعتزلة يقولون الله يقدر الخير ولا يقدر الشر فالشر من الشيطان والإنسان والله لم يرده، بل وصل الأمر بثمامة بن أشر الضال أنه قال: إن الله لم يخلق الكافر، قالوا: وكيف؟ قال: لأن الكافر إنسان كفر فلو قلنا إن الله خلقه للزم من هنا أنه خلق الكفر، أي إذا قلنا بأن الله خلق الكافر بطل قولنا معشر المعتزلة، نعوذ بالله من هذا الضلال، ويترتب عليه أنه يحق للكافر أن لا يقر بعبوديته لأنه ليس عبداً لله، فانظروا إلى الضلالات كيف توصل أصحابها إلى الخروج من الدين وهم لا يشعرون.

ولفظه: [القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم] والحديث في درجة الحسن نص على تحسينه الحافظ العلائي، وأقره على ذلك الإمام ابن حجر العسقلاني والإمام السيوطي، وعدد من أئمة الحديث وذكروا أن الحديث في درجة الحسن منهم الحافظ أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقي رحمهم الله جميعاً. وثبت في سنن الترمذي وسنن ابن ماجه، وكتاب السنة لابن أبي عاصم عن ابن عباس رضي الله عنهما والحديث روي أيضاً عن غيره من الصحابة الكرام منهم جابر بن عبد الله في كتاب السنة لابن أبي عاصم وسنن ابن ماجه ومنهم أبو هريرة في الشريعة للآجرّي، ومنهم أبو بكر في مسند إسحاق بن راهُويَهْ، ومنهم معاذ بن جبل في كتاب التاريخ الكبير للإمام البغدادي، ومنهم أنس بن مالك رضي الله عنه في حلية الأولياء. ولفظ الحديث: أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال [صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب، القدرية والمرجئة] والحديث حسنه الإمام الترمذي ووافقه على التحسين الإمام ابن ماجه وغيره من الحفاظ. قال ابن العربي في عارضة الأحودي شرح سنن الترمذي: "إنما قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين القدرية والمرجئة لأن واحدة منهما أفسدت الحقيقة والأخرى أفسدت الشريعة" ولا يراد بالحقيقة هنا التصوف فانتبهوا!! بل المراد منها هنا: أمور الاعتقاد هو لم يحدد أي الفرقتين أفسدت الحقيقة وأيهما أفسدت الشريعة. (المرجئة) يقولون: إنه لا يضر مع الإيمان خطيئة وذنب، أي أنهم يرجئون ويؤخرون الأعمال عن الإيمان، فالإيمان عندهم قول واعتقاد وليس العمل من سماته، وغلاتهم يقولون إذا قال الإنسان لا إله إلا الله محمد رسول الله ولم يأت بمأثم ولو لم يترك محظوراً دخل الجنة، فلا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة. مت مسلماً ومن الذنوب فلا تخف ... حاش المهيمن أن يُرى تنكيداً لو رام أن يصليك نار جهنمَ ... لما كان ألهم قلبك التوحيدا

.. فالمرجئة أصالة أفسدت الشريعة لأنها عطلتها، حيث قالت إذا وحدت فلا تبال ِ بالعمل فعلاً أو تركاً فبدعتهم فيها تعطيل للأحكام، لكن أيضاً عطلت الحقيقة لأن هذا الاعتقاد اعتقاد باطل. والمعتزلة أصالة أفسدت الحقيقة لأنها عطلتها، حيث قالت: إن الله لم يقدر الشر ويقع السوء في هذه الحياة يغير تقديره أي يفعله العبد جبراً عن الرب فهذا مما يتعلق بالعقيدة. ... لكن إفساد كل فرقة يؤول إلى الأخرى، فالمرجئة أفسدت الشريعة وأفسدت الحقيقة أيضاً لأن اعتقادها اعتقاد باطل، والمعتزلة أصالة أفسدت الحقيقة فهذا اعتقاد باطل ولزم من هذا إفساد الشريعة. ولذلك يقول الإمام ابن تيمية: "قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين المرجئة والقدرية لأن كلا ً منها يفسد الأمر والنهي والوعد والوعيد" فالأمر والنهي يُترك عند المرجئة، ونصوص الوعيد كلها تلغى ولا قيمة لها، وأما المعتزلة فأفسدت الأمر فقالت: من فعل معصية فقد خرج من الإيمان وهو في منزلة بين منزلتين، وألغت نصوص الوعد (نصوص المغفرة والرحمة) بكاملها، وأخذت بنصوص الوعيد فكل منهما ألغى الأمر والنهي والوعد والوعيد، والعلم عند الله. قبل أن ننتقل لمناقشة الجبرية، من باب التعليق على هذه الفرقة الضالة: حال هؤلاء المعتزلة ليس كحال مؤسسي المذهب وأولئك كما قلنا انتهت بدعتهم لكن خرج منها بدعة أخرى وليس حال أصحابها كحال أوائل القائلين بمذهب القدر، ولم اختلف الأمر؟ السبب في الاختلاف أن حكام بني أمية – مع ما فيهم من جور- لم تنتشر البدع في حياتهم، ففي عهدهم ظهرت فجوات وسلبيات لكن الحكام لم يتبنوا البدع ودافعوا عنها بل على العكس كانوا ينكلون بالمبتدعة ويوقفونهم عند حدهم.

لكن لما آل الحكم إلي بني العباس ففي عهد واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد تبني مذهب الاعتزال الخلفاء والأمراء وأول من امتحن الناس ببدعة المعتزلة الخليفة المأمون وأول من عرب كتب الفلسفة وشغل الأمة بما كانت لا تعرفه وليست في حاجة إليه هو المأمون، وكان الإمام أحمد عليه رحمة الله يقول: "ما أظن أن الله سيغفل عن المأمون"، فهو أول من فتح باب (¬1) التيارات الخبيثة على هذه الأمة وإن كان بتأويل وحب الاطلاع أو غير هامة التأويلات والمسوغات والمبررات. فبانتقال هذه البدعة (بدعة المعتزلة في القدر) إلى الأمراء والخلفاء صار لها ردءٌ وشأن وصارت تأوي إلى ركن شديد بعد أن كانت تحارب من قبل الحكام، وشتان شتان بين أن يتولى الحاكم نشر بدعة وبين أن يتولى القضاء عليها، فإذا تولى القضاء عليها فلا توجد – ولو وجدت – إلا في الخفاء، وإذا تولى نشرها فإذا وجد الحق ففي الخفاء والله يزع بالسلطان ولا يزع بالقرآن. وقلت لكم المسئول إذا أراد تغيير منكر لا يحتاج إلى منابر ولا إلى سيوف ولا إلى مساجد، بل بجرة قلم أو بكلمة في الإذاعة ينتهي الأمر. ¬

_ (¬1) ولذلك في عهد المأمون لما طلب من رؤساء النصارى أن يرسلوا إليه الكتب التي في كنائسهم من أجل أن تعرب وتدرس بين المسلمين، جمع رؤساء النصارى جميع القسس وعرضوا عليهم الأمر فكلهم قالوا: لا ترسلها أيها الملك لئلا ينتفعوا بها ويطلعوا على علومنا إلا قسيس ملعون قال: أرسلها أيها الملك فوراً، فقالوا: علام؟!، قال: ما دخلت هذه الكتب على أمة عندهم دين سماوي إلا أفسدت دينهم وأوقعت الخلاف بينهم، وبالفعل وقع الخلاف بين المؤمنين قبل وفاة المأمون وأفسدت دين رب العالمين وامتحن أهل السنة وعذبوا في عهد المأمون ومن بعده من الخلفاء كالمعتصم وغيره.

فمثلا ً سفور النساء لو أصدر الحاكم قراراً بمنعه وأن من خرجت سافرة إن كانت من أهل البلاد سجنت وعزرت، ومن كانت من خارج هذه البلاد من المقيمات فيه سجنت وعزرت وأبعدت عن البلاد، فلن ترى امرأة تكشف عن شيء بعد ذلك، فهذا القرار لا داعي معه إلى حكم شرعي لا حلال ولا حرام بل هذا يكفي، أما أن يصبح العلماء في المساجد فقط دون تحرك الحاكم فلن يكون هناك أثر لهذا الكلام في مقابل أمر الحاكم بذلك، ولذلك قال الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد.. ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) . فهل اقتصر في الآية على الكتاب والميزان فقط؟ لا، ولذلك ميزان وكتاب بلا حديد لا وزن له ولا اعتبار وحديد بلا كتاب ولا ميزان ظلم وجور بل لابد إذن من حديد مع الكتاب وميزان، لتوزن الأمور على حسب شريعة الرحمن. إذن في عهد خلفاء بني العباس تبنوا نشر هذا المذهب الضال فصار المذهب له انتشار. أسباب ظهور بدعة المعتزلة وانتشارها وعدم زوالها واضمحلالها: لذلك عدة أسباب نبرزها في ثلاثة: ? السبب الأول: تبني الخلفاء لها ودفاعهم عنها بعد أن اتصل بهم أركان المعتزلة وأفسدوهم فعمرو بن عبيد كان جليساً حميماً وصفياً مخلصاً لأبي جعفر المنصور وأبو الهذيل العلاف كان أستاذاً للمأمون وهكذا، أحمد بن أبي دؤاد كان قاضي القضاة لثلاثة من خلفاء بني العباس، إذن صار الباطل تسانده قوة. ? السبب الثاني: وجود جماعة من أهل اللَسن والفصاحة والبلاغة بين المعتزلة فخدعوا الناس ببريق كلامهم ومعسول ألفاظهم، والأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحراً" وهذا ليس ذماً للبيان إنما لبيان منزلة البيان فإذا كان البيان في الحق هذا حسن، وأما البيان في الباطل فمذموم لأنك تلبس على الناس فتظهر لهم الباطل في صورة الحق، فخدعوا الناس بهذا الكلام المنمق.

مثلا ً: واصل بن عطاء كان ألثغ أي تخرج الراء منه غيناً، فكان في خطبه الطويلة إذا خطب يتجنب حرف الراء ولا ينطق بكلمة فيها راء، مع أنها من أكثر الحروف دوراناً في الكلمات، وهذا من فصاحته، وخشية أن يلثغ فيصبح مستهجناً أمام الناس. وآخر: الهذيل العلاف كان في المجلس الواحد يورد مائتي بيت من الشعر، من أشعار العرب ويستدل بها شواهد على كلامه. ? السبب الثالث: تعونهم فيما بينهم حتى ضرب بهم المثل في ذلك، لا يوجد على وجه الأرض أناس يتعاونون ويتساعدون ويتساندون كفرقتين ضالتين المعتزلة والشيعة وهم أي الشيعة أخبث من اليهود بآلاف الدركات، لا بدركة واحدة، فالمعتزلة يتدينون بنصرة المعتزلي وإن كان على باطل، والرافضة يتدينون بنصرة الرافضي وإن كان على باطل أي عندما يكذبون لنصرة فرقتهم في خصومة أو مشكلة فهذا من أكبر التدين، ونحن معشر أهل الحق عندنا ورع يكفنا (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا) فلو اختلف سني مع نصراني مثلا ً عندنا ننصف النصراني عن السني، فلو كان السني مخطئاً فنأخذ على يديه. قال الإمام الأعمش: والله ما آمنهم أن يقولوا وجدنا مع الأعمش امرأة يزني بها، أي من كثرة ما يكذب هؤلاء الشيعة. ويقول هارون الرشيد: "طلبت الصدق والمروءة فوجدتها في أهل الحديث، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته في الرافضة" أي إذا أردت الكذب فاذهب إلى الشيعة فلا يوجد مثلهم في الكذب وتلفيق الأخبار، ولذلك الدجل الذي عندهم والتزوير والله إنه لتستحي منه الحمير.

وقد علم أئمتنا كذب الشيعة فرودا روايتهم، ومن أركان دينهم التقية، ويأثرون عن جعفر الصادق رضي الله عنه وهو بريء منهم ومن انتسابهم له – أنه قال: "التقية ديني ودين آبائي"، وكذبوا دين جعفر ودين آل البيت التقوى لا التقية، والتقية هي: أن يظهر خلاف ما يبطن فيُظهر أنه سني مع أهل السنة وأنه معهم فإذا تمكن من السني ذبحه، فهي دين المنافقين لا دين آل البيت وفي عقائد الشيعة المقررة التي إذا لم يلتزم بها الشيعي فليس بشيعي أنه يجب على الشيعي أن يقتل السني إذا خلا به فإن عجز يجب عليه أن يهمّ بقتله، وإذا لم يفعل فليس هو من الشيعة والجنة عليه حرام. وفي بلاد الشام عندنا النصيرية – عليهم لعنات رب البرية – كانوا إذا انفردوا بمسلم علموا أنه لا يوجد معه نصير قتلوه وذبحوه، وإذا كان بارزاً في الأسواق والشوارع العامة يمشون على ظله وخياله حتى يشفى غليله. وكذلك الشيعة إذا أراد أن يذبح الشاة سماها عائشة ثم ذبحها، وإذا أراد أن يذبح التيس سماه أبا بكر ثم ذبحه، حتى يذهبوا الغيظ والحقد وينفسوا على أنفسهم ويرووا غلهم وحقدهم. ويروى أن شيعياً كانت عنده بغلتان سمى أحدهما أبا بكر والأخرى عمر – في عهد أبي حنيفة – وفي أحد الأيام دخل إلى الإسطبل فرفسته إحداهما، فبلغ الأمر أبا حنيفة فقال: انظروا من هي البغلة التي ضربته ورفسته، فلعلها التي سميت بعمر، وكان الأمر كما قال رحمه الله، وهذا من كراماته. الشيعة لا عقل ولا نقل هذا حالهم أكذب الناس في النقليات وأجهلهم في العقليات، فإذا جاء إليهم شخص اسمه عمر فإنهم يتقربون إلى الله بقتله وذبحه!!.

ولو جاء إليهم من اسمه علي أو حسن أكرموه وإن كان خصمهم وعدوهم، وهذه هي الحماقة!! فانظر إلى تعاون الشيعة ولو أشار إمام منهم بأصبعه لأقام البلدة وأقعدها، وانظر بعد ذلك إلى حال شيوخنا وعلمائنا – إذا سلموا من العامة – فضلاً عن الحكام – فهنيئاً لهم، وإذ لم يسلموا من الحكام والعوام فالحال لا يخفى عليكم وكل سفيه ينتسب لأهل السنة يأتي ليؤذي علماء أهل السنة بكلامه بفعله بتشويهه فهل مثل هذا يقع بين الشيعة؟! لا، هذا مستحيل، وانظر إلينا بعد ذلك لا أننا تمسكنا بديننا وبأدب الإسلام وأخلاقه، ولا – على الأقل – تخلقنا بمثل أخلاق الشيعة، ونحمد الله أن حفظنا من التشيع. ولذلك كان أئمتنا إذا أرادوا أن يخبروا عن إكرام إنسان لإنسان وأنه أكرمه غاية الكرم يقولون: احتفى به كاحتفاء الشيعي بالشيعي والمعتزلي بالمعتزلي، أي لأنه ليس بعد إكرامهم لبعض إكرام.

فهذا الاعتداد فيما بينهم أكسبهم قوة وأكسبهم قولهم بعد ذلك قوة أيضاً فمثلا ً: أحمد بن أبي دؤاد الذي كان قاضي القضاة لثلاثة من خلفاء بني العباس – كما قلنا – من البديهي أنه لن يولى القضاء في الدول الإسلامية في أمصارها إلا للمعتزلة، وسيقول بكل ما فيه نفع للمعتزلة، وسيسعى بكل ما فيه إضرار لأهل السنة، بل وصل الأمر بأحمد أن الواثق أراد أن يستفك أسرى المسلمين من الروم مقابل فدية، قال له أحمد: من قال بخلق القرآن فأفده وأعطه من بين المال ألف دينار، وإذا لم يقبل بذلك فاتركه عند الروم!! أي اترك المسلم الذي لا يقول بخلق القرآن عند النصارى ليعذبوه، سبحان الله!!، وللأسف مازال مذهبهم ينتشر ويقرر للآن في الكتب ويدرس في المدارس، ودرجت عليه أجيال وأجيال، وتلوثت به أذهان المسلمين بعد أن انتشر مذهب الاعتزال – كما قلت – بسبب وجود قوة حامية له فقرر وانتشر وسطر في الكتب، ثم بعد ذلك عاد الأمر لأهل السنة لكن بعد أن امتلأت الكتب بالضلالات والبدع، فكم من كتاب في التفسير للمعتزلة، فمثلا ً كتاب الكشاف للزمخشري كله ضلال من أوله لآخره، وقد جعل بداية مقدمة كتابه: "الحمد لله الذي خلق القرآن"، فقيل له: لن ينظر فيه أحد إن تركت هذه العبارة، فقال: "الحمد لله الذي جعل القرآن عربياً"، ويقصد بجعل خلق، وقد قال أئمتنا يحرم النظر في كتابه على العالم والعامي، أما العامي فأمره معلوم، أي لأنه جاهل ولا يميز الغث من السمين والضلال من الهدى وأما العالم فيحرم عليه أيضاً لعدة أمور: 1- أنه يقدم المفضول على الفاضل بل مرذولاً على فاضل. 2- يُخشى عليه من الزيغ وأن يعلق في ذهنه شيء من الشُبه وهو لا يدري، لأن الزمخشري مع ضلاله واعتزاله صاغ الاعتزال بألفاظ لم يصرح فيها بأنه على مذهب المعتزلة فهذا مما يزيد في الخديعة. 3- تَخْدع العامة، حيث سيقتدون بك دون أن يعلموا نيتك.

وقد ألف الإمام السبكي عليه رحمة الله رسالة سماها (سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف) وقد كان يقرأ الكشاف ويُقرؤه لتلاميذه فلما وصل إلى قول الله جل وعلا (عفى الله عنك لم أذنت لهم) ، قال الزمخشري – وهذا موجود في تفسيره –: "بئس ما فعلت يا محمد"، فطوى الإمام السبكي الكتاب وقال أستحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ هذا الكتاب وفيه هذه القاذورات. الله الذي هو سيده يقول له (عفى الله عنك) وهذا لا لجرم وقع منه إنما على عادة العرب في الملاطفة وفي الخطاب يقولون عفى الله عنك استمع لي، فالله يلاطف نبيه، ولو قال له بئس ما فعلت لتحملها منه لأنه سيده وربه، أما أن تقولها أنت، فمن أنت يا صعلوك حتى تقول هذا لخير خلق الله عليه الصلاة والسلام. مثال آخر: كتاب المغنى للقاضي عبد الجبار، 20/ مجلد في التفسير وفي أحكام الشريعة، كله يقطر ضلالات كل مجلد لا يقل عن 600/ صفحة من القطع الكبير، وهو للأسف منتشر وموجود، وكتب أخرى غيرها. س: ذكَرْتَ الأحاديث المرفوعة السابقة القدرية والمرجئة، فهل كانوا موجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ ج: لم يكن للقدرية أو المرجئة وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك لم تكن الرافضة موجودة وكذلك الخوارج وغيرهم من الفرق.

.. إنما هذا من باب إخبار نبينا عليه الصلاة والسلام لنا بما سيقع في أمته فهو من باب الإخبار بالغيب وقد ذكر أئمتنا هنا عن معجزاته وأودعوه في كتب دلائل النبوة – وإن أردتم أن تتحققوا من هذا فانظروا في كتاب (دلائل النبوة) للإمام البهيقي وهو في 7/ مجلدات، وأنصحكم بشراء هذا الكتاب: يقول الإمام البهيقي عليه رحمة اله (6/547) : باب ما جاء في إخباره بظهور الروافض والقدرية، أي إخبار خير البرية صلى الله عليه وسلم بأن الروافض (الشيعة) سيظهرون وهكذا المعتزلة الضالون، وسنذكر ما يتعلق بمبحثنا وهم القدرية، يقول: عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر] وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي بسند صحيح، وفيه: أن ابن عمر رضي الله عنه كان له صديق في بلاد الشام، فأرسل ذاك مع بعض الناس إلى ابن عمر رسالة يسلم عليه فيها، فقال ابن عمر: بلغني أنه أي صديقه الذي هو في بلاد الشام – قد تكلم في شيء من القدر فإن كان كذلك فلا تُقرئه مني السلام (¬1) ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر] . ¬

_ (¬1) كما تقدم معنا أول المبحث: "إذا لقيت أولئك فأخبرهم إني برئ منهم وأنهم برءاء مني" أولئك في البصرة وهذا في الشام.

.. والحديث رواه أيضاً أبو داود والحاكم في المستدرك بسند صحيح، وفي بعض روايات الحديث يكون في أمتي مَسْخٌ وخَسْفٌ وقَّذْفٌ (¬1) وهو في القدرية، قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله: تواترت الأحاديث بوقوع المسخ في هذه الأمة في بعضها مطلقاً، وفي بعضها مقيد بصنفين بعلماء السوء، والثاني بالمجاهرين بالفسق (¬2) وفي بعض الأحاديث مطلقاً لكل من ينحرف في هذه الأمة. وهذا لا استبعده فإن كل بيت فيه تليفزيون إذا وقع الخسف أو المسخ أو القذف فهو أول من يُمسخ لأن هذا مجاهر، فكل من في بيته هذا الجهاز اللعين فهو مهدد بالمسخ إذا وقعت عقوبة المسخ، ولا يعلم متى ستقع عقوبة الله بالتحديد لكن لابد من أن تقع لأنه أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) المسخ تبدل الأجساد، والخسف: خسفت الأرض: غارت بمن فيها، والقذف: أن يرسل عليهم حجارة من السماء، كما مسخ وخسف وقذف الأمم السابقة (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض) . (¬2) وهم أهل العهر والخمور الذين وردت الإشارة إليهم في صحيح البخاري: [ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ثم يصحون وقد مسخوا قردة وخنازير] .

فإذن أورد في كتب (دلائل النبوة) وذلك للإشارة إلى أنه غيب سيقع وإذا وقع هذا الغيب دل على أنه القائل رسول الله لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه فانظروا من جملة عناوين الكتاب باب ما جاء في إخباره بقوم في أيديهم مثل أذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات فكان كما كان، أي هذان دلائل نبوته.. والحديث عن أبي هريرة في صحيح مسلم وغيره وفيه يقول نبينا عليه الصلاة والسلام [صنفان من أهل النار لم أرهما رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بنا الناس] وهم المخابرات ورجال الشرطة، ولذلك جميع أئمتنا يقولون من دلائل النبوة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بوجود الشرطة وكثرت الشُرَط ويقال للشرطي يوم القيامة دع سوطك وادخل النار، والصنف الثاني [ونساء كاسيات عاريات (¬1) مائلات (¬2) مميلات (¬3) رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا] أي خمسمائة عام كما ورد في رواية أخرى. الفرقة الثانية: القدرية الجبرية: خلاصة قولهم في قدر ربهم: أن الله قدر على العباد كل شيء وفي ذلك التقدير قّسْر للعباد وإكراه لهم على فعل ما قدِّر عليهم وإذا كان الأمر كذلك فالعبد مجبور وكل ما يجري منه يعتبر طاعة للعزيز الغفور لأنه ينفذ مشيئة الله وقدره، قال قائلهم: أصبحت منفعلاً لما يختاره ... مني فقعلي كله طاعات نعوذ بالله من هذا!! (منفعلاً) أي محل الفعل ومحل ظهور قدر الله، فكل ما يجري مني طاعة لأنني أنفذ مشيئة الله وقدره. ¬

_ (¬1) (كاسيات عاريات) أي تلبس ملابس شفافة، أو كاسية لكن تبدو بعض أطرافها من الساقين أو الفخذين أو غيرهما. (¬2) مائلة عن الحق. (¬3) مميلة لغيرها.

.. ويقال لهم قدرية جبرية، وقدرية مشركة، لأنهم سيقولون كقول المشركين (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) أي: الله شاء لنا هذا وقسرنا عليه، وهذا هو قول المشركين تماماً!! (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) ، فقالوا لو شاء الله ما أشركنا ولو شاء الله ما عبدنا من دونه وهكذا قال الجبرية نحن مضطرون مجبرون وكل ما يجري منا فهو طاعة. هذا القول معلوم بطلانه لعدة أمور: أولها: كل واحد منها ذكراً كان أو أنثى، مؤمناً أو كافراً يشهد الفرق بين عمله الاضطراري وعمله الاختياري فهو إذن قول يصادم العقل ويعاكس الفطرة. الثاني: قررت شريعة الله أنه إذا وجد الإكراه فلا تكليف ولا ثواب ولا عقاب ولا مدح ولا ذم [رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه] فإذا كان العبد مكرهاً مقسوراً فكيف إذن مدح الله الطائعين وذم العاصين وجعل لهؤلاء الجنة ولأولئك النار. الثالث: الثواب والعقاب، والمدح والذم منوط ٌ بالأعمال الاختيارية لا بالأعمال الاضطرارية فلا يثاب الإنسان – كما تقدم معنا – على كونه ذكراً أو أنثى، إنما يثاب على كونه مطيعاً، ويعاقب إذا كان عاصياً. الرابع: الطاعة لا تكون إلا بموافقة الأمر الديني الشرعي لا بموافقة الأمر الكوني القدري، فالإنسان لا يعتبر مطيعاً إلا إذا وافق ونفذ أمر الله الشرعي. الخامس: وكنت أقوله للأخوة – يناقشون مناقشة فعلية لا قولية لأنه في الغالب لا تنفعهم المناظرة الكلامية أي اضربه بحيث تؤذيه فإذا قال لك: علام تضربني؟ قل له: قدر الله، وأنا مجبور وأنا مطيع كما تقولون فعلي كله طاعات فلا تلمني وأنا مُثاب لأنني نفذت مشيئة الله وإرادته، فإذا قال لك: أنت الذي رفعت يدك وأنت الذي ضربتني بها، فقل له: بطل مذهبك.

.. ولذلك هذا المذهب مما فطر الله عقول الناس وقلوبهم جميعهم على رده، وهل إذا أساء إنسان في حقك تقبل منه أن يقول لك معتذرا أنا مجبور!! ولذلك كان أئمتنا يقولون: أنت عند الطاعة قدري، وأنت عند المعصية جبري، أي مذهب شئت تمذهبت به؟! وهذا من التعريض بهم. ... أي إذا صدرت منه الطاعة يقول ليمدح نفسك – قدري ومعتزلي أي أنا خلقتها وأوجدتها دون تقدير ربي وعند المعصية يقول: جبري ليبرأ نفسه من اللوم والذم!!!. هذا هو العقل البشري عندما ينحرف عن وحي الله الرباني، فإنه يقع في هذه التناقضات. وإذا لم يكن من الله عون للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده يُقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن وهذا القول بالجبر يوجد في الفرقة الضالة الجَهْميَّة. وأول من قال به منهم هو شيخ الجبرية الجهم بن صفوان، والجهم هو تلميذ الجعد بن درهم وقد كان الإمام عبد الله بن المبارك يقول: عجبت لشيطان دعا الناس جهرة ... إلى النار واشتُق اسمُه من جهنم يعني بذلك جهماً أي اشتقها من جهنم، وقد قتل هذا الضال سَلْم بن أحوز سنة 128هـ أي في عهد بني أمية كما أن شيخه الجعد قتله خالد القّسْري، ولما قبض سلّم على الجهم، قال له: اسبقتني فإن لي أماناً من أبيك، فقال سلْم: ما كان له أن يؤمنك، ولو أمنك ما أمنتك، والله لو كنت في بطني لشققته حتى أقتلك، ولو أنزلْتَ عيسى بن مريم وملأتَ هذه العباءة كواكب لما نجوت مني ثم ضربه فقتله. ... وقد أخذت الجبرية هذه المقالة عن اليهود كما أن بدعة القدر أُخذت عن النصارى، كما أن بدعة التشيع أخذت عن اليهود عن عبد الله بن سبأ اليهودي من بلاد اليمن، والشيعة الآن يبرءوا أنفسهم من هذه النسبة يقولون عبد الله بن سبأ صورة أسطورية فلا وجود لرجل اسمه عبد الله بن سبأ، إنما أهل السنة يتهموننا به!! ونقول: إن وجود عبد الله بن سبأ من التحقق كتحقق وجود السبت في أيام الأسبوع – أي لا شك في وجوده.

.. والشيطان طه حسين (¬1) ¬

_ (¬1) نقول له إن كنت تقول عن كلام الله خرافة فمن باب أولى أن تقول عن عبد الله بن سبأ قصة أسطورية وضعها أهل السنة، نعوذ بالله من عمى البصيرة، لأن طه حسين أعمى البصر لكن عمى البصر مصيبة وعمى البصيرة معيبة (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وقد جمع الله له بين الأمرين عمى البصر وعمى البصيرة، هذا هو طه الشين لا حسين، وهو الذي كان يقال له عميد الأدب العربي – وقد أفضى إلى ما قدم ونسأل الله أن يملأ قبله جمراً من نار جهنم إذا لم يتب من كفره الذي سطره في كتابه الأدب العربي (بل هو الجاهلي) وهذا الذي سبق قاذورة من قاذوراته، إن قاذوراته التي لا تحصى فأنتنت منها الدنيا فهو الذي يدعو إلى تقليد الغرب والتبعية المطلقة لهم وأن نأخذ كل ما عند الحضارة الغربية نافعاً كان أو ضاراً يقول: "لأن الأمة العربية ليس عندها عقول ولا يمكن أن ترفع رأسها إلا إذا جعلت أنفها في ذنب الحضارة الغربية"، هذا يسطره في كتابه مستقبل الثقافة في مصر، وذاك إنكار ما في القرآن – يسطره في كتابه الأدب الجاهلي، وضلالاته لا تحصى ولا غرو في ذلك ولا عجب ممن ربي في باريس وأشرف على تدريبه القسس والنصارى، ولما جاء طه حسين إلى سعد زغلول أو غيره من أجل أن يرسل إلى فرنسا قال بعض العلماء الضالين: أن سعد زغلول أفضل من محمد رسول الله لأن محمداً عندما جاءه الأعمى عبس في وجهه وسعد زغلول عندما جاءه طه حسين ما عبس في وجهه!! نعوذ بالله من هذا الكفر وهذا يقوله عالم أزهري وشرار هذه الأمة في آخر الزمان علماء السوء نسأل الله أن لا نكون منهم..

– وقد أفضى إلى ما قدم – هو من جملة من يدور في هذا الفلك لما يحصله من دعم الشيعة فيقول: لا يوجد شخصية اسمها عبد الله بن سبأ إنما هذا افتراه أهل السنة، وهو الذي يقول أيضاً إن قصة الفيل لم تحصل بل هي خرافة أخذها محمد صلى الله عليه وسلم ونسجها، وهكذا أيضاً بناء الخليل لبيت الله الجليل ومجيء هاجر مع ابنها إسماعيل إلى البيت هذا كله خرافة. ... فالجهم أول من قال بالجبر في هذه الأمة كما أن أول من قال بالتشبيه في هذه الأمة هشام بن الحكم الرافضي الشيعي الذي كان يصف الله بالأمتار والأشبار ويقول أن جبل أبي قبيس أكبر من الله جل وعلا!! تنزه الله عن ذلك، كما أن أول من قال بأنه لا قدر – باستثناء سوسن – هو معبد الجهنمي فهؤلاء هم أصول الضلالة ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة بل كيداً للإسلام وأهله. ... قال الجهم أيضاً – يقرر مذهب الجبر – إن العبد بالنسبة لأفعاله كالريشة في مهاب الهواء يطيرها حيث شاء فلا اختيار لها وهكذا العبد عندما يعمل فليس له اختيار. وقد أتى الجهم بخمس ضلالات هذه – 1- القول بأن الإنسان مجبور إحداها. 2- نفس الصفات عن الله. 3- القول بفناء الجنة والنار، أي أن الجنة والنار تفنيان بعد أن يعذب أهل النار في النار وينعم أهل الجنة في الجنة كما أنه كان الله ولا شيء معه سيعود الأمر كذلك، وما سبق لهذا أحد لا من جن ولا من أنس. 4- الخروج بالسيف على أئمة الجور، ومنه أخذها بعد ذلك المبتدعة وانتقلت إلى المعتزلة وانتقلت إلى الخوارج. 5- قوله: إن الإيمان معرفة بالقلب فقط فلا يشترط النطق ولا العمل ولا الاعتقاد بل مجرد المعرفة: قال أئمتنا وعلى تعبيره ينبغي أن يكون إبليس مؤمناً لأنه اعترف بل قال: رب أنظرني إلى يوم القيامة، فإذن كان يعرف الله. المبحث الخامس سبب ضلال الضالين في قدر رب العالمين من قدرية جبرية وقدرية مجوسية:

سبب ضلالهم التسوية بين إرادتي الله وجَعْل الإرادتين إرادة واحدة وجعل النوعين نوعاً واحداً لكن اختلف جَعْلهم فبعضهم ألغى الشرعية وبعضهم ألغى الكونية القدرية: ... أما القدرية الجبرية المشركة فهؤلاء ألغوا الإرادة الدينية الشرعية حيث بقولهم الذي ذكرناه كأنهم قالوا: إن لله إرادة واحدة، وكل ما يقع يحبه الله ويرضاه وكل ما نفعله مجبورون عليه ونحن ننفذ به إرادة الله ونحن نطيعه في ذلك. ... أما القدرية المجوسية فهؤلاء ألغوا الإرادة الكونية القدرية حيث بقولهم كأنهم قالوا: ليس لله إلا أمر ونهي (الإرادة الدينية) وهو لم يقدر عليك شيئاً والعبد يفعل أفعاله بدون تقدير رب العالمين لها، فالله يأمر وينهى فقط ولا يعلم ماذا ستفعل ولم يقدر عليك شيئاً، فإذن هم ألغوا بهذا الإرادة الكونية القدرية التي هي كما قلنا مشيئة الله العامة وإرادته النافذة في كل شيء فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فألغوا المشيئة العامة وجحدوها وأنكروها، وقالوا: ليس له إلا مشيئة دينية افعلوا ولا تفعلوا، أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنا، لكن هل ستصلي أو ستزني ليس لله عليك تقدير في ذلك ولا يعلم إنما أنت الذي تقدر لنفسك، وأنت الذي تخلق لنفسك فهو نهاك عن الزنا لكن بإمكانك أن تعارضه وأن تزني فإذن غلبته تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ... وضلال كلٍ من الفرقتين لا يخفى حسب ما تقدم معنا من تقسيم إرادة الله إلى دينية وذكرنا الأدلة عليها وإرادة كونية وذكرنا الأدلة عليها وأهل البدع لما سووا بينهما فجعلوهما واحدة هذا ضلال مبين. المبحث السادس يدخل تحته عدة تنبيهات وإيضاحات مهمة: الإيضاح الأول: هل الإنسان مُسَيّرٌ أو مُخَيّر؟ مختار أم مضطر مريد أم مجبور؟ ... كنت ذكرت هذا لكم سابقاً في بعض الدروس المتقدمة، وهو أن الإنسان له حالتان:

الحالة الأولي: حالة هو فيها مكره مجبور مسير وهي: ما لم يطالب فيه بأمر ولم ينه عنه مما يقع منه أو عليه بغير اختياره وإرادته ككونه ذكراً أو أنثى جميلاً أو قبيحاً، طويلاً أو قصيراً فهذه وما شاكلها لم يطلب منه اختيار واحدة منها فلم يطلب منه مثلاً أن يكون ذكراً أو أنثى ولذلك فهنا لا فضل للأنثى على الذكر لأنها أنثى وليس للذكر فضل على الأنثى لأنه رجل بل كل واحد بعمله مرتهن، فقد تدخل المرأة الجنة ويدخل الرجل النار، وحذاء المرأة المسلمة أطهر من ملء الأرض كفاراً مع أنها قد تكون هذه المرأة فقيرة مسكينة، لكن نقول هذه مؤمنة وليس للكافر – مهما علا شأنه – وزن عند الله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، وهكذا لو كانت هناك امرأة مسلمة ورجل مسلم، لكن صلاحها كان أكثر من صلاحه، فالمرأة أعلى منزلة عند الله من الرجل المسلم الصالح الذي لم يبلغ لدرجتها في الصلاح. إذا نظرت إلى أبي لهب تراه جميلاً – وكما يقولون: وكان عربياً – ولكن مع ذلك يقول الله له (تبت يدا أبي لهب) ، وما سمي بأبي لهب إلا لأن وجهه كان يلمع كالشمس حمرة وشقرة. وإذا نظرت إلى بلال الحبشي رضي الله عنه تراه أسوداً وكان عبداً لكن مع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم له: [إني لأسمع قرع نعليك في الجنة] إذن فلا ثواب ولا عقاب على مجرد الحسن أو السواد بل بحسب العمل.

الحالة الثانية: حالة نحن فيها مختارون وهي: كل ما يتعلق فيما أُمرنا به ونُهينا عنه، لنا اختيار ومشيئة وليس علينا قسر في فعلنا وعملنا، فكل واحد يعمل عمله باختياره، لكن ذلك الاختيار وتلك المشيئة التي تجري منا مرتبطان بمشيئة الله وتقديره، فنحن في فعلنا مختارون وفي مشيئتنا مضطرون ولهذا دليل في سورة النحل يقول الله جل وعلا (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون) فانتبهوا لهذا الإحكام في كلام ذي الجلال والإكرام كيف أنه أثبت لنا مشيئة وأن مشيئتنا مقيدة بمشيئته لكن لا ينفي ذلك المسئولية عنا، أي لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة على الحنفية السمحة، مسلمين أجمعين ولفظ (الأمة) يأتي في القرآن لخمسة معانٍ، ولا يخرج لفظ الأمة عنها في كتاب الله جل وعلا: 1) الملة: كقوله تعالى (إن هذه أمتكم أمة واحدة) أي ملة، ودينكم دين واحد وكالآية هنا، كقوله (كان الناس أمة واحدة ... ) أي على دين واحد. 2) الجماعة: كقوله تعالى (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يعقلون) أي جماعة. 3) القائد الإمام المتبع الذي بفرده يعدل أمة: كقوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين) سورة النحل آية 120. 4) الحين: وقد ورد هذا في آيتين من كلام رب العالمين في سورة هود (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) أي حين ومدة معدودة، ومنه قول الله تعالى في سورة يوسف (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة) أي بعد حين ومدة. 5) الصنف: كقوله تعالى (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) أي أصناف أمثالكم.

أي هذه الدواب وهذه الطيور مثلكم في أي شيء؟! مثلنا في أنها تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتتناسل كما نتناسل، وتعرف ربها كما نعرف ربنا جل وعلا، فهذه أمم وتتعارف فيما بينهما كما نتعارف فيما بينها فالطيور يكلم بعضها بعضاً وهكذا الحيوانات لكن لا نحن نفهمها ولاهي تفهمنا، فهي أصناف وجماعات فالذكر يميز الأنثى ويعرفها، وهذه تعرف صاحبها وتعرف بيتها. ... ولعل أحدكم عاش في قرية ورأى الغنم عندما يعود قبيل المغرب والله إنه ليوحد الله هكذا عفوياً من غير قصد، فتراه يعود بأعداد كبيرة مختلطة ببعض قبل دخول القرية، لكن عندما يدخلون القرية كل واحدة تعرف صاحبتها وبيتها ولا يحصل أي خلط أو خطأ فسبحان الله!! فهي أمم أمثالكم كما أننا نعرف بيوتنا دون أن نخطئ. ولذلك يقول أبو محمد سفيان بن عيينة عليه رحمة الله وهذا من بديع استنباطه من كلام ربه، يقول في قوله تعالى (إلا أمم أمثالكم) أي وأنتم على شاكلتهم: يقول ما حاصله: "وهذه المثلية لما انعدمت من حيث الشكل الظاهري والصورة الظاهرة، وتعين المصير إلى أن هذه المثلية في الحقيقة الباطنة، فبعضكم على خُلُقِ الأنعام وبعضكم على خُلُقِ الحمير وبعضكم على خُلُقِ الكلاب وبعضكم على خلق العقارب وبعضكم على خلق الحيايا وبعضكم على خلق الذئاب، وبعضكم على خلق الخنزير، وبعضكم وبعضكم....." فهذه البشر في الحقيقة صور للحيوانات فترى أنساناً أحياناً لا يأتي منه إلا الأذى لا يقول كلمة فيها ذكر الله ولا نفع لعبد من عباد الله، فهذا في الحقيقة عقرب، وكم من إنسان لا ينجب إنساناً إنما أنجب ثعباناً يلدغ، أو لم ينجب إلا ودلداً بليداً كالحمار، أو لا غيرة له (ديوث) كالخنزير، ومن الناس من يلد شاة وهذه في الحقيقة أحسن المماثلات.

ولذلك المرأة إذا كانت سكينة وساكنة وطاهرة فإنها تشبه بالشاة وهي أحسن الأوصاف والسكينة والأناة في الغنم، كما أن الغلظ والجفاء في الإبل، كما أن البلادة في الحمير، فكل واحد يأخذ شكل من يصاحبه. ولذلك حرم الشارع علينا أكل لحم الخنزير، لأنك ستتأثر بلحمه وتأخذ خصائصه (عدم الغيرة) ولحم الإبل – مع أنه حلال – أُمرنا أن نتوضأ بعد أكل لحمه، لما يحدث في قلبنا من كبر وزهو وخيلاء كحال البعير عندما تراه يمشي ويتمايل فبالتالي يصبح مثل هذا بالإنسان فيتوضأ ليزيل هذا المعنى الذي علق فيه من أكل لحكم البعير، أما إذا أكل لحم الغنم فيكتسب سكينة وطمأنينة ولا يحتاج لوضوء. وحقيقة الأمر كذلك الناس لا تختلف عن البهائم إلا في الصورة الظاهرة: أبني إن من الرجال بهيمة ... في صورة الرجل السميع المبصر فَطِنٌ بكل مصيبة في ماله ... وإذا أصيب بدينه لم يشعر أي صورته صورة إنسان يسمع ويبصر لكنه في الحقيقة بهيمة من الحيوانات إذ لو شاء الله لجعل الناس كلهم مؤمنين (ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء) فهو الهادي وهو المضل، وهدى من شاء فضلاً وكرماً، وأضل من شاء عدلاً وعلماً وهذا قدره السابق سبحانه وتعالى. س: لكن هل كونه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء يسقط المسئولية أمام رب البرية؟ ج: لا، (ولتُسألن عما كنتم تعملون) فالضلال الذي يصدر منكم ستُسألون عنه، وهكذا الهداية، فتثابون إذا اهتديتم وتعاقبون إلا ضللتم.

فهذا يجمع ما قلنا ومن أن فعل الإنسان باختياره لكن مشيئتة تابعة لمشيئة ربه، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولذلك يفعل الإنسان ما يشاء، لكنه لا يشاء ما يشاء بل ما تشاؤه تابع لمشيئة الله فليست مشيئتك استقلالية، إنما تابع لمشيئة رب البرية (قل لله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) وهو على كل شيء قدير فما نوع المشيئة في قوله تعالى (ولو شاء لجعلكم) ؟ مشيئة كونية قدرية، أي لو شاء الله ذلك مشيئة كونية قدرية لما تخلف، فلو أراد الله أن يجعل المخلوقات بأسرها على حقيقة وكيفية نبينا أفضل خلق الله صلى الله عليه وسلم لما أعجزه ذلك فهو على كل شيء قدير إذا شاء ذلك لكن له الحكمة البالغة والحجة التامة. س: هل الله سيحاسب عباده على تقديره أم على فعلهم؟ ج: على فعلهم (ولتُسألن عما كنتم تعملون) فلن تُسألوا عما قدرته لكم، إنما ستحاسبون على ما صدر منكم فقد أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وأعطيتكم العقول فأقمت عليكم الحجة (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها) ، فمن يهتدي هدايته مرتبطة بتقدير الله ومشيئته، ومن يضل فضلاله مرتبط بتقدير الله ومشيئته، لكن الفعل في الحالتين – كما قلنا – مخير فيه، فالإنسان يفعل ما يريد لكنه لا يريد ما يريد، بل يريد ما يريده الله المجيد وسعي العباد كلهم ينتهي عند آيتين اثنتين لا ثالث لهما: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً) ، (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)

فللعباد مشيئة لكنها تابعة لمشيئة ربنا جل وعلا، ولذلك إذا قال لك شخص: أنا شاء قل له: مشيئة استقلالية أو تابعة لمشيئة رب البرية؟ فإن قال: استقلالية، فهذا قول القدرية لأنهم يقولون ما شاء الله شيئاً ولا قدره، وإن قال: أنا لا مشيئة لي، فهذا قول الجبرية، وإن قال: لي مشيئة لكن مشيئتي تابعة لمشيئة ربي، فهذا قول أهل السنة الفرقة المرضية، ولو كانت مشيئة العبد استقلالية فإنه سينازع ربه وقد يتغلب عليه كما يقول المعتزلة، تعالى الله عن ذلك، وكيف يقع في ملكه ما لا يريده؟!! فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (¬1) . 2- الإيضاح الثاني: إن قال قائل كل شيء بقضاء وقدر وكل ما يقع سبق به تقدير الله وتعلقت به مشيئته فكيف يريد الله أمراً لا يحبه ولا يرضاه؟ (هذا مترتب على الأمر الأول) . الجواب: لا إشكال في ذلك ويتضح هذا بهذا التحقيق الذي ينبغي أن تعضوا عليه بالنواجذ، وهو: أن الأسباب مع مسبباتها أربع أقسام، اثنان منهما يتعلق بهما قدر الرحمن وهما محل أقضية الله وأقداره فيما يحبه ويكرهه، واثنان منهما لا يتعلق بهما قدر ربنا. ? الاثنان اللذان يتعلق بهما قضاء الله جل وعلا وقدره وإرادته ومشيئته: 1) سَبَب محمود محبوب يوصل إلى مُسَبّب محمود محبوب: مثال: قدر الله وجود الإيمان فهذا سبب محمود، ونتيجته أنه يفضي إلى توحيده ورضوانه فهو مسبب محمود. مثال آخر: خلق الله الأنبياء والمرسلين سبب محمود يحبه الله يفضي إلى مسبب محمود. ¬

_ (¬1) يقول الإمام الشافعي: ما شئتَ كان وإن لم أشأ ... وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والسنن على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تُعِن فمنهم عني ومنهم فقير ... ومنهم قبيح ومنهم حسن ومنهم شقي ومنهم سعيد ... وكل بأعماله مرتهن انظروا هذه الآيات في كتاب الانتقاء في تراجم الأئمة الثلاثة الفقهاء صـ80 لابن عبد البر (ت 463 هـ) في الإيمان بالقدر.

2) سبب مكروه يوصل إلى مسبب محمود محبوب: مثال: الكفر قدر الله وجوده وهو سبب مكروه لكنه يوصل إلى مسبب محمود محبوب، فإذا: 1- تاب هذا الكافر، فهذا مسبب محمود حصل بعد كفره ولولا أنه كافر ما تاب، فإذن أوصل إلى توبة لله، وهو مسبب محمود، 2- ومسبب محمود آخر وهو جهاد المؤمنين للكفار ومحبة الله للمؤمنين المجاهدين (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً) . 3- ومسبب محمود ثالث: وهو أنه يترتب على الكفر إدخال الكافرين النار فهذا محمود لله عندما يدخل الكفار النار لإظهار عدله وتحقيق بطشه وانتقامه فهو منتقم وهو شديد العقاب وهو يتصف بصفة الغضب فظهور صفة الغضب محمود للرب كما أن ظهور صفة الرضا محمود للرب، كما أن ظهور أثر اسم التواب محمود للرب، فلو لم يكن هناك كافر لبقي غضب الله معطلاً وبقيت دار غضبه ولعنته (النار) معطلة، فإذن مكروه أوصل إلى محبوب ولا يقضي الله شراً محضاً. مثال آخر: إبليس خلقه الله وهو من أعظم الأسباب المكروهة لكنه يوصل إلى أعظم المسببات المحمودة المحبوبة (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً) فإذا عادينا الشيطان فالله يحب هنا الفعل منا، ولذلك لولا الشيطان لما تميز أهل التقى من أهل العصيان، لكن عندما يجاهد التقي نفسه ويذل عدوه و [والمؤمن يُنضي شيطانه كما يُنضي أحدكم بعيره في السفر] كما ثبت هذا في مسند الإمام أحمد عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ومعنى (يُنضي) يتعب ويُهزل، أي يجعله نضواً أي ضعيفاً جلده ملتصق على عظمه حتى كأنه لا لحم عليه. ... فالمؤمن إذا أكل سمى الله وإذا شرب سمى الله وإذا لبس سمى الله، وإذا دخل البيت سمى الله وإذا اتصل بأهله سمى الله وبالتالي يذل الشيطان، والشيطان يكون كالجزور فإذا صاحب المؤمن طار كالعصفور.

.. وضبط ابن مُفْلح لفظ ينضى بالصاد المهملة بدل الضاد المعجمة في كتاب صيانة الإنسان من وساوس الشيطان، فقال اللفظ هو (يُنصيء) بدل يُنضي أي يأخذ بناصيته ورقبته ويقتله ويتحكم فيه كما يريد، وعندما تتعب الشيطان وتهزله وكذلك عندما تذله وتتحكم به يفرح ربنا بهذا ويرضى ويحب هذا. ... إذن الشيطان مكروه لكن نتج عنه محبوب، وكذلك ينتج عنه قتال أوليائه والله يحب هذا (فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) فهو إذن محمود أيضاً. ... إخوتي الكرام ... كما يوجد في الجن من يصرع الإنس، يوجد في الإنس من يصرع الجن، فما أكثر من يصرع من الجن بنور المؤمن، والجني يأتي للمؤمن فإذا وصل إليه وذكر الله يصرع على الأرض ويتخبط (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) ، وتقدم معنا في محاضرة مداخل الشيطان إلى نفس الإنسان في الفجيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعمر (ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك غير فجك) والحديث في الصحيحين، وفي بعض روايات الحديث في معجم الطبراني الكبير عن سَدِيسَة (ويقال سُدَيسَة) مولاة حفصة، وفي معجم الطبراني الأوسط عن أمنا حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمر [والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان منذ أسلمت إلا خرّ على وجهه] أي مصروعاً. إذن سبب مكروه مبغوض لكنه أوصل إلى مسبب محمود محبوب: لعلّ عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجساد بالعلل ? الاثنان اللذان لا يتعلق بهما قضاء الله جل وعلا وقدره: 3) سبب مكروه يوصل إلى مسبب مكروه: فهذا لا يقدره الله ولا يقضيه ولا يفعله ولا يخلق الله شيئاً مكروهاً لا حكمة من ورائه، فهذا عبث لا يقضيه الله، كما سيأتينا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم [والشر ليس إليك] . 4) سبب محمود يوصل إلى مسبب مكروه: فهذا أيضاً لا يقضيه الله ولا يقدره ولا يفعله.

إذن لابد من أن تكون النتيجة والمسببات محمودة، فهذا الذي يقدره الله جل وعلا أما أن تكون المسببات مكروهة مذمومة فهذه مما لا يقدره الله ولا يقضيه مطلقاً. قال أئمتنا الكرام: المراد نوعان: النوع الأول: مراد لنفسه محبوب لذاته، وما فيه من الخير مرادٌ إرادة الغايات والمقاصد وهذا الذي سميناه محبوب يوصل إلى محبوب، كخلق النبيين، وتقدير وجود الإيمان والطاعة فهو مقصود، أي خلقه الله لأنه يحبه. النوع الثاني: مرادٌ لغيره – لا لنفسه – مكروه من حيثُ نفسِه وذاته، مرادٌ من حيث إيصاله إلى المراد المحبوب لنفسه، فاجتمع في هذا المراد حب الله وإرادته وبغضه وكراهيته، ولا منافاة بينهما لاختلاف متعلقهما، وهذا الذي سميناه مكروهاً يوصل إلى محبوب، فهو مكروه بالنظر إلي نفسه، وهو محبوب بالنظر إلى نتيجته، فاختلف متعلق الكُره ومتعلق الحب، إن قيل: هل لهذا مثال بيناً في الحسيات؟ نقول: الأمثلة كثيرة، فمثلاً: الدواء – ونسأل الله أن يعافينا من كل داء وبلاء – الدواء المر هذا مراد لغيره مكروه لنفسه لأن مثل هذا الدواء تنزعج بشربه لمرارته ولما يسببه لك من ضيق فهذا شيء مكروه ولذلك تراه لا يشربه إلا عند الحاجة، فتشربه لأنك تعلم أنه يوصل إلى محبوب وهو الشفاء فأنت لم ترده لنفسه بل لما يوصل إليه فاجتمع الأمران حب وبغض، إرادة وكراهية لاختلاف متعلقهما فمتعلق الحب غاية الدواء ونتيجة ولتعلق الكراهية للدواء نفسه وهكذا قدر الله فيما يبغضه ويكرهه ويوصل إلى محبوب. ... وقد قرر أئمتنا الكرام حِكماً كثيرة في تقدير الله وإرادته لما يشاؤه مما يكرهه ويبغضه، ولنأخذ مثالاً على ذلك في نوع من أنواع الشرور المكروهة ما يترتب عنها من خصال محمودة محبوبة، هذا الشر هو رأس الشر ومنبعه هو: الخسيس إبليس فهل في خلق هذا المخلوق مصلحة ومحمدة وهل يترتب على خلقه حُسن ومصالح؟

.. نعم يترتب على خلقه مصالح كثيرة ومحامد وفيره ومحبوبات جليلة مع أنه مكروه في نفسه فهذا كالعلاج والدواء – وليس الشرب – بل العلاج الذي ستُبتر فيه أربعة أطراف المتعالج اليدين من الكفين والرجلين من الفخذين، فيرضى بقطع هذه الأعضاء ليحمي نفسه من السرطان الذي سينتشر في جميع جسمه ويقضي عليه ويُميته فهل هو رضي بقطع الأعضاء لأنه يحب ذلك؟ لا، بل لأن قطعها يؤدي ويوصل إلى محبوب وهو البقاء حياً، فلذلك رضي بهذا الشر. من هذه الخيرات التي تترتب على إبليس، وسأذكر خمساً والباقي يمكن استنباطه، وقد ذكرته في درس المعمورة الحكم من تقدير الذنوب حِكم بالنسبة للذنب وبالنسبة للمزين (إبليس) ، بالنسبة للنفس، بالنسبة للرب وهذه تصل إلى حكم:

1) ظهور قدرة الرب على خلق المتضادات، المتناقضات، المتقابلات، المتعارضات المتفاوتات، هذا في الحقيقة أمر عظيم، والله عظيم عظيم وهو على كل شيء قدير ولابد من هذا الوصف من مثال فخلق ذكراً وأنثى، وخلق ليلاً ونهاراً، وخلق خيراً وشراً، وخلق حياة وموتاً، وخلق داءً ودواءً، خلق جبريل وخلق إبليس، وجبريل أطهر المخلوقات وأفضلها وأعظمها بالنسبة للملائكة وذاته لا تقبل شراً وفي المقابل خلق إبليس وهو على عكس جبريل تماماً لا يقبل الخير أبداً، بل هو شرير، فيه شهوة وشبهة منبع الشهوات وأم الشبهات، فكل شهوة عنده وكل شبهة عنده، فالخمر شهوة (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) ، والاعتراض على الله شبهة وأول من اعترض على الله هو (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ، فإذن لابد من إظهار هذا الأمر أن الله قدير على خلق المتضادات، فلو خلق الناس كلهم مؤمنين لقال الناس: ليس بمقدور الله أن يقدر شيئاً آخر، ولو خلق الله نهاراً بلا ليل لقال الناس: هذه طبيعة، ولو خلق الله فصلاً واحداً وهو الشتاء لقال الناس: هذا هو الدهر، الحاصل أن هذه المتضادات تظهر قدرة الله جل وعلا وهي مقصودة محبوبة محمودة. 2) ظهور آثار أسماء الله القهرية، فهو سبحانه وتعالى المنتقم، المذل، الخافض، (شديد العقاب) ، (أخذه أليم شديد) ، نقول: العقاب والانتقام والبطش والإذلال والخفض يكون لأوليائه وأحبائه أم لأعدائه؟ لأعدائه للشيطان وذريته وأتباعه، فلما خلق الله الشيطان ووجد لهذا الشيطان أتباع من أنس وجان ظهرت آثار أسماء الله القهرية فحصل غضب الله وحصل مقته، وحصلت عقوبته، وحصل بطشه وحصل انتقامه، وحصل إذلاله لهؤلاء، وحصل خفضه لهم في الدنيا والآخرة، وأذلهم وعاقبهم ونكد حياتهم وأدخلهم جهنم، فهذه الآثار متعلقة بصفات للعزيز القهار فلابد من أن تأخذ متعلقها وآثارها وإلا تتعطل تلك الصفات.

3) ظهور آثار أسماء الله المتضمنة لعفوه ومغفرته ورحمته ولطفه بعباده فهو تواب رحيم، حليم غفور ستّير، فهذه كلها لا يمكن أن تظهر إلا إذا وقع شر وفساد ومسبب هذا المخلق وإبليس. فإذا وقعت معصية بواسطة تزيين هذا الشيطان للإنسان ثم يتوب هذا الإنسان لربه جل وعلا فإنه تظهر آثار أسماء الله الحسنى – كما قلنا – المتضمنة لعفوه ومغفرته، وكذلك لو أن هذا العاصي لم يتب بل استمر على معصيته فالله سبحانه وتعالى أمهله وأمد له في حياته ورزقه وأسبغ عليه فضله فهذا من ظهور آثار اسم الله الحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة فهو حليم غفور رحيم. ... فهذه كلها لابد من ظهور آثارها كما أنه منتقم شديد العقاب، فإذا عاقب ظهرت آثار تلك الأسماء وإذا أمهل وأخر – وهو سبحانه يمهل ولا يهمل ولا يفوته شيء – ظهرت آثار اسم الله الحليم، وإذا عفى وتجاوز ظهرت آثار اسم الله الرحيم العفو. لذلك ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري، وأبي هريرة ... رضي الله عنهم أجمعين والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء يقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم] فهل هذا لأن الله يحب الذنب؟ لا، بل هو يكره ويغضب على فاعله، لكنه يحب التوبة، وإذا لم تتب فالله يحب أن يتجاوز عن عباده وأن يعفو عنهم، فإذا لم تقع ذنوب فلن تكون هناك توبة والله يحب التوابين ولن يكون هناك آثار اسم الله الحليم العفو وبهذا تتعطل صفات الله سبحانه وتعالى وليس في تعطيلها كمال له جل وعلا. ... ولذلك عندما يتوب الإنسان لا يناجي الله بقوله يا منتقم تب علي، بل يناجيه بقوله يا رحيم تب علي فينادي ربه بالأسماء التي تتضمن الرحمة والمغفرة والعطف والحنان والحلم.

4- ظهور آثار أسماء الله المتضمنة لحكمته وأنه يضع الأمور في مواضعها فهو حكيم يضع الشيء في موضعه، وهل في تقدير الذنب على الإنسان ووسوسة الشيطان له حتى أغواه حكمة؟ نعم حكمة ليس بعدها حكمة. كيف هذا؟ الإنسان لو لم يكن له شيطان يزين له أحياناً بعض أنواع الإثم والعصيان ليقع فيها وليرتكبها لربما ظن نفسه أنه ند لله وأنه شريك لله وأنه يساوي الله وأنه أفضل من النبيين أفضل من الملائكة المقربين لكنه عندما يعصي ربه يحصل له انكسار ويصبح في قلبه من الفقر والالتجاء والمسكنة ما به يدخل على ربه ولذلك لولا المعصية لوقع الناس فيما هو أكبر منها وهو الكبر والعجب والغرور ويرى أن السموات والأرض لا تسعه مع أن عبادته قد تكبه على وجهه في جهنم، وعبادة 500 عام ما وفّت بنعمة البصر كما تقدم معنا، ولو حاسب الله خير خلقه عليه الصلاة والسلام مع روح الله عيسى بن مريم على أصبعين فقط الإبهام والسبابة لعذبهما ربهما ثم لم يظلمهما، فمن أنت؟!! لكن الإنسان يغفل عن نفسه وعن العيوب التي في طاعاته فيقع أحياناً في بعض المعاصي الظاهرة من نظر حرام ومن غناء، أو كلمة باطلة، فمثل هذه المعاصي وغيرها كسرت قلبه. وقد ثبت في مسند البزار وشعب الإيمان للبيهقي بسند صحيح جيد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لو لم تكونوا تذنبون لخفت عليكم ما هو أكبر من الذنب، العُجْبَ العُجْبَ] أي أخاف عليكم العجب، حقيقة العجب مهلك للإنسان، لا طاعة أعظم من انكسار النفس والتذلل بين يدي الله، ولا معصية أشنع من إعجاب المرء بنفسه ورأيه، والعجب هو معصية إبليس. ولذلك إذا ابتلي الإنسان بشيء من المعاصي فإذا جاءه الشيطان ليوسوس له بالعُجب وأنه يعبد الله ولم يعصه يقول: يا نفس تذكري يوم كذا ماذا عملت واستحي من الله وقفي عند حدك، والمجاهد من جاهد نفسه في الله جل وعلا.

ولذلك هذا هو الجهاد الأكبر هو أن تجاهد هواك، وأن تجاهد تطلعات النفس إلى الكبر والزهو والخيلاء والعجب ومضادة الرب في حكمه، فإذا وقع شر بسبب إبليس لكن هذا الشر خير، فمعصية طردت عنك أشنع الآفات وهي معصية العجب والكبر والغرور. لعل عتبك محمودٌ عواقبُه ... وربما صحت الأجسام بالعلل يعني ما تبتني فما عدت لذنبي، وصرت كما تريد فهذا العتب (المذموم) وهو عدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى، وهنا كذلك فكان في القلب آفة دفينة من عجب وكبر وغرور وخيلاء وفخر – وهذه كلها مهلكة – من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة – فابتلاه الله بجريمة الزنا مثلاً، فنكس رأسه وانكسر وبقي يقوم في السحر يقول يا رب، يا رحيم يا كريم استرني في الآخرة كما سترتني في الدنيا، تب علي، فإذن معصية وقع فيما لكنها دفعت عنه معاص ٍ ستدخله أسفل سافلين وهو لا يدري، وحقيقة هذه حكمة لولا الوقوع في المعصية بسبب الشيطان لوقع الناس في أشد من المعاصي الظاهرة. ... ولذلك لا يدخل العباد على الرب إلا من باب الذل والانكسار، وكل من تعالى غضب الله عليه يريد وكان أئمتنا يقولون: "من تعالى لله وترفّع لقي عطباً، ومن طأطأ لقي رطباً" فمن تعالى لقي هلاكاً، والذي يريد الرطب يطأطئ رأسه ليتناوله، وهنا كذلك تعاظم يغضب الله عليه (إن عليك لعنتي إلى يوم الدين) بسبب قول إبليس (أنا خير منه) فكلمة قالها أوبقت دنياه وآخرته، أفسدت عاجله وآجله. وخذ المعصية التي قدرت على نبينا آدم صلى الله عليه وسلم جعلت حاله بعد المعصية خيراً من حاله قبلها بكثير ولا نسبة بين تلك وبين هذه، صار بعد المعصية نبيناً من أنبياء الله كلمه الله قبلاً وأرسله بعد ذلك إلى بنيه وجعله أصل البشر ثم أخبرنا الله أنه اجتباه وتاب عليه وهدى، فمعصية وقعت منه جرته إلى هذه الكلمة التي لا يدخل إنسان على ربه إلا من طريقها (قالوا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) .

.. وكل عبد لا يجعل هذه الكلمة ديدنه، فهو بعيد عن الله، ولا يدخل الإنسان الجنة إلا من هذا (الطريق ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) ، فنحن معترفون بذنوبنا وتقصيرنا وتفريطنا لكن مع ذلك نطمع في رحمتك وفي فضلك وأنت واسع المغفرة، ولمن تكون الرحمة إلا للمذنبين أمثالنا. 5- حصول أنواع العبودية التي يُتقرب بها إلى رب البرية بسبب خلق الذات الإبليسية، حصلت عبادات متنوعة منها: أ) مجاهدة النفس ... ب) مجاهدة الكافرين ... جـ) الاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم والله يحب هذا (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) ولنا عدوان: عدو ظاهر مكشوف (الكافر) ، وعدو باطن مستور (الشيطان) أما العدو الظاهري فنداريه ولا نقاتله ونحاربه، وأما العدو الباطن المستور فلا سبيل إلى محاربته إلا بالالتجاء إلى ربنا، فنقول يا رب، سلطت علينا من يرانا ولا نراه فنسلطك عليه فأنت تراه وهو لا يراك فاكفنا شره وشر أتباعه إنك على كل شيء قدير. ... فهذه إذن عبوديات متنوعة حصلت بسبب الشيطان الرجيم، فهذا السبب المذموم يوصل إلى نتائج محمودة، وهذه بعض الحكم من خلق إبليس ذكرناها على عجل وفي بيانها بيان للحكمة من خلق الشرور وأنواع الضر وتقديرها.

.. وبهذا نتحقق من قول نبينا عليه الصلاة والسلام الذي كان يقوله عندما يناجي ربه في صلاة الليل [والشر ليس إليك] والحديث في صحيح مسلم بشرح النووي (6/59) عن علي رضي الله عنه قال [كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي يفتتح صلاته فيقول: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك , وأتوب إليك] هذا يقوله في دعاء الاستفتاح قبل أن يقرأ الفاتحة، وهذا من جملة الأدعية المشروعة التي يقولها المصلي إن شاء وإن شاء أن يقتصر على قوله: [وجهت وجهي للذي فطر السموات.... من المسلمين] ، وإن شاء أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وإن شاء قال الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا ً – إلخ دعاء. وإن شاء غيرها. وانظروا كتاب الأذكار للإمام النووي في أدعية الاستفتاح التي يخير المصلي بين شيء منها في أول صلاته. الشاهد: والشر ليس إليك، هذه الجملة تحتمل خمس معان ٍ أحدها الذي نتكلم عنه: المعني الأول: أنك لا تقضي شراً محضاً خالصاً، والشر الذي تقضيه وتقدره هو خير بالنسبة لحكمتك وقضائك وتقديرك، وإن كان شراً بالنسبة لمن يقع عليه، فإذن لما تقدره لما يترتب عليه من حكمة وخير.

مثال للتقريب: المطر هو خير، لكنه شر للمسافر ولذلك يقول الله (يريكم البرق خوفاً وطمعاً) ، من جملة ما قيل في تفسيرها: خوفاً للمسافر لأنه إذا نزل أتعبه ويخشى من السيول، وطمعاً للمقيم فبمجرد أن يرى البرق يطمع في نزول المطر، ... فلو قدر أن مطراً نزل وسالت وديان وجرف بعض المسافرين وأغرقتهم فهو شر بالنسبة للمسافر، وهو شر جزئي، لكنه ترتب عليه خير عام حيث فرح الناس بنزول المطر وحي العالم بنزوله. مثال آخر: قطع يد السارق، شر في حق السارق، لكن هو خير عام للمجتمع، حافظنا على أموال الناس، منعنا أنفسنا سخط الله، فإنه إذا انتشرت المعاصي ولم يؤخذ على يد العاصي نُزعت البركة، والله يعاقبنا بعقوبة عاجلة تعم. إذن لا تقضي شراً محضاً لا تقدره لا تشاؤه، إذا قدرت شراً فلحكم نتج عنه، وهذا المعنى هو محل الشاهد في بحثنا. المعنى الثاني: أي لا يُتقرب بالشر إليك، وهذا قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شُميل والأزهري وهؤلاء كلهم من علماء اللغة، ونُقِل عن إسحاق بن راهُوْيَهْ وابن معين وابن خزيمة وهم من أئمة الحديث الشريف. المعنى الثالث: أي لا يضاف إليك الشر على انفراده فلا يُقال يا خالق الكلاب والخنازير ولا يُقال: يا رب إبليس، قاله الإمام المزني، مع أنه خالق الكلاب والخنازير ورب إبليس لكنه يشعر بذم ويوهم بنقص بل تقول يا رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أو تقول يا رب النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهذا فيه مدح لأنك تضيف ربوبية الله جل وعلا إلى مخلوق فاضل. ... وأما أن تقول يا رب الطلاب والخنازير وإبليس فرج كربي، فهذا في الحقيقة سوء أدب في مناجاة الله مع أنه ربهم، ولذلك قال أئمتنا: الشر لا يضاف إلى الله على انفراده، وذلك لأنه لم يخلقه لأنه شر، بل خلقه لما يوصل من حكمة وخير. وإذا أردت أن تضيف الشر فلك أحد أساليب ثلاثة:

الأسلوب الأول: أن تضيفه إلى الله عن طريق العموم فتقول: الله خالق العالمين، الله رب العالمين، يا رب المخلوقات والأرض والسموات، يا رب كل شيء ونحوها فدخل في هذا الخير والشر، الفاضل والضال. الأسلوب الثاني: أن تحذف فاعله فلا تضيفه إلى معلوم وقد تأدب الجن بهذا الأدب فقالوا كما أخبر الله عنهم في سورة الجن (وأنا لا ندري أشرٌ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم رشداً) الرشد خير يضاف إلى الله، وأما الشر فهذا لا نضيفه إلى الله جل وعلا على سبيل الانفراد والاستقلال فنعرف فاعله ونضيفه إلى مجهول، فانظروا لهذا الأدب (أشر أريد بمن في الأرض) فلم يضيفوه لأحد مع أن هذه الإرادة لله وإرادته هي النافذة. ... وانظر إلي خليل الله إبراهيم وإلى أدبه يقول (وإذا مرضت فهو يشفين) فأضاف المرض إلى نفسه. ... ومن هذا قول الخضر لموسى عليه السلام (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها) وعيب السفينة نقص، فلم يقل: أراد الله أن أعيبها مع أنه في آخر الآيات قال (وما فعلته عن أمري) أي أمرني الله بذلك، وهو عاب السفينة لمصلحة لكن ظاهر اللفظ فيه نقص فلا يضاف إلى الرب، وانظر ماذا قال بعد ذلك: (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزُ لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما) فقال أراد ربك ولم يقل فأردت، لأن هذا خير فيضاف إلى الله بخلاف الشر، والخير يجوز أن تضيفه إلى نفسك وإلى الله كما قال الخضر في حق الغلام (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحمة) ، كما أنك إذا صليت يجوز أن تقول صليت بقدر الله.

الأسلوب الثالث: أن تضيف الشر إلى السبب الذي نتج عنه ووجد بسببه، كما قال تعالى (من شر ما خلق، ومن غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد) ، فهذا الشر يقع من مخلوقات الله ولم يضفه لنفسه، فأضافه إلى الخلق، ثم بعد ذلك أضافه إلى أفراد بأعيانهم: الغاسق إذا وقب، النفاثات، والحاسد. المعنى الرابع: الشر لا يصعد إليك إنما يصعد إليك ما هو خير طيب كما قال جل وعلا (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) . المعنى الخامس: أي ليس عدادك من أهل الشر ولا ينسب إلى الشر حكاه الإمام الخطابي في معالم شرح السنن أبي داود، يقال فلان ليس من بني فلان، وفلان من بني فلان، إذا كان عداده فيهم أو ليس عداده منهم، أي لست من أهل الشر بل أنت طيب كريم.

.. ذكر الإمام الرازي في تفسيره في (13/93) في تفسير سورة الأنعام، عند قوله تعالى (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلك الله فأنى تؤفكون) يقول ما حاصله كان بعض الملوك الجبارين يتفنن في تعذيب المسلمين المساكين، فأتى مرة بشيخ صالح فأراد أن يعذبه بنوع من أنواع العذاب وهو أن يسقيه الأفيون (المخدر) فأسقاه ذلك لأجل أن يموت بسبب فقدان الحرارة الغريزية، ثم وضعه في بيت مظلم تحت الأرض يقال له سرداب وقبو وملجأ، ثم بعد فترة جاء الملك ليتفقد هذا الشيخ هل مات أم لا؟ وكان يظن أنه مات لكنه أراد أن يتأكد فلما جاءه وجده حياً فاستغرب الملك وحار في أمره، فقال له: ما شأنك؟ فأخبره الشيخ: أنه لما وضعتني في هذا السرداب جاءني ثعبان عظيم فلدغني، فبهذا حييت، ثم كف هذا الملك عن الظلم بعد ذلك، فقيل للملك كيف هذا؟ فقال: إن الأفيون يفقد الحرارة الغريزية فيقتل بقوة برده، بعكس السم فإنه يزيد الحرارة الغريزية ويقتل بقوة حره، والجسم لابد من توازن الحرارة والبرودة فيه، فتوازنت الحرارة في جسم الشيخ وما تأثر بلدغ الحية مع أنها شر لكنه فيها خير، فالله سبحانه لا يخلق شراً محضاً، وإذا قدرته فلما ينتج عنه من حكم. 3- الإيضاح الثالث: كيف يرضى الله لعبده شيئاً ولا يعينه عليه؟ فالله جل وعلا رضي لنا الإيمان والطاعة، لكن لم يعن العباد جميعاً على ذلك، بل أعان قسماً منهم وهم الموحدون، وخذل قسماً منهم فلم يعنهم، فكيف يرضى الله لعباده شيئاً ولا يعينهم عليه؟!. نقول: لا إشكال في ذلك مطلقاً، لأنه لو أعانه على ما رضيه لهم لترتب على هذا محذوران أو أحد محذورين: المحذور الأول: قد تستلزم إعانة الله جل وعلا لعباده على ما رضيه لهم وأحبه قد تستلزم فوات محبوب لله هو أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها لعباده وأحبها لهم.

المحذور الثاني: قد تستلزم إعانة الله جل وعلا لعباده على ما رضيه لهم وأحبه قد تستلزم وقوع مفسدة هي أكره لله جل وعلا من فوات تلك الطاعة التي أحبها لعباده ورضيها لهم، فدُفع أعظم المكروهين بأحدهما، مثال: يقول الله جل وعلا في كتابه عن المنافقين (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) الله أحب الجهاد وأمرهم به وأمرهم بالخروج لكن كره الله خروجهم، وعدم خروجهم مفسدة، لكن في خروجهم مفسدة أعظم فانظر إلى النتيجة بعد ذلك لو خرجوا. (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً) هذه المفسدة الأولى، أي ما زادوكم إلا ضعفاً وخذلاناً لأنهم لن يقاتلوا بجد ونشاط وعزم إنما سيخذلون ويجبنون، وإذا جبن فرد في الجيش قد تسري العدوى على أفراد الجيش، والجيش يزداد عزمه وقوته عندما يرى الأفراد يتسابقون إلى الاستشهاد، لكنه عندما ينظر إلي زملائه يفرون ويضعفون ويجبنون فهو بالتالي سيجبن ويهن (ولأوقعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) والإيقاع هو الإسراع في الإفساد ونقل النميمة والتحرش بين المسلمين، وأمر هؤلاء لا يخفى على الكثير وفيكم سماعون لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وهذا التحريش هو مفسدة ثانية في حد ذاتها فإذا ضعف المسلمون وتحرشوا فيما بينهم بعد فعل المنافقين فهذه أيضاً مفسدة ثالثة فتركهم للجهاد مفسدة ولكن في إعانة الله لهم على الخروج وجهادهم مفسدة أعظم، فدفع أعظم المكروهين بأدناهما، وفي خروجهم أيضاً فوات لمحبوب هو أعظم عند الله من حبه لخروجهم. مثال آخر: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) فمصلحة هذا الرجل المؤمن من آل فرعون الذي نصح موسى مصلحته في أن يشير عليه ويبتعد عنه لا في أن يعينه ويساعده لأنه لو ساعد لأذي وقتل، إذن فمصلحة الناصح هنا تتعلق بالأمر لا بالمعونة. ولله المثل الأعلى.

مثال آخر للتقريب: ولله المثل الأعلى – لو أن هناك امرأة صالحة تعد نفسك لخطبتها والزواج منها، من فترة طويلة لأنك تعرف أسرتها ونشأتها، فجاءك بعض الصالحين وقال لك: ما رأيك في فلانة بنت فلان أريد أن أتزوجها؟، وكانت هي التي تعد نفسك لها، فأنت الآن قد تستحي أن تقول له أنا أريد أن أخطبها، وكذلك لا يجوز لك أن تذمها كذباً لتبعده عنها فأنت ستقول الحق وتقول له هذه امرأة صالحة من أسرة طاهرة وسعيد الحظ من يتزوجها وهي فرصة لك – مع أنه في قرارة نفسك تدعو الله ألا يتم هذا النكاح – فإذا قال لك زميلك: اذهب معي لنكلم أهلها فستعتذر ولن تذهب معه، فإذن أنت نصحته ودللته ولم تعنه فإذن الإعانة شيء آخر، ولا يلزم من النصح والأمر الإعانة – ولله المثل الأعلى، فكم من إنسان تأمره وأنت لا تريد حصول هذا له لأنه يتضمن مضرة عليك أو يتضمن زوال محبوب لك هو أعظم من ذلك المحبوب الذي سيحصل له. مثال: لو أعان الله عباده كلهم على الإيمان ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة لكن هذا لو حصل لترتب عليه ولفات به محبوبات كثيرة عظيمة لله جل وعلا منها: 1) تقدم معنا إظهار قدرة الله على خلق المتضادات. 2) إظهار آثار أسماء الله المتضمنة لقوة بأسه وانتقامه فإذا كان كل من في الأرض مؤمنين لفاتت هذه الآثار وهي محبوبة لله جل وعلا. 3) ويترتب على الكفر والذنب طاعة أحب إلى الله منها وهي التوبة فلم يعنه على الطاعة من أول الأمر ليترتب عليها حصول طاعة أعظم بعد ذلك ولو حصلت من أول لفات هذا الأمر المحبوب لله.

4) لو حصلت الطاعة من أول الأمر قد يترتب عليه مفسدة أعظم وهي العُجب فوقع في الذنب حتى ينكسر ولا يتكبر فزالت مفسدة أعظم مما لو لم تحصل تلك الطاعة، أي لو لم تحصل مفسدة يسيرة لحصلت مفسدة كبيرة، فدفعت الكبيرة باليسيرة كما تقدم معنا في الحكم، ولو كان الخلق كلهم مؤمنين فمن سيدخل النار؟ فهذا لابد من وعيه ولا تظن أن الحكمة تقتضي أن يكون جميع الناس مؤمنين، ليس كذلك، لأنه لو كان هذا هو الحكمة لقدرة الحكيم العليم (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) هود (118، 119) ، (ولذلك خلقهم) فيها تفسيرأن كلاهما ثابت عن سلفنا الكرام: خلقهم أي ليأمرهم بالإيمان ليكونوا ملة واحدة ليرحمهم بعد ذلك فالإرادة دينية شرعية وقيل: خلقهم أي ليختلفوا فيحاسب كلاً على عمله فالإرادة كونية قدرية، وأحد التفسيرين لابن عباس والآخر للحسن لكن لن أذكر تحديداً النسبة الصحيحة لكل قول. ولذلك قال أئمتنا من أمره الله وأعانه فقد تعلق بالمأمور خلقه وأمره إنشاءً ومحبة (وجدت فيه الإرادة الشرعية والكونية) ومن أمره الله ولم يعنه فقد تعلق بالمأمور أمره لا خلقه لعدم الحكمة، قل لله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين وليس في هنا أي إشكال، والشر ليس إليك وأسباب الخير ولا يستلزم الخير حصولها بكاملها إنما قد يوجد الله الثلاث في بعض العباد وقد يوجد بعضها في بعض ... العباد فهو المتفضل والمنعم على عباده: السبب الأول: إيجاد: خلقه لإبليس وللكافرين نعمة. السبب الثاني: إعداد: أعد قلوبهم بحيث جعلها صالحة للهدى والإيمان كما قال لنبيه موسى عليه السلام (واصطنعتك لنفسي) هذا من به على بعض العباد.

السبب الثالث: إمداد: بعد أن هيأه وأعده جعله يقبل ذلك الإيمان ويطمئن إليه ويأخذ به، فلا يخلو مخلوق من فضل الله لكن إما في نعمة الإيجاد وإما في نعمة الإيجاد والإعداد والإمداد. فالله جل وعلا أوجد نبيه محمداً صلى الله عليه وأعده وأمده، والله يقول للنبي صلى الله عليه وسلم (ووجدك ضالاً فهدى) (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) والله يقول (وما كنت ترجو أن يلقى إليه الكتاب إلا رحمة من ربك) لكن قف عند نقطة: هل هذا الاختيار مبناه على العبث والسفه أم هو وضع للأمور في مواضعها؟ إذا كنت تؤمن بأن الله حكيم فستعلم أنه اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم لما يعلمه مما في قلبه، واختياره كان في محله كما قال (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس) (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) و (ما) هنا نافية وهذا أقوى القولين في تفسيرها، ويتم الوقف عند قوله (ويختار) ، أي ما يحصل لهم هذا ولا يقومون به، وقيل: (ما) موصولة، المعنى صحيح أيضاً ويختار الذي فيه خير لهم وهو أرحم بنا من أنفسنا. ... والله جل وعلا أوجد أبا جهل ولم يعده ولم يمده، لما له من الحكمة التامة ولو شاء أن يجعله كالأنبياء لجعله لكن له الحجة البالغة والحكمة التامة، فخذله لما يعلم في قلبه من الخبث والكبر والطغيان، إذن الله سبحانه وتعالى أوجده وخلقه بشراً سوياً عاقلاً مدركاً ذكياً لكنه لم يعده ولم يمده لحكمته التامة وعلمه سبحانه وتعالى ولله على خلقه نعمتان: الأولى خلق وإيجاد، والثانية هداية وإرشاد، الخلق والإيجاد مبذولة للجميع (وما بكم من نعمة فمن الله) (الله خالق كل شيء) ، ونعمة الهداية والإرشاد (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ، وهنا كذلك إيجاد وإعداد وإمداد. 4- الإيضاح الرابع:

يترتب على ما تقدم قول القائل والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو إن أحب الله ثم حنث، فهل عليه كفارة أم لا؟ وما الفارق بين الصيغتين؟ مثال لو قال: والله لآكلن التفاح هذا اليوم إن شاء الله، والله لآكلن التفاح هذا اليوم إن أحب الله ولم يأكل فهل هناك فرق في الحكم؟ نعم هناك فرق كبير بعد أن تعرف هذا المبحث الجليل. إذا علقته بالمشيئة ولم تفعله لم تحنث مطلقاً لأن الله لم يشأ ذلك سواء كان المخلوق عليه طاعة أو معصية أو مباحاً كأن يقول أحد: والله لأسمعن الغناء إن شاء الله في هذا اليوم ولم يسمع لم يحنث لأن الله لم يشأه فتركه له دليل على عدم مشيئة الله له، ولو كان شاءه لحصل، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لأن المشيئة الكونية لا يتخلف مقتضاها كما تقدم معنا بخلاف المشيئة الدينية. وأما إذا علقته بالمحبة فإن كان طاعة من واجب أو مستحب، فحلفت ولم تفعل فعليك كفارة وإن لم يكن طاعة فحلفت ولم تفعل فلا كفارة عليك، فلو حلف على غير طاعة من مباح أو معصية قال لأسمعن الغناء إن أحب الله، فلم يسمع فلا كفارة عليه لأن الله لا يحب هذا الفعل وتعليقك كان في محله، ولو قال لأصلين في المسجد إن أحب الله اليوم، فإن لم يصل فعليه كفارة، لأن الصلاة يحبها الله، فوافق تعليقه المحل فتعلقت الكفارة به إن حنث. والسبب في التفريق بين التعليق على المشيئة والتعليق على المحبة: يُعلم مما تقدم معنا وهو أن الإرادة الشرعية الدينية قد يوجد مقتضاها وقد يتخلف والإرادة الكونية القدرية لابد من وجود مقتضاها فعندما يعلق فعله على مشيئة الله الكونية القدرية ولا يتيسر له الفعل نقول هذا يدلنا على أن الله لم يشأ لك ذلك، لأنه لو شاءه لابد من حصوله، فأنت إذن ربطت القسم بالمشيئة فإذا شاء الله فعلت وإذا لم يشأ لك فلن تذهب، وعندما تعلقه على محبة الله وكان طاعة فنعلم إذا وقع أنه إرادة كوناً وقدراً، وإذا لم يرده فلأنه أراده ديناً وشرعاً.

هذا كله إذا قصدت بالاستثناء (إن شاء الله) التعليق، أما إذا قصدت التبرك أي من باب البركة فاليمين منعقدة وحالّة وتحنث بترك الفعل فإذا لم تف بما حلفت حنثت، كأن يقول: لآتينك غداً إن شاء الله، ويقصد التبرك والبركة عملاً بقوله تعالى (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله) ، فإن لم يأت حنث وعليه كفارة. وقد يقول الإنسان صيغة الاستثناء ولا يقصد منها التعليق، فأحياناً تكون في محقق ولا تكون في مشكوك فيه معلق ومنه قول الله جل وعلا ( ... لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ... ) اللام في لتدخلن للقسم، والاستثناء للتبرك فالله يقسم على أنهم سيدخلون المسجد الحرام، والآية نزلت في صلح الحديبية ليبشرهم بدخول مكة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم عندما كان يزور المقابر والحديث في صحيح مسلم وغيره [السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] فهذه أيضاً للتحقيق والتبرك لأنه سيلحق بهم قطعاً صلى الله عليه وسلم، وليس هذا من باب الشك. ولذلك من جملة تعليلات سلفنا للاستثناء في الإيمان أي إذا قال المؤمن أنا مؤمن إن شاء الله هذا الوجه أي للتبرك والوجوه الأخرى اكتبوها أيضاً لارتباطها بمبحثنا. 1- من باب التبرك، وقلنا هذا هو الذي نحن فيه. 2- من باب دفع المدح عن النفس، لأن أعظم ما يمدح به الإنسان أن يقول أنا مؤمن، فيدفع هذا المدح وهذه التزكية. 3- من باب الشك في الكمال لا في الأصل، لأنه لا يجزم بكمال إيمانه. 4- من باب الشك في الخاتمة، لا في الحال الحاضرة. 5- الإيضاح الخامس: يدور حول إجمال كلام في القدر: الأول: القدر – كما تقدم – سر الله في خلقه لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً. سئل أذكى الناس في وقته إياس بن معاوية: ما رأيك في القدر؟ فقال: رأي لا أعلم من قدر الله إلا ما تعلمه ابنتي وهكذا حال الأنبياء والملائكة وخلق الله أجمعين.

فهذا استأثر الله به ولم يطلع عليه أحداً فهو سر الله في خلقه فلا تفشوه أي ليس بإمكانكم أن تطلعوا عليه وليس المراد أنه أعلمنا به ثم أمرنا بكتمانه. ... وقد يجد الإنسان في نفسه أحياناً شيئاً من التساؤلات والاستفسارات والشبه التي يلقيها الشيطان حول قدر الله فإذا وجد شيئاً من ذلك في قلبه فليقل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا يسأل عما يفعل، قدر الله وما شاء فعل، رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبيناً ورسولاً.

ثبت في سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه وكتاب السنة لابن أبي عاصم بسند صحيح عن عبد الله بن فيروز الديلمي (وورد في كتب الحديث تسميته بابن الديلمي) قال ذهبت إلى أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر، قد وقع في نفسي شيء من القدر (¬1) فحدثني لعل الله أن يذهبه من قلبي، فقال له: أبي بن كعب رضي الله عنه: [لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً من أعمالهم (¬2) ، ولو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما قبل الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك (¬3) ولو مت على غير هذا مت على غير الإسلام، يقول ابن الديلمي: فذهبت إلى ابن مسعود وإلى حذيفة (¬4) ، فقالا لي مثل ما قال أبي ثم ذهبت إلى زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك (¬5) ] فإذا وقع في أنفسكم شيء من القدر فاستحضروا هذا الحديث. ولذلك أمرنا رسولنا ونبينا صلى الله عليه وسلم إذا بحثنا في القدر أو تكلمنا فيه أن لا نسترسل وأن نقصر الكلام في ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني وغيرهما بسند صحيح [إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا] . ¬

_ (¬1) شبه واشتباهات وتساؤلات حول القدر وقعت في نفسي فحدثني وعظني بما يثبت العقيدة في نفسي من أحاديث ومواعظ. (¬2) وهذا في الحقيقة يذهب القلق الذي يقع في القلب من القدر. (¬3) ما فاتك لم يكن ليحصل لك وما حصل لك لن يفوتك، جف القلم بما أنت لاق ٍ. (¬4) أي يطلب منهم أيضاً أن يحدثاه بشيء من القدر ليذهب ما وقع في نفسه. (¬5) فالكلام من مشكاة واحدة مشكاة النبوة، لكن أبي لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا ابن مسعود ولا حذيفة، وأما زيد فرفعه ولم يقفه.

[إذا ذكر القدر فأمسكوا] لا تسترسلوا في الكلام، لكن لا مانع أن تبحث عن طريق الأدلة الشرعية لتعرف ما ينبغي أن تعتقده وأن الله قدر كل شيء وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأما كلمة لِم؟ وما السبب؟ وما العلة؟ فلا تقلها ولا تفكر فيها فأنت عبد ولا تعترض على ربك، فإن هذا لا يفعله إلا من يجعل نفسه نداً لربه لا عبداً له، والعلة إذا ظهرت لك تزداد بصيرة على بصيرة، وأما إذا لم تظهر لك فلا تقل لم؟ فلا تسترسل في الكلام فيه، وإن أبيت فلن تصل إلى إحدى ثلاث بليات ستأتي. [وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا] أي وإذا ذكر ما حصل بينهم من خلاف فأمسكوا. فحذار حذار من إطالة الكلام في الصحابة تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، بل نسأل الله أن يغفر لهم وأن يرحمهم وأن يجمعنا معهم في جنات النعيم، ولا مانع أن يخطئوا فهم بشر لكن حذار أن تشيع خطأهم وأن تتلذذ به، فهذا لا يفعله إلا من غضب الله عليه فإذا مر معك شيء من خطئهم في أثناء بحثك فقل كل بني آدم خطاء، ولهم حسنات، أعظم من الجبال الراسيات وما جرى من السيئات مغمور في بحار حسناتهم.

[وإذا ذكر النجوم فأمسكوا] أي ما يتعلق بها من إسعاد ونحاسة ونزول مطر ورياح وغير ذلك كما يستدل به المنجمون فهذا كله من هوسهم يقولون إذا وقع برج كذا صار كذا (خيراً) أو صار كذا (شراً) فهذا مما لا يجوز الخوض فيه، فالنجوم مدبَّرة لا مدبِّرة، فلا يستدل بها على شقاوة أو إسعاد أو خير أو شر، بل نقتصر على معرفة ما فيها من عبر وآيات جعلها الله لذلك منها أنها علامات لتستدل منها في ظلمات البر والبحر ومنها أنها زينة للسماء ومنها أنها تضيء السماء ونحو هذه العبر ولا نخوض في أكثر من ذلك والشبه التي تقع في قلبك أيها الإنسان هذه إذا وقعت فجاهدها وادفعها ولا حرج عليك في وقوعها – أي وقوع الشبه حينئذ – وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث رواه الإمام مسلم أيضاً من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، ولفظ حديث أبي هريرة: [أن رجالاً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله يجد أحدنا في نفسه (¬1) ما يتعاظم أن يتكلم به ولأن يخرمن السماء أحب إليه من أن يتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم: أوجدتم ذلك؟ قالوا نعم، قال: ذاك صريح الإيمان] . ولفظ حديث ابن مسعود: [سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، فقال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ذلك محض الإيمان] . ... ذلك الذي تجدونه في أنفسكم صريح الإيمان أي خالص الإيمان، ومحض الإيمان أي خالص الإيمان، فكيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوسوسة محض الإيمان وصريحه مع أنها مذمومة؟!. ... نقول: إن الصحابة رضوان الله عليهم لما عرضت لهم الوسوسة لم يطمئنوا بها ولم يرضوها ولم يأنسوا بها بل جاهدوها وقاوموها، فإذن هم لم يرضوا بها ولذلك لم تكن مذمومة. ¬

_ (¬1) أي وساوس تتعلق بقدر الله وبما شاكل هذا.

وهكذا أنت عندما تكره الوسوسة وتجاهدها لا ضير عليك في ذلك، ولا يخلو الإنسان من وجود وساوس في قلبه، لكن يذهبها بعد ذلك – إن شاء الله – الإيمان الحق. ... ومعنى الحديث يتلخص في أمرين ومعنيين كما قرر الإمام النووي والقاضي عياض رحمه الله. التأويل الأول: كراهية الوسوسة: لأنه يكرهها إلا مؤمن، فلولا الإيمان لما كرهتها. التأويل الثاني: الشعور بالوسوسة دليل على الإيمان، فلولا الإيمان في نفس الإنسان لما وسوس الشيطان فالقلب الخرب لا يوسوس فيه الشيطان. والمعنيان متلازمان فالمؤمن من يشعر بوسوسة فإذا شعر بها كرهها، فشعوره بها علامة إيمانه وكراهيته لها دليل على إيمانه. والقلوب ثلاثة: 1- قلب تام النور لا يقربه الشيطان لكرامته وطهارته، وإذا اقترب احترق كما لو أنه اقترب من السموات يرمي بشهاب ثاقب كقلب الأنبياء والصديقين، فقلب المؤمن التام النور أعظم حرمة عند الله من السموات. 2- قلب خرب لا يقربه الشيطان لنجاسته، كقلوب الكافرين. 3- قلب مريض فيه نجاسة وطهارة، فهذه يُقبل الشيطان عليها، كقلوبنا وهي حال أكثر قلوب المؤمنين، فيكر الشيطان عليها فأحياناً ينتصر وأحياناً ينكسر والمعصوم من عصمه الله. وحال الشيطان مع القلوب كحال اللصوص مع البيوت في حياتنا، فالبيوت ثلاثة: 1) بيوت الملوك ... 2) بيوت خربة ما فيها إلا عذرة ... 3) بيوت عوام الناس فاللص لا يقترب البيت الأول (بيت الملك) لما عليه من الحرس ولا يقرب البيوت الخربة لأنه لا يوجد فيها شيء يُسرق، وأما البيوت العادية التي ليست كبيت الملك وليست كالخرب فهذه يأتيها اللص ويحاول أن يسرقها إذا غفلت عنه، فإذا انتبهت لم يستطع سرقتها، وهكذا الشيطان يفعل فإذا كنت مؤمناً فغفلت مرة أتى على القلب وأغواه، وإذا ذكرت الله خنس ولذلك سماه الله الخناس. ... قيل لابن عباس: إن اليهود يزعمون أنهم لا يوسوسون في صلاتهم، فقال: صدقوا!! فقالوا: كيف ذلك؟ قال: ماذا يفعل الشيطان بالقلب الخرب.

(والذي يدخل الكنائس اليوم أو يسمع ما فيها لا يرى إلا كل رذيلة وفساد فماذا يعمل الشيطان بهؤلاء؟!، إنهم زادوا على إبليس ولعله إذا دخل عليهم الكنيسة أفسدوه لأنه كما قال الشيطان كنت ألقى الناس فأعلمهم فصرت ألقاهم وأتعلم منهم) وقال الشاعر المخذول: وكنت امرأ ً من جند إبليس فارتقى ... بيَ الحالُ حتى صار إبليسُ من جندي فلو رأت قبلي كنت أحسن بعده ... طرائق فسق ليس يحسنها قبلي وغاية ما وقع من الشيطان أنه عصى ربه، لكنه لم يتقرب إليه بالمعصية أما هؤلاء النصارى يتقربون بالمعصية فتراه يصلي ويزني.... ... وقد نهانا نبينا عليه الصلاة والسلام عن المجادلة والنزاع والأخذ والرد والقيل والقال في مسائل القدر، ثبت في سنن الترمذي بسند حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: [خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمرت وجنتاه (¬1) كأنما فقيء في وجهه حب الرمان (¬2) ثم قال: أبهذا أمرتم أم لهذا أرسلت إليكم (¬3) ؟، إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه] فمن كان مؤمناً فليحفظ عزيمة النبي عليه الصلاة والسلام وقسمه وتشديده وطلبه وإلزامه لنا. ¬

_ (¬1) أي خداه. (¬2) أي كما لو أتيت بحب الرمان وفقأته في وجه إنسان فتراه يغضب وينفعل ويحمر وجهه من الانفعال والغضب وكان النبي عليه الصلاة والسلام أبيض اللون مشرباً بحمرة ومثله لو انفعل تظهر وجنتاه كأنهما جمرتان من النار من أثر الصفاء الذي في وجهه والحمرة الأصلية، فأراد أبو هريرة رضي الله عنه أن يخبر عن حاله بهذا الوصف. (¬3) أي هل أمركم الله بهذا وهل رخصت لكم به أن بهذا أرسلت إليكم أي هل أرسلت إليكم بأن تتنازعوا وتختلفوا في هذا الأمر؟.

وفي مسند الإمام أحمد وسنن بن ماجه بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: [خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان من الغضب، ثم قال: بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟، تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم] . ... ولذلك إذا ذكر القدر فأمسكوا وإياك أن تسترسل في هذه المباحث ولا أقول هذا الأمر لا تدركه العقول ولا تعلمه كما بينه لنا نبينا الرسول عليه الصلاة والسلام، لا أقول هذا لكن أقول البحث عن الحكمة في التقرير هو الذي لا تدركه العقول، فالعقول تدرك أن الله يعلم كل شيء وأنه قدره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لكن عندما تريد أن تسترسل في بيان الحكم فهذا في الحقيقة مجال للتعثر. فإذا استرسل الإنسان في القدر وما عصمه الله وما حفظه قد يقع في إحدى ثلاث بليات: 1) بلية الزندقة: وهي توهم معارضةٍ بين أمر الله وقدر الله، فيُسلم بأن الله خالق كل شيء – وهذا بقدره – لكنه يقول: إن هذا يعارض أمره ونهيه، وهذا يدل على سفاهته وعدم حكمته، وهؤلاء قدرية زنديقية، ويقولون الله أمر ونهى وقدر وخلق لكن أمره ونهيه يعارض قدره وخلقه. ... أول من قال هذا إبليس حيث سلم بالخلق لكنه قال الأمر يخالف الحكمة لذلك أول المعترضين إبليس، أمره الله بالسجود فاعترض وقال كيف تأمر الفاضل أن يسجل للمفضول؟! أي أنت يا رب لا تعرف الحكمة سبحانه وتعالى عما يصفه الضالون علواً كبيراًً، الله أمرك يا إبليس أن تسجد فلماذا تفلسفت وصرت تقول: لم؟ وهذا ليس من شأنك أن تسأل عنه فالله رب العالمين يعلم الحكمة ويعلم الغيب وأنت لا تعلم شيئاً من ذلك فلماذا تعترض؟، وأنت لا تعرف شيئاً حتى عن نفسك هل تعرف ماهية روحك؟ لا أحد يعلم، فأنت كما قال الله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ً) أنت آكل الخبز لا تعرفه ... كيف يجري فيك أم كيف تبول كيف تدري من على العرش استوى ... لا تقل كيف استوى كيف النزول

أين منك الروح في جوهرها ... هل تراها فترى كيف تجول هذه الأنفاس هل تحصرها ... لا ولا تدري متى عنك تزول فأنت إذا كان هذا حالك فلماذا تعترض؟، فاعرف قدرك، فهل أنت ستساوي الله في إدراك حكمة كل شيء، ولو ساويته لكنت إلهاً مثله بل تبقى حالتك أنك تعلم شيئاً وتخفى عليك أشياء، وما تجهله هو أضعاف أضعاف أضعاف أضعاف ما تعلمه فقف عند حدك، إذ قد يؤدي به التعمق في القدر إلى التزندق ولذلك كان الفلاسفة يقولون: "لا يوجد أضر على المخلوق من الخالق"، فنعوذ بالله من هذا الكفر، نعمه علينا لا تحصى ورحمته وسعت كل شيء ووالله هو أرحم بنا من والدتنا وأرحم بنا من أنفسنا أرسل لنا الرسل وأنزل علينا الكتب، فكيف يكون أضر شيء علينا؟!! ... ويقول هؤلاء الفلاسفة أيضاً: "شريعة الله من أولها لآخرها سفاهة"!!! سبحان الله، لكن هذا هو حال المخذولين ومنهم العبد المخذول أبو العلاء المعري الذي هلك سنة 449 هـ حيث يقول: يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض مالنا إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار فهذه هي الزندقة يقول (تناقض..) ويقول أيضاً في أبيات أخرى: أنهيت عن قتل النفوس تعمداً ... وأرسلت أنت لقتلها ملكين وزعمت بأن لها معاداً ثانياً ... ما كان أغناها عن الحالين أي لم هذه السفاهة يا رب أنت تنهانا عن القتل وأنت ترسل ملائكة تقتلنا؟ ولماذا تقول هناك معاد ثان ٍ وخلق ثان ٍ، لا حاجة لا للخلق الأول ولا الثاني؟!! سبحان الله هل صرت إلهاً حتى تحدد ملك الله وأفعاله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً لكن هذا هو حال من غضب الله عليه، ووصل في نهاية أمره يقول: حياة ثم موت ثم بعث ... حديث خرافة يا أم عمرو وكان يقول أيضاً: وما حج لأحجار بيت ... كؤوس الخمر تُشرب في ذراها إذا رجع الحليم إلى حجاه ... تهاون بالشرائع وازدراها

أي الحليم إذا رجع إلى عقله فإنه يحتقر الشرائع من عهد آدم إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم!!! هذا هو نتيجة التعمق بالقدر مع أنه كل ما قاله يرده العقل البشري – وكل من يزعم أن هناك تناقضاً وتعارضاً بين أمر الله ونهيه وبين خلقه وقدره فهذا من سفاهته وقصر عقله وحماقته – فاليد الحكمة أن تُغلظ ديتها حتى لا يتعاون الناس في قطع أعضاء بعضهم البعض، والحكمة تقتضي أن تخفف نصاب السرقة لأننا إذا غلظناه وجعلناه كالدية خمسمائة دينار (80.000 درهم إماراتي تقريباً على أقل تقدير) أي لا تقطع اليد في السرقة إلا إذا سرق (80.000 درهم فما فوق) لفتحنا باب السرقة على مصراعيه، لكن الشارع خفف نصاب السرقة فجعله ربع دينار حتى يصون الأموال ولا يتساهل الناس في السرقة، وغلظ دية قطع اليد خطأ لا عمداً حتى لا يتساهل الناس في قطع أطرافهم، فأين السفاهة ما معري؟!! إن كلامك سفاهة يا سفيه، وإذا كنت تتقن الشعر ألا يوجد عندنا من يتقنه – كما حصل مع الزمخشري، وتقدم – يقول علم الدين السخاوي في الرد عليه (على أبيات المعري يد بخمس....) عز الأمانة أغلاها، وأرخصها ... ذل الخيانة فافهم حكمة الباري أي عندما كانت أمينة جعلناها ديتها ثمينة عالية، ولما صارت خائنة صارت اليد رخيصة، لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت، وقال الشيخ عبد الوهاب المالكي عليه رحمة الله، في الرد عليه: صيانة العضو أغلاها وأرخصها ... صيانة المال فافهم حكمة الباري وهذه هي عين الحكمة التي يجب أن يقولها العقلاء لو فرضنا عدم نزول شريعة بذلك، حفاظاً على المال وعلى أعضاء الناس وأطرافهم، فكيف به وقد وردت به شريعة أحكم الحاكمين؟!.

.. وإننا نقول للمعري، لإبليس أولاً أنت تعترف بأن الله ربك فتقول يا رب، فإذن هو خالقك فكيف تخالف خالقك، أي هل هو أعطاك الحكمة وبقي هو بدون حكمة؟!! سبحان الله، ثم نقول للمعري أيضاً من خلقك سيقول الله، فتقول له الذي خلقك أعطاك الحكمة ورضي لنفسه بالسفاهة؟!! فأنت بما أنك سلمت بأنه خلقك يجب أن تقر وتسلم بحكمة الله وأن لا تتوهم أو تقول إن هناك مخالفة ومصادمة بين شرع الله وقدرته، فهذا حال من تعمق بالقدر وصل إلى حد الزندقة وكذلك المخذول الآخر أحمد بن يحيى الراوندي الذي هلك سنة 298 هـ وذكره ابن حجر في اللسان ليلعنه، فعليه وعلى أمثاله لعنات رب العالمين وهكذا إمامهم الأول الشيطان الرجيم هؤلاء كلهم يعترضون على أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، ولذلك كان المعري يقول: ما هجوت أحداً بشعري، فقال له بعض المعاصرين: صدقت إلا الله ورسوله. أي ما هجوت أحداً من البشر لكنك هجوت رب العالمين وخير المرسلين، فشعرك كله تسفيه لكلام الله جل وعلا ولحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: إذا رجع الحليم إلى حجاه ... تهاون بالشرائع وازدراها فهل هذا هو الحليم الحكيم؟!!! يرجع إلى عقله فيستهزئ بشرع ربه، سبحان الله، وقد تقدم معنا أن شريعة الله لعقولنا كالشمس لأعيننا، فكيف أنت تريد أن تستقل بتدبير نفسك؟!!! إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضى عليه اجتهاده يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

2) إذا سلم من هذه الطريقة (الزندقة) فسيسلك الطريقة الشركية الجبرية: حيث يقول كل ما نفعله أحبه الله ورضيه، (لو شاء الله ما أشركنا) فلما تعمق في القدر دون أسس شرعية أدَّاهُ أمره إلى أن يقول كل شيء بقضاء وقدر، وهذا صحيح لكن رتب عليه محذور فقال: كل ما قضاه الله يحبه وعليه فنحن نطيع الله ونحن وإن خالفنا أمره إلا أننا قد وافقنا إرادته، والموافق لإرادته مطيع، وقد تقدم معنا أن الطاعة هي موافقة الأمر الديني لا الأمر الكوني القدري. 3) وإذا سلم من هذه والتي قبلها فسيقع في الطريقة المجوسية، فيقول: الله أمر ونهى وشرع وحكم لكنه لم يخلق ولم يقدر، فأداه تعمقه في القدر إلى نفي القدر، لأنه على زعمه لو أثبت القدر لكان الله ظالماً!! فلينزه الله عن الظلم قال لم يقدر عليه شيئاً ولم يخلق شيئاً بل العبد هو الذي يقدر ويخلق. فانظر للضلالات التي ستعتري من يتعمق في القدر دون أسس علمية شرعية، فابحث في قدر الله على حسب ما تلكمنا وضع أمامك كتاب الله وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وحذار أن تخرج عنهما، فإذا كان عندك بحث شرعي فتقرره ثم تقف عند هذا، وأما إذا ما أردت، أن تبحث في هذا المبحث على حسب مقتضيات العقول فستخذل وتضل كما ضل من قبلك. الثاني: جميع الأمور بتقدير العزيز الغفور: فكل ما يقع من إيمان وكفر وخير وشر وطاعة ومعصية سبق به تقدير الله، ولا يقع شيء إلا حسب قدر الله وعلى حسب ما سطر في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق مخلوق أو يوجد موجود.

ثبت في صحيح مسلم وموطأ الإمام مالك عن طاووس –، قال: [إن كنت أدركت ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يقولون كل شيء بقدر، وسمعت ابن عمر يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل شيء بقدر حتى العجز والكَيْس] أي حتى الحماقة والذكاء أي كل ما يقع بتقدير الله فهذا مما تواتر عن الصحابة وثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا الأمر ورد فيه الحديث أشار ربنا إليه في آخر سورة القمر قال (إنا كل شيء خلقناه بقدر) ، ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [جاء المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجادلوه في القدر (¬1) فأنزل الله إنا كل شيء خلقناه بقدر وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر] ، إذن كل ما يحصل من طاعة ومعصية فهو بقدر الله لكنه يثاب على الطاعة ويعاقب على المعصية. 3) الثالث: مبحث القدر الذي بحثناه يدعونا إلى أن يعظم الخوف في قلوبنا مما سبق به تقدير ربنا لنا، ولذلك قال أئمتنا المؤمنون يخافون سوء الخاتمة، والصديقون يخافون سوء السابقة، ولا يكون سوء الخاتمة إلا على حسب سوء السابقة، فأولئك (المؤمنون) يتعلقون بحالتهم فقط فيخشون من سوء الخاتمة لكن هؤلاء (الصديقون) عندهم خوف أعظم من خوف سوء الخاتمة وهو سوء السابقة، أي ماذا كتب لهم في الأزل من أهل النار أو من أهل الجنة؟. ... والسعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه، وأنت لما كنت في ظلمات ثلاث كتب رزقك وأجلك وشقي أم سعيد، لكن ليس في هذا إجبار ولا إكراه، كما تقدم. ¬

_ (¬1) وقد كان المشركون يقولون لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا.

.. لكن تطيش عقول الصديقين نحو السابقة التي قدرها رب العالمين والسابق مجهول، ولذلك ينبغي عليك أن لا تسترسل في الفساد وتقول هذا قدر علي لا ينبغي هذا منك فإذا كنت كيساً عاقلاً فإنك تأخذ الأهبة والحذر وتخاف ومن خاف هرب من سخط الله إلى رضوانه ولجأ إليه بالدعاء والتضرع وأن يحسن خاتمته، فمن خاف هرب ومن رجا طلب وإذا رجوت ولم تطلب فأنت متمنٍ أحمق، وإذا خفت ولم تهرب فأنت كذاب أحمق، ولذلك كان الصالحون يقولون: عجبنا للجنة نام طالبها وعجبنا للنار نام هاربها. لكن ضربت الغفلة على قلوبنا ونسأل الله أن يحسن خاتمتنا إخوتي الكرام ... الإنسان إذا أراد أن يحصل شيئاً تراه يطلبه ويسعى وراءه فمن أراد بناء بيت لم يجلس بل سعى في تحصيل مواده وأمواله وما شكل كل هذا وكذا من يريد الزواج، فكيف ينبغي أن يكون حال طالب الجنة؟ لابد من السعي إليها والهرب من النار. ... ولذلك قال الله عن أهل الجنة (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) (كانوا قليلاً من الليل يهجعون) فإذن ينبغي الخوف مما سبق، التقدير والخوف يدعوان إلى الابتعاد عن سخط الله وملازمة طاعة الله. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بهذه الجملة المباركة [يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك] ثبت ذلك في سنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم، والحديث رواه ابن أبي عاصم في السنة، والآجري في الشريعة وسنده صحيح كالشمس عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [كان يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلنا: يا رسول الله آمنا بك وصدقناك فهل تخاف علينا فقال: إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء] .

والحديث روي من رواية أمنا أم سلمة وعبد الله بن عمرو بن العاص والنواس ابن سموان رضي الله عنهم أجمعين بألفاظ متقاربة في بعضها [اللهم ثبت قلوبنا ثبت قلوبنا على دينك] وفي بعضها [اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك] هذه ألفاظ للحديث كلها ثابتة. وثبت في معجم الطبراني الأوسط بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه والحديث في مجمع الزائد (10/176) أن الرسول صلى الله عليه وسلم [كان يدعو بقول: يا ولي الإسلام وأهله (¬1) ثبتني حتى ألقاك] . 4- الرابع: مبحث القدر يدعونا إلى أمر عظيم في حياتنا ينبغي أن نتصف به إذا آمنا بقدر ربنا وهذا الأمر هو: أن نكون أقوياء وأن نتوكل على رب الأرض والسماء لأن ما قُدر له، فعلام الوهن والضعف والجبن وعلام التواضع والاستكانة للمخلوق مع أن ما قدر لك كائن وسيأتيك ورزقك لا يأكله غيرك وحياتك لا تصرف إلى غيرك فلا ينبغي التذلل لغير الله (قل لن يصيبنا إلا ما كبت الله لنا) ولذلك المؤمن هو أقوى أهل الأرض وإن كان فرداً ولو أن أهل الأرض قاطبة أجمعوا على حربه وعلى معاداته لقابلهم بنفسه لأنه واثق بأن الله إذا قدر له النصر سينتصر وإذا لم يقدر له النصر فلو كان معه أهل الأرض سينكسر ولذلك يقول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم – وهذا شامل لكل مؤمن – (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) لم يوجد أحد معك قاتلهم بنفسك وكذلك المؤمن نتيجة لذلك لا يتذلل ولا يتضع لغير ربه، وقد صان الله جبهة المؤمن من الذل إلا له فيسجد له ويعظمه، سجد الفاني للإله القوي الباقي فهذا هو الذل الذي هو عز، لكن الذل الحقيقي والإهانة عندما يسجد الفاني للفاني. ¬

_ (¬1) أي: يا ولي الإسلام والمسلمين.

جاء رجل من البادية وكان قد زاد عمره على (160) سنة إلى معاوية رضي الله عنه فسأله معاوية عن عمره وعما رآه في حياته فقال الأعرابي: سنوات مختلفة خصب وجدب يولد مولود ويموت موجود، لولا الموت لضاقت الدنيا بمن فيها ولولا الولادة لهلك أهل الأرض، فقال معاوية سل حاجتك، فقال: لا حاجة لي إليك، فقال: لابد، قال، إن كان ولابد فأريد أن ترد إليّ ما مضى من عمري، فقال: لا أملك ذلك أيها الرجل، قال: ادفع عني أجلي إذا حضرني، فقال: لا أملك ذلك، فقال الأعرابي: فكيف أسألك وأنت لا تملك شيئاً. ولذلك السؤال لغير الله ذل، ولذلك إذا احتاج الإنسان إلى طعام بحيث إذا لم يأكل مات يباح له السؤال لكن الأولى أن يصبر حتى يموت جوعاً وسؤال المخلوقين فيه: 1) ظلم لله واعتداد على حقه والله يحب أن يُسأل والسؤال نوع من العبادة، فلما صرفت السؤال منه إلى غيره فهذا فيه اعتداء وظلم. 2) ظلم للمسئول لأن المخلوق أبغض الخلق إليه من يسأله وأحب الخلق إليه من لم يسأله والأمر مع الله على العكس أحب الخلق إلى الله من يسأله وأبغضهم من لم يسأله [ومن لم يسأل الله غضب عليه] كما ورد في الحديث. 3) فيه ظلم لك لأنك امتهنت نفسك وأذللتها عندما تذللت لمخلوق مثلك. فالأولى أن تصبر وأن تموت جوعاً وأن لا تقول أعطني رغيفاً من خبز، أو حفنة من تمر وحقيقة هذه هي عزة المؤمن.

.. ثبت في سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان من حديث جابر بن عبد الله، والحديث رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن روح القُدُس نفث في رُعي (¬1) أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأَجمِلوا في الطلب] أي ترفقوا بأنفسكم في طلب الرزق فلا داعي للحرص ولا للحماقة ولا للتعب ولا للنصب ولا نقول اجلس في بيتك فأنت مطالب بالسعي لكن ليس بالركض قال تعالى (فامشوا في مناكبها) ولم يقل اركضوا في مناكبها وأسرعوا، بل امشوا ببطء وتؤدة وسكينة، والله لو قدر عليك الغنى لو قلبت الحجر لوجدت تحته ذهباً ولو قدر عليك الفقر، لو أعطيت الذهب لضاع منك. ... ولذلك قال أئمتنا: كم من قويٍ قويٌ في تقلبه ... مهذب الرأي عنه الرزق ينحرفُ (¬2) وكم من ضعيفٍ ضعيفٌ في تقلبه ... كأنه من خليج البحر يغترفُ (¬3) هذا دليل على أنه الإله له ... في الخلق سر خفي ليس ينكشفُ (¬4) وحقيقة هذا موجود بيننا ترى الذي شكله قوي وألمعي لكنه لا يحصل من المال والرزق شيئاً وآخر تراه هزيلاً بليداً لكنه يحصل من الرزق والخير الشيء الكثير. رحمة الله على الإمام الشافعي عندما يقول: تجوع الأسد في الغابات جوعاً ... ولحم الضأن تأكله الذئاب وكم عبدٍ ينام على حرير ... وذو نسب مفارشه التراب وكان يقول مخبراً عن نفسه عليه رحمة الله: علىَّ ثياب لو تقاس جميعها ... بفلس لكان الفلس منهن أكثر ¬

_ (¬1) الرّوع بفتح الراء الخوف قال تعالى (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) ، وبضمها القلب، أي أوحى إلى جبريل وألقى في قلبي هذا. (¬2)) قوي في تقلبه: أي قوي البدن سديد الرأي ذكي لكن الرزق عنه مصروف فلا يحصل قوته إلا بتعب. (¬3) أي كأنه يغترف من الأموال كما لو كان يغترف من البحر، لكن لو نظرت إليه لقلت هذا لن يحصل تمرة على حسب جهده وعمله. (¬4) أي لا أحد يكشف سر الله وهو القدر (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) .

وفيهن نفس لو تقاس ببعضها ... نفوس الورى كانت أعز وأكبر وما ضر نصل السيف إخلاق (¬1) غمده ... إذا كان عضباً حيثما وجهته فرا وهذا يدعوك إلى أن تربط قلبك بربك ولا داعي للحماقة أو التعب ما قدر لك سيأتيك كله بعز وبطاعة وإياك أن تطلبه بذل والله الذي لا إله إلا هو لو أن السارق ما سرق لجاءه المسروق من طريق حلال، والله الذي لا إله إلا هو لو صبر القاتل عن مقتوله لحظة لمات دون أن يقتله: وميت بعمره من يقتل ... وغير هذا باطل لا ينقل فعمر المقتول انتهى سواء قتلته أم لا لكنك تحاسب لأنك باشرت القتل. ¬

_ (¬1) أي ما الذي يضر السيف البتار إذا كان غمده خلقاً بالياً.

كان بعض شيوخنا الشيخ جمعة أبو زلام توفي عليه رحمة الله يحكي لنا قصة عن بعض طلبة العلم من الصالحين تأخرت نفقته واشتد جوعه فخرج في الشوارع لعله يجد كسرة خبز أو أي شيء يأكله فرأى بيتاً مفتوحاً فتأمله فإذا ليس به أحد – لكنه مسكون – ووجد خزانة للطعام تسمى عندنا في بلاد الشام (شعرية، غلية) فلما رآها فقال الميتة تحل للمضطر وكذلك المسروق يحل لي ففتحها فإذا بها طعام يسمى المحشي فأخذ واحدة فلما أراد أن يأكلها استحضر أن هذا لا يصح له لأنه لم يبلغ درجة الاضطرار وخوف الموت فطرح المحشي من يده وخرج فلما ذهب إلى الشيخ من أجل حلقة العلم قال له الشيخ أين كنت؟ فقال كنت في حاجة (ولم يخبره حياءً منه) فقال له: اجلس، هل لك رغبة في الزواج فقال له يا شيخ أنا جائع لا أستطيع إطعام نفسي وتريد أن تزوجني، فقال له الشيخ تُكفى كل شيء السكن والطعام، فقال، ومن يزوجني؟ فقال: هذه المرأة وكان زوجها قد توفى وتبحث عن زوج لابنتها منه وهي تطلب طالب علم ليتزوج ابنتها ويجلس معها، فقال: على بركة الله فعقد له الشيخ في ذلك المجلس ثم في المساء أخذه إلى بيت الزواج وإذا هو البيت الذي فيه المحشي في تلك الشعرية فلما دخل إلى البيت بدأ يبكي فظنت المرأة أن الرجل قد غير رأيه، فقالت له: علام تبكي؟، فقال: ما أبكي من أجل عدم استحساني لابنتك، إنما أبكي لأنه حصل معي كذا وكذا وأخبرهم بقصته ولولا أن الموقف يستدعي الإخبار لما أخبرتكم هكذا قال هذا الصالح، فتركها عن طريق الحرام فجاءت عن طريق الحلال.

وهذا تحقيق كلام النبي صلى الله عليه وسلم [إن روح القدس نفث في رُوْعي أنه ليس من نفس تموت (نكرة في سياق نفي دخلت من نص في العموم لا يخرج عن هذا مخلوق) حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجلوا في الطلب] اطلبوا لكن بطريق تتجلمون وتتزينون ولا تذلون ولا تمتهنون، أناس في هذه الأيام كأنه ركز فيهم أنهم إن عصوا الله يرزقون وإذا أطاعوه فترى من يعمل بالبنك عن عمله يقول إني إذا تركت فمن أين أعيش؟!! سبحان الله، ولذلك كان المؤمن أقوى خلق الله، لأنه يتوكل على الله والتوكل ثقة القلب بالرب ولذلك لا يجبن المؤمن عند ملاقاة الأعداء لإيمانه بالقدر وخالد بن الوليد رضي الله عنه حضر ما يزيد على 80 معركة وفتحاً ولما حضرته الوفاة قال: "ما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة رمح وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء" ولذلك حقيقة المؤمن يحرص على الموت أكثر مما يحرص أعداء الله على الحياة فخالد رضي الله عنه رغم هذا العدد من المعارك ورغم هذه الضربات والطعنات إلا أنه لم يخف لأنه يعلم أن ما قدر له سيأتيه أينما كان ولذلك قال الله جل وعلا (يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) أي لو قدر أن الذين قتلوا في المعركة لم يخرجوا لأصابهم الموت في فروشهم في تلك الساعة، لذلك إخوتي الكرام ... كان للقدر شأن عند المسلمين رفع من معنوياتهم وأعزهم وجعلهم سادة في الدنيا قبل الآخرة. 5 - الخامس: لا يعني إيماننا بقدر ربنا أن تتواكل وأن نغفل الأسباب وأن نتركها فالمؤمن الموحد يقوم بالأسباب ويدفع بعضها ببعض ويربط قلبه بمسببها وخالقها وموجدها.

ولذلك قال أئمتنا، وهذا الكلام انقشوه في صدوركم: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد (¬1) وإنكار الأسباب أن تكون أسباباً قدح في الشرع والحكمة (¬2) ، والإعراض عن الأسباب قدح في العقل (¬3) وتنزيل الأسباب منازلها ومرافقة بعضها ببعض (¬4) محض العبودية لرب البرية". إذن أربعة أحوال: قال الله لمريم (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) فلابد من سبب (هزي) لكن الذي سخر سقوط التمر هو الله، فهي ضعيفة (نفساء ثم هل هزها سيحرك النخلة؟!، لكن هذا هو بذل السبب وهذا هو جهدها، ولذلك قال بعض الظرفاء الأكياس: ألم تر أن الله قال لمريم ... فهزي الجذع يساقط الرطب ولو شاء أدنى الجذع من غير هزها ... إليها ولكن كل شيء له سبب ¬

_ (¬1) أي تلتفت إلى السبب وتجعله الموجد والخالق والرازق أي لولا هذا السبب لما حصل لك هذا الأمر فهذا شرك فلا يجوز أن تقوله لولا الباب الذي على بيته لدخل اللصوص وأخذوا متاعي، لكن قل: لولا أن الله قدر لي أن أجعل الباب لدخل اللصوص، لا حرج في مثل هذا القول. (¬2) أي بأن يقول: ما قدر لي سيأتيني وأنا سأجلس على فراشي، والسبب لا قيمة له وأنا أنكر هذا، فهذا عاص ٍ لأنه مأمور بالسعي (فامشوا في مناكبها) . (¬3) أي يثبت أن للأسباب أثراً لكنه يعرض عنه ويقول أنا متوكل على الله. (¬4) أي هذا أخذه بالأسباب ودافع بعضها ببعض، فدفع الذنب بالتوبة، والجوع بالأكل وهكذا ...

قال الشيخ عبد القادر الجيلاني عليه رحمة الله: "كان الناس إذا وصلوا إلى مبحث القدر وفقوا وأما أنا ففتحت لي رَوّزنة (فتحة) " فنازعت أقدار الحق بالحق للحق (¬1) ، والمؤمن من ينازع القدر بالقدر، لا من يستسلم للقدر (¬2) " وحقيقة هذا هو محض العبودية، وقد شرح هذا الكلام ابن القيم في المدارج (1/199) والإمام ابن تيمية في الفتاوى (8/547) ، وهذا الكلام أجمل ما قاله الشيخ عبد القادر رحمه الله. ... إذن لابد من الأخذ بالأسباب والعمل للوصول إلى المراد، وليس التوكل أن يعرض الإنسان عن السبب فهذا تواكل، فالتوكل هو ثقة القلب بالرب ثم يبذل ما في وسعه نحو هذه الأسباب ضمن استطاعته كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم [فاتقوا الله وأجملوا في الطلب] ، ولو توكلنا على الله حق التوكل لرزقنا كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً وانتبه إلى تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم فأثبت لها سعيها (تغدو) و (تروح) أي تعود في المساء والعشى شبعى، فهذا هو حالها وهذا هو تقدير الله لرزقها، ولذلك قال عمر لرجل جلس يدعو يقول اللهم ارزقني، فقال له: ويحك إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة وكذلك لو جلس شخص في خلوته يدعو يقول اللهم انصرنا وهو جالس فهذا تواكل بل لابد من الجهاد والإعداد وأخذ الأسباب ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج للجهاد مع أن دعاءه يكفي لأنه لو دعى الله أن ينصره دون حرب لنصره جل وعلا، إذن لابد من عمل الأسباب (فامشوا في مناكبها) وإذا عملنا فلا نختال ولا نعجب ولا نغتر (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) . اقنع بما ترزق يا ذا الفتى ... فليس ينسى ربنا نملهْ (¬3) ¬

_ (¬1) أي قاومت أقدار الحق بإقدار الحق طلباً للحق ولرضوان الله وللتقرب له. (¬2) لا من استسلم فهو متواكل. (¬3) (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) .

إن أقبل الدهر فقم قائماً (¬1) ... وإن تولى مدبراً نم له (¬2) 6- السادس: كلام للشيخ عبد القادر الجيلاني يرحمه الله يلخص لنا فيه دين ربنا: يقول: دين الله جل وعلا يقوم على ثلاثة أمور: 1) أمر يجب أن نقوم به. ... 2) نهي يجب أن نجتنبه. ... 3) قدر يجب أن نرضى به. فهذه ثلاث حالات، وهذا الكلام للشيخ عبد القادر شرحه الإمام ابن تيمية في الفتاوى (10/455-550) ، يقول الإمام ابن تيمية: جمع الشيخ عليه رحمة الله في هذه الجملة الدين بأكمله ولا يخرج شيء من دين الإسلام عن هذه الأمور الثلاثة، والعلم عند الله. س: ما العلاقة بين القدر والدعاء؟ جـ: الدعاء سبب، وهذا السبب مقدر وهو كالأسباب المعروفة، فالله قد يقدر بلاءً ويجعل من أسباب رفع البلاء الدعاء فدفعنا القدر بالقدر ولذلك لا يرد البلاء إلا الدعاء ويعتلج الدعاء والبلاء في الفضاء فيغلب الدعاء فهذا مقدر وهذا مقدر لكن في النهاية لا يقع إلا ما قدره الله، وهذا السبب كوجود الزوجة سبب لوجود الولد لكن قد يوجد ولد ولا يوجد زوجة، كما يقول الشاعر: فعليك بذر الحب لا قطف الجني ... والله للساعين خير ضمين ¬

_ (¬1) أي إن جاءتك الأسباب والأرزاق فقم وصرفها في مصارفها، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تأتيه الأسباب والأرزاق، فقد كان يقلب الحجر فيجد تحته ذهباً من تيسير الله عليه أمور الرزق، ولما توفي صولحت إحدى نسائه الأربع عن ربع الثمن بـ80.000 درهم فكم يكون ماله رضي الله عنه؟!! مع أنه جاء مهاجراً لم يكن يملك شيئاً، وأول ما جاء إلى المدينة تزوج أنصارية على وزن نواة من ذهب 5 درهم، ثم انظر إلى الغنى والرزق كيف جاءه من كل جهة. (¬2) أي إذا تولت عنك الأسباب وأعرضت فنم واسترح وفوض أمرك إلى الله.

أي عليك أن تبذر لكن ليس عليك الجني لأنك قد تبذر ولا تجد ثمراً تجنيه، ولذلك ما من مسلم يدعو بدعاء ليس فيه إثم أو قطيعة رحم إلا عجل الله الإجابة، وإما أن يصرف عنه من السوء، وإما أن يعطيه من الخير بمقدار ما دعا لا عينه وإما أن تدخر له الإجابة ليوم القيامة، ولذلك ضمن الله له الإجابة في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد، وضمن لك الإجابة كيفما يشاء لا كيفما تشاء، ولو كنت تضمن الإجابة في الوقت الذي تريد كما تريد لكنت إلهاً. مبحث علو الرحمن وفوقيته على مخلوقاتهردوا آية ثانية ليقروا هذا الضلال وهي قوله تعالى في سورة الزخرف (وهو الذي في هو أشرف مباحث علم التوحيد وأجلها وهو العَلَم الفارق بين أهل السنة وبين سائر فرق المبتدعة فالمؤمن السني الموحد يقول: الله فوق عرشه على سمواته بائن من خلقه، والمبتدع عندما تقول له أين الله؟، يقول لك كيف تقول أين؟ الله لا يُقال عنه أين، الله لا فوق ولا تحت ولا شمال ولا يمين ولا أمام ولا وراء ولا داخل العالم ولا خارجه، لا جوهر ولا عرض، قل له، يا مسكين هذا ليس حي قيوم بل هو إله معدوم، وهذا كمن يزعم أن في بيته نخلةٍ ثم تسأله عن أوصافها، فيقول لك لا أوصاف لها فقل له إذن هذه نخلة في ذهنك لذلك حقيقة قول المعطلة تقضي إلى أن الله عدم لذلك قال أئمتنا: المعطل يعبد عدماً والممثل يعبد صنماً وهذه المسألة سأقرر أدلتها المتنوعة وهي خمسة: 1) أدلة الكتاب. ... 2) السنة. ... 3) الإجماع الصحيح القطعي. 4) العقل الصريح. ... 5) الفطرة المستقيمة. أولاً أدلة الكتاب: دل على أن الله فوق عباده على عرشه سبحانه وتعالى، من أوجه كثيرة أحاول أن أوجزها وأن أجمعها في سبعة أوجه:

الوجه الأول: تصريح آيات القرآن بأن ربنا الرحمن فوق عباده ومخلوقاته (فوق) قال الله جل وعلا: (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) في حق الملائكة. وقال جل وعلا: (وهو القاهر فوق عباده) . وهذا الدليل في منتهى الظهور والوضوح، وهذه الفوقية شاملة لفوقية الذات ويلزم منها فوقية القَدْر المنزلة والرتبة والمكانة فذاته عالية فوقنا ومنزلته ورتبته أيضاً فوقاً فله الفوقية من جميع الاعتبارات. ... وقبل الانتقال إلى الدليل الثاني سأذكر تأويل المبتدعة للفوقية وندحضه إن شاء الله ثم نذهب إلى الوجه الثاني من أدلة القرآن، وقبل أن أذكر الوجوه دائماً إذا مررت على شبهة فندتها حتى لا نفرد الشبهة في مبحث مستقل. تأويل لبعض المبتدعة حول هذا الوجه: قالوا: المراد من الفوقية هنا الفوقية المعنوية، أي هو فوق عباده في الرتبة والمنزلة أي شأنه أعلى من شأنهم (يخافون ربهم من فوقهم) أي يخافون ربهم الذي هو أعلى منهم رتبة ومنزلة، كما تقول الملك فوق الوزير رتبة، وحقيقة قد يخدعون كثيراً من السذج والدهماء بهذه العبارات المعسولة. ونجيب: لو صح ما قلتم لكان في هذا ذمٌ لربكم، إن قالوا: كيف؟ نقول: أنتم تقولون: إنه فوقهم في الرتبة فإذن عندنا فاضل ومفضول اشتركا في فضيلة فالمفضول هو المخلوق والفاضل هو الله جل وعلا، أي أنه يشترك مع عباده في الفضائل لكنه يزيد عليهم في الفضالة، كما لو قلت الدينار فوق الدرهم فإن بإمكانك أن تشتري بالدينار وبالدرهم، فهناك قدر يشتركان فيه – أي الدرهم والدينار – لذلك نقول لهم: أف لكم ولتأويلكم، فما المزايا التي اشترك فيها المخلوق مع الخالق حتى قلنا إن الخالق أفضل من المخلوق؟!! والله إن هذا ذمٌ للخالق من حيث لا يشعرون.

ولو قال إنسان عندي سكين أَحدُ من الخشبة لاتهمناه بالخرف لأنه لا مفاضلة بينهما بل إن المفاضلة بينهما عين الذم. وهذا كما لو قال شخص الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من اليهود وأبي جهل، فهذا ذم له صلى الله عليه وسلم لأنه لا فضيلة فيهم بل لا قيمة لهم حتى تفاضل بينهما، لكن لو قلت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل النبيين لكان كلامك وجيهاً وفي محله. إذن فكيف ستفاضل بين الخالق والمخلوق وقد تقدم معنا أن أخص وصف في المخلوق الفقر وأخص وصف في الخالق الغنى فأين فضل الفقير حتى تفاضل بينه وبين الغنى؟!! وكيف ستسووا بينهما؟!! لكننا نقول (وهو القاهر فوق عباده) أي هو فوق عرشه على سمواته، فيدخل العلو الذاتي والمعنوي (المنزلة) لا علو المنزلة فقط كما يزعمون. إذن فلا تُعقد المفاضلة إلا بين موصوفين يشتركان في فضائل ويزيد أحدهما على الآخر وإذا كانت المفاضلة بين السيف والعصا ذم للسيف فكيف بعقد مفاضلة بين الفاني والباقي. ألم تر أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل السيف أمضى من العصا فإن قيل (اعتراض) : جاءت نصوص في التنزيل فيها تفضيل الخالق على المخلوق وهذا خلاف ما تقولونه قال الله تعالى في سورة يوسف مخبراً عن نبيه يوسف لما قال لصاحبه في السجن (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) فهذا فيه عقد مفاضلة بين أوثان وبين الله، وقال تعالى (آلله (¬1) خير أما تشركون) . ... وهكذا قول السحرة في سورة طه (والله خير وأبقى) ، ففي هذه الآيات عقد مفاضلة فكيف تقولون لا تجوز المفاضلة بين الخالق والمخلوق؟ ¬

_ (¬1) هذا مد كلمي مثقل، والتعبير صحيح عنه أن يقال مد فرق، ويمد ست حركات باتفاق القراء.

.. والجواب: تفضيل الخالق على المخلوق ابتداءً يعتبر نقصاً لكن إذا كان الكلام خرج لمجادلة الخصم الذي يزعم أنه لآلهته شأن ومنزلة فلا حرج به حينئذ فنبي الله يوسف يريد أن يبين لهم زيف آلهتهم المتنوعة فلم يخرج الكلام منه قضية مبتدأة أنما هو جدال مع مشركين يرون لآلهتهم شأناً، أي أنتم تقولون أن للآلهة شأناً فلو سلمنا لكم بذلك فأي الشأنين أعظم شأن آلهتكم أم شأن الله؟ فسيقولون كلهم شأن الله، فتكون نتيجة النقاش اطرحوا آلهتكم ما دمتم تسلمون بأن الله شأنه أعظم. ... وهكذا (والله خير وأبقى) منك يا فرعون يا من تدعي أنك رب وأنك ملك مصر فالله خير منك وما عنده لا ينفذ وما عندك نافذ ونظير هذا قول الله تعالى في سورة النور (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون) أي خير لكم من الدخول بغير استئذان وخير لكم من تحية الجاهلية. نقول: هل للدخول بغير استئذان والتحية بتحية أهل الجاهلية خيرية؟ لا، ولا خيرية لها، لكن لأنهم كانوا يرون في دخولهم بغير استئذان عزة والوقوف على الباب ذلة لهم، فكأن الله يخيرهم أنه لو كان في فعلكم خير فهناك خير منه وهو الاستئذان فافعلوه لأنه هو أخيرهما، وإن كان لم يثبت لفعلهم خيرية لكن هذا على سبيل المجادلة. ... ونظير هذا النوع من الجدال والخصام مجادلة إبراهيم عليه السلام للنمرود حين حاجه بعد أن ادعى أنه يحيي ويميت فحاجه بأمر آخر وكأنه من باب التسليم له وتنزلاً له فحاجه بقضية أخرى تسكته وهي أن يطلع الشمس من مغربها. ولهذا إذا تجادلت مع مكابر فدع ما فيه نزاع وانتقل إلى ما لا نزاع فيه. الوجه الثاني: إخبار الله جل وعلا في كتابه بصعود العمل الصالح إليه ورفع بعض المخلوقات إليه، ومن المعلوم أن الصعود والرفع يكون من أسفل إلى أعلى.

.. قال الله جل وعلا في كتابه (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وقال جل وعلا في حق عيسى عليه السلام (بل رفعه الله إليه) وقال جل وعلا (يا عيسى إني متوفيك (¬1) ورافعك إليّ) وهذا الرفع وهذا الصعود معلوم ضرورة في اللغة أنه من، أنزل إلى أعلى ومن أسفل إلى أعلى، والدلالة واضحة. الوجه الثالث: تصريح الله في كتابه بأنه عليّ، قال تعالى في آية الكرسي: (وهو العلي العظيم) ، وهكذا قوله تعالى: (إن الله كان علياً كبيراً) وهناك آيات كثيرة تصف الله بالعلو وتسميته بأنه عليّ وهذا يفيد علو الذات وعلو الصفات وعلو المنزلة والقدر، ويقال فيه ما يقال في الفوقية، فهو فوقهم وهو عليّ عليهم , إذا ثبتت الفوقية والعلو فكيف تقولون يا مبتدعة لا يجوز أن نقول إنه فوقنا وأعلى منا؟!. ¬

_ (¬1) قيل بمعنى الوفاة الصغرى، أي منيمك وقد ألقى الله على نبيه عيسى النوم عندما أراد اليهود قتله ورفعه وهو نائم لئلا يفزع والنوم في حالة الحرب والخوف هذا سكينة من الله، (إذ يغشيكم النعاس أمنة..) فاعلم أنه متى ما نام المجاهد فقد نزلت عليه سكينة، وقيل: بمعنى الوفاة الكبرى (الموت) وعليه يكون في الآية تقديم وتأخير، والتقديم: إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إلي ومتوفيك أي سأرفعك ثم سأنزلك لتتوفى في الأرض، ورفع نبي الله عيسى عليه السلام إلى السماء إلى الله جل وعلا ثابت في القرآن ومتواتر في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأنه سيخرج في آخر الزمان وهو من أشراط الساعة الكبرى، وبلغت الأحاديث المتواترة في نزوله (70) حديثاً، وهذا الأمر يخالف فيه علماء الأزهر وينفوه فانتبهوا لهذا!! واشتروا كتاب (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) للشيخ محمد أنور شاه الكشميري، يقارب 400 صفحة جمع فيه الأحاديث الصحيحة في هذا الباب.

الوجه الرابع: تصريح الله جل وعلا في كتابه بتنزيل أشياء من عنده، قال جل وعلا: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) ، (تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم) ، (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) إلى غير ذلك من الآيات، والنزول ضد الصعود فهو هبوط من أعلى إلى أسفل، فالقرآن نزل من الرحمن أي هبط من أعلى إلينا، لذلك قال أئمتنا: لفظ الإنزال للقرآن يدل على فوقية ذي الجلال والإكرام. الوجه الخامس: إخبار الله جل وعلا عن الملائكة بأنهم عنده في جواره الكريم، والملائكة فوقنا وأعلى منا ومسكنها السموات المباركة، قال الله جل وعلا في آخر آية من سورة الأعراف: ( ... إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) ، وفي سورة حم السجدة (فصلت) آية 38 (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون) وهكذا في سورة الأنبياء (وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستسحرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) وهكذا في سورة الزخرف (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ... ) هذه قراءة، وقرأ المدنيان نافع وشيخه يزيد بن القعقاع وابن عامر وابن كثير قارئ مكة ويعقوب قارئ البصرة: (وجعلوا الملائكة هم عند الرحمن) وكلا القراءتين متواترتان، فهم عباده وهم عنده. ... وهذه العندية تحدد لنا أين رب البرية، فالملائكة في السموات العلى والله هو العلي الأعلى ولو كانت هذه العندية الثابتة لهم عنديتنا لما كان لهم ميزة علينا ولما كان لتخصيصهم بالعندية فائدة، بل لهم مزيد من قرب إلى الرب جل وعلا.

الوجه السادس: تصريح الله جل وعلا بأنه في السموات في آيات كثيرة متواترة غراء: (أأمنتم من في السماء (¬1)) . ... علماء الكلام أصحاب الثرثرة والهذيان أكثروا اللغظ والشغب والخصام حول هذا الدليل من القرآن فقالوا: الآية لا تدل على علو الله وفوقيته، لأنه ليس المراد من كون الله في السماء وذاته في العلو بل المراد سلطانه وقهره. ... وهذا التأويل أبرد من الثلج كتأويل الضالين السابقين في الفوقية، لأنه إن كان هو السلطان في السماء فمن إذن السلطان في الأرض؟!!. ... السلطان هو الله في السماء والأرض لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، لذلك يقول الله جل وعلا (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) أي بسلطان منه وتمكين وقوة وقدرة إذا أمدكم بذلك فيمكنكم لكن هو جعلكم ضعفاء وعاجزين لا يخرج أحد منكم من سلطانه سبحانه وتعالى. ¬

_ (¬1) كلمة (السماء) تحتمل معنيين على كل احتمال يتضح لنا معنى في، فقيل: المراد من السماء العلو المطلق، فكل ما علاك فهو سماك وليس المراد السموات الاصطلاحية، فتكون (في) ظرفية على حقيقتها، أي أأمنتم من في العلو، إذن فكل ما علاك فهو سماك قال تعالى (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) فالمراد بالسماء هنا سقف البيت أي من كان يظن أن الله لن ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم وأن الله لن يعلي شأنه فسيعلي شأنه وإذا انغاظ هذا فليمدد حبلاً إلى السقف ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ، وهذا من أساليب اللغة.، وقيل: المراد من السماء الأجرام السمواية المعروفة وهي السبعة ويكون معنى (في) : علا، أي أأمنتم من على السماء أي من فوق السموات لأن الله ليس بداخل السموات، وهذا كقوله تعالى (فسيحوا في الأرض) ، وقوله (لأصلبنكم في جذوع النخل) أي على جذوع النخل، حروف الجر تتناوب كما قال أئمتنا.

.. ومما يقرر هذا أن العاتي فرعون عليه لعنة الله قال لقومه عندما أراد أن يلبس على قومه: (يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) فهذا يفيد أن نبي الله موسى أخبر قومه ومنهم فرعون بأن الله في العلو على السموات فوق العرش فاستغل فرعون هذه الدعوى فطلب من هامان أن يبني له بناءً عالياً لينظر إلى إله موسى الذي هو في السماء. ولو كان كلام فرعون باطلاً لرد عليه موسى عليه السلام بأن الله ليس في السماء وفرعون يكذب وهذه القصة التي جرت من فرعون جرت من بعض المشايخ المصريين وقد أفضى لما قدم إذ أنه لما تناقل الناس خبر الصعود إلى القمر فسُأل هل الصعود للقمر ممكن أم لا؟ فقال لهم: أخبركم بالجواب غداً. ففي اليوم التالي امتلأ جامع الأزهر بالناس وجلس الشيخ وقال: هؤلاء كذابون دجالون لأني بقيت البارحة أنظر إلى القمر فلم أر شيئاً!!. ... ولا أعلم جوابه هذا كان من باب البله والغفلة أم هو من باب العتو كفرعون إذ كيف سيرى القمر وهو في الأرض؟! كيف سيراه بعينه المجردة؟ فالأفضل لو أنه سكت عن الجواب ولم يجب بهذا. ولذلك قال أئمتنا: من نفى علو الله فهو فرعوني، ومن أقر بعلو الله فهو موسوي (¬1) محمدي بعد أن قالوا إن المراد بمن في السماء أي بمن في السماء سلطانه قالوا: توجد آيات تعكر على قولكم تدل على أن الله في السموات وفي الأرض كقوله تعالى في سورة الأنعام: (وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) ، فلماذا تقولون إنه فوق عرشه على سمواته وهذه الآية ترد عليكم؟. نقول: من سوء فهمكن أتيتم وجعلتم الآيات تتضارب ويرد بعضها بعضاً فهذه الآية تحتمل ثلاث معان ٍ كلها صحيحة: ¬

_ (¬1) أي من أتباع نبي الله موسى الذي أخبرنا بأن الله فوقنا.

المعنى الأول: عليه جمهور السلف أن الوقف لازم على لفظ (السموات) فيكون معنى (في) أي ظرفية أي في العلو المطلق، والأرض متعلقة بيعلم أي ويعلم سركم وجهركم وما تكسبون في الأرض، أي مع علوه لا تخفى عليه خافيه من أمركم، وانظر هذا المعنى الذي نقل عن جمهور السلف تدل عليه آية الاستواء في سورة الحديد (هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) فهذه الآية كآية سورة الأنعام حث أخبرنا بأنه فوق السموات على العرش ومع ذلك يعلم ما يلج في الأرض، وهذا الوجه هو أرجح الوجوه وأقواها. المعنى الثاني: (في السموات وفي الأرض) متعلق بيعلم، والآية لم تسق لبيان أين الله بل لبيان إحاطة الله وعلمه بكل شيء، والتقدير: وهو الله يعلم سركم وجهركم أينما كنتم في السموات أو في الأرض فهو يعلم ما تكسبون ولهذا قال أئمتنا هذا وقف حسن على لفظ الجلالة (وهو الله) ثم تستأنف كلاماً آخر يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض ... ، وانظروا هذا في كتاب منار الهدى في الوقف والابتداء للإمام الأشموني، يقول: الوقف على لفظ الجلالة، ويتم المعنى بذلك. المعنى الثالث: الآية لم تسق لبيان أين الله ولا لبيان إحاطة علمه بكل شيء، إنما سيقت لبيان أنه هو الإله الحق المعبود الذي يجب على أهل السموات وأهل الأرض أن يألهوه ويعبدوه ولا يشركون به شيئاً فالإله هو المألوه أي المعبود، والتقدير: وهو المعبود في السموات وفي الأرض....فأين الفهم الذي فهمتموه؟!! وهذه المعاني الثلاثة أمامكم ليس في واحدة منها أن الله موجود في الأرض كما تزعمون وأو السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) يقولون: إذن فهو موجود في السماء والأرض وليس في السماء كما تقولون.

والجواب: هذه الآية معناها كالمعنى الثالث لآية سورة الأنعام، أي وهو المعبود في السماء وفي الأرض وهو إله من في السماء وإله من في الأرض وهو المألوه في السماء وهو المألوه في الأرض، فلا إله إلا هو. ... ونحن نقول لهم أيضاً إن كان في الأرض فعلام يصعد الكلم الطيب إليه وعلام يعرج إليه أشياء ويرفع أشياء؟!! ولو كان الله في الأرض فلماذا عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ما فوق السماء السابعة؟!!. الوجه السابع: تصريح الله في كتابه بأنه استوى على عرشه في سبع آيات من كتابه ضمن سبع سور: 1) آية سورة الأعراف آية 54: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) . 2) آية سورة يونس: آية رقم 3. 3) آية سورة الرعد: آية رقم 2. 4) آية سورة طه: آية رقم 5. 5) آية سورة الفرقان: آية رقم 59. 6) آية سورة السجدة: آية رقم 17. 7) آية سورة الحديد: آية رقم 4. والمفسرون بحثوا مسألة الاستواء عند أول آية وهي آية سورة الأعراف إلا شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فإنه تكلم على الاستواء في الآية الثالثة من سورة يونس (الموضع الثاني) في أضواء البيان. والاستواء معناه في اللغة: يأتي لأربعة معان ٍ: استقر، وارتفع، وعلا، وصعد، وقد ثبت في صحيح البخاري عن مجاهد أنه قال (الرحمن على العرش استوى) قال: علا، انظر صحيح البخاري في كتاب التوحيد (13/403- مع الفتح) وفيه أيضاً – أي في صحيح البخاري – قال أبو العالية: (الرحمن على العرش استوى) : ارتفع، وقد ورد هذا في التفسير الثاني في معالم التنزيل للبغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

هذا تفسير الاستواء في اللغة فله العلو والارتفاع والفوقية على سائر مخلوقاته، وهذا الدليل والواضح (سبع آياتٍ) جاء المؤولة وتلاعبوا فيه وقالوا: استوى أي: استولى وقال فريق منهم: كناية عن الهيمنة والسيطرة وتدبير الملك. هذا تفسير باطل قطعاً وجزماً لغةً ومعنىً. أما اللغة فلا تشهد لهذا قطعاً، أي تفسير استوى باستولي لا يعرفه علماء اللغة كما قال الأزهري في تهذيب اللغة وابن الأعرابي وهو من أئمة اللغة. وقد أبطل الإمام ابن القيم تفسير استوى باستولي باثنين وأربعين وجهاً في كتابه الصواعق المرسلة في الرد على الجهنمية والمعطلة، انظروا مختصر الصواعق (2/126-152) ، أما المعنى فهو معنىً باطل بل هو أبطل من بطلانه من ناحية اللغة لأن الاستواء أخذ الشيء بعد غلبة ومنازعة، فهل كان العرش في ملك أحد غير الله حتى نازعه الله فقهره حتى غلبه وانتصر عليه وأخذ العرش واستولى عليه؟!! لا، يقولون: هذا استيلاء بلا غلبة ولا منازعة، كما قال الأخطل:

قد استوى بِشْرٌ (¬1) على العراق ... من غير سيف ودم مراق فهو استوى على العراق من غير منازعة بالسيف أو بقتل وإراقة الدماء. نقول: لا زلنا معكم، يعني هل كان في يد غيره ثم أخذه منه؟ يعني هل خرج العرش عن ملك الله طرفة عين حتى تقول إنه استولى عليه إذن فكلا جوابيكم باطل وقلتم استولي بغلبة ومنازعة أو بدون ذلك، ثم إنه لا يجوز الاستدلال بهذا البيت على تفسير استوى باستولى لأن هذا مخلوق والله ليس كمثله شيء، ولأن البصرة حقيقة لم تكن في أمرته ولا تحت ولايته بل عهد إليه أخوه عبد الملك بذلك فيصح أن نقول إنه استولى، لكن هل كان العرش كذلك؟ لا والله، فهو لم يخرج عن ملكه طرفة عين، ولذلك يقول الإمام ابن تيمية: قبحاً لمن نبذ الكتاب وراءه ... وإذا استدل يقول قال الأخطل ويقول الإمام ابن القيم: ¬

_ (¬1) هو بشر بن مروان، أخو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، وهو أول من ولي على البصرة في بلاد العراق، وامتدحه الأخطل الشاعر النصراني بهذا البيت، ومعناه: أن بِشْراً استولى على العراق بعهد من أخيه عبد الملك بن مروان دون مقاتلة وقتل وقطع رقاب وقال أئمتنا في ترجمة بِشْر: كان من الكرماء وكان لا يغلق بابه عن أحد من رعيته، ومن أقواله – ونعم ما قال -: وليس الأمراء في هذا الوقت يقتدون بهذه الحكمة التي أثرت عنه – يقول: "إنما يحتجب النساء فالأمير لا يحتجب" ولما احتضر يقول الحسن البصري ولما احتضر أدركته وكان على سريره فنزل وهو يتلوى على الأرض ثم نادى بأعلى صوته: يا ليتني كنت في البادية أرعى الماشية، فقيل هذا لأبي حازم فقال: الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يفرون إلينا ولا نفر إليهم، والله لازال الله يرينا فيهم عبراً، فالعالم أو غيره لا يتمنى عند موته لو أنه كان أميراً، لكن الأمير يتمنى عند موته لو أنه لم يكن أميراُ بل كان راعياً أو غيره ولما يراه عند سكرات الموت، توفي سنة 74 هـ رحمه الله.

ولهم في ذلك بيت قاله ... فيما يقال الأخطل النصراني نون اليهود ولام جهميًّ هما ... في وحي رب العرش زائدتان (نون اليهود) قال الله لهم قولوا حطة أي حُط َّ الذنوب عنا، فلم يقولوها وزادوا نوناُ فقالوا: حنطة أو حبة حنطة أو حنطة في شعرة استهزءوا بكلام الله جل وعلا، وهذا حال اليهود، فانظر كيف بدلوا كلام الرب المعبود. والجهمية زادوا لاماً، فهى استوى فزادوها استولى، ومعنى (هما في وحي رب العرش زائدتان) أي لم ينزل رب العالمين لا نون اليهود ولا لام الجهمية. ولذلك قال الإمام مالك وشيخه ربيعة وأمنا أم سلمة رضي الله عنها والإسناد ثابت إلى مالك وإلى ربيعة ولكنه ضعيف عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها وثبت عن الإمام أبي جعفر الترمذي ليس صاحب السنة أبو عيسى الترمذي، قالوا: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة". (الاستواء معلوم) أي معلوم في اللغة استقر، ارتفع، علا. (والكيف مجهول) أي كيفية استواء الرب مجهولة لان الصفة تتبع الموصوف، فإذا كانت الذات مجهولة فالصفات كذلك ولذلك إيماننا بصفات ربنا كإيماننا بذاته، والمخلوقات تتفق في مسمى الصفة وتختلف في حقيقتها، فمثلاً لك يد للقط يد لكن لم تشبه اليدان بعضهما، فكيف ستشبه يد المخلوق الخالق!! فلكل موصوف ما يناسبه من الصفات (ليس كمثله شيء) . (والإيمان به واجب) لأنه ورد في كتاب الله وإذا تركته فقد ضللت. (والسؤال عنه بدعة) وكان بدعة لأمرين: الأمر الأول: لأنه سؤال عما لا يمكن لعقول البشر أن تدركه، والأمر الثاني: لأنه لم يجر هذا السؤال في عهد خير هذه الأمة وأطهرها وأبرها، والبدعة ما حدث بعدهم فلم يسأل الصحابة رضوان الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية صفة بل يسألون عن الإيمان بها وثبوتها وهكذا المؤمن يسأل في القدر – كما تقدم معنا – من الحكم ووجوده لا عن العلة من الحكمة، ولذلك لا تقل لم؟ بل قل بم؟.

ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه بسند حسن عن أبي رزين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ضحك ربنا عند قنوط عباده وقرب غِيَرِه (¬1) ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب فقال أبو رزين: أوَ يضحك ربنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال: لن نعدم من رب يضحك خيراً] ، فسأل أبو رزين هنا عن ثبوت صفة الضحك لا عن الكيفية ومن ضحك الله له لن يحاسبه كما ورد في الحديث، أي من فعل فعلاً أضحك به الرب فلن يحاسبه الله، وهذا الاستواء كما يليق بربنا. مبحث العرش والكرسي (هما مبحثان مستقلان لكن ندخلهما في هذه الآيات) العرش في اللغة: سرير المَلِك، والمراد كرسي عظيم مرصع بالجواهر والأحجار الكريمة كحال الملوك القدماء. ¬

_ (¬1) أي وقرب غير القنوط وتغير الحال، وقنوط العباد كان بسبب القحط والبلاء وهنا، أي قرب تغير الحال من العسر إلى اليسر.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن ثلاث عروش: عرشين لمخلوقين وعرش له سبحانه وتعالى استوى عليه: أحد عرشي المخلوقين عرش ملكة سبأ (¬1) وهو عرش بلقيس: ( ... وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم) والثاني عرش نبي الله يوسف ( ... ورفع أبويه على العرش) والله جل وعلا استوى على هذا العرش بكيفية يعلمها ولا نعلمها. ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال [سمي العرش عرشاً لارتفاعه] ، والله يشير لهذا المعنى في كتابه يقول: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) أي مرتفعة (وغير معروشات) أي منبسطة ليس لها ساق تقوم عليه وذكر العرش معلوم في أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، قال أمية بن أبي الصلت (جاهلية) : مجدوا الله فهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الناس ... وسوى فوق السماء سريرا شَرْجَعَنْ (¬2) لا يناله ناظر العين ... ترى دونه الملائكة صورا (¬3) ¬

_ (¬1) [ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة] ، وقد حكي أن رجلا ً من أهل اليمن افتخر في مجلس عبد الملك ابن مروان، فقال عبد الملك: من يرد على هذا المفاخر؟ فقام بعض الحاضرين وقال: أيها الملك، ماذا تقول في قوم ملكتهم امرأة، ودل عليهم هدهد وغرقتهم فأرة وهم ما بين حائك برود ودابغ جلد وسائس قرد وكل بلدة فيها نقائص والمؤمن لا يوصف لوجوده في مكان من الأمكنة وألفاظ العموم لا يدخل فيها الأخيار كما قال أئمتنا، أهل الشام أذل الناس وأطوعهم في معصية الله وأهل مصر أظرفهم صغيراً وأحمقهم كبيراً وأهل العراق أسرع الناس في فتنة وأعجزهم عنها، وكل مصر وبلد له وصفه لكن يتنزه عنه الأبرار. (¬2) أي بناءاً عالياً مرتفعاً. (¬3) جمع أصْور أي: مائل الرقبة، والمراد أن الملائكة مائلة العنق من خشيتها وتذللها.

وقال عبد الله بن رواحة (قال الإمام ابن عبيد ابن عبد البر في الاستيعاب وهذه القصة ثابتة رُويناها من أوجه صحيحة مشهورة) ، وذلك أنه عندما جاءته سٌرِّيته وواقعها على فراش زوجته، فعلمت زوجته بالأمر فاعتراها شيء من الغيرة، فقالت في حجرتي وعلى فراشي، فقال: ما فعلت شيئاً؟ أي لم أفعل شيئاً حراماً، فقالت اقرأ القرآن إن كنت صادقاً لأن الجنب لا يقرأ القرآن، فقال: عبد الله رضي الله عنه: شهدت بأن الله حق ... وأن النار مثوى الكافرين وأن العرش فوق الماء طافٍ ... وفوق العرش رب العالمين وتحمله ملائكة كرام ... ملائكة الإله مسوِّمين (¬1) وقال أيضاً: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطعا وبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استقلت بالمشركين المضاجع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع فقالت زوجته: آمنت بالله وكذبت بصري والكلام أو سع من أن يكذب ظريف كما قال أئمتنا، فإذا اضطررت للكذب فلا تكذب بل استعمل التورية (¬2) كما كان إبراهيم انخعي يعمل حيث كان يطلب من ابنه أن يقول لمن يطرق بابه في وقت لا يريد فيه مقابلة أحد، يا بني قل لهم إن إبراهيم ليس هنا، أي ليس موجود في المكان الذي يتكلم فيه أي يشير إلى مكان ليس فيه والده إبراهيم موجوداً فيه، والسامع يظن أن إبراهيم ليس في البيت والدار، وولده صادق، وهو لو قال لهم مشغول فقد يلحون عليه بطلب الدخول أو قد يتضايقون من هذا الجواب (أي لو قال لهم مشغول) فيصرفهم بالتي هي أحسن. ¬

_ (¬1) ويصح مسِوَّمين، كما ورد في سورة آل عمران (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين) وقرئت مسوَّمين، وهما قراءتان متواترتان عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ومعنى مسوَّمين: معلِّمين، ومعنى مسوَّمين معلَّمين أي عليهم علامة يتميزون بها. (¬2) وهي أن تسمع السامع شيئاً وأنت تعتقد في نفسك حقاً غيره.

.. وصفة الاستواء على العرش نقول فيها ما نقول في سائر الصفات فالاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وتقدم معنا أن إيماننا بصفات ربنا إقرار وإمرار (ليس كمثله شيء) إمرار (وهو السميع البصير) إقرار فنقر بالصفة دون البحث في كنها وكيفيتها وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك. والعجز عن درك الإدراك إدارك ... والبحث في كنه ذات الإله إشراك والصفات تختلف باختلاف الموصوفات، فلكل موصوف معنىً يناسبه من تلك الصفة على حسب ذاته، فمثلاً اليد تختلف فينا بني الإنسان عنها في الكلاب عنها في الأبواب فمن بابٍ أولى أن تختلف يد الخلاق جل وعلا.

وعرش الرحمن فوق المخلوقات كلها، ولا يوجد فوقه شيء مخلوق لا يوجد إلا الخالق جل وعلا، فالمخلوقات كلها تحت العرش ولذلك يُقال "العالم من عرشه إلى فرشه مخلوق" أو من علوه إلى سفله وهو الأرض السابعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [والله فوق العرش يعلم ما أنتم عليه] ، والعرش هو أكبر المخلوقات تحمله ثمانية من الملائكة، كما أخبرنا الله عن ذلك في كتابه (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) وهؤلاء الثمانية يتجاوبون بصوت رقيق رخيم فأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك ويجيبهم الأربعة الآخرون سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، هذا هو تسبيح حملة العرش، وهذا ثبت بإسناد صحيح عن حسان بن عطية وله حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا: الله سبحانه وتعالى يعلم ما نعمل، ولولا حلمه لما ترك على الأرض من دابة، وهو قدير على عقوبتنا فلولا عفوه لأهلكنا، وثبت في تفسير ابن جرير أن الله خلق حملة العرش قالوا ربنا لم خلقتنا؟، قال: لتحملوا عرشي، قالوا: ومن يقوى عليه وعليه جلالك ووقارك وأنت رب العالمين؟ فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالوا هذه الكلمة وبها أطاقوا حمل العرش، وقد قال أئمتنا هذه الكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) لها تأثير عجيب وخاصية مجربة بأن من قالها ذلل الله له الصعاب وفرج عنه الكروب وأعانه على الشدائد ومعنى هذه الكلمة لا تحول من حالٍ إلى حال من معصية إلى طاعة ومن ضعف إلى قوة ومن فقر إلى غنىً ... ولا تحصل قوة إلا بالله جل وعلا. وأما الكرسي: ... فهو دون العرش أي أنزل منه وأصغر، والعرش أكبر المخلوقات وأولها وهو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى,

.. وقد ثبت تفسير الكرسي بذلك في مستدرك الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين وكتاب التوحيد لابن خزيمة والأسماء والصفات للبيهقي وتفسير ابن جرير، والأثر رواه الإمام الخطيب في تاريخ بغداد والطبراني في معجمه الكبير بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: [الكرسي موضع القدمين والعرش لا يعلم قدره إلا الله] . ... قال الله في وصف الكرسي (وسع كرسيه السموات والأرض) فهذا الكرسي يسع السموات والأرض وهو أعظم منها. ... والكرسي ذكر في موضعين فقط في القرآن: 1) آية الكرسي من سورة البقرة (وسع كرسيه السموات والأرض) . 2) في سورة ص (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب) ، فالكرسي الأول له جل وعلا، والثاني في سورة ص والكرسي واحد الكراسي وهو معروف كما قال علماء اللغة. وهذا التفسير – الأول – الذي نقل عن ابن عباس، ثبت أيضاً عن أبي موسى الأشعري في تفسير ابن جرير والأسماء والصفات للبيهقي، وفي تفسير ابن المنذر بإسناد صحيح قاله الحافظ في الفتح (8/199) وثبت في تاريخ بغداد عن أبي ذر مرفوعاً وموقوفاً، والموقوف أثبت وله حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مما لا يدرك بالرأي. ... وهذا هو المعتمد عند أهل الحق أن الكرسي هو موضع قدمي الرب، وهناك أربعة أقوال باطلة في تفسير الكرسي احذروها وكونوا على علم بها: أولها: - وهو أرذلها – نُقل عن الزمخشري المعتزلي، وهو من شر ما قاله في صفات الله – يقول "الكرسي: تخييل حسي " أي لا يوجد هناك كرسي لا صغير ولا كبير، لكن الله أراد أن يظهر لنا عظمته ويقرب لنا شأنه فذكر هذا الأمر لذلك يعني المراد من الآية: لو كان له كرسي لوسع السموات والأرض، لكنه لا يوجد، ومعنى قول الزمخشري (حسي) أي أتى بتعبير محسوس ليقرب المراد.

.. وهذا التفسير الذي ابتدعه الزمخشري هنا في الكرسي عول عليه في كثير من آيات الصفات في الكشاف فانظر مثلاً تفسير قول الله تعالى في سورة الزمر (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله يقبض الأرضين بشماله ويطوي السموات بيمينه، ويقول أنا الملك أين ملكوم الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟] . ... فالزمخشري يستعمل هذا الأسلوب أيضاً في نفي صفة اليمين والشمال والقبض والطي، فيقول هو في هذه الآية: هذا تخييل حسي فالله يريد أن يخيل لنا عظمته فجاء بهذا المثال الحسي الذي فيه كأن السموات بيمينه وكأن الأرض بشماله وليس له لا طي ولا قبض وليس له يمين ولا شمال، وهذا كما قلت لكم من أشنع ما قيل في صفات الله سبحانه وتعالى لأن مؤداه أن الله يكذب علينا، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ثانيهما: الكرسي بمعنى العرش فهما سواء، ونقل هذا عن الحسن البصري، وروي هذا عنه من طريق جويبر عن الضحاك، وهذا الأثر لا يثبت عن الحسن البصري (¬1) ، لأنه فيه علة وهي: ضعف الأسناد فجويبر تالف. ... قال الإمام ابن كثير والإمام البيهقي في الأسماء والصفات، والصحيح عن الحسن وغيره من السلف أن العرش غير الكرسي. ثالثهما: قيل الكرسي بمعنى العلم، (وسع كرسيه السموات والأرض) أي علمه، نقل عن ابن عباس رضي الله عنه بإسناد – قال عنه ابن كثير والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة إنه شاذ أي هذا الإسناد شاذ والرواية المحفوظة عنه الثابتة أن الكرسي موضع القدم. ¬

_ (¬1) حكى الشيخ الفوزان هذا القول عن الحسن في كتابه شرح العقيدة الواسطية، ولم يتعقب القول، وهو قول غير صحيح كما بينا؟؟؟

.. وهذا التفسير رده الإمام ابن جرير في أول الأمر وقال: "إن الرواية الثابتة عن ابن عباس في تفسير الكرسي وهو موضع القدمين، هي المعتمدة" ثم انتكس الإمام ابن جرير عليه رحمة الله في تفسيره عند آية الكرسي فنقل هذه الرواية الشاذة وقال هي المعتمدة في تفسير الكرسي، فبعد أن قرر أن القول الأول هو المعتمد نقضه وقال القول الثاني هو المعتمد وهذا عجيب من مثل الإمام ابن جرير، وقد قرر الإمام ابن جرير هذا القول الشاذ بقوله تعالى حكاية من الملائكة (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً) ، وهذا الاستدلال في الحقيقة لا يتناسب مع حذق الإمام ابن جرير وفهمه لأنه يلزم على قوله أن يفسر الكرسي بالرحمة كما فسر بالعلم، لأن ذكرت الآيتين، ثم إنه لا مناسبة بين الكرسي والعلم، لأن الكرسي واحد الكراسي وهو معروف، والعلم معروف فلا مناسبة بينهما ولو صح تفسير الشيء بما لا يدل عليه في لغة العرب لصح أن نفسر بعد ذلك الأحكام الشرعية كما نريد (¬1) وهذا التفسير تبناه محمد عبده في هذا العصر وعليه جمهور المؤولة. رابعهما: تبناه الرازي في تفسيره فقال: لا يصح تفسير الكرسي بالعرش ولا تفسيره بالعلم فقد دلت الآثار على أنه جسم عظيم أعظم من السموات والأرض – وهذا كله حق مقبول لكن انظر بعد ذلك للانتكاس يقول: لكن الرواية الثابتة عن ابن عباس موهمة مشكلة فيجب أن نقف نحوها موقفين: ¬

_ (¬1) فالله جل وعلا يقول: (كتب عليكم الصيام) فيأتي الباطنية ويفسرون اللفظ بما لا يدل عليه فيقولون: الصيام هو حفظ سر الشيخ فهذا هو معنى الصيام عند الدرزية والنصيرية، وعندهم – الباطنية – الحج هو زيارة الشيخ، ويقولون في الآية: (حرمت عليكم أمهاتكم) المقصود (بأمهاتكم) عندهم: مراتب شيوخهم، فلا تتمنوا رتبة الشيخ، أما أمك فلا حرج عليك في وطئها – وهذا كله عندهم – وكذلك لا حرج في وطء أختك أو بنتك!! فهذا كله يشبه تفسير الكرسي بالعلم لأنه من قبيل تفسير اللفظ بما لا يدل عليه.

الموقف الأول: أن نردها، لأنها توهم التشبيه. الموقف الثاني: وإذا قبلناها فلابد من تأويلها (¬1) ، وقال: موضع القدمين أي موضع قدمي الروح الأعظم الذي هو جبريل أو موضع قدمي ملك آخر غيره (¬2) وهذا تأويل باطل يجب طرحه. ... والأقوال الثلاثة قبله باطلة أيضاً والمعتمد هو قول ابن عباس وأبي موسى الأشعري وأبي ذر، وتقدم ذكره وقد ورد أن الكرسي بجانب العرش كحلقة في فلاة والسموات السبع والأراضين السبع بجانب الكرسي كحلقة في فلاة. 2- وأما السنة: ... تواترت الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الله فوق عرشه على سمواته بائن من خلقه سبحانه وتعالى، وهذه الأحاديث المتواترة لن أفيض فيها إنما سأذكر ثلاثة منها: ¬

_ (¬1) وهذا حال المبتدعة يتذبذبون بين أمرين إما أن يرد النص وإما أن يؤوله، والتأويل أخو الرد، وهذا كالحديث الصحيح [لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع الجبار عليها قدمه (وفي رواية رجله) فينزوى بعضها إلى بعض، فتقول قط قط] يقول المبتدعة: القدم هنا معناها أي قوم قدمهم للنار، [ورجله] هذا مأخوذ من رجل الجراد وهو الجماعة والمعنى حتى يضع عليها جماعة مثل جماعة الجراد، يلقيهم فيها فتمتلئ وتقول [قط قط] ، سبحان الله هل هذا هو معنى الرجل ومعنى القدم؟ هلا قلتم إقرار وإمرار، ولا داعي بعد ذلك للتلاعب وكل يؤول على مزاجه. (¬2) وقد وصل الشطط بالرازي في تفسيره سورة الفجر آية (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) قال هذه الآية موهمة لابد من تأويلها ذكر ستة أوجه في تأويلها أحد الأوجه يقول (وجاء ربك) أي الملك الذي كان يربيك يا محمد وهو أعظم الملائكة فهذا سيأتي يوم القيامة ويأتي معه الملائكة صفاً صفاً!!!

أولها: الأحاديث بمجموعها متواترة، لكن هذا الحديث متواتر بنفسه، قال الإمام الذهبي في كتابه (العلو للعلي الغفار) صـ16: من الأحاديث المتواترة في علو الله وفوقيته حديث معاوية بن الحكم السُّلمي، وحديثه ثابت في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي – وهو حديث متواتر – وخلاصة الحديث: يقول معاوية رضي الله عنه [كانت لي جارية ترعى غنماً لي فجاءت في يوم من الأيام وقد أخذ الذئب شاة منها، يقول: وأنا امرؤ من بني آدم (¬1) – آسف كما يأسفون فحزنت على هذه الشاة، وصككت الأمة ثم ندمت فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالقصة وقلت له: ألا أعتقها، (وفي رواية: إن عليّ كفارة ألا أعتقها؟) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ادعها لي، فجاءت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فقالت في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: رسول الله، فقال اعتقها فإنها مؤمنة] . قال الذهبي والحديث فيه أمران: 1- جواز السؤال عن الله بأين (¬2) ، فهو شرعي سأل بهذا نبينا صلى الله عليه وسلم. 2- والجواب عن هذا السؤال، أن الله في السماء كما تواترت الأحاديث بذلك. ولفظ السماء تقدم معناها إن كان المراد العلو فـ (في) ظرفية على حقيقتها أي في العلو، وإن كان المراد من السماء الأجرام السبعة فـ (في) بمعنى على أي على السماء وهذا الحديث فيه رد على المؤولة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن سلطانه وقهره جل جلاله فلم يقل أين سلطان الله؟. ¬

_ (¬1) يريد بهذا أن يذكر عذره في عمله الذي فعله بالأمة، أي أنا امرؤ من بني آدم آسف كما يأسفون وأحزن كما يحزنون. (¬2) إذن هو جائز ومن قال لا فقد رد فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والمبتدعة يقولون لا يجوز أن تقول: أين الله؟ ومن باب الأولى لا يجوز أن تجيب عليه!!!.

ثانيها: حديث نزول ربنا الجليل وهو حديث قال عنه الإمام الذهبي: هو حديث متواتر أقطع بذلك وأُسأل أمام الله، وقد رواه الشيخان البخاري ومسلم – وأبو داود والترمذي وابن ماجه ورواه الإمام أحمد ومالك في الموطأ الدارمي وغيرهم من أئمة الحديث ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له] . فربنا يتصف بأنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولفظ النزول في اللغة لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل، فهو ينزل بكيفية تليق بجلاله من غير تشبيه ولا تعطيل ولا يلزم من نزوله أن تكون السموات فوقه، فهو في حال نزوله مستو ٍ على عرشه، ولا تقل كيف؟ فهذا السؤال ارفعه ولا تسأل به، هذا ولله المثل الأعلى – كالإنسان عندما ينام لا يسمع ولا يجيب مع أن روحه فيه فمع أن روحه معه إلا أنه كمن رفعت روحه. ثالثها: حديث رواه الإمام الترمذي وحسنه، وابن خزيمة في كتاب التوحيد والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمران بن حصين رضي الله عنه: [أن والده حصين لما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله: إنك أشأم رجل على قومه فرقت جماعتنا وعبت آلهتنا وسفهت أحلامنا وكفرت من مضى من آبائنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا حصين اجلس، فجلس، فقال له: كم إلهاً تعبد؟ فقال له: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء (¬1) ، فقال: من الذي تُعدُّه لرغبتك ورهبتك؟ فقال: الذي في السماء، فقال: اترك الستة واعبد الذي في السماء وأنا أعلمك كلمتين إذا أسلمت، فأسلم فعلمه أن يقول: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي] . فكرروا هذا الدعاء إخوتي الكرام. 3- وأما الإجماع الصحيح: ¬

_ (¬1) انظر هذا جواب حصين أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنبهوا.

.. والإجماع على هذه المسألة ليس في هذه الأمة بل هو إجماع بين المِليين أي الموحدين منذ آدم إلى يوم القيامة، أجمعوا على هذا وأن الله على عرشه فوق سماواته. ... قال الشيخ عبد القادر الجيلاني – كما في الذيل على طبقات الحنابلة – (1/296) : "العلو لله جل وعلا مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل" أي ذكر الله جل وعلا هذا في الكتب المنزلة على الرسل التي أرسلهم عليهم الصلاة والسلام، فهو متفق عليه في الكتب، كل رسول يشير بهذا إلى قومه. ... وثبت عن الإمام الأوزاعي أنه كان يقول: "كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه على سمواته بائن من خلقه" أي منفصل عن خلقه ليس حالاً فيهم ولا حالون فيه. ... ولذلك قيل للإمام أبي حنيفة: ما تقول فيمن لم يعرف أين الله؟ فقال: إنه كافر، فقيل له: ما تقول فيمن قال إن الله على العرش لكن لا أعلم أين العرش؟ فقال: هو كافر. ... وقال الإمام ابن خزيمة في كتابه التوحيد: من أنكر العلو يستتاب – فإن تاب وإلا ضربت رقبته، ثم لا يدفن في مقابر المسلمين ولا اليهود ولا النصارى. 4- وأما العقل الصريح: ... وقد دل على علو الله سبحانه وتعالى على مخلوقاته، على مرحلتين وبخطوتين: المرحلة الأولي: العقل يقول ويقرر "كل موجودين لابد لهما إما من الاتصال أو الانفصال، واتصال الخالق بالمخلوقات أو المخلوقات بالخالق وامتزاج أحد الموجودين بالآخر مستحيل لأنه يؤدي إلى جعل المخلوق عين الخالق وجعل الخالق مخلوقاً، ويؤدي إلى القول بالحلول ووحدة الوجود وأن كل شيء هو الله. فإذا انتفى الاتصال ثبت الانفصال، وأفضل كلمة قالها أئمتنا في التوحيد ما قاله الإمام الجنيد: "إفراد الحادث عن القديم" أي تمييز الحادث المخلوق عن القديم الخالق، فكلاهما منفصل عن الآخر ولا يحل واحد منهما في الآخر.

المرحلة الثانية: إذا ثبت انفصال الرب عن مخلوقاته، فإما أن يكون فوقهم أو تحتهم، أما التحتية فمستحيلة لأنها صفة ذم ونقص وهي مأوى القاذورات، ويتنزه الله عن ذلك فثبتت له الفوقية ولذلك لو لم يرد نص شرعي ولو لم يأت رسول للبشر يخبرهم بأن الله جل وعلا فوقهم لجزم العقل بعلو الله وفوقيته على عباده، ولذلك من يقول خلاف هذا فهو ضال بلا شك. وقد وجدت شبهتان في هذا الدليل لعلماء الكلام: الشبهة الأولي: تولاها الجهمية أن الله في كل مكان أي بذاته (لا بعلمه فهذا موضع اتفاق) أي أن الله بذاته في كل مكان في البيوت وفي المساجد وفي الأسواق وفي المزابل وفي الحمامات - تعالى الله عما يقولون – ولذلك كان يقول غلاة الجهيمة من الصوفية: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ... وما الله إلا راهب في كنيسة فالكلب والخنزير والراهب وكل شيء إله لأن الله في كل مكان – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – فكفر هؤلاء أشنع من كفر اليهود والنصارى لأن اليهود قصروا الحلول في عزير، وأما النصارى فقصروا الحلول في عيسى وأمه، وأما هؤلاء فقالوا إنه حل في كل نقيصة وقذر. الشبهة الثانية: بعض علماء الكلام لا يجوز أن تقول أين الله؟ يقول: لأن الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال لا أمام ولا وراء، لا داخل العالم ولا خارج العالم، نقول له: يا مسكين أنت بهذا لم تثبت الحي القيوم بل جعلته موهوماً معدوماً، ولذلك لما تناظر أبو بكر ابن فورك في مجلس محمود بن سُبُكْتَكِين وهو من الأمراء الصالحين، تناظر هذا المؤول أي بن فورك مع بعض أهل السنة فقال: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا وراء ولا داخل العالم ولا خارجه، فقال هذا السني للأمير: ايها الأمير اطلب إلهاً غير إلهك، فهؤلاء قد ضيعوا إلهك. إذن فقولهم بفضي إلى أن نجعل الله عدماً، فجعلوا العلي الأعلى الذي كرسيه أعظم من السموات والأرض جعلوه معدوماً صرفاً وموهوماً محضاً، فانتبهوا لهذا!!!.

كلا الشبهتين باطلتان. ... ولذلك عندما جلس أبو المعالي أمام الحرمين – غفر الله له ورحمه وقد رجع عن هوسه – يقرر نفي علو الله على مخلوقاته فقال كان الله ولا مكان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان، فقام الإمام الهمذاني وقال: يا إمام دعنا من العرش والزمان والمكان دعنا من هذه الأمور وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في أنفسنا ما قال أحد يا رب إلا وطلب المعونة ممن فوقه فبماذا نؤول هذا الشعور الذي في داخل نفوسنا؟ فلطم إمام الحرمين رأسه وقال حيرني الهمذاني، فرجع إمام الحرمين عن قوله. 5- وأما الفطرة المستقيمة: وتقدم معنا أن الأدلة على الفطرة قسمان: أ) سلفي شرعي، والسلفي الشرعي قسمان 1) نصوص الكتاب والسنة. 2) الفطرة المستقيمة. ب) وخلفي بدعي وهو قسمان: 1) عقل متكلف فيه متعمق. 2) كشف خيال. فالفطرة السوية تقرر علو رب البرية، ووجه ذلك: أنه لا يلجأ أحد إلى الله إلا واتجه إلى فوق، فهذا مركوز في أذهان وقلوب نساء البادية فضلاً عن غيرهن، فهذه فطرة ولذلك عندما ندعو نمد أيدينا إلى فوق أو إلى الوراء أو إلى أسفل إلى العلو إلى فوق، وعندما نسجد نقول سبحان ربي الأعلى.

مبحث الحوض- التعليق على الطحاوية- للشيخ الطحان

التعليق على الطحاوية (مبحث الحوض) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان المبحث الثاني مبحث الحَوض معناه في اللغة: مجمع الماء، بمعنى البركة كما هو معروف لدينا في هذه الأيام فنقول: بركة، مسبح، حوض وجمعه حياض وأحواض. والمراد من الحوض: الحوض الذي يكون لنبينا صلى الله عليه وسلم في الآخرة. وهذا الحوض قد تواترت به الأحاديث، فأحصى الحافظ ابن حجر الصحابة الذين رووا أحاديث الحوض فبلغوا (56) صحابياً، ثم قال: بلغني أن بعض المعاصرين جمع الصحابة الذين رووا أحاديث الحوض فبلغوا (80) صحابياً. فهذا إذن متواتر. قال الإمام الداوودي عليه رحمة الله: مما تواتر حديث من كذب ... ومن بنى لله بيتاً واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ... ومسح خفين وهذي بعض أي هذه بعض الأحاديث المتواترة وهي أكثر من ذلك بكثير. (من كذب) حديث [من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار] ، روي عن جملة كبيرة من الصحابة منهم العشرة المبشرون بالجنة. (ومن بنى لله بيتاً واحتسب) : حديث [من بنى لله بيتاً واحتسب فله بيت في الجنة] . وحديث [من بنى لله بيتاً ولو كمَفْحَص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة] . وحديث [من بنى لله بيتاً ليذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة] . فهذا متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام. (ورؤية) أي أحاديث الرؤية، أي رؤية المؤمنين لربهم في جنات النعيم. (شفاعة) أي أحاديث الشفاعة، ويأتينا مبحث الشفاعة إن شاء الله بعد الحوض. (الحوض) فأحاديث الحوض متواترة. (ومسح الخفين) رويت أحاديث المسح على الخفين عن العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم. وسنتكلم عن الحوض ضمن خمسة أمور متتالية ننهي بها الكلام على الحوض إن شاء الله تعالى.

الأمر الأول: وصف الحوض لا يستطيع عقل بشري أن ينعت الحوض أو يصفه، لأنه يتعلق به غيب، فالطريق لمعرفة صفة الحوض المنقول لا المعقول والرواية لا الرأي، فلا طريق لوصف الحوض إلا عما جاء عن نبينا عليه الصلاة والسلام – من قرآن أو أحاديث – الذي لا ينطق عن الهوى فلنذكر بعض الأحاديث التي تعطينا وصفاً لهذا الحوض، إيماناً برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن الذي لا ينطق عن الهوى. ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه (جمع كوز وهو القدح والكأس) كنجوم السماء من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً] . ... إذن هذا الحوض طوله مسيرة شهر نؤمن بهذا ولا نبحث بعد ذلك في كيفية هذا المسير هل هو مسيرة شهر على الجواد المسرع؟ أم مسيرة شهر على حسب السير في الدنيا؟ أم مسيرة شهر على حسب سير أهل الجنة؟ فالله أعلم، نحن نثبت اللفظ ولا نبحث في كيفيته فإنه مغيب. وكيزانه كنجوم السماء ولا يعلم عددها إلا خالقها سبحانه وتعالى. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن طول الحوض وعرضه بمسافة واحدة فطوله مسيرة شهر وعرضه مسيرة شهر، ثبت في صحيح مسلم من رواية ابن عمر في الحديث المتقدم [حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء] أي أطرافه متساوية فشهر طولا ً وشهر عرضاً فتصبح الزوايا متساوية، أي على هيئة مربع كالبركة المربعة أضلاعها متساوية [ماؤه أبيض من الورِق] أي الفضة والرواية المتقدمة أبيض من اللبن، [وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء فمن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً] . يكفي هذان الحديثان لوصف الحوض بصفة مختصرة.

إذن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام في الآخرة أضلاعه متساوية وهو مربع مسيرة شهر في شهر، زواياه سواء، الماء الذي فيه ينعش النفوس، ويصح الأبدان لونه من أحسن الألوان كلون اللبن وكلون الفضة بياض خالص ليس فيه شائبة ولا عكر ولا كدر، ريحه أطيب ريح وهو ريح المسك بل أطيب منه، وهو أحلى من العسل والكيزان التي عليه لأجل كثرة الواردين على حوض نبينا عليه الصلاة والسلام كنجوم السماء، هذا هو الوصف مختصراً. الأمر الثاني: عدد الأحواض لنبينا عليه صلوات الله وسلامه: له حوضان: 1- واحد يكون قبل دخول الجنة في ساحات الحساب وعَرَصات الموقف. 2- والآخر يكون في داخل الجنة، وكل منهما يقال له حوض ويقال له كوثر. يقال لكل منهما حوض لأنه ينطبق عليه التعريف اللغوي (مجمع الماء) . ... ويقال لكل منهما كوثر لأن الحوض الذي في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف يستمد ماءها من نهر الكوثر الذي في الجنة، فنهر الكوثر له ميزابان - كما سيأتي وهذا لا دخل لعقل الإنسان فيه – يصبان صباً بدفق وقوة في حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف، فنجد أن الحوض الذي في ساحة الحساب يأخذ من نهر الكوثر قيل له كوثر وحوض، والنهر الذي في الجنة اسمه الكوثر وبما أنه في مكان محصور قيل له حوض، فكل منهما حوض وكل منهما كوثر. ... وقد أنزل الله سورة كاملة يمتن بها على نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا الخير الذي أعطاه إياه (إنا أعطيناك الكوثر) والكوثر: على وزن فوعل من الكثرة وهو الخير الكثير في الدنيا والآخرة ويدخل في ذلك النهر العظيم الذي يكون لنبينا عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم، وفيه ميزابان يغتّان غتاً (يصبان صباً) ويشخبان من مائه في حوضه الذي هو في ساحة الحساب وعَرَصات الموقف فهذا خير عظيم أعطاه الله لنبيه الكريم عليه صلوات الله وسلامه.

ولذلك ثبت في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير رحمه الله – تلميذ العبد الصالح عبد الله بن عباس رضي الله عنهما – [أنه سئل عن تفسير الكوثر فقال هو الخير الكثير الذي أعطاه الله لنبيه عليه الصلاة والسلام في الدنيا والآخرة، فقالوا له: يقولون إنه نهر في الجنة؟، فقال سعيد بن جبير: النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله لنبيه عليه الصلاة والسلام] . وهذا التفسير أعم وأشمل وأحسن من أن نقصر الكوثر على خصوص النهر فنقول: الكوثر خير كثير في الدنيا والآخرة وهبة من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام 0 من جملة ذلك الحوض، ونهر الكوثر والشفاعات والمقام المحمود ورتب كثيرة في الدنيا والآخرة مَنَّ الله بها على نبيه عليه صلوات الله وسلامه. ... وإذا مَنَّ الله عليك بالنعم فالواجب أن تشكر المُنعِم (فصلِّ لربك وانحر) أي اجعل صلاتك خالصة له، ونحرك خالصاً له – أي ذبحك – فيكون على اسم الله خالصاً له لا تشرك معه أحداً (إن شانئك) أي مبغضك (هو الأبتر) ، فالنعم تستدعي الشكر. ... ولذلك إخوتي الكرام ... ربطاً بحادثة الإسراء والمعراج – كان نبينا عليه الصلاة والسلام – كما ثبت هذا في المسند والسنن بسند حسن – [لا ينام حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر] وما رأيت أحداً من أئمتنا وَجَّه الحكمة في ذلك؟ ويمكن استنباطها مما سبق تقريره في سورة الكوثر.

.. فنذكر أن النعم تستدعي الشكر وهناك عندما يريد أن ينام يقرأ سورة بني إسرائيل ليستحضر فضل الله عليه وكيف مَنَّ الله عليه بهذا الأمر الجليل وهو الإسراء والمعراج وفي ثنايا السورة ذكر الله سبحانه الآيات التي منحها لنبينا عليه الصلاة والسلام وكيف حفظه من شياطين الإنس والجن (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) ، وآيات كثيرة غيرها يخاطبه الله فيها في سورة الإسراء. إذن في هذه السورة ذِكْر فضل النبي عليه الصلاة والسلام؛ فكان لذلك يقرأها ليتذكر فضل الله عليه وهذا يستدعي ويتطلب الشكر. ... وكان يقرأ سورة الزمر لأنها – كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله – سورة تمحضت في توحيد الله جل وعلا فموضوعها من أولها إلى آخرها حول توحيد الله وإخلاص الدين له. إذن فبعد أن يذكر نعمة الله عليه ماذا يفعل؟

.. يوحده ويقرأ السورة التي فيها توحيد الله وعبادته كما يريد بما يريد، وانتبه لآيات هذه السورة (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم، إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص، والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار، لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار) ثم بعد ذلك في جميع آيات السورة يستعرض ربنا جل وعلا ما يقرر هذا الأمر (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلا ً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) وفي آخر السورة يتحدث ربنا جل وعلا عن هذا (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون، ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) وفي نهاية السورة يقول (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) . فإذن شكر وتوحيد، وهنا كذلك (إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر) . إذن لنبينا عليه الصلاة والسلام حوضان يقال لكل منهما: حوض ويقال لكل منهما: كوثر.

.. قال الإمام القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى، وأمور الآخرة في ص 362، وقد نقل صاحب شرح العقيدة الطحاوية الإمام ابن أبي العز كلام القرطبي لكن بواسطة الإمام ابن كثير في كتابه النهاية (2/31) لأن ابن كثير شيخ شارح الطحاوية، وابن كثير له كتاب البداية والنهاية في التاريخ طبع الكتاب البداية فقط ولم يطبع معه النهاية، ثم طبع في جزء بعد ذلك مستقلاً منفرداً، وقد تكلم ابن كثير في النهاية في الجزء الثاني في أول صفحة منه عن الحوض وتتبع طرق أحاديثه بما يزيد عن ثلاثين صفحة والبداية يقع في 14 جزءاً في 7 مجلدات كبيرة، وكتاب التذكرة كتاب نافع وطيب وفيه خير كثير لولا ما فيه من أحاديث تالفة لا خطام لها ولا زمام وما تحرى عليه رحمة الله الصحة ولا تثبت في رواية الأحاديث، وليت الكتاب حقق وخرجت أحاديثه ليكون طالب العلم على بصيرة عند قراءة هذا الكتاب. ... الحاصل.. قال الإمام القرطبي في الموضوع الذي حددناه "الصحيح أن للنبي عليه الصلاة والسلام حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط، والثاني في الجنة، وكلاهما يسمى كوثراً". قال الحافظ في الفتح (11/466) :" يطلق على الحوض كوثر لكونه يُمدّ منه"0 – كما عللته لكم – ثبت في صحيح مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه (النبي) صلى الله عليه وسلم قال عند وصف الحوض: [يغتُّ فيه ميزا بان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورِق] والغت: هو جريان الماء بصوت، غتّ يَغُت غَتًّا إذا جرى الماء وصار له صوت عند جريانه من شدة هذا الماء وقوته واندفاعه، وهو الدفق بتتابع إذن معنى يغت فيه، يتدفق فيه ماء متتابع لا ينقطع. ... وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يشخب فيه ميزا بان من الجنة] ، شخب يشخب أي يسيل فيه ميزا بان من الجنة.

.. وثبت في سنن الترمذي بسند حسن صحيح، والحديث رواه ابن ماجه وأحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الكوثر نهر في الجنة] وهذا هو النهر الذي له ميزا بان يغتان ويشخبان في الحوض [حافتاه من ذهب ومجراه الدّرّ والياقوت وتربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج] . (مجراه) أي أرضه التي يجري فيها، ممر الماء، (حافتاه) أي جانباه. إذن بالنسبة للبياض صار معنا ثلاثة أوصاف أبيض من اللبن، ومن الورق، ومن الثلج، والثلج ترى بياضه يزيد على الماء. ... وهو أحلى من العسل وأطيب من المسك هذا كله في هذا النهر الذي هو في الجنة وهو نهر الكوثر وفيه ميزابان من ذهب وفضة يشخبان ويغتان في حوض نبينا عليه الصلاة والسلام. س: هل هذه الأوصاف تكون لنهري دجلة والفرات أيضاً؟ جـ: لا، لا يكون هذا إلا للكوثر فقط، فهو خاص به حتى الأنهار الأخرى التي في الجنة ليس لها هذه الميزات والصفات. ... وسيأتينا في الأمر الرابع أن لكل نبي حوضاً، لكن ليس حلاوة مائه وطيب رائحته كحوض نبينا عليه الصلاة والسلام. الأمر الثالث: مكان الحوض وموضعه: ... كما ذكرنا هما حوضان، فأما الحوض الثاني الذي هو نهر الكوثر فهذا في الجنة بالاتفاق، وأما الحوض الأول الذي يستقي ماءه من الكوثر فهو قبل الجنة بالاتفاق، لكن اختلف في موضعه ومكانه بالتحديد، فهل يكون قبل الميزان وقبل مرور الناس على الصراط؟ أم يكون بعدهما؟ في المسألة قولان لأئمتنا الكرام: وانتبه إلى أن هذين القولين ليسا من باب التقدير العقلي، إنما من باب فهم هذا من النصوص الشرعية، فالفهم من النصوص هذا غير اختراع شيء من العقول ...

القول الأول: - وعليه المعول – أن الحوض يكون قبل الميزان وقبل مرور الناس على الصراط المستقيم وقبل الحساب لأمرين معتبرين: أولهما: الحكمة من وجود الحوض ما أشار إليه نبينا صلى الله عليه وسلم [من شرب منه لم يظمأ..] ، الناس يخرجون من قبورهم عطشى، لاسيما عندما يحشرون في الموقف [حفاة عراة غرلاً] نسأل الله حسن الخاتمة والعافية – والشمس تدنو من رؤوسهم ويلجمهم العرق فيسبحون فيه كأنهم في أحواض ماء، فما الذي يحتاجونه في ذلك الوقت؟ إنه الحوض، لذلك يكرم الله الموحدين في ذلك الحين بالشرب من حوض نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، وهو فرطنا على الحوض، كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام، فإذن أول ما يحصل لنا عند البعث لقاء نبينا عليه الصلاة والسلام، كما أخبرنا عليه الصلاة والسلام على حوضه يقول: هلم، هلم، ويسقينا. ... فإذن لتظهر كرامة نبينا عليه الصلاة والسلام وليظهر فضله على أتم وجه، يكون هو الذي يزيل عطش الناس المؤمنين من أمته لما منّ الله عليه في الآخرة من تلك النعمة، كما أزال عنا في هذه الحياة الهم والغم بواسطة النور الذي بلغه إلينا فاطمأنت قلوبنا (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) . ... فإذن أول ما يستقبلونه بعد البعث حوض النبي عليه الصلاة والسلام، فمن كان مؤمناً موحداً سقاه النبي صلى الله عليه وسلم وشرب، وإذا شرب لم يظمأ أبداً، طال الموقف أو قصر فإنه لا يبالي بذلك. ثانيا: تواتر في حديث الحوض المتواتر أنه يُذاد وسيأتي ذكر الحديث- يدفع ويبعد أناس عن حوضه فيقول النبي عليه الصلاة والسلام: أمتي أمتي، يُذادون ولا يشربون فيقال: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك والحديث في الصحيحين فأقول سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي. فهذا الذود متى يكون؟

لو كان بعد الصراط لسقطوا في النار، ولا يوجد بعد الصراط إلا الجنة، فدفع الناس لكونهم منافقين مرتدين يكون قبل الصراط لأنهم لو مروا على الصراط ونجوا لدخلوا الجنة وإذا سقطوا في جهنم لن يَرِدُوا الحوض لِيُدْفَعُوا عنه ويُبْعَدُوا. وهذا الذي ارتآه ورجحه الإمام القرطبي في التذكرة في المكان المتقدم أي صـ (362) . والإمام ابن كثير في النهاية رجحه أيضاً كما قلت لكم إنه بحث في أحاديث الحوض فيما يزيد على 30 صفحة من أول الجزء الثاني إلي ص35 كلها في الحوض، وقد روى جميع الأحاديث بالسند الذي رواها به أصحاب الكتب المصنفة فإذا ذكر حديثاً في المسند ذكر إسناد الإمام أحمد وهكذا البخاري وغيره ولذلك طالت صفحات الكتاب والحقيقة أن أكثر صفحات الكتاب متشابهة فيورد عشرة أحادث في وصف الحوض عن الصحابة مثلا ًكلها بمعنىً واحد ولذلك لم أطل في ذكرها ومردها لا لزوم له لأنه يغني عن البقية وقلت لكم إن الحافظ ابن حجر تتبعها فوصلت إلى (56) صحابياً رووا أحادث الحوض، قال وبلغني أن بعض المعاصرين جمعها فبلغت (80) طريقاً، ولعل الحافظ ابن حجر كان يقصد بقوله (بعض المعاصرين) الإمام العَيْنِي، أقول لعله يقصده، فقد كان بينهما شيء من النفرة فيكني عنه الحافظ دائماً في الفتح ولا يصرح به، فلعله يقصده والعلم عند الله. والإمام ابن حجر شرح صحيح البخاري في فتح الباري والإمام العَيْنِي شرح صحيح البخاري في عمدة القاري

والكتابان متقاربان في الحجم، فعمدة القاري (12) مجلداً في 25 جزء، وقد كان ابن حجر والعيني – في بلدة واحدة - مصر- لكن أصل الإمام العيني من بلاد الشام ثم هاجر بعد ذلك إلي مصر واستوطن فيها، وشرحا صحيح البخاري في وقت واحد، وكان كل منهما قاضياً ابن حجر قاضي الشافعية والعيني قاضي الحنفية، والأقران في الغالب يجري بينهم شيء مما يجري بين بني الإنسان، لكن دون أن يصل ذلك إلى معصية أو اعتداء، هذا في الغالب وكما قال الإمام الذهبي: ما أعلم أحداً سلم من الحسد إلا الأنبياء..، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم – والحديث في درجة الحسن – [ثلاثة لا ينجو منهن أحد، الظن والطيرة والحسد، وسأخبركم بالمخرج من ذلك: إذا ظننت فلا تتحقق] أي إذا رأيت شخصاً أو تصرفاً فلا تقل لعل هذا حوله ريبة - فهذا ظلم كفارته ألا تتحقق هل توجد تلك الريبة أم لا؟ [وإذا تطيرت فامض ِ] مثلا ً خرجت في صباح ذات يوم فرأيت صورة مكروهه فقلت هذا صباح مشئوم، فلا ترجع إلي البيت، بل امض ِ إلى طريقك وقل: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك، لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يصرف السيئات إلا أنت. [وإذا حسدت فلا تبغي] أي لا تتجاوز وتعتدي. وأنا لا أجزم أنه يقصد الإمام العيني لكن في غالب ظني أنه كذلك. وأنا أعجب حقيقة لاشتهار فتح الباري بين الناس وعدم انتشار عمدة القاري بينهم ولله في خلقه سر لا يعلمه إلا هو، ولا أقول ذلك لم ينتشر بل هو منتشر لكن ليس له من القدر والمكانة – كما يقال – ما لفتح الباري. الحاصل.. إن الإمام ابن كثير رجح هذا القول في النهاية (2/3) للأمرين المعتبرين اللذين ذكرتهما لكم. القول الثاني: أن الحوض بعد المرور على الصراط.

وإلى هذا مال الإمام البخاري عليه رحمات ربنا القوي، وفقهه في تراجم أبوابه ومذهبه في تراجم أبوابه، فأورد أحاديث الحوض بعد أحاديث الميزان والشفاعة والصراط، في كتاب الرقاق قال الحافظ ابن حجر:"أشار البخاري إلى أن الحوض يكون بعد الصراط، أورد أحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة والصراط" ويفهم من كلام الحافظ ابن حجر الميل إلى هذا القول، حيث قال معللا ً ما سبق (1) لأن الصراط بين الجنة والموقف ميزابان يغتان ويشخبان في الحوض، فلو كان الحوض في عَرَصَات الموقف وفي ساحة الحساب لكان الصراط حاجزاً بين هذين الميزابين وبين الحوض، فكيف سيصب الميزابان ماءهما في الجنة إلى الموقف وبينهما هذه الفجوة صراط وتحته جهنم. نسأل الله العافية وكل من سقط منه يسقط في جهنم وبئس المصير فإذا كان الأمر كذلك فالحوض بعد الصراط وهو قُبيل الجنة قََبل أن يدخلها المؤمنون يشربون من الحوض ويستقبلهم نبينا عليه الصلاة والسلام عندما ينتهون من الصراط فيسقيهم من حوضه فينتعشون ويفرحون بعد أن مَنَّ الله عليهم بالسلامة ثم يدخلون دار النعيم، وهذا دليل.

(2) دليل آخر قرروا به هذا القول وهو: أنه ثبت في الحديث أن مَنْ شرب مِنَ الحوض لم يظمأ بعده أبداً، وقالوا: إذا لم يكن الحوض بعد الصراط فسنقع في إشكال من هذا النص والنصوص الأخرى وهو أن عصاه الموحدين سيعذبون في نار الجحيم ولا بد أن يعذب منهم قسم لم يغفر الله لهم لأن الأحاديث تواترت في إخراج العاصين من النار وهذا يعني أن هناك عذاباً للعصاة لكن هناك أناس يعفى عنهم وأناس يعذبون، قالوا: فهؤلاء الموحدون اللذين عذبوا في النار هل شربوا من الحوض أم لا؟ إن قلنا لم يشربوا، فالأمر ليس كذلك لأنهم موحدون وليسوا من المخلدين في نار جهنم فهم يستحقون السقيا والشراب إذ كيف يعامل الموحد معاملة المنافق والملحد. وإن قلنا شربوا، فكيف سيلقون في النار، وفي النار سيعطشون. لكن إذا كان الحوض بعد الصراط فلا إشكال لأن من شرب منه دخل الجنة فالذي يعذب في النار، ثم يخرج يجوز على الصراط ثم يشرب من الحوض ويدخل الجنة وحينئذ لا إشكال هنا على هذا القول. وهذا القول على ما وجاهة ما عُلِّلَ به فهو مردود لأمرين: الأمر الأول: لا مانع أن يكون بين الحوض والجنة فاصل، والميزابان يصبان فيه بطريقة يعلمها الله ولا نعلمها، كما قلنا في النيل والفرات فإنهما يَصبُّ فيهما نهر من أصل سدرة المنتهى بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها وكم بينهما من حواجب وفواصل وليس عندنا ميزاب متصل من سدرة المنتهى إلى النيل والفرات إنما هو أمر غيبي أخبرنا عنه نبينا عليه الصلاة والسلام آمنا به ولا نبحث في كيفيته. والأمر الثاني: قولهم إذا شرب عصاة الموحدين من الحوض وعذبوا في النار سيجدون العطش والظمأ، نقول: لا يشترط هذا فيعذبون بغير أنواع العطش، وذلك ليتميز العصاة في النار عن غيرهم من الكفار الأشرار في أنهم يعذبون ولا يعطشون كرماً من الله وفضلا ً.

فالأمران مردودان، ثم نقول لهم أخبرونا كيف سيذاد ويدفع أناس عن الحوض إذا كان الحوض بعد الصراط؟! فهذا لا يأتي أبداً، فأدلتكم يمكن أن يجاب عنها، أما أدلة القول الأول فلا يمكن الإجابة عنها مطلقاً؛ ولذلك القول الأول هو الصحيح وعليه المعول بأن الحوض قبل الصراط والعلم عند الله. الأمر الرابع: هل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحواض في عَرَصَات الموقف وساحة الحساب كما لنبينا عليه الصلاة والسلام حوض: سبق أن ذكرنا أن العبرة في هذا الموضوع على النقل لا على العقل، فعمدتنا المنقول الثابت ولا دخل للاجتهاد ولا للمعقول. وقد ورد في ذلك حديث لكن اختلف في درجته، روى الإمام الترمذي في سننه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن لكل نبي حوضاً ترده أمته وإنهم ليتباهون أيهم أكثر وارداً، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم وارداً] . (يتباهون) أي يتحدثون بنعمة الله عليهم بمنزلة حوضهم وبمن سيرده. (أيهم أكثر وارداً) أي جماعة يردون على حوضه. وهذا الرجاء والذي رجاه الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث حققه الله له، فأكثر أهل الجنة من أمته، وأكثر الأحواض التي سيردها الموحدون المؤمنون هو حوض نبينا عليه الصلاة والسلام ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يقول ربنا فيه: [يا آدم قم فابعث بعث النار من كل ألف واحد إلى الجنة وتسعمائة وتسع وتسعون إلى النار، فخاف الصحابة وارتاعوا فقال صلى الله عليه وسلم: أنتم في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبروا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبروا، قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا، وقال: إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة] والحديث في الصحيحين.

وقد ثبت في المستدرك وغيره بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون صفاً منهم من هذه الأمة] ونحن مع ذلك نرجو أن يكون كل صف من هذه الأمة أضعافاً مضاعفة على سائر الصفوف الأخرى، فهي ثلثان في عدد الصفوف لكن نرجو أن تكون في عدد الأفراد أكثر بكثير، ونسبة هذه الأمة في الجنة لا تنقص عن الثلثين وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، إنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة] وهذا لفظ مسلم. فهذا الرجاء حققه الله لخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام. ومعنى الحديث أن كل نبي أعطى من الآيات ما آمن على مثله البشر، أي البشر يؤمنون بمثل هذه الآيات عندما تظهر وهي خوارق العادات (المعجزات كما أيد الله أنبياءه السابقين بمعجزة، فكل من رأى تلك المعجزة يُؤمن كما هو الحال في نبي الله عيسى عليه السلام يبرأ الأكمة والأبرص ويحي الموتى بإذن الله، لكن تلك المعجزة مضت وانقضت، فالذين جاؤوا بعد ذلك لم يروها، ولذلك قد يحصل عندهم ارتياب في أمر النبي عليه صلوات الله وسلامه، أما ما يتعلق بهذه الأمة، فمعجزة نبينا عليه الصلاة والسلام هي القرآن، وهذه المعجزة يراها المتأخر كما رآها المتقدم، فأبو بكر رضي الله عنه وآخر فرد في هذه الأمة بالنسبة لرؤية معجزة النبي عليه الصلاة والسلام سواء، فجعل الله معجزة نبينا عليه الصلاة والسلام عين رسالته ودعوته وهي القرآن الكريم الذي أُمِر بتبليغه. فالحاصل.. أنه قال: [أرجو أن أكون أكثرهم تابعاً] ، وفي حديث سمرة قال: [لأرجو أن أكون أكثرهم وارداً] فحقق الله له هذا الرجاء.

وحديث سمرة كما قلنا رواه الترمذي، وقد قال عنه: غريب، وغرائب الترمذي لا تسلم من مقال فهي ضعيفة والسبب في هذا أن الحسن البصري عليه رحمة الله عنعن الحديث عن سمرة أي رواه بصيغة عن ولم يصرح بالسماع، وفي سماع الحسن عن سمرة اختلاف، وأئمة الحديث على ثلاثة أقوال في ثبوت سماعه من سمرة: 1- لم يسمع منه مطلقاً. 2- سمع منه مطلقاً. 3- وهو المعتمد، سمع منه حديث العقيقة، وقد صرح في سنن النسائي بأنه سمع حديث العقيقة من سمرة بن جندب رضي الله عنه. والحسن مدلس بالاتفاق وقد عنعنه – كما ذكرنا – ورواية المدلس إذا لم تكن بصيغة السماع فهي محمولة على الانقطاع، فالسند إذن منقطع بين سمرة وبين الحسن. ... كما أن الحسن رفعه في بعض الطرق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسقط سمرة فصار إذن مرسلاً لأن المرسل هو مرفوع التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم. مرفوع تابع على المشهور ... مرسل أو قيده بالكبير كما قال هذا الإمام عبد الرحيم الأثري العراقي في ألفيته المشهورة. وقوله (أو قيده بالكبير) فهذا قول آخر في تعريف المرسل وهو أن التابعي لابد أن يكون كبيراً، من كبار التابعين لا من أوسطهم ولا من صغارهم. والمعتمد أن التابعي صغيراً كان أو كبيراً، إذا رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث مرسل، فالحسن إذن أسقط سمرة رضي الله عنه، ولذلك قال الترمذي: وورد أن الحسن لم يذكر سمرة فهذا مرسل وهو أصح. والرواية المرسلة رواها ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح إلى الحسن، أن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن لكل نبي حوضاً ... ] الحديث. لكن مراسيل الحسن – كما يقول أئمتنا -، أشبه بالريح لا يعول عليها ولا يأخذ بها، لأنه كان لا يبالي عمن أرسل بخلاف مراسيل سعيد بن المسيب فهذه كلها يأخذ بها، حتى مَنْ ردَّ المرسل أخذ بمراسيل سعيد بن المسيب كالإمام الشافعي عليه رحمة الله.

فإن سعيد بن المسيب كان يسمع من عمه والد زوجته أبي هريرة أحاديث ويحدث عنه أحياناً، ويسقطه ولا يصرح به أحياناً أخرى لاعتبارات، منها أمور سياسية، فقد ينقل عنه سعيد رواية تتعلق بأمور العامة فلا يصرح بها بإضافتها لأبي هريرة لئلا تصبح هناك مشاكل وابتلاءات كما هو الحال في العصور التي جاءت بعد عصور الخلفاء الراشدين، وهذا من جملة أغراض التدليس حذف الصحابي أو الشيخ الذي أخذ عنه التلميذ فيسقطه لأن حوله ما حوله من الاعتبارات، وكأنه يقول لئلا ندخل في مشاكل مع الدولة، فنرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونسقط الواسطة (أبا هريرة) لئلا يُستدعى ويحقق معه وما شاكل هذا. وفعلا ً كان أبو هريرة يحفظ أحاديث فيها الإشارة إلى ذم بني أمية، فعلم سعيد بن المسيب أنه إذا حدث بها وسمى أبا هريرة، فهذا سيجر بلاءً عليه – أي على عمه – وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه – كما في صحيح البخاري - يقول: [حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم] أي لقطعت رقبتي، وهذا الذي كتمه لا يتعلق بالأحكام العملية، لأنه لو كان في الأحكام العملية لبثه أبو هريرة ولم يكتمه وهو يعلم وزر كتمان العلم، إنما كان ما يكتمه هو شيء فيه الإشارة إلى ذم الأمراء الذين سيأتون بعد معاوية وأولهم الفاسق المشهور يزيد بن معاوية الذي جاء وأفسد في دين الله، وفعل ما فعل ويكفيه عاراً وشناراً قتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم [قلت: لم يثبت بأي سند صحيح هذا الأمر، وقد ألف في هذه الرسالة] ، ولذلك كان أبو هريرة يستعيذ بالله من رأس الستين وإمرة الصبيان قبل أن يأتي رأس الستين، فمات رضي الله عنه عندما قبل رأس الستين وسلم من الفتن التي جاءت بعد الستين.

سعيد بن المسيب عندما يروي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسقطاً الواسطة ففي الغالب هو أبو هريرة، وقد تتبع أئمتنا مراسيل سعيد فوجدوها موصولة من طرق ثابتة وصحيحة عن الصحابة؛ ولذلك احتجوا بمراسيله. الحاصل.. أن وراية الترمذي مرفوعة إلا أنها منقطعة ورواية ابن أبي الدنيا هي بسند صحيح إلى الحسن والحسن رواه مرسلاً، فالحديث من هذين الطريقتين ضعيف مرفوعاً. لكن يتقوى بالقواعد المقررة في شرع الله وهي أن ما ثبت لهذه الأمة يثبت للأمم الأخرى، وعليه فالحوض في الآخرة في عَرَصَات الموقف كما يكون لنبينا عليه الصلاة والسلام يكون لسائر الأنبياء الكرام عليهم السلام، إذ لا يليق بكرم الله وحكمته أن يسقي موحدي هذه الأمة ويترك الموحدين من الأمم السابقة. ثم أضيف هنا وأقول: الحديث يتقوى (¬1) ليصل إلى درجة الحسن إن شاء الله، لأن له ثلاث شواهد متصلة عن أبي سعيد الخدري كما أخرجه ابن أبي الدنيا، وعن ابن عباس كما أخرجه ابن أبي الدنيا أيضاً عن عوف بن مالك، هذا بالإضافة إلى الشاهد المرسل الصحيح الذي أخرجه ابن أبي الدنيا أيضاً، فالحديث بمجموع هذه الطرق يكتسب قوة ويرتفع إلى درجة الحسن، والعلم عند الله. إذن فلكل نبي حوض في الآخرة في عَرَصَات الموقف كما لنبينا عليه الصلاة والسلام، لكن يمتاز حوض نبينا عليه الصلاة والسلام بأمرين: الأمر الأول: أن ماء حوض نبينا عليه الصلاة والسلام أطيب المياه فهو من نهر الكوثر، وهذا لا يثبت لغيره من الأحواض. الأمر الثاني: أن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام هو أكبر الأحواض وأعظمها وأجلها، وهو أكثرها وارداً. ¬

_ (¬1) وانظر السلسلة الصحيحة 4/117 حديث رقم (1589) – ز-

.. وإلى جانب هذا ذهب أئمة الإسلام، يقول الحافظ في الفتح (11/467) عند أحاديث الحوض في كتاب الرقاق: "إن ثبت (¬1) – أي خبر الترمزي ومرسل الحسن – فالمختص بنبينا عليه الصلاة والسلام "أن حوضه يكون ماؤه من الكوثر". ... والأمر الثاني: قال فيه الإمام ابن كثير في النهاية (2/38) حوض نبينا عليه الصلاة والسلام أعظمها وأجلها وأكثرها وارداً". تنبيه: ورد في مطبوعة مكة من شرح العقيدة الطحاوية بتحقيق أحمد شاكر، وفي مطبوعة المكتب الإسلامي بتحقيق جماعة من العلماء تصحيف بدل كلمة (أجلها) وقع عندهم (أجلاها) ، وإن كان كلا المعنيين صحيح. الخلاصة: أن لكل نبي حوضاً يوم القيامة، لكن حوض نبينا عليه الصلاة والسلام يمتاز بأمرين ماؤه أطيب المياه، ووارده أكثر من بقية الأحواض. الأمر الخامس: يتعلق بأمرين: أبيان من يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم. ب بيان من يتقدم في الورود عليه ويسبق غيره. أبيان من يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم: كل موحد ختم له بالتوحيد سيرد ذلك الحوض المجيد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: [أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة (يعني البقيع) فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] وفي بعض الروايات في زيارات نبينا عليه الصلاة والسلام للقبور يقول: [السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] . و (السلام عليكم) هذا خطاب من يسمع ويعقل ويعي ويفهم، وسماع الأموات أدق من سماع الأحياء، ولذلك لو دخل داخل إلى المعهد وسلم عند باب المعهد لن يسمعه مَنْ في الفصل بل حتى لو كان أقرب من ذلك، بينما لو كنا موتى لسمعناه فبمجرد أن يدخل رجل إلى المقبرة ويقول السلام عليكم لسمع كل مدفون في تلك المقبرة – ولو كانت واسعة ما كانت – سلامه وردوا عليه في قبورهم. ¬

_ (¬1) وقد ثبت كما ذكرت ولله الحمد.

و (إن شاء الله) هل هناك شك في اللحوق بهم؟ لا لكنها من باب التبرك وتعليق الأمر على أنه تابع لمشيئة الله، كقوله تعالى (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) ، وسيأتينا بحث الاستثناء في الإيمان إن شاء الله تعالى فهو من المباحث المقررة عندنا، وأن الاستثناء يجوز في الإيمان لأربعة أمور معتبرة من جملتها هذا من باب التبرك باسم الله، فتقول أنا مسلم إن شاء الله تعالى، ولا بأس في ذلك. ثم قال نبينا وحبيبنا عليه صلوات الله وسلامه – وهذه تكملة الحديث [وددت أنا رأينا إخواننا فقال الصحابة رضوان الله عليهم: أولسنا بإخوانك يا رسول الله؟!، قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني] عليك صلوات الله وسلامه، انتبه!! (أنتم أصحابي) أي أنتم لكم مزية على الأخوة العامة فقد فزتم بشرف الصحبة فأنتم إخوان وأصحاب. وَمَََنْ بعدكم إخوان لي، كما تقول هذا ابني ولا تقول هذا أخي، فهو أخوك في دين الله ولكن تقول له ابني لأن هذا أخص من الأخوة العامة وهنا كذلك الصحبة أخص من الأخوة العامة. فانظر لحب نبينا عليه الصلاة والسلام لنا، فلنكافئ هذا الحب بمثله، فهو يتمنى أن يرانا ووالله نتمنى أن نراه بأنفسنا وأهلينا وأموالنا ولو قيل لنا تفوزون بنظرة إلى نور نبينا عليه الصلاة والسلام مقابل أن تفقدوا حياتكم وأموالكم وأهلكم، لقلنا هذا يسير يسير، ضئيل حقير، ولذلك ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من أشد أمتي لي حباً ناسٌ يكونون من بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله] وهو في مختصر مسلم برقم (1604) .

وتتمة الحديث الذي معنا [فقال الصحابة: يا رسول الله، كيف تعرف من يأتي من أمتك ولم تره؟! فقال: أرأيتم لو أن رجلا له خيلٌ غُرٌّ محجلة بين ظهري خيل دُهْم بُهْم، أما كان يعرفها؟ قالوا: بلى، قال: فإن أمتي يدعون يوم القيامة غرّاً محجلين من آثار الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادنّ رجالٌ عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلمّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول سحقاً سحقاً] اللهم لا تجعلنا منهم بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين. (غرّ) : الغرّ بياض في الوجه، وهو من الصفات الجيدة في الفرس، وهذه الأمة تبعث يوم القيامة والنور يتلألأ في وجهها من آثار الوضوء، والوضوء حلية المؤمن. (محجلة) : بياض في قوائم الفرس، وهو من الصفات الجيدة فيها أيضاً، وهو من علامة جودتها، وهذه الأمة تأتي يوم القيامة وأعضاء الوضوء فيها تتلألأ (الوجه والأيدي والأرجل) ، ففي وجوههم نور وفي أطرافهم نور. (دُهْم) سوداء (بُهم) سوادها خالص ليس فيها لون آخر. فهذه الأمة تأتي يوم القيامة غراًُ محجلين، فالوضوء ثابت لهذه الأمة وللأمم السابقة لكن أثر الوضوء (الغرة والتحجيل) ثبت لهذه الأمة ولم يثبت للأمم السابقة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ولذلك ورد في صحيح مسلم أنه [سيما ليست لغيركم] أي هذه السمة الغرة والتحجيل ليست لغيركم. إذن إخوانه عليه الصلاة والسلام ونسأل الله أن يجعلنا منهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، وجميع أهل الموقف ليس لهم هذا الوصف، وبالتالي فيميز نبينا صلى الله عليه وسلم أمته الكثيرة من تلك الأمم الوفيرة الغفيرة.

ثم أخبرنا صلى الله عليه وسلم عن صنف شقي، أظهر الإيمان وأبطن النفاق والكفران، فيأتون إلى حوض النبي عليه الصلاة والسلام فيذادون ويدفعون تدفعهم الملائكة وتطردهم فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألا هلم، هلم فأنتم من أمتي ويبدو عليكم – في الظاهر – علامات الوضوء!! لكن بعد ذلك يخفت ذلك النور ويذهب، فيقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك وفي بعض الروايات: [إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ أن فارقتهم] وقد حصل هذا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ارتدوا، وهذا حاصل في هذه الأيام بكثرة فيمن يدعي الإسلام ويحارب النبي عليه الصلاة والسلام يقول لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، فهل يرد هذا حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا، إن هذا أكفر من أبي جهل وألعن من إبليس، فهو وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فقد أتى بما ينقض به إيمانه، حيث زعم أن شريعة الله لا تصلح لهذه الحياة، فهي أمور كهنوتية فقط، في داخل المسجد نصلي ونرقص (رقص الصوفية) وخارج المسجد ليس لله شأن في حياتنا وأمورنا، كما قال سعد زغلول "الدين لله والوطن للجميع". وكما قال شاعر البعث عليه وعلى حزبه لعنة الله: سلام على كفر يوحد بيننا ... وأهلا وسهلا بعده بجهنم ويكتبون في شعاراتهم الضالة في الأمكنة البارزة على الأركان وغيرها: كذب الدعي بما ادعىج ... البعث لن يتصدعا لا تسل عني ولا عن مذهبيج ... أنا بعثي اشتراكي عربي ولا يقولون: أنا مسلم، بل الإسلام في المسجد فقط. ويكتب الآن في لوحات المدارس: لو مثلوا لي وطني وثناً لعبدت ذلك الوثن. كلمة وطن ووطنية فما هي الوطنية؟!! إن الجنسية المعتبرة بين العقلاء والتي يمكن أن تجمع بين الناس جميعاً هي جنسية الإسلام فقط، وكل ما عداها يفرق بين المسلمين ويوقع بينهم العداوة.

الحاصل.. من يدعو إلى الأفكار الهدامة الباطلة، فماذا سيكون حاله؟ هل يشرب من الحوض؟! وهل يستوي مع المؤمنين في الشرب منه؟ لا يستوي إخوتي الكرام. وليس معنى يذادون للرجال فقط أي أن النساء لا تذاد، بل هذا من باب تعليق الشارع الأحكام بصنف من الصنفين وما يشمل أحدهما يشمل الصنف الآخر، كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) و (الذين) خطاب للذكور، (وعليكم) خطاب للذكور أيضاً ويشمل الذكور والإناث، لأن ما ينطبق على الرجل ينطبق على المرأة سواءً بسواء إلا إذا قام دليل على التخصيص فالنساء شقائق الرجال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. فمثلا ً: لو جاءت هدى شعراوي للحوض فهل تتمكن من الشرب منه؟ لا فهذه أعتى من أبي جهل، وأعتى من عبد الله بن أبي بن سلول. وكذلك نزلي سعد زغلول وميادة أو مي الشاعرة (هؤلاء الثلاثة صاحبات الصالونات في مصر االتي أفسدت العالم) . وأنا أعجب حقيقة – إخوتي الكرام – لمضاء عزيمة النساء وكيف غيرت هذه النساء الثلاثة الحياة في هذه الأوقات. وفي المقابل تأتي للنساء الصالحات فلا ترى بعد ذلك إلا خمولاً وانعزالية وعدم بصيرة في هذه الحياة وتدبير لما يراد بهن فهذا لابد له من وعي – إخوتي الكرام – ولابد له من عزيمة ولابد من تحرك. فإذن هناك رجال يذادون ونساء يذدن ويدفعن فليس هو عقوبة للرجال فقط. وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أنا فرطكم على الحوض، ومن ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، وليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم] . وفي رواية أبي سعيد الخدري في تكملة حديث سهل بن سعد الساعدي [فأقول إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، سحقاً، سحقاً لمن بدل بعدي] . (والفرط) هو المتقدم أي أنا أتقدمكم على الحوض. إذن يرده كل الموحدين إلا من بدل وغير ونافق وكفر. ب بيان من يتقدم في الورود عليه ويسبق غيره:

أول مَنْ يتقدم في الورود عليه عندما يخرج الناس من قبورهم وهم عطاش هم صعاليك المهاجرين وفقراؤهم. المحاضرة التاسعة عشرة الأربعاء 10/4/1412هـ ثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [أول الناس وروداً على الحوض فقراء المهاجرين، الشُعث رؤوساً، الدُنُس ثياباً، الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد] . (الشعث) : جمع أشعث، أي شعره متلبد وليس عنده وقت لتمشيطه وتسريحه وتجميله. (دُنس) : أي ثيابهم دنسة، وليس المراد من الدنس فيها نجاسة أو قذارة لكنها ثياب ممتهنة عند الناس قي قلة ثمنها، هذا كما ثبت في سنن الترمذي وغيره بسند حسن [البذاذة من الإيمان] والبذاذاة هي رثة الهيئة وعدم الاعتناء بالملبس، فمتى ما كوى ملابسه فليست دنسة حينئذ فلا يكوي ملابسه لا بنفسه ولا يضعها في دكان كي. فخلاف حالنا الآن فعندما يريد أن يلبس الغُترة (الكوفية) فتراه لابد أن يجعلها مثل السيف من الأمام ولا نقول هذا حرام لكنها درجة دون الكمال أي أن يأْسِرَ الإنسانَ لباسُه، فليفرض أن هذا اللباس لم يتهيأ له ولذلك البذاذة من الإيمان [من ترك اللباس الفاخر وهو قادر عليه دعاه الله يوم القيامة وخَيَّرَهُ من حُلل الجنة ما شاء] . (الذين لا ينكحون المنعمات) هذا وصف ثالث أي الثريات الموسرات بنات المترفين والأغنياء، فلا يقبلون الزواج بهن.

(ولا تفتح لهم أبواب السُدد) وهذا هو الوصف الرابع، والسُدد هي القصور والمقصورات التي تكون خاصة بالمترفين، مثل بيوت الأمراء ومثل المقاصر التي عملها معاوية وهو أول من عمل المقصورة في المسجد وهي مكان خاص في المسجد لا يدخلها إلا هو وحاشيته ويوجد منها للآن في أكثر بلاد الشام وبلاد مصر وتكون على شكل طابق ثان ٍ لكنه ليس واسعاً وله مصعد خاص وغالباً ما يصلي عليه أناس خاصون فلو جاء إنسان مسكين لاسيما في العصر الأول ليصعد إلى هذه السدة منعوه، فهؤلاء أي الممنوعون هم أول من يرد حوض نبينا عليه الصلاة والسلام. لِما امتاز الفقراء بهذا الورود؟ ولم يكن هذا للأغنياء من المهاجرين؟ فهم قد تركوا بلادهم وأوطانهم وأموالهم وما يملكون وخرجوا في سبيل الحي القيوم ابتغاء مرضاته ولا غرابة إن كوفئوا بالورود قبل غيرهم، لكن لم يحصل ذلك وفرق بينهم وبين الفقراء؟ إن الإنسان إذا هاجر وكان غنياً وعنده في هجرته ما يستعين به فإن ألم الهجرة والغربة يخف عليه، وإذا هاجر وكان فقيراً فيجتمع عليه أمران ومُصيبتان: الهجرة والفقر. وإذا كان كذلك فبما أنه في هذه الحياة اعترتهم هذه الشدة فينبغي إذن أن يكرموا قبل غيرهم يوم الفزع الأكبر، لأنه قد اعترتهم شدة وكربة في هذه الحياة من أجل الله سبحانه وتعالى، فَيُطَمْأَن بالشرب أولاً مقابل ما حصل من قلق وخوف في هذه الحياة إذن. والمهاجر الغني ليس أمره كذلك. وهؤلاء حالهم وإكرامهم كحال خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، فإن الناس يحشرون يوم القيامة حُفاة عُراة غُرْلاً (¬1) (كما بدأنا أول خلق نعيده) ويكون أول من يُكسى من هذه المخلوقات خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام والحديث في الصحيحين – لعدة اعتبارات فإن الجزاء من جنس العمل. ¬

_ (¬1) فتعاد الجلدة التي قطعت من رأس الذكر، وهي محل الختان.

1- فإن إبراهيم عليه السلام ألقي في النار ولما ألقي جرد من ثيابه كيوم ولدته أمه وقُيّد ثم رمي بالمنجنيق في النار العظيمة، وهو نبي من أولي العزم الكرام بل خليل الرحمن!!. فإذا كان الأمر كذلك وامتهن من قبل الأشرار في هذه الحياة فسيكسى يوم القيامة أول المخلوقات وأهل الموقف كلهم عراة كما ولدوا الرجال والنساء لا ينظر أحد إلى أحد كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: (لكل امرئِ منهم يومئذ شأن يغنيه) . فأول من يكسى إبراهيم وهكذا من حصل له مثل حاله، وهذا يحصل للمؤمنين في هذا الحين من قبل المخابرات في الدول العربية عندما تأخذ شباب المسلمين لتعذبهم فتجردهم من ثيابهم ثم يعمشون أعينهم حتى لا يعلموا إلى أين يساقون، نسأل الله أن يكفينا شر الشريرين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، فهؤلاء الذين عذبوا في السر ليستحقون هذا الإكرام وهو الكسوة قبل غيرهم؟!

2- لأن إبراهيم عليه السلام هو أول من سن لبس السراويل وهي أستر شيء لاسيما للنساء فإذا كان السروال طويلاً يصل إلى الكعبين بالنسبة للمرأة ويزيد على الركبة بالنسبة للرجل فهو ساتر للإنسان يحول دون كشف عورته لو سقط أو جلس ولم يحطت في جلسته، وأما هذه السراويل القصيرة التي يلبسونها في هذه الأيام من لا خلاق له ثم يخرج فتراه إذا جلس بدا فخذاه، وإذا سقط – لا سمح الله – بدت عورته. ولذلك ورد في معجم الطبراني وغيره – والحديث ضعيف لكن يستدل به في الفضائل: [أن النبي عليه الصلاة والسلام كان جالساً أمام البقيع بعد دفن بعض الصحابة، فمرت امرأة تركب على دابة لها فتعثرت الدابة فسقطت فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنها بوجهه فقيل: يا رسول الله إنها مستورة – أي تلبس السراويل – فقال: اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي] ، فخليل الرحمن إبراهيم من شدة حيائه هو أول من سن السراويل، فإذا كان فيه هنا الحياء فلا يصلح لأن يترك مكشوفاً كبقية المخلوقات، بل إنه تعجل له الكسوة قبل غيره. 3- لأنه كان أخوف الخلق لرب العالمين وكان يسمع أزيز قلبه من خشوعه وخوفه من مسافة ميل، فإذا كان هذا الخوف وهذا الاضطراب وهذا القلق فينبغي أن يعجل له الأمن. والكسوة علامة الأمن وأنه مرضي عنه. فإذن خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه تعجل له الكسوة لهذه الاعتبارات وفقراء المهاجرين أوذوا وليس عندهم شيء يَتَسَلَّوْنَ به من مال يستعينون به في غربتهم فإذا بعثوا من قبورهم ينبغي أن يكون لهم شأن على أغنياء المهاجرين فضلاً عن سائر الأمة بعد ذلك.

ولما بلغ هذا الحديث – حديث ثوبان رضي الله عنه – عمر بن عبد العزيز رحمه الله بكى وقال: "لقد نكحت المنعمات" ويقصد بها فاطمة بنت عبد الملك، مع أنها تقول – أي زوجته: "ما اغتسل عمر بن عبد العزيز من جنابة - من مباشرة أو احتلام منذ ولي الخلافة حتى لقي ربه". وكانت خلافته مدة سنتين إلا شهرين، ثم قال: "وفتحت لي أبواب السدد" فالقصور تفتح لي عندما أذهب لها "لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ"؛ لينال هذا الوصف رحمه الله تعالى، أي أن ما مضى مني أسأل الله أن يتجاوز عنه ويعفو بفضله ورحمته، وأما من الآن بعد أن بلغني هذا الحديث فلن أفعل هذه الأمور. وفاطمة بنت عبد الملك، والدها خليفة وزوجها خليفة، وأخوها خليفة – بل إخوتها الخمسة سليمان والوليد وهشام وغيرهم كانوا خلفاءً، وجدها خليفة فهذه من أعظم المنعمات وما حصل هذا لامرأة أخرى، وهي التي قيل فيها: بنت الخليفة والخليفة جدها ... أخت الخليفة والخليفة زوجها فإذن بكى رحمه الله لما بلغه هذه الحديث مع أنه رضي الله عنه جمع زوجته وإماءه وقال لهن: طرأ عليّ ما يشغلني عنكن فإن أردتن الفراق فلكن هذا، وإن أردتن البقاء فليس لي صلة بواحدة منكن.. فبكين بحيث سُمع البكاء في بيوت الجيران، ثم تحدثوا وسألوا ما السبب؟ فقالوا: عمر بن عبد العزيز خيَّر نساءه. ثم بعد ذلك قال لزوجته فاطمة هذا الحلي الذي عليك لا يحق لنا أخذ تيه من والدك عبد الملك وهذا من بيت المال فأرى أن نعيده في بيت المال، فقالت سمعاً وطاعة فأخذت حليها وأعطته إياه فأعطاه لخازن بيت المال، وخازن بيت المال احتاط فوضعه في زاوية وما صرفه في مصالح المسلمين – وبيت المال في عهد عمر بن عبد العزيز ممتلئ بالخيرات، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد [أن الحبة من القمح كانت في عهد عمر بن عبد العزيز كرأس الثوم] وحفظ هذا بعد موته وكتب عليه: هذا كان ببيت في زمان العدل.

ولما قيل له: إن الخيرات كثرت ونطلب من نعطيه الصدقة فلا نجد، فقال: اشتروا أرقاء وأعتقوهم واجعلوا ولاءهم لبيت المال. وكان في عهده ترعى الذئاب مع الغنم، وقد ثبت في حلية الأولياء أن بعض التابعين مرّ على راع ٍ يرعى الغنم فوجد عنده ما يزيد على ثلاثين كلباً، فقال له: ما تفعل بهذه الكلاب؟ وواحد يكفي!! فقال: سبحان الله، ألا تعلم أن هذه ذئاب وليست كلاب: فقال: ومتى اصطلح الذئب مع الشاة، فقال الراعي: "إذا صلح الرأس فما على الجسد بأس"، إذن إذا عدل أمير المؤمنين واتقى الله فإن الله يحول بين المخلوقات وبين الظلم. ورعاة الماشية في البادية علموا بموت عمر بن عبد العزيز رحمه الله ليلة انقضت فيها الذئاب على الغنم، فلما مات عمر وهم في البادية انقضت الذئاب على الغنم، فقالوا: أرخوا هذه الليلة – أي اكتبوا تاريخها – ثم ابحثوا عما حصل فقد مات عمر فلما تحققوا من الخبر علموا أن عمر مات في تلك الليلة رحمه الله ورضي عنه. هذا هو عمر بن عبد العزيز، فخازن بين المال عندما أعطاه عمر رحمه الله حلي فاطمة، وضعه في زاوية وما تصرف فيه فبعد أن مات عمر رضي الله عنهم أجمعين جاء إليها وقال: هذا حليك الذي أخذه عمر احتفظت به كما كان، فإذا أردتيه فخذيه، فقالت: ما كنت لأزهد فيه في حياة عمر ولأرغب فيه بعد موته. فانظر لهذا العبد الراشد وهو خامس الخلفاء الراشدين كما قال الشافعي: "فالخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبد العزيز"وهو خليفة راشد باتفاق أئمتنا وهو مجدد القرن الثاني باتفاق أئمتنا لأنه توفي سنة 101 هـ عليه رحمة الله فعاش شيئاً من نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني. وهو أول مجددي هذه الأمة، وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام في سنن أبي داود وغيره بإسناد جيد [إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها] . س: هل جاء مجددون بعده؟

ج: لا شك في ... ذلك، فقد جاء مجددون في كل قرن ولا يشترط أن يأتي واحد بعينه، فمجدد القرن الثالث الإمام الشافعي باتفاق أئمتنا لأنه توفي سنة 204 هـ، ـ ويشترط في المجدد كما قلت لكم أن يدرك نهاية القرن المنصرم وبداية القرن التالي فالشافعي ولد سنة 150 هـ، فهو المجدد الثاني إذن، وهكذا سرد أئمتنا عدداً من المجددين إلى زماننا ولا يشترط أن يكون واحداً بعينه فأحياناً يوجد عدد من المجددين بحيث أن واحداً يجدد مثلاً في أمر العقيدة وتصحيح الأذهان من الخرافات، وآخر يجدد في نشر الحديث، وآخر في الجهاد، وهكذا في رأس كل مائة سنة. ونحن في هذه الأيام – لا أقول كما يقول الناس نشهد صحوة بل في بلوى وفي عمىً – يوجد من فضل الله شيء من مظاهر التجديد وأموره ونحن في بداية قرن، وهو القرن الخامس عشر الهجري فحقيقة قد حصل تجديد في هذا الوقت كثير لكن لا أقول صحوة كما يفهم الناس ويخدرونهم بهذا الكلام لكن حصل التجديد وحصل الوعي وهذا من فضل الله. فمصر مثلا ً سنة 1970 م لما ذهبتُ إليها لم تكن لترى فيها امرأة متحجبة، ولا ترى رجلاً في وجهه لحية، فمن فضل الله المتحجبات الآن في مصر لا أعلم لحجابهن نظير على وجه الأرض، إلا نساء الصحابة، فأنا لم أر امرأة تلبس جلباباً يجر على الأرض ذراعاً إلا في مصر، ولا أقول شبراً، وجر الثياب بالنسبة للرجل حرام ولا ينظر الله إلى من جر ثيابه خيلاء، وما نزل عن الكعبين في النار. وانظر لعادات الناس في البلاد المتغطرسة المتكبرة، فالرجال تجر الثياب والنساء تقصرها إلى الركبتين بل إلى ما فوقها فسبحان الله!!. والمرأة يجوز لها أن تتحجب بحيث تستر رجلها ويستحب لها أن ترخي ثيابها شبراً فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم [أترخيه شبراً قالت امرأة: يا رسول الله، إذن تبدو قدمها، فقال: لترخيه ذراعاً ولا تزد] .

(تحدث الشيخ عن أطماع الغرب في أن نقلده في كل شيء إلا في المرأة، وفوجئ بأن نساءنا قلدنه تقليداً لا مثيل له فوجه سهامه لهن وخطط لإشراكهن في ميادين الحياة العامة ما ينفعها ولما لا ينفعها ومنه ما يسمى بتطوع النساء للقتال والدفاع المدني وكيف صارت المرأة سلعة مبتذلة بسبب هذه المخططات ثم ذكر قول علي رضي الله عنه، شر خصال الرجل خير خصال المرأة، وأن المرأة تكون سلسلة مع زوجها نافرة عنيدة مع غيره.) وقبل أن ندخل في مبحث الشفاعة عندنا فائدتان: الفائدة الأولي: أنكر الخوارج والمعتزلة حوض نبينا عليه الصلاة والسلام، وحقيق بهم ألا يردوا ذلك الحوض وألا يشربوا منه. فقالوا: لا يوجد لنبينا عليه الصلاة والسلام حوض ولا للأنبياء الآخرين عليهم السلام وحجتهم أن هذا لم يثبت في القرآن، وأمور الاعتقاد لابد من أن تكون في القرآن أو في حديث متواتر. نقول: أما أن الحوض لم يثبت في القرآن فنحن معكم، لكن قلنا: إن الأحاديث متواترة وقد رواها ما يزيد على (56) وبلغت إلى (80) صحابياً، فهي إذا لم تكن متواترة فلا يوجد متواتر إذن فيقولون: إنها ليست متواترة عندنا بل هي أحاديث آحاد لا يؤخذ بها في الاعتقاد. وقد ضل الخوارج والمعتزلة ومعهم الشيعة في قاعدة خبيثة انتبهوا لها: أما الخوارج والمعتزلة فقالوا: كل حديث ورد في أمر الاعتقاد وليس له أصل في القرآن يطرح وهو مردود باطل.

تقول لهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقولون لك يطرح ولا قيمة له، وهو باطل ولو كان في الصحيحين ولو أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول، ولذلك أهل المدرسة العقلية كالضال محمد عبده وأمثاله كما ذكرت لكم سابقاً هكذا يفعلون بالأحاديث، يقولون: آحاد ولا يؤخذ بها في الاعتقاد، فأحاديث نزول عيسى عليه السلام مثلا ً– بلغت سبعين حديثاً وهي متواترة باتفاق المحدثين، يقول محمد عبده: "لنا نحو هذه الأحاديث موقفان: الأول: أن نقول هي آحاد فلا يؤخذ بها في الاعتقاد، الموقف الثاني، على فرض التسليم بثبوتها فنؤولها بأن المسيح الدجال هو رمز للدجل والخرافات وهي الجاهيلة التي كانت قبل بعثة خير البرية عليه الصلاة والسلام، والمسيح عيسى بن مريم رمز للنور والهدى وهو الإسلام الذي جاء وأزال الجاهلية، أما أنه سينزل عيسى ويقتل الأعور الدجال فيقول هذه خرافة!! لأن عيسى عندما أراد اليهود قتله هرب وذهب إلى الهند ومات هناك وقبره معروف هناك في قرية (سُرى نكر) واسم قبره (قبر عيسى الصاحب) والصاحب عند الهنود بمنزلة الشيخ في بلاد العرب وبمنزلة الخوجة عند الأتراك، وأما قول الله تعالى: (بل رفعه الله إليه) يقول رَفْعُه هو رفع مكانة لا مكان، وكأنه وضيعاً قبل ذلك!!!.

وأما الشيعة فقد زادوا على الخوارج والمعتزلة ضلالاً فقالوا: الأحاديث إذا كانت متعلقة بأمر الاعتقاد أو بالأحكام العملية وليس لها أصل في القرآن فهي مردودة 0إذن زادوا الأحكام العملية على الخوارج والمعتزلة، ولذلك الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها في النكاح محرم إلا عند الشيعة فعندهم يجوز أن تجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها باتفاقهم، والحديث قد ثبت في مسلم وغيره [نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين أربع نسوة بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها] لكنهم يقولون لا وجود لهذا في القرآن ولتقرؤوا آية المحرمات من النساء (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم....) ولم يقل وأن تجمعوا بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، نعم وأن تجمعوا بين الأختين فقط فالجمع بين الأختين محرم ولا مانع أن يجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، والحديث لا قيمة له فهذا قد أثبت حكماً لا وجود له في القرآن نعوذ بالله من هذا الضلال، فهؤلاء الشيعة، هم أضل من الخوارج والمعتزلة بل هم أضل من فرق الأمة على الإطلاق، لو خلقهم الله طيراً لكانوا رَخْماً والرخم طائر أحمق لا يأكل إلا العذرة، ولو خلقهم الله بهائم لكانوا حُمُراً- جمع حمير-، وهكذا حال الشيعة لا عقل ولا نقل، وجمعوا الضلال الذي تفرق في الفرق بأسرها، ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، إنما دخلوا كيداً للإسلام ومقتاً لأهله. الفائدة الثانية: روى ابن جرير في تفسيره عن ابن أبي نَجيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليضع أصبعيه في أذنيه] . ضع أصبعيك في أذنيك الآن واسمع صوت الكوثر حقيقة كصوت الفرات عندما يجري، وقد جربتُ هذا مراراً. وهذا الأثر منقطع عن أمنا عائشة رضي الله عنها فابن أبي نَجيح لم يسمع منها قال الإمام ابن كثير في تفسيره وقد روى ابن أبي نَجيح هذا الأثر عن رجل عن أمنا عائشة والرجل مبهم.

وعلى كل حال فالأثر من حيث الإسناد ضعيف، وإذا ثبت عن أمنا عائشة فله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه يتعلق بمغيب لا يدركه عقل الإنسان. وما أتى عن صاحب بحيث لا ... يقال رأياً حكمه الرفع على ما قال في المحصول نحو من أتى ... فالحاكم الرفع لهذا أثبتا فإذا قال الصحابي قولا ً لا يدرك بالرأي فله حكم الرفع إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه. ومعنى الحديث -لو ثبت- قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "ومعناه: أنه يسمع نظير صوت الكوثر ومثل خريره لا أنه يسمعه بنفسه".

مبحث الشفاعة- التعليق على الطحاوية- للشيخ الطحان

التعليق على الطحاوية (مبحث الشفاعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان المبحث الثالث مبحث الشفاعة: الشفاعة: مأخوذة من الشفع وهو خلاف الوِتْر والوَتْر وهو الفرد، فالشفع هو الزوج. والله وِتّر ووَتّْر، والشفع هي المخلوقات، هذا من جملة ما قيل فيه، فقوله تقال (والفجر وليال عشر والشفع والوتر) الواو واو القسم فالشفع قسم بالمخلوقات، والوتر قسم بنفسه سبحانه وتعالى. والشفع قيل: يوم النحر، والوِتر قيل: عرفة، هذا من جملة ما قيل لأن هناك أقوالا ً كثيرة. أنما هنا الشفع هو الزوج لأنه شفع غيره فصار زوجاً، والوتر انفراد بنفسه فهو فرد، وسمي الشفع شفعاً لأنه شفع الوتر أي صاحبه وانضم إليه فجعله زوجاً بعد أن كان فرداً. إلى هنا تم التصحيح ويحصل بالشفع – كما ترون – معنى الزيادة؛ لأن الوتر والفرد عندما زيد عليه مثله صار شفعاً فحصل فيه إذن معنى الزيادة. ومنه الشُّفعة – بضم الشين – وهي ضم الشفيع المبيع إلى مكله فيشفعه به، كأنه كان وتراً فصار زوجاً شفعاً، كما جاء في لسان العرب لابن منظور في مادة شفع (10/50) ، وهو أكبر معاجم اللغة العربية. وصورة الشفعة: اشتركت أنا وأنت في بيت، ثم بعت نصيبي بمائة ألف درهم لغيرك فأنت لك حق الشفعة لتدفع الضرر عنك فتأتي وتقول لي شفعت في بيعك، أي ضممت بيعك إلى ملكي بمثل القيمة التي بعت بها نصيبك، فيفسخ البيع بيني وبين المشتري الغريب الذي ليس بشريك ويثبت لك كل البيت، وتدفع قيمة نصيبي، فإذن الشفعة ضمَّ الشريك المبيع إلى ملكه فصار ملكين وجزأين بعد أن كان جزءاً واحداً، وصار شفعاً بعد أن كان وتراً. المحاضرة العشرون ومعناها في الاصطلاح: طلب الخير للغير وفيها المعنى اللغوي. أي المعنى الاصطلاحي فيه المعنى اللغوي، فالشفيع عندما يطلب الخير من غيره يضم صوته وطلبه إلى طلب المشفوع له.

فأنت تقول (رب اغفر لي) تطلب من الله المغفرة، ويجئ آخر فيدعو لك فيقول: (اللهم اغفر له وأجب دعواه) فهذه شفاعة، فكان السائل والطالب فرداً واحداً، وعندما طلبت أنت تحقيق طلبه صيّرته شفعاً وزوجاً وصار الطلب من جهتين من السائل لنفسه ومن الشافع. فالشافع إذن شفع السائل والطالب فصارا اثنين، فإذن شفع الشافع المشفوع له، وشفع الشافع المطلوب منه الشفاعة، حيث ضم الشافع رأيه إلى رأي من طُلبت منه الشفاعة فأنت ذهبت مثلاً إلى مدير تطلب منه حاجة، فأنا شفعت لك عنده فضممت صوتي إلى صوتك وصار الطلب من جهتين، وضممت رأيي إلى رأي المشفوع عنده. إذن شفعت للمشفوع له، وللمشفوع عنده، فأعطيت رأيي مع صاحب الحاجة وأعطيت رأيي مع من سيقضي هذه الحاجة، فشفعت لهذا وشفعت مع هذا. أما لهذا فطلبت قضاء حاجته. وأما ذاك فقد حرضته على قضاء حاجة الطالب فأنت شفعت لاثنين. أو تقول: شفعت الطالب والمطلوب منه، شفعت الطالب واضحة، وشفعت المطلوب منه أي الذي سيقضي حاجة الطالب. أو تقول: شفعت المشفوع له وشفعت المشفوع إليه، أو: شفعت المشفَّع والمشفِّع، فالمشفَّع هو طالب قضاء الحاجة والمشفِّع هو الذي سيقضي الحاجة، ولو ضربنا هذا مثلاً للخليقة مع ربهم جل وعلا، فالمشفِّع هو الله سبحانه وتعالى، والمشفَّع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو غيره، فالرسول صلى الله عليه وسلم [أول شافع وأول مشفَّع] . وقبل أن أنتقل إلى مباحث الشفاعة أحب أن أذكر مقدمة لها، وكل مباحثها تدور حول مبحثين فالشفاعة مطلوبة من المسلمين نحو بعضهم في الدنيا وفي الآخرة. يقول تعالى عن الشفاعة في الدنيا: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتاً) ، فقد حثنا الله تعالى في هذه الآية على الشفاعة الحسنة التي فيها قضاء مصالح العباد، وحذرنا من الشفاعة السيئة.

وقد حثنا نبينا عليه الصلاة والسلام أيضاً على الشفاعة في أحاديثه الكثيرة الصحيحة الثابتة، ففي الصحيحين والسنن الثلاثة أبي داود والنسائي والترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء] وفي رواية أبي داود [اشفعوا لي] أي في طالب الحاجة [لتؤجروا وليقضي الله على لسان نبيه ما شاء] . وهذه الشفاعة – كما قلت – ينبغي أن تكون في تحصيل الخير للغير في الدنيا والآخرة ولكن بشرط عدم تعطيل أحكام الله الشرعية، لأنك إذا شفعت في حد من حدود الله أو في إسقاط واجب أو استحلال محرم فهذه شفاعة محرمة وهي مضادة لله في حكمه، (قصة سرقة المخزومية والتي شفع فيها أسامة) والشفاعة في الدنيا تنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- شفاعة حسنة مستحبة وتكون في: أالمباحات. ب المستحبات. ولها صور كثيرة ولا يعجزكم التمثيل لها فلو طلب شخص مباحاً من مسئول أو مستحباً، فامتنع عليه، فشفعت له من أجل قضاء حاجته وطلبه، فهذه شفاعة حسنة ومستحبة. وقد بوب البخاري عليه رحمة الله في كتاب الطلاق باباً بهذا الخصوص فقال: باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بريرة. وزوجها هو مغيث، وحديثه ثابت في الكتب الستة، فقد كانت بريرة تحت مغيث وكانت أمة وهو عبد – على أرجح القولين – ثم اعتقت بريرة والتي أعتقتها أمنا عائشة رضي الله عنها – وعندنا في الشريعة أن الأَمَة إذا كانت تحت عبد ثم أعتقت وصارت حرة فهي مخيرة إن شاءت أن تفارقه وإن شاءت أن تبقى معه، وإذا كانت تحت حر فاختلف في ذلك والجمهور يقولون بالتخيير وأبو حنيفة يقول بالتخيير سواء كان الزوج حراً أو عبداً. الحاصل أن مغيثاً كان عبداً فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: أنتِ بالخيار ما لم يمسسك – أي يقربك – فقالت لا أريده يا رسول الله، وقالت لأمنا حفصة رضي الله عنها: هو الطلاق هو الطلاق هو الطلاق.

فتشفع النبي صلى الله عليه وسلم لمغيث لأجل أن تعود له بريرة، فقد كان مغيث متعلقاً بها وكان قبل أن يحصل الطلاق بينهما يتبعها في سكك المدينة وهو يبكي وراءها والدموع تسيل على خديه وعلى لحيته ويسترضيها فتأبى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: [ألا تعجب يا عمِّ إلى حب مغيث لبريرة وإلى كراهية بريرة لمغيث، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم، ارجعي إليه يا بريرة هو زوجك وأبو أولادك، فقالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: لا، إنما أنا شافع] أي ألتمس منك العودة إليه، [فقالت: لا أريده يا رسول الله، الطلاق الطلاق الطلاق] فطلقت منه وما اجتمعت به بعد ذلك. فهذه شفاعة مستحبة وقد شفع خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه في هذا الأمر لكن عنصر النساء عجيب، ووالله لو كنت مكانها لو كان ثوراً أسود لقبلته من أجل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتطييباً لخاطره، وهل يقول النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وأردها؟ ! لكن هذا حال النساء. لكن مع ذلك انظر لإيمانها، فليس عندها نقص فيه، حيث أرادت أن تتحقق هل هذا أمر واجب أم لا؟ فهي تعلم قول الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) . وهذا الحديث يقول الحافظ ابن حجر: استنبط أئمة الإسلام منه (300) فائدة، وأوجزها في فتح الباري وأشار إلى هذه الفوائد في الإصابة في ترجمة بريرة رضي الله عنها وعن زوجها. ونسأل الله أن لا يعلق قلوبنا إلا به، وأنا حقيقة لا أتعجب من بريرة إنما أتعجب من مغيث فالنساء سواها كثير، وما عند هذه عند تلك، وعلام المشي وراءها والبكاء عليها! لكن هذا هو حال الضعف الإنساني، وصدق الله إذ يقول (وخلق الإنسان ضعيفاً) .

رفع إلى ابن عباس رضي الله عنهما في يوم عرفات رجل قد صار كالفَرْخ من ضعفه ومرضه، فقال: ما به؟ قالوا: العشق، فبدأ ابن عباس رضي الله عنهما – في يوم عرفات – يستعيذ بالله من العشق حتى مغيب الشمس. قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين العشق لا يستفيق الدهر صاحبُه ... وإنما يصرع المجنون في الحين إن هذه الشفاعة الأولى الدنيوية مستحبة في مباحات ومستحبات وقولوا ما شئتم لها من أمثلة. 2- شفاعة واجبة وتكون في: أ) تحصيل الواجبات. ب) دفع الظلم عن المؤمنين والمؤمنات. فإذا كان الطلب في أمر واجب ولأخذ حقه، أو كان الطلب لدفع الظلم عنه – وهو حق – فلم يجبه ولي الأمر لا في إعطائه حقه ولا في دفع الظلم عنه وأراد أن يوقع به عقوبة لا يستحقها أو أراد أن يمنعه حقاً هو له، وعلمت أنت بهذا فيجب عليك أن تشفع، لكن هذا الوجوب على حالتين، فهو فرض كفاية إن علمت وعلم غيرك ومنزلتك ومنزلتهم عند ولي الأمر سواء فيجب عليكم كلكم أن تشفعوا، فإذا قام البعض بتلك الشفاعة سقط الإثم عن الباقين كصلاة الجنازة. ويكون واجباً وجوباً عينياً إذا لم يعلم بحالة طالب الحاجة إلا أنت، أو علم غيرك أيضاً لكن أنت لك منزلة إذا شفعت بحيث تقضي حاجته ويُحصّل الواجب ويُرفع الظلم فهنا تعين الوجوب عليك وإذا لم تشفع فأنت آثم.

الإمام الشافعي استدعاه – ذكرها ابن عبد البر في كتابه الانتقاء في تراجم الأئمة الثلاثة الخلفاء – هارون الرشيد فأحضر من مكة إلى بغداد مقيداً، فما خلصته إلا شفاعة عبد صالح، إنه محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة، وذلك أن الشافعي زوِّر عليه أنه يريد أن يبايع رجلاً من آل علي لينقلبوا على العباسيين وبالأخص على الخليفة هارون الرشيد فجن جنونه فأرسل لإحضاره، فعلم بذلك محمد بن الحسن فاغتنم الغنم فتحين قدوم الشافعي فكان في مجلس هارون الرشيد، فلما دخل الشافعي عرّف محمدُ بن الحسن هارونَ بمنزلة الشافعيّ وبين له أن هذا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا إمام المسلمين....، ثم قال له هارون: يا محمد خذه إلى بيتك حتى يتبين لي الأمر، ثم ارتفع قدره (أي الشافعيّ) عند هارون بعد ذلك وأكرمه غاية الإكرام وأمر له بخمسين ديناراً. فلولا أن الله لطف بالشافعي بشفاعة محمد بن الحسن لطارت رقبته في مجلس هارون، ولو أن محمداً ما شفع للشافعي لشارك في إثم دمه لأنه يعلم قدره ومنزلته وعلم بحاله، فانتبه لهذا!! إذن هذه شفاعة واجبة.

وأخبرنا بعض شيوخنا الشيخ عبد الرحمن زين العابدين عليه رحمة الله عن قصة جرت لبعض العلماء الصالحين في الزمن القديم، حاصلها أن افتُري على طالب علم فاستدعاه ولي الأمر، فلما جاء إليه أعلم هذا الشيخ الصالح أن طالب العلم الفلاني قد استدعاه ولي الأمر وقد يفتك به – وقد كان للشيخ منزلة عند ولي الأمر ومكانة وكلمة مسموعة – فسارع الشيخ إلى منزل ولي الأمر وكان عنده اجتماع وطال الاجتماع والشيخ لا يزال جالساً وكان محصوراً - يحبس البول – فلما خرجوا دخل على ولي الأمر وكان مشغولاً في الكلام فانفجرت مثانة الشيخ ومات في مجلس الأمير فقال الأمير: ماله، وما الذي طرأ عليه حتى جاءني وقد كان الأصل أن آتي إلى بيته فهذا الشيخ هو شيخ المسلمين في بلدتنا؟ فقالوا: بلغه أن طالب علم ادُعىّ عليه وأحضر إليك فخشي أن تفتك به فجاء ليُعرِّف له وليشفع له , وكان محصوراً وهو رجل كبير لا يمسك هذا، فانفجرت مثانته فمات، فقال الأمير: والله لو علمت لأعطيته حِجْري ليبول فيه، ولجئت إلى بيته لأقبل شفاعته. فهذه شفاعة واجبة لتوصل الحق إلى صاحبه ولتدفع الظلم عنه. وأنا أقول لكم من باب شكر أهل الشفاعات والفضل على شفاعاتهم فمن تحدث بالنعمة فقد شكرها ومن كتمها فقد كفرها، وصاحب الشفاعة يعلم الله أنه لا يريد التحدث بها ولما أخبرني بها قلت له جزاك الله خيراً، فقال: وأنت كذلك، ولكنني ما أخبرتك من أجل أن تثني عليّ أو من أجل المنة عليك، إنما أخبرك من باب إخبارك بما يصدر ممن يكيد لك، ولمكانتك عندي، ونسأل الله أن يكفينا شر كل ذي شر.

هذا الشيخ صاحب الشفاعة هو عبد الله المصلح عميد كلية الشريعة وأصول الدين بأبها بجنوب السعودية، وقد عاشرته ما يقارب (12) سنة وجرى لي معه مواقف كثيرة، ومن جملتها الذي يتعلق بمبحث الشفاعة فقد أُرسِلَ مرة كتاب من بعض الضالين من لهم شأن إلى الجامعة وفيه: أنه يوجد في كلية الجنوب فلان – يقصدني – وهو ضال يضلل الطلاب ويفسد عقائدهم ... إلخ، فأرسل إليه كتاب بهذا الخصوص فلما ذهب الشيخ عبد الله المصلح إلى الرياض أطلعوه على الكتاب نفسه وفيه أن عندكم أستاذاً ضالا ً ووضعه كذا وكذا – فهنا الشفاعة واجبة ومتعينة أم لا؟ وبيان الحق والدفاع متعين أم لا؟ فقال الشيخ عبد الله لمدير الجامعة سبحان الله لا أعلم بم أجيبكم!! إذا كان الشيخ عبد الرحيم ضالاً فوالله إذن ما عندنا في كلية الشريعة وأصول الدين أحد مهتدي، وأولهم أنا عبد الله المصلح، ولذلك أرى أن تلغوا الكلية من أولها لآخرها. وبدأ يسرد لي بعض ما حصل وقال: لا أريد أن أذكر لك ما حصل، لكن من جملة كلامه أنه قال لهم، والله لا يوجد في هذه الكلية أستاذ إلا ولي عليه ملاحظة إلا فلان فهذا الذي يلاحظ علينا وينصحنا وأحيانا ينبهنا لأمور نحن نقصِّر فيها، وأنا لا أذكر مرة – وهذا كله من كلام الشيخ عبد الله المصلح – أنني نبهته على شيء، فاتقوا الله في أنفسكم، فهل هذا يتهم بمثل هذا الأمر الذي تذكرنه؟!.

ولم يُنهِ الأمر إلى هنا مع أن الأوراق والشكوى قطعت في مكتب مدير الجامعة ورميت في سلة الأوساخ وقيل له: دعك من هذا الأمر، فلم يقبل وواصل متابعة القضية وقال أنا سأتابع الأمر فذهب إلى من زكى كتابه من كتب الشكوى، فقال له: هل تعرف فلاناً – أي الشيخ الطحان؟ فقال: ليس لي اطلاع على حاله على وجه التمام، لكن فلان وفلان الذين جاؤوا إليّ ثقات وقالوا لي إن هذا الشيخ يضلل ويفسد، لذلك يجب التخلص منه والحذر، فقال الشيخ المصلح له: ما رأيك فيّ؟ فقال: أنت يا شيخ عبد الله لا تدور حولك تهمة ولا نعرف عنك سوءاً، فقال له: والله لو طعنتم فيّ لكان هناك مجال للتصديق، وأما أنكم تطعنون في هذا الشيخ المسكين، والله لن يصدقكم أحد في الدنيا ولا في الآخرة فاتقوا الله واستحيوا منه وبعد كلام طويل قال هذا المسئول للشيخ عبد الله المصلح: هات كتاباً أكتب لك بالثناء عليه والتزكية له وأرد على كلامي السابق – وهذا الشيخ المسئول الذي زكى شيخ صالح لكن يُخدع أحياناً من قبل بعض الناس فقال الشيخ المصلح: لا أريد الآن تزكية، وما جئت الآن من أجل التزكية، لأن المسئول عنه في النهاية أنا ولا يمكن أن يُفعل معه شيء إلا بعد أخذ رأيي، فأنا الذي أدير الكلية ولم آت من أجله، لكنني جئت من أجل أن تتقوا الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يتكرر هذا منكم، فلا يأتيك شخص صاحب هوىً ويتهم بعض طلبة العلم بنقيصة ليست فيهم ثم تزكيهم وليس لهؤلاء الطلبة مدافع، ثم قال له في النهاية، هَبْ أنكم آذيتموه وفصلتموه من الكلية أتظنون أنكم بذلك قد ضررتموه، لا والله، إن هذا مؤمن وسيتولاه الله أينما كان وسيرفعه من عز إلى عز، ولن يخسر من فصله إلا كليتنا وسنكتسب الوجه الأسود في الدنيا والآخرة.

أي افرضوا لو أن هذا الشيخ فُصِل، فهل إذا فصل يعني فصلت رقبته، وإذا فصلت رقبته هل حرم من الجنة أم ماذا جرى؟! ولو فصل من هذه الجامعة أفلا يوجد في هذه الدنيا مكان آخر فاتقوا الله وقفوا عند حدكم. فهذه الشفاعة تعينت عليه، فحقيقة لا يعلم بحالي على وجه التمام والكمال إلا هذا العميد ولا يعلم بهذه الشكاية إلا هو، فقلت له جزاك الله خيراً، فقال: والله لو لم أفعل هذا لأكبني الله على وجهي في نار جهنم، ولا تظن أن هذا الذي فعلته من باب المنة عليك إنما هذا تعين عليّ. وجاءت بعد ذلك تهمة وتطورت إلى بعض الجهات المسؤولة فقال لي من ضمن كلامه يا شيخ عبد الرحيم أنت نائم مع أهلك ولا تدري ما الذي يفعله لك وما الذي يحصل والله في وسط الليل أزج بنفسي من بيت إلى بيت ومن جهة إلى جهة، ويقول عندما يتصل ببعضهم: يا عباد الله اتقوا الله واستحيوا منه، والله أخشى أن يخسف الله بكم الأرض، إلى هذا الحد وصل بكم العنف والغلظة، فيقولون له: إنه يفعل كذا وكذا، فيقول لهم: استحيوا من الله يا جماعة فإن بعض ذلك مزوّر عليه ومفترىً وبعض ذلك لا حرج في فعله، وبعض ذلك حق وأنتم مخطئون. وبالنسبة لقضاء الحوائج واصطناع المعروف والشفاعات ألّف أئمتنا كتباً مستقلة في هذه المواضيع، من هذا ما وجد ضمن كتاب (أربعون حديثاً في اصطناع المعروف) للإمام المنذري صاحب الترغيب والترهيب وقد تكلم فيه عن الشفاعات وقضاء الحوائج، وإذا لم يوجد عندكم فانظروا في مجمع الزوائد (8/190 - 195) لزاماً عند كتاب البر والصلة باب في قضاء الحوائج ويدخل في قضاء الحوائج الشفاعات لاسيما إذا كانت واجبة.

من جملة ما ورد فيه – المجمع – من أحاديث: ما رواه الطبراني في الأوسط والصغير – وإسناده لا بأس به – عن أمنا عائشة رضي الله عنها، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من كان وصلة – واسطة – لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ (بلوغ) بر ٍ أو تيسير عسير أعانه الله على إجازة الصراط عند حفي الأقدام] . ولذلك أثر عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله أنه قال: "لكل شيء زكاة وزكاة المروءات الشفاعات" أي إذا كنت صاحب مروءة وجاه فزكاة هذا أن تشفع. ومنه ما رواه الطبراني في الأوسط بسند جيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكافه عشر سنين، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق كل خندق أبعد مما بين الخافقين] و (الخافقان) أي بين الأرض والسماء وبين المشرق والمغرب. وذكر الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه (جامع العلوم والحكم) عند شرحه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيح مسلم [ ... والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ... ] ذكر قصة في هذا الموضوع فقال: "وبعث الحسن البصري قوماً من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مروا بثابت البناني - وكان من العباد – فخذوه معكم، فأتوا ثابتاً، فقال: أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال قولوا له: يا أعمش، أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة فرجعوا إلى ثابت، فترك اعتكافه وذهب معهم" وقول الحسن هذا ورد في أحاديث لكن ضعيفة. المحاضرة الحادية والعشرون 3- شفاعة محرمة مذمومة وتكون في أ) المكروهات. ب) المحرمات. (يصلح مثالاً لها قصة الشفاعة في المخزومية التي سرقت) . كشفاعة أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز، ثم تابت من شفاعتها، حيث قالت لعزة يقول كثيّر (الذي كان مغرماً بعزة) : قضى كل ذي دينٍ علمتُ غريمَه ... وعزةُ ممطول معنّى غريمها

أي كل من عليه دين قضى صاحب الدين حقه إلا عزة فلم تقضي ديني، فقالت لها: ما هذا الدين الذي يقوله كثيّر وماذا له عليك من حق؟ فقالت عزة: كنت وعدته قبلة (عن طريق الحرام) فما طلته وما أعطيته ذلك، فقالت لها أم البنين: سبحان الله، أعطيه ذلك وما كان من إثم فعليّ. ثم ندمت بعد ذلك وتابت رحمها الله وعفا عنها، وأعتقت أربعين رقبة، وقالت ليتني خرست وما تكلمت بهذه الكلمة حيث شفَعتْ في أمر محرم. وانظروا القصة في صفة الصفوة (4/299) . فالشفاعة في المحرم والمكروه حرام. فهذا هو ضابط الشفاعة: الحسنة المستحبة، والحسنة الواجبة، والمذمومة المحرمة، والتمثيل لا يخفي عليكم بعد ذلك. والشفاعة الحسنة مطلوبة، والشفاعة السيئة مذمومة، وأكثر شفاعة الناس في هذه الأيام من الشفاعات المذمومة الملعونة ولا تجد من يشفع شفاعة حسنة إلا ما قلَّ وندر، وإذا طلبت منه شفاعة حسنة في تخليصك من ظلم أو بلاء يتعلل، وعندما يجب عليك حق شرعي أو تنتهك محرماً وستنزل بك عقوبة فما أكثر الشفعاء حينئذ وهذا هو الضلال عندما تضاد الشفاعة شرعية ذي العزة والجلال. فلنشفع في أمور لخير الدنيا، ونسأل الله أن يشفعنا في بعضنا في الآخرة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. وسنأتي الآن إلى مباحث الشفاعة. المبحث الأول: شرط حصول الشفاعة عند الله جل وعلا:

تقدم معنا أن الشفاعة طلب الخير للغير من الغير، وقلنا إن الشفاعة فيها ضم الشفيع صوته إلى المشفوع إليه كما في ضم صوته إلى المشفوع له، والله جل وعلا فرد أحد ليس له شفيع سبحانه وتعالى، فكيف ستحصل الشفاعة عنده؟ هل يعطي أحد رأيه لله كما هو الحال في ملوك الدنيا فهؤلاء تعطيهم رأيك وتضم رأيك إلى رأيهم؟ لا، الشفاعة عند الله تختلف عن سائر المعلوم من أنواع الشفاعات عند المخلوقين قاطبة، فهي شفاعة من نوع خاص لها شروط تميزها عن غيرها، فهذه الشفاعة لا تضم رأيك إلى رأي المشفوع عنده انتبه!! إنما أنت تشفع بعد أن يأذن لك سبحانه وتعالى، وهل هذا هو حال ملوك الدنيا؟ فقد تشفع بما لا يريد وترغمه فينفذ شفاعتك لأنه وإن كان عنده رغبة ورهبة فهو أيضاً يرغب ويرهب ويقول أخشى أن يدبر هذا لي مكيدة أو أن يغتالني إن أنا رددت شفاعته. فهذه الشروط – التي سنذكرها – لننفي بها ضم الشافع صوته إلى المشفوع عنده وأنه لا أحدٌ يشفع الله فهو وتر سبحانه وتعالى وهو أحدٌ ليس معه نظير ولا أحد يضم قوله إلى قوله. ولذلك اتفق أهل السنة الكرام على أن الشفاعة لا تحصل عند ذي الجلال والإكرام إلا بشرطين: الشرط الأول: إذن الله للشافع بحصول الشفاعة منه. دل على هذا آيات القرآن الكثيرة منها: ? قوله تعالى في آية الكرسي سورة البقرة 255 (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) . ? وقوله تعالى في سورة سبأ آية 23 (ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) . ? وقوله تعالى في سورة يونس آية 3 (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) . الشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له بحصول الشفاعة له من الشافع فإذن أذن للشافع بأن يشفع، وليس هذا إذن مطلقاً، بل يُحِدّ له حداً أو يسمي له جماعة أو فرداً، فيقول اشفع لهذا بدخول الجنة، إذن هذا بتخصيص الله ومشيئته وإرادته. س: لم أشفع، وقد حَدَّه لي وليس على اختياري مطلقا؟

جـ: لينيلني الأجر عندما أشفع (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) ، وليحصل مزيد حب وود بيني وبين المشفوع له، وبالتالي يحصل مزيد ربط بين قلوب المؤمنين وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يفعل هذا في الدنيا فكانت إذا عرضت عليه حاجة يؤخر قضاءها ليشفع الصحابة ثم يقول لهم – ما قلت لكم – [اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء] ، فالرسول صلى الله عليه وسلم سيقضي الحاجة لكن إن قُضيت بعد شفاعة فالمستفيد هو أنتم حيث سيحصل الربط فيما بينكم وتقضى الحاجة مع ذلك، فقضاء حاجة بلا شفاعة أنزل من قضائها بعد شفاعة، فهناك تكثير الخيرات من عدة جهات وهذا ما يحرض عليه النبي عليه الصلاة والسلام. لذلك قلت لكم ندبنا إلى شفاعة في الدنيا والله يشفعنا في بعضنا في الآخرة، إذن يحدد الله المشفوع له، ويأذن للشافع بحصول الشفاعة منه لهذا المشفوع له. دل على هذا قول الله جل وعلا في سورة الأنبياء في الآية (28) : (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) . وقد جمع الله الشرطين في آيات كثيرة من كتابه: 1) منها سورة النجم آية (26) : (وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يساء ويرضى) . 2) وهكذا في سورة النبأ آية (38) يقول الله تعالى: (يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن) . فهذا هو الشرط الأول (وقال صواباً) أي أذن له ولم يتكلم بعد ذلك على حسن رأيه ويشفع لمن يريد دون إذن ربه بحصول الشفاعة له فلا يتكلم إلا على حسب ما يحدد له، والصواب هو رضا الله عن المشفوع له بحصول الشفاعة وهذا هو الشرط الثاني. 3) وقال ربنا جل وعلا في سورة طه آية (109) : (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولاً) وهذا كقوله تعالى (أذن له الرحمن وقال صواباً) .

إذن لا بد من هذين الشرطين إُذنُ الله للشافع ورضاه عن المشفوع له لحصول الشفاعة له، وعليه فمرد الأمر لله جل وعلا فهو خالق الشفاعة وموجدها وهو الآذن لبعض الناس بالشفاعة لمن يشاء ويريد ويرضى سبحانه وتعالى، ولذلك لا تطلب إلا منه سبحانه وتعالى أن يشفع فينا الصالحين من عباده فهو على كل شيء قدير. يقول الله تعالى مقرراً هذا في سورة الزمر آية 43 و 44: (أم اتخذوا من دون الله شفعاء، قل: أولو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون، قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون) ، فلله الشفاعة جميعاً من بدايتها إلى نهايتها فهو الذي يأذن للشافع وهو الذي رضي عن المشفوع له بحصول الشفاعة له، إذن مردها إلى الله جل وعلا، نسأل الله أن يرحمنا وأن يشفع فينا نبينا عليه الصلاة والسلام والصالحين من عباده إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إشكال وجوابه: إن قيل: وردت آيات في القرآن الكريم ظاهرها يشعر بنفي حصول الشفاعة يوم الدين، فكيف سنوفق بينها وبين الآيات التي أثبتت الشفاعة في ذلك؟ ومن هذه الآيات: ? قول الله جل وعلا في سورة البقرة - وسأقتصر على هذه السورة فقط - آية 48 (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم يُنصرون) . ? وقوله تعالى في آية 123 من السورة نفسها: (واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون) . ? وقوله تعالى في الآية 254 (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أي يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون) . إذن هذا اليوم ليس فيه شفاعة، وقد مرت معنا الآيات بثبوت الشفاعة وحصولها، فما التوفيق بين الأمرين؟

الجواب: أن الشفاعة المنفية هي الشفاعة الشركية التي يدعيها المشركون لآلهتهم وطواغيتهم من البشر أو الحجر أو البقر أو الشمس أو القمر وغيرها حيث كانوا يزعمون بأنها ستشفع لهم يوم القيامة، فإن هؤلاء لا تحصل لهم الشفاعة والشفاعة منتفية عنهم، وقد وضح هذا آيات القرآن (1) يقول الله تعالى في سورة المدثر – وانتبه لسياق الآيات – (كل نفس بما كسبت رهينة، إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نَكُ من المصلين ولم نَكُ نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين) فما هي النتيجة؟ (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) التي كانوا يدعونها لآلهتهم، ويفترون ويزعمون أن آلهتهم ستشفع لهم، فهذه الشفاعة الشركية لا تنفعهم وهم مشركون لا تنفعهم شفاعة. إذن (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) ، وما المراد بأصحاب اليمين؟ قيل: هم من يأخذ كتابه بيمينه. وقيل: هم الملائكة المقربون. لكن التفسير الدقيق الوارد في هذا عن صحابيين – ولذلك حكم الرفع – عن علي وعن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، عن علي في المستدرك بسند صحيح، وعن ابن عمر في تفسير ابن المنذر بسند صحيح: [ (إلا أصحاب اليمين) إلا أولاد المسلمين الذين ماتوا قبل أن يبلغوا] قبل أن يجري عليهم القلم. وهذه إحدى آيتين في القرآن تدل على أن أولاد المسلمين في الجنة إذا ماتوا قبل التكليف والآية الثانية في سورة الطور آية رقم (21) وستأتي ص (256) وهذا هو المقرر عند أهل السنة والجماعة، فإذا مات ولد من أبوين مسلمين أو من أحد أبوين مسلمين قبل أن يبلغ فهو في الجنة. وفي هذه الآية قرينتان على أن هذا التفسير هو المعتمد – وإن كان التفسيران الآخران يمكن أن يدخلا في الآية – ولكن هذا هو المعتمد وأقوى من غيره لقرينتين هما: القرينة الأولى:

قوله (رهينة) فإن معناها: مرتهنة ومحبوسة لتحاسب على عملها، فإن كان خيراً أثيبت وإن كان شراً عوقبت، لكن عندنا صنف ليس عنده ما يرهن عليه ويحبس من أجله فلم يعمل خيراً أو شراً ولم يجر القلم عليه، إذن فكل نفس مرتهنة بعملها إلا هؤلاء فليس عندهم عمل، ولذلك أولاد المسلمين في الجنة بمجرد موتهم [وصغارهم دعاميص الجنة] كما ثبت في مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام والدعاميص جمع دعموص وهي دودة لا تفارق الماء والولد الصغير بمجرد أن يموت لا يفارق الجنة، والدعموص أيضاً هو الذي يُكثر زيارة الملوك والأمراء فلكثرة زيارتهم ومخالطتهم لهم يدخل عليهم بغير استئذان، وهؤلاء دعاميص يدخلون ويسرحون حيث يشاءون ولا يمنعهم منها مانع وفلا يقيدون ويحاسبون. القرينة الثانية: قوله (يتساءلون) لأن سؤالهم هذا سؤال غرٍ جاهل سؤال من لا يدري الحقائق ولا ما جرى في عرصات الموقف، فهؤلاء – أي أصحاب اليمين الذين يتساءلون – لو شهدوا الحساب في عرصات الموقف وحضروا الميزان وأن هؤلاء ثقلت موازينهم فهم في عيشة رضية وهؤلاء خفت موازينهم فأمهم هاوية لو حضروا هذا لما سألوا هذا السؤال، فهو معلوم لديهم لأنهم حضروه، لكنهم لم يحضروا ولم يُحبسوا إنما دخلوا الجنة دون محاسبة ودون تقييد ورَهْن. الشاهد هنا أنه (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) الشفاعة الشركية هي المنفية.

3) وهكذا يقول الله في سورة الشعراء آية (100) : ( ... فمالنا من شافعين ولا صديق حميم) فالشفاعة المنفية هي حصول الشفاعة للآلهة وقد ذكروا قبل هذه الآية بثماني آيات وأيضاً قال في آية (96) من هذه السورة (قالوا وهم فيها يختصمون، تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين، وما أضلنا إلا المجرمون، فمالنا من شافعين ... ) إذن يسوون آلهتهم برب العالمين ويجعلونهم أنداداً له، وعدلاً ومثلاً له، يعبدونهم كما يعبدون الله، فهؤلاء لا تحصل لهم الشفاعة والله جل وعلا يقول: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم) أي جعلتموهم نظراء وعدلاً له، فسموهم وانعتوهم فماذا فيهم من صفات يستحقون أن يكونوا بها آلهة، هل خَلقوا أم خُلقوا؟ هل يملكون لغيرهم ضراً أو نفعاً أو يملكون هذا لأنفسهم؟!! كل من عدا الله مخلوق مقهور مربوب مسير في الحياة والموت والرزق رغم أنفه مخير في ما عداها جاء إلى الدنيا على غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره، في الصورة التي على غير اختياره، إذن فكيف يستحقون أن يكونوا آلهة مع الله أو من دون الله؟!!. 4) وهكذا يقول الله سبحانه وتعالى في سورة غافر آية (18) (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) . 5) وقال جل وعلا في سورة الأنعام آية (94) : ( ... وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء....) . 6) وقال جل وعلا في سورة يونس آية (18) : (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض، سبحانه وتعالى عما يشركون) . فالشفاعة المنفية هي الشفاعة الشركية التي تقع بغير إذن الله وبغير رضاه عن المشفوع له، وهذه كان الضالون يدعونها لمعبوداتهم وما أكثر من يدعيها من المسلمين لطواعيتهم الذين يعكفون حولهم.

وهناك قصة لبعض الضالين في بلاد الشام من الصوفية المخرفين الذين يتبعون شيخاً ضالاً يقول لهم: أولادي لا تخافوا، فإذا صار يوم القيامة أضعكم في رقبتي كما تضع المرأة القلادة في عنقها، ثم أمر من فوق جهنم فأطير إلى الجنة، وتلامذته ينقلون هذه القصة عنه ويبتهجون ويفرحون ويقول: نحن سيشفع لنا هذا الشيخ العظيم، فقلت لواحد منهم عندما كلمني: وإذا سقط شيخك في جهنم، فكيف سيكون حالكم؟ ووالله إذا لم يرجع عن اعتقاده هذا سيسقط رغم أنفه ما دام يدعي هذا الأمر الذي يحاد ويضاد به الله: ألم يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: [يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئاً، اعملي] . [يا عباس يا عم النبي، لا أغني عنك من الله شيئاً، اعمل] . [يا صفية سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً] . هذا يقوله النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه سيد الشافعين المشفعين والشفاعة له ثابتة بإجماع أهل السنة ودلت عليها النصوص الصحيحة الثابتة، ومع ذلك يقول كَوني سأشفع لهذا أو لهذا هذا مرده إلى الله جل وعلا!!. ولذلك في صحيح مسلم [لما جاء ربيعة بن كعب الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان دائماً يحضر للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ليتوضأ منه، فقال له ذات يوم لما أحضر له وضوءه: سلني فقال ربيعة: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال أَوَغير ذلك؟ فقال: هو ذاك يا رسول الله فأطرق النبي عليه الصلاة والسلام يقول ربيعة – وظننت أنه يوحى إليه – ثم رفع فقال إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود] ، نعم ما سأل ربيعة وهذه هي همم النفوس العالية.

فهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له من أول الأمر شيئاً لا أملك ولا لا أملك بل سكت فهولا يستطيع أن يتكلم من عنده، فهذا ليس في وسعه، فقال له، ألا تريد شيئاً آخر أستطيع قضاءه لك بنفسي؟، فقال: هو ذاك ولا أريد غيره، إذن فتحتاج المسألة إلى استئذان الله سبحانه وتعالى وانتظار الجواب منه، فأطرق الرسول صلى الله عليه وسلم رأسه ونزل عليه الوحي، فلما رفع رأسه قال لربيعة: إني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود فهذا شرط لا تفرط فيه حتى تكون في درجتي إن شاء الله في جنات النعيم. المبحث الثاني: أنواع الشفاعات يوم القيامة: مجموع الشفاعات ثمانية أربعة منها خاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام والأربعة الأخرى مشتركة بينه وبين غيره من أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم ومن الملائكة والصالحين من عباده. أما الشفاعات الخاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام: 1- الشفاعة العظمى: ويقصد بها: الشفاعة لأهل الموقف قاطبة من إنس وجن وحيوانات، ليحاسبهم رب الأرض والسموات، فحتى الحيوانات ستنالها هذه الشفاعة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وتكون نتيجة حسابها أن تكون تراباً لكنها مجموعة ليقضي الله للجماء من القرناء، وليظهر العدل الإلهي على أتم وجه، فيجتمعون في ذلك الموقف العصيب الرهيب، ولا يقضي بين هذه المخلوقات إلا بشفاعة خير البريات عليه صلوات الله وسلامه. وقد تواترت الأحاديث بذلك، وفيها:

(أن الله يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد وتدنو الشمس من منهم ويتصبب منهم العرق ويطول هذا الجمع ويبلغ الغم والكرب بالناس ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تظنون من يشفع لكم عند ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم فيذهبون إليه ويقولون: [يا آدم اشفع لنا عند ربك، فيقول لست لها] أي لا أبلغ هذا المقام وهذه الرتبة ليست لي، ثم يقول [إن ربي قد نهاني عن الشجرة فعصيته اذهبوا إلى نوح فإنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض] وكان بين نوح وبين آدم عشرة قرون كلهم على التوحيد، كما ثبت هذا في المستدرك بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام. والمراد من القرن: قيل مائة سنة، وعليه تكون المدة بينهما ألف سنة. وقيل المراد بالقرن مدة فناء جيل من الأجيال، وكان كل جيل يعيش ألف سنة فأكثر، فالألف تضرب في عشرة يصبح المجموع عشرة آلاف سنة بين نوح وآدم والله أعلم أيهما المراد.

[فيذهبون إلى نوح ويقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض فيقول: لست لها، ويذكر سؤاله لربه ما ليس له به علم] وهذا وراد في قوله تعالى (رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال: يا نوح إنه ليس من أهلك) أي ليس من أهل ملتك وليس على دينك، وليس المراد أنه ليس من أولادك فهو ابن حرام كما توهم هذا بعض سفهاء الأنام حيث يقولون هذا ليس من أهلك أي ليس بولدك وإنما ولد على فراشك فامرأتك خانتك فيه، هذا كلام باطل وما بغت امرأة نبي قط، وزنا الزوجة منقصة في حق الزوج، فإن قيل قد تكون الزوجة كافرة، نقول: لا حرج لأن الكفر ليس بتعيير عند أهل الأرض وليس بمنقصة في حق الزوج بخلاف العهر، فهو – أي العهر – منقصة عند الكفار وعند المؤمنين بل عند الناس كلهم هو مذموم ولذلك القوانين الوضعية الوضيعة في هذا الوقت أباحت الزنا إلا زنا الزوجة، وعند النصارى لا يوجد طلاق إلا إذا ثبت أن الزوجة زنت فعند ذلك للزوج أن يطلقها. الشاهد أنَّ زنا المرأة طعن في زوجها ومعنى ليس من أهلك أي ليس من أهل ملتك وليس على دينك.

[فيقول نوح: اذهبوا إلى إبراهيم خليل الرحمن، فيقول لست لها، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات] وهي قوله (إني سقيم) مع أنه يجاهد ويجادل بها عن دين رب العالمين، وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) وقال عن سارة (إنها أختي) وهو صادق في كل ما قاله فهي أخته في دين الله بما أن هذا الكلام يوهم خلاف الظاهر فاستحى واعتذر فقال لست هنالك، ثم يقول إبراهيم [اذهبوا إلى موسى عليه السلام فإن الله قد كلمه فيذهبون إليه فيقول: لست هنالك، ويذكر ذنبه ويستحي وأنه قتل نفساً..] مع أن النفس تستحق القتل لكن كأنه يرى أنه تعجل ولعله كان بالإمكان أن يصلح أمره، ثم يقول: [اذهبوا إلى عيسى فإنه عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيذهبون إليه فيقول: لست هنالك ولا يذكر ذنباً] أي أنا لست في هذا المقام ولا أتأهل له سواء كان عليّ ذنب أستحي به من الله أم لا، ثم يقول [اذهبوا إلى محمد عليه الصلاة والسلام فإنه عبد صالح قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيذهبون إليه ويقولون اشفع لنا إلى ربك، فيقول صلى الله عليه وسلم أنا لها وأنا صاحبها، فآتي تحت العرش فأسجد فيدعني الله ما شاء أن يدعني ويلهمني محامد أحمده بها لا أستحضرها الآن، ثم يقول لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك واشفع تشفّع، فأقول: اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي] فتنصب الموازين وتنشأ الدواوين. يقول العبد الفقير وهذا الحديث ورد عن طرق متعددة وبروايات كثيرة من ذلك أن كل نبي لما تطلب منه الشفاعة يقول: [إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ثم يذكر ذنبه ويقول: نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى غيري....] . وكذلك لما يذهب الناس إلى كل نبي يثنون عليه بما هو فيه فمثلاً يقولون لآدم: [أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ... ] .

وفي بعض الروايات يعتذر نوح عليه السلام عن الشفاعة فيهم بقوله: [وإنه قد كان لي دعوة دعوتها على قومي ... ] ولا يذكر أنه بسبب سؤاله ما ليس له به علم. ومن ذلك أيضاً أنه لما يطلب من أي نبي الشفاعة يعتذر فيقول: [لست هنالكم] ، وفي روايات [ليس ذاكم عندي] وفي روايات [لست هناك ولست بذاك فأين الفعلة؟] أي الخطيئة أو الفعل الذي ارتكبه واستحى به من الله، وفي روايات [لست هناك] فقط. وهناك ألفاظ وروايات أخرى يطول ذكرها.

وعلى كل حال الحديث الطويل الذي ذكرناه هو ما قد أفادته عدة روايات، وإلا فرواية الصحيحين – وهي الرواية المشتهرة – ليس فيها التصريح بهذه الشفاعة العظمى للقضاء بين الخليقة بل اقتصر رواتها على ذكر شفاعة واحدة أخرى، ولكن يستفاد من نص الحديث في الصحيحين أن شفاعته ستكون للقضاء بين الخليقة بما ذكر في أول الحديث من اغتمام الناس وتضايقهم وكربهم وفزعهم من طول الاجتماع في هذا الصعيد الواحد، ثم إن ابن خزيمة بعد إيراده للحديث في كتابه (كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل) – أي الحديث الذي في الصحيحين – أراد أن يدلل على أن الشفاعة المذكورة فيه إنما هي الشفاعة التي يشفع بها النبي صلى الله عليه وسلم ليقضى بين الخلق حيث بوّب باباً بعد إيراده لرواية الصحيحين فقال: (باب ذكر الدليل على أن هذه الشفاعة التي وصفنا أنها أو الشفاعات هي التي يشفع بها النبي صلى الله عليه وسلم ليقضي الله بين الخلق فعندها يأمره الله عز وجل أن يدخل من لا حساب عليه من أمته الجنة من الباب الأيمن فهو أول الناس دخولاً الجنة من المؤمنين) ثم أورد حديثين يقرران ذلك: الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، وقال إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن وبينما هم كذلك استغاثوا بآدم عليه السلام فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم بموسى فيقول: كذلك ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم.

الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [للأنبياء منابر من ذهب يجلسون عليها – قال – ويبقى منبري لا أجلس عليه ولا أقعد عليه قائماً بين يدي ربي مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي فأقول يا رب أمتي أمتي، فيقول الله عز وجل: يا محمد، ما تريد أن تصنع بأمتك؟ فيقول: يا رب عجل حسابهم فيدعى بهم فيحاسبون فمنهم من يدخل الجنة برحمة الله ومنهم من يدخل الجنة بشفاعتي – فما أزال حتى أعطى صكاً برجال قد بعث بهم إلى النار، وحتى إن مالكاً – خازن النار – يقول: يا محمد، ما تركت النار لغضب ربك في أمتك من نقمة] وقد اشترط ابن خزيمة في كتابه هذا ألا يورد إلا حديثاً يرويه عدل عن عدل وبعد صفحات ذكر باباً آخر فقال: (باب ذكر بيان أن للنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات يوم القيامة في مقام واحد، واحدة بعد أخرى) ثم قال: "أولها ما ذكر في خبر أبي هريرة رضي الله عنه – ويقصد الحديث الطويل الذي رواه الشيخان أيضاً – وخبر عمر، وابن عباس – وقد تقدم قبل قليل ذكرها – وهي شفاعته لأمته ليخلصوا من ذلك الموقف وليعجل الله حسابهم ويقضي بينهم فرقة بعد أخرى - " ثم ذكر أن الصحابة رضوان الله عليهم ربما اختصروا أخبار النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدثوا بها وربما اقتصروا الحديث بتمامه وربما كان اختصاراً بعد الإخبار أو أن بعض السامعين يحفظ بعض الخبر ولا يحفظ جميع الخبر وربما نسي بعد الحفظ بعض المتن فإذا جمعت الأخبار كلها علم حينئذ جميع المتن والسند ودل بعض المتن على بعض، انظر: كتاب التوحيد لابن خزيمة (ص 242-247) . (وهذا الكلام الذي كتبه هو من كلامي أنا وليس للشيخ الطحان أي مسؤولية عنه فما كان فيه من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان والله الموفق) . وقد أشار الله إلى هذه الشفاعة في كتابه فقال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) .

وقد فسر (المقام المحمود) بأربعة معان ٍ: أولها: أنه هو الشفاعة العظمى. قد حكى الواحدي إجماع المفسرين على القول بهذا، وقد روى ابن أبي عاصم في (السنّة) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم [في قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) قال: الشفاعة] وإسناده ضعيف لكن الحديث صحيح لشواهده وقد حسنه الترمذي. وروي أيضاً عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا كان يوم القيامة كنت أنا وأمتي على تل، فيكسوني حلة خضراء، ثم يأذن لي تبارك وتعالى أن أقول ما شاء الله أن أقول وذلك المقام المحمود] وإسناده جيد (وهذان الحديثان ذكرتهما أنا ولم يذكرهما الشيخ الطحان) . ثانيها: أنه لواء الحمد: ولا تعارض بينهما فهو يحمل لواء الحمد عندما يشفع وتحت لوائه آدم فمن دونه، فإذن لواء الحمد والشفاعة في وقت واحد. ثالثها: أن المقام المحمود هو كل خصلة حميدة يحمده عليها الأولون والآخرون في الدنيا والآخرة. رابعها: أن يجلس معه على العرش وهذا روي في تفسير الطبري وغيره [أن الله يُجْلِسُ نبيه على عرشه معه وهذا هو المقام المحمود] . والأقوال الثلاثة الأولي كلها مقبولة، والأخير الرابع جرى حوله كلام حتى أن بعض الأئمة استنكروه. المحاضرة الثانية والعشرون والأثر الذي رواه الطبري هو عن مجاهد فهو إذن ليس بمتصل إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ولم يثبت عندنا عن طريق موصول صحيح.

والمعتمد عند أهل السنة الكرام أن هذا ونظائره إذا ثبت نؤمن به دون البحث في كيفيته، إقرار وإمرار، لكنه كما قلنا لم يثبت مرفوعاً فلذلك نتوقف فيه لا نرده ولا نثبته ونقول بموجبه وأكثر ما يمكن قوله أنه مرسل له حكم الرفع، والمرسل ضعيف لا يحتج به في الأحكام العملية فكيف في أمور الاعتقاد؟ لذلك لا نعتقد بموجبه لأن هذا يحتاج إلى نص ثابت لأنه كما لا يجوز أن تنفي أمراً ثابتاً في العقيدة لا يجوز أن تعتقد ما لم يثبت، فنتوقف فيه ونبين أنه روي أي من جملة الأقوال المروية. عدد من الأئمة ومن جملتهم الواحدي والرازي وأبو حيان وعدد من المفسرين قالوا، لو ثبت لكان مشكلاً فينبغي أن نطرحه – وأكثر من تبني رد هذا الإمام الواحدي قال: هذا التفسير باطل لا يصح، فالله يقول (عسى أن يبعثك) وهذا يفسر البعث بالقعود والجلوس، والبعث ضد الجلوس فكيف يفسر الشيء بضده؟! هذا الأمر الأول، أما الأمر الثاني: قوله (مقاماً محموداً) وهنا يقول مجلساً، والمقام ما يحصل فيه القيام. وأنا أقول هذا الأثر لو ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام فيمكن الخروج من هذه الاعتراضات فنقول: (يبعثك) أي يظهرك في مقام محمود وليس المراد منه البعث الذي هو ضد الجلوس والقعود. والمقام هنا ليس المراد منه أنه ضد الجلوس، بل المراد من المقام المنزلة والرتبة والشرف والفضيلة والفخر، وعلى هذا المعنى يحصل المقام للإنسان إذا جلس أو إذا قعد ولا فرق فليس المراد خصوص قيام أو خصوص قعود وجلوس، وهذا على تقدير ثبوته. وكان أئمتنا يقولون: لمجاهد قولان غريبان، وأنا أقول ثلاثة أقوال، وهي: 1) هذا الذي ذكرناه: تفسيره للمقام المحمود. 2) قال في قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) قال: تنتظر الثواب من ربها ولا يراه شيء من خلقه.

وهذا الأمر ثابت بإسناد صحيح إلى مجاهد وهي زلة من زلاته وهفوة من هفواته فلترد ولتطرح، ولو نقلت عن صحابي – وحاشاهم رضوان الله عليهم – لطرحت لأجل الحديث المتواتر بأن المؤمنين يرون ربهم في جنات النعيم، يقول ابن كثير بعد نقله لأثر مجاهد هذا: هذا باطل، يقول ابن كثير في تفسيره: (ومن تأول ذلك بأن المراد بإلى مفرد آلاء وهي النعم..... فقد أبعد هذا الناظر النُّجْعَة وأبطل فيما ذهب إليه ... ) . 3) القول الثالث: ولم يذكره العلماء وأضيفه أنا وهو مردود على مجاهد، قال تعالى (فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين) قال مجاهد هذا مثلٌ ضربه الله لهم ولم تمسخ أبدانهم، أي أن المسخ حصل لقلوبهم فصاروا بمنزلة القردة وخستها لا أن أبدانهم مُسِخت حقيقة وهذا باطل قطعاً وجزماً. ثلاثة أقوال: القول الأول نتوقف فيه، والقولان الآخران – الثاني والثالث – نردهما بلا بلا توقف وكل إنسان يؤخذ من قوله ويترك إلا المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أخذ بشواذ العلماء ضلّ، ومن تتبع رخص العلماء اجتمع فيه الشر كله، ولذلك مفتي عمان أخذ هذا الأثر عن مجاهد وجعله مثل قميص عثمان، يلوح به في رسالته يقول قال مجاهد: "تنتظر الثواب من ربها ولا يراه شيء من خلقه" نقول له: مجاهد على العين والرأس ونبينا عليه الصلاة والسلام فوق العين والرأس وعندما يتعارض كلام مجاهد مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم فبكلام من نأخذ؟! طبعاً بكلام من لا ينطق عن الهوى، فنقول مجاهد أخطأ فكان ماذا؟ أما نبينا عليه الصلاة والسلام فهل يمكننا أن نقول إنه أخطأ؟!! فأنت يا مفتي بين أمرين إما أن تخطئ النبي صلى الله عليه وسلم وإما أن تخطئ مجاهد!!.

فكيف رضيت أن تخطئ النبي صلى الله عليه وسلم واستصعب عليك أن تخطئ مجاهد، وإني لأعجب أعظم العجب لهذا المفتي جاء لأثر مجاهد وجعله هو العمدة في مسألة الرؤية، وأما الأحاديث المتواترة في الموضوع فأَعْرَضَ عنها صفحاً ولم يأخذ بها. إخوتي الكرام ... للإمام الذهبي رحمه الله - وهو تلميذ ابن تيمية – كتاب اسمه (العلو للعلي الغفار) احرصوا على شرائه ففيه خير كثير والكتاب كله في مسألة واحدة وهي إثبات العلو لربنا العلي. وقد تعرض فيه لأثر مجاهد في أربعة أماكن في (صـ 94) ، (صـ 99) ، (صـ 124) ، (صـ171) وسأقرأ لكم مكانين فقط من هذه الأمكنة وارجعوا إلى البقية: أولاً: في (صـ 94) قال: " [عن مجاهد: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً) قال: يجلسه أو يقعده على العرش] لهذا القول طرق خمسة، وأخرجه ابن جرير في تفسيره وعمل فيه المروزي مصنفاً وسيأتي إيضاح ذلك بعد". ثانيا: في (صـ 124) قال: "قال المروزي سمعت أبا عبد الله الخفماف يقول: سمعت ابن مصعب وتلا: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) قال نعم: يقعده على العرش".

ذكر الإمام أحمد ابن مصعب فقال قد كتبت عنه وأي رجل هو!، ثم قال الذهبي: فأما قضية قعود نبينا عليه الصلاة والسلام على العرش فلم يثبت في ذلك نص – كما قلتُ لكم ما ثبت مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام – بل في الباب حديث واهٍ، وما فسَّرَ به مجاهد الآية كما ذكرنا فقد أنكره بعض أهل الكلام، فقام المرْوَزي وقعد وبالغ في الانتصار لذلك وجمع فيه كتاباً، وطرقُ قول مجاهد من رواية ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب، وأبي يحيى القتات وجابر بن زيد، فمن أفتى في ذلك العصر بأن هذا الأثر يسلّم ولا يُعارض: أبو داود السجستاني صاحب السنن، وكان يقول: من رده فاتهمه – أي أنه من أهل البدع - , إبراهيمُ الحربي (وقع في طبعة المطبعة السلفية بالمدينة لهذا الكتاب الجربي – وهو خطأ) وخلقٌ بحيث أن ابن الإمام أحمد قال عقيب قول مجاهد: أنا منكر على كل ما رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوءٌ متهم، سمعته عن جماعة وما رأيت محدثاً ينكره، وعندنا إنما تنكره الجهمية" ثم بدأ يسوق الأسانيد عن مجاهد في قوله السابق الذكر. وهذه الشفاعة العظمى الثابتة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وردت بها أحاديث كثيرة – كما قلت إنها متواترة – وذكرت حديث الشفاعة الطويل، ومن تلك الأحاديث المتواترة: ما ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فإيما رجل أدركته الصلاة فليصل، وأعطيت الشفاعة، وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة] . وقد امتازت رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام بأمرين: أولهما: الختام فهي خاتمة الرسالات. ثانيهما: العموم عامة لكل الناس وللجن أيضاً. والمقصود بالشفاعة الواردة في الحديث الشفاعة العظمى فهو الذي يشفع في أهل الموقف بعد أن يعتذر باقي الأنبياء عنها.

وثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: [أنا سيد ولد آدم يوم القيامة] وفي رواية أبي داود بحذف: [يوم القيامة] ولا تعارض بينهما، فهو سيد مطلقاً في الدنيا وفي الآخرة، لكن متى تظهر السيادة؟ هنا في الدنيا يوجد من ينازعه، وأما هناك فلا يوجد أحد يستطيع أن يدعي أنه سيد، هذا كما قال تعالى: (مالك يوم الدين) وهو مالك الدين والدنيا، لكن هنا يوجد من ينازعه ويقول: لا إله والحياة مادة، و (إنما أوتيته على علم عندي) ، و (هذه الأنهار تجري من تحتي) وأنا ربكم الأعلى فيوجد من يقول هذا، وأما هناك في الآخرة فلا يوجد من يقول هذا كل واحد يقول (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) . إذن سواء حذفت يوم القيامة أو ذكرت لا إشكال، لأنه إذا ذكرت فالسيادة تظهر في ذلك اليوم لعدم المنازع. ثم قال [وأنا أول من تنشق عنه الأرض] فأول من يبعث هو نبينا عليه الصلاة والسلام. ثم قال [وأنا أول شافع وأول مشفَّع] وليس بين اللفظين [شافع ومشفع] تكرار، فالشافع هو الذي يطلب الشفاعة لغيره والمشفَّع هو الذي تقبل شفاعته، فنبينا عليه الصلاة والسلام سابق بالأمرين لا يشفع أحد قبله ولا يشفَّع أحد قبله، لأنه لو لم يُشفَّع قبل غيره، فقد يشفع بعض الأنبياء إذن بعد، لكن يجابون قبله فيكون غيره أول مشفّع، فإنه لا يلزم من ثبوت الشفاعة حصول التشفيع فقد يشفع ويؤخر سنة. ولو قال صلى الله عليه وسلم: أنا أول شافع فقط (ربما توهم البعض أن نبينا عليه الصلاة والسلام يسبق في طلب الشفاعة لكن تؤخر إجابة نبينا عليه الصلاة والسلام، فدفعاً لهذا التوهم قال: كل من الأمرين سيحصلان لي على سبيل الأولية فأنا أول من يشفع وأول من يجاب في قبول الشفاعة، عليه الصلاة والسلام) .

وثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه، أنه قال [أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا أيسوا، ولواء الحمد يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر] . إذن هو أول الناس خروجاً عندما يبعث الناس، وهو الذي يخطب الناس إذا وفدوا على الله عز وجل واجتمعوا وهو مبشرهم إذا أيسوا بطريق الشفاعة العظمى ... س: بخصوص الدعاء الوارد بعد الأذان (اللهم رب هذه الدعوة التامة ... ) هل يعتبر هذا الدعاء شفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان شفاعة فكيف تكون الشفاعة لخير البرية الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو الذي نرجو منه أن يشفع لنا عند رب العزة سبحانه وتعالى؟ جـ: هذه الشفاعة منا لنبينا عليه الصلاة والسلام بأن يعطيه الله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود إنما تحصل بعد إذن من الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك فقال [سلوا الله لي الوسيلة] ثم أخبرنا بفضيلةٍ لهذا السؤال وهو أن من سأل الله لنبيه الوسيلة [حلت له الشفاعة] وحلت من الحلول والنزول لا من الحل ضد التحريم، أي نزلت عليه شفاعتي أي استحقها كان الله قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: بشر أمتك بأن من سأل لك هذا ستشفع له يوم القيامة، فإذن هذه الشفاعة بإذن من الله عز وجل لنشفع لنبيه صلى الله عليه وسلم في أمر حاصل وثابت. س: فإن قيل ما فائدة هذه الشفاعة إذن؟ الجواب: لأوضح لكم الجواب أضرب لكم مثالاً مشابهاً:

ألم يقل الله سبحانه وتعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي) ؟ يصلون ولم يقل صلوا، وفعل المضارع يفيد التجدد والحدوث، فصلاة الله على نبيه لا تنقطع وصلاته عليه أن يثني عليه في الملأ الأعلى وأن يتحدث بذكره ومحامده (ورفعنا لك ذكرك) فلا يذكر الله إلا ويذكر معه نبيه عليه صلوات الله وسلامه، فماذا قال الله بعد ذلك؟ (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) وصلاتنا على نبينا عليه صلوات الله وسلامه أن نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وغيرها من الصيغ نحقق فيها الصلاة على نبينا عليه الصلاة والسلام. إذن الله يصلي عليه ونحن نقول اللهم صلِّ فما فائدة هذا والصلاة من الله لا تنقطع؟ انتبه!! هذا مثل ما ورد في حديث الشفاعة [حلت له شفاعتي] وهنا فائدة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم [من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً] فصلاة الله حاصلة لنبيه صلينا عليه أوْ لم نصل، لكن فائدة هذا تعود إلينا وذلك حتى ننتفع من هذه القربة، وفائدته لنعلم قدر نبينا عليه صلوات الله وسلامه وهذه فائدة عائدة لنا. وفائدته لنتحدث بفضائله عليه الصلاة والسلام وفائدة هذا عائدة لنا، وأما هو - صلى الله عليه وسلم – فعالي القدر رفيع المنزلة، الله يصلي عليه وسيعطيه الوسيلة، سواء قلنا هذا أو لم نقل.

وفائدته ليغرس نبينا عليه الصلاة والسلام في قلوبنا حبه، وليغرس في قلوبنا أمور الاعتقاد وأنه رسول الله وليغرس في قلوبنا أن الشفاعة ثابتة له، وهذا من أمور الاعتقاد، وليغرس فينا معاني الإيمان أمرنا بأن نقول هذا الدعاء، وإلا لو اجتمع أهل الأرض قاطبة على سب النبي صلى الله عليه وسلم هل ينقص ذلك من قدره؟! لا، فماذا سيفعل العباد له بعد قول الله تعالى (ورفعنا لك ذكرك) ، وماذا سيفعل العباد بعد قول نبينا عليه الصلاة والسلام [آتي باب الجنة] فأستفتح فيقول الخازن: من؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك] . وكذلك ما فائدة ثناء العباد عليه صلى الله عليه وسلم وما مضرة ذمهم؟ إنما هذا عائد لهم، فنحن لا نسأل هذا لنبينا عليه الصلاة والسلام لكونه غير حاصل ليحصل بدعائنا له إنما هو حاصل ثابت، فإذا كان ثابتاً ليحصل لنا من رواء هذا الأجر والمغنم وغرس عقائد الإيمان في ذلك. وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا رأى غلاماً صغيراً في المدينة يمسح على رأسه ويقول يا بني إن أدركت عيسى بن مريم فسلم عليه، فما مراد أبي هريرة من هذا؟ مراده أن يغرس في قلب هذا الغلام الإيمان بنزول عيسى عليه السلام، وإلا فإن أبا هريرة موقن أن هذا الغلام لن يدرك عيسى بن مريم عليه السلام، لكن هذه لابد من أن تُغرس في القلوب بأساليب مختلفة، تارة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أول شافع وأول مشفَّع، وتارة يقول [سلوا الله لي الوسيلة] فمن سألها لي [حلت له شفاعتي] ، إذن هذا ليحصل لنا الإيمان بالشفاعة لأنها من أمور الاعتقاد وليحصل لنا الأجر ولتتعلق قلوبنا بنبينا عليه الصلاة والسلام، ولا شيء يغرس الإيمان في القلوب كالتكرار.

وهنا طلب الشفاعة من هذا الباب وهو كذكر الله وعبادته فالفائدة تعود لنا، وإلا من المستفيد من قولنا: لا إله إلا الله، سبحان الله، الله أكبر، نحن أم الله؟ نحن، فلسانك يتلذذ وقلبك يخشع وينتعش ونفسك تتنور، وتحصل على أجر بعد ذلك في الدنيا والآخرة وليس معنى أنه إذا ذكرنا الله وأثنيا عليه يرتفع قدره، وإذا كفرناه ينقص؟ حاشاه بل فائدة هذا تعود لنا كما قلنا، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى فيما يرويه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم: [يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً] . وللتقريب أقول لكم ولله المثل الأعلى: لو دخلت أنت على مدير مثلاً فقلت له السلام عليك أيها المدير، ودخل آخر وقال السلام عليكم، فقط فإنك ستجد أن المدير يرحب بك ويكرمك أكثر من الآخر لأنك بكلمتك هذه أظهرت له أنك تعترف وتقر بأنه مدير وليس معنى ذلك أنك إن لم تقل له ذلك أنه فُصِل لكن لكلمتك اعتبار في الخاطر، إذن ففائدة هذه الكلمة تعود إليك ولا ينتفع منها المدير أبداً. الحاصل أن فائدة سؤال المقام المحمود لنبينا عليه الصلاة والسلام عائدة لنا ونحن الذين سننتفع من وراء ذلك والله أعلم. 2- استفتاح باب الجنة: وطلب الشفاعة بفتحها فلا تفتح أبواب الجنة حتى يشفع نبينا عليه الصلاة والسلام بفتحها فتفتح له. وقد ثبت هذا في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وهو أول حديث في الجامع الصغير – عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن من؟ فأقول: محمد، فيقول: بل أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك] .

فالجنة لا يدخلها أحد ولا تفتح لأحد من متقدمين ومتأخرين حتى يشفع نبينا عليه الصلاة والسلام بفتح أبواب الجنة فيأتي ويستأذن ويطلب من الله الدخول، ثم يدخلها أهلها بعد أن يدخلها نبينا عليه الصلاة والسلام. وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس أيضاً عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: [أنا أول من يقرع باب الجنة] ، هذه هي الشفاعة الثانية من الشفاعات الخاصة بنبينا عليه الصلاة والسلام. 3- إدخال قوم الجنة بغير حساب: فيشفع لهم إلى الكريم الوهاب فيدخلون الجنة بغير حساب، ولا ينشر لهم ديوان ولا ينصب لهم ميزان. نسأل الله أن يمن علينا بالجنة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأما أن تتعلق همتنا بأن نكون من هؤلاء، فوالله إننا لنستحي من ربنا أن يعلم منا أننا نتطلع إلى هذه المراتب، وكل واحد يعرف نفسه (بل الإنسان على نفسه بصيرة) ، فنسأل الله حسن الخاتمة.

وقد ثبت هذا في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه قال: [عُرِضت عليّ الأمم] أي مثلت له وكيف ستعرض يوم القيامة [فرأيت النبي ومعه الرُّهَيْط] تصغير رهط وهي الجماعة دون العشرة [والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد، إذ رُفع لي سوادٌ عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فنظرت فإذا سوادٌ عظيم فقيل لي: هذه أمتك، ومنهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض، فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يُشركوا بالله شيئاً، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه، فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن مِحصَن فقال ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة] هذه الرواية من مختصر صحيح مسلم. ومحل الشاهد هو طلب عكاشة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون منهم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم [أنت منهم] ونبينا عليه صلوات الله وسلامه لا ينطق عن الهوى، فشفع إلى الله فأخبره الله أن عكاشة من هؤلاء. وقد ورد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [اللهم اجعله منهم] وورد في بعض الروايات أن عكاشة قال بعد أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أوصاف السبعين ألف، قال: [أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال نعم] . إذن هنا شفع نبينا عليه الصلاة والسلام لعكاشة وسيشفع لهؤلاء بأن يدخلوا الجنة بغير حساب، هؤلاء لهم الأعمال الجليلة وهي:

أولاً: (لا يكتوون) أي لا يسألون غيرهم أن يكويهم، والكي معروف وقد ثبت في صحيح البخاري عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي] . والمراد بقوله [شرطة محجم] : أي الحجامة، فيشرط الجلد ويشق وبعد ذلك يمص الدم، فأما [وأنهى أمتي عن الكي] والسبب في ذلك أنه فيه ما يشبه تعذيب الناس في جهنم، فجهنم نار وعندما يكتوي الإنسان كأنه عذب نفسه بالنار، ثم إن هذا العلاج لم يتعين عليك فما أكثر العلاجات التي يعالج بها المخلوقات، فما الذي ألجأك إلى أن تكتوي بالنار، يضاف إلى هذا أن العلاج بالكي قد ينتج عنه أذىً، وقد اكتوى بعض الصحابة – وغالب ظني أنه سعد بن عبادة ولا أستحضر اسمه بالضبط الآن – لكن الأثر ثابت – اكتوى فمات من أثر الكي، وكان قد اكتوى في رقبته. فإذن أحياناً قد يكتوي الإنسان ويتضرر، وقد يصبح هناك تشويه للجسم والجلد، ولذلك [أنهى أمتي عن الكي] . ثم إن أئمتنا قالوا: الكي دواء موهوم، وليس بمظنون، ولأمور ثلاثة: 1) مقطوع به وهو سبب لحصول المراد. 2) مظنون به وهو سبب – في الظن الغالب – لحصول المراد. 3) موهوم لا حقيقة فيه. فأما الأمر الأول: المقطوع به فيجب عليك أن تأخذه مثل الغِذاء، فلو تركت الطعام حتى مت تدخل النار، ولو قال إنسان: أنا أتوكل على الله ولا آكل فمات فهو من أهل النار. وأما الأمر الثاني: المظنون: وهو سائر أنواع العلاجات – غير الكي والرقية – إذا كانت غلبة الظن في الشفاء.

ومعظم العلاجات التي تجري الآن في المستشفيات كلها من باب الظن لا من باب القطع الأخذ بها جائز وتركها أحسن وأفضل، وعدم التداوي عزيمة والتداوي رخصة، فمثلاً إذا أرادوا أن يجروا له عملية جراحية بأن قالوا له: في بطنك آفة لا تشفى منها إلا بعملية جراحية، فهذا مظنون، لأنه قد يفتح بطنه ويموت وقد يخطئ الطبيب في تشخيص الداء، وقد يخطئ في وصف الدواء وما شاكل هذا، فلو قال المريض: لا تفتحوا بطني، أموت على فراشي إذا جاءتني المنية ولا أريد العلاج لكان أفضل، ولو قال: افتحوه وأنا أتوكل على الله ومات فليس عليه إثم. وأنا أعرف بعض إخواننا من الطلاب في كلية أصول الدين في أبها أصيب بالسرطان – نسأل الله العافية – وهو في سنة أولى أصول الدين، ودرسته الفصل الأول وأصيب في الفصل الثاني وسرى السرطان في كفيه ثم انتشر بعد ذلك إلى ذراعه فعرضوه على الأطباء فقالوا لابد من بَتْر يده من الكتف، لأن علامات السرطان بدأت تمشي وتنتشر، فجاءني إخوته فقالوا لي: ما رأيك؟ فقلت: رأيي أن لا تعالجوه بقطع يده، دعوه لقدر الله، فإذا قدر الله له أن يموت فكل نفس ذائقة الموت، وإذا شفاه الله بغير علاج فهو على كل شيء قدير، لكن من ناحية الجواز جائز قطعاً، إنما أقصد أن يده تقطع من الكتف ثم بعد ذلك النتيجة ليست محققة بل هي غلبة ظن لكن ثم رأي الأهل بعد مدارسات على بتر يده فقطعت وبعد شهر توفي رحمه الله، لأن السرطان انتشر في سائر جسده حيث كان انتشاره خفياً ولم يكشفه الأطباء.

وأعرف آخر أيضاً – بعده – من إخواننا، انتشر السرطان في معدته وكبده – نسأل الله العافية – وقرر بعد ذلك إجراء عمليات فجلس الأطباء – كما يقال يلعبون به – وهم أطباء من أعلى التخصصات يعملون له عملية في أبها على يد أمهر طبيب هناك، ثم أجريت له عملية أخرى في الرياض في أحدث مستشفى هناك تقريباً وهو مستشفى فيصل التخصصي – وأجرى عمليات خارج السعودية، لكنه مات بعد ذلك بعد أن جئت إلى رأس الخيمة، وما نفعه أحد من هؤلاء الاختصاصيين، وعلمت بوفاته عن طريق الاتصال بأبها والسؤال عنه، عليهم جميعاً رحمة الله. وما أعطى الناس من اليقين والإيمان خيراً من الصحة. إذن هذا مظنون إن أخذه لا حرج عليه وهو جائز، وإذا تركه جائز والترك أولى. وأنا أنصحكم ألا تلجأوا إلى عمليات، خصوصاً عمليات فتح البطن ولو استدعى بكم ذلك إلى الموت هذه نصيحة لا من باب أن هذا واجب، لأنه في الغالب عندما يفتح البطن تحصل مضاعفات اشد مما كانت ولا يعود الإنسان إلى طبيعته إذا فتح بطنه، بل تلازمه الآفات حتى يُلقى في الحفرة ميتاً، فاصبر على ما أنت عليه إذا قدر الله لك الحياة فالحمد له، وإذا قدر لك الموت فالموت لا يُخوِّف، وكل نفس ذائقة الموت، نسأل الله حسن الخاتمة. وأما الأمر الثالث: الموهوم، وهو كالكلي فهو وهمي ليس بمظنون، فهو شيء من تضخيم الأمر وتوهمت أن الكي فيه علاج مع أنه توجد أدوية أخرى تنوب عنه ليس فيها مضرة الكي، ثم قد يوسع دائرة الضرر عليك عندما تتداوى به – كما ذكرنا. ثانياً (لا يتطيرون) : أي لا يتشاءمون بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع ونحوها، فالتطير والتشاؤم موهوم فاتركه وابتعد عنه. وقد ثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً [الطيرة شرك الطيرة شرك] وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (هذا الحديث من زياداتي) .

ثالثاً: (لا يسترقون) : أي لا يطلبون الرقية، والرقية معروفة، وقد ورد في صحيح مسلم في رواية [ولا يرقون] ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذه الزيادة وهم من الراوي، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرقون". والرواية التي معنا وهي في الصحيحين أيضاً: [لا يسترقون] والذي يظهر لي – والعلم عند الله – أن كلاً من الروايتين ثابت، والإمام ابن تيمية عليه رحمة الله واهم في رد تلك الرواية. وهو يقول: لا يسترقون: أي لا يطلبون الرقية من غيرهم لأن هذا ينافي التوكل، أما أنه يرقي غيره فلا حرج لأن هذا من باب نفع الغير. نقول والله أعلم – ما في الاسترقاء موجود في الإرقاء، فعندما يأتي غيرك ليرقيك ينبغي أن تمتنع إن كان هذا ينافي التوكل، وأنت لا ينبغي لك أن ترقيه إن كان هذا ينافي التوكل. والأصل أن الرقى الشرعية جائزة، فما الحكمة من أن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب لا يرقون ولا يسترقون مع أنها جائزة وحالها كحال العلاجات الأخرى؟ الذي يبدو لي – والعلم عند الله – وما رأيت من نبه على هذا من أئمتنا وقد رأيتهم يحومون حول الحديث فأقول: أولاً: الذي يسترقي فهو وإن كان يطلب علاجاً شرعياً، لكنه قد يضع في قلبه – لا أقول شرك – أن هذا الإنسان له مزية ودعاءه له أثر، وهو عند الله معتبر فإذن كأنه صار فيه شيء من رجم الغيب، وكأنه صار فيه شيء من الاعتماد على الرقية وعلى الراقي، لذلك تحد أنك لا تأتي تطلب الرقية إلا من أناس معينين.

ونحن نقول إنه يعتقد في الراقي أنه يشفي لا، لأنه لو فعل هذا لأشرك، بل نقول صار في توكله شائبة وهذا بخلاف ما لو وصف لك الطبيب دواءً حسياً فهنا لا أثر له على توكلك ولا تتعلق به نفسك، وتتناوله كما تتناول الطعام، وأما الرقية فليست شيئاً حسياً فإنه يقرأ الفاتحة مثلاً وسورة الفلق والناس وآية الكرسي ويدعو فيقول (اللهم رب الناس أذهب الباس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك ... ) وينفث عليه، فقد يقع – بالتالي – في نفسك شيء من الأثر. ثانيا: الراقي: فهو عندما يرقي أيضاً كأنه صار في نفسه شيء يقدح في توكله من حيث أنه يرى أنه صار له شيء من المزية والمكانة حتى صار يرقي، ولذلك نقول لا حرج في رقية نبينا عليه الصلاة والسلام لغيره لأنه مزيته ثابتة وهو خير خلق الله، وسيد ولد آدم وأما من عداه فهل يستطيع أن يجزم لنفسه بمزية؟ وهل يستطيع أن يقول: أنا رجل مبارك ودعائي له أثر؟!! لا يستطيع، وبالتالي من رَقَى فكأنما صار في نفسه هذا المعنى، والعلم عن الله. ومما ينبغي أن نعلمه أن هؤلاء السبعين ألفاً ليسوا أفضل من غيرهم بإطلاق، فانتبهوا فإن المزية لا تقتضي الأفضلية، فقد يكتوي صديق ويحاسب وهو عند الله أعلى منزلة من هؤلاء فهذه ميزة لهؤلاء فقط أن يدخلوا الجنة بغير حساب، ولا يلزم أن تكون منزلتهم أعلى من غيرهم. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الوصف والأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال والخصال فقال: [وعلى ربهم يتوكلون] . وقد ورد أيضاً وصف آخر وقيد آخر، لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، ووصف آخر يخرجون من البقيع، فهذه خاصة بمن يدفن في البقيع بالمدينة المنورة.

ثبت هذا في رواية الطبراني من حديث أم قيس بنت محصن عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: [يحشر من هذه المقبرة – وأشار إلى البقيع سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب كأن وجوههم القمر ليلة البدر] إذن لهم شرطان: الأول: فعلهم فهم لا يسترقون ولا ولا والشرط الثاني: مكانهم: فهذا خاص بمن يتوفى بالمدينة ويدفن في البقيع. وأما من عداهم فقد يحاسب ويكون أعلى درجة منهم، وقد ورد لهذا شاهد، فقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن خزيمة وصحيح بن حبان – والحديث صحيح – عن رفاعة الجهني عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: [وعدني ربي أن يدخل من أمتي سبعين ألفاً الجنة بغير حساب، وأنا أرجو ألا يدخلوها حتى تتبوءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة] . إذن أنتم تدخلون قبلهم وتتبوءوا المنازل، لكن هم لهم خصوصية الدخول بغير حساب. المحاضرة الثالثة والعشرون تنبيه: لا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم للسبعين ألفاً كلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب، بل يشفع لبعضهم ليكونوا منهم ويدخلوها بغير حساب، والبعض الآخر يكونون منهم ويدخلوها بغير حساب السبب ما جرى منهم من أعمال وبفضل الله عليهم. أي أن هذا النوع من الشفاعة – أي الثالث – لا يثبت لغير نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا يوجد أحد يشفع لغيره في أن يدخل الجنة بغير حساب، ولم نورد حديث ابن عباس هنا لإثبات شفاعته صلى الله عليه وسلم للسبعين ألفاً بل لإثبات شفاعته لعكاشة ابن محصن، وكيف شفع له النبي صلى الله عليه وسلم فصار من هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب. فائدة:

هؤلاء السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام ما يشير إلى أن مع كل ألف منهم سبعون ألفاً أيضاً، ورد الحديث بذلك في سنن الترمذي وابن ماجه ومعجم الطبراني الكبير وصحيح ابن حبان – والحديث صحيح – عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب ومع كل ألف سبعون ألفاً] . فالسبعون ألفاً اقسمها على ألف يصبح معك سبعون، ثم اضرب السبعين هذه بسبعين ألف (أخرى غير الأولى) يصبح معك أربعة ملايين وتسعمائة ألف (4.900.000) يدخلون الجنة بغير حساب بفضل الله ورحمته. وثبت في صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني الكبير عن عتبة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفاً ثم يحثي ربي ثلاث حثيات] . ونسأل الله أن لا يبقى أحد من أمة نبينا عليه صلوات الله وسلامه إلا ويخرج بهذه الحثيات. و (الحثية) ملء الكفين. فيحثو ربنا ثلاث حثيات من هذه الأمة ويدخلهم الجنة بفضله ورحمته، [ثلاث حثيات] إقرار وإمرار، لا نبحث في كيفية هذه الحثيات. المحاضرة الرابعة والعشرون س: هل السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة مع كل ألف لابد أن تكون فيهم نفس الصفات المذكورة في السبعين ألفاً الأصليين؟ جـ: لهذا العدد الذي يدخل مع السبعين ألفاً هم يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قطعاً كحال السبعين ألفاً المتقدمين، لكن هل يعملون بمثل عملهم أم لا؟ يحتمل الأمر الأمرين، ولم يرد ما يدل على واحد منهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام: أ) فيُحتمل أنه لابد من وجود هذه الصفات الخمس فيهم (لا يكتوون ولا يسترقون، ولا يرقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) . فإن قيل: إذا وجدت فيهم هذه الصفات الخمس فلمَ لم يكونوا من السبعين ألفاً؟

نقول: اعلم أن كل أمر له شروط لابد من وجودها، وموانع لابد من انتفائها لحصول ذلك الأمر، فهؤلاء السبعون ألفاً الآخرون قد توجد فيهم هذه الصفات كلها لكن لعله عندهم نقص في صفات أخرى، افرض مثلا ً– وكل بني آدم خطاء – أن عندهم نقصاً أحياناً في تأخير بعض الصلوات، فهم لم يحصّلوا جميع الشروط المطلوبة، إذن هذا الوصف – وهو دخول الجنة بغير حساب – لمن التزم بالأوامر والنواهي فعلاً وتركاً وحافظ بعد ذلك على هذه الصفات الخمس، إذ أنه عندنا شروط خاصة وشروط عامة، وشروط عامة هي الالتزام بكل مأمور وترك كل محظور، (انظر فتح الباري 11/410) . ب) ويحتمل أن يكون هؤلاء السبعون ألفاً الآخرون ليس فيهم صفة من هذه الصفات الخمس أو فيهم تفريط في بعض الصفات، فتوكلهم ليس بالدرجة الكاملة التي يقوم بها الراسخون في التوكل فربما رقوا أو استرقوا أو صدر منهم أحياناً تطير، فيمكن أن يكون قد وجد فيهم شيء من هذا. إذن لعله وجدت فيهم الصفات الخاصة كلها لكن تخلف فيهم بعض الصفات العامة ولعله وجدت فيهم الصفات العامة لكن الصفات الخاصة لم توجد بالكلية أو وجد بعضها، ولا يوجد دليل يوضح ذلك فالمسألة تحتمل الأمرين والعلم عند الله. 4- شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب: هذه هي آخر الشفاعات الخاصة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وهي خاصة بعمه فقط، والسبب في ذلك أن أبا طالب مات على الكفر، والله أخبرنا عن الكفار – كما تقدم – أنه لا تنفهم شفاعة الشافعين (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ، فالكافر إذن لا تنفعه شفاعة باستثناء أبي طالب. والله سبحانه يقول في سورة البقرة (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون) أما هذه فخاصة فإنه يخفف عن أبي طالب، لكن لا يخرج من النار. فإن قيل: كل كافر لا يخفف عنه فلماذا أبو طالب يخفف عنه؟

نقول: شفاعة خاصة لنبينا عليه الصلاة والسلام بأبي طالب فتنفعه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الله قال (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ، ويخفف عنه العذاب مع أنه أخبر عن الكفار أنه (لا يخفف عنهم العذاب) . وهذا دل عليه أحادث النبي صلى الله عليه وسلم: ففي الصحيحين وغيرها عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال [أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، يوضع في أخمص قدميه جمرتان من نار جهنم يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذاباً، ويرى نفسه أنه أشد أهل النار عذاباً] (أَخْمص) على وزن أَحْمر، وهو الانخفاض الذي يكون في وسط القدم من الأسفل. وقد ثبت في الصحيحين أيضاً وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أرأيت عمك أبا طالب، كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ فقال: نعم، كان في غمرات من نار، فأخذته] أي بشفاعته عليه الصلاة والسلام [فوضعته في ضحضاح من نار] ، وروي الحديث عن العباس رضي الله عنه أيضاً. (كان في غمرات من نار) أي كان يخوض فيها وتغطي رأسه كأنه يسبح في نار جهنم. (ضحضاح) أصل الضحضاح الماء القليل كالذي يخوض فيه الأولاد ولا يجاوز كعبيهم ولا يُخشى منه غرق ولا تلف. فهذه شفاعة خاصة نؤمن بها ونثبتها لنبينا عليه الصلاة والسلام. إذن هذه أربع شفاعات خاصة لا يشاركه فيها أحد من المخلوقات. وأما الشفاعات العامة المشتركة بينه عليه الصلاة والسلام وبين غيره من الشافعين: من الملائكة المكرمين ورسل الله وأنبيائه المباركين والصالحين إلى يوم الدين. 1- شفاعة أهل الجنة في قراباتهم اللذين دخلوا الجنة، لكن منزلتهم دون منزلتهم: فيشفعون لهم فيرفع الله درجة النازل إلي درجة العالي دون العكس، فلا ينزل العالي إلى درجة النازل، فالزوج يشفع لزوجته والزوجة لزوجها، والابن لأبيه والأب لابنه وهكذا بقية الأقرباء.

ونبينا عليه الصلاة والسلام له أعلى درجة في الجنة فسيشفع لزوجاته قطعاً وجزماً، ليكنّ معه، وهل يتصور أن تكون أمهاتنا زوجات نبينا عليه الصلاة والسلام في مكان منفرد عنه؟!! وهنّ كما كن معه في الدنيا فهنّ معه في الآخرة. لكن هل وصلن إلي ذلك بعملهن؟ أم بشفاعة خير خلق الله لهن؟ بل بشفاعته لهن صلى الله عليه وسلم. لكن هل يلزم من هذا تفضيل أمهات المؤمنين على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهم سيكونون دون أمهات المؤمنين في المنزلة قطعاً وجزماً؟ فمنزلة عائشة رضيَّ لله عنها فوق منزلة أبيها أبي بكر، لكن أباها أفضل منها وكيف هذا؟! نقول: لا تعارض لأن المزية لا تقتضي الأفضلية، فهي أعلى منه في الدرجة ولم تستحقها أصالة إنما تبعاً لزوجها نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا يشترط لوجودها في تلك الدرجة أن يحصل لها من النعيم والتجليات ما يحصل للنبي عليه الصلاة والسلام وما يغدق على النبي عليه الصلاة والسلام من نعيم وأعظمه التجلي لله ورؤيته لا يشترط أن يحدث لهن هذا. وأبو بكر درجة أنزل من درجة أمهات المؤمنين لكن النعيم الذي يحصل له أكثر مما يحصل لهن، لأن كل واحد ينعم على حسب حاله – إن رفع – فهو في المنزلة مع صاحبه وقريبه لكن هذا ينعم بما لا ينعم به ذاك وكل واحد في شغل فاكهون. وأضرب لكم مثلا ً حسياً لأقرب لكم هذا ولله المثل الأعلى، الأمير عنده من يصب القهوة والشاي وهذا يدخل عليه ويختلط به كثيراً بل هو في غالب الأحيان يجلس في مجلسه ويقابله وجهاً لوجه ويخالطه بكثرة، فهل هذا الخادم يشعر بالمكانة التي يشعر بها الأمير وله من المنزلة ما للأمير؟.

وفي المقابل هناك آخر عند الأمير مثلاً وزير فهو بعيد عن الأمير وقد لا يلتقي به في الشهر إلا مرة، لكن له من المنزلة ما ليس للخادم، فالذي يصب القهوة حصلت له مزية على غيره من الناس بأنه يجتمع مع الأمير صباح مساء، لكن هل يقتضي هذا أنه أفضل من الوزير؟!! لا يقتضي هذا فالمزية لا تقتضي الأفضلية. س: بالنسبة لمنزلة أبي بكر رضي الله عنه. نعلم أنه أفضل هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يعني هذا أن منزلته يوم القيامة أعلى من الأنبياء والرسل أومن بعضهم، لأنه هو الذي يليه؟! ج: نقول إن منزلة كل نبي أعلى من غيره مهما علا شأنه وفضله فمنزلة أدني الأنبياء منزلة أعلى من رتبة أعلى الصديقين وأفضلهم، فرتبة أبي بكر الصديق بعد نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الدنيا فقط، ونحن نقول هذا لأجل إثبات فضيلته ومنزلته في هذه الأمة، لا في الأمم، فمنزلة الجنة موضوع آخر، نبينا عليه الصلاة والسلام ثم خليل الرحمن ثم بقية أولو العزم من الأنبياء على ترتيبهم ثم يأتي بعد ذلك أعظم الصديقين من الأولين والآخرين أبو بكر. س: ما المانع من أن يشفع الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه حتى يكون معه في نفس المنزلة؟ جـ: لا يمكن هذا، لأن درجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة لا يشاركه فيها أحد غيره، ودونه الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ولا يمكن لصديق أن تكون درجته أعلى من درجة نبي، فهي درجة عالية وكلهم يأخذون قربهم من ربهم على حسب درجاتهم وأعمالهم، فدرجة نبينا عليه الصلاة والسلام أعلى الدرجات تليه درجة خليل الرحمن ثم بقية الرسل أولي العزم المكملون للخمسة نوح وموسى وعيسى عليهم السلام وبعد ذلك الرسل علي حسب ترتيبهم كما ذكرنا لكن مع كل رسول أهله ولابد، تبعاً لا أصالة.

وأما إذا أردت أن تسحب هذا الآن فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع لأبي بكر وأبو بكر يشفع لأسرته وبالتالي صاروا كلهم فوق منزلة أنبياء الله ورسله، هذا لا يحصل فذاك له مقام وهذا له مقام والعلم عند ربنا الرحمن. وقد ألف ابن حزم كتاباً سماه (المفاضلة بين الصحابة) وجزم في كتابه بأن أمهات المؤمنين أفضل هذه الأمة بعد نبينا عليه الصلاة والسلام. فقال: خديجة وعائشة وسائر أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فقيل له من أين لك هذا؟ فقال: نحن نعلم ضرورة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم معه في الجنة، ونعلم ضرورة أن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم أعلى من منزلة أبي بكر فمن دونه، فيلزم من هذا أن تكون منزلة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورتبتهم أعلى من منزلة أبي بكر ورتبته. فقال له أهل السنة كلاماً قطعوه به وأبطلوا قوله قالوا: يلزم من قولك أن تكون أم رمان وهي زوجة أبي بكر أفضل من عمر؟ قال: لا. قالوا له بطل قولك. إذن زوجاته معه صلى الله عليه وسلم، لكن لا يلزم من هذا أنهن أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. وقد اتفق أهل الحق على تفضيل الشيخين بعد نبينا عليه الصلاة والسلام بلا خلاف عند أهل السنة فخير هذه الأمة بعد نبينا عليه الصلاة والسلام أبو بكر ثم عمر، واختلفوا في عثمان وعلي، والمعتمد عند جمهور المحدثين: ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي رضي الله عنه.

فهن لهن هذه المزية ولهن أيضاً مزية أخرى حيث امتزن بخلطة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبته بما لم يحصل هذا لأبي بكر، ونقصد العشرة التي حصلت بين نبينا عليه الصلاة والسلام وبين عائشة لم تحصل هذه لأبي بكر ولا لعمر، فهي عشرة خاصة تطلع فيها هذه المرأة على نبينا عليه الصلاة والسلام، فهذه مزية تذكر لها وتعرف بها، لكن لا يقتضي أنها أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، ولو جمعت الفضائل والمزايا والخصوصيات التي في أبي بكر، والفضائل والمزايا التي في أمنا عائشة أو في غيرها، لوجدت أن أبا بكر يفوق على غيره ممن له مزايا، وأنه يفوق غيره من الصحابة والصديقين. وابن حزم – رحمه الله – هو صاحب شذوذ كثير مع علم كبير فلنطرح شذوذه الذي يخالف فيه أهل السنة ولنأخذ بعلمه فيما عدا ذلك. وكان أئمتنا يقولون: "هو كالبحر يقذف بالدرر، ويرمي بالجيف" فالجيف اتركها واطرحها وخذ الدرر منه، ومن جملة ما شذ فيه وخالف فيه إجماع العلماء واتفاقهم، إباحته للمعازف والمزامير، ويطعن في حديث البخاري في ذلك [ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف] , ويقول هذا الحديث ضعيف لأنه معلق، وذلك أن البخاري لما رواه قال: قال هشام بن عمار ولم يقل حدثنا، وهشام بن عمار من شيوخ البخاري عليهم جميعاً رحمة الله، وإذا روى التلميذ عن شيخه بـ (قال) أو بـ (عن) أو بـ (سمعت) ونحوها فهذه الصيغ كلها تحمل على السماع إن لم يكن التلميذ مدلساً، والبخاري ليس بمدلس قطعاً وجزماً، وقوله قال هشام كقوله سمعت هشام. واجزم على التحريم أي جزم ... والحزم ألا نتبع ابن حزم ويقول الإمام العراقي: وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف ولو إلى آخره، أما الذي ... لشيخه عزا بقال فكذي عنعنه، كخبر المعازف ... لا تصغ لابن حزم المخالِف س: المرأة إذا تزوجها أكثر من واحد لمن تكون؟ ج: لعلمائنا ثلاثة أقوال وردت فيها والمعتمد منها آخرها: فقيل: تكون للزوج الأول.

وقيل: تكون للزوج الأخير. وقيل – وهو المعتمد – كما في المسند وغيره والحديث في درجة القبول – وأمنا أم سلمة رضي الله عنها تسأل عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [تكون لأحسنهم خلقاً، ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة] فتخير يوم القيامة بين من تزوجها لتختار من كان يُحسن عشرتها. إذن الشفاعة الأولى شفاعة أهل الجنة لقراباتهم، وقد ورد في كتاب الله ما يشير إلى هذا قال جل وعلا في سورة الطور (والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء) . (ما ألتناهم) أي ما أنقصناهم فنلحق النازل بدرجة العالي دون العكس. وثبت في مستدرك الحاكم (2/468) بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [إن الله يرفع ذرية المؤمن معه في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل، ثم قرأ (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.....) الآية] والأثر موقوف على ابن عباس وله حكم الرفع لأنه يتعلق بمغيب ولا يمكن للعقل أن يستنبط هذا. وقد ورد هذا في مسند البزار مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس أيضاً، انظر مجمع الزوائد (7/114) وزاد بعد قوله في العمل [لتقرّ بهم عينه] ، وهو صحيح أيضاً. وورد في معجم الطبراني الكبير والصغير تفسير ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: يا رب، عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به، ثم قرأ: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.....) الآية] ، وهذا الأثر ضعيف، لأنه من رواية محمد بن عبد الرحمن بن غزوان وهو ضعيف، لكن يشهد له الأثران المتقدمان. وهذا التفسير هو أحد تفسيرين في الآية المتقدمة، على أن المراد من الذرية هنا: الأهل الكبار، وقيل - وهو التفسير الثاني – المراد من الذرية الأولاد الصغار.

وقد ثبت في مسند الإمام أحمد بسند حسن عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال [إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، ثم تلا (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان.....) ] وهذه هي الآية الثانية التي تدل على أن أولاد المؤمنين في الجنة وتقدمت معنا الآية الأولى ص225 وهي (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) . ويقول الحافظ بن حجر عن الحديث الذي في مسند الإمام أحمد المتقدم وهذا خير ما فُسِّرت به الآية، والإمام الشافعي مال إلى أن أولاد المؤمنين في الجنة ورجحه في أحكام القرآن، وعدد من الأئمة واستدلوا بهذه الآية على أن أولاد المؤمنين الصغار في الجنة. ونحن نقول: الأمران، فالأولاد مع أبويهم إذا لم يبلغوا التكليف، والذرية تكون مع آبائهم إذا كانوا كباراً أيضاً إذا لم يؤهلهم عملهم لارتفاع درجتهم إلى درجة الأبوين، أو العكس، فقد يكون الأولاد في درجة أعلى من الآباء، فيرفع الله الآباء إلى درجة الأبناء، وهكذا الزوجين، ليكتمل السرور والأنس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [لتقرَّ بهم عينه] ، والعلم عند الله. 2- الشفاعة في قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم بدخول الجنة: من رجحت حسناته على سيئاته: يدخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته: يدخل الجنة حتى يطهّر ويعذب ما لم تكن السيئة شركاً فلا ينفعه شيء من حسناته حينئذ بل يخلد في النار (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، من استوت حسناته وسيئاته: المعتمد أنه يحبس على الأعراف، وهو سور بين الجنة والنار.

قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في بيان المراد بأهل الأعراف، وكلها قريبة ترجع إلى معنىً واحد، وهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم، فما عندهم ما يدخلهم الجنة وما عندهم ما يدخلهم النار ويرجح إحدى الدارين في حقهم، فيسجرون على الأعراف، ثبت معنى هذا عن ابن عباس وابن مسعود وعن غير واحد من السلف"، وهذا القول هو الراجح المعتمد من اثني عشر قولاً قيلت في بيان المراد بأهل الأعراف. فيحبسون على سور بين الجنة والنار – كما ذكرنا – وفي نهاية الأمر سيدخلون الجنة بفضل الله ورحمته ثم بتشفيع الله للصالحين من عباده فيهم فيشفعون لهم ويدخلون. وقد أشار الله جل وعلا إلى أنهم سيدخلون الجنة في كتابه إشارةً لطيفة ظريفة فقال جل وعلا: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) هذا هو الشاهد (لم يدخلوها وهم يطمعون) . قال أئمتنا: ما أطمعهم الله في دخولها إلا وهو يريد أن يدخلهم، ومعنى الآية أي جعل في قلبهم هذا الطمع وهذا الرجاء وسيحقق الله لهم ذلك، ثم قال تعالى (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) فهنا دعوا الله ألا يجعلهم مع هذا الصنف، أما إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب الجنة يتمنون ويطمعون أن يكونوا فيها مع أهلها. خلاصة الكلام: أهل الأعراف هم من استوت حسناتهم وسيئاتهم يشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من أنبياء الله ورسله والصالحين من عباده. 3- الشفاعة لقوم من العصاة قد استوجبوا دخول النار لرجحان سيئاتهم على حسناتهم ألا يدخلوها: فيشفع لهم النبي صلى الله عليه وسلم أو الصالحون من عباد الله بعد إذن الله لهم ورضاه عن المشفوع فيه، فيشفع الله الشافعين ويمنع هذا الإنسان من دخول نار الجحيم.

دليل هذا: ما رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه وابن ماجه في سننه أيضاً وأبو داود والدارمي – والحديث قال عنه الترمذي غريب، وغرائب الترمذي لا تسلم من مقال فهي ضعيفة عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لقارئ القرآن إذا أحل حلاله وحرم حرامه أن يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار] ، وورد عن علي أيضاً بلفظ آخر مرفوعاً [من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلهم قد استوجب النار] ، وهو ضعيف أيضاً. والحديث ورد له شاهد يقويه، رواه الطبراني في الأوسط انظر مجمع الزوائد (7/162) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما – وهو ضعيف أيضاً فيه جعفر بن الحارث وهو ضعيف لكن يتقوى الضعيفان ببعضهما ولا ينزل هذا الحديث عن درجة القبول إن شاء الله – عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [لقارئ القرآن إذا أحل حلاله وحرم حرامه أن يشفع في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار] . فإذ قرأ القرآن ثم أتى بشيء آخر حتى لا يكون من القراء الفسقة فأحل حلاله أي فعل الحلال معتقداً حله، وحرّم حرامه أي ترك الحرام معتقداً تحريمه، فهذا له جزاء عظيم عند الله يدخله الجنة ثم يشفعه في عشرة من أهل بيته وقرابته ممن استوجب دخول النار لرجحان سيئاته على حسناته فيشفع لعشرة منهم فيدخلون الجنة، والحديث كما قلت لا ينزل عن درجة القبول لأنه لا يوجد في رواتهما أحد كذاب أو متروك أو منكر الحديث، بل في رواتهما ضعف دون ذلك والضعف اليسير يزول بتعدد طرق الحديث، والعلم عند الله. المحاضرة الخامسة والعشرون 4- الشفاعة فيمن دخل النار بالخروج منها: من دخل النار استحق أن يمكث فيها فترة طويلة فيشفع له الشافعون فيخرجه الله منها قبل أن تتم مدة عذابه.

دليل هذا ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] والحديث صحيح بل هو مستفيض ودرجة الاستفاضة دون المتواتر وفوق المشهور. الحديث: 1) ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وأبي داود وصحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم. 2) وثبت أيضاً من رواية جابر بن عبد الله في سنن الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد ومستدرك الحاكم. 3) وثبت أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه في مسند أبي يعلى والسنن الكبرى للبهيقي لابن أبي عاصم ومسند البزار. 4) وروي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أيضاً. 5) وعن كعب بن عجرة. 6) وعن عوف بن مالك رضي الله عنهم أجمعين. وهذه الشفاعة شاملة لمن استوجب دخول النار ألا يدخلها، ولمن دخلها أن يخرج منها، فهي إذن شاملة للنوع الثالث والنوع الرابع. وستأتينا أحاديث تنص على إخراج أهل الكبائر من النار. إذن هذه أربع شفاعات عامة مشتركة. فائدة: خالف أهل البدع من المعتزلة والخوارج في مبحث الشفاعة وكان خلافهم في بعض أنواع الشفاعات المتقدمة، أما الشفاعات الخاصة فلا خلاف فيها، وأما الشفاعات العامة ففيها شفاعة واحدة لا خلاف فيها وهي الشفاعة الأولي بأن أهل الجنة يشفعون لذريتهم. فبقيت ثلاث شفاعات خالف فيها المعتزلة والخوارج وهي: 1- الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته. 2- ومن استوجب دخول النار. 3- ومن دخلها. فقال الخوارج والمعتزلة: من لقي الله بكبيرة، لم يتب عنها فيجب على الله أن يعذبه ولا يجوز أن يغفر له، وإذا عذبه فهو مخلد في نار جهنم لا يخرج منها. أما الخوارج فقالوا: إن فاعل الكبيرة كافر وبالتالي فهو مخلد في النار. وأما المعتزلة فقالوا: إن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين، أي ليس بمؤمن ولا كافر لكن مخلد في نار جهنم.

إذن الحكم الأخروي متفقون عليه وهو الخلود في نار جهنم، لكن الحكم الدنيوي اختلفوا فيه، فأولئك تجاسروا على إطلاق الكفر عليه وأما هؤلاء فتهيبوا من إطلاق الكفر عليه فقالوا في منزلة بين منزلتين وهذا القول الذي قرره الخوارج والمعتزلة باطلٌ لأربعة أمور: 1) تواترت الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بخروج عصاة الموحدين من نار جهنم بعد أن يعذبوا فيها فترة من الزمان. ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: [يدخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ ثم يقول الله: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان] . وثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه بُرَّة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذَرَّة من خير] . (بُرَّة) البرة هي حبة القمح والحنطة وهي تكون أخف وزناً من حبة الشعير، لأن قشرة الشعير غليظة وسميكة فلها وزن بخلاف قشرة الحنطة، يضاف إلى هذا أن حبة الشعير أطول من حبة الحنطة، وورد بدل لفظ (خير) في الألفاظ لفظ (إيمان) . وصحّف أبو بِسطام شعبة بن حجاج أمير المؤمنين في الحديث، صحّف اللفظ الثالث (ذرَّة) إلى (ذ ُرَة) أي حبة الذرة فقد اشتبه عليه الأمر رحمه الله لما وردت حبة الشعير وحبة القمح فظن أن الذرّة هي الذ ُرَة لأن رسم كتابتها واحد، والتشكيل هو الذي يختلف وإذا أخطأ المحدث خطأً يسيراً فلا يضره هذا ولا ينزله عن أعلى درجات الحفظ، ولا يعصم أحداً من خطأ، رحمه الله.

و (الذرَّة هي أقل شيء يوزن، هذا قول، وقيل: هي الهباء الذي يخرج ويتطاير عندما تسطع أشعة الشمس، وخصوصاً إذا سطعت الشمس داخل حجرة فإنه يُرى بشكل واضح) . وقال ابن عباس هي أن تضع يدك على التراب ثم تنفخها فالذي يتطاير من يدك من ترابٍ هو الذرات. وقيل: وهو القول الرابع – المراد من الذرّة النملة الصغيرة، وهي دون البرّة في الوزن. إذن من قال لا إله إلا الله وعمل من الكبائر ما عمل وعنده وزن شعيرة من خير، برة من خير ذَرَّة من خير فيخرج من النار إلى الجنة. وثبت في مسند الإمام أحمد ومسند أبي يعلى – انظر المجمع (10/384) عن أنس رضي الله عنه – والحديث فيه ضعف يسير وله شواهد كثيرة تجبره إن شاء الله وتقويه – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [إن عبداً لينادي في النار ألف سنة يا حنان يا منان] أي ألطف بي ومنّ عليّ بالخروج من هذه الدار الخبيثة [فيقول الله لجبريل عليه السلام: اذهب فأتني بعبدي هذا، فينطلق جبريل فيجد أهل النار منكبين يبكون، فيرجع إلى ربه فيخبره] أنه نظر في أهل النار فلم يميزه عن غيره ولم يعرفه [فيقول الله جل وعلا: ائتني به فإنه في مكان كذا وكذا، فيجيء به، فيوقفه على ربه عز وجل، فيقول: يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك] أي المكان الذي استقررت فيه وتنام فيه [فيقول: يا رب شر مكان وشر مقيل، فيقول: ردوا عبدي فيقول: يا رب ما كنت أرجو إذا أخرجتني أن تعيدني فيها، فيقول: دعوا عبدي] . الشاهد من هذا كله: أنه تواترت الأحاديث بخروج أناس من النار، وقد تواترت أحاديث كثيرة أن ذلك الخروج يكون أيضاً بشفاعة الشافعين، كما يكون برحمة رب العالمين، ومن تلك الأحاديث:

ما ثبت في صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة، يسمون الجهنميين] أي: نسبة إلى الدار التي كانوا فيها وهي جهنم، ويسمون الجهنميين في البداية عندما يدخلون فيقال هؤلاء الجهنميين ثم بعد ذلك يصب عليهم أهل الجنة من ماء الجنة فيذهب عنهم القَتَر والسواد ويصبحون كأهل الجنة في النعيم والبهجة والسرور. وثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يخرج قوم من النار بالشفاعة كأنهم الثغارير] وضبط بالعين المعملة: الثعارير [فقيل وما الثعارير؟ فقال: الضغابيس] وهي صغار القثاء، وهي التي تشبه الخيار لكن تكون معكوفة في الغالب وملتوية، وهي من أنواع الخضار ومن فصيلة الخيار، وتسمى قتة في بلاد الشام، وتسمى في الإمارات فقّوس. أي يخرجون من النار وفيهم هذا الذل، وهذا الامتهان وهذا الاحتراق بحيث أن أبدانهم صارت بهذا الحجم من ضمورها وهزالها، فذهبت صحتهم حتى صار الواحد منهم كأنه صغار القثاء، ثم يخرجون من النار بالشفاعة كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم. يقول مفتي عمان في كتاب الحق الدامغ صـ 191: "وعقيدتنا معشر الأباضية أن كل من دخل النار من عصاة الموحدين والمشركين مخلدون فيها إلى غير أمد" قلت: هل يستقيم هذا في رحمة أرحم الراحمين أن يجعل المؤمن الموحد الذي له حسنات أكثر من الجبال عدداً ووزناً كأبي جهل، كيف سيسوي الله من وحده بمن جحده وألحده؟!!. ثم يقول: "كما أن من دخل الجنة من عباد الله الأبرار لا يخرجون منها"!! ما هذا المقياس مع الفارق الكبير فأولئك دخلوا الجنة ولا يخرجون منها، وأما هؤلاء فعلى حسب أعمالهم فيدخلوا النار من أجل أن يطهروا وينقوا من الذنوب.

ثم يقول: "إذ الداران دار خلود"!!! نحن لا نقول إن النار تفنى، بل هي دار خلود لكن في حق من يخلد فيها، لكن هذا هو التلاعب بالحقائق!!. يقول: "ووافقنا على ذلك المعتزلة والخوارج على اختلاف طوائفهم"، أي وافقهم في أن من دخل النار لا يخرج منها، سبحان الله!! هلا كان من وافقك هم أهل السنة والجماعة!!! ثم يقول: "وإنما خالفنا الخوارج من حيث إنهم يحكمون على كل معصية تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرج من الملة، فخالفوا بذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة"!!! وأنت ماذا خالفت يا مفتي!!. نحن الآن في موضوع خروج عصاة الموحدين من النار في هذا المبحث المختصر ذكرنا (5) أحاديث فقط وقلنا الأحاديث متواترة، فكيف تخالف هذا؟!!! وإذا كان الخوارج قد حكموا على فاعل الكبيرة بالكفر والله إنهم لأعقل منك عندما حكمت عليه بالإيمان وقلت إنه مخلد في النيران، ولذلك هم يقولون: إن تخليد العصاة في النار هذا دليل على أنهم كافرون، فإذن هم يقولون بكفرهم وخلودهم، فكلامهم مستقيم مع بعضه وإن كان ضلالاً وباطلاً، وأما كلامك يا مفتي ففيه سفاهة من وجهين: أولا: إن كلامك باطل من ناحية الشرع. ثانيا: أنه يناقض بعضه بعضاً فإنك تقول هو مؤمن وهو مخلد في النار، كيف هذا؟!! ولا يخلد في النار إلا الكفار. ثم إنك خالفت الخوارج في هذه الجزئية لكنك وافقت المعتزلة، حيث يقولون: لا نكفره لكن نحكم عليه بالخلود في النار، إخوتي الكرام ... هذا قول باطل فاحذروه. إذن تواترت الأحاديث بخروج أقوام من النار بالشفاعة بعد دخولها. 2) تواترت الأحاديث أيضاً بأن من لقي الله على التوحيد وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه صلوات الله وسلامه في هذه الحياة ثم مات مآله إلى الجنة، إذا لم يأت بما ينقص إيمانه من مُكَفِّر أو ردة.

أما المعاصي فلا تعتبر كفراً ولا ردة، لأنها لو كانت كذلك لما رتب الشارع عليها حدوداً مقدرة، فالزاني مثلاً يجلد ولو كان الزنا كفراً لقال الشارع: اقتلوه. وقد أجمع الصحابة على أن مخالف المأمور أو مرتكب المحظور ليس بكافر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المفارق لدينه التارك للجماعة] والحديث في الصحيحين، إذن فكيف نستحل دم إنسان مسلم إذا لم يفعل أحد هذه الأمور الثلاثة؟!! فإذا شرب الخمر لا يستحل دمه، ولو استحل دم من زنى وهو ثيب أومن قتل نفساً أخرى فلا يموت على الكفر، إنما إذا استُحل دم من ارتد فهذا الذي يموت كافراً مخلداً في نار جهنم.

من تلك الأحاديث ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال أبو ذر: وإن زنى، وإن سرق؟، فقال وإن زنى وإن سرق، فأعاد أبو ذر وإن زنى وإن سرق؟ فأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الجواب وإن زنى وإن سرق فأعاد أبو ذر السؤال ثالثة] يستبعد هذا ويستغرب منه غاية الغرابة، يدخل الجنة وهو مقصر في حق الله معتدٍ على حقوق العباد، وذكر السرقة والزنا للإشارة إلى حق الله وحق عباده ويدخل في هذا سائر الحقوق، فتعديه على حق الله عندما يزني، وتعديه على حق العباد عندما يسرق منهم [فقال النبي صلى الله عليه وسلم في الثالثة: وإن زنى وإن سرق، فأعاد أبو ذر السؤال رابعة، فقال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنفك يا أبا ذر] فلا داعي لإعادة السؤال مرة خامسة، لأن التكرار ثلاث مرات، وفي الرابعة تستحق هذا الجواب حسماً للسؤال، [فكان أبو ذر رضي الله عنه إذا حدث بالحديث يقول من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق على رغم أنفي] يعني أنا ضاقت نفسي من هذا ولم أسترح إليه لكن على رغم أنفي سيدخل الجنة وهذا هو حكم الله وهذا هو تبليغ رسوله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام النووي عليه رحمة الله في شرحه هذا الحديث في صحيح مسلم (1/217) : "أفاد حديث أبي ذر فائدتين: الفائدة الأولي: أن عصاة الموحدين لا يقطع لهم بنار الجحيم. الفائدة الثانية: لو عذبهم الله فمآلهم إلى الجنة". وإنما لا يقطع لهم بنار الجحيم لأنه ورد في الحديث [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ... وتقدم، وهذا الدخول قد يكون سابقاً وقد يكون لاحقاً، فإذا غفر الله له دخل مع السابقين، وإذا عذبه لحقهم بعد حين، فلابد من الدخول ولن يخلد في نار جهنم.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/111) : "يدل الحديث على أن من فعل الكبيرة لا يخلد في النار" وهذه فائدة كالتي ذكرها الإمام النووي لكنه ذكر فائدة ثالثة: "ويدل على أن فاعل الكبيرة لا يُسلب عنه اسم الإيمان" أي فاعل الكبيرة مؤمن ولا يخرج عن الإيمان بفعلها المجرد فهو مؤمن بإيمانه فاسق بعصيانه. 3- أنتم تقولون من لقي الله بكبيرة فهو مخلد في نار جهنم ولن تنفعه أعماله الصالحة أي بطل ثوابها وحبطت، وهذا منكر عظيم لا يستقيم في عدل ورحمة أرحم الراحمين. فكيف تضيع الحسنات أمثال الجبال بسيئة من السيئات، والله جل وعلا لم يجعل شيئا من الأعمال المنكرة محبطاً للأعمال الصالحة إلا شيئاً واحداً هو الشرك، وبشرط الموت عليه، فمن كان مؤمناً وعمل الصالحات ثم ارتد حبط عمله، فإذا آمن رجع إليه ثواب عمله الصالح، ولذلك لو حج ثم ارتد ثم آمن لم يجب عليه أن يعيد الحج مرة أخرى. فلا يحبط العمل إلا بالكفر والموت عليه، الله قرر هذا في كتابه فقال جل وعلا في سورة البقرة آية (217) : (ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) . فإذن من لقي الله بمعصية من المعاصي لا نقول إنه صديق، وكذلك لا نقول إنه كافر عنيد بل نقول مؤمن عاص ٍ، إن غفر الله له فرحمته واسعة، وإن عذبه فبِعَدْلِه، ولن يخلده في نار جهنم إذ كيف سيسوي الله هذا مع الكافر الذي لم يسجد لله سجدة واحدة؟! إن التسوية بين المؤمنين والكافرين هذا مما لا يستقيم في عدل ورحمة أرحم الراحمين يقول الله تعالى: (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) ، فإن قيل: فاعل الكبيرة ليس بمتقٍ؟، فنقول: التقوى قسمان: تقوى الشرك وتقوى المعاصي، فالمؤمن الذي ارتكب المعاصي هو متقٍ للشرك لكنه لم يتق المعاصي فتقواه ناقصة وليست معدومة بينما الكافر والمشرك ليس عنده نوع من أنواع التقوى.

4- قولهم يجب على الله أن يعاقب العصاة ولا يجوز أن يغفر لهم في وقت من الأوقات لا عند الحساب ولا بعد دخولهم النار، أي لا يجوز أن يغفر لهم ولا أن يخرجهم من النار، هو قول باطل يصادم النصوص القطعية: 1- قال الله عز وجل في كتابه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، (ما دون ذلك) أي ما دون الشرك من جميع الكبائر والموبقات (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فإذا عذب الله فاعل الكبيرة فهذا بِعَدْلِه سبحانه وتعالى، وإن غفر له فهذا بفضله، وأفعال الله سبحانه وتعالى بين عدل وفضل ولا ثالث لفعله فالظلم والجور منتفٍ عنه، بل هذا من أفعال العباد، والفعل المطلق للإنسان لا يخرج عن واحد من ثلاث إما أن يكون عدلاً أو فضلاً أو جوراً. إذن لو عفا عنه فهذا فضله ورحمته سبقت غضبه، ولذلك ثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن علي رضي الله عنه أنه قال: [ما في القرآن آية أحبَّ إليَّ من هذه الآية] ، وهي عنده أرجى آية في القرآن أيضاً، وثبت هذا عن حفيده علي بن الحسين زين العابدين حيث قال: [هذه أرجى آية في القرآن] ، ووجه كونها أرجى آية في القرآن إخوتي الكرام ... كما قلت العذاب عدل والمغفرة فضل وإذا دارت أفعال الله بين العدل والفضل فالمرجح في حقه الفضل؛ لأن رحمته سبقت غضبه، يضاف إلى هذا أن كل عاصٍ لم يقع في الشرك يطمع في أن يكون ممن شاء الله له المغفرة، وما أطمعنا الله إلا ليعطينا كما قال في حق أهل الأعراف (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، وقد قال الله في الحديث القدسي [أنا عند ظن عبدي بي فليظن ما شاء] وظننا بربنا أن يغفر لنا وأن يتجاوز عنا ذنوبنا وأن يعاملنا بفضله وإحسانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

2- وقد ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن الترمذي وابن ماجه عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة (10-40) من أصحابه: [بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفّى منكم فأجره على الله] . هذه هي الحالة الأولي، والحالة الثانية [ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له] لأن الحدود زواجر وجوابر، فهي تزجر الفاعل بالناس، وتطهّر الفاعل والأمة من سخط الله، فالحدود مطهّرة ولو لم يتب المحدود، فإذا سرق وقطعت يده غُفِرَ ذنبه تاب منه أم لم يتب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز: [إنه الآن في أنهار الجنة ينغمس فيها] بعد أن أقام عليه الحد، والحديث في صحيح مسلم، أما الحالة الثالثة فبينها بقوله [ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك] إذن أنتم بين ثلاثة أحوال، وهو حديث صحيح صريح في بابه. 3- وثبت في مسند أبي يعلى والبزار وكتاب السنندة لابن أبي عاصم، والخرائطي في (مكارم الأخلاق) والبهيقي في (البعث والنشور) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من وعده الله على عمل ثواباً فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقاباً فهو بالخيار إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه] فالثواب ينجزه والعقاب قد ينجزه، وقد لا ينجزه (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . ومما يبين أن قول المعتزلة والخوارج بأنه يجب على الله أن يعاقب العصاة – باطل هذه المناظرة المحكمة السديدة، التي جرت بين إمامين أحدهما مهتدي ٍ والآخر ضال غوى:

1- أما المهتدي فهو شيخ أهل السنة وأحد القراء السبع أبو عمرو بن العلاء، وهذا قارئ البصرة، والبصريان إذا أطلقا فيراد بهما أبا عمرو هذا ويعقوب، فالبصريان هذان الاثنان والكوفيون أربعة والمدنيان اثنان والمكي واحد، والشامي واحد فالمجموع عشرة فهؤلاء هم القراء العشرة الذين قراءتهم متواترة. 2- وأما الضال فهو عمرو بن عبيد، أبو عثمان، ولا يتعمد أحد إذا قلنا كذا عن عمرو بن عبيد كما اعترض بعضهم على ذمنا للحجاج، ولا يقول كيف نقول على عمرو بن عبيد هذا وهو من أئمة الإسلام وله شأن، وهو خليل وصفي الخليفة العباس أبي جعفر المنصور وكان من الزهاد العباد وكان أبو جعفر يقول: "كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد" أي كل واحد منكم يريد الدنيا إلا عمرو بن عبيد، وكان إذا دخل على أبي جعفر المنصور لا يستطيع أبو جعفر أن يبقى في مجلس الخلافة، بل يأمر بأن تجهز له غرفة ليس فيها إلا فراش على الأرض ليجلس عليه إجلالاً لعمرو بن عبيد، وليستمع إلى نصح عمرو بن عبيد له.

وهو مع زهده وتنسُّكه ضال، كما قال بن كثير: والزهد لا يدل على صلاح في الإنسان، فعباد الهنود والمتقشفون فيهم عندهم من الزهد والانزواء عن الدنيا والامتناع عن الطعام والشراب ما لا يوجد في كثير من زهاد المسلمين، لكنهم لجهنم حطباً، بل لا بد من أن يكون الزاهد على المسلك الشرعي وإلا فزهده لوحده لا يكفيه، وأبو العلاء المعري كان زاهداً لدرجة أنه لم يتزوج، بل اعتبر الزواج جريمة، وبلغ من إعراضه عن الدنيا أنه يقول إن أعظم المجرمين في حق الأبناء هم الآباء، وأوصى أن يكتب على قبره هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد، لعنة الله على هذا الزهد، ولذلك اتفق أئمة الإسلام على "أن الزهد إنما يكون فيما يلهيك عن الله ويضرك عنده" فهل النكاح فيه ذلك؟!!! بل فيه حسنات لا تستطيع أن تحصلها من كثير من الطاعات، وهل يجب إلى خير البريات عليه صلوات الله وسلامه شيء مؤذٍ وضار، وهو سيد الطيبين وهو الذي يقول: [حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة] . ولذلك إخوتي الكرام.... لا يقبل الله من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً، ولا يوجد عندنا أن كل واحد يعبد ربه برأيه، ويخترع شريعة ما أنزل الله بها من سلطان ثم نقول زاهد عابد، إن زهده لن يوصله إلا إلى نار جهنم ورضي الله عن عمر عندما كان يرى عباد النصارى في الصوامع فيتلو قول الله تعالى (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة) .

فعمرو بن عبيد من أولئك الزهاد الذين لم ينفهم زهدهم بل هو ضال باتفاق أئمتنا، ووالله لا نعرف عمرو بن عبيد ولا نعرف أبا عمرو بن العلاء لكن عن طريق ما نقله عنهم أئمتنا وأخبرونا به عنهم، فذاك طالح فأبغضناه وذاك صالح فأحببناه وليس بيننا وبينه قرابة ولا بيننا وبين الآخر عداوة، وعندما نحب عمر بن عبد العزيز وهو من بني أمية – لأننا أمويون!!، ونكره الحجاج الضال الخبيث لأننا عباسيون!! أهذا هو السبب في حبنا لواحد وبغضنا للآخر أم نحن نحكم حبنا وبغضنا على حسب شرع ربنا جل وعلا؟!! انتبه لهذه المناظرة المحكمة: اجتمعنا في مجلس فأراد عمرو بن عبيد أن يرد على مذهب أهل السنة: فقال: يا أبا عمرو إن الله وعد (¬1) وعداً وأوعد إيعاداً فهو منجز إيعاده كما هو منجز وعده (¬2) . ¬

_ (¬1) الوعد في المسرة، والإيعاد في المضرة، تقول: وعدته جائزة وأوعدته عقوبة. (¬2) أي كما أنه ينجز الوعد فهو سينجز الإيعاد، هذا كقول مفتي عُمان "لأن الله لا يخلف الميعاد" والميعاد شامل للوعد والوعيد، فالله عندما يخبرنا بأن من شرب الخمر في هذه الدنيا كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال وهي عصارة أهل النار والقيح والصديد الذي يسيل من أجسادهم، يقول: لو أخلف الله هذا وعفا عن شارب الخمر في الآخرة لكان كذاباً فلابد من أن يعاقبه وأن يسقيه من ردغة الخبال وألا يخرجه من نار جهنم.

فقال: أبو عمرو: إنك أعجمي (¬1) ، إنّ خُلْفَ الوعيد كرم، وإن خُلْفَ الوعد لؤم (¬2) . ثم قال له: ألم تسمع إلى قول الشاعر: ¬

_ (¬1) ولا أقول إنك أعجم اللسان بل أنت فصيح منطيق، لكنك أعجم القلب، وعجمة القلب هي عدم الفهم عن الرب، أي أن لا يكون القلب زكياً ولا طاهراً ولا نقياً، وليس في عجمة اللسان منقصة، لكن عجمة القلب هي التي فيها منقصة وهي المذمومة سواء كانت في العرب أو في العجم، وكما أن من كان أعجم اللسان لا يفهم لغة العرب فمن كان أعجم القلب لا يفهم عن الرب. (¬2) فإذا لم يوقع الله العقوبة بالعاصي هذا كرم منه، وأنا إذا قلت لشخص - مثلاً – إن خالفت أمري لأضربنك مائة سوط ثم خالف أمري، وقضيت عليه، فقال لي: اعف عني، فقلت له: عفوت عنك، فهل يقول لي أحد الآن كذبت، بل ماذا يقولون؟ عفوت وتكرمت، العفو عند المقدرة من شيم الكرام، ولذلك وصف الله عباده بأنهم (والدين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) ووصفهم بأنهم (والعافين عن الناس) فكيف هذا؟! الجواب: كان سلفنا يكرهون أن يُستذلوا فإذا قدروا عفوا، فهو عندما يصيبه البغي لا يعفو بل يمسك بالمجرم ويكاد أن يقتله، فيقول له ذاك عندها: اعف عني، فيقول: عفوت عنك، فإذن هم يعفون بعد تمكنهم من الانتصار لأنفسهم، أما من يعفون في حال الضعف فهذا يعتبر هنا خوراً وذلاً وجبناً، ولذلك قال (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) فأثنى الله عليهم بأخذهم لحقهم ثم إذا تمكنوا من الباغي عليهم عفوا عنه، ولذلك ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل مكة بعد أن تمكن منهم وكانوا قد آذوه إحدى وعشرين سنة ثلاثة عشر سنة في مكة وثماني سنين في المدينة يعارضونه فبعد أن تمكن منهم قال لهم ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم ... إذن هنا قدر عليهم – فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فهذا يعتبر كرماً وشهامة ومروءة في حق المخلوق فكيف في حق الخالق.

وإني وإن وعدته أو أوعدته ... لمخلف إيعاد ومنجز موعدي (¬1) وقول الآخر: إذا وعد السراء أنجز وعده ... وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه ولذلك كان أبو عثمان عمرو بن عبيد أعجمي القلب، لأنه لا يفقه عن الله شيئاً فالله إذا هدد العصاة فله ذلك، وكذلك إذا عاقبهم له ذلك، وإذا عفا عنهم له ذلك ولا يقال أخلف إيعاده، بل يقال: ما أكرمه، ما أحلمه، ألم يقل الله (ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة) فهو حذرنا من مخالفته وعصيانه ولكنه لم يؤاخذنا بكل ما نعمله إذن فهو يؤخرنا ويمهلنا إذن فهو رؤوف رحيم غفور حليم، ووالله لو عاملنا الله بأعمالنا لاستأصلنا من أولنا لآخرنا، وإذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول – والحديث في صحيح ابن حبان وحلية الأولياء بسند صحيح: [لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان – وأشار إلى الإبهام والسبابة – لعذبنا ثم لم يظلمنا] هذا يقوله خير خلق الله صلى الله عليه وسلم وهذه الجوارح تستحق شكر أم لا؟!! وأنت لن تستطيع أن تفي بشكر جارحة واحدة فضلاً عن جارحتين، فلو حاسبك الله على الإبهام والسبابة لألقاك في نار جهنم كالعابد الذي في بني إسرائيل عبد الله خمسمائة سنة وما عصاه طرفة عين، وسأل الله أن يقبضه في سجوده وألا تأكل الأرض جسده وأن يبقى ساجداً إلى يوم الدين فأعطاه الله ذلك فإذا كان يوم القيامة يقول الله له: ادخل الجنة برحمتي، فيقول: بل بعملي يا رب، فيقول الله: حاسبوه، فتوضع نعمة البصر في كفة وعبادة خمسمائة سنة في كفة أخرى فلا تكفي عبادته لنعمة البصر، فيقول الله: خذوه إلى النار، فيقول: يا رب أدخلني الجنة برحمتك. وهذه القصة رواها الحاكم في المستدرك. ¬

_ (¬1) أي إن أنا وعدته مثلاً جائزة، أو أوعدته مثلاً عقوبة، فأخلف إيعادي من باب كرمي ونبلي وشهامتي وأنجز موعدي وهو السراء والجائزة، فانظر للشاعر العربي يتمدح بهذا.

فإذن فالله سبحانه وتعالى عندما يعفو عنا ويرحمنا ويتجاوز عن خطايانا فهذه منقصة فيه أم كرم؟ بل كرم، [يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً] (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) إذن هذا مما يتمدح به رب العالمين. فانظر إلى المعتزلة كيف قلبوا الأمر وقالوا لو عفا الله عنهم لكان كذاباً وهذه منقصة في حقه يتنزه عنها، فجعلوا الفضيلة رذيلة، وهذا خلاف ما فطر الله عليه أهل الأرض قاطبة أنهم يعتبرون العفو مكرمة. وهذه المناظرة المحكمة انظروها في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (12/175) ، وفي تهذيب التهذيب للحافظ بن حجر (8/71) ، وفي مدارج السالكين للإمام ابن القيم (1/396) وهذا الكتاب نافع جداً احرصوا على شرائه، وإذا لم يتيسر لكم فلا أقل من شراء تهذيبه ومختصره، ومن قصد البحر استقل السواقي، أي الذي يقتني المدارج ليس كالذي يقتني المختصر، ودائماً لتكن هممكم عالية ولا تقنعوا بالمختصرات، واطلبوا الأمور من مصادرها وعلو الهمة من الإيمان. وتوجد هذه القصة أيضاً في مجموع الفتاوى وكررها في مواضع مختلفة، وموجودة في غير هذه المراجع أيضاً. مسألة مهمة: ذكرها ابن أبي العز في شرحه وهي: ما حكم سؤال المخلوقِ الخالقَ أو المخلوقَ بمخلوق؟ أي: مسألة التوسل: فما حكم أن تتوسل إلى الخالق بمخلوق، وأن تتوسل إلى المخلوق بمخلوق؟ مثال الصورة الأولى: (توسل إلى خالق بمخلوق) : أن تقول لله: أتوسل إليك يا رب بنبيك صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر أن تقضي حاجتي. مثال الصورة الثانية: (توسل إلى مخلوق بمخلوق) أن تقول لشخص: أتوسل إليك يا فلان بأبيك وأمك وزوجك أن تقضي حاجتي. فما حكم هذا؟

قال الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية في (القاعدة الجلية في التوسل والوسيلة) : "قول القائل أسألك بكذا، يحتمل أمرين، لأن الباء أما أن تكون للقسم وإما أن تكون للسبب". الحالة الأولي: فإذا كانت الباء للقسم فلا يجوز أن يصدر هذا من مخلوق سواء كان الإقسام به على خالق أو مخلوق. فلا يجوز أن تقول: أقسم عليك يا رب بنبيك أن تقضي حاجتي ولا أن تقول: أقسم عليك يا فلان بالنبي أن تقضي حاجتي. ومثلها قول القائل يا رب بنبيك اقضي حاجتي. ويا فلان بالنبي اقضي حاجتي، فلا يجوز أيضاً، لأن الباء هنا (بنبيك، بالنبي) للقسم كما أن الواو حرف للقسم، وحروف القسم التي يقسم بها الواو والتاء والباء، والله، تالله، بالله، وهكذا بمخلوق: ورأس أبيك، ترأس أبيك، برأس أبيك. فهذا لا يجوز لما ثبت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة باستثناء سنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت] ، وللحديث سبب في وروده: وهو أن عمر بن الخطاب كان يحلف بأبيه، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال، [إن الله ينهاكم ... ] الحديث، وكذلك الصحابة كانوا يحلفون بآبائهم ثم نهوا عن ذلك. وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر] . وهذا الأمر المذكور في هذه الحالة مجمع عليه بين علماء الإسلام، وما وقع فيه خلاف إلا في صورة من صورة، فانتبهوا لها وهي: خصوص القسم بالنبي عليه الصلاة والسلام فهل يجوز أن تقول أقسم عليك بالنبي أن تذهب إلي بيتي، وإذا قلت ذلك فهل انعقدت اليمين وعليك الكفارة أم لا؟

الجمهور – وهو الحق – أن القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز وهو كالقسم بغيره، وعند الإمام أحمد يجوز القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم كما هو مذكور في كتاب المغني (11/209) لابن قدامة يقول فيه: وقال أصحابنا: إن القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم يمين منعقدة وإذا حَنِث فعليه الكفارة، ونقل هذا عن أبي عبد الله – أي الإمام أحمد – وهذا القول الذي قاله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالي علله بتعليل شرعي – مع وجاهته نرده ولا نأخذ به – وهو: أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو أحد شطري الشهادة فالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فكما يجوز القسم بالشطر الأول، يجوز بالشطر الثاني. وهذا التعليل مع وجاهته نقول إنه يعارض النصوص، ولا اجتهاد عند ورود النص ولا قياس مع ثبوت النص، فنقول له نِعم ما قلت وأحسنت فيما قلت، لكنه اجتهاد يخالف النص فغفر الله لك وأثابك لكننا لا نقتدي بك في هذه المسألة، ولا نقول: إن القسم بغير الله شرك والإمام أحمد يجيز الشرك بل نقول إن كل إنسان يخطئ ويصيب لكن المهم أن يكون بحثه ضمن الأدلة الشرعية ولا يتبع الهوى. إذن فانتبه حال الإمام أحمد ليس كالحجاج فهذا عندما يقطع رقاب المسلمين هل هذا ضمن أدلة شرعية أم ضمن هوىً؟!! بل ضمن هوىً. * أتدرون ماذا فعل الحجاج؟

ضرب مكة بالمنجنيق حتى طارت القذائف إلى الكعبة فاحترقت وهدم قسم منها، وأُحصي عدد الأرواح التي قتلها الحجاج فبلغت – كما في شذرات الذهب لابن العماد (120.000) نفساً، وكلهم من الموحدين الذين يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلي رأسهم ابن عمر رضي الله عنهما، وعلى رأس المقتولين أيضاً الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قتله وصلبه ومثل به بعد ذلك في حرم الله في مكة وقد مر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قبل أن يُقتل بجوار عبد الله بن الزبير وهو مصلوب فقال مخاطباً إياه: رحمة الله عليك يا أبا خُبيب – وهذه كنية عبد الله بن الزبير – والله لقد كنت صواما ً قواما ً وإن أمة أنت شرها إنها على خير، فأرسل إليه الحجاج أحد شرطته فضربه بحربة مسمومة – وهو في صحن الطواف – لأنه قال هذه الكلمة لعبد الله بن الزبير، ثم مات بعد ذلك بسبب هذه الضربة، والحديث ثابت في الصحيح. وكان يقول لأنس بن مالك رضي الله عنه أيها الشيخ الخرف، فذهب أنس إلي الشام من البصرة، إلى عبد الملك بن مروان يشكو الحجاج فقال: والله لو أن النصارى رأوا من خدم عيسي لأكرموه فكيف بمن خدم من هو أفضل من عيسى عليه السلام، خدم النبي صلى الله عليه وسلم ويهينني الحجاج، فأرسل عبد الملك بن مروان بعد ذلك إلي الحجاج: أنْ لا إمرة لك على أنسً ووالله لو رأى إنسان أنس بن مالك وعنده إيمان لقبل رجليه وليس رأسه ووالله لو كان يجوز شرب بوله لشربت بوله وتقربت بذلك إلى الله فهذا يخدم النبي صلى الله عليه وسلم. فهل الحجاج يكون مجتهداً ضمن أدلة شرعية عندما قتل هؤلاء وأهانهم؟ وقد ورد في الحديث [ولا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما ً حراما ً] ولو اجتمع أهل الأرض على قتل نفس مؤمن لأكبهم الله على وجوههم في نار جهنم.

ويقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/343) " الحجاج: أهلكه الله في رمضان سنة 95 هـ كهلا ً وكان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سفاكاً للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدامٍ ومكرٍ ودهاءٍ وفصاحةٍ وبلاغةٍ وتعظيم للقرآن، وقد سقت في سوء سيرته في تاريخي الكبير وحصاره لابن الزبير في الكعبة ورميه إياها بالمنجنيق وإذلاله لأهل الحرمين ثم ولايته للعراق والمشرق كله عشرين سنة وحروب بن الأشعث له وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله، فنسبّه ولا نحبّه بل نبغضه في الله فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان وله حسناتٌ مغمورة في بحر ذنوبه وأمره إلى الله جل وعلا ". ولما بلغ الحسن موت الحجاج سجد شكراً لله، وكان الحسن البصري يقول: "اللهم كما أمته أمت سنته" وسنته بدعة وظلمة وهو أول من أخر الصلوات عن وقتها، ولما بلغ إبراهيم النخعي موت الحجاج بكى من شدة الفرح، ولما بلغ ابن عمر مقتل ابن الزبير رضي الله عنهم قال: عدو الله استحل حرم الله، وضرب بيت الله وقتل أولياء الله، انظر تذكرة الحفاظ للذهبي (1/37) . إخوتي الكرام.... ولما نذكر هذا عن الحجاج لا يُقال هذا فيه انتهاك لحرمة الميت، إنما انتهاك حرمة الميت يحصل إن كان الميت قد عصى ربه ثم تاب أو عصاه بمعصية بينه وبين ربه، أو عصاه وجاهر بمعصيته، أما إن كانت المعصية تتعلق بحقوق العباد فهذا ظلم فيجب أن يُبين للناس ليعلموه وليجتنبوا وليبتعدوا عن مثل هذا الظلم ولا يقعوا فيه.

إخوتي الكرام.... لا يقال لنا بعد ذلك كله أنتم عندكم ميزانان تأتون للحجاج وتتكلمون عليه وتأتون للإمام أحمد وتترضون عنه، نقول: قف عند حدك، من يبحث في النصوص الشرعية فهو على هدىً أصاب أم أخطأ إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فهذا إمام بذل ما في وسعه للوصول إلى مراد ربه ضمن أدلة شرعية، ولو قال هذا القول عن طريق الهوى لقلنا إنه ضال، فلابد من أن نزن الأمور بالميزان الشرعي، ونسأل الله أن يجعل هوانا تبعاً لشرع مولانا إنه أرحكم الراحمين وأكرم الأكرمين. الحالة الثانية: وإذا كانت الباء للسبب – لا للقسم – فهذه لها صورتان: الصورة الأولي: أن تسأل مخلوقاً بسبب مخلوق فهذا جائز بالاتفاق مثالها: أن تقول لشخص أسألك بحق أبيك، أو أسألك بكرامة جدك، أو أسألك بمنزلة زوجتك ونحو هذه من الأسباب فتتوسل بمخلوق إلى مخلوق بالسبب والمنزلة التي له عندك والمكانة والمقام الذي له عندك. وقد ثبت أن ابن جعفر بن أبي طالب كان إذا أتى عمه علياً – رضي الله عنه – وسأله بحق أخيه جعفر – والذي هو أبو السائل – قضى عليٌّ حاجته؛ لأن له منزلة عنده، وهذا من باب إكرام الأخ لأخيه؛ فإذن هذا السؤال بالمنزلة والسبب والحق وما شاكل هذا، وهذا الباب من التوسل لا حرج فيه وجائز بالاتفاق – كما ذكرنا – وعلى هذه تنزل قراءة حمزة، وأحد التوجيهين في قراءة الجمهور من قول الله جل وعلا (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) . فـ (الأرحام) قرئت بالنصب، وهي قراءة الجمهور (التسعة) وقرئت بالخفض – الكسر – وهي قراءة حمزة فقط، فـ (الأرحام) على قراءة الجمهور، منصوبةً عطفاً على لفظ الجلالة (واتقوا الله) أي: فلا تعصوه، واتقوا (الأرحام) فلا تقطعوها لأنها مما أمر الله به أن يوصل، وحينئذ فلا شاهد فيها على هذه الصورة، وهذا أحد توجيهي الجمهور لنصبها.

و (الأرحام) عن حمزة، بالكسر، هي التي فيها الشاهد بأننا نسأل ونتوسل بحقها ومنزلتها، وهي على أنها معطوفة في هذه الحالة على لفظ الضمير المجرور (به) لا على محله. والتوجيه الآخر للجمهور لقراءة النصب قالوا: أن (الأرحام) معطوف على محل الضمير المكني (به) لا على لفظه، فمحله هو النصب، ولفظه هو الجر، هذا كما تقول: مررت بعمرَ وزيداً، فعمر محله النصب وإن جر بحرف الجر فلذلك تعطف زيداً على المحل لا على اللفظ، وعلى هذا فالقراءتان بمعنىً واحد تكون في هذا التوجيه شاهد لهذه الصورة، والمعنى: يسأل بعضكم بعضاً بالله ويسأل بعضكم بعضاً بالرحم، فتقول: أسألك بحق الرحم عليك أن تقضي حاجتي، وأنشده بالرحم التي بيني وبينك أن تقضي حاجتي، كما كان ولد جعفر يسأل عمه علياً بالرحم التي بينه وبين أخيه جعفر ... وقراءة حمزة جرى حولها كلام كثير، ولما شرحتها للطلاب في العام الماضي في المستوى الثاني / الفصل الثاني، أخذت معنا ما يزيد على خمس محاضرات) س: لو قال شخص: أسألك بحياة أبيك، فما الحكم؟ جـ: قوله أسألك بحياة أبيك كقوله أسألك بمنزلة / برأس / برجل / بعين / بوجه / بشرف أبيك/، كلها سواء، لأن هذا القول توسل إلى مخلوق بمخلوق، وهو جائز – كما قلنا – ليس من باب القسم، وليس من باب التوسل إلى الله، إذ سيأتينا أنه لا يجوز التوسل إلى الله بذات مخلوق أو حياته أو شرفه، وما شاكل كل هذا. س: هل يجوز أن يسأل شخصٌ بحق ميت؟ جـ: لا حرج في ذلك. وفي قصة سؤال جعفر علياً رضي الله عنه دليل على ذلك لأن جعفر استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، لكن لأجل مكانته ومنزلته عند أخيه علي رضي الله عنه، كان أولاده بعد موته إذا جاءوا إلى عمهم توسلوا إليه بأبيهم. الصورة الثانية: أن تسأل الخالق بسبب مخلوق:

قال الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية: "ينبغي أن نعلم أن ذوات المخلوقين ليست سبباً لقضاء الحوائج، فلابد من سبب إما من المتوسِل، وإما من المتوسَّل به" إذن عندنا فرعان لهذه الصورة: الفرع الأول: أن يصدر سبب من المتوسِّل نحو من توسل به يرضاه الله فيصبح توسله بذلك السبب، والتوسل في هذا الفرع شرعي. مثاله: أن يتوسل المخلوق بمحبته للنبي عليه الصلاة والسلام وباتباعه له في قضاء حاجته، أو قد يقول المتوسل: اللهم إني أسألك بحبي لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي أن تفرج كربي وأن تقضي حاجتي وأن تغفر ذنبي وأن تدخلني الجنة مثلاً. فهو هنا لم يتوسل بذات المخلوق، بل توسل بفعل منه – أي من المتوسِّل – وهو طاعةٌ فهو كما لو توسل بطاعاته الأخرى، وهو جائز فقال اللهم إني أسألك بإيماني بك أن تغفر ذنبي وهو من أفضل أنواع التوسل. مثاله من السنة: ما ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟، فقال له ويحك [وفي رواية: ويلك] وما أعددت لها قال: لا شيء (¬1) [وفي رواية: ما أعددتُ لها كبير صلاة ولا صيام] ، لكني أحب الله ورسوله] وأكرم بهذا العمل، وهل بعد هذا العمل عمل؟!! [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت] وهذا فيه بشارة عظيمة لهذا السائل. ¬

_ (¬1) هذا احتقار لعمله، أي ليس عندي شيء يبيض الوجه وليس عندي من الأعمال الكبيرة التي تسطر وتذكر وتذاع، وهذا حال التقي دائماً يهضم نفسه ويخرج من الدنيا ولم يشبع من أمرين: أ) ثناء على ربه. ب) اعتراف بعجزه وتقصيره ولوم لنفسه، لكن بيّن أن عنده عملا ً جليلا ً جميلا ً، وهو حب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

لكن الشاهد من الحديث هو قول أنس بعد أن رواه [فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بقول نبينا عليه الصلاة والسلام: أنت مع من أحببت] ثم قال – وانظر لهذا التوسل منه – [فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن كون معهم بحبي إياهم] هذا لفظ البخاري وزاد مسلم [فأنا أحب الله ورسوله ... ] . ولفظ حديث [أنت مع من أحببت] [المرء مع من أحب] هو حديث متواتر، وقد ألف أبو نُعم كتاباً مستقلاً حوله سماه (المحبين مع المحبوبين) تتبع فيه طرق هذا الحديث. إذن هنا توسلٌ إلى الله بمخلوق لكن جرى من المتوسِّل سبب نحو ذلك المخلوق، ولا حرج في ذلك بإجماع أهل السنة، وأنا أعجب في هذه الأيام حقيقة من المتنطعين الذين تَصْغُر أذهانهم ويضيق عقلهم ويأتي ليزجَّ نفسه في أمر ممنوع – كما سيأتي – فيقول: أسألك بجاه رسولك صلى الله عليه وسلم أن تغفر ذنبي، مع أن الجاه والذات ليست سببا للمغفرة فهذا التوسل أقل ما فيه أن فيه خلافاً وإن كان غير معتبر، فلماذا يترك ذاك المتنطع التوسل الذي لا خلاف فيه ويعمل ما فيه خلاف؟!!!.

مثال آخر أيضاً: ثبت في الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا يُنْجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قلبهما أهلاً، ولا مالاً، فنأى بي في طلب شيء يوماً، فلم أُرِح] عليهما حتى ناما، فجلست لهما غَبُوقهما (¬1) ¬

_ (¬1) الغبوق شرب اللبن وقت العشي..

فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أَغْبِق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يديّ أنتظر استيقاظهما حتى الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج، قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: اللهم كانت لي بنت عمٍ كانت أحب الناس إليّ، فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمتُ بها سنة من السنين، فجاءتني، فأعطيها عشرين ومائة دينار على أن تخلّي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرتُ عليها، قالت: لا أُحِلُّ لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فتحرّجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركتُ الذهب الذي أعطيتُها، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمّرتُ أجره حتى كَثُرَت منه الأموال فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري: فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون] . فانظر، هنا الأول يتوسل إلى الله ببره لوالديه، والثاني توسل إلى الله بعفته، والثالث بأمانته، لذلك لو وقعت في كرب فقل – مثلا ً– أسألك يا ربي ببري لوالدي أن تفرج كربي فهو جائز بالإجماع. إخوتي الكرام ... هذا الحديث للإمام ابن الجوزي رحمه الله تعليقُ بديع حوله في كتابه صيد الخاطر، والكتاب نافع احرصوا على شرائه ففيه خير كثير، ولم يؤلفه في موضوع معين بل كان يقيد فيه ما يعنّ له من فوائد واستنباطات وإرشادات وتوجيهات.

يقول في صـ321 من الكتاب كلاماً في منتهى الإحكام، وكأن المعلق عليه لم يَرُق له هذا الكلام فانتبهوا لذلك!!! يقول: "التقرب إلى الله عز وجل إذا تم على الإنسان لم ير لنفسه عملاً وإنما يرى إنعام الموفق (¬1) لذلك العمل الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملاً أو يعجب به (¬2) وذلك بأشياء" هذه الأمور منها أن الله وفق لهذا العمل، ومنها أنه إذا قيس ذلك العمل بالنعم لم يفي بمعشار عشرها، ومنها ... منها.... ومنها...." ثم يقول: ¬

_ (¬1) الموفق هو الله ولذلك الحديث [فمن وجد خيراً فليحمد الله] . (¬2)) أي أنك وفقت لعمل صالح فلا تنظر إلى العمل، إنما تنظر إلى الموفق، فلا تهتم بالعمل ولا تصاب بغرور ولا إدلال، وهذا هو ما قاله الصحابي [ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام] .

"وهذا شأن جميع العقلاء فرضي الله عن الجميع" ثم ذكر بعد ذلك قصصاً كثيرة منها: قول الخليل إبراهيم (والذي أطمع أن يغفر لي) فلم يُدّلَ بعمل بل يطمع من الله بالمغفرة، ومنها قول أبي بكر وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله، وذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نفعني مال كمال أبي بكر، فقام أبو بكر وقال ذلك، فانظر لحال العقل الكامل، وهكذا أورد كلاماً لعدد من الصالحين ثم يقول: "وهذا شأن جميع العقلاء فرضي الله عن الجميع" فإذن هذا فعل عقلاء هذه الأمة، وانظروا لصلحاء بني إسرائيل، ومنهم هؤلاء الثلاثة يقول:"وقد روي عن أقوام من صلحاء بني إسرائيل يدل على قلة الإفهام لما شرحتُه لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدلوا بهما (¬1) ، فمنه حديث العابد الذي تعبد خمسمائة سنة في جزيرة، وأخرج الله له كل ليلة رمانة، وسأله أن يميته في سجوده فإذا حشر قيل له: ادخل الجنة برحمتي قال: لا بعملي، فيوزن جميع عمله بنعمة واحدة فلا يفي، فيقول: يا رب برحمتك (¬2) ، ¬

_ (¬1) أدلّوا بها: يعني تقربوا بها ورأوا لها مكانة تستحق أن تطلب حاجةٌ بسببها. (¬2) حديث العابد رواه الحاكم في مستدركه (4/251) ، وقد أوردته لكم مختصراً، وأوله: [أن رجلا كان في جبل وطلب أن يخرج الله له عيناً يشرب منها (أي حتى لا يختلط بالناس) وأن يخرج له شجرة رمان فأخرج الله له عيناً وشجرة رمان كانت تحمل كل يوم رمانة فيأكل الرمانة ويشرب من الماء ويتعبد في صومعته، وسأل الله أن يميته وهو ساجد فأماته....] .إلخ الحديث – وفيه [فيحاسبه الله على نعمة البصر فلا تفي عبادة خمسمائة سنة] ثم قال جبريل: [يا محمد إنما الأشياء برحمة الله جل وعلا] ، ثم قال الحاكم: وهذا حديث صحيح الإسناد، فإن سليمان بن هَرم العابد من زهاد أهل الشام والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين" وعلق الذهبي على هذا الحديث في تلخيصه للمستدرك: "صحيح!! قلت لا والله، وسليمان غير معتمد، وقال في ميزان الاعتدال – أي الذهبي – في ترجمة سليمان بن هرم: "قلت: لم يصح هذا، والله يقول (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) ، ... ولكن لا يُنجي أحداً عملُه من عذاب الله كما صح، بلى أعمالنا الصالحة هي من فضل الله علينا ومن نعمه لا بحول منا ولا قوة، فله الحمد على الحمد له" إذن كأن الحافظ الذهبي يريد أن يقول الحديث ضعيف لأن فيه هذا المجهول، وأراد أن يؤكد هذا فقال الحديث يعارض نصوصاً، فأراد أن يرده من جهة المعنى، وقبله أراد أن يرده من جهة السند. قلت: أما من ناحية سليمان بن هرم (أي من ناحية السند) فكأن الحافظ ابن حجر في لسان الميزان لم يرتضِ كلام الذهبي، فنقل هنا كلام الحاكم عن سليمان وأقره فقال: "وقد قال الحاكم عقيب رواية الحديث والليث بن سعد لا يروي عن المجهولين" فكأنه يريد - أي ابن حجر – أن يقول إن سليمان بن هرم ليس بمجهول. وأقول أيضاً: الحديث صحيح الإسناد وما فيه إلا سليمان بن هرم فقد جرى حوله كلام وكأن الحافظ ابن حجر يوافق الحاكم على أن سليمان ليس بمجهول وأما من ناحية المعنى فالمعنى صحيح أيضاً، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته] ، وقد حقق الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح السعادة ومنشور ولايتي العلم والإرادة (1/8) حقق هذا المبحث غاية التحقيق وقال عند حديث [لا يدخل أحد الجنة بعمله] وقوله تعالى (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) : "وصفوة الكلام أن الباء هنا ليست بمعنى الباء هناك" أي الباء في الحديث غير الباء في الآية، فهي في الحديث للمعارضة والمقابلة، وفي الآية الباء للسببية أي جعل الله الأعمال منا سبب لذلك الجزاء بفضله ورحمته، لا أن العمل منا يستحق الجنة، أو أنه يكون عوضاً عنها، نستحقه كما نستحق في هذه الحياة عوضاً عندما ندفع ثمناًً مقابل سلعة، فهذه ليست مبايعة ومعاوضة فنحن لا نعمل والجنة تكون في مقابل العمل، بل نحن نقوم بواجب علينا وحق لله – وهو عبادته – دخلنا الجنة أم لا، فهذا هو الفرق بين الباءين، ثم قال ابن القيم كلاماً ينبغي أن ترددوه وأن تنقشوه في قلوبكم: "كل من ينجو من النار فبفضل الله، وكل من يدخل الجنة فبرحمة الله، وأهل الجنة يقتسمون منازلهم على حسب أعمالهم". إذن عندنا أمران لا دخل للعمل فيهما، النجاة من النار والدخول في الجنة، لكن منازل الجنة هذه بحسب عمل الإنسان. فمن نجا من النار فبفضل الله، ومن دخل الجنة فبرحمته، وكل من ألقي في النار فبعد له يقول الشاعر: ما للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا يسعى لديه ضائع إن عذبوا فبعد له أو فعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع فالآن هذا العابد هو حاله كحال الصحابة الذين كانوا يستصغرون أعمالهم؟ شتان بين الاثنين، فانظر لهذا العبد المسكين كيف يُدلّ بعمله يقول الله له: ادخل الجنة برحمتي فيقول: بل بعملي!!!. ولذلك قال ابن الجوزي: "وقد روي عن قوم من صلحاء بني إسرائيل ما يدل على قلة الأفهام لما شرحته لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدلّوا بها".

وكذلك أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فإن أحدهم توسل بعمل كان ينبغي أن يستحي من ذكره – وهو أنه عزم على الزنا ثم خاف العقوبة فتركه – فليت شعري بماذا يُدلّ من خاف أن يعاقب على شيء فتركه لخوفه العقوبة (¬1) إنما لو كان مباحاً فتركه كأن فيه ما فيه، ولو فَهِم لشغله خجله من الإدلال، كما قال يوسف: (وما أبرئ نفسي (¬2)) والآخر ترك صبيانه يتضاغنون إلى الفجر ليسقي أبويه وفي هذا البر أذىً للأطفال (¬3) ، لكن الفهم عزيز، وكأنهم لما أحسنوا قال لسان الحال أعطوهم ما طلبوا، فإنهم يطلبون أجرة ما عملوا، ولولا عزة الفهم ما تكبر متكبر على جنسه، ولكان كل كامل خائفاً محتقراً لعمله حذراً من التقصير في شكر ما أنعم عليه، وفهم هذا المشروح ينكّس رأس الكبر ويوجب مساكنة الذل، فتأمله، فإنه أصل عظيم" أ. هـ إي والله إنه أصل عظيم، وما رأيت هذا المعنى إلا في صيد الخاطر، وهو أن هؤلاء توسلوا إلى الله بعمل كان ينبغي أن يستحي بعضهم من ذكره، لكن الفهم عزيز، فقضى الله حاجتهم، وهو أرحم الراحمين. إذن أن يصدر سبب من المتوسل نحو المتوسل به، وهذا هو أحد الفرعين للصورة الثانية. الفرع الثاني: أن يصدر سبب من المتوسل يقتضي حصول طلبك والتوسل في هذه الحالة أيضاً شرعي. ¬

_ (¬1) أي ترك الشيء لخوف منه لا يستحق الرجل عليه أجراً، وهذا كما لو ذهب شخص إلى الأمير وقال له: أنا لن أسلبك، لأنني أخشى أن تقطع رقبتي فأسألك بعدم سلبي لك أن تعطيني ألف درهم. فهل يستحق هذا الألف؟ كلا ... لأنه ترك سلب الأمير خوفاً من العقوبة لا إجلالاً له. (¬2) المعتمد أن (وما أبرئ نفسي من قول) امرأة العزيز. (¬3) أي هو من ناحية بر ومن ناحية أخرى أذىً، وكان بإمكانه أن يسقي الأطفال ثم ينتظر أبويه حتى يستيقظا.

مثاله: أن يتوسل مخلوق إلى مخلوق فيقوم المتوسل به فيدعو يشفع للمتوسل أو: أن يقول شخص: نتوسل إليك يا رب بالعبد الصالح فلان – ولابد من أن يكون موجوداً بينهم ليس بغائب – فيقوم ذاك العبد الصالح ويقول: يا رب اقض حاجتهم وفرج كروبهم والطف بهم وردّ عنهم عدوهم، إذن دعا لنا ونحن طلبنا من الله أن يجيب دعاءه. كذلك: إذا جرى من المتوسَل به سبب نحو المتوسِل إلى المتوسِل إليه وهو الله جل وعلا فدعا لك من توسلت به، وشفع لك. وهنا أنت لم تتوسل بذات المتوسل به، ولا بجاهه ولا بمنزلته بل بسبب صدر وجرى منه من دعاء وشفاعة وطلب ونحو هذا. مثاله من السنة: ثبت في صحيح البخاري (2/495- مع الفتح) عن أنس رضي الله عنه قال: [إن عمر بن الخطاب كان إذا قَحِطوا (¬1) استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فيقول – أي عمر: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا (¬2) عليه الصلاة والسلام فتسقينا وأنا أتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال أنس: فيسقون] . وورد في رواية الإسماعيلي (¬3) عن أنس رضي الله عنه قال: [كانوا إذا قحطوا عهد عهد رسول صلى الله عليه وسلم استسقوا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فيستسقي لهم فيسقون، فلما كانت إمارة عمر رضي الله عنه استسقى عمر بالعباس] رضي الله عنهم أجمعين. وورد في المصنف لعبد الرزاق أن عمر رضي الله عنه قال بعد أن قال ما تقدم في صحيح البخاري: [قال للعباس: يا عباس يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فادع] أي نحن طلبنا من الله أن يقضي حاجتنا بدعائك، فقم ونفذ هذا الطلب وادع لنا ليقضي الله لنا حاجتنا. ¬

_ (¬1) أي أصابهم القحط والجدب. (¬2) أي بدعائه في حياته صلى الله عليه وسلم (¬3) الاسماعيلي عمل مستخرجاً على صحيح البخاري، أي روي أحاديث البخاري نفسها، لكن بأسانيد لنفسه ويسمى مستخرج الاسماعيلي.

وورد في كتاب الزبير بن بكار في تاريخ المدينة المشرفة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عندما قحطوا: [إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى العباس للعباس ما يرى الولد للوالد – أي من المنزلة – فاقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس واجعلوه وسيلة لكم بينكم وبين الله] والمراد بالوسيلة هنا الواسطة الذي سيدعوا ونحن نؤمن على دعائه. وثبت في كتاب الزبير بن بكار أن العباس رضي الله عنه دعا فقال: [اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة وقد توجه (¬1) القوم بي إليك لمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب (¬2) ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث] قال: أنس رضي الله عنه: فأرخت السماء مثل الجبال (¬3) حتى أخصبت الأرض وعاش الناس] . وهذا الذي فعله عمل لم يفعله تخرصاً من رأيه ولا اجتهاداً من ذهنه ـ إنما فعله بناءً على أثر ثابت – كما ذكرنا – عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه كان يوجه أمته إلى مثل هذا التوسل، وهو أن نتوسل بدعاء فلان. ¬

_ (¬1) أي توسلوا بي إليك. (¬2) أي مغفرة مقرة وتائبة منيبة. (¬3) هذه الكلمة وردت في الفتح (الجبال) وأخشى أن يكون تصفحاً وأن يكون الصواب (مثل الحبال) أي مثل الحبال المدلاة، فالمطر منصب كأنه حبال متصلة وصلت السماء بالأرض، وإن كان (الجبال) فالمعنى أنه نزل مطر كثير غزير يشبه الجبال من كثرة تصببه واندفاعه وأنه صار سيولاً عظيمة والعلم عند الله.

إخوتي الكرام..... بالنسبة للجدب الذي يقع فيه الناس ينبغي أن يتوبوا إلى الله جل وعلا وأن يلجأوا إليه ليغيثهم ويفرج كروبهم، واستسقاء عمر كان في عام الرمادة الذي وقع سنة (18) هـ وفي ذلك العام لم ينزل من السماء قطرة ماء وبقي الحال على ذلك تسع أشهر، وسمي رمادة لأن الأرض صارت كالرماد ينسف نسفاً فليس فيها حشيشة خضراء ونتيجة لذلك كادت المواشي أن تهلك وتموت، ويموت الناس تبعاً لذلك لاسيما في العصر الأول لأن قوتهم من الأرض ومن هذه المواشي التي تتغذى على الأرض فاشتد الأمر على المسلمين ثم قدم عمر رضي الله عنه العباس فاستسقى فسقي الناس. والعباد عندما تكثر منهم المعاصي يبتليهم الله جل وعلا بأنواع المحن، ولما حصلت رجفة في المدينة المنورة قال عمر: "أحدثتم والله، والله لو رجفت ثانية أساكنكم فيها وسأخرج منها" فالقحط يقع عندما يعصي العباد ربهم كما قال العباس [ما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا ترفع إلا بتوبة] وهكذا الزلازل والفيضانات التي تقع هذه الأيام في بلاد الكفر ونسأل الله أن يغرقهم على بكرة أبيهم كما غرّق قوم نوح، إنه على كل شيء قدير، وأن يلهمنا رشدنا وأن يتوب علينا.

ووالله الذي لا إله إلا هو ما يمنع الله عقوبته عن الكفار إلا لفساد فينا، ولو كان فينا صلاح واستقامة لأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، فإذا كنا ضعافاً وليس عندنا قوة على مقاومتهم فإن معنا القوي الذي يمكر من حيث لا يعلم العباد، وأسلحتهم التي يجبرون بها ويتكبرون يدمرهم الله بها والله على كل شيء قدير، كما دمر أهل اليمن عندما فعلوا ما فعلوا وعتوا عن أمر ربهم، دمرهم بالسد الذي بنوه كما قال تعالى: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق الله واشكرا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم (¬1) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أُكُلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) . وهكذا تلك البلاد التي تجبرت وتكبرت وأنعم الله عليها فطغت وبطرت ولو وجد عندنا ما يستدعي عقوبتها لعاقبها الله، لكن يوجد عندنا من ينبغي أن يعاقب قبل أولئك، وما تأخرت عقوبتنا أيضاً إلا لما فينا من بقايا الصالحين. يذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) في حوادث 718 هـ، وكان قد أدرك ذلك الأمر وهو في سن السابعة عشر تقريباً، فيخبر عن القحط الذي وقع في بلاد المشرق في الجزيرة بلغ عن ذلك القحط أنهم أكلوا الجيف ونبشوا القبور وأكلوا الموتى وأكلوا الكلاب، حتى أن الأم بدأت تأخذ ولدها وتبيعه من أجل أن يستعمله ويعطونها ثمناً خمسين درهماً، وبدأ الناس يذبحون أولادهم أيضاً ليأكلوهم ويذكر أبو شامة في كتابه (الذيل على الروضتين) أنه حدث في سنة 597 هـ ما لا يخطر ببال بشر، كان الناس يدعون الأطباء إلى بيوتهم بحجة العلاج فإذا دخلوا ذبحوهم وأكلوهم حتى أنهم أكلوا القطط والكلاب أيضاً ونبشوا القبور وأكلوا الموتى والجيف، حتى أن الأم كانت تمسك ولدها ليذبحه الوالد وأكلانه، وصلب السلطان كثيراً من الناس الذين فعلوا هذه الفعلة الشنيعة. ¬

_ (¬1) هو سيل العرم، بنوه، وجعل الله حتفهم فيه.

وهذه النعم التي الآن نأشر بها ونبطر، والله الذي لا إله إلا هو أتوقع زوالها أكثر من توقعي لمجيء الغد، وقدر الله إذا حلَّ ونزل ينزل كلمح البصر وليس له نذر تتقدمه (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس) ولا يوجد عصر تنطبق عليه هذه الآية كعصرنا، فنسأل الله لطفه ومعونته وستره إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. س: ما الفرق بين البلاء والابتلاء؟ جـ: إذا نزل البلاء بالإنسان واعتبر به وحسَّن حاله فهذا مكفر له، وإذا نزل البلاء بالإنسان ولم يكن هناك اعتبار منه ولا انزجار فهذه نقمة له.

مثال آخر له: - كتوسل عمر بالعباس – ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمزي وابن ماجة، ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن عثمان بن حُنَيْف أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: إن شئت دعوتُ لك، وإن شئت صبرت فهو خير لك، فقال: بل ادع (¬1) ¬

_ (¬1) أي أريد أن يعود إلي بصري، وهذا لا حرج فيه لكن لو صبر لكان أفضل، وهذا ونظائره من الأدلة – كما قال أئمتنا – يؤخذ منه أن الصبر على المرض خير من التداوي، وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء [ألا أريك امرأة من أهل الجنة، فقال بلى، فقال: هذه المرأة السوداء جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله إني أصرع وأتكشف، فادع الله لي أن لا أصرع فقال: إن شئتِ دعوت لك، وإن شئتِ صبرت ولك الجنة – فكان جوابها خير من الأعمى – قالت: بل أصبر يا رسول الله، لكن ادع الله لي ألا أتكشف، أي عندما أصرع وأقع أخشى أن يبدو مني شيئ أكرهه – فدعى الله لها أن لا تتكشف] ففي هذا الحديث دليل على أن الصبر على المرض عزيمة والتداوي رخصة، وهذا هو المقرر عند أهل السنة والجماعة ومن صبر على المرض حتى مات دخل الجنة، ومن صبر على الجوع مع قدرته على الأكل حتى مات دخل النار، انتبه لأن ذلك سبب يفضي إلى المسبَّب حتماً حسب ما ربط الله الأسباب بالمسببات، وأما هذا فكما تقدم معنا إما ظن وإما وهم فليس هو سبب لحصول الشفاء قطعاً وجزماً فقد تأخذ العلاج ويزداد مرضك وذكرت لكم حوادث في ذلك، وكم من إنسان أجريت له عملية ومات فالتداوي رخصة والصبر عزيمة، وهذا الأمر لو رعيناه لما أكثرنا من فتح المستشفيات، لكن لم تظهر الفاحشة في قوم إلا فشى فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، فهذا عقوبة من رب العالمين لعباده عندما ينحرفون عن شرعه (مخدرات – عهر – فجور – لواط- ... ) .وهذا سينتج عنه أمراض خبيثة كثيرة كالهِرْبز والإيدز الذين انتشرا في بلاد الغرب ولا يعرف لهما علاج فهو موت بطيء للمصاب بهما، وحقيقة كثير من الأمراض نسمع بها لم يكن أسلافنا يعلمون بها.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ فأحسن الوضوء ثم صلِّ ركعتين وقل (¬1) اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي اللهم فشفعه فيّ (¬2) ] زاد الحاكم: [وشفعني فيه] ، فما برح الأعرابي من مكانه حتى رد الله عليه بصره. فهنا الأعرابي توجه لله سبحانه وتعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بذاته فانتبهوا!! رحمة الله على الإمام النووي يذكر عند شرحه للحديث المتفق عليه [الكمأة من المن (¬3) ¬

_ (¬1) أي قل الدعاء فهو الآن يتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم. (¬2) أي اقبل دعاءه عندما يدعو لي بأن يرد الله بصري ومعنى (وشفعني فيه) أي اقبل يا ربي دعاء نبيك صلى الله عليه وسلم في أن ترد علي بصري، أي قال له النبي صلى الله عليه وسلم أنا سأدعو لك، وأنت اطلب من الله أن يقبل دعائي، ليحصل الطلب من جهتين وليعظم الانكسار لله عز وجل ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ، لكن من أجل أن يرغب هذا السائل بالخير فقال له توسل إلى الله بي، أي بدعائي، وسل الله أن يجيب دعائي، وليعلم هذا السائل أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يدعو فهو بشر، وليس هو كحال الرب جل وعلا يرد البصر من نفسه، وأيضاً حتى لا يحصل في هذا النبي صلى الله عليه وسلم غلو كما حصل في عيسى عليه السلام، إذن أنا أشفع لك بأن يرد الله بصرك وأن ِ اشفع لي في أن يُقبل دعائي لك برد بصرك. (¬3) أي حالها كحال المن الذي مَنَّ الله به على بني إسرائيل، فهي لا يزرعها العباد إنما تتصدع الأرض في أيام الشتاء وتخرج منه الكمأة كالبطاطس، فتخرج بلا زراعة ولا كلفة وبلا بذور. وجاء في الفتح: الكمأة نبات لا ورق له ولا ساق يوجد في الأرض من غير أن يزرع، يخرج إلى سطح الأرض ببرد الشتاء وينميه مطر الربيع فيتولد ويندفع متجسداً ولذلك كان بعض العرب يسميه جدري الأرض.

وماؤها شفاء العين] في شرح صحيح مسلم أن بعض شيوخه في بلاد الشام عَمِيّ، فتداوى بالكمأة تبركاً بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلاج الذي فيها للعين، فأخذها وغلاها في الماء وبدأ يقطر هذا الماء في عينيه فما مضت عليه إلا أيام يسيرة حتى عاد إليه بصره بإذن الله. والتداوي بالقرآن وهكذا التداوي بعد ذلك بالأدوية النبوية التي أخبرنا بها خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، هذه حجبنا عنها بما عندنا من الأدوية المركبة، وقد كان يكفينا العلاج القرآني والنبوي، ومن ينظر في المجلد الرابع من كتاب زاد المعاد يجده كله من أوله لآخره يتكلم عن الطب والعلاج، ويذكر أحاديث نبوية وأذكاراً تقال عند بعض الأمراض كالأرق، واللدغ، ونحوهما ... وهذا الذي حصل للضرير الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يعتبر خارقاً للعادة ويسمى معجزة لأنه جرى على يدي نبي. س: هل لما طلب الأعرابي العلاج بعد التخيير لن يدخل الجنة؟ جـ: قطعاً سيدخل وليس عندنا شك في ذلك، فهو لما قال له إن شئت صبرت فهو خير لك أي لك الجنة ليس المراد من هذا أنه إن صبر له الجنة بل المراد شيئاً أعلى من البشارة بالجنة فهو إن صبر له الجنة مع رفعة المكانة، وإن لم تصبر فليس لك هذه الرفعة للمكانة إنما لك الجنة مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم – في البخاري – [إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه – أي عينيه – فصبر، عوضته منهما الجنة] ثم إنه صحابي مؤمن، والمؤمنون في الجنة فكل من بُشر بالجنة هو ليس له بشارة بالدخول فقط، بل له بشارة بالدخول مع شيء آخر مع ذهاب الخوف والفزع يوم الفزع الأكبر مع منزلة خاصة ... وسأضرب لذلك مثلاً: لو أن إنساناً عمل حفلة ودعى الناس إلى هذه الحفلة دعوة عامة بحيث أن كل من جاء سيدخل، لكنه وجه بطاقات دعوة خاصة لأشخاص مقربين، فإذا جاء الناس إلى الحفلة كلهم سيدخلون لكن من عنده بطاقة دعوة ستأخذه إلى غرفة خاصة، فهم الآن لهم شأن، ولله المثل الأعلى.

فهذا إذا بُشر ونحن إذا أكرمنا الله ودخلنا الجنة فيكون كلنا قد دخلها، هو ونحن لكن هو له اعتبار خاص ومزية خاصة إن كان قد صبر، وإن لم يصبر فله أيضاً مزية وهي بسبب الصبر على هذه البلية، هذا هو المعنى وليس المعنى أنه إن دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فلن يدخل الجنة، ونحن نجزم أن الصحابة كلهم من أهل الجنة لكن دون تحديد لأعيانهم إلا من ورد فيه النص، كما أننا نجزم بأن جنس المؤمنين كلهم من أهل الجنة لكن دون تحديد لأعيانهم لأننا لا ندري بأي شيء سيختم لهم، لكن لو علمنا أن هذا خُتم له على الإيمان فهو من أهل الجنة قطعاً وجزماً، وسيدخلها إن عاجلاً مع الباقين، أو آجلاً بعد أن يعذب ويطهر، لا، الله أعطانا عهداً بأن من ختم له على الإيمان سيدخله غرف الجنان. إخوتي الكرام.... هذا الحديث – حديث عثمان بن حنيف – قال عنه الإمام الشوكاني في كتابه (تحفة الذاكرين) صـ37 وصـ138 صلاة الحاجة: "في هذا الحديث دليل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، مع اعتقاد أن الفاعل هو الله، وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن". وهذا الكلام الذي قاله الشوكاني لا يزيل الإشكال الذي زيد إزالته، فنقول: إن هذا التوسل ليس بذات النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ينبغي أن يقول: "إن هذا التوسل بدعائه ... " ولذلك عَلّقوا على كلام الإمام الشوكاني، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، في كتابه النفيس (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) واحرصوا على هذا الكتاب فهو أحسن ما كتب في التوسل، قال في صـ65: "وهذا التوسل – أي توسل الأعمى بالنبي عليه الصلاة والسلام هو من النوع الثاني" أي من التوسل بدعاء المتوسَل به، فهو كنظير توسل عمر بالعباس رضي الله عنهم أجمعين. إخوتي الكرام.... إذن لابد من سبب إما من المتوسِل نحو المتوسَل به وإما من المتوسَل به. الرسم التخطيطي

بعد أن انتهينا من هذه المسألة المهمة عندنا سؤال، وهو يرد على كثير من الأذهان فلابد من الجواب عليه. سؤال: لو قال قائل: أسألك يا رب بجاه / بمنزلة / بشرف / بنبوة / بمكانة / نبيك صلى الله عليه وسلم أن تقضي حاجتي وكذلك لو قال أسألك يا رب بجاه / بمنزلة / بشرف / بنبوة / بمكانة / أبي بكر رضي الله عنه أن تقضي حاجتي وكذلك لو قال في حق غيرهما أيضاً، وهذا النوع فاشٍ في هذه الأيام، فهل يجوز التوسل بهذه الكيفية أم لا؟ والجواب: أنه لا يجوز مثل هذا النوع من التوسل ويمكن تقرير هذا الجواب بخمسة أجوبه: الجواب الأول: أننا نعلم يقيناً أنه لا حق للمخلوق على الخالق فمن توسل بحق مخلوق على الخالق، فقد خالف الأمر الشرعي.

فإن قيل: ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام حديث يشير إلى أن للمخلوق حقاً على الخالق، والحديث في المسند والصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: [كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار اسمه عُفير، وليس بيني وبينه إلا مثل مؤخرة الرحل (¬1) فقال لي: يا معاذ قلت: لبيك رسول الله وسعديك (¬2) ، فسار النبي صلى الله عليه وسلم ساعة (¬3) ، ثم قال ثانية: يا معاذ، قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة، فقال في الثالثة: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك، فقال: أتدري ما حق الله على عباده؟، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سار النبي عليه الصلاة والسلام ساعة فقال في الرابعة: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله وسعديك] انتبه!! [قال أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه (¬4) ، ¬

_ (¬1) مؤخرة الرحل: هي الخشبة التي توضع على ظهر البعير لأجل أن يتمسك بها أو يستند إليها الراكب عندما يركب والمراد لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا حاجز يشير بمقدار شبر وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه يركب على الحمار ويردف أصحابه خلفه. (¬2) (لبيك) ألبَّ بالمكان إذا قام به وعكف عليه ولزمه، والمراد أنا مقيم على طاعتك مواظب على سماع أوامرك (سعديك) إسعاداً لك بعد إسعاد وهو من باب الدعاء، أي أنا مقيم على طاعتك وأدعو لك بالسعادة فمرني بما شئت وهذا من أدبه رضي الله عنه. (¬3) أي فترة من الوقت، وليست بالساعة الزمنية. (¬4) أي إذا عبدوا الله ولم يشركوا به شيئاً، وقد قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، وكان كل رسول يقول لقومه (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ..

قلت الله ورسوله أعلم، قال: حقهم على الله ألا يعذبهم، قلت: يا رسول الله، أفلا أُبشّر الناس، قال: لا تبشرهم فيتكلوا] أي خشية أن يصبح عندهم شيء من الغرور والأماني وترك العمل ويقولوا ما دمنا موحدين فلن يعذبنا الله، فيفتر عزمهم في الطاعات – وهذا حال البشر – فلا يتهجدون ولا يتنفلون ولا يكثرون من الصدقة ولا من الذكر ولا من الدعاء ولا يتنافسون في أمور الخير (¬1) . إخوتي الكرام ... الشاهد أنه أوجب لهم حقاً في هذا الحديث ونقول: لا إشكال في هذا الحديث، لأن هذا الحق هو محض فضل من الله ومحض كرم منه والعبد لا يستحق هذا على ربه لأنه مخلوق له وتوفيقه بالطاعة هو من فضل الله، فكيف إذن يستحق على الله شيئاً؟!! وقد تقدم معنا أنه لن ينجو أحد النار إلا بفضل الله، ولن يدخل الجنة إلا برحمته: فإن يثيبنا فبمحض الفضل ... وإن يعذبنا فبمحض العدل ¬

_ (¬1) إخوتي الكرام كثير من الناس يحملون أخبار الوعد على غير محلها مع أن أخبار الوعد ينبغي أن تدعوك لزيادة العمل لا للفتور عن العمل، ولذلك كل رجاء لا يبعث على عمل فهذا غرور وأماني لا صحة له، فمثلاً: أنت إذا كنت تريد أن تتزوج زوجة فتطلبها أم تهرب منها وتبتعد؟ بل تطلبها وتكدح وتعمل وتقدم الهدية بعد الهدية لأنك راج ٍ، ومن علامة الرجاء الطلب لا الهرب، ولذلك كان سلفنا يقولون: "عجبنا من الجنة نام طالبها، وعجبنا من النار نام هاربها" إذن في حال الرجاء طلب وفي حالة الخوف هرب، وقد وقع في هذا كثير من طلبة العلم فهو لما سمع (أن النظرة إلى المرأة صغيرة) قال ما دامت صغيرة فلا مانع من أن أنظر وسمع قيام الليل سنة والسنة لا يعاقب تاركها، إذن لا داعي أن أقوم الليل، وصلاة الفجر مستحبة قال: إذن لا عليّ شيئاً في تركها، فهل هذا طالب علم شرعي؟!! العلم هو ما يكسبك خشية الله، وإذا لم يُكسبك خشية وبال عليك.

إذن فحق العباد هنا هو تفضل الله به عليهم، وقد ثبت في سنن أبي داود وابن ماجه وصحيح بن حبان ومسند الإمام أحمد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي قال: [لو عذب الله أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم] وهذا محض عدل [ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم] أي: خيراً من أعمالهم. إذن فأنت عندما تقول: أسألك بحق نبيك، فهل للمخلوق حق على الخالق؟ لا، وقد تقدم معنا أنه "لو عذب الله وحاسب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وعيسى بن مريم بما جنت السبابة والإبهام لعذبهما ثم لم يظلمهما" ولو عذب الله جبريل فمن دونه من المخلوقات في العالم الأعلى والأسفل لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم. تنبيه: إن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى معاذاً عن البشارة وقد بلغنا، وقد ورد في آخر الحديث، فأخبر معاذ بها – أي بهذه البشارة – عند موته تأثماً أي خشية الإثم، فكيف ينهى عن التبشير ثم يبلغ ويبشر بهذا الحديث؟ أجاب العلماء عن ذلك بأربعة أجوبة: أولها: وهو اختيار الحافظ ابن حجر، وهو: أن معاذاً فهم من المنع كراهة التنزيه (خلاف الأولى) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه مرشداً له إلى الأكمل، لا أن عليه إثماً إذا أخبر بذلك، فتعارض هذا مع الأحاديث الآمرة بالبيان وعدم الكتمان لحديث [من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار] فأخبر بذلك دفاعاً للوقوع في المحرم وهو الكتمان وإن وقع في خلاف الأولي وهو التبشير.

ثانيها: وهو اختيار القاضي عياض وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد من نهي معاذ عن البشارة النهي لا التحريم ولا التنزيه، إنما أراد أن يكسر عزمه، لئلا يذهب معاذ إلى الأسواق والمجامع وينادي حقكم على الله ألا يعذبكم إذا عبدتموه وبالتالي يحصل سوء فهم لهذه البشارة على حقيقته فكسر عزمه وقال لا تخبرهم أي الآن في هذا الوقت وأنت مندفع ومتحمس، لكن أخبرهم بعد أن تتروى ويخف الأمر على نفسك. وهذا الجواب لعله أوجه الأجوبة. ثالثها: وقد ذكره القاضي عياض ذكراً فقط، وهو: أن معاذاً فهم المنع والتحريم من النهي، ثم تبين له النسخ بعد ذلك بالأحاديث التي فيها حض على نشر العلم وتحريم كتمانه، فبلغ الحديث. وهو وجه ضعيف، لأنه لو كان الأمر كذلك لما أخر معاذ هذا إلى وقت وفاته. رابعها: وقد ذكره الإمام ابن الصلاح: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى معاذاً عن البشارة العامة ورخص له بالبشارة الخاصة، وهذا هو الذي فعله معاذ، فإنه لم يخبر الناس في مجامعهم، لكنه أخبرهم عندما احتضر، والعادة أنه لا يحضر مجلس المحتضر إلا خواصه وأصحابه ليسلوه ويثبتوه ويدعوا له فأخبرهم عند موته. أظهر الأجوبة والعلم عند الله الجواب الثاني، وأما الجواب الثالث ففيه بعد، والجوابان الأول والرابع مقبولان والعلم عند الله. الجواب الثاني:

إذا قيل: ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام السؤال بحق السائلين وهذا توسل بحق مخلوق، ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد ومسند بن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري والحديث رواه الإمام ابن السني في كتابه (عمل اليوم والليلة) من حديث بلال وأبي سعيد الخدري، ورواه أيضاً أبو نُعيم في كتاب الصلاة، وابن خزيمة في كتاب التوحيد، ولفظ الحديث. عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، فأسألك أن تعيذني من النار وأن تدخلني الجنة وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قال ذلك: أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك] فهنا ورد [بحق السائلين] فكيف هذا؟ والجواب: أن السؤال بحق السائلين هو توسل إلى رب العالمين بما جعل الله سبباً لإجابة دعاء المخلوقين وذلك السبب هو: دعاء الله وعبادته، وكأن القائل للدعاء المتقدم يقول: يا رب إنك وعدت السائلين الإجابة وقطعت وعداً على نفسك بذلك لما قلت (ادعوني أستجب لكم) فأسألك بذلك الوعد الذي قطعته على نفسك وأسألك بحق السائلين هذا أن تجيرني من النار وأن تدخلني الجنة وأن تغفر لي ذنوبي (¬1) وهذا توسل بمعنىً مقبول فإن هناك ارتباطاً وملازمة بين المتوسَل به وبين المتوسِل. ¬

_ (¬1) هذا كما لو أن رجلاً مثلاً نشر في جريدة بياناً أن من يأتي إلي بيته في يوم كذا سيعطيه مائة درهم فذهبت ولم يعطك إعانة فتقول له أسألك بشرطك الذي نشرته بعرضك الذي وعدته أن تعطيني مائة درهم.

وليس من هذا النوع سؤال المخلوق الخالق بحق مخلوق أو بصلاحه أو بجاهه أو بمنزلته، لأن كون المخلوق له منزلة وله جاه وله قدر وله شرف وله رتبة ليس ذلك بمعنىً موجب لإجابة الدعاء، فأي مناسبة بين صلاح إنسان ما وبين توسلك إلى الله بصلاحه في إجابة دعائك؟!! وأي مناسبة بين نبوة وجاه ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم وبين دعائك. ثم إن السؤال بالجاه والمنزلة يستوي فيه الكافر والمؤمن فلو قال الكافر يا رب أسألك بجاه بينك أن تقضي حاجتي، ولو قال المؤمن يا رب أسألك بنبيك صلى الله عليه وسلم – أن تقضي حاجتي لاستوى الأمر، فهذا الكلام لو قاله الكافر لما أمر به ولو صار مؤمناً بقوله هذا، ولو قاله المؤمن لما دل على أنه متبع، بل لابد من سبب منك نحو المتوسّل به، أو منه، أو نفس الجاه والمنزلة فليس بعله في إجابة الدعاء ولا يوجب قضاء الجوائج، ولا يلزم من حصول ذلك الجاه، قضاء حاجتك إلا إذا آمنت به، فقل: اللهم إني أسألك بإيماني بمنزلة نبيك صلى الله عليه وسلم أن تقضي حاجتي، ولا حرج في ذلك، ثم إن التوسل هنا بحق السائلين إنما توسل بأمر قد وعد الله به عباده فآل الأمر إلى توسل بسبب من المتوسِّل، لأن الله قطع على نفسه عهداً أن يجيب السائل، فنحن كأننا نقول: نسألك يا رب بذلك الحق الذي آمنا به وصدقنا أن تجيب دعاءنا والدليل على إيماننا هذا الدعاء منا. تنبيه: حديث أبي سعد وبلال هذا ضعيف على انفراده، قال أئمتنا: هو مسلسل بالضعفاء. وقد حكم عليه بالضعف الإمام النووي في الأذكار والإمام المنذري في الترغيب والترهيب، لكن الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله حسنه في تخريج أحاديث الأذكار لكثرة طرقه وشواهده. وعليه فهو ضعيف على انفراده، لكن له شواهد ترفعه لدرجة الحسن، فلا مانع من الدعاء به إذا خرج الإنسان إلى المسجد. الجواب الثالث:

قررنا في الجواب السابق أن هذا التوسل يؤول في النهاية إلى أنه توسل إلى الله بفعلنا، ويمكن أن يقال هنا في هذا الجواب، أن هذا من باب التوسل إلى الله بأفعاله أيضاً، فالله جل وعلا عندما وعد السائلين العطاء والداعين الإجابة فهذا فعل من أفعاله، ويجوز أن نتوسل إلى الله جل وعلا بأفعاله وصفاته كما يجوز بذاته، فكأننا نقول: يا رب كما أنك تعطي السائلين وتجيب الداعين نتوسل إليك بهذا الفعل الذي يجري منك والذي تكرمت به علينا وأن تقضي حوائجنا وأن تعطينا طلبنا (دخول الجنة، والإجارة من النار، ومغفرة الذنوب) . وكل من الجوابين أفادهما الإمام ابن تيمية في كتابه الجليل (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) من صـ52 إلى صـ65، وأعاده في صـ145 إلى صـ147. الجواب الرابع: في جواب أنه لا يجوز أن نقول بحق فلان ... أنه لو كان التوسل بالجاه مشروعاً لاستوى الأمر في ذلك كون المتوسَّل به حياً أو ميتاً وإذا كان الأمر كذلك فجاه نبينا عليه الصلاة والسلام أعلى جاه وأرفعه وأتمه، فلو كان التوسل بجاهه جائزاً لما عَدَل عمر عن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى العباس، لان جاه نبينا عليه الصلاة والسلام جاه رفيع عالٍ لا يختلف سواء كلن حياً أو ميتاً. ولم ينقل عن صحابي أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، بل غاية ما قاله عمر كما تقدم في صحيح البخاري [إنا كنا نتوسل إليك بنبينا عليه الصلاة والسلام فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا عليه الصلاة والسلام فاسقنا] . فإذن عدول الصحابة عن التوسل بجاه نبينا عليه الصلاة والسلام بعد موته دل على أنه لا يجوز التوسل بجاهه في حياته لأن الجاه لا يختلف حياً أو ميتاً، نعم كانوا يتوسلون به لكن بدعائه واستشفاعه لا بجاهه، ولو كانوا يتوسلون بجاهه في حياته لتوسلوا بجاهه بعد مماته. الجواب الخامس: وهو آخر الأجوبة:

نقول: أمور الاعتقاد ينبغي فيها غاية الاحتياط ولو سلمنا جدلاً وتنزلاً – بعد أن قررنا في الأجوبة الأربعة الماضية أنه لا يجوز – لو سلمنا أن هذا النوع من التوسل اختلف في جوازه مع أن المذاهب الأربعة يقولون: "ولا يُسأل الله إلا به (¬1) فلا تقل: أسألك بملائكتك أو أنبيائك أو رسلك" وهذا نص متن الحنفية في كتاب (الاختيار) وهذا على سبيل المثال لو سلمنا أن فيه خلافاً فتركه متعين عند المهتدي خشية أن يكون فيه ضلال وهو لا يدري فليترك الصيغة المختلف فيها فليقل صيغة لا اختلاف فيها. إخوتي الكرام.... انتبهوا!! نظير هذه المسألة مسألة شد الرحل لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم هل يجوز أم لا؟ فالإمام ابن تيمية قال: لا يجوز شد الرحل لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد] ، فجاء الإمام السُبكِي ورد عليه بعد ذلك بكتاب سماه (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) ، ثم ألف الإمام الحافظ ابن عبد الهادي بعد ذلك كتاباً رد فيه على السبكي سماه (الصارم المُنْكِي في الرد على السُبْكِي) . ¬

_ (¬1) أي لا يسأل الله إلا بالله، أو بسبب مشروع كطلب الدعاء من إنسان أو عمل صالح منك تتوسل به إلى الله، إذن فتتوسل إلى الله بالله، وتتوسل إلى الله بدعاء إنسان وتتوسل إلى الله بعمل صالح، والأول أعلى أنواع التوسل أن تتوسل إلى الله بالله يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث [في رواية: بك أستغيث] فأصلح لي شأنيَ كُلَّه ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.

إخوتي الكرام ... والله ما أدري أن الأمر يستدعي هذا الخلاف الطويل الشديد، ولا أرى هذا مشروعاً، فالمسألة تحل بسهولة، قال لي بعض الإخوة مرة، وأنت ما رأيك في المسألة فقلت: والله إن المسألة أقل من أن نبذل جهداً في حلها، ثم قلت له: هل تجوز زيارة مسجد النبي عليه الصلاة والسلام أم لا؟ قال: بالإجماع تجوز، قلت: وإذا دخلنا المسجد فهل يجوز أن نسلم على النبي عليه الصلاة والسلام وأن نبكي في الروضة المشرفة شوقاً إليه وحزناً على عدم رؤيته أم لا؟ قال: يجوز، قلت: إذن لا خلاف في المسألة، فلماذا بدلاً من أن أقول شددت الرحل إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أقول شددت الرحل لزيارة المسجد ثم بعد دخول المسجد أزور النبي عليه الصلاة والسلام، فلماذا لا ينوي من يريد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم نية مجمعاً على جوازها ولا يقول لأى أحد إنك قد ابتدعت، لأنه نحن في الأصل لا خلاف بيننا في النهاية أنا وأنت سنزور النبي صلى الله عليه وسلم، لكن اختلافنا في القصد هل نشد الرحل للزيارة المجردة أو للمسجد قلت: ما أحد يشد الرحل للزيارة المجردة، فهل يعقل أن يذهب أحد إليه ولا يصلي فيه مع أن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة؟!! وهل يعقل أن يذهب أحد للروضة ولا يصلي فيها؟!! هذا مستحيل. إذن فالذي يذهب إلى المدينة المنورة فلينو الذهاب إلى المسجد ثم يقول بعد ذلك: سأزور النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حرج في ذلك إن شاء الله. بعض المتوسلين ممن كان يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قال لي – وهو يعلم أنني لا أجيز هذا – وكأنه يريد أن يتحداني -: يا شيخ هؤلاء الوهابية يقولون لا يجوز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن للنبي جاه فمن له جاه؟!

إخوتي الكرام ... لو أردت أن أقابل عنفه بعنف فلن نصل إلى حل، فقلت له: يا عبد الله لا أريد الآن لا وهابية ولا صوفية، هذه الشريعة إسلامية ونحن نعبد الله بها، وأقل ما في هذه الصورة التي تقولها أن فيها خلافاً وعندنا صيغة أخرى تؤدي مدلولها وفيها زيادة عليها ولا خلاف في جوازها، قل: أسألك بحبي لنبيك عليه الصلاة والسلام أن تقضي حاجتي وأرح نفسك وخلص الأمة من الخلافات والمشاكل وهل صار الدين نكاية ببعضنا، فلكوني لا أجيز هذا أنت ستتحداني، بل تعال يا عبد الله لنقل كلمة مجمع عليها، أنا أقول لك جزاك الله خيراً، وأنت تقول لي جزاك الله خيراً، وأنت مهتد وأنا مهتدي إن شاء الله تعالى. إخوتي الكرام.... بالنسبة لتوحيد كلمة الأمة والتأليف بين القلوب هذا مطلوب لاسيما إن لم يكن في ذلك ترك لركن أو شعيرة، ولم يكن فيه احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم، أما لو كان فيه ذلك وكان فيه احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم فإننا لا نوافق أهل الأرض على كلامهم بحجة التأليف وتوحيد الكلمة فلا مجاملة في دين الله، والأمر الذي عندنا ليس كذلك فليس في توحيد الكلمة فيه ترك لركن أو شعيرة بل وهو مما ليس فيه أيضاً احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك يجب على المهتدي أن يقول صيغة في توسله لا خلاف فيها حتى، لا يُعترض عليه لاسيما أننا في أمر اعتقاد، وليس في أحكام عملية فرعية حتى يُقال دعوا الأمة في سعة، وقد تقدم معنا إخوتي الكرام ما يشير إلى هذا عند كلام الإمام أحمد في

أنه يجوز القسم بالنبي صلى الله عليه وسلم وذكرت لكم هذا، وأننا إذا أقسمنا بالله فهو قسم جائز بالإجماع، وإذا أقسمنا بالنبي عليه الصلاة والسلام فهو مما فيه خلاف، فلنترك ما فيه خلاف إلى ما لا فيه خلاف، وهنا كذلك، التوسل بحب النبي صلى الله عليه وسلم أو بنحوه من التوسل الجائز أفضل من التوسل بالجاه لأنه مما أُجمع على جوازه، ثم إن فيها معنىً أعلى من التوسل بالجاه أيضاً، بالإضافة إلى ما فيها من توحيد القلوب وتآلفها، ودين الله ليس نكاية ببعضنا البعض، فنحن كلنا نتبع نبياً واحداً عليه الصلاة والسلام ونعبد إلهاً واحداً، فأنا إذا رأيت فعلك شرعياً، وعندي بعد ذلك رأي يمكن أن يخالف فعلك، فأقول: أفعل الفعل الشرعي الذي تفعله كي أوافق أخي وأترك رأيي وإن كان شرعي خير وأحسن من فعل يفعله واحد وهو شرعي. ... إخوتي الكرام ... الاحتياط في أمور الاعتقاد مطلوب، وإذا رأيتم من يفعل هذا النوع من التوسل – وما أكثرهم – فعظوه برفق ولطف، وقل له: أدري أنك لا تقصد بدعة ولا ضلالاً ولا انحرافاً بدعائك هذا، بل أنت لا تقصد إلا خيراً، لكني سأرشدك إلى صيغة أحسن من هذه وأكمل وتدل على تعلقك بنبيك عليه الصلاة والسلام – وأنت إذا قلت هذا فسيفرح حتماً ويقول لك: وما هي التي أعلى منها؟ فقل له قل: أسألك بحبي للنبي عليه الصلاة والسلام، فبالرفق ادعوه وأما إذا رأيته يتوسل بالجاه وقلت له: هذه بدعة، فإنه سيسبك أنت وأبويك والذي علمك ومن هم على طريقتك من أهل الأرض لأنه يفسّر هذا القول منك بأنه احتقار للنبي صلى الله عليه وسلم وامتهان له مع أن الأمر ليس كذلك، واللهِ إن الذي يقول لا يوجد جاه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وإذ لم يكن للنبي جاه فمن الذي له جاه؟!! وهو الذي يقول عن نفسه: [أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر] فهل بعد هذه السيادة من سيادة؟!!!. واختموا الكلام عن هذا السؤال وأجوبته بقول أئمتنا، وهو:

إن السؤال بجاه مخلوق هذا من باب الاعتداء في الدعاء، وهو حرام، وقد نهانا نبينا عليه الصلاة والسلام عن الاعتداء في الدعاء. ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه – والحديث صحيح – عن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه [أنه سمع ابناً له يدعو فيقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة، فقال: يا بني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الأمة أقوام يعتدون في الدعاء وفي الطُّهور، فإذا دعوت فسَل الله الجنة واستعذ به من النار] . هذا التحكم وهذا التحديد وهذا الشطط من باب الاعتداء في الدعاء، بل الواجب أن تسأل الله الجنة، وأن تستعذ به من النار، ولا تحدد وتتحكم. والاعتداء في الطهور هذا موجود وهو الإسراف في الوضوء والغسل، فتراه يتوضأ ببرميل واثنين وأكثر ويرى أنه لم يتطهر ولم يغتسل ولم يسبغ الوضوء، حتى أن البعض ينغمس في البركة خمس مرات ثم يخرج ويقول الماء لم يبلغ جسمي!!!. وقد رأيت أمثال هؤلاء الموسوسين في حلب لما يأتي للصنبور (الحنفية) يضربها برجله خشية أن يكون مسها إنسان ونجسها ثم يجلس يتوضأ من بداية الآذان وتنتهي الصلاة وما زال يتوضأ وكلما قام رجع وقال لم أسبغ الوضوء بعد!!!. وجاء رجل إلى الإمام ابن عقيل الحنبلي فقال له أغتسل في البركة ويوسوس لي الشيطان بأنني لم أبلّغ أعضائي ولم يسقط غسل الجنابة عني، فماذا أعمل؟ فقال له الإمام: تسمع مني؟ قال: نعم، قال: اترك الصلاة، قال: وكيف أتركها؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث ذكر منهم: وعن المجنون حتى يعقل، ولا يفعل هذا إلا مجنون. الحاصل أن الإسراف في الماء من الاعتداء في الطهور، والطهور إنما شُرع لأجل أن يزيل الخطايا والذنوب لا ليطهّر الأعضاء الحسية، فلا داعي للإسراف وإياكم أن تعتدوا!!!. وكذلك الدعاء بجاه النبي صلى الله عليه وسلم هذا من باب الاعتداء في الدعاء، فإياكم أن تعتدوا!!!. تنبيه ثانٍ:

روي الحاكم في المستدرك (2/615) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لما اقترف آدم الخطئية (¬1) ، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي (¬2) ، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه (¬3) ، قال: يا رب إنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله، صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إليّ ادعني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك] ، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. فقد يقول قائل: هذا حديث في المستدرك على الصحيحين وقد صححه الحاكم مع أن فيه: أن آدم توسل بحق محمد – عليه الصلاة والسلام – فكيف تقولون: إنه لا يجوز أن نسأل الخالق بحق مخلوق؟ والجواب: إن الإمام الذهبي علق على كلام الحاكم في تلخيص المستدرك وهو مطبوع مع المستدرك في حاشيته: "صحيح الإسناد!! قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ" إذن هذا حديث موضوع مكذوب فلا حجة فيه. والسبب في أن الحاكم أخطأ في كثير من الأحاديث وصححها وهي ضعيفة بل موضوعة، أن كتابه المستدرك هذا كتبه تلامذته وكان هو يمليهم من صدره، فلما كتبه التلاميذ بقى في حيز المسوّدات ولم يبيضه الحاكم وكان ينوي أن يعيد النظر فيه، ويراجعه، فتوفي قبل ذلك رحمه الله. ¬

_ (¬1) أي أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها. (¬2) أي أسألك بحق محمد أن تغفر لي. (¬3) أي ما الذي أدراك به وأنت أول البشر، ولم يحصل لك للآن نسل أو أولاد، فكيف عرفت به وهو آخر رسل الله على الإطلاق.

والإنسان أحياناً عندما يحدث من حفظه قد يشتبه عليه بعض الرواة فيكون الراوي ضعيفاً أو كذاباً ولا ينتبه له عندما يحدث من حفظه، لكن عندما يجلس ليؤلف ويصنف فهناك يتحقق، ودائماً الحديث الشفوي النظري ليس له من التحري والتأكد كما يكون في حال الكتابة والتوثيق، فهذا مثلاً في هذا الحديث عند الرحمن بن زيد بن أسلم واهٍ لكن خفي هذا الكلام على الحاكم، لأنه في مجلس إملاء – كما قلت – ومجالس (¬1) الإملاء كانت في سلفنا وانقضت بانقضاء السلف الصالح وما خلفهم أحد يسد مسدهم والعجب لموقف الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية نحو هذا الحديث، ففي كتاب الاستغاثة الذي سماه في الرد على البكري، يقول في صـ5: هذا الحديث لا يوجد في شيء من دواوين الإسلام فلم يخرجه أحد من أصحاب الصحيحين ولا المسانيد ولا السنن ولا الحاكم في المستدرك ولا غيرهم. ¬

_ (¬1) مجالس الإملاء: كان الشيخ يجلس فيها ويملي من صدره لا من كتابه، فأحياناً يملي في المجلس الواحد ألف حديث أو خمسمائة حديث أو مائة حديث بأسانيدها ومتونها من صدره، وهذا كان يتميز به سلفنا عمن بعدهم؟ فالعلم في صدورهم لا في كتبهم، وكما قيل: العلم ما حواه الصدر لا ما حواه القِمَطْرُ. وحقيقة مجالس الإملاء تدل على نبل العلماء لكن كما ذكرت ليس فيها من التحري ما يوجد في التصنيف، والتأليف والتحقيق فهذه كما قال البخاري: لم أودع حديثاً في الجامع الصحيح إلا بعد أن اغتسلت وصليت ركعتين واستخرت الله في وضعه، فانظر لهذا التحري من الإمام البخاري؛ لأن هذا تصنيف وليس من إملائه على أحد، لكن الحاكم ليس كذلك كان يملي وتلامذته يكتبون وراءه ما يملى عليهم، فمات قبل أن ينظر فيما كتب عنه وكانت فيه أحاديث ليست بصحيحة فجاء الإمام الذهبي واستدركها على الحاكم وسماه تلخيص المستدرك.

وجاء في كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة فقال صـ69 بعد أن ذكر هذا الحديث: "رواه أبو عبد الله الحاكم في المستدرك وهذا مما أنكر عليه". وفوق كل ذي علمٍ عليم – وهذا حال البشر – فلعله – والعلم عند الله – ألف كتاب الاستغاثة في أول الأمر وما علم بوجود هذا الحديث في المستدرك ثم اطلع عليه بعد ذلك فتعرض له في كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة وبين أن هذا الحديث موضوع. فهذا الحديث باطل قطعاً وجزماً [لولا محمد ما خلقتك] ، والحديث الموضوع الآخر [لولاك لما خلق الله الأفلاك] أي الكواكب والنجوم والحديث الموضوع الآخر [خلق الله الورد من عرق النبي صلى الله عليه وسلم] . هذه الأحاديث كلها أحاديث موضوعة يضعها بعض المخرفين الذين يزعمون أنهم بوضع هذه الأحاديث يحبون النبي الأمين عليه صلوات الله وسلامه، وعندنا فرقة ضالة في الأمة الإسلامية أجازت وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب هم الكرامية (¬1) ¬

_ (¬1) الكرامية هم أتباع محمد بن كرام السِّجستاني الذي هلك سنة 225هـ، هؤلاء أجازوا وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب يقول أئمتنا في ترجمة هذا العبد المخذول – محمد بن كرام -: التقط من المذاهب أردأها، ومن الأحاديث أوهاها – وهؤلاء أولاً: يقولون بتشبيه الخالق بالمخلوقات. ثانياً: يقولون بجواز وضع الأحاديث على خير البريات وقالوا: نحن نكذب له لا عليه ونحن نروج دعوته، وكأن دين الله الحق ليس فيه ما يحبب الناس فيه حتى احتاج إلى كذب الكذابين وإفك الآفكين؟!! سبحان الله!! منزلة نبينا عليه الصلاة والسلام وهي أعلى منزلة بلا خلاف. وأفضل الخلق على الإطلاق ... نبينا فمِلْ عن الشقاقج لكن لا يجوز بعد ذلك أيضاً الإطراء والغلو أيضاً، كما حذرنا عليه صلوات الله وسلامه ففي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب مرفوعاً [لا تطروني كما أَطْرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله] والإطراء هو المدح بالباطل والمجازفة في المدح والمبالغة فيه بحيث تذكر في الممدوح ما لا يوجد فيه، فهل خلق الله الكون من أجل محمد عليه الصلاة والسلام؟!! أم أنه ما خُلِق هو، والخلق كلهم إلا لتوحيد الله وعبادته؟!! (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ، فلماذا هذا الإطراء والافتراء على رب الأرض والسموات لولا محمد ما خلقتك، ولولا محمد ما خلق الله الأفلاك، هذا كلام باطل وهو من الإطراء المنهي عنه فاحذروا، وعندنا في التفسير آيات تسمى آيات العتاب، قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام (عفى الله عنك لم أذنت لهم) (لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم) (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) . ثالثاً: يقولون الإيمان مجرد نطق باللسان وإن لم يعتقد بالجنان (القلب) ، فهذه هي ضلالات الكرامية الثلاثة.

وجوز الوضع على الترغيب ... قوم ابن كرّام وفي الترهيب س: حُكمنا على هذا الحديث جاء من المتن أو الإسناد؟ جـ: جاء من الأمرين معاً: فالسند كما قلنا فيه عبد الرحمن بن زيد وهو ضعيف بالاتفاق، وخفي ضعفه على الحاكم، فليس هو من رجال البخاري ولا من رجال مسلم، وأخرج له الترمذي وابن ماجه القزويني، ولذلك إذا نظرت في ترجمته في تقريب التهذيب ترى الحافظ ابن حجر قال: "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من الثامنة ضعيف، ت، ق" أي هو من طبقة الرواة الثامنة، وهو من رجال الترمذي والقزويني ابن ماجة. ثم إن معنى الحديث كما قلت باطل ومردود منكر، فالآفة من الأمرين، والحاكم في الأصل أنه يورد في المستدرك أحاديث الرواة الذين أخرج لهم البخاري ومسلم، ولكن عبد الرحمن بن زيد ليس كذلك بل وليس هو أيضاً على شرط الصحيح مطلقاً.

.. حكم عليه الإمام الذهبي بالوضع، وإلا فالسند لا يقوى على الوضع، والراوي الضعيف أحياناً نحكم على روايته بالوضع لا لأنه ضعيف إنما لأن هذه الرواية خالفت عندنا الأصول الشرعية الثابتة، فلعله لضعفه التبس الأمر عليه ووهم، لكن شتان بين من يتعمد الوضع وبين من يخطئ ويهم وينسى ولا يضبط، فنحن بالنسبة لعبد الرحمن على انفراده لا نقول عنه إنه وضاع كذاب لكن نقول: هذه الرواية موضوعة ووهم في روايتها، هذا كما لو جاءنا راوٍ ثقة برواية مقلوبة، فما معنى مقلوبة؟ يعني موضوعة لكن أئمتنا أرادوا أن يهذبوا اللفظ لأن لفظ الوضع فيه شناعة لا يليق أن توصف به رواية الراوي الثقة كالحديث الثابت في صحيح مسلم عن السبع الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله [رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله] هذا مما انقلب على الراوي والصحيح الثابت عند البخاري وغيره من الأئمة [حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه] ، كأن القلب وضع، لكن هناك فرق بين يكون الراوي تعمد ذلك وبين أن يكون قد أخطأ، فلما أخطأ قلنا هذه مقلوبة في المتن، والمقلوب ليس من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه موضوع لكنه لا يوصف بأنه موضوع كما ذكرنا ولا يوصف الراوي بأنه وضاع بل يبقى عندنا ثقة، وهنا كذلك الراوي ضعيف لكن الرواية موضوعة نص على وضعها الذهبي في تلخيص المستدرك، ونص على وضعها أيضاً الإمام ابن تيمية عليهم جميعاً رحمة الله. س: لماذا أورد الحاكم هذا الحديث مع بطلانه وضعف سنده؟

جـ: بالإضافة إلى ما ذكرناه من أنه رحمه الله لم يصنف هذا الكتاب إنما أملاه إملاءً وكتبه تلامذته وراءه، نضيف هنا فنقول: الإمام الحاكم رحمه الله يجمع ما بلغه وما نُقل له وما حَدَّث به ثم يبقى بعد ذلك دور الغربلة والتنقية: هل هذا الحديث صحيح أم لا؟ يحتاج لنظر ولو صح هل وجد ما يعارضه أم لا؟ فإذا وجد ما يعارضه هل هذا أقوى أم ذلك حتى نعمل بينهما ترجيحاً؟ فشتان بين جمع الأحاديث فقط وبين جمعها للاستدلال بها. ففي الحالة الأولي (الجمع) يجمع فقط، وفي الثانية (الاستدلال) يختار ويمحص. ... وقد قلت مرة لأحد شيوخنا الشيخ مصطفى الحبيب الطير في مصر، وهو من المشايخ الصالحين الطيبين قلت له: موضوع أئمة الإسلام المتقدمين كأمثال ابن جرير (ت: 310هـ) وغيره كأبي نُعيم والخطيب البغدادي ملأوا كتبهم بالأحاديث الضعيفة، بل في بعضها موضوع أيضاً، فهذا العمل منهم يحيرني وهم الجهابذة وعلماء السنة والرجال والتاريخ. فقال لي: يا بني، إن عصرهم كان عصر جمع فقط، وهذا من أمانتهم وتقاهم وخشوعهم لربهم وتحريهم جمعوا ما بلغوا لكن لا تظنوا أنه جمع كجمعنا كحاطب ليل، بل جمع بأدق وأحسن وأتم طرق الجمع معه علامات تدل على قبول الرواية أوردها، وهذه العلامات هي الإسناد، وكأنهم يقولون لنا: هذا الكنز الذي نقلناه إليكم لم نخنكم فيه، بل أعطيناكم علامات تدل على ثبوته أو على رده وهي الإسناد. ولذلك قال أئمتنا: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقالوا أيضاً: إذا روى الإنسان حديثاً موضوعاً فلا يبرأ من عهدته ولا يخرج من إثم روايته إلا بأحد أمرين: أ) إما أن يرويه بالسند، فمن أسند لك فقد حملك. ب) وإما أن يبين أنه موضوع. وإذا لم يفعل أحد هذين الأمرين فهو آثم، وهو أحد الكاذبَيْن على رسول الله صلى الله عليه وسلم [من كذب علي....] وهو هنا الذي نشر الكذب، لا الذي أنشأه وصاغه.

وقال السخاوي في فتح المغيث في شرح ألفية الحديث، كان الإسناد من جملة البيان عند المتقدمين، وفي الأعصار المتأخرة صار ذكر الإسناد وعدمه سواء عند الناس فإذن هذا من أمانة العلماء المتقديمن. ثم قال لي – وهو جواب على ما استشكل على -: يا بني قد يكون الحديث ضعيفاً عند الطبري، والضعف يسير محتمل، وقد يوجد هذا الحديث نفسه عند أبي نُعيم من طريق آخر ضعيف أيضاً، وكذلك يوجد الخطيب البغدادي الحديث نفسه من طريق آخر ضعيفاً فلو أن كلاً منهم أهمل هذا الحديث بحجة أنه ضعيف عنده لأهملوا لنا ثروة عظيمة وهي الشواهد والمتابعات، فهذا الحديث الذي رواه الطبري وهو ضعيف يتقوى بما رواه أبو نعيم ويتقوى بما رواه الخطيب، فيصل لدرجة الحسن ويصبح مقبولاً.

مبحث القدر- التعليق على الطحاوية- للشيخ الطحان

التعليق على الطحاوية (مبحث القدر) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان مبحث القَدر يقول الإمام الطحاوي عليه رحمات ربنا الباري: "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطّلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبيُّ مرسَل والتعمق والنظر في ذلك ذريعة (¬1) الخِذلان، وسلم الحرمان ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً وفكراً ووسوسةً (¬2) فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب، كان من الكافرين". أ. هـ. ... هذا المتن للإمام الطحاوي شرحه الإمام ابن أبي العز في عشر صفحات (ط. أحمد شاكر) أو أكثر، وسأضم إليه ما تقدم معكم موجزاً مبحث الإرادة وانقسامها إلى إرادة شرعية وإرادة كونية لتأخذوا هذا المبحث بصورة متكاملة من أطرافه إن شاء الله. القدر مسألة عظيمة من مسائل شريعتنا القويمة سنبحث مبحث القدر ضمن ست مباحث. المبحث الأول تعريف القدر لغة واصطلاحاً: القدر لغة: مصدر قَدَرْت الشيء أقدِره – أقدَرُه قَدْراً وقَدَراً ـ إذا أحطت بمقداره. اصطلاحاً: هو علم الله بمقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم إيجادها حسبما سبق في علم الله جل وعلا، فكل محدَث وكل مخلوق وكل موجود صادر عن علم الله وإرادته وقدرته، هذا الأمر معلوم من الدين بمحكم البراهين، وعليه كان الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان وهو مذهب أهل السنة الكرام. ¬

_ (¬1) أي سبب وطريق. (¬2) أي احذر أن تنظر أو تفكر أو توسوس في موضوع القدر كما سيأتينا إن شاء الله في مسألة الوسوسة في القدر.

.. والإيمان بالقدر من أركان الإيمان كما ثبت في الصحيحين وغيرها من حديث أبي هريرة، وفي مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث جبريل الطويل وفي آخره [قال جبريل: ما الإيمان؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره] وفي رواية: [حلوه ومره من الله تعالى] وهذا الحديث– حديث جبريل – هو أم السنة كما أن الفاتحة أم الكتاب، والإمام البغوي عليه رحمة الله جعله أول حديث في كتابه (مصابيح السنة) مشيراً إلى أن هذا الحديث ينبغي أن يُقدم على الأحاديث كما قدمت الفاتحة على سور القرآن. وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تَعْجِزْ فإن أصابك شيء فقل قدّر الله وما شاء فعل ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا فإن لو تفتح عمل الشيطان] أي ما فيها إلا حسرة وندامة. ... والمراد بالقوة هنا قوة القلب أي المؤمن القوي الذي قلبه فيه قوة وعنده عزيمة قوية لأن قوة البدن تتبع قوة القلب، والذي يثبت في المعركة هو قوي القلب ولا عبرة بقوة البدل دون قوة القلب، فإن صاحب القلب القوي يثبت في المعركة ولو قطعت أطرافه الأربع ولا يتحرك ولا يولي الأدبار، وصاحب القلب الضعيف يجبن ويفر.

.. فالمؤمن القوي الذي إيمانه تام وعزيمته تامة أحب إلى الله من المؤمن ناقص الإيمان ضعيف الإيمان ففي قلبه رخاوة وليس فيه ثبات، لكن في كل خير فهذا مع ضعف إيمانه إلا أن فيه خيراً ولم يخرج عن حظيرة الإيمان وليس هو كأهل النفاق والكفران فهؤلاء كما قال تعالى (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوقم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً، يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلاً) فهم من رعبهم وضعف عزيمتهم وخورهم وجبنهم يحسبون الأحزاب لم يذهبوا مع أنهم ذهبوا وهؤلاء في المدينة وإن يأت الأحزاب يودون لو أنهم بادون في الأعراب أي لو أنهم في بادية وليسوا في المدينة لئلا يلاقوا الخوف مرة أخرى كما حصلوه في المرة الأولى، ولذلك المؤمن قوته في قلبه وضعفه في بدنه أي تظهر عليه علامة الهزال وعلامة الخشوع وعلامة الإخبات من أجل صيامه وقيامه يذبل جسمه ويصغر فترى عليه علامة الإعياء والتعب، لكن عندما يفعل نتعجب من صدور هذه الأفعال وهذه القوة من هذا الضعف، والمنافق على العكس فهو قوي في بدنه لكن ضعيف في قلبه (¬1) . ¬

_ (¬1) والله إخوتي الكرام كما قال الله عن اليهود (لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرىً محصنة أو من وراء جدر) فهؤلاء لو وجدوا من يقاتلهم ومعه الله لحصل النصر الذي لا يخطر ببال من الله، هذا كلام الله (لا يقاتلونكم جميعاُ إلا في قرىً محصنة) هذا من رعبهم لا يستطيع واحد منهم أن يقاتل وجهاً لوجه، لو وقف مائة ألف يهودي لا أقول ألف يهودي لو واجهوا مسلماً واحداً بسكين لماتوا رعباً فضلاً عن إطلاق رصاص، هذا كلام الله الذي يعلم طبائع عباده لكن لما استوينا نحن وهم في المعصية صاروا أسوداً علينا في هذه الأيام لأننا نحن صرنا مثلهم إن لم نكن أعتى منهم فصار لهم الفضل علينا بالقوة الظاهرة ونحن لا توجد عندنا قوة باطنية وهم لا توجد عندهم أيضاً قوة باطنية فإذن استوى الحالان في الباطن ضال يقاتل ضالاً والذي هو أقوى في الظاهر سينتصر فهم الذين سينتصرون لعدم وجود صاحب قوة قلبية يردعهم. إذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا فهؤلاء يطلبون الطعن والنزال ويتحدون العالم بأسره لأن الساحة أمامهم مكشوفة ولا يوجد من يوقفهم عند حدهم، فهذا حال اليهود وحال الأمة الكافرة الأخرى التي جعلناها قدوتنا وكل ما جاءنا من عندهم حسن حتى قال أغا أوغلي أحمد من تركيا من زعماء الكماليين أتباع مصطفي كمال أتاتورك: "عزمنا على أن نأخذ كل مما عند الغرب حتى الالتهابات التي في رئيهم (جمع رئة) والنجاسات التي في أمعائهم".

[احرص على ما ينفعك] أي لا تتواكل وتلقي الأمر على القدر بل ابذل ما في وسعك لتحصيل ما يجلب إليك منفعة ويدفع عنك مضرة. [فإن أصابك شيء] حرصت ورتبت الجيش مثلاً لكن قدر الله أن يقع انكسار وهزيمة (¬1) . [لو أني فعلت كذا..] أي عمل عملية لابنه فمات فقال لو لم يعمل العملية لكان سيحيى ويعيش مثل هذا لا يجوز أن تقوله فهذا تسخط على القدر وجحود وقد تكفر وأنت لا تدري، وهذا يا عبد الله مات بأجله سواء أجريت له عملية أو لم تجر له فسيموت، فدعك من هذا الكلام وقل قدر الله وما شاء فعل. ¬

_ (¬1) والمسلمون خسروا في عدد من المعارك لكنهم لم يخسروا حرباً، وشتان بين الخسارتين، والمسلمون لم يخسروا الحرب أما في المعارك فلا حرج لنا يوم ولهم يوم قال تعالى [وتلك أيام نداولها بين الناس] ، وعندما قال هرقل لأبي سفيان – والحديث في صحيح البخاري – هل قاتلتموه، قالوا: نعم، فقال كيف كان قتالكم إياه قال كانت الحرب بيننا وبينه سجالاً ينال منا ونناله منه، فقال وكذلك (..............) فكرة التعايش السلمي التي نشرت بيننا الآن حاصلها أن نأكل وننام ولا نعادي لا يهوداً ولا نصارى فضلا ً عن محاربتهم وجهادهم بل نعيش في هذه الحياة ونأكل ونتمتع (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوىً لهم) ، فلا نكلم اليهود والنصارى في شيء من الدين بل نتركهم وحالهم ولو أدى الحال إلى أن نصبح مثلهم، وكل من دعا إلى التعايش السلمي فهو مرتد لأن الله تعالى يقول (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) أي شرك ثم قال (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) فهم لا يهنأون ما دام على وجه الأرض مؤمن، ونحن إذا كنا مؤمنين لا نهنأ ما دام على وجه الأرض كافر.

والقدر – كما سيأتينا – حجة في المصائب لا في المعايب، فإذا زنيت فلا تقل قدر الله وما شاء فعل وإذا شربت الخمر فلا تقل قدر الله وما شاء فعل، فهذا (الزنا والسرقة) وقع بقدر الله لكنك تقول قدر الله وما شاء فعل نقصد بذلك أن تنفي اللوم عن نفسك وأنت ملوم، وأما إذا سقط عليك حجر أو انهدم جزء من بيتك أو مات لك قريب أو صديق ونحو ذلك فهذه كلها مصايب فتقول قدر الله وما شاء فعل، فالكلام صحيح قدر الله وما شاء فعل فالزاني بقدر وشرب الخمر بقدر ولا يقع شيء إلا بقدر الله لكن ذاك لك فيه اختيار (الزنا وشرب الخمر ... ) فأنت ستعاقب عليه، وأما هذا (موت القريب، سقوط الحجر) فهو اضطرار وقع عليك دون اختيارك ولذلك تقول قدر الله وما شاء فعل. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان لا يحصل في قلب الإنسان حتى يؤمن بقدر الرحمن. (1) ثبت في سنن الترمذي بسند حسن من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن البني صلى الله عليه وسلم قال: [لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه] . [وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه] فما أصابك هو بقدر الله ولا يمكن أن يزول عنك. [وما أخطأه لم يكن ليصيبه] فلو فاتك شيء محمود كنت تمناه فقل قدر الله وما شاء فعل لأنه لم يكتب لك في هذا الوقت وقد يكتب لك فيما بعد وقد لا يكتب لك بل لأحد غيرك أيضاً فلن تستطيع أن تنال وتحصل ما فاتك مهما حاولت ولهذا كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث في المسند وسنن الترمذي وغيرهما – قال لابن عباس عندما كان رديفه: [.... واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، رفعت الأقلام وجفت الصحف] فإذن ما كتبه الله لك وجعله من نصيبك لن يذهب إلى غيرك، وما كتبه لغيرك وجعله من نصيبه لا يمكن أن تناله وتحصله مهما حاولت.

(2) وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والترمذي بسند صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه [أنه قال لابنه عند الموت: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: يا رب وماذا اكتب – قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة] ، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [من مات على غير هذا فليس مني] أي ليس منه صلى الله عليه وسلم لأنه ترك ركناً من أركان الإيمان. ... والحديث هذا رواه الإمام الترمذي برواية أخرى فيها شيء من الطول وفيها شاهد لموضوع تقدم (¬1) ¬

_ (¬1) تقدم في محاضرة (27) ذكر أحاديث تدل على أن فرعون مات كافراً وأنه في النار وأنه مخلد مع بعض الكافرين المجرمين، وكان هذا جواب لسؤال طالب ولم أكتب هذا هناك لضيق الوقت وسأذكر هذه الأحاديث هنا: 1- روى ابن حبان عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: [من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهان ولا نور ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي بن خلف] وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند (2/169) ، وقال الهيثمي في المجمع (1/292) : ورواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات. 2- روى الطبراني بسند جيد كما قال الهيثمي في المجمع (7/193) كان نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [خلق الله فرعون في بطن أمه كافراً وخلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً] . 3- ثبت في مسند الترمذي ومسند الإمام أحمد والحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [عندما أغرق الله فرعون قال آمنت وأنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل: يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر أي من طين البحر فأدسه في فمه مخافة أن تدركه رحمة الله] وفي رواية [ذكر أن جبريل جعل يدس في فم فرعون الطين خشية أن يقول لا إله إلا الله فيرحمه الله أو خشية أن يرحمه] وفعل جبريل هذا ليس باختياره بل هو مضطر فقد سخره الله سبحانه وتعالى وهيأه وأمره بأن يدس التراب في (فمه) فهذه أحاديث تدل على كفر فرعون وأنه في النار ومنها هذا الحديث الذي سنذكره.

معنا – يقول [قال عبد الواحد بن سليم: قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح فقلت له يا أبا محمد إن بالبصرة قوماً يقولون لا قدر، فقال عطاء يا بني أتقرأ القرآن، قلت: نعم، قال: فاقرأ الزخرف، فقرأت: (حم والكتاب المبين إن جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) ثم قال – أي عطاء – أتدري ما أم الكتاب؟ قلت: لا، قال: فإنه كتاب كتبه الله قبل أن يخلق السموات والأرض فيه: إن فرعون من أهل النار وفيه تبت يدا أبي لهب ثم قال – أي عطاء –ولقد رأيت الوليد بن عبادة بن الصامت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته ما كانت وصية أبيك لك عند الموت؟ فذكر الوصية التي تقدم ذكرها وهذا الذي أشارت إليه الأحاديث النبوية ودلت عليه الآيات القرآنية أذكر بعضها: أ- قال جل وعلا في سورة الأنعام: (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) وهو– أي الكتاب – اللوح المحفوظ فلا يوجد شيء وقع أو سيقع إلى يوم القيامة إلا وهو مسطر فيه. ب- وقال ربنا جل وعلا في سورة الحديد: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كلا مختال فخور) . ج- وقال جل وعلا في سورة التغابن: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدى قلبه والله بكل شيء عليم) . وسعي العباد وعمل المخلوقات بأسرها تنتهي إلى آيتين من كتاب الله: 1- قوله تعالى في سورة الإنسان: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً) . 2- قوله تعالى في سورة التكوير: (لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) . خلاصة قولنا في قدر ربنا:

.. أن الله علم الأشياء ومقاديرها وأزمانها قبل وقوعها ثم أوقعها وأوجدها حسبما علم ربنا جل وعلا ولذلك كل مخلوق وكل محدث وكل شيء يقع بعلم الله وإرادته وقدرته؛ أي علم الله وقوعه في الأزل قبل أن يقع وأراد الله وقوعه إرادة كونية لا يختلف مقتضاها، وقدر عليه فأوجده وخلقه فالله خالق كل شيء (والله خلقكم وما تعملون) ، إذن فـ: (1) العلم. (2) والإرادة. (3) الإيجاد والخلق. كل هذا لله جل وعلا فلا يوجد مخلوق إلا وقد أحاط به علم الله وتعلقت به إرادته وأوجدته قدرته خيراً كان أو شراً. المبحث الثاني إرادة الله جل وعلا تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: إرادة كونية قدرية: ... وهي عامة شاملة لا يتخلف مقتضاها وتكون فيما يحبه الله وفيما يكرهه فـ[ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن] كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مسند أبي داود وغيره. ... وهذه الجملة – ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن– من نفيس اعتقاد أهل السنة والجماعة كما قرر ذلك الإمام أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن (3/1234) ، وقال الإمام ابن القيم في كتاب الفوائد صـ 95 – ونعمت هذه الفائدة التي سيذكرها – "أساس كل خير أن يعلم العبد أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن". ووجه ذلك: أنه إذا أصابه خير وصدرت منه طاعة فيعلم أن هذا بمشيئة الله وتقديره وفضله وإحسانه فيشكر الله ويحمده ولا يفتخر ولا يعجب ولا يُدلِّ ولا يتكبر لأن هذا بتقدير الله [فمن وجد خيراً فليحمد الله] ، فليس لك في فعل الطاعة فضل إنما الفضل كله لمن قدر لك فعل هذه الطاعة وأقدرك عليها.

وإذا عمل معصية أو أصابه سوء فيعلم أن هذا وقع بسبب خذلان الله له وهذا الخذلان وضعه الله في موضعه بسبب تقصير الإنسان أو فساده أو جُُرْمهِ فيدعوه هذا إلى الإقلاع عن ذنبه والتوبة إلى ربه ليقدر الله له الخير وييسره عليه، لأن الله أخبرنا أن العبد عندما يضل يزده الله ضلالاً (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) سورة الصف/ آية5، (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون) سورة الأنعام 110. [فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] فليتب إلى ربه وليسأله إصلاح قلبه فبيده قلوب العباد فهو على كل شيء قدير، إذن إذا عمل طاعة يقول بفضل الله وإذا عمل معصية يقول بعدل الله، ولهذا كان أساس كل خير أن يعلم العبد أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. الأدلة من القرآن على هذا القسم من الإرادة: 1- قال الله جل وعلا (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء) ، فالمراد من قوله (فمن يرد الله أن يهديه– يرد أن يضله) إرادة كونية قدرية لا يختلف مقتضاها، فمن أراد الله هدايته كوناً وقدراً فسيهتدي ولا بد ومن أراد إضلاله كوناً وقدراً سيفعل ولابد، وهو الحكيم سبحانه يضع الأمور في مواضعها. 2- وقال جل وعلا في سورة البقرة آية 253 (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم ومن كفر، ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد) فقوله (ولو شاء الله ما اقتتل ... ) المراد منه مشيئة كونية قدرية لا يتخلف مقتضاها والآيات في هذا كثيرة. القسم الثاني: إرادة دينية شرعية:

وتكون في خصوص ما يحبه الله ويرضاه فقط وقد يوجد مقتضاها وقد يتخلف، وفي الغالب يتخلف مقتضاها ولا ينتج عن تخلف مقتضاها أي إشكال لأن المشيئة الدينية بمعنى الأمر فإذا أمرنا الله بشيء ولم نمتثله ولم نفعله نعاقب وليس في عدم فعلنا إلغاء لأمر الله جل وعلا، وإذا قمنا به أثابنا الله ورضي عنا. الأدلة من القرآن على هذا القسم من الإرادة: 1- قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ، (يريد الله بكم السير) أي يأمركم باليسر، فقد يمتثل أشخاص وقد يخالف أشخاص في ذلك، ولو كانت الإرادة هنا إرادة كونية قدرية لما وقع عسر في هذه الحياة أبداً بل لكان كل شيء يُسْراً، لكن ليست الإرادة كذلك بل هي دينية شرعية قد يوجد مقتضاها وقد يتخلف، فالله يحب اليسر وأمرنا به ويكره العسر وينهانا عنه وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [يسروا ولا يتعسروا، بشروا ولا تنفروا] ، لكن كم من إنسان ينفر ولا يبشر، وكم من إنسان يعسِّر ولا ييسِّر؟!. 2- وقال جل وعلا في سورة المائدة (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم) فالإرادة هنا دينية شرعية يحبها ربنا جل وعلا، ولا يحب الله أن يكون عليكم حرج أو شقة، ولكن يريد أن يطهركم، ولو كانت إرادة كونية لانتفى الحرج في هذه الحياة ولحصلت الطهارة لجميع المخلوقات لكنها إرادة دينية قد يوجد مقتضاها وقد يتخلف وفي الغالب يتخلف فمن يعصي الله في هذه الحياة أكثر ممن يطيعه وأهل النار من كل ألف 999 وواحد من الألف إلى الجنة (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس) فهي نسبة كبيرة كثيرة لم يَسْلم من الألف إلا واحد.

ولذلك ثبت في المسند والصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يقول الله يوم القيامة لأهون أهل النار عذاباً أرأيت لو كان لك الدنيا وما فيها أكنت مفتدياً بها من عذاب يومئذ، فيقول: نعم يا رب، فيقول الله له: أردت منك ما هو أهون من ذلك ألا تشرك بي وأنت في صلب أبيك آدم (¬1) فأبيت إلا الشرك] . ... فقوله [أردت منك ... ] المراد بالإرادة هنا الإرادة الدينية الشرعية أي أحببت منك وأمرتك بما هو أهون من ذلك فإن وحدت حصل المطلوب وأثبتك وإن جحدت عاقبتك، إذن فقد يوجد مقتضى هذه الإرادة وقد يتخلف ولذلك هذا – في الحديث – كفر ودخل النار فلم يحقق مقتضى الإرادة وليس في هذا إلغاء لقدر الله. س: لفظ (أهل النار) ألا يشمل المؤمنين العصاة الذين سيعذبون ثم يخرجون؟ ج: لفظ (أهل النار) إذا أطلق ينصرف لأهلها الذين هم أصحابها، أما المؤمنون فليسوا بأهلها ولا من أصحابها فوجودهم فيها عارض وليس للاستيطان فهم كالمسافر فإنه لا ينسب إلى البلد التي يجلس فيها فترة وجيزة بل ينسب إلى بلده الذي يقيم فيه، ولا ينسب إلى بلد إلا من هم أهله أصلاً أو جاءوا وأطالوا المكث في البلد وأطالوا الإقامة فينسبون له، فالنار لا تنسب إلا لأهلها الأصليين وهم الكفار وأما المؤمن العاصي فهذا مروره في النار عارض بل ليطهر ثم لينقل بعد ذلك إلى جنات النعيم برحمة أرحم الراحمين. ... وعند المحدثين لا ينسب الإنسان إلى بلده إلا إذا أقام فيها، أربع سنين، فيصح أن تنسبه إليها وتقول مستوطن أصلي ولا أقول كتعبير الجاهلية في هذا الحين مواطن، فليس عند المؤمنين إلا جنسية واحدة هي جنسية (لا إله إلا الله) . وصفوة الكلام وخلاصته: إرادة الله ومشيئته قسمان: ¬

_ (¬1) أي في صلب أبيك آدم أخذت عليك الميثاق وأقررت على نفسك وشهدت عليك ثم لما خرجت إلى الحياة أبيت إلا الشرك برب الأرض والسماء.

1- إرادة أمر وتشريع وتكون هذه الطاعات والمعاصي سواء وقعت أو لم تقع، والمقصود أن ما أمرنا به الله ونهانا عنه مرادٌ له إرادة دينية شرعية. 2- إرادة قضاء وتقدير وهي شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات لا يخرج عنها شيء على الإطلاق، ولذلك كانت من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: [أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بَرُّ ولا فاجر من شرما خلقت] فكلمات الله هنا هي: الكونية لأنه قال لا يجاوزها ولا يخرج عنها بر ولا فاجر. إذن الإرادة الدينية الشرعية قد تقع وقد لا تقع، والإرادة الكونية لابد من وقوعها والإرادة الدينية الشرعية تتعلق بما يحبه الله ويرضاه، والإرادة الكونية تتعلق فيما يحبه وفيما يكرهه فمن لازم ما يريده الله إرادة دينية شرعية أن يحبه ويرضاه، ومن لازم ما يريده إرادة كونية قدرية أن يقع ولا يتخلف. المبحث الثالث العلاقة بين الإرادتين: تتحدد العلاقة بينهما في أربع صور ليس لها خامس: ? الصورة الأولي: اجتماعهما: أي: أن توجد الإرادة الكونية المقدرية والإرادة الدينية الشرعية. مثالها: إيمان المؤمن، تحجب المرأة الصالحة، باختصار: كل طاعة تقع في هذه الحياة، فهي تقع بإرادة الله الدينية والكونية، بإرادة الله الدينية حيث أمر الله بها وأحبها، وبإرادته الكونية حيث قدرها وشاءها فلولا ذلك ما حصلت. ... فإذن الله أراد الإيمان من المؤمن إرادة دينية لأنه يحب هذا ويرضاه، وأراده إرادة كونية لأنه وقع منه، ولو لم يرده منه كوناً لما وقع منه. ? الصورة الثانية: انتفاؤهما: أي: لا توجد الإرادة الكونية القدرية ولا الإرادة الدينية الشرعية. مثالها: انتفاء الكفر في حق المؤمن.

.. فانتفى الكفر في حق المؤمن لانتفاء الإرادتين، لا، هم لم يأمروا به (إن الله لا يأمر بالفحشاء) وبالتالي فلم تتعلق به الإرادة الدينية الشرعية، وكذلك لم يقدرهم عليه حيث لم يكفروا وبالتالي لم تتعلق به الإرادة الكونية القدرية، فإذن انتفت الإرادتين. ... ومثله: انتفاء السفور في حق المرأة المتحجبة، وباختصار: كل شيء لم يقع مما يكرهه الله ويبغضه فلانتفاء الإرادتين الكونية لأنه لم يقع، وانتفت الإرادة الكونية لأنه مما يبغضه الله. ? الصورة الثالثة: وجود الإرادة الدينية الشرعية فقط وتخلف الإرادة الكونية القدرية: مثالها: طلب الإيمان من أبي جهل وأبي لهب ومن الكفار جميعاً فالله سبحانه وتعالى أراد الإيمان منهم وأمرهم به (اعبدوا الله مالكم من إله غيره) إرادة دينية شرعية لأن الإيمان مما يحبه الله، ولكن الله جل وعلا لم يرد هذا منهم كوناً وقدراً لأنه لم يحصل منهم لأنه لو أراده كوناً وقدراً لحصل منهم، فلما لم يحصل منهم علمنا أن الإرادة الكونية منتفية في حقهم. ? الصورة الرابعة: (عكس السابقة: وجود الإرادة الكونية القدرية) : وتخلف الإرادة الدينية الشرعية: مثالها: كفر أبي جهل: فالله لم يأمر أبا جهل ولم يرد منه الكفر إرادة دينية شرعية بها طلب منه الإيمان، وقع هذا بإرادته الدينية لا الكونية، لأنه لو وقع طلب الإيمان بإرادة كونية قدرية لما تخلف مقتضاها، لكن ليس الحال كذلك فالذي وقع بإرادة الله الكونية القدرية هو الكفر، فلذلك إذن وجدت الإرادة الكونية القدرية فقط، وتخلفت الإرادة الدينية الشرعية لأن الكفر ليس مما يحبه الله ويرضاه هذه هي الصورة الرابعة للإرادتين. س: بالنسبة لأمر الله هل ينقسم إلى أمر كوني قدري وأمر ديني شرعي؟ ج: لا شك أن أمر الله وإرادته ومشيئته وكلماته كل هذا ينقسم إلى كوني وشرعي قال الله تعالى في سورة الإسراء: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً) .

(أمرنا مترفيها) اختلف أئمتنا الكرام في الأمر هنا على قولين: فقيل: أنه من الأمر الذي هو ضد النهي وقيل: أنه من الأمر الذي هو بمعنى التكثير وعلى القول الأول – الأمر الذي هو ضد النهي – فيحتمل معنيين أيضاً: الأول: أي أمرنا مترفيها بالفسق ففسقوا وعليه فالآن هنا أمر كوني قدري، كما قال الله تعالى: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً ... ) أي الأمر الكوني القدري، بمعنى شئنا لهم ذلك وقدرناه عليهم لما نعلمه من حكمة فيهم. الثاني: قيل يوجد في الآية شيء محذوف والتقدير: أمرناهم بالطاعة فعصوا وفسقوا عن شرع الله وعليه فالأمر هنا ديني شرعي. ... والمعنيان تحتملهما الآية وكل منهما مقرر في كتب التفسير، وهو قول حق مقبول، وانظروا هذا في تفسير ابن كثير وغيره. وعلى القول الثاني – أي بمعنى التكثير – فمعنى كثّرنا، يقال: أَمِرَ كذا بمعنى كثّر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في المسند ومعجم الطبراني بسند رجاله ثقات كما قال الهيثمي: [خير مال المرء مُهْرة مأمورة أو سكة مأبورة] . ... فمعنى مأمورة هنا كثيرة النتاج والنسل، وهذا حقيقة من خير مال المسلم أن تكون له خيل تنتج الأولاد الذين يُغزى عليهم في سبيل الله ويستعان بهم على أمور الحياة والخيل هي وسيلة الجهاد المفضلة لاسيما عندما كان الجهاد بالسلاح الأبيض لا بالسلاح الأسود، والآن يجلسون في الخنادق ويحاربون، هذه ليست شجاعة، بل الشجاعة هي المواجهة وجهاً لوجه والتبارز. [أو سكة مأبورة] أي طريق مصطف بالنخل، مأبورة أي مؤبرة ملقحة بوضع طلح الذكر على الأنثى لئلا يسقط الحمل.

ويشهد لهذا المعنى قراءة يعقوب وهو من القراء العشرة المتواترة قراءاتهم، حيث قرأ الآية (وإذا أردنا أن نهلك قرية آمرنا..) والقراءة متواترة، أي أكثرناهم كثرة زائدة، لا، المسرفين إذا أكثروا وكثر الترف والبطر والأشر تستحق الأمة بعد ذلك العقوبة، قال الإمام الكسائي: آمرنا وأمرنا بمعنً واحد بمعنى أكثرنا. ... وهناك قراءة للحسن البصري وهي شاذة لا يجوز القراءة بها لكن توجه من ناحية المعنى واللغة بتشديد الميم ( ... أمّرنا ... ) أي جعلناهم أمراء مسلطين. الأمر يكون كونياً ويكون دينياً، فهو كوني قدري لكن حسب التقدير: أمرنا بالطاعة فالأمر ديني، أمرنا بالفسق فالأمر كوني. المبحث الرابع الضالون الزائغون في قدر الحي القيوم ضل في قدر الله وإرادته وتقديره ومشيئته فرقتان: 1- قدرية مجوسية. 2- قدرية جبرية. الفرقة الأولي: القدرية المجوسية: فقد ظهرت بذورها في أواخر أيام الصحابة الكرام وأول من دعا إليها نصراني ملعون اسمه (سوسن) (أي هو أول من أظهر بذورها دون تحديد معالم هذا القول الباطل) . وهذه الضلالة التي أحدثها تلقاها عنه شيطان رجيم هو معبد الجهنمي وحاصل قوله: 1) أن الله لا يعلم الشيء إلا بعد أن يقع. 2) وأنه لم يقدر شيئاً. 3) أنه لم يرد شيئاً ولم يشأه. وكان هو أول من قال بهذا، وهذا هو قول المتقدمين من القدرية المجوسية ويسمون القدرية الغلاة ثم انقرض من قال هذا القول بعد ذلك وذهب أهل هذا القول، فجاء بعدهم من انتسب إليه وقال بقول آخر، سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. فإذن أول من قال بهذا الضلال معبد الجهنمي فهو الذي حدد معالم هذا القول، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول له، يا تيس جهينة لست من أهل السر ولا من أهل العلانية، لا ينفعك الحق ولا يضرك الباطل أي أنت أحمق سفيه لا تصلح لا لليسر ولا للجهد ولا للسلم ولا للحرب ثم بعد ذلك لو علمت الحق لا تنتفع به ولو عرفت الباطل لا تتضرر به.

وقال مسلم بن يسار: احذروا معبداً فإنه ضال مضل، إنه يقول بقول النصارى، وهكذا قال الحسن البصري. ... ولما ظهرت مقالة معبد هذه أخذه الحجاج – بأمر من عبد الله بن مروان – فقطع يديه ورجليه ثم صلبه وحرّقه بالنار، وهذه من حسنات الحجاج لكنها مغمورة في بحر سيئاته كما تقدم معنا. وأول حديث في صحيح مسلم في كتاب الإيمان يتعرض لذكر معبد الجهنمي وضلاله، فعن يحيى بن يَعْمُر (ويصح: ابن يَعْمَد) قال: كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهنمي، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين، فقلنا لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القدرى، فَوُفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قِبَلَنا أناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم (¬1) ¬

_ (¬1) أي يتتبعون غوامضه ويبحثون عن خفيه بعد أن أحكموا ظاهره وواضحه وجليله [وذكر من شأنهم] أي عن عبادتهم واجتهادهم في طاعة الله لأنهن كانوا في البصرة وأهل البصرة ظهر فيهم النسك والتقشف والزهد في أول الأمر كما ظهر في الكوفة الفقه والاستنباط والاجتهاد ولذلك كان أئمتنا إذا أرادوا أن يخبروا عن تنسك إنسان يقولون عبادته عبادة بَصْرية وإذا أرادوا أن يخبروا عن فقهه وسعة نظره واستنباطه واجتهاده قالوا فقهه فقه كوفي وأول من بنى دويريه للعبادة الزهاد في البصرة هو عبد الواحد بن زيد عليهم جميعاً رحمة الله..

وذكر من شأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم ساق حديث جبريل الطويل وفيه: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ... الحديث. الشاهد في الحديث: قول يحيى بن يعمر كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهنمي، فقال إن الأمر أُنُف أي مستأنف جديد، ولم يقدر الله شيئاً في الأزل ولا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، وهؤلاء أصحاب هذا القول هم أهل جد واجتهاد وحزم في العبادة ولذلك ذكر يحيى بن يعمر وصفهم لعبد الله بن عمر فقال له يتقفرون العلم وذكر من شأنهم أي عن عبادتهم واجتهادهم في طاعة الله. ... وهؤلاء هم القدرية الغلاة والقائل بقولهم كافر عند المؤمنين والمؤمنات وهم الذين نفوا علم الله وقالوا الله لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، وفي الحقيقة هذا فيه أعظم نقص في الله عز وجل إذا انتفى علمه وكان لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها ثم إن العباد لا يعلمون الشيء بعد وقوعه فكيف نسوي الخالق بالمخلوق؟!! إن الله سبحانه وتعالى 1) بكل شيء عليم. 2) على كل شيء قدير. 3) فعال لما يريد فهذه الأمور الثلاثة على إطلاقها وعمومها لا تكون إلا لربنا سبحانه وتعالى (إنما أمره إذا أراد شيئاً إن يقول له كن فيكون) وأما أنا وأنت فيما يكون مما لا نريده أكثر مما يكون مما نريده، وكم من إنسان يتمنى أماني لعله لا يقع عشر معشارها.

.. الحاصل: أنه بعد أن قتل الحجاج معبداً ذهبت البدعة من البصرة إلى الشام، والذي تولى نشر البدعة في بلاد الشام – بعد قتل معبد – هو غيلان الدمشقي – وقال بقول معبد فاستدعاه عمر بن عبد العزيز وكان خليفة المسلمين آنذاك – وناظره فرجع عن ضلاله، ثم قال – أي غيلان -: يا أمير المؤمنين كنتُ أعمىً فبصَّرْتني وضالاً فهديتني، وأصم فأسمعتني، جزاك الله خيراً لن أعود إلى هذه الضلالة، فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن كان عبدك غيلان صادقاً ثبته واشرح صدره، وإن كان كاذباً فعجل عقوبته.

.. فبقي غيلان في عهد عمر على حاله لم يصدر شيئاً بدعياً أو شيئاً من وساوس الشيطان التي تاب عنها ظاهراً وأما في السر فبقي على ضلاله ولذلك بمجرد موت عمر بن عبد العزيز رحمه الله أعلن غيلان بهذه البدعة ودعا إليها، فاستدعاه الخليفة في ذلك الوقت هشام بن عبد الملك وناظره سيد المسلمين في ذلك الوقت الإمام الأوزاعي ليرجع عن ضلاله فلم يرجع، فقال الإمام الأوزاعي: يا أمير المؤمنين لا يستحق إلا القتل، فقتله هشام، وقد كان هشام بن عبد الملك من أكثر الخلفاء تورعاً في الدماء وكان لا يتعجل في قتل من يثبت عليه الكفر ويقول لعله يتوب لعله يقلع لعله..لعله - وهذا في الحقيقة أمر حسن في الخليفة والمسؤول – فلما أفتى الإمام الأوزاعي بقتله كأنه اعترى هشام شيء من الندم بعد قتله وقال ليتني توقفت ولم استعجل بقتله، فكتب إليه رجاء (¬1) بن حَيْوَهْ: يا أمير المؤمنين: بلغني أنه وقع في نفسك شيئٌ من دم غيلان، والله إن قتله أفضل عند الله من قتل ألفين من الروم (¬2) . وبمقتل غيلان زالت بدعة القدرية الغلاة ولم يبق قائل بتلك البدعة بعد غيلان، لكن المنهج تغير إلى المعتزلة فآل القول إليهم ونحتوا المذهب بعض النحت فانظروا ماذا قالوا: 1) قالوا: إن الله يعلم الأشياء بعد وقوعها – وبهذا خالفوا قول القدرية الغلاة لكنهم ضلوا في الباقي، فقالوا: 2) إن الله لم يقدر على عباده شيئاً. 3) إن الله لم يرد إلا ما أمر به وأحبه. ¬

_ (¬1) وكان من شيوخ أهل الشام الصالحين، وكان مسلمة بن عبد الملك بقول بدعاء رجاء يسقينا الله غيث السماء وبدعائه ينصرنا الله على الأعداء. (¬2) أي فطب نفسك ولا تملها، لأن غيلان هذا الآن مرتد، ثم إنه يفسد الإسلام، باسم الإسلام، فهو أخطر ممن يفسد الإسلام باسم الكفر فهو كافر (باقي الحاشية لا تظهر في التصوير)

فبالقول الأول فارقوا القدرية الغلاة وبالقولين الأخيرين فارقوا أهل السنة، فليسوا بقدرية غلاة وليسوا بأهل هداة، وهذه الاعتقادات الثلاثة تدخل تحت أصل من أصولهم الخمسة – وستأتي – يسمونه العدل. وأول من قال بهذا القول – قول المعتزلة – واصل (¬1) بن عطاء الغزّال وتبعه عليه أبو عثمان عمرو بن عبيد، وهؤلاء المعتزلة أتوا بأصول خمسة هدموا بها أركان الإيمان - وهي من مباحثنا المقررة -: أصول المعتزلة الخمسة: الأول: العدل ¬

_ (¬1) وضع المعتزلة سوّء الله وجوههم حديثاً موضوعاً في واصل، في طبقات المعتزلة لقاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي، يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ليكونن في أمتي رجل اسمه واصل يفصل الله به بين الحق والباطل] وعمرو بن عبيد شغف بشيخه الضال واصل شغفاً كبيراً، بحيث زوجه أخته – أي عمرو وزوج لواصل أخته – وقال: أريد أن يأتيها ولد منك فيقال خال أولاد واصل هو عمرو بن عبيد، فقطع الله نسله ولله الحمد وما أنجبت شيئاً، وواصل بن عطاء كان فصيحاً مفوهاً بليغاً وكان من العلماء، وهكذا عمرو بن عبيد، وقد كان – أي عمرو تلميذاً للحسن البصري، ويقول الحسن في عمرو بن عبيد: (نعم الفتى عمرو لو لم يحدث) والحسن البصري قال هذا قبل أن يجهر عمرو ببدعته وكأنه كان يتوسم فيه هذا وإن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم، قال أئمتنا: فأحدث والله أعظم الحدث، وكانوا يقولون نحن أرجى للحجاج منا لعمرو بن عبيد لأنه بدعة الحجاج زالت وانقضت وأما هذا فقد ترك الأمة على مثل لُجج البحار، فهذه بدعة لم تَزُل، وأما بدعة الحجاج فزالت لأن المبتدع خطره أعظم من فاعل الكبيرة.

.. وإليه ينسبون أنفسهم فيقولون الطائفة العدلية، ويقصدون بالعدل نفي عموم مشيئة الله، يعني هم لا يقولون على جهة العموم – ما شاء الله كان، بل يقولون: الله يريد الخير ولا يريد الشر – وقد قلنا إن أكثر ما يقع في هذه الحياة الدنيا مخالفات ومعاص ٍ فهذه تقع بغير مشيئته سبحانه وتعالى يقولون: لا، نقول: إذن بمشيئة من تقع؟!! هذا بزعمهم عدل، إنه جور. الثاني: التوحيد: ... ويقصدون بالتوحيد نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى فليس له صفة تقوم به، فنفوا الصفات وتعللوا بأمرين: الأمر الأول: إن إثبات الصفات يقتضي تعدد القدماء، والله واحد، فلئلا يتعدد القدماء تنفى الصفات عن رب الأرض والسماء، وهذه الصفات رحمة، قدره، علم وما ورد به القرآن قالوا: هذه أعلام محضة مترادفة تدل على الذات فليس لها معنىً آخر هذا كما تقول: حسام ومهند وحازم وصمصام فهذه كلها أعلام محضة مترادفة تدل على ذات معينة وهي قطعة الحديد التي هي السيف. نقول: هذا باطل من جهتين: 1) هذه الأسماء لها معانٍ وهذه المعاني مختلفة وليست بمعنىً واحد وليست مترادفة، فليس الحال كما هو في أسماء السيف. 2) نقول: هذه الأسماء ليست هي الذات إنما تقوم بالذات، فمثلا ً، علمك وقدرتك ووجهك وسمعك وبصرك ليست هي ذاتك بل هي تقوم بذاتك، فكذلك الله سبحانه وتعالى، وله المثل الأعلى سبحانه. الأمر الثاني: قالوا: لو أثبتنا لله الصفات للزم من هذا مشابهته بالمخلوقات، أي لو أثبتنا لله جل وعلا وجهاً وعلماً وقدرة وإرادة وسمعاً وبصراً للزم من هذا تشبيهه بنا. نقول: إننا نرى الفرق واضحاً بين يد الإنسان ويد الكلب، ويد الباب فلكل واحد يد تناسبه مع أنها مخلوقات فكيف سيلزم التشبيه بين الخالق والمخلوق إن كان مخلوق مع مخلوق لم تتشابه أيديهم وله المثل الأعلى.

ونقول لهم يلزم التشبيه في حالة واحدة إذا اتحدت الذوات والصفات تتشابه فمثلاً ذاتي وذواتكم متشابهة فعندما أقول لي عين نقول مباشرة: كعيني، ولا يصح إذا قلت لك لي وجه ولك وجه أن تقول كوجه الصرصر لأن هنا الذرات اختلفت فذات البشر غير ذات الصرصر، فإذا اختلفت صفاتنا لاختلاف ذواتنا، فكذلك الخالق سبحانه وتعالى ذاته ليست كذواتنا وصفاته ليست كصفاتنا فلا يلزم التشبيه من باب الأولي، والله ليس كمثله شيء ولذلك إيماننا بالصفات – كما تقدم – إقرار وإمرار، نقرّ بالصفة ونمرها دون البحث في كيفيتها. إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده فهم أرادوا أن يعملوا عقولهم في أمر غيبي فضلوا وأخلوا، كيف نأتي لصفات مدح الله بها نفسه فننفيها، وهل تعقل ذات بلا صفة؟!! ونفي الصفات هو التعطيل المحض ولذلك قال أئمتنا المعطل يعبد عدماً، والممثل يعبد صنماً وتوحيدهم في الحقيقة تلحيد. الثالث: المنزلة بين منزلتين: وهذه من أحكام الدنيا لا من أحكام الآخرة، ويعنون بها أن من فعل كبيرة ولم يتب منها ومات على ذلك فهو مخلد في نار جهنم – هذا في الآخرة – لكنه ليس بمؤمن ولا كافر – هذا في الدنيا -، وهذا هو قول الإباضية وتقدم معنا، وأما الخوارج فكفَّروا فاعل الكبيرة، وأخرجوه من الإيمان وخلدوه في النيران، وأهل السنة قالوا فاعل الكبيرة: مؤمنٌ عاصٍ فلم يكفَّروه، وقالوا مآله إلى الجنة مهما عذب إذا لم يغفر الله له ابتداءً. ... وأما المعتزلة فتذبذبوا فقالوا لا نكفره كما كفره الخوارج ولا نحكم له بالإيمان كما قال أهل السنة، فهو لا مؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين بين الإيمان والكفر، وأما في الآخرة فلأنه لا يوجد إلا داران إما جنة أو نار فقالوا هو مخلد في النار.

نقول: كيف لم تكفروه وحكمتم عليه بالخلود في النار، ولذلك قول الخوارج – مع ضلاله – أوفق مع بعض فهم كفروه وخلدوه، وأما هؤلاء فقالوا ليس بكافر وخلدوه في النار ولذلك كان أئمتنا يقولون عن المعتزلة في هذه المسألة: إنهم مخانيث الخوارج لأنهم وافقوهم في النتيجة (الخلود في النار) . الرابع: إنفاذ الوعيد: ... يعنون به أنه يجب على الله أن يعاقب العاصي ولا يجوز أن يغفر له وذلك العقاب هو؟ وتقدمت معنا مناظرة أبي عمرو بن العلاء وأبي عثمان عمرو بن عبيد. نقول: هذا الوجوب باطل لأن كل وعيد مقيد بقيدين: 1) عدم مغفرة الله للعاصي، فإذا غفر له لا يناله الوعيد، لحديث عبادة مرفوعاً [..ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه] كما رواه الإمام أحمد والستة إلا أبا داود، وتقدم معنا أن أعظم آيات الرجاء رجاءً قول الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . 2) عدم التوبة، فإذا تاب لا يناله الوعيد، والمعتزلة سلموا بهذا القيد – عدم التوبة – فقالوا من تاب لا يناله الوعيد فإذن هو قيد مجمع عليه، قالوا: هذا قيد لأنه ورد بدليل منفصل (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) ، (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً) .

وهذا حق من المعتزلة، لكن نقول لهم كما جعلتم عدم التوبة قيداً فتجعلوا عدم المغفرة قيداً، قالوا: لا نجعله قيداً لأنه إذا غفر له فيكون قد أخلف وعيده فهذا كذب منه، فنقول لهم: ذلك الوعيد مقيد بعدم المغفرة كما أنه مقيد بعدم التوبة، وكما أخرجتم قيد عدم التوبة بدليل منفصل فأخرجوا القيد الثاني (عدم المغفرة) بدليل منفصل، فلم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟!، فالله سبحانه وتعالى قال: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقال (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب) . وقد دلت الأدلة الشرعية على أن التوبة مقبولة ما لم يصل الإنسان إلى أحد حالتين: أ) الغرغرة، فإذا وصلت روح الإنسان إلى حلقومه لم تقبل توبته لأنه يدخل في أول حالة من أحوال الآخرة وهي البرزخ، والدنيا انتهت في حقه الآن، لما ثبت عن عبد الله بن عمر – والحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن حبان – بسند صحيح – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر] . ب) طلوع الشمس من المغرب، فإذا طلعت من مغربها لا تقبل توبة التائبين، لأن نظام الحياة انتهى ودخل الناس في أحوال الآخرة. الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ويقصدون به وجوب الخروج بالسيف على أئمة الجور، هذا يدَّعون أنه أمر بمعروف ونهي عن منكر، والله إنه توسيع للمنكر وليس نهياً عن المنكر. نقول: الأئمة ثلاثة أصناف:

1- إمام إيمان وعدل، وصفاته بالإجماع: أن يكون ذكراً، حراً، عاقلاً، بالغاً، بايعته الأمة عن رضاً واختيار، يحكم بشريعة العزيز القهار (ستة) ، واختلف في السابع وهو القرشية والمعتمد عند جمهور أهل السنة اشتراط القرشية في الإمام ليكون من أئمة العدل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الأئمة من قريش] والمراد بالإمام هنا الإمام الأعظم الذي هو خليفة المسلمين، لا ولاته ووزراؤه وأعوانه فهؤلاء لا يشترط فيهم القرشية بالاتفاق، وكما قال أبو بكر رضي الله عنه للأنصار [نحن الأمراء وأنتم الوزراء] . (؟؟؟؟) صلى الله عليه وسلم، وحب هذا الإمام من أفضل خصال الإيمان، وإنه هو الإمام الذي يحفظ بَيْضة الإسلام ويجمع كلمة المسلمين. 2- إمام جَوْر: وهو من يحكم بشريعة الله جل وعلا في رعيته لكنه يفرط في حق نفسه فيشرب الخمر أو يعمل الفواحش. هذا الإمام لا يجوز الخروج عليه بالسيف، لأن شريعة الله منفذة وأما وزره فيبقى في رقبته، فلا نخرج عليه لأن الخروج عليه سيزيد الأمر سوءاً وبلاءاً وفتنة وضرراً، فلا ندفع مفسدة بمفسدة هذا كحال كثير من خلفاء الدولة الأموية والعباسية وغيرها، فمثلا ً الحجاج كان سفاكاً وكانت شريعة الله منفذة فلو أن السلف لم ينازعوه ولم يقاوموه لما أريقت هذه الدماء التي أراقها والتي بلغت (120.000) نفساً كما ثبت في سنن الترمذي عن هشام بن حسان مقطوعاً عليه، فمثل هذا ينبغي أن يترك ويلجأ إلى الله بأن يصلح حاله وحالنا.

.. قال أئمتنا: هذا الإمام لا يجوز الخروج عليه، لكن إن أمكن عزله بلا فتنة وبلا إراقة قطرة من دم وجب، وهذه صورة نظرية ليست عملية فهي تتوقع في حالة واحدة وهي لو أن الإمام جرى منه شيء من الجور وحصل منه بعض الفسق فذهب إليه بعض أهل الخير ونصحه بالتوبة أو يترك الإمامة فقال – أي الإمام – إن كنتم لا ترغبون فيَّ فقد عزلتُ نفسي، فهذه هي الصورة التي يمكن أن يعزل بها الإمام دون إراقة دماء، وما عدا هذه الصورة ستراق الدماء هذا عند أهل السنة الكرام. ... وعند أهل المعتزلة: قالوا إذا فسق الإمام وجب الخروج عليه بالسيف ولو أن الأمة كلها ستهلك هذا قاله المعتزلة ولم يطبقوه فكان كلاماً نظرياً، فإنه لم يكن يسير وراء خلفاء الجور ويمشون وراءهم إلا المعتزلة، فمثلاً عمرو بن عبيد كان صديقاً حميماً لأبي جعفر المنصور، وأبو الهذيل العلاف من أئمة المعتزلة كان أستاذاً للخليفة العباسي المأمور، وأحمد بن دؤاد كان قاضي القضاة – وهو معتزلي – لثلاثة من خلفاء بني العباس.

.. فالمعتزلة أوجبوا الخروج عليهم – ولا أقول سكتوا – بل خالطوهم، وأما أهل السنة فاعتزلوا الخلفاء مطلقاً ولم يتصلوا بهم ورأوا في العزلة السلامة، ولما جاء الخليفة المتوكل ليزور الإمام أحمد اعتذر الإمام عن زيارته والخليفة واقف على الباب، فخرج ولده – ولد الإمام أحمد – عبد الله فقال لأبيه الخليفة يستأذن لزيارتك، فقال: قل له ولم يخرج لمقابلته أمير المؤمنين أعفاني مما أكره وهذا مما أكره، أي أكره دخول الخليفة إلى بيتي، فانصرف الخليفة المتوكل، فانظر أولئك يذهبون يتمسحون بالخلفاء وانظر لأئمة أهل السنة يأتيهم الخلفاء فيرفضون دخولهم منازلهم، ولذلك قال عبد الله بن مسعود – كما في سنن الدارمي – "ومن أراد أن يكرم دينه فلا يخلون بالنسوان، ولا يدخلن على السلطان، ولا يجادل أهل الأهواء"، فامرأة لا تخلو بها ولو خدعك الشيطان بأن تعلمها القرآن فانتبه واحذر!! ولذلك كل من كان سبباً لفتنة كان أئمتنا يعبسون في وجهه ولا يضحكون، فإياك أن تضحك في وجه امرأة ليست من محارمك، أو أن تسمعها كلمة ليونة، وإذا قابلت مبتدعاً فإياك أن تبشر في وجهه فذاك يطمع في إغوائك، وهذه تطمع في إغوائك، قال بعض المبتدعة لأيوب السختياني: قف حتى أكلمك كلمة، قال أيوب: ولا نصف كلمة. 3- إمام كفر: وهو الذي لا يحكم بشريعة الله المنزلة، هذا بالإجماع من قدر على إزالته فلم يُزله إثمه في رقبته، وإذا لم يقدر فيجب عليه أن يغير على حسب استطاعته، وإذا لم يقدر فيجب عليه أن يهاجر إن أمكنه، وإذا لم يقدر فليصبر وليلجأ إلى الله جل وعلا فيلقى الله معذوراً إن شاء الله و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) . مناقشة أصل (العدل) الذي نسبوا إليه أنفسهم، ومناظرتهم في قولهم، إن الله علم الأشياء في الأزل، لكنه لم يقدر على عباده شيئاً ولا يريد إلا ما أمر به:

قول المعتزلة بأن الله قدر الخير وأراده ولم يقدر الشر ولم يرده والعباد يخلقون أفعالهم، قولٌ باطل دلت الأدلة الشرعية على بطلانه، وقد أشار أئمتنا إلى تلك الأدلة ووجهونا إلى مناظرتهم بها، من ذلك: ب) ما قاله إمام أهل السنة الإمام الشافعي: "ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن أنكروه كفروا". ونِعْم ما قال. أي الأمر يسير في مناظرة المعتزلة قولوا لهم: ... هل الله يعلم الأشياء قبل وقوعها أم لا؟ أي الله يعلم ما سيعمله العباد أم لا؟ إن قالوا نعم، خصموا وبطل قولهم، ووجه ذلك: أن الله إذا علم الأشياء في الأزل قبل وقوعها إذن علم الخير والشر فإذن قدر على عباده ما سيعملونه، وإن قالوا لا، التحقوا بالقدرية الغلاة وهم الذين كفروا وتقدم أنهم أنكروا سبق علم الله لوقوع الأشياء. ت) وقال الإمام أبو الفضل العباسي الشَّكْلي – كما في كتاب الشريعة للآجرّي صـ244 – "أمران يقطع بهما المعتزلي، فنقول له: هل قدر الله فلم يرد، أو أراد فلم يقدر". ... أي إن قالوا قدر الله على هداية الناس جميعهم فلم يرد، فحينئذ يكون قولهم قد بَطل وانتقض، فهذا هو قول أهل السنة إذ من يستطيع أن يهدي من لم يرد الله هدايته (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً) ، فقدر لكنه لم يرد، لحكمة بالغة تامة له سبحانه وتعالى. ... وإن قالوا أراد الله هدايتهم لكنه لم يقدر فحينئذ هم كفروا بهذا القول لأنهم وصفوا الله بالعجز حيث غلبت الناس إرادته تعالى الله عن ذلك. ... ولذلك قال الإمام عبد الرحمن العلامي (ت 795 هـ) في السنة التي توفي فيها ابن رجب الحنبلي قالوا يريد ولا يكون مراده ... عدلوا ولكن عن طريق المعرفَهْ (يريد) أي يريد للناس الإيمان ولا يكون مراده. (عدلوا) أي مالوا عن الهدي إلى الباطل والضلال، فالله أراد هداية الناس لكنهم عارضوه وخالفوه فما اهتدوا.

ومن جملة مناظرات أئمتنا الهداة للمعتزلة الضالين في إبطال قولهم هذه المناظرة المحكمة السديدة (موجودة في طبقات الشافعية الكبرى (4/261) و (5/98) ، الفتح (13/451) ، وأوردها شيخنا في دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب صـ286 في تفسير سورة الشمس عند قوله تعالى (فألهمها فجورها وتقواها) . وحاصلها: أنه اجتمع في مجلس ٍشيخان أحدهما مهتدٍ والآخر ضال، أما المهتدي: من شيوخ أهل السنة الكرام أبو إسحاق الإسفراييني، وأما الضال: عبد الجبار المعتزلي. فقال عبد الجبار (مُعرِّضاً بأهل السنة الأبرار) : سبحان من تنزه عن الفحشاء (¬1) . فقال أبو إسحاق: كلمة حق أريد بها باطل ثم أجابه فقال: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء. فقال عبد الجبار: أفيريد ربنا أن يُعصى (¬2) ؟ فقال أبو إسحاق: أفيُعص ربنا مكرهاً (¬3) ؟ فقال عبد الجبار: أرأيت إن قضي عليّ بالردى (¬4) ومنعني من الهدى أحسَنَ إليّ أم أساء؟ فقال أبو إسحاق: إن كان الذي منعك ملكاً لك فقد أساء، وإن كان ملكه فهو الذي يفعل ما يشاء. ... فَبُهِتَ عَبْدُ الجبار، وقال الحاضرون: لا يستطيع أن ينازع هذا أحد، فهذا الآن من أئمة الهدى أي إن أعطاك ففضل وإن منعك فعدل، ولا يظلم ربك أحداً، وهذه المناظرة حقيقة تبطل مذهب المعتزلة بهذه الحجة المحكمة الدامغة. ... يقول إياس بن معاوية الذي يضرب به المثل بالذكاء والفراسة والألمعية: "ما ناقشت أحداً بجميع عقلي إلا القدرية" ثم قلت لهم، أخبروني عن الظلم ما هو؟ قالوا: الظلم أن تعتدي على غيرك بأن تأخذ حقه من غير إذنه أو تتصرف في ماله بغير إذنه. ¬

_ (¬1) ويقصد بذلك أن الله لم يقدر الشر ولم يرده. (¬2) كان يعرِّض والآن يصرح. (¬3) هنا جواب وحجة على الجواب، والمعنى: أنه يريد لأنه لو لم يرد لأكره العبد ربه في فعل المعصية. (¬4) الهلاك.

.. فقال لهم إياس: فهذا الكون ملك مَنْ؟!! هو ملك الله، فإذا تصرف الله فيه فهل يُعد هذا ظلماً؟! لا، مَنَّ على هذا بالهدى وخذل هذا ولم يوفقه. ... نعم أقام الحجة على جميع العباد وأرسل الرسل وأنزل الكتب ومنحنا العقول ثم بعد ذلك لطف بهذا المؤمن فوفقه، وخذل ذلك الكافر وما مَنّ عليه بالهداية، فأي ظلم في هذا؟!! الظلم هو أن تعتدي على حق غيرك وأن تتصرف في ماله بغير إذنه، ولا يدخل الظلم في دائرة أفعال الله سبحانه وتعالى وهذه المناظرة عن إياس أوردها الإمام ابن تيمية وهي في مجموع الفتاوى (18/139و 140) . ... إذن قول القدرية بأن الله لم يقدر الشر ولم يرده ولو قدره لكان ظلماً للعباد، هذه سفاهة وقلة أدب منهم مع ربهم جل وعلا، فلا يقع شيء إلا بعد تقدير الله له ذاك أمرنا به هذا نهانا عنه وأقام علينا الحجج، ذاك مَنَّ على من فعله وهو الطاعة، وهذا أخذل من فعله وهي المعصية (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعاً) أليس من الممكن أن يجعل الله أبا جهل كجبريل؟! ممكن لكنه لم يرد ذلك، فهل يقال ظلمه؟ نقول: لا فإن ذاك أعطاه الاختيار والعقل وأرسل الرسل وأنزل الكتب، فلا يقال عن ترك المنّ إنه الظلم، ولا يقال على عدم الفضل إنه ظلم ونحن نعلم يقيناً أنه لم يهتد مهتدٍ إلا بفضل الله لا بعقله ولا باختياره ولا بجده ولا بذكائه ولا بألمعيته، وقد ترى البدوي لا تلقي بالاً لخفة عقله ولكنه لا يفتر عن ذكر الله وترى صاحب العقل الضخم كافراً فما مَنَّ الله عليه بأن يوحده، فكون الله لم يعط فضله للكافر هذا لا يقال إنه ظلم فهذا ملكه يتصرف فيه كما يريد نعم نقول الله منّ على البدوي بالإيمان وشرح صدره (فألهمها فجورها وتقواها) .

.. وهذا الأمر أشار إليه نبينا صلى الله عليه وسلم وكان سلفنا الكرام يُذّكر بعضهم بعضاً استمعوا إلى هذا الحديث في صحيح مسلم في كتاب القدر (2650) (10) عن أبي الأسود (¬1) الدَّئلي يقول [قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قُضي عليهم ومضى عليهم مِنْ قدر ما سَبَق (¬2) ، أو في ما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت (القائل أبو الأسود) : بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم، فقال عمران: أفلا يكون ظلماً؟ يقول أبو الأسود: ففزعت من ذلك فزعاً شديداً (¬3) ، وقلت: كل شيء خَلق الله وملْك يده فلا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. ... فقال لي - عمران -: يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأَحزِر (¬4) عقلك، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي ومضى فيهم من قدر ما سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم. فقال: لا، بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ] فجواب أبي الأسود كجواب النبي عليه الصلاة والسلام تماماً وسؤال عمران كسؤال الاثنين الذين أتيا من مزينة. ¬

_ (¬1) ويقال الدِّئلي، ويقال الدُّؤلي، ولا يذكر إلا بكنيته وهو تلميذ علي رضي الله عنه وصاحبه وهو الذي وضع قواعد النحو واسمه ظالم بن عمرو، وكان أئمتنا يتجنبون ذكر اسمه هذا فيقولون الكنية فقط، وهو سمي بهذا الاسم في الجاهلية وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبي عليه الصلاة والسلام. (¬2) أي في اللوح المحفوظ وأن هذا مقدر. (¬3) أي هذه كلمة خشنة كبيرة أفزعتني. (¬4) أي اعرف واخبر واستفسر وتبين ونحوها، فامتحن فهمك وعقلك ومعرفتك وأختبر ذلك.

وسيأتينا إن شاء الله تعالى – أن الإنسان له اختيار لكنه مضطر في اختياره (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) (فألهمها فجورها وتقواها) فالمُلْهِمُ هو الله والهادي هو الله والمضل هو الله (يهدي من يشاء ويضل من يشاء) يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله وإذا قلت هذا للمعتزلي ينتفض يقول: الله يضل؟ قل له: هذا كلام الله وليس كلامي. أتدرون بماذا يفسرون كلمة (يضل ويهدي) يضل: أي حكم لهم بالضلال بعد أن ضلوا (¬1) ، ويهدي: أي حكم لهم بالهداية بعد أن اهتدوا. ولذلك شيء قضى عليهم ومضى فلا يمكن أن يتخلف طرفة عين، والله جل وعلا – كما قلنا – من مقتضى ألوهيته وربوبيته أنه يعلم الشيء قبل وقوعه وهو المقدر سبحانه وتعالى لا إله غيره ولا رب سواه. جاء أعرابي إلى أبي عثمان عمرو بن عبيد (الشيخ الثاني لمذهب المعتزلة) وهو في مسجد البصرة فقال الأعرابي: يا أبا عثمان إن حمارتي قد سُرقت، فادع الله أن يردها عليّ فرفع عمرو بن عبيد يديه وقال: اللهم إن حمارته سُرقت وأنت لم تُرِد سرقتها، فأرددها عليه فقال الأعرابي: يا شيخ السوء كف عن دعائك (الخبيث) ، إذا لم يرد سرقتها وقد سُرِقت، فقد يريد ردها ولا ترد. أي إذا كان العبد يغلب الرب فهذه مشكلة المشاكل، فانظروا للأعرابي ولفطنته ولفطرته وسداد جوابه. ¬

_ (¬1) أي لما اهتدوا قال لهم مهتدون، ولما ضلوا قال لهم ضالون!!! نقول هذا حكم البشر لا حكم خالق البشر، والله يقول في الآية (فألهمها) أي جعلها تختار وجعل في روعها وقلبها، فألهمها فجورها وألهمها تقواها، لكن الله لا يعذب إلا بعد أن يصدر هذا الفجور أو التقوى من الإنسان

اجتمع في سفينة رجلان أحدهما: مجوسي والآخر معتزلي، فقال المعتزلي للمجوسي: أسلم، فقال المجوسي: حتى يريد الله، فقال المعتزلي: الله أراد لك الإسلام لكنك أنت الذي لم تُرِدْه والشيطان هو الذي لم يُرد لك الإسلام، فقال المجوسي، إذا أراد الله لي الإسلام والشيطان لم يرد لي الإسلام وغلبت إرادة الشيطان إرادة الرحمن فأنا مع أقواهما. أي إذا كان الشيطان يغلب الله، فلماذا تقول لي أسلم لله. ونحن – أهل السنة – نقول لهذا المجوسي: أسلم، فإذا قال لنا حتى يريد الله، نقول هذه كلمة حق أريد بها باطل فلا نسلم له بجوابه، بل نقول له، الله أمرك بالإسلام ووضح لك الأمر وأزال عنك الأعذار فكتاب الله بين يديك وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين يديك أيضاً حججٌ قائمة تدعوك للإيمان فيجب عليك أن تؤمن، فلا يجوز لك أن تتعلل بقدر الله – بعد ذلك – في عدم إيمانك، لأن قدر الله غيب، فلا يجوز أن تستدل بما لا تعلم وتقدم معنا أن القدر يستدل به في المصائب لا في المعايب. فإذن جوابك حق أريد به باطل أريد به تبرئة النفس من المعصية والشين، نعم إذا لم يرد الله لك أن تصلي فلا يمكن أن تصلي، لكن من الذي أعلمك أن الله لم يرد لك الصلاة، ومن الذي يُعلم الإنسان أن الله قدر له السوء ولم يقدر له الخير، فتجده يتعلل بعد ذلك بهذا القدر. وقلنا كل واحد يشهد من نفسه ضرورة التفريق بين ما جبر عليه وبين ما خيّر فيه، فما جبرت عليه لا اختيار لك فيه وأما ما خيرت فيه فلك فيه اختيار وهذا الاختيار يعلمه الله ويقدره ويحصل.

فعليك إذن أن تعمل بما في وسعك وألا تبرئ نفسك، فليست الذكورة والأنوثة كالطاعة والمعصية، فتلك مجبور فيها وأما هذا – الطاعة والمعصية – فمخير فيها وليس ذلك كهذا كل منهما بقضاء وقدر، فتثاب وتعاقب على اختيارك، فإن اخترت الخير نقول جرى به قدر الله وهذه منة الله عليك، وإن اخترت الشر نقول جرى به قدر الله وهذا خذلان الله لك [فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] . وقد سماهم – أي هذه الفرقة الضالة المعتزلة نبينا عليه الصلاة والسلام بالمجوس (¬1) ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وروي الحديث من روايته عدة صحابة كرام اذكر لكم أسماءهم مع الاختصار في ذكر المخرجين: حذيفة بن اليمان، في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وكتاب السنة لابن أبي عاصم، وعن جابر بن عبد الله في سنن ابن ماجه ومعجم الطبراني الصغير والشريعة للآجرّي والسنة لابن أبي عاصم، وعن أمنا عائشة في السنة لابن أبي عاصم، وعن أبي هريرة في السنة لابن أبي عاصم والشريعة للآجرّي وعن سهل بن سعد في كتاب تاريخ بغداد والطبراني في معجمه الأوسط، وكتاب السنة للإمام اللالكائي، وعن أنس في معجم الطبراني الأوسط. ¬

_ (¬1) المجوس يقولون لهذا العالم إلهان إله الخير وإله الشر، والمعتزلة يقولون الله يقدر الخير ولا يقدر الشر فالشر من الشيطان والإنسان والله لم يرده، بل وصل الأمر بثمامة بن أشر الضال أنه قال: إن الله لم يخلق الكافر، قالوا: وكيف؟ قال: لأن الكافر إنسان كفر فلو قلنا إن الله خلقه للزم من هنا أنه خلق الكفر، أي إذا قلنا بأن الله خلق الكافر بطل قولنا معشر المعتزلة، نعوذ بالله من هذا الضلال، ويترتب عليه أنه يحق للكافر أن لا يقر بعبوديته لأنه ليس عبداً لله، فانظروا إلى الضلالات كيف توصل أصحابها إلى الخروج من الدين وهم لا يشعرون.

ولفظه: [القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم] والحديث في درجة الحسن نص على تحسينه الحافظ العلائي، وأقره على ذلك الإمام ابن حجر العسقلاني والإمام السيوطي، وعدد من أئمة الحديث وذكروا أن الحديث في درجة الحسن منهم الحافظ أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقي رحمهم الله جميعاً. وثبت في سنن الترمذي وسنن ابن ماجه، وكتاب السنة لابن أبي عاصم عن ابن عباس رضي الله عنهما والحديث روي أيضاً عن غيره من الصحابة الكرام منهم جابر بن عبد الله في كتاب السنة لابن أبي عاصم وسنن ابن ماجه ومنهم أبو هريرة في الشريعة للآجرّي، ومنهم أبو بكر في مسند إسحاق بن راهُويَهْ، ومنهم معاذ بن جبل في كتاب التاريخ الكبير للإمام البغدادي، ومنهم أنس بن مالك رضي الله عنه في حلية الأولياء. ولفظ الحديث: أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال [صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب، القدرية والمرجئة] والحديث حسنه الإمام الترمذي ووافقه على التحسين الإمام ابن ماجه وغيره من الحفاظ. قال ابن العربي في عارضة الأحودي شرح سنن الترمذي: "إنما قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين القدرية والمرجئة لأن واحدة منهما أفسدت الحقيقة والأخرى أفسدت الشريعة" ولا يراد بالحقيقة هنا التصوف فانتبهوا!! بل المراد منها هنا: أمور الاعتقاد هو لم يحدد أي الفرقتين أفسدت الحقيقة وأيهما أفسدت الشريعة. (المرجئة) يقولون: إنه لا يضر مع الإيمان خطيئة وذنب، أي أنهم يرجئون ويؤخرون الأعمال عن الإيمان، فالإيمان عندهم قول واعتقاد وليس العمل من سماته، وغلاتهم يقولون إذا قال الإنسان لا إله إلا الله محمد رسول الله ولم يأت بمأثم ولو لم يترك محظوراً دخل الجنة، فلا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة. مت مسلماً ومن الذنوب فلا تخف ... حاش المهيمن أن يُرى تنكيداً لو رام أن يصليك نار جهنمَ ... لما كان ألهم قلبك التوحيدا

.. فالمرجئة أصالة أفسدت الشريعة لأنها عطلتها، حيث قالت إذا وحدت فلا تبال ِ بالعمل فعلاً أو تركاً فبدعتهم فيها تعطيل للأحكام، لكن أيضاً عطلت الحقيقة لأن هذا الاعتقاد اعتقاد باطل. والمعتزلة أصالة أفسدت الحقيقة لأنها عطلتها، حيث قالت: إن الله لم يقدر الشر ويقع السوء في هذه الحياة يغير تقديره أي يفعله العبد جبراً عن الرب فهذا مما يتعلق بالعقيدة. ... لكن إفساد كل فرقة يؤول إلى الأخرى، فالمرجئة أفسدت الشريعة وأفسدت الحقيقة أيضاً لأن اعتقادها اعتقاد باطل، والمعتزلة أصالة أفسدت الحقيقة فهذا اعتقاد باطل ولزم من هذا إفساد الشريعة. ولذلك يقول الإمام ابن تيمية: "قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين المرجئة والقدرية لأن كلا ً منها يفسد الأمر والنهي والوعد والوعيد" فالأمر والنهي يُترك عند المرجئة، ونصوص الوعيد كلها تلغى ولا قيمة لها، وأما المعتزلة فأفسدت الأمر فقالت: من فعل معصية فقد خرج من الإيمان وهو في منزلة بين منزلتين، وألغت نصوص الوعد (نصوص المغفرة والرحمة) بكاملها، وأخذت بنصوص الوعيد فكل منهما ألغى الأمر والنهي والوعد والوعيد، والعلم عند الله. قبل أن ننتقل لمناقشة الجبرية، من باب التعليق على هذه الفرقة الضالة: حال هؤلاء المعتزلة ليس كحال مؤسسي المذهب وأولئك كما قلنا انتهت بدعتهم لكن خرج منها بدعة أخرى وليس حال أصحابها كحال أوائل القائلين بمذهب القدر، ولم اختلف الأمر؟ السبب في الاختلاف أن حكام بني أمية – مع ما فيهم من جور- لم تنتشر البدع في حياتهم، ففي عهدهم ظهرت فجوات وسلبيات لكن الحكام لم يتبنوا البدع ودافعوا عنها بل على العكس كانوا ينكلون بالمبتدعة ويوقفونهم عند حدهم.

لكن لما آل الحكم إلي بني العباس ففي عهد واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد تبني مذهب الاعتزال الخلفاء والأمراء وأول من امتحن الناس ببدعة المعتزلة الخليفة المأمون وأول من عرب كتب الفلسفة وشغل الأمة بما كانت لا تعرفه وليست في حاجة إليه هو المأمون، وكان الإمام أحمد عليه رحمة الله يقول: "ما أظن أن الله سيغفل عن المأمون"، فهو أول من فتح باب (¬1) التيارات الخبيثة على هذه الأمة وإن كان بتأويل وحب الاطلاع أو غير هامة التأويلات والمسوغات والمبررات. فبانتقال هذه البدعة (بدعة المعتزلة في القدر) إلى الأمراء والخلفاء صار لها ردءٌ وشأن وصارت تأوي إلى ركن شديد بعد أن كانت تحارب من قبل الحكام، وشتان شتان بين أن يتولى الحاكم نشر بدعة وبين أن يتولى القضاء عليها، فإذا تولى القضاء عليها فلا توجد – ولو وجدت – إلا في الخفاء، وإذا تولى نشرها فإذا وجد الحق ففي الخفاء والله يزع بالسلطان ولا يزع بالقرآن. وقلت لكم المسئول إذا أراد تغيير منكر لا يحتاج إلى منابر ولا إلى سيوف ولا إلى مساجد، بل بجرة قلم أو بكلمة في الإذاعة ينتهي الأمر. ¬

_ (¬1) ولذلك في عهد المأمون لما طلب من رؤساء النصارى أن يرسلوا إليه الكتب التي في كنائسهم من أجل أن تعرب وتدرس بين المسلمين، جمع رؤساء النصارى جميع القسس وعرضوا عليهم الأمر فكلهم قالوا: لا ترسلها أيها الملك لئلا ينتفعوا بها ويطلعوا على علومنا إلا قسيس ملعون قال: أرسلها أيها الملك فوراً، فقالوا: علام؟!، قال: ما دخلت هذه الكتب على أمة عندهم دين سماوي إلا أفسدت دينهم وأوقعت الخلاف بينهم، وبالفعل وقع الخلاف بين المؤمنين قبل وفاة المأمون وأفسدت دين رب العالمين وامتحن أهل السنة وعذبوا في عهد المأمون ومن بعده من الخلفاء كالمعتصم وغيره.

فمثلا ً سفور النساء لو أصدر الحاكم قراراً بمنعه وأن من خرجت سافرة إن كانت من أهل البلاد سجنت وعزرت، ومن كانت من خارج هذه البلاد من المقيمات فيه سجنت وعزرت وأبعدت عن البلاد، فلن ترى امرأة تكشف عن شيء بعد ذلك، فهذا القرار لا داعي معه إلى حكم شرعي لا حلال ولا حرام بل هذا يكفي، أما أن يصبح العلماء في المساجد فقط دون تحرك الحاكم فلن يكون هناك أثر لهذا الكلام في مقابل أمر الحاكم بذلك، ولذلك قال الله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد.. ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب) . فهل اقتصر في الآية على الكتاب والميزان فقط؟ لا، ولذلك ميزان وكتاب بلا حديد لا وزن له ولا اعتبار وحديد بلا كتاب ولا ميزان ظلم وجور بل لابد إذن من حديد مع الكتاب وميزان، لتوزن الأمور على حسب شريعة الرحمن. إذن في عهد خلفاء بني العباس تبنوا نشر هذا المذهب الضال فصار المذهب له انتشار. أسباب ظهور بدعة المعتزلة وانتشارها وعدم زوالها واضمحلالها: لذلك عدة أسباب نبرزها في ثلاثة: ? السبب الأول: تبني الخلفاء لها ودفاعهم عنها بعد أن اتصل بهم أركان المعتزلة وأفسدوهم فعمرو بن عبيد كان جليساً حميماً وصفياً مخلصاً لأبي جعفر المنصور وأبو الهذيل العلاف كان أستاذاً للمأمون وهكذا، أحمد بن أبي دؤاد كان قاضي القضاة لثلاثة من خلفاء بني العباس، إذن صار الباطل تسانده قوة. ? السبب الثاني: وجود جماعة من أهل اللَسن والفصاحة والبلاغة بين المعتزلة فخدعوا الناس ببريق كلامهم ومعسول ألفاظهم، والأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحراً" وهذا ليس ذماً للبيان إنما لبيان منزلة البيان فإذا كان البيان في الحق هذا حسن، وأما البيان في الباطل فمذموم لأنك تلبس على الناس فتظهر لهم الباطل في صورة الحق، فخدعوا الناس بهذا الكلام المنمق.

مثلا ً: واصل بن عطاء كان ألثغ أي تخرج الراء منه غيناً، فكان في خطبه الطويلة إذا خطب يتجنب حرف الراء ولا ينطق بكلمة فيها راء، مع أنها من أكثر الحروف دوراناً في الكلمات، وهذا من فصاحته، وخشية أن يلثغ فيصبح مستهجناً أمام الناس. وآخر: الهذيل العلاف كان في المجلس الواحد يورد مائتي بيت من الشعر، من أشعار العرب ويستدل بها شواهد على كلامه. ? السبب الثالث: تعونهم فيما بينهم حتى ضرب بهم المثل في ذلك، لا يوجد على وجه الأرض أناس يتعاونون ويتساعدون ويتساندون كفرقتين ضالتين المعتزلة والشيعة وهم أي الشيعة أخبث من اليهود بآلاف الدركات، لا بدركة واحدة، فالمعتزلة يتدينون بنصرة المعتزلي وإن كان على باطل، والرافضة يتدينون بنصرة الرافضي وإن كان على باطل أي عندما يكذبون لنصرة فرقتهم في خصومة أو مشكلة فهذا من أكبر التدين، ونحن معشر أهل الحق عندنا ورع يكفنا (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا) فلو اختلف سني مع نصراني مثلا ً عندنا ننصف النصراني عن السني، فلو كان السني مخطئاً فنأخذ على يديه. قال الإمام الأعمش: والله ما آمنهم أن يقولوا وجدنا مع الأعمش امرأة يزني بها، أي من كثرة ما يكذب هؤلاء الشيعة. ويقول هارون الرشيد: "طلبت الصدق والمروءة فوجدتها في أهل الحديث، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته في الرافضة" أي إذا أردت الكذب فاذهب إلى الشيعة فلا يوجد مثلهم في الكذب وتلفيق الأخبار، ولذلك الدجل الذي عندهم والتزوير والله إنه لتستحي منه الحمير.

وقد علم أئمتنا كذب الشيعة فرودا روايتهم، ومن أركان دينهم التقية، ويأثرون عن جعفر الصادق رضي الله عنه وهو بريء منهم ومن انتسابهم له – أنه قال: "التقية ديني ودين آبائي"، وكذبوا دين جعفر ودين آل البيت التقوى لا التقية، والتقية هي: أن يظهر خلاف ما يبطن فيُظهر أنه سني مع أهل السنة وأنه معهم فإذا تمكن من السني ذبحه، فهي دين المنافقين لا دين آل البيت وفي عقائد الشيعة المقررة التي إذا لم يلتزم بها الشيعي فليس بشيعي أنه يجب على الشيعي أن يقتل السني إذا خلا به فإن عجز يجب عليه أن يهمّ بقتله، وإذا لم يفعل فليس هو من الشيعة والجنة عليه حرام. وفي بلاد الشام عندنا النصيرية – عليهم لعنات رب البرية – كانوا إذا انفردوا بمسلم علموا أنه لا يوجد معه نصير قتلوه وذبحوه، وإذا كان بارزاً في الأسواق والشوارع العامة يمشون على ظله وخياله حتى يشفى غليله. وكذلك الشيعة إذا أراد أن يذبح الشاة سماها عائشة ثم ذبحها، وإذا أراد أن يذبح التيس سماه أبا بكر ثم ذبحه، حتى يذهبوا الغيظ والحقد وينفسوا على أنفسهم ويرووا غلهم وحقدهم. ويروى أن شيعياً كانت عنده بغلتان سمى أحدهما أبا بكر والأخرى عمر – في عهد أبي حنيفة – وفي أحد الأيام دخل إلى الإسطبل فرفسته إحداهما، فبلغ الأمر أبا حنيفة فقال: انظروا من هي البغلة التي ضربته ورفسته، فلعلها التي سميت بعمر، وكان الأمر كما قال رحمه الله، وهذا من كراماته. الشيعة لا عقل ولا نقل هذا حالهم أكذب الناس في النقليات وأجهلهم في العقليات، فإذا جاء إليهم شخص اسمه عمر فإنهم يتقربون إلى الله بقتله وذبحه!!.

ولو جاء إليهم من اسمه علي أو حسن أكرموه وإن كان خصمهم وعدوهم، وهذه هي الحماقة!! فانظر إلى تعاون الشيعة ولو أشار إمام منهم بأصبعه لأقام البلدة وأقعدها، وانظر بعد ذلك إلى حال شيوخنا وعلمائنا – إذا سلموا من العامة – فضلاً عن الحكام – فهنيئاً لهم، وإذ لم يسلموا من الحكام والعوام فالحال لا يخفى عليكم وكل سفيه ينتسب لأهل السنة يأتي ليؤذي علماء أهل السنة بكلامه بفعله بتشويهه فهل مثل هذا يقع بين الشيعة؟! لا، هذا مستحيل، وانظر إلينا بعد ذلك لا أننا تمسكنا بديننا وبأدب الإسلام وأخلاقه، ولا – على الأقل – تخلقنا بمثل أخلاق الشيعة، ونحمد الله أن حفظنا من التشيع. ولذلك كان أئمتنا إذا أرادوا أن يخبروا عن إكرام إنسان لإنسان وأنه أكرمه غاية الكرم يقولون: احتفى به كاحتفاء الشيعي بالشيعي والمعتزلي بالمعتزلي، أي لأنه ليس بعد إكرامهم لبعض إكرام.

فهذا الاعتداد فيما بينهم أكسبهم قوة وأكسبهم قولهم بعد ذلك قوة أيضاً فمثلاً: أحمد بن أبي دؤاد الذي كان قاضي القضاة لثلاثة من خلفاء بني العباس – كما قلنا – من البديهي أنه لن يولى القضاء في الدول الإسلامية في أمصارها إلا للمعتزلة، وسيقول بكل ما فيه نفع للمعتزلة، وسيسعى بكل ما فيه إضرار لأهل السنة، بل وصل الأمر بأحمد أن الواثق أراد أن يستفك أسرى المسلمين من الروم مقابل فدية، قال له أحمد: من قال بخلق القرآن فأفده وأعطه من بين المال ألف دينار، وإذا لم يقبل بذلك فاتركه عند الروم!! أي اترك المسلم الذي لا يقول بخلق القرآن عند النصارى ليعذبوه، سبحان الله!!، وللأسف مازال مذهبهم ينتشر ويقرر للآن في الكتب ويدرس في المدارس، ودرجت عليه أجيال وأجيال، وتلوثت به أذهان المسلمين بعد أن انتشر مذهب الاعتزال – كما قلت – بسبب وجود قوة حامية له فقرر وانتشر وسطر في الكتب، ثم بعد ذلك عاد الأمر لأهل السنة لكن بعد أن امتلأت الكتب بالضلالات والبدع، فكم من كتاب في التفسير للمعتزلة، فمثلا ً كتاب الكشاف للزمخشري كله ضلال من أوله لآخره، وقد جعل بداية مقدمة كتابه: "الحمد لله الذي خلق القرآن"، فقيل له: لن ينظر فيه أحد إن تركت هذه العبارة، فقال: "الحمد لله الذي جعل القرآن عربياً"، ويقصد بجعل خلق، وقد قال أئمتنا يحرم النظر في كتابه على العالم والعامي، أما العامي فأمره معلوم، أي لأنه جاهل ولا يميز الغث من السمين والضلال من الهدى وأما العالم فيحرم عليه أيضاً لعدة أمور: 1- أنه يقدم المفضول على الفاضل بل مرذولاً على فاضل. 2- يُخشى عليه من الزيغ وأن يعلق في ذهنه شيء من الشُبه وهو لا يدري، لأن الزمخشري مع ضلاله واعتزاله صاغ الاعتزال بألفاظ لم يصرح فيها بأنه على مذهب المعتزلة فهذا مما يزيد في الخديعة. 3- تَخْدع العامة، حيث سيقتدون بك دون أن يعلموا نيتك.

وقد ألف الإمام السبكي عليه رحمة الله رسالة سماها (سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف) وقد كان يقرأ الكشاف ويُقرؤه لتلاميذه فلما وصل إلى قول الله جل وعلا (عفى الله عنك لم أذنت لهم) ، قال الزمخشري – وهذا موجود في تفسيره –: "بئس ما فعلت يا محمد"، فطوى الإمام السبكي الكتاب وقال أستحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ هذا الكتاب وفيه هذه القاذورات. الله الذي هو سيده يقول له (عفى الله عنك) وهذا لا لجرم وقع منه إنما على عادة العرب في الملاطفة وفي الخطاب يقولون عفى الله عنك استمع لي، فالله يلاطف نبيه، ولو قال له بئس ما فعلت لتحملها منه لأنه سيده وربه، أما أن تقولها أنت، فمن أنت يا صعلوك حتى تقول هذا لخير خلق الله عليه الصلاة والسلام. مثال آخر: كتاب المغنى للقاضي عبد الجبار، 20/ مجلد في التفسير وفي أحكام الشريعة، كله يقطر ضلالات كل مجلد لا يقل عن 600/ صفحة من القطع الكبير، وهو للأسف منتشر وموجود، وكتب أخرى غيرها. س: ذكَرْتَ الأحاديث المرفوعة السابقة القدرية والمرجئة، فهل كانوا موجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ ج: لم يكن للقدرية أو المرجئة وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك لم تكن الرافضة موجودة وكذلك الخوارج وغيرهم من الفرق.

.. إنما هذا من باب إخبار نبينا عليه الصلاة والسلام لنا بما سيقع في أمته فهو من باب الإخبار بالغيب وقد ذكر أئمتنا هنا عن معجزاته وأودعوه في كتب دلائل النبوة – وإن أردتم أن تتحققوا من هذا فانظروا في كتاب (دلائل النبوة) للإمام البهيقي وهو في 7/ مجلدات، وأنصحكم بشراء هذا الكتاب: يقول الإمام البهيقي عليه رحمة اله (6/547) : باب ما جاء في إخباره بظهور الروافض والقدرية، أي إخبار خير البرية صلى الله عليه وسلم بأن الروافض (الشيعة) سيظهرون وهكذا المعتزلة الضالون، وسنذكر ما يتعلق بمبحثنا وهم القدرية، يقول: عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر] وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي بسند صحيح، وفيه: أن ابن عمر رضي الله عنه كان له صديق في بلاد الشام، فأرسل ذاك مع بعض الناس إلى ابن عمر رسالة يسلم عليه فيها، فقال ابن عمر: بلغني أنه أي صديقه الذي هو في بلاد الشام – قد تكلم في شيء من القدر فإن كان كذلك فلا تُقرئه مني السلام (¬1) ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إنه سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر] . ¬

_ (¬1) كما تقدم معنا أول المبحث: "إذا لقيت أولئك فأخبرهم إني برئ منهم وأنهم برءاء مني" أولئك في البصرة وهذا في الشام.

.. والحديث رواه أيضاً أبو داود والحاكم في المستدرك بسند صحيح، وفي بعض روايات الحديث يكون في أمتي مَسْخٌ وخَسْفٌ وقَّذْفٌ (¬1) وهو في القدرية، قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله: تواترت الأحاديث بوقوع المسخ في هذه الأمة في بعضها مطلقاً، وفي بعضها مقيد بصنفين بعلماء السوء، والثاني بالمجاهرين بالفسق (¬2) وفي بعض الأحاديث مطلقاً لكل من ينحرف في هذه الأمة. وهذا لا استبعده فإن كل بيت فيه تليفزيون إذا وقع الخسف أو المسخ أو القذف فهو أول من يُمسخ لأن هذا مجاهر، فكل من في بيته هذا الجهاز اللعين فهو مهدد بالمسخ إذا وقعت عقوبة المسخ، ولا يعلم متى ستقع عقوبة الله بالتحديد لكن لابد من أن تقع لأنه أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. ¬

_ (¬1) المسخ تبدل الأجساد، والخسف: خسفت الأرض: غارت بمن فيها، والقذف: أن يرسل عليهم حجارة من السماء، كما مسخ وخسف وقذف الأمم السابقة (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض) . (¬2) وهم أهل العهر والخمور الذين وردت الإشارة إليهم في صحيح البخاري: [ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ثم يصحون وقد مسخوا قردة وخنازير] .

فإذن أورد في كتب (دلائل النبوة) وذلك للإشارة إلى أنه غيب سيقع وإذا وقع هذا الغيب دل على أنه القائل رسول الله لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه فانظروا من جملة عناوين الكتاب باب ما جاء في إخباره بقوم في أيديهم مثل أذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات فكان كما كان، أي هذان دلائل نبوته.. والحديث عن أبي هريرة في صحيح مسلم وغيره وفيه يقول نبينا عليه الصلاة والسلام [صنفان من أهل النار لم أرهما رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بنا الناس] وهم المخابرات ورجال الشرطة، ولذلك جميع أئمتنا يقولون من دلائل النبوة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بوجود الشرطة وكثرت الشُرَط ويقال للشرطي يوم القيامة دع سوطك وادخل النار، والصنف الثاني [ونساء كاسيات عاريات (¬1) مائلات (¬2) مميلات (¬3) رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا] أي خمسمائة عام كما ورد في رواية أخرى. الفرقة الثانية: القدرية الجبرية: خلاصة قولهم في قدر ربهم: أن الله قدر على العباد كل شيء وفي ذلك التقدير قّسْر للعباد وإكراه لهم على فعل ما قدِّر عليهم وإذا كان الأمر كذلك فالعبد مجبور وكل ما يجري منه يعتبر طاعة للعزيز الغفور لأنه ينفذ مشيئة الله وقدره، قال قائلهم: أصبحت منفعلاً لما يختاره ... مني فقعلي كله طاعاتج نعوذ بالله من هذا!! (منفعلاً) أي محل الفعل ومحل ظهور قدر الله، فكل ما يجري مني طاعة لأنني أنفذ مشيئة الله وقدره. ¬

_ (¬1) (كاسيات عاريات) أي تلبس ملابس شفافة، أو كاسية لكن تبدو بعض أطرافها من الساقين أو الفخذين أو غيرهما. (¬2) مائلة عن الحق. (¬3) مميلة لغيرها.

.. ويقال لهم قدرية جبرية، وقدرية مشركة، لأنهم سيقولون كقول المشركين (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) أي: الله شاء لنا هذا وقسرنا عليه، وهذا هو قول المشركين تماماً!! (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) ، فقالوا لو شاء الله ما أشركنا ولو شاء الله ما عبدنا من دونه وهكذا قال الجبرية نحن مضطرون مجبرون وكل ما يجري منا فهو طاعة. هذا القول معلوم بطلانه لعدة أمور: أولها: كل واحد منها ذكراً كان أو أنثى، مؤمناً أو كافراً يشهد الفرق بين عمله الاضطراري وعمله الاختياري فهو إذن قول يصادم العقل ويعاكس الفطرة. الثاني: قررت شريعة الله أنه إذا وجد الإكراه فلا تكليف ولا ثواب ولا عقاب ولا مدح ولا ذم [رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه] فإذا كان العبد مكرهاً مقسوراً فكيف إذن مدح الله الطائعين وذم العاصين وجعل لهؤلاء الجنة ولأولئك النار. الثالث: الثواب والعقاب، والمدح والذم منوط ٌ بالأعمال الاختيارية لا بالأعمال الاضطرارية فلا يثاب الإنسان – كما تقدم معنا – على كونه ذكراً أو أنثى، إنما يثاب على كونه مطيعاً، ويعاقب إذا كان عاصياً. الرابع: الطاعة لا تكون إلا بموافقة الأمر الديني الشرعي لا بموافقة الأمر الكوني القدري، فالإنسان لا يعتبر مطيعاً إلا إذا وافق ونفذ أمر الله الشرعي. الخامس: وكنت أقوله للأخوة – يناقشون مناقشة فعلية لا قولية لأنه في الغالب لا تنفعهم المناظرة الكلامية أي اضربه بحيث تؤذيه فإذا قال لك: علام تضربني؟ قل له: قدر الله، وأنا مجبور وأنا مطيع كما تقولون فعلي كله طاعات فلا تلمني وأنا مُثاب لأنني نفذت مشيئة الله وإرادته، فإذا قال لك: أنت الذي رفعت يدك وأنت الذي ضربتني بها، فقل له: بطل مذهبك.

.. ولذلك هذا المذهب مما فطر الله عقول الناس وقلوبهم جميعهم على رده، وهل إذا أساء إنسان في حقك تقبل منه أن يقول لك معتذرا أنا مجبور!! ولذلك كان أئمتنا يقولون: أنت عند الطاعة قدري، وأنت عند المعصية جبري، أي مذهب شئت تمذهبت به؟! وهذا من التعريض بهم. ... أي إذا صدرت منه الطاعة يقول ليمدح نفسك – قدري ومعتزلي أي أنا خلقتها وأوجدتها دون تقدير ربي وعند المعصية يقول: جبري ليبرأ نفسه من اللوم والذم!!!. هذا هو العقل البشري عندما ينحرف عن وحي الله الرباني، فإنه يقع في هذه التناقضات. وإذا لم يكن من الله عون للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده يُقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن وهذا القول بالجبر يوجد في الفرقة الضالة الجَهْميَّة. وأول من قال به منهم هو شيخ الجبرية الجهم بن صفوان، والجهم هو تلميذ الجعد بن درهم وقد كان الإمام عبد الله بن المبارك يقول: عجبت لشيطان دعا الناس جهرة ... إلى النار واشتُق اسمُه من جهنم يعني بذلك جهماً أي اشتقها من جهنم، وقد قتل هذا الضال سَلْم بن أحوز سنة 128هـ أي في عهد بني أمية كما أن شيخه الجعد قتله خالد القّسْري، ولما قبض سلّم على الجهم، قال له: اسبقتني فإن لي أماناً من أبيك، فقال سلْم: ما كان له أن يؤمنك، ولو أمنك ما أمنتك، والله لو كنت في بطني لشققته حتى أقتلك، ولو أنزلْتَ عيسى بن مريم وملأتَ هذه العباءة كواكب لما نجوت مني ثم ضربه فقتله. ... وقد أخذت الجبرية هذه المقالة عن اليهود كما أن بدعة القدر أُخذت عن النصارى، كما أن بدعة التشيع أخذت عن اليهود عن عبد الله بن سبأ اليهودي من بلاد اليمن، والشيعة الآن يبرءوا أنفسهم من هذه النسبة يقولون عبد الله بن سبأ صورة أسطورية فلا وجود لرجل اسمه عبد الله بن سبأ، إنما أهل السنة يتهموننا به!! ونقول: إن وجود عبد الله بن سبأ من التحقق كتحقق وجود السبت في أيام الأسبوع – أي لا شك في وجوده.

.. والشيطان طه حسين (¬1) ¬

_ (¬1) نقول له إن كنت تقول عن كلام الله خرافة فمن باب أولى أن تقول عن عبد الله بن سبأ قصة أسطورية وضعها أهل السنة، نعوذ بالله من عمى البصيرة، لأن طه حسين أعمى البصر لكن عمى البصر مصيبة وعمى البصيرة معيبة (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وقد جمع الله له بين الأمرين عمى البصر وعمى البصيرة، هذا هو طه الشين لا حسين، وهو الذي كان يقال له عميد الأدب العربي – وقد أفضى إلى ما قدم ونسأل الله أن يملأ قبله جمراً من نار جهنم إذا لم يتب من كفره الذي سطره في كتابه الأدب العربي (بل هو الجاهلي) وهذا الذي سبق قاذورة من قاذوراته، إن قاذوراته التي لا تحصى فأنتنت منها الدنيا فهو الذي يدعو إلى تقليد الغرب والتبعية المطلقة لهم وأن نأخذ كل ما عند الحضارة الغربية نافعاً كان أو ضاراً يقول: "لأن الأمة العربية ليس عندها عقول ولا يمكن أن ترفع رأسها إلا إذا جعلت أنفها في ذنب الحضارة الغربية"، هذا يسطره في كتابه مستقبل الثقافة في مصر، وذاك إنكار ما في القرآن – يسطره في كتابه الأدب الجاهلي، وضلالاته لا تحصى ولا غرو في ذلك ولا عجب ممن ربي في باريس وأشرف على تدريبه القسس والنصارى، ولما جاء طه حسين إلى سعد زغلول أو غيره من أجل أن يرسل إلى فرنسا قال بعض العلماء الضالين: أن سعد زغلول أفضل من محمد رسول الله لأن محمداً عندما جاءه الأعمى عبس في وجهه وسعد زغلول عندما جاءه طه حسين ما عبس في وجهه!! نعوذ بالله من هذا الكفر وهذا يقوله عالم أزهري وشرار هذه الأمة في آخر الزمان علماء السوء نسأل الله أن لا نكون منهم..

– وقد أفضى إلى ما قدم – هو من جملة من يدور في هذا الفلك لما يحصله من دعم الشيعة فيقول: لا يوجد شخصية اسمها عبد الله بن سبأ إنما هذا افتراه أهل السنة، وهو الذي يقول أيضاً إن قصة الفيل لم تحصل بل هي خرافة أخذها محمد صلى الله عليه وسلم ونسجها، وهكذا أيضاً بناء الخليل لبيت الله الجليل ومجيء هاجر مع ابنها إسماعيل إلى البيت هذا كله خرافة. ... فالجهم أول من قال بالجبر في هذه الأمة كما أن أول من قال بالتشبيه في هذه الأمة هشام بن الحكم الرافضي الشيعي الذي كان يصف الله بالأمتار والأشبار ويقول أن جبل أبي قبيس أكبر من الله جل وعلا!! تنزه الله عن ذلك، كما أن أول من قال بأنه لا قدر – باستثناء سوسن – هو معبد الجهنمي فهؤلاء هم أصول الضلالة ولم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة بل كيداً للإسلام وأهله. ... قال الجهم أيضاً – يقرر مذهب الجبر – إن العبد بالنسبة لأفعاله كالريشة في مهاب الهواء يطيرها حيث شاء فلا اختيار لها وهكذا العبد عندما يعمل فليس له اختيار. وقد أتى الجهم بخمس ضلالات هذه – 1- القول بأن الإنسان مجبور إحداها. 2- نفس الصفات عن الله. 3- القول بفناء الجنة والنار، أي أن الجنة والنار تفنيان بعد أن يعذب أهل النار في النار وينعم أهل الجنة في الجنة كما أنه كان الله ولا شيء معه سيعود الأمر كذلك، وما سبق لهذا أحد لا من جن ولا من أنس. 4- الخروج بالسيف على أئمة الجور، ومنه أخذها بعد ذلك المبتدعة وانتقلت إلى المعتزلة وانتقلت إلى الخوارج. 5- قوله: إن الإيمان معرفة بالقلب فقط فلا يشترط النطق ولا العمل ولا الاعتقاد بل مجرد المعرفة: قال أئمتنا وعلى تعبيره ينبغي أن يكون إبليس مؤمناً لأنه اعترف بل قال: رب أنظرني إلى يوم القيامة، فإذن كان يعرف الله. المبحث الخامس سبب ضلال الضالين في قدر رب العالمين من قدرية جبرية وقدرية مجوسية:

سبب ضلالهم التسوية بين إرادتي الله وجَعْل الإرادتين إرادة واحدة وجعل النوعين نوعاً واحداً لكن اختلف جَعْلهم فبعضهم ألغى الشرعية وبعضهم ألغى الكونية القدرية: ... أما القدرية الجبرية المشركة فهؤلاء ألغوا الإرادة الدينية الشرعية حيث بقولهم الذي ذكرناه كأنهم قالوا: إن لله إرادة واحدة، وكل ما يقع يحبه الله ويرضاه وكل ما نفعله مجبورون عليه ونحن ننفذ به إرادة الله ونحن نطيعه في ذلك. ... أما القدرية المجوسية فهؤلاء ألغوا الإرادة الكونية القدرية حيث بقولهم كأنهم قالوا: ليس لله إلا أمر ونهي (الإرادة الدينية) وهو لم يقدر عليك شيئاً والعبد يفعل أفعاله بدون تقدير رب العالمين لها، فالله يأمر وينهى فقط ولا يعلم ماذا ستفعل ولم يقدر عليك شيئاً، فإذن هم ألغوا بهذا الإرادة الكونية القدرية التي هي كما قلنا مشيئة الله العامة وإرادته النافذة في كل شيء فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فألغوا المشيئة العامة وجحدوها وأنكروها، وقالوا: ليس له إلا مشيئة دينية افعلوا ولا تفعلوا، أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنا، لكن هل ستصلي أو ستزني ليس لله عليك تقدير في ذلك ولا يعلم إنما أنت الذي تقدر لنفسك، وأنت الذي تخلق لنفسك فهو نهاك عن الزنا لكن بإمكانك أن تعارضه وأن تزني فإذن غلبته تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ... وضلال كلٍ من الفرقتين لا يخفى حسب ما تقدم معنا من تقسيم إرادة الله إلى دينية وذكرنا الأدلة عليها وإرادة كونية وذكرنا الأدلة عليها وأهل البدع لما سووا بينهما فجعلوهما واحدة هذا ضلال مبين. المبحث السادس يدخل تحته عدة تنبيهات وإيضاحات مهمة: الإيضاح الأول: هل الإنسان مُسَيّرٌ أو مُخَيّر؟ مختار أم مضطر مريد أم مجبور؟ ... كنت ذكرت هذا لكم سابقاً في بعض الدروس المتقدمة، وهو أن الإنسان له حالتان:

الحالة الأولي: حالة هو فيها مكره مجبور مسير وهي: ما لم يطالب فيه بأمر ولم ينه عنه مما يقع منه أو عليه بغير اختياره وإرادته ككونه ذكراً أو أنثى جميلاً أو قبيحاً، طويلاً أو قصيراً فهذه وما شاكلها لم يطلب منه اختيار واحدة منها فلم يطلب منه مثلاً أن يكون ذكراً أو أنثى ولذلك فهنا لا فضل للأنثى على الذكر لأنها أنثى وليس للذكر فضل على الأنثى لأنه رجل بل كل واحد بعمله مرتهن، فقد تدخل المرأة الجنة ويدخل الرجل النار، وحذاء المرأة المسلمة أطهر من ملء الأرض كفاراً مع أنها قد تكون هذه المرأة فقيرة مسكينة، لكن نقول هذه مؤمنة وليس للكافر – مهما علا شأنه – وزن عند الله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، وهكذا لو كانت هناك امرأة مسلمة ورجل مسلم، لكن صلاحها كان أكثر من صلاحه، فالمرأة أعلى منزلة عند الله من الرجل المسلم الصالح الذي لم يبلغ لدرجتها في الصلاح. إذا نظرت إلى أبي لهب تراه جميلاً – وكما يقولون: وكان عربياً – ولكن مع ذلك يقول الله له (تبت يدا أبي لهب) ، وما سمي بأبي لهب إلا لأن وجهه كان يلمع كالشمس حمرة وشقرة. وإذا نظرت إلى بلال الحبشي رضي الله عنه تراه أسوداً وكان عبداً لكن مع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم له: [إني لأسمع قرع نعليك في الجنة] إذن فلا ثواب ولا عقاب على مجرد الحسن أو السواد بل بحسب العمل.

الحالة الثانية: حالة نحن فيها مختارون وهي: كل ما يتعلق فيما أُمرنا به ونُهينا عنه، لنا اختيار ومشيئة وليس علينا قسر في فعلنا وعملنا، فكل واحد يعمل عمله باختياره، لكن ذلك الاختيار وتلك المشيئة التي تجري منا مرتبطان بمشيئة الله وتقديره، فنحن في فعلنا مختارون وفي مشيئتنا مضطرون ولهذا دليل في سورة النحل يقول الله جل وعلا (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون) فانتبهوا لهذا الإحكام في كلام ذي الجلال والإكرام كيف أنه أثبت لنا مشيئة وأن مشيئتنا مقيدة بمشيئته لكن لا ينفي ذلك المسئولية عنا، أي لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة على الحنفية السمحة، مسلمين أجمعين ولفظ (الأمة) يأتي في القرآن لخمسة معانٍ، ولا يخرج لفظ الأمة عنها في كتاب الله جل وعلا: 1) الملة: كقوله تعالى (إن هذه أمتكم أمة واحدة) أي ملة، ودينكم دين واحد وكالآية هنا، كقوله (كان الناس أمة واحدة ... ) أي على دين واحد. 2) الجماعة: كقوله تعالى (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يعقلون) أي جماعة. 3) القائد الإمام المتبع الذي بفرده يعدل أمة: كقوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين) سورة النحل آية 120. 4) الحين: وقد ورد هذا في آيتين من كلام رب العالمين في سورة هود (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) أي حين ومدة معدودة، ومنه قول الله تعالى في سورة يوسف (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة) أي بعد حين ومدة. 5) الصنف: كقوله تعالى (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) أي أصناف أمثالكم.

أي هذه الدواب وهذه الطيور مثلكم في أي شيء؟! مثلنا في أنها تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتتناسل كما نتناسل، وتعرف ربها كما نعرف ربنا جل وعلا، فهذه أمم وتتعارف فيما بينهما كما نتعارف فيما بينها فالطيور يكلم بعضها بعضاً وهكذا الحيوانات لكن لا نحن نفهمها ولاهي تفهمنا، فهي أصناف وجماعات فالذكر يميز الأنثى ويعرفها، وهذه تعرف صاحبها وتعرف بيتها. ... ولعل أحدكم عاش في قرية ورأى الغنم عندما يعود قبيل المغرب والله إنه ليوحد الله هكذا عفوياً من غير قصد، فتراه يعود بأعداد كبيرة مختلطة ببعض قبل دخول القرية، لكن عندما يدخلون القرية كل واحدة تعرف صاحبتها وبيتها ولا يحصل أي خلط أو خطأ فسبحان الله!! فهي أمم أمثالكم كما أننا نعرف بيوتنا دون أن نخطئ. ولذلك يقول أبو محمد سفيان بن عيينة عليه رحمة الله وهذا من بديع استنباطه من كلام ربه، يقول في قوله تعالى (إلا أمم أمثالكم) أي وأنتم على شاكلتهم: يقول ما حاصله: "وهذه المثلية لما انعدمت من حيث الشكل الظاهري والصورة الظاهرة، وتعين المصير إلى أن هذه المثلية في الحقيقة الباطنة، فبعضكم على خُلُقِ الأنعام وبعضكم على خُلُقِ الحمير وبعضكم على خُلُقِ الكلاب وبعضكم على خلق العقارب وبعضكم على خلق الحيايا وبعضكم على خلق الذئاب، وبعضكم على خلق الخنزير، وبعضكم وبعضكم....." فهذه البشر في الحقيقة صور للحيوانات فترى أنساناً أحياناً لا يأتي منه إلا الأذى لا يقول كلمة فيها ذكر الله ولا نفع لعبد من عباد الله، فهذا في الحقيقة عقرب، وكم من إنسان لا ينجب إنساناً إنما أنجب ثعباناً يلدغ، أو لم ينجب إلا ودلداً بليداً كالحمار، أو لا غيرة له (ديوث) كالخنزير، ومن الناس من يلد شاة وهذه في الحقيقة أحسن المماثلات.

ولذلك المرأة إذا كانت سكينة وساكنة وطاهرة فإنها تشبه بالشاة وهي أحسن الأوصاف والسكينة والأناة في الغنم، كما أن الغلظ والجفاء في الإبل، كما أن البلادة في الحمير، فكل واحد يأخذ شكل من يصاحبه. ولذلك حرم الشارع علينا أكل لحم الخنزير، لأنك ستتأثر بلحمه وتأخذ خصائصه (عدم الغيرة) ولحم الإبل – مع أنه حلال – أُمرنا أن نتوضأ بعد أكل لحمه، لما يحدث في قلبنا من كبر وزهو وخيلاء كحال البعير عندما تراه يمشي ويتمايل فبالتالي يصبح مثل هذا بالإنسان فيتوضأ ليزيل هذا المعنى الذي علق فيه من أكل لحكم البعير، أما إذا أكل لحم الغنم فيكتسب سكينة وطمأنينة ولا يحتاج لوضوء. وحقيقة الأمر كذلك الناس لا تختلف عن البهائم إلا في الصورة الظاهرة: أبني إن من الرجال بهيمة ... في صورة الرجل السميع المبصر فَطِنٌ بكل مصيبة في ماله ... وإذا أصيب بدينه لم يشعر أي صورته صورة إنسان يسمع ويبصر لكنه في الحقيقة بهيمة من الحيوانات إذ لو شاء الله لجعل الناس كلهم مؤمنين (ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء) فهو الهادي وهو المضل، وهدى من شاء فضلاً وكرماً، وأضل من شاء عدلاً وعلماً وهذا قدره السابق سبحانه وتعالى. س: لكن هل كونه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء يسقط المسئولية أمام رب البرية؟ ج: لا، (ولتُسألن عما كنتم تعملون) فالضلال الذي يصدر منكم ستُسألون عنه، وهكذا الهداية، فتثابون إذا اهتديتم وتعاقبون إلا ضللتم.

فهذا يجمع ما قلنا ومن أن فعل الإنسان باختياره لكن مشيئتة تابعة لمشيئة ربه، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولذلك يفعل الإنسان ما يشاء، لكنه لا يشاء ما يشاء بل ما تشاؤه تابع لمشيئة الله فليست مشيئتك استقلالية، إنما تابع لمشيئة رب البرية (قل لله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) وهو على كل شيء قدير فما نوع المشيئة في قوله تعالى (ولو شاء لجعلكم) ؟ مشيئة كونية قدرية، أي لو شاء الله ذلك مشيئة كونية قدرية لما تخلف، فلو أراد الله أن يجعل المخلوقات بأسرها على حقيقة وكيفية نبينا أفضل خلق الله صلى الله عليه وسلم لما أعجزه ذلك فهو على كل شيء قدير إذا شاء ذلك لكن له الحكمة البالغة والحجة التامة. س: هل الله سيحاسب عباده على تقديره أم على فعلهم؟ ج: على فعلهم (ولتُسألن عما كنتم تعملون) فلن تُسألوا عما قدرته لكم، إنما ستحاسبون على ما صدر منكم فقد أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وأعطيتكم العقول فأقمت عليكم الحجة (فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها) ، فمن يهتدي هدايته مرتبطة بتقدير الله ومشيئته، ومن يضل فضلاله مرتبط بتقدير الله ومشيئته، لكن الفعل في الحالتين – كما قلنا – مخير فيه، فالإنسان يفعل ما يريد لكنه لا يريد ما يريد، بل يريد ما يريده الله المجيد وسعي العباد كلهم ينتهي عند آيتين اثنتين لا ثالث لهما: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً) ، (وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)

فللعباد مشيئة لكنها تابعة لمشيئة ربنا جل وعلا، ولذلك إذا قال لك شخص: أنا شاء قل له: مشيئة استقلالية أو تابعة لمشيئة رب البرية؟ فإن قال: استقلالية، فهذا قول القدرية لأنهم يقولون ما شاء الله شيئاً ولا قدره، وإن قال: أنا لا مشيئة لي، فهذا قول الجبرية، وإن قال: لي مشيئة لكن مشيئتي تابعة لمشيئة ربي، فهذا قول أهل السنة الفرقة المرضية، ولو كانت مشيئة العبد استقلالية فإنه سينازع ربه وقد يتغلب عليه كما يقول المعتزلة، تعالى الله عن ذلك، وكيف يقع في ملكه ما لا يريده؟!! فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (¬1) . 2- الإيضاح الثاني: إن قال قائل كل شيء بقضاء وقدر وكل ما يقع سبق به تقدير الله وتعلقت به مشيئته فكيف يريد الله أمراً لا يحبه ولا يرضاه؟ (هذا مترتب على الأمر الأول) . الجواب: لا إشكال في ذلك ويتضح هذا بهذا التحقيق الذي ينبغي أن تعضوا عليه بالنواجذ، وهو: أن الأسباب مع مسبباتها أربع أقسام، اثنان منهما يتعلق بهما قدر الرحمن وهما محل أقضية الله وأقداره فيما يحبه ويكرهه، واثنان منهما لا يتعلق بهما قدر ربنا. ? الاثنان اللذان يتعلق بهما قضاء الله جل وعلا وقدره وإرادته ومشيئته: 1) سَبَب محمود محبوب يوصل إلى مُسَبّب محمود محبوب: مثال: قدر الله وجود الإيمان فهذا سبب محمود، ونتيجته أنه يفضي إلى توحيده ورضوانه فهو مسبب محمود. مثال آخر: خلق الله الأنبياء والمرسلين سبب محمود يحبه الله يفضي إلى مسبب محمود. ¬

_ (¬1) يقول الإمام الشافعي: ما شئتَ كان وإن لم أشأ ... وما شئتُ إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والسنن على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تُعِن فمنهم عني ومنهم فقير ... ومنهم قبيح ومنهم حسن ومنهم شقي ومنهم سعيد ... وكل بأعماله مرتهن انظروا هذه الآيات في كتاب الانتقاء في تراجم الأئمة الثلاثة الفقهاء صـ80 لابن عبد البر (ت 463 هـ) في الإيمان بالقدر.

2) سبب مكروه يوصل إلى مسبب محمود محبوب: مثال: الكفر قدر الله وجوده وهو سبب مكروه لكنه يوصل إلى مسبب محمود محبوب، فإذا: 1- تاب هذا الكافر، فهذا مسبب محمود حصل بعد كفره ولولا أنه كافر ما تاب، فإذن أوصل إلى توبة لله، وهو مسبب محمود. 2- ومسبب محمود آخر وهو جهاد المؤمنين للكفار ومحبة الله للمؤمنين المجاهدين (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً) . 3- ومسبب محمود ثالث: وهو أنه يترتب على الكفر إدخال الكافرين النار فهذا محمود لله عندما يدخل الكفار النار لإظهار عدله وتحقيق بطشه وانتقامه فهو منتقم وهو شديد العقاب وهو يتصف بصفة الغضب فظهور صفة الغضب محمود للرب كما أن ظهور صفة الرضا محمود للرب، كما أن ظهور أثر اسم التواب محمود للرب، فلو لم يكن هناك كافر لبقي غضب الله معطلاً وبقيت دار غضبه ولعنته (النار) معطلة، فإذن مكروه أوصل إلى محبوب ولا يقضي الله شراً محضاً. مثال آخر: إبليس خلقه الله وهو من أعظم الأسباب المكروهة لكنه يوصل إلى أعظم المسببات المحمودة المحبوبة (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً) فإذا عادينا الشيطان فالله يحب هنا الفعل منا، ولذلك لولا الشيطان لما تميز أهل التقى من أهل العصيان، لكن عندما يجاهد التقي نفسه ويذل عدوه و [والمؤمن يُنضي شيطانه كما يُنضي أحدكم بعيره في السفر] كما ثبت هذا في مسند الإمام أحمد عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ومعنى (يُنضي) يتعب ويُهزل، أي يجعله نضواً أي ضعيفاً جلده ملتصق على عظمه حتى كأنه لا لحم عليه. ... فالمؤمن إذا أكل سمى الله وإذا شرب سمى الله وإذا لبس سمى الله، وإذا دخل البيت سمى الله وإذا اتصل بأهله سمى الله وبالتالي يذل الشيطان، والشيطان يكون كالجزور فإذا صاحب المؤمن طار كالعصفور.

.. وضبط ابن مُفْلح لفظ ينضى بالصاد المهملة بدل الضاد المعجمة في كتاب صيانة الإنسان من وساوس الشيطان، فقال اللفظ هو (يُنصيء) بدل يُنضي أي يأخذ بناصيته ورقبته ويقتله ويتحكم فيه كما يريد، وعندما تتعب الشيطان وتهزله وكذلك عندما تذله وتتحكم به يفرح ربنا بهذا ويرضى ويحب هذا. ... إذن الشيطان مكروه لكن نتج عنه محبوب، وكذلك ينتج عنه قتال أوليائه والله يحب هذا (فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً) فهو إذن محمود أيضاً. ... إخوتي الكرام ... كما يوجد في الجن من يصرع الإنس، يوجد في الإنس من يصرع الجن، فما أكثر من يصرع من الجن بنور المؤمن، والجني يأتي للمؤمن فإذا وصل إليه وذكر الله يصرع على الأرض ويتخبط (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) ، وتقدم معنا في محاضرة مداخل الشيطان إلى نفس الإنسان في الفجيرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لعمر (ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك غير فجك) والحديث في الصحيحين، وفي بعض روايات الحديث في معجم الطبراني الكبير عن سَدِيسَة (ويقال سُدَيسَة) مولاة حفصة، وفي معجم الطبراني الأوسط عن أمنا حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمر [والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان منذ أسلمت إلا خرّ على وجهه] أي مصروعاً. إذن سبب مكروه مبغوض لكنه أوصل إلى مسبب محمود محبوب: لعلّ عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجساد بالعلل ? الاثنان اللذان لا يتعلق بهما قضاء الله جل وعلا وقدره: 3) سبب مكروه يوصل إلى مسبب مكروه: فهذا لا يقدره الله ولا يقضيه ولا يفعله ولا يخلق الله شيئاً مكروهاً لا حكمة من ورائه، فهذا عبث لا يقضيه الله، كما سيأتينا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم [والشر ليس إليك] . 4) سبب محمود يوصل إلى مسبب مكروه: فهذا أيضاً لا يقضيه الله ولا يقدره ولا يفعله.

إذن لابد من أن تكون النتيجة والمسببات محمودة، فهذا الذي يقدره الله جل وعلا أما أن تكون المسببات مكروهة مذمومة فهذه مما لا يقدره الله ولا يقضيه مطلقاً. قال أئمتنا الكرام: المراد نوعان: النوع الأول: مراد لنفسه محبوب لذاته، وما فيه من الخير مرادٌ إرادة الغايات والمقاصد وهذا الذي سميناه محبوب يوصل إلى محبوب، كخلق النبيين، وتقدير وجود الإيمان والطاعة فهو مقصود، أي خلقه الله لأنه يحبه. النوع الثاني: مرادٌ لغيره – لا لنفسه – مكروه من حيثُ نفسِه وذاته، مرادٌ من حيث إيصاله إلى المراد المحبوب لنفسه، فاجتمع في هذا المراد حب الله وإرادته وبغضه وكراهيته، ولا منافاة بينهما لاختلاف متعلقهما، وهذا الذي سميناه مكروهاً يوصل إلى محبوب، فهو مكروه بالنظر إلي نفسه، وهو محبوب بالنظر إلى نتيجته، فاختلف متعلق الكُره ومتعلق الحب، إن قيل: هل لهذا مثال بيناً في الحسيات؟ نقول: الأمثلة كثيرة، فمثلاً: الدواء – ونسأل الله أن يعافينا من كل داء وبلاء – الدواء المر هذا مراد لغيره مكروه لنفسه لأن مثل هذا الدواء تنزعج بشربه لمرارته ولما يسببه لك من ضيق فهذا شيء مكروه ولذلك تراه لا يشربه إلا عند الحاجة، فتشربه لأنك تعلم أنه يوصل إلى محبوب وهو الشفاء فأنت لم ترده لنفسه بل لما يوصل إليه فاجتمع الأمران حب وبغض، إرادة وكراهية لاختلاف متعلقهما فمتعلق الحب غاية الدواء ونتيجة ولتعلق الكراهية للدواء نفسه وهكذا قدر الله فيما يبغضه ويكرهه ويوصل إلى محبوب. ... وقد قرر أئمتنا الكرام حِكماً كثيرة في تقدير الله وإرادته لما يشاؤه مما يكرهه ويبغضه، ولنأخذ مثالاً على ذلك في نوع من أنواع الشرور المكروهة ما يترتب عنها من خصال محمودة محبوبة، هذا الشر هو رأس الشر ومنبعه هو: الخسيس إبليس فهل في خلق هذا المخلوق مصلحة ومحمدة وهل يترتب على خلقه حُسن ومصالح؟

.. نعم يترتب على خلقه مصالح كثيرة ومحامد وفيره ومحبوبات جليلة مع أنه مكروه في نفسه فهذا كالعلاج والدواء – وليس الشرب – بل العلاج الذي ستُبتر فيه أربعة أطراف المتعالج اليدين من الكفين والرجلين من الفخذين، فيرضى بقطع هذه الأعضاء ليحمي نفسه من السرطان الذي سينتشر في جميع جسمه ويقضي عليه ويُميته فهل هو رضي بقطع الأعضاء لأنه يحب ذلك؟ لا، بل لأن قطعها يؤدي ويوصل إلى محبوب وهو البقاء حياً، فلذلك رضي بهذا الشر. من هذه الخيرات التي تترتب على إبليس، وسأذكر خمساً والباقي يمكن استنباطه، وقد ذكرته في درس المعمورة الحكم من تقدير الذنوب حِكم بالنسبة للذنب وبالنسبة للمزين (إبليس) ، بالنسبة للنفس، بالنسبة للرب وهذه تصل إلى حكم:

1) ظهور قدرة الرب على خلق المتضادات، المتناقضات، المتقابلات، المتعارضات المتفاوتات، هذا في الحقيقة أمر عظيم، والله عظيم عظيم وهو على كل شيء قدير ولابد من هذا الوصف من مثال فخلق ذكراً وأنثى، وخلق ليلاً ونهاراً، وخلق خيراً وشراً، وخلق حياة وموتاً، وخلق داءً ودواءً، خلق جبريل وخلق إبليس، وجبريل أطهر المخلوقات وأفضلها وأعظمها بالنسبة للملائكة وذاته لا تقبل شراً وفي المقابل خلق إبليس وهو على عكس جبريل تماماً لا يقبل الخير أبداً، بل هو شرير، فيه شهوة وشبهة منبع الشهوات وأم الشبهات، فكل شهوة عنده وكل شبهة عنده، فالخمر شهوة (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر) ، والاعتراض على الله شبهة وأول من اعترض على الله هو (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ، فإذن لابد من إظهار هذا الأمر أن الله قدير على خلق المتضادات، فلو خلق الناس كلهم مؤمنين لقال الناس: ليس بمقدور الله أن يقدر شيئاً آخر، ولو خلق الله نهاراً بلا ليل لقال الناس: هذه طبيعة، ولو خلق الله فصلاً واحداً وهو الشتاء لقال الناس: هذا هو الدهر، الحاصل أن هذه المتضادات تظهر قدرة الله جل وعلا وهي مقصودة محبوبة محمودة. 2) ظهور آثار أسماء الله القهرية، فهو سبحانه وتعالى المنتقم، المذل، الخافض، (شديد العقاب) ، (أخذه أليم شديد) ، نقول: العقاب والانتقام والبطش والإذلال والخفض يكون لأوليائه وأحبائه أم لأعدائه؟ لأعدائه للشيطان وذريته وأتباعه، فلما خلق الله الشيطان ووجد لهذا الشيطان أتباع من أنس وجان ظهرت آثار أسماء الله القهرية فحصل غضب الله وحصل مقته، وحصلت عقوبته، وحصل بطشه وحصل انتقامه، وحصل إذلاله لهؤلاء، وحصل خفضه لهم في الدنيا والآخرة، وأذلهم وعاقبهم ونكد حياتهم وأدخلهم جهنم، فهذه الآثار متعلقة بصفات للعزيز القهار فلابد من أن تأخذ متعلقها وآثارها وإلا تتعطل تلك الصفات.

3) ظهور آثار أسماء الله المتضمنة لعفوه ومغفرته ورحمته ولطفه بعباده فهو تواب رحيم، حليم غفور ستّير، فهذه كلها لا يمكن أن تظهر إلا إذا وقع شر وفساد ومسبب هذا المخلق وإبليس. فإذا وقعت معصية بواسطة تزيين هذا الشيطان للإنسان ثم يتوب هذا الإنسان لربه جل وعلا فإنه تظهر آثار أسماء الله الحسنى – كما قلنا – المتضمنة لعفوه ومغفرته، وكذلك لو أن هذا العاصي لم يتب بل استمر على معصيته فالله سبحانه وتعالى أمهله وأمد له في حياته ورزقه وأسبغ عليه فضله فهذا من ظهور آثار اسم الله الحليم الذي لا يعاجل بالعقوبة فهو حليم غفور رحيم. ... فهذه كلها لابد من ظهور آثارها كما أنه منتقم شديد العقاب، فإذا عاقب ظهرت آثار تلك الأسماء وإذا أمهل وأخر – وهو سبحانه يمهل ولا يهمل ولا يفوته شيء – ظهرت آثار اسم الله الحليم، وإذا عفى وتجاوز ظهرت آثار اسم الله الرحيم العفو. لذلك ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري، وأبي هريرة ... رضي الله عنهم أجمعين والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء يقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم] فهل هذا لأن الله يحب الذنب؟ لا، بل هو يكره ويغضب على فاعله، لكنه يحب التوبة، وإذا لم تتب فالله يحب أن يتجاوز عن عباده وأن يعفو عنهم، فإذا لم تقع ذنوب فلن تكون هناك توبة والله يحب التوابين ولن يكون هناك آثار اسم الله الحليم العفو وبهذا تتعطل صفات الله سبحانه وتعالى وليس في تعطيلها كمال له جل وعلا. ... ولذلك عندما يتوب الإنسان لا يناجي الله بقوله يا منتقم تب علي، بل يناجيه بقوله يا رحيم تب علي فينادي ربه بالأسماء التي تتضمن الرحمة والمغفرة والعطف والحنان والحلم.

4) ظهور آثار أسماء الله المتضمنة لحكمته وأنه يضع الأمور في مواضعها فهو حكيم يضع الشيء في موضعه، وهل في تقدير الذنب على الإنسان ووسوسة الشيطان له حتى أغواه حكمة؟ نعم حكمة ليس بعدها حكمة. كيف هذا؟ الإنسان لو لم يكن له شيطان يزين له أحياناً بعض أنواع الإثم والعصيان ليقع فيها وليرتكبها لربما ظن نفسه أنه ند لله وأنه شريك لله وأنه يساوي الله وأنه أفضل من النبيين أفضل من الملائكة المقربين لكنه عندما يعصي ربه يحصل له انكسار ويصبح في قلبه من الفقر والالتجاء والمسكنة ما به يدخل على ربه ولذلك لولا المعصية لوقع الناس فيما هو أكبر منها وهو الكبر والعجب والغرور ويرى أن السموات والأرض لا تسعه مع أن عبادته قد تكبه على وجهه في جهنم، وعبادة 500 عام ما وفّت بنعمة البصر كما تقدم معنا، ولو حاسب الله خير خلقه عليه الصلاة والسلام مع روح الله عيسى بن مريم على أصبعين فقط الإبهام والسبابة لعذبهما ربهما ثم لم يظلمهما، فمن أنت؟!! لكن الإنسان يغفل عن نفسه وعن العيوب التي في طاعاته فيقع أحياناً في بعض المعاصي الظاهرة من نظر حرام ومن غناء، أو كلمة باطلة، فمثل هذه المعاصي وغيرها كسرت قلبه. وقد ثبت في مسند البزار وشعب الإيمان للبيهقي بسند صحيح جيد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لو لم تكونوا تذنبون لخفت عليكم ما هو أكبر من الذنب، العُجْبَ العُجْبَ] أي أخاف عليكم العجب، حقيقة العجب مهلك للإنسان، لا طاعة أعظم من انكسار النفس والتذلل بين يدي الله، ولا معصية أشنع من إعجاب المرء بنفسه ورأيه، والعجب هو معصية إبليس. ولذلك إذا ابتلي الإنسان بشيء من المعاصي فإذا جاءه الشيطان ليوسوس له بالعُجب وأنه يعبد الله ولم يعصه يقول: يا نفس تذكري يوم كذا ماذا عملت واستحي من الله وقفي عند حدك، والمجاهد من جاهد نفسه في الله جل وعلا.

ولذلك هذا هو الجهاد الأكبر هو أن تجاهد هواك، وأن تجاهد تطلعات النفس إلى الكبر والزهو والخيلاء والعجب ومضادة الرب في حكمه، فإذا وقع شر بسبب إبليس لكن هذا الشر خير، فمعصية طردت عنك أشنع الآفات وهي معصية العجب والكبر والغرور. لعل عتبك محمودٌ عواقبُه ... وربما صحت الأجسام بالعلل يعني ما تبتني فما عدت لذنبي، وصرت كما تريد فهذا العتب (المذموم) وهو عدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى، وهنا كذلك فكان في القلب آفة دفينة من عجب وكبر وغرور وخيلاء وفخر – وهذه كلها مهلكة – من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لا يدخل الجنة – فابتلاه الله بجريمة الزنا مثلاً، فنكس رأسه وانكسر وبقي يقوم في السحر يقول يا رب، يا رحيم يا كريم استرني في الآخرة كما سترتني في الدنيا، تب علي، فإذن معصية وقع فيما لكنها دفعت عنه معاص ٍ ستدخله أسفل سافلين وهو لا يدري، وحقيقة هذه حكمة لولا الوقوع في المعصية بسبب الشيطان لوقع الناس في أشد من المعاصي الظاهرة. ... ولذلك لا يدخل العباد على الرب إلا من باب الذل والانكسار، وكل من تعالى غضب الله عليه يريد وكان أئمتنا يقولون: "من تعالى لله وترفّع لقي عطباً، ومن طأطأ لقي رطباً" فمن تعالى لقي هلاكاً، والذي يريد الرطب يطأطئ رأسه ليتناوله، وهنا كذلك تعاظم يغضب الله عليه (إن عليك لعنتي إلى يوم الدين) بسبب قول إبليس (أنا خير منه) فكلمة قالها أوبقت دنياه وآخرته، أفسدت عاجله وآجله. وخذ المعصية التي قدرت على نبينا آدم صلى الله عليه وسلم جعلت حاله بعد المعصية خيراً من حاله قبلها بكثير ولا نسبة بين تلك وبين هذه، صار بعد المعصية نبيناً من أنبياء الله كلمه الله قبلاً وأرسله بعد ذلك إلى بنيه وجعله أصل البشر ثم أخبرنا الله أنه اجتباه وتاب عليه وهدى، فمعصية وقعت منه جرته إلى هذه الكلمة التي لا يدخل إنسان على ربه إلا من طريقها (قالوا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) .

.. وكل عبد لا يجعل هذه الكلمة ديدنه، فهو بعيد عن الله، ولا يدخل الإنسان الجنة إلا من هذا الطريق (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) ، فنحن معترفون بذنوبنا وتقصيرنا وتفريطنا لكن مع ذلك نطمع في رحمتك وفي فضلك وأنت واسع المغفرة، ولمن تكون الرحمة إلا للمذنبين أمثالنا. 5- حصول أنواع العبودية التي يُتقرب بها إلى رب البرية بسبب خلق الذات الإبليسية، حصلت عبادات متنوعة منها: أ) مجاهدة النفس ... ب) مجاهدة الكافرين ... جـ) الاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم والله يحب هذا (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) ولنا عدوان: عدو ظاهر مكشوف (الكافر) ، وعدو باطن مستور (الشيطان) أما العدو الظاهري فنداريه ولا نقاتله ونحاربه، وأما العدو الباطن المستور فلا سبيل إلى محاربته إلا بالالتجاء إلى ربنا، فنقول يا رب، سلطت علينا من يرانا ولا نراه فنسلطك عليه فأنت تراه وهو لا يراك فاكفنا شره وشر أتباعه إنك على كل شيء قدير. ... فهذه إذن عبوديات متنوعة حصلت بسبب الشيطان الرجيم، فهذا السبب المذموم يوصل إلى نتائج محمودة، وهذه بعض الحكم من خلق إبليس ذكرناها على عجل وفي بيانها بيان للحكمة من خلق الشرور وأنواع الضر وتقديرها.

.. وبهذا نتحقق من قول نبينا عليه الصلاة والسلام الذي كان يقوله عندما يناجي ربه في صلاة الليل [والشر ليس إليك] والحديث في صحيح مسلم بشرح النووي (6/59) عن علي رضي الله عنه قال [كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي يفتتح صلاته فيقول: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك , وأتوب إليك] هذا يقوله في دعاء الاستفتاح قبل أن يقرأ الفاتحة، وهذا من جملة الأدعية المشروعة التي يقولها المصلي إن شاء وإن شاء أن يقتصر على قوله: [وجهت وجهي للذي فطر السموات.... من المسلمين] ، وإن شاء أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وإن شاء قال الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلا ً – إلخ دعاء. وإن شاء غيرها. وانظروا كتاب الأذكار للإمام النووي في أدعية الاستفتاح التي يخير المصلي بين شيء منها في أول صلاته. الشاهد: والشر ليس إليك، هذه الجملة تحتمل خمس معان ٍ أحدها الذي نتكلم عنه: المعني الأول: أنك لا تقضي شراً محضاً خالصاً، والشر الذي تقضيه وتقدره هو خير بالنسبة لحكمتك وقضائك وتقديرك، وإن كان شراً بالنسبة لمن يقع عليه، فإذن لما تقدره لما يترتب عليه من حكمة وخير.

مثال للتقريب: المطر هو خير، لكنه شر للمسافر ولذلك يقول الله (يريكم البرق خوفاً وطمعاً) ، من جملة ما قيل في تفسيرها: خوفاً للمسافر لأنه إذا نزل أتعبه ويخشى من السيول، وطمعاً للمقيم فبمجرد أن يرى البرق يطمع في نزول المطر، ... فلو قدر أن مطراً نزل وسالت وديان وجرف بعض المسافرين وأغرقتهم فهو شر بالنسبة للمسافر، وهو شر جزئي، لكنه ترتب عليه خير عام حيث فرح الناس بنزول المطر وحي العالم بنزوله. مثال آخر: قطع يد السارق، شر في حق السارق، لكن هو خير عام للمجتمع، حافظنا على أموال الناس، منعنا أنفسنا سخط الله، فإنه إذا انتشرت المعاصي ولم يؤخذ على يد العاصي نُزعت البركة، والله يعاقبنا بعقوبة عاجلة تعم. إذن لا تقضي شراً محضاً لا تقدره لا تشاؤه، إذا قدرت شراً فلحكم نتج عنه، وهذا المعنى هو محل الشاهد في بحثنا. المعنى الثاني: أي لا يُتقرب بالشر إليك، وهذا قاله الخليل بن أحمد والنضر بن شُميل والأزهري وهؤلاء كلهم من علماء اللغة، ونُقِل عن إسحاق بن راهُوْيَهْ وابن معين وابن خزيمة وهم من أئمة الحديث الشريف. المعنى الثالث: أي لا يضاف إليك الشر على انفراده فلا يُقال يا خالق الكلاب والخنازير ولا يُقال: يا رب إبليس، قاله الإمام المزني، مع أنه خالق الكلاب والخنازير ورب إبليس لكنه يشعر بذم ويوهم بنقص بل تقول يا رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أو تقول يا رب النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهذا فيه مدح لأنك تضيف ربوبية الله جل وعلا إلى مخلوق فاضل. ... وأما أن تقول يا رب الطلاب والخنازير وإبليس فرج كربي، فهذا في الحقيقة سوء أدب في مناجاة الله مع أنه ربهم، ولذلك قال أئمتنا: الشر لا يضاف إلى الله على انفراده، وذلك لأنه لم يخلقه لأنه شر، بل خلقه لما يوصل من حكمة وخير. وإذا أردت أن تضيف الشر فلك أحد أساليب ثلاثة:

الأسلوب الأول: أن تضيفه إلى الله عن طريق العموم فتقول: الله خالق العالمين، الله رب العالمين، يا رب المخلوقات والأرض والسموات، يا رب كل شيء ونحوها فدخل في هذا الخير والشر، الفاضل والضال. الأسلوب الثاني: أن تحذف فاعله فلا تضيفه إلى معلوم وقد تأدب الجن بهذا الأدب فقالوا كما أخبر الله عنهم في سورة الجن (وأنا لا ندري أشرٌ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم رشداً) الرشد خير يضاف إلى الله، وأما الشر فهذا لا نضيفه إلى الله جل وعلا على سبيل الانفراد والاستقلال فنعرف فاعله ونضيفه إلى مجهول، فانظروا لهذا الأدب (أشر أريد بمن في الأرض) فلم يضيفوه لأحد مع أن هذه الإرادة لله وإرادته هي النافذة. ... وانظر إلي خليل الله إبراهيم وإلى أدبه يقول (وإذا مرضت فهو يشفين) فأضاف المرض إلى نفسه. ... ومن هذا قول الخضر لموسى عليه السلام (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها) وعيب السفينة نقص، فلم يقل: أراد الله أن أعيبها مع أنه في آخر الآيات قال (وما فعلته عن أمري) أي أمرني الله بذلك، وهو عاب السفينة لمصلحة لكن ظاهر اللفظ فيه نقص فلا يضاف إلى الرب، وانظر ماذا قال بعد ذلك: (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزُ لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما) فقال أراد ربك ولم يقل فأردت، لأن هذا خير فيضاف إلى الله بخلاف الشر، والخير يجوز أن تضيفه إلى نفسك وإلى الله كما قال الخضر في حق الغلام (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحمة) ، كما أنك إذا صليت يجوز أن تقول صليت بقدر الله.

الأسلوب الثالث: أن تضيف الشر إلى السبب الذي نتج عنه ووجد بسببه، كما قال تعالى (من شر ما خلق، ومن غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد) ، فهذا الشر يقع من مخلوقات الله ولم يضفه لنفسه، فأضافه إلى الخلق، ثم بعد ذلك أضافه إلى أفراد بأعيانهم: الغاسق إذا وقب، النفاثات، والحاسد. المعنى الرابع: الشر لا يصعد إليك إنما يصعد إليك ما هو خير طيب كما قال جل وعلا (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) . المعنى الخامس: أي ليس عدادك من أهل الشر ولا ينسب إلى الشر حكاه الإمام الخطابي في معالم شرح السنن أبي داود، يقال فلان ليس من بني فلان، وفلان من بني فلان، إذا كان عداده فيهم أو ليس عداده منهم، أي لست من أهل الشر بل أنت طيب كريم.

.. ذكر الإمام الرازي في تفسيره في (13/93) في تفسير سورة الأنعام، عند قوله تعالى (إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلك الله فأنى تؤفكون) يقول ما حاصله كان بعض الملوك الجبارين يتفنن في تعذيب المسلمين المساكين، فأتى مرة بشيخ صالح فأراد أن يعذبه بنوع من أنواع العذاب وهو أن يسقيه الأفيون (المخدر) فأسقاه ذلك لأجل أن يموت بسبب فقدان الحرارة الغريزية، ثم وضعه في بيت مظلم تحت الأرض يقال له سرداب وقبو وملجأ، ثم بعد فترة جاء الملك ليتفقد هذا الشيخ هل مات أم لا؟ وكان يظن أنه مات لكنه أراد أن يتأكد فلما جاءه وجده حياً فاستغرب الملك وحار في أمره، فقال له: ما شأنك؟ فأخبره الشيخ: أنه لما وضعتني في هذا السرداب جاءني ثعبان عظيم فلدغني، فبهذا حييت، ثم كف هذا الملك عن الظلم بعد ذلك، فقيل للملك كيف هذا؟ فقال: إن الأفيون يفقد الحرارة الغريزية فيقتل بقوة برده، بعكس السم فإنه يزيد الحرارة الغريزية ويقتل بقوة حره، والجسم لابد من توازن الحرارة والبرودة فيه، فتوازنت الحرارة في جسم الشيخ وما تأثر بلدغ الحية مع أنها شر لكنه فيها خير، فالله سبحانه لا يخلق شراً محضاً، وإذا قدرته فلما ينتج عنه من حكم. 3- الإيضاح الثالث: كيف يرضى الله لعبده شيئاً ولا يعينه عليه؟ فالله جل وعلا رضي لنا الإيمان والطاعة، لكن لم يعن العباد جميعاً على ذلك، بل أعان قسماً منهم وهم الموحدون، وخذل قسماً منهم فلم يعنهم، فكيف يرضى الله لعباده شيئاً ولا يعينهم عليه؟!. نقول: لا إشكال في ذلك مطلقاً، لأنه لو أعانه على ما رضيه لهم لترتب على هذا محذوران أو أحد محذورين: المحذور الأول: قد تستلزم إعانة الله جل وعلا لعباده على ما رضيه لهم وأحبه قد تستلزم فوات محبوب لله هو أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها لعباده وأحبها لهم.

المحذور الثاني: قد تستلزم إعانة الله جل وعلا لعباده على ما رضيه لهم وأحبه قد تستلزم وقوع مفسدة هي أكره لله جل وعلا من فوات تلك الطاعة التي أحبها لعباده ورضيها لهم، فدُفع أعظم المكروهين بأحدهما، مثال: يقول الله جل وعلا في كتابه عن المنافقين (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) الله أحب الجهاد وأمرهم به وأمرهم بالخروج لكن كره الله خروجهم، وعدم خروجهم مفسدة، لكن في خروجهم مفسدة أعظم فانظر إلى النتيجة بعد ذلك لو خرجوا. (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً) هذه المفسدة الأولى، أي ما زادوكم إلا ضعفاً وخذلاناً لأنهم لن يقاتلوا بجد ونشاط وعزم إنما سيخذلون ويجبنون، وإذا جبن فرد في الجيش قد تسري العدوى على أفراد الجيش، والجيش يزداد عزمه وقوته عندما يرى الأفراد يتسابقون إلى الاستشهاد، لكنه عندما ينظر إلي زملائه يفرون ويضعفون ويجبنون فهو بالتالي سيجبن ويهن (ولأوقعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) والإيقاع هو الإسراع في الإفساد ونقل النميمة والتحرش بين المسلمين، وأمر هؤلاء لا يخفى على الكثير وفيكم سماعون لأنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وهذا التحريش هو مفسدة ثانية في حد ذاتها فإذا ضعف المسلمون وتحرشوا فيما بينهم بعد فعل المنافقين فهذه أيضاً مفسدة ثالثة فتركهم للجهاد مفسدة ولكن في إعانة الله لهم على الخروج وجهادهم مفسدة أعظم، فدفع أعظم المكروهين بأدناهما، وفي خروجهم أيضاً فوات لمحبوب هو أعظم عند الله من حبه لخروجهم. مثال آخر: (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) فمصلحة هذا الرجل المؤمن من آل فرعون الذي نصح موسى مصلحته في أن يشير عليه ويبتعد عنه لا في أن يعينه ويساعده لأنه لو ساعد لأذي وقتل، إذن فمصلحة الناصح هنا تتعلق بالأمر لا بالمعونة. ولله المثل الأعلى.

مثال آخر للتقريب: ولله المثل الأعلى – لو أن هناك امرأة صالحة تعد نفسك لخطبتها والزواج منها، من فترة طويلة لأنك تعرف أسرتها ونشأتها، فجاءك بعض الصالحين وقال لك: ما رأيك في فلانة بنت فلان أريد أن أتزوجها؟، وكانت هي التي تعد نفسك لها، فأنت الآن قد تستحي أن تقول له أنا أريد أن أخطبها، وكذلك لا يجوز لك أن تذمها كذباً لتبعده عنها فأنت ستقول الحق وتقول له هذه امرأة صالحة من أسرة طاهرة وسعيد الحظ من يتزوجها وهي فرصة لك – مع أنه في قرارة نفسك تدعو الله ألا يتم هذا النكاح – فإذا قال لك زميلك: اذهب معي لنكلم أهلها فستعتذر ولن تذهب معه، فإذن أنت نصحته ودللته ولم تعنه فإذن الإعانة شيء آخر، ولا يلزم من النصح والأمر الإعانة – ولله المثل الأعلى، فكم من إنسان تأمره وأنت لا تريد حصول هذا له لأنه يتضمن مضرة عليك أو يتضمن زوال محبوب لك هو أعظم من ذلك المحبوب الذي سيحصل له. مثال: لو أعان الله عباده كلهم على الإيمان ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة لكن هذا لو حصل لترتب عليه ولفات به محبوبات كثيرة عظيمة لله جل وعلا منها: 1) تقدم معنا إظهار قدرة الله على خلق المتضادات. 2) إظهار آثار أسماء الله المتضمنة لقوة بأسه وانتقامه فإذا كان كل من في الأرض مؤمنين لفاتت هذه الآثار وهي محبوبة لله جل وعلا. 3) ويترتب على الكفر والذنب طاعة أحب إلى الله منها وهي التوبة فلم يعنه على الطاعة من أول الأمر ليترتب عليها حصول طاعة أعظم بعد ذلك ولو حصلت من أول لفات هذا الأمر المحبوب لله.

4) لو حصلت الطاعة من أول الأمر قد يترتب عليه مفسدة أعظم وهي العُجب فوقع في الذنب حتى ينكسر ولا يتكبر فزالت مفسدة أعظم مما لو لم تحصل تلك الطاعة، أي لو لم تحصل مفسدة يسيرة لحصلت مفسدة كبيرة، فدفعت الكبيرة باليسيرة كما تقدم معنا في الحكم، ولو كان الخلق كلهم مؤمنين فمن سيدخل النار؟ فهذا لابد من وعيه ولا تظن أن الحكمة تقتضي أن يكون جميع الناس مؤمنين، ليس كذلك، لأنه لو كان هذا هو الحكمة لقدرة الحكيم العليم (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) هود (118، 119) ، (ولذلك خلقهم) فيها تفسيرأن كلاهما ثابت عن سلفنا الكرام: خلقهم أي ليأمرهم بالإيمان ليكونوا ملة واحدة ليرحمهم بعد ذلك فالإرادة دينية شرعية وقيل: خلقهم أي ليختلفوا فيحاسب كلاً على عمله فالإرادة كونية قدرية، وأحد التفسيرين لابن عباس والآخر للحسن لكن لن أذكر تحديداً النسبة الصحيحة لكل قول. ولذلك قال أئمتنا من أمره الله وأعانه فقد تعلق بالمأمور خلقه وأمره إنشاءً ومحبة (وجدت فيه الإرادة الشرعية والكونية) ومن أمره الله ولم يعنه فقد تعلق بالمأمور أمره لا خلقه لعدم الحكمة، قل لله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين وليس في هنا أي إشكال، والشر ليس إليك وأسباب الخير ولا يستلزم الخير حصولها بكاملها إنما قد يوجد الله الثلاث في بعض العباد وقد يوجد بعضها في بعض ... العباد فهو المتفضل والمنعم على عباده: السبب الأول: إيجاد: خلقه لإبليس وللكافرين نعمة. السبب الثاني: إعداد: أعد قلوبهم بحيث جعلها صالحة للهدى والإيمان كما قال لنبيه موسى عليه السلام (واصطنعتك لنفسي) هذا من به على بعض العباد.

السبب الثالث: إمداد: بعد أن هيأه وأعده جعله يقبل ذلك الإيمان ويطمئن إليه ويأخذ به، فلا يخلو مخلوق من فضل الله لكن إما في نعمة الإيجاد وإما في نعمة الإيجاد والإعداد والإمداد. فالله جل وعلا أوجد نبيه محمداً صلى الله عليه وأعده وأمده، والله يقول للنبي صلى الله عليه وسلم (ووجدك ضالاً فهدى) (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) والله يقول (وما كنت ترجو أن يلقى إليه الكتاب إلا رحمة من ربك) لكن قف عند نقطة: هل هذا الاختيار مبناه على العبث والسفه أم هو وضع للأمور في مواضعها؟ إذا كنت تؤمن بأن الله حكيم فستعلم أنه اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم لما يعلمه مما في قلبه، واختياره كان في محله كما قال (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس) (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) و (ما) هنا نافية وهذا أقوى القولين في تفسيرها، ويتم الوقف عند قوله (ويختار) ، أي ما يحصل لهم هذا ولا يقومون به، وقيل: (ما) موصولة، المعنى صحيح أيضاً ويختار الذي فيه خير لهم وهو أرحم بنا من أنفسنا. ... والله جل وعلا أوجد أبا جهل ولم يعده ولم يمده، لما له من الحكمة التامة ولو شاء أن يجعله كالأنبياء لجعله لكن له الحجة البالغة والحكمة التامة، فخذله لما يعلم في قلبه من الخبث والكبر والطغيان، إذن الله سبحانه وتعالى أوجده وخلقه بشراً سوياً عاقلاً مدركاً ذكياً لكنه لم يعده ولم يمده لحكمته التامة وعلمه سبحانه وتعالى ولله على خلقه نعمتان: الأولى خلق وإيجاد، والثانية هداية وإرشاد، الخلق والإيجاد مبذولة للجميع (وما بكم من نعمة فمن الله) (الله خالق كل شيء) ، ونعمة الهداية والإرشاد (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ، وهنا كذلك إيجاد وإعداد وإمداد. 4- الإيضاح الرابع:

يترتب على ما تقدم قول القائل والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو إن أحب الله ثم حنث، فهل عليه كفارة أم لا؟ وما الفارق بين الصيغتين؟ مثال لو قال: والله لآكلن التفاح هذا اليوم إن شاء الله، والله لآكلن التفاح هذا اليوم إن أحب الله ولم يأكل فهل هناك فرق في الحكم؟ نعم هناك فرق كبير بعد أن تعرف هذا المبحث الجليل. إذا علقته بالمشيئة ولم تفعله لم تحنث مطلقاً لأن الله لم يشأ ذلك سواء كان المخلوق عليه طاعة أو معصية أو مباحاً كأن يقول أحد: والله لأسمعن الغناء إن شاء الله في هذا اليوم ولم يسمع لم يحنث لأن الله لم يشأه فتركه له دليل على عدم مشيئة الله له، ولو كان شاءه لحصل، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لأن المشيئة الكونية لا يتخلف مقتضاها كما تقدم معنا بخلاف المشيئة الدينية. وأما إذا علقته بالمحبة فإن كان طاعة من واجب أو مستحب، فحلفت ولم تفعل فعليك كفارة وإن لم يكن طاعة فحلفت ولم تفعل فلا كفارة عليك، فلو حلف على غير طاعة من مباح أو معصية قال لأسمعن الغناء إن أحب الله، فلم يسمع فلا كفارة عليه لأن الله لا يحب هذا الفعل وتعليقك كان في محله، ولو قال لأصلين في المسجد إن أحب الله اليوم، فإن لم يصل فعليه كفارة، لأن الصلاة يحبها الله، فوافق تعليقه المحل فتعلقت الكفارة به إن حنث. والسبب في التفريق بين التعليق على المشيئة والتعليق على المحبة: يُعلم مما تقدم معنا وهو أن الإرادة الشرعية الدينية قد يوجد مقتضاها وقد يتخلف والإرادة الكونية القدرية لابد من وجود مقتضاها فعندما يعلق فعله على مشيئة الله الكونية القدرية ولا يتيسر له الفعل نقول هذا يدلنا على أن الله لم يشأ لك ذلك، لأنه لو شاءه لابد من حصوله، فأنت إذن ربطت القسم بالمشيئة فإذا شاء الله فعلت وإذا لم يشأ لك فلن تذهب، وعندما تعلقه على محبة الله وكان طاعة فنعلم إذا وقع أنه إرادة كوناً وقدراً، وإذا لم يرده فلأنه أراده ديناً وشرعاً.

هذا كله إذا قصدت بالاستثناء (إن شاء الله) التعليق، أما إذا قصدت التبرك أي من باب البركة فاليمين منعقدة وحالّة وتحنث بترك الفعل فإذا لم تف بما حلفت حنثت، كأن يقول: لآتينك غداً إن شاء الله، ويقصد التبرك والبركة عملاً بقوله تعالى (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله) ، فإن لم يأت حنث وعليه كفارة. وقد يقول الإنسان صيغة الاستثناء ولا يقصد منها التعليق، فأحياناً تكون في محقق ولا تكون في مشكوك فيه معلق ومنه قول الله جل وعلا ( ... لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ... ) اللام في لتدخلن للقسم، والاستثناء للتبرك فالله يقسم على أنهم سيدخلون المسجد الحرام، والآية نزلت في صلح الحديبية ليبشرهم بدخول مكة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم عندما كان يزور المقابر والحديث في صحيح مسلم وغيره [السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] فهذه أيضاً للتحقيق والتبرك لأنه سيلحق بهم قطعاً صلى الله عليه وسلم، وليس هذا من باب الشك. ولذلك من جملة تعليلات سلفنا للاستثناء في الإيمان أي إذا قال المؤمن أنا مؤمن إن شاء الله هذا الوجه أي للتبرك والوجوه الأخرى اكتبوها أيضاً لارتباطها بمبحثنا. 1- من باب التبرك، وقلنا هذا هو الذي نحن فيه. 2- من باب دفع المدح عن النفس، لأن أعظم ما يمدح به الإنسان أن يقول أنا مؤمن، فيدفع هذا المدح وهذه التزكية. 3- من باب الشك في الكمال لا في الأصل، لأنه لا يجزم بكمال إيمانه. 4- من باب الشك في الخاتمة، لا في الحال الحاضرة. 5- الإيضاح الخامس: يدور حول إجمال كلام في القدر: الأول: القدر – كما تقدم – سر الله في خلقه لم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً. سئل أذكى الناس في وقته إياس بن معاوية: ما رأيك في القدر؟ فقال: رأي لا أعلم من قدر الله إلا ما تعلمه ابنتي وهكذا حال الأنبياء والملائكة وخلق الله أجمعين.

فهذا استأثر الله به ولم يطلع عليه أحداً فهو سر الله في خلقه فلا تفشوه أي ليس بإمكانكم أن تطلعوا عليه وليس المراد أنه أعلمنا به ثم أمرنا بكتمانه. ... وقد يجد الإنسان في نفسه أحياناً شيئاً من التساؤلات والاستفسارات والشبه التي يلقيها الشيطان حول قدر الله فإذا وجد شيئاً من ذلك في قلبه فليقل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا يسأل عما يفعل، قدر الله وما شاء فعل، رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبيناً ورسولاً.

ثبت في سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه وكتاب السنة لابن أبي عاصم بسند صحيح عن عبد الله بن فيروز الديلمي (وورد في كتب الحديث تسميته بابن الديلمي) قال ذهبت إلى أبي بن كعب فقلت: أبا المنذر، قد وقع في نفسي شيء من القدر (¬1) فحدثني لعل الله أن يذهبه من قلبي، فقال له: أبي بن كعب رضي الله عنه: [لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً من أعمالهم (¬2) ، ولو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما قبل الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك (¬3) ولو مت على غير هذا مت على غير الإسلام، يقول ابن الديلمي: فذهبت إلى ابن مسعود وإلى حذيفة (¬4) ، فقالا لي مثل ما قال أبي ثم ذهبت إلى زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك (¬5) ] فإذا وقع في أنفسكم شيء من القدر فاستحضروا هذا الحديث. ولذلك أمرنا رسولنا ونبينا صلى الله عليه وسلم إذا بحثنا في القدر أو تكلمنا فيه أن لا نسترسل وأن نقصر الكلام في ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم – والحديث في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني وغيرهما بسند صحيح [إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا] . ¬

_ (¬1) شبه واشتباهات وتساؤلات حول القدر وقعت في نفسي فحدثني وعظني بما يثبت العقيدة في نفسي من أحاديث ومواعظ. (¬2) وهذا في الحقيقة يذهب القلق الذي يقع في القلب من القدر. (¬3) ما فاتك لم يكن ليحصل لك وما حصل لك لن يفوتك، جف القلم بما أنت لاق ٍ. (¬4) أي يطلب منهم أيضاً أن يحدثاه بشيء من القدر ليذهب ما وقع في نفسه. (¬5) فالكلام من مشكاة واحدة مشكاة النبوة، لكن أبي لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا ابن مسعود ولا حذيفة، وأما زيد فرفعه ولم يقفه.

[إذا ذكر القدر فأمسكوا] لا تسترسلوا في الكلام، لكن لا مانع أن تبحث عن طريق الأدلة الشرعية لتعرف ما ينبغي أن تعتقده وأن الله قدر كل شيء وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأما كلمة لِم؟ وما السبب؟ وما العلة؟ فلا تقلها ولا تفكر فيها فأنت عبد ولا تعترض على ربك، فإن هذا لا يفعله إلا من يجعل نفسه نداً لربه لا عبداً له، والعلة إذا ظهرت لك تزداد بصيرة على بصيرة، وأما إذا لم تظهر لك فلا تقل لم؟ فلا تسترسل في الكلام فيه، وإن أبيت فلن تصل إلى إحدى ثلاث بليات ستأتي. [وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا] أي وإذا ذكر ما حصل بينهم من خلاف فأمسكوا. فحذار حذار من إطالة الكلام في الصحابة تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، بل نسأل الله أن يغفر لهم وأن يرحمهم وأن يجمعنا معهم في جنات النعيم، ولا مانع أن يخطئوا فهم بشر لكن حذار أن تشيع خطأهم وأن تتلذذ به، فهذا لا يفعله إلا من غضب الله عليه فإذا مر معك شيء من خطئهم في أثناء بحثك فقل كل بني آدم خطاء، ولهم حسنات، أعظم من الجبال الراسيات وما جرى من السيئات مغمور في بحار حسناتهم.

[وإذا ذكر النجوم فأمسكوا] أي ما يتعلق بها من إسعاد ونحاسة ونزول مطر ورياح وغير ذلك كما يستدل به المنجمون فهذا كله من هوسهم يقولون إذا وقع برج كذا صار كذا (خيراً) أو صار كذا (شراً) فهذا مما لا يجوز الخوض فيه، فالنجوم مدبَّرة لا مدبِّرة، فلا يستدل بها على شقاوة أو إسعاد أو خير أو شر، بل نقتصر على معرفة ما فيها من عبر وآيات جعلها الله لذلك منها أنها علامات لتستدل منها في ظلمات البر والبحر ومنها أنها زينة للسماء ومنها أنها تضيء السماء ونحو هذه العبر ولا نخوض في أكثر من ذلك والشبه التي تقع في قلبك أيها الإنسان هذه إذا وقعت فجاهدها وادفعها ولا حرج عليك في وقوعها – أي وقوع الشبه حينئذ – وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث رواه الإمام مسلم أيضاً من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، ولفظ حديث أبي هريرة: [أن رجالاً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله يجد أحدنا في نفسه (¬1) ما يتعاظم أن يتكلم به ولأن يخرمن السماء أحب إليه من أن يتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم: أوجدتم ذلك؟ قالوا نعم، قال: ذاك صريح الإيمان] . ولفظ حديث ابن مسعود: [سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، فقال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ذلك محض الإيمان] . ... ذلك الذي تجدونه في أنفسكم صريح الإيمان أي خالص الإيمان، ومحض الإيمان أي خالص الإيمان، فكيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوسوسة محض الإيمان وصريحه مع أنها مذمومة؟!. ... نقول: إن الصحابة رضوان الله عليهم لما عرضت لهم الوسوسة لم يطمئنوا بها ولم يرضوها ولم يأنسوا بها بل جاهدوها وقاوموها، فإذن هم لم يرضوا بها ولذلك لم تكن مذمومة. ¬

_ (¬1) أي وساوس تتعلق بقدر الله وبما شاكل هذا.

وهكذا أنت عندما تكره الوسوسة وتجاهدها لا ضير عليك في ذلك، ولا يخلو الإنسان من وجود وساوس في قلبه، لكن يذهبها بعد ذلك – إن شاء الله – الإيمان الحق. ... ومعنى الحديث يتلخص في أمرين ومعنيين كما قرر الإمام النووي والقاضي عياض رحمه الله. التأويل الأول: كراهية الوسوسة: لأنه يكرهها إلا مؤمن، فلولا الإيمان لما كرهتها. التأويل الثاني: الشعور بالوسوسة دليل على الإيمان، فلولا الإيمان في نفس الإنسان لما وسوس الشيطان فالقلب الخرب لا يوسوس فيه الشيطان. والمعنيان متلازمان فالمؤمن من يشعر بوسوسة فإذا شعر بها كرهها، فشعوره بها علامة إيمانه وكراهيته لها دليل على إيمانه. والقلوب ثلاثة: 1- قلب تام النور لا يقربه الشيطان لكرامته وطهارته، وإذا اقترب احترق كما لو أنه اقترب من السموات يرمي بشهاب ثاقب كقلب الأنبياء والصديقين، فقلب المؤمن التام النور أعظم حرمة عند الله من السموات. 2- قلب خرب لا يقربه الشيطان لنجاسته، كقلوب الكافرين. 3- قلب مريض فيه نجاسة وطهارة، فهذه يُقبل الشيطان عليها، كقلوبنا وهي حال أكثر قلوب المؤمنين، فيكر الشيطان عليها فأحياناً ينتصر وأحياناً ينكسر والمعصوم من عصمه الله. وحال الشيطان مع القلوب كحال اللصوص مع البيوت في حياتنا، فالبيوت ثلاثة: 1) بيوت الملوك ... 2) بيوت خربة ما فيها إلا عذرة ... 3) بيوت عوام الناس فاللص لا يقترب البيت الأول (بيت الملك) لما عليه من الحرس ولا يقرب البيوت الخربة لأنه لا يوجد فيها شيء يُسرق، وأما البيوت العادية التي ليست كبيت الملك وليست كالخرب فهذه يأتيها اللص ويحاول أن يسرقها إذا غفلت عنه، فإذا انتبهت لم يستطع سرقتها، وهكذا الشيطان يفعل فإذا كنت مؤمناً فغفلت مرة أتى على القلب وأغواه، وإذا ذكرت الله خنس ولذلك سماه الله الخناس. ... قيل لابن عباس: إن اليهود يزعمون أنهم لا يوسوسون في صلاتهم، فقال: صدقوا!! فقالوا: كيف ذلك؟ قال: ماذا يفعل الشيطان بالقلب الخرب.

(والذي يدخل الكنائس اليوم أو يسمع ما فيها لا يرى إلا كل رذيلة وفساد فماذا يعمل الشيطان بهؤلاء؟!، إنهم زادوا على إبليس ولعله إذا دخل عليهم الكنيسة أفسدوه لأنه كما قال الشيطان كنت ألقى الناس فأعلمهم فصرت ألقاهم وأتعلم منهم) وقال الشاعر المخذول: وكنت امرأً من جند إبليس فارتقى ... بيَ الحالُ حتى صار إبليسُ من جندي فلو رأت قبلي كنت أحسن بعده ... طرائق فسق ليس يحسنها قبلي وغاية ما وقع من الشيطان أنه عصى ربه، لكنه لم يتقرب إليه بالمعصية أما هؤلاء النصارى يتقربون بالمعصية فتراه يصلي ويزني.... ... وقد نهانا نبينا عليه الصلاة والسلام عن المجادلة والنزاع والأخذ والرد والقيل والقال في مسائل القدر، ثبت في سنن الترمذي بسند حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: [خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمرت وجنتاه (¬1) كأنما فقيء في وجهه حب الرمان (¬2) ثم قال: أبهذا أمرتم أم لهذا أرسلت إليكم (¬3) ؟، إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم ألا تنازعوا فيه] فمن كان مؤمناً فليحفظ عزيمة النبي عليه الصلاة والسلام وقسمه وتشديده وطلبه وإلزامه لنا. ¬

_ (¬1) أي خداه. (¬2) أي كما لو أتيت بحب الرمان وفقأته في وجه إنسان فتراه يغضب وينفعل ويحمر وجهه من الانفعال والغضب وكان النبي عليه الصلاة والسلام أبيض اللون مشرباً بحمرة ومثله لو انفعل تظهر وجنتاه كأنهما جمرتان من النار من أثر الصفاء الذي في وجهه والحمرة الأصلية، فأراد أبو هريرة رضي الله عنه أن يخبر عن حاله بهذا الوصف. (¬3) أي هل أمركم الله بهذا وهل رخصت لكم به أن بهذا أرسلت إليكم أي هل أرسلت إليكم بأن تتنازعوا وتختلفوا في هذا الأمر؟.

وفي مسند الإمام أحمد وسنن بن ماجه بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: [خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان من الغضب، ثم قال: بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟، تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم] . ... ولذلك إذا ذكر القدر فأمسكوا وإياك أن تسترسل في هذه المباحث ولا أقول هذا الأمر لا تدركه العقول ولا تعلمه كما بينه لنا نبينا الرسول عليه الصلاة والسلام، لا أقول هذا لكن أقول البحث عن الحكمة في التقرير هو الذي لا تدركه العقول، فالعقول تدرك أن الله يعلم كل شيء وأنه قدره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لكن عندما تريد أن تسترسل في بيان الحكم فهذا في الحقيقة مجال للتعثر. فإذا استرسل الإنسان في القدر وما عصمه الله وما حفظه قد يقع في إحدى ثلاث بليات: 1) بلية الزندقة: وهي توهم معارضةٍ بين أمر الله وقدر الله، فيُسلم بأن الله خالق كل شيء – وهذا بقدره – لكنه يقول: إن هذا يعارض أمره ونهيه، وهذا يدل على سفاهته وعدم حكمته، وهؤلاء قدرية زنديقية، ويقولون الله أمر ونهى وقدر وخلق لكن أمره ونهيه يعارض قدره وخلقه. ... أول من قال هذا إبليس حيث سلم بالخلق لكنه قال الأمر يخالف الحكمة لذلك أول المعترضين إبليس، أمره الله بالسجود فاعترض وقال كيف تأمر الفاضل أن يسجل للمفضول؟! أي أنت يا رب لا تعرف الحكمة سبحانه وتعالى عما يصفه الضالون علواً كبيراًً، الله أمرك يا إبليس أن تسجد فلماذا تفلسفت وصرت تقول: لم؟ وهذا ليس من شأنك أن تسأل عنه فالله رب العالمين يعلم الحكمة ويعلم الغيب وأنت لا تعلم شيئاً من ذلك فلماذا تعترض؟، وأنت لا تعرف شيئاً حتى عن نفسك هل تعرف ماهية روحك؟ لا أحد يعلم، فأنت كما قال الله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) . أنت آكل الخبز لا تعرفه ... كيف يجري فيك أم كيف تبول كيف تدري من على العرش استوى ... لا تقل كيف استوى كيف النزول

أين منك الروح في جوهرها ... هل تراها فترى كيف تجول هذه الأنفاس هل تحصرها ... لا ولا تدري متى عنك تزول فأنت إذا كان هذا حالك فلماذا تعترض؟، فاعرف قدرك، فهل أنت ستساوي الله في إدراك حكمة كل شيء، ولو ساويته لكنت إلهاً مثله بل تبقى حالتك أنك تعلم شيئاً وتخفى عليك أشياء، وما تجهله هو أضعاف أضعاف أضعاف أضعاف ما تعلمه فقف عند حدك، إذ قد يؤدي به التعمق في القدر إلى التزندق ولذلك كان الفلاسفة يقولون: "لا يوجد أضر على المخلوق من الخالق"، فنعوذ بالله من هذا الكفر، نعمه علينا لا تحصى ورحمته وسعت كل شيء ووالله هو أرحم بنا من والدتنا وأرحم بنا من أنفسنا أرسل لنا الرسل وأنزل علينا الكتب، فكيف يكون أضر شيء علينا؟!! ... ويقول هؤلاء الفلاسفة أيضاً: "شريعة الله من أولها لآخرها سفاهة"!!! سبحان الله، لكن هذا هو حال المخذولين ومنهم العبد المخذول أبو العلاء المعري الذي هلك سنة 449 هـ حيث يقول: يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار تناقض مالنا إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار فهذه هي الزندقة يقول (تناقض..) ويقول أيضاً في أبيات أخرى: أنهيت عن قتل النفوس تعمداً ... وأرسلت أنت لقتلها ملكين وزعمت بأن لها معاداً ثانياً ... ما كان أغناها عن الحالين أي لم هذه السفاهة يا رب أنت تنهانا عن القتل وأنت ترسل ملائكة تقتلنا؟ ولماذا تقول هناك معاد ثان ٍ وخلق ثان ٍ، لا حاجة لا للخلق الأول ولا الثاني؟!! سبحان الله هل صرت إلهاً حتى تحدد ملك الله وأفعاله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً لكن هذا هو حال من غضب الله عليه، ووصل في نهاية أمره يقول: حياة ثم موت ثم بعث ... حديث خرافة يا أم عمرو وكان يقول أيضاً: وما حج لأحجار بيت ... كؤوس الخمر تُشرب في ذراها إذا رجع الحليم إلى حجاه ... تهاون بالشرائع وازدراها

أي الحليم إذا رجع إلى عقله فإنه يحتقر الشرائع من عهد آدم إلى عهد محمد صلى الله عليه وسلم!!! هذا هو نتيجة التعمق بالقدر مع أنه كل ما قاله يرده العقل البشري – وكل من يزعم أن هناك تناقضاً وتعارضاً بين أمر الله ونهيه وبين خلقه وقدره فهذا من سفاهته وقصر عقله وحماقته – فاليد الحكمة أن تُغلظ ديتها حتى لا يتعاون الناس في قطع أعضاء بعضهم البعض، والحكمة تقتضي أن تخفف نصاب السرقة لأننا إذا غلظناه وجعلناه كالدية خمسمائة دينار (80.000 درهم إماراتي تقريباً على أقل تقدير) أي لا تقطع اليد في السرقة إلا إذا سرق (80.000 درهم فما فوق) لفتحنا باب السرقة على مصراعيه، لكن الشارع خفف نصاب السرقة فجعله ربع دينار حتى يصون الأموال ولا يتساهل الناس في السرقة، وغلظ دية قطع اليد خطأ لا عمداً حتى لا يتساهل الناس في قطع أطرافهم، فأين السفاهة ما معري؟!! إن كلامك سفاهة يا سفيه، وإذا كنت تتقن الشعر ألا يوجد عندنا من يتقنه – كما حصل مع الزمخشري، وتقدم – يقول علم الدين السخاوي في الرد عليه (على أبيات المعري يد بخمس....) عز الأمانة أغلاها، وأرخصها ... ذل الخيانة فافهم حكمة الباري أي عندما كانت أمينة جعلناها ديتها ثمينة عالية، ولما صارت خائنة صارت اليد رخيصة، لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت، وقال الشيخ عبد الوهاب المالكي عليه رحمة الله، في الرد عليه: صيانة العضو أغلاها وأرخصها ... صيانة المال فافهم حكمة الباري وهذه هي عين الحكمة التي يجب أن يقولها العقلاء لو فرضنا عدم نزول شريعة بذلك، حفاظاً على المال وعلى أعضاء الناس وأطرافهم، فكيف به وقد وردت به شريعة أحكم الحاكمين؟!.

.. وإننا نقول للمعري، لإبليس أولاً أنت تعترف بأن الله ربك فتقول يا رب، فإذن هو خالقك فكيف تخالف خالقك، أي هل هو أعطاك الحكمة وبقي هو بدون حكمة؟!! سبحان الله، ثم نقول للمعري أيضاً من خلقك سيقول الله، فتقول له الذي خلقك أعطاك الحكمة ورضي لنفسه بالسفاهة؟!! فأنت بما أنك سلمت بأنه خلقك يجب أن تقر وتسلم بحكمة الله وأن لا تتوهم أو تقول إن هناك مخالفة ومصادمة بين شرع الله وقدرته، فهذا حال من تعمق بالقدر وصل إلى حد الزندقة وكذلك المخذول الآخر أحمد بن يحيى الراوندي الذي هلك سنة 298 هـ وذكره ابن حجر في اللسان ليلعنه، فعليه وعلى أمثاله لعنات رب العالمين وهكذا إمامهم الأول الشيطان الرجيم هؤلاء كلهم يعترضون على أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، ولذلك كان المعري يقول: ما هجوت أحداً بشعري، فقال له بعض المعاصرين: صدقت إلا الله ورسوله. أي ما هجوت أحداً من البشر لكنك هجوت رب العالمين وخير المرسلين، فشعرك كله تسفيه لكلام الله جل وعلا ولحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: إذا رجع الحليم إلى حجاه ... تهاون بالشرائع وازدراها فهل هذا هو الحليم الحكيم؟!!! يرجع إلى عقله فيستهزئ بشرع ربه، سبحان الله، وقد تقدم معنا أن شريعة الله لعقولنا كالشمس لأعيننا، فكيف أنت تريد أن تستقل بتدبير نفسك؟!!! إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضى عليه اجتهاده يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

2) إذا سلم من هذه الطريقة (الزندقة) فسيسلك الطريقة الشركية الجبرية: حيث يقول كل ما نفعله أحبه الله ورضيه، (لو شاء الله ما أشركنا) فلما تعمق في القدر دون أسس شرعية أدَّاهُ أمره إلى أن يقول كل شيء بقضاء وقدر، وهذا صحيح لكن رتب عليه محذور فقال: كل ما قضاه الله يحبه وعليه فنحن نطيع الله ونحن وإن خالفنا أمره إلا أننا قد وافقنا إرادته، والموافق لإرادته مطيع، وقد تقدم معنا أن الطاعة هي موافقة الأمر الديني لا الأمر الكوني القدري. 3) وإذا سلم من هذه والتي قبلها فسيقع في الطريقة المجوسية، فيقول: الله أمر ونهى وشرع وحكم لكنه لم يخلق ولم يقدر، فأداه تعمقه في القدر إلى نفي القدر، لأنه على زعمه لو أثبت القدر لكان الله ظالماً!! فلينزه الله عن الظلم قال لم يقدر عليه شيئاً ولم يخلق شيئاً بل العبد هو الذي يقدر ويخلق. فانظر للضلالات التي ستعتري من يتعمق في القدر دون أسس علمية شرعية، فابحث في قدر الله على حسب ما تلكمنا وضع أمامك كتاب الله وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وحذار أن تخرج عنهما، فإذا كان عندك بحث شرعي فتقرره ثم تقف عند هذا، وأما إذا ما أردت، أن تبحث في هذا المبحث على حسب مقتضيات العقول فستخذل وتضل كما ضل من قبلك. الثاني: جميع الأمور بتقدير العزيز الغفور: فكل ما يقع من إيمان وكفر وخير وشر وطاعة ومعصية سبق به تقدير الله، ولا يقع شيء إلا حسب قدر الله وعلى حسب ما سطر في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق مخلوق أو يوجد موجود.

ثبت في صحيح مسلم وموطأ الإمام مالك عن طاووس –، قال: [إن كنت أدركت ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يقولون كل شيء بقدر، وسمعت ابن عمر يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل شيء بقدر حتى العجز والكَيْس] أي حتى الحماقة والذكاء أي كل ما يقع بتقدير الله فهذا مما تواتر عن الصحابة وثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا الأمر ورد فيه الحديث أشار ربنا إليه في آخر سورة القمر قال (إنا كل شيء خلقناه بقدر) ، ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [جاء المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجادلوه في القدر (¬1) فأنزل الله إنا كل شيء خلقناه بقدر وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر] ، إذن كل ما يحصل من طاعة ومعصية فهو بقدر الله لكنه يثاب على الطاعة ويعاقب على المعصية. 3) الثالث: مبحث القدر الذي بحثناه يدعونا إلى أن يعظم الخوف في قلوبنا مما سبق به تقدير ربنا لنا، ولذلك قال أئمتنا المؤمنون يخافون سوء الخاتمة، والصديقون يخافون سوء السابقة، ولا يكون سوء الخاتمة إلا على حسب سوء السابقة، فأولئك (المؤمنون) يتعلقون بحالتهم فقط فيخشون من سوء الخاتمة لكن هؤلاء (الصديقون) عندهم خوف أعظم من خوف سوء الخاتمة وهو سوء السابقة، أي ماذا كتب لهم في الأزل من أهل النار أو من أهل الجنة؟. ... والسعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه، وأنت لما كنت في ظلمات ثلاث كتب رزقك وأجلك وشقي أم سعيد، لكن ليس في هذا إجبار ولا إكراه، كما تقدم. ¬

_ (¬1) وقد كان المشركون يقولون لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا.

.. لكن تطيش عقول الصديقين نحو السابقة التي قدرها رب العالمين والسابق مجهول، ولذلك ينبغي عليك أن لا تسترسل في الفساد وتقول هذا قدر علي لا ينبغي هذا منك فإذا كنت كيساً عاقلاً فإنك تأخذ الأهبة والحذر وتخاف ومن خاف هرب من سخط الله إلى رضوانه ولجأ إليه بالدعاء والتضرع وأن يحسن خاتمته، فمن خاف هرب ومن رجا طلب وإذا رجوت ولم تطلب فأنت متمنٍ أحمق، وإذا خفت ولم تهرب فأنت كذاب أحمق، ولذلك كان الصالحون يقولون: عجبنا للجنة نام طالبها وعجبنا للنار نام هاربها. لكن ضربت الغفلة على قلوبنا ونسأل الله أن يحسن خاتمتنا إخوتي الكرام ... الإنسان إذا أراد أن يحصل شيئاً تراه يطلبه ويسعى وراءه فمن أراد بناء بيت لم يجلس بل سعى في تحصيل مواده وأمواله وما شكل كل هذا وكذا من يريد الزواج، فكيف ينبغي أن يكون حال طالب الجنة؟ لابد من السعي إليها والهرب من النار. ... ولذلك قال الله عن أهل الجنة (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم) (كانوا قليلاً من الليل يهجعون) فإذن ينبغي الخوف مما سبق، التقدير والخوف يدعوان إلى الابتعاد عن سخط الله وملازمة طاعة الله. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بهذه الجملة المباركة [يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك] ثبت ذلك في سنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم، والحديث رواه ابن أبي عاصم في السنة، والآجري في الشريعة وسنده صحيح كالشمس عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [كان يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلنا: يا رسول الله آمنا بك وصدقناك فهل تخاف علينا فقال: إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء] .

والحديث روي من رواية أمنا أم سلمة وعبد الله بن عمرو بن العاص والنواس ابن سموان رضي الله عنهم أجمعين بألفاظ متقاربة في بعضها [اللهم ثبت قلوبنا ثبت قلوبنا على دينك] وفي بعضها [اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك] هذه ألفاظ للحديث كلها ثابتة. وثبت في معجم الطبراني الأوسط بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه والحديث في مجمع الزائد (10/176) أن الرسول صلى الله عليه وسلم [كان يدعو بقول: يا ولي الإسلام وأهله (¬1) ثبتني حتى ألقاك] . 4- الرابع: مبحث القدر يدعونا إلى أمر عظيم في حياتنا ينبغي أن نتصف به إذا آمنا بقدر ربنا وهذا الأمر هو: أن نكون أقوياء وأن نتوكل على رب الأرض والسماء لأن ما قُدر له، فعلام الوهن والضعف والجبن وعلام التواضع والاستكانة للمخلوق مع أن ما قدر لك كائن وسيأتيك ورزقك لا يأكله غيرك وحياتك لا تصرف إلى غيرك فلا ينبغي التذلل لغير الله (قل لن يصيبنا إلا ما كبت الله لنا) . ولذلك المؤمن هو أقوى أهل الأرض وإن كان فرداً ولو أن أهل الأرض قاطبة أجمعوا على حربه وعلى معاداته لقابلهم بنفسه لأنه واثق بأن الله إذا قدر له النصر سينتصر وإذا لم يقدر له النصر فلو كان معه أهل الأرض سينكسر ولذلك يقول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم – وهذا شامل لكل مؤمن – (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) لم يوجد أحد معك قاتلهم بنفسك وكذلك المؤمن نتيجة لذلك لا يتذلل ولا يتضع لغير ربه، وقد صان الله جبهة المؤمن من الذل إلا له فيسجد له ويعظمه، سجد الفاني للإله القوي الباقي فهذا هو الذل الذي هو عز، لكن الذل الحقيقي والإهانة عندما يسجد الفاني للفاني. ¬

_ (¬1) أي: يا ولي الإسلام والمسلمين.

جاء رجل من البادية وكان قد زاد عمره على (160) سنة إلى معاوية رضي الله عنه فسأله معاوية عن عمره وعما رآه في حياته فقال الأعرابي: سنوات مختلفة خصب وجدب يولد مولود ويموت موجود، لولا الموت لضاقت الدنيا بمن فيها ولولا الولادة لهلك أهل الأرض، فقال معاوية سل حاجتك، فقال: لا حاجة لي إليك، فقال: لابد، قال، إن كان ولابد فأريد أن ترد إليّ ما مضى من عمري، فقال: لا أملك ذلك أيها الرجل، قال: ادفع عني أجلي إذا حضرني، فقال: لا أملك ذلك، فقال الأعرابي: فكيف أسألك وأنت لا تملك شيئاً. ولذلك السؤال لغير الله ذل، ولذلك إذا احتاج الإنسان إلى طعام بحيث إذا لم يأكل مات يباح له السؤال لكن الأولى أن يصبر حتى يموت جوعاً وسؤال المخلوقين فيه: 1) ظلم لله واعتداد على حقه والله يحب أن يُسأل والسؤال نوع من العبادة، فلما صرفت السؤال منه إلى غيره فهذا فيه اعتداء وظلم. 2) ظلم للمسئول لأن المخلوق أبغض الخلق إليه من يسأله وأحب الخلق إليه من لم يسأله والأمر مع الله على العكس أحب الخلق إلى الله من يسأله وأبغضهم من لم يسأله [ومن لم يسأل الله غضب عليه] كما ورد في الحديث. 3) فيه ظلم لك لأنك امتهنت نفسك وأذللتها عندما تذللت لمخلوق مثلك. فالأولى أن تصبر وأن تموت جوعاً وأن لا تقول أعطني رغيفاً من خبز، أو حفنة من تمر وحقيقة هذه هي عزة المؤمن.

.. ثبت في سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان من حديث جابر بن عبد الله، والحديث رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [إن روح القُدُس نفث في رُعي (¬1) أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأَجمِلوا في الطلب] أي ترفقوا بأنفسكم في طلب الرزق فلا داعي للحرص ولا للحماقة ولا للتعب ولا للنصب ولا نقول اجلس في بيتك فأنت مطالب بالسعي لكن ليس بالركض قال تعالى (فامشوا في مناكبها) ولم يقل اركضوا في مناكبها وأسرعوا، بل امشوا ببطء وتؤدة وسكينة، والله لو قدر عليك الغنى لو قلبت الحجر لوجدت تحته ذهباً ولو قدر عليك الفقر، لو أعطيت الذهب لضاع منك. ... ولذلك قال أئمتنا: كم من قويٍ قويٌ في تقلبه ... مهذب الرأي عنه الرزق ينحرفُ (¬2) وكم من ضعيفٍ ضعيفٌ في تقلبه ... كأنه من خليج البحر يغترفُ (¬3) هذا دليل على أنه الإله له ... في الخلق سر خفي ليس ينكشفُ (¬4) وحقيقة هذا موجود بيننا ترى الذي شكله قوي وألمعي لكنه لا يحصل من المال والرزق شيئاً وآخر تراه هزيلاً بليداً لكنه يحصل من الرزق والخير الشيء الكثير. رحمة الله على الإمام الشافعي عندما يقول: تجوع الأسد في الغابات جوعاً ... ولحم الضأن تأكله الذئاب وكم عبدٍ ينام على حرير ... وذو نسب مفارشه التراب وكان يقول مخبراً عن نفسه عليه رحمة الله: علىَّ ثياب لو تقاس جميعها ... بفلس لكان الفلس منهن أكثر ¬

_ (¬1) الرّوع بفتح الراء الخوف قال تعالى (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) ، وبضمها القلب، أي أوحى إلى جبريل وألقى في قلبي هذا. (¬2)) قوي في تقلبه: أي قوي البدن سديد الرأي ذكي لكن الرزق عنه مصروف فلا يحصل قوته إلا بتعب. (¬3) أي كأنه يغترف من الأموال كما لو كان يغترف من البحر، لكن لو نظرت إليه لقلت هذا لن يحصل تمرة على حسب جهده وعمله. (¬4) أي لا أحد يكشف سر الله وهو القدر (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) .

وفيهن نفس لو تقاس ببعضها ... نفوس الورى كانت أعز وأكبر وما ضر نصل السيف إخلاق (¬1) غمده ... إذا كان عضباً حيثما وجهته فرا وهذا يدعوك إلى أن تربط قلبك بربك ولا داعي للحماقة أو التعب ما قدر لك سيأتيك كله بعز وبطاعة وإياك أن تطلبه بذل والله الذي لا إله إلا هو لو أن السارق ما سرق لجاءه المسروق من طريق حلال، والله الذي لا إله إلا هو لو صبر القاتل عن مقتوله لحظة لمات دون أن يقتله: وميت بعمره من يقتل ... وغير هذا باطل لا ينقل فعمر المقتول انتهى سواء قتلته أم لا لكنك تحاسب لأنك باشرت القتل. ¬

_ (¬1) أي ما الذي يضر السيف البتار إذا كان غمده خلقاً بالياً.

كان بعض شيوخنا الشيخ جمعة أبو زلام توفي عليه رحمة الله يحكي لنا قصة عن بعض طلبة العلم من الصالحين تأخرت نفقته واشتد جوعه فخرج في الشوارع لعله يجد كسرة خبز أو أي شيء يأكله فرأى بيتاً مفتوحاً فتأمله فإذا ليس به أحد – لكنه مسكون – ووجد خزانة للطعام تسمى عندنا في بلاد الشام (شعرية، غلية) فلما رآها فقال الميتة تحل للمضطر وكذلك المسروق يحل لي ففتحها فإذا بها طعام يسمى المحشي فأخذ واحدة فلما أراد أن يأكلها استحضر أن هذا لا يصح له لأنه لم يبلغ درجة الاضطرار وخوف الموت فطرح المحشي من يده وخرج فلما ذهب إلى الشيخ من أجل حلقة العلم قال له الشيخ أين كنت؟ فقال كنت في حاجة (ولم يخبره حياءً منه) فقال له: اجلس، هل لك رغبة في الزواج فقال له يا شيخ أنا جائع لا أستطيع إطعام نفسي وتريد أن تزوجني، فقال له الشيخ تُكفى كل شيء السكن والطعام، فقال، ومن يزوجني؟ فقال: هذه المرأة وكان زوجها قد توفى وتبحث عن زوج لابنتها منه وهي تطلب طالب علم ليتزوج ابنتها ويجلس معها، فقال: على بركة الله فعقد له الشيخ في ذلك المجلس ثم في المساء أخذه إلى بيت الزواج وإذا هو البيت الذي فيه المحشي في تلك الشعرية فلما دخل إلى البيت بدأ يبكي فظنت المرأة أن الرجل قد غير رأيه، فقالت له: علام تبكي؟، فقال: ما أبكي من أجل عدم استحساني لابنتك، إنما أبكي لأنه حصل معي كذا وكذا وأخبرهم بقصته ولولا أن الموقف يستدعي الإخبار لما أخبرتكم هكذا قال هذا الصالح، فتركها عن طريق الحرام فجاءت عن طريق الحلال.

وهذا تحقيق كلام النبي صلى الله عليه وسلم [إن روح القدس نفث في رُوْعي أنه ليس من نفس تموت (نكرة في سياق نفي دخلت من نص في العموم لا يخرج عن هذا مخلوق) حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجلوا في الطلب] اطلبوا لكن بطريق تتجلمون وتتزينون ولا تذلون ولا تمتهنون، أناس في هذه الأيام كأنه ركز فيهم أنهم إن عصوا الله يرزقون وإذا أطاعوه فترى من يعمل بالبنك عن عمله يقول إني إذا تركت فمن أين أعيش؟!! سبحان الله، ولذلك كان المؤمن أقوى خلق الله، لأنه يتوكل على الله والتوكل ثقة القلب بالرب ولذلك لا يجبن المؤمن عند ملاقاة الأعداء لإيمانه بالقدر وخالد بن الوليد رضي الله عنه حضر ما يزيد على 80 معركة وفتحاً ولما حضرته الوفاة قال: "ما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة رمح وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء" ولذلك حقيقة المؤمن يحرص على الموت أكثر مما يحرص أعداء الله على الحياة فخالد رضي الله عنه رغم هذا العدد من المعارك ورغم هذه الضربات والطعنات إلا أنه لم يخف لأنه يعلم أن ما قدر له سيأتيه أينما كان ولذلك قال الله جل وعلا (يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) أي لو قدر أن الذين قتلوا في المعركة لم يخرجوا لأصابهم الموت في فروشهم في تلك الساعة، لذلك إخوتي الكرام ... كان للقدر شأن عند المسلمين رفع من معنوياتهم وأعزهم وجعلهم سادة في الدنيا قبل الآخرة. 5 - الخامس: لا يعني إيماننا بقدر ربنا أن تتواكل وأن نغفل الأسباب وأن نتركها فالمؤمن الموحد يقوم بالأسباب ويدفع بعضها ببعض ويربط قلبه بمسببها وخالقها وموجدها.

ولذلك قال أئمتنا، وهذا الكلام انقشوه في صدوركم: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد (¬1) وإنكار الأسباب أن تكون أسباباً قدح في الشرع والحكمة (¬2) ، والإعراض عن الأسباب قدح في العقل (¬3) وتنزيل الأسباب منازلها ومرافقة بعضها ببعض (¬4) محض العبودية لرب البرية". إذن أربعة أحوال: قال الله لمريم (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) فلابد من سبب (هزي) لكن الذي سخر سقوط التمر هو الله، فهي ضعيفة (نفساء ثم هل هزها سيحرك النخلة؟!، لكن هذا هو بذل السبب وهذا هو جهدها، ولذلك قال بعض الظرفاء الأكياس: ألم تر أن الله قال لمريم ... فهزي الجذع يساقط الرطب ولو شاء أدنى الجذع من غير هزها ... إليها ولكن كل شيء له سبب ¬

_ (¬1) أي تلتفت إلى السبب وتجعله الموجد والخالق والرازق أي لولا هذا السبب لما حصل لك هذا الأمر فهذا شرك فلا يجوز أن تقوله لولا الباب الذي على بيته لدخل اللصوص وأخذوا متاعي، لكن قل: لولا أن الله قدر لي أن أجعل الباب لدخل اللصوص، لا حرج في مثل هذا القول. (¬2) أي بأن يقول: ما قدر لي سيأتيني وأنا سأجلس على فراشي، والسبب لا قيمة له وأنا أنكر هذا، فهذا عاص ٍ لأنه مأمور بالسعي (فامشوا في مناكبها) . (¬3) أي يثبت أن للأسباب أثراً لكنه يعرض عنه ويقول أنا متوكل على الله. (¬4) أي هذا أخذه بالأسباب ودافع بعضها ببعض، فدفع الذنب بالتوبة، والجوع بالأكل وهكذا ...

قال الشيخ عبد القادر الجيلاني عليه رحمة الله: "كان الناس إذا وصلوا إلى مبحث القدر وفقوا وأما أنا ففتحت لي رَوّزنة (فتحة) " فنازعت أقدار الحق بالحق للحق (¬1) ، والمؤمن من ينازع القدر بالقدر، لا من يستسلم للقدر (¬2) " وحقيقة هذا هو محض العبودية، وقد شرح هذا الكلام ابن القيم في المدارج (1/199) والإمام ابن تيمية في الفتاوى (8/547) ، وهذا الكلام أجمل ما قاله الشيخ عبد القادر رحمه الله. ... إذن لابد من الأخذ بالأسباب والعمل للوصول إلى المراد، وليس التوكل أن يعرض الإنسان عن السبب فهذا تواكل، فالتوكل هو ثقة القلب بالرب ثم يبذل ما في وسعه نحو هذه الأسباب ضمن استطاعته كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم [فاتقوا الله وأجملوا في الطلب] ، ولو توكلنا على الله حق التوكل لرزقنا كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً وانتبه إلى تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم فأثبت لها سعيها (تغدو) و (تروح) أي تعود في المساء والعشى شبعى، فهذا هو حالها وهذا هو تقدير الله لرزقها، ولذلك قال عمر لرجل جلس يدعو يقول اللهم ارزقني، فقال له: ويحك إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة وكذلك لو جلس شخص في خلوته يدعو يقول اللهم انصرنا وهو جالس فهذا تواكل بل لابد من الجهاد والإعداد وأخذ الأسباب ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج للجهاد مع أن دعاءه يكفي لأنه لو دعى الله أن ينصره دون حرب لنصره جل وعلا، إذن لابد من عمل الأسباب (فامشوا في مناكبها) وإذا عملنا فلا نختال ولا نعجب ولا نغتر (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) . اقنع بما ترزق يا ذا الفتى ... فليس ينسى ربنا نملهْ (¬3) ¬

_ (¬1) أي قاومت أقدار الحق بإقدار الحق طلباً للحق ولرضوان الله وللتقرب له. (¬2) لا من استسلم فهو متواكل. (¬3) (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) .

إن أقبل الدهر فقم قائماً (¬1) ... وإن تولى مدبراً نم له (¬2) 6- السادس: كلام للشيخ عبد القادر الجيلاني يرحمه الله يلخص لنا فيه دين ربنا: يقول: دين الله جل وعلا يقوم على ثلاثة أمور: 1) أمر يجب أن نقوم به. ... 2) نهي يجب أن نجتنبه. ... 3) قدر يجب أن نرضى به. فهذه ثلاث حالات، وهذا الكلام للشيخ عبد القادر شرحه الإمام ابن تيمية في الفتاوى (10/455-550) ، يقول الإمام ابن تيمية: جمع الشيخ عليه رحمة الله في هذه الجملة الدين بأكمله ولا يخرج شيء من دين الإسلام عن هذه الأمور الثلاثة، والعلم عند الله. س: ما العلاقة بين القدر والدعاء؟ جـ: الدعاء سبب، وهذا السبب مقدر وهو كالأسباب المعروفة، فالله قد يقدر بلاءً ويجعل من أسباب رفع البلاء الدعاء فدفعنا القدر بالقدر ولذلك لا يرد البلاء إلا الدعاء ويعتلج الدعاء والبلاء في الفضاء فيغلب الدعاء فهذا مقدر وهذا مقدر لكن في النهاية لا يقع إلا ما قدره الله، وهذا السبب كوجود الزوجة سبب لوجود الولد لكن قد يوجد ولد ولا يوجد زوجة، كما يقول الشاعر: فعليك بذر الحب لا قطف الجني ... والله للساعين خير ضمين ¬

_ (¬1) أي إن جاءتك الأسباب والأرزاق فقم وصرفها في مصارفها، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه تأتيه الأسباب والأرزاق، فقد كان يقلب الحجر فيجد تحته ذهباً من تيسير الله عليه أمور الرزق، ولما توفي صولحت إحدى نسائه الأربع عن ربع الثمن بـ80.000 درهم فكم يكون ماله رضي الله عنه؟!! مع أنه جاء مهاجراً لم يكن يملك شيئاً، وأول ما جاء إلى المدينة تزوج أنصارية على وزن نواة من ذهب 5 درهم، ثم انظر إلى الغنى والرزق كيف جاءه من كل جهة. (¬2) أي إذا تولت عنك الأسباب وأعرضت فنم واسترح وفوض أمرك إلى الله.

أي عليك أن تبذر لكن ليس عليك الجني لأنك قد تبذر ولا تجد ثمراً تجنيه، ولذلك ما من مسلم يدعو بدعاء ليس فيه إثم أو قطيعة رحم إلا عجل الله الإجابة، وإما أن يصرف عنه من السوء، وإما أن يعطيه من الخير بمقدار ما دعا لا عينه وإما أن تدخر له الإجابة ليوم القيامة، ولذلك ضمن الله له الإجابة في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد، وضمن لك الإجابة كيفما يشاء لا كيفما تشاء، ولو كنت تضمن الإجابة في الوقت الذي تريد كما تريد لكنت إلهاً. ان ربي الأعلى.

مبحث الميثاق- التعليق على الطحاوية- للشيخ الطحان

التعليق على الطحاوية (مبحث الميثاق) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان مبحث الميثاق يقول الإمام الطحاوي عليه رحمات ربنا الباري: "والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق". إخوتي الكرام ... الميثاق معناه في اللغة: العهد المؤكد، والوثاق هو حبل أو قيد يشد ويربط به الأسير أو الدابة، يقول الله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق) ، ما معنى الوثاق؟ حبل وقيد، فما يقيد به يسمى وثاق لأن فيه أحكاماً وربطاً وهكذا الميثاق عهد مؤكد، لكن العهد معنوي إن أكدته بيمين أو بالتزام وتصميم يقال له ميثاق كما أن ذاك إذا قيدته بالحبل يقال له أحكمت وثاقه وجعلته في ميثاق محكم لكنه ميثاق حسي. إنما أصل الميثاق – كما قلت – عهد مؤكد ولذلك قال الله جل وعلا في سورة النساء (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) الميثاق هنا عهد مؤكد، وقوله، (غليظاً) أي ميثاقاً مؤكداً كثيراً وكثيراً، إذن التأكيد فيه كثير ولذلك [إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج] كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، والحديث في صحيح مسلم، فالميثاق الغليظ هذا هو عقد النكاح عندما يتم إيجاب وقبول، هذا ميثاق غليظ فهو عهد مؤكد أمرنا الله أن نرعى هذا العهد وأمرنا ولي المرأة أن نرعى هذا العهد وأن نتقي الله في عرضه وهكذا المرأة جاءت إلى الرجل لتكون في كنفه ورعايته وأعطاها عهداً بذلك عن طريق العهد فإذن هذه ميثاق غليظ وعهد مؤكد بمزيد التأكيد. فالمراد بالميثاق إخوتي الكرام ... أقام الله جل وعلا ميثاقه على عباده وحججه عليهم بأمور كثيرة، كثرتها تنضبط في ثلاثة أمور: أولها: وهو أولاها بالاعتبار – إرسال الرسل.

الثاني: العهد الذي أخذ عليهم في عالم الذر عندما استخرجوا من صلب أبيهم آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، ومن أصلاب آبائهم. الثالث: الفطرة المستقيمة التي فطر الله عباده عليها. أما إرسال الرسل فهو آخر الأمور وآخر المواثيق التي أخذها الله على عباده وهو أهمها، وأول المواثيق التي أخذها الله على المكلفين هو الميثاق الذين أخذ عليهم في عالم الذر، وبين هذين الميثاقين ميثاق الفطرة، وهذه المواثيق الثلاثة هي شيء واحد فكل المقصود منها هو أخذ العهد على العباد وإقامة الحجج عليهم بأن يعبدوا الله وحده لا شريك له، جرى هذا في عالم الذر، وفطر الله العباد عليه بعد أن خلقهم وأرسل إليهم الرسل بعد أن أوجدهم ليؤمنوا بالله ويعبدوه وحده لا شريك له. ... وسنتكلم عن هذه المواثيق كلها لنعرف الميثاق من جميع وجوهه، ولنعرف بعد ذلك الميثاق الذي أُخذ علينا في عالم الذر وأشار إليه ربنا في سورة الأعراف (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى (شهدنا (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون، وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) آية 172، 173. 1- الميثاق الأول: إرسال الرسل: يشترك لتكليف العباد إرسال الرسل إليهم وغالب ظني أنه تقدم معكم في السنة الأولى أنه يشترط في تكليف العباد بتوحيد ربهم أربعة شروط: أولها: العقل. وثانيها: البلوغ. ثالثها: سلامة إحدى حاستي السمع أو البصر، فلابد من وجود واحدة منها، أما لو كان أعمى وأصم في آنٍ واحد فيرفع عنه التكليف كما لو كان مجنوناً، أما لو كان أعمى أو أصم، فلا يرفع عنه التكليف، لأنه إن كان أعمى فنبلغه دعوة الله عن طريق السمع، وإن كان أصم فنبلغه دعوة الله عن طريق الإشارة. رابعها: بلوغ الدعوة عن طريق رسل الله الكرام.

والذين لا توجد فيهم هذه الشروط لتكليفهم بتوحيد ربنا المعبود يمتحنون في عَرَصات الموقف كما امتحنا نحن في هذه الحياة فمن أطاع الله منهم دخل الجنة ومن عصاه دخل النار وهذا القول ثبتت به الأحاديث تقارب الأحاديث المتواترة حكم عليها أئمتنا بأنها مستفيضة وهذا القول هو الذي يجمع بين الأحاديث التي وردت في هذه المسألة. فقد وردت بعض الأحاديث التي تخبر بأن أولاد المشركين في النار، وبعض الأحاديث تقول إنهم في الجنة، وبعض الأحاديث تقول الله أعلم بما كانوا عاملين، وبعض الأحاديث – كما قلت لكم – أخبرت أنهم يمتحنون فالجمع بين هذه الأحاديث أن نقول: ? إن الأحاديث التي أخبرت أنهم في النار أي هم في النار بعد أن يمتحنوا ويعصوا. ? والأحاديث التي أخبرت أنهم في الجنة أي هم في الجنة بعد أن يمتحنوا ويطيعوا. ? وأما الأحاديث توقف فيها نبينا عليه الصلاة والسلام وقال الله أعلم بما كانوا عاملين، أي الله أعلم بمصيرهم هل هو إلى الجنة أو على النار قبل الامتحان، فهذا لا نعلمه نحن قبل أن يمتحنوا بل الله وحده هو العالم بما سيعملون بعد امتحانهم. ? والأحاديث التي أخبرت أنهم سيمتحنون هذا هو الواقع وهذا هو الذي سيحصل فيمتحنون فيظهر معلوم الله فيهم، فبعضهم يدخل الجنة وبعضهم يدخل النار. إذن أولاد المشركين وهكذا الذين ماتوا في الفترة ومن في حكم من لم تكتمل فيهم شروط تكليفهم يمتحنون في عرصات الموقف وساحة الحساب فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار كما امتحنا نحن في هذه الحياة.

.. إذن الميثاق الأول هو إرسال الرسل وهو حجة عظيمة أقامها الله جل وعلا على عباده بواسطة الرسل فأخبرنا الله في كتابه أنه لا يعذب العباد إذا لم يرسل إليهم رسولاً قال في سورة الإسراء آية رقم 15 (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ، وأخبرنا الله جل وعلا أنه لو عذب العباد قبل إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم لاحتجوا على ربهم جل وعلا يقول الله جل وعلا في سورة طه آية رقم 134 (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) (من قبله) : أي من قبل إرسال الرسل إليهم، يعني لو عاقبنا الكفار من عتاة قريش وغيرهم قبل إرسال رسول إليهم لاعترضوا وقالوا كيف تعذبنا ولم يأتنا منك رسول ليبلغنا دعوة الله على أتم وجه، ولذلك قلت لكم هذا الميثاق الثالث الذي هو آخر المواثيق به يتعلق ويربط التكليف، فإذا لم يوجد فلا عبرة بميثاق الفطرة ولا بالميثاق الذي أخذ علينا في عالم الذر. وأخبرنا الله في كتابه أنه أرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة فقال جل وعلا في سورة النساء آية 163-165 (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً رسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً) . الشاهد: رسلاً مبشرين ومنذرين.

.. وأخبرنا الله جل وعلا في سورة الزمر أنه يقول للكفار يوم القيامة إن الرسل جاؤوكم فكذبتم واستكبرتم وما أعذبكم إلا بعد قيام الحجة عليكم، فقال جل وعلا 54-59 (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين، أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرَّةً فأكون من المحسنين، بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) . الشاهد: بلى قد جاءتك آياتي. ... ولذلك أخبرنا الله في آخر السورة بعد ذلك أن الكفار يعترفون بأن الرسل أرسلوا إليهم وبلغوهم دعوة ربهم (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم قالوا بلى ... ) الآية 71 سورة الزمر. ... وأخبرنا الله في أوائل سورة الملك أن الله أعد للكفار عذاب جهنم وبئس المصير وأنهم يعترفون بأنهم لو كانوا يسمعون أو يعقلون ما كانوا في نار الجحيم، يقول الله جل وعلا (وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير، إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور، تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير، قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير، وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير، فاعترفوا بذنوبهم فسحقاً لأصحاب السعير) . سورة الملك آية 6-11.

.. وثبت في صحيح البخاري وصحيح ابن خزيمة – وهذا حديث يقرر إرسال الرسل إلى المخلوقين من أجل إقامة الحجة عليهم – عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [وليلقين أحدكم ربه فيقول الله له: ألم أرسل إليك رسولاً فيبلّغْكَ؟ فيقول: بلى] أي بلى أرسلت إليّ رسولاً بلغني وثبتت الحجة عليّ. 2- الميثاق الثاني: إشهاد العباد على أنفسهم في عالم الذر عندما أخرجهم من صلب آبائهم وصوّرهم وكلمهم قُبُلاً وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. وقد وقع هذا في عالم الذر للأرواح والأبدان فاستخرج الله الصور والأبدان من المواد التي ستخلق منها بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، ثم بعد أن استنطقهم وأشهدهم أعادهم إلى تلك المواد التي سيُخرجون منها بعد ذلك والله على كل شيء قدير، ولم يكن الخلق للروح فقط، ولا للبدن فقط – بل كما قلنا – للأرواح والأبدان خلقها الله وبثها بين يده وكلمنا قبلا ً. هذا الميثاق وردت آية من القرآن تدل عليه، وحديثان مرفوعان إلى نبينا عليه الصلاة والسلام يقررانه، وآثر موقوف صحيح، كما سأورد أحاديث تشهد لمعناه – وهي كثيرة – ولكن ليس فيها التصريح بأن الله أخرج الذرية من صلب آدم في ذلك الوقت. أما الآية ... فهي في سورة الأعراف وتقدم ذكرها، يقول الله جل وعلا: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم (¬1) ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى (شهدنا (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) . ¬

_ (¬1) قال (من ظهورهم) ولم يقل (من ظهره) لأن هذه الفروع مأخوذه من ذلك الأصل فهم أخرجهم الله من ظهر آدم ثم هذه الفروع أيضاً أخرها من بعضها، إذن أخرج الأحفاد من الآباء، والآباء من الأجداد، وكل من سيولد من أب بعد ذلك سيكون ممن أخرج من ظهره.

فإذاً تم جوابهم عند قوله بلى، فتكون كلمة شهدنا إما من الله أو من الملائكة أي فقالت لهم الملائكة شهدنا، أو قال الله شهدنا عليكم بذلك: (أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) فلا تتعللوا بأحد أمرين: الأول: لا تقولوا نحن في غفلة عن هذا وما عندنا علم به فأنا أشهدتكم وأنتم في عالم الذر، الثاني: لا تقلدوا آباءكم في الضلالة ولا تقولوا نحن تبعنا آباءنا فهم كانوا على ضلال ونحن على طريقتهم، لا تقولوا هذا أيضاً فكل نفس بما كسبت رهينة أنا أخرجت كل واحد منكم وأشهدته على نفسه من ربك ومن إلهك؟ فقال: أنت إلهي وأنت ربي، فنحن إذ شهدنا عليكم بذلك ولذلك يحسن الوقف على كلمة بلى إذ كان جوابهم ينتهي عند هذه الكلمة (بلى) . وإذا تم جوابهم عند قوله شهدنا فيكون المعنى: أخذنا عليكم العهد والميثاق في عالم الذر لئلا تقولوا (إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) . إذن كلمة (شهدنا) إما أن تكون من الله ومن ملائكته أي: شهدنا لئلا تقولوا إنا كنا ... وإما أن تكون من قول الذرية، أي أخذنا من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدناهم على أنفسهم لئلا يقولوا إنا كنا.... وكلا التقديرين حق وأنت على حسب ما تلاحظه من المعنى تحدد الوقف. وأما الحديثان المرفوعان:

أولهما: ثبت في مسند الإمام أحمد – بسند رجاله رجال الصحيح كما في المجمع (7/25، 189) – والحديث رواه الحاكم في المستدرك (1/28) وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي، ورواه ابن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردُوْيَهْ في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنَعْمان – يعني عرفة – فأخرج من صلبه كل ذرَّيّة ذرأها، فنثرها بين يديه (كالذر) ثم كلمهم قُبُلاً، قال: (ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) ] . (قُبُلاً) أي مشفاهة بدون واسطة. فكان هذا الميثاق عليهم إذن فى عرفة وهي معروفة والتي يقف فيها الحجاج في اليوم التاسع من ذي الحجة، في مكان معروف اسمه نعمان من عرفات أخذ الله علينا العهد في ذلك الوقت، أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالو: بلى. وهذا لم يكن في الجنة، بل كان بعد أن أهبط (¬1) آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلى الأرض، وهذا الذي وقع في عالم الذر هذا من الإيمان بالغيب نؤمن به ولا نبحث في حقيقته. ¬

_ (¬1) هل كان إهباط آدم وإنزاله في عرفات أو في الهند؟ أقوال قيلت في ذلك لا دليل علي شيء منها أنه ثبت صحيح أن نزوله كان في مكان كذا، لكن أخذ على ذريته الميثاق في ذلك المكان، وهذا فيما يظهر والعلم عند الله أنه يرجح أن نزوله كان من الجنة إلى هذه البقعة المباركة الطاهرة (عرفات) ولا مانع أن يكون نزوله في أرض الهند ثم أتى به إلى هذا المكان واستخرج الله من صلبه وظهره كل ذرية ستكون إلى يوم القيامة ثم كلمهم قبلاً.

وقد حاول الإمام ابن كثير أن يحكم على هذا الأثر بالوقف لأن الرواة اختلفوا فيه فمنهم من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من وقفه على ابن عباس وهي محاولة غير مرضية لأن مثل هذا لا يقدح في المرفوع فمن حفظ حجة على من لم يحفظ، وزيادة الثقة مقبولة، فإذا رفع راوٍ ثقة الحديث، ووقفه راوٍ آخر فيحكم بالزيادة وبرفع الحديث؛ لأن معه زيادة علم، فلعل ذاك شك فوقف الحديث على ابن عباس، وهذا تأكد وتحقق بأنه مرفوع وأنه سمعه من شيوخه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فصرح برفعه. على أننا لو سلمنا أن هذا الأثر موقوف فله حكم الرفع قطعاً وجزماً لأن مثله لا يقال من قبل الرأي ولا الاجتهاد ولا الاستنباط. الثاني: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9/77) عند تفسير هذه الآية – التي تقدم ذكرها – من سورة الأعراف – عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أُخذوا من ظهره كما يؤخذ بالشطر من الرأس، فقال لهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فقالت الملائكة (¬1) : (شهدنا أن تقولوا ... ) الآية] . ... قال الإمام ابن جرير بعد أن روى هذا الأثر: لا أعلمه صحيحاً، فإن الثقات رووه عن سفيان الثوري فوقفوه على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه. ويعني بقوله: لا أعلمه صحيحاً أي لا أعلمه صحيحاً مرفوعاً، إنما أعلمه أنه موقوف على عبد الله بن عمرو. نقول: لو ثبت الوقف فله حكم الرفع، والرواية المتقدمة ورد التصريح بأنها مرفوعة وهي صحيحة. فهذان هما الحديثان المرفوعان. وأما الأثر الموقوف: ¬

_ (¬1) هنا كلمة شهدنا مصّرحٌ بأن قائلها هم الملائكة وليست ذرية بني آدم، والآية تحتمل الأمرين فلا مانع من أن يقول الذرية شهدنا، وأن تقول لهم الملائكة بعد ذلك شهدنا على قولكم وشهادتكم. وتقدم.

.. فهو ما رواه الإمام أحمد في المسند أيضاً، والحاكم في المستدرك (2/324) وقال إسناده صحيح وأقره الذهبي، والحديث رواه أصحاب التفاسير الثلاثة المتقدمة أيضاً: ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مَرْدُوْيَهْ – فهؤلاء الخمسة رووا الحديث الأول المرفوع عن ابن عباس، ورووا هذا الأثر أيضاً – عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال في قول الله جل وعلا: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم....) الآية. قال فيها: [جمعهم فجعلهم أرواحاً ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قال (¬1) : فإني أُشهد عليكم السموات السبع والأراضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم – عليه السلام – أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بذلك، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري فلا تشركوا بي شيئاً، إني سأرسل لكم رسلي (¬2) يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأُنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا (¬3) بأنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك فأقَرّوا بذلك] . وهذا الإيجاد الذي حصل لهم في عالم الذر أخبرنا به من لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه فنؤمن به دون البحث في كيفيته إذ هو من باب الإيمان بالغيب. فإن قيل: إن العلم بهذا الميثاق الذي أخذ علينا في عالم الذر غير معلوم لنا، فما فائدته؟ فنقول: تحصل لنا فائدتان: ¬

_ (¬1) أي قال الله هذا بعد أن قالت الذرية بلى، ولم يذكر أبي جواب الذرية لأنه معلوم وقد ذكر في القرآن الكريم. (¬2) هذا هو الميثاق الأخير والذي تدارسناه أول شيء، لأنه أهمها. (¬3) فكلمة شهدنا هنا إذن من كلام ذرية بين آدم وقلت لكم الآية تحتمل الأمرين ونجمع بينهما بأنهم قالوا شهدنا فقال الله وملائكته شهدنا على شهادتكم فحذار حذار من إهمالها ونسيانها، والله أعلم.

الفائدة الأولي: أنه قد أخبرنا به من لا ينطق عن الهوى رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأتانا بما يقرره ويوضحه ويثبته في رسالته ودعوته، فإذا آمنا بهذا يحصل لنا شرف وفضل الإيمان بالغيب. الفائدة الثانية: أنه يحصل علينا بهذا الميثاق مزيد من حجة وإثبات، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا: انتبهوا!! أنتم إذا لم تتبعوني فإنكم تعتبرون عاصون لله مباشرة حيث أخذ الله عليكم العهد في عالم الذر بتوحيده وعدم الإشراك به. ... إذن جحدتم إقراركم أمام ربكم ثم عصيتم أمري ولم تتبعوني فانتبهوا فليس الكفر بي يعتبر رداً لدعوتي فقط، إنما هو رد لشهادتكم التي صدرت منكم أمام ربكم جل وعلا أيضاً. ... وكلما كثرت وسائل الإثبات على الإنسان كلما دعاه هذا للاستحياء من نفسه ومن ربه، فالله عندما يقول لعبده: أنا أشهدتك على نفسك بين يدي فشهدتّ، وأوجدت في فطرتك ما يدل على أنني إلهك وربك، وأرسلت إليك رسلاً يقررون هذا ففي هذا الكلام تحذير للعبد من المخالفة، فليست هي شهادة واحدة ولا حجة واحدة ولا بينة واحدة فقط.

.. ولذلك الله جل وعلا عندما يحاسب عباده يوم القيامة هل يحاسبهم أيضاً بشهادة واحدة وببينة أم بشهادات وبينات؟ بشهادات وبينات فالملائكة والأرض تحدث أخبارها بما عمل ابن آدم على ظهرها من خير أو شر فتشهد عليك يوم القيامة، والصحف تشهد، والجوارح تشهد، والله كفى به شهيداً لا تخفى عليه خافية، قال الله جل وعلا (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم) ، وقال جل وعلا في سورة النور في حق القاذفين (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) وقال في سورة فصلت: (حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم (¬1) بما كانوا يعملون) ، وثبت في صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام [أنه كان بين أصحابه فضحك، فقالوا له: أضحك ألله سنك يا رسول الله، ما الذي أضحكك؟، فقال ضحكت من محاجة العبد لربه، يقول: فإني لا أقبل على نفسي شهيداً إلا من نفسي فيقول الله له: لك ذلك، فيختم على فيه، ويقول لجوارحه انطقي فتشهد عليه يداه ورجلاه وجوارحه بما عمل، ثم خلى الله بينه وبين الكلام فقال لجوارحه بُعداً لكُنْ وسحقاً فعنكُنَّ كنت أناضل] أي عنكن كنت أدافع، فقالت الجوارح (أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الحادثة. (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء) العمر ينقص والذنوب تزيد ... وتُقال عثرات الفتى فيعودج هل يستطيع جحود ذنب واحد ... رجلٌ جوارحه عليه شهودج ¬

_ (¬1) كثير من المفسرين قالوا: المراد من الجلود خصوص الفرج، فكنى بالجد عن الفرج الذي إذا فعل الإنسان حراماً يشهد عليه، ولفظ الجلد أعم من ذلك يشمل الفرج وغيره من الجوارح الأخرى، فلو كشف فخذه سيشهد عليه هذا الفخذ بأنه كشف أمام من لا يحل أن ينظر إليه، وهكذا لو كشفت المرأة يدها أو شعرها أو شيئاً سيشهد عليها ذلك أمام الله، لأنها كشفته أمام من لا يحل أن ينظر إليه.

.. فأنت يكلمك الله قبلاً وجهاً لوجه في عالم الذر دون واسطة ويقول عبدي ألست بربك فقلت: بلى يا رب وإلهي وسيدي وخالقي، ولا أشرك بك شيئاً، ويقول لك انتبه!! ملائكتي تشهد وأنا أشهد شهدنا عليك بهذا الإقرار فإياك إذا خلقتك في الحياة أن تقول إنا كنا عن هذا غافلين، وإياك أن تقلد آباءك في الضلالة، فكل نفس بما كسبت رهينة فأنت عبدي وأنا خالقك وربك أشهدتك وأخذت إقرارك فإياك أن ترجع فإذا رجعت وبال ذلك عليك، ومع ذلك لن يكون حسابي لك في الآخرة على حسب هذا الميثاق فقط، بل سأجعل معه ميثاقاً آخر وهو الفطرة وسأجعل معه ميثاقاً آخر وحجة أقوى وهي أن أرسل إليك رسلاً تكلف بإتباعهم بعد بلوغك ووجود عقلك وسلامة إحدى حاستيك وأن تبلغك الدعوة، فرفعت الأعذار عنك؟ فلم يبق لك عذر ولا شبهة، ولذلك يقول الكفار (لو كنا نسمع أو نعقل) لأنهم حقيقة لا يسمعون ولا يعقلون، وينطبق عليهم قوله تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع) وقوله (ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل) وينطبق عليهم قوله تعالى (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) وقوله تعالى (كمثل الحمار يحمل أسفاراً) وقوله تعالى (كأنهم خشب مسندة) ، وكذلك قوله (كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) . ... إذن كان لهم سمع وكانت لهم قلوب وما أرادوا بهذا أنهم كانوا في حكم المجانين ليس لهم قلوب وليس لهم أسماع، لا، إنما لا يسمعون آيات الله كما قال جل وعلا عن الكفار (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) فلا يسمعونها سماع تلذذ أو تدبر، ولا سماع قبول لأجل العمل، لا هذا ولا ذاك، بل إعراض من جميع الجهات.

.. إذن هذا الميثاق – ميثاق عالم الذر - لا ينبغي أن يقول أحد نحن لا نعلم به فما فائدته؟!!!. ... هذه الآثار الثلاثة المتقدمة عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو وأبيّ بن كعب رضي الله عنهم أجمعين ورد ما يدل عليها ويقررها من حيث المعنى العام لا من حيث التصريح بأن الله أخرجنا من ظهور آبائنا ومن صلب أبينا آدم في عالم الذر، ومن هذه الأحاديث: 1- ما ثبت في المسند والصحيحين عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يقول الله جل وعلا للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتدياً به؟ فيقول: نعم رب، فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك العهد في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي] . فالحديث فيه دلالة على أنه أخذ علينا العهد في ظهر أبينا آدم لكن كيف كان؟ هذا لم يفصله الحديث. 2- وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وأبي داود وموطأ مالك ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الله لما خلق آدم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته فقال: هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج من ظهره ذرية فقال هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من خلقه الله للجنة فسيوفق لعمل أهل الجنة حتى يختم له بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، ومن خلقه الله للنار فسيوفق لعمل أهل النار ويختم له بعمل أهل النار فيدخل النار] ، فهذا الحديث فيه دلالة على أنه استخرجهم الله جل وعلا من صلب أبيهم آدم، فوقع هنا استخراج، والأحاديث المتقدمة دلت على أنه حصل استنطاق وإشهاد مع الاستخراج.

وهذا التقدير الأزلي ليس فيه شائبة إكراه ولا قسر ولا جبر إنما ربنا جل وعلا يعلم الأمور الماضية والحاضرة والمستقبلة ويعلم ما سيقع في كونه وفي ملكه، فكونه يعلم أن هذا سيختار الكفر أو أن هذا سيختار الإيمان ليس في هذا جبر ولا إكراه، فالله جل وعلا لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء وليس حاله كحال المخلوقات لا نعلم الأشياء إلا بعد وقوعها ولو قيل لنا فلان سيختم له على الإيمان أو الكفر؟ لقلنا لا ندري، ولو كان الله سبحانه وتعالى كحالنا لما كان إلهاً، سبحانه وتعالى وتنزه بل هو بكل شيء عليم يستوي في عمله ما وقع وما سيقع فالكل عنده سواء ولذلك العلم صفة انكشاف يعلم بها ربنا جل وعلا الأشياء على ما هي عليه وقعت أم لم تقع. ... ولو أن فلاناً من الناس قبل أن يتزوج قيل لنا ماذا سيولد له؟ هل نعلم؟ لا طيب ولو تزوج واستقر الحمل في بطن زوجته بعد أربعة أشهر يمكن أن نعلمه أم لا؟ يمكن أن نعلم ما في بطن زوجته هل ذكر أم أنثى لأنه لا يحول بيننا وبينه إلا جلدة البطن، فلو علمنا ما في الرحم بواسطة الأشعة فهذا ليس علماً بغيب وليس مختصاً بالرب بل علمته الملائكة التي تبعث إلى الجنين وهو في الرحم، فليس هذا العلم من العلم بالغيب الذي اختص به الرب جل وعلا، فإذا علمه الأطباء وقبلهم الملائكة فلا حرج في ذلك، لكن قبل أن تنفخ فيه الروح وهو نطفة لو اجتمع أطباء الأرض ليعرفوه هل هو ذكر أم أنثى لن يستطيعوا. ... ثم إن علم الأطباء هذا قاصر وجزئي، فإنهم لا يعلمون هل سيولد أعمى أم بصير، سميع أم أصم؟ ذكي أم بليد؟ طويل أم قصير؟ سمين أو ضعيف؟ سيقولون لك لا ندري، إذن لم يعلم الأطباء من الجنين إلا كونه ذكراً أو أنثى. ... إذا علمت هذا علمت سخف من يزعم أن القرآن متناقض ويقول كيف يقول الله في كتابه (يعلم ما في الأرحام) ونحن قد علمنا؟!! سبحان الله الحمد لله على نعمة العقل.

.. الشاهد إخوتي الكرام ... ليس في قول ربنا [هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون] إكراه أو جبر لأن الله يعلم الغيب والمستقبل كما يعلم الحاضر، فهؤلاء للجنة أي سيؤمنون ويدخلون الجنة وأنَّ الله أعلم ما سيقع في المستقبل، [وهؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون] فسيكفرون وأنَّ الله أعلم ما سيكون في المستقبل، فكلام الله جل وعلا هذا ليس من باب الإكراه وإلا لارتفع التكليف، ولذلك لما قال الصحابة ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فحسب ما يختار يكون الأمر. إخوتي الكرام ... لا يلتبس عليكم الأمر ولا بمقدار شعرة والشيطان يستغل مثل هذه الأحاديث ليلبس على الناس، عندنا للإنسان في هذه الحياة حالتان: الحالة الأولي: هو فيها مكره، مجبور مقسور مسيّر لا اختيار له فيها ولا يستطيع أن يخرج عنها أبداً، فإذا وجدت هذه الحالة فلا ثواب ولا عقاب إلا إذا صدر منه رضاً أو كراهية نحو هذا الأمر الذي قُسِر عليه فيثاب أو يعاقب على العمل الذي صدر منه لا على ما وقع عليه قسراً مثلاً: أنت خلقت ذكراً وتلك خلقت أنثى فهل لذكورتك فضل عند الله، وهل لأنوثتها نقص عند الله أو العكس؟ كلا، هذا غير حاصل لأن هذا (الذكورة والأنوثة) مما لا اختيار لواحد من الصنفين فيه، ولو كانت إحدى الصفتين باختيار الإنسان لربما قلنا في هذه مدح أو في هذه نقص، لكن ليس في هذه مدح ولا في هذه نقص (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) ، فلا ثواب على الذكور ولا عقاب على الأنوثة والعكس كذلك لا ثواب على الأنوثة ولا عقوبة على الذكورة، إنما يثاب الإنسان إن شكر الله على ذكورته أو أنوثته، ويعاقب إن كفر وسخط على ذلك وإن لم يحصل منه شكر ولا سخط فلا ثواب ولا عقاب.

والحالة الثانية: هو فيها: مختار، مريد، شاءٍ (له مشيئة) ، مخيّر، انتبهوا لهذا لإزالة هذا الإشكال الذي يستفعله أحياناً الشيطان يقول للإنسان: إذا كنت مكرهاً ومقسوراً إذن لا حرج عليك في أن تفعل ما شئت إن كنت من أهل الجنة فستدخلها، إن كنت من أهل النار فلا داعي لأن تهتم وتجد وتجتهد في العبادة ونحو ذلك من الوساوس، هذا كلام باطل بل أنت مخير ومريد فيما يريد الشيطان أن يثني عزمك عن فعله في كل ما كلفنا به فعلاً أو تركاً نحن مخيرون مريدون. المأمورات بأسرها والمنهيات بأسرها لنا فيها اختيار أو نحن مجبورون مكرهون؟ بل لنا فيها اختيار قطعاً وجزماً، فليس صلاتي كذكورتي، لأن ذكورتي لا يمكن أن أغيرها وأما صلاتي فيمكن لي أن أصلي ويمكن أن لا أصلي، وليس إيماني كلوني أيضاً. فالإيمان والصلاة هذا اختياري، فكل ما كُلفنا به وهو محل الثواب والعقاب فهذا لك فيه اختيار والفارق بين الحالتين كالفارق بين تحريك اليد اختياراً أو اضطراراً، فالمرتعش تتحرك يده بغير اختياره اضطراراً فهو مجبور ولا يستطيع أن يسكنها، فذكورتنا وأنوثتنا، طولنا وقصرنا، جمالنا ودمامتنا، طول أعمارنا وقصرها، هذا كله كحركة المرتعش، مجبور مقسور. ... والأعمال الاختيارية التكليفية من أمر ونهي كالصلاة والصوم وترك الزنا والخمر، هذا كتحريك اليد باختيارك يمكنك تحريكها وتسكينها. ... فانتبهوا رحمكم الله فهذه المسألة ليست من باب القسر والجبو فكل ميسر لما خلق له، فما علمه الله منه سيقع، فعلم الله من هذا أنه سيؤمن، ومن ذاك سيكفر لكن ليس هذا العلم فيه قسر للعباد ولا إكراه لهم. س: هل الإنسان الذي خلق للجنة سيوفق لعمل أهل الجنة؟ والذي خلق للنار سيوفق لعمل أهل النار أرجو توضيح هذا.

جـ: لا شك عندنا أن الله جل وعلا منّ على المؤمن وخذل الكافر، فالتوفيق هذا شيء لا شك فيه. ولذلك المؤمن إذا عمل الطاعة فبجده واجتهاده أم بتوفيق الله له؟ بتوفيق الله له، وذاك عندما يعمل المعصية بحيله ومكره أم بخذلان الله له؟ بخذلان الله له هذا مما لا شك فيه يقول الله تعالى (ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) لكن هو لا يكره إلا من يستحق الكراهة كما قال الله تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) (وزادهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) ، فإذن ما عندنا شك في أن من وفق لطاعة فهذا بفضل الله وأن من عمل معصية هذا بخذلان الله له، لكن عندنا بعد ذلك ما يقرر على سبيل القطع أن الله حكيم، أقول – ولله المثل الأعلى – أنت لو عندك ولدان وهما من صلبك واحدٌ تكرمه، والآخر تهينه فهل تفعل هذا اعتباطاً وسفاهة أو لأنك ترى واحداً مطيعاً نجيباً، والآخر عاقاً شقياً، فبالنسبة لنا ظهر فعل اختياري هنا، أفلا يعلم الله معادن الناس؟ أفلا يعلم الله نحاسة ونجاسة معدن الكفار عندما قال (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) أفلا يعلم نجاسة هذه المعادن وأنها بكيفية لا تقبل التطهير؟! ولذلك خذلها وامتهنها وأعرض عنها وجعلها في دار غضبه وسخطه.

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [نظر الله في قلوب العباد فرأى قلب محمد عليه الصلاة والسلام خير القلوب وأتقاها فاختاره لرسالة، ثم نظر في قلوب العباد فوجد قلوب الصحابة خير القلوب وأتقاها فاختارهم (¬1) ¬

_ (¬1) أي أن الله سبحانه وتعالى عندما اختار أبا بكر لصحبة نبينا عليه الصلاة والسلام وهكذا سائر الصحابة لم يخترهم اعتباطاً بل هو حكيم يضع الأمور في مواضعها، يعني هل يتصور أن يكون قلبنا أو قلب أحد من الصحابة كقلب أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو غيرهم من الصحابة؟ هذا مستحيل، إذن قلوب طاهرة علم الله فيها هذا فجعل لها هذه المكانة وبعد ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في صحيح مسلم [لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوني على الحوض] فما معنى شر منه؟ يعني هل الأيام فيها شر وتتغير أو أهلها والناس الذين يعيشون فيها؟ بل الناس، وتأمل أحوال العالم منذ أن كان نبينا عليه الصلاة والسلام إلى هذا اليوم خير يقل وشر يتزايد فإذن القلوب كلما تأخرت تدنست وتنجست وفسدت وخبثت هذا علمه الله من أحوال القلوب، فإذن هل تصلح مثل هذه القلوب لأن تكون في العصر الأول؟ الحمد لله مع شوقنا والله لرسولنا صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي لم يخلقنا في ذلك الوقت لأنه لو خلقنا آنذاك لخذلنا نبينا عليه الصلاة والسلام فنحن لسنا بأهل لأن نصحبه، وما عندنا شك في ذلك، ونسأل جل وعلا أن يكرمنا بجنات النعيم برؤيته ورؤية نبيه صلى الله عليه وسلم بفضله وكرمه، لكن هل نحن عندنا جد الصحابة وعزيمتهم واجتهادهم؟ هيهات هيهات..

لصحبة نبيه فاعرفوا لهم قدرهم] ، فأمر الرسالة أسند إلى من هو بكل شيء عليم فعندما اختار محمداً عليه الصلاة والسلام لحمل رسالته ليس الأمر اعتباطاً بل لأن (الله أعلم حيث يجعل رسالته) فإذن هو عندما وضعها في ذلك المكان فهذا هو الجدير بها لكن يبقى الأمر من فضل الله عليه ولا شك في ذلك، (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (فألهمها فجورها وتقواها) (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) أي خلقكم كافراً ومؤمناً على أصح القولين في التفسير، وقيل: هو الذي خلقكم فانقسمتم إلى كافر ومؤمن، لكن هذا الانقسام لا يكون إلا على حسب التقدير الذي سبق عند الرحمن ويبقى الأمر كما قلت لا قسر فيه ولا إجبار، فهذا وفقه الله وذاك خذله لكن هل هذا فيه إكراه؟ لا، وكل واحد يميز هذا من نفسه عندما يريد أن يعصي ربه، فمثلاً عندما يريد أن يشرب الخمر سل عصاة أهل الأرض أجمعين هل جاء أحد وأخذك من بيتك إلى الفندق في الساعة الواحدة ليلاً وأضجعوك وفتحوا فمك وصبوا فيه الخمر دون رضاك؟ أم أن الواقع هو أنه ذهب باختياره ودفع الفلوس وسكر، وسل الزاني هل جاء أحد وأخذك من فراشك ودارَ بك على بيوت الناس حتى ألقاك على أنثى وأكرهك على عملية الزنا؟ أم أن الواقع أنك تراه يجوب الشوارع هنا وهناك من أجل أن يحصل على خبيثة مثله، فهل هذا إذن كان باختياره أو باضطراره؟ باختياره، يعني عندما قال الله جل وعلا (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) انظر لهذا الحافظ الذي جعله الله عندنا، فلما كانت العين تتعرض لرؤية ما لا يحل، جعل الله جل وعلا منع النظر في منتهى السهولة لئلا يقول إنسان كيف سأتصرف إذا عرض لي ما لا يحل لي النظر إليه، فقال الله لك لا يحتاج هذا منك إلى تصرف كبير لا دخول سرداب ولا دخول حجرة، الحل كله يتمثل في إطباق الجفن على الجفن (قل للمؤمنين يغضوا) ما معنى الغض؟ أن تطبق الجفن على الجفن.

.. ثم هذا اللسان الذي هو ثعبان وتراه يلدغ الحي والميت والكبير والصغير والحاضر والغائب جعل الله له أيضاً حافظاً هو الشفتان إذا ضممتهما لن تتكلم فتسلم، ولست مجبوراً على الكلام فلم يأت أحد ولن يأت ويحرك لسانك دون إرادة وقصد منك، وهذا لو حصل لو حصل فأنت تكون مجبوراً لأنك لا تريد الكلام ولكن غيرك يحرك لسانك ويتكلم وحينئذ يرفع التكليف عنك [رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه] فإذا أكرهنا لن يكلفنا ربنا، لن يبقى من اهتدى منا فبفضل الله، ومن شقي فبعدل الله والله خذله ووكله إلى نفسه لكن ذلك التوفيق بسبب أنه معدن طيب، وهذا الخذلان بسبب أنه معدن نحس، ولذلك قال الله (فلما آسفونا انتقمنا منهم) ما معنى الأسف هنا؟ شدة الغضب أي لما أغضبونا غضباً شديداً بسبب ما قاموا به من أعمال خبيثة انتقمنا منهم، إذن هم أغضبوا الله وآسفوه فحل عليهم مقته وغضبه ولعنته وسخطه، والذي يقرر هذا كما قلنا أن من يموت قبل التكليف أو قبل البلوغ أو قبل بلوغه الدعوة وإذا لم يكن عنده عقل، فالقلم مرفوع عنه، فإن كان من أولاد المؤمنين تفضل الله عليه بأن يكون من أهل الجنة، وإن كان من أولاد الكافرين فنقول هنا سيظهر العدل الإلهي، سيمتحنه الله في عرصات الموقف، فإن أطاع دخل الجنة وإن عصى دخل النار. قد يقول قائل: لِمَ لم يجعل الله ابن الكافر كابن المؤمن؟

نقول: الزم حدك، هذا فضل ولصاحب الفضل أن يعطيه لمن يشاء لكن لا يجوز له أن يظلم ويجور، فمثلا ً: لو كان عندك ألف دينار فلك حرية التصرف في أن تعطيها لأي أحد فلو أعطيتها لخالد مثلاً فهل يحق لي أن أقول لك أنت ظلمتني لأنك أعطيت خالداً ولم تعطني؟ لا يحق فتقول أنت: هذا فضل، وهو مالي وحقي أعطيه لمن أشاء ما دمت لم أظلمك ولم أعتد على مالك ولم آخذ منك شيئاً، وهنا كذلك الله سبحانه وتعالى ما جار على ابن الكافر وكونه رحم أولاد المؤمنين هذا فضله يعطيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولا يجوز عليه الظلم (ولا يظلم ربك أحداً) [إني حرمت الظلم على نفسي] ، هذا حال الرب جل وعلا. إذن هذا حديث عمر رضي الله فيه دلالة عامة على أن العباد أخرجوا من صلب أبيهم في عالم الذر، وهذا الحديث الثاني.

3- روى الإمام الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه والبهيقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط كُلُّ نسمة من ظهره كائنة إلى يوم القيامة وجعل جل وعلا بين عيني كل إنسان وبيصاً من نور (¬1) ثم عرضهم على آدم عليه السلام فقال من هؤلاء يا رب؟ قال: هؤلاء ذريتك إلى قيام الساعة، فرأى فيهم إنساناً أعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أَيْ رَبِّ، من هذا؟ قال: هذا ابنك داود، قال كم عمره؟ فقال الله له: ستون عاماً، قال: زده يا رب أربعين، فقال الله جل وعلا: لا أزيده إلا أن تزيده من عمرك (¬2) ، فقال: قبلت يا رب أعطه من عمري أربعين سنة، فلما جاء ملك الموت إلى آدم قبل الألف بأربعين سنة ليقبض روحه، قال له آدم: بقي من عمري أربعون سنة، فقال له ملك الموت إنك وهبتها لابنك داود، فقال ما وهبته شيئاً ما وهبته شيئاً، فذهب وعاد إلى ربه وأخبره بذلك فأمر الله ملك الموت أن يزيد في عمر آدم أربعين سنة، وأن لا ينقص هذه الأربعين من عمر داود، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته وخَطئ آدم فخطئت ذريته] وإسناده صحيح، ارتكب الخطيئة وذريته تخطئ، نسي ولم نجد له عزماً وذريته تنسى. فإن نسيت عهوداً منك سالفة ... فاغفر فأول ناس ٍ أول الناسجج ولعل جحود آدم – والعلم عند الله – سببه نسيان ولا يستبعد أنه بعد أن مر عليه تسعمائة وستون سنة أن ينسى العهد الذي أعطاه على نفسه، أو أن هذا الجحود من باب التدلل على الرب المعبود جل وعلا أي كأنه يقول: يا رب ينقص من ملكك إن تركت الأربعين لي كما كانت وزدت عبدك وداود أربعين من فضلك فحقق الله الأمرين. ¬

_ (¬1) أي شيئاً من نور وضوءاً من نور. (¬2) وكان عمر آدم الذي قدره الله ألف سنة، وتقدم معنا أن الأنبياء لا يقبضون إلا بعد أن يخيروا.

الشاهد: أنه مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة فهذه الأحاديث تشهد في الجملة للأحاديث الثلاثة المتقدمة الحديثان المرفوعان وحديث أُبيّ الموقوف. ... وكما قلت لكم عن الذي حصل في عالم الذر هو إخراج للأرواح مع الصور (الأجساد) ، استخرجها الله من موادها بكيفية يعلمها ولا نعلمها ثم بعد أن أشهدها أعادها إلى موادها بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، أما ما قاله ابن حزم من أن الخلق في عالم الذر كان للأرواح فقط، وذلك يقول خلقت الروح قبل الجسد فأشهدها الله ثم وضعها في مكان عنده سبحانه وتعالى فإذا خلق الجسد جاءت روح كل إنسان إلى بدنه فدخلت فيه، فقوله هذا لا تدل عليه الآثار المتقدمة، إنما ما ذكرته لكم هو الذي حصل وإذا ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام فنؤمن به دون أن تحيط عقولنا بكيفيته، فعقولنا أعجز من ذلك، وإذا كانت الروح التي بين جنبينا نحن عاجزون عن إدراك ماهيتها وحقيقتها أو أي صفة من صفاتها (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) فكيف سندرك بعد ذلك ما هو مغيب عنا مما يدهش العقول ويحير الألباب (إشهاد الذرية) ، وتقدمت معنا قاعدة (كل ممكن رود به السمع يجب الإيمان به) (آمنا به كل من عند ربنا) . 3- الميثاق الثالث: ميثاق الفطرة: وهو الميثاق المتوسط بين ميثاق عالم الذر وميثاق إرسال الرسل ويراد بالفطرة: ما ركزه الله في طبيعة الإنسان وجِبِلّتِه من الإقرار بربوبية الله جل وعلا وألوهيته، وأنه وحده لا شريك له يستحق منا العبادة سبحانه وتعالى. وهذا الدليل أعني الاستدلال بالفطرة من الأدلة المعتبرة عند أئمتنا الكرام وقد قرر أئمتنا الكرام أن الأدلة التي يستدل بها دليلان: الأول: سلفي شرعي وله نوعان والثاني: خلفي بدعي وله نوعان، فالمجموع أربعة أنواع: أما السلفي الشرعي، فالنوع الأول منه: النصوص الشرعية من كتاب وسنة، أما الكتاب:

أ) قال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولون الله) ، فالله خلقهم وفطرهم بصورة يقرون بأن الله ربهم ومالكهم وخالقهم. ب) وقال الله جل وعلا في كتابه مبيناً استدلال الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام على أقوامهم بدليل الفطرة: (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى) وقبلها حكى الله عن الأقوام أنهم قالوا: (إنا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) فقالت لهم رسلهم أفي الله شك، فلم يجبهم الأقوام عن هذا ولم يذكر الله جوابهم لأنه معلوم ضرورة أن ليس في الله شك وهو الذي خلقنا وخلق كل شيء. جـ) وقال جل وعلا في سورة النمل آية 51 وما بعدها (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تُنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا ًوجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61) أمن يجيب المضطر أذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون (62) أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى عما يشركون (63) أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (64) .)

أذن فاستدل الله عليهم بما ركزه في فطرهم أإله مع الله ... ، واستدل عليهم بما يُسلّمون به. وهو الإقرار بوجود الله جل وعلا وأنه خالق كل شيء علي ما يخالفون فيه وهو إفراده بالعبودية. فهم يقولون الله موجود لكن ينبغي أن نجعل بيننا وبينه وسائط وشفعاء فنقول لهم: اطرحوا الشفعاء، فهذا الموجود هو الذي يُقصد ويُعبد ولا يجوز أن تلجأوا إلى غيره، ولذلك قال أئمتنا توحيد الربوبية باب إلى توحيد الألوهية، فأنت إذا أقررت بأن الله ربك وسيدك، ومالكك ويتصرف في أمرك فيجب عليك أن تعبده وأن توحده وأن تفرده بالعبادة سبحانه وتعالى.

إذن هذا دليل الفطرة المستقيمة وهو أن الله فطرنا على الإقرار بوجوده، ويترتب على هذه فطرة ثانية وهي وجوب تعظيمه لأن العقل يقول: إذا كان الله خالقنا وخالق كل شيء فيجب أن يعبد وأن لا نصرف العبادة لما سواه سبحانه وتعالى، وقد قرر الله هذا المعنى في آيات كثيرة من كتابه فأخبرنا الله في قرآنه أننا فقراء وهو الغني، وهذا مما يقرر دليل الفطرة الذي فينا فكل واحد يلحظ هذا من نفسه بأنه فقير لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، جاء إلى الدنيا على غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره ويلحظ أن الذي يملك أمره وأمر العالمين هو رب العالمين قال تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) ولذلك العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه هي الفقر وهذا خلاف ما يقوله الفلاسفة والمتكلمون يقولون العلة في احتياج العالم هي الحدوث أي كون العالم حادث والحادث لابد له من محدث وموجد، ويقولون العلة في احتياج العالم بأسره إلى ربه هي الإمكان أي ممكن الوجود ليس بواجب الوجود، وهذا كلام باطل نقول الإمكان والحدوث علامتان على الفقر وليستا بعلة لاحتياج العالم إلى الله، فالفقر ممكن الوجود، فالإمكان في هذا علامة فقره لأن يمكن أن يوجد ويمكن أن يُقدم والذي رجح أحد الضدين هو الله جل وعلا والحدوث علامة فقر لأنه لا يمكن أن يوجد إلا بحادث وموجد وهو الله رب العالمين. ولذلك أخص وصف في المخلوق أنه فقير وأخص وصف في الخالق أنه غني ويوجد للإمام ابن تيمية عليه رحمة الله قصيدة من (11) بيتاً تتعلق في بيان حقيقة الخالق والمخلوق وقد ذكرها تلميذه الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في مدارج السالكين (1/520، 521 – ط دار الكتاب العربي) يقول الإمام ابن القيم: "وبعث إليّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهره أبيات بخطه من نظمه: أنا الفقير إلى رب البريات ... أن المسكين في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ... والخير إن يأتنا من عنده ياتي لا أستطيع لنفسي جلب منفعة ... ولا عن النفس لي رفع المضرّات وليس لي دونه مولىً يدبرني ... ولا شفيع إذا أحاطت خطيئاتي إلا بإذن من الرحمن خالقنا ... إلى الشفيع كما قد جا في الآياتِ ولست أملك شيئاً دونه أبداً ... ولا شريك أنا في بعض ذراتي ولا ظهير له، كي يستعين به ... كما يكون لأرباب الولايات والفقر لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً ... كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي وهذه الحال حال الخلق أجمعهم ... وكلهم عنده عبد له آتي فمن بغى مطلباً من غير خالقه ... فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي والحمد لله مِلء الكون أجمعه ... ما كان منه وما من بعد قد ياتي ... وأما السنة فقد قرر نبينا عليه الصلاة والسلام الفطرة المستقيمة في أحاديثه الكثيرة:

أ- ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن الترمذي وأبي داود وموطأ مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [كل مولود يولد على الفطرة] أي على الإسلام الحق وعلى الدين الحنيف [فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (¬1) كما تُنْتَج (¬2) البهيمة جمعاء (¬3) هل تحسون فيها من جدعاء (¬4) ] أي هي تولد سليمة الأطراف لكن صاحبها هو الذي يغيرها، وهكذا بالنسبة للناس في صغرهم فطرهم الله على الحنيفية السمحة، لكن من الذي غيّر من تغير منهم؟ آباؤهم أو أمهاتهم أو مجتمعهم وغيرهم ولذلك ثبت في كتاب السنة لابن أبي عاصم (حديث رقم 192) بسند ضعيف – لكن هذا الحديث يشهد له – عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مغيِّر الخُلُق كمغّير الخَلْق] ، أي مغير الأخلاق الطيبة إلى خبيثة ومغير الإسلام إلى عصيان وشرك بالرحمن كمغير الخلق أي كما لو غير بعض أطراف المولود، أو لو أن المرأة بدلت خلقتها وصورتها وهكذا الرجل بالنمص (ترقيق الحواجب أو إزالتها) أو بالوشم، أو حلق اللحية بالنسبة للرجل أو قص الشعر من الرأس بالكلية بالنسبة للمرأة فهذا كله من تغيير خلق الله. ¬

_ (¬1) كان بعض شيوخنا إذا روى الحديث يقول [أو يرذلانه] أي إذا كان أبواه مسلمين رذيلين بالفساد والفجور فسيرذلانه، وأول الفساد الآن جهاز التلفاز جهاز الشيطان فاتقوا الله، وحذار حذار أن ترذلوا أولادكم. (¬2) أي توجد وتخلق. (¬3) جمعاء: أي كاملة الخلق سليمة الأطراف. (¬4) جدعاء: أي مقطوعة الأنف والأذن أو مشقوقة ونحو ذلك من التشويه.

.. إخوتي الكرام ... والمراد بالفطرة في الحديث دين الإسلام والحنيفية السمحة، وقد قرر الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية في كتابه (درء تعارض العقل والنقل) ويسمى (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) في مائتي صفحة متتابعة بأن المراد من الفطرة هي الإسلام، فانظروا بحثه المحكم الرشيد فيه (8/370) وما بعدها، والحافظ ابن حجر عليه رحمة الله في فتح الباري (3/248) نقل عن عامة السلف أن المراد من الفطرة الإسلام، والإمام ابن القيم عليه رحمة الله ختم كتابه (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والتعليل) بهذه المسألة، فانظروا الكتاب من صـ283 إلى آخر الكتاب صـ307 وهذا الكتاب (شفاء العليل) هو أحسن ما كتب في قدر الله جل وعلا. ب- وأشار نبينا عليه الصلاة والسلام إلى هذه الفطرة المستقيمة أيضاً في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: [ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال (¬1) نحلته عبداً حلالاً، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم (¬2) عن دينهم وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل سلطاناً، وإن الله عز وجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء....] إلخ الحديث، ومعنى حنفاء أي مائلين عن الشرك إلى الهدى مستقيمين مهتدين على الفطرة. ¬

_ (¬1) ؟؟؟؟؟ عذراً الحاشية غير واضحة في التصوير. (¬2) الحاشية غير واضحة في التصوير.

ج- ويكفي دليلاً على الفطرة ما ثبت في الصحيحين [أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية أين الله، فقالت في السماء.....] الحديث. وأما النوع الثاني من الدليل السلفي الشرعي فهو الفطرة المستقيمة، فإن في النفس فطرة توجب عليه الإيمان بأن الله ربنا وخالقنا ورازقنا ومدبرنا فهي فطرة توصل إلى التوحيد لو لم تغير. ... ولذلك عندما جلس أبو المعالي إمام الحرمين غفر الله له ورحمه وقد رجع عن هوسه وهذيانه جلس يقرر نفي علو الله على مخلوقاته فقال: كان الله ولا مكان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان أي ليس فوق عرشه على سمواته، فقام الإمام الهمذاني وقال: يا إمام دعنا من العرش والزمان والمكان وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في أنفسنا ما قال أحد يا رب يا الله إلا طلب المعونة فمن فوقه، فبماذا نؤول هذا الشعور الذي في داخل نفوسنا، فلطم إمام الحرمين رأسه وقال حيرني الهمذاني حيرني الهمذاني. ... أي حيره في الجواب، لأن الأدلة الكلامية يمكن التلاعب بها والتصرف فيها وتأويلها لكن هذه الضرورة في النفس ماذا سيقول عنها؟ وبماذا سيفسر هذا الالتجاء من الإنسان حيث يلجأ إلى فوق ولا يلجأ إلى يميناً ولا يساراً ولا تحتاً؟!! إن هذا الشعور وهذه الضرورة هي الفطرة التي فطر الله عباده عليها (مناقشة الشيخ الطحان لآراء الدكتور البوطي حول العلو لما جاء إلى دبي وألقى محاضرة في ذلك) . ... وكل نص من كتاب أو سنة مما سبق ذكره هو من حيث وروده هو دليل على الفطرة من النصوص الشرعية، وهو من حيث دلالته هو دليل على ميثاق الفطرة من الفطرة. 2- وأما الدليل الخلفي البدعي فالنوع الأول منه: دليل العقل المتعمق المتكلف فيه من جوهر وحيز وعرض وغيرها من الاصطلاحات التي نعتها المتكلمون وعكفوا عليها كما عكف المشركون على الأصنام.

.. وهذا كما هو عند المتكلمين فهو عند الفلاسفة ولم يوصلهم هذا إلا إلى متاهات عندما عولوا على العقل وتركوا النقل، وتقدم معنا أن العقل مع النقل كالعين مع الشمس، فمن أراد أن ينظر بدون شمس ونور لا يرى، ومن أراد أن يفكر بدون وحي لا يهتدي. والنوع الثاني منه: ... دليل الكشف، الذي ابتدعه الصوفية، يقول: ألقي في روعيَ كذا، ووقع في قلبي كذا، وحَدثت بكذا حدثني قلبي عن ربي، وما شاكل هذا، كما كان ابن عربي الصوفي صاحب الضلالات يقول حديث [كنت كنزاً لا أُعرف، فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق فبه عرفوني] يقول هذا الحديث لم يثبت عند المحدثين عن طريق الإسناد لكن ثبت عن طريق الكشف. وقد كان شيوخ التصوف الصالحين الصادقين يحذرون من هذا الدليل، فكانوا يقولون: دوروا مع الشرع حيث دار لامع الكشف، فإنه يخطئ، وكان أبو سليمان الداراني عليه رحمة الله يقول: "إنه لتقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة" أي إذا وقع في قلبي معنىً من المعاني، واستنباط ومن الاستنباطات عن طريق الكشف والفتح والإلهام فإني لا أجزم بثبوت هذا حتى أتحقق من ذلك بشاهدين عدلين هما القرآن والسنة هل يشهدا بصحة ما وقع في قلبي أم لا؟ ولذلك قال أئمتنا: وينبذ الإلهام بالعراء ... أعني به إلهام الأولياء وقد رآه بعض من تصوفا ... وعصمة الباري توجب اقتفا أي لا يستدل بالإلهام بل ينبذ فهو من الأدلة البدعية، وبعض الصوفية رأوا الإلهام والكشف دليلاً شرعياً معتبراً يُقدم على النصوص الشرعية، لكن عصمة الباري للأنبياء توجب أن نقتفي أثرهم وأن نتبعهم؛ لأن وحيهم وإلهامهم معصوم وأما إلهام الأولياء فليس بمعصوم. ... هذه هي مواثيق ثلاثة أخذت علينا أو خذاً ما أخذ علينا في عالم الذر يليه ما ركز في فطرنا يليه إرسال الرسل وإقامة الحجة على العباد.

.. والميثاق الأخير (الذي جعلناه أولاً – إرسال الرسل) لم يذكره عندما شارح الطحاوي وهو في الحقيقة أقوى المواثيق وأعظمها وأبلغ الحجج، وهو مناط التكليف ولا يحصل تكليف إلا به، ولذلك يقول الله جل وعلا في سورة النحل آية 89: (ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمة للمسلمين) ومثل هذا في سورة النساء آية 41 (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) . ... الشاهد في الآيتين أن أعظم المواثيق إرسال الرسل فالله جل وعلا يقول للأمم ألم أرسل لكم رسلاً؟ فيكذبون ويجحدون ذلك، فيأتي برسلهم ويقولون: يا رب بلغنا دعوة الله فيقول الله للرسل السابقين من يشهد لكم؟ فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد بأننا بلغنا أقوامنا، فيستشهد الله هذه الأمة فيشهدون، فيقول الله: كيف تشهدون وأنتم لم تروا ذلك؟ فيقولون: بعثت إلينا رسولاً فأخبرنا بذلك وأنزلت علينا ذلك في كتابك بأن نوحاً وغيره من الأنبياء بلغوا دعوتك إلى أقوامهم وهذا هو معنى (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) ثم يشهد الرسول عليه الصلاة والسلام على شهادة هذه الأمة ثم بعد ذلك يعاقب الله المكذبين من الأمم السابقين الذين جحدوا إرسال الرسل إليهم، وهذا الجحود منهم يحصل في الموقف قبل أن يقضى بالناس إلى الجنة أو النار، يطنون أن هذا الجحود ينفعهم. وقول الله سبحانه وتعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ... ) الآية، نتحدث عن ميثاقين اثنين: 1- ميثاق عالم الذر. 2- ميثاق الفطرة.

فلاهما مراد بالآية هذا القول الصحيح وقد خالف هذا بعض أئمة الإسلام – وسيأتي ذكرهم – وقالوا: الآية لا تشمل إلا ميثاق الفطرة وسأذكر شبهتهم فيما بعد وأدحضها إن شاء الله تعالى، وأما ميثاق عالم الذر – لم تثبت به الأحاديث؟؟؟؟؟؟ يقولون لكن ثبت موقوفاً ووهم بعض الرواة في رفعه وقد تقدم معنا إن زيادة الثقة مقبولة وهذا لا يدعونا إلى أن نرد الرواية المرفوعة لأن بعض الرواة وقفها وبعضهم رفعها ولو سلمنا بوقفه فله حكم الرفع ومحاولة هؤلاء الأئمة على جلالتهم وتقربنا إلى الله بحبهم محاولة ضعيفة في غير محلها. ... والقول بأن الآية تشمل ميثاق عالم الذر لا ينفي أنه ركز الله في فطرتنا، لكن القول بقصر الآية على ميثاق الفطرة فإنه ينفي بذلك ميثاق عالم الذر. ... فعلى القول بأن الآية تشمل ميثاق الذر يكون معنى الآية (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ... ) أي قالوا بلى بلسان مقالهم.

.. وعلى القول بأن الآية لا تشمل ميثاق عالم الذر يكون معنى الآية، قالوا بلى بلسان حالهم أي حالهم يدل على أنهم مربوبون مخلوقون لخالقهم الحي القيوم، هذا كقوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت ... ) فالجمال والسماء هذه لو لم تنطق وتقل الله خلقني والسماء تقول الله رفعني لو لم تقل هذا بلسانها بصوت نسمعه لكان حالها يدل على هذا، وكذلك الإنسان (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) فحالك يا إنسان يدل على الحي القيوم ولو لم تنطق وكل إنسان – مهما كفر وطغى وتجبر – حاله تشهد بذلك بأنه فقير إلى غني وأنه مخلوق لخالق ضعيف لقوي، ولذلك قال موسى لفرعون (لقد عملت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر..) أي أنت تعلم يا فرعون أني رسول من رب العالمين، وإن هذه الآيات والدلائل لم ينزلها ولم يعطني إياها إلا رب العالمين، فإذن شهادتك بحالك ثابتة لكن لسانك لم ينطق بهذا، وكذلك هو حال العالم كله يدل على أن الله خالقه وهذا بدلالة الحال لا بدلالة المقال، هذا كقول العربي: امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلاً رويداً قد ملأت بطني فهنا (قال) بحاله فالحوض امتلأ ولم يعد يمسك ماءً وإذا صببت فيه نزل فحاله هذه كأنه يقول لك لا تصب في الماء. إذن فحال المخلوقات بأسرها تدل على أنها فقيرة إلى ربها، ولا يوجد أحد من خلقه مستغن ٍ عنه: الله قل وذر الوجود وما حوى ... إن كنت مرتاداً بلوغ كمال فالكل دون الله إن حققتهم ... عدم على التفصيل والإجمال واعلم بأنك والعوالم كلها ... لولاه في محوٍ وفي اضمحلال من لا وجود لذاته من ذاته ... فوجوده لولاه عين محال والعارفون بربهم لم يشهدوا ... شيئاً سوى المتكبر المتعالي ورأوا سواهم على الحقيقة هالكاً ... في الحال والماضي والاستقبال فقوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) أي هالك في الحال والماضي والاستقبال، من مضى هلك ومن هو موجود سيهلك ومن سيأتي سيهلك. س: هل الحال تعتبر شهادة أو لابد ومن نطق اللسان؟

جـ: إنسان يقر بقلبه أنه مقهور مجبور فقير لخالق جليل فهذه شهادة وإن نفاها بلسانه، وإذا جحد بلسانه، فشهادة القلب ثابتة، ولهذا أمثلة: 1- كقوله تعالى في سورة التوبة (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) أي مقرين على أنفسهم بالكفر بحالهم، فلا يشترط أن يقول الكافر: أنا كافر، بل حاله يدل على أنه كافر. 2- كقوله تعالى (أنه على ذلك لشهيد) فعلى أن الضمير في (أنه) يعود على الإنسان فالتقدير: أن الإنسان لشهيد على كنوده وجحوده كيف هذا الشهود؟ بأنه مغمور بنعم الله فلا يشكر الله وهذا جحود ولا يشترط أن يقول عن نفسه: أنا جاحد، فإذن هذه شهادة من الإنسان على نفسه بالحال لا بالمقال. وهو محل الشاهد. ... وعلى أن الضمير في (أنه) يعود على الله سبحانه وتعالى فالتقدير وأن الله لشهيد على كنود الإنسان وجحوده ولا تخفى عليه خافية. وكلا المعنيين والتقديرين ثابت. فالإنسان يشهد على جحوده بحاله والله يشهد عليه بعلمه فلا تخفى عليه خافية من أمور العباد 3- وكقوله هنا معنا في الآية (أشهدهم) أي بحالهم على أن الآية تشمل ميثاق الفطرة فقط، أي ركز هذا في فطرهم وعلموه وثبت عندهم بعد أن خلقهم وجعلهم خلائف في الأرض جيلاً بعد جيل. إذن هذا هو المعنى على أنه ميثاق الفطرة فقط وعلى أنه ميثاق عالم الذر تشمل الآية أيضاً فالمعنى مسح ظهر آدم وأخرج من صلبه كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة ثم كلمهم قبلاً، فهنا – ميثاق الفطرة – أشهدهم على أنفسهم بما ركزه في فطرهم وهناك أشهدهم على أنفسهم وكلمهم مقابلة بلا حاجز ولا واسطة هنا جعل هذا في فطرهم أنهم يقررون بربهم، وهناك قالوا بلى بلسانهم وهنا قالوا بلى بحالهم وهذا هو معنى الآية على القولين وكل منهما تشمله الآية، وهذا هو المعتمد في تفسيرها.

وقد ذكر هذا عدد من المفسرين من جملتهم الإمام القرطبي والإمام ابن الجوزي في زاد المسير والإمام الألوسي في روح المعاني وغيره. (الآية تشمل الميثاقين) . ? واقتصر كثير من المفسرين على الميثاق الأول وحملوا الآية عليه وهو الذي حصل في عالم الذر فقط، منهم الإمام الثعلبي والإمام البغوي في معالم التنزيل. ? وقد ذهب بعض أئمة الإسلام ومنهم الإمام ابن تيمية والإمام ابن كثير والإمام ابن القيم وشارح الطحاوية ابن أبي العز إلى أن آية الأعراف لا تشمل إلا ميثاق الفطرة، ورجحوا حمل الآية عليه. وقولهم – كما قلت لكم – مردود ومن جملة من رد عليهم شيخنا المبارك الشيخ الشنقيطي عليه رحمة الله في أضواء البيان (2/336) ، والشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله في تعليقه على مسند الإمام أحمد وبين أن الآية تشمل الميثاق الذي أخذ علينا في عالم الذر والقول به لا يتنافر مع الميثاق الثاني (ميثاق الفطرة) بخلاف الاقتصار على الميثاق الثاني بإن بالقول به إلغاء للميثاق الأول. ... وأما ما احتج به الإمام ابن كثير وابن أبي العز – وهو موجود عندكم في شرح الطحاوية – فمردود منقوض لا حجة فيه ولا دلالة على أن المراد من الميثاق ميثاق الفطرة فقط. وهذه الحجج التي ذكروها وهي (عشر حجج) أولوا بها الآية وأن المراد منها ميثاق الفطرة فقط لو لم يذكرها صاحب الكتاب ابن أبي العز لأعرضت عنها صفحاً فحقيقة لا فائدة منها، لكن بما أنها مذكورة أذكرها على سبيل الإيجاز وأنقضها إن شاء الله، وهذه الحجج موجودة في كتاب الروح لابن القيم أيضاً من ص ـ167 إلى صـ168. حجة من قال بأن الآية يراد بها ميثاق الفطرة فقط: (عشر حجج) 1) الحجة الأولى: قالوا: الله سبحانه وتعالى قال (من بني آدم) ولم يقل من آدم، فإذن هو جعلهم خلائف في الأرض ولم يخرجهم من صلب أبيهم آدم في عالم الذر.

والجواب عن هذا: لا عبرة بهذا القول ولا يعترف به على ما قلناه لأن ذكر آدم معلوم في؟؟؟؟؟؟؟ (آدم) أخرج الذ رية منهم وأخرج الذرية التى يستخرج من تلك الظهور إلى يوم القيامة فهي ليست من صلب آدم فقط بل هي من ظهر كل من سيخلق. فذكر الآباء لأن ذكر الأب معلوم وهؤلاء الأبناء لا يكونون إلا بعد وجود أبيهم. 2) الحجة الثانية قالوا: قال (من ظهورهم) ولم يقل من ظهره. والجواب عن هذا: كالجواب عن الحجة الأولى، فأخذ العهد من الفرع مستلزم لأن يخرج ذلك الفرع من الأصل، فذلك الفرع لا يكون إلا بعد وجود الأصل. 3) الحجة الثالثة: قالوا: الله سبحانه وتعالى قال (من ذريتهم) ولم يقل من ذريته. والجواب عن هذا: كالجوابين المتقدمين، فبما أن هذه الذرية أخرجت من صلب آدم وهم بنوه فما يشملهم يشمله ولم يذكر هو لأنه معلوم، فلا يمكن أن توجد هذه الذرية إلا بواسطة وجود الأصل وهو آدم فأضيفت الذرية إلى الفرع الذي أخذت منه كما تضاف إلى الأصل الذي خرجت منه، ولذلك ورد في الحديث إضافتها إلى ظهر أبيهم، وفي الآية إضافتها إلى ظهور آبائها. 4) الحجة الرابعة: قالوا: الله سبحانه وتعالى قال (وأشهدهم) فهذا دليل على أن المراد من هذه الشهادة ما ركز في فطرهم لا أنهم شهدوا بألسنتهم، لأن معنى أشهدهم جعلهم شاهدين ولابد لحصول تلك الشهادة من كون الشاهد ذاكراً لشهادته وهم في هذه الحياة لا يذكرون الشهادة التي صدرت منهم في عالم الذر بل يذكرون الشهادة التي ركزت في فطرهم. والجواب عن هذا: أن الشهادة التي حصلت منهم في عالم الذر يدل على أنهم شهدوا في ذلك الوقت على أنفسهم وتحققت الشهادة منهم وعلموا بها ثم ذكرهم الرسل بها في هذه الحياة فكأنهم علموها في هذه الحياة وكأنها ركزت في فطرهم، فصار كأنه أمر علمناه في هذه الحياة ونحن نشهده ونحن نذكره ونحن نستحضره عندما أعلمنا بها الرسل.

5) الحجة الخامسة: قالوا: الحكمة من الإشهاد إقامة الحجة على العباد والحجة لا تقام عليهم إلا بالفطرة وبإرسال الرسل وأما ما وقع في عالم الذر فهذا لا تقوم الحجة به على أحد. والجواب عن هذا: إذا أخبرنا الرسل الكرام عليه الصلاة والسلام بتلك الشهادة فقط فقد أقيمت الحجة علينا بذلك. 6) الحجة السادسة: المقصود من أخذ الميثاق عليهم (ميثاق الفطرة) تذكيرهم بهذا الميثاق لئلا يقولوا (إنا كنا عن هذا غافلين) وهم لا يذكرون إلا ميثاق الفطرة فلم يغفلوا عنه طرفة عين وأما الميثاق في عالم الذر هم في غفلة عنه ولا يعلمونه. والجواب عن هذا: بعد أن يعلموه صار له من المكانة كميثاق الفطرة بل ما هو أشد من ذلك. قال الإمام القرطبي: ومثال هذا مثال من طلق زوجته ثم نسي وغفل عن طلاقه فإذا قامت عليه البينة لشهادة شاهدين على أنه طلق، فإنه يثبت عليه الطلاق مع أنه في غفلة عنه. ... وهنا شهدنا ثم غفلنا عن تلك الشهادة ونسيناها فذكرنا بها الرسل فصار لها من الثبوت والمنزلة كثبوت دليل الفطرة ومنزلته بل ما هو أشد من ذلك. 7) الحجة السابعة: قالوا: إن الله جل وعلا ذكر حكمتين اثنتين لذلك الميثاق أولها: لئلا يقول الناس إنا كنا في غفلة عن هذا، والثانية لئلا يقولوا إننا قلدنا آباءنا وما عندنا ما يردعنا ويبين الحق لنا، وهاتان الحكمتان لا تحصلان إلا بعد دليلين معتبرين وحجتين عظيمتين: إرسال الرسل والفطرة، فالفطرة لا يجوز للإنسان أن يجحد خالقه، وبإرسال الرسل لا يجوز للإنسان أن يجحد خالقه وبهما أيضاً لا يجوز أن يقلد آباءه على الضلال والشرك.

والجواب عن هذا: هذا الاعتراض الذي ذكرتموه منقوض في حق دليل الفطرة فهل يعاقب الله عباده إذا كانوا في غفلة عن عبادته، ولم يوحدوه وقلدوا آباءهم في شركهم وضلالهم إذا لم يرسل لهم رسولاً؟ لا، إذن فالفطرة وحدها ليست كافية وهكذا نقول أيضاً إن ميثاق عالم الذر ليس بكافٍ وحده لإقامة الحجة بل لابد من إرسال رسول وقلت لكم هذا هو مناط التكليف، فإذن فميثاق الفطرة وحده لا تثبت به حجة وكذلك ميثاق عالم الذر لا تثبت به وحده حجه وعليه فهما متساويان فكيف تحملون الحكمة من الإشهاد على دليل الفطرة دون دليل وميثاق عالم الذر. 8) الحجة الثامنة: قالوا: إن الله جل وعلا لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار ولا يحصل قطع عذر العباد إلا بدليل الفطرة وإرسال الرسل ولذلك يقول الله جل وعلا مشيراً إلى نفي عذر الناس وأنه أخذ عليهم الميثاق لئلا يتعللوا ويتعذروا (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) أي كيف تهلكنا ونحن لم تقم علينا الحجة. والجواب عن هذا: كالجواب عن الذي قبله تماماً فالحجة لا تثبت على الناس بميثاق الفطرة فقط ولا تثبت عليهم بميثاق عالم الذر، فالإعذار لا يقطع إلا بإرسال الرسل فعلام أنتم حملتم هذا الميثاق في الآية على ميثاق الفطرة فقط وهذا لا يقطع عذر العباد، (قلت: ز- والحجة السابعة والثامنة والله أعلم – كأنها ناشئة من توهم أننا نرى أن ميثاق عالم الذر تحصل به الحكمتان ويحصل به الإعذار ونحن لا نقول بهذا على الإطلاق، فإن الظاهر من ميثاق احتجاجهم علينا أنهم يقصرون الحكمتين والإعذار على ميثاق الفطرة وإرسال الرسل فقط ويقولون لنا ميثاق عالم الذر لا يحصل به شيء من هذه الأمور الثلاثة (الحكمتين والإعذار) !! فكان الجواب كما ذكر شيخنا حفظه الله أن هذه الأمور الثلاثة إنما تثبت في حق ميثاق واحد هو ميثاق إرسال الرسل، ولا تثبت في حق ميثاق الفطرة كما زعمتم، ولا تثبت في حق ميثاق عالم الذر كما نقول نحن والله أعلم) .

9) الحجة التاسعة: قالوا إن الله أشهد كل واحد على نفسه واحتج عليهم بتلك الشهادة وهذه الشهادة التي يحتج بها عليهم هي ما ركز في فطرهم، ولذلك قال الله تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) . والجواب عن هذا: نقول وكذلك الشهادة التي شهدوا بها في عالم الذر يحتج بها ربنا علينا فقال في هذه الآية (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) ، فإن قيل: إن كثيراً من الناس لا يستحضرونها، أو كل الناس لا يعلمونها، نقول: إذا أعلمهم الرسل بها فصارت كما لو علموها كدليل الفطرة كما تقدم معنا. 10) الحجة العاشرة: قالوا: إن الله جل وعلا بعد أن ذكر هذا الميثاق قال: (وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) والآيات جمع آية والآية هي الدلالة الواضحة البينة التي لا يختلف عنها مدلولها، ودليل الفطرة لا يختلف عنها مدلوله. وهو الإقرار بأن الله ربهم وخالقهم. والجواب عن هذا: كم من إنسان يقر بفطرته بأن الله خلقه لكنه يجحده؟ فإذن لا يلزم من الإقرار الفطري أن يعبده ولا يلزم من الإقرار في عالم الذر أن يعبده وعليه فهذه الحجج كلها لا تقوم ولا تنهض، بل هي مجرد تكلف في أن المراد من الآية ميثاق الفطرة لا ميثاق عالم الذر. المواثيق الثلاثة وحجج الله على عباده التي أقامها عليهم انتهينا منها وعندنا تعليق يسير على هذا المبحث. الميثاق الفطري لا ينكره أحد فهذا موجود في الفطرة هو غريزة من الغرائز الموجودة في الإنسان، فالعباد فيهم غرائز يقومون بموجبها لأفعال في هذه الحياة منها غريزة التدين أو غريزة الجنس أو غريزة حب التملك، لذلك فالغريزة أصوات إلهية تقود المخلوقات بأسرها إلى إيجاد ما جعله الله فيها (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) .

فمثلا ً سواء وردت شريعة بحل النكاح أو لم ترد سيحصل اتصال بين الذكور والإناث لأن هذه غريزة جعلها الله في قلوب الناس فالأنثى عندها غريزة لا تهنأ إلا إذا صارت أماً والرجل لا يهنأ إلا إذا صار أباً ولذلك إذا تزوج ولم يأته أولاد تراه يبحث عن أطباء الأرض من أجل إنجاب ذرية. فإذن هذه (الجنس) غريزة تقود المخلوقات فترى الناس يسعون لتنفيذها لكن المؤمن هنا يتميز عن الكافر أو الفاسق، فالمؤمن يقوم بإشباع هذه الغريزة على حسب هدي الشرع فيثاب عليها [وفي بضع أحدكم صدقة] وأن الكافر أو الفاسق فيقوم بإشباع هذه الغريزة غالباً عن طريق الشهوة البهيمية والمتعة الحرام فيعاقب.

وكذلك التدين غريزة فلابد لكل إنسان أن يتدين لكن إما أن يتدين تديناً معوجاً وإما أن يتدين تديناً مستقيماً، فإما أن يتدين لله وهو التدين المستقيم وإما أن يتدين التدين المعوج فيتدين لبشر كحال الشيوعية أنكرت وجود الإله وقيام الساعة وكذبت وخونت الرسل عليهم الصلاة والسلام لكنهم يتدينون رغم ذلك لمن؟ يعبدون لينين بدلا ً من أن يعبدوا رب العالمين، وإما أن يتدين لبقر، أو لحجر أو لذكر، أو لشمس أو لقمر، لكن لابد من تدين فالإنسان عندما يشعر بضعفه وفقره ومسكنته يريد أن يلجأ إلى ما يراه أنه أقوى منه وأغنى منه، فالمؤمن يلجأ إلى الغني الحقيقي القوي، والمشرك تراه إما أن يلجأ إلى بشر أو إلى شمس أو إلى قمر أو حجر وما شاكل هذا، وما عبادة الأحجار والأشجار والأبقار إلا دليل على إشباع غريزة التدين، ولذلك فلابد لكل مخلوق مهما كان شأنه من عبادة لكن إما أن يعبد الله وإما أن يعبد غيره وإما أن يعبد نفسه (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) ، والقلب لابد له من تعلق لكن إما أن يتعلق بالرب وإما أن يتعلق بالخلق بصور أو بفرد أو بنساء أو بخمر أو ببقر ووصل هوس المهوسيين في موضوع التعلق بالمقبورين أنهم كانوا يقولون إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أي الجؤوا للأموات سبحان الله!! ماذا يغنون عنكم بل ماذا يغنون عن أنفسهم؟؟ لكن هذا هو القلب الخربان وهذه هي الذلة لغير الله، وأعز الناس في هذه الحياة وهو صاحب الحرية الحقيقية من لا تنحني جبهته إلا لخالقه سبحانه وتعالى ولا يذل نفسه إلا لربه وأما من عداه فلا يذل نفسه له. تغرب لا مستعظماً غير نفسه ... ولا قابلاً إلا لخالقه حكماً

أي لا يستعظم إلا نفسه (عزة إيمانية) ولا يقبل إلا حكم الخالق جل وعلا وحقيقة هذه هي الحرية هذا هو العز وهذه هي الكرامة وليس في تذلل الإنسان لخالقه منقصة، لكن في تذلله لغيره كل المنقصة ولذلك السؤال في حالة ضرورة يجوز لكن تركه أولى، لأن السؤال ذل ولا يليق أن يتذلل المخلوق لمخلوق؟! لا، إن الموت أحسن من أن تتذلل لمخلوق، ثم إن في سؤال المخلوقين ثلاث أنواع من الظلم: أولها: في حق نفسك حيث امتهنتها والله أمرك أن تعزها. والثانية: في حق المسئول لأنك أضجرته وآذيته، فبنو آدم عندما يسألون يتضجرون. والثالثة: اعتديت على الخالق لأن الله هو الذي يقول يا عبادي سلوني لأقضي حوائجكم. لا تسألن بُني آدم حاجة ... وسل الذي أبوابه لا تُحجبُ الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبُني آدم حين يُسأَل يغضب فإذن التدين غريزة، ركز في فطرنا وكذلك التملك غريزة، فكل واحد يحب أن يتملك وأن يكون في جيبه دراهم، فهذا فطر الله القلوب عليه (وتحبون المال حباً جماً) (وإنه لحب الخير لشديد) وبعض الناس وصل الآن سفاهتهم أنهم قالوا الدراهم مراهم، ولكن الحقيقة قالها بعض الأكياس الفطناء سمي الدرهم درهماً لأنه يُدِرُ الهم أي يجلبه ويأتي به. الشاهد أن حب التملك غريزة يحبها الإنسان ولا حرج عليه في ذلك إذ أخذها عن طريق شرعي [نِعْم المال الصالح للرجل الصالح] فيأخذه من حله ويضعه في حقه، وليس في جلب المال منقصة ما دمت تأخذه من حله وأنت مأجور وتضعه في حقه وأنت مثاب على ذلك وكما في الصحيحين [لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس] فلا حرج عليك في جمعه ولا تجعله يطغيك ولا تسرف فيه ولا تبطر به.

.. وليس في حب النساء منقصة للإنسان ما دام على حسب شريعة الله وكذلك حب المال ما دام على حسب شريعة الله وقد قال سيد الكاملين عليه الصلاة والسلام [حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني في الصلاة] فمثل هذه الطيبات لا حرج في حبها ما دامت على حسب شريعة الله، قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ... ) فهذه الطيبات يتمتع بها المؤمن والكافر في الحياة الدنيا، أما في الآخرة فلا يشارك المؤمن فيها أحد. (هذا الكلام كله جعلته كالتمهيد للإشكال الذي سيأتي، وهو مأخوذ من كلام الشيخ حفظه الله) . الإشكال: قد يقول قائل: إذا أخذ الله علينا الميثاق في عالم الذر – كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة – على أنه خالقنا وربنا ومالكنا، وأودع هذا في فطرنا وغرزه فينا – وهو الميثاق الثاني – فجعلنا نقر بوجوب عبادته، فعلام توقف التكليف على إرسال الرسل ونزول الكتب، وقد أخذ علينا ميثاقين (في عالم الذر، والفطرة) ؟ الجواب عن الإشكال: توقف التكليف على إرسال الرسل ونزول الكتب لأمرين: الأمر الأول: أن العباد يكلفون قبل إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم بتوحيد ربهم، لكن الله جل وعلا كرماً منه وفضلاً رفع عنا العقاب قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب فقط لأن الغريزة الفطرية وإن كانت مركوزة في النفس الإنسانية إلا أنها في عرضة – أحياناً – للتغيير وللتلاعب وللخطأ، فلابد من إرسال الرسل لتكون الغريزة مستقيمة تهتدي بهدي ذلك الرسول، فغريزة التدين موجودة لكنها عرضة للتغيير. ... والعباد إذا أشركوا بالله قبل إرسال الرسل وإنزال الكتب ظالمون معتدون مسرفون لكن لا عقاب على ظلمهم كرماً من الله وفضلاً.

.. وقد قرر الله هذين الأمرين (أن العباد ظالمون إذا لم يوحدوا الله قبل إرسال الرسل، وأنه لا عقاب عليهم مع ظلمهم) في سورة الأنعام يقول الله جل وعلا: (ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا، قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم، وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون، يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين، ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون) الآيات 128- 131 (ألم يأتكم رسل منكم؟؟؟؟؟؟؟؟) وهو إرسال الرسل، (ذلك أن لم يكن..) هذا هو الشاهد أي إرسال الرسل وإقامة الحجة على العباد لئلا يهلك الله القرى بظلم منهم وبشرك منهم وضلال منهم، وهم غافلون عن بلوغ الدعوة ووصول الرسالة. ... إذن فأثبت لهم الظلم في حال غفلتهم وعدم إرسال الرسول إليهم إذ لم يعبدوه ولم يوحدوه ومع ذلك لا عذاب عليهم كرماً منه وفضلاً سبحانه وتعالى، وكان الأصل أن يعذبوا لأنهم جحدوا الميثاق الفطري لكن الله تكرم فقال أنا لا أعذب إلا بعد قيام الحجة على أتم وجه فانتبهوا يا عبادي أشهدتكم على أنفسكم في عالم الذر، وركزت في فطركم الإقرار بوجودي ووجوب عبادتي وأرسلت إليكم الرسل وأنزلت عليكم الكتب وتركتكم على المحجة البيضاء، فمن ضل بعد ذلك فلا يلومن إلا نفسه ولو عذبنا على الميثاق الفطري لاستحققنا العذاب لأننا ظالمون.

الأمر الثاني: الفطرة وإن دلت على وجود الله ووجوب تعظيمه إلا أنها لا تستطيع أن تحدد الأشكال التي يحصل بها تعظيم ذي العزة والجلال أي لا تستطيع أن تحدد شكل العبادة وشكل التعظيم الذي يتقرب به إلى الله، فقد يقول هذا أنا أعبد الحمار الذي خلقه الله تقرباً إلى الله، ويأتي هذا ويقول أنا أعبد هبل، وآخر يقول: اللات، وآخر لنين وآخر الشمس وآخر القمر وآخر الحجر وهكذا كلٌ سيعبد ما شاء إن لم يرسل رسولاً وينزل كتاباً على البشر. ... ولذلك كل ما يحصل به تعظيم الله جل وعلا هو عبادة والعبادة توقيفية لا مجال للعقل فيها، فنعبد الله بما يشاء لا بما نشاء ولذلك [من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد] . (ذكر الشيخ قصة عن الشيخ صالح الجعفري من علماء الأزهر حيث كان يقول لا يوجد شيء اسمه بدعة فكل ما نقصد به الخير فهو جائز مستدلاً بالآية (وافعلوا الخير..)) . (ذكر الشيخ قصة المهوس عيسى؟؟؟ وضلالاته التي يقررها من جواز الاستغاثة بغير الله، وأن أهل السنة حذفوا لفظ وعترتي من حديث فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين وغير ذلك من الضلالات ... ) فمن أجل الأمرين السابقين توقف التكليف على إرسال الرسل وإنزال الكتب.

مبحث علو الرحمن وفوقيته جل وعلى - التعليق على الطحاوية- للشيخ الطحان

التعليق على الطحاوية (مبحث علو الرحمن وفوقيته جل وعلا) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان مبحث علو الرحمن وفوقيته على مخلوقاته هو أشرف مباحث علم التوحيد وأجلها وهو العَلَم الفارق بين أهل السنة وبين سائر فرق المبتدعة فالمؤمن السني الموحد يقول: الله فوق عرشه على سمواته بائن من خلقه، والمبتدع عندما تقول له أين الله؟، يقول لك كيف تقول أين؟ الله لا يُقال عنه أين، الله لا فوق ولا تحت ولا شمال ولا يمين ولا أمام ولا وراء ولا داخل العالم ولا خارجه، لا جوهر ولا عرض، قل له، يا مسكين هذا ليس حي قيوم بل هو إله معدوم، وهذا كمن يزعم أن في بيته نخلةٍ ثم تسأله عن أوصافها، فيقول لك لا أوصاف لها فقل له إذن هذه نخلة في ذهنك لذلك حقيقة قول المعطلة تقضي إلى أن الله عدم لذلك قال أئمتنا: المعطل يعبد عدماً والممثل يعبد صنماً وهذه المسألة سأقرر أدلتها المتنوعة وهي خمسة: 1) أدلة الكتاب. ... 2) السنة. ... 3) الإجماع الصحيح القطعي. 4) العقل الصريح. ... 5) الفطرة المستقيمة. أولاً أدلة الكتاب: دل على أن الله فوق عباده على عرشه سبحانه وتعالى، من أوجه كثيرة أحاول أن أوجزها وأن أجمعها في سبعة أوجه: الوجه الأول: تصريح آيات القرآن بأن ربنا الرحمن فوق عباده ومخلوقاته (فوق) قال الله جل وعلا: (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) في حق الملائكة. وقال جل وعلا: (وهو القاهر فوق عباده) . وهذا الدليل في منتهى الظهور والوضوح، وهذه الفوقية شاملة لفوقية الذات ويلزم منها فوقية القَدْر المنزلة والرتبة والمكانة فذاته عالية فوقنا ومنزلته ورتبته أيضاً فوقاً فله الفوقية من جميع الاعتبارات. ... وقبل الانتقال إلى الدليل الثاني سأذكر تأويل المبتدعة للفوقية وندحضه إن شاء الله ثم نذهب إلى الوجه الثاني من أدلة القرآن، وقبل أن أذكر الوجوه دائماً إذا مررت على شبهة فندتها حتى لا نفرد الشبهة في مبحث مستقل. تأويل لبعض المبتدعة حول هذا الوجه:

قالوا: المراد من الفوقية هنا الفوقية المعنوية، أي هو فوق عباده في الرتبة والمنزلة أي شأنه أعلى من شأنهم (يخافون ربهم من فوقهم) أي يخافون ربهم الذي هو أعلى منهم رتبة ومنزلة، كما تقول الملك فوق الوزير رتبة، وحقيقة قد يخدعون كثيراً من السذج والدهماء بهذه العبارات المعسولة. ونجيب: لو صح ما قلتم لكان في هذا ذمٌ لربكم، إن قالوا: كيف؟ نقول: أنتم تقولون: إنه فوقهم في الرتبة فإذن عندنا فاضل ومفضول اشتركا في فضيلة فالمفضول هو المخلوق والفاضل هو الله جل وعلا، أي أنه يشترك مع عباده في الفضائل لكنه يزيد عليهم في الفضالة، كما لو قلت الدينار فوق الدرهم فإن بإمكانك أن تشتري بالدينار وبالدرهم، فهناك قدر يشتركان فيه – أي الدرهم والدينار – لذلك نقول لهم: أف لكم ولتأويلكم، فما المزايا التي اشترك فيها المخلوق مع الخالق حتى قلنا إن الخالق أفضل من المخلوق؟!! والله إن هذا ذمٌ للخالق من حيث لا يشعرون. ولو قال إنسان عندي سكين أَحدُ من الخشبة لاتهمناه بالخرف لأنه لا مفاضلة بينهما بل إن المفاضلة بينهما عين الذم. وهذا كما لو قال شخص الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من اليهود وأبي جهل، فهذا ذم له صلى الله عليه وسلم لأنه لا فضيلة فيهم بل لا قيمة لهم حتى تفاضل بينهما، لكن لو قلت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل النبيين لكان كلامك وجيهاً وفي محله. إذن فكيف ستفاضل بين الخالق والمخلوق وقد تقدم معنا أن أخص وصف في المخلوق الفقر وأخص وصف في الخالق الغنى فأين فضل الفقير حتى تفاضل بينه وبين الغنى؟!! وكيف ستسووا بينهما؟!! لكننا نقول (وهو القاهر فوق عباده) أي هو فوق عرشه على سمواته، فيدخل العلو الذاتي والمعنوي (المنزلة) لا علو المنزلة فقط كما يزعمون. إذن فلا تُعقد المفاضلة إلا بين موصوفين يشتركان في فضائل ويزيد أحدهما على الآخر وإذا كانت المفاضلة بين السيف والعصا ذم للسيف فكيف بعقد مفاضلة بين الفاني والباقي.

ألم تر أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل السيف أمضى من العصا فإن قيل (اعتراض) : جاءت نصوص في التنزيل فيها تفضيل الخالق على المخلوق وهذا خلاف ما تقولونه قال الله تعالى في سورة يوسف مخبراً عن نبيه يوسف لما قال لصاحبه في السجن (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) فهذا فيه عقد مفاضلة بين أوثان وبين الله، وقال تعالى (آلله (¬1) خير أما تشركون) . ... وهكذا قول السحرة في سورة طه (والله خير وأبقى) ، ففي هذه الآيات عقد مفاضلة فكيف تقولون لا تجوز المفاضلة بين الخالق والمخلوق؟ ... والجواب: تفضيل الخالق على المخلوق ابتداءً يعتبر نقصاً لكن إذا كان الكلام خرج لمجادلة الخصم الذي يزعم أنه لآلهته شأن ومنزلة فلا حرج به حينئذ فنبي الله يوسف يريد أن يبين لهم زيف آلهتهم المتنوعة فلم يخرج الكلام منه قضية مبتدأة أنما هو جدال مع مشركين يرون لآلهتهم شأناً، أي أنتم تقولون أن للآلهة شأناً فلو سلمنا لكم بذلك فأي الشأنين أعظم شأن آلهتكم أم شأن الله؟ فسيقولون كلهم شأن الله، فتكون نتيجة النقاش اطرحوا آلهتكم ما دمتم تسلمون بأن الله شأنه أعظم. ... وهكذا (والله خير وأبقى) منك يا فرعون يا من تدعي أنك رب وأنك ملك مصر فالله خير منك وما عنده لا ينفذ وما عندك نافذ ونظير هذا قول الله تعالى في سورة النور (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون) أي خير لكم من الدخول بغير استئذان وخير لكم من تحية الجاهلية. نقول: هل للدخول بغير استئذان والتحية بتحية أهل الجاهلية خيرية؟ ¬

_ (¬1) هذا مد كلمي مثقل، والتعبير صحيح عنه أن يقال مد فرق، ويمد ست حركات باتفاق القراء.

لا، ولا خيرية لها، لكن لأنهم كانوا يرون في دخولهم بغير استئذان عزة والوقوف على الباب ذلة لهم، فكأن الله يخيرهم أنه لو كان في فعلكم خير فهناك خير منه وهو الاستئذان فافعلوه لأنه هو أخيرهما، وإن كان لم يثبت لفعلهم خيرية لكن هذا على سبيل المجادلة. ... ونظير هذا النوع من الجدال والخصام مجادلة إبراهيم عليه السلام للنمرود حين حاجه بعد أن ادعى أنه يحيي ويميت فحاجه بأمر آخر وكأنه من باب التسليم له وتنزلاً له فحاجه بقضية أخرى تسكته وهي أن يطلع الشمس من مغربها. ولهذا إذا تجادلت مع مكابر فدع ما فيه نزاع وانتقل إلى ما لا نزاع فيه. الوجه الثاني: إخبار الله جل وعلا في كتابه بصعود العمل الصالح إليه ورفع بعض المخلوقات إليه، ومن المعلوم أن الصعود والرفع يكون من أسفل إلى أعلى.

.. قال الله جل وعلا في كتابه (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وقال جل وعلا في حق عيسى عليه السلام (بل رفعه الله إليه) وقال جل وعلا (يا عيسى إني متوفيك (¬1) ورافعك إليّ) وهذا الرفع وهذا الصعود معلوم ضرورة في اللغة أنه من، أنزل إلى أعلى ومن أسفل إلى أعلى، والدلالة واضحة. الوجه الثالث: تصريح الله في كتابه بأنه عليّ، قال تعالى في آية الكرسي: (وهو العلي العظيم) ، وهكذا قوله تعالى: (إن الله كان علياً كبيراً) وهناك آيات كثيرة تصف الله بالعلو وتسميته بأنه عليّ وهذا يفيد علو الذات وعلو الصفات وعلو المنزلة والقدر، ويقال فيه ما يقال في الفوقية، فهو فوقهم وهو عليّ عليهم وإذا ثبتت الفوقية والعلو فكيف تقولون يا مبتدعة لا يجوز أن نقول إنه فوقنا وأعلى منا؟!. ¬

_ (¬1) قيل بمعنى الوفاة الصغرى، أي منيمك وقد ألقى الله على نبيه عيسى النوم عندما أراد اليهود قتله ورفعه وهو نائم لئلا يفزع والنوم في حالة الحرب والخوف هذا سكينة من الله، (إذ يغشيكم النعاس أمنة..) فاعلم أنه متى ما نام المجاهد فقد نزلت عليه سكينة، وقيل: بمعنى الوفاة الكبرى (الموت) وعليه يكون في الآية تقديم وتأخير، والتقديم: إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إلي ومتوفيك أي سأرفعك ثم سأنزلك لتتوفى في الأرض، ورفع نبي الله عيسى عليه السلام إلى السماء إلى الله جل وعلا ثابت في القرآن ومتواتر في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأنه سيخرج في آخر الزمان وهو من أشراط الساعة الكبرى، وبلغت الأحاديث المتواترة في نزوله (70) حديثاً، وهذا الأمر يخالف فيه علماء الأزهر وينفوه فانتبهوا لهذا!! واشتروا كتاب (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) للشيخ محمد أنور شاه الكشميري، يقارب 400 صفحة جمع فيه الأحاديث الصحيحة في هذا الباب.

الوجه الرابع: تصريح الله جل وعلا في كتابه بتنزيل أشياء من عنده، قال جل وعلا: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) ، (تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم) ، (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) إلى غير ذلك من الآيات، والنزول ضد الصعود فهو هبوط من أعلى إلى أسفل، فالقرآن نزل من الرحمن أي هبط من أعلى إلينا، لذلك قال أئمتنا: لفظ الإنزال للقرآن يدل على فوقية ذي الجلال والإكرام. الوجه الخامس: إخبار الله جل وعلا عن الملائكة بأنهم عنده في جواره الكريم، والملائكة فوقنا وأعلى منا ومسكنها السموات المباركة، قال الله جل وعلا في آخر آية من سورة الأعراف: ( ... إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) ، وفي سورة حم السجدة (فصلت) آية 38 (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون) وهكذا في سورة الأنبياء (وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستسحرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون) وهكذا في سورة الزخرف (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ... ) هذه قراءة، وقرأ المدنيان نافع وشيخه يزيد بن القعقاع وابن عامر وابن كثير قارئ مكة ويعقوب قارئ البصرة: (وجعلوا الملائكة هم عند الرحمن) وكلا القراءتين متواترتان، فهم عباده وهم عنده. ... وهذه العندية تحدد لنا أين رب البرية، فالملائكة في السموات العلى والله هو العلي الأعلى ولو كانت هذه العندية الثابتة لهم عنديتنا لما كان لهم ميزة علينا ولما كان لتخصيصهم بالعندية فائدة، بل لهم مزيد من قرب إلى الرب جل وعلا.

الوجه السادس: تصريح الله جل وعلا بأنه في السموات في آيات كثيرة متواترة غراء: (أأمنتم من في السماء (¬1)) . ... علماء الكلام أصحاب الثرثرة والهذيان أكثروا اللغظ والشغب والخصام حول هذا الدليل من القرآن فقالوا: الآية لا تدل على علو الله وفوقيته، لأنه ليس المراد من كون الله في السماء وذاته في العلو بل المراد سلطانه وقهره. ... وهذا التأويل أبرد من الثلج كتأويل الضالين السابقين في الفوقية، لأنه إن كان هو السلطان في السماء فمن إذن السلطان في الأرض؟!!. ... السلطان هو الله في السماء والأرض لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه، لذلك يقول الله جل وعلا (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) أي بسلطان منه وتمكين وقوة وقدرة إذا أمدكم بذلك فيمكنكم لكن هو جعلكم ضعفاء وعاجزين لا يخرج أحد منكم من سلطانه سبحانه وتعالى. ¬

_ (¬1) كلمة (السماء) تحتمل معنيين على كل احتمال يتضح لنا معنى في، فقيل: المراد من السماء العلو المطلق، فكل ما علاك فهو سماك وليس المراد السموات الاصطلاحية، فتكون (في) ظرفية على حقيقتها، أي أأمنتم من في العلو، إذن فكل ما علاك فهو سماك قال تعالى (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) فالمراد بالسماء هنا سقف البيت أي من كان يظن أن الله لن ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم وأن الله لن يعلي شأنه فسيعلي شأنه وإذا انغاظ هذا فليمدد حبلاً إلى السقف ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ، وهذا من أساليب اللغة.، وقيل: المراد من السماء الأجرام السمواية المعروفة وهي السبعة ويكون معنى (في) : علا، أي أأمنتم من على السماء أي من فوق السموات لأن الله ليس بداخل السموات، وهذا كقوله تعالى (فسيحوا في الأرض) ، وقوله (لأصلبنكم في جذوع النخل) أي على جذوع النخل، حروف الجر تتناوب كما قال أئمتنا.

.. ومما يقرر هذا أن العاتي فرعون عليه لعنة الله قال لقومه عندما أراد أن يلبس على قومه: (يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) فهذا يفيد أن نبي الله موسى أخبر قومه ومنهم فرعون بأن الله في العلو على السموات فوق العرش فاستغل فرعون هذه الدعوى فطلب من هامان أن يبني له بناءً عالياً لينظر إلى إله موسى الذي هو في السماء. ولو كان كلام فرعون باطلاً لرد عليه موسى عليه السلام بأن الله ليس في السماء وفرعون يكذب وهذه القصة التي جرت من فرعون جرت من بعض المشايخ المصريين وقد أفضى لما قدم إذ أنه لما تناقل الناس خبر الصعود إلى القمر فسُأل هل الصعود للقمر ممكن أم لا؟ فقال لهم: أخبركم بالجواب غداً. ففي اليوم التالي امتلأ جامع الأزهر بالناس وجلس الشيخ وقال: هؤلاء كذابون دجالون لأني بقيت البارحة أنظر إلى القمر فلم أر شيئاً!!. ... ولا أعلم جوابه هذا كان من باب البله والغفلة أم هو من باب العتو كفرعون إذ كيف سيرى القمر وهو في الأرض؟! كيف سيراه بعينه المجردة؟ فالأفضل لو أنه سكت عن الجواب ولم يجب بهذا. ولذلك قال أئمتنا: من نفى علو الله فهو فرعوني، ومن أقر بعلو الله فهو موسوي (¬1) محمدي بعد أن قالوا إن المراد بمن في السماء أي بمن في السماء سلطانه قالوا: توجد آيات تعكر على قولكم تدل على أن الله في السموات وفي الأرض كقوله تعالى في سورة الأنعام: (وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) ، فلماذا تقولون إنه فوق عرشه على سمواته وهذه الآية ترد عليكم؟. نقول: من سوء فهمكن أتيتم وجعلتم الآيات تتضارب ويرد بعضها بعضاً فهذه الآية تحتمل ثلاث معان ٍ كلها صحيحة: ¬

_ (¬1) أي من أتباع نبي الله موسى الذي أخبرنا بأن الله فوقنا.

المعنى الأول: عليه جمهور السلف أن الوقف لازم على لفظ (السموات) فيكون معنى (في) أي ظرفية أي في العلو المطلق، والأرض متعلقة بيعلم أي ويعلم سركم وجهركم وما تكسبون في الأرض، أي مع علوه لا تخفى عليه خافيه من أمركم، وانظر هذا المعنى الذي نقل عن جمهور السلف تدل عليه آية الاستواء في سورة الحديد (هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) فهذه الآية كآية سورة الأنعام حث أخبرنا بأنه فوق السموات على العرش ومع ذلك يعلم ما يلج في الأرض، وهذا الوجه هو أرجح الوجوه وأقواها. المعنى الثاني: (في السموات وفي الأرض) متعلق بيعلم، والآية لم تسق لبيان أين الله بل لبيان إحاطة الله وعلمه بكل شيء، والتقدير: وهو الله يعلم سركم وجهركم أينما كنتم في السموات أو في الأرض فهو يعلم ما تكسبون ولهذا قال أئمتنا هذا وقف حسن على لفظ الجلالة (وهو الله) ثم تستأنف كلاماً آخر يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض ... ، وانظروا هذا في كتاب منار الهدى في الوقف والابتداء للإمام الأشموني، يقول: الوقف على لفظ الجلالة، ويتم المعنى بذلك. المعنى الثالث: الآية لم تسق لبيان أين الله ولا لبيان إحاطة علمه بكل شيء، إنما سيقت لبيان أنه هو الإله الحق المعبود الذي يجب على أهل السموات وأهل الأرض أن يألهوه ويعبدوه ولا يشركون به شيئاً فالإله هو المألوه أي المعبود، والتقدير: وهو المعبود في السموات وفي الأرض....فأين الفهم الذي فهمتموه؟!! وهذه المعاني الثلاثة أمامكم ليس في واحدة منها أن الله موجود في الأرض كما تزعمون وأوردوا آية ثانية ليقروا هذا الضلال وهي قوله تعالى في سورة الزخرف (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) يقولون: إذن فهو موجود في السماء والأرض وليس في السماء كما تقولون.

والجواب: هذه الآية معناها كالمعنى الثالث لآية سورة الأنعام، أي وهو المعبود في السماء وفي الأرض وهو إله من في السماء وإله من في الأرض وهو المألوه في السماء وهو المألوه في الأرض، فلا إله إلا هو. ... ونحن نقول لهم أيضاً إن كان في الأرض فعلام يصعد الكلم الطيب إليه وعلام يعرج إليه أشياء ويرفع أشياء؟!! ولو كان الله في الأرض فلماذا عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ما فوق السماء السابعة؟!!. الوجه السابع: تصريح الله في كتابه بأنه استوى على عرشه في سبع آيات من كتابه ضمن سبع سور: 1) آية سورة الأعراف آية 54: (إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) . 2) آية سورة يونس: آية رقم 3. 3) آية سورة الرعد: آية رقم 2. 4) آية سورة طه: آية رقم 5. 5) آية سورة الفرقان: آية رقم 59. 6) آية سورة السجدة: آية رقم 17. 7) آية سورة الحديد: آية رقم 4. والمفسرون بحثوا مسألة الاستواء عند أول آية وهي آية سورة الأعراف إلا شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فإنه تكلم على الاستواء في الآية الثالثة من سورة يونس (الموضع الثاني) في أضواء البيان. والاستواء معناه في اللغة: يأتي لأربعة معان ٍ: استقر، وارتفع، وعلا، وصعد، وقد ثبت في صحيح البخاري عن مجاهد أنه قال (الرحمن على العرش استوى) قال: علا، انظر صحيح البخاري في كتاب التوحيد (13/403- مع الفتح) وفيه أيضاً – أي في صحيح البخاري – قال أبو العالية: (الرحمن على العرش استوى) : ارتفع، وقد ورد هذا في التفسير الثاني في معالم التنزيل للبغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

هذا تفسير الاستواء في اللغة فله العلو والارتفاع والفوقية على سائر مخلوقاته، وهذا الدليل والواضح (سبع آياتٍ) جاء المؤولة وتلاعبوا فيه وقالوا: استوى أي: استولى وقال فريق منهم: كناية عن الهيمنة والسيطرة وتدبير الملك. هذا تفسير باطل قطعاً وجزماً لغةً ومعنىً. أما اللغة فلا تشهد لهذا قطعاً، أي تفسير استوى باستولي لا يعرفه علماء اللغة كما قال الأزهري في تهذيب اللغة وابن الأعرابي وهو من أئمة اللغة. وقد أبطل الإمام ابن القيم تفسير استوى باستولي باثنين وأربعين وجهاً في كتابه الصواعق المرسلة في الرد على الجهنمية والمعطلة، انظروا مختصر الصواعق (2/126-152) ، أما المعنى فهو معنىً باطل بل هو أبطل من بطلانه من ناحية اللغة لأن الاستواء أخذ الشيء بعد غلبة ومنازعة، فهل كان العرش في ملك أحد غير الله حتى نازعه الله فقهره حتى غلبه وانتصر عليه وأخذ العرش واستولى عليه؟!! لا، يقولون: هذا استيلاء بلا غلبة ولا منازعة، كما قال الأخطل:

قد استوى بِشْرٌ (¬1) على العراق ... من غير سيف ودم مراق فهو استوى على العراق من غير منازعة بالسيف أو بقتل وإراقة الدماء. نقول: لا زلنا معكم، يعني هل كان في يد غيره ثم أخذه منه؟ يعني هل خرج العرش عن ملك الله طرفة عين حتى تقول إنه استولى عليه إذن فكلا جوابيكم باطل وقلتم استولي بغلبة ومنازعة أو بدون ذلك، ثم إنه لا يجوز الاستدلال بهذا البيت على تفسير استوى باستولى لأن هذا مخلوق والله ليس كمثله شيء، ولأن البصرة حقيقة لم تكن في أمرته ولا تحت ولايته بل عهد إليه أخوه عبد الملك بذلك فيصح أن نقول إنه استولى، لكن هل كان العرش كذلك؟ لا والله، فهو لم يخرج عن ملكه طرفة عين، ولذلك يقول الإمام ابن تيمية: قبحاً لمن نبذ الكتاب وراءه ... وإذا استدل يقول قال الأخطل ويقول الإمام ابن القيم: ¬

_ (¬1) هو بشر بن مروان، أخو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، وهو أول من ولي على البصرة في بلاد العراق، وامتدحه الأخطل الشاعر النصراني بهذا البيت، ومعناه: أن بِشْراً استولى على العراق بعهد من أخيه عبد الملك بن مروان دون مقاتلة وقتل وقطع رقاب وقال أئمتنا في ترجمة بِشْر: كان من الكرماء وكان لا يغلق بابه عن أحد من رعيته، ومن أقواله – ونعم ما قال -: وليس الأمراء في هذا الوقت يقتدون بهذه الحكمة التي أثرت عنه – يقول: "إنما يحتجب النساء فالأمير لا يحتجب" ولما احتضر يقول الحسن البصري ولما احتضر أدركته وكان على سريره فنزل وهو يتلوى على الأرض ثم نادى بأعلى صوته: يا ليتني كنت في البادية أرعى الماشية، فقيل هذا لأبي حازم فقال: الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يفرون إلينا ولا نفر إليهم، والله لازال الله يرينا فيهم عبراً، فالعالم أو غيره لا يتمنى عند موته لو أنه كان أميراً، لكن الأمير يتمنى عند موته لو أنه لم يكن أميراُ بل كان راعياً أو غيره ولما يراه عند سكرات الموت، توفي سنة 74 هـ رحمه الله.

ولهم في ذلك بيت قاله ... فيما يقال الأخطل النصراني نون اليهود ولام جهميًّ هما ... في وحي رب العرش زائدتان (نون اليهود) قال الله لهم قولوا حطة أي حُط َّ الذنوب عنا، فلم يقولوها وزادوا نوناُ فقالوا: حنطة أو حبة حنطة أو حنطة في شعرة استهزءوا بكلام الله جل وعلا، وهذا حال اليهود، فانظر كيف بدلوا كلام الرب المعبود. والجهمية زادوا لاماً، فهى استوى فزادوها استولى، ومعنى (هما في وحي رب العرش زائدتان) أي لم ينزل رب العالمين لا نون اليهود ولا لام الجهمية. ولذلك قال الإمام مالك وشيخه ربيعة وأمنا أم سلمة رضي الله عنها والإسناد ثابت إلى مالك وإلى ربيعة ولكنه ضعيف عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها وثبت عن الإمام أبي جعفر الترمذي ليس صاحب السنة أبو عيسى الترمذي، قالوا: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة". (الاستواء معلوم) أي معلوم في اللغة استقر، ارتفع، علا. (والكيف مجهول) أي كيفية استواء الرب مجهولة لان الصفة تتبع الموصوف، فإذا كانت الذات مجهولة فالصفات كذلك ولذلك إيماننا بصفات ربنا كإيماننا بذاته، والمخلوقات تتفق في مسمى الصفة وتختلف في حقيقتها، فمثلاً لك يد للقط يد لكن لم تشبه اليدان بعضهما، فكيف ستشبه يد المخلوق الخالق!! فلكل موصوف ما يناسبه من الصفات (ليس كمثله شيء) . (والإيمان به واجب) لأنه ورد في كتاب الله وإذا تركته فقد ضللت. (والسؤال عنه بدعة) وكان بدعة لأمرين: الأمر الأول: لأنه سؤال عما لا يمكن لعقول البشر أن تدركه، والأمر الثاني: لأنه لم يجر هذا السؤال في عهد خير هذه الأمة وأطهرها وأبرها، والبدعة ما حدث بعدهم فلم يسأل الصحابة رضوان الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية صفة بل يسألون عن الإيمان بها وثبوتها وهكذا المؤمن يسأل في القدر – كما تقدم معنا – من الحكم ووجوده لا عن العلة من الحكمة، ولذلك لا تقل لم؟ بل قل بم؟.

ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه بسند حسن عن أبي رزين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ضحك ربنا عند قنوط عباده وقرب غِيَرِه (¬1) ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب فقال أبو رزين: أوَ يضحك ربنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال: لن نعدم من رب يضحك خيراً] ، فسأل أبو رزين هنا عن ثبوت صفة الضحك لا عن الكيفية ومن ضحك الله له لن يحاسبه كما ورد في الحديث، أي من فعل فعلاً أضحك به الرب فلن يحاسبه الله، وهذا الاستواء كما يليق بربنا. مبحث العرش والكرسي (هما مبحثان مستقلان لكن ندخلهما في هذه الآيات) العرش في اللغة: سرير المَلِك، والمراد كرسي عظيم مرصع بالجواهر والأحجار الكريمة كحال الملوك القدماء. ¬

_ (¬1) أي وقرب غير القنوط وتغير الحال، وقنوط العباد كان بسبب القحط والبلاء وهنا، أي قرب تغير الحال من العسر إلى اليسر.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن ثلاث عروش: عرشين لمخلوقين وعرش له سبحانه وتعالى استوى عليه: أحد عرشي المخلوقين عرش ملكة سبأ (¬1) وهو عرش بلقيس: ( ... وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم) والثاني عرش نبي الله يوسف ( ... ورفع أبويه على العرش) والله جل وعلا استوى على هذا العرش بكيفية يعلمها ولا نعلمها. ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال [سمي العرش عرشاً لارتفاعه] ، والله يشير لهذا المعنى في كتابه يقول: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) أي مرتفعة (وغير معروشات) أي منبسطة ليس لها ساق تقوم عليه وذكر العرش معلوم في أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، قال أمية بن أبي الصلت (جاهلية) : مجدوا الله فهو للمجد أهل ... ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الناس ... وسوى فوق السماء سريرا شرْجَعَنْ (¬2) لا يناله ناظر العين ... ترى دونه الملائكة صورا (¬3) ¬

_ (¬1) [ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة] ، وقد حكي أن رجلا ً من أهل اليمن افتخر في مجلس عبد الملك ابن مروان، فقال عبد الملك: من يرد على هذا المفاخر؟ فقام بعض الحاضرين وقال: أيها الملك، ماذا تقول في قوم ملكتهم امرأة، ودل عليهم هدهد وغرقتهم فأرة وهم ما بين حائك برود ودابغ جلد وسائس قرد وكل بلدة فيها نقائص والمؤمن لا يوصف لوجوده في مكان من الأمكنة وألفاظ العموم لا يدخل فيها الأخيار كما قال أئمتنا، أهل الشام أذل الناس وأطوعهم في معصية الله وأهل مصر أظرفهم صغيراً وأحمقهم كبيراً وأهل العراق أسرع الناس في فتنة وأعجزهم عنها، وكل مصر وبلد له وصفه لكن يتنزه عنه الأبرار. (¬2) أي بناءاً عالياً مرتفعاً. (¬3) جمع أصْور أي: مائل الرقبة، والمراد أن الملائكة مائلة العنق من خشيتها وتذللها.

وقال عبد الله بن رواحة (قال الإمام ابن عبيد ابن عبد البر في الاستيعاب وهذه القصة ثابتة رُويناها من أوجه صحيحة مشهورة) ، وذلك أنه عندما جاءته سٌرِّيته وواقعها على فراش زوجته، فعلمت زوجته بالأمر فاعتراها شيء من الغيرة، فقالت في حجرتي وعلى فراشي، فقال: ما فعلت شيئاً؟ أي لم أفعل شيئاً حراماً، فقالت اقرأ القرآن إن كنت صادقاً لأن الجنب لا يقرأ القرآن، فقال: عبد الله رضي الله عنه: شهدت بأن الله حق ... وأن النار مثوى الكافرين وأن العرش فوق الماء طافٍ ... وفوق العرش رب العالمين وتحمله ملائكة كرام ... ملائكة الإله مسوِّمين (¬1) وقال أيضاً: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق معروف من الفجر ساطعا وبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استقلت بالمشركين المضاجع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع فقالت زوجته: آمنت بالله وكذبت بصري والكلام أو سع من أن يكذب ظريف كما قال أئمتنا، فإذا اضطررت للكذب فلا تكذب بل استعمل التورية (¬2) كما كان إبراهيم انخعي يعمل حيث كان يطلب من ابنه أن يقول لمن يطرق بابه في وقت لا يريد فيه مقابلة أحد، يا بني قل لهم إن إبراهيم ليس هنا، أي ليس موجود في المكان الذي يتكلم فيه أي يشير إلى مكان ليس فيه والده إبراهيم موجوداً فيه، والسامع يظن أن إبراهيم ليس في البيت والدار، وولده صادق، وهو لو قال لهم مشغول فقد يلحون عليه بطلب الدخول أو قد يتضايقون من هذا الجواب (أي لو قال لهم مشغول) فيصرفهم بالتي هي أحسن. ¬

_ (¬1) ويصح مسِوَّمين، كما ورد في سورة آل عمران (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين) وقرئت مسوَّمين، وهما قراءتان متواترتان عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ومعنى مسوَّمين: معلِّمين، ومعنى مسوَّمين معلَّمين أي عليهم علامة يتميزون بها. (¬2) وهي أن تسمع السامع شيئاً وأنت تعتقد في نفسك حقاً غيره.

.. وصفة الاستواء على العرش نقول فيها ما نقول في سائر الصفات فالاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، وتقدم معنا أن إيماننا بصفات ربنا إقرار وإمرار (ليس كمثله شيء) إمرار (وهو السميع البصير) إقرار فنقر بالصفة دون البحث في كنها وكيفيتها وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك. والعجز عن درك الإدراك إدارك ... والبحث في كنه ذات الإله إشراك والصفات تختلف باختلاف الموصوفات، فلكل موصوف معنىً يناسبه من تلك الصفة على حسب ذاته، فمثلاً اليد تختلف فينا بني الإنسان عنها في الكلاب عنها في الأبواب فمن بابٍ أولى أن تختلف يد الخلاق جل وعلا.

وعرش الرحمن فوق المخلوقات كلها، ولا يوجد فوقه شيء مخلوق لا يوجد إلا الخالق جل وعلا، فالمخلوقات كلها تحت العرش ولذلك يُقال "العالم من عرشه إلى فرشه مخلوق" أو من علوه إلى سفله وهو الأرض السابعة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [والله فوق العرش يعلم ما أنتم عليه] ، والعرش هو أكبر المخلوقات تحمله ثمانية من الملائكة، كما أخبرنا الله عن ذلك في كتابه (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) وهؤلاء الثمانية يتجاوبون بصوت رقيق رخيم فأربعة منهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك ويجيبهم الأربعة الآخرون سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، هذا هو تسبيح حملة العرش، وهذا ثبت بإسناد صحيح عن حسان بن عطية وله حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى هذا: الله سبحانه وتعالى يعلم ما نعمل، ولولا حلمه لما ترك على الأرض من دابة، وهو قدير على عقوبتنا فلولا عفوه لأهلكنا، وثبت في تفسير ابن جرير أن الله خلق حملة العرش قالوا ربنا لم خلقتنا؟، قال: لتحملوا عرشي، قالوا: ومن يقوى عليه وعليه جلالك ووقارك وأنت رب العالمين؟ فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالوا هذه الكلمة وبها أطاقوا حمل العرش، وقد قال أئمتنا هذه الكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) لها تأثير عجيب وخاصية مجربة بأن من قالها ذلل الله له الصعاب وفرج عنه الكروب وأعانه على الشدائد ومعنى هذه الكلمة لا تحول من حالٍ إلى حال من معصية إلى طاعة ومن ضعف إلى قوة ومن فقر إلى غنىً ... ولا تحصل قوة إلا بالله جل وعلا. وأما الكرسي: ... فهو دون العرش أي أنزل منه وأصغر، والعرش أكبر المخلوقات وأولها وهو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى,

.. وقد ثبت تفسير الكرسي بذلك في مستدرك الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين وكتاب التوحيد لابن خزيمة والأسماء والصفات للبيهقي وتفسير ابن جرير، والأثر رواه الإمام الخطيب في تاريخ بغداد والطبراني في معجمه الكبير بسند صحيح عن ابن عباس أنه قال: [الكرسي موضع القدمين والعرش لا يعلم قدره إلا الله] . ... قال الله في وصف الكرسي (وسع كرسيه السموات والأرض) فهذا الكرسي يسع السموات والأرض وهو أعظم منها. ... والكرسي ذكر في موضعين فقط في القرآن: 1) آية الكرسي من سورة البقرة (وسع كرسيه السموات والأرض) . 2) في سورة ص (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب) ، فالكرسي الأول له جل وعلا، والثاني في سورة ص والكرسي واحد الكراسي وهو معروف كما قال علماء اللغة. وهذا التفسير – الأول – الذي نقل عن ابن عباس، ثبت أيضاً عن أبي موسى الأشعري في تفسير ابن جرير والأسماء والصفات للبيهقي، وفي تفسير ابن المنذر بإسناد صحيح قاله الحافظ في الفتح (8/199) وثبت في تاريخ بغداد عن أبي ذر مرفوعاً وموقوفاً، والموقوف أثبت وله حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مما لا يدرك بالرأي. ... وهذا هو المعتمد عند أهل الحق أن الكرسي هو موضع قدمي الرب، وهناك أربعة أقوال باطلة في تفسير الكرسي احذروها وكونوا على علم بها: أولها: - وهو أرذلها – نُقل عن الزمخشري المعتزلي، وهو من شر ما قاله في صفات الله – يقول "الكرسي: تخييل حسي " أي لا يوجد هناك كرسي لا صغير ولا كبير، لكن الله أراد أن يظهر لنا عظمته ويقرب لنا شأنه فذكر هذا الأمر لذلك يعني المراد من الآية: لو كان له كرسي لوسع السموات والأرض، لكنه لا يوجد، ومعنى قول الزمخشري (حسي) أي أتى بتعبير محسوس ليقرب المراد.

.. وهذا التفسير الذي ابتدعه الزمخشري هنا في الكرسي عول عليه في كثير من آيات الصفات في الكشاف فانظر مثلاً تفسير قول الله تعالى في سورة الزمر (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله يقبض الأرضين بشماله ويطوي السموات بيمينه، ويقول أنا الملك أين ملكوم الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟] . ... فالزمخشري يستعمل هذا الأسلوب أيضاً في نفي صفة اليمين والشمال والقبض والطي، فيقول هو في هذه الآية: هذا تخييل حسي فالله يريد أن يخيل لنا عظمته فجاء بهذا المثال الحسي الذي فيه كأن السموات بيمينه وكأن الأرض بشماله وليس له لا طي ولا قبض وليس له يمين ولا شمال، وهذا كما قلت لكم من أشنع ما قيل في صفات الله سبحانه وتعالى لأن مؤداه أن الله يكذب علينا، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ثانيهما: الكرسي بمعنى العرش فهما سواء، ونقل هذا عن الحسن البصري، وروي هذا عنه من طريق جويبر عن الضحاك، وهذا الأثر لا يثبت عن الحسن البصري (¬1) ، لأنه فيه علة وهي: ضعف الأسناد فجويبر تالف. ... قال الإمام ابن كثير والإمام البيهقي في الأسماء والصفات، والصحيح عن الحسن وغيره من السلف أن العرش غير الكرسي. ثالثهما: قيل الكرسي بمعنى العلم، (وسع كرسيه السموات والأرض) أي علمه، نقل عن ابن عباس رضي الله عنه بإسناد – قال عنه ابن كثير والبيهقي في الأسماء والصفات وأبو منصور الأزهري في تهذيب اللغة إنه شاذ أي هذا الإسناد شاذ والرواية المحفوظة عنه الثابتة أن الكرسي موضع القدم. ¬

_ (¬1) حكى الشيخ الفوزان هذا القول عن الحسن في كتابه شرح العقيدة الواسطية، ولم يتعقب القول، وهو قول غير صحيح كما بينا؟؟؟

.. وهذا التفسير رده الإمام ابن جرير في أول الأمر وقال: "إن الرواية الثابتة عن ابن عباس في تفسير الكرسي وهو موضع القدمين، هي المعتمدة" ثم انتكس الإمام ابن جرير عليه رحمة الله في تفسيره عند آية الكرسي فنقل هذه الرواية الشاذة وقال هي المعتمدة في تفسير الكرسي، فبعد أن قرر أن القول الأول هو المعتمد نقضه وقال القول الثاني هو المعتمد وهذا عجيب من مثل الإمام ابن جرير، وقد قرر الإمام ابن جرير هذا القول الشاذ بقوله تعالى حكاية من الملائكة (ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً) ، وهذا الاستدلال في الحقيقة لا يتناسب مع حذق الإمام ابن جرير وفهمه لأنه يلزم على قوله أن يفسر الكرسي بالرحمة كما فسر بالعلم، لأن ذكرت الآيتين، ثم إنه لا مناسبة بين الكرسي والعلم، لأن الكرسي واحد الكراسي وهو معروف، والعلم معروف فلا مناسبة بينهما ولو صح تفسير الشيء بما لا يدل عليه في لغة العرب لصح أن نفسر بعد ذلك الأحكام الشرعية كما نريد (¬1) وهذا التفسير تبناه محمد عبده في هذا العصر وعليه جمهور المؤولة. رابعهما: تبناه الرازي في تفسيره فقال: لا يصح تفسير الكرسي بالعرش ولا تفسيره بالعلم فقد دلت الآثار على أنه جسم عظيم أعظم من السموات والأرض – وهذا كله حق مقبول لكن انظر بعد ذلك للانتكاس يقول: لكن الرواية الثابتة عن ابن عباس موهمة مشكلة فيجب أن نقف نحوها موقفين: ¬

_ (¬1) فالله جل وعلا يقول: (كتب عليكم الصيام) فيأتي الباطنية ويفسرون اللفظ بما لا يدل عليه فيقولون: الصيام هو حفظ سر الشيخ فهذا هو معنى الصيام عند الدرزية والنصيرية، وعندهم – الباطنية – الحج هو زيارة الشيخ، ويقولون في الآية: (حرمت عليكم أمهاتكم) المقصود (بأمهاتكم) عندهم: مراتب شيوخهم، فلا تتمنوا رتبة الشيخ، أما أمك فلا حرج عليك في وطئها – وهذا كله عندهم – وكذلك لا حرج في وطء أختك أو بنتك!! فهذا كله يشبه تفسير الكرسي بالعلم لأنه من قبيل تفسير اللفظ بما لا يدل عليه.

الموقف الأول: أن نردها، لأنها توهم التشبيه. الموقف الثاني: وإذا قبلناها فلابد من تأويلها (¬1) ، وقال: موضع القدمين أي موضع قدمي الروح الأعظم الذي هو جبريل أو موضع قدمي ملك آخر غيره (¬2) وهذا تأويل باطل يجب طرحه. ... والأقوال الثلاثة قبله باطلة أيضاً والمعتمد هو قول ابن عباس وأبي موسى الأشعري وأبي ذر، وتقدم ذكره وقد ورد أن الكرسي بجانب العرش كحلقة في فلاة والسموات السبع والأراضين السبع بجانب الكرسي كحلقة في فلاة. 2- وأما السنة: ... تواترت الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الله فوق عرشه على سمواته بائن من خلقه سبحانه وتعالى، وهذه الأحاديث المتواترة لن أفيض فيها إنما سأذكر ثلاثة منها: ¬

_ (¬1) وهذا حال المبتدعة يتذبذبون بين أمرين إما أن يرد النص وإما أن يؤوله، والتأويل أخو الرد، وهذا كالحديث الصحيح [لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتى يضع الجبار عليها قدمه (وفي رواية رجله) فينزوى بعضها إلى بعض، فتقول قط قط] يقول المبتدعة: القدم هنا معناها أي قوم قدمهم للنار، [ورجله] هذا مأخوذ من رجل الجراد وهو الجماعة والمعنى حتى يضع عليها جماعة مثل جماعة الجراد، يلقيهم فيها فتمتلئ وتقول [قط قط] ، سبحان الله هل هذا هو معنى الرجل ومعنى القدم؟ هلا قلتم إقرار وإمرار، ولا داعي بعد ذلك للتلاعب وكل يؤول على مزاجه. (¬2) وقد وصل الشطط بالرازي في تفسيره سورة الفجر آية (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) قال هذه الآية موهمة لابد من تأويلها ذكر ستة أوجه في تأويلها أحد الأوجه يقول (وجاء ربك) أي الملك الذي كان يربيك يا محمد وهو أعظم الملائكة فهذا سيأتي يوم القيامة ويأتي معه الملائكة صفاً صفاً!!!

أولها: الأحاديث بمجموعها متواترة، لكن هذا الحديث متواتر بنفسه، قال الإمام الذهبي في كتابه (العلو للعلي الغفار) صـ16: من الأحاديث المتواترة في علو الله وفوقيته حديث معاوية بن الحكم السُّلمي، وحديثه ثابت في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي – وهو حديث متواتر – وخلاصة الحديث: يقول معاوية رضي الله عنه [كانت لي جارية ترعى غنماً لي فجاءت في يوم من الأيام وقد أخذ الذئب شاة منها، يقول: وأنا امرؤ من بني آدم (¬1) – آسف كما يأسفون فحزنت على هذه الشاة، وصككت الأمة ثم ندمت فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالقصة وقلت له: ألا أعتقها، (وفي رواية: إن عليّ كفارة ألا أعتقها؟) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ادعها لي، فجاءت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ فقالت في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: رسول الله، فقال اعتقها فإنها مؤمنة] . قال الذهبي والحديث فيه أمران: 1- جواز السؤال عن الله بأين (¬2) ، فهو شرعي سأل بهذا نبينا صلى الله عليه وسلم. 2- والجواب عن هذا السؤال، أن الله في السماء كما تواترت الأحاديث بذلك. ولفظ السماء تقدم معناها إن كان المراد العلو فـ (في) ظرفية على حقيقتها أي في العلو، وإن كان المراد من السماء الأجرام السبعة فـ (في) بمعنى على أي على السماء وهذا الحديث فيه رد على المؤولة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن سلطانه وقهره جل جلاله فلم يقل أين سلطان الله؟. ¬

_ (¬1) يريد بهذا أن يذكر عذره في عمله الذي فعله بالأمة، أي أنا امرؤ من بني آدم آسف كما يأسفون وأحزن كما يحزنون. (¬2) إذن هو جائز ومن قال لا فقد رد فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والمبتدعة يقولون لا يجوز أن تقول: أين الله؟ ومن باب الأولى لا يجوز أن تجيب عليه!!!.

ثانيها: حديث نزول ربنا الجليل وهو حديث قال عنه الإمام الذهبي: هو حديث متواتر أقطع بذلك وأُسأل أمام الله، وقد رواه الشيخان البخاري ومسلم – وأبو داود والترمذي وابن ماجه ورواه الإمام أحمد ومالك في الموطأ الدارمي وغيرهم من أئمة الحديث ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له] . فربنا يتصف بأنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولفظ النزول في اللغة لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل، فهو ينزل بكيفية تليق بجلاله من غير تشبيه ولا تعطيل ولا يلزم من نزوله أن تكون السموات فوقه، فهو في حال نزوله مستو ٍ على عرشه، ولا تقل كيف؟ فهذا السؤال ارفعه ولا تسأل به، هذا ولله المثل الأعلى – كالإنسان عندما ينام لا يسمع ولا يجيب مع أن روحه فيه فمع أن روحه معه إلا أنه كمن رفعت روحه. ثالثها: حديث رواه الإمام الترمذي وحسنه، وابن خزيمة في كتاب التوحيد والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمران بن حصين رضي الله عنه: [أن والده حصين لما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله: إنك أشأم رجل على قومه فرقت جماعتنا وعبت آلهتنا وسفهت أحلامنا وكفرت من مضى من آبائنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا حصين اجلس، فجلس، فقال له: كم إلهاً تعبد؟ فقال له: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء (¬1) ، فقال: من الذي تُعدُّه لرغبتك ورهبتك؟ فقال: الذي في السماء، فقال: اترك الستة واعبد الذي في السماء وأنا أعلمك كلمتين إذا أسلمت، فأسلم فعلمه أن يقول: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي] . فكرروا هذا الدعاء إخوتي الكرام. 3- وأما الإجماع الصحيح: ¬

_ (¬1) انظر هذا جواب حصين أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنبهوا.

.. والإجماع على هذه المسألة ليس في هذه الأمة بل هو إجماع بين المِليين أي الموحدين منذ آدم إلى يوم القيامة، أجمعوا على هذا وأن الله على عرشه فوق سماواته. ... قال الشيخ عبد القادر الجيلاني – كما في الذيل على طبقات الحنابلة – (1/296) : "العلو لله جل وعلا مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل" أي ذكر الله جل وعلا هذا في الكتب المنزلة على الرسل التي أرسلهم عليهم الصلاة والسلام، فهو متفق عليه في الكتب، كل رسول يشير بهذا إلى قومه. ... وثبت عن الإمام الأوزاعي أنه كان يقول: "كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه على سمواته بائن من خلقه" أي منفصل عن خلقه ليس حالاً فيهم ولا حالون فيه. ... ولذلك قيل للإمام أبي حنيفة: ما تقول فيمن لم يعرف أين الله؟ فقال: إنه كافر، فقيل له: ما تقول فيمن قال إن الله على العرش لكن لا أعلم أين العرش؟ فقال: هو كافر. ... وقال الإمام ابن خزيمة في كتابه التوحيد: من أنكر العلو يستتاب – فإن تاب وإلا ضربت رقبته، ثم لا يدفن في مقابر المسلمين ولا اليهود ولا النصارى. 4- وأما العقل الصريح: ... وقد دل على علو الله سبحانه وتعالى على مخلوقاته، على مرحلتين وبخطوتين: المرحلة الأولي: العقل يقول ويقرر "كل موجودين لابد لهما إما من الاتصال أو الانفصال، واتصال الخالق بالمخلوقات أو المخلوقات بالخالق وامتزاج أحد الموجودين بالآخر مستحيل لأنه يؤدي إلى جعل المخلوق عين الخالق وجعل الخالق مخلوقاً، ويؤدي إلى القول بالحلول ووحدة الوجود وأن كل شيء هو الله. فإذا انتفى الاتصال ثبت الانفصال، وأفضل كلمة قالها أئمتنا في التوحيد ما قاله الإمام الجنيد: "إفراد الحادث عن القديم" أي تمييز الحادث المخلوق عن القديم الخالق، فكلاهما منفصل عن الآخر ولا يحل واحد منهما في الآخر.

المرحلة الثانية: إذا ثبت انفصال الرب عن مخلوقاته، فإما أن يكون فوقهم أو تحتهم، أما التحتية فمستحيلة لأنها صفة ذم ونقص وهي مأوى القاذورات، ويتنزه الله عن ذلك فثبتت له الفوقية ولذلك لو لم يرد نص شرعي ولو لم يأت رسول للبشر يخبرهم بأن الله جل وعلا فوقهم لجزم العقل بعلو الله وفوقيته على عباده، ولذلك من يقول خلاف هذا فهو ضال بلا شك. وقد وجدت شبهتان في هذا الدليل لعلماء الكلام: الشبهة الأولي: تولاها الجهمية أن الله في كل مكان أي بذاته (لا بعلمه فهذا موضع اتفاق) أي أن الله بذاته في كل مكان في البيوت وفي المساجد وفي الأسواق وفي المزابل وفي الحمامات - تعالى الله عما يقولون – ولذلك كان يقول غلاة الجهيمة من الصوفية: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ... وما الله إلا راهب في كنيسة فالكلب والخنزير والراهب وكل شيء إله لأن الله في كل مكان – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – فكفر هؤلاء أشنع من كفر اليهود والنصارى لأن اليهود قصروا الحلول في عزير، وأما النصارى فقصروا الحلول في عيسى وأمه، وأما هؤلاء فقالوا إنه حل في كل نقيصة وقذر. الشبهة الثانية: بعض علماء الكلام لا يجوز أن تقول أين الله؟ يقول: لأن الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال لا أمام ولا وراء، لا داخل العالم ولا خارج العالم، نقول له: يا مسكين أنت بهذا لم تثبت الحي القيوم بل جعلته موهوماً معدوماً، ولذلك لما تناظر أبو بكر ابن فورك في مجلس محمود بن سُبُكْتَكِين وهو من الأمراء الصالحين، تناظر هذا المؤول أي بن فورك مع بعض أهل السنة فقال: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا وراء ولا داخل العالم ولا خارجه، فقال هذا السني للأمير: ايها الأمير اطلب إلهاً غير إلهك، فهؤلاء قد ضيعوا إلهك. إذن فقولهم بفضي إلى أن نجعل الله عدماً، فجعلوا العلي الأعلى الذي كرسيه أعظم من السموات والأرض جعلوه معدوماً صرفاً وموهوماً محضاً، فانتبهوا لهذا!!!.

كلا الشبهتين باطلتان. ... ولذلك عندما جلس أبو المعالي أمام الحرمين – غفر الله له ورحمه وقد رجع عن هوسه – يقرر نفي علو الله على مخلوقاته فقال كان الله ولا مكان ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان، فقام الإمام الهمذاني وقال: يا إمام دعنا من العرش والزمان والمكان دعنا من هذه الأمور وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في أنفسنا ما قال أحد يا رب إلا وطلب المعونة ممن فوقه فبماذا نؤول هذا الشعور الذي في داخل نفوسنا؟ فلطم إمام الحرمين رأسه وقال حيرني الهمذاني، فرجع إمام الحرمين عن قوله. 5- وأما الفطرة المستقيمة: وتقدم معنا أن الأدلة على الفطرة قسمان: أ) سلفي شرعي، والسلفي الشرعي قسمان 1. نصوص الكتاب والسنة. 2. الفطرة المستقيمة. ب) وخلفي بدعي وهو قسمان: 1) عقل متكلف فيه متعمق. 2) كشف خيال. فالفطرة السوية تقرر علو رب البرية، ووجه ذلك: أنه لا يلجأ أحد إلى الله إلا واتجه إلى فوق، فهذا مركوز في أذهان وقلوب نساء البادية فضلاً عن غيرهن، فهذه فطرة ولذلك عندما ندعو نمد أيدينا إلى فوق أو إلى الوراء أو إلى أسفل إلى العلو إلى فوق، وعندما نسجد نقول سبح

مقدمة التفسير وتفسير

مقدمة التفسير (1) (دروس تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان مقدمة التفسير (1) نحمد الله ونستعينه ونستهديه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدى الله فهو المهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمدكله ولك الملك كله وإليك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله انت رب الطيبين وأشهد ألاّإله إلاّ الله وحده لا شريك ولىّ الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {وما من دآبة فى الأرض إلاّ على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌُ فى كتاب مبين} . {يا أيها اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلاّ هو فأنا تؤفكون} . وأشهد أن نبينامحمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين وشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وأذاناًصماً وقلوباً غلفاً، فجزاهُ الله عنا أفضل ما جزى به نبىٌ عن أمته ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعن من تبعهم بإحسان الى يوم الدين. {ياأيها الناس أتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحده وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أمابعد: معشرالإخوة الكرام.. حديثنا ومدارستنا فى مثل هذا اليوم من أيام هذه السنة المباركة إن شاء الله ستكون مدارستنا ويكون حديثنا فى تفسير كلام ربنا جلّ وعلا ويحسن بنا بل يجب علينا قبل الشروع فى تفسير كلا م الله جلّ وعلا أن نتحدث عن أمرين اثنين. الأمر الأول: حول منزلة كلام الرحمن جلّ وعلا وأثره فى بنى الإنسان.

والأمر الثانى: حول الطريقة القويمة فى تفسير الآيات المحكمات. فلابد من التنبه على هذين الأمرين لنعلم منزلة هذا الكلام الذى سنتدارس تفسيره إن شاء الله ولنعرف الطريقة المثلى السديدة السليمة فى تفسيره. إخوتى الكرام: تأمل حال الناس فى هذه الأيام لا يرتاب أنهم فى جاهلية كالجاهلية التى كان الناس فيها قبل مبعث خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، وإذا كان الله جلّ وعلا قد نكس الناس قبل مبعث نبينا عليه الصلاة والسلام إلاّ بقايا من أهل الكتاب كالذين كانوا يلتزمون بالدين الحق الذى كان عليه نبى الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فإن الحال فى هذه الأيام كذاك فالله قد نكس الناس عربهم وعجمهم إلاّ من تمسك بملة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بالدين الحق وهم الغرباء فى هذا الوقت وقليل ما هم. ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم عن عياض بن عمار النجاشعى رضى الله عنه، قال: قام فينا نبى الله صلى الله عليه وسلم خطيباً ذات يوم، فقال: (إن الله أمرنى أن أعلمكم ما جهلتم فى يومى هذا) ، أى أمرنى أن أعلمكم من يومى هذا ما جهلتم وما تجهلونه كل مال أحدثه عبداً فهو حلال، أى قال الله تعالى: كل مال أحدثه عبداً فهو حلال، وإنى خلقت عبادى حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرموا عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم أنزل به سلطاناً، وإن الله نظر الى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، والمقت: هو أشد أنواع الغضب والسخط {ياأيها الذين أمنوا لما تقولون ما لاتفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون الى الإيمان فتكفرون} . [وإن الله نظر الى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا يقايا من أهل الكتاب، وقال الله: إنما بعثتك لأبتليك وأبلى بك وأنزلت عليك كتاباً لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظاناً] .

هذا كان حال الناس فى الجاهلية قبل مبعث خير البرية عليه الصلاة والسلام، جاهليةٍ يعيشونها من أجل ذلك مقتهم الله جل وعلا كانوا فى الجاهلية هم يلهثون وراء الدنيا فهى غايتهم وهى مطلبهم، وكانوا يتدينون تديناً معوجاً كما هو حال الناس فى هذه الأيام تماماً والدنيا هى الغاية الأولى والأخيرة فى حياة الناس إلا من رحم ربك ثم يتدينون بعد ذلك تديناً معوجاً، فهذا القرآن الكريم الذى أنزله الله علينا وأكرمنا به صار حال الناس نحوه، أنهم يذكرونه ويتغنون به فى الحفلات والمواسم الرسمية، وأعرضوا بعد ذلك عن تحكيمه فى جميع شئون حياتهم. وبلغ الإنحطاط فى بعض بلاد عدة أنهم عرضوا على مسألة يندى لها جبين المسلم حقيقة وهى، هل تستفتح الحفلات بالأناشيد الوطنية أو بالقرآن العظيم بكلام ربى الكريم،؟ وهل إذا بدأنا حفلنا بالأناشيد الوطنية وعلى تعبيرهم الأناشيد الرسمية؟ نقول فى هذا إساءة أدب مع القرآن العظيم، قلت له: ياأخى الكريم الى هذا الحد وصل بنا الإنحطاط، الأمران مستويان فى الشناعة والفسق والفساد.... إذا بدأتم حفلة بالأناشيد الوطنية فقد أخبرتم عن حقيقة أنفسكم وأنكم تقمون الجاهلية على كتاب ربكم، وإذا بدأتم بكتاب الله جل وعلا فالبلية لا تنقص أبداً لأنكم بعد أن تقرأوا شيئا من القرآن تنسخونه بجاهلية الشيطان، وقد صدق الله جل وعلا إذ يقول: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} . إخوتى الكرام: حالة الجاهلية التى كان عليها الناس قبل مبعث خير البرية عليه الصلاة والسلام هى حال الناس فى هذه الأيام إلا من رحم ربك، جرىٌ ورآء الشهوات ثم تدين معوج لا يرضاه الله جل وعلا وما أنزل به من سلطان. إخوتى الكرام: لا يقبل الله من العمل إلا ما كان صالحا.

والوجه الخامس: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} كان الجاهلية المشركون فى جاهليتهم إذا حجوا يقولون "لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك ملكته وما ملك" وحال الناس فى هذه الأيام بل كما قلت لكم حال بعض طلبة العلم، هل نبدأ بالأناشيد الوطنية أو نبدأ بكلام ربنا القويم؟ لا يختلف الأمر عن شعارات الجاهلية "لبيك لاشريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك " لكن هناك كانت التلبية لهبل أو لللات أو للعزى، وإن صارت التلبية للوطن {فماذا بعد الحق إلا الضلال. وأن هذا صراطاً مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} . إخوتى الكرام: وما من شك عند بنى الإنسان أن حياة الجاهلية تغيرت بمبعث خير البرية عليه الصلاة والسلام، والذى غير تلك الحياة الآثمة الخبيثة الضآلة التائهة الضائعة، كلام الله جل وعلا الذى أنزله على عبده ونبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فماذا فى كلام الله جل وعلا من الأمور؟ وما الأمور التى صاحبت كلام الله جل وعلا حتى صار لمن أخذ به ذلك الأثر، فخرجوا من الجاهلية الى الهدى ومن الضلال الى الرشد. إخوتى الكرام: إن تشريع الله وكتاب الله وكلام الله وهذا القرآن المجيد الذى أنزله على نبينا عليه الصلاة والسلام صاحبه أربعة أمور لا يوجد واحد منها فى تشريع ولا فى نظام ولا فى قانون هذه الأمور الأربعة. أولها: علم تام واسع محيط، كيف لا وقائله ومنزله هو العليم بكل شىء سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا فى سورة الفرقان: {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا. وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا. قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما} .

فهذا الكلام المتكلم به عليم بكل شىء محيط بكل شىء فى هذا الكلام تبيان للكل شىء {لكن الله يشهد بما أنزل أليك أنزله بعلمه واللائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا} ، يقول الله جل وعلا فى أول سورة غافر: {حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم} فهذا الكتاب صاحبه علم تام محيط بكل شىء، فهو كلام العليم بكل شىء سبحانه وتعالى، العلم بالرحمن جل جلاله، هو الثياب فى جهلانه يتغمغم. لاللـ وللعلوم وإنما يسعى ليعلم أنه لايعلم سبحان ربى العظيم، هذا تشريع العليم، هذا تشريع الخبير وما عداه تشريع الجاهلين الذين أخبر الله عن شأنهم {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} ، فهذا الأمر الأول الذى الذى صاحب القرآن العظيم. والأمر الثانى: صاحب القرآن العظيم حكمته التامة، فذلك العلم الكامل التام وضع فى مواضعه، والحكمة هى وضع الأمور فى مواضعها يقول ربنا جل وعلا فى أول سورة هود: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} ، {كتاب أحكمت آياته} فلا تناقض ولا إضطراب ولاخلل فيها ولا فيما بينها {أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} ، ويقول الله جل وعلا فى أول سورة لقمان: {الم. تلك آيات الكتاب الحكيم. هدى ورحمة للمحسنين} ، {تلك آيات الكتاب الحكيم} ، الحكيم: المحكم المتقن فى لفظه وفى معناه وضعوا الأمور فى مواضعها {ومن أحسن من الله قولا لقوم يقنون} ، هو الحكيم لأنه إشتمل على الحكمة، هو الحكيم: لأنه يحكم بين الناس ويبين الأمور على وجه التمام والسداد، {تلك آيات الكتاب الحكيم} .

والأمر الثالث: الذى صاحب القرآن المجيد: فيه رحمة واسعة للعباد، فهذا تشريع من هو بعباده رؤوف رحيم وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها، وهو أرحم بهم من أنفسهم {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} كما قال الله جل وعلا فى سورة الأعراف: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون} ، وقال الله جل وعلا فى سورة العنكبوت: {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين. أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} . فهذا القرآن من رحمات الله بهذه الأمة بل هو من أعظم رحمة الله جل وعلا فى هذه الأمة إذا أخذت به وإنتفعت به. يقول الله لنبينا عليه الصلاة والسلام فى سورة القصص: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين} فقد ذكر أئمتنا عليهم رحمه الله فى كتب التوحيد أن نعم الله على كثرتها تنقسم الى قسمين إثنين لا ثالث لهما. القسم الأول: نعمة خلق وإيجاد {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون، وسخر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون} هذه النعمة الأولى، نعمة الخلق والإيجاد. القسم الثانى: النعمة الثانية: نعمة الهداية والإرشاد، ونعمة الله على عباده بهدايتهم وإرشادهم للتى هى أقوم، أعظم بكثير من نعمته عليهم من خلقهم وإيجادهم، لأن غاية ما يقدر عند عدم النعمة الأولى أن الخلق فى العدم، وإذا كانوا فى العدم فلا حساب لاثواب ولا عقاب، وأما إذا لم تحصل النعمة الثانية فالخلق بعد وجودهم فسيتخبطون ويشقون ويضلون {فمن إتبع هداى فلا يضل ولا يشقى، ومن أرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا وتحشره يوم القيامة أعمى} .

ولذلك قال الإمام السخاوى عليه رحمه الله: ومن عظيم منة السلام ولطفه بسائر الأنام أن أرشد الخلق الى الوصول مبينا للحق بالرسول عليه الصلاة والسلام. فهذا من أعظم مننه ومن أكمل وأتم إحسانه وفضله {لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين} . ومن عظيم منة السلام ولطفه بسائر الأنام أن أرشد الخلق الى الوصول ميناً للحق بالرسول عليه الصلاة والسلام. الأمر الرابع: الذى صاحب كلام الله جل وعلا، أن هذا القرآن هو كلام الله، وهذا التشريع مستمد من الله أى من خالق هذا الإنسان، ومن خالق الكون بأجمعه وأسره، وفى ذلك فائدتان عظيمتان. أولاً: إذا كان هذا القرآن هو كلام الله ومستمد ممن خلق الإنسان فهذا العلاج وهذا النور هو الذى يسعد هذا الإنسان {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} . ثانياً: والأمر الثانى يهون على الإنسان أن يأخذ بتشريع الله جل وعلا، وأن يلتزم بكتاب الله جل وعلا وبهديه ونوره، فهو كلام ربه وسيده فلا غضاضة على الإنسان أن يتملل لمولاه ولخالقه، إنما الغضاضة كل الغضاضة والعيب كل العيب أن تأخذ البشرية بشرع البشر، وإنهم ينفسمون عند ذلك الى قسمين، الى أرباب وإلى عبيد، الى عبيد يعبدون الأرباب من البشر {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إله واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} .

فإذا كان هذا القرآن مستمداً من الله جل وعلا وهو كلامه وهو النافع لهذا المخلوق فالله يعلم ما يصلح هذا المخلوق {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} ، ثم بعد ذلك لا غضاضة ولا حرج إذا أخذ المخلوق بشرع خالقه وبهدى ربه وتذلل لمولاه جل وعلا ففى ذلك عز له وسعادة، إنما المنقصة تكون فى حق البشر عندما يعبد بعضهم بعضا ويأله بعضهم بعضا، ولذلك أول ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام صدر سورة العلق يشير الله جل وعلا الى هذا فى أول آية منها حيث يقول {إقرأ باسم ربك} فأنت ستتذلل وتستعين بالله وتتذلل لله، فلا حرج عليك والله سيعينك ويهديك الى الصراط المستقيم {إقرأ بإسم ربك الذى خلق. خلق الإنسان من علق. إقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم} فيقول ربنا فى سورة فصلت: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} . وهذا القرآن من ربنا الرحمن سبحانه وتعالى، وأخبرنا الله جل وعلا أنه يستحيل صدور هذا من غير الله جل وعلا فقال فى سورة يونس: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} . وأخبرنا الله جل وعلا أننا إذا إختلفنا فى شىء فينبغى أن نرد هذا الأمر إليه لنعلم الهدى فيه فقال الله جل وعلا فى سورة الشورى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب. فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} هذه صفات المشرع وهذه صفات الحاكم، وهذه صفات ربنا جل وعلا الذى أنزل هذا القرآن، علم تام، حكمة تامة فى ذلك رحمة للعباد، هذا القرآن مستمد من خالقنا فهو كلامه سبحانه وتعالى، عباد الله: وقد ترتب على هذه الأمور الأربعة أربعة أمور.

أولها: لما تقدم من الأمور الأربعة كان فى كتاب الله جل وعلا الهدى والنور وإرشاد العباد الى أقوم الأمور، كيف لا وهو منزل من عند العليم بكل شىء، تام الحكمة رحيم بعباده، هو ربهم جل وعلا يعلم ما يصلحهم ففى هذا القرآن الهدى والنور وإرشاد العباد لأقوم الأمور {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم} هو لعقولنا كالشمس لأعيننا، وإذا كانت الأعين لا ترى بنور حسى، ولا تهتدى بنور الشمس، فهكذا عقول البشرية لاتهتدى ولا تصل للرشد والصواب إلا بنور العزيز الوهاب، بهذا القرآن العظيم. وكان هذا القرآن لحياتنا كالماء للسمك فكما أن السمك لا يحيى إلا فى الماء، فهذه البشرية لا تسعد فى هذه الحياة بدون كلام رب الأرض والسماء، يقول الله جل وعلا مخبراً عن هذا فى أول سورة البقرة: {الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} ـــ وفيه نور وفيه إضاء، هدى للمتقين، ويقول الله جل وعلا فى سورة النساء: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا. فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما} .

ولا يشكلن عليك أخى المسلم أن الله جل وعلا خصص هداية القرآن بالمؤمنين المتقين، لا يشكلن عليك هذا على الإطلاق فهداية القرآن هداية عامة تامة كاملة جليلة شاملة، لكن لما لم ينتفع بها إلا المؤمنون المهتدون قصرت الهداية عليهم {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} ، وأما هو نور لكل من يريد أن يهتدى { ... قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا} وخصت هدايته هناك بالمتقين لأجل إنتفاعهم وتجسيد هذه الهداية {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لايؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى أوائك ينادون من مكان بعيد، وصدق الله إذ يقول {إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً. وأما الذين لايؤمنون بالأخرة أعتدنا لهم عذاباً أليما} إذاً ترتب على الأمور الأربعة المتقدمة أنه حصل فى هذا القرآن الهدى والنور وإرشاد العباد لأقوم الأمور. الأمر الثانى: الذى ترتب على الأمور الأربعة المتقدمة لهذا القرآن خير، ومن أقبل عليه حصل عزالدنيا وسعادة الأخرة، وحصل حياة هنيئة مطمئنة فى الدنيا، وما لهم فى الأخرة من نعيم أعظم وأعظم. هذا كتاب فيه خير وبركة يقول الله جل وعلا فى سورة الأنعام: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون، وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون. وهذا كتاب أنزلناه مبارك......} . وهكذا يقول الله جل وعلا فى سورة الأنبياء: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين. الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون. وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} .

ففى المكانين المتقدمين فى سورة الأنعام وفى سورة الأنبياء، قال الله بين الكتابين العظيمين، بين التوراة وبين القرآن، كما يقرن الله كثيراً بين النبيين المباركين الصالحين بين نبيه موسى كليمه ومناجيه وبين نبينا محمد عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه، وذلك لقوة الشبه بين هذين الكتابين وبين هذين النبيين، {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون، وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها..} . وهكذا فى سورة الأنبياء: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين. الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون. وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} فنبى الله موسى عل نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قال: لأعتى أهل الأرض وأطغاهم وأشدهم بغياً وهو فرعون وصبر وصابر وتحمل وجاهد فى الله حق جهاده، وهكذا نبينا عليه الصلاة والسلام حاله مع عتاة قريش كذلك، وهكذا الكتاب الذى نزل على نبى الله موسى على نبيا وعليه صلوات الله وسلامه وهو التوراة فيه تبيان كل شىء {يحكم بالتوراة النبيون الذين أسلموا والذين هادوا والربانيون والأحبار بما إستحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} .، وهكذا القرآن أنزله الله جل وعلا فيه هدى ونور وتبيان لكل شىء، فلقوة الشبه بين هذين النبيين وبين هذين الكتابين يقرن الله بينهما كثيراً {وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} .

يقول الإمام الرازى عليه رحمه الله فى تفسيره عند الآية الأولى المتقدمة فى سورة الأنعام فى الجزء الثالث عشر فى صفحة 80، يقول: جرت سنة الله جل وعلا بين عباده إن من إشتغل بهذا القرآن وخدمه حصل عز الدنيا وسعادة الأخرة ".... ثم يخبرنا هو عن نفسه فيقول: ولقد إشتغلت بكثير من أنواع العلوم العقلية والنقلية، فما حصل لى بسبب شىء من العلوم من السعادات الدنيوية كما حصل لى بسبب خدمتى لهذا القرآن ... وأنا أقول معلقاً على كلامه: والله إن الرازى غفر الله له ورحمه لو لم يعد الى رشده ولم يرجع الى كتاب ربه لما كان عداده عندنا إلا أنه من الفلاسفة الضآلين، لكنه بعد أن رجع عن ذلك وأقبل على كتاب الله وكلام الله ما حصلت له الشهرة إلا لخدمته القرآن وبتفسيره كلام ذى الجلال والإكرام. وهو الذى يقول عن نفسه فى آخر كتاب ألفه فى أقسام اللذات: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفى عليلاً ولا تروى غليلاً، ولقد رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ فى الإثبات {الرحمن على العرش استوى} {إليه يصعد الكلم الطيب} ، وأقرأ فى المثل {ليس كمثله شىء، هل تعلم له سمياً} ..، ومن جرب مثل تجربتى عرف مثل معرفتى. وقال الإمام الألوسى عليه رحمه الله فى المثال الأول عند قول الله فى سورة الأنعام {وهذا كتاب أنزلنا مبارك....} من تفسيره فى روح المعانى فى الجزء السابع فى صفحة 220 بعد أن نقل كلام الإمام الرازى يقول: وقد شاهدنا ثمرة خدمتنا لكلام ربنا فى هذه الحياة، ونسأل الله ألا يحرمنا سعادة الأخرة،، والإمام الرازى توفى سنة 606 للهجرة والإمام الألوسى توفى سنة 1270 للهجرة عليهم جميعاً رحمه الله.،، إذاً فى هذا الكتاب خير وبركة ومن أخذ به حصل عز الدنيا وسعادة الآخرة،

والأمر الثالث: مترتب على الأمور الأربعة المتقدمة: أن هذا الكتاب هو أحسن الحديث وهو أصدق الحديث فهو منزل من العليم الحكيم الرحيم من ربنا ورب العالمين، فكلامه حق وصدق كما قال جل وعلا فى سورة الزمر: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين. الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} . والأمر الرابع: التى ترتب على الأمور الأربعة المتقدمة: أن هذا القرآن هو حياة الهالم وهو روح الحياة فبدونه لايحيى الناس وبدونه لاتستقر الحياة، كما قال جل وعلا فى آخر سورة الشورى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} ، وقال الله جل وعلا فى سورة الأنعام: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} . فترتب على الأمور على الأمور الأربعة الأولى أن هذا القرآن منزل من العليم الحكيم الرحيم من ربنا رب العالمين وترتب على هذا أن فيه الهدى والنور فيه الخير والبركة، هو أحسن الحديث هو حياة العالم وروح حياتهم، وهذه الأمور الثمانية أيضاً ترتب عليها أمران إثنان فمجموع الأمور عشرة توجد فى كلام الله جل وعلا لايوجد واحد منها فى كلام غيره. الأمر الأول: مكن الأمرين الأخرين أن كلام الله جل وعلا لاشك فيه ولا تناقض، ولا تضارب فيه {ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين} ، ويقول الله جل وعلا فى سورة النساء: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} .

الأمر الثانى: وهو عاشر الأمور أن هذا الكتاب هو المهيمن الرقيب المطلع الشاهد على ما عداه، مما تقدمه ومما يأتى بعده فهو الذى يقر ما فى غيره من حق، ويبطل ما فيها من باطل، وهو السند الرسمى وعليه المعتمد وعليه الإعتماد عند المؤمنين فى بيان الحق والباطل وتقييم الأفكار وتقييم الكتب وتقييم ما كان وما يكون، يقول الله جل وعلا مخبرا عن هذا فى سورة المائدة: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه.......} ، ومهيمنا عليه مطلعاً رقيباً شاهداً يقر ما فيها من حق ويبطل ما فيها من باطل {.... ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} ، ويقول الله جل وعلا فى سورة المائدة: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين.يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} . ويقول الله جل وعلا فى سورة النمل: {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون. وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين. إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم} ، هذه الأمور العشرة التى صاحبت كلام ربنا جل وعلا وكتاب ربنا جل وعلا الذى سنتدارس تفسيره بحول الله وقوته.

إخوتى الكرام: هذه المنزلة لكلام الله بأى شىء قابلها سلفنا، وكيف حصل أثرها فى نفوس سلفنا فإنتقلوا من الجاهلية الى الهدى والنور، ينبغى أن نعرف حال سلفنا لنسلك مسلكهم، وكما قلت فى بداية الكلام: نحن فى جاهلية لانقل على الجاهلية التى كان عليها الناس قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت تلك الجاهلية زالت بهذا القرآن فهذا القرآن الذى أنزله الله على نبينا عليه الصلاة والسلام هو هو لم يتبدل فيه حرف واحد {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} لكن ينبغى أن نعرف موقف سلفنا الكرام الطيبين نحو كلام رب العالمين، لنقف نحو كلام الله كما وقفوا وليحصل فينا الأثر الذى حصل فيهم. إخوتى الكرم: وقف سلفنا الكرام نحو تشريع الرحمن ونحو القرآن الذى أكرمهم به ذو الجلال والإكرام موقفا. الموقف الأول: عولوا على كتاب الله جل وعلا واستقوا من ذلك النبع الصافى دون أن ينسخوه أو يحدقوه بشىء، فكانوا إليه يريدون وعنه يسطرون ويهتدون ببيان نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام {وأنزلنا إليك الذطر لتبين للناس ما نزل إليهم من ربهم ولعلهم يتذكرون} ، فإذاً يريدون الى القرآن ويسطرون عنه ويأخذون الحكم منه، أفكارهم عقائدهم مشاعرهم، تصورهم عن الحياة وعما بعد الحياة نظام حياتهم يدخل ويستمد من كلام خالقهم العليم الحكيم الرحيم الذى هو ربهم ورب كل شىء سبحانه وتعالى، فإذا أخذوا به سيحصل لهم الخير والبركة وعز الدنيا وسعادة الأخرة، فعولوا على هذا القرآن كانوا يتلونه كما سنذكر هذا ونتدارسه إن شاء الله وكانوا يستمعونه وكانوا يتدارسونه ويفهمونه وكانوا يعملون به، تلاء وسماع يحرك لسانه به فيلهج به ولا يفتر، يسمع كلام الله ويعرض عن سماع كلام غيره، يتدارسون فيما بينهم إذا إجتمعوا كلام الله يعملون به بعد ذلك.

أول هذه الأمور: تلاوة كلام العزيز الغفور هذا مطلوب وأنت إذا أن هذا القرآن كلام الرحمن جل وعلا أنزله بعلمه وفيه حكمته وفيه رحمته وهو من ربك، فما ينبغى أن يفتر لسانك منه ووالله لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام ربنا، وهذا أمر ضرورى إخوتى الكرام أن يعيه الناس لاسيما فى هذه الأيام لعل بعض المسلمين الذين يعدون من الأمة الإسلامية وأستغفر الله من قولى لعل أكثر ولعل الكبرة الكافرة من المسلمين فى هذه الأيام شغلهم قراءة الأخبار الكاذبة التى تنشر ها وسائل الكذب والزور وسائل الإعلام وسائل الريب والسفور، والأمة الإسلامية هذا حال أكثرها الجرائد الإذاعات أجهزة بعد ذلك التلفاز أخذت من الناس وقتا كثيرا بل لعل جلّ أوقاتهم سرقت فدى هذا، يقرأ فى اليوم الجريدة والجريدتين، وينظر فى المجلة والمجلتين ولعله يمر عليه عام كامل وما ختم فيه كلام الله جل وعلا، هذا حال الأمة الإسلامية ولم يكن هذا حال السلف، لم يكن هذا خير البرية رسول الله جل وعلا، آمراً المسلمين الذين وحدوا رب العالمين أن يتلوا كتابه وأن يقرأوه وأن يتدارسوه {أتل ما أوحى إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم مكا تصنعون} ، ويقول الله جل وعلا فى آخر سورة النمل: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين، وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين} ، ويقول الله جل وعلا فى سورة فاطر: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور. ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور} .

وهذا القرآن ينبغى أن يتلى وينبغى أن يقرأ، وينبغى أن يتحرك اللسان به لتشتغل جميع الأعضاء به، كلام الله جل وعلا فضله على سائر الكلام كفضل الله على سائر المخلوقات، عكف الناس على غيره فى هذه الأيام كالجاهلية التى كانت ـ، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يخص الصحابة والمسلمين بعده على تلاوة القرآن وقرأته ومدارسته وسماعه وفهمه والعمل به. وفى سنن الترمذى بسند صحيح، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: [من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف] سبحان الله..! نقرأ الم نحصل الثلاثين حسنة، وإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم، يحصل مائة وتسعين حسنة، طيب لو قرأ المجلة من أولها لأخرها هو بين أمرين: إما أن يحصل لعانات وهذا هو الواقع لما يراه من صور وأمور مكذوبة، إما أن يحصل لعانات بعدد حروفها، وإذا سلم من اللعانات فكلام عارض صفر على الشمال {أتستبدلون الذى هو أدنى بالذى هو خير} . ترى حال ألأمة الإسلامية فى هذا الوقت أفضل من بنى إسرائيل، إذا كان بنوا إسرائيل عيرهم ربنا الجليل بأنهم طلبوا البصل والثوم بدلاً من المنّ والسلوى، نحن نطلب الجرائد والمجلات بدل كلام رب الأرض والسماوات، هذا أمر شنيع فظيع ... إخوتى الكرام: هذا الأمر ينبغى أن نعيه، لو كانت الأمة تعظم كلام الله لما وجد من يبيع المجلات والجرائد على قارعات الطريق، لما وجد، لكنهم لما علموا أن الأمة مهمسة، وأن الأمة تائهة ضائعة، وأنها إستبدلت الذى هو أرذل بالذى هو أطيب وجد من يبيع هذه المجلات التى إن سلمت من اللعانات فلا تسلم من الكلام الفجر الذى لا وزن له ولا إعتبار.

كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما فى الإستعاب لإبن عبد البر عليه رحمه الله، والأثر أورده الحافظ بن عبد البر فى كتاب الإستعاب، وأورده الإمام القرطبى فى تفسيره أنظروه فى كتاب الإستعاب فى الجزء الثالث الصفحة 325، وفى كتاب القرطبى فى الجزء الأول صفحة 103. كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى أبى موسى الأشعرى عامله على بلاد البصرة، كان أميراً على البصر من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، وقال " سل من قبلك من الشعراء هل يقولون الشعر، فجمعهم أبو موسى الأشعرى وفيهم لبيد الذى هو أشعر الشعراء وأعظمهم شكما، فقال: هل تقولون الشعر؟ فسكتوا، فقال: يا لبيد هل تقول الشعر؟ قال: كيف أقول شعراً وقد أكرمنى الله بسورة البقرة، عندنا كلام يحطم ما دونه، عندنا كلام الله له حلاوة وعليه طلاوة وأعلاه مثمر وأسفله مغدق، نقول الشعر الذى أعزبه أكذبه، ما كنت لأقول الشعر بعد أن أكرمنى الله بسورة البقرة، ولبيد عندما ذاق طعم الإسلام وهو أشعر الشعراء وأفحم الشعراء ما قال بعد أن أسلم إلا بيتاً واحداً من الشعر. الحمد لله إذ لم يأتنى أجلى ... حتى إكتسيت من الإسلام ثوباً ويروى أنه قال بيتاً أخر: ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القليل الصالح إذاً هذه القضية ينبغى أن نعيها، كلام الله ينبغى أن يتلى بيوتنا ينبغى أن يفشوا فيها هذا الأمر، الرجل إذا صلى الفجر يجلس مع زوجه مع أولاده يقرأون القرآن كا واحد يقرأ ربع أو نصف حزب، على حسب المتيسر بحيث لا يمر الشهر إلا وقد ختم أهل البيت كلام الله ختمة جماعية يتدارسونها بينهم، وهذا على أقل تقدير، وهذا الذى كان حاصلاً فى سلفنا الطيبين، الذين نقلوا أنفسهم من الجاهلية الضآلة الى الهدى الى نور الله الى الإسلام، فلا بد من أن نعى هذا الأمر، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يوضح لهذه الأمة حال الذين يقرأون كلام الله بأمثلة حسية يدركها كل أحد لنكون على بصيرة من أمرنا.

ففى الصحيحين وغيرهما من حديث أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: [مثل المؤمن الذى يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب، (هو طيب القلب لكنه إزداد طيباً عندما طيب هذا الفم وهذه الجارحة وجوارحه بتلاوة كلام الله، كمثل الأترجة: فاكهة تشبه التفاح رائحتها تفوح وطعمها حلو) ومثل المؤمن الذى لا يقرأ القرآن، (لكن أيضاً لا يقرأ الجرائد ولا يستمع الى الإذاعات ولا ينظر الى التلفاز، إنما هو يعمل الصالحات دون قرأة لكلام رب الأرض والسماوات) كمثل التمرة طعمها طيب لكن لا ريحها، (وإذا نظر فى المجلات والجرائد كمثل التمرة إذا صببت عليها خلاً، أو وضعت لها ملحاً فما عادت تؤكل، تحتاج بعد ذلك الى غسل وتطهير) كمثل التمرة لاريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذى يقرأ القرآن (منافق لكنه طيب فمه بكلام الله) كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذى لا يقرأ كمثل الحنظل لاريح لها وطعمها مر] فالمؤمن الذى يقرأ القرآن كالأترجة طمعها طيب وريحها طيب ... أتدرى أخى الكريم: إذا قرأت القرآن من يستع لك؟ يستع ربنا العظيم سبحانه وتعالى، إذا قرأنا القرآن يتمع لنا؟ نعم، والله إن الله يتمع لقارىء القرآن عندما يتلوا كما يستمع العاشق لقينته عندما تغنى، ولكن شتان شتان ما بين السماعين، فألا تحب أن يستمع لك ربنا جل وعلا؟.

ثبت فى سنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لله أشد أذناً الى قارىء القرآن من صاحب القينة الى قينتها] لله أشد أذناً أى إستماعاً وإصغاءا الى قارىء القرآن من صاحب القينة الى قينتها، هذا عندما يستمع لمغنيته يفرح، وهكذا ربنا جل وعلا يفرح بتلاوتك ويثيبك ويستمع إليك، ألا تحب أن يستمع الله لك، وقد حزرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من عدم تلاوة القرآن ومن عدم حفظه فى الجنان، وأخبرنا أن الإنسان إذا خلا من ذلك فقلبه خرب يعشعش فيه الشيطان. ففى سنن الترمذى ومستدرك الحاكم بسند صحيح، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [إن القلب الذى ليس فيه شىء من القرآن كالبيت الخرب] ، قلب خربان فيعشعش فيه الشيطان بعد ذلك ويزين له كل سوء. إخوتى الكرام: هذه النفوس جوالة إما أن تجول حول العرش، وإما أن تجول حول الحش حول ــ، ولا يخلو الإنسان من هذا، والنفس إن لم تشغلها بحق شغلتك بباطل، إن لم تقع فيها كلام الله سيجول الشيطان فيها ويصول، [إن القلب الذى ليس فيه شىء من القرآن كالبيت الخرب] . وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحث الصحابة على حفظ القرآن وتلاوة القرآن ويضرب لهم أمثلة حسية لتحقيق ما يريده، ويبين لهم أن حفظ الآيات أعظم وأحسن وأحق من تحصيل عرض الدنيا ومتاعها.

ففى صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن فى السوق، فقال أيكم يحب أن يغدوا كل يوم الى بطحان أو الى العقيق (والحديث كما قلت إخوتى الكرام فى صحيح مسلم) وهما واديان (بطحان والعقيق من أودية المدينة المنورة) أيكم يحب أن يغدوا وأن يذهب فى الصباح كل يوم الى بطحان أوالى العقيق فيأتى بناقتين كوماوين (أى سنامهما مشرق ومرتفع وهذا من علامات الجودة فى الإبل ومما يرغب فيه الناس، بناقتين كوماوين من غير إثم ولا قطيعة رحم، قالوا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام (يذهب فى الصباح الى أحد هذين الواديين فيأتى بناقتين كوماوين دون أن يعصى الله وأن يرتكب إثما، كلنا يحب ذلك) ، قال: والذى نفس محمد بيده عليه الصلاة والسلام لأ يغدوا أحدكم الى المسجد فيتعلم آياتين خير له من ناقتين وثلاث خير من ثلاث ومن أعدادهن من الأبل (ومائة خير من مائة وهكذا) ، هذا كلام الله جل وعلا ينبغى أن نتلوه وأن نقرأه وأن نطيب فمنا به، وقد حثنا رسول صلى الله عليه وسلم على مدارسة هذا القرآن مع بعصنا وعلى تدارسه وعلى تلاوته بحيث يقرأ الواحد وينصت الأخرون ويتدارسون، وأخبرنا أن المسلمين إذا فعلوا ذلك حصلوا أجراً عظيماً.

ففى صحيح مسلم وغيره من حديث ابى هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً الى الجنة، وما إجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة (أى الطمأنينة راحة القلب، وليس المراد منها الملائكة لأن الملائكة سيأتى ذكرها فى نهاية الحديث وتنزلها عليه، نزلت السكينة {هوالذى أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين} قلوبهم تطمئن، صدورهم ترتاح نفوسهم تتنور عقولهم تزكو) إلانزلت عليه السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فى من عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به أسفه] . ولذلك كان الصحابة إذا إجتمعوا لاـ ـ يجعجع ـ ولكن هذا ينظرون إليه وهم صمود {ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون} ، إنما كانوا إذا إجتمعوا يقول بعضهم لبعض ذكرنا ربنا، فيقرأوا القرآن كانوا إذا إجتمعوا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبى موسى الأشعرى، وأحياناً لأبى بن كعب ذكرنا ربنا فيقرأ القرآن وهم يصغون ويستمعون لأنهم يحصلون هذا الأجر العظيم تنزل عليهم السكينة تغشاهم الرحمة تحفهم الملائكة، يذكرهم الله فيمن عنده. إخوتى الكرام: وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم وهوقدوتنا وإسوتنا وإمامنا يفعل هذا ويحثنا على فعله، فكان يطلب من الأمة أن تقرأ عليه القرآن ليستمع، لنطلب أيضاً نحن قرأة القرآن ونستمع لنحصل الأجر.

ثبت فى الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لى النبى صلى الله عليه وسلم إقرأ على القرآن، قلت: أأقرأ عليك وعليك أنزل، قال: إنى أحب أن أسمعه من غيرى، يقول: فقرأت عليه سورة النساء حتى وصلت الى قول الله {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا} فقال: حسبك، يقول: فالتفت إليه فإذا عيناه تزرفان، عليه الصلاة والسلام وإذا قام الإنسان بهذا فلكلام الله، وشغل وقته به فهذا حقيقة ينبغى أن يغبط وينبغى أن يتمنى المسلمون حالة كحالته. ثبت فى الصحيحين وغيرهما من حديث ابى هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا حسد إلا فى إثنتين، رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه فى حقه آناء الليل وأطراف النهار] . وفى بعض روايات الحديث [ورجل أتاه الله الحكمة، أى القرآن، فهو حكمة {تلك آيات الكتاب الحكيم} ، فأتاه الله القرآن يقوم فيه آناء الليل وأطراف النهار، هذا نتمنى أن يحصل لنا كما له وينبغى أن ننافسه فى ذلك [لا حسد إلا فى إثنتين] لما يحصل هذا من الأجر العظيم. وفى الجملة إخوتى الكرام: إن قارىء القرآن ومتعلم القرآن هو أفضل بنى الإنسان عند ربنا الرحمن كما شهد بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.، ففى صحيح البخارى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [خيركم من تعلم القرآن وعلمه] ، والحديث رواه بن ماجة فى باب: إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه.، فخير هذه الأمة وأفضلها هذه الأمة من عكف على كتاب الله جل وعلا، فتلاه ودرسه، وتعلمه وعلمه.

كان أبو عبد الرحمن السلمى الذى تلقى القرآن عن عمر وعثمان وعن على وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، وهو من أئمة التابعين الكبار ولد فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام ــ، يقول أبو عبد الرحمن: هذا الذى أجلسنى هذا المجلس أربعين سنة، أى أنه يقرىء الناس القرآن ويعلمهم كلام ذى الجلال والإكرام [خيركم من تعلم القرآن وعلمه] ، وقرأ على ابى عبد الرحمن السلمى الذى توفى سنة 74 الحسن والحسين رضي الله عنهما. هذا الذى أجلسنى هذا المجلس أربعين سنة [خيركم من تعلم القرآن وعلمه] ، ولذلك أمير الجيش ينبغى أن يكون أقرأ أفراد الجيش للقرآن، هذا فى دولة الإسلام، وأما أمير الجيش لا يتقن قرأة الفاتحة فتباً وشقاء وهلاكاً لذلك الجيش الذى يقوده هذا الضآل، أمير لا يتقن قرأة الفاتحة، أمير الجيش هو أقرأ أفراد الجيش للقرآن وأعمهم بكلام الرحمن. ثبت فى سنن الترمذى وابن ماجة ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن ابى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يرسل بعثاً فى سرية ليقتلوا فى سبيل الله، فا ستقرأ أفراد البعث ماذا يحفظون من القرآن، حتى أتى على أحثهم سناً، فقال: ماذا تحفظ، قال: أحفظ سورة البقرة وكذا وكذا، قال: أنت تحفظ سورة البقرة، قال: نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم، أمير أقرأ أفراد الجيش للقرآن،، إمام الصلاة اقرأ المصلين للقرآن. كما ثبت فى صحيح مسلم عن ابى مسعود الأنصارى رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [يأم القوم أقرأهم لكتاب الله] . مجلس الشورى ينبغى أن يكون أكثره من القراء من حفظة كلام الله، وممن يتلون كتاب الله.

كما ثبت فى صحيح البخارى عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان أصحاب مجلس الشورى عند عمر، أصحاب مجلس الشورى القرآء سواء كانوا شيوخاً أو شبانا، كل قارىء حفظ القرآن تلاه ودرسه وفهمه وعلمه كان عضواً فى مجلس الشورى عند الخليفة وعند أمير المؤمنين، أصحاب مجلس الشورى قرآء القرآن، إذا كثر الموتى والقتلى وأردنا أن ندفن ـ واحد للقبر، نقدم فى الدفن من يحفظ القرآن أكثر.، كما ثبت هذا فى صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عندما قتل فى موقعة أحد سبعون من الصحابة دفن النبى عليه الصلاة والسلام فى كل قبر اثنين و، ـ الصحابة، فكان إذا أراد أن يقدم واحد منهما فى اللحد وفى القبر يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن، فإذا أشير فى ذلك الى أحدهما قدمه من باب الإكرام لا أكثر. كان سلفنا يجعل القرآن مهراً للزواج، كما ثبت فى صحيح البخارى وغيره أنكحتكها بما معك من القرآن..... هذا كلام الله جل وعلا كان له هذه المنزلة عند السلف الصالح، والسبب فى هذا، وفى كون قارىء القرآن له هذه المنزلة، أن قارىء القرآن عندما يتلوا كلام الله ويفهم كلام الله، ويعلم كلام الله ينكسر الى الله ويصبح من أهله. كما ثبت فى سنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمى بسند حسن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [إن لله أهلين منّا إن لله أهلين من الناس، لله أهل فينا، ولله أهل منا، قالوا: من أهل الله فينا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. وقد ضمن ربنا جل وعلا أن من صرف وقته فى قرأة القرآن وفى حفظه ومدارسته وفهمه، أن يعطيه أفضل ما يعطى السائل، وان يتولى أموره من حيث لا يحتسب.

كما ثبت فى سنن الترمذى والدارمى بسند حسن بشواهده، والحديث قد حسنه الإمام الترمذى عن ابى سعيد الخدرى رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى [من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين] ..، فإذا كان ذاك يقول: يارب أرزقنى، ويرزقه الله، وأنت ما سألت الرزق والعافية وتيسير الأمور والنجاح، إنشغلت بكلام الله، فالله سيعطيك أفضل ما يعطى السائل [من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين] ، هذا هو الخير الذى يحصله تالى القرآن وقارىء القرآن فى هذه الحياة، وأما الإماتة فحدث ولاحرج، لأنه سيأتى الى ربه وهو من أهله فسيكرمه إكرام لا يخطر ببال. وثبت فى صحيح مسلم عن ابى أمامة الدارمى رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [اقرأوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعا لأصحابه] . وثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن ابى داود والترمذى بسند صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [يقال لقارىء القرآن يوم القيامة اقرأ وارقى ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها] . أثر عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: عدد درج الجنة كعدد آي القرآن، فكلما حفظ الإنسان آية رقى درجة تلاها حفظها فهمها، قام بحدودها يرقى درجة عند الله جل وعلا [يقال لقارىء القرآن يوم القيامة اقرأ وارقى ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها] .

إخوتى الكرام: الحديث ما زال له بقيه فى هذه المقدمة، وما أريد أن يطول المجلس عن الساعة والنصف ـــ سأكمل هذه المقدمة، الأمر ألأول فيها منزلة كلم اله وأثره فى عباد الله، وأتعرض إذا ـ إن شاء الله ـ الطريقة القويمة لتفسير القرآن الكريم فى الدرس القادم إن أحيانا الله، ونسأله إن توفانا أن يتوفانا على الإيمان، وإن أمد فى حياتنا أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكون راضيا عنا إنه أرحم الراحمين سيأتى التفصيل على هذا النمط ـ إن شاء الله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقدمة التفسير2

مقدمة التفسير (2) (دروس تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التفسير 2 الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته رضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا صلى الله عليه وسلم * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. لازلنا نتدارس المقدمة لدروسنا فى تفسير كلام ربنا جل وعلا وقلت إن المقدمة تقوم على أمرين. الأمر الأول: فى منزلة كلام الرحمن وأثره فى عباد الله جل وقد انتهيت من هذا الأمر. والأمر الثانى: فى الطريقة المثلى القويمة فى تفسير الآيات القيمة الحكيمة وهو ما سنتدارسه فى هذا الدرس بعون الله جل وع صلى الله عليه وسلم.

إخوتى الكرام: الطريقة القويمة فى تفسيرالآيات المحكمة القيمة العظيمة هذا الطريقة تقوم على أمرين اثنين. الأمر الأول: على التفسير بالمأثور على التفسير بالمنقول والثانى على التفسير بالرأى المقبول المبرور فالطريقة المحكمة لتفسير آيات القرآن إما أن يكون عن طريق النقل وإما أن يكون عن طريق الرأى الحسن. أما الطريقة الأولى: وهى التفسير بالمأثور فيعنى بها ويراد بها أن ينقل المفسر تفسير الآيات المحكمة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ومن أقوال التابعين الطيبين عليهم رحمة الله جل وعلا فإذا نقل المفسر تفسير آيات القرآن من كتاب الله فسر كلام الله بكلام الله أوفسر كلام الله بكلام رسول الله عليه الصلاة والسلام أو فسر كلام الله جل وعلا بكلام الصحابة رضوان الله عليهم أو فسر كلام الله جل وعلا بكلام التابعين الطيبين عليهم رحمة الله، هذه الطريقة بأقسامها الأربعة يقال لها تفسير بالمأثور وإنما جعلت الطريقين الآخرين من التفسير بالمأثور وهما ما نقل عن الصحابة وما نقل عن التابعين لثلاثة أمور معتبرة. أولها: بعض ما نقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعا له حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتينا.

الأمر الثانى: مانقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعا مما ليس له حكم المرفوع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فالنفس تطمئن إليه والقلب يسكن لقبوله ويميل إلى ذلك ويقدمه عل ما سواه والأمر الثالث عمل المفسرين وأئمة الإسلام حيث جعلوا ما نقل عن الصحابة والتابعين رضى الله عنهم جميعا من قبيل التفسير بالمأثور فالأمام السيوطى عليه رحمة الله عندما ألف كتابه العظيم النافع فى التفسير بالمأثور وهو المسمى بالدر المنثور فى التفسير بالمأثور ولم يرد به تفسيرا بالرأى على الإطلاق قصر هذا الكتاب على تفسير كلام الله جل وعلا بما نقل عن النبى عليه الصلاة والسلام وبما نقل عن الصحابة الطيبين وبما نقل عن التابعين الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين، هذا عمله فى تفسيره الدر المنثور فى التفسير بالمأثور والكتاب عظيم ونافع جدا وهو فى ست مجلدات كبيرة ولو حقق لربما لوصل الكتاب إلى عشرين مجلدا فى التفسير بالمأثور المنقول فقط على أقل تقدير (الدر المنثور فى التفسير بالمأثور) . وعلى هذا سار بعد ذلك من كتب فى التفسير من أئمة المسلمين فالشيخ الذهبى فى كتابه التفسير والمفسرون فى الجزء الأول فى صفحة اثنتين وخمسين ومائة اعتبر ما نقل عن الصحابة الطيبين وما نقل التابعين الطاهرين من طرق التفسير بالمأثور وهكذا أحمد أمين فى كتابه ظهر الإسلام فى الجزء الثانى فى صفحة سبعين وثلاثين وعليه فالتفسير بالمأثور هو: أن ينقل المفسر تفسير كلام الله جل وعلا من كلام الله ومن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن أقوال الصحابة الكرام رضى الله عنهم ومن أقوال التابعين عليهم رحمة الله جل وعلا فليس للمفسر فى هذه الطريقة إلا النقل من هذه المصادر الأربع.

ولذلك قيل له تفسير بالمأثور من قولك أثرت الحديث آثره إذا ذكرته ورويته عن غيرى ومنه قول أبى سفيان والحديث فى صحيح البخارى عندما أرسل النبى صلى الله عليه وسلم كتابه إلى هرقل عظيم الروم يدعوه إلى الإسلام فجمع هرقل من هم من مكة فى بلاد الشام جاؤا تجارا إلى بلاد الشام ليسألهم عن النبى عليه الصلاة والسلام فلما اجتمعوا قال لهم أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذى يزعم أنه نبى فقلت أبو سفيان أنا فقال قدموه وجعلوا أصحابه وراء ظهره ثم قال هرقل لقوم إبى سفيان إنى سائل هذا أى أبا سفيان عن هذا الرجل الذى يزعم أنه نبى عليه الصلاة والسلام فإن كذبنى فكذبوه فقال أبو سفيان والله لولا أن يأثروا عنى كذبا لكذبت عليه أى لافتريت وقلت فيه ما ليس فيه، يأثروا أى ينقلوا عنى كذبا وتتناقله الأجيال بأن أبا سفيان كذاب فالكذب منقصة فى بنى الإنسان فلذلك لن يتكلم إلا بحقيقة الأمر لولا أن يأثروا عنى كذبا لكذبت عنه فإذن تفسير المأثور أى منقول من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم ومن أقوال التابعين عليه رحمة الله هذه الطرق الأربعة للتفسير بالمأثور ينبغى أن نقف عندها وقفة يسيرة نوضح فيها هذه الطرق. أولا تفسير القرآن بالقرآن: هذا أحسن طرق التفسير لأن هذا جار على البدهية المقررة بأن صاحب الكلام أدرى بمراد كلامه وصاحب البيت أدرى بما فى بيته وأهل مكة أدرى بشعابها وكلام الله جل وعلا أول من يعلم ماذا يراد به المتكلم وهو الله جل وعلا ولذا إذا وجدنا تفسيرا للقرآن بالقرآن فنعض على ذلك بالنواجذ فهذا تفسير لكلام الله بكلام الله ولهذا أمثلة كثيرة من ذلك قول الله جل وعلا فى سورة الفرقان {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} . هذه الليلة التى هى كثيرة الخيرات عظيمة البركات نزلت فيها هذه الآيات المحكمات نزل فيها القران العظيم ما هى؟ وفى أى شهر من أشهر السنة هى؟

نقل فى ذلك قولان: قول مهجور مردود وهو أنها ليلة النصف من شعبان ولم ينقل هذا إلا عن عكرمة من التابعين وهذا ثابت عنه بإسناد صحيح عليه رحمة الله لكن القول مردود ولم يرد فى ليلة النصف من شعبان حديث يسوى سماعه كما قال أئمتنا الكرام. إذن نحن إذا أردنا أن نبين هذه الليلة نأتى لكلام الله هل وضح الله هذه الليلة فلنستعرض آيات القرآن الكريم فى بيان هذه الليلة ومتى هي يقول الله فى سورة القدر: {إنا أنزلناه فى ليلة القدر *وماأدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر} هذه هى البركة التى نزل فيها القرآن أن هذه الليلة مباركة فهى أفضل من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهى أفضل من ألف شهر من بضع وثمانين سنة يتعبد فيها الرجل من الأمم السابقة لقصر أعمار هذه الأمة. كما ثبت هذا عن مجاهد رضى الله عنه فى موطأ مالك وغيره فإذن ليلة القدر عظيمة البركةومن بركتها أنها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهى خير من ألف شهر يتعبد فيها المكلف من الأمم السابقة فهذه الأمة أعمارها قصيرة فأعطاهم الله ليلة هى خير من ألف شهر إذا أحيوها كتب لهم ما يزيد على عبادة بضع وثمانين سنة والأجر لنا خير من تلك السنوات الكثيرة التى يقومها فرد من الأمم السابقة فى عبادة ربه جل وعلا. إذن هذه الليلة المباركة هى ليلة القدر ليلة القدر التى لها هذا الشأن فى أى شهر شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هذا تفسيرللقرآن بالقرآن فالليلة المباركة التى لم تحدد فى أى شهر هى ولم تبين متى تكون فى سورة الدخان: {إنا أنزلناه فى ليلة مباركة} بين الله فى سورة القدر أن هذه الليلة المباركة هى ليلة القدر وليلة القدر التى نزل فيها القرآن هى فى شهر رمضان كما قال ربنا الرحمن: {شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن} .

هذا تفسير للقرآن بالقرآن ومن ذلك قول الله جل وعلا فى سورة الإسراء: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا} لطلب تلك الآلهة طريقا الى الله هذا الطريق الذى يطلبه تلك الآلهة إلى الله ما هو؟ آيات القرآن دلت على أن ذلك الطريق محصور فى أمرين اثنين كل منهما حق, الأمر الأول لطلبو طريقا لمنازعة الله ولمخاصمته ولقتاله كما قال جل وعلا: {قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} ، {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا} لحصل النزاع بين تلك الآلهه التى تزعمونها مع الله ومع الله كما قال جل وعلا: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} فلنازعت تلك الآلهه هذا الإله وبالتالى يختل نظام هذا الكون والإحكام الذى فيه دل على إنه إله واحد يسيره ويتصرف فيه {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا} سبيلا الى منازعته ومخاصمته ومغالبته {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} . والثانى: لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا، طريقا للتقرب إليه والسعى فى خدمته وعبادته لينالوا المنزلة عنده ولو كان هناك آلهة كما تزعمون لعبدت تلك الآلهة هذا الإله الحق الذى هو الإله العظيم وهذا أشار ربنا جل وعلا إليه فى سورة الإسراء فقال: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} . هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله وتزعمونهم أنهم آلهة مع الله من الملائكة والمسيح ابن مريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} .

والآية كما ثبت فى صحيح البخارى عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه نزلت فى أناس من العرب من الإنس كانوا يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجن وعبدوا الله وبقى المشركون من العرب على عبادتهم فأنزل الله هذه الآية يعيرهم بها فقال أولئك الذين يدعون ويدعونهم من دون الله ويعبدونهم {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} ، إذن قول الله جل وعلا: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} . هذا السبيل مفسر فى آيات القرآن الكريم بأمرين لابتغوا سبيلا لمنازعته وبالتالى يفسد هذا الكون لابتغوا سبيلا إلى عبادته والتقرب إليه فكيف تعبدونهم من دون الإله الحق فاعبدوا من يعبده من تعبدونهم فمن تعبدونه يعبد الله فاعبدوا الله جل وعلا ولا تشركوا به أحدا: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} . ومن ذلك قول الله جل وعلا: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} من سورة النحل إذا أردت المراد من هذه الآية إذا أردت أن تقرأ وإذا أردت الشروع فى القراءة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يقال إن الفعل هنا فعل ماض ورتب الله جل وعلا الجزاء على الشرط فإذا قرأت القرآن وانتهيت استعذ بالله من الشيطان الرجيم كما وهم فى ذلك بعض المفسرين ويأتينا هذا إن شاء الله عند تفسير آيات الإستعاذة ونسبوا هذا القول إلى بعض الصحابة كإبى هريرة وغيره رضي الله عنهم بأن الاستعاذة تكون فى آخر القراءة لأن الله يقول: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} إذا انتهيت فاستعذ وهذا الكلام كما قال الإمام أبو بكر ابن العربى فى أحكام القرآن قال فى حق هذا الكلام انتهى العى بقوم إلى أن قالوا إن الإستعاذة بعد القراءة ونسب بعضهم ذلك إلى الإمام مالك.

والله أعلم بسر هذه الرواية وفقه الإمام مالك وذكائه أعلى من أن ينسب إليه ذلك إذن: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} كيف تقولون إذا أردت أن تقرأ ونقول لهذا نظائر فى كلام الله وهذا بينته آيات القرآن يقول الله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} الآية إذا قمتم إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فتطهروا وليس وهو يصلى يتوضأ هذا بينته آيات القرآن ووضحته. ومن ذلك قول الله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} أى إذا أردتم مناجاة الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن ذلك قول الله {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} أى إذا أردتم سؤالهن لمتاع من أمتعة الدنيا ومتاع البيوت فاسألوهن من وراء حجاب إذا أردتم. وهنا فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولهذا أمثلة كثيرة إن شاء الله عندما نتدارس تفسير كلام الله جل وعلا نطبق هذا فنبدأ بتفسيركلام الله بكلام الله فإن وجدنا هذا عضضنا عليه بالنواجذ وإلا انتقلنا إلى الطريقة التى بعدها. إخوتى الكرام: أبرز من عنى بهذا النوع من التفسير وهو إيضاح القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالقرآن شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطى عليه رحمة الله ونور الله قبره وجعل قبره روضة من رياض الجنة وغفر له ولجميع المسلمين والمسلمات فى كتابه العظيم فى التفسير المسمى بأضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن، فذكر فى مقدمة كتابه وتفسيره فى الجزء الأول فى صفحة ثلاثة أن أهم المقصود بتفسيره أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن أمران:

الأمر الأول: إيضاح القرآن بالقرآن وسلك حقيقة مسلكا لم يسلكه من قبله من المفسرين بالنسبة التى سلكها كانوا يفسرون كلام الله بكلام الله لكن أحيانا يقتصرون فى الإيضاح أما هو لايوجد آية بينت فى آية أخرى إلا واستعرض هذا وذكر النظائر التى توضح كلام الله جل وعلا بكلام الله جل وعلا. والأمر الثانى: والغرض الثانى من تفسيره أنه يبين الأحكام الفقهية فى تفسير الآيات القرآنية ,فأهم المقصود بتفسيره أمران إيضاح القرآن بالقرآن وبيان الأحكام الفقهية عند الآيات المفسرة التى يوضحها عليه رحمة الله. هذا النوع الأول من أنواع التفسير بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن والنوع الثانى تفسير القرآن بالسنة. إخوتى الكرام: قبل النوع الثانى أحب أن أبين إلى أنه يدخل فى هذا النوع من البيان إيضاح القراءات ببعضها فالقراءة مع القراءة كالآية مع الآية كما قال أئمتنا فقد يكون المعنى فى قراءة من القراءات يحتمل لمعنيين ما المراد منهما تأتى قراءة ثانية توضح أن المراد من هذه القراءة من هذه الآية هو المعنى الأول أو الثانى كقول الله جل وعلا فى سورة النور: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور/22] .

قرأ القراء التسعة العشرة باسثناء إبى جعفر يزيد ابن القعقاع قارىء المدينة المنورة وشيخ نافع عليهم جميعا رحمة الله قرأ التسعة ولا يأتل وقرا أبو جعفر ولا يتأل أولوا الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولوا القربى لايأتل ولا يتأل والقراءتان متواترتان ثابتتان عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقول الحافظ فى الفتح فى الجزء الثامن صفحة تسع وثمانين وأربعمائة لاتعرف هذه القراءة عن أهل المدينة وإنما قرأ بها الحسن البصرى فقط وهى من الشواذ هذا وهم منه غفر الله له ورحمه فالآية ثابتة عن إبى جعفر يزيد ابن القعقاع ولا يتأل أولوا الفضل قراءة ولا يأتل التى هى قراءة الجمهور والجم الغفير والقراءة الأكثر تحتمل معنيين تحتمل ولا يأتل من الألية بوزن عطية بمعنى اليمين والحلف والقسم, قليل الألايا حافظ ليمينه إذا صدرت منه الألية برة وعليه. ولا يأتل أى لا يحلف أولوا الفضل منكم والسعة على ألا يأتوا إحسانهم وصدقاتهم ومعروفهم لأولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله والآية نزلت فى عتاب أبى بكر رضي الله عنه عندما حلف ألاينفق على مسطح ابن أثافة رضي الله عنهم أجمعين وهو ابن الكبر خالته وقد خاض فى الإفك رضي الله عنه وغفر له وهو من أهل بدر الكرام رضي الله عنهم أجمعين ,ولا يأتل ولا يحلف من الألية بوزن عطية بمعنى القسم واليمين.

وتحتمل من الألو بمعنى التقصير ولا يأتل ولا يقصر فى النفقة ,فاحتملت قراءة الجمهور معنيين لا يأتل لايحلف ,لايأتل لايقصر فأى المعنيين هو المراد قراءة أبى جعفر توضح وترجح معنى من هذا المعنيين لاتحتمل قراءة إبى جعفر غيره ولا يتأل والتال هو الحلف وهذا الذى صدر من أبى بكر رضي الله عنه عندما حلف ألا ينفق على مسطح ابن أثافة فنزلت الآية تعاتبه فقال بلى نحب أن يغفر الله لنا وأعاد نفقته على مسطح ضعف ما كان ينفق عليه رضي الله عنه وأرضاه وهذه كما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد الله ابن المبارك هى أرجى آية فى القرآن العظيم فالذى جرى من مسطح ابن أثافة ذنب عظيم عظيم كبير كبير يتكلم على أمه عائشة أمنا أم المؤمنين رضي الله عنها هى زوج النبى عليه الصلاة والسلام هى بنت صديق هذه الأمة هى الصديقة الحصان الرزان حبيبة حبيب الله عليه صلوات الله وسلامه رضي الله عنها هى قريبته فمسطح عندما تكلم بالإفك ارتكب جنايات عظيمة وأبو بكر رضي الله عنه ما قابله بشىء إلا أنه قال كنت أحسن إليه سأقطع إحسانى عنه ولو قطع الإحسان دون جناية من مسطح لما كان عليه لوم إن شاء أن يحسن فله أجر وإن شاء ألا يحسن ضاع منه ذلك الأجر لكن الله ما رضى هذا من أبى بكر رضي الله عنه فقال: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فالجزاء جزاء من جنس العمل فإذا غفرت يغفر لك وإذا سامحت يسامحك الله فقال أبو بكر بلى وأعاد بالنفقة ضعف ما كان ينفق عليه.

وفى صحيح مسلم عن عبد الله ابن المبارك يقول هذه أحب آية إلى فى القرآن لأن الله عندما عاتب عبدا من عباده عندما قطع إحسانه فالمؤمن أيضا يقول لربه يارب أحسنت إلى فى هذه الحياة فكيف تقطع إحسانك عنى بعد الممات أنا أحوج إلى الإحسان بعد موتى من إحسانك إلى فى حياتى فالشروع ملزم فى مذهب النعمان فكيف بكرم الرحمن إذا شرعت فى نافلة يجب عليك أن تتمها عند إبى حنيفة وإذا شرعت فى إحسان يجب عليك أن تتمه، فالله جل وعلا أولى بإتمام المعروف والكرم ولذلك قال أئمتنا فإن قدر الذنب من مسطح يحط قدر النجم من أفقه وقد جرى منه الذى قد جرى وعوتب الصديق فى حقه رضي الله عنه وأرضاه إذن ولا يأتل ولا يتأل والقراءة مع القراءة كالآية مع الآية هذا النوع الأول من أنواع تفسير القرآن بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن. والنوع الثانى: من أنواع تفسير القرآن بالمأثور تفسير القرآن بالسنة إذا لم تجد إيضاح كلام الله جل وعلا فى كلام الله فارجع إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فالله بعث نبيه ليبين للناس ما نزل إليهم من ربهم وكان يتلوا عليهم هذا القرآن ويوضح لهم معانيه عليه صلوات الله وسلامه ولذلك قال الإمام الشافعى كل ما حكم به رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو مما فهمه من القرآن ولذلك إذا أعياك طلب التفسير من القرآن فاطلبه من سنة النبى عليه الصلاة والسلام قال الإمام ابن كثير والغرض أنك تطلب تفسير القرآن من القرآن فإن لم تجده ترجع إلى سنة النبى عليه الصلاة والسلام. كما ثبت فى المسند والسنن بإسناد جيد فى حديث معاذ عندما أرسله النبى صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له بما تحكم قال بكتاب الله قال فإن لم تجد قال بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيى ولا آلوا قال الإمام ابن كثير والحديث فى المسند والسنن بإسناد جيد.

وهذا فى مقدمة تفسير الإمام ابن كثير فى الجزء الأول فى صفحة ثلاثة وهذا الكلام الذى قاله الإمام ابن كثير مأخوذ من كلام شيخه شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية وهو موجود فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثالث عشر فى صفحة ثلاث وستين وثلاثمائة يقول هذا الحديث فى المسند والسنن بإسناد جيد والحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده والترمذى فى سننه وأبو داود فى سننه ورواه الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله ورواه الخطيب البغدادى فى كتابه الفقيه والمتفقه وقد كتب الإمام ابن القيم عليه ما يزيد على صفحة فى تفسير هذا الحديث وقبوله واعتماد أئمة الإسلام فى كتابه العظيم إعلام الموقعين ويقال بالهمزة من فوق أعلام الموقعين إعلام الموقعين الذين يوقعون عن رب العالمين يعلمهم وينبههم بالاحتياط وما ينبغى عليهم فى فتاويهم أعلام الموقعين المعالم البارزة التى يهتدى بها المفتون فى أمور الدين إعلام الموقعين أعلام الموقعين يقول فى الجزء الأول فى صفحة مائتين واثنتين هذا الحديث تلقاه الكافة عن الكافة وهو حديث عملت به الأمة وأخذت به. والإمام ابن العربى عليه رحمة الله فى عارضة الأحوزى فى الجزء السادس صفحة اثنتين وسبعين بعد أن حكى اختلاف العلماء فى تصحيح هذا الحديث قال والدين القول بصحتة فإنه حديث مشهور، نعم فى الحديث شىء من الكلام على بعض الرواة فى الإسناد فى جهالة الحارث بن عمر وجهالة أصحاب معاذ وهل يسلم جهالة أصحاب معاذ أم هم من الشهرة بمكان وهذا أعلى مما لو ذكروا. كما يقول الإمام بن القيم هذا مجال بحث، لكننى أقول الحديث إذا تلقته الأمة بالقبول لا يبحث عن إسناده.

وقد ذكر هذا إمام المحدثين فى زمنه الإمام السخاوى فى الجزء الأول فى صفحة ثمان وستين ومائتين فقال إذا تلقت الأمة الحديث الضعيف بالقبول ينزل منزلة المتواتر لأن إجماع الأمة معصوم من الخطأ ثم نقل عن الشافعى عليه رحمة الله حديث لا وصية لوارث حديث ضعيف وتلقته الأمة بالقبول ونسخت به مدلول قول الله جل وعلا: {كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} . فحديث لا وصية لوارث إن الله قد أعطى لكل ذى حق حقه فلا وصية لوارث حديث ضعيف تلقته الأمة بالقبول وعملت به ونسخت الوصية للوالدين والأقربين فكل من يرث لا وصية له ولا تصح الوصية له مع أنه ضعيف وهو حديث معاذ على التسليم بوجود ضعف فى إسناده فالأمة تلقته بالقبول وإذا تلقت الأمة حديثا بالقبول ينزل منزلة المتواتر ولذلك قال شيخنا عليه رحمة الله فى مذكرته فى أصول الفقه فى صفحة ثلاث وثلاثين هذا حديث مشهور ومثله لا يحتاج للبحث عن إسناده وإن كان فيه ضعف أى تكلم فى إسناده وفيه ضعف هذا مثله لا يحتاج للبحث عن إسناده حديث مشهور وتلقته الأمة بالقبول إذن نطلب تفسير كلام الله جل وعلا من كلام الله فإذا لم نجده نرجع إلى سنة النبى صلى الله عليه وسلم لنطلب تفسير القرآن من السنة.

وما ثبت فى حديث معاذ ثبت مدلوله من كلام ابن مسعود وعمر ابن الخطاب رضى الله عنهم فى سنن النسائى والبيهقى ومن كلام أبى بكر فى سنن البيهقى ففى سنن النسائى فى الجزء الثامن صفحة مائتين وثلاثة فى سنن النسائى فى كتاب القضاء باب القضاء باتفاق أهل العلم وفيه فى هذا الحديث والإسناد هذا المكان سئل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وأكثر عليه فى السؤال فقال قد مضى علينا زمان وما كنا نفتي ولسنا بأهل للفتيا والقضاء حتى صرنا إلى ما ترون فمن جاءه قضاء وعرض عليه مسألة فليقض بما فى كتاب الله فإن لم يجد فبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن لم يجد القضاء فى كتاب الله ولا فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فليقض بما قضى به الصالحون ولا يقل إنى أخاف إنى أخاف فإن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات قال أبو عبد الرحمن الإمام النسائى عليه رحمة الله هذا حديث جيد جيد ومثل هذا قال أيضا عمر رضى الله عنه. كما فى سنن النسائى والبيهقى عندما كتب له أبو موسى الأشعرى رضى الله عنهم جميعا يسئله فقال له اقض بما فى كتاب الله فإن لم تجد فاقض بما في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن لم تجد فاقض بما قضى به الصالحون فإن لم تجد فإن شئت فتقدم أى اجتهد وإن شئت فتأخر ولا أرى إلا التأخر خيرا لك أى أحجم وسل أهل العلم ولا تتجرأ بنفسك على الفتيا والإجتهاد حتى تأخذ رأى أهل الخير والصلاح فإذا وجدت قضاء فى كتاب الله فاقض به فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فاقض به قضى به الصالحون قبلك فاقض به لن تجد إن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر ولاأرى التأخر إلا خيرا لك، فمدلول حديث معاذ ثابت من كلام ابن مسعود وعمر وأبى بكر رضى الله عنهم أجمعين

إخوتى الكرام: نحو الطريق الثانى من تفسير القرآن بالمأثور وهو تفسير القرآن بالسنة ينبغى أن نحذر التعويل على ما لا أصل له وعلى ما لا يثبت مما نسب إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقد وضع على نبينا عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة لاسيما فى التفسير ولذلك ثبت عن الإمام أحمد عليه رحمة الله أنه قال ثلاثة كتب ليس لها أصل التفسير والملاحم والمغازى. والغالب على هذه الكتب كما قال أئمة الإسلام الغالب عليها الإرسال وعدم الاتصال والضعيف والتفسير والملاحم والمغازى والملاحم مايتعلق بأمور الفتن والأمور التى ستقع والمغازى ما وقع فى الأمر الأول فينقل بلا إسناد ويتساهل فيه. وهكذا التفسير قال الإمام ابن حجر فى مقدمة لسان الميزان وينبغى أن يضاف إليها الفضائل كتب الفضائل ثم قال فهذه أودية الحديث الضعيف ,التفسير والفضائل والملاحم والمغازى فانتبه وحذارى حذارى أن تأخذ بما لم يثبت عن النبى عليه الصلاة والسلام فى تفسير كلام الرحمن فلا بد من أن تعول على أثر صحيح ثابت تداولته الأمة وأخذوا به فى تفسير كلام الله جل وعلا. أخوتى الكرام: لهذا النوع من التفسير نماذج نذكر بعضها فى هذا الدرس قال الله جل وعلا فى كتابه: {الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} من سورة الأنعام، الظلم يشمل كل معصية ولذلك لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة.

كما ثبت فى الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنهم أجمعين يقول لما نزل قول الله: {الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالوا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه والله شرط الأمن والاهتداء الأمن فى الآخرة والاهتداء فى الدنيا بعدم خلط الإيمان بشىء من الظلم وكل معصية ظلم تجاوز الإنسان الحدود الشرعية ووضع الأمر فى غير موضعه وغير نصابه فإذن لايحصل له اهتداء فى الدنيا ولا أمنا فى الآخرة إذا خلطوا إيمانهم بشىء من المعاصى ومن ينفك عن معصية الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم وشق ذلك على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالوا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه أينا لايظلم نفسه فقال ليس بالذى تعنون ليس المراد من الظلم مطلق المعاصى لا إنما المراد من الظلم الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح لقمان: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} . وعليه الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم أى لم يخلطوا إيمانهم بشرك وحدوا الله جل وعلا توحيدا حقيقيا أما أن الجبلة البشرية الطبيعة الإنسانية تنفك عن معصية فهيهات هيهات يا عبادى إنكم تخطئون فى الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم مؤمن لايخلط إيمانه بهفوة وبتقصير هذا لا يمكن أن يوجد هذا لعله يوجد فى الملأ الأعلى فى حال الكرام الكاتبين الذين لا يعصون الله ما أمرهم يفعلون ما يؤمرون أما هذا البشر الذى فيه ما فيه من أمور الغضب والغفلة والشهوة والسهو والنسيان وغير ذلك يقع.. يقع فى هفوات وزلات فإذ سلم من الشرك فليحمد الله الذين آمنوا ولم يلبثوا بظلم أى بشرك أولئك لهم الأمن فى الآخرة وهم على اهتداء فى هذه الحياة الدنيا ففسرت الأفراد فخص هذا العموم بنوع من أفراده وهو الشرك إن الشرك لظلم عظيم ليس المراد بالظلم ماتعنونه وتفهمونه مطلق المعاصى إنما المراد منه الشرك إن الشرك لظلم عظيم.

ومن ذلك أيضا ماثبت فى الصحيحين وسنن الترمذى وأبى داود والحديث فى مسند الإمام أحمد عن ابن أبى مليكة من أئمة التابعين قال كانت أمنا عائشة رضي الله عنها لاتسمع شيئا لاتعرفه إلا سألت عنه حتى تعرفه رضي الله عنها وأرضاها وأكرم بها من أم واعية صالحة قانتة طيبة تقول أمنا عائشة سمعت النبى عليه الصلاة والسلام يقول من نوقش الحساب عذب وفى رواية من حوسب هلك فقالت أمنا عائشة يا رسول ألم يقل الله فى كتابه: {فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} بل سيحاسب وأنت تقول من حوسب هلك من نوقش الحساب عذب فقال يا عائشة إنما ذلك العرض ,الحساب اليسير وعرض الصحف على العامل فقط دون أن يحاسبه الله ودون أن يناقشه إنما ذلك العرض لكن من حوسب عذب ففسر صلى الله عليه وسلم هنا قول الله: {فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} بعرض الكتاب عليه يعرض عليه ثم لايناقش ولايحاسب ولايجادل ويقال له عبدى سترتك فى الدنيا وان أسترك فى الآخرة هذا هوالحساب اليسير لكن من حاسبه الله وناقشه وجرى بينه وبين عبده مجادلة هلك العبد وعذب ولابد من حوسب عذب من نوقش الحساب عذب من حوسب هلك والحساب اليسير فى قوله الله فسوف يحاسب حسابا يسيرا هو العرض.

وهكذا قول الله جل وعلا فى سورة الزلزلة والزلزال: {يومئذ تحدث أخبارها} سألوا النبى عليه الصلاة والسلام عن أخبارها التى تتحدث بها الأرض ما هذه الأخبار التى تتحدث بها الأرض يوم القيامة والحديث ثابت فى مسند الإمام أحمد والترمذى ومستدرك الحاكم وهو بسند حسن قالوا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما أخبارها قال أن تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر أن تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير وشر سبحان الله الجوارح تشهد والأرض تشهد العمر ينقص والذنوب تزيد وتقال عثرات الفتى فيعود هل يستطيع جحود ذنب واحد رجل جوارحه عليه شهود، الجوارح تشهد والبقعة التى عصيت الله عليها تشهد عليك والبقعة التى أطعت الله فيها تشهد لك هذه الأخبار تتحدث بها الأرض يوم القيامة يومئذ تحدث أخبارها ما أخبارها أن تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر. وهكذا قول الله جل وعلا: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ما السبيل سألوا النبى عليه الصلاة والسلام فقالوا يا رسول الله ما السبيل الذى إذا استطاعه الإنسان وجب عليه الحج والحديث ثابت فى سنن الترمذى وابن ماجة وسنن البيهقى والدارقطنى ومستدرك الحاكم بسند صحيح لكثرة طرقه وشواهده قال شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان الذى يظهر أن الحديث ثابت لكثرة طرقه. وقال الإمام الشوكانى فى نيل الأوتار ولايخفى أن كثرة هذه الطرق تفيد ثبوت الحديث والحديث ثابت عن ثمانية الصحابة الكرام عن على وابن عمر وابن عباس وأنس وابن عمرو وابن مسعود وجابر ابن عبد الله وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين قالو ما السبيل قال الزاد والراحلة فإذا ملك زادا وراحلة فاضلتين عن حوائجه الأصلية وجب عليه أن يذهب إلى الحج {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} .

ولذلك إذا لم يملك الزاد والراحلة الزاد وأجرة الطريق ونفقة عياله فلا يجب عليه الحج وبهذا قال الأئمة الثلا ثة الحنفية والشافعية والحنابلة والإمام مالك عليه رحمة الله اعتبر تفسير النبى عليه الصلاة والسلام من باب التفسير بالأمر الغالب ولذلك يجب الحج عند الإمام مالك على المسلم إذا كان مكلفا ولم يملك زادا وراحلة وتفسير النبى عليه الصلاة والسلام يقول جرى هذا على حسب الأغلب لأن غالب الحجاج آفاقيون وإذا كانوا من بلاد بعيدة فسيتكلفون المشى على أرجلهم وفى الغالب يشق عليهم فإذا كان يشق عليهم فلا بد إذن من زاد وراحلة أما من تمكن من الحج لقرب المكان كما لو كان من أهل المدينة المنورة أو من بلاد الشام مثلا ماشيا على رجليه والطريق يقرب منه مدة أسبوع ليس كما هو الحال من بلاد المغرب ,كان شيخنا عليه رحمة الله يقول إذا عيدوا عيد الأضحى فى بلاد موريتانيا التى هى شنقيط يخرجون إلى الحج فيبقون فى الطريق سنة كاملة حتى يدركوا عيد الأضحى فى السنة الآتية فى بلاد الحجاز فى مكة المكرمة سنة كاملة فهذا يشق عليه أن يمشى على رجليه فغالب الحجاج آفقيون ولذلك إذا كانت المسافات بعيدة فلابد من زاد وراحلة لكن إذا كانت المسافة قريبة وبإمكانه أن يمشى على رجليه فوجب عليه أن يحج وإن لم يملك زادا ولا راحلة لأن تفسير النبى عليه الصلاة والسلام جرى على الأمر الغالب وإذا جرى على الأمر الغالب فليس له مفهوم مخالفة أى لايفهم منه أنه إذا لم يملك زادا وراحلة لا يجب عليه الحج.

وهذا كقول الله جل وعلا: {وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن} فالربيبة بنت الزوجة تحرم عليك سواء كانت فى حجرك أو لم تكن فى حجرك إذن لما هذا القيد قال أئمتنا أغلبى لأن الغالب أن بنت الزوجة تكون مع الزوجة فى حجرك وفى بيتك لكن لو تزوجت امرأة ولها بنت ولم ترها ولم تربى فى حجرك يحرم عليك أن تجمع بين المراة وابنتها فلا يجوز إذن لما قال الله فى حجوركم قالوا هذا قيد أغلبى الغالب الربيبة تكون فى حجر الزوج ولذلك ليس له مفهوم مخالفة أى إن كانت فى حجرك تحرم عليك وإن لم تكن فى حجرك تحرم عليك وهنا كلام النبى عليه الصلاة والسلام الزاد والراحلة هذا باعتبار الأمر الغالب. ولذلك قال الإمام مالك عليه رحمة الله إذا أمكنه أن يحج على رجليه وجب عليه ذلك فإذا لم يمكن وكان من بلاد بعيدة ويصعب عليه أن يحج على رجليه فهناك لا بد من زاد وراحلة أما إن أمكنه المشى وجب عليه وإن لم يكن عنده زاد نقول له حالتين فإن كان من أهل المروءات الذين يصعب عليهم أن يعملوا فى كل منطقة يذهبون إليها فلا يجب عليه حتى يجد زادا وإن لم يكن من أهل المروءات واحد عادى وليس عنده نفقة وعنده القدرة أن يمشى على رجليه فيجب عليه أن يمشى وأن يشتغل بكل بلدة يصل إليها ليحصل قوته ليؤدى هذه الفريضة التى أوجبها الله عليه: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} هو الزاد والراحلة هل هذا التفسير أغلبى او لبيان شرط وجوب الحج , اختلف الأئمة فى ذلك بعد اتفاقهم على ثبوت هذا التفسير عن النبى عليه الصلاة والسلام، إذن هذا من أنواع تفسير القرآن بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا الطريق الثانى من طرق التفسير بالمأثور.

والطريق الثالث: تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فهذا أيضا يأتى فى المرتبة الثالثة فالصحابة أكثرهم عرب خلص والقرآن نزل بلسان عربى مبين فيفهمون المراد من كلام الله جل وعلا على حسب لغتهم وهم حضروا وقائع التنزيل وشهدوا أسباب نزول الآيات الكريمات فيعرفون ماذا يراد بتلك الآيات وماذا يعنى بها ثم لهم من الفهم ورسوخ القدم فى الدين ما ليس لغيرهم فكلامهم يقدم على كلام من بعدهم ولا شك لهذه الاعتبارات الثلاثة رضوان الله عليهم أكثرهم عرب خلص ,شهدوا نزول القرآن, لهم من الفهم فى دين الرحمن والمنزلة ما ليس لغيرهم فكلامهم مقدم على كلام من بعدهم. وأقوال الصحابة فى تفسير كلام الله جل وعلا أقوالهم لها حالتان: الحالة الأولى أن يكون لأقوالهم حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وذلك يكون إذا قال الصحابى قولا فى تفسير كلام الله وهذا القول لا يدرك بالرأى وليس طريقه اللغة وليس مأخوذا عن أخبار أهل الكتاب إذا كان ذلك الصحابى يأخذ عنهم كعبد الله ابن عمرو ابن العاص رضى الله عن الصحابة أجمعين فإذا قال الصحابى قولا فى تفسير الله ذلك القول لا يدرك بالرأى وليس طريقه اللغة وليس معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب إذا كان ذلك الخبر يحتمل أخذه عنهم فإذا خلا عن هذه الأمور فلقول الصحابى فى تفسير كلام الله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام كما لو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى تفسير الآية وهذا ما أشار إليه أئمتنا عليهم رحمة الله بلا خلاف بينهم. يقول الشيخ عبد الرحيم ابن الحسين الأثرى فى الألفية الشهيرة بألفية الأمام العراقى عليه رحمة الله: وما أتى عن صاحب بحيث ... لا يقال رأيا حكمه الرفع على ما قال فى المحصول ... نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا أثبت ج

وما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا أى لا يمكن أن يكون ذلك القول مصدره الاجتهاد ولا اللغة ولا الأخذ عن أهل الكتاب إن كان الصحابى معروفا بالأخذ عنهم حكمه الرفع على ما قال فى المحصول كتاب فى أصول الفقه للإمام الرازى نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا اثبتا من أتى أى من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام. والأثر مروى عن عبد الله ابن مسعود موقوفا عليه فى هذه الرواية من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام هذه الأثر موقوف من ناحية اللفظ لكنه مرفوع من ناحية الحكم إلى النبى عليه الصلاة والسلام فالصحابى لا يمكن أن يقول هذا الحكم فى دين الله عن طريق رأيه وهواه واجتهاده هذا مأخوذا عن النبى عليه الصلاة والسلام لكنه ما صرح بإضافة هذا الكلام إليه وما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا حكمه الرفع على ماقال فى المحصول نحو من أتى. أى من أتى كاهنا أو عرافا كلام ابن مسعود نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا أثبت أى جعله مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فإذن إذا قال الصحابى قولا لا يدرك بالرأى له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام. إخوتى الكرام: وهذا الأثر الذى ثبت موقوفا عن ابن مسعود رواه الإمام فى مسنده عن أبى هريرة مرفوعا صراحة إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعن الحسن ابن على رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام. والأثر رواه الإمام أحمد ومسلم فى صحيحه عن بعض أزواج النبى عليه الصلاة والسلام بلفظ [من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين ليلة] هذه رواية مسلم.

والرواية الأولى كما قلت رواية الإمام أحمد عن أبى هريرة وعن الحسن وهى موقوفة عن ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين فإذن إذا قال الصحابى قولا لا يدرك بالرأى له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام. ومثال هذا فى تفسير كلام الله ما ثبت فى الصحيحين ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذى عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال [كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها فى قبلها جاء الولد أحول] أى أن يجامعها من وراءها بشرط أن يكون الإيلاج والإدخال فى القبل الذى أحل الله الجماع فيه وإذا أتى الرجل امرأته من دبرها فى قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله جل وعلا: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} . فهذا الأثر الثابت عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه فى سبب نزول هذه الآية له جكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لا يدرك بالرأى كانت اليهود تقول كذا فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم فإذن هذا له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام كأن النبى عليه الصلاة والسلام يقول نزلت هذه الآية للرد على اليهود الذين يقولون إذا جامع الرجل امرأته من وراءها بشرط أن يكون الجماع فى قبلها يأتى الولد أحول هم يكذبون فى ذلك ولا حرج أن يأتى الرجل زوجته على أى جهة كانت بشرط أن يقع الإيلاج والإدخال فى القبل الذى أحل الله جل وعلا الجماع فيه فهذا هو موضع البذر وهذا هو موضع الزرع {نساؤكم حرث لكم} وأما الدبر فليس هو بموضع الزرع ولا إخراج الذرية التى تعبد رب البرية فمحرم الوطء فيه باتفاق وملعونا من فعل ذلك.

كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا هو اللوطية الصغرى وإذا فعل الإنسان هذا بزوجه ورفعت أمره إلى الحاكم يستتيبه فإن تاب وإلا يفرق بينه وبين زوجه وإذا أعلن توبته ثم عاد إلى ذلك يفرق القاضى والحاكم بينهما رغم أنفه فإذن هذا الأثر ثابت ابن عبد الله رضي الله عنهما له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ومن ذلك ما رواه الحاكم فى معرفة علوم الحديث بسنده إلى أبى هريرة رضي الله عنه فى تفسير قول الله جل وعلا: {لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر} فى سورة المدثر أوليس كذلك فقال أبو هريرة رضي الله عنه لواحة للبشر فى تفسير لواحة، لواحة للبشر أى تلوح لهم وتلوح وتظهر لهم وتترائى لهم وتخيفهم وتفزعهم وتفعل وتفعل بهم يقول تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة فلا تترك لهم لحما على عظم إلا ألقته على العراقيب وهى جمع عرقوب العصب الغليظ الذى يكون فوق العقب ويمسك القدم العراقيب العصب الغليظ وويل للعراقيب من النار فى مؤخرة الرجل عصب غليظ عرقوب تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحا فلا تترك لهم لحما على عظم إلا ألقته على العراقيب أى تسقط لحمهم ويبقى هيكل عظمى فقط وتلك العظام تسقط على أرجلهم وعلى عراقيبهم.

هذا التفسير الثابت عن أبى هريرة رضي الله عنه لا يمكن أن يقال من قبل الرأى فهو يتعلق بأمر مغيب بأمر يوم القيامة وما يكون فيها وهى غيب فأبو هريرة رضي الله عنه ما أخذ هذا عن أهل الكتاب ولايمكن أن يؤخذ هذا منهم ولم يعرف بالأخذ عنهم ,هل قال هذا من طريق رأيه واجتهاده لا الكلام فى أمور الغيبيات عن طريق الرأى بدعة ضلالة وليس فى الصحابة مبتدع رضوان الله عليهم إذن من أين لأبى هريرة هذا الكلام تلقاه عن النبى عليه الصلاة والسلام لكن ما صرح برفعه إلى النبى عليه الصلاة والسلام لواحة للبشر تلوح لهم وتلفحهم تلك اللفحة فلا تترك لهم لحما على عظم إلا ألقته على العراقيب هذا تفسير له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهو ملحق بالطريق الثانى من أنواع التفسير بالمأثور. والنوع الثانى من تفسير الصحابة مما له حكم الوقف عليهم وليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك إذا قال الصحابى قولا عن طريق الاجتهاد والاستنباط أو عن طريق تفسير الكلام حسب مدلولات اللغة أو أخذ شيئا من أخبار أهل الكتاب فى إيضاح بعض الأمور السابقة عنهم كما فعل عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عن الصحابة أجمعين فكان أصاب يوم اليرموك زاملتين من أهل الكتاب وكان يحدث بما فيهما من الأمور التى وقعت للأنبياء السابقين والأمم السابقة ويدخل هذا فى تفسير كلام الله أى فى إيضاح وتفصيل بعض ماجرى للأنبياء مع أممهم فإذا جرى هذا فهذا ليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهو موقوف عليهم من أقوالهم.

مثال هذا ما رواه الطبرى فى تفسيره عن على رضي الله عنه فى تفسير قول الله {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} فقال هم القسيسون القسيسون وهم علماء النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى هذه الحياة الدنياوهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وهذا القسيس الذى هو ضال مضل يزعم أنه يتقرب إلى الله بحب عيسى وأن عيسى ابنا لله وما شاكل هذا، هذا هو أخسر الناس عملا يظن أنه على شىء وهو على ضلال ويظن أن عمله مقبول وهو عليه مردود يقول على هم القسيسون. وثبت فى تفسير الطبرى ومستدرك الحاكم عن سعد ابن أبى وقاص مثل هذا فقال القسيسون وثبت فى صحيح البخارى عن سعد ابن أبى وقاص رضي الله عنهم أجمعين أنه قال هم اليهود والنصارى عمم فى هذا القول هناك قسيسون فقط علماء النصارى وهنا فرقتان ملعونتان يهود ونصارى ثابت فى صحيح البخارى عن سعد الأخسرون أعمالا اليهود والنصارى هذا التفسير ليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لأن هذا من باب ما يدخل فى هذه الآية وما تشمله هذه الآية فالآية تشمل القسيسين تشمل اليهود تشمل النصارى أقول تشمل المنافقين والمبتدعين والضالين فى هذه الأمة أيضا ولفظها عام. ولذلك قال الإمام ابن كثير فى تفسيره عند هذه الآية فى الجزء الثالث صفحة سبعة ومائة الآية عامة فى كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب وأن عمله مقبول وهو مخطأ وعمله مردود عامة فى اليهود والنصارى فى القسيسين فى المنافقين فى المبتدعين كل هؤلاء يشملهم قول الله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبوننهم يحسنون صنعا} هذا الطريق الثالث من طرق تفسير القرآن بالمأثور.

والطريق الرابع: تفسير القرآن بكلام التابعين الطيبين عليهم رحمة رب العالمين ,أقوال التابعين فى التفسير لها ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يجمعوا على قول فى تفسير آية من الآيات فلا بد من الأخذ بهذا القول لمحل الإجماع والله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة ولا على خطأ وهل لهذا مثال ولهذا أمثلة كثيرة من ذلك ما ثبت عن الإمام الأوزاعى بسند صحيح أنه قال كنا نقول والتابعون متوافرون إن الله فوق عرشه وعلمه فى كل مكان فعن سفيان الثورى وغيره فى تفسير قول الله {وهو معكم أينما كنتم} بعلمه ومعية الله العامة {وهو معكم أينما كنتم} بعلمه فى كل مكان المراد من المعية معية العلم والإحاطة طلاع والرقابة وعدم خفاء شىء عن الله جل وعلا: {ألم تر أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} بأى شىء بعلمه واطلاعه ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا بعلمه ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شىء عليم. هذا التأويل أجمع عليه التابعون وأن تفسير المعية هنا معية علم وإحاطة واطلاع فالأوزاعي كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه سبحانه وتعالى وعلمه فى كل مكان فآيات المعية العامة معية علم وإحاطة وإطلاع ومراقبة وليست بمعية ذاتية فيستحيل أن يكون الخالق فى شىء من مخلوقاته كما يستحيل أن تكون المخلوقات فى شىء من ذات الخالق سبحانه وتعالى وأفضل ما قيل وأحسن ما قيل فى بيان حقيقة التوحيد إفراد الحادث عن القديم والحدوث عن القدم والمفاصلة بينهما فالله ليس كمثله شىء وهو السميع البصير سبحانه وتعالى فلا يمكن أن تكون ذات الخالق فى شىء من المخلوقات ولا أن تكون المخلوقات فى شىء من ذات الخالق.

إذن ما المراد بالمعية معية علم وإحاطة وهذه المعية العامة، وأما المعية الخاصة فأجمع السلف على أن المراد منها معية نصر وتأييد وتوفيق ورعاية وحفظ وكلائة وعناية {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} {لاتحزن إن الله معنا} {إن معى ربى سيهدين} ليست المعية هنا هى المعية فى قول الله: {مايكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} فبما سيمتاز المؤمن عن الكافر إذن إذا كانت معيته لنبيه عليه الصلاة والسلام كمعيته لعدوه أبى جهل وغيره فما ميزة النبى عليه الصلاة والسلام على غيره حتى يقول إن الله معنا معنا بنصره وتأييده وتوفيقه ورعايته وحفظه وكلائته ومعونته وهناك معية عامة بعلمه وإحاطته واطلاعه ورقابته سبحانه وتعالى. إذن هنا تفسير أجمع عليه التابعون فلابد من الأخذ به ومخالفة هذا هو عين الضلال {الرحمن على العرش استوى} . كما ثبت هذا عن التابعين رضي الله عنهم آيات المعية {وهو معكم أينما كنتم} بعلمه كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه وعلمه فى كل مكان سبحانه وتعالى هذا نوع من أنواع التفسير إذا وجدته فعض عليه بالنواجذ وحذارى حذارى من تركه فلا يتركه إلا من كان ضالا وغضب الله عليه لأن مخالف الإجماع ضال {ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} .

النوع الثانى: من أنواع التفسير المنقول عن التابعين أن يكون تفسير منقول عن التابعين ولا إجماع عليه ما حصل هناك إجماع ونقل وإتفاق عليه قال بعض التابعين قولا فى تفسير كلام الله لكن ذلك القول له الحالات التى قيلت فى تفسير الصحابة فى الحالة الأولى ذلك القول لا يدرك بالرأى وليس طريقه اللغة ولم يؤخذ عن أهل الكتاب إذا كان يمكن أخذ ذلك الخبر عن أهل الكتاب فتابعى قال قولا فى تفسير كلام الله لا يمكن أن يكون ذلك القول مصدره الرأى فليس باجتهاده ولا عن طريق اللغة ولم يأخذه عن أهل الكتاب إذا كان يحتمل أخذه ذلك الخبر عن أهل الكتاب فهنا له حكم المرفوع الى النبى عليه الصلاة والسلام أيضا لكن يختلف هذا عن حكم مرفوع الصحابة مرفوع الصحابة حكما متصل ومرفوع التابعين حكما مرسل فنقول لقول التابعي إذا صدر منه قول فى تفسير كلام الله ولا يدرك بالرأى فله حكم الرفع المرسل إلى النبى عليه الصلاة والسلام حين احتجوا به. نقول لهذا المرفوع المرسل حالتان: الحالة الأولى: أن يتعزز ويتقوى بمرسل آخر فيوافقه تابعى آخر على هذا القول أو: أن يتقوى بحديث مسند مروى عن الصحابة وله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام ففى هاتين الحالتين نقبل قول التابعى فى تفسير كلام الله القوى سبحانه وتعالى بلا خلاف بين أئمة الإسلام أئمة تفسير القرآن قال التابعى قولا لا يدرك بالرأى له حكم الرفع المرسل نقبله إذا تعزز بمرسل آخر أو وافقه حديث مسند هذه الحالة الأولى.

فإذا تقوى مرسل التابعى بمرسل آخر يقبل لأن الضعيف بغير سبب انخرام العدالة وضياعها إذا جاء من طريق آخر يرتفع لدرجة الحسن لغيره فيقبل لكن الضعيف الذى لا ينجبر هو الذى سبب ضعفه فقدان العدالة فذاك لا ينجبر بحال أما الضعيف بسبب خفة ضبط أو بسبب كما هنا عدم اتصال جاء من طريق آخر فيزول ما فى هذا الطريق من ضعف لأن الضعيفين يعدلان قويا ومرسل تعزز بمرسل أو شهد له مسند يقبل هنا كلام التابعي فى تفسير كلام الله جل وعلا ولذلك يقول الإمام عبد الرحيم بن الحسين الأثرى فى ألفيته الشهيرة: فإن يقل يحتج بالضعيف ... فقل إذا كان من الموصوف رواته بسوء حفظ يجبروا ... بكونه من غير وجه يذكروا وإن يكن لكذب أو شذ ... أو قوى الضعفوف لم يجبرذا ألا ترى المرسل حيث أسند ... أو أرسلوا كما يجىء اعتضدا فالضعيف من غير انخرام العدالة وضياعها يتقوى إذا جاء من طريق آخر وهنا مرسل التابعى ضعيف فإذا تعزز بمرسل آخر نقبله تعزز بمسند نقبله وهناك شرط آخر يقبل فيه قول التابعى الذى له حكم الرفع إذا كان قائل هذا التفسير من أئمة التابعين الذين تلقوا تفسيرهم عن الصحابة كسعيد ابن جبير عندما تلقى التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فكونه تلقى غالب تفسيره عن الصحابة فعندما يقول قولا لا يدرك بالرأى عندنا ما يشعر بأن هذا القول مأخوذ عن شيخه الصحابى وبما أنه لايدرك بالرأى فله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام فيقبل فإذا القائل من أئمة التفسير من التابعين الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة هذا لايحتاج إلى تعزز بمرسل آخر أو بمسند يأتى من طريق آخر هذه الحالة الأولى لكلام التابعين فى تفسير كلام رب العالمين. إذا كانت كلامهم تفسيرهم لا يدرك بالرأى فإذا لم يتعزز بمرسل ولا كان قائل التفسير من أئمة التفسير الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة هل نحتج بتفسيره وبقوله أم لا؟

وقلنا له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام لكنه مرسل فذهب الأئمة الثلاثة إلى الاحتجاج بخبر التابعى إذا كان مرسلا أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد والإمام الشافعى ما قبل مرسل التابعى إلا بشروط كما تقدم أن يكون متعززا بمرسل آخر أن يشهد له مسند وما شاكل هذا كما تقدم أما الأئمة الثلاثة فاحتجوا به دون أن يأتى له طريق آخر ولذلك يقول الإمام عبد الرحيم ابن الحسين أثرى عليه رحمة الله: واحتج مالك كذا النعمان ... وتابعوه ما به ودانوا ورده جماهير النقاد ... للجهل بالساقط فى الإسناد ومسلم صدر الكتاب أصل عندما قال ... فى مقدمة صحيح المرسل فى قولنا وقول أهل العلم ليس بحجة ... وصاحب التمهيد عنهم نقلا أى نقله عن أئمة الحديث لأن المرسل فى هذه الحالة لا يقبل. الحالة الثالثة: من أقوال التابعين أن يكون قول التابعي ليس له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام كالحالة الثانية من أقوال الصحابة فهذا الذى هو قول ليس له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام هل نعول عليه أم لا؟ تقدم معنا أن قول الصحابى نعول عليه إن لم يكن له حكم الرفع أما هذا فجرى حول كلام التابعين فى تفسير كلام رب العالمين إذا لم يكن لكلامهم حكم الرفع خلاف على قولين. القول الأول: نعول عليه وذهب إلى هذا سفيان الثورى وغيره وكان يقول إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به وبعض أئمة الإسلام قالوا لا نعول علي ما جاء عن التابعين فى تفسير كلام رب العالمين مما هو موقوف عليهم وليس له حكم الرفع قال شعبة ابن الحجاج أقوال التابعين ليست حجة فى الفروع فكيف تكون حجة فى التفسير قال الإمام ابن كثير عليه رحمة الله يعنى لا تكون حجة على من خالفهم وعند ذلك يرجع علماء الإسلام إلى لغة العرب وإلى عمومات القرآن لبيان المراد من كلام الرحمن جل وعلا.

هذه هى طرق التفسير بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن تفسير القرآن بالسنة تفسير القرآن بأقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم تفسير القرآن بأقوال التابعين حول هذه الطرق عندنا تنبيه مهم نتكلم عليه فى أول الدرس الآتى إن شاء الله وأكمل الكلام على الطريق الثانى من طرق التفسير وهو التفسير بالرأى المقبول المبرور. صلى الله علي نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما معنى المعية بتفصيل؟ لعلنى فصلت المعية تنقسم إلى قسمين: معية عامة: مع البر والفاجر والمؤمن والكافر {وهو معكم أينما كنتم} فهذا معناها قلنا العلم والإحاطة والاطلاع والمراقبة. ومعية خاصة: تكون مع من رضى الله عنهم وأحبهم وهم عباده المؤمنون المتقون فمعية نصر وتأييد وحفظ وكلائة ومعونة. كيف يتم إحياء ليلة القدر؟ يتم بأن يشغلها الإنسان بالطاعات ولا يشترط أن يحيى الليلة وأن يقومها من أول الليل إلى آخرها وليلة القدر ممتدة كما قال الله {سلام هى حتى مطلع الفجر} فممتدة إلى طلوع الفجر فمن وفق فى تلك الليلة للتقرب إلى الله جل وعلا بطاعة ومناجاته حصل له ذلك القيام ولا يشترط أن يقوم الليلة من أولها إلى آخرها وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الإنبياء والمرسلين.

مقدمة تفسير (ش2)

مقدمة تفسير (ش2) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان مقدمة تفسير (ش2) الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم ف {ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته رضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102] {يا أيها أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاعظيما} [الأحزاب/70-71] . أما بعد معشر الأخوة الكرام لازلنا نتدارس المقدمة لدروسنا فى تفسير كلام ربنا جل وعلا وقلت إن المقدمة تقوم على أمرين. الأمر الأول: فى منزلة كلام الرحمن وأثره فى عباد الله جل وقد انتهيت من هذا الأمر. والأمر الثانى: فى الطريقة المثلى القويمة فى تفسير الآيات القيمة الحكيمة وهو ما سنتدارسه فى هذا الدرس بعون الله جل وع صلى الله عليه وسلم.

إخوتى الكرام: الطريقة القويمة فى تفسيرالآيات المحكمة القيمة العظيمة هذا الطريقة تقوم على أمرين اثنين. الأمر الأول: على التفسير بالمأثور على التفسير بالمنقول. والثانى: على التفسير بالرأى المقبول المبرور فالطريقة المحكمة لتفسير آيات القرآن إما أن يكون عن طريق النقل وإما أن يكون عن طريق الرأى الحسن. أما الطريقة الأولى وهى التفسير بالمأثور فيعنى بها ويراد بها أن ينقل المفسر تفسير الآيات المحكمة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ومن أقوال التابعين الطيبين عليهم رحمة الله جل وعلا فإذا نقل المفسر تفسير آيات القرآن من كتاب الله فسر كلام الله بكلام الله أوفسر كلام الله بكلام رسول الله عليه الصلاة والسلام أو فسر كلام الله جل وعلا بكلام الصحابة رضوان الله عليهم أو فسر كلام الله جل وعلا بكلام التابعين الطيبين عليهم رحمة الله، هذه الطريقة بأقسامها الأربعة يقال لها تفسير بالمأثور وإنما جعلت الطريقين الآخرين من التفسير بالمأثور وهما ما نقل عن الصحابة وما نقل عن التابعين لثلاثة أمور معتبرة. أولها: بعض ما نقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعا له حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتينا.

الأمر الثانى: مانقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعا مما ليس له حكم المرفوع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فالنفس تطمئن إليه والقلب يسكن لقبوله ويميل إلى ذلك ويقدمه عل ما سواه والأمر الثالث عمل المفسرين وأئمة الإسلام حيث جعلوا ما نقل عن الصحابة والتابعين رضى الله عنهم جميعا من قبيل التفسير بالمأثور فالأمام السيوطى عليه رحمة الله عندما ألف كتابه العظيم النافع فى التفسير بالمأثور وهو المسمى بالدر المنثور فى التفسير بالمأثور ولم يرد به تفسيرا بالرأى على الإطلاق قصر هذا الكتاب على تفسير كلام الله جل وعلا بما نقل عن النبى عليه الصلاة والسلام وبما نقل عن الصحابة الطيبين وبما نقل عن التابعين الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين،هذا عمله فى تفسيره الدر المنثور فى التفسير بالمأثور والكتاب عظيم ونافع جدا وهو فى ست مجلدات كبيرة ولو حقق لربما لوصل الكتاب إلى عشرين مجلدا فى التفسير بالمأثور المنقول فقط على أقل تقدير {الدر المنثور فى التفسير بالمأثور} وعلى هذا سار بعد ذلك من كتب فى التفسير من أئمة المسلمين فالشيخ الذهبى فى كتابه التفسير والمفسرون فى الجزء الأول فى صفحة اثنتين وخمسين ومائة اعتبر ما نقل عن الصحابة الطيبين وما نقل التابعين الطاهرين من طرق التفسير بالمأثور.

وهكذا أحمد أمين فى كتابه ظهر الإسلام فى الجزء الثانى فى صفحة سبعين وثلاثين وعليه فالتفسير بالمأثور هو: أن ينقل المفسر تفسير كلام الله جل وعلا من كلام الله ومن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن أقوال الصحابة الكرام رضى الله عنهم ومن أقوال التابعين عليهم رحمة الله جل وعلا فليس للمفسر فى هذه الطريقة إلا النقل من هذه المصادر الأربع ولذلك قيل له تفسير بالمأثور من قولك أثرت الحديث آثره إذا ذكرته ورويته عن غيرى ومنه قول إبى سفيان والحديث فى صحيح البخارى عندما أرسل النبى صلى الله عليه وسلم كتابه إلى هرقل عظيم الروم يدعوه إلى الإسلام فجمع هرقل من هم من مكة فى بلاد الشام جاؤا تجارا إلى بلاد الشام ليسألهم عن النبى عليه الصلاة والسلام فلما اجتمعوا قال لهم أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذى يزعم أنه نبى فقلت أبو سفيان أنا فقال قدموه وجعلوا أصحابه وراء ظهره ثم قال هرقل لقوم إبى سفيان إنى سائل هذا أى أبا سفيان عن هذا الرجل الذى يزعم أنه نبى عليه الصلاة والسلام فإن كذبنى فكذبوه فقال أبو سفيان والله لولا أن يأثروا عنى كذبا لكذبت عليه أى لافتريت وقلت فيه ما ليس فيه،يأثروا أى ينقلوا عنى كذبا وتتناقله الأجيال بأن أبا سفيان كذاب فالكذب منقصة فى بنى الإنسان فلذلك لن يتكلم إلا بحقيقة الأمر لولا أن يأثروا عنى كذبا لكذبت عنه فإذن تفسير المأثور أى منقول من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم ومن أقوال التابعين عليه رحمة الله هذه الطرق الأربعة للتفسير بالمأثور ينبغى أن نقف عندها وقفة يسيرة نوضح فيها هذه الطرق.

أولا تفسير القرآن بالقرآن: هذا أحسن طرق التفسير لأن هذا جار على البدهية المقررة بأن صاحب الكلام أدرى بمراد كلامه وصاحب البيت أدرى بما فى بيته وأهل مكة أدرى بشعابها وكلام الله جل وعلا أول من يعلم ماذا يراد به المتكلم وهو الله جل وعلا ولذا إذا وجدنا تفسيرا للقرآن بالقرآن فنعض على ذلك بالنواجذ فهذا تفسير لكلام الله بكلام الله ولهذا أمثلة كثيرة من ذلك قول الله جل وعلا فى سورة الفرقان {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} هذه الليلة التى هى كثيرة الخيرات عظيمة البركات نزلت فيها هذه الآيات المحكمات نزل فيها القران العظيم. ما هى؟ وفى أى شهر من أشهر السنة هى؟ نقل فى ذلك قولان: قول مهجور مردودوهوأنها ليلة النصف من شعبان ولم ينقل هذا إلا عن عكرمة من التابعين وهذا ثابت عنه بإسناد صحيح عليه رحمة الله لكن القول مردود ولم يرد فى ليلة النصف من شعبان حديث يسوى سماعه كما قال أئمتنا الكرام إذن نحن إذا أردنا أن نبين هذه الليلة نأتى لكلام الله هل وضح الله هذه الليلة فلنستعرض آيات القرآن الكريم فى بيان هذه الليلة ومتى هي يقول الله فى سورة القدر {إنا أنزلناه فى ليلة القدر *وماأدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر} هذه هى البركة التى نزل فيها القرآن أن هذه الليلة مباركة فهى أفضل من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهى أفضل من ألف شهر من بضع وثمانين سنة يتعبد فيها الرجل من الأمم السابقة لقصر أعمار هذه الأمة كما ثبت هذا عن مجاهد رضى الله عنه فى موطأ مالك وغيره.

فإذن ليلة القدر عظيمة البركة ومن بركتها أنها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهى خير من ألف شهر يتعبد فيها المكلف من الأمم السابقة فهذه الأمة أعمارها قصيرة فأعطاهم الله ليلة هى خير من ألف شهر إذا أحيوها كتب لهم ما يزيد على عبادة بضع وثمانين سنة والأجر لنا خير من تلك السنوات الكثيرة التى يقومها فرد من الأمم السابقة فى عبادة ربه جل وعلا إذن هذه الليلة المباركة هى ليلة القدر ليلة القدر التى لها هذا الشأن فى أى شهر شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هذا تفسيرللقرآن بالقرآن فالليلة المباركة التى لم تحدد فى أى شهر هى ولم تبين متى تكون فى سورة الدخان {إنا أنزلناه فى ليلة مباركة} بين الله فى سورة القدر أن هذه الليلةالمباركة هى ليلة القدر وليلة القدر التى نزل فيها القرآن هى فى شهر رمضان كما قال ربنا الرحمن {شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن} هذا تفسير للقرآن بالقرآن ومن ذلك قول الله جل وعلا فى سورة الإسراء {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا} لطلب تلك الآلهة طريقا الى الله هذا الطريق الذى يطلبه تلك الآلهة إلى الله ما هو؟ آيات القرآن دلت على أن ذلك الطريق محصور فى أمرين اثنين كل منهما حق, الأمر الأول لطلبو طريقا لمنازعة الله ولمخاصمته ولقتاله كما قال جل وعلا {قل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا} لحصل النزاع بين تلك الآلهه التى تزعمونها مع الله ومع الله كما قال جل وعلا {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} فلنازعت تلك الآلهه هذا الإله وبالتالى يختل نظام هذا الكون والإحكام الذى فيه دل على إنه إله واحد يسيره ويتصرف فيه {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا} سبيلا الى منازعته ومخاصمته ومغالبته {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} .

والثانى لابتغوا إلى ذى العرش سبيلا،طريقا للتقرب إليه والسعى فى خدمته وعبادته لينالوا المنزلة عنده ,لو كان هناك آلهة كما تزعمون لعبدت تلك الآلهة هذا الإله الحق الذى هو الإله العظيم وهذا أشار ربنا جل وعلا إليه فى سورة الإسراء فقال {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} هؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله وتزعمونهم أنهم آلهة مع الله من الملائكة والمسيح ابن مريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هم يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} . والآية كما ثبت فى صحيح البخارى عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه نزلت فى أناس من العرب من الإنس كانوا يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجن وعبدوا الله وبقى المشركون من العرب على عبادتهم فأنزل الله هذه الآية يعيرهم بها فقال أولئك الذين يدعون ,يدعونهم من دون الله ويعبدونهم {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} . إذن قول الله جل وعلا {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} هذا السبيل مفسر فى آيات القرآن الكريم بأمرين لابتغوا سبيلا لمنازعته وبالتالى يفسد هذا الكون لابتغوا سبيلا إلى عبادته والتقرب إليه فكيف تعبدونهم من دون الإله الحق فاعبدوا من يعبده من تعبدونهم فمن تعبدونه يعبد الله فاعبدوا الله جل وعلا ولا تشركوا به أحدا {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا} .

ومن ذلك قول الله جل وعلا {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} من سورة النحل إذا أردت المراد من هذه الآية إذا أردت أن تقرأ وإذا أردت الشروع فى القراءة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يقال إن الفعل هنا فعل ماض ورتب الله جل وعلا الجزاء على الشرط فإذا قرأت القرآن وانتهيت استعذ بالله من الشيطان الرجيم كما وهم فى ذلك بعض المفسرين ويأتينا هذا إن شاء الله عند تفسير آيات الإستعاذة ونسبوا هذا القول إلى بعض الصحابة كإبى هريرة وغيره رضي الله عنهم بأن الاستعاذة تكون فى آخر القراءة لأن الله يقول {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} إذا انتهيت فاستعذ وهذا الكلام كما قال الإمام أبو بكر ابن العربى فى أحكام القرآن قال فى حق هذا الكلام انتهى العى بقوم إلى أن قالوا إن الإستعاذة بعد القراءة ونسب بعضهم ذلك إلى الإمام مالك والله أعلم بسر هذه الرواية وفقه الإمام مالك وذكائه أعلى من أن ينسب إليه ذلك إذن {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} كيف تقولون إذا أردت أن تقرأ ,نقول لهذا نظائر فى كلام الله وهذا بينته آيات القرآن يقول الله جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} الآية إذا قمتم إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فتطهروا وليس وهو يصلى يتوضأ هذا بينته آيات القرآن ووضحته. ومن ذلك قول الله جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} أى إذا أردتم مناجاة الرسول عليه الصلاة والسلام. ومن ذلك قول الله {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} أى إذا أردتم سؤالهن لمتاع من أمتعة الدنيا ومتاع البيوت فاسألوهن من وراء حجاب إذا أردتم.

وهنا فإذا قرأت القرآن فاسعذ بالله إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولهذا أمثلة كثيرة إن شاء الله عندما نتدارس تفسير كلام الله جل وعلا نطبق هذا فنبدأ بتفسيركلام الله بكلام الله فإن وجدنا هذا عضضنا عليه بالنواجذ وإلا انتقلنا إلى الطريقة التى بعدها. إخوتى الكرام: أبرز من عنى بهذا النوع من التفسير وهو إيضاح القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالقرآن شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطى عليه رحمة الله ونور الله قبره وجعل قبره روضة من رياض الجنة وغفر له ولجميع المسلمين والمسلمات فى كتابه العظيم فى التفسير المسمى بأضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن ,فذكر فى مقدمة كتابه وتفسيره فى الجزء الأول فى صفحة ثلاثة أن أهم المقصود بتفسيره أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن أمران: الأمر الأول إيضاح القرآن بالقرآن وسلك حقيقة مسلكا لم يسلكه من قبله من المفسرين بالنسبة التى سلكها كانوا يفسرون كلام الله بكلام الله لكن أحيانا يقتصرون فى الإيضاح أما هو لايوجد آية بينت فى آية أخرى إلا واستعرض هذا وذكر النظائر التى توضح كلام الله جل وعلا بكلام الله جل وعلا. والأمر الثانى والغرض الثانى من تفسيره أنه يبين الأحكام الفقهية فى تفسير الآيات القرآنية ,فأهم المقصود بتفسيره أمران إيضاح القرآن بالقرآن وبيان الأحكام الفقهية عند الآيات المفسرة التى يوضحها عليه رحمة الله. هذا النوع الأول من أنواع التفسير بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن والنوع الثانى تفسير القرآن بالسنة.

إخوتى الكرام: قبل النوع الثانى أحب أن أبين إلى أنه يدخل فى هذا النوع من البيان إيضاح القراءات ببعضها فالقراءة مع القراءة كالآية مع الآية كما قال أئمتنا فقد يكون المعنى فى قراءة من القراءات يحتمل لمعنيين ما المراد منهما تأتى قراءة ثانية توضح أن المراد من هذه القراءة من هذه الآية هو المعنى الأول أو الثانى كقول الله جل وعلا فى سورة النور {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور/22] .

قرأ القراء التسعة العشرة باسثناء إبى جعفر يزيد ابن القعقاع قارىء المدينة المنورة وشيخ نافع عليهم جميعا رحمة الله قرأ التسعة ولا يأتل وقرا أبو جعفر ولا يتأل أولوا الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولوا القربى لايأتل ولا يتأل والقراءتان متواترتان ثابتتان عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقول الحافظ فى الفتح فى الجزء الثامن صفحة تسع وثمانين وأربعمائة لاتعرف هذه القراءة عن أهل المدينة وإنما قرأ بها الحسن البصرى فقط وهى من الشواذ هذا وهم منه غفر الله له ورحمه فالآية ثابتة عن إبى جعفر يزيد ابن القعقاع ولا يتأل أولوا الفضل قراءة ولا يأتل التى هى قراءة الجمهور والجم الغفير والقراءة الأكثر تحتمل معنيين تحتمل ولا يأتل من الألية بوزن عطية بمعنى اليمين والحلف والقسم, قليل الألايا حافظ ليمينه إذا صدرت منه الألية برة وعليه ولا يأتل أى لا يحلف ,أولوا الفضل منكم والسعة على ألا يأتوا إحسانهم وصدقاتهم ومعروفهم لأولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله والآية نزلت فى عتاب أبى بكر رضي الله عنه عندما حلف ألاينفق على مسطح ابن أثافة رضي الله عنهم أجمعين وهو ابن الكبر خالته وقد خاض فى الإفك رضي الله عنه وغفر له وهو من أهل بدر الكرام رضي الله عنهم أجمعين، ولا يأتل ولا يحلف من الألية بوزن عطية بمعنى القسم واليمين.

وتحتمل من الألو بمعنى التقصير ولا يأتل ولا يقصر فى النفقة ,فاحتملت قراءة الجمهور معنيين لا يأتل لايحلف ,لايأتل لايقصر فأى المعنيين هو المراد قراءة أبى جعفر توضح وترجح معنى من هذا المعنيين لاتحتمل قراءة إبى جعفر غيره ولا يتأل والتال هو الحلف وهذا الذى صدر من أبى بكر رضي الله عنه عندما حلف ألا ينفق على مسطح ابن أثافة فنزلت الآية تعاتبه فقال بلى نحب أن يغفر الله لنا وأعاد نفقته على مسطح ضعف ما كان ينفق عليه رضي الله عنه وأرضاه وهذه كما ثبت فى صحيح مسلم عن عبد الله ابن المبارك هى أرجى آية فى القرآن العظيم فالذى جرى من مسطح ابن أثافة ذنب عظيم عظيم كبير كبير يتكلم على أمه عائشة أمنا أم المؤمنين رضي الله عنها هى زوج النبى عليه الصلاة والسلام هى بنت صديق هذه الأمة هى الصديقة الحصان الرزان حبيبة حبيب الله عليه صلوات الله وسلامه رضي الله عنها هى قريبته فمسطح عندما تكلم بالإفك ارتكب جنايات عظيمة وأبو بكر رضي الله عنه ما قابله بشىء إلا أنه قال كنت أحسن إليه سأقطع إحسانى عنه ولو قطع الإحسان دون جناية من مسطح لما كان عليه لوم إن شاء أن يحسن فله أجر وإن شاء ألا يحسن ضاع منه ذلك الأجر لكن الله ما رضى هذا من أبى بكر رضي الله عنه فقال {ولا يأتل ولا يتأل أولوا الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} .

فالجزاء جزاء من جنس العمل فإذا غفرت يغفر لك وإذا سامحت يسامحك الله فقال أبو بكر بلى وأعاد بالنفقة ضعف ما كان ينفق عليه وفى صحيح مسلم عن عبد الله ابن المبارك يقول هذه أحب آية إلى فى القرآن لأن الله عندما عاتب عبدا من عباده عندما قطع إحسانه فالمؤمن أيضا يقول لربه يارب أحسنت إلى فى هذه الحياة فكيف تقطع إحسانك عنى بعد الممات أنا أحوج إلى الإحسان بعد موتى من إحسانك إلى فى حياتى فالشروع ملزم فى مذهب النعمان فكيف بكرم الرحمن إذا شرعت فى نافلة يجب عليك أن تتمها عند إبى حنيفة وإذا شرعت فى إحسان يجب عليك أن تتمه ,فالله جل وعلا أولى بإتمام المعروف والكرم ولذلك قال أئمتنا فإن قدر الذنب من مسطح يحط قدر النجم من أفقه وقد جرى منه الذى قد جرى وعوتب الصديق فى حقه رضي الله عنه وأرضاه إذن ولا يأتل ولا يتأل والقراءة مع القراءة كالآية مع الآية هذا النوع الأول من أنواع تفسير القرآن بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن. والنوع الثانى من أنواع تفسير القرآن بالمأثور تفسير القرآن بالسنة إذا لم تجد إيضاح كلام الله جل وعلا فى كلام الله فارجع إلى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فالله بعث نبيه ليبين للناس ما نزل إليهم من ربهم وكان يتلوا عليهم هذا القرآن ويوضح لهم معانيه عليه صلوات الله وسلامه ولذلك قال الإمام الشافعى كل ما حكم به رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو مما فهمه من القرآن ولذلك إذا أعياك طلب التفسير من القرآن فاطلبه من سنة النبى عليه الصلاة والسلام قال الإمام ابن كثير والغرض أنك تطلب تفسير القرآن من القرآن فإن لم تجده ترجع إلى سنة النبى عليه الصلاة والسلام.

كما ثبت فى المسند والسنن بإسناد جيد فى حديث معاذ عندما أرسله النبى صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له بما تحكم قال بكتاب الله قال فإن لم تجد قال بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيى ولا آلوا قال الإمام ابن كثير والحديث فى المسند والسنن بإسناد جيد وهذا فى مقدمة تفسير الإمام ابن كثير فى الجزء الأول فى صفحة ثلاثة وهذا الكلام الذى قاله الإمام ابن كثير مأخوذ من كلام شيخه شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية وهو موجود فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثالث عشر فى صفحة ثلاث وستين وثلاثمائة يقول هذا الحديث فى المسند والسنن بإسناد جيد. والحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده والترمذى فى سننه وأبو داود فى سننه ورواه الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله ورواه الخطيب البغدادى فى كتابه الفقيه والمتفقه وقد كتب الإمام ابن القيم عليه ما يزيد على صفحة فى تفسير هذا الحديث وقبوله واعتماد أئمة الإسلام فى كتابه العظيم إعلام الموقعين ويقال بالهمزة من فوق أعلام الموقعين إعلام الموقعين الذين يوقعون عن رب العالمين يعلمهم وينبههم بالاحتياط وما ينبغى عليهم فى فتاويهم أعلام الموقعين المعالم البارزة التى يهتدى بها المفتون فى أمور الدين إعلام الموقعين أعلام الموقعين يقول فى الجزء الأول فى صفحة مائتين واثنتين هذا الحديث تلقاه الكافة عن الكافة وهو حديث عملت به الأمة وأخذت به والإمام ابن العربى عليه رحمة الله فى عارضة الأحوزى فى الجزء السادس صفحة اثنتين وسبعين بعد أن حكى اختلاف العلماء فى تصحيح هذا الحديث قال والدين القول بصحتة فإنه حديث مشهور.

نعم فى الحديث شىء من الكلام على بعض الرواة فى الإسناد فى جهالة الحارث بن عمر وجهالة أصحاب معاذ وهل يسلم جهالة أصحاب معاذ أم هم من الشهرة بمكان وهذا أعلى مما لو ذكروا كما يقول الإمام بن القيم هذا مجال بحث لكننى أقول الحديث إذا تلقته الأمة بالقبول لا يبحث عن إسناده وقد ذكر هذا إمام المحدثين فى زمنه الإمام السخاوى فى الجزء الأول فى صفحة ثمان وستين ومائتين فقال إذا تلقت الأمة الحديث الضعيف بالقبول ينزل منزلة المتواتر لأن إجماع الأمة معصوم من الخطأ ثم نقل عن الشافعى عليه رحمة الله حديث لا وصية لوارث حديث ضعيف وتلقته الأمة بالقبول ونسخت به مدلول قول الله جل وعلا {كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} . فحديث لا وصية لوارث إن الله قد أعطى لكل ذى حق حقه فلا وصية لوارث حديث ضعيف تلقته الأمة بالقبول وعملت به ونسخت الوصية للوالدين والأقربين فكل من يرث لا وصية له ولا تصح الوصية له مع أنه ضعيف وهو حديث معاذ على التسليم بوجود ضعف فى إسناده فالأمة تلقته بالقبول وإذا تلقت الأمة حديثا بالقبول ينزل منزلة المتواتر ولذلك قال شيخنا عليه رحمة الله فى مذكرته فى أصول الفقه فى صفحة ثلاث وثلاثين هذا حديث مشهور ومثله لا يحتاج للبحث عن إسناده وإن كان فيه ضعف أى تكلم فى إسناده وفيه ضعف هذا مثله لا يحتاج للبحث عن إسناده حديث مشهور وتلقته الأمة بالقبول إذن نطلب تفسير كلام الله جل وعلا من كلام الله فإذا لم نجده نرجع إلى سنة النبى صلى الله عليه وسلم لنطلب تفسير القرآن من السنة وما ثبت فى حديث معاذ ثبت مدلوله من كلام ابن مسعود وعمر ابن الخطاب رضى الله عنهم فى سنن النسائى والبيهقى ومن كلام أبى بكر فى سنن البيهقى.

ففى سنن النسائى فى الجزء الثامن صفحة مائتين وثلاثة فى سنن النسائى فى كتاب القضاء باب القضاء باتفاق أهل العلم وفيه فى هذا الحديث والإسناد هذا المكان سئل عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وأكثر عليه فى السؤال فقال قد مضى علينا زمان وما كنا نفتي ولسنا بأهل للفتيا والقضاء حتى صرنا إلى ما ترون فمن جاءه قضاء وعرض عليه مسألة فليقض بما فى كتاب الله فإن لم يجد فبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن لم يجد القضاء فى كتاب الله ولا فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فليقض بما قضى به الصالحون ولا يقل إنى أخاف إنى أخاف فإن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات قال أبو عبد الرحمن الإمام النسائى عليه رحمة الله هذا حديث جيد جيد ومثل هذا قال أيضا عمر رضى الله عنه كما فى سنن النسائى والبيهقى عندما كتب له أبو موسى الأشعرى رضى الله عنهم جميعا يسئله فقال له اقض بما فى كتاب الله فإن لم تجد فاقض بما في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن لم تجد فاقض بما قضى به الصالحون فإن لم تجد فإن شئت فتقدم أى اجتهد وإن شئت فتأخر ولا أرى إلا التأخر خيرا لك أى أحجم وسل أهل العلم ولا تتجرأ بنفسك على الفتيا والإجتهاد حتى تأخذ رأى أهل الخير والصلاح فإذا وجدت قضاء فى كتاب الله فاقض به فى سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فاقض به قضى به الصالحون قبلك فاقض به لن تجد إن شئت فتقدم وإن شئت فتأخر ولاأرى التأخر إلا خيرا لك ,فمدلول حديث معاذ ثابت من كلام ابن مسعود وعمر وأبى بكر رضى الله عنهم أجمعين.

إخوتى الكرام: نحو الطريق الثانى من تفسير القرآن بالمأثور وهو تفسير القرآن بالسنة ينبغى أن نحذر التعويل على ما لا أصل له وعلى ما لا يثبت مما نسب إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقد وضع على نبينا عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة لاسيما فى التفسير ولذلك ثبت عن الإمام أحمد عليه رحمة الله أنه قال ثلاثة كتب ليس لها أصل التفسير والملاحم والمغازى الغالب على هذه الكتب كما قال أئمة الإسلام الغالب عليها الإرسال وعدم الاتصال والضعيف والتفسير والملاحم والمغازى. الملاحم مايتعلق بأمور الفتن والأمور التى ستقع والمغازى ما وقع فى الأمر الأول فينقل بلا إسناد ويتساهل فيه وهكذا التفسير قال الإمام ابن حجر فى مقدمة لسان الميزان وينبغى أن يضاف إليها الفضائل كتب الفضائل ثم قال فهذه أودية الحديث الضعيف ,التفسير والفضائل والملاحم والمغازى فانتبه وحذارى حذارى أن تأخذ بما لم يثبت عن النبى عليه الصلاة والسلام فى تفسير كلام الرحمن فلا بد من أن تعول على أثر صحيح ثابت تداولته الأمة وأخذوا به فى تفسير كلام الله جل وعلا.

أخوتى الكرام: لهذا النوع من التفسير نماذج نذكر بعضها فى هذا الدرس قال الله جل وعلا فى كتابه {الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} من سورة الأنعام الظلم يشمل كل معصية ولذلك لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة كما ثبت فى الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنهم أجمعين يقول لما نزل قول الله {الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالوا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه والله شرط الأمن والاهتداء الأمن فى الآخرة والاهتداء فى الدنيا بعدم خلط الإيمان بشىء من الظلم وكل معصية ظلم تجاوز الإنسان الحدود الشرعية ووضع الأمر فى غير موضعه وغير نصابه فإذن لايحصل له اهتداء فى الدنيا ولا أمنا فى الآخرة إذا خلطوا إيمانهم بشىء من المعاصى ومن ينفك عن معصية الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم شق ذلك على أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وقالوا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه أينا لايظلم نفسه.

فقال ليس بالذى تعنون ليس المراد من الظلم مطلق المعاصى لا إنما المراد من الظلم الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح لقمان {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} وعليه الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم أى لم يخلطوا إيمانهم بشرك وحدوا الله جل وعلا توحيدا حقيقيا أما أن الجبلة البشرية الطبيعة الإنسانية تنفك عن معصية فهيهات هيهات يا عبادى إنكم تخطئون فى الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم مؤمن لايخلط إيمانه بهفوة وبتقصير هذا لا يمكن أن يوجد هذا لعله يوجد فى الملأ الأعلى فى حال الكرام الكاتبين الذين لا يعصون الله ما أمرهم يفعلون ما يؤمرون أما هذا البشر الذى فيه ما فيه من أمور الغضب والغفلة والشهوة والسهو والنسيان وغير ذلك يقع ,يقع فى هفوات وزلات فإذ سلم من الشرك فليحمد الله الذين آمنوا ولم يلبثوا بظلم أى بشرك أولئك لهم الأمن فى الآخرة وهم على اهتداء فى هذه الحياة الدنيا ففسرت.. الأفراد فخص هذا العموم بنوع من أفراده وهو الشرك إن الشرك لظلم عظيم ليس المراد بالظلم ماتعنونه وتفهمونه مطلق المعاصى إنما المراد منه الشرك إن الشرك لظلم عظيم.

ومن ذلك أيضا ماثبت فى الصحيحين وسنن الترمذى وأبى داود والحديث فى مسند الإمام أحمد عن ابن أبى مليكة من أئمة التابعين قال كانت أمنا عائشة رضي الله عنها لاتسمع شيئا لاتعرفه إلا سألت عنه حتى تعرفه رضي الله عنها وأرضاها وأكرم بها من أم واعية صالحة قانتة طيبة تقول أمنا عائشة سمعت النبى عليه الصلاة والسلام يقول من نوقش الحساب عذب وفى رواية من حوسب هلك فقالت أمنا عائشة يا رسول ألم يقل الله فى كتابه {فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} بل سيحاسب وأنت تقول من حوسب هلك من نوقش الحساب عذب فقال يا عائشة إنما ذلك العرض ,الحساب اليسير وعرض الصحف على العامل فقط دون أن يحاسبه الله ودون أن يناقشه إنما ذلك العرض لكن من حوسب عذب ففسر صلى الله عليه وسلم هنا قول الله {فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا} بعرض الكتاب عليه يعرض عليه ثم لايناقش ولايحاسب ولايجادل ويقال له عبدى سترتك فى الدنيا وان أسترك فى الآخرة هذا هوالحساب اليسير لكن من حاسبه الله وناقشه وجرى بينه وبين عبده مجادلة هلك العبد وعذب ولابد من حوسب عذب من نوقش الحساب عذب من حوسب هلك والحساب اليسير فى قوله الله فسوف يحاسب حسابا يسيرا هوالعرض وهكذا قول الله جل وعلا فى سورة الزلزلة والزلزال يومئذ تحدث أخبارها سألوا النبى عليه الصلاة والسلام عن أخبارها التى تتحدث بها الأرض ما هذه الأخبار التى تتحدث بها الأرض يوم القيامة.

والحديث ثابت فى مسند الإمام أحمد والترمذى ومستدرك الحاكم وهو بسند حسن قالوا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما أخبارها قال أن تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر أن تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير وشر سبحان الله الجوارح تشهد والأرض تشهد العمر ينقص والذنوب تزيد وتقال عثرات الفتى فيعود هل يستطيع جحود ذنب واحد رجل جوارحه عليه شهود الجوارح تشهد والبقعة التى عصيت الله عليها تشهد عليك والبقعة التى أطعت الله فيها تشهد لك هذه الأخبار تتحدث بها الأرض يوم القيامة يومئذ تحدث أخبارها ما أخبارها أن تشهد على ابن آدم بما عمل على ظهرها من خير أو شر وهكذا قول الله جل وعلا {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ما السبيل سألوا النبى عليه الصلاة والسلام فقالوا يا رسول الله ما السبيل الذى إذا استطاعه الإنسان وجب عليه الحج. والحديث ثابت فى سنن الترمذى وابن ماجة وسنن البيهقى والدار قطنى ومستدرك الحاكم بسند صحيح لكثرة طرقه وشواهده قال شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان الذى يظهر أن الحديث ثابت لكثرة طرقه وقال الإمام الشوكانى فى نيل الأوتار ولايخفى أن كثرة هذه الطرق تفيد ثبوت الحديث والحديث ثابت عن ثمانية الصحابة الكرام عن على وابن عمر وابن عباس وأنس وابن عمرو وابن مسعود وجابر ابن عبد الله وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين قالو ما السبيل قال الزاد والراحلة فإذا ملك زادا وراحلة فاضلتين عن حوائجه الأصلية وجب عليه أن يذهب إلى الحج {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ولذلك إذا لم يملك الزاد والراحلة الزاد وأجرة الطريق ونفقة عياله فلا يجب عليه الحج وبهذا قال الأئمة الثلا ثة الحنفية والشافعية والحنابلة والإمام مالك عليه رحمة الله اعتبر تفسير النبى عليه الصلاة والسلام من باب التفسير بالأمر الغالب.

ولذلك يجب الحج عند الإمام مالك على المسلم إذا كان مكلفا ولم يملك زادا وراحلة وتفسير النبى عليه الصلاة والسلام يقول جرى هذا على حسب الأغلب لأن غالب الحجاج آفاقيون وإذا كانوا من بلاد بعيدة فسيتكلفون المشى على أرجلهم وفى الغالب يشق عليهم فإذا كان يشق عليهم فلا بد إذن من زاد وراحلة أما من تمكن من الحج لقرب المكان كما لو كان من أهل المدينة المنورة أو من بلاد الشام مثلا ماشيا على رجليه والطريق يقرب منه مدة أسبوع ليس كما هو الحال من بلاد المغرب ,كان شيخنا عليه رحمة الله يقول إذا عيدوا عيد الأضحى فى بلاد موريتانيا التى هى شنقيط يخرجون إلى الحج فيبقون فى الطريق سنة كاملة حتى يدركوا عيد الأضحى فى السنة الآتية فى بلاد الحجاز فى مكة المكرمة سنة كاملة فهذا يشق عليه أن يمشى على رجليه فغالب الحجاج آفقيون ولذلك إذا كانت المسافات بعيدة فلابد من زاد وراحلة لكن إذا كانت المسافة قريبة وبإمكانه أن يمشى على رجليه فوجب عليه أن يحج وإن لم يملك زادا ولا راحلة لأن تفسير النبى عليه الصلاة والسلام جرى على الأمر الغالب وإذا جرى على الأمر الغالب فليس له مفهوم مخالفة أى لايفهم منه أنه إذا لم يملك زادا وراحلة لا يجب عليه الحج.

هذا كقول الله جل وعلا {وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن} فالربيبة بنت الزوجة تحرم عليك سواء كانت فى حجرك أو لم تكن فى حجرك إذن لما هذا القيد قال أئمتنا أغلبى لأن الغالب أن بنت الزوجة تكون مع الزوجة فى حجرك وفى بيتك لكن لو تزوجت امرأة ولها بنت ولم ترها ولم تربى فى حجرك يحرم عليك أن تجمع بين المراة وابنتها فلا يجوز إذن لما قال الله فى حجوركم قالوا هذا قيد أغلبى الغالب الربيبة تكون فى حجر الزوج ولذلك ليس له مفهوم مخالفة أى إن كانت فى حجرك تحرم عليك وإن لم تكن فى حجرك تحرم عليك وهنا كلام النبى عليه الصلاة والسلام الزاد والراحلة هذا باعتبار الأمر الغالب ولذلك قال الإمام مالك عليه رحمة الله إذا أمكنه أن يحج على رجليه وجب عليه ذلك فإذا لم يمكن وكان من بلاد بعيدة ويصعب عليه أن يحج على رجليه فهناك لا بد من زاد وراحلة أما إن أمكنه المشى وجب عليه وإن لم يكن عنده زاد نقول له حالتين فإن كان من أهل المروءات الذين يصعب عليهم أن يعملوا فى كل منطقة يذهبون إليها فلا يجب عليه حتى يجد زادا وإن لم يكن من أهل المروءات واحد عادى وليس عنده نفقة وعنده القدرة أن يمشى على رجليه فيجب عليه أن يمشى وأن يشتغل بكل بلدة يصل إليها ليحصل قوته ليؤدى هذه الفريضة التى أوجبها الله عليه {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} هو الزاد والراحلة هل هذا التفسير أغلبى او لبيان شرط وجوب الحج , اختلف الأئمة فى ذلك بعد اتفاقهم على ثبوت هذا التفسير عن النبى عليه الصلاة والسلام ,إذن هذا من أنواع تفسير القرآن بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا الطريق الثانى من طرق التفسير بالمأثور.

والطريق الثالث: تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فهذا أيضا يأتى فى المرتبة الثالثة فالصحابة أكثرهم عرب خلص والقرآن نزل بلسان عربى مبين فيفهمون المراد من كلام الله جل وعلا على حسب لغتهم وهم حضروا وقائع التنزيل وشهدوا أسباب نزول الآيات الكريمات فيعرفون ماذا يراد بتلك الآيات وماذا يعنى بها ثم لهم من الفهم ورسوخ القدم فى الدين ما ليس لغيرهم فكلامهم يقدم على كلام من بعدهم ولا شك لهذه الاعتبارات الثلاثة رضوان الله عليهم أكثرهم عرب خلص ,شهدوا نزول القرآن, لهم من الفهم فى دين الرحمن والمنزلة ما ليس لغيرهم فكلامهم مقدم على كلام من بعدهم.

وأقوال الصحابة فى تفسير كلام الله جل وعلا أقوالهم لها حالتان: الحالة الأولى أن يكون لأقوالهم حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وذلك يكون إذا قال الصحابى قولا فى تفسير كلام الله وهذا القول لا يدرك بالرأى وليس طريقه اللغة وليس مأخوذا عن أخبار أهل الكتاب إذا كان ذلك الصحابى يأخذ عنهم كعبد الله ابن عمرو ابن العاص رضى الله عن الصحابة أجمعين فإذا قال الصحابى قولا فى تفسير الله ذلك القول لا يدرك بالرأى وليس طريقه اللغة وليس معروفا بالأخذ عن أهل الكتاب إذا كان ذلك الخبر يحتمل أخذه عنهم فإذا خلا عن هذه الأمور فلقول الصحابى فى تفسير كلام الله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام كما لو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى تفسير الآية وهذا ما أشار إليه أئمتنا عليهم رحمة الله بلا خلاف بينهم يقول الشيخ عبد الرحيم ابن الحسين الأثرى فى الألفية الشهيرة بألفية الأمام العراقى عليه رحمة الله وما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا حكمه الرفع على ما قال فى المحصول نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا أثبت وماأتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا أى لا يمكن أن يكون ذلك القول مصدره الاجتهاد ولا اللغة ولا الأخذ عن أهل الكتاب إن كان الصحابى معروفا بالأخذ عنهم حكمه الرفع على ما قال فى المحصول كتاب فى أصول الفقه للإمام الرازى نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا اثبتا من أتى أى من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام.

والأثر مروى عن عبد الله ابن مسعود موقوفا عليه فى هذه الرواية من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام هذا الأثر موقوف من ناحية اللفظ لكنه مرفوع من ناحية الحكم إلى النبى عليه الصلاة والسلام فالصحابى لا يمكن أن يقول هذا الحكم فى دين الله عن طريق رأيه وهواه واجتهاده هذا مأخوذا عن النبى عليه الصلاة والسلام لكنه ما صرح بإضافة هذا الكلام إليه ,وما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا حكمه الرفع على ماقال فى المحصول نحو من أتى أى من أتى كاهنا أو عرافا كلام ابن مسعود نحو من أتى فالحاكم الرفع لهذا أثبت أى جعله مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فإذن إذا قال الصحابى قولا لا يدرك بالرأى له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام. إخوتى الكرام: وهذا الأثر الذى ثبت موقوفا عن ابن مسعود رواه الإمام فى مسنده عن أبى هريرة مرفوعا صراحة إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعن الحسن ابن على رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله على محمد عليه الصلاة والسلام والأثر رواه الإمام أحمد ومسلم فى صحيحه عن بعض أزواج النبى عليه الصلاة والسلام بلفظ [من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين ليلة] هذه رواية مسلم والرواية الأولى كما قلت رواية الإمام أحمد عن أبى هريرة وعن الحسن وهى موقوفة عن ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين فإذن إذا قال الصحابى قولا لا يدرك بالرأى له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام.

مثال هذا فى تفسير كلام الله ما ثبت فى الصحيحين ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذى عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال [كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها فى قبلها جاء الولد أحول] أى أن يجامعها من وراءها بشرط أن يكون الإيلاج والإدخال فى القبل الذى أحل الله الجماع فيه ,إذا أتى الرجل امرأته من دبرها فى قبلها جاء الولد أحول ,فأنزل الله جل وعلا {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فهذا الأثر الثابت عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه فى سبب نزول هذه الآية له جكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لا يدرك بالرأى كانت اليهود تقول كذا فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم فإذن هذا له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام كأن النبى عليه الصلاة والسلام يقول نزلت هذه الآية للرد على اليهود الذين يقولون إذا جامع الرجل امرأته من وراءها بشرط أن يكون الجماع فى قبلها يأتى الولدأحول هم يكذبون فى ذلك ولا حرج أن يأتى الرجل زوجته على أى جهة كانت بشرط أن يقع الإيلاج والإدخال فى القبل الذى أحل الله جل وعلاالجماع فيه فهذا هو موضع البذر وهذا هو موضع الزرع {نساؤكم حرث لكم} وأما الدبر فليس هو بموضع الزرع ولا إخراج الذرية التى تعبد رب البرية فمحرم الوطء فيه باتفاق وملعونا من فعل ذلك كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا هو اللوطية الصغرى وإذا فعل الإنسان هذا بزوجه ورفعت أمره إلى الحاكم يستتيبه فإن تاب وإلا يفرق بينه وبين زوجه وإذا أعلن توبته ثم عاد إلى ذلك يفرق القاضى والحاكم بينهما رغم أنفه فإذن هذا الأثر ثابت ابن عبد الله رضي الله عنهما له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.

ومن ذلك ما رواه الحاكم فى معرفة علوم الحديث بسنده إلى أبى هريرة رضي الله عنه فى تفسير قول الله جل وعلا {لا تبقى ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر} فى سورة المدثر أوليس كذلك فقال أبو هريرة رضي الله عنه لواحة للبشر فى تفسير لواحة للبشر أى تلوح لهم وتلوح وتظهر لهم وتترائى لهم وتخيفهم وتفزعهم وتفعل وتفعل بهم يقول تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة فلا تترك لهم لحما على عظم إلا ألقته على العراقيب وهى جمع عرقوب العصب الغليظ الذى يكون فوق العقب ويمسك القدم العراقيب العصب الغليظ ويل للعراقيب من النار فى مؤخرة الرجل عصب غليظ عرقوب تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحا فلا تترك لهم لحما على عظم إلا ألقته على العراقيب أى تسقط لحمهم ويبقى هيكل عظمى فقط وتلك العظام تسقط على أرجلهم وعلى عراقيبهم.

هذا التفسير الثابت عن أبى هريرة رضي الله عنه لا يمكن أن يقال من قبل الرأى فهو يتعلق بأمر مغيب بأمر يوم القيامة وما يكون فيها وهى غيب فأبو هريرة رضي الله عنه ما أخذ هذا عن أهل الكتاب ولايمكن أن يؤخذ هذا منهم ولم يعرف بالأخذ عنهم ,هل قال هذا من طريق رأيه واجتهاده لا الكلام فى أمور الغيبيات عن طريق الرأى بدعة ضلالة وليس فى الصحابة مبتدع رضوان الله عليهم إذن من أين لأبى هريرة هذا الكلام ,تلقاه عن النبى عليه الصلاة والسلام لكن ما صرح برفعه إلى النبى عليه الصلاة والسلام لواحة للبشر تلوح لهم وتلفحهم تلك اللفحة فلا تترك لهم لحما على عظم إلا ألقته على العراقيب هذا تفسير له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهو ملحق بالطريق الثانى من أنواع التفسير بالمأثور والنوع الثانى من تفسير الصحابة مما له حكم الوقف عليهم وليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك إذا قال الصحابى قولا عن طريق الاجتهاد والاستنباط أو عن طريق تفسير الكلام حسب مدلولات اللغة أو أخذ شيئا من أخبار أهل الكتاب فى إيضاح بعض الأمور السابقة عنهم كما فعل عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عن الصحابة أجمعين فكان أصاب يوم اليرموك زاملتين من أهل الكتاب وكان يحدث بما فيهما من الأمور التى وقعت للأنبياء السابقين والأمم السابقة ويدخل هذا فى تفسير كلام الله أى فى إيضاح وتفصيل بعض ماجرى للأنبياء مع أممهم فإذا جرى هذا فهذا ليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهو موقوف عليهم من أقوالهم.

مثال هذا ما رواه الطبرى فى تفسيره عن على رضي الله عنه فى تفسير قول الله {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} فقال هم القسيسون القسيسون وهم علماء النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى هذه الحياة الدنياوهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا هذا القسيس الذى هو ضال مضل يزعم أنه يتقرب إلى الله بحب عيسى وأن عيسى ابنا لله وما شاكل هذا وهذا هو أخسر الناس عملا يظن أنه على شىء وهو على ضلال ويظن أن عمله مقبول وهو عليه مردود يقول على هم القسيسون. وثبت فى تفسير الطبرى ومستدرك الحاكم عن سعد ابن أبى وقاص مثل هذا فقال القسيسون وثبت فى صحيح البخارى عن سعد ابن أبى وقاص رضي الله عنهم أجمعين أنه قال هم اليهود والنصارى عمم فى هذا القول هناك قسيسون فقط علماء النصارى وهنا فرقتان ملعونتان يهود ونصارى ثابت فى صحيح البخارى عن سعد الأخسرون أعمالا اليهود والنصارى هذا التفسير ليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لأن هذا من باب ما يدخل فى هذه الآية وما تشمله هذه الآية فالآية تشمل القسيسين تشمل اليهود تشمل النصارى أقول تشمل المنافقين والمبتدعين والضالين فى هذه الأمة أيضا ولفظها عام ولذلك قال الإمام ابن كثير فى تفسيره عند هذه الآية فى الجزء الثالث صفحة سبعة ومائة الآية عامة فى كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب وأن عمله مقبول وهو مخطأ وعمله مردود عامة فى اليهود والنصارى فى القسيسين فى المنافقين فى المبتدعين كل هؤلاء يشملهم قول الله {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبوننهم يحسنون صنعا} هذا الطريق الثالث من طرق تفسير القرآن بالمأثور.

والطريق الرابع: تفسير القرآن بكلام التابعين الطيبين عليهم رحمة رب العالمين وأقوال التابعين فى التفسير لها ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يجمعوا على قول فى تفسير آية من الآيات فلا بد من الأخذ بهذا القول لمحل الإجماع والله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة ولا على خطأ وهل لهذا مثال ,لهذا أمثلة كثيرة من ذلك ما ثبت عن الإمام الأوزاعى بسند صحيح أنه قال كنا نقول والتابعون متوافرون إن الله فوق عرشه وعلمه فى كل مكان فعن سفيان الثورى وغيره فى تفسير قول الله {وهو معكم أينما كنتم} بعلمه ,معية الله العامة {وهو معكم أينما كنتم} بعلمه فى كل مكان المراد من المعية معية العلم والإحاطة طلاع والرقابة وعدم خفاء شىء عن الله جل وعلا {ألم تر أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} بأى شىء بعلمه واطلاعه ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا بعلمه ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شىء عليم هذا التأويل أجمع عليه التابعون وأن تفسير المعية هنا معية علم وإحاطة واطلاع فالأوزاعي كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه سبحانه وتعالى وعلمه فى كل مكان فآيات المعية العامة معية علم وإحاطة وإطلاع ومراقبة وليست بمعية ذاتية فيستحيل أن يكون الخالق فى شىء من مخلوقاته كما يستحيل أن تكون المخلوقات فى شىء من ذات الخالق سبحانه وتعالى وأفضل ما قيل وأحسن ما قيل فى بيان حقيقة التوحيد إفراد الحادث عن القديم والحدوث عن القدم والمفاصلة بينهما فالله ليس كمثله شىء وهو السميع البصير سبحانه وتعالى فلا يمكن أن تكون ذات الخالق فى شىء من المخلوقات ولا أن تكون المخلوقات فى شىء من ذات الخالق.

إذن ما المراد بالمعية معية علم وإحاطة وهذه المعية العامة وأما المعية الخاصة فأجمع السلف على أن المراد منها معية نصر وتأييد وتوفيق ورعاية وحفظ وكلائة وعناية {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} ، {لاتحزن إن الله معنا} ، {إن معى ربى سيهدين} ليست المعية هنا هى المعية فى قول الله {مايكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم} فبما سيمتاز المؤمن عن الكافر إذن إذا كانت معيته لنبيه عليه الصلاة والسلام كمعيته لعدوه أبى جهل وغيره فما ميزة النبى عليه الصلاة والسلام على غيره حتى يقول إن الله معنا معنا بنصره وتأييده وتوفيقه ورعايته وحفظه وكلائته ومعونته وهناك معية عامة بعلمه وإحاطته واطلاعه ورقابته سبحانه وتعالى إذن هنا تفسير أجمع عليه التابعون فلا بد من الأخذ به ومخالفة هذا هوعين الضلال {الرحمن على العرش استوى} . كما ثبت هذا عن التابعين رضي الله عنهم آيات المعية {وهو معكم أينما كنتم} بعلمه كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه وعلمه فى كل مكان سبحانه وتعالى هذا نوع من أنواع التفسير إذا وجدته فعض عليه بالنواجذ وحذارى حذارى من تركه فلا يتركه إلا من كان ضالا وغضب الله عليه لأن مخالف الإجماع ضال {ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} .

النوع الثانى: من أنواع التفسير المنقول عن التابعين أن يكون تفسير منقول عن التابعين ولا إجماع عليه ما حصل هناك إجماع ونقل وإتفاق عليه قال بعض التابعين قولا فى تفسير كلام الله لكن ذلك القول له الحالات التى قيلت فى تفسير الصحابة فى الحالة الأولى ذلك القول لا يدرك بالرأى وليس طريقه اللغة ولم يؤخذ عن أهل الكتاب إذا كان يمكن أخذ ذلك الخبر عن أهل الكتاب فتابعى قال قولا فى تفسير كلام الله لا يمكن أن يكون ذلك القول مصدره الرأى فليس باجتهاده ولا عن طريق اللغة ولم يأخذه عن أهل الكتاب إذا كان يحتمل أخذه ذلك الخبر عن أهل الكتاب فهنا له حكم المرفوع الى النبى عليه الصلاة والسلام أيضا لكن يختلف هذا عن حكم مرفوع الصحابة مرفوع الصحابة حكما متصل ومرفوع التابعين حكما مرسل فنقول لقول التابعي إذا صدر منه قول فى تفسير كلام الله ولا يدرك بالرأى فله حكم الرفع المرسل إلى النبى عليه الصلاة والسلام حين احتجوا به نقول لهذا المرفوع المرسل حالتان:الحالة الأولى أن يتعزز ويتقوى بمرسل آخر فيوافقه تابعى آخر على هذا القول أو أن يتقوى بحديث مسند مروى عن الصحابة وله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام ففى هاتين الحالتين نقبل قول التابعى فى تفسير كلام الله القوى سبحانه وتعالى بلا خلاف بين أئمة الإسلام أئمة تفسير القرآن قال التابعى قولا لا يدرك بالرأى له حكم الرفع المرسل نقبله إذا تعزز بمرسل آخر أو وافقه حديث مسند هذه الحالة الأولى فإذا تقوى مرسل التابعى بمرسل آخر يقبل لأن الضعيف بغير سبب انخرام العدالة وضياعها إذا جاء من طريق آخر يرتفع لدرجة الحسن لغيره فيقبل لكن الضعيف الذى لا ينجبر هو الذى سبب ضعفه فقدان العدالة فذاك لا ينجبر بحال أما الضعيف بسبب خفة ضبط أو بسبب كما هنا عدم اتصال جاء من طريق آخر فيزول ما فى هذا الطريق من ضعف لأن الضعيفين يعدلان قويا, مرسل تعزز بمرسل أو شهد له مسند يقبل هنا كلام التابعي فى

تفسير كلام الله جل وعلا ولذلك يقول الإمام عبد الرحيم بن الحسين الأثرى فى ألفيته الشهيرة فإن يقل يحتج بالضعيف فقل إذا كان من الموصوف رواته بسوء حفظ يجبروا بكونه من غير وجه يذكروا وإن يكن لكذب أو شذ أو قوى الضعفوف لم يجبرذا ألا ترى المرسل حيث أسند أو أرسلوا كما يجىء اعتضدا. فالضعيف من غير انخرام العدالة وضياعها يتقوى إذا جاء من طريق آخر وهنا مرسل التابعى ضعيف فإذا تعزز بمرسل آخر نقبله تعزز بمسند نقبله وهناك شرط آخر يقبل فيه قول التابعى الذى له حكم الرفع إذا كان قائل هذا التفسير من أئمة التابعين الذين تلقوا تفسيرهم عن الصحابة كسعيد ابن جبير عندما تلقى التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فكونه تلقى غالب تفسيره عن الصحابة فعندما يقول قولا لا يدرك بالرأى عندنا ما يشعر بأن هذا القول مأخوذ عن شيخه الصحابى وبما أنه لايدرك بالرأى فله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام فيقبل فإذا القائل من أئمة التفسير من التابعين الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة هذا لايحتاج إلى تعزز بمرسل آخر أو بمسند يأتى من طريق آخر هذه الحالة الأولى لكلام التابعين فى تفسير كلام رب العالمين إذا كانت كلامهم تفسيرهم لا يدرك بالرأى فإذا لم يتعزز بمرسل ولا كان قائل التفسير من أئمة التفسير الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة هل نحتج بتفسيره وبقوله أم لا وقلنا له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام لكنه مرسل فذهب الأئمة الثلاثة إلى الاحتجاج بخبر التابعى إذا كان مرسلا أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد والإمام الشافعى ما قبل مرسل التابعى إلا بشروط كما تقدم أن يكون متعززا بمرسل آخر أن يشهد له مسند وما شاكل هذا كما تقدم أما الأئمة الثلاثة فاحتجوا به دون أن يأتى له طريق آخر ولذلك يقول الإمام عبد الرحيم ابن الحسين أثرى عليه رحمة الله واحتج مالك كذا النعمان وتابعوه ما به ودانوا ورده جماهر النقاد للجهل بالساقط فى الإسناد

ومسلم صدر الكتاب أصل عندما قال فى مقدمة صحيح المرسل فى قولنا وقول أهل العلم ليس بحجة وصاحب التمهيد عنهم نقلا أى نقله عن أئمة الحديث لأن المرسل فى هذه الحالة لا يقبل. الحالة الثالثة: من أقوال التابعين أن يكون قول التابعي ليس له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام كالحالة الثانية من أقوال الصحابة فهذا الذى هو قول ليس له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام هل نعول عليه أم لا؟ تقدم معنا أن قول الصحابى نعول عليه إن لم يكن له حكم الرفع أما هذا فجرى حول كلام التابعين فى تفسير كلام رب العالمين إذا لم يكن لكلامهم حكم الرفع خلاف على قولين. القول الأول: نعول عليه وذهب إلى هذا سفيان الثورى وغيره وكان يقول إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به وبعض أئمة الإسلام قالوا لا نعول علي ما جاء عن التابعين فى تفسير كلام رب العالمين مما هو موقوف عليهم وليس له حكم الرفع قال شعبة ابن الحجاج أقوال التابعين ليست حجة فى الفروع فكيف تكون حجة فى التفسير قال الإمام ابن كثير عليه رحمة الله يعنى لا تكون حجة على من خالفهم وعند ذلك يرجع علماء الإسلام إلى لغة العرب وإلى عمومات القرآن لبيان المراد من كلام الرحمن جل وعلا. هذه هى طرق التفسير بالمأثور تفسير القرآن بالقرآن تفسير القرآن بالسنة تفسير القرآن بأقوال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم تفسير القرآن بأقوال التابعين حول هذه الطرق عندنا تنبيه مهم نتكلم عليه فى أول الدرس الآتى إن شاء الله وأكمل الكلام على الطريق الثانى من طرق التفسير وهو التفسير بالرأى المقبول المبرور. صلى الله علي نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما معنى المعية بتفصيل؟ لعلنى فصلت المعية تنقسم إلى قسمين:

معية عامة مع البر والفاجر والمؤمن والكافر {وهو معكم أينما كنتم} فهذا معناها قلنا العلم والإحاطة والاطلاع والمراقبة. ومعية خاصة تكون مع من رضى الله عنهم وأحبهم وهم عباده المؤمنون المتقون فمعية نصر وتأييد وحفظ وكلائة ومعونة. كيف يتم إحياء ليلة القدر؟ يتم بأن يشغلها الإنسان بالطاعات ولا يشترط أن يحيى الليلة وأن يقومها من أول الليل إلى آخرها وليلة القدر ممتدة كما قال الله {سلام هى حتى مطلع الفجر} فممتدة إلى طلوع الفجر فمن وفق فى تلك الليلة للتقرب إلى الله جل وعلا بطاعة ومناجاته حصل له ذلك القيام ولا يشترط أن يقوم الليلة من أولها إلى آخرها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الإنبياء والمرسلين

مقدمة التفسير3

مقدمة التفسير (3) (دروس تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التفسير 3 الحمد لله نحمده ونتستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته رضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102] . {يا أيها أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا صلى الله عليه وسلم* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] . إخوتى الكرام.. لازلنا فى مقدمة دروس التفسير التى سنتدارسها عما قريب إن شاء الله وهذه المقدمة التى ستكون مفتاحا لدروس التفسير الآتية قلت تقوم على أمرين وتدور حول أمرين.

الأول: فى منزلة كلام الله جل وعلا وأثره فى الناس وقد مضى الكلام على هذا. والأمر الثانى: وهو فى بيان طرق التفسير المقبولة المحمودة فى بيان الطريقة المثلى فى تفسير كلام الله جل وعلا وقلت فى الدرس الماضى إن الطريقة المحكمة لتفسير كلام الله الحكيم تقوم على طريقين أيضا. الطريق الأول: تفسير كلام الله بالمأثور. والثانى: تفسير كلام الله جل وعلا بالرأى المقبول المبرور. أما الطريق الأول: وهو تفسير كلام الله جل وعلا عن طريق الأثر والنقل فقلت له أربعة طرق مضى الكلام عليها. الطريق الأول: تفسير كلام الله بكلام الله. والطريق الثانى: تفسير كلام الله بحديث رسول صلى الله عليه وسلم. والطريق الثالث: من طرق التفسير بالمأثور تفسير كلام الله بأقوال الصحابة الكرام رضوان عليهم أجمعين وقلت هذا الطريق الثالث الذى هو تفسير القرآن بأقوال الصحابة له حالتان أقوال الصحابة فى التفسير أقوالهم لها حالتان. الحالة الأولى: ما يكون لأقوالهم حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك إذا قالوا قولا لا يدرك بالرأى ولم يكن هذا القول مأخوذا عن بنى اسرائيل إذا كان الصحابى يأخذ عنهم وعن أخبار أهل الكتاب وذلك الخبر يحتمل أخذه منهم فإذا قال الصحابى قولا لا يدرك بالرأى ولم يؤخذ عن أهل الكتاب إذا كان يمكن أخذه منهم فله حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام. والحالة الثانية: أقوال الصحابة موقوفة عليهم رضوان الله عليهم أجمعين ليس لهاحكم الرفع إلى نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه. الحالة الأولى من أقوالهم قلت حكمها حكم ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام والحالة الثانية نأخذ بأقوالهم لاعتبارات ذكرتها فهم أكثرهم عرب خلص شهدوا وقائع التنزيل ولهم من رسوخ القدم فى الإيمان وطهارة الجنان ما ليس لغيرهم من بنى الإنسان فيعول على أقوالهم فى تفسير كلام الرحمن وإن لم يكن لتلك الأقوال حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.

والطريق الرابع: من طرق التفسير بالمأثور تفسير كلام رب العالمين بأقوال التابعين الطيبين الطاهرين عليهم جميعا رحمة الله وقلت أقوال التابعين فى التفسير لها ثلاثة أقوال. الحالة الأولى: أن يجمعوا على تفسير آية بأن معناها كذا فهذا القول الذى أجمعوا عليه يجب الأخذ به لمحل الإجماع وهذا كما يشمل التابعين يشمل من بعدهم من المسلمين فالإجماع حجة فى جميع العصور وإن كان الإجماع الذى ينضبط ويقع ,يقع فى العصر الأول فى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم وأما بعد ذلك فقد افترقت الأمة واختلفت وقل أن يحصل إجماع إنما الإجماع الذى ينضبط ما كان فى الصدر الأول كما قال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله فى رسالته الواسطية الإجماع الذى ينضبط ما كان فى القرون الأولى وأما بعد ذلك فاختلفت الأمة وتفترقت وتعددت آراؤها ونحلها فقل أن يجمعوا على قول وقل أن يحصل هذا لكن يبقى الحكم أن الإجماع حجة فى جميع العصور فإذا أجمعوا على قول فى تفسير الآية فلا بد من الأخذ به لمحل الإجماع وذكرت لهذا أمثلة منها إذا كان بعضكم يستحضر شيئا مثالا لهذه الحالة فيكم من يستحضر تفسيرا أجمع عليه التابعون فيجب الأخذ به لمحل الإجماع نعم يا أخى الكريم بأى شىء فسروها وأجمع التابعون على ذلك وعلمه فى كل مكان فتفسير المعية هنا بأن المراد منها معية العلم والإحاطة والاطلاع هذا مما أجمع عليه التابعون. يقول الأوزاعى كنا نقول والتابعون متوافرون الله فوق عرشه بائن من خلقه علمه فى كل مكان فالمعية بالذات مستحيلة وليست المعية هنا معية خاصة لتكون معية تأييد ونصر وتوفيق فإذن هى معية عامة بمعنى الإحاطة والاطلاع والمراقبة والمشاهدة والعلم وعدم خفاء شىء عن الله جل وعلا.

قلت وفى الآية قرينة إلى هذا أن الله أفتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم {ألم تر أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولاأكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملو يوم القيامة إن الله بكل شىء عليم} سبحانه وتعالى. والحالة الثانية: من أقوال التابعين فى تفسير كلام رب العالمين مما لم يجمعوا عليه إنما قالوا قولا لا يدرك بالرأى وفيه الإحترازات المتقدمة فى تفسير الصحابة إذا كان لا يدرك بالرأى قولا لا يدرك بالرأى ولم يعرف التابعى بالأخذ عن بنى إسرائيل إذا كان ذلك الخبر محتمل أخذه من أهل الكتاب وليس طريق التفسير اللغة فإذا قال التابعى قولا فى التفسير بهذا المحترزات فله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لكن تقدم معنا مرفوع الصحابى متصل ومرفوع التابعى مرسل فلذلك إذا قالوا قولا فله حكم لا يدرك بالرأى بهذه المحترزات التى ذكرتها لها حكم الرفع المرسل إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهل يقبل فى التفسير؟ قلت هذا الذى له حكم الرفع من أقوالهم له حالتان. الحالة الأولى: يقبل باتفاق أئمة الإسلام إذا تعزز بمرسل آخر أوكان قائلهم من أئمة التابعين الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة كسعيد بن الجبير وغيره رضى الله عنهم أجمعين فهنا يؤخذ بكلام هذا التابعى فى تفسير كلام الله جل وعلا. والحالة الثانية: أن لا يتعزز بمرسل آخر وأن لايكون هذا التابعى من أئمة التابعين الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة كالأعمش مثلا أوكغيره فإذا قال قولا فى تفسير كلام الله جل وعلا هذا القول الذى نقل عن الأعمش عن الحسن البصرى فى تفسير كلام الله جل وعلا ولا يدرك بالرأى وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يتعزز بمرسل.

وقلت ليس هو ممن أخذ التفسير عن الصحابة هل يقبل أم لا؟ قلت احتج به الجمهور أبو حنيفة ومالك والإمام أحمد والشافعى عليه رحمة الله له شروط فى قبول المرسل فلا يقبل مرسل التابعى فى هذه الحالة. وكنت فصلت الكلام على هذا فيما مضى إذن أقوال التابعين التى هى لها حكم الرفع إلى نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه إن كانت أقوالهم معززة بمرسل آخر أو كان القائل من أئمة التابعين الذين أخذوا تفسيرهم عن الصحابة يقبل مرسلهم وإلا فجرى خلاف بين أئمة الإسلام هل يقبل أم لا؟ والجمهور إلى القبول لأن عصر التابعين لم يفش فيه الكذب ولأنه من المستبعد غاية البعد أن يقول التابعى الثقة الإمام الصالح القانت قولا لا يدرك بالرأى عن طريق التخرس والظن والحسبان فإذا قال قولا لا يدرك بالرأى فإذن هذا أخذه عن صحابى آخر لم يصرح بذلك لاعتبارات خاصة الله أعلم بها وقرنهم خير القرون بعد قرن الصحابة بشهادة النبى عليه الصلاة والسلام كما ثبت فى الصحيح [خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم] فعصر الصحابة والتابعين وتابعيهم خير قرون هذه الأمة وهم القرون المفضلة بشهادة النبى عليه الصلاة والسلام فإذن يقبل قوله عند الجمهور. الحالة الثالثة: من أقوالهم ليس لأقوالهم حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام فهل نأخذ بأقوالهم هنا فى التفسير أم لا؟ قلت هذا الذى أيضا جرى حوله نزاع فى هذه الحالة فسفيان الثورى عليه رحمة الله وعددا من أئمة الإسلام قالوا يؤخذ بقول التابعى فى هذه الحالة. وكان سفيان الثورى يقول إذا جاءك التفسير عن مجاهد عليهم جميعا رحمة الله فحسبك به وذهب بعض أئمة الإسلام لعدم الإحتجاج بأقوال التابعين فى هذه الحالة أقوالهم كأقوال غيرهم.

قال شعبة بن الحجاج عليه رحمة الله أقوال التابعين ليست حجة فى الفروع فكيف تكون حجة فى الأصول أى لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم ولذلك إذا اختلفوا أو لم يرتض الإنسان قول تابعى فى تفسير الآية وذهب إلى قول آخر فلا مانع أن يعول على لغة العرب فى بيان كلام معنى الرب جل وعلا وأن يرجع إلى العمومات لبيان معنى الآية لأن أقوال التابعين فى هذه الحالة كأقوال غيرهم لكن النفس مع ذلك تميل إلى تقديم كلام التابعين مما ليس لأقوالهم حكم الرفع على أقوال من جاء بعدهم فمثلا لهذه الحالة الأخيرة. يقول الله جل وعلا فى كتابه: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون *من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} الآية فى سورة الصافات {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} . أزواجهم قال الحسن البصرى أزواجهم يعنى المشركات أى يحشر الزوج وزوجته إن كانت مشركة احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أى المشركات ففسر الأزواج هنا بالزوجات وهذا متى يكون إذا كانت على دين زوجها لتخرج الزو جة المؤمنة إذا كان زوجها كافرا كحال مثلا فرعون وزوجه {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} قال أى المشركات وقال قتادة: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أى أشباههم وأشياعهم أتباعهم {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أشياعهم أى أتباعهم من تبعوهم وساروا على طريقهم. هذا المنقول عن التابعين ليس له حكم الرفع إلى نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه ولذلك ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم والأثر ثابت عن عمر رضي الله عنه فى المستدرك وغيره بسند صحيح على شرط مسلم وأقره عليه الذهبى والأثر عزاه الحافظ ابن حجر فى المطالب العالية فى زوائد المسانيد الثمانية لابن منيع وقال إسناده صحيح {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أى أمثالهم من كان على شاكلتهم.

فحكمة الله تقتضى بأن يقرن ويجمع بين المتماثلين فالخبيث مع الخبيث والطيب مع الطيب {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أى أشباههم وأمثالهم ممن كان ظالم فهؤلاء يجمعون ويقيدون ويصفدون ويلقون فى النار. {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون *من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} ولذلك كان أئمتنا يستدلون بعموم هذه الآية إلى شىء آخر فكان كثير منهم يحذر أخذ وظيفة أو منصب يبعده عن صفة العلماء كما هو الحال فى ابن جرير فى شيخ أئمة التفسير بلا نزاع المتوفى سنة ثلاثمائة وعشرة عليه رحمة الله الإمام ابن جرير عرض عليه القضاء فأبى فلامه أصحابه وتلاميذه وقالوا تحيى به السنن وتميت به البدع فبكى عليه رحمة الله وقال كنت أخشى إذا قبلت القضاء أن تلومونى فإذا رفضت القضاء صرتم تلومونى قالوا وعلام يا إمام قال أما بلغكم أن القضاة يحشرون مع الأمراء وأن العلماء يحشرون مع الأنبياء أتريدون أن أحشر مع الأمراء عليه رحمة الله {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} . فبما أن ذاك من فصيلة الحكم يحشر مع الحكام بعد ذلك يفكه عدله أو يوبقه جوره وأما العلماء فهؤلاء مع الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط} فتريدون منى أن أحشر مع الأمراء ولا أحشر مع الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه. كانوا يستدلون بعموم هذه الآية على ما هو أوسع من هذا كل صنف يحشر مع صنفه وكل شكل يجمع إلى شكله ففصيلة القضاة الحكام فى مكان فصيلة الأنبياء وأتباعهم العلماء فى مكان فكانوا يستدلون بعموم هذه الآية على هذا الأمر وهذه حكمة الله تقتضى بأن يجمع بين المتماثلين وأن يفرق بين المختلفين المتباينين فإذن أقوال التابعين فى الحالة الثالثة مما ليس له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام يستأنس بها ولا تكون حجة على غيرهم.

إخوتى الكرام: إلى هنا وصلنا فى الدرس الماضى هذه الطريقة فى تفسير كلام الله وهى تفسير القرآن بالمأثور طريقة سديدة ليس فيها شىء من المحذور وكيف يكون فيها محذور والتفسير فيها عن طريق المأثور تفسير القرآن بالقرآن تفسير القرآن بالسنة بأقوال الصحابة الطيبين والتابعين الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين كيف يكون هناك محذور. لكن قد يقع أحيانا توهم وشىء من القصور فى أذهان بعض الناس فى هذا النوع من أنواع التفسير وهذا المحذور وهذا القصور له وجهان واعتباران ذكرهما الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله فى مقدمة التفسير فانتبهوا لهما إخوتى الكرام. الأمر الأول: قد يرد تفسير بالمأثور وذلك التفسير الوارد هو تفسير للعام ببعض أفراده تفسير للعام ببعض أنواعه على سبيل التمثيل وعلى سبيل التوضيح وعلى سبيل ما يدخل فى ذلك العام لا على سبيل الحصر بأن المراد من هذا العام فرد من أفراده ونوع من أنواعه فيتوهم بعض الناس أن ذلك العام الذى ثبت تفسيره بالمأثور بفرد من أفراده ونوع من أنواعه. أن هذا النوع هو المراد دون ما عداه فينبغى أن يحذر هذا طالب العلم عام ورد تفسيره فى التفسير بالمأثور من السنة أو أقوال الصحابة والتابعين ببعض أفراده وهذا الذى ورد لا على سبيل الحصر إنما على سبيل المثال فهو نوع يدخل فى ذلك العام فانتبه لهذا ولا تقصر عموم ذلك اللفظ على هذا التفسير.

مثال هذا ماثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى بسند حسن عن عدى ابن حاتم رضى الله عنه أن النبى عليه الصلاة والسلام قال [اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون] ففسر نبينا عليه الصلاة والسلام قول ربنا جل وعلا: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} باليهود والنصارى فاليهود مغضوب عليهم والنصارى ضلال هذا من باب تفسير العام لنوع من أنواعه ومن باب التمثيل لما يدخل فى هذا العام لكن يعنى بذلك القصر لا فكل من اتصف بالانحراف عن العلم وتحريف كلام الله عن مواضعه فهو مغضوب عليه كحال العلماء الفجرة الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا من هذه الأمة والأمم السابقة وكل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مهتد ومصيب وهو مأجور والأمر بخلاف ذلك فهو ضال فالمبتدعون فى هذه الأمة العباد الذين عبدوا الله على رأيهم وهواهم حكمهم كحكم الضالين من النصارى طريقتهم ضالة والعلماء الفاجرون من هذه الأمة حكمهم كحكم اليهود عليهم غضب الله. وهذا ما قرره ربنا جل وعلا فى كتابه: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} ، والمقت أعظم أنواع الغضب فالعالم عندما يحرف كلام الله ويخلف عمله علمه ويتصف بوصف اليهود هو مغضوب عليه ويدخل فى عموم قول الله: {غير المغضوب عليهم} علم بلا عمل طريقة اليهود عمل بلا علم طريقة النصارى ولذلك من اتصف بأحد هذين الوصفين يدخل فى عموم الآية وليس هذا من باب قصر وحصر الآية فى اليهود والنصارى فكل من عبد الله على حسب رأيه وهواه فهو ضال سواء كان فى الأمم السابقة أو فى هذه الأمة وكل من ضل على علم وانحرف عن العمل بعلمه فهو مغضوب عليه يحرف كلام الله عن مواضعه ويشترى بآيات الله ثمنا قليلا فهذا تفسير العام بنوع من أنواعه وفرد من أفراده.

فإياك أن تقصر ذلك العموم على هذا النوع وأول ما يدخل فى المغضوب عليهم اليهود ويدخل بعد ذلك من سار على طريقتهم ممن علم ولم يعمل وأول ما يدخل فى الضالين فى معنى ذلك اللفظ النصارى ويدخل فى ذلك العموم ويشمل ذلك العموم من عبد الله على حسب رأيه وهواه وعلى حسب بدعته ورأيه ولم يعبد الله على حسب ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فأولئك طريق المغضوب عليهم وهؤلاء ضالون فذلك العموم الذى ورد تفسيره بنوع من أنواعه لاتقصره على هذا النوع هو أشمل من ذلك بكثير ولذلك كان أئمتنا يستدلون بعموم ذلك اللفظ على ما يدخل تحته وأن لم يكن الداخل من هذين الصنفين أى من اليهود والنصارى. ثبت عن سفيان ابن عيينة عليه رحمة الله أنه قال كان العلماء يقولون من ضل من علمائنا ففيه شبه باليهود زمن ضل من عبادنا ففيه شبه بالنصارى فحصل إذن هنا دخول فى المغضوب عليهم ودخول فى الضالين من غير اليهود والنصارى. والله جل وعلا يحاسب العباد على حسب أعمالهم فمن كان عالما وضل حكمه وحكم اليهود سواء فالنبي عليه الصلاة والسلام فسر هذا اللفظ غير المغضوب عليهم باليهود لبيان نوع ما يدخل لبيان بعض الأنواع التى تدخل فى هذا اللفظ وأنت بعد ذلك تطبق ما فى هذا النوع من معنى ومافيه من حقيقة ووصف على الأنواع الأخرى وعلى الناس الآخرين إذا وجد فيهم هذا فكل من ضل على علم غضب الله عليه {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير} فضلوا على علم وأولئك عبدوا الله على حسب رأيهم وهواهم فضلوا فهم ضالون وهؤلاء مغضوب عليهم والمغضوب عليهم فيهم صفة الضلال والضالون فيهم صفة الغضب أيضا لكن أخص أوصاف من ضل على علم الغضب كما أن أخص أوصاف من عبد الله على جهل الضلال لكن كل ضال مغضوب عليه وكل مغضوب عليه ضال لكن أخص أوصافه أنه مغضوب عليه وذاك أخص أوصافه أنه ضال.

فالآية تشمل هاتين الأمتين الملعونتين من اليهود والنصارى وتشمل من كان على شاكلتهما ممن ضل على علم أو عبد الله على غير بصيرة {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} هذا النوع الأول تفسير العام ببعض أنواعه بنوع من أنواعه من باب التمثيل لا من باب الحصر فلا تقصر عموم ذلك اللفظ على هذا النوع الثابت فى التفسير بالمأثور. الأمر الثانى: الذى ينبغى أن ينتبه له طالب العلم لئلا يقع فى التقصير ولئلا يقع فى المحذور نحو التفسير بالمأثور إذا وردت عبارات مختلفة فى التفسير بالمأثور تدل على معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى عبارات مختلفة تدل على معنى فى المسمى هذا المعنى هو غير المعنى الآخر لكن مآل المعنيين إلى شىء واحد فإياك أن تعد تلك الأقوال أقوالا متعددة كلها شىء واحد لكن بعضهم عبر عن ذلك العام بلازمه بنظيره بفرد من أفراده ومآل تلك العبارات إلى شىء واحد فإياك أن تقول اختلف الصحابة أو التابعون أو تعددت أقوالهم فى تفسير هذه الآية إلى عشرة أقوال العشرة كلها قول واحد. قال الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير فى تفسير سورة التكاثر {ألهاكم التكاثر} فى آخر السورة {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} يقول فى النعيم الذى نسأل عنه عشرة أقوال عشرة أقوال حكاها عن الصحابة والتابعين هذه الأقوال العشرة هى قول واحد قلنا كل واحد عبر عن معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى فى النهاية تتحد فبعضهم يقول {ثم لتسئلن عن النعيم} عن الماء البرد, نعيم ,عن الظل الذى نتظلل به ,نعيم, عن الكساء ,نعيم, عن الطعام, نعيم, قال بعضهم {ثم لتسئلن عن النعيم} عن محمد عليه الصلاة والسلام وحقيقة هذه أعظم نعمة امتن الله بها علينا سنسأل عن هذه النعمة وهل قمنا بشكر الله عليها وتلقيناها بالقبول أم جحدنا هذه النعمة.

هذه الأقوال الواردة فى تفسير النعيم كماقلت هى من باب ما يدخل فى ذلك اللفظ فأقوال مختلفة متعددة لكن مآلها شىء واحد اختلفت فى اللفظ لكن لا تخرج عن كون هذه الأقوال كلها من النعيم الذى نسأل عنه ولذلك قال الإمام ابن الجوزى فى نهاية الأمر والصحيح أن الآية عام فى كل نعيم أنعم الله به علينا {وما بكم من نعمة فمن الله} وسنسأل عن هذه النعم يوم القيامة وهذا الصحيح يشير إلى أنه تلك الأقوال إذن فيها قصور والواقع لا قصور فى تلك الأقوال لأننى كما قلت أراد السلف أن يوضحوا النعيم والشىء إذا ضرب له المثال يتضح فلو قال النعيم كل ما أنعم الله علينا من نعم حسية أو معنوية سنسأل عنها لكن هذا هو التعريف المطابق لقول الله {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} لكن هذا الكلام يبقى نظريا فيقول {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} ما المراد بالنعيم يقول الماء البارد وذاك يقول ما المراد بالنعيم يقول الخبز. ما المراد بالنعيم النبى عليه الصلاة والسلام هذا من باب تقريب المعنى لأذهان الناس لأنه بالمثال يتقرب المعنى أى كل ما أنعم به علينا سنسأل عنه فهنا الأقوال متعددة مختلفة من حيث الظاهر لكن مآلها إلى شىء آخر فإياك أن تعد هذه الأقوال أقوالا مستقلة وأن تقول فى الآية عشرة أقوال لا قل معنى النعيم كذا وعبر سلفنا عن بعضهم بلازمه بعضهم نظيره بعضهم بنوع من أنواعه فقالوا كذا وكذا وكذا اثبت أقوالهم بعد أن تبين المعنى المطابق للآية الذى تدل عليه الآية وأما أن تقول فى الآية عشرة أقوال فلا.

مثال آخر قول الله جل وعلا فى سورة الفاتحة {اهدنا الصراط المستقيم} يقول الإمام ابن كثير عليه رحمة الله فى تفسيره اختلفت عبارات السلف والخلف فى بيان الصراط المستقيم الذى أمرنا الله أن نسأله إياه {اهدنا الصراط المستقيم} يقول ومآل تلك العبارات إلى شىء واحد وهو المتابعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام عبادة الله حسبما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا هو حاصل تلك العبارات فإذا عبدت الله حسبما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام وهذا هو مدلول لا إله إلا الله لا معبود بحق سواه محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام تلك العبادة حسبما شرع هذا هو الصراط المستقيم لأنك لو علمت ولم تعمل هذا صراط أهل الجحيم صراط المغضوب عليهم ولو عملت دون علم وبينة وهدى هذا صراط الضالين صراط النصارى الذين لعنهم الله فإذن حاصل تلك الأقوال إلى المتابعة لله ولرسوله والطاعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام الله يعبد ورسوله يتبع عليه صلوات الله وسلامه. لكن تلك الأقوال ما هى ذكرها ابن كثير وغيره من أئمتنا {اهدنا الصراط المستقيم} الإسلام {اهدنا الصراط المستقيم} القرآن طريق الحق طريق السنة والجماعة طريق الشيخين أبى بكر وعمر {اهدنا الصراط المستقيم} .

العلم والعمل وهل بين هذه الأقوال منافاة لا منافاة بينها فلا تقل فلى الصراط المستقيم ستة أقوال عن سلفنا الطيبين هى قول واحد لكن كما قلت من باب المثال ومن باب إيضاح الحال الإسلام الحق طريق القرآن طريق السنة والجماعة طريق الشيخين أبى بكر وعمر العلم النافع والعمل الصالح هذا كله يرجع إلى شىء واحد فالقرآن هو الإسلام والإسلام هو القرآن والحق هو القرآن وطريق الشيخين أبى بكر وعمر هو الإسلام وهو القرآن وطريقة أهل السنة والجماعة ترجع إلى هذا والعلم النافع والعمل الصالح هذا هو ما يأمر به القرآن وهذا هو مدلول القرآن وهذا هو الإسلام أن يعبد الإنسان ربه على بصيرة وبينة فلا منافاة بين هذه الأقوال إذن كل واحد عبر عن معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد تلك المعانى فلا تظن أن تلك التفسيرات الواردة عنهم مختلفة متعددة هى فى المآل شىء واحد فانتبه لهذا ولا تحكى تلك الأقوال أقوالا متعددة أنما هى قول واحد فانتبه له. مثال على هذ أيضا قول الله جل وعلا: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير *جنات عدن يدخلونها} إلى آخر الآيات. هؤلاء الأصناف الثلاثة الذين أورثوا هذا القرآن العظيم وأورثوا العمل به وهم من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وفيهم هذه الأصناف الثلاثة ظالم النفسه مقتصد سابق بالخيرات هؤلاء الأصناف الثلاثة نقل عن أئمة السلف عن المفسرين الكرام أقوال فى إيضاح الأصناف الثلاثة هى من باب التمثيل وكل واحد يعبر عن معنى فى المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد تلك المعانى فى نهاية الأمر فيقول بعضهم الظالم لنفسه هو الذى يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت والمقتصد يصلى فى وسط الوقت والسابق بالخيرات يصلى فى أول الوقت هذا قول من باب التمثيل والتنويع لما يدخل فى هذه الآية من الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات.

ويقول أيضا بعض السلف فى بيان هؤلاء الأصناف الثلاثة يقول الظالم لنفسه هو الذى يمنع الزكاة أو يتعامل بالربا والمقتصد هو الذى يؤدى الزكوات الواجبة ولا يقرب الحرام لا يتعامل بالربا والسابق بالخيرات هو الذى يؤدى الزكاة ويتصدق ولا يقرب الحرام ولا الشبه هذا قول ثان ,قول ثالث فى بيان هؤلاء الأصناف الثلاثة الظالم لنفسه هو الذى يفرط فى صيام الفريضة فى صيام شهر رمضان والمقتصد هو الذى يقتصر على صيام الفريضة والسابق بالخيرات يصوم الفريضة ومعها النوافل هذه الأقوال وما شابهها هل تعتبر أقوالا متعددة؟ مآلها شىء واحد فأنت فى أول الأمر قلت المقتصد هول الذى يحافظ على الواجبات والسابق بالخيرات يضم إليها المستحبات والظالم لنفسه هو الذى يفرط فى ما أوجب الله عليه مثال على هذا قال أئمتنا كذا وكذا فى إيضاح هؤلاء الأصناف الثلاثة فتلك الأقوال لا تعتبر أقوالا متعددة فى التفسير كما قلت هى من باب المثال ومن باب ما يدخل الآية فإياك أن تعد تلك الأقوال أقوالا مستقلة فى تفسير كلام الله جل وعلا لا هى من باب ما تشمله تلك الآيات لكن بعضهم عبر عنه بمثال فى بعض الطاعات وبعضهم بمثال آخر فى طاعة أخرى ومآل تلك الأقوال إلى شىء واحد فلا تعد تلك الأقوال أقوالا متعددة.

إخوتى الكرام: من باب تعليق القلوب بربنا الرحمن سبحانه وتعالى هذه الاية كان شيخنا عليه رحمة الله الشيخ محمد الأمين الشنقيطى يقول هى أرجى آية فى كلام الله جل وعلا وهى فى سورة فاطر: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير * جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} إلى آخر الآية يقول هذه أرجى آية فى القرآن والسبب فى هذا حرف واحد فى هذه الآيات وهو فى قول الله يدخلونها هذه الواو التى هى ضمير الفاعلين جنات عدن يدخلونها تعود على الأصناف الثلاثة على الظالم لنفسه وعلى المقتصد وعلى السابق بالخيرات ولذلك كان شيخنا عليه رحمة الله يقول لو قدر الناس هذه الآية لكتبوا هذه الواو بماء العينين {جنات عدن يدخلونها} لكتبوا هذه الواو بماء العينين {جنات عدن يدخلونها} قال الشيخ عليه رحمة الله وإنما بدأ الله بالظالم لئلا يقنط وأخر السابق لئلا يعجب {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير*جنات عدن يدخلونها} الأصناف الثلاثة. وثبت عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فى تفسير الطبرى أنه خطب على المنبر فقال سابقنا مقرب ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له. فيقول هذه أرجى آية فى كلام الله جل وعلا وهذه الواو من الظلم أن تكتب بالمداد إنما ينبغى أن تكتب بماء العينين لما فيها من الرجاء لرحمة الله جل وعلا.

إخوتى الكرام: فانتبهوا لهذين الأمرين نحو التفسير بالمأثور إذا ورد قول فى التفسير بالمأثور وهذا القول يفسر العام ببعض أنواعه ولا يريد قصر العام عليه إياك أن تقصره عليه والحالة الثانية وردت أقوال متعددة فى التفسير بالمأثور كل واحد عبر فى قوله عن معنى الآية بلفظ يختلف عن لفظ الآخر ويوجد فى لفظه معنى لا يوجد فى لفظ الآخر مع اتحاد تلك المعانى إن هذا ضرب مثالا فى ما يتعلق بأمر الصلاة وذاك فيما يتعلق بالبيوع وذاك فيما يتعلق بالزكاة مآل تلك الأقوال إلى شىء واحد فلا تعد تلك الأقوال أقوالا متعددة فلا تقل فى النعيم الذى نسأل عنه عشرة أقوال قول واحد {ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم} كل ما أنعم الله به علينا سنسأل عنه يدخل فى هذا ما ورد عن أئمة السلف فى تفسير كلام الله من باب كما قلنا المثال والنوع لما يدخل فى هذه الآية لا من باب أن هذا القول هو المطابق لذلك اللفظ فيعتبر قولا يخالف الأقوال الأخرى فانتبه لهذا. إخوتى الكرام: النوع الثانى من أنواع التفسيرو هو التفسير بالرأى المقبول المبرور الأول تفسير بالأثر والنقل والثانى قلنا تفسير بالرأى المعتبر قبل أن ننتقل إلى هذا يلتحق بالتفسير بالمأثور ما يتعلق بأخبار أهل الكتاب فلا بد من بيانها لأنها تنقل وتؤثر وتروى وليست هى من باب التفسير بالرأى فنذكر الموقف السديد من أخبار أهل الكتاب بعد ان انتهينا من بيان طرق التفسير بالمأثور لأنها ملحقة بها فهى مأثورة ومروية فما موقفنا نحوها؟ إذا نقلت أخبار عن أهل الكتاب تتضمن توضيح وتفصيل أخبار الأنبياء السابقين عليهم صلوات الله وسلامه مع أممهم هل نقبلها أم لا؟ فهذه الأقوال ملحقة بالتفسير بالمأثور فما موقفنا نحوها؟

إخوتى الكرام: ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح البخارى وسنن الترمذى عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص والحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان عن أبى هريرة ورواه الإمام أحمد عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه عن عبد الله ابن عمرو وأبى هريرة وأبى سعيد الخدرى رضي الله عنهم أجمعين والحديث فى صحيح البخارى كما تقدم فى أول التخريج فهو صحيح صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار] الشاهد حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج هذه الجملة الشريفة من حديث نبينا عليه الصلاة والسلام تحتمل خمسة أمور كما وضح هذا الحافظ ابن حجر فى فتح البارى فى الجزء السادس فى صفحة ثمان وتسعين وأربعمائة أولها: وحدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج أى لاضيق عليكم ولا حرج عليكم ولا لوم عليكم فى التحديث عنهم ولما لأنه سبق النهى من النبى عليه الصلاة والسلام عن الحديث عن بنى اسرئيل فنهى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أن يحدثوا عنهم أو يأخذوا منهم ثم بعد ذلك رخص فقال لاضيق عليكم ولا محذور فى أن تحدثوا بعد ذلك عنهم عندما رسخ الحق فى قلوبكم فإذن حدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج ولا حرج فى التحديث عنهم وإن سبق النهى فذلك النهى منسوخ بهذه التوسعة الواردة عن النبى عليه الصلاة والسلام حدثوا بعد أن منعتم من أن تحدثوا عنهم حدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم نهى الصحابة فى أول الأمر أن يحدثوا عن أهل الكتاب أو يسمعوا منهم.

والنهى ثابت عنه عليه صلوات الله وسلامه وارد فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير ومسند البزار وأبى يعلى والحديث فى درجة الحسن عن عدة من الصحابة الكرام عن عمر ابن الخطاب وعن عبد الله ابن ثابت الأنصارى وعن أبى الدرداء وعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين وخلاصة الحديث أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مر على يهودى من أهل الكتاب ومعه صحيفة من التوراة فنسخها عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ثم ذهب إلى النبى عليه الصلاة والسلام وعرضها عليه وقال نزداد علما إلى علم أى نطلع على أخبار الكتب السابقة مع ما اطلعنا من أخبار هذا القرآن فنزداد علما على علم فغضب النبى عليه الصلاة والسلام من هذا حتى احمر وجهه الشريف عليه الصلاة والسلام فقال عبد الله ابن ثابت لعمر ألا ترى ما فى النبى عليه الصلاة والسلام أى كيف انزعج وتأثر من كلامك فقال عمر ابن الخطاب بعد أن جلس على ركبتيه رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فسرى عن النبى عليه الصلاة والسلام وذهب عنه ما اعتراه من الشدة والكرب والهم والغم عليه صلوات الله وسلامه وورد فى بعض الروايات أن النبى عليه الصلاة والسلام أمر بأن ينادى الصلاة جامعة فقال الأنصار غضب نبيكم غضب نبيكم حتى أمر بأن نجتمع للصلاة من الذى أغضب النبى عليه الصلاة والسلام خذوا أسلحتكم فأخذ الصحابة رضوان الله عليهم أسلحتهم وجاؤوا إلى المسجد فقال النبى عليه الصلاة والسلام لا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون أى لا تتحيروا ونحن على بينة من أمرنا وعلى هدى فى حياتنا وقد أكرمنا الله بهذا القرآن فلا داعى للحيرة ولا لأخذ فائدة من هنا أو هناك {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} لا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون أنتم حظى من الأمم وأنا حظكم من النبيين والذى نفس محمد بيده عليه الصلاة والسلام لو كان موسى حيا وتبعتموه وتركتمونى لضللتم والذى نفس محمد بيده عليه

الصلاة والسلام لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعى. فإذن نهاهم النبى عليه الصلاة والسلام عن التعويل على أخبار أهل الكتاب وعن استنساخها وعن النظر فيها فى أول الأمر ثم بعد ذلك عندما اطمئن الحق وانشرحت الصدور وصاروا على بينة يميزون بين الطيب والخبيث ولا يخشى عليهم بعد ذلك إذا اطلعوا على أخبار أهل الكتاب قال حدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج وقد أصاب عبد الله ابن عمرو وهو راوى هذا الحديث حدثوا عن بنى اسرئيل ولا حرج زاملتين يوم اليرموك من أخبار أهل الكتاب فكان يحدث بما فيهما وسنأتى لأخبار أهل الكتاب وأحوالها إن شاء الله فكان يحدث أى بما أذن النبى عليه الصلاة والسلام به أن يحدث من أخبارهم وأما الأمر المكذوبة فلا يجوز أن يحدث بها كما سيأتينا ولذلك قال ابن كثير فى مقدمة تفسيره عبد الله ابن عمرو هو راوى هذا الحديث وفهم من النبى عليه الصلاة والسلام. الإشارة إلى الجواز فلما أصاب زاملتين يوم اليرموك كان يحدث بما فيهما مكان بعض الصحابة رضوان الله عليهم وهكذا بعض التابعين رحمهم الله يتلقون أخبار أهل الكتاب إن من أسلم من الصحابة من أهل الكتاب وصاروا صحابة كرام رضي الله عنهم كعبد الله ابن سلام وغيره أو ممن أسلم من التابعين ككعب الأحبار وغيره رضي الله عنهم أجمعين إذن حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج لامحذور ولاضيق عليكم ولا حجر عليكم فى التحديث عنهم وإن سبق النهى فذلك النهى منسوخ وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحدث عن بنى اسرئيل فى كثير من الليالى بحيث يأخذ حديثه عنهم معظم الليل وكان عليه الصلاة والسلام يحدث عن بنى اسرائيل فى أوقات كثيرة بحيث كان الحديث عنهم يستمر ولا يتركه إلا لفريضة.

ثبت هذا فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى والبزار بسند حسن عن عمران ابن حصين والحديث رواه الإمام أحمد وابن حبان فى صحيحه عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص قال عمران وعبد الله ابن عمرو رضي الله عنهم أجمعين كان النبى عليه الصلاة والسلام يحدثنا عامة ليله عن بنى اسرائيل أى عندما يجلس معنا عليه الصلاة والسلام ويعظنا فى بعض الليالى وكان لا يقوم إلا لعظم صلاة لعظم صلاة قالوا أى لصلاة الفجر لايقطع الحديث عنهم إلا للصلاة العظيمة التى لا ينبغى أن تؤخر وهى صلاة الفريضة كان يحدثنا عامة ليله عن بنى اسرائيل وكان لا يقطع حديثه إلا لعظم صلاة عليه صلوات الله وسلامه أى لصلاة عظيمة وهى صلاة الفريضة ,إذن لا حرج فى التحديث عنهم ولاضيق. الأمر الثانى: والمعنى الثانى لهذه الجملة الشريفة وهى التى تستنبط فهمها الإمام الطحاوى عليه رحمة الله فى شرح معانى الآثار قال لاحرج فى ترك التحديث عنهم فالنبى عليه الصلاة والسلام قال حدثوا لئلا يفهم من الأمر الوجوب والإلزام أتبعه بقوله ولاحرج أى إن شئتم أن تحدثوا فحدثوا وإذا لم تحدثوا فلاحرج عليكم فالأمر للإباحة لا للاستحباب ومن باب أولى ليس للوجوب ةحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج فى ألا تحدثوا وعلى التقدير الأول ولا حرج فى أن تحدثوا أى إن حدثتم لاحرج عليكم والتقدير الثانى إن لم تحدثوا فلا حرج عليكم أيضا. والأمر الثالث: ولاحرج أى لا تضيق صدوركم بما تسمعون من الغرائب والعجائب مما فى أحاديثهم فقد وقع فيهم العجائب حدثوا عنهم ولا حرج لاتضيق الصدور ولا تحرج ولا تستغرب ولا يجرى فيها تساؤل كيف وقعت هذه العجائب فقد كان يقع فيهم عجائب حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج لا تستغربوا ولا تضيق تلك الصدور من العجائب التى فى أخبارهم ولا حرج.

المعنى الرابع: ولا حرج أى لاإثم ولا لوم ولا ذم عن حاكى أخبار بنى اسرائيل إذا كان فى حكاياتهم شىء من المستشنعات والألفاظ المستهجنة فمثلا عندما يروى عنهم أنهم يقولون إن المسيح هو ابن الله والعزير هو ابن الله ويصفون بعد ذلك كيفية صلب المسيح كلام يندى له الجبين عندما يقرر الإنسان هذا الكفر المبين الوارد عنهم لا حرج فى ذلك وإن كان هذا مستشنعا ليرد عليه ولا حرج وإن كان فى الحكاية عنهم شىء من الأمور المستشنعة لأجل المصلحة الشرعية. الأمر الخامس: وحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج المراد من بنى اسرائيل أولاد يعقوب خاصة وحدثوا عنهم بما ورد فى القرآن فى سورة يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وحدثوا عن بنى اسرائيل {لقد كان فى يوسف وإخوته آيات للسائلين} ولا حرج عليكم فهذه قصة ثابتة أنزلها الله فى محكم كتابه. أضعف الأقوال آخرها وأقواها أولها وبقية الأقوال لا مانع من قبولها وهى مقبولة عن أئمتنا الكرام رضوان الله خميعا والإمام ابن حجر بعد أن حكى هذه الأقوال الخمسة ضعف الأخير وقال هذا أبعدها هذا أضعفها وحدثوا عن بنى اسرائيل المراد من بنى اسرائيل خصوص أولاد نبى الله يعقوب على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هذا أضعف الأقوال إذن حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج. أخبار بنى اسرائيل لها ثلاثة أحوال لاتخرج عنها فكل خبر ينبغى أن نضعه فى واحد من هذه الأمور الثلاثة ونطلع على حاله. إما أن تكون أخبارهم شهد كتابنا وحديث نبينا عليه الصلاة والسلام بصحتها وصدقها فالإخبار عنهم بما ورد فى كتبهم فى هذه الحالة كما قال الإمام ابن كثير للاستشهاد لا للاعتضاد ليس نقوى ديننا بما ورد عنهم إنما لنوضح فقط.

فمثلا ورد أن بنى الله عيسى على نبينا عليه الصلاة والسلام كان يحيى الموتى هذا وارد فى كتاب الله جل وعلا: {يحيى الموتى بإذن الله} ففى أخبار أهل الكتاب ينقلون هذه الأمور وخاصة يقول كان يطلب منه بنو اسرائيل أن يصنع لهم الخفاش وأن ينفخ فيه الروح ليحيى ويطير الخفاش طائر معروف يطير فى الليل ويختبىء فى النهار لأن نور النهار يؤذيه. خفافيش أعماها النهار بضؤئه ... وصادفها قطع من الليل مظلم فإذن لا تمشى إلا فى الليل خفاش هذا عجيب لأنه يطير من غير ريش، فأهل الكتاب يقولون فى أخبارهم أنه كان يصنع لهم هذه الخفافيش بكثرة ويطلبونها منه من باب التعنت أى إحياء التمثال ونفخ الروح فيه لأى مخلوق كان عجيب فكيف الحال فى الخفاش هذه أعجب وأعجب يصنع لهم الطين كهيئة الطير بإذن الله ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله كان يطلبون منه أن يصنع لهم الخفاش فيصنع خفاشا طائر يطير من غير ريش يصنعه من الطين ثم ينفخ فيه فيطير بإذن رب العالمين. إن قالوا لنا هذا كان يحصل لنبى الله عيسى نقول لا حرج وهذا فى كتابنا ما يصدقه كان يصنع من الطين كهيئة الطير بإذن الله فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله عندنا ما يصدق هذا فلا مانع من رواية هذا الخبر وما هو على شاكلته. إخوتى الكرام: لكن يقرر أئمتنا أن ما كان يصنعه نبى الله عيسى على نبينا عليه صلوات الله وسلامه من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه فكان يطير لكن إذا توارى عن الناس يسقط ميتا ويعود كما كان ليتميز بين ما خلقه الرحمن وبين هذا الأمر الذى جعله معجزة لهذا النبى الكريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أن لا يبقى طائرا يطير باستمرار ليتميز صنع الخالق جل وعلا عما للمخلوق فيه شيء من الأثر فكان يطير فإذا توارى عنهم وحصلت المعجزة سقط ميتا وعاد كما كان خفاش يطلبون منه أن يصنع تمثالا له وينفخ فيه الروح فيطير بإذن الله هذا فى كتابنا ما نصدقه هذا النوع الأول من أخباره.

النوع الثانى: أن يروى شيء من أخبار أهل الكتاب فى تفسير كلام الله وفيما يتعلق بما ورد فى كلام الله وفى ديننا ما يكذبه فينبغى أن نحذر من ذلك الخبر ومن تلك الأخبار المنقولة فى التفسير فلو نظرت فى كتب التفسير التى ابتليت بالنقل عن أخبار أهل الكتاب فى قصة نبى الله أيوب على نبينا عليه صلوات الله وسلامه {وأيوب إذا نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين} فى بيان حقيقة الضر الذى أصيب به نبى الله أيوب على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أن لحمه تناثر وتساقط الدود منه وبدأ القيح والصديد يخرج من جسمه ومن منخريه وأنتنت رائحته ثم حمله قومه وطرحوه على مذبلة وبقى فى هذا البلاء ثمانى عشرة سنة والله إننا نجزم بكذب هذه الأخبار الملفقة المزورة فهذا نبى كريم يصان من الأمراض المنفرة الأمراض الأنبياء يمرضون كما يمرض غيرهم ويستوون معهم فى هذا الأمر وهم بشر فيأكلون ويشربون ويتصلون بالنساء عن طريق الحلال ويمرضون ويموتون لكن يصان الأنبياء عما فيه منفر هو سيبلغ دعوة الله كيف سيبلغ دعوة الله وريحه منتنة أنتن من جيفة حمار بحيث لو جاء إلى القوم لنفروا منه هذا لايمكن أن يكون أبدا نحن أمرنا أن نقدم فى الصلاة مع أن إمام الصلاة ليس بنبى أن نقدم أحسن الناس صوتا إذا استووا فى القراءة والعلم بشريعة الله وأحسن الناس وجها وأن يقدم من هيئته حسنة ترتاح الأنظار إليه ولا حرج فى ذلك فكيف نبى كريم ريحه منتنة الدود يتساقط منه يلقى على مذبلة ثمانى عشرة سنة هذه أخبار مزورة ملفقة باطلة.

وهكذا ما ورد فى فتنة نبى الله سليمان على نبينا وعليه صلوات الله وسلامة وأن ملكه كان فى الخاتم والخاتم بعد ذلك عندما وضعه عند جاريته وذهب ليتوضأ وجاءها المارد الجنى وأخذ منها هذا الخاتم إلى غير ذلك من هذا الهراء الذى سيأتينا إن شاء الله خلال التفسير فهذا كله من القصص الباطلة التى يصان عنها الأنبياء عليهم صلوات الله عليهم وسلامه ولايجوز أن تروى فى التفسير فهذا نوع ثان من أخبار بنى اسرائيل نعلم أنه مكذوب ومفترى.

النوع الثالث: من أخبار بنى اسرائيل مما هو مسكوت عنه فى شريعتنا ما ورد فى شريعتنا ما يقرره ولا ما ينكره من العجائب والغرائب التى وقعت فى بنى اسرائيل فلا مانع أن نروى هذه الأخبار على وجه العظة والعبرة وعلى وجه بيان تفصيل ما أجمل فى القرآن من أخبار الأمم السابقة ومن أخبار الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه مع أممهم لا حرج فى ذلك لكن هذا كما قلنا لا نجزم بصحته وأنه وقع لئلا نقول على الله بغير علم ولا نكذب ثبت فى صحيح البخارى عن أبى هريرة وفى مسند الإمام أحمد وسنن أبى داود وابن حبان وسنن أبى داود وصحيح ابن حبان عن أبى نملة والخبر مروى عن أبى هريرة وأبى نملة فى شرح السنة للبروى ورواه الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين أبى هريرة وأبى نملة وجابر قالوا رضي الله عنهم كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرية ويفسرونها بالعربية فذكروا ذلك للنبى عليه الصلاة والسلام هل نقبل تفسيرهم ونعول عليه؟ فقال قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون هذه الأخبار التى ترونوها هل هى ثابتة فى كتاب الله حقا وصدقا أو دخلها شيء من التحريف وأنتم تلاعبتم فيه ذلك الكتاب فلا يجوز أن نضيفها إلى الله ولا نعلم لا صدقها ولاكذبها هذا حالنا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون وإن كانت هذه الأخبار مما أنزل إليكم فنحن أول ما يؤمن بها وإذا لم تكن مما نزل عليكم فإذن نحن وقفنا موقفه موقف المتثبت فما أدخلناها فى دين الله ولا نفيناها آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون.

وقد أخبرنا ربنا جل وعلا أن أهل الكتاب حرفوا كتاب الله وغيروه وبدلوا كلام الله وحرفوا الكلم عن مواضعه وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم فى حديثه الصحيح إلى هذا ففى معجم الطبرانى بسند رجاله الثقات عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول إن بنى اسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه وتركوا التوراة إذن التوراة التى أنزلها الله تركوها وضاعت وهذا الكتاب الذى كتبه لهم الأحبار هو الذى اتبعوه وساروا عليه فنحن نلزم حدنا ونقف موقف المتثبت آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون. مثال هذا ما يريده المفسرون فى تفسير كلام الله جل وعلا ولا حرج من روايته كما قال النبى عليه الصلاة والسلام ولاحرج {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك إنى أخاف الله رب العالمين} فاليهود فى موالاتهم للمنافقين والمنافقين فى موالاتهم لليهود حالهم كحال الشيطان فاليهود يوالون المنافقين ويظنون أن المنافقين سيدفعون عنهم عقوبة المؤمنين إذا أراد المؤمنون أن يعاقبوهم لكن حال المنافقين مع اليهود كحال الشيطان مع من يضله عندما يضله يتبرأ منه ولا يتحمل تبعة ضلاله {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك إنى أخاف الله رب العالمين *فكان عاقبتهما أنهما فى النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين} هذه الآية المعتمد {كمثل الشيطان إذ قال الإنسان اكفر} أنها مثل عام لكل من حصل منه طاعة لإنسان فى معصية الرحمن ذلك الإنسان لن يتحمل تبعتك ويتبرأ منك فى الدنيا والآخرة كحال الشيطان عندما يضل الناس {فلا تلومونى ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخى إنى كفرت بما أشركتمونى من قبل} .

مثل عام نقل بعد ذلك ما يوضح هذا بأن المقصود من هذا شخص وقع فى الأمم السابقة فى قصة برصيص العابد والقصة أوردها ابن الجوزى فى زاد المسير وأوردها فى تلبيس إبليس وأوردها فى ذم الهوى وتناقلتها كتب التفسير وحاصلها عن طريق الإيجاز أن برصيص العابد كان من العباد فى بنى اسرائيل وكان يعبد الله فى صومعته فحاول إبليس وجنوده أن يغووه فعجزوا فجمع إبليس جنوده عرض عليهم الأمر وقال من يستطيع أن يضل برصيص فقال الأبيض ويقول من قطع أمل الأبيض الذى هو من أتباع إبليس يقال له الأبيض حتى من الأنبياء يعنى كان يحاول أن يغوى الأنبياء على حسب زعمه لكن الله عصمهم وحفظهم فقال أنا أكون يعنى المنفذ لهذه المهمة فذهب إليه بصورة عابد خاشع واستئذن أن يدخل عليه فأشرف عليه من صومعته وقال ماذا تريد قال أريد أن أتعبد معك قال أنا مشغول بنفسى عن غيرى ولم يفتح له فبقى هذا الأبيض الذى هو شيطان مارد يتزيا بزى العباد الخاشعي يتعبد الله فى فناء هذه الصومعة وفى سورها فأشرف عليه برصيص فى يوم من الأيام فرأى جده واجتهاده فى طاعة الله فقال لو فتحت له لآنس به ولنتعبد الله جميعا ففتح له فأعجب برصيص بعبادته وكان يبذل هذا الشيطان الذى يتزيا بزى الصالحين الخاشعين الأبيض جدا واجتهادا فى طاعة يقول فمكث معه أربعين يوما ثم قال الأبيض لبرصيص أنا ظننت أنك من العباد الزهاد فإذا أنت مقصر لا أريد أن أقيم معك أنا سأذهب إلى صاحب لى آخر نجتهد فى طاعة الله أكثر منك يقول فدخل من الهم والغم فى قلب برصيص ما لا يعلمه إلا الله ثم قال الأبيض لبرصيص وأنا قبل أن أذهب سأعلمك كلمات إذا قرأتها على المبتلى يشفى إذا قرأتها على المصروع يصحو فيعنى تنفع الناس بهذه الكلمات إذا تعلمتها قال أنا مشغول بنفسى ولا أريد أن يشغلنى الناس قال فى ذلك خير فعلمه بعض الكلمات ليقرأها على المرضى والمصروعين لأجل أن يشفووا ثم ذهب إلى إبليس وقال فتنت الرجل ثم بدأ بعد ذلك هذا

الأبيض يدخل فى بعض الإنس بحيث يسبب لهم الصرع والصداع وضيق الصدر ويلجئون إلى من يعالجهم فكان يتزيا أيضا بزى المعالجين ويقول دوائكم وعلاجكم عند برصيص فيذهب بعض الناس فيقرأ عليهم برصيص فيفارقهم هذا الجنى الذى يتلبسهم يعنى هو تلبسهم لما دعا لهم ذاك بتلك الدعوات ولا أثر لها فى الاستجابة لكن هذا دخل وخرج فحصل فتنة فى الناس إلى أن دخل بعد ذلك فى فتاة شابة وزين لأخوتها أن يأخذوها لبرصيص فلما لم يستقبلها قالوا اطرحوها عند السوق ثم بعد ذلك جاء لبرصيص وقال له تقرأ عليها وزين له هذا فأدخلها إلى حجرته ليقرأ عليها فتخبطها الشيطان فاضطربت وظهر شىء من مفاتنها فوقع عليها والبتلى بالزنا ثم قال له فعلت وفعلت وبطنها انتفخ وحملت منه فلا حيلة إلا أن تقتلها فقتلها فى نهاية الأمر أخبر أخوتها بأن هذا قتلها ودفنها فى مكان كذا وهو سكذب عليكم ويقول إنها ذهبت وشيطانها أخذها أو شفيت فجاؤا فعلا وحصلوها مدفونة فى مكان كذا فأنزلوا هذا العابد وقدوه إلى الملك فاعترف بذلك فأمر بصلبه فجاءه صاحبه الأبيض وقال علمتك كلمات فما أؤتمنت عليها وخنت وفعلت وفعلت الآن لا ينجيك إلا شىء واحد أن تسجد لى فإذا سجدت لى أنجيك مما أنت فيه ثم بعد ذلك تتوب من زناك ومن قتلك فسجد له فتخلى عنه الشيطان فصلبه الملك وقتله {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} . مثل هذا الخبر عندما يروى عن أهل الكتاب هل وقع أم لا؟ العلم عند الله لا نعلم صدق وقوعه وحصوله ولا نعلم أيضا عدم وقوعه فنقول {آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلون} . إخوتى الكرام: لا مانع من حكاية هذا الخبر لما فيه من العبرة والعظة وحقيقة ينبغى أن يأخذ الإنسان عبرة وعظة من هذا الخبر إياك أن تخلو بامرأة ولو حدثتك نفسك أن تعلمها القرآن.

ثبت فى سنن الدارمى عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه انه قال من أراد ان يكرم دينه فلا يدخل على السلطان ولا يخصم أهل الأهواء ولا يخلون بامرأة. أذا أردت أن تكرم دينك فلا تخلو بامرأة ولو حدثتك نفسك أن تعلمها القرآن وفى كثير من الأحوال يأتى الشيطان لبعض طلبة العلم القصة وقعت فى الزمن الماضى أم لا؟ لكن تقع فى هذه الأزمان فإن زينوا له أنه إن قرأ على هذه أو على تلك أنها تشفى وأنها من باب الرقية الشرعية فيتوسع أحيانا ويمد يده ثم بعد ذلك ينسى ربه هذا يقع بكثرة وفى كثير من الأحيان يأتى الشيطان فيدخل فى امرأة لتصرع ليفتن بها طالب علم وفى كثير من الأحيان يأتى الشيطان إلى أناس خارج المسجد فيوقع بينهم الخصوم ليشغل من هم فى المسجد ليخرجوا ويفضوا هذه الخصومة هذه من حيله ومكره ومن وسائل إفساده فاحذر هذا {تلك حدود الله فلا تعتدوها} . فإذن هذه القصة التى وردت سواء وقعت أم لا حقيقة فيها عبرة ولذلك لا يخلون رجل بامرأة لا من أجل رقية شرعية ولا من أجل تعليم ولا يقابل النساء والسلامة لايعدلها شىء كما كان يقول أئمتنا ولذلك ينبغى على الإنسان أن يحتاط عندما يتصل بالنساء من أجل مصلحة شرعية سواء كان عن طريق التعليم أو عن طريق آخر أحيانا لو لزم بعض الإتصالات من طلب حاجة أو مبايعة أو ما شاكل هذا لضرورة أو شهادة فلابد من الاحتياط {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} . وإذا ابتلى أحيانا بتدريس النساء ما ينبغى أن يرى له سن بضحك أو تبسم هذا حتما دون أن يحصل منه مقابلة ورؤيا لهن لكن لو ابتلى وهناك حواجز وينبغى أن يتقى الله لا يسمع منه الضحك والتبسم وما شاكل هذا فهذه لا بد لها من الضوابط الشرعية، وهنا كذلك هذا الأمر الذى فى تفسير هذه الآية وتناقله المفسرون هل وقع أم لا؟ العلم عند الله لكن لا مانع من حكايته لأخذ العظة والعبرة منه.

إخوتى الكرام: الطريق الثانى من طرق التفسير تفسير بالرأى المقبول المبرور ما ضابطه؟ نتكلم على هذا إن شاء الله فى الدرس الآتى بإذن الله ولعل الله ييسر لنا فى الدرس الآتى الانتهاء من هذه المقدمة لندخل بعد ذلك فى تفسير سورة من سور القرآن إنه على كل شىء قدير. وصلى الله علي نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

.. .لا هذا يدخل بالتفسير بالرأى إن شاء الله وأن سأشير إليه قطعا لأنه بالتفسير بالرأى سيأتينا مما يقرر جوازه ويحتمه أن عجائب القرآن لا تنقضى وأن حوادث الناس تجد وتتكرر فلا بد من أن يدخل فى كلام الله أن يشملها كلام الله جل وعلا وجاءت هذه النصوص العامة لتطبق على الجزئيات التى تقع إلى قيام الساعة فإذا لم نقل بجواز التفسير بالرأى لم نقل إذن سيبقى معنا حوادث كثيرة جدت وليس لها ذكر فى كلام الله يقول شيخنا عليه رحمة الله فى سورة النحل: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون *ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون *وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم *والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون} يقول أبهم ما سيخلقه جل وعلا مما لا نعلمه فى اسم الموصول ما {ويخلق ما لا تعلمون} يقول وفى ذكره مع المركوبات المذكورة قرينة على أنه يخلق ما لا نعلمه من المركوبات مع أنه ذكر فى مكان آخر أنه يخلق ما لا نعلمه ودون على أن يكون هناك قرينة على أنه من المركوبات على وجه العموم كما قال الله {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} لكن هنا دليل فى مناسبة ذكر هذه {ويخلق ما لا تعلمون} مع المركوبات المتقدمة يقول إشارة وقرينة {ويخلق ما لا تعلمون من المركوبات} يقول وقد تحقق هذا هذا فى تفسيره فى أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن وقد تحقق هذا فى المركوبات التى حصلت فى هذه الأيام من الطائرات والغواصات والسيارات فإذن هذا موجود إنما أحيانا يحصل شطط فى الإعجاز العلمى وتحميل كلام الله ما لا يحتمل نتكلم عليه عند التفسير بالرأى لنضع له ضابطا لأن التفسير بالرأى مجمع على جوازه إذا كان يوافق اللغة ونصوص الشرع ويدل عليه سياق الآية فيشهد له السباق واللحاق هذا لا خلاف فيه.

ومن نسب إلى الإمام ابن تيمة أنه يحرم التفسير بالرأى فى هذه الحالة فهو يفترى ويكذب عليه كما سأنقل هذا من كتبه ولذلك الشيخ أبو زهرة تناقض ففى كتابهم الإمام ابن تيمة الذى ألفه فى حياته قال الإمام ابن تيمة يجوز التفسير بالرأى وأثنى عليه بذلك ثم بعد ذلك فى كتابه القرآن هدايته وإعجازه قال الإمام ابن تيمة يحرم التفسير بالرأى ورد عليه طيب كيف تنسب قولين إلى شخص واحد هناك تثنى عليه وهنا ترده لم يفهم كلام الإمام ابن تيمة هناك يقصد الرأى الذى هو عن طريق الهوى كما سيأتينا أو عن طريق تفسير القرآن بمجرد اللغة فلا شك أن هذا لايجوز كما سيأتينا لهذا عند التفسير بالرأى. الشاهد إخوتى الكرام: الإعجاز العلمى الذى يشهد له كلام الله هذا يدخل فى التفسير بالرأى لا بالأثر لأنه ما نقل لا عن تفسيرالقرآن بالقرآن ولا القرآن بالسنة ولا قوال الصحابة ولا التابعين رضي الله عنهم أجمعين وليس له صلة بأخبار أهل الكتاب بقى إذن مما جد هذا عن طريق الرأى والاستنباط فلا حرج إن شاء الله عند التفسير بالرأى نتكلم عليه إن شاء الله. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنيباء والمرسلين.

مقدمة التفسير4

مقدمة التفسير (4) (دروس تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التفسير4 الحمد لله نحمده ونتستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته رضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102] . {يا أيها أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا صلى الله عليه وسلم * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] . أما بعد: معشر الإخوة الكرام.. لازلنا فى مقدمة دروس التفسير وقلت هذه المقدمة تقوم على أمرين. الأمر الأول: فى بيان منزلة كلام الرحمن جل وعلا وأثره فى هداية بنى الإنسان.

والأمر الثانى: فى بيان طرق التفسير وقلت إن طرق التفسير المقبولة المحمودة المرضية التى ينبغى أن يعول عليها المهتدون فى تفسير كلام الحى القيوم سبحانه وتعالى تقوم على طريقين اثنين. الطريق الأول: تفسير بالمنقول المأثور وقد بينا مراحل وطرق ذلك التفسير نفسر كلام الله بكلام الله ونفسر كلام الله بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ونفسر كلام الله بأقوال الصحابة الكرام رضي الله عنهم ونفسر كلام الله بأقوال الطيبين عليهم رحمات رب العالمين وعرجت بعد ذلك على أخبار أهل الكتاب وبينت أقسامها ووصلنا إلى الطريق الثانى من طرق التفسير وهو التفسير بالرأى المقبول المبرور ذلك تفسير بالمأثور وهذا تفسير بالرأى المحمود المقبول المبرور. فما معنى تفسير القرآن بالرأى؟ يراد بتفسير القرآن بالرأى الاجتهاد وإعمال الفكر فى تفسير كلام الله جل وعلا بحيث يكون ذلك التفسير الذى وصلنا إليه عن طريق الاجتهاد وإعمال الفكر بحيث يكون ذلك التفسير موافقا لنصوص الشريعة المطهرة ولقواعد اللغة العربية فيشهد له سياق القرآن الكريم ويدل عليه السباق واللحاق يدل عليه ما تقدم من كلام الله وما تأخر بداية الآية ونهايتها وما قبلها وما بعدها هذا التفسير يقال له تفسير بالرأى إذن الاجتهاد وإعمال الفكر فى تفسير كلام الله جل وعلا بحيث يوافق ذلك نصوص الشرع وقواعد اللغة فيدل عليه سياق القرآن الكريم فيشهد له سباق الآيات ولحاق الآيات يشهد له أول الآيات وآخرها يشهد لهذا التفسير ما تقدمه من كلمات قرآنية فى تلك السورة وما يأتى بعده من كلمات قرآنية كما سيأتى إيضاح هذا بالأمثلة الجلية إن شاء الله فى هذه المقدمة وفى السور التى سنتدارس تفسيرها بإذن الله جل وعلا.

إخوتى الكرام: التفسير بهذه الشاكلة متفق على جوازه بين علماء هذه الأمة المباركة لا خلاف بين علماء الإسلام فى أن التفسير بالرأى إذا دل على هذا التفسير نصوص الشرع وشهدت له قواعد اللغة والتأم هذا التفسير مع سياق كلام الله الجليل فشهد له السباق واللحاق شهد له ما تقدم وما تأخر لاخلاف بين علماء الأمة فى جواز التفسير بهذه الطريقة دل على ذلك كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وقرر العقل لزوم التفسير بهذه الطريقة وضرورة المسير إليه لثلاثة أمور. أما كتاب الله جل وعلا فدل على جواز هذا النوع من التفسير حيث أمرنا ربنا جل وعلا أن نتدبر كلامه فى آيات كثيرة فقال جل وعلا: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} ، {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} {أفلا يتدبروا القول} ، {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} والتدبر لايكون إلا بعد الاجتهاد وإعمال الفكر فى الوصول إلى معنى الآية إذا لم يرد فى معناها أثر فى تفسيرها إذا لم يرد فى تفسيرها أثر من الطرق المتقدمة فإذن لا بد من إعمال الرأى والاجتهاد للوصول إلى مراد الله جل وعلا حسب الطاقة البشرية. فالتدبر إذن لا يكون إلا بعد التفهم بعد تفسير كلام الله جل وعلا وإذا عدم التفسير بالمأثور لا بد من إعمال الرأى والعقل للوصول إلى مراد الله جل وعلا من كلامه والله أمرنا بأن نرد ما يشكل علينا إلى الذين يستنبطون أحكام الشريعة من كتاب الله جل وعلا والاستنباط لا يمكن أن يتم إلا بعد تفسير كلام الله وفهم المراد يقول جل وعلا: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} .

فالاستنباط الذى يتصف به أولوا الأمر من علماء هذه الأمة هو تفسير كلام الله جل وعلا فما حصل الاستنباط ومعرفة الأحكام إلا بعد معرفة تفسير كلام الرحمن جل وعلا {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فالاستنباط لا يمكن أن يتم إلا بعد فهم المعنى وإذا لم يكن فى معنى الآية أثر فلا بد إذن من إعمال العقل وإجهاد الفكر للوصول إلى مراد الله جل وعلا حسب طاقة الإنسان وقدرته هذه دلالة القرآن على جواز التفسير بالرأى إذا وافق نصوص الشرع وقواعد اللغة وشهد له سياق القرآن فدل عليه السباق واللحاق. وأما السنة المطهرة فقد ثبت فى مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم بسند صحيح أقره عليه الذهبى أن النبى عليه الصلاة والسلام دعا لابن عباس رضي الله عنهما فقال اللهم فقه فى الدين وعلمه التأويل والجملة الأولى اللهم فقه فى الدين ثابتة فى الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام لكن وعلمه التأويل هذه فى المسند والمستدرك اللهم فقه فى الدين وعلمه التأويل. وفى رواية فى المسند مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومعجم الطبرانى الكبير بسند صحيح أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [اللهم فقه فى الدين وعلمه تأويل القرآن] ووجه الاستشهاد من الحديث إخوتى الكرام أن تأويل القرآن لو كان مسموعا كالتنزيل ولا يمكن عن طريق الاجتهاد وإعمال الفكر لما كان لابن عباس رضي الله عنهما خصوصية فى هذا الدعاء فجميع أفراد الأمة بإمكانهم أن يحفظوا كلام الله جل وعلا لكن ليس بإمكانهم أن يفهموا مراد الله من كلامه إلا إذا صاحبتهم عناية إلهية عظيمة من الله عليهم بذلك فالذين يصلون إلى تفسير كلام الله وفهم المراد منه هم أولوا الأمر من العلماء الصالحين كما قال الله {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} ومنهم حبر الأمة وبحرها وترجمان القرآن وعالمها الصحابى الجليل ابن عم نبينا عليه الصلاة والسلام عبد الله ابن عباس [اللهم فقه فى الدين وعلمه التأويل] [اللهم علمه تأويل القرآن] .

إخوتى الكرام: وحقيقة ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما من الفقه واستنباط الأحكام وما نقل عنه من التفسير لم ينقل عن صحابى آخر ببركة هذه الدعوة النبوية على نبينا صلوات الله وسلامه يقول الإمام ابن القيم فى الوابل الصيب من الكلم الطيب فى صفحة سبع وسبعين الأحاديث التى رواها ابن عباس عن نبينا عليه الصلاة والسلام وصرح فيها بالسماع ما جاوزت العشرين حديثا لأن النبى عليه الصلاة والسلام توفى وعمر ابن عباس رضي الله عنهما خمس عشرة سنة أو أربع عشرة سنة ناهز الاحتلام لم يحتلم فقبض النبى عليه الصلاة والسلام وابن عباس فى سن المراهقة فالأحاديث التى ضبطها عن النبى عليه الصلاة والسلام ووعاها لا تصل إلى عشرين حديثا وأما الأحاديث الأخرى ومن الستة المكثرين الذين زادت روايتهم على ألف حديث عن النبى عليه الصلاة والسلام فكلها تلقاها عن الصحابة الكرام وقد بالغ الإمام الغزالى فى المستصفى فى الجزء الأول صفحة سبعين ومائة فقال غاية ما سمعه ابن عباس من النبى عليه الصلاة والسلام أربعة أحاديث والحقيقة فى كل من الأمرين شىء من التساهل فى كلام ابن القيم وكلام الإمام الغزالى عليهم جميعا رحمة الله.

والحق كما قال الإمام السخاوى فى فتح المغيث فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعين ومائة فى آخر كلامه على الحديث المرسل عند شرحه لقول الإمام زين الدين عبد الرحيم الأثرى عليه رحمة الله أما الذى أرسله الصحابى فحكمه الوصل على الصواب تكلم على مراسيل الصحابة ومنهم ابن عباس رضي الله عن الصحابة أجمعين يقول وقال شيخنا وإذا أطلق السخاوى هذا فيقصد به حلام المحدثين وأمير المؤمنين الحافظ ابن حجر وقال شيخنا وقفت وأحصيت الأحاديث التى صرح فيها ابن عباس بسماعها من النبى عليه الصلاة والسلام فبلغت الأربعين حديثا ليست بعشرين كما قال الإمام ابن القيم ولا بأربعة كما فرط غاية التفريط الإمام الغزالى يقول أربعين هذا ما صرح فيه بالسماع يقول وهناك أحاديث أخرى يمكن أن تدخل أيضا فى باب التصريح بالسماع ككونه حضر وقائع وشاهدها ورواها وإن لم يصرح بأنه سمع ذلك من البنى عليه الصلاة والسلام وأنا أقول على جميع الاحتمالات غاية ما سمعه ابن عباس من نبينا عليه الصلاة والسلام لا يصل إلى مائة حديث. أما فقهه فهو البحر جمع ابن حزم فقط فقه ابن عباس وفتاواه فى مسائل الأحكام فزادت الفتاوى التى جمعها عن ابن عباس على سبعة أسفار فقط يقول الإمام ابن القيم فى المكان المشار إليه وهذا بحسب ما بلغ الإمام ابن حزم وبحسب ما وصل إليه وإلا ففقه ابن عباس ليس سبعة أسفار فقط إنما هو كالبحر الخضم. فإذن اللهم فقه فى الدين وعلمه التأويل ,علمه تأويل القرآن فلو كان التأويل مسموعا كالتنزيل لما كان فى هذا الدعاء خصوصية لابن عباس رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام. هذه دلالة السنة على جواز تفسير القرآن بالرأى الذى يوافق نصوص الشرع وقواعد اللغة فيدل عليه سياق القرآن يشهد له السباق واللحاق. وأما العقل فيحتم العقل ضرورة القول بجواز تفسير القرآن بالرأى على الصفة المتقدمة لثلاثة أمور:

أولها: لو لم نقل بجواز تفسير القرآن بالرأى للزم تعطيل كثير من الآيات عن معانيها فليست جميع آيات القرآن نقل فيها تفسير عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة وعن التابعين فنحن إذن أمام آيات إما أن نفسرها على حسب لسان العرب الذى نزل القرآن بلغتهم بلسان عربى مبين {قرآنا عربيا غير ذى عوج} وذلك التفسير كما قلنا يتوافق مع نصوص الشرع فيدل عليه السياق ويشهد له السباق واللحاق فإن لم نقل بجواز ذلك ستبقى تلك الآيات مهملة بلا فهم وبلا معنى نعلمه منها وكلام الله جل وعلا يتنزه عن ذلك كثيرا من آيات القرآن لا يوجد لها تفسير فى القرآن ولا فى السنة ولا عن الصحابة ولا عن التابعين. وتقدم معنا أن أقوال التابعين التى ليس لها حكم الرفع أقوالهم كغيرهم وليس إذن أقوالهم حجة على من بعدهم وأقوال الصحابة النفس تميل لقبول أقوالهم للاعتبارات التى ذكرناها فإذن ليست جميع آيات القرآن فيها تفسير عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة وإذا كان الأمر كذلك فماذا نفعل ببقية الآيات التى لم تفسر والقرآن نزل بلغة العرب ونحن نعلم معانى هذه الآيات من كلام لغة العرب. فمثلا قول الله: {تبت يدا أبى لهب} لا يحتاج إلى أن تنقل أثرا فى بيان معنى التبات تبت هلكت وخسرت وشقيت ,إن قيل كيف فسرت هذه نقول هذا بلسان العرب وبلغتهم تفسير بالرأى هل هذا مذموم؟ لا ثم لا وتفسير القرآن بالرأى وافق قواعد اللغة ونصوص الشرع وشهد له السياق فدل عليه السباق كما قلنا واللحاق وعليه فهذا تفسير بالرأى المحمود الجائز المبرور وعلماء الأمة الإسلامية اتفقوا على جوازه. إذن العقل يحتم القول بجواز تفسير القرآن بالرأى بهذه الصفات لأننا لو لم نلجأ إلى تفسير القرآن بالرأى بهذه الصفات للزم تعطيل كثير من الآيات عن معانيها وكلام الله جل وعلا يتنزه عن ذلك.

الأمر الثانى: الذى يستنبط منه العقل جواز تفسير القرآن بالرأى لئلا نقع فى محذور نقول إن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم خير هذه الأمة بشهادة نبينا عليه الصلاة والسلام كلهم عدول بتعديل الله ورسوله عليه الصلاة ولسلام لهم والصحابة الكرام اختلفوا فى تفسير القرآن وليس لجميع أقوالهم حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام كما تقدم هذا معنا إذن الأقوال الموقوفة عليهم وليس لها حكم الرفع وحصل بينها اختلاف هذا يدل دلالة قاطعة على جواز تفسير القرآن بالرأى وهذا إجماع من الصحابة على هذا الأمر فلو كان تفسير القرآن بالرأى بالصفات المتقدمة ممنوعا لما عول على ذلك حير هذه الأمة وأطهرها وأبرها وهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وقد ورد ما يشير إلى هذا صراحة عن أمير المؤمنين على ابن أبى طالب رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام. ورد فى مسند الإمام أحمد وصحيح البخارى والسنن الثلاثة فى سنن الترمذى والنسائى وابن ماجة والحديث فى صحيح البخارى كما قلت وإذا كان فى صحيح البخارى فهو حديث صحيح قطعا وجزما عن أبى جحيفة رضي الله عنه قال قلت لعلى رضي الله عنهم أجمعين هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشىء دون الناس وفى رواية قال له هل عندكم شىء غير كتاب الله عندكم شىء آخر آل البيت كما يزعم المخرفون الضالون من الشيعة بأن النبى عليه الصلاة والسلام خصكم بأمور لم ينشرها ولم يعطها للعامة هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشىء هل عندكم شىء غير القرآن غير كتاب الله فقال لا والذى فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا كتاب الله وما فى قراب سيفى فى هذا البيت الذى يوضع فيه السيف فيه ورقة مكتوبة عندنا عن النبى عليه الصلاة والسلام فأخذت هذه الورقة من قراب سيفه ففيها العقل أى الديات ومقاديرها وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر هذا الذى فى صحيح البخارى.

وورد فى {2240} رواية فى صحيح مسلم زيادات على هذا بأنه ملعون من غير منار الأرض وملعون من ذبح لغير الله ويجمع بأن جميع هذه الأمور كانت فى الصحيفة عند على رضي الله عنه ثم قال على إلا فهما يؤتيه الله رجلا مسلما فى كتابه ما خصنا نبينا عليه الصلاة والسلام بشىء دون الناس القرآن عندنا وعندكم سواء لكن أنا كتبت عنه هذه الصحيفة وهى فى قراب سيفى فيها العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر والعقل كما قلت لكم الديات يقال لها عقل لأن الإبل كانت تعقل فى فناء ورثة المقتول فعندما يحضرون لهم مائة من الإبل يعقلونها فى الفناء فقيل للديات العقل والعقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر هذا الذى كتبته عن النبى عليه الصلاة والسلام وهذا عندنا وعند الناس سواء لكن هناك شىء انتبه يا أبا جحيفة والكلام لجميع المسلمين إلا فهما يؤتيه الله رجلا مسلما فى كتابه هذا إذا من الله على عبد من عباده بالفهم فاستنبط من كلام الله ما لا يصل إليه غيره فهذه منة من الله لكن ما خصنا بها نبينا عليه الصلاة والسلام دون الناس وما بث إلينا شيئا كتمه عن الناس عليه صلوات الله وسلامه. الشاهد إخوتى الكرام: إلا فهما يؤتيه اله رجلا مسلمل فى كتابه وفى رواية إلا فهما يعطاه رجل مسلم فى كتاب الله فهم يؤتيه الله ويحصل له من قبل الله فيتميز به على غيره من الناس كما حصل لابن عباس اللهم فقه فى الدين وعلمه التأويل هذا الأمر الثانى الذى يستنبط منه العقل جواز التفسير بالرأى المحمود الذى قلنا يوافق نصوص الشرع وقواعد اللغة فيدل عليه سياق القرآن فيشهد له السباق واللحاق.

والأمر الثالث: الذى يستنبط منه العقل جواز تفسير القرآن بالرأى ويحتم ذلك أن الحوادث تجد وتتجدد وهذه الحوادث لا بد من أن تخضع لكليات وقواعد عامة فى شريعة الله المحكمة والقرآن الكريم شامل لذلك فما حدث ويحدث لا بد من أخذ أحكامه من كلام ربنا جل وعلا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام ولا يمكن هذا إلا عن طريق تفسير القرآن بالرأى وكنت ذكرت لكم كلام شيخنا المبارك عليه رحمة الله فى تفسير آية النحل فى الجزء الثالث صفحة تسع وتسعين ومائة فى أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون} . قلت يقول الشيخ عليه رحمة الله أبهم ما سيخلقه الله لأنه ذكره باسم الموصول ما وهذا المبهم بقرينة ذكره مع المركوبات يفيد أنه يخلق ما لا تعلمون من المركوبات التى هى غير البغال والحمير التى نركبها {والخيل والبغال والحمير} هى غير الخيل وغير البغال وغير الحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون أى من المركوبات الأخرى كالطائرات والسيارات والغواصات الباخرات وما شاكل هذا ويخلق ما لا تعلمون وقلت هذا المبهم بقرينة ذكره مع المركوبات تدخل المركوبات التى ستجد وتوجد دخولا أوليا فى هذا اللفظ مع أن الله سيخلق أشياء أخرى أيضا على مر الأيام والليالى ما نعلمها وعندما توجد يعلمها الناس كما قال الله جل وعلا: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} . فهذه الحوادث التى تجد وتتجدد وتحدث ولا يوجد لها نظير سابق لا بد من إلتماس حكم لها فى شريعة الله المطهرة فلا بد من إدخالها فى هذه العمومات وهذا لا يكون إلا عن طريق تفسير القرآن بالرأى بحيث يحتمل القرآن ذلك إذا لم يوجد فنلجأ إلى السنة لبيان حكم ما جد وهل فى السنة أشارة إلى ذلك.

إخوتى الكرام: عند هذه النقطة فى الدرس الماضى أشار بعض الأخوة الكرام أخى الشيخ عبد العزيز إلى أمر يثار فى هذه الأيام وهو موضوع الإعجاز العلمى وقلت له إن الإعجاز العلمى يدخل فى باب التفسير بالرأى لا فى باب التفسير بالأثر الإعجاز العلمى سنقف عنده وقفة لننفى الشطط عن كتاب الله وما أعلم أحدا فى هذا الوقت تكلم فى الإعجاز العلمى إلا وابتعد وابتعد عن الصواب كثيرا وكثيرا بحجة التلفيق بين النظريات العلمية وبين الآيات القرآنية. إخوتى الكرام: القرآن معجز من أى وجه نظرت إليه فهو معجز فى فصاحته وجمال أسلوبه {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} هو معجز لأنه أخبر عن الغيوب الماضية والمستقبلة وتحدث عن وقائع حاضرة إبان نزوله كثيرا من الناس لا يعلمونها ثم بعد ذلك تحققوا منها فهذا أيضا إعجاز للقرآن العظيم إخباره عن الغيوب. من جملة إعجاز القرآن صنيعه العجيب فى القلوب فهذه القلوب تخشع وتلين وتتأثر عندما تسمع كلام الله جل وعلا. من جملة إعجاز القرآن أن قارئه وسامعه لا يملان فهو الذى لا يخلق عن كثرة الرد ولو طهرت قلوب العباد لما شبعت من كلام الله جل وعلا. ومن جملة إعجاز القرآن أنه جمع أنواع العلوم وهو الذى صير رعاء الشاء والغنم إلى ساسة الشعوب والأمم ,من هذه العلوم العلوم على كثرتها لا تخرج عن نوعين.

علوم سلوكية ترتبط بفعل الإنسان وسلوكه هذا فضيلة وهذا رزيلة هذا خير وهذا شر هذا حلال وهذا حرام فبين القرآن ما يتعلق بأفعال المكلفين عن طريق الأمر إيجابا واستحبابا وعن طريق النهى تحريما وكراهة وضبط سلوك المكلفين فى هذه الحياة علوم سلوكية وهذه لا يجوز أن تؤخذ من غير شريعة رب البرية ومن حسن أو استقبح شيئا لم ترد به شريعة الله وأمر أو نهى المكلفين عن شىء أو بشىء لم ترد به شريعة الله فقد نصب نفسه ندا لله {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} هذا النوع الأول من العلوم العلوم السلوكية تكفل ببيانها كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام. وهناك علوم مادية تجريبية خاضعة للعقل البشرى وللمحسوسات والتجارب والله ندبنا إلى أن نتوصل إليها وأن نبحث وننظر ما فى هذا الكون لنرى عجيب ما خلقه الله جل وعلا فى هذا الكون {قل انظروا ماذا فى السموات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لايؤمنون} هذه العلوم التجريبية العلوم العقلية العلوم المادية التى الطريق لإثباتها العقل, أحيانا يشير القرآن إليها ويكشف عنها قبل أن تقع فعندما تقع يقول العلماء فى هذا الوقت هذا إعجاز علمى أى أشار إلى أمر ووقع فى هذه الأيام وكشفته الاختراعات وحوادث الناس يقولون هذا إعجاز علمى أشار إليه القرآن من خمسة عشر قرنا هذا الإعجاز العلمى ينبغى كما قلت أن نقف عنده وقفة لنضبطه بضوابط. إخوتى الكرام..

وهذه الوقفة لن أسترسل فيها لأننى كنت سابقا فصلت هذه القضية فى محاضرة ألقيتها حول العلوم السلوكية والعلوم التجريبية المادية وتكلمت على الشق الثانى منها وهى العلوم التجريبية التى طريقها كما قلت العقل والمشاهدة والاختبار والملاحظة والتجارب وهناك استعرضت ما يتعلق بالإعجاز العلمى فمن شاء منكم أن ينظر الكلام مفصلا فى تلك المحاضرة فلينظره وليسمعه إنما أقول هنا هذه الأمور المادية التى كما قلت الأساس فى بحثها عقل الإنسان ومتروكة لجهده ليتوصل إليها بسعيه لم يجعلها القرآن محور بحثه لأن القرآن كتاب هداية وإعجاز فما جاء ليبين لنا أن الماء يتكون من أوكسجين وهيدروجين ليس فى ذلك أى فائدة لو بين لكان هو العليم الحكيم الذى هو بكل شىء عليم سبحانه وتعالى لكن يكون القرآن قد خرج عن غايته الأساسية فى هداية الناس وضبط سلوكهم وأفعالهم كون الماء يتركب من أوكسجين وهيدروجين ليس فى ذلك أى فائدة للناس فمن علمه علمه ومن جهله لا يضره ذلك إنما لو أشار القرآن إلى هذا واكتشف العلم بعد ذلك أن الماء يتركب من أوكسجين وهيدروجين يقال هذا إعجاز علمى لكن هذا كما قلت ليس هذا محور بحث القرآن لأن القرآن هداية وإعجاز لضبط أفعال المكلفين وليخرجهم ربنا جل وعلا من حياة النكد والشقاء فى هذه الحياة العاجلة إلى حياة السعادة والرخاء وما لهم فى الآخرة من النعيم المقيم أعظم وأعظم هذه هى غاية القرآن {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} أما جاء ليقرر نظريات مادية عقلية علمية بحتة لا ثم لا فليست هذه الأمور محور بحث القرآن. الأمر الثانى هى ليست محور بحثه لكن القرآن ما حرم علينا البحث فيها واعتبر البحث فيها زندقة وضلالا وسفاهة لا ثم لا.

حثنا على البحث فيها وعلى التأمل فى ِشأنها وعلى التفكير فى أمرها وأمرنا أن ننظر ماذا فى السموات وما فى الأرض وأن نكتشف المجهولات وأن نجوب البحار وأن نقطع الفيافى والقفار لما نرى ما فى خلق الله من عجائب {قل انظروا ماذا فى السموات والأرض} فحثنا على هذا {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} {فلينظر الإنسان إلى طعامه} الآيات {وفى أنفسكم أفلا تبصرون} . تفكر فى هذا وتأمل وتدبر لا أقول لا حجر عليك بل أنت مأمور بذلك فكل ما تتوصل إليه بعد ذلك عن طريق إمكانياتك أنت عليه مأجور إن وصلت للحقيقة فالحمد لله وإلا فقد بحثت ما فى وسعك ويأتى من بعدك ويكمل أبحاثك ليثبت القضية النهائية بعد ذلك فى هذه الأمور المادية فإذن ليست هى محور بحث القرآن ولا حجر على الإنسان فى أن يبحث فيها بل حثه القرآن على البحث فيها والتأمل فى شأنها. الأمر الثالث: الذى يمتاز به القرآن نحو هذه الأمور المادية أن القرآن يشير ويلفت أنظار الناس إلى ما يتعلق بواقعهم نحو هذه الأمور فالله جل وعلا يذكر لنا هذه الأمور ويبين لنا ما الذى يرتبط بواقعنا منها فمثلا الرياح {وأرسلنا الرياح لواقح} واقع الحياة يرتبط بهذا وبالتذكير بهذه النعمة العظيمة من هذه الرياح أنها تلقح الأشجار {وأرسلنا الرياح لواقح} ويخبرنا الله جل وعلا أن هذه الرياح تسوق السحب و {ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وهو الذى يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته [نشرا بين يدى رحمته] .

تنشر السحاب وتبشر بنزول المطر وهكذا الشمس وهكذا القمر والنجوم والسماء والأرض والجبال وكيف مد الله الأرض ونصب الجبال لئلا تميل الأرض بنا هذا كله يتعلق بواقع حياتنا فلفت أنظار العباد إلى مواطن العبرة فى هذه المخلوقات التى خلقها وإذا تحدث القرآن عنها وهى الميزة الرابعة لحديث القرآن عن هذه الأمور الكونية الأمور العلمية المادية يتحدث عنها حديث العالم الخبير كيف لا وهو يتحدث عن مخلوقاته سبحانه وتعالى {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} . والأمر الخامس: يشير القرآن عندما تحدث عن الأمور الكونية إللى أنها مربوبة مسيرة مسخرة لها إله عظيم يدبرها فلم تخلق فلتة ولم تخلق صدفة ولا تسير نفسها بنفسها إنما هى ضمن هذا النظام المحكم العظيم الذى أوجده رب العالمين سبحانه وتعالى {رب المشرق والمغرب} سبحانه وتعالى {لاإله إلا هو فاتخذه وكيلا} والآيات فى ذلك كثيرة كما قلت لا أريد الاسترسال فى إيضاح هذا الأمر فهذا حديث القرآن عن هذه الأمور الخمسة ليست هى محور بحثه حثنا على التفكر والتأمل فيها شرح ما يتعلق بواقعنا من هذه الأمور إذا تحدث عنها فحديثه حديث العالم الخبير يخبرنا أنها مربوبة مسيرة ماعدا هذا فى الحقيقة الخروج عن هذا لالتماس آيات تخضع لنظريات علمية ولإدخال نظريات علمية فى آيات قرآنية لا تدل عليها إلا بتكلف وتمحل وبعد وشطط وسفاهة هذا فى الحقيقة نوع من التلاعب بالقرآن باسم تأييد القرآن ونصرة القرآن.

هذا أول ما يشير إليه إلى أن هذه هزيمة داخلية فى نفوس المسلمين فيريدون أن يجعلوا العلم مقررا لصحة القرآن كأن النظريات العلمية والنظريات الفرضية التى لا زالت افتراضية أو ظنية أو وصلت إلى درجة القطع واليقين حسب ما عند الإنسان من إمكانات حسية كأن هذه النظريات هى التى تقرر صحة كلام رب الأرض والسموات فلولاها لكان لنا حول القرآن موقف آخر نقف نحوه موقف المرتاب سبحان ربى العظيم هذا قلب للحقيقة تلك النظريات لو دل القرآن عليها فهذا لبيان صحتها لا لأن القرآن فى الأصل يدل على ثبوته هذه النظرية. ولذلك من يريد أن يلتمس نظرية من هنا وهناك ثم يأتى ليرقع ويؤلف بين هذه النظريات وبين القرآن ليدلل على صحة القرآن أول ما يدل عليه مسلكه أنه مرتاب نحو كلام الله وأنه منهزم ولذلك يريد أن يتعلق بما هو أوهى من بيت العنكبوت لتقرير كلام الله جل وعلا. الأمر الثانى إن هذا المسلك ضال مخطىء جائر بعيد عن الحق فالقرآن كامل فى موضوعه نهائى فى حقائقه وهذه النظريات متبدلة ومتقلبة وكم من نظرية قررت بالأمس نقضت اليوم وما يقرر اليوم ينقض فى الغد. ومن العجيب الغريب ما قال لى بعض الأطباء المتخصصين يقول لى يا شيخ جميع العلوم متقدمة ومتطورة إلا الطب قلت ولما قال إلا الطب لا زال ولن يزال متخلفا وعاجزا قلت ولما ما السبب وأنت متخصص فى الطب يقول يا شيخ الطب هذا عندما يتخصص فى العيون سيبحث فى هذا العالم الذى لا يحيط به حقيقة فهو مهما اكتشف لا زال يبحث فى مجهول ولذلك يقول كثيرا من الأشياء تستعصى علينا الآن فى بحوثنا الطبية فنقول لا علاج لها عندنا يقول جميع العلوم متقدمة متطورة إلا الطب مع تطوره ليس بمتطور قال نعم لأنه ما خفى عنا من عجيب صنع الله فى هذا المخلوق {وفى أنفسكم أفلا تبصرون} أكثر بكثير مما اكتشفناه وشاهدناه ووصفنا له علاجا.

القرآن كامل فى موضوعه نهائيا فى حقائقه وهذه النظريات متقلبة متبدلة ,من سنين كان يقال الذرة هى أصغر مخلوق ولا يوجد شىء أصغر منها ثم جاءك بعد ذلك موضوع تحطيم الذرة وأن الذرة تفتت إلى بلايين الأجزاء فإذن أين النظرية السابقة أصغر شىء هو الذرة نظريات تتبدل فإخضاع القرآن لها يعنى بعد ذلك التلاعب بكلام الله جل وعلا وأن نقرر صحته اليوم لينقض بعد ذلك حجيته وصحته الأجيال الذين يأتون بعدنا فهذا شطط وهذه سفاهة. الأمر الثالث: الذى يترتب على هذا المسلك الجائر الضال المخطىء المبتعد عن الصواب هذا يدل على سوء فهم لطبيعة القرآن فقلنا القرآن كتاب هداية وإعجاز لا ليشرح نظريات علمية وأن الماء يتألف من كذا وأن المثلث يمكن حساب مساحته عن طريق كذا لا علاقة للقرآن بهذا هذا خاضع كما قلنا للأمور الحسية ولوسائلك ولما عندك من تقدم مادى فإذن كأنك أن تدركه فبها ونعمت وإلا فما عليك غضاضة ولاحرج كون الناس يركبون حمارا أو عربة أو دابة أو سيارة أو طائرة ليس عليهم حرج فى جميع هذه الأمور إنما الحرج عندما يبتعدون عن الهدى عن النور وعن الرشاد ويتخبطون فى الظلام والضياع أما أنهم ركبوا الحمار أو ركبوا الطائرة لم يرتفع قدر الإنسان إذا ركب طائرة ولن ينخفض قدره إذا ركب حمارا إذا كان كريما على الله جل وعلا شريفا فى هذه الحياة فإذن هذا سوء فهم لطبيعة القرآن

الأمر الرابع: الذى ترتب على مسلك هؤلاء أنهم سلكوا تأويلا مستمرا مع التمحل والتكلف لإخضاع القرآن للنظريات العلمية التى توصلوا إليها فإن قيل هل عندكم دليل على هذا فاسمع أخى الكريم معى شطط المهوسين فى هذا الحين الذين يريدون أن يدللوا على القرآن بالنظريات المستحدثة التى لا أقول ثبتت التى وجدت فى هذا الزمان دليل المستفيد على كل مستحدث جديد لعبد العزيز ابن خلف رئيس المحاكم الشرعية بالجوف نشر كتابه سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة أى من قرابة ثلاثين سنة تقريبا رئيس المحاكم الشرعية بالجوف ذكر فى هذا الكلام ضلالا لا أقول لا يشتهى الإنسان سماعه بل والله لا يستحى الإنسان من صف قائله وبعده فجاء ليخضع القرآن لهوس المهوسين وضلال الضالين. اسمع ماذا يقول فى تفسير سورة الزلزلة الزلزال {يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم} ، {إذا زلزلت الأرض زلزالها} ، {وأخرجت الأرض أثقالها} ، {وقال الإنسان ما لها} {يومئذ تحدث أخبارها} يومئذ متى يومئذ إخوتى الكرام متى عندكم شك فى هذا لعل نساء البادية لا يشككن فى هذا ,يومئذ يقول عندما تزلزل الأرض زلزالها أى يخرج فيها الإكتشافات العلمية ويحصل التقدمات التكنولوجية ,يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم كيف سيرون أعمالهم قال عن طريق السينما وشاشة التلفزيون فأنت عن طريق السينما وشاشة التلفزيون ترى ما فى العالم لأن الأرض زلزلت وأخرجت ما فيها وتطورت فأنت ترى أعمال الناس بواسطة هذا الجهاز وقال هذا دليل على صحة القرآن وقد أثبت السينما والتلفاز من أربعة عشر قرنا.

إلى هذا الحد وصل الهوس والله إن نساء البادية ما يخطر ببالهن هذا الفهم {يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم} هذا ذكره فى الجزء الأول فى صفحة واحد وسبعين ومائة وأفاض فى الكلام فى تقرير ذلك كلاما حقيقة يصك الآذان وأن هذا دليل على إعجاز علمى وهذا دليل على صحة كلام الله وأنه من عند الله أشار إلى السينما والتلفاز ثم جاء لأمر بعد ذلك فى السنة كما أنه أراد أن يؤيد القرآن بنظريات مستحدثة يريد أن يؤيد كلام النبى عليه الصلاة والسلام وأنه رسول الله حقا وصدقا بنظريات مستحدثة. قال حديث الدجال وهو حديث متواتر وأنه يمكث أربعين يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم هذه يقول هذا دليل على وجود الطائرات والصواريخ لأن الدجال سيركب الحمار وما هو الحمار ما هو ما أظن أن الحمار يخفى حاله على الحمار إلا من كان دون الحمار هذا أمر آخر يقول الحمار هو الطائرات لأن الطائرة شكلها بشكل الحمار والدجال سيقطع الأرض فى أربعين يوما بواسطة الطائرات والصواريخ فإذن يركب الحمار ويمكث أربعين يوما هذا دليل على وجود الطائرات كان الناس يستغربون كيف سيجوب الدنيا على حمار فزالت الغرابة والطائرة هى الحمار ما أعلم وجه الصلة بين الطائرة والحمار ووجه الشبه بين الصواريخ والحمر. رحمة الله على الإمام الألوسى عندما يقول فى تفسير سورة لقمان: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} يقول وقد شاع عند الناس أن نهيق الحمار لعن للشيعة أى عندما ينهق الحمار يلعن الشيعة يقول وهذا كلام لا يقبله إلا من كان طويل الأذنين ونحن هذا نقول الطائرة هى الحمار حقيقة لا يمكن أن نقبل هذا إلا إذا طالت آذاننا وانقلبت خلقتنا أما ما دمنا فى سورة البشرية فالطائرة طائرة والحمار حمار ... هذا تأويل.

تأويل ثان لضال آخر مصطفى محمود يجعجع فى وسائل الإعلام فى صفحة مائة وأربعة فى كتاب رحلتى من الشك إلى الإيمان حول المسيح الدجال فى صفحة مائة وأربعة عن المسيح الدجال يقول المراد من المسيح الدجال الذى أشارت إليه الأديان والأحاديث الشريفة ليس مخلوق يحصل منه فتنة كما فهم الناس كما أراد هؤلاء أن يؤلفوا بين النظريات العلمية وبين ما أخبر به خير البرية عليه الصلاة والسلام فقالوا الحمار الذى يركبه الدجال هو الطائرات ويجوب الأرض فى أربعين يوما يقول لا إنما المسيح الدجال يقول هو العلم العصرى فى هذه الأيام وهو التكنولوجيا والتقدمات الصناعية كيف هذا قال هذه العلوم عوراء كيف هى عوراء قال لأنه لا روح فيها لا صلة لها بالله علوم مادية بحتة ففعلت بغير اسم الله وعلى غير اسم الله وصارت شقاء للبشر وما فعلوها من أجل المصلحة ومن أجل الاستعانة على أمور الشرع فهذا هو العور الذى فى المسيح الدجال فالمسيح الدجال يقول ظهر من زمن لأن هذا الاكتشافات العلمية هو المسيح الدجال والعور فيه أنه لا صلة لهذه العلوم بالله يقول وتصفه الروايات بأنه أعور وأنه يملك من القوة الخارقة ما يجعله يرى بهذه العين الواحدة ما يجرى فى أقصى الأرض كما يسمع بأذنه ما يتهامس به الناس عبر البحار كما يسقط الأمطار بمشيئته فينبت الزرع ويكشف عن الكنوز المخبوءة ويشفى المرضى ويحيى الموتى ويميت الأحياء ويطير بسرعة الريح ويفتتن به كل من يراه ويسجد له على أنه الله بينما يراه المؤمنون على حقيقته ولا تخدعهم معجزاته ويشهدون رسم الكفر على وجهه ذلك المسيح الدجال وإحدى علامات الساعة التى نقرأ عنها فى كتب الدين والمسيح الدجال قد ظهر بالفعل كما يقول الكاتب البولندى كاتب بولندى سنعول عليه فى بيان المسيح الدجال ليوبولد فايست وقد أسلم هذا الكاتب وهذا المسخ الشائه ذو العين الواحدة كما يقول هذا البولندى هو التقدم المادى والقوة المادية والترف المادى معبودات

هذا الزمان مدنية العصر الذرى العوراء العرجاء التى تتقدم فى اتجاه واحد وترى فى اتجاه واحد والاتجاه المادى بينما تفتقد العين الثانية الروح التى تبصر البعد الروحى للحياة فهى قوة بلا محبة وعلم بلا دين وتكنولوجيا بلا أخلاق وقد استطاع هذا المسخ أى الدجال فعلا عن طريق العلم أن يسمع ما يدور فى أقصى الأرض بالاسلكى ويرى ما يجرى فى آخر الدنيا بالتلفزيون وهو وهو. أنا أريد أن أقول لهذا الضال المهوس فى هذا الكتاب رحلتى من الشك إلى الإيمان، تواترت الأحاديث بأن المسيح الدجال لا يدخل مكة والمدينة وبيت المقدس وهل التكنولوجيا ما دخلت إلى مكة وهل الصناعات العلمية ما وصلت للمدينة المنورة فكيف تريد أن توفق بين هذا الترقيع الذى ذكرته وبين الأحاديث الصحيحة التى صرحت بأن الدجال لا يدخل هذه البقاع وعلى كل نقب من نقاب مكة والمدينة ملائكة تشهر السيوف لا يستطيع الدجال أن يدخل فكيف إذا كان التقدم العلمى والصناعى وعند هذا الضال إخوتى الكرام الذى يجعجع فى وسائل الإعلام وكنت ذكرت فى محاضرة الشبهات والشهوات كلاما عنه له ذكره فى كتاب القرآن محاولة لفهم عصرى ونقلت عنه فى ذلك الكتاب فى تلك المحاضرة أنه يقول غض البصر فى تفسير قول الله {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} كان ممكنا عند عصر العباءة والجلباب والبرقع والقفازين والملاءة وأما فى عصر المينى جيب والمكرو جيب والصدر العارى والأفخاذ المكشوفة والشعر المسترسل لا يمكن غض البصر فكيف نفعل ثم قال أنا أقول إذا نظر الإنسان إلى هذا بقلب طاهر ليرى الجمال ويقول الله له على ذلك حسنات هذا يقوله فى كتابه القرآن محاولة لفهم عصرى.

إخوتى الكرم: هذا الكلام الذى ذكره فى كتابه القرآن محاولة لفهم عصرى كنت ذكرته فى تلك المحاضرة وأشرت إلى الصفحة فى ذلك الكتاب فوصلتنى رسالة من بعض الأخوات من مكة رمزت لاسمها س. م.جامعة أم القرى تقول الأخت الكريمة استمعت شريط الشبهات والشهوات شريط من جزئين ويعلم الله أننى استفدت منه كثيرا هذا ما عهدته إلى آخره يقول غير أنى أريد أن أنبه فضيلتكم كذا إلى ما وقع من خطأ فى الجزء الثانى من هذا الشريط حول الكلام عن تفسير مصطفى محمود لآية غض البصر فى سورة المؤمنين ليست فى سورة المؤمنون هى فى سورة النور {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} .

على كل حال فقد ذكرت أنه فسر هذه الآية بمفهوم عصرى مستغرب بأن قال ما مجمله تقول ونحن إذ نقول هذا نقدم لك صورة من كتابه القرآن محاولة لفهم عصرى حول هذه الآية وليس فيه ما ذكرت والأخت صورت هذه الصفحات صفحة مائة وثلاث فما بعدها وأنا قلت لكم هذا الكلام فى صفحة خمس وثمانين تقول فى هذه الصفحات يقول يجب غض البصر لئلا يحصل فتنة ثم بسترسل بعد ذلك فى الكلام لئلا يعبد الإنسان نفسه وشهواته ويقول فقال الله: {فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم} بمعنى فاهزوموا أنفسكم وانتصروا عليها هذا حتى فى الصورة التى أرسلتها وفى الإنجيل يقول المسيح من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها إلى آخر الكلام تقول هذا الكلام فى هذه الصفحات لا يوجد ما أشرت وأنا قلت هذا فى الصفحة خمس وثمانين ولو كان الكتاب بين يدى لأحضرت الكتاب وقرأت النص عليكم فلعل الشريط يبلغها وتقف عند الحقيقة لكن الكتاب القرآن محاولة لفهم عصرى ما وجدته وليس عندى فإذا كان عند بعض الإخوة يأتينى به أثابكم الله لكننى أريد أن أنقل لهذه الأخت من باب التوكيد على أن هذا الكلام صدر عن هذا الكاتب الكاذب الخبيث الضال وأننى ما قلت هذا إلا نقلا من كتابه ولئن أخر من السماء أحب ألى من أن أكذب على أحد أقول هذا الذى قلته منقول عنه من قبل علمائنا وردوا عليه شيخنا عليه رحمة الله الشيخ مصطفى محمد الحديد الطير وهو من الشيوخ الصالحين ومن البقية الطيبين فى الأزهر ودرسنا التفسير فى الدراسات العليا فى السنة الأولى والثانية وهو من الصالحين ولا نزكيه على الله وكان أيام دراستى يزيد على السبعين سنة عليه رحمة الله وهيأته تذكر بالله جل وعلا وكان على باع عظيم من العلم وكان ذا باع عظيم فى العلم ألف اتجاه كتابه اتجاه التفسير فى العصر الحديث جاء ليتكلم على كتب التفسير المريضة التى وجدت فى هذا العصر الحديث فذكر من جملتها كتاب القرآن محاولة لفهم عصرى يقول

رأيه فى غض الأبصار أى رأى هذا المؤلف فى هذا الكتاب ومن الأمور المستشنعة ما يوجد قبل هذا العنوان أحب أن أقرأه عليكم من باب أن تعلموا وأن الرجل ضال وانتقل من ضلال إلى ضلال لكن كان ضلال باسم الزندقة وصار ضلال باسم الإسلام كما هى عادة الزنادقة الذين دخلوا فى الإسلام ليكيدوا للإسلام باسم الإسلام يقول شيخنا عليه رحمة الله هل عذاب جهنم رحمة هكذا يقول المؤلف ولأول مرة اسمع مثل ذلك يقول فى صفحة واحد وثمانية إن الله رحيم دائما حتى فى جحيمه ولهذا سمى الرحمن ثم يقول أى مصطفى محمود يرحم من يستحق الجنة ويرحم من لا يستحق بالجحيم، الله يرحم من يستحق الرحمة بالجنة ومن لا يستحق الرحمة يرحمه طيب أين عذاب الله إذا كانت الجحيم دار رحمته والجنة دار رحمته فأين دار عذابه وسخطه ولعنته فالجحيم كما رأينا تعريف لمن لا يعرف ولمن فشلت معه وسائل التعريف فهو نوع من الرحمة يقول شيخنا فهل العقاب على الذنب يسمى رحمة بحجة أنه تعريف لمن فشلت معه وسائل التعريف فى الدنيا أليس هذا من قبيل اثبات الشىء بنقيضه وإذا التعذيب بجهنم رحمة فأين يكون التعذيب أو العذاب وأغرب شىء أن يستشهد على ذلك أى هذا الكاتب الضال بقوله تعالى {عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} حتى لأهل النار يقول شيخنا فاقرأ بقية الآية لتدرك أغرب استدلال على المقصود {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} ورحمة الله التى وسعت كل شىء فى الدنيا حتى الفجار يخصها الله فى الآخرة بالذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياته يوقنون أما الكفار فهم عنها بمعزل وعذاب جهنم رحمة رأيه فى غض الأبصار يقول المؤلف فى فصل الحلال والحرام صفحة خمس وثمانين كما أحلت ليس فى صفحة مائة وثلاثة الله حرم الضار الخبيث وأحل الطيب النافع ثم نقول يقول إذا لم نفهم هذه الحقيقة كالجوهرية فسوف نتوه فى حرفيات لا آخر لها وتضيع منا روح القرآن كلية ثم ذكر قوله تعالى

{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} وقوله {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} وقال لو أخذنا بظاهر حروفها دون أن يكون جوهر القضية واضحا فى الذهن فسوف نجد أن الحياة الطبيعية فى زماننا زمن المينى جيب والجبونيز والصدر العريان والشعر المرسل والباروكات المذهبة الحياة أمر صعب ثم قال مجرد إرسال النظر لا ضرر فيها لكن الضرر فى ما يجرى فى القلب والعقل نتيجة إمعان النظر الخبيث أن تتخطف العقل والقلب الشهوات فيتشتت الناظر ويأخذ سبيله وراء ظهر عريان فتلك عبودية وذل وهبوط إلى حالة كلب يتشمم وهنا يبدو معنى الآية {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} مطلوبة والرجل العابد الزاهد المشغول القلب بالله يرى الجمال فيرى فيه الخالق الذى صور وليس المخلوق فلا تكون نظرتهم حلال فقط وإنما تكتب له حسنة لأنه يقول بقلبه الله عند رؤيته الوجه الجميل يمجد الخالق الذى صوره ثم يقول فى صفحة سبع وثمانين فإذا انتفى الضرر فأنت فى المنطقة الحلال لا تضر نفسك ولا تضر غيرك وأقول يقول شيخنا إن المؤلف قرر وجوب التزام ظاهر النص فما باله يضرب بقراره عرض الحائط من آن لآخر هل فى الآيتين أو غيرهما تقييد النظر المنهى عنه بأنه عند الاشتهاء حتى يحل عند عدمه إذا كان القلب مشغولا بالله عابدا زاهدا يرى الجمال فيمجد الخالق لا المخلوق ثم رد على هذه الدعوة وأبطلها. فيا أختى الكريمة: ما نسبت إلى هذا الضال ثابت عنه لكن كيف فى هذه الورقات نقض ذلك فى صفحة مائة وأربعة وما بعد أقول لأن الكاتب متناقض فهو يقرر شيئا وينقض آخر وجميع ما يذكره متهافت والرجل ليس عنده عقيدة واضحة ولا إيمان سليم ولا قلب طاهر وليس على بينة من أمره مهوس يريد عرض الدنيا فيما يخرجه ويخرج فى وسائل الإعلام إذاعات العالم تجعجع بهذا الشيطان ويريد بعد ذلك هذه الشهرة وأنه شيخ الإسلام وهو لا يتقن ولا يفقه شيئا من دين الرحمن.

فإذا كان الهوس بهذا الإنسان فلا يستبعد أن يتناقض فهنا يقول شيئا وهنا يقول شيئا فلو كان ما فى هذه الصفحات ينقض ذلك لا حرج هذا حال من ليسوا على بينة من أمرهم. أما ما ذكرته ونقلته عنه والله لئن أخر من السماء أحب إلى من أن أنسب إلى أحد من عباد الله ما لم يقله, هذا كلامه وأخذته من كتابه وشيخنا رد عليه فى هذا الكتاب فى اتجاه التفسير فى العصر الحديث فى صفحة اثنتين وتسعين ومائة وما بعد ذلك.

كتاب آخر مطابقة الاختراعات العصرية لأحمد ابن محمد ابن الصديق الغمارى من المغرب طبع بعد كتاب دليل المستفيد بسنتين ذاك سنة ثلاث وثمانين وهذا سنة خمس وثمانين ألف هذا الكتاب جاء الجزائرى فى هذا الوقت فسرق من هذا الكتاب شيئا كثيرا ونسبه إلى نفسه وكأنه عثر على در ثمين وليس فى هذا الكتاب إلا غث وخيم فألف الجزائرى الكتاب الأول سماه الأحاديث النبوية الشريفة فى أعاجيب المخترعات الحديثة والكتاب الثانى اللقطات فى بعض ما ظهر للساعة من علامات وطبع الكتابان سنة ألف وأربعمائة وأربع للهجرة قرابة قبل ست سنين يقول الجزائرى فى هذا الكتاب وهو يستقى كما قلت من كتاب أحمد ابن محمد ابن الصديق الغمارى دون أن يذكر لكن من قارن بين الكتابين لا يرتاب فى ذلك يقول فى تفسير قول الله {وأرسل عليهم طيرا أبابيل} هذا دليل على وجود الطائرات النفاثات هذا كلام الجزائرى من أين أخذت هذا الاستنباط {وأرسل عليهم طيرا أبابيل} ما وجه الاستشهاد بهذا على وجود الطائرات النفاثات هذه بلية لنرى ما بعدها ,جاء بعد ذلك لحديث الدجال وهؤلاء الثلاثة يشتركون فى جرم تأويل والتلاعب فى أحاديث الدجال بل أربعة رئيس محاكم الجوف وأحمد ابن محمد الصديق الغمارى ومصطفى محمود ومعهم الجزائرى جاء لأحاديث الدجال وأن سرعته كالغيث إذا استدبرته الريح يقول هذا دليل على أن الدجال يركب الطائرات الحديثة ولذلك يجوب هذه الأرض بهذه السرعة القصيرة أربعين يوما ووالله إن هذا كذب وافتراء على رسول الله عليه الصلاة والسلام، الأمر خارق للعادة وإذا كان كذلك فلا يجوز أن تخضعه لأمورك المحسوسة المشاهدة لا يقال كيف أسرى بنينا عليه الصلاة والسلام ولا كيف عرج به إلى السماوات العلى وعاد فى جنح الليل وفراشه دافىء هذا أمر خارق للعادة متى ما أدخلته تحت الموازين الحسية لم يكن خارقا ولم يكن عجيبا وأمر الدجال خارق للعادة إهانة له وفتنة للعباد فستأتى تدخله بعد ذلك فى هذه

الطائرات ما ميزة الدجال على غيره إذا كان سيقطع الأرض فى أربعين يوما والناس يقطعونها فى الطائرات المسرعة فى أربعة أيام بل فى أربع ساعات إذن ما ميزة الدجال على غيره يقول هذا دليل على أن الدجال يركب الطائرات. ويقول أيضا فيما يتعلق بأجهزة التسجيل الذى وجدت فى زماننا عند حديث رواه الإمام أحمد والحديث فى المسند فى الجزء الثانى صفحة ثلاثمائة وستة بسند رجاله ثقات عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رجلا كان يرعى غنمه فى عهد النبى عليه الصلاة والسلام وجرت القصة فى المدينة وكان الراعى من اليهود فجاء ذئب فأخذ شاة فتبعه الراعى واستخلص الشاة منه فأقعى الذئب وقال تأخذ منى شيئا أعطانيه الله صيد أن صدته تسترده منى من لها يوم الذئب يوم لا راعى لها غيرى أى عندما يحصل الفتن وتترك الأغنام والناس يذهلون عن أنفسهم والذئاب ترعى بعد ذلك الأغنام وتفترسها بلا طارد ولا محاسب ولا رقيب فقال هذا الراعى اليهودى سبحان الله إن رأيت ما رأيت كاليوم. عجبا ذئب يتكلم فقال له الذئب أعجب من ذلك رجل بين الحرتين فى النخلات أى فى هذه البلدة التى فيها نخيل يخبركم بما كان وبما هو كائن يقول فعلمت أن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام جاء الذئب ليشهد فرجعت وأخبرت النبى عليه الصلاة والسلام وآمنت فقال النبى صلى الله عليه وسلم لهذا اليهودى [إنها أمارة من أمارات بين يدى الساعة يوشك الرجل أن يخرج من بيته فلا يعود حتى تكلمه عذبة سوطه وفخذه بما أحدث أهله من بعده] . والحديث رواه الإمام أحمد والترمذى بسند حسن والحاكم فى المستدرك بسند صحيح على شرط مسلم أقره عليه الذهبى عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبى عليه الصلاة والسلام قال [والذى نفسى بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله وفخذه بما فعل أهله من بعده] .

وفى رواية الترمذى [وتخبره فخذه بما أخبر أهله من بعده] السباع تكلم الناس وشراك نعلك يحدثك بما فعل أهلك والسوط يحدثك بذلك وفخذك تقول أهلك فعلت كذا وكذا. يقول هذا الشيخ نقلا عن الشيخ الغمارى يقول هذا دليل على أجهزة التسجيل لأن المراد من السوط ومن الفخذ ومن شراك النعل أجهزة التسجيل التى توضع فى البيوت فأنت تجعل جهازا صغيرا تحمله على فخذك تتركه فى بيتك يسجل ما يعمله الأهل بحيث إذا جئت فتحت الشريط سمعته وهذا يقول علم من أعلام النبوة وبذلك ثبت أن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام. أف لهذه العقول الرديئة ثبت أن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام بهذا الهوس وبهذا الضلال وما بقى عندنا طريق لإثبات نبوة محمد عليه الصلاة والسلام إلا آلات التسجيل تخبره أهله بما فعل من بعده هل أجهزة التسجيل تصور الفعل أو تلقط الكلام بما فعلت يعنى لو جرى منها عهر لو جرى منها طهر لو طبخت شيئا لو عملت أجهزة التسجيل هذا ما تضبطه إذن هذا خوارق للعادات يكشف الله عنها قبل قيام الساعة السباع تكلم الإنس عذبة السوط تخبر الإنسان بما فعل أهله شراك النعل تحدثه فخذك تتكلم وتقول فعل أهلك كذا وكذا وأى غرابة فى هذا أصل البلاء فى الإنسان أن يقحم عقله فى أمور المغيبات وأن يأله عقله لينازع رب الأرض والسماوات مغيب ما لنا نحوه إلا إقرار وإمرار {آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} . حضرت مرة بعض المشايخ الصالحين فى أبها وخطب خطبة الجمعة فى نهار رمضان وتكلم على الحديث المتفق عليه وفيه أن الشياطين تسلسل وتصفد فى شهر رمضان وقال الشيخ مبارك صالح لكن غفل وزل وآفة العلم التقليد يقول: فى المراد بهذا التصفيد أمران: الأمر الأول: تصفد حقيقة وليس المراد إلا هذا وإياك أن تتلاعب بكلام نبيك عليه الصلاة والسلام على حسب عقلك ثم قال:

ويحتمل الأمر الثانى: وهو أن هذا كناية عن تضييق مجارى الشيطان فى بنى الإنسان فالإنسان عندما يصوم يضعف والإنسان عندما يأكل الدم يجرى فيه بسرعة والشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم فإذا شبع جرى الشيطان فيه كثيرا إذا صام جريان الشيطان فيه قليلا لأنه ضيق مجارى الشيطان فى نفسه. قلت أيها الشيخ رفقا بنفسك لو أكل الإنسان عند السحر ما لا يأكله فى ثلاث وجبات ويفطر ويتغذى ويتعشى فى نهار رمضان عند السحر أكل هذه الوجبات الثلاثة عند السحور الشيطان سيجرى فيه كثيرا أم قليلا؟ لازم يجرى فيه أكثر إذن من غير رمضان على حسب كلامك وكلام النبى عليه الصلاة والسلام يقول تصفد الشياطين فى رمضان وهذا إن أكل فى رمضان أكثر من غير رمضان إذن ينبغى أن يزداد سعى الشياطين فيه.

إذن كلام النبى عليه الصلاة والسلام مردود بهذا التأويل الممجوج قال أستغفر الله قلت لما تدخل عقلك فى أمر مغيب، أمر مغيب إقرار وإمرار نقر به نقره على الكيفية التى عناها نبينا عليه الصلاة والسلام فإن وقعت وشاهدناها فالحمد لله رب العالمين وإلا فآمنا به كل من عند ربنا أى غرابة أن يكلم فخذ الإنسان بما عمل أهله ألا تحدث الأرض أخبارها أما تشهد الأعضاء على بنى آدم يوم القيامة {حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون} هذا فى محكم كلام الله، والله يقول فى حق القاذفين: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون * يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين} أى غرابة فى أن تشهد الأعضاء وأن تتكلم أنت إذا رأيت اللسان ينطق هل هو ينطق بنفسه وبذاته أو لأن الله جعل فيه هذه الخاصية وكم من إنسان له لسانا ولا ينطق والله لا فارق بين نطق اللسان ونطق الأصبع وإذا شاء الله أن ينطق الأصبع وأن يخرس اللسان نطق الأصبع وخرس اللسان فإذا أخبر الفخذ صاحبه بما فعل أهله من بعده فأى غرابة حتى نحمل هذا على أجهزة التسجيل وازداد الشيخ أحمد ابن محمد الصديق الغمارى فى الشطط فقال وإنما ذكر الفخذ لأن التسجيل يحملها الناس على أفخاذهم فى جيوبهم الصغيرة ستخبره فخذه أى بآلة التسجيل الذى يحملها الناس على أفخاذهم وبذلك ثبتت معجزة نبينا عليه الصلاة والسلام وأنه رسول الله هذا شطط وهذا تلاعب تحت اسم الإعجاز العلمى.

ثبت فى الصحيحين والحديث فى النسائى من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال بينما راع يسوق غنمه عدا الذئب [والحديث فى الصحيحين] على شاة منها فاستخلصها الراعى منه فقال له من لها يوم الذئب يوم لا راعى لها غيرى فقال الناس سبحان الله ذئب يتكلم فقال النبى عليه الصلاة والسلام أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما كان ثم أى لو سمع أبو بكر وعمر رضي الله عنهم هذا لما تردد فى تصديق ذلك وفى تكملة الحديث يقول وبينما رجل يركب بقرة يسوقها التفتت إليه وقالت إنى لم أخلق لهذا إنما خلقت للحراثة فقال الناس سبحان الله بقرة تتكلم فقال إنى أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما كان ثم هذا حال المؤمن وأما أنه يريد أن يعرض هذا الأمر على عقله يوفق بينه ويلفق بين الأمور التى جدت وحدثت. يقول الجزائرى أيضا تحت عنوان الدليل على ظهور الكشافة يريد الآن أن ينسب شيئا إلى النبى عليه الصلاة والسلام وهو مكذوب موضوع ليقرر نبوته بأمر وجد استدلالا بحديث موضوع يقول روى الديلمى وابن عساكر والزيادة هذه ليست فى تاريخ ابن عساكر إنما هى عند الديلمى أن النبى عليه الصلاة والسلام ذكر خصال قوم لوط وقال هذه الأمة ستفعل خصال قوم لوط وستزيد عليها بخصلة واحدة وهى إتيان النساء للنساء يقول ومن جملة خصال قوم لوط فى الحديث والمشى فى الأسواق والأفخاذ بادية هذا من خصال قوم لوط وهذه أمة ستفعل هذا والمشى فى الأسواق والأفخاذ بادية يقول هذا دليل على ظهور الكشافة ,الكشافة الذين هم طلبة المدارس يخرجونهم أفخاذهم بادية يلبسون الكشافة ويحملون العلم الوطنى الجاهلى وهذه هى الكشافة يقول هذا علم من أعلام النبوة يخرجون إلى الأسواق والأفخاذ بادية رفقا بنفسك أيها الشيخ ولا داعى أن تسرق من غيرك ضلالا ثم تتبناه لنفسك.

هذا الحديث فيه أربعة متهمون وكذابون أولهم إبراهيم ابن محمد ابن حسن الطيان والثلاثة بعده ما فيهم إلا هالك ساقط متهم كذاب فحديث فى رواته أربعة تثبت به هذا الأمر هذا الحديث إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ثم تريد أن تجعل هذا علم من أعلام نبوته المشى فى الأسواق والأفخاذ بادية سواء ظهرت الكشافة أم لا هذا حاصل فى هذه الأمة من غير الكشافة أرى فى هذه البلاد بعض الناس يخرجون بعينى رأيتهم من الكافرين الذين غضب عليهم رب العالمين من البريطانين أو الأمريكين أراهم باستمرار أفخاذهم مكشوفة ليس من الكشافة ويسوق كلبا ونقول سبحانك غضب الله عليك على الكلب الأنسى أعظم من غضبك على الكلب الحيوانى ونجاسة هذا الكلب الأنسى أعظم وأغلظ من نجاسة هذا الكلب الحيوانى باستمرار أفخاذهم مكشوفة وهو كالبغل يتجول فى شوارع المسلمين أمام النساء والرجال بهذه الحالة فهذا منكر وقع وليس من الكشافة فقط ولا داعى أن نقول بذا هذا علم من أعلام النبوة وبذلك ثبتت نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام. فالإعجاز العلمى ينبغى أن يقف عند حد نقول كما قال شيخنا {ويخلق ما لا تعلمون} من الوسائل التى تجد من مركوبات حديثة طائرات باخرات سيارات نقف عند هذا لا نأتى بعد ذلك طيرا أبابيل دليل على الطائرات ما وجه الاستشهاد بالطير الأبابيل على الطائرة إنما يخلق ما لا تعلمون من المركوبات الأخرى وقد وجد قل فى هذا إشارة إلى أنه ستوجد مركوبات أخرى وقد وجدت وهذا أشار إليها القرآن وتحققت ولا داعى بعد ذلك للاسترسال فى هذا فلا بد إخوتى الكرام من أن يقف العقل عند حده وألا يأله الإنسان نفسه.

إذن التفسير بالرأى الذى يوافق نصوص الشرع وقواعد اللغة فيشهد له سياق الكلام ويدل عليه السباق واللحاق هذا جائز بالاتفاق دل عليه كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والعقل قرره من ثلاثة أوجه دفعا للمحاذير الثلاثة فإن قيل ورد عن نبينا الجليل عليه صلوات الله وسلامه ما يشير إلى تحريم التفسير بالرأى فكيف ستوفقون بين ما قلتم وذكرتم وقررتم وبين هذه الأحاديث؟ كنت أتمنى أن يطول الوقت قليلا لأنتهى من هذا المبحث فى هذا الدرس وأرجأ الكلام على هذا الاستعراض أحاديث ثلاثة وردت تنهى عن التفسير بالرأى لأبين معناها الحق وأن لا معارضة بينها وبين الأدلة التى قررت جواز التفسير بالرأى فألى الدرس الآتى إن أحيانا الله إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجزائرى يا أخى الكريم يدرس فى الحرم المدنى مشهورا معروف أبو بكر الجزائرى معروف ما يحتاج إلى تعريف ذكر هذين الكتابين ورد عليه بعض مشايخ البلاد هناك ووافق على الرد الشيخ عبد العزيز ابن باز حفظ الله مشايخ المسلمين أجمعين رد عليه وبين أن هذا هوس وضلال عدا عن الأمور التى ضل فيها فى أمر الاعتقاد كحديث إن الله خلق آدم على صورته وقال هذا إبطال النظرية داروين وسلك مسلك الجهمية وغير ذلك من الأمور والكتاب الرد مطبوع عليه كما أن الكتابين مطبوعة بموافقة وإقرار الشيخ عبد العزيز ابن باز حفظه الله وحفظ مشايخ المسلمين أجمعين..واضح هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

مقدمة التفسير _5

مقدمة التفسير (5) (دروس تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التفسير 5 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا صلى الله عليه وسلم* يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} . أما بعد: معشر الإخوة الكرام.. لازلنا فى مدارسة المقدمة التى نتدارسها بين يدى كلام ربنا جل وعلا وقلت إن هذه المقدمة تقوم على أمرين اثنين تدور حولهما. الأمر الأول: فى منزلة كلام الرحمن جل وعلا وأثره فى الناس

الأمر الثانى: فى الطريقة المثلى لتفسير كلام الله جل وعلا وكنا نتدارس الأمر الثانى وقلت إن تفسير القرآن العظيم إما أن يكون عن طريق المأثور المنقول عن طريق تفسير كلام الله بكلام الله أو عن طريق تفسير كلام الله بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام أو عن تفسير كلام الله جل وعلا بأقوال الصحابة الطيبين رضي الله عنهم أجمعين أو عن طريق تفسير كلام الله جل وعلا بأقوال التابعين المباركين عليهم جميعا رحمة الله وتعرضت لإخبار أهل الكتاب عند التفسير بالمأثور ثم انتقلنا إلى الطريقة الثانية وهى تفسير القرآن بالرأى. وقلت يقصد بتفسير القرآن بالرأى الاجتهاد وإعمال الرأى فى تفسير كلام الله جل وعلا بحيث يدل على ذلك التفسير لغة العرب ونصوص الشرع ويتمشى ذلك التفسير مع سياق الآيات الكريمة فيدل عليه السباق واللحاق فيشهد له ما تقدم وما تأخر وإذا كان التفسير بهذه الشاكلة فهو تفسير بالرأى المحمود وهو جائز باتفاق أهل السنة دل على هذا كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام وقرره العقل دفعا لثلاثة محاذير انتهينا من هذا فى غالب ظنى وعرجت على ما يتعلق بالتفسير العلمى بالإعجاز العلمى الذى يطنطن حوله فى هذه الأيام وبينت ما فيه من شطط وغلو وإسراف فى التأويل وفى تحميل كلام الله جل وعلا ما لا يحتمل. وصلنا إلى نقطة مهمة وهى قد يقول قائل إنكم تقولون إن تفسير القرآن بالرأى بالصفة المتقدمة لا خلاف فى جوازه بين أهل السنة الكرام وقد وردت آثار تنهى عن التافسير بالرأى وتحرم التفسير بالرأى فكيف التوفيق إذن بين الأمرين، فلنستعرض تلك الآثار ولنبين القول الحق فيها وفيما تدل عليه.

الأثر الأول: روع ابن جرير فى تفسيره فى أوائل تفسيره فى الجزء الأول صفحة تسع وعشرين فى المقدمة والحديث رواه أبو يعلى البزار كما فى مجمع الزوائد فى الجزء السادس صفحة ثلاثمائة وثلاثة عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد علمهن إياهن جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ما كان يفسر شيئا من القرآن إلا آيا تعد علمهن إياهن جبريل فهذا فيه ما يشير إلى أن النبى عليه الصلاة والسلام كان لا يفسر كلام الله جل وعلا إلا حسبما يوقفه جبريل على ذلك التفسير فكيف أنتم تتوسعون وتقولون أن التفسير بالرأى جائز إذا وافق سياق الكلام ونصوص الشرع وقواعد اللغة العربية والنبى عليه الصلاة والسلام كان لا يتكلم فى تفسير القرآن إلا حسبما يعلمه جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه. والجواب عن هذا:

أولا: من ناحية قيمة هذا الأثر فهذا أثر شديد الضعف منكر لا يثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ولذلك بعد أن أورده قال الإمام ابن جرير فى تفسيره وفى إسناده علة لا يجوز الاحتجاج بهذا الأثر من أجل هذه العلة وهذه العلة هى أن فى بعض رواته من لا يعرف فى حملة الآثار هذا كلام الإمام ابن جرير عليه رحمة الله وهذا الذى لا يعرف فى حملة الآثار وليس مشهورا فى حملة حديث النبى عليه الصلاة والسلام هو جعفر ابن محمد الزبيرى قال البخارى لا يتابع على حديثه وقال الأسدى إنه منكر ولذلك بعد أن ذكر الإمام ابن كثير هذا الحديث فى مقدمة تفسيره فى الجزء الأول صفحة ستة قال هذا حديث منكر غريب وإذا كان الحديث ضعيفا فلا يحتج به ولا يستشهد به ولا يعول عليه على أنه لو ثبت فلا دلالة فيه على منع التفسير بالرأى كما قال الإمام ابن كثير عليه رحمة الله فى مقدمة تفسيره لأن معناه يكون لو كان ثابتا والاستلال دائما إخوتى الكرام فرع الثبوت أى إذا ثبت الحديث نستدل به ونستشهد به وأما إذا لم يثبت فقد استرحنا من هذا الأثر الذى فى الأصل ليس بثابت فلا داعى إذن أن نبذل ما فى وسعنا لنؤلف بينه وبين ما هو ثابت فى شريعة الله المحكمة المطهرة.

إنما لو ثبت على فرض ثبوته يقول الإمام ابن كثير فلا دلالة فيه على منع التفسير بالرأى لأنه لو ثبت لكان معناه ما كان يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد إلا آيا تعد هذه الآيات هى ما لايمكن معرفة تفسيره عن طريق الاستنباط والاجتهاد وإعمال الرأى والفكر هذا فيما لا يمكن معرفة تفسيره إلا عن طريق الوحى فهى مسائل توقيفية كان يتوقف فيها النبى عليه الصلاة والسلام حتى ينزل عليه الوحى فى بيانها وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن الروح فنزل قول الله جل وعلا: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فإذن هذا فيما يتعلق بالمغيبات فلو سئل مثلا عليه الصلاة والسلام عن وقت قيام الساعة ما المسؤل عنها بأعلم من السائل فإذا ثبت الأثر فمعناه فيما لا يمكن أن يدخل الإنسان عقله واجتهاده فيه يتوقف حتى ينزل عليه الوحى فى بيان ذلك المعنى فى أمور المغيبات أما فيما عدا ذلك فالأثر لا يدل على ذلك على أن الأثر كما قلت لم يثبت عن أمنا عائشة رضي الله عنها. الأثر الثانى: رواه الإمام الترمذى فى سننه أبو داود فى سننه والإمام الطبرى فى تفسيره رواه البغوى بسنده فى معالم التنزيل فى التفسير ورواه أيضا بسنده فى شرح السنة عن جندب ابن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول [من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ] .

وهذا الحديث نقول فيه ما قلناه فى الحديث الذى تقدمه حديث أمنا عائشة رضي الله عنها لايثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ففيه سهيل ابن أبى حزم قال عنه البخارى إنه منكر الحديث وقد حكم الإمام ابن حجر فى تقريب التهذيب على سهيل ابن أبى حزم بأنه ضعيف إذا كان ضعيفا فلا يعول عليه [من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ] على أنه لو ثبت أيضا اما كان فيه دلالة على منع جواز التفسير بالرأى وكان معنى الحديث لو كان ثابتا من قال فى القرآن برأيه ما قاله الإمام ابن عطية عليه رحمة الله فى مقدمة تفسيره المحرر الوجيز والمقدمة طبعت على انفراد مقدمتان فى علوم القرآن للإمام ابن عطية عليه رحمة الله يقول معنى الأثر أى لو ثبت أن يسأل إنسان عن آية من كتاب الله فيتسور عليها بعقله ورأيه فيتكلم فى كلام الله على حسب عقله ورأيه وعلى حسب هواه ولا يدخل فى هذا أن يفسر اللغويون لغته والعلماء مراده لأنه يتكلمون بعلم ولا يتكلمون عن طريق الرأى والظن والتخرس والتخمين. قال الإمام القرطبى بعد أن نقل أيضا كلامه فى تفسيره قال وهذا صحيح وهو الذى ذهب إليه غير واحد من العلماء أى أن معنى الحديث لو ثبت من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ إذا سئل عن آية من كلام الله فتسور عليها بعقله ورأيه وليس عنده عدة البحث ولا عدة العلماء فبدأ يهذى ويخرف ويفسر كلام الله جل وعلا على حسب ظنه ووهمه دون أن يكون عنده عدة يفسر بها كلام الله فلو ثبت الحديث لكان معناه هذا. وحقيقة إذا كان عند الإنسان وسائل العلم وعنده عدة العلماء وتكلم فإذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر وإذا لم يكن عند الإنسان عدة العلم ولا وسائل العلماء ثم تكلم فى دين الله عن طريق رأيه وهواه فهو ضال فى النار سواء أصاب أو أخطأ لأنه أتى الأمر من غير بابه وإذا أصاب فهذه الإصابة ليست مقصودة إنما هى رمية من غير رامى وإذا أصاب مرة فسيخطأ مرات.

ولذلك ثبت فى سنن أبى داود والترمذى وابن ماجة بسند صحيح من حديث بريدة رضي الله عنه والحديث رواه الطبرانى فى معجمه الأوسط والكبير ومسند أبى يعلى والحديث فى مسند أبى يعلى كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الرابع ثلاث وتسعين ومائة عن ابن عمر بسند رجاله ثقات عن جندب وعن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [القضاة ثلاثة قاضيان فى النار وقاض فى الجنة] وهذا ليس من باب النسبة يعنى الثلث ثلث القضاة عند الله فى الجنة والثلثان فى النار لا لعله بالمائة تسعين على أقل تقدير من القضاة لجهنم حطبا إنما هذا لبيان الأصناف فقط أى من كان من هذا الصنف فهو فى الجنة وقد لا يوجد فى القضاة من هو واحد من ألف لبيان النسبة لبيان الأصناف لا لبيان النسبة اثنان وواحد لا ثم لا. الصنف الأول: علم الحق وقضى بخلافه فهو فى النار. والصنف الثانى: قضى على جهل فهو فى النار أصاب أو أخطأ. من الذى فى الجنة علم الحق وقضى به هذا فى الجنة؟

ولذلك إذا لم يكن عنده وسائل العلم وعدة العلماء وتكلم فى شريعة الله الغراء فهو ضال إلى جهنم أصاب أو أخطأ أنه ما أتى الأمر من بابه {وأتوا البيوت من أبوابها} إذا حصل عدة العلماء ثم بحث حسبما تجيز له شريعة الله المطهرة فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر وخطأه مغفور له وأما إذا تكلم فى دين الله برأيه فهو ضال على جميع الأحوال وعليه فهذا الحديث هنا من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ أى برأيه المجرد الذى لا يستند إلى أدلة شرعية فليس هو من العلماء المحققين المتضلعين فجاء ليتسور على كلام اله وليتكلم فى كلام الله على حسب رأيه وعلى حسب هواه فمن قال برأيه فأصاب فقد أخطأ هذا إذا أصاب وإذا أخطأ فالأمر واضح فهو خطأ والطريق الذى بحث فيه أيضا طريق خطأ فلا يحل له أن يبحث ولما بحث أخطأ فتعثر فى الناحيتين فى الطريق وفى الغاية وإذا أصاب فى الغاية فنقول هذا الطريق لا يوصلك إلى المقصود ووصولك إليه بغير قصد فأنت تعاقب أيضا فى الحالتين [من قال فى القرآن برأيه فاصاب فقد أخطأ] . الأثر الثالث: الذى يدل ويفهم منه منع تفسير القرآن بالرأى على حسب الظاهر ما رواه الإمام أحمد فى مسنده والترمذى فى سننه والحديث فى تفسير الطبرى ورواه البغوى فى معالم التنزيل وفى شرح السنة وقد حسن الإمام الترمذى إسناد الحديث وصححه فقال حسن صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول [من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار] والحديث رواه الترمذى والطبرى أيضا والبغوى فى الكتابين المتقدمين فى معالم التنزيل وشرح السنة بسند حسن حسنه الترمذى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا عن نبينا عليه الصلاة والسلام بلفظ [من قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار] ، [من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار] و [من قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار] .

والحديث على المعتمد حديث مقبول فى درجة الحسن وقد صححه الإمام الترمذى كما ذكرت لكم وفى إسناد الحديثين الروايتين عبد الأعلى ابن عامر الثعلبى حاصل كلام العلماء فيه ما قاله الحافظ ابن حجر وهو من رجال السنن الأربع صدوق يهم أى يخطأ أحيانا وإذا أطلق الحافظ لفظ الصدوق على راو فيريد به فى اصطلاحه فى تقريب التهذيب أن هذا الراوى حديثه فى درجة الحسن فإذن قوله صدوق أى حديثه حسن إن شاء الله صدوق لكن أحيانا يهم ويخطأ صدوق يهم والحديث مع تحسين وتصحيح الإمام الترمذى له ضعفه الشيخ شعيب الأرناؤوط وهكذا عبد القادر الأرناؤوط والشيخ أحمد شاكر عليهم جميعا رحمة الله وعلينا وعلى المسلمين والمسلمات أحياء وأمواتا رحمة الله جل وعلا ضعفه هؤلاء الأئمة والذى يبدو والعلم عند الله أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن والقبول. [من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار] ، [من قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار] فإن قيل هذان الحديثان والروايتان مقبولتان كما ذكرت وفيهما دلالة على منع تفسير القرآن بالرأى [من قال فى القرآن برأيه] .

فأقول المراد من الرأى هنا ما دل عليه منطوق الحديث الأول وهو من قال فى القرآن بغير علم أى تكلم عن جهل وإذن إذا تكلم عن جهل إذا أصاب وإذا أخطأ فهو فى النار فلا يجوز لك أن تتكلم عن جهل فمن قال فى القرآن برأيه أى بغير علم أى تكلم عن طريق الظن والتخرس وعدم البينة فإذا تكلم فى تفسير كلام الله جل وعلا بهذا الطريق وعن هذا الطريق فليتبوأ مقعده من نار لأننى كما قلت إذا لم يعد العدة ولم يكن أهلا لتفسير القرآن بالرأى عن طريق الاجتهاد والاستنباط فإذا أصاب مرة سيخطأ ألف مرة فلا بد من إعداد العدة فمن قال فى القرآن بغير علم ولذلك هنا فيصل الطريق ونقطة الافتراق بين العلماء وغيرهم فالعالم مأجور محمود على جميع أحواله إن أصاب وإن أخطأ فإن أصاب فله أجران وصوابه مشكور وإن أخطأ فله أجر وخطأه مغفور وغير العالم عندما يتكلم هو فى النار ومخطأ وضال سواء أصاب المطلوب أم لا، الله لا يكلف نفسا إلا وسعها فإذا كان عالما وتكلم فإن أصاب فهذا فضل من الله وله أجران وإلا فإذا تعين عليه الأمر فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وسيأتينا ما ثبت فى تفسير ابن جرير بإسناد صحيح عن صديق هذه الأمة أبى بكر رضي الله عنه أنه سئل عن الكلالة ويتعين عليه الجواب وأمره يرتبط بها حكم دنيوى وهو خليفة المسلمين {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو اخت فلكل واحد منهما السدس} قال أقول فيها برأيى فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنى ومن الشيطان والله ورسوله من ذلك بريئان.

الكلالة هم الورثة الذين ليس فيهم والد ولا ولد أى يرثه الأطراف والحواشى الإخوة وقد أجمع العلماء على هذا التفسيرولذلك يقول عمر رضي الله عنه الذى جاء بعد أبى بكر رضي الله عنهم أجمعين الكلالة ما قلت وما قلت وما قلت الورثة الذين ليس فيهم والد ولا ولد لا أصل ولا فرع وهى مأخوذة من الإكليل وهى الإحاطة أى يحيطون بالميت من أطرافه لا من أصوله ولا من فروعه وقيل مأخوذة الكلال وهى الإعياء والتعب والذى يموت وليس له أصل ولا فرع ورثته ضعاف الحواشى مهما قوى سبب إرثهم لوكان هناك أصل أو فرع لحجبهم فهؤلاء يرثون بسبب ضعيف ولذلك الأخ لأم الذى هو وارث عن طريق الكلالة وعن طريق الحاشية والطرف يحجبه ولد ميت وأبوه وجده, أقول فى هذا رأيى فإن كان صوابا فمن الله وإن كان غير ذلك فمنى ومن الشيطان والله ورسوله عليه الصلاة والسلام من ذلك بريئان فتعين عليه الجواب فأجاب وهذا الذى قاله هو عين الحق ويسألونك عن الكلالة هى انقطاع النسل لا محالة. لا ولد يبقى ولا مولود ... فانقطع الأبناء والجدود ليس هناك ابن وليس هناك أب ليس هناك فرع وليس هناك أصل، إذن الذى يتكلم بعد وجود العدة وهو أهل لأن يتكلم فهذا على خير فى جميع أحواله إن أخطأ فخطأه مغفور وله أجر ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وإن أصاب فقد حصل الحسنيين وأما الذى يتكلم دون وجود عدة عنده وليس هو من العلماء فهذا على خطأ إن أصاب وإن أخطأ.

فقول النبى عليه الصلاة والسلام من قال فى القرآن برآيه فليتبوأ مقعده من النار يفسر هذا ويوضحه الرواية الأولى من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار والعلماء عندما يتكلمون فى تفسير كلام الله جل وعلا يتكلمون على حسب علمه ولذلك ضبطنا تفسير القرآن بالرأى الجائز والمتفق على جوازه بين أهل السنة الكرام كنا نعمل الإنسان رأيه وأن يجتهد فى تفسير كلام الله جل وعلا بحيث يوافق ذلك التفسير نصوص الشرع وقواعد اللغة ويتمشى مع السياق فيدل عليه السباق ويشهد له اللحاق يشهد له ما تقدم وما تأخر فلا يأتين بتفسير يحشره فى كلام الله جل وعلا حشرا ويضعه وضعا دون أن يشهد له السياق ولا اللغة ولا التركيب كما سيأتينا إن شاء الله فى بيان تفسير المحرم فإذا قيل لنا هذه الآثار إذن تدل على أن هناك تفسير مذموم محرم بالرأى فما هو وأنتم تقولون أن تفسير القرآن بالرأى جائز فنقول الرأى ينقسم إلى قسمين كما سيأتى رأى يستند إلى أدلة ثابتة من لغة عربية ونصوص شرعية فلا خلاف فى جواز تفسير القرآن عن هذا الطريق ومن هذا الطريق ورأيى هو الهوى والظن والتخمين والتخرس فتفسير القرآن بالرأى هو هذا وقد حقق الإمام الغزالى عليه رحمة الله فى الإحياء فى الجزء الأول صفحة سبع وتسعين ومائتين ونقل خلاصة كلامه الإمام ابن الأثير فى جامع الأصول فى الجزء الثانى من الصفحة أربعة إلى الصفحة ست والإمام ابن تيمية عليه رحمة الله جاء بعد هذين العالمين فأخذ كلامهما وحققه ونقحه وصاغه بعبارة محكمة فى مقدمة التفسير التى كتبها وهى موجودة فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثالث عشر وهى ضمن دقائق التفسير فى الجزء الأول من صفحة سبع وستين إلى صفحة خمس وسبعين قرابة عشر صفحات فى بيان المراد بالتفسير بالرأى المحرم. يقول الإمام الغزالى عليه رحمة الله النهى عن تفسير القرآن بالرأى له حالتان:

الحالة الأولى أن يكون فى المفسر رأى واعتقاد وميل إلى قول من الأقوال فيخضع كلام الله جل وعلا لميله لاعتقاده لرأيه الذى يرتأيه ويعتقده هذه الحالة الأولى وهذه الحالة الأولى يدخل تحتها ثلاثة أنواع: النوع الأول: تارة مع العلم أن يفسر وعنده رأى واعتقاد وعنده قول يقول به فيأتى ليتلاعب بكلام الله جل وعلا ليصطاد من كلام الله ما يؤيد به قوله واعتقاده وبدعته وهو يعلم أن هذه الآية لا تدل على ما يقول لكن يريد أن يلبس الأمر على الناس فهذا تفسير بالرأى المحرم مع العلم كحال المبتدعة يقول القمرى فى تفسيره فى الجزء الثانى صفحة مائة وثلاث عشرة وهو من أئمة الشيعة الإمامية فى تفسير قول الله جل وعلا: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا} يروى بالسند المزور إلى الإمام الباقر رضى الله عنه وعن سائر آل البيت الطيبين الطاهرين أنه قال يأتى أناس يوم القيامة بنور بين أيديهم فيجعله الله هباء منثورا أما والله ما كانوا يجهلون كانوا يعرفون لكن إذا عرض عليهم شىء من فضائل على رضي الله عنه أنكروه ثم يقول ويوم يعض الظالم على يديه أبو بكر يقول ياليتنى اتخذت مع الرسول عليا سبيلا ودليلا يا ويلتى ليتنى لم اتخذ فلانا عمر خليلا لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا، ووالله الذى لاإله إلا هو إن القمرى والشيعة بأسرهم يعلمون كذب هذا التفسير لكن أرادوا أن يخدعوا السذج والدهماء وأن يروج الأمر عليهم وهذا الأمر موجود فى تفسير القرآن للقمرى ذكره شيوخنا أهل السنة الكرام من القرن الرابع للهجرة وأن هذا يتناقله الشيعة ويذكرونه بينهم ففى نكت الانتصار فى نقل القرآن إلى الأنصار للإمام الباقلانى عليه رحمة الله متوفى سنة أربعمائة غالب ظنى وست أو ثلاث أربعمائة وثلاثة وأربعمائة وستة توفى عليه

رحمة الله يقول فى صفحة أربع وعشرين ومائة وقالت الشيعة الظالم هو أبو بكر والخليل هو عمر والسبيل {يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا} طريقا والذكر الذى يوصله إليه هو على يقول فقلنا لهم هذا تفسير الباطنية أى الذين يتلاعبون بنصوص القرآن ويحملون نصوص القرآن على معان لا تدل عليها لغة العرب بوجه من الوجوه هذا هو تفسير الباطنية وقد سلك هذا المسلك غلاة الصوفية والباطنية {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} يأتى غلاة الصوفية فيقول ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم لا تتمنوا المراتب التى وصل إليها شيوخكم لأن المراد من الأب هنا هو الروحى وهو الشيخ ومنكوحه رتبته أى لا تتمنوا أن تصبحوا طواغيتا كما أن شيخكم طاغوت اتركوا هذا الطغيان له يتصرف بكم كما يريد ولا تتمنوا المراتب التى وصل إليها شيوخكم. ما علاقة هذا التفسير بكلام الله الجليل ولا تنكحوا النكاح معروف ما نكح آباؤكم الأب معروف ومنكوحته معروفة إما من أم ولدت وخرجت من بطنها أو من زوجة للأب فيحرم عليك هذا وهذا ,هذا أمر واضح فهذا تلاعب وهنا كذلك الشيعة فنقول ما الفارق بين تفسيركم وبين تفسير الباطنية. {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا*يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا *لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا} وهذا فى الكتب المتقدمة وجاءت كتب الشيعة المتأخرة وزادت بعد ذلك هذيان فى تفسير هذه الآية، والله إن البهائم تستحى من تسطير ذلك الكفر البواح فى تفسير كلام الله جل وعلا.

يقول ميرزا الذى يسمى محمد حسين نور الطبرسى الذى توفى سنة ألف وثلاثمائة وعشرين من أقل من مائة سنة وكان له شأن كبير فى بلاد إيران ولما توفى دفن فى بناء المشهد المرتضوى فى النجف الأشرف وهى أشرف بقعة عند الشيعة يقول هذا الرجل فى كتاب الاحتجاج على أهل اللجاج الذى فى أول الأمر كتابا سماه فصل الخطاب فى اثبات تحريف كلام رب الأرباب ولما قامت ضجة فى العالم الإسلامى واعترض عليه حتى بعض الشيعة ألف كتابا آخر رد الشبهات على كتاب فصل الخطاب فى اثبات تحريف كتاب رب الأرباب ثم ألف كتابه الاحتجاج على أهل اللجاج يقول فيه إن النبى عليه الصلاة والسلام لما توفى جلس علي فى بيته ستة أشهر طيب العدة أربعة أشهر لو كان امرأة لانتهت العدة أربعة أشهر وعشرا ستة أشهر يجلس عليا فى بيته جلس ستة أشهر رضي الله عنه وأرضاه لم يخرج من البيت لا لجمعة ولا لجماعة فبعد انقضاء الأشهر خرج فلقيه أبو بكر وقال أين كنت يا أبا الحسن قال رأيت كل شىء يزيد إلا كتاب الله فرأيته ينقص فعكفت على جمعه قال أحسنت يا أبا الحسن إذا انتهيت منه ايتنا به لننشره بين الناس يقول فأتاهم على بهذا المصحف الذى جمعه بعد موت النبى عليه الصلاة والسلام يقول فكان عمر حاضرا الذى هو وأبو بكر يعتبرهما الشيعة صنمى قريش وكان عمر حاضرا يقول فوثب وفتح المصحف فإذا أول صفحة فيه فيها فضائح المهاجرين والأنصار فهذا القرآن نزل ليفضح لا إله إلا الله فيها فضائح المهاجرين والأنصار فقال عمر أردده لا حاجة لنا فيه، هذا توفى سنة ألف وثلاثمائة وعشرين يقول هذا فى هذا الكتاب أردده لا حاجة لنا فيه فأخذ على كتابه الذى جمعه القرآن وانصرف يقول فبعد أن ذهب فكر عمر بعد ذلك بأن هذه الطريقة طريقة فاشلة وأن عليا إذا احتفظ بهذه النسخة كما يزعم الشيعة أن هذا القرآن يتداولونه فيما بينهم وليس هو القرآن الذى عند العامة الشيعة الضالون ففكر عمر بأن هذه الطريقة التى فعلها طريقة فاشلة

فعرض الأمر على أبى بكر وقال إذن لا بد نحن من أن نجمع القرآن وأن نقضى وأن نمحو هذا القرآن الذى فعله وجمعه على رضي الله عنهم أجمعين. حقيقة كما قلت لكم هراء تستحى منه البهائم لكن هذا سطر وطبع وانتشر فى الأمصار والبلدان. فقال أبو بكر إذا جمعنا القرآن ونشر على مصحفه يبطل مصحفنا المزور وزيد ابن ثابت شاركهم فى هذا الرأى ثم ما الحيلة قال نستدعى علي مرة ثانية ونأخذ منه مصحفه ونحرقه ثم نحن ننشر مصحفا آخر فلما استدعى على وطلب منه المصحف أبى أن يعطيه إياه وقال إنما أتيتكم لئلا تقولوا إن كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فقال له عمر هل له يوم معلوم قال نعم إذا خرج القائم من ولدى وهو الذى يسمونه بالمهدى المنتظر الذى دخل السرداب على زعمهم سنة مائتين وستين ومائتين وخمس وستين يقول سيخرج فى آخر الزمان مضى عليه ما يزيد الآن على إحدى عشر قرنا ودخل القرن الثانى عشر أوالثالث عشر ويقول ما زال هذا المهدى دخل فى السرداب عمره أربع سنين أو خمسة وسيخرج فى آخر الزمان والذى لا يؤمن به كافر الإيمان به كالإيمان بأنبياء الله ورسله هذا من أركان الاعتقاد إذا خرج القائم من ولدى يخرج هذا المصحف وينشره بين الناس ثم يقول احتال عمر رضي الله عنه مع خالد لأجل أن يقتلوا عليا رضي الله عنه ففشلت أيضا المؤامرة يقول وهذه الحالة كلها يفسرها قول الله ويراد بقول الله ما جرى بين الصحابة هؤلاء.

ويوم يعض الظالم على يديه أبو بكر والذى هو خليفة المسلمين بعد النبى عليه الصلاة والسلام يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلانا عمر خليلا لقد أضلنى عن الذكر الذى أتى به على وهو القرآن الحق بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولا فإذن هنا له اعتقاد وعنده قول وله ميل إلى رأى من الآراء فيخضع كلام الله جل وعلا لما يريده هذا تفسير بالرأى النهى ينصب على هذا {مرج البحرين يلتقيان} على وفاطمة أى البحر الأول على والبحر الثانى فاطمة {بينهما برزخ لا يبغيان} كل واحد يقدر الثانى ولا يعتدى عليه {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} الحسن والحسين، طيب هذا تفسير يعرف المبتدع أن كلام الله لا يراد به هذا مع العلم لكن أراد أن يلبس على الناس. فإذن هذا النهى ينصب على هذا مع العلم هو لا يقصد بالقرآن هذا وهو يعلم لكن يريد أن يحمل القرآن هذه المعانى من أجل أن يؤيد قوله وهواه ورأيه وميله فالنهى ينصب على هذا [فمن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار] ، [من قال بالقرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار] تفاسير الباطنية كلها على هذه الشاكلة.

أحد الناس كان يسمى بحيدر جوادى عنده كتاب المعجزة فى رسالة إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وسيأتينا شىء من هذا بتوسع إن شاء الله عند تفسير آيات القرآن هذا لا يثبت فى القرآن شيئا على ظاهره كل شىء يتلاعب فيه ضمن كتاب المعجزة فيأتى يقول {يا نار كونى بردا وسلاما} يقول يا نار أى الحسد الذى فى قلوبهم أطفأه الله وأبطل مفعوله وأما هناك نار أوقدت وتأججت وأطفأها الله كل هذا خرافة ووهم وهكذا ما يقول بعد ذلك المفسرون المعاصرون الذين أسسوا المدرسة على تعبيرهم العقلى من دون أن يخضعوا القرآن لعقلهم قالوا لانثبت شيئا فى القرآن اسمه خارق عادة والله يعلمون أنهم يكذبون لكن على مسلكهم إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا وهذه المدرسة الضالة التى أسسها محمد عبده يريد أن يوفق على زعمه بين القرآن وبين العقل أى أن يخضع القرآن للعقل. {اقتربت الساعة وانشق القمر} مامعنى انشق القمر القمر معروف يقول ظهر الحق أما قمر ينشق فلا دخل للقرآن بهذا لا تدخلوا القرآن فى هذه الغرائب وتأفف منه بعد ذلك علماء الجولوجيا والتكنولوجيا فى زمانها ظهر الحق، عصى موسى عندما ضرب فانفلق البحر يقول لا غرابة فى هذا عن طريق المد والجزر مد وجزر يعنى عندما ينحسر البحر يصبح فيه اثنا عشر طريقا يبسا ما وصل جزر البحر وانحساره لهذه الحالة فى يوم من الأيام. {وأرسل عليهم طيرا أبابيل} ما ورد أنها طيور ترميهم بحجارة من سجيل وأن معها ثلاثة حصاة واحدة بمنقارها وثنتان فى رجليها كل هذا خرافة الطير هى جراثيم الحصبة والكوليرا التى انتشرت فى هذه الأيام طيرا أبابيل، هذا مع العلم هو يعلم أن هذا لا يراد بكلام الله وكلام الله لا يراد منه هذا لكن يقول نريد أن نوفق بين القرآن وبين عقول بنى الزمان فى هذه الأيام فنتلاعب فعنده اعتقاد عنده رأى عنده نحلة عنده هوى يخضع القرآن لهواه ويتلاعب فيه كما يريد.

فحقيقة هذا منهى عنه ومذموم لكنه يجهل يجهل المعنى الحق للآية ذاك مع العلم يعلم أن ما يريد أن يفسر به كلام الله لا يراد وهو غير مقصود لكن هنا يجهل كما يفعل كثير من المبتدعة كثيرا من الناس الذين ينظرون إلى الأمور لا بقصد تحريف كلام الله عن مواضعه إنما يريد أن يستدل بما لا دليل فيه على ما يريد أن يقوله والذى أداه إلى هذا جهله لا أن يحرف الكلام عن مواضعه يتلاعب فى معناه. {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} هذه الآية منذ أن نشأت للآن الناس يستدلون بها استدلالا باطلا مع الجهل إذا نصحت إنسانا يقول عليك نفسك {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} وإذا سمعك إنسان تنصح يقول أنت ستزل فى قبره الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} كل واحد يهتم بنفسه ولا علاقة له بشؤون غيره، هذا التفسير باطل والآية لا تدل عليه ولا يراد بالآية هذا المعنى قطعا وجزما لكنهم فعلوا هذا بناء عن جهل. الآية تحتمل أمرين: أحدهما: حق وهو ما فهمه صديق هذه الأمة ودلت عليه النصوص الشرعية. والثانى: هذا الاحتمال الباطل الذى يتعلق به الجهلة. المعنى الحق {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} أى قوموا بما أوجب الله عليكم نحو أنفسكم ونحو غيركم ومن جملة ذلك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} إذا قمتم نحوه بما أوجب الله عليكم من نصح وأخذ على يديه وأطره على الحق أطرا وبعد ذلك اتصف بضلال فى نفسه فهل عليكم ضير وحرج لا ليس معنى هذا لا يضركم من ضل إذا اهتديتم النساء سافرات فى بلدان المسلمين ولا يضركم من ضل إذا اهتديتم الأمة كلها ملعونة وسينزل عليها عذاب الله وغضبه.

إنما هذه امرأة سفرت أخذنا على يديها فاستترت فى الظاهر وزاولت العهر فى الباطن هل علينا حرج ليس علينا حرج فالله لا يعاقب الأمة عقوبة عامة الآن لأن المعصية ما ظهرت وهذه بعد ذلك أثمها فى رقبتها أما أن تخرج متهتكة ومعاصى الله تنتشر تنشر وتنتشر فى قارعات الطرق ثم نقول لا يضركم من ضل إذا اهتديتم أنت مهتدى وأنت صالح لا علاقة لك بهذا لا البلاء سينزل بعد ذلك على الجميع. {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} إذن تحتمل وهو المعنى الحق {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} متى أنت تهتدى إذا تركت الأمر بالمعروف والنهى عن النكر مهتدى أو ضال مفرط؟ ضال مفرط {لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض وليسلطن عليكم شراركم ويدعو الخيار فلا يستجاب لهم} فإذن متى تهتدى عندما تقوم بما أوجب الله عليك فلا يضرك بعد ذلك ضلال هذا الإنسان إذا بقى فى قلبه ضلال حسابه عند الله جل وعلا. لو أن الإنسان أظهر الإيمان وأبطن الكفر لا يضرنا من ضل إذا اهتدينا ولا يحصل الاهتداء إلا أن تقام شعائر الله وشريعة الإسلام فى الظاهر وأما الباطن فهذا كل إنسان مسؤول عن نفسه والله يحاسب العباد على ما فى أنفسهم أما الظاهر لابد من ضبطه. فالمعنى الحق {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} إذا قمتم بهذه الشريعة المطهرة وبما أوجبه الله عليكم ومن جملة ذلك نصح الذى يخرج عن شريعة الله والأخذ على يديه فلا يضركم بعد ذلك ضلاله.

والثانى: المعنى الذى يفهمه الجهلة من زمن لا يضركم من ضل إذا اهتديتم أى إذا كنت مهتديا ليس عليك حرج لا حرج أن يكون بجوار المسجد خمارة ولا حرج أن يكون بجوار المسجد مرقص لا حرج أنت مهتدى فى المسجد وأولئك يشربون الخمور فى المرقص هذا لا يجوز أبدا وعندما ينزل البلاء سينزل على أهل المسجد وعلى أهل المرقص تماما ليس المراد بهذه الآية هذا المعنى لكن الناس لجهلهم يستدلون بهذه الآية على جبنهم وخورهم وعجزهم وانحرافهم وتفريطهم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. ثبت فى المسند وهو أول حديث فى مسند الإمام أحمد والترمذى وسنن أبى داود وابن ماجة وصحيح ابن حبان عن قيس ابن حازم رضي الله عنه قال قام فينا أبو بكر رضي الله عنه خطيبا فقال يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإنكم تضعونها فى غير موضعها أى تقولون لا حرج علينا إذا اهتدينا من ترك الناس وإنكم تضعونها فى غير موضعها وإنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده فإذن لا يجوز أن تستدلوا بهذه الآية على أنه يباح لكم أن تتركوا شؤون غيركم وأن الناس يفعلون كما يريدون لا ,شريعة الله لا بد من تنفيذها فلا تقرؤا هذه الآية وتضعونها فى غير موضعها أى تستدلون بها على جواز ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعلى جواز ترك الظالم وعدم الأخذ على يديه لا هذا وضع للشىء فى غير موضعه والذى دعا إلى هذا كما قلت الجهل جهل ووافق هواه وجبنه وعجزه وخوره ولا يريد أن يتحمل جهدا فى تبليغ دعوة الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. أكون أنا فى بيتى صالح مستقيم لا يضرنى ضلال الناس أجمعين لا إنما فإذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده.

فإذن هنا الحالة الثانية: له فى الشىء رأى وإليه ميل ويوافق هواه فمال إليه عن جهل لاعن علم الحالة الأولى عن علم مسلك المبتدعة الثانية عن جهل مسلك العامة وأكثر الخلق. الحالة الثالثة: أن يكون للإنسان غرض صحيح فيستدل عليه بما يعلم أنه لا يراد به هناك مبتدع استدل عليه بما لا يراد به من أجل تحريف كلام الله عن مواضعه لكن له الآن هنا غرض صحيح فقال استدل بهذا النص على هذا الغرض الصحيح وأنا أعلم أن هذا النص لا يدل على هذا لكن من باب يعنى إقناع الناس بهذا الأمر غرضه صحيح هذا كما يفعله الصوفية فى تفسير كلام رب البرية {اذهب إلى فرعون إنه طغى} فيقول اذهب إلى فرعون ويشير إلى نفسه هذا له غرض صحيح وهى مجاهدة النفس والمجاهد من جاهد نفسه فى ذات الله فى الله اذهب إلى فرعون إلى نفسك هو يعلم أن الآية لا تدل على هذا لكن له غرض صحيح وهو مجاهدة النفس فيريد أن يستدل على هذا الأمر بما لا يدل عليه فى الحقيقة. {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} يقول نفوسكم التى بين جنباتكم قاتلوها وجاهدوها، مجاهدة النفس مطلوبة لكن استدل بما لا دليل عليه وقد ذكر الشيخ أحمد الرفاعى فى كتابه البرهان المؤيد رحمه الله وموتى المسلمين جميعا فى صفحة سبع وثمانين فى تفسير قول الله {اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى} خطابا لنبى الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أما جاء لمناجاة الله اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى نعليك أى نفسك وزوجتك إياك أن تفكر الآن فى النفس أو فى الزوجة التى تركتها ورائك أنت فى مكان مبارك فى مناجاة الله. وحقيقة هذا استدلال على شىء بما لا يدل عليه اخلع نعليك النعل معروف ليس النعل معناها فى اللغة الزوجة وليس النعل معناها فى اللغة النفس، استدلال بما لا يدل على المطلوب مع أنه كما قلنا له غرض صحيح.

إذن هذه الحالة الأولى: التى يتنزل عليها النهى عن تفسير القرآن بالرأى فى المفسر رأى وله رأى وعنده ميل إلى قول إلى اعتقاد إلى نحلة إلى مذهب فإذن يريد بعد ذلك أن يخضع هذا القرآن لهذا الاعتقاد الذى فى نفسه إما مع العلم يريد أن يتلاعب بكلام الله كحال المبتدعة عندما حرفوا كلام الله عن علم وإما مع الجهل كحالة العامة يستدلون بما لا دليل عليه وإما أن يكون له غرض صحيح ليس كالمبتدعة الذين غرضهم فى الأصل غرضهم باطل واستدلوا عليه بباطل بما لا يدل عليه فهو باطل الاستدلال فأخطأوا فى الدليل والمدلول أما هنا له غرض صحيح هو لو التمس أدلة شرعية على مجاهدة النفس لأصاب فالذى يريده مجاهدة النفس هذا حق لكن يأتى الأمر من بابه ولذكر الأدلة التى تدل على مجاهدة النفس {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى} ، {قد أفح من زكاها وقد خاب من دساها} فليأتى بهذه النصوص التى بها مجاهدة النفس والإنسان يعتنى بمجاهدة نفسه أما أن يستدل بما لا دليل عليه هذا يدخل فى أنه فسر القرآن برأيه وهواه فليتبوأ مقعده من النار سواء كان له غرض صحيح أو غرض قبيح أو عن جهل هؤلاء الأحوال الثلاثة يتنزل عليهم حديث النبى عليه الصلاة والسلام [من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار] هذه الحالة الأولى إذن فى المفسر كما قلنا ميل وعنده رأى فيريد أن يخضع القرآن له فى هذه الأحوال الثلاثة.

الحالة الثانية: التى يتنزل عليها تفسير القرآن بالرأى أن يتسارع إلى تفسير القرآن برأيه حسب مدلولات لغة العرب دون تعويل على النصوص الشرعية فيفسر القرآن بلغة العرب دون أن يعول على النصوص الشرعية على ما ورد فى سبب نزول هذه الآيات وكثير من الآيات لا يمكن أن تفسرها على حسب لغة العرب فقط فلا بد من معرفة سبب النزول ولذلك نحن قلنا فى ضابط تفسير القرآن بالرأى أنه يوافق نصوص الشرع وقواعد اللغة فيدل عليه سياق الكلام ويشهد له السباق واللحاق أم أن تأتى فقط لتفسر هذا اللفظ على حسب اللغة فقط كأن هذه اللفظة ليست فى القرآن ثم تتناسى ورودها فى كلام الله جل وعلا بالهوى إنه فسر هذا عن طريق اللغة دون تعويل على السماع وعلى النصوص وكنت ذكرت إخوتى الكرام: شيئا يوضح هذا فى أوائل دروسنا فى مقدمة التفسير فى قول الله جل وعلا: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم} . ذكرت هناك فهم عروة ابن الزبير رضي الله عنهما أجمعين وكيف ردت عليه أمنا عائشة رضي الله عنه فهمه لهذه الآية هو فهم على حسب ظاهر اللغة العربية وأغفل سبب النزول فحذرته أمنا عائشة رضي الله عنها من هذا المسلك [فيكم من يستحضر ما سبق ويذكرنى وأن الأنصار تحرجوا من السعى بين الصفا والمروة لأمرين: الأمر الأول: الأنصار..كانوا.. إذن الأنصار يهلون لمناة الطاغية التى قلنا هى عند المشلل حذو قديد عند البحر الأحمر يهلون لمناة الطاغية فإذا أهلوا لمناة وحجوا لا يطوفون بين الصفا والمروة تعظيما لمناة فلا يطوفون بين الصفا والمروة عليهما إساف ونائلة تعظيما لمناة.

وصنف ثان: كانوا يعظمون هذين الصنمين فيطوفون بينهما ويتمسحون بهما وأولئك كأنهم قالوا نحن كنا فى الجاهلية ما نفعل هذا لأنه من شعائر الجاهلية السعى تعظيما للصنمين فنحن كنا تعظيما لمناة لا نعظم إسافا ونائلة فمن باب أولى تعظيما لله لا نطوف بين الصفا والمروة ومن كان يطوف يقول كنا نفعل هذا فى الجاهلية فكيف نفعله فى الإسلام. إذن تحرج الفريقان من السعى بين الصفا والمروة تحرجوا من السعى بينهما لكن العلة فى هؤلاء غير العلة فى هؤلاء فنزلت الآية: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح} الشاهد هنا فلا جناح عليه أن يطوف بهما قلنا رفع الجناح والإثم والحرج لا يلزم منه اثبات الفرضية أى لا جناح عليك أن تطوف بينهما أى يباح لك أن تطوف بينهما. إذن السعى بين الصفا والمروة ليس بركن من أركان الحج، طيب هذا لا يفهم إذن من الآية أن السعى بين الصفا والمروة فى الحج لا يفهم إذن منه أنه مشروع وأنه لا بد منه وأنه ركن لأن الله نفى الإثم والجناح والحرج عمن سعى بينهما فإذا سعى لا حرج عليه وإذا لم يسع فلا حرج عليه على حسب مفهوم اللغة من باب أولى. قلنا هنا لو لم يعرف الإنسان سبب النزول لما استطاع أن يفسر هذه الآية فهنا لا جناح عليك لا لأن السعى فى الأصل فرض أو لا المراد من نفى الجناح الذى وقر فى أذهانهم هم ظنوا أنهم إذا طافوا بينهما وسعوا بينهما فى ذلك إعادة لخصال الجاهلية فالله يقول لا حرج وإن كانت صورة الفعل وافقت صورة الجاهلية فلا حرج وقد سن النبى عليه الصلاة والسلام الطواف بينهما أى فرضه فى السنة فلا بد من ذلك فإذن هذا مشروع على سبيل الإلزام والوجوب كيف عبر عنه بلا حرج هذا دفعا فيما وقر فى أذهانهم.

هذا كما لو استيقظ إنسان بعد صلاة الفجر وقد فاتته الصلاة وطلعت الشمس فقال لك ماذا أفعل طلعت الشمس أصلى الفجر تقول صلى ولا حرج ما معنى ولا حرج أى لا أثم عليك أنت تتحرج من الصلاة لا حرج عليك لابد لكن هنا أنه ليس معنى ولا حرج يعنى يباح لك أن تصلى الفجر التى فاتتك ولا يباح لك لا صلى ولا حرج أى أنت تتحرج من الصلاة فى هذا الوقت وأنت معذور والقلم مرفوع عنك وإذا لم يحصل هناك تفريط منك فلا إثم عليك إن شاء الله فصلى ولا حرج فهنا نفى الحرج لنفى ما وقر فى ذهنك لا أنه لاحرج عليه فى أن يصلى وألا يصلى وهكذا وقر فى أذهانهم إرتياب نحو السعى بين الصفا والمروة فقيل فلا جناح عليه أن يطوف بهما ولذلك قالت أمنا عائشة فلو كان السعى بينهما ليس بواجب لقال فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما أى ينفى الإثم والجناح والحرج والذنب على من لم يسع بينهما وأما هنا رفع الحرج والأثم والذنب عمن طاف بينهما لما وقر فى أذهانهم من أن الطواف بينهما فيه مشابه لخصال الجاهلية أما هو فرض فإذن هذا إذا لم يعلم الإنسان سبب نزول هذه الآية ما يستطيع أن يفسرها ويأتى ويقول السعى بين الصفا والمروة مباح وما قرره الفقهاء واستنبطه العلماء من أن السعى بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج هذا باطل لما لأن اللغة العربية التى نزل بها القرآن تقول فلا جناح ونفى الجناح والآثم والحرج لا يفيد أن السعى واجب وعليه إذن هو مباح إذا طاف فلا حرج وإذا لم يطف فلا حرج هذا كلام باطل فإذا تسارع إلى تفسير القرآن بالعربية دون تعويل على السماع فقد فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.

مثال على هذا ما ثبت فى الصحيحين فى حديث سهل بن سعد رضى الله عنه قال لما نزلت هذه الآية {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل من الفجر يقول كان أناس إذا أراد أحدهم أن يصوم ربط فى رجله خيطين أسود وأبيض ثم ينظر إليهما فلا يزال يأكل حتى يتبين له رئيهما أى منظرهما ومشاهدتهما وورد زيهما أى لونهما ورد رأيهما مرئيهما يأكل حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود كما هو ظاهر القرآن على حسب اللغة العربية على حسب فهم ذلك الإنسان فلما نزل من الفجر علموا أن المراد بذلك بياض النهار وسواد الليل {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} .

وثبت أيضا فى الصحيحين والحديث فى الكتب الستة باستثناء سنن ابن ماجة وهو فى المسند عن عدى بن حاتم قال لما نزلت هذه الآية وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر عمدت إلى عقالين فوضعتهما تحت وسادتى وبدأت آكل وأنظر إليهما ثم ذهبت إلى النبى عليه الصلاة والسلام وأخبرته فقال إن وسادك إذن لعريض المراد من ذلك سواد الليل وبياض النهار ألم تسمع إلى قوله تعالى من الفجر هنا حصل تفسير من هؤلاء الآن فى الظاهر أنهم عولوا على بيان المعنى على حسب اللغة العربية لكن ما عرفوا المراد وهو أن المراد فى حقيقة الأمر سواد الليل بياض النهار فلو جاء إنسان الآن يأخذ بهذه الآية فقط على حسب مدلول اللغة الذى يفهمه هو فقط وقال لا يحرم الأكل والشرب على الصائم والمفطرات حتى يظهر له الخيط الأبيض من الخيط الأسود يعنى لا أقول عند طلوع الفجر بعد طلوع الشمس لأن عند طلوع الشمس لايظهر أيضا فى بداية طلوعها الخيط الأبيض من الخيط الأسود لابد من أن يصبح الوقت ضحى حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود وإذا كان فى نظره ضعف لعل الخيط الأبيض من الخيط الأسود ما يظهران إلا عند الظهر إذن لا حرج عليه أن يستمر فى الأكل نقول لا يا عبد الله.

لابد من أن ترجع إلى سبب نزول هذه الآية وإلى ما لبسها لتعلم أن المراد سواد الليل بياض النهار وأولئك الصحابة رضوان الله عليهم الذين جرى منهم ما جرى حتما هم واهمون فى ذلك لكن هذا الذى فى وسعهم فى ذلك الوقت وعرضوا الأمر على النبى عليه الصلاة والسلام فصحح الأمر لهم وقصة ما ورد فى حديث سهل بن سعد من أن أناسا أرادوا أن يصوموا هذا هو سبب نزول قول الله من الفجر فنزل وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل من الفجر وورد أنه بين نزول من الفجر وما قبلها عام كامل فالتبس عليهم الأمر لا لأن الأمر فيه التباس لا الأمر حتى من ناحية اللغة لا التباس فيه لأن المراد بالخيط الأسود سواد الليل وبالخيط الأبيض بياض النهار لكن هؤلاء حملو ها على شىء آخر فالبيان حصل بذاك لكن هؤلاء صار عندهم نحو ذلك البيان إشكال فمن الفجر هذه ليست لبيان ما كان مشكلا فى الحقيقة إنما لبيان ما أشكل على بعض الناس وإلا أكثر الصحابة فهموا أن المراد بذلك سواد الليل وبياض النهار ولذلك ليس فى ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة إنما فيه إزالة للبس والإشكال حصل عند بعض الناس وهذا هو المعنى المعتمد. وأما ما زعمه الزمخشرى بأن هذا فيه تأخير للبيان عن الحاجة وعليه فالحديث لا يثبت وهو فى الصحيحين فهذه والله إحدى الكبر إنسان يقول عن حديث فى الصحيحين إنه لا يثبت قل إن فى تأخيره بيان عن وقت الحاجة أى تأخير عن وقت الحاجة هنا حصل البيان بقوله: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} والمراد سواد الليل وبياض النهار هذا معروف لكن هؤلاء إلتبس عليهم فكما أن الخيط الأبيض يطلق على الخيط المحسوس يطلق أيضا على سواد الليل خيط أسود وعلى بياض النهار خيط أبيض وهذا معروف فى اللغة.

ولذلك لما سأل سائل فى مسائل نافع ابن الأزرق ابن عباس رضي الله عنهما عن الخيط الأسود والخيط الأبيض فقال له الخيط الأسود ظلام الليل والأبيض ضوء النهار ألم تسمع إلى قول أمية ابن أبى الصلت: الخيط الأبيض ضوء الصبح منفلق ... والخيط الأسود لون الليل مكموم فالبيان كان حاصلا لكن كما قلنا لرفع إشكال حصل عند بعض الناس فنزل من الفجر وبينهما عام كامل. وأما قصة عدى فهى متأخرة لأن عدى أسلم فى العام التاسع أو العاشر للهجرة وفرضية الصيام نزلت فى العام الثانى للهجرة فإذن عدى ابن حاتم قصته متأخرة وتكررت بعد هذه الموقعة بثمانى سنين أو سبع فهو لما قرأ هذه الآية حسبما يفهم أيضا على ظاهر العربية ولعله ليس فى لغة قومه أن الخيط الأسود ظلام الليل والأبيض ضوء النهار أو هذا فى لغة قومه ونسى وحمل الأمر على الخيطين المعروفين فوضع عقالين فى رجله ثم بدا يأكل وينظر إليها حتى يتبن له شكل الخيطين ثم ذكر بعد هذا للنبى عليه الصلاة والسلام فقال إن وسادك إذن لعريض إنما ذلك سواد الليل وببياض النهار وأنما قال له وسادك عريض أى نومك كثير وليك طويل إذا كنت ستبقى تأكل حتى يتبن لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وقيل عرض النبى عليه الصلاة والسلام بما يشير إلى غفلته إلى حصول شىء من الغباء عنده لأن الوساد العريض يحتاج إلى قفا عريض وعرض القفا فى الإنسان مما يستدل به على قلة انتباهه وعدم يقظته وحصول شىء من الغفلة والغباء فيه إن وسادك لعريض أى إذا عندك وسادة عريضة ستغطى فلق الصبح تحتاج إلى قفا عريض وبالتالى سيصبح عند الإنسان شىء من الغفلة.

إذن إما أن الليل طويل وإما فيه تعريض بحال عدى فقصة عدى تأخرت هذا لو جاء إنسان وفسر هذه الآية على حسب ما يفهم من ظاهرها دون الرجوع إلى نصوص الشرع وإلى ما لابسها فهو مفسر للقرآن برأيه من ذلك قول الله جل وعلا: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون} آية تسع وثمانين من سورة البقرة {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} لو جاء إنسان ليفسر هذه الآية على حسب الظاهر وما يفهم من لغة العرب يقال ليس الطاعة لله أن تأتى البيت من ظهره أنما الطاعة لله هو تنفيذ شرع الله أن تأتى البيت من الباب الذى يدخل الناس منه. طيب وربما يقول لك قائل وهل أحد يأتى البيت من ظهره ويتسلق عليه من الجدران وخلفه من يفعل هذا القرآن إذن يتكلم فى شىء غير واقع ويحضنا على أمر هو الذى يفعله كل الناس مؤمنهم وكافرهم {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها} كل واحد يأتى الدار من بابها وما واحد يأتى إلى بيته يتسلق على الجدران من خلف، فهذه إذا ما فهم ما لابس نزولها وسبب نزولها يستطيع أن يتكلم فى تفسيرها عن طريق لغة العرب على الإطلاق. ثبت فى الصحيحين عن البراء ابن عازب قال هذه الآية نزلت فينا معشر الأنصار ماذا كنتم تعملون كانوا إذا أحرموا بحج أو عمرة وأهلوا لله جل وعلا بأحد هذين النسكين لا يدخل واحدا منهم بيته من بابه إذا عرضت له حاجة ماذا يفعل يأتى إلى بيته من الخلف ويتسلق الجدران وينزل بعد ذلك من السطح البيت من بابه لا يدخله تعظيما لله على حسب ما توارثوه فى الجاهلية.

فالله جل وعلا يقول: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} هذا ليس فيه طاعة لله وليس فيه تعظيم لله والله ما أمركم بذلك {ولكن البر من اتقى} إذا أحرمتم فاتقوا المحذورات والمحرم عليكم {وأتوا البيوت من أبوابها} واتقوا الله لعلكم تفلحون. وورد أيضا أن الأنصار كانوا إذا رجعوا من سفر سفر حج أو غيره تعظيما لله لا يدخلون البيوت من أبوابها إنما يتسلقون الجدران ويأتونها من خلفها فنهاهم الله عن ذلك. وورد أيضا أن الأنصار إذا أرادوا سفرا وعدلوا عنه لا يدخوا البيت بعد ذلك من بابه إنما يأتيه من خلفه ويتسلق فنهاهم الله عن ذلك. وورد أيضا أنهم إذا اعتكفوا وعرضت لهم حاجة وخرج من معتكفه لا يدخل البيت من بابه إنما يتسلق عليه من خلفه. وورد أيضا أن الأنصار إذا انفضوا من عيدهم لا يدخلون البيوت من أبوابها إنما يدخلون من خلفها ويتسلقون الجدران. {وأتوا البيوت من أبوابها وأتقوا الله لعلكم تفلحون} هنا لا يمكن أن يفسر الإنسان هذه الآية إلا على حسب نصوص الشرع ولذلك العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ولو فسرت هذه الآية على حسب ظاهر اللغة لقلت أن هذه الآية تعالج قصة لا واقع لها الإنسان يدخل البيت من بابه ولا يتسلق عليه من خلفه يقال لك ما أحد يفعل هذا ثم لو أراد أن يتسلق أحيانا من الخلف لحاجة لاعتبارلأمر لأن الباب مغلق تقول منهى عنه ابحث ما فى وسعك للدخول من هذا الباب ولو أدى إلى كسره ولا يجوز لك أن تتسلق هذا البيت وأن تأتيه من خلفه وإن كان لعذر لا أبدا ما تتكلم عن هذا تعالج واقعا معينا كانوا يتدينون لله ويتقربون إليه بأن يأتوا البيوت من ظهورها فنهوا عن هذا.

أما إذا عرضت لك حاجة وتعسر عليك أن تدخل البيت من بابه لوجود مثلا قاطع طريق أو لوجود مفسد عاتى وتسلقت جدران البيت وأتيت البيت من خلفه ليس فى ذلك حرج فلا يقال أنت منهى عن هذا فالآية تعالج واقعا معينا فافهم هذا {وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون} مثال هذا أيضا قول الله جل وعلا فى سورة الأعلى {فذكر إن نفعت الذكرى} . حرف إن هنا أورد المفسرون فيه ثلاثة معان: المعنى الأول: {فذكر إن نفعت الذكرى} على أنها شرطية فإذا كانت الذكرى نافعة فذكر وإلا فلا داعى للتذكير فضياع الوقت لا فائدة فيه وهنا كل ذكرى سيترتب عليها نفع فأنت تذكر المؤمن إن الذكرى تنفع المؤمن وتذكر الكافر لتقيم عليه الحجة لكن من علمت أنه لن ينتفع كحال أبى لهب وأنه سيصلى نارا يخلد فيها أبدا هل هناك فائدة فى تذكيره بعد نزول سورة المسد حقيقة ضياعا للوقت بلا فائدة. إنسان نصحته ونصحته وقامت عليه الحجة وكل ما تنصحه يزداد عتوا وعنادا وليس عندك وسيلة لأن تأخذ على يديه فهل يلزمك أن تذكره بعد ذلك لا الله لا يأمر إلا بذكرى نافعة لكن ليس معنى هذا تقول هذا لا ينتفع فلا أذكره لا بد من قيام الحجة فإن اهتدى وحصل الأثر وإلا فقد قامت عليه الحجة وهذه نافعة لأنه عندما قامت عليه الحجة فأنت إذن حصلت المطلوب من هذا التذكير عندما يعذب فى الآخرة يعذب بعد قيام الحجة عليه وأن المطلوب حصل من هذا التذكير إنما كما قلنا ذكرى ليست نافعة لا يأمر الإسلام بها هذا معنى الآية {فذكر إن نفعت الذكرى} . وقيل بمعنى قد فذكر إن نفعت قد نفعت الذكرى والذكرى تنفع المؤمن ينتفع بها والكافر تقوم عليه الحجة.

وقيل وهو ما يقوله أهل العربية قاطبة إلا من رحم ربك يقول الكلام هنا ذكر إن نفعت الذكرى وإن لم تنفع وهذا من باب الاكتفاء بأحد المتقابلين لأنه يدل على ما يقابله فذكر إن نفعت إن لم تنفع هذا الذى قاله الفراء والواحدى تبعه ورجحه الشوكانى وهذا من العجيب فى تفسيره لم يذكر سوى هذا المعنى الإمام البغوى والخازن قال فذكر إن نفعت وإن لم تنفع فى الحقيقة هذا من باب تفسير القرآن على حسب ظاهر العربية والاحتمالات التى تحتملها لغة العرب لكن دون دلالة النصوص الشرعية على هذا فكلام العرب احتمل هذا المعنى لكن النصوص الشرعية لا تحتمل هذا المعنى على الإطلاق فقالوا إن نفعت وإن لم تنفع قالوا وشاهدنا على هذا تفسير باطن أيضا استدلوا به لتأييد تفسير باطل سرابيل تقيكم الحر أى والبرد وهذا من باب الاكتفاء بأحد المتقابلين عن الآخر سرابيل تقيكم الحر وتقيكم البرد فذكر الحر ولم يذكر البرد لأنه يقابل الحر هذا من باب الاكتفاء وهنا إن نفعت وإن لم تنفع. يقول الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله وما قالوه باطل وقولهم بأنه يجب أن نذكر الكافر هذا معلوم بالاضرار من دين الإسلام لكن الذكرى إذا لم تكن نافعة لا نأمر بها كحال من نزل فيه نص بأنه يجلد فى نار جهنم فلا نذكره وكحال من ذكرته وأصر على العناد وقامت عليه الحجة وما اهتدى فلا داعى أن تضيع الجهد والوقت معه أما إننا نذكر الكافر هذا معلوم بالاضرار من دين الإسلام وتفسيرهم لآية الأعلى بآية النحل سرابيل تقيكم الحر أى وتقيكم بأسكم وهنا فذكر إن نفعت وإن لم تنفع يقول هذا التمثيل باطل.

أولا: لا يوجد حرف شرط فى آية النحل فقال هناك سرابيل تقيكم الحر وأما هنا قال قذكر إن نفعت الذكرى فهناك لا يوجد حرف شرط وإذا علق الحكم بحرف الشرط وكان الأمر المعلق على هذا الشرط لا بد منه سواء وجد الشرط أم لم يوجد فذكر الشرط من باب العبس ومن باب تطويل الكلام بلا طائل إذا كان المراد ذكر إن نفعت وإن لم تنفع لماذا يقول فذكر إن نفعت الذكرى يقول فذكر وانتهى أما فذكر إن نفعت تقول وإن لم تنفع إذن هذا الشرط ذكره وعدمه سواء إذن هو لغو وحشو فى الكلام وكلام الله يصان عن هذا. الأمر الثانى: يقول ما ذكروه هو حجة عليهم ليس فى قوله {سرابيل تقيكم الحر} دلالة على البرد لا وهذا لتفسيرهم هذا من باب تفسيرهم لكلام الله حسبما تدل اللغة دون النظر إلى سياق الكلام ومراد المتكلم سرابيل تقيكم الحر الحر فقط وأما البرد هذا تقدم ذكره ودفعه فى أول السورة بسورة النحل التى تسمى بسورة النعم كما ثبت هذا عن قتادة فى تفسير ابن أبى حاتم والله عدد نعمه على عباده فى هذه السورة فذكر فى أولها أصول النعم وذكر فى أثنائها ونهاياتها متممات النعم دفع البرد من أصول النعم أو من متمماتها؟ من الأصول ودفع الحر من المتممات.

الإنسان يموت بالبرد لكن لا يموت من الحر مهما كان الحر شديدا إذا كان تحت أى ظل ولو ظل الشجر لا يموت لكن البرد إذا لم يجد ما يدفعه من ملابس واقية يموت فاللع ذكر ما يدفع البرد فى أول سورة النحل فقال والأنعام خلقها لكم فيها دفء فدفع البرد عنا هذا من أصول النعم ولذلك يقول العرب البرد بؤس قاتل والحر أذى أنت من الحر تتأذى لا تموت لكن من البرد تموت {سرابيل تقيكم الحر} الحر فقط أما دفع البرد تقدم {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} فالبرد بؤس وقاتل فالله امتن علينا بدفعه فى أول السورة ثم ذكر أنه خلق لنا من الملابس ما ندفع به عنا أذى الحر من الملابس القطنية الرفيعة التى تجلب للجسم برودة فقال {سرابيل تقيكم الحر} فتدفع عنا أذى الحر وأما البرد فقد تقدم دفعه فقال وهذا من باب تفسير القرآن أيضا بالرأى فأرادوا أن يستدلوا على باطل بباطل فالآية {فذكر إن نفعت الذكرى} لا يجوز أن نقول وإن لم تنفع وإذا كانت اللغة العربية تحتمل هذا فالنصوص الشرعية لا تساعد على هذا المعنى. وقوله سرابيل تقيكم الحر لا يجوز أن نقول وتقيكم البرد فإذا كانت اللغة العربية تحتمل هذا التقدير فالنصوص الشرعية تدفع هذا.

ولذلك قال الإمام أحمد عليه رحمة الله كما فى مجموع الفتاوى فى الجزء السادس عشر صفحة خمس وخمسين ومائة كنت أحسب الفراء رجلا صالحا حتى رأيت كتابه التفسير معانى القرآن والإمام الفراء من أئمة العربية الكبار وهو أمير المؤمنين فى النحو ولولاه لما استقامت العربية كما يقول أئمتنا وألف كتابه التفسير معانى القرآن للفراء وهو من المتقدمين توفى سنة مائتين وثمانية للهجرة عليه رحمة الله يقول الإمام أحمد كنت أحسبه رجلا صالحا حتى رأيت كتابه التفسير معانى القرآن للفراء ليس فى تفسير معانى القرآن للفراء ضلال وبدع لكن فيه أنه يفسر كلام الله على حسب اللغة العربية دون نظر إلى مراد المتكلم وسياق الكلام والسباق واللحاق والمتقدم والمتأخر ينظر إلى ملول هذا اللفظ على حسب اللغة وهذا فى الحقيقة خطأ وهذا خطأ فلنتجنب هذا الأمر فى تفاسير اللغويين ولا بد من يقترن هذا كما قلنا بالنصوص الشرعية. إخوتى الكرام: أقتصر على هذا المقدار وفى أول المحاضرة الآتية إن أحيانا الله جل وعلا أذكر كلام الإمام ابن تيمية فى تلخيص ما تقدم ثم ندخل إن شاء الله فى تفسير كلام الله وصلى الله عليى نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كريما والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما هى عدة العلم ووسائل العلماء؟

معروفة لابد من أن يتقن اللغة العربية وأن يلم بالأحاديث الشرعية وأن يعرف بعد ذلك ما يتعلق بتفسير كلام الله جل وعلا من أسباب النزول وأن ينظر فى المنقول الوارد فى تفسير هذه الآية فإذا أتقن هذا هل يتكلم بعد ذلك يعنى كل واحد يعلم هل هو عالم أم لا؟ وأما إذا كان يأتى ليسأل يا شيخ اطلب العلم من المهد إلى اللحد دى آية ولا حديث لا يسألنى أستاذ التربية أستاذ تربية دى آية ولا حديث ثم بعد ذلك يأتى يفسر كلام الله فى المحاضرات ويستشهد بها هذا ضال إذا كان اطلب العلم من المهد إلى اللحد آية ولا حديث ما يعرف وبعد يقول هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون هذه حكمة ولا أثر ما يعلم، إذن الإنسان يعلم هذا..واضح. حتى رأيت كتابه معانى القرآن فقط يقول كنت أحسبه رجلا صالحا حتى رأيت كتابه معانى القرآن أى كأنه نزل من نفسه ونحن قلنا ليس فيه شىء إلا أنه يفسر كلام الله على حسب مدلولات اللغة دون النظر إلى النصوص الشرعية فليطرح هذا الأمر من تفسيره ولنحترص منه وما عداه فلا حرج فيه. بالنسبة لآية {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} كيف نرد على من قال يعنى يخضعون اللفظ نفسه لسبب خاص.. ما ذكرنا سببا خاصا نقول هنا معناها {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} . هل يحصل لك اهتداء عندما تترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أخبرنى يحصل الله أعلم

إذن ما عندنا خصوص سبب لتقول عموم لفظ ولا خصوص سبب لا أبدا عندنا لا يضركم من ضلل إذا اهتديتم متى يحصل لنا الاهتداء إذا قمنا نحونا ونحو غيرنا بما أوجبه الله علينا وأما إذا قمت نحو نفسك بما يجب عليك ولم تقم نحوها بما يجب عليك نحو الآخرين هذا أيضا بما يجب لله عليك فأنت الآن لست بمهتدى ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه تقرأونها وتضعونها فى غير موضعها تظنون أن الاهتداء يحصل لكم لو جلستم فى بيوتكم وتركتم المنكرات بعد ذلك تسرح هنا وهناك هذا ليس بصحيح، والأمة إذا رأت المنكر فلم تغيره أصابها الله بعذاب عام ... سيأتينا إن شاء الله عند كلام ابن عباس بعد كلام الإمام ابن تيمية أن التفسير على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها: فلا يشترط له سبب نزول مثل تبت يدا أبى لهب سيأتى العرب يقول التباب معناه الهلاك والخسران لا بأس. تفسير يعرفه العلماء: فيما يتعلق بسب نزول وناسخ ومنسوخ وما شاكل هذا. تفسير لا يعلمه إلا الله: ومن ادعى علم رسول الله فهو كاذب فيما يتعلق بالمغيبات. تفسير لايعذر أحد بجهالته: هذا الذى لايعذر أحد بجهالته إما حلال وحرام ينبغى أن يتعلمه وإما واضح كقول الله "والليل إذا يغشى الليل". تقول أنت ما معنى الليل؟ نقول الليل معروف ضد النهار لا يحتاج أن نقول قال أبو بكر أو عمر الليل هو الليل المعروف الذى يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر لا يحتاج إلى هذا ...

مقدمة التفسير6

مقدمة التفسير (6) (دروس تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التفسير 6 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا صلى الله عليه وسلم * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] . أما بعد: معشر الإخوة الكرام.. لازلنا فى مدارسة المقدمة فى تفسير كلام رب العالمين سبحانه وتعالى وكنا فى الدرس الماضى نتدارس الطريق الحكيمة فى تفسير الآيات وقلت إن تفسير القرآن العظيم لا يخرج عن طريقين اثنين.

إما أن نفسر كلام الله جل وعلا بالمنقول عن طريق تفسير القرآن بالقرآن أو القرآن بالسنة أو القرآن بأقوال الصحابة أو القرآن بأقوال التابعين وبينت أخبار أهل الكتاب عند هذا الطريق وهذا نوع من التفسير. والنوع الثانى تفسير بالمعقول تفسير بالرأى وقلت يقصد به أن يبذل الإنسان ما فى وسعه وأن يعمل نظره واجتهاده فى تفسير كلام ربه بحيث يوافق قواعد اللغة العربية والنصوص الشرعية فيتفق ذلك التفسير مع السياق ويشهد له السباق واللحاق يشهد له ما تقدم وما تأخر من كلام الله جل وعلا فهذا تفسير بالرأى وذكرت الأدلة على جواز هذا التفسير. ثم بعد ذلك استعرضت ما يتوهمه طالب العلم من أنه يمنع من التفسير بالرأى وذكرت الحديث بأن النبى عليه الصلاة والسلام ما كان يفسر شيئا من القرآن إلا آيات تعد إلا آيات بعدد علمهن إياهن جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام وبينت قيمة الأثر وأنه ليس فيه دلالة على منع التفسير بالرأى والحديث الثانى حديث جندب رضي الله عنه والأول عن أمنا عائشة رضي الله عنها حديث جندب من قال فى القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ بينت قيمة الحديث وأنه ليس فيه دلالة على منع التفسير بالرأى أيضا والحديث الثالث حديث ابن عباس رضي الله عنهما بروايتين من قال بالقرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ومن قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار، وقلت المعتمد أن الحديث فى درجة القبول فهو حسن كما نص ذلك الإمام الترمذى لكن منطوق إحدى الروايتين للحديث تعين المراد وهذا المنطوق هو من قال فى القرآن بغير علم فالمراد من الرأى الراى المجرد عن الأدلة الشرعية وعن موافقة قواعد اللغة العربية أى أن يفسر القرآن برأيه وهواه وظنه ووهمه وتخرسه فليتبوأ مقعده من النار وقلت بعد ذلك أما النص الذى ينهى عن تفسير القرآن بالرأى محمول على حالتين اثنتين.

الحالة الأولى: وهذا كلام الإمام الغزالى عليه رحمة الله وختمت به الدرس الماضى أن يكون فى المفسر رأى وعنده اعتقاد فيحمل كلام الله جل وعلا على هذا الاعتقاد وهذا له ثلاثة أحوال. ? تارة مع العلم وهذا قلت كما يكون من المبتدعة. ? وتارة مع الجهل. ? وتارة يستدل على أمر صحيح بما لا دلالة فيه على ذلك كما يفعل الوعاظ والقصاص والصوفية. اذهب إلى فرعون إنه طغى ويشير إلى نفسه. والحالة الثانية: التى يتنزل عليها النهى أن يفسر القرآن بكلام العرب دون النظر إلى مراد المتكلم وقصده ودون النظر إلى سياق الايات فيجرد هذا اللفظ ويفسر على حسب اللغة دونما يقصده المتكلم ودون موقع هذا اللفظ فى كلام الله جل وعلا وقلت كثيرا من الآيات لايمكن أن تفسر على حسب اللغة العربية كما وضحت هذا بالأمثلة فلا بد من الرجوع إلى السماع والنقل عما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام إخوتى الكرام: هذه الآثار المتقدمة عن نبينا عليه الصلاة والسلام ورد مثلها أيضا عن السلف الكرام ما قلناه فى تلك الأحاديث من تعليل وبيان نقوله أيضا فيما نقل عن السلف الكرام. ثبت عن أبى بكر رضي الله عنه كما فى كتاب جامع بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وخمسين والأثر رواه عنه أبو عبيد القاسم ابن سلام أنه قال أى أرض تقلنى وأى سماء تظلنى إذا قلت فى كتاب الله برأيى أو إذا قلت فى كتاب الله بما لا أعلم، ومثل هذا نقل عن على رضي الله عنه كما فى جامع بيان العلم وفضله فإذن هنا إذا قال برأيه أى بما لا علم له به. أما إذا فسر كلام الله جل وعلا بما يوافق قواعد اللغة ونصوص الشرع فلا يكون إذن مفسرا للقرآن بغير علم إنما هو يتكلم عن بينة كما تقدم معنا إيضاح هذا بكلام العلماء.

وهكذا ما نقل عن سعيد ابن المسيب عليه رحمة الله أنه سئل عن تفسير آية من كلام الله فقال أنا لا أقول فى القرآن شيئا وسأله مرة سائل آخر عن تفسير آية فقال سل الذى يزعم أنه لا يخفى عليه منه شىء يعنى عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين سل عكرمة الذى يزعم أنه لا يخفى عليه منه شىء وهنا لا دلالة فى هذا الأثر على أن سعيد ابن المسيب رضي الله عنه يرى أن التفسير بالرأى أنه ممنوع ومحذور لا ثم لا لعله تحرج فما عنده علم فى تفسير تلك الآية ثم بعد ذلك أرشد السائل إلى من يعلم تفسير هذه الآية فقال سل عكرمة رضي الله عنهم أجمعين. فهذه الآثار نقول فيها ما قلناه فى تلك الأحاديث لذلك قال الإمام ابن تيمية معللا تلك الآثار كما فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثالث عشر صفحة ثلاثمائة وسبعين والكلام قاله الإمام ابن كثير أيضا فى الجزء الأول فى صفحة ستة بعد أن نقل هذه الآثار وما شاكلها عن السلف الأبرار فى تحرجهم فى تفسير كلام العزيز الغفار عن طريق اجتهادهم واستنباطهم وعقولهم وإعمال رأيهم. قال هذه الآثار وما شاكلها محمولة على تحرجهم من التفسير فيما لا علم لهم به فأما من تكلم فى تفسير كلام الله بما يعلم من ذلك على حسب اللغة والشرع فلا حرج عليه قال ولذلك نقلت عن هؤلاء أقوال فى التفسير و1042 فإنه كما يجب على الإنسان أن يسكت عما جهله يجب عليه أن يتكلم فيما يعلمه ويعرفه لا سيما إذا سئل عنه كما ثبت عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال: [من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار] .

والحديث صحيح ثابت فى المسند والسنن الأربعة باستثناء سنن النسائى ورواه الحاكم فى المستدرك من رواية أبى هريرة رضي الله عنه وروى الحديث من رواية ابن عمر وابن عمرو وابن مسعود وأنس وأبى سعيد الخدرى رضي الله عنهم أجمعين فمن سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار فإذا سئل عن آية ولا يعرف تفسيرها لا يتكلم وإذا سئل عن آية ويعرف تفسيرها على حسب قواعد اللغة ونصوص الشرع ويشهد السياق لما يستنبطه منها فالواجب عليه أن يتكلم فكما يجب على الإنسان أن يسكت عما جهله يجب عليه أن يتكلم فيما يعلمه لا سيما إذا سئل عنه. ولذلك قال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله فى مجموع الفتاوى فى الجزء الخامس عشرة صفحة أربع وتسعين من تدبر السياق سياق الآيات القرآنية وكانت غايته الوقوف على الحق عرف مراد الله من كلامه وأما تفسير القرآن بمجرد ما يحتمله اللفظ دون النظر إلى هذا اللفظ فى السياق فهذا حرام وأعظم غلطا من هؤلاء وإثما من يكون قصده أن يحرف كلام الله عن مواضعه كحال المبتدعة فيفسر القرآن على حسب رأيه وهواه وأما إذا تدبر الإنسان سياق النصوص وسباق الكلام ولحاقه وفسر كلام الله بعد ذلك على حسب قواعد اللغة ونصوص الشرع فلا حرج عليه فى ذلك.

ولذلك لما سئل الإمام ابن تيمية عن قول الله جل وعلا: {يوم يفر المرء من أخيه *وأمه وأبيه *وصاحبته وبنيه* لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} قيل له عادة العرب أن تبدأ بالأهم والأعلى فلما بدأ الله جل وعلا هنا بالأنزل والأضعف {يوم يفر المرء من أخيه *وأمه وأبيه *وصاحبته وبنيه *لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} ترقى من الأدنى إلى الأعلى والأصل أن العرب فى الكلام تقدم الأعلى فقال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله لكل مقام مقال ولو بدأ الله هنا بالأعلى لفاتت الفائدة بعد ذلك من ذكر الأدنى لو قال يوم يفر المرء من بنيه إذا فر الإنسان من ابنه الذى هو بمنزلة نفسه فكأنه فر من نفسه فسيفر من زوجه من باب أولى فيكون ذكر الزوجة إذن تطويل بلا طائل، وإذا فر من الزوجة سيفر من الأب وإذا فر من الأب سيفر من الأم وإذا فر من الأم سيفر من الأخ فإذن ترقى من الأدنى إلى الأعلى لبيان هول ذلك اليوم ففر من أخيه أمه التى احتضنته وهى تحنو عليه وتعطف عليه فر منها أبوه الذى يشفق عليه وعنده قوة وجلد ومنعة يحمى فر منه زوجته التى كان يأوى إليها بحيث يصبح الشخصان شخص واحد فر منها ابنه الذى هو من صلبه وقطعة منه فر منه.

لكل مقام مقال {يوم يفر المرء من أخيه *وأمه وأبيه *وصاحبته وبنيه *لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه} فهذا المعنى الذى كشفه هذا الإمام وهذا التفسير لا يقال هذا تفسير بالرأى وينبغى أن تنقل هذه النكتة عن التابعين أو عن الصحابة أو عن النبى عليه الصلاة والسلام لا ثم لا ولذلك من تأمل هذه الأمور وهذه الترتيبات لاح له من القرآن أسرار عظيمة ورحمة الله على الإمام الرازى عندما يقول فى تفسيره فى الجزء العاشر صفحة أربعين ومائة أكثر لطائف القرآن مودعة فى الترتيبات والمناسبات أى لما جاءت هذه الآية بعد هذه الآية ولما جاءت الآية على هذه الشاكلة من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لطائف كثيرة يستنبطها المفسر عن طريق إعمال عقله وبذل ما فى وسعه للوصول إلى مراد ربه جل وعلا من كلامه.

إخوتى الكرام: وهذا الكلام من الإمام ابن تيمية شاهد قطعى على أنه يجيز التفسير بالرأى وقد تناقض الشيخ أبو زهرة عليه رحمة الله فى هذه المسألة نحو الإمام ابن تيمية ففى الكتاب الذى ترجم فيه لابن تيمية عليه رحمة الله فى صفحة مائتين وثلاث وثلاثين إلى صفحة مائتين وخمس ثلاثين أثنى على الإمام ابن تيمية وذكر أنه يعمل عقله ويبذل ما فى وسعه للوصول إلى مراد ربه ويدرك إشارات القرآن ويقف على مراميه ويستنتبط من الألفاظ دلالات عظيمة تشير إليها تلك الآيات وهذا هو حال الإمام عليه رحمة الله وحال أئمة الإسلام لكنه فى كتابه المعجزة الكبرى فى صفحة خمسمائة وسبع جاء وقال إن الإمام ابن تيمية يحرم تفسير القرآن بالرأى فى الكتاب المتقدم ذكر أنه يعمل رأيه وجمع بين إعمال رأيه وبين ما نقل عنه من تحريم التفسير بالرأى فقال التحريم منصرف إلى الهوى وإلى التفسير الذى لا يستند على دليل ولا على بينة وهو مصيب فى ذلك لكن نسب إليه فى كتاب المعجزة الكبرى أنه يحرم تفسير القرآن بالرأى ولم يبين أى رأى يريد الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله ثم علق عليه بما يبين أن الأمة خالفته فى هذا وهذا فى الحقيقة خلاف ما قرره نفس الشيخ كما قلت فى الكتاب الذى ترجم به لابن تيمية عليه رحمة الله. الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله له تفسير لقول الله جل وعلا فى سورة العنكبوت سديد سديد محكم رشيد مع أنه لم ينقل عن السلف الكرام {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون} ولذكر الله أكبر نقل عن السلف قولان فى بيان المراد من هذه الجملة المباركة ولذكر الله أكبر:

فجمهور السلف وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين ولذكر الله لنا أكبر من ذكرنا له لأن الله يذكر من يذكره وعندما نذكره هذا حسن وطيب وعمل عظيم أعظم من هذا عندما يذكرون الله فمن ذكر الله فى نفسه ذكره الله فى نفسه ومن ذكر الله فى ملأ ذكره الله فى ملأ خير منه ولذكر الله أكبر أى ذكر الله لنا أعظم من ذكرنا له وحقيقة الأمر كذلك. وهناك قول آخر: منقول عن عدة من السلف ولذكر الله أكبر أى أكبر من كل شىء وأعظم من كل طاعة ولذلك سئل عدد من السلف رضوان الله عليهم أجمعين عن أفضل الطاعات فكانوا يتلون هذه الآية ولذكر الله أكبر ولا يفتر لسانك من ذكر ربك ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون. يقول الإمام ابن تيمية كما نقل عنه تلميذه فى التفسير القيم للإمام ابن القيم فى صفحة أربعمائة وأربعة عليهم جميعا رحمة الله يقول: ولذكر الله أكبر ونقل هذا المعنى الإمام ابن كثير أيضا فى تفسيره يقول الصلاة فيها فائدتان: الفائدة الأولى: تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال الله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهذا مقصود من غيره وهناك شىء مقصود من ذاته فى الصلاة وهو أننا نذكر الله ونعظمه ونثنى عليه بما هو أهله سبحانه وتعالى ولذكر الله أكبر أى الفائدة التى يحصلها المصلى من الثناء على الله وتعظيمه لربه أعظم من كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فأنت فى الصلاة تحصل فائدتين اثنتين. الفائدة الأولى: تنهاك عن الفحشاء والمنكر والفائدة الثانية تعظم فيها ربك وتثنى عليه أى الفائدتين أعظم؟ هذه مقصودة لذاتها وهى الثناء على الله وعبادته وتعظيمه بما هو أهله وأما تلك مقصودة لغيرها فإذن هنا كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر هذا ليس من باب المقصود أصالة المقصود أصالة أننا نثنى على الله جل وعلا فى صلاتنا ونعظم.

فهذا التفسير الذى ذكره لا يتنافى مع نصوص الشرع ونصوص الشرع تشهد له الله شرع الصلاة لنعظمه فيها فلا يقال هذا تفسير بالرأى وهو حرام ومن قال فى القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار تفسير دل على اعتبار لنصوص الشرع القطعية ولا يخرج عن قواعد اللغة العربية. فما فسر كلام الله جل وعلا بما لا يحتمله على حسب اللسان الذى نزل به بلسان عربى مبين، فاللغة العربية لا ترد هذا التفسير والنصوص الشرعية تشهد له فهو تفسير معتبر كونه لم ينقل لا حرج فى ذلك. ولذكر الله أكبر الفائدة التى يحصلها المصلى فى صلاته بذكره لربه أعظم من الفائدة التى يحصلها من صلاته فى أن الصلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر. إخوتى الكرام: وهذه نصوص بينة كما قلت عن هذا الإمام المبارك بأنه يجيز تفسير القرآن بالرأى على حسب الصفات والاعتبارات التى ذكرتها وأن ما نسب إليه أبو حيان غفر الله ورحمه فى البحر المحيط فى الجزء الأول فى الصفحة خمسة بأن الإمام ابن تيمية لا يرى تفسير القرآن بالرأى ويرى أن تفسير القرآن قاصر على السماع ولا يجوز فهم تركيب آيات القرآن إلا بالنقل عن مجاهد وعكرمة وعن أئمة السلف ثم قال وهذه مجازفة وهذا قول بعيد وهذا كلام ساقط نقول ما ثبت هذا الكلام عن هذا الإمام حتى حكمت عليه بعد ذلك بما حكمت نعم من قال إن تفسير القرآن بالرأى ممنوع ولا يجوز للإنسان أن يفسر كلام الله إلا بالنقل الثابت عن أئمة التابعين ومن سبقهم فقوله ساقط لكن هذا الكلام ما ثبت عن هذا الإمام عليهم جميعا رحمة الله إخوتى الكرام: وصفوة القول التفسير بالرأى له حالتان وعلى كل حالة من حالتيه أجمع أئمة الإسلام. تفسير بالرأى المحمود الجائز: الذى يوافق قواعد اللغة ونصوص الشرع ويدل عليه السياق فيشهد له السباق واللحاق فهذا جائز باتفاق وما أحد من أئمة الإسلام منع ذلك.

وتفسير بالرأى الذى لايستند إلى قواعد اللغة: ولا يشهد له نصوص الشرع عن طريق الرأى والهوى والظن والتخمين فهذا حرام وما أحد قال من أئمتنا بجواز هذا النوع من التفسير فمحل اتفاق بين علماء الإسلام وعليه لو قدر أن بعض العلماء قال التفسير بالرأى حرام نقول المراد من الرأى الهوى الذى لا يستند إلى قواعد اللغة ونصوص الشرع كتفسير الشيعة والصوفية والمبتدعة من معتزلة وغيرهم، {وجوه يومئذذ ناضرة إلى ربها ناظرة} إلى ثواب ربها منتظرة ولا يراه شىء من خلقه لما تتلاعبون بكلام الله. أضاف الله النظر إلى الوجوه وعداه بإلى وإذا أضيف النظر إلى الوجه وعدى بإلى فلا يحتمل إلا النظر بالعينين {وجوه يومئذذ ناضرة إلى ربها ناظرة} لما منتظرة هى فى الجنة تنتظر ماذا تنتظر الثواب من ربه لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد متى قطع الثواب عنهم حتى تنتظر هذه الوجوه التى نضرت فى الجنة وابتهجت تنتظر الثواب من الله هل حرم عنها الثواب وقطع لهم {ما يشاؤون فيهل ولدينا مزيد} . فإذن كلام ترده لغة العرب ونصوص الشرع تشهد ببطلانه فسنرى ربنا كما نرى القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ولا غمام كما تواتر هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام. فمن قال إلى ربها ناظرة إلى ثواب ربها منتظرة نقول هذا تفسير بالرأى بالهوى يخالف قواعد اللغة ونصوص الشرع والقائل به فليتبوأ مقعده من النار فأئمتنا متفقون على حكم التفسير بالرأى له حالتان. ? حالة التفسير فيها يكون محرما بالاتفاق. ? وحالة التفسير فيها يكون جائزا بالاتفاق. وهذا كاختلاف أئمتنا فى تأويل المتشابه {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} .

لفظ التأويل {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم} الراسخون يعلمون تأويل المتشابه وعليه الواو عاطفة {وما يعلم تأويله إلا الله والرسخون فى العلم} أو أن الواو هنا استئنافية والجملة بعد ذلك من مبتدأ وخبر والراسخون فى العلم يقولون آمنا به الراسخون مبتدأ والوقف لازم على لفظ الجلالة وما يعلم تأويله إلا الله. نقل القولان عن سلفنا الكرام ومن العجيب أن القولين نقلا عن ابن عباس رضي الله عنهما فتارة قال الوقف لازما على لفظ الجلالة وتارة قال أنا ممن يعلم تأويل المتشابه وليس هذا بتناقض كما يبدو لبعض الناس كما قال الإمام ابن تيمية هناك نقلت عنهم أقوال فى تحرجهم فى تفسير القرآن بالرأى ونقلت عنهم أقوال فى تفسير القرآن بالرأى ولا منافاة كل واحدة لها حالة وهنا لا منافاة فإذا كان التأويل معناه الحقيقة التى يأول إليها الشىء فباتفاق علماء الإسلام المتقدمين والمتأخرين يجب الوقف على لفظ الجلالة وأن الراسخين فى العلم لا يعلمون حقيقة هذه الأمور وما يعلم تأويله إلا الله حقيقة بعد ذلك هذه الأمور المتشابهة كنهها كيفيتها ما يتعلق بصفات ربنا وما يتعلق بما يكون فى الآخرة من نعيم حقيقته كيفيته ماهيته {وما يعلم تأويله إلا الله} . وإذا قلنا إن التأويل معناه التفسير الظاهرى فالعلماء يعلمون تأويل المتشابه كما يعلمه الله {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم} إذن والراسخون فى العلم الواو عاطفة على لفظ الجلالة ويكون قوله جل وعلا {يقولون آمنا به} حال حال من المعطوف والمعطوف عليه؟ من المعطوف {والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} كيف هنا جاء الحال من المعطوف وما عاد على المعطوف عليه؟ هذا له نظائر كثيرة فى كتاب الله جل وعلا: {وجاء ربك والملك صفا صفا} صفا صفا حال من الله جل وعلا أم من الملائكة؟ من الملائكة وجاء ربك والملائكة صفوفا صفوفا.

وقال جل وعلا فى سورة الحشر: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون * والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون * والذين جاؤوا من بعدهم يقولون} يقولون، يقولون حال من المعطوف أو من المعطوف عليه؟ من المهاجرين والأنصار من الذين جاؤوا بعدهم من غير المهاجرين والأنصار فحال من المعطوف لا من المعطوف عليه وهنا يكون الأمر كذلك وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم وهم مع كونهم يعلمون تفسيره {يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} فهذا إذن كحال العلم بتأويل المتشابه فمن قال إن المراد من المتشابه الحقيقة التى يأول إليها الشىء يأول إليها اللفظ فقال الراسخون فى العلم لا يعلمون تأويل المتشابه {هل ينظرون إلا تأويله} أى إلا وقوعه يوم يأتى تأويله وقوع يوم القيامة. ومن قال إن المراد من التأويل التفسير {نبئنا بتأويله} بتفسيره قال إن الواو عاطفة وهنا كذلك من منع من علمائنا من التفسير بالرأى أراد به الرأى الذى لا يستند إلى نصوص الشرع وقواعد اللغة. ومن قال من علمائنا إن التفسير بالرأى جائز أراد الرأى الذى هو رأى محمود يوافق قواعد اللغة ونصوص الشرع. ومثل هذا ونظيره الحكم بما أنزل الله عدم الحكم بما أنزل الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون هم الظالمون هم الفاسقون قلت هنا اختلفت العبارات سابقة لاختلاف الاعتبارات فالذى يحكم بغير ما أنزل كافر ستر الحق وجحده ظالم تجاوز من الهدى إلى الردى والضلال فاسق خرج من الحق إلى الباطل.

اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات ما نقل عن بعد سلفنا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال كفر دون كفر، لا يتعارض مع قولنا بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر يخرج من الملة فالحكم بغير ما أنزل الله له حالتان. حالة: يجور القاضى فيها الحكم هو كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ولا يوجد فى القضاء مصدر آخر لكنه جار وتقدم معنا القضاة ثلاثة قاضيان فى النار وقاض فى الجنة علم الحق وقضى بخلافه لأجل رشوة هذا كافر ليس بكافر إلا إذا استحل. عندنا حاكم آخر نسف كتاب الله برجله قصم الله ظهره وظهور أمثاله ووضع قانونا وضعيا يحكم فى البلاد هذا الآن عندنا كفر دون كفر هذا أتى بشرع مبدل مغير طمس نور الله وحذفه وأتى بعد ذلك بقوانين وضعية يحكمها فى الرعية هذا لا شك فى كفره، الكفر الذى يقول عنه أئمتنا دون كفر أى يقصدون بأنه كفر عملى القاضى شيخ صالح ملم بالكتاب والسنة لكنه ليس بمعصوم حابى صديقه أو أخذ رشوة من بعض الناس فحكم بغير ما أنزل الله كقر دون كفر أما أنه نسف هذا الكتاب وأتى بقوانين وضعية من شرقية أو غربية والأمة الإسلامية الآن لا شرقية ولا غربية ولا مسلمة ولا كتابية ليس لهم شىء خارجين هم أذناب فقط لغيرهم. حذف كتاب الله من الحياة وأتى بقوانين وضعية لتحكم فى رقاب العباد والله إن الذى يشك فى كفر هذا الحاكم ليس فى قلبه مثقال ذرة من إيمان فقول الله {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كفر مخرج من الملة أو كفر دون كفر نقول لا منافاة لأن الذى يحكم بغير ما أنزل الله له حالتان. أحيانا يجور على حسب الهوى وعلى حسب ضغوط الحياة وعلى حسب ما فى نفسه من تقصير وكل بنى آدم خطاء فيأخذ رشوة ويقضى بخلاف الحق فإذا ما استحل ذلك لم يكفر وإذا استحله كافر.

وتارة ينحى كلام الله جل وعلا ويقطع رقبة من يطالبه بالحكم بكتاب الله ويحكم بقوانين وضعية إن استحل هذا أو لم يستحل لاداعى الآن للبحث فى أمره لأنه فى الأصل لا يحكم بشريعة الله لا يوجد دستور يتحاكم إليه هو الشرع المطهر إنما الدستور الموجود دستور الشيطان {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} فلا خلاف بين أئمتنا فى هذه الأمور، وما نقل عنهم من أقوال فى ظاهرها تباين. لابد كما قلت إخوتى الكرام: من أن نعرف مرادهم فكيف قالوا كفر دون كفر هذا لحالة معينة كفر يخرج من الملة لحالة معلومة العلماء يعلمون تأويل المتشابه على أن التأويل بمعنى التفسير لايعلمون تأويل المتشابه على أن التعويل بمعنى الحقيقة التى يأول إليها الشىء، التفسير بالرأى جائز التفسير بالرأى حرام لا تناقض بين هذه الأقوال لا بد من الجمع بينها لأننا إذا عرفنا مرادهم علمنا بعد ذلك المقصود والمراد من حكمهم ولا خلاف بين أئمتنا فى هذه المسألة.

إخوتى الكرام: للإمام الشاطبى عليه رحمة الله فى كتابه الموافقات فى آخر الجزء الثالث فى صفحة واحد وعشرين وأربعمائة كلام طيب يتعلق بتفسير القرآن بالرأى يقول: المسألة الرابعة عشرة إعمال الرأى فى فى القرآن جاء ذمه وجاء أيضا ما يقتضى إعماله وحسبك من ذلك ما نقل عن الصديق رضي الله عنه فإنه نقل عنه أنه قال وقد سئل فى شىء من القرآن أى سماء تظلنى وأى أرض تقلنى إن أنا قلت فى كتاب الله ما لا أعلم وبما روى فيه أنه قال إذا قلت فى كتاب الله برأيى فى ذلك اللفظ بما لا أعلم أو برأيى ثم سئل عن الكلالة المذكورة فى القرآن فقال أقول فيها برأيى وفى الطباعة عندكم إخوتى الكرام لا أقول فيها برأيى ولا مفسدة للكلام زائدة لا وجود لها أقول فيها برأيى وقد كنت ذكرت كلام أبى بكر رضي الله عنه سابقا أقول فيها برأيى فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمنى ومن الشيطان الكلالة كذا وكذا وتقدم معنى أن الكلالة قلنا هم الورثة الذين ليس فيهم أصل ولا فرع مأخوذة من تكاله إذا أحاط به وهو الإكليل وهؤلاء يحيطون الورثة قلنا بالميت من أطرافه والحواشى لا من الأصول ولا من الفروع وقلنا من الكلال بمعنى الإعياء فيرثون هم بأنهم حواشى لاأصول ولا فروع وهذا إرث سببه ضعيف ولذلك لو وجد أحد من الأصول والفروع لحجب الإخوة. ويسألونك عن الكلالة هى ... انقطاع النسل لا محالة لا ولد يبقى ولا مولود ... انقطع الأبناء والجدود إذن هنا كيف أبو بكر رضي الله عنه قال أى أرض تقلنى أى سماء تظلنى إذا قلت فى كتاب الله برأيى ثم قال أقول فى الكلالة برأيى لا تعارض يقول فهذان قولان اقتضيا إعمال الرأى وتركه فى القرآن وهما لا يجتمعان والقول فيه أن الرأى ضربان. أحدهما: جار على موافقة كلام العرب وموافقة الكتاب والسنة فهذا لا يمكن إهمال مثله لعالم بهما لأمور

أحدها: أن الكتاب لابد من القول فيه ببيان معنى واستنباط حكم وتفسير لفظ وفهم مراد ولن يأتى جميع ذلك كما تقدم معنا فى الأدلة التى تدل على جواز تفسير القرآن بالرأى فإما أن يتوقف دون ذلك فتتعطل الأحكام كلها أو أكثرها وذلك غير ممكن فلا بد من القول فيه بما يليق. والثانى: أنه لو كان كذلك للزم أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا ذلك كله بالتوقيف فلا يكون لأحد فيه نظر ولا قول والمعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك فدل على أنه لم يكلف به على ذلك الوجه بل بين منه ما لايوصل إلى علمه إلا به وترك كثيرا مما يدركه أرباب الاجتهاد باجتهادهم فلم يلزم فى جميع تفسير القرآن التوقيف. والثالث: أن الصحابة كانوا أولى بهذا الاحتياط من غيرهم وقد علم أنهم فسروا القرآن على ما فهموا ومن جهتهم بلغنا تفسير معناه والتوقيف ينافى هذا فاطلاق القول بالتوقيف والمنع من الرأى لا يصح. والرابع: أن هذا الفرض لا يمكن لأن النظر فى القرآن من جهتين من جهة الأمور الشرعية فقد يسلم القول بالتوقيف فيه وترك الرأى والنظر جدلا ومن جهة المآخذ العربية وهذا لا يمكن فيه التوقيف وإلا لزم ذلك فى السلف الأولين، وهو باطل فالازم عنه مثله وبالجملة فهو أوضح من اطناب فيه وأما الرأى غير جارى على موافقة العربية أو الجارى على الأدلة الشرعية أو غير جارى على الأدلة الشرعية فهذا هو الرأى المذموم من غير إشكال كما كان مذموما فى القياس حسبما هو مذكور فى كتاب القياس لأنه تقول على الله بغير برهان فيرجع إلى الكذب على الله تعالى وفى هذا القسم جاء من التهديد بالقول بالرأى فى القرآن ما جاء ثم ختم هذا الجزء بقوله فصل فالذى يستفاد من هذا الموضع أشياء منها التحفظ من القول فى كتاب الله تعالى إلا على بينة فإن الناس فى العلم بالأدوات المحتاج إليها فى التفسير على ثلاث طبقات.

إحداها: من بلغ فى ذلك مبلغ الراسخين كالصحابة والتابعين ومن يليهم رضوان الله عليهم أجمعين وهؤلاء قالوا مع التوقى والتحفظ والهيبة والخوف من الهجوم فحن أولى بذلك منهم إن ظننا بأنفسنا أننا فى العلم والفهم مثلهم وهيهات وأف وتف وتبا وشقاء لمن يقول فى هذا العصر عندما يذكر سلفنا من الصحابة والتابعين هم رجال ونحن رجال نقول هيهات أن نصل إلى تلك الدرجة. والحالة الثانية: من علم من نفسه أنه لم يبلغ مبالغهم ولا داناهم فهذا طرف لا إشكال في تحريم ذلك عليه. والثالث: من شك فى بلوغه مبلغ أهل الاجتهاد أو ظن ذلك فى بعض علومه دون بعض فهذا أيضا داخل تحت حكم المنع من القول فيه لأن الأصل عدم العلم فعندما يبقى له شك أو تردد فى الدخول مدخل العلماء الراسخين فانسحاب الحكم الأول عليه باق بلا إشكال وكل أحد فقيه نفسه فى هذا المجال كما سأل بعض الإخوة الدرس الماضى ما هى الشروط التى ينبغى للإنسان والعدة التى تكون عنده ليفسر كلام الله وقلت الإنسان على نفسه بصيرة وربما تعدى بعض أصحاب هذه الطبقة طوره فحسن ظنه بنفسه ودخل فى الكلام فيه مع الراسخين ومن هنا افترقت الفرق وتباينت النحل وظهر فى تفسير القرآن الخلل. وصفوة الكلام إخوتى الكرام: لتفسير القرآن طريقان طريق مأثور منقول وطريق عن طريق تفسير القرآن بالرأى المبرور وهو مقبول فكل منهما يكمل الآخر ثم بعد ذلك إذا كانت عندك العدة وأهلية البحث والاجتهاد فتستنبط من الآيات ما يلوح لك من حكم وأحكام فلا حجر ولا حظر. قال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله فى القاعدة التى جمعها فى أصول التفسير يقول الطريق لتفسير القرآن طريقان. إما نقل مصدق أى يصدق تفسيره وتعول عليه وإما استدلال محقق تحقق به ما تقول

أما النقل فإما أن يكون عن المعصوم عليه صلوات الله وسلامه وإما أن يكون عن غيره فإن كان عن المعصوم أخذ بالصحيح الثابت عنه وطرح ما سواه وإن كان النقل عن غيره وهذا يلخص لنا ما تقدم معنا فى طرق التفسير وإن كان النقل عن غيره فإما أن يكون عن الصحابة فإذا ثبت التفسير عنهم فالنفس تميل إلى قبول ذلك وتسكن إليه وإما أن يكون عن التابعين فإذا نقل التفسير عنهم وثبت فالنفس تسكن لقبوله أقل من سكونها لتفسير الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وأما أخبار أهل الكتاب مما ليس فى أيدينا ما يشهد بصدقها أو كذبها فعامة ذلك لا فائدة منه فالأولى عدم الاشتغال به هذا النقل عن غير المعصوم والنقل الأول عن المعصوم عليه صلوات الله وسلامه وأما الاستدلال المحقق فالخطأ يقع فيه من جهتين أن يكون عند المفسر المستدل اعتقاد وعنده ميل إلى معنى من المعانى فيحمل القرآن على هذا المعنى فتارة يكذب ما دل القرآن عليه وتارة يحمل القرآن ما لا يدل عليه وهو فى الحالتين إما أن يقصد حقا أو باطلا فإن قصد باطلا أخطأ فى الدليل والمدلول كما تقدم معنا فى تفسير الشيعة ويوم يعض الظالم على يديه أبو بكر يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا عمر لقد أضلنى عن الذكر بعد إن جاءنى على أخطأوا فى الدليل والمدلول قصدوا باطلا واستدلوا بما لا دلالة فيه على هذا، وإما أن يخطأوا فى الدليل لا فى المدلول هم يريدون حقا لكن استدلوا بما لا يدل عليه اذهب إلى فرعون إنه طغى إلى نفسك.

قاتلوا الذين يلونكم من الكفار أنفسكم لا بد من جهاد النفس لكن الاستدلال بهذه الآيات خطأ فى الدليل، فإذا قصدوا باطلا أخطأوا فى الدليل والمدلول وإذا قصدوا حقا أخطأوا فى الدليل والمدلول صحيح لم يخطأوا فيه فنصوص الشرع تدل على ما ذكر لكن هذا النص لا يدل على ذلك فحملوه ما لا يحتمل وكما تقدم معنا فى تفسير قول الله {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} تقدم معنا مثل هذا فإذن إما أن يخطأوا فى الدليل والمدلول وإما أن يخطأوا فى الدليل لا فى المدلول إخوتى الكرام إذا علمنا ما تقدم عندنا تنبيه نختم به الكلام على هذه المقدمة ثم نشرع بعد ذلك فى تفسير سورة من كلام ربنا جل وعلا. إذا علمنا أن التفسير بالرأى بالصفات والاعتبارات والشروط المتقدمة متفق على جوازه فما ينبغى أن يحصل عندنا شىء من التوقف فيما نقل عن بعض العلماء من التفرقة بين التفسير والتأويل بأن التفسير ينصرف إلى حالة معينة والتأويل ينصرف إلى حالة معينة فذلك اصطلاح بهم يقول الإمام البغوى عليه رحمة الله وهو متوفى سنة ست عشرة وخمسمائة عليه رحمة الله وسليمان الجمل فى حاشيته على الجلالين توفى سنة ألف ومائتين وأربعة للهجرة وبينهما الإمام الزركشى فى البرهان متوفى سنة أربع وتسعين وسبعمائة يقول هؤلاء الأئمة: ? التفسير تعيين معنى اللفظ بواسطة قرآن أو سنة أو أثر أى من كلام منقول عن الصحابة والتابعين. ? وأما التأويل فهو ترجيح أحد المحتملات بلا قطع وقالوا التأويل صرف الآية إلى معنى محتمل يوافق ما قبلها وما بعدها ولا يخالف الكتاب والسنة عن طريق الاستنباط.

فما قالوه من التفرقة بين التفسير والتأويل هذا اصطلاح لهم إذا قلنا تفسير بالرأى هم يقولون لا لا يجوز أن نطلق عليه تفسيرا التفسير تعيين معنى اللفظ بواسطة سنة أو كتاب أو أثر وإذا فسرنا القرآن عن غير هذه الطريقة فنقول لهذا إنه تأويل نقول هذا اصطلاح لكم لكن صنيع جمهور العلماء أن التفسير والتأويل بمعنى واحد وهذا الذى مشى عليه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير عليه رحمة الله فى تفسير جامع بيان القرآن جامع البيان فى تفسير القرآن وهذا الذى نقله الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير فى الجزء الأول صفحة أربعة عن الجمهور فقال التفسير والتأويل بمعنى واحد وقال الشيخ محمد الطاهر عاشور فى كتابه التفسير والتحريف فى الجزء الأول صفحة إحدى عشرة اللغة والآثار تشهد أنهما بمعنى واحد لأن التأويل مصدر أوله يأوله تأويلا وهو أرجعه إلى معناه إلى الغاية التى يعود إليها إلى المعنى الحقيقى له، والتفسير من الفسر وهو الكشف والبيان وهذا هو بمعنى التأويل فكل تفسير تأويل وكل تأويل تفسير فالتاويل والتفسير بمعنى واحد وأما اصطلاح بعض العلماء على أن التفسير خاص بالرواية بتفسير القرآن بالقرآن أو السنة أو الأثر وأما التأويل فهذا خاص بالدراية عن طريق إعمال الرأى والاستنباط هذا اصطلاح لأولئك الأئمة والعلماء ولا مشاحة فى الاصطلاح كما يقول أئمتنا عليهم رحمات ربنا. إخوتى الكرام: بعد هذه المقدمة التى أخذت منا بعض الدروس فى بيان منزلة كلام الله جل وعلا وأثره فى بنى الناس وبيان الطرق المحكمة لتفسير كلام الله جل وعلا نعود لنشرع فى تفسير سورة من السور وقد استشرت عددا من الإخوة فى اختيار سورة نبدأ بها تكفينا لنهاية هذه السنة ثم إن أحيانا الله بعد ذلك لسنوات أخرى نأخذ سورة أخرى وأشار على عدد من الإخوة بعدد من السور كل واحد يشير إلى سورة إلى أن اخترت سورة من السور سبب اختيارى لها ثلاثة أمور.

أولها: علم الله ما قرأته فى الأسبوع الماضى فى الجزء الذى فيه ترجمة الإمام أحمد عليه رحمة الله فى سير أعلام النبلاء وهو الجزء الحادى عشر كنت أقرأ فى ترجمة إمام أهل السنة والجماعة وشيخهم بلا نزاع فلفت نظرى ترجمة بعض علماء هذه الأمة اطلق عليه بأنه لقمان هذه الأمة فقلت لعل فى ذلك إشارة إلى نبدأ بتفسير سورة لقمان وهذا العبد الصالح الذى قيل أنه لقمان هذه الأمة وهذا الأسم يفشو ويسمى به كثير من العجم فى هذه الأيام أما العرب فقد أهملوه ما رأيت عربيا يسمى ولده بلقمان ولا سمعت لما وقفت أما العجم فكانوا بكثرة كان عدد من الإخوة الطلاب من بلاد ساحل العاج فى كلية الشريعة فى أبها اسمه لقمان وهكذا من الصومال لقمان يسمون أنفسهم بهذا فالتسمية بهذا الإسم المبارك سبقونا إليه فهذا الإسم الذى مر معى فى سير أعلام النبلاء فى لقب عالم من علماء هذه الأمة نعت بلقمان وهو حاتم الأصم توفى سنة سبع وثلاثين ومائتين للهجرة وسمى بالأصم لا لصمم وثقل فى أذنيه تتلى عليه آياتنا ولى كأن لم يسمعها كأن فى وقرا فى سورة لقمان التى سنتدارسها {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا} أى ثقلا {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا} فالصمم ليس فى أذنيه خلقة لا إنما نعت بذلك لصفة جليلة فيه ولا غرو فى ذلك فهو لقمان هذه الأمة والحكمة وضع الشىء فى مواضعها جاءت امرأة تستفتيه عن بعض أمورها وهى جالسة عنده تستفتيه أحدثت وخرج صوت من تحت ثيابها وحقيقة الموقف فى غاية الإحراج امرأة أمام رجل تستفتيه فخرج منها هذا الأمر بغير قصد ولا شعور فقال ماذا تقولين قالت أسألك عن كذا قال ارفعى صوتك فلا أسمع فرفعت فقال لا أسمع حتى رفعت صوتها بحيث ارتجت الغرفة فعلمت أنه لم يشعر بها فما انكسر خاطرها هذا لقمان هذه الأمة وضع الشىء فى موضعه لقمان هذه الأمة حاتم الأصم لا لصمم فى أذنيه إنما هو أظهر

لها الصمم لئلا تحرج مما جرى منها بدون قصد رحم الله علماء سلفنا الأبرار. حاتم الأصم نعته الذهبى فى سير أعلام النبلاء لما رأيت هذه النعت هذا اللقب له لقمان هذه الأمة يقول هو الإمام الزاهد القدوة الربانى إذا كنا سنتدارس السورة التى تسمى باسم هذا الإنسان وباسم حكيم فى الزمن القديم وهو لقمان فلنعرف شيئا من حكمة لقمان هذه الأمة لنتتقل بعد ذلك إلى حكمة لقمان الأمم السابقة زاهد قدوة ربانى قال له الإمام أحمد سائلا مسترشدا وناهيك بذلك منقبة لحاتم الأصم كيف الخلاص من الناس وتوفى قبل الإمام أحمد بأربع سنين وأما الإمام أحمد عليه رحمة الله توفى سنة واحد وأربعين ومائتين وهذا قلنا سنة سبع وثلاثين ومائتين قال كيف الخلاص من الناس قال بثلاثة أمور ولا أراك تسلم منهم، تعطيهم مالك فلا تأخذ من مالهم شيئا أنت ساعدهم وأحسن إليهم وإياك أن تطلب الإحسان من أحد، تقضى حقوقهم ولا تستقضى من أحد منهم حقا لك الحقوق التى للناس اقضيها وقم بها على أتم ما يكون ولا تستقضى من أحد حقا ولا تطلب منه قضاء حاجة، تتحمل مكرهم وضرهم وأذاهم ولا تقابلهم بشىء من ذلك فإذا آذوك حملوك مكروها تتحمل فأما أنت فلا تقابلهم بشىء من ذلك ولا أراك تسلم إذا قمت هذا نحو الناس لا أراك تسلم. وحقيقة هذا من الحكم من الحكم التى أنطق الله بها هذا الإنسان فأعطهم ولا تأخذ واقض حقوقهم ولا تطلب منهم قضاء حقك آذوك لا تقابلهم بالمثل مع ذلك تسلم لا أراك تسلم، وكان يقول اصحب الناس كما تصحب النار انتفع منها واحذر ضررها وهكذا الناس. لاتشتغل بالعتب يوما للورى ... فيضيع وقتك والزمان قصير وعلام تعتبهم وأنت مصدق ... إن الأمور جرى بها المقدور هم لم يوفوا للإله بحق ... أتريد توفية وأنت حقير فاشهد حقوقهم عليك وقم بها ... واستوف منك لهم وأنت صبور

فالإمام أحمد عليه رحمة الله يسأل هذا العبد الصالح الذى لقب ونعت بلقمان عن كيفية الخلاص من الناس أرشده إلى هذه الأمور الثلاثة ثم قال له ولا أراك تسلم وقال له مرة رجل عظنى فقال إذا أردت أن تعصى الله فاعصه فى مكان لا يراك وهذا لا يمكن أن يكون وعليه احذر معصية الحى القيوم هذا المعنى الذى يشير إليه هذا العبد الصالح كما يقول شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان هو أعظم زاجر وأبلغ رادع نزل من السماء إلى الأرض ولا تقلب ورقة من ورقات المصحف إلا وترى هذا المعنى فيه لأن الله يعلم سرنا ونجوانا وهو معنا أينما كنا {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور} . هذا المعنى لا تخلو منه صفحة من صفحات القرآن إذا أردت ان تعصى الله فاعصه فى مكان لا يراك. وكان يقول هذا العبد الصالح إذا جلس إلى واحد منا صاحب خبر أى ينقل الأخبار نحترز يقول وخبرك وكلامك يعرض على الله أفلا تحترز قال الإمام الذهبى معلقا على هذا هكذا كانت إشارات القوم ونكتهم لا كما أحدث المتأخرون أى ممن ينتمون إلى التنسك والعبادة والزهد والتقشف من المحو ومن الفناء ومن ومن بحيث أداهم بعد ذلك إلى القول بالحلول أو اتحاد الخالق مع المخلوق.

أحدنا إذا جلس إليه صاحب ينقل الخبر يحترز فكلامك يعرض على الله جل وعلا أفلا تحترز إذا قيل لك هذا من المخابرات جلس إليك وسينقل الكلام ومعه شريط تسجيل فى تلك الجلسة لا أقول أنك تداهن لكن تحترز بعض الشىء تقول لا داعى أن أعطيه ممسكا على أرج هذا لجلسة أخرى فإذا أنت بين يدى الله ولا تخفى عليه منك خافية فاحترز يا عبد الله يا عبد الله احترز واتق ربك جل وعلا فهو معك أينما كنت لا تخفى عليه خافية من أمرك وكان يقول تعاهد نفسك عند ثلاث إذا عملت فاعلم أن الله يراك وإذا تكلمت فاعلم أن الله يسمعك وإذا سكت فاعلم أن الله جل وعلا يعلم ما فى قلبك فى حال عملك أو نطقك أو سكوتك راقب هذه الأمور. وكان يقول وهذا من الحكم التى تخرج من مشكاة اتباعه لنبوة نبينا عليه الصلاة والسلام العجلة من الشيطان إلا فى خمس إطعام الضيف {فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين} لا تقل العجلة ولا داعى لأن نقدم ضيافة بحيث يجلس عندك ساعة وينصرف وما شربوا ماء وإذا أراد الانصراف تقول نضيفك لا فراغ والروغان ذهاب بسرعة مع خفية بحيث لا يشعر الضيف إلا وقد حصل أمامه الضيافة مما قسم الله وقدر إطعام الضيف. والتوبة من الذنب وتجهيز الميت وتزويج البكر وقضاء الدين.

العجلة من الشيطان إلا فى خمس وهذا مأخوذ من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام، ثبت فى مستدرك الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى فى الجزء الأول صفحة ثلاث وستين عن سعد ابن أبى وقاص رضي الله عنه والحديث رواه أبو داود فى سننه رواه البيهقى فى شعب الإيمان عن سعد رضي الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال التؤدة من الله إلا فى عمل الآخرة التؤدة أى التأنى والتمهل التؤدة من الله إلا فى عمل الآخرة التؤدة تمهل وعدم العجلة التؤدة من الله إلا فى عمل الآخرة أى فى القربات فهذه سارع فيها كما قال الله {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وأما ماعدا ذلك {فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه} التؤدة من الله إلا فى عمل الآخرة. وورد فى سنن الترمذى وقال إنه غريب وما أرى إسناده بمتصل عن على رضي الله عنه ومعناه يشهد له حديث سعد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعلى [يا على ثلاثة لا تؤخر الصلاة إذا آنت أى حضرت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفئا] وعليه العجلة من الشيطان هذا فى غير طاعة الرحمن وأما فى طاعة الله فعجل وسارع {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} وهذا لفظ حديث أيضا قال عنه الترمذى غريب عن سهل ابن سعد [العجلة من الشيطان] وقلنا هذا فى غير طاعة الرحمن جل وعلا ففى طاعة الله سارع وعجل ما استطعت، هذا العبد الصالح نعت بلقمان هذه الأمة ولذلك هذا أحد أسباب ثلاثة دعتنى إلى البدء بتفسير سورة لقمان.

إخوتى الكرام: عندنا عبد صالح آخر فى هذه الأمة نعت بحكيم هذه الأمة لا بلفظ لقمان بلفظ الحكمة وقيل له إنه ممثل هذه الأمة حكيم هذه الأمة ممثل هذه الأمة نعته بذلك كعب الأحبار كما ثبت هذا فى الحلية وتاريخ دمشق لابن عساكر بسند صحيح والأثر منقول فى سير أعلام النبلاء ذاك العبد الثانى الصالح الذى نعت بحكيم هذه الأمة وبممثل هذه الأمة هو أبو مسلم الخولانى الذى توفى سنة اثنتين وستين وبعد معاوية رضي الله عنهم أجمعين بسنتين وقيل توفى قبل الستين أى قبل معاوية رضي الله عنهم أجمعين سنة اثنتين وستين للهجرة قال عنه الذهبى فى سير أعلام النبلاء سيد التابعين وزاهد العصر وشيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان فى الجزء الرابع صفحة خمسة عند تفسير قول الله {فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار} أطلق هذا اللقب على عون ابن عبد الله فرجعت إلى ترجمة عون ابن عبد الله فما رأيت أحدا نعته بهذا النعت إنما نعت حكيم هذه الأمة أطلق على أبى مسلم الخولانى ونعت لقمان أطلق على حاتم الأصم أبو مسلم الخولانى أسلم فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام فى اليمن ولم ير النبى عليه الصلاة والسلام وأخذه الأسود العنسى الذى ادعى النبوة وأحرقه بالنار وقبل أن يحرقه قال أتشهد أن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال نعم قال أتشهد أنى رسول الله قال لاأسمع فأوقد نارا عظيمة وألقاه فيها فجعلها الله عليه بردا وسلاما ثم قال له قومه إذا بقى هذا فى اليمن سيفتن عنك أصحابك فنفاه من اليمن فجاء إلى المدينة المنورة فى خلافة أبى بكر بعد موت النبى عليه الصلاة والسلام فعمر الذى هو سيد المحدثين فى هذه الأمة كما ثبت فى الصحيحين بشهادة نبينا عليه الصلاة والسلام قد كان فى الأمم قبلكم محدثون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن فى أمتى أحد منهم فعمر رآه عمر لما دخل المسجد ورأى فى وجهه أثر النور فجاء إليه وقال من أين الرجل قال من اليمن قال أتعرف عبد الله ابن ثوب وهو

اسم أبو مسلم الخولانى قال وماذا تريد منه قال أسألك عنه قال أنا هو فقام عمر رضي الله عنه وعانقه وأخذه إلى أبى بكر وأجلسه بينه وبين أبى بكر وبدئا يبكيان وقال عمر الحمد لله الذى لم يمتنى حتى أرانى فى هذه الأمة رجلا يشبه خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أى كيف ألقى فى النار وجعلها الله عليه بردا وسلاما. وهكذا هذا العبد الصالح حكيم هذه الأمة أبو مسلم الخولانى الذى توفى سنة اثنتين وستين على أبعد تقدير نعت أيضا بأنه حكيم هذه الأمة هذا الأمر الأول إخوتى الكرام الذى دعانى لاختيار تفسير سورة لقمان. أما الأمر الثانى: فهو فى الحقيقة ليس وليد هذه الأسبوع وليس قريب حديث إنما معانى تدور فى نفس الإنسان فى معنى الحكمة والحكمة ضيعت من زمن ولا أسفه ولا أحمق ولا أغبى من العصر الذى نعيش فيه وما أظن أنه مر على هذه الدنيا حواكم ركب الناس فيها رؤوسهم وهم يحسبون أنهم على خير كالحياة التى نعيش فيها بلاء وانحراف وشطط وكفر خيم فى أرجاء المعمورة ومع ذلك يراد منا أن نقول إننا فى صحوة ووعى والأمة كلمتها ظاهرة ودين الله جل وعلا قوى ويتحاكم إليه وقد نبذه الناس وراء ظهورهم وظهر الكفر البواح فى أرجاء المعمورة. الحكمة تتلخص فى أنها وضع الشىء فى موضعه فلا بد إذن من أن نتعرف على هذه السورة التى عالجت هذه الحكمة وبينت معناها لنرى واقعنا هل يسير على حكمة أو على سفاهة وعته؟ إخوتى الكرام: الحكمة كما قلت وضع الشىء فى موضعه وهذا العبد ينبغى أن يضع نفسه موضعها فهوعبد لرب فله إله جل وعلا خلقه وأوجده فينبغى أن تكون بين هذا العبد وبين ذلك الرب صلة قائمة على دينونة هذا العبد لربه جل وعلا، وهذا هو رأس الحكمة {ولقد آتينا لقمان الحكمة إن اشكر لله ومن يشكر فأنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غنى حميد} .

أعرض الناس عن دين الله فى هذا الوقت فالأخلاق ضاعت لضياع الدين لأن الأخلاق بلا دين لا يمكن أن تثبت ولا أن تحصل ولا أن توجد والأمة بلا أخلاق حياتها حياة غابة لا رباط بينهم وبين ربهم ولا صلة بينهم وبين بعضهم وهذا هو حالنا إذا وجد الدين فى الناس وجد عندهم خلق ووجد عندهم حياء من ربهم فرأس الحكمة مخافة الله ومخافة الله لا تحصل إلا إذا تدين الإنسان تدينا صحيحا فأفرد الله بالعبادة حسبما جاء به نبيه صلى الله عليه وسلم. إخوتى الكرام: حالنا مرير مرير وإذا كان الإمام أحمد عليه رحمة الله يقول فى القرن الثالث إذا رأيتم شيئا مستقيما فتعجبوا فما أعلم ماذا يقول لو أدرك حالنا إذا رأيتم شيئا مستقيما فى القرن الثالث فتعحبوا والله إن الأصل فينا الكذب والخيانة والاعوجاج وإظهار خلاف ما نبطن والاحتيال والنكر والخديعة ولا ينجو من هذا إلا من رحم ربك وقليل ما هم.

إذا رأيت شيئا مستقيما فتعجب قال مرة بعض الآباء لابنه إبغينى ايتنى بقثاءة مستقيمة القثاء معروف من فصيلة الخيار قثاء تؤكل والقثاء قل أن تحصل واحدة مستقيمة لابد من وجود التواء فيها وأحيانا تكون ملتوية كالدائرة تماما طرفاها يجتمعان والوسط فارغ فذهب الولد يبحث فى بستان القثاء حتى وجد واحدة فيها شىء من الاستواء ولا التواء فيها فقال لوالده هذه قثاءة مستقيمة قال يا ولدى هذه معوجة قال لا يوجد فى البستان من هى مستوية أكثر من هذه قال أنا آتيك بقثاءة مستوية مستقيمة فذهب وأتاه بقثاءة منحنية كالحية عندما تلف على نفسها قال هذه مستقيمة قال سبحان الله هذه فيها ميل يسير تقول منحرفة وهذه مدورة تقول مستقيمة قال يا ولدى الأصل فى القثاء الاعوجاج فالاعوجاج فيه مستقيم والمستقيم فيه معوج والأصل فى حالنا كذلك وتعارف القوم الذين عرفتهم بالمنكرات فعطل الإنكار أستغفر الله وتعارف القوم الذين عرفتهم بالمنكرات فأنكر الإنكار ليس عطل إذا أنكرت منكرا ينكر عليك إنكارك ليس التعطيل التعطيل لإنكار هذا ذهب من فترة إنما صار إنكار على المنكر ينكر المنكر فينكر عليه وتعارف القوم الذين عرفتهم بالمنكرات فأنكر الإنكار. إخوتى الكرام: زمن وضعت فيه الأمور فى غير مواضعها الرجال تخنثوا النساء ترجلوا امرأة تترجل رجل يتخنث أيها الرجل ابقى رجلا يقول لا لازم أغير خلقتى التى خلقنى الله عليها أتخنث فى حلق اللحية وجر الثوب يا أمة الله أنت أنثى حافظى على الأنوثة تقول لازم أترجل الحكمة وضع الشىء فى موضعه الرجل أمر بتقصير ثوبه وأزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه يجر تحت كعبيه. المرأة أمرت أن تجر ترفع فوق الركبة أمرت أن تسدل شعرها تستأصله أمر أن يعفى شعر لحيته يستأصله. الرجل يتخنث والمرأة تترجل هذه حكمة وضع الشىء فى غير موضعه.

الظلم والغصب كان معنا من أيام مبحث الغصب فى أبواب الفقه قلت لهم إخوتى الكرام ما أعلم بقعة على وجه الأرض سلمت من الغصب والغصب كان سابقا بحالة فردية لكنه صار الآن بحالة نظامية. المكث الضرائب لا يتحرك الإنسان إلا ويدفع ضريبة على جواز سفره على إقامته على تسجيل عقاره على تسجيل ولده على تسجيل نكاحه حتى لو أراد أن يقدم دعوة للمحكمة الشرعية لا بد أن يدفع عليها مكثا وضريبة باسم الرسوم. قد أفسدوا فى الأرض باسم ... صلاحها إذ بدلوا أحكامه بنظام وكنا نتدارس أحكام الموات وأنه يحق لأهل الذمة فضلا عن المسلمين ان يحيوا الموات فى مذهب الحنابلة ومذهب الإمام أبى حنيفة وهذا المعتمد من حيث الدليل [فمن أحيا أرضا ميتة فهى له] الأرض التى ليست مختصة بالعامر ولا يملكها معصوم للذمى يملك الحق أن يحيها دون إذن الإمام عند الجمهور هذا متى عندما كان الناس ينتمون إلى الإسلام ولا رابطة بينهم إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وأما الآن فلا يسمح للمسلم بدخول البلدة الإسلامية وإذا سمح فيحدد له الإقامة وإذا أراد أن يتملك تضرب رقبته فكيف سيحيى مواتا فى بلاد الإسلام. قلت كان بحث إحياء الموات موجودا عند الأمة الإسلامية عندما كان يوجد أحياء لكن الأمة ماتت ,ماتت فى الحكم لا فى الواقع ولو ماتت فى الواقع لكان أسلم لها وأخف عاقبة, لو أراد أجنبى أن يحيى مواتا فى بلاد الإسلام وهو مسلم لكن على تعريف تلك البلاد أجنبى متى كان المسلم أجنياعن بلاد الإسلام؟ والله يقول {إنما المؤمنون إخوة} ومن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذى له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله فى ذمته هذه حكمة.

كنت اسافر فأنزل فى صالة المطار المسلم الموحد يعذب بحيث هو آخر من يخرج من المطار إلى البلدة عندما يأتى إلى تلك البلدة وهو آخر من يخرج من المطار من ذلك المطار إلى الطائرة عندما يريد أن يسافر ثم أسرح نظرى إلى هؤلاء الكفرة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا صالات خاصة لا تفتش أمتعتهم معنا لئلا يجدون شيئا من نتنا هؤلاء لهم ميزة علينا صلات لا يفتح الوحد منهم شنطة وتؤخذ لهم التحيات وهؤلاء سادة البلاد وهم قدوة مثلى للناس وأما المسلم الذى على رأسه عمة وفى وجهه لحية هذا احترس منه وانظر إليه وراقبه بما استطعت من أسلحة هذه حكمة. أمة إسلامية تعامل المسلمين بهذه الحالة وأمام الكفرة تطأطأ رؤوسها هذه حكمة. فلابد من أن نقف عند الحكمة بعض الوقفات. إخوتى الكرام: مع هذه الحالة التى نحن فيها يأتى الكاتب الضال المضل خالد محمد خالد ليتكلم على الشباب الذين يطالبون بإعادة حكم الله فى أرض الله بين عباد الله فيقول يوجد إيه من خصال الجاهلية فى هذه الحياة ماذا يوجد من خصال الجاهلية الناس يخرون لله ركعا وسجدا وكونه يوجد سفور وزنا هذا وجد فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام ثم يقول هذا الضال المجرم الذى أثنى على لينين بكلام يندى له الجبين ولا يستطيع أن ينطق به مسلم يقول هذا فى جريدة الوفد يقول قد يعترضون بأن بعض الأحكام كالحدود وغيرها لا توجد فى القوانين فنقول لهم إن القوانين وإن أهملت بعض الأحكام فهى أيضا إسلامية كيف هذا والله قال كلاما لو قلنا لإبليس ترضاه لقال لا ولو عرضناه على الحمار الذى يقول الله عنه فى سورة لقمان {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} تقر هذا الكلام لرفع صوته وقال لا لا لا كيف هذه القوانين إسلامية قال لأنها تمشى مع روح الشريعة. ما هى روح الشريعة فى تعطيل الحدود وإباحة العهر والزنا والسفور والبنوك الربوية قال روح الشريعة المصلحة.

فالشريعة جاءت لرعاية مصالح العباد والقوانين الوضعية وإن ألغت نصوصا جزئية فقد أخذت بروح الشريعة فهى إسلامية فى حال إلغائها لكلام خير البرية عليه الصلاة والسلام كفر يستحى منه الشيطان ولا ينزل الحمار إلى هذا المستوى مع هذا الضلال يقال هذا الكلام ثم عندما نقول يا عباد الله الأمة وصل الأمر بها إلى هذا الأمر يقولون لا تتشائم الصحوة قائمة والأمة فى يقظة وفى وعى وفى وفى ... لهذا السبب الثانى أردت أن أبدأ بسورة لقمان لنضع أيدينا على الحكمة وهل نحن نسير على حكمة أو على سفاهة؟ أما السبب الثالث فهو فى الحقيقة جدير بالاعتبار جدا وهى أن هذه السورة مكية فلا بد من البحث فى طبيعة القرآن المكى وسأتكلم على طبيعة القرآن المكى وكيف كان النبى عليه الصلاة والسلام يقرر تلك الطبيعة ثلاث عشرة سنة فى قلوب العباد حتى آتت بعد ذلك هذه القلوب ثمارها فكانوا خير أمة أخرجت للناس نتكلم على الأمر الثالث وندخل فى تفسير السورة فى أول الدرس الآتى إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقدمة التفسير7

مقدمة التفسير (7) (دروس تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التفسير 7 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا صلى الله عليه وسلم * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] . أما بعد: معشر الإخوة الكرام.. انتهينا من دراسة المقدمة لتفسير كلام الله جل وعلا والمقدمة دارت على أمرين اثنين: ? على منزلة كلام الله جل وعلا وأثره فى قلوب العباد.

وعلى بيان الطرق الحكيمة فى تفسير الآيات القيمة الكريمة. وهذان الأمران أخذ معنا مدارستهما سبعة دروس متتالية ونبدأ الآن فى تفسير سورة لقمان التى وقع الاختيار على البدء بها وقلت إن الذى دعانى للكلام عليها دون غيرها ثلاثة أمور. أولها: ما كنت أشرت إليه سابقا فى الدرس الماضى وهو أمر قريب قريب أننى كنت أتصفح سير أعلام النبلاء فى الجزء الحادى عشر فى الجزء الذى فيه ترجمة إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد رحمه الله ونضر وجهه ونور قبره وقع نظرى على ترجمة عبد صالح وهو حاتم الأصم نعت بأنه لقمان هذه الأمة فقلت لعله فى ذلك إشارة إلى أن نبدأ بتفسير هذه السورة قبل غيرها وتقدم معنا شىء من الإشارة إلى أحوال هذا العبد الصالح الذى لقب بلقمان هذه الأمة المحمدية على نبينا صلوات الله وسلامه كما وجد لقمان فى الأمم الماضية هذه الأمة نعت عبد صالح بهذا التعت ووجدت فيه الحكمة كما وجد فى ذلك العبد الصالح وتقدم معنا أنه توفى سنة سبع وثلاثين ومائتين للهجرة عليه رحمة الله. قلت وقد نعت فى هذه الأمة عبد آخر صالح مبارك بأنه حكيم هذه الأمة وهو أبو مسلم الخولانى عبد الله ابن ثوب وتوفى سنة اثنتين وستين على المعتمد وقيل كانت وفاته قبل الستين قبل موت معاوية رضي الله عنهم أجمعين.

أما السبب الثانى: فقلت هذه السورة التى سميت باسم هذا العبد الصالح لقمان فتشير إلى حكمة هذا العبد الصالح ونحن فى وقت ينبغى أن ننتبه إلى الحكمة لنضع الأمور فى مواضعها وقلت لاأعلم عصرا جرى فيه الخلل والفساد والاضطراب وانقلبت فيه الموازين كالعصر الذى نعيشه فى هذا الحين رحمة الله على الإمام أحمد عندما يقول إذا رأيتم شيئا مستقيما فتعجبوا فكيف يكون حاله لو رأى زماننا أسأل الله العافية والسلامة وحسن الخاتمة وأن يثبتنا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين. وأما السبب الثالث: فهذا ما سنتدارسه فى هذا الدرس إن شاء الله السبب الثلث قلت إن سورة لقمان سورة مكية وحقيقة ينبغى على المفسر إذا أراد أن يبدأ بتفسير كلام الله جل وعلا أن يوجه أنظار المستمعين وأنظار من يتدارس معهم إلى طبيعة القرآن المكى لا سيما فى هذا العصر كيف كانت الأمة ضالة حائرة تائهة ضائعة فاهتدت بهذا القرآن بالقرآن المكى الذى نزل عليها فترة إقامة النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة رسولا ونبيا مدة ثلاث عشرة سنة فسورة لقمان سورة مكية وحالنا كما قلت يزيد على حال الجاهلية قبل بعثة خير البرية عليه صلوات الله وسلامه فى الفوضى والاضطراب فينبغى أن نبدأ بسورة مكية لعلها تعالج داءنا ويكون فيها دواؤنا سورة لقمان سورة مكية والقرآن ينقسم إلى قسمين إلى مكى ومدنى ولعلمائنا الكرام فى ضبط كل منهما ثلاثة أقوال. منهم من لاحظ [الإخوة الكرام الذين هم فى مؤخرة المسجد إن شاؤوا أن يحضروا معنا وإن شاؤوا فليتفرقوا عن أنفسهم ولا يشوشوا علينا] . لهم فى ملاحظة المكى فى ضبط المكى والمدنى ثلاثة أقوال إما على ملاحظة المكان أو الزمان أو المخاطب.

فقيل بناء على ملاحظة المخاطبين ما فيه يا أيها الذين آمنوا مدنى وما فيه يا أيها الناس يا بنى آدم مكى والسبب فى هذا أن أهل المدينة مجتمع إيمانى مسلم فخوطبوا بوصف الإيمان والإسلام وأما فى مكة فالأمة مشركة ضالة تائهة يخاطبهم [يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شىء عظيم] ، [يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا وريشا لباسا يوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير] ، [يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان] فيخاطب أهل مكة بما ليس فيه وصف الإيمان لأن أكثرهم ليسوا على صفة الإيمان. فقيل ما فيه يا أيها الذين آمنوا مدنى وما فيه يابنى آدم يا أيها الناس مكى، وهذا فى الحقيقة ليس بمسلم وهو ضابط غير سديد وهو مردود لأنه ليس بجامع وليس بمانع فعندنا سور ليس فيها يا أيها الذين آمنوا وليس فيها يا بنى آدم وليس فيها يا أيها الناس ففى أى الأقسام سندخلها فما جمع إذن جميع أنواع التعريف فى المعرف عندنا سور ليس فيها يا بنى آدم ولا يا أيها الذين آمنوا فإذن لا تدخل فى المكى ولا فى المدنى وعندنا سور فى كتاب الله جل وعلا فيها يا أيها الناس وهى مدنية بالإجماع كسورة النساء {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء} وعندنا سور فيها يا أيها الذين آمنوا وهى سور مكية فإذن هذا غير جامع لا يجمع جميع أنواع التعريف فى المعرف، وهو غير مانع لا يمنع من دخول المكى فى المدنى ولا المدنى فى المكى وعليه فهو ضابط غير معتبر.

وقيل فى تعريف المكى والمدنى ما نزل فى مكة وفى ضواحيها فهو مكى وما نزل فى المدينة وضواحيها فهو مدنى وهذا لاحظ المكان كما أن التعريف الأول لاحظ المخاطبين وهذا أيضا تعريف غير سديد لأن هذا وإن كان مانعا من دخول غير المعرف فى التعريف فما نزل فى مكة مكى وما نزل فى المدينة مدنى لكنه ليس بجامع هو مانع لا يدخل القسم المكى فى المدنى ولا المدنى فى المكى لكنه لا يجمع أيضا جميع سور القرآن فى هذا التعريف فعندنا سور فى القرآن نزلت لا فى مكة ولا فى المدينة نزلت فى أسفار النبى عليه الصلاة والسلام كسفرته إلى تبوك عليه صلوات الله وسلامه فإذن هذا فى أى القسمين ستدخل ستبقى إذن خارجة من القرآن المكى والمدنى فهو وإن كان مانعا من دخول غير المعرف فى التعريف لكنه ليس بجامع. ويشترط فى قبول التعريف أن يكون جامعا مانعا يجمع أنواع المعرف فى التعريف ويمنع من دخول غير هذا النوع فى هذا النوع. وعليه الاعتبار الثالث هو المعتمد فى تعريف القرآن المكى والمدنى فما نزل قبل هجرة النبى عليه الصلاة والسلام فهو مكى وما نزل بعد هجرته عليه صلوات الله وسلامه فهو مدنى وإن نزل فى مكة لأن الملاحظ فى هذا التعريف الزمان لا المكان ولا المخاطبين وهذا فى الحقيقة جامع مانع جمع جميع سور القرآن وقسمها إلى قسمين مكى ومدنى ومنع من دخول غير المعرف فى التعريف فالمكى مكى قبل الهجرة والمدنى مدنى بعد الهجرة فى أى مكان نزل وهذا التعريف كما قلت هو المعتمد بناء على ملاحظة الزمان.

السور المكية المتفق على أنها نزلت فى مكة اثنتان وثمانون سورة والمدنية المتفق على أنها نزلت فى المدينة أى بعد هجرة النبى عليه الصلاة والسلام على حسب الضابط الذى اعتمدنا عليه وعولنا عليه الذى نزل بعد الهجرة عشرون سورة باتفاق وقبل الهجرة اثنتان وثمانون بالاتفاق والمجموع مائة وسورتان بقى معنا اثنتا عشرة سورة اختلف فيها هل هى مكية أو مدنية؟ مكية أو مدنية اثنتان وثمانون مكية بالاتفاق عشرون مدنية بالاتفاق ثناتا عشرة سورة جرى الخلاف فيها هل هى مكية أو مدنية؟ وقد ثبت أن ابن عباس رضي الله عنهما كما فى طبقات ابن سعد سأل أبى ابن كعب عن السور المدنية فقال إنها سبع وعشرون سورة وعليه زاد على العشرين سبع سور من الذى اختلف فيه فيصبح إذن عدد المدنى سبع وعشرون وزد خمسة على الاثنتين والثمانين سبع وثمانون سبع وعشرون مدنى وسبع وثمانون مكى على هذا والعمدة فى كون هذه السورة مكية أو مدنية عند العلماء النقل لا العقل والرواية لا الرأى ولا دخل للاجتهاد فى هذا على الإطلاق والنقل يؤخذ من طريقين لا ثالث لهما إما من الصحابة وكلامهم فى هذا له حكم الرفع المتصل إلى النبى عليه الصلاة والسلام فهم الذين شهدوا وقائع التنزيل ونزول القرآن الجليل أو من أقوال التابعين فلكلامهم حكم الرفع لكن المرسل حكم الرفع المرسل لعدم الاتصال وتقدم معنا يؤخذ بقول التابعي فى التفسير إذا كان من أئمة التفسير أو إذا لم يكن من أئمة التفسير وتعزز بمرسل آخر كما تقدم معنا.

والسورة تسمى بأنها مكية أو مدنية بأحد اعتبارين عند أئمتنا من الصحابة والتابعين إما باعتبار الفاتحة وبداية السورة فإذا نزلت بدايتها فى مكة قلنا مكية وقد لا تكتمل وينزل آيات منها فى المدينة كما هو فى سورة لقمان كما سيأتينا منها ثلاث آيات نزلت فى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه إنما هذا باعتبار الفاتحة ,الفاتحة كما قلت نزلت فى مكة وكل سورة ابتدأت بحروف التهجى بالحروف المقطعة فهى مكية باستثناء الزهراوين البقرة وآل عمران. وفى الرعد خلاف أما ماعدا هذا من سور القرآن تسع وعشرون سورة افتتحت بالحروف المقطعة طه كهيعص طه المص جميع هذه السور التى افتتحت بالحروف المقطعة فهو مكية وسيأتينا لم وما وجه الحكمة من هذا وكون هذه السور نزلت فى مكة ولم ينزل منها بكثرة بهذا الأسلوب فى المدينة غير سورتين كما قلت البقرة وآل عمران سيأتينا وجه الحكمة فى هذا عند تفسير سورة لقمان إن شاء الرحمن. إذن إما باعتبار الفاتحة فالفاتحة نزلت فى مكة مكية نزل شىء من السورة فى مكة لكن فاتحتها وبدايتها تأخر نزولها فنزلت فى المدينة فيقال لها مدنية مع أن بداية نزولها آيات هذه السور نزل فى مكة لكن لم تنزل الفاتحة إنما الذى نزل شىء من وسطها وأما الفاتحة نزلت فى المدينة فقال النبى عليه الصلاة والسلام ضعوها فى أول سورة لقمان. إذن إما باعتبار الفاتحة وإما باعتبار كثرة الآيات فإذا كانت نزلت آياتها فى مكة أو فى المدينة فإما على حسب الفاتحة كما قلت وإما على حسب كثرة الآيات فيقال لها مكية أو مدنية.

إخوتى الكرام: ترتيب هذا القرآن بهذه الكيفية معجز بلا شك ومن تأمل حال ترتيب القرآن وجمعه وتأليفه يعلم إذا كان عنده أدنى شىء من عقل أن هذا القرآن كلام الرحمن وليس لمحمد عليه صلوات الله وسلامه فيه أى مدخل إلا البلاغ كيف هذا؟ نبينا عليه صلوات الله وسلامه أمى لا يقرأ ولا يكتب فكان ينزل عليه الوحى ويقول للكتبة من الصحابة ضعوا هذه الآية فى سورة كذا وكذا وضعوا هذه الآية فى سورة كذا وكذا ما نزلت السورة إذن متتابعة سورة البقرة أول ما هاجر نبينا عليه صلوات الله وسلامه إلى المدينة نزل شىء منها ما اكتملت إلا قبل وفاته بتسعة ليال عليه صلوات الله وسلامه إذن مدة عشر سنين ينزل آيات فى سورة البقرة وآخر شىء من القرآن آية فى سورة البقرة. كما ثبت فى تفسير ابن أبى حاتم عن قتادة رحمه الله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} آخر آية نزلت من القرآن وضعت فى سورة البقرة وسورة لبقرة من أوائل ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام فى المدينة إذن فى عشر سنوات آية توضع هنا على رأس مائتين وثمانين وآية على رأس ثمانين وآية على رأس خمسين ثم تنظر بعد ذلك فى ترتيب هذه السورة فتراه فى غاية الإحكام والإتقان كأنها صيغت فى هذا الوقت بهذه السورة.

هذا فى الحقيقة ليس من جهد بشر إنما هذا من كلام رب العالمين فهذا هو الإعجاز وترتيب الآيات فى سورها هذا توقيفى عن طريق ما أخبر به جبريل نبينا عليه الصلاة والسلام بالإجماع ولا خلاف بين العلماء فى هذا لكن اختلف فى تفسير السور فى القرآن هل هو توقيفى أو هو توفيقى باجتهاد الصحابة؟ ولا خلاف بين العلماء فى الحقيقة كما قال الإمام الزركشى فمن قال إنه توفيقى أشار أراد أن النبى عليه الصلاة والسلام رمز للصحابة وأشار إليهم بترتيب السور لكن لم يقل لهم اجعلوا الفاتحة فى البداية ثم البقرة ثم آل عمران ثم ثم لم يقل هذا لكن رمز لهم وأشار إليهم بهذا فهو توقيفى لكن ليس عن طريق القول عن طريق الأشارة والرمز. والقول الأول يقول توقيفى عن طريق القول فلا خلاف فى المآل بأن جميع سور القرآن ترتيبها توقيفى. وأما الآيات فى السورة فهذا توقيفى من قبل النبى عليه الصلاة والسلام عن جبريل عن ربنا الجليل سبحانه وتعالى بلا خلاف فإذن هذه السور ينزل بعضها فى مكة لا تكتمل إلا فى المدينة لا ترى فيها خللا ولا فجوة ولا فاصلا إنما هى متلاحق بعضها ببعض الآخر يمسك بما قبله كأنها حلقة متصلة ببعضها لا تعلم أين طرفاها. هذا كلام الله جل وعلا فهذا فى الحقيقة من أوجه إعجاز القرآن العظيمة ونبينا عليه الصلاة والسلام كما قلت أمى يقول اكتبوا هذه الآية فى مكان كذا فى السورة التى يذكر فيها البقرة على رأس ثمانين ومائتين ثم هم يكتبون هذا فينظرون بعد ذلك فى الترتيب فى غاية الإحكام والإتقان {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} فهذا الترتيب فى كلام الله جل وعلا معجزا من أنواع الإعجاز العظيمة. إذن سورة لقمان مكية نزلت على نبينا عليه صلوات الله وسلامه قبل الهجرة هذه السورة المكية كما قلت ينبغى أن نبدأ فى تفسيرها وفى مدارستها لنعرف طبيعة القرآن المكى ليكون ذلك الدواء علاجا للداء الذى نعيش فيه فى هذه الأيام.

إخوتى الكرام: القرآن المكى عنى بثلاثة أمور هى محور القرآن المكى وهذه الأمور حقيقة بها حصلت تربية القلوب وطهارتها على وجه التمام والكمال. الأمر الأول: الذى عنى به القرآن المكى ودار حديث القرآن المكى حوله ربط القلوب بعلام الغيوب سبحانه وتعالى ربط القلوب بعلام الغيوب هذه القلوب لا بد من بنائها لأنها إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله فلا بد إذن من بنائها وتطهيرها من آفاتها ورعوناتها. القرآن المكى بنى القلوب فى مكة وطهرها عن طريقين اثنين: الأمر الأول: تعريف هذه القلوب وتعريف هؤلاء الناس بخالقهم جل وعلا انظر لسورة لقمان التى معنا كيف يعرفهم ربنا جل وعلا به سبحانه وتعالى أشار فى هذه السورة وفى سائر السور المكية إلى أنه رب العالمين سبحانه وتعالى ومالكهم وسيدهم وخالقهم المتصرف فيهم وليس لأحد عداه شىء من ذلك يقول ربنا جل وعلا فى سورة لقمان {خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم * هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين} ، {خلق السماوات بغير عمد ترونها} هذا هو الخالق {وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم} الجبال لتستقر الأرض ولتثبت {وبث فيها من كل دابة} تدب وتمشى على ظهر الأرض {وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم*هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون فى ضلال مبين} . ويقول جل وعلا مقررا هذه الحقيقة {ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير * ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير} .

ويقول جل وعلا: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} إذن هو الخالق هو الرب هو المدبر لهذا المخلوق ولأمر هذا الكون فلا رب سواه سبحانه وتعالى يبنى القلوب هو يطهرها عن طريق لفت أنظار الناس إلى هذه القضية فهذه المخلوقات لها خالق وهو رب البرية سبحانه وتعالى هذا الرب الذى قرر ربنا جل وعلا فى هذه السور ربوبيته فى السور المكية أشار إلى أنه يتصف بكل كمال ويتنزه عن كل نقصان سبحانه وتعالى فهو الذى يعلم كل شىء فى هذا الكون كيف لا وهو ربه وخالقه سبحانه وتعالى وهو الغنى عما سواه ومالك لكل ما فى هذا الكون. يقول جل وعلا: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير} . ويقول جل وعلا: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} . ويقول جل وعلا فى آخر السورة: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} إذن هذه صفات ربنا الجليل سبحانه وتعالى يعلم كل شىء فى هذا الكون وإذا أيقنت بأنه ربك سبحانه وتعالى وخلقك ويعلم جميع تصرفاتك يبنى على هذا أمور فى المستقبل حصلت فى الجيل الأول فى الصحابة الكرام فى العصر المكى رضوان الله عليهم أجمعين. يخبرنا الله جل وعلا فى هذه السورة المكية بأن له ما فى السموات وما فى الأرض {لله ما فى السماوات وما فى الأرض إن الله هو الغنى الحميد} فله ما فى السماوات وما فى الأرض خلقا هو خلقهم وملكا وتدبيرا لا يخرجون عن قبضته ولا عن مشيئته طرفة عين.

إذن رب العالمين وخالق المخلوقات أجمعين يعلم كل شىء وهو الغنى عما سواه وله كل شىء سبحانه وتعالى إذا كان الأمر كذلك فينبغى أن نفرده بالعبادة وأن نشكره على نعمه التى أسداها إلينا وهذا ما أشار إليه ربنا جل وعلا فى سورة لقمان: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد} ، {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} . {أن اشكر لله} ورأس الشكر أن توحد الله جل وعلا وأن تفرده بالعبادة وأن تسير جميع شؤونك على حسب ما يريد ربك الذى خلقك سبحانه وتعالى {ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه} لا ينتفع بطاعتك ولا يتضرر بمعصيتك {ومن كفر فإن الله هو غنى حميد} وهكذا يقول ربنا جل وعلا: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} . فكما أحسنت إليك إحسانا لا تظير له فينبغى أن تشكرنى وأن تفردنى بالعبادة ينبغى أن تشكر أيضا من أحسن إليك بعد ذلك بتدبيرى وتقديرى ومشيئتى وهو الأبوان {أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير} فإذا تعارضت طاعة الله مع طاعة الأبوين. {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون} رب العالين خالقهم مالكهم يتصف بكل كمال يتنزه عن كل نقصان ينبغى أن يفرد بالعبادة فلا نلجأ إلى غيره سبحانه وتعالى. انتهى الأمر عند هذا الحد لاالقلوب لا زالت بحاجة إلى أمر رابع وهو أن هذا الرب جل وعلا الذى خلقنا وغنى عنا ومالكنا وأمرنا بعبادته وتسيير جميع شؤون حياتنا حسب شرعه سنأول إليه ليحاسبنا على أعمالنا {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} .

يقول الله جل وعلا فى أوائل هذه السورة: {تلك آيات الكتاب الحكيم * هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} فسيأولون إلى الله جل وعلا وليست المسألة تكليف وينتهى إلى ضياع وفوت وموت لا بعث بعده لا {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} . هذا سوء ظن برب العالمين إذا خلقنا من غير تكليف وإذا خلقنا وكلفنا ولم يبعثنا هذا سوء ظن بربنا فيسوء ظننا به ولا نقدره حق قدره إذا ظننا أننا خلقنا هملا وإننا لم نبعث بعد موتنا لنحاسب على أعمالنا {أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} يترك سدى هملا من غير تكليف يترك سدى يموت فيفوت ولا يبعث أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا للعبث والتلهى بلا تكليف بلا أمر ونهى أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا تكلفون ولا تبعثون ولا تحاسبون كل من الأمرين يستحيل فى حكمة الحى القيوم سبحانه وتعالى فلم نخلق عبثا إذن رب عظيم خلقنا ويملكنا يتصف بكل كمال يتنزه عن كل نقصان ينبغى أن نفرده بالعبادة سنؤول إليه سبحانه وتعالى فإذا رجعنا إليه المؤمن له ثواب والجاحد له عقاب يقول جل وعلا {أولئك على هدى من ربهم} هؤلاء الذين هم بالآخرة هم يوقنون مع ما قاموا به من الأعمال الصالحات وأولئك هم المفلحون فى هذه الحياة على صراط وبينة فالضلال انتفى عنهم وهم على صراط الله المستقيم وهم يفوزون فى الآخرة بجنة النعيم.

صنف آخر يقابل هذا ومن الناس من يشترى لهو الحديث عندما انحرف عن صراط الله المستقيم وأقبل على لهو الحديث الذميم العقيم ذل وتاه وضاع لعقوبة أولى فى الدنيا والثانية {ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} مع ضلاله وضياعه فى الدنيا له ما يهينه فى الآخرة والجزاء من جنس العمل فعندما أهان الحق أهانه الحق فى يوم القيامة {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم} . وهكذا آيات كثيرة فى هذه السورة عاد بعد ذلك إلى جزاء المؤمنين فقال {إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم *خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم} ثم جاء بعد ذلك إلى آخر السورة فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور *إن الله عنده علم الساعة} إلى آخر الآية. إذن هذا الأمر الأول من الأمرين فى بناء القلوب الإشارة إلى هذا الخالق سبحانه وتعالى وما يتصف به سبحانه وتعالى وجل شأنه رب العالمين خالق هذا الكون مالكه يتصرف فيه يتصف بكل كمال يتنزه عن كل نقصان ينبغى أن يفرد بالعبادة سنؤول إليه ليحاسبنا على أعمالنا هذا الركن الأول من الأمرين فى بناء القلوب.

أما الركن الثانى: فهو تعريف العباد بقدر نفوسهم كان القرآن المكى يضرب على هذا الوتر ويدور على هذا المحور باستمرار فى بيان وصف الرب جل وعلا وشأنه وفى بيان وصف هذا العبد وبيان حقيقته وما ينبغى أن يحصل من صلة بين الخالق والمخلوق وبين العبد والرب سبحانه وتعالى فأنت أيها الإنسان وما حولك وجميع ما فى هذا الكون مقصورون مقهورون مضطرون لما يريده الحى القيوم لا يملك واحد أن يخرج لنفسه خروجا عن هذا طرفة عين خرج إلى الدنيا من غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره وصار فى صورة شاءها الله على غير اختياره إذن عبوديتنا لربنا جل وعلا واقعة قصرا وجبرا.

والعباد فقراء لله جل وعلا {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} فإذا كانت العبودية الاضطرارية القصرية القهرية واقعة فانتقل منها أيها الذكى الذكى إلى العبودية الاختيارية فالثواب والمدح يحصل باتصاف الإنسان بعبوديته لربه عبودية اختيارية لا اضطرارية لأنه ليس فى العبودية الاضطرارية إلا الإشارة إلى أنه موجود والله يتصرف فيه كما يريد لكن العبودية الاختيارية التى تحصل بتذلل العبد لربه وحبه له من جميع قلبه هذه التى يرتبط بها الثواب وبتفريطها يحصل العقاب وبذلك يحصل المدح والذم يقول الله جل وعلا: {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} ينقاد له من فى السماوات ومن فى الأرض ذليل صاغر ثم قال جل وعلا: {وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} سبحان الله كثير من الناس دخل فى اللفظ الأول {ألم تر أن الله يسجد له من فى السماوات وما فى الأرض} وفى الأرض دخل الناس فهم يسجدون لله رغم أنوفهم وينقادون له حسب مشيئته شاءوا أم أبوا فلم قال بعد ذلك وكثيرمن الناس وكثير حق عليه العذاب فلا يسجدون السجود الأول اضطرارى قسرى قهرى لايخرج عنه أحد فهم منقادون بمشيئته خلق هذا ذكرا ليس باستطاعة أهل الأرض أن يقلبوه إلى أنثى وخلق تلك أنثى ليس باستطاعة أهل الأرض أن يجعلوه ذكرا {هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء} {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير} .

لكن فى وسع الإنسان وإمكانه ومشيئته أن يكون صالحا وأن يكون طالحا يكون تقيا وأن يكون شقيا أن يكون صادقا وأن يكون كاذبا أن يعفر جبهته لربه فى التراب وأن يتذلل له وأن يتمرد على الله جل وعلا وأن يعاديه هذا باستطاعته لكنه لا يخرج عن مشيئة الله الكونية فالسجود الثانى غير الأول {ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} . هؤلاء كلهم منقادون لقهره سبحانه وتعالى ومشيئته وإرادته {وكثير من الناس} يسجدون سجودا اختياريا فلهم الثواب وكثير من الناس يمتنعون من التذلل والحب لله فعليهم عقاب {وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم} . ففقر العباد واحتياجهم إلى ربهم جل وعلا هذا اضطرارى فى المخلوقات فالله أخص أوصافه أنه غنى أخص أوصافه الغنى قائم بنفسه سبحانه وتعالى حى قيوم قائم بشؤون غيره وأخص أوصاف العباد أنهم فقراء فلا بد إذن من الإشارة إلى هذه القضية فى القرآن المكى ليعرف الإنسان قدره وموقعه فى هذه الحياة ولذلك العلة فى احتياج هذا العالم من عرشه إلى فرشه إلى ربه جل وعلا العلة فى احتياج العالم إلى الله فقر من عدا الله وغنى الله العباد محتاجون إلى الله لأنهم فقراء والعباد محتاجون إلى الله لأنه غنى الغنى الحميد فأخص وصف فى المخلوق أنه فقير وأخص وصف فى الخالق جل وعلا أنه غنى عن العالمين.

ولذلك قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله فى طريق الهجرتين ومفتاح باب السعادتين ويقصد بالهجرتين هجرة إلى الله جل وعلا عن طريق عبادته وحده لا شريك له وهجرة إلى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام عن طريق متابعته دون اتباع إمام غيره عليه صلوات الله وسلامه بهاتين الهجرتين يحصل التوحيد الكامل الحق للمؤمن لعبادة الله وحده لا شريك له لا إله إلا الله حسبما شرع وبين وحسبما أحب وأراد محمد رسول الله عليه صلوات الله وسلامه يقول فى طريق الهجرتين فى أوائل كتابه فى صفحة خمسة وستة وما بعدها علة احتياج العالم إلى ربه أن العالم بأسره فقير وأن الله غنى وليست العلة فى احتياج العالم إلى الله الإمكان ولا الحدوث كما يقول الفلاسفة والمتكلمون فالمتكلمون علماء الكلام يقولون العلة فى احتياج العالم إلى ربه أنه حادث مخلوق والحادث لا بد له من محدث والمخلوق لا بد له من خالق والفلاسفة يقولون العلة فى احتياج العالم إلى الله جل وعلا أنه ممكن وجوده ممكن وعدمه ممكن ولا يرجح أحد الممكنين إلا إرادة مريد وقدرة قدير وهو الله جل وعلا يقول الإمام ابن القيم وهذا غلط الإمكان والحدوث علامتان على الفقر فهذا العالم مخلوق لأنه فقير لو كان غنيا لكان خالقا فإذن المخلوقية فيه علامة على فقره وليست المخلوقية فى العالم علامة على احتياج العالم إلى ربه وكون العالم ممكنا حدوثه وعدمه ويتصور وجوده وفناءه فالذى رجح أحد الأمرين هو إله عظيم هذا علامة على فقره لأنه لما كان فقيرا يتصور أن يوجد وأن لا يوجد وأما الله جل وعلا فلا يتصور زواله طرفة عين {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} ، {إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} فإذن فى هذه السورة وفى السور المكية بعد أن أشار ربنا جل وعلا إلى ما يتعلق به وما يتصف به أشار إلى حال العباد فهم فقراء وفقرهم على قسمين.

فقر قهرى اضطرارى: قسرى لا يخرجون عن مشيئته الكونية وإرادته القدرية فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} ، {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} . وهناك فقر اختيارى: طلبنا به بعد أن عرفنا فقرنا الاضطرارى وعرفنا ربنا فهو خلقنا ويتصرف فينا سبحانه وتعالى يتصف بكل كمال يتنزه عن كل نقصان ينبغى أن نعبده وحده لا شريك له وأن نحكم شرعه فى جميع شؤون حياتنا وسنصير إليه ليوفينا جزاء أعمالنا {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} ونحن مقصورون لما يريد ولما يشاء إذن ينبغى أن نطيعه اختيارا وطوعا لننال الأجر الذى أشار إليه ربنا جل وعلا وكثير من الناس يسجد لله طواعية واختيارا وانقيادا لعظمة الله جل وعلا وكبريائه وألوهيته وربوبيته وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب فيمتنع عن هذا وهذا ما يشير إليه ربنا جل وعلا فى هذه السورة فى سورة لقمان فبعد أن قرر ربنا جل وعلا ربوبيته وأنه خالق هذا الكون {خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم * هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين} ماذا خلقوا هم فقراء {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} ، {ما لهم شرك فى السماوات ولا فى الأرض} هم ما خلقوا شيئا فى هذا الكون لا يملكون لأنفسهم فضلا عن غيرهم نفعا ولا ضرا {هذا خلق الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون فى ضلال مبين} .

وهذا الأمر يسلم به حتى المشركون ولا يوجد من يجحد توحيد الربوبية إلا من باب المكابرة والمغالطة وأما أنه يجحد هذا من حقيقة نفسه فلا ثم لا {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} ، {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر} . وهنا يقول الله جل وعلا فى سورة لقمان: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} ، {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} فإذا كان هو الخالق والمتصرف والمدبر وانت ومن معك وجميع ما فى هذا الكون لم تخلقوا فيه ذرة فينبغى أن تضعوا الأمور فى نصابها أنت عبد تهتدى بهدى الرب سبحانه وتعالى أنت مخلوق تعبد هذا الخالق {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} . ويقول جل وعلا مقررا هذه الحقيقة: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور} {وإذا غشيهم موج} لجأوا إلى الله جل وعلا {دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور} . إذن هذا الأمر الأول: الذى دار حوله القرآن المكى بيان ما يتعلق بربنا الرحمن وبيان لحال الإنسان وما يحيط به فى هذا الكون فالله جل وعلا رب العالمين يتصف بكل كمال يتنزه عن كل نقصان يجب أن يعبد وحده لا شريك له سنؤول إليه وأنت أيها الإنسان مخلوق لهذا الخالق لا تستطيع أن تخرج عن إرادته الكونية فالتزم بأمره الشرعى وحذار حذار أن تخرج عن ذلك طرفة عين.

ولذلك القضية المقررة مما تقدم أنه إذا كان الأمر كذلك فلا أسعد ولا أحسن حالا ممن أفرد ربه بالعبادة وهذا ما أشارت إليه هذه السورة {هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} ولا أتعس ولا أشقى ولا أخبث ولا أنكد معيشة فى هذه الحياة وهلاكا بعد الممات ممن أعرض عن عبادة الله وانحرف عن شرع الله {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم} ثم بين مآل الصنف الأول {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم * خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم} . إذن هذا الأمر الأول الذى دار حوله القرآن المكى بناء القلوب لتتصل بعلام الغيوب عن طريق بيان الصلة بين الخالق والمخلوق سبحان ربنا جل وعلا. أما الأمر الثانى: الذى دار حوله القرآن المكى التحدث عن أمهات الفضائل التى يطالب بها العباد بوصفهم عبادا لله فى جميع العصور على مر الأيام والدهور وهذا الفضائل لا يدخلها النسخ كما يقول علماء الأصول فى كتب الأصول أمهات الفضائل لا يقع فيها نسخ بر الوالدين الإحسان إلى المحسن الأمر بالفضيلة والتحذير من الرذيلة هذه أمهات فضائل وأخلاق عالية يستوى فى معرفة حسنها جميع الناس بغض النظر عن كونهم مؤمنين أو كافرين بر الوالدين مطلوب؟ مطلوب فهما محسنان حض الناس على الفضيلة وتحذيرهم من الرذيلة مطلوب كل واحد يقول مطلوب ونعم الفاعل.

لذلك فالقرآن المكى كان يشير إلى هذه القضية ولذلك يقول ربنا جل وعلا فى سورة لقمان {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير} هذا من أمهات الأخلاق ومن الأخلاق العالية الفاضلة لا يتصور أن تنسخ شريعة من الشرائع هذا الحكم فهذا أمر به المسلمون والناس بوصفهم عبادا لله من عهد أبينا آدم إلى نبينا محمد على نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه. وهكذا يقول الله جل وعلا فى هذه السورة مخبرا عن وصية لقمان الحكيم لابنه الكريم يابنى أقم الصلاة ثم يقول وأمر بالمعروف هذه فضيلة هذه فضيلة ينبغى أن توجد فى جميع العصور وأمر بالمعروف وانه عن المنكر يحضه على خلق الصبر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ثم يحذره من الأخلاق الرذيلة الدنيئة ومن سفاسف الأمور {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور} كل عاقل بوصفه بشرا يقر بحسن هذه الوصية {واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} فهذا وجد فى القرآن المكى الإشارة إلى أمهات الأخلاق والفضائل. ولذلك ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما فى تفسير الطبرى أنه قال جمع الله أحكام التوراة من أولها إلى آخرها فى خمس عشرة آية من سورة الإسراء أولها قول الله جل وعلا {لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا *وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} .

ثم انتقل إلى بقية الآيات خمس عشرة آية جميع أحكام التوراة فى هذه الآيات جمعها الله فى القرآن المكى وسورة الأسراء مكية والتوراة امتازت بذكر الأحكام بخلاف الإنجيل فالإنجيل كان فيه المواعظ وترقيق القلوب وهى تكمل ما فى التوراة فنبى الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه يرجع إلى التوراة والمواعظ فى الإنجيل أحكام التوراة جمعها الله لهذه الأمة فى خمس عشرة آية من سورة الإسراء {لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا * وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} . ثم انتقل إلى بقية الخصال فى النهى عن قتل الأولاد وعن الزنا وعن التطفيف فى الكيل والميزان إلى غير ذلك من الخصال الحسان التى كما قلت لا يتصور فيها نسخ قتل النفس {ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق} فلا يتصور في هذا نسخ أمهات الفضائل والأخلاق ذكرت فى القرآن المكى. الأمر الثالث: الذى ذكر فى القرآن المكى وعنى به القرآن المكى بكثرة القصص والإشارة إلى أحوال الأمم السابقة لأن القصص فى الحقيقة هو يقرر الأمرين المتقدمين والثانى فرع عن الأول فإذا طهرت القلوب وأفردت علام الغيوب بالعبادة ينبغى بعد ذلك أن تأمر بكل فضيلة وأن تبتعد عن كل رذيلة لأجل تقرير هذين المعنيين ذكر الله القصص ما جرى للأمم السابقة للإشارة إلى أن تلك الأمم أمروا بعبادة الله كما أمرنا وبهذه الأخلاق الكريمة كما أمرنا فكانت النتيجة أن من أعرض عن شريعة الله شقى فى الدنيا وما له من العذاب بعد موته أكبر وأفظع القصص وهنا ذكر الله فى هذه السورة المكية شأنا من القصص فيما يتعلق بالعبد الصالح لقمان {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله} .

وفائدة القصص سيأتينا الكلام عليها إن شاء الله على وجه التفصيل بإسهاب عند قصة لقمان وأذكر الفوائد العشرة من مجىء القصة فى القرآن وأنواع القصة فى القرآن عند قصة العبد الصالح لقمان لكنى الان أشير إلى ثلاثة أمور تتعلق بموضوعنا فيما يتعلق بطبيعة القرآن المكى القصة أشارت إلى وحدة الأديان فالله جل وعلا أرسل رسله بدءا من نبى الله أبينا آدم وانتهاء وختاما بنبينا محمد على نبينا وعلى جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه بأمر واحد {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} وحدة الأديان هذه يستنبطها الإنسان من القصص وفى ذلك حكمة عظيمة وهى أن الثلة الطيبة فى مكة عندما تريد أن تؤمن ستكون معزولة غريبة عن أهل الأرض فالشرك خيم فى أرجاء المعمورة والظلام دامس والضلال منتشر الذى سيؤمن سيشعر بالغربة فالله جل وعلا سيسليه بذكر القصص فيقول له انتبه يا عبدى أنت ما تنتسب إلى شىء غريب أنت نسبك عريق عريق قديم قديم تنضم إلى قافلة عظيمة أول من ركبها أبوك آدم ثم أنبياء الله الذي جاءوا بعده والموحدون فأنت لست بمنقطع النسب وما أتيت بشىء محدث ولا مبتدع إنما هؤلاء الضالون هم الذين يسيرون فى بنيات الطريق وفى المتاهات والضلالات وأما أنت فعلى هدى وإذا كنت على هدى وتنتمى إلى نسب عريق شريف أصيل فلا يضيرك ولا يضرك بعد ذلك من عاداك ومن غمزك ومن آذاك ومن احتقر بك ومن استهزأ بك.

فالقصص فى العهد المكى بمثابة تثبيت قلوب المؤمنين على الحق ولذلك يقول الله جل وعلا لنبيه عليه الصلاة والسلام آمرا أن يقول {قل ما كنت بدعا من الرسل} ما أتيتكم بشىء مبتدع وليس مجيئى ببدعة وحادث ما سبق له نظير ولا مثيل هذا الكون منذ أن أسس أسس على توحيد الله جل وعلا وعبادته وحده لا شريك له {قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدرى ما يفعل بى ولا بكم إن أتبع ما يوحى إلى وما أنا إلا نذير مبين} ، {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} ، {إن الدين عند الله الإسلام} .

ولذلك إخوتى الكرام: يقول الله جل وعلا فى سورتى فى سورة الأنبياء وفى سورة المؤمنون: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} ذكر الله جل وعلا هذه الآية في هاتين السورتين إن هذه أمتكم ملتكم ملة واحدة الأمة هنا بمعنى الملة دينكم واحد وهو الإسلام الحنيفية عبادة الله وحده لا شريك له كل نبى كان يقول هذا لقومه اعبدوا الله ما لكم من إله غيره {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} ، {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} ذكر الله هذه الآية فى هاتين السورتين لإشارة بليغة تظهر لى وهى أن من آمن بالله جل وعلا فقد آمن من عبد الله وآمن به فقد آمن بجميع الرسل واتبع جميع الرسل وانعقد بينه وبين المؤمنين الأخيار أخوة فى الله جل وعلا من سبقه ومن سيأتى بعده ممن يلحقه {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} ومن انحرف عن هذا من كفر برسول من رسل الله الأنبياء فقد كفر بجميع الرسل من تبرأ من الأخوة الإيمانية فقد برأ منه المؤ منون وانفصل من هذه الرابطة الإسلامية فالإيمان برسول إيمان بجميع الرسل والكفر برسول كفر بجميع الرسل {كذبت قوم نوح المرسلين} كيف كذبوا رسل الله وهم ما أدركوا إلا نبيهم لأن ما أمر به نوح هو ما أمر به آدم وهو ما أمر به محمد على نبينا وعلى جميع الأنبياء صلوات الله وسلامه فتكذيب نوح يعنى تكذيب الأنبياء أجمعين عليهم صلوات الله وسلامه والإيمان بنوح يعنى الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه فمن آمن بنبى آمن بالأنبياء وانعقد بينه وبين المؤمنين ولاء وإخاء {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} ومن كفر بنبى كفر بالأنبياء وصار بينه وبين المؤمنين عداء وبغضاء فمن كفر بنبى ليس بمؤمن وليس بمتبع لنبى من الأنبياء ومن آمن بنبى آمن بالأنبياء وهو من عباد المؤمنين ذكر الله هذا فى هاتين السورتين المؤمنون

يؤمنون بالأنبياء جميعا وبينهم وبين المؤمنين ولاية من تقدمهم ومن يلحقهم هؤلاء أهل التوحيد ينتسبون إلى حزب الله المجيد ألا أن حزب الله هم المفلحون هم الغالبون ومن كفر بنبى من الأنبياء فقد ابتعد عن هذه الخصلة الحميدة وعنة هذه الصفة السديدة فهو كافر بالأنبياء وليس بنه وبين المؤمنين محبة وولاء. إذن القصة تشير إلى وحدة الأديان ولا بد إذن من ذكر هذا فى العهد المكى ليحصل هناك تقوية للقلوب التى ستكون غريبة فى ذلك الزمان فالمؤمن عندما يعلم أن الطريق الذى يسير فيه سار فيه أنبياء الله المطهرون وسار فيه المؤمنون المباركون يقول لى فيهم أسوة كون الناس ضلوا بعد ذلك ما له ولهم فإذن هذا تثبيت وتقوية لقلب المؤمن. الأمر الثانى: ليشير الله فى القصص المكى فى السور المكية إلى أن قضية الكفر والضلال والانحراف والضياع والتياه موجودة على مر العصور منذ أن وجد البشرية كان يوجد من ينحرف منهم ويضل فإذا وجد ضال فما ينبغى أن نتأثر به وما ينبغى أن يحزننا ذلك بحيث نتخاذل ونجبن أمامه لا {من كفر فعليه كفره} ، {فلا يحزنك كفرهم إلينا مرجعهم نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ} . فإذن لا يضيرنا ولا نتأثر بكفره ولا يعنى أننا نهادنه أو نصالحه أو نحبه أو نوده أو نطلب معونة ونصرة منه أو أو لا لا إنما إذا كفر وقمنا نحوه بما يجب فى العصر المكى فلا حرج علينا من كفره كل نفس بما كسبت رهينة فهذه القضية موجودة ولذلك ما ينبغى أن يتأثر المؤمن فى العصر المكى بكفر من حوله ولا يبالى بهم {يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون} ، {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون * فتول عنهم فما أنت بملوم * وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} ولذلك يقول الله {كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود * وعاد وفرعون وإخوان لوط * وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد} .

العبرة الثالثة والحكمة الثالثة: التى تتعلق بموضوع السور المكية من ذكر القصص فى السور المكية أن فى ذكر القصة فى القرآن المكى إشارة إلى حتمية تاريخية دينية وسنة اجتماعية مطردة تشبه اطراد سنن الله الكونية فى الآفاق وفى الأنفس لكن تلك سنن كما قلنا كونية هذا ذكر وتلك أنثى وليل يأتى يتبعه نهار شمس وقمر وهذا مطرد {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} القصة تشير إلى سنة من سنن الله الكونية كما أن تلك كما قلنا سنن اجتماعية كونية فى الآفاق والأنفس ما هى؟ هذه السنة الدينية هى أن الله سيؤيد الحق وينصر أهله وسيخذل الباطل ويمحق أهله هذا لا بد فالله عندما كان يذكر على المسلمين فى مكة أخبار المتقدمين إذن فى ذلك تبشير لهم أن دولتهم عما قريب ستقوم على أركان متينة لكن لابد من الصبر والمصابرة {ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} . يقول الله جل وعلا: {فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} . {لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا * سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا} . {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} . {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون} . فإذن ينبغى أن يعتبر هؤلاء بالقصص الذى ذكر فى مكة {لقد كان لسبأ فى مسكنهم آية} كيف عاقبهم الله جل وعلا عندما عتوا وبغوا واستكبروا وانحرفوا عن شرع الله.

قصة قوم عاد عندما عتوا {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون} {فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون} . ثمود {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون *ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} . القصص يشير إلى هذه السنة الدينية والحتمية الشرعية التى لا تتبدل أن الله سينصر الحق وأهله ويعز الموحدين وسيخذل الباطل وأهله وسيذل الكافرين {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين *إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} . فهذه الأمور الثلاثة هى محور القرآن المكى ربط القلوب بعلام الغيوب عن بيان ما يتصف به ربنا جل وعلا وما له من حق على عباده وبيان حقيقة الإنسان وما ينبغى أن يكون بينه وبين ربه من صلة عن طريق ذكر أمهات الفضائل.

الأمر الثالث: ذكر القصة فى القرآن المكى بكثرة لأمور كثيرة سأذكر كما قلت عشرة منها إن شاء الله عند ذكر قصة العبد الصالح لقمان والثلاثة منها الآن على وجه الإيجاز فيما يتعلق بالتمهيد للدخول فى تفسير هذه السورة إذن هذا هو محور القرآن المكى لهذه الأمور التى تقدمت غير الله الأفكار والمشاعر وأزال العقدة الكبرى عند بنى الإنسان وغير الطريقة التى تحصل بها تلك الأفكار والمشاعر أما الأفكار والمشاعر فقد غيرها الإسلام وجعل بهذا المنهج السديد الذى ذكر فى القرآن المكى أن فكر الإنسان وشعوره يدور حول الحلال والحرام حول رضوان الله وسخطه لا على منفعة عاجلة ولا على شهوة حاضرة يفكر ويبحث فى الأمر حلال أفعله يرضى الله أفعله حرام أبتعد وإن كان فيه من المصالح ما كان هذا متى بعد أن اتصلت الغيوب بعلام الغيوب عندما علم الإنسان أن الله ربه ورب كل شىء يتصف بكل كمال يتنزه عن كل نقصان أنت ينبغى أن تصرف شؤونك على حسب ما شرع ستؤول إليه ليحاسبك على فعلك. إذن الحلال والحرام هو الذى يحركنا فى هذه الحياة وهذا المقياس كفر به فى هذا الوقت إلا من رحم ربك هذا المقياس نحى من الأنظمة والقوانين من فترة فالمقياس عند الناس فى الأنظمة وفى المعاملات الفردية إلا من رحم ربك المنفعة أينما وجدت المصلحة أينما وجدت المنفعة يميل الإنسان وجدت مضرة يبتعد شهوة يميل إليها هناك بعد ذلك شىء يرضى الله لا يناسب شهوته يبتعد عنه هذا خلاف المسلمين فى العصر الأول يقول الحق وإن كان سيؤدى إلى قطع الرقبة ويلتزم بدين الله وإن كان سيترتب على هذا ما يترتب وأما الآن فهذا المقياس نحى فالقوانين بدأت على حسب الفكرة الغربية تدور حول الأمور النفعية الدنيوية وصلة المؤمنين بين بعصهم إلا من رحم ربك حول النفع تحصل منه نفعا مغنما إذن بينك وبينه ود لا تحصل هذا بينك وبينه افتراق.

هذا المقياس هدمه الإسلام فى العصر المكى عندما غير الفكرة والشعور ففكر الإنسان مرتبط بالحلال والحرام وبذلك ذاقوا حلاوة الإيمان [أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لايحبه إلا لله وأن يكره أن يعود فى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف فى النار] . ثبت فى صحيح البخارى عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت أول ما نزل من القرآن سورة من المفصل والمفصل على المعتمد يبتدأ من سورة ق إلى نهاية القرآن سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام دخلوا فى دين الله بعد أن طهرت القلوب وأخبروا بأنهم سيؤولون إلى الله والمحسن فى الجنة فى جنات النعيم وأولئك لهم عذاب مهين فبشره بعذاب أليم حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل من أول الأمر لا تزنوا لقالوا لا ندع أبدا ولو نزل من أول الأمر لا تشربوا الخمر لقالوا لا نترك الخمر أبدا أنزل على النبى عليه الصلاة والسلام وأنا جارية ألعب بل الساعة موعدهم فى سورة القمر {والساعة أدهى وأمر} . وما نزلت البقرة وآل عمران إلا وأنا عنده فى المدينة رضي الله عنها وصلوات الله وسلامه على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. فأول ما نزل سورة من المفصل أى من أول ما نزل وتعنى بها سورة المدثر وفيها يقول ربنا جل وعلا: {فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير} وهذه نزلت بعد صدر سورة العلق بعد خمس آيات من سورة العلق نزلت سورة المدثر وهى أول سورة اكتمل نزولها من القرآن وأول سورة كلف بها نبينا عليه الصلاة والسلام بالقيام بالرسالة والدعوة والتبليغ {يا أيها المدثر قم فأنذر} ثم يقول الله {فإذا نقر في الناقور * فذلك يومئذ يوم عسير* على الكافرين غير يسير} فلما طهرت القلوب وتعلقت بعلام الغيوب نزل بعد ذلك الحلال والحرام.

إذن الأفكار والمشاعر تغيرت كانت تدور حول شهوات حول ريالات حول لذائذ عاجلة صارت تدور بعد ذلك حول رضوان الله وتبتعد عن سخط الله وغضب الله يحركها الحلال والحرام حرام نبتعد عنه حلال نفعله وهذا مقياس وضابط سلوك الإنسان فى هذه الحياة حلال نفعله ففيه رضوان الله حرام نتركه ففيه سخط الله كون النفس تشتهيه أو لا تشتهيه تميل إليه أو لا تميل ليس هذا فى حسبان المؤمن على الإطلاق إذن غير الفكر والشعور أزال العقدة الكبرى المؤمن فى هذه الحياة يواجه أعظم مشكلة من أوجدنى لما وجدت إلى أى شىء سأصير ما الغاية من وجودى لابد من هذا هذه أعظم عقدة أعظم مشكلة تواجه الإنسان إذا أزالها بحل شرعى مقنع يقنع العقل ويطمئن القلب عاش الإنسان فى جنة عاجلة مع ما له من رضوان الله فى الدنيا ولآخرة وإلا فهو فى شقاء وبلاء. من أوجدنى تقدم معنا فى القرآن المكى أن الله جل وعلا أخبرنا أنه رب الإنسان ورب كل شىء {خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة} فهو ربك ورب كل شىء لما وجدت {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله} ، إلى أى شىء ستؤول إليه وستصير إليه؟ ستصير إلى ربك جل وعلا إما فى جنات النعيم وإما فى عذاب مهين. إذن هذه العقدة الكبرى أزيلت بأدلة فطرية لا تكلف فيها ولا مغالطة تدركها نساء البادية ويستوى فى فهمها من يحمل أعلى شهادة ومن كان أميا فى البادية يرعى الإبل قرر ربنا جل وعلا هذه الأدلة فجعل القلوب فى بهجة ونور. من أوجدك؟ الذى أوجد كل شىء. لما؟ لتقوم بوظيفة فى هذه الحياة {وما خلفت الجن والإنس إلا ليعبدون} ، {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} .

إلى أى شىء سيؤول إليه أمرك؟ إلى الله ليحاسبك على ما قدمت لذلك يستريح المؤمن، غير المؤمن عندما يبحث من الذى أوجدنى يقول وجدت فلتة وصدفة لو عرضنا هذا على العجماوات وعلى أحطها دركة على الحمار لرفع رأسه ونهق أعظم نهيق استنكارا لهذا وجدت فلتة وصدفة لا لابد لهذا المخلوق من خالق فأنت فقير كما تقدم معنا فقير فى وجودك فقير فى بقائك لا تملك لنفسك نفعا ولا ضرا وجدت بغير اختيارك ستزول بغير اختيارك فى صورة بغير اختيارك إذن هذا الفقر إذن لا بد من أن يستند إلى إله غنى بعد ذلك أوجدك ويدبر أمرك وهو الله رب العالمين سبحانه وتعالى. إذن هذه العقدة لا بد من أن تزال أزالها القرآن فى العهد المكى، انظر لانحطاط البشرية فى هذا العصر المتقدم المتطور الآسن الردى انظر يقول شاعر الإلحاد فى هذه الأيام: أتيت لا أدرى من أين أتيت ... ورأيت قدامى طريقا فمشيت من أين جئت لست أدرى ... ولما لست أدرى لست أدرى من الذى أوجده لا يدرى ولما لا يدرى لا يدرى. إذن بأى شىء ستسلى نفسك حقيقة والله الذى لا إله إلا هو لو لم يكن لهذا الكون إله سبحانه وتعالى إله خلقنا وكلفنا وسنؤول إليه والله الذى لاإله إلا هو لقتل العاقل نفسه واستراح من شناعة الدنيا ومن بلائها إذا لم يكن لهذا الكون إله ننعم بذكره فى هذه الحياة وسنؤول إليه لنتلذذ برضوانه والنظر إلى وجهه فى نعيم الجنات والله لاستعجل العاقل الموت فى هذه الحياة وكلما اكتمل عقله كلما سارع إلى نحر نفسه يعنى هى الحياة فقط كالبهيمة ما له إلا أن يعبأ ويفرغ يعبأ ويفرغ ثم بعد ذلك تنظر للحياة صعلوك لا يسوى حذاء باليا بدأ يعربد ويتمرد ويتنمرد ويقطع رقاب الصالحين المتقين ويعيث فى الأرض فسادا هذه حياة، كان بعض الصالحين يقول والله لولا يوم القيامة لكنت أطق أطق أى أنفجر أتمزق.

فإذن هذه العقدة الكبرى لا بد من إزالتها أزيلت فى العصر المكى يا عبد الله هذه دنيا متاع ما الدنيا فى الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه فى اليم فلينظر بما ترجع. فأنت كلفت هنا بغاية إذا قمت بها نلت سعادة الدارين سواء حصل لك بعد ذلك عز وتمكين فى هذه الحياة أو لم يحصل وكم من صحابى توفى فى العصر المكى ولم ير دولة الإسلام قائمة فى المدينة أجره وجب على الله وحصل السعادة فى ذلك العصر وما له من السعادة بعد موته أعظم. إذن لا بد من إزالة العقدة الكبرى فى هذه الحياة من أوجدك لما وجدت إلى أى شىء ستصير وإلى من ستؤول القرآن المكى أزال هذا بأدلة كما قلت تقنع القلب وتشرح الصدر وتطمئن القلب وكما أن القرآن المكى غير الأفكار والشعور وأزال العقدة الكبرى فقد غير الكيفية التى تحصل بها الأفكار والشعور. كنت أتمنى أن أنهى هذه المقدمة للقرآن المكى فى هذه المحاضرة وهذه الموعظة أقف عند هذا المقدار وأنتقل إن شاء الله إلى إكمال ...

مقدمة التفسير8

مقدمة التفسير (8) (دروس تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التفسير 8 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا صلى الله عليه وسلم * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] أما بعد: معشر الإخوة الكرام..

كنا نتدارس فى الدرس الماضى الأسباب التى دعتنا لاختيار تفيسر سورة لقمان قبل غيرها وقلت إن الذى دعانى لذلك ثلاثة أسباب كنا نتكلم على السبب الثالث أن هذه السورة مكية وإذا كانت مكية فينبغى أن نبحث فى طبيعة القرآن الكريم لأن حال الناس فى هذه الأيام يشبه حال الناس فى الجاهلية فبل بعثة خير البرية عليه صلوات الله وسلامه فالقرآن المكى نقلهم من السفاهة والضلالة إلى الهدى والرشاد فلعلنا نحذو حذوهم عندما نتعرف على طبيعة القرآن المكى وكيف ربى الله عباده فى العصر الأول. إخوتى الكرام: قلت أن القرآن المكى دار محور حديثه على ثلاثة أمور. الأمر الأول: ربط القلوب بعلام الغيوب عن طريقين اثنين عن طريق ما لله جل وعلا من صفات فهو رب العالمين له الأسماء الحسنى يتصف بكل كمال يتنزه عن كل نقصان ينبغى أن نفرده بالعبادة وحده لا شريك له فهذا حقه علينا سنؤول إليه بعد ذلك ليحاسبنا على أعمالنا {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} . وأما الجانب الثانى: فى بناء القلوب فكان الإشارة إلى حال هذا الإنسان فهو ضعيف فقير قسرا واضطرارا فينبغى أن يتذلل لربه جل وعلا طوعا واختيارا لهذين الأمرين تبنى القلوب ويحصل فيها الخشية من علام الغيوب. والأمر الثانى: الذى تحدث عنه القرآن المكى الإشارة إلى أمهات الفضائل ومكارم الأخلاق وقلت لا نسخ فيها بين الشرائع فهذه الأخلاق الفاضلة وصى بها الله النبيين ليبلغوها إلى أممهم على نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه ولا تختلف من شريعة إلى شريعة. والأمر الثالث: القصص والإشارة إلى أحوال الأمم الغابرة والقرون البائدة وذكرت العبر من ذلك.

إخوتى الكرام: بهذه الأمور الثلاثة من تربية القلوب وربطها بعلام الغيوب وبالأخلاق الفاضلة وبالإشارة إلى قصص الأمم البائدة وما فى ذلك من عبر حسبما تقدم معنا ووعدت بمزيد من التفصيل عند مدارسة قصة العبد الصالح لقمان عليه رضوان الله ورحمة الله عليه وعلى جميع المؤمنين والمؤمنات فى جميع العصور والدهور لهذه الأمور الثلاثة غير الله جل وعلا فكر الإنسان فى العصر المكى وغير طريقة التفكير عند الإنسان أما الفكر فقلت كان الإنسان يلهث وراء الشهوة والمنفعة العاجلة فجعله الإسلام بهذه القيم والموازين الثابتة يطلب رضوان الله جل وعلا فصار مقياس عمله والذى يحركه ويسكنه رضوان الله فيفعله سخط الله وغضبه فيتركه حلال يفعله حرام فيتركه إذن هذا صار مقياس عمل الإنسان فى العصر المكى عند المؤمنين بالله جل وعلا وهذا ينبغى أن يكون هو المقياس عند المؤمنين فى جميع العصور الدافع لأفعالنا ولحركاتنا وسكناتنا وحبنا وبغضنا رضوان الله جل وعلا وسخظه فما يرضيه نفعله وما يغضبه نتركه ولا نبحث بعد ذلك فى شىء آخر على الإطلاق. فالصحابة الكرام رضوان الله عليهم عكفوا على هذا وهذا صار وصفا لهم ولذلك عندما رسخ هذا الأمر فى ذهنهم وفى قلوبهم نزلت بعد ذلك آيات الأحكام والحلال والحرام فنهوا عن الزنا وعن شرب الخمر وعن الربا وعن وعن بعد أن تطهرت القلوب ولو نهوا عن هذه القاذورات من أول الأمر كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها لو قيل لهم فى أول الأمر لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو قيل لهم لا تزنوا لقالوا لا نترك الزنا أبدا أنزل على النبى عليه الصلاة والسلام وأن جارية ألعب بل السعة موعدهم والساعة أدهى وأمر من سورة القمر وما نزلت عليه البقرة والنساء إلا وأن عنده فى المدينة رضوان الله عليها وصلوات الله وسلامه على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين والحديث كما قلت فى صحيح البخارى.

فإذن لابد من غرس هذه الأمور فى قلوب الناس أن يكون الحلال والحرام رضوان الله وسخطه وغضبه مقياسا لأعمالهم ولأفعالهم فى هذه الحياة. قلنا والشريعة الإسلامية وما نزل من قرآن فى مكة عن طريق تلك الأمور أزال العقدة الكبرى عند الإنسان فأخبره بمن أوجده ولما وجد وإلى أى شىء سيصير ولذلك عندما وعى المسلمون هذه المعانى قلنا أقبلوا على كتاب الله جل وعلا وعلى شريعته المطهرة فكانوا يتلونه ويحفظونه ويفهمونه ويعملون بما فيه ويحترسون من خصال الجاهلية كما تقدم معنا فى أول درس عند أحوال الصحابة الكرام وأثر القرآن فيهم. إخوتى الكرام: فتغيرت أفكار الناس كانوا يبحثون عن دريهمات وعن متاع زائل فبدأوا يبحثون عن رضوان الله جل وعلا فطهر القلب فاستقامت بعد ذلك سائر الجوارح هذا التفكير كما تغير طريقة التفكير غيرها الله فى العصر المكى فالقرآن ما نزل جملة واحدة إنما نزل كما قلت شىء منه فى أول الأمر فيه ذكر الجنة والنار وربط القلوب بعلام الغيوب ثم بعد ذلك نزل الحلال والحرام طريقة التفكير تغيرت ليس من الحكمة أن تنزل آيات ومعلومات كثيرة ليطبقها الناس بعد عشر سنين لا فهذا ليس بكتاب ثقافة ولا ترف فكرى إنما هذه عقيدة وهذا منهاج حياة ينبغى أن يبنى هذا الدين فى الجماعة وينبغى أن تقوم الجماعة بهذا الدين ولذلك كان يأخذ الله جل وعلا بأيدى المؤمنين فى العصر المكى رويدا رويدا ليأسس الإيمان فى قلوبهم حتى إذا أمروا بأمر أو نهوا عن شىء بعد ذلك يستجيبون.

أما أن تنزل الأوامر والنواهى وليس فى الإمكان تطبيقها فى أول الأمر لا على أنفسهم ولا على مجتمعهم فهذا بعيد من الحكمة فطريقة التفكير أيضا تغيرت لا يلزمهم فى ذلك الوقت كان الوحى ينزل على نبينا صلى الله عليه وسلم به فيتدارسونه ويفهمونه ويعملون به هم عباد والله جل وعلا ربهم إذن ينبغى أن يطيعوه وأن يفردوه بالعبادة وأن يخلعوا عبادة ما دونه هذا ينبغى أن تأسس عليه القلوب فى العصر الأول فهذا الدين دين الأمة ليس بدين فردى إذن ينبغى أن يبنى الدين فى الجماعة وأن تقوم الجماعة على الدين وهذا الذى حصل فى العصر المكى. ثبت فى المستدرك فى الجزء الأول فى صفحة خمس وثلاثين بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى والإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء ذكر أن الحديث صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن بنيت القلوب على علام الغيوب وما نزل قرآن كثير ليعملوا به فى المستقبل وكانت السورة تنزل على النبى عليه الصلاة والسلام فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغى أن يوقف عندها كما تتعلمون أنتم القرآن نحن رسخ الإيمان فى قلوبنا فعندما تنزل السورة نتعلم ماذا يريد الله منا بهذه السورة فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغى أن يوقف عندها كما تتعلمون أنتم القرآن ولقد رأيت رجالا بعد أن لنتشر الإسلام وتوسع يؤتى أحدهم القرآن فيقرأه من فاتحته إلى خاتمته لا يدرى أمره ولازجره ولاما ينبغى أن يوقف عنده ينثره نثر الدقل أى ردىء التمر، فالله جل وعلا غير تفكير الناس فى مكة وغير طريقة التفكير. إخوتى الكرام: يقول كثير من عتاة هذا العصر فى هذا الوقت من شياطين الإنس ماذا عندكم فى دينكم من حلول لهذه البنوك وماذا عندكم من حلول لمشاكل الناس كأنهم آمنوا بالله جل وعلا ودانوا له بالعبودية وعبدوه حقا وما بقى عندهم فى الحياة إلا مشكلة البنوك لتزال وتحل أو المشاكل الإقتصادية.

إن مجاراة هؤلاء فى البحث فى هذه الأمور سفاهة خروج عن الطريق المستقيم أنت قبل أن تبحث فى الأمور الاقتصادية وفى مشاكل الإنسانية فى هذا الوقت هل أحكمت أصل الأصول لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وأنت عبد له ينبغى أن تفرده بالعبادة حسبما جاء عنده إذا كان هذا فى دينك وهو مسلم الحلول يسيرة وهى بين أيدينا لكن إذا ضيعت هذا وفرطت فى الواضحات الجليات ثم جئت لتلبس الأمر على المؤمنين والمؤمنات ماذا عندكم من حلول لتشغل المسلمين عن الأمر الحقيقى الذى ينبغى أن يصرفوا أذهانهم وجهدهم إليه وهو تعبيد الخلق لخلقهم وأن يكون الدين كله لله وحده لا شريك له المشاكل الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية كلها تزول عندما يعلم الإنسان أنه عبد لله جل وعلا وأن الله جل وعلا له عليه حق الطاعة والعبادة فى جميع شئون حياته لكن إذا كان الإنسان على ربه ظهيرا ويظاهر الشيطان فى العداوة ثم يريد أن يجرنا بعد ذلك إلى بنيات الطريق ماذا عندكم من حلول فى أمور الاقتصاد أو فى مسائل الاجتماع نحن أعلى من نخوض معك فى هذه الطرق المعوجة لا بد من إحكام أصل الأصول وهو أنك عبد لخالق إن كنت تقر بهذا وأن شريعته ينبغى أن تحكم فى شؤون الحياة فالحلول سهلة يسيرة موجودة هى فى متناول أيدينا لكن إذا كنت تضيع هذا فكل حل بعد ذلك لن تأخذ به ولن ترضاه. إذن كانوا يؤتون الإيمان قبل القرآن فإذا نزلت السورة تعلموا حلالها وحرامها كما يتعلم من بعدهم القرآن ثم ما الذى حصل؟ لما دخل فى الإسلام من لم يدرك العصر المكى صار يقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته لا يعرف أمره ولا زجره ولا ما ينبغى أن يوقف عنده ينثره نثر الدقل أى ردىء التمر.

وثبت فى سنن ابن ماجة بسند صحيح عن جندب ابن عبد الله رضي الله عنه قال كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاور [جمع حزور وهو الشباب الممتلىء شبابا وقوة ونشاطا] ونحن فتيان حزاور فتعلمنا الإيمان قبل القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا. ففى القرآن المكى فى أول الأمر نزلت الآيات لتربط القلوب بعلام الغيوب فإذا ربطت وينزل القرآن بعد ذلك افعلوا واتركوا واجتنبوا يتعلمون هذا فيزدادون إيمانا لكن الأصل إذا ضاع من القلوب وإذا ذكرت حكما للناس يؤلهون أنفسهم ويعترضون عليه بعقولهم فإذن ليس من الحكمة أن تذكر لهم الأحكام لا بد من أن يبحث معهم فى القضية الأولى وهى لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه صلوات الله وسلامه {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} .

إخوتى الكرام: العصر المكى قام على هذه المعانى الإنسان عبد خلقه الله ينبغى أن يسعى لإرضائه فى هذه الحياة لينال رضوانه بعد الممات هذه غايتنا ما أشرفها من غاية إذا لم تكن هذه الغاية غاية الإنسان والله إن الانتحار أهنأ له فى هذه الحياة من أن يعيش عيشة العجماوات ولذلك ثبت فى تفسير ابن جرير وطبقات الإمام ابن سعد عن كعب القرظى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما بايع الأنصار بيعة العقبة على أن يهاجر إلى المدينة المنورة وحضر العباس رضي الله عنه وكان لا زال على شركه مع نبينا عليه الصلاة والسلام ليستوثق لابن أخيه وتسلل الأنصار من مضاجعهم فى ثلث الليل وفى وسط الليل إلى المكان الذى وعدوا فيه النبى عليه الصلاة والسلام ثم تم الاتفاق بعد ذلك على أن يهاجر النبى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ليقيم دولة الإسلام فى طيبة وطابا فقال عبد الله ابن رواحة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترط لنفسك ولربك ماذا تريد من حقوق لك ولله لنلتزم بالوفاء بها قال اشترط لربى أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا واشترط لنفسى أن تمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم وأولادكم لا تخزلونى وأنا سأكون غريبا بينكم فإذا جئت إليكم تنصرونى ولا يصل الأعداء إلى وأما الله فله عليكم حق العبادة والطاعة لا إله إلا الله وحده لا شريك له فقال عبد الله ابن رواحة فما لنا إذا وفينا عبدنا الله وحده لا شريك له ونصرناك وما وصل إليك مكروه فما لنا قال الجنة والجنة ليست عاجلة ليست فى الدنيا هذه بعد الموت ما لكم على هذا إلا رضوان الله والجنة رحمته يرحم بها الله من يشاء الجنة فقالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل ربح البيع هذه غاية عظيمة {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو

الفوز العظيم} الجنة فقط وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام عندما يلقى الأذى من قومه يعرض نفسه على القبائل لينصروه فكان كثير من القبائل تعرض نفسها على النبى عليه الصلاة والسلام ويقولون ننصرك ونمكن لك وتقوم دولة الإسلام لكن بشرط واحد على أن يكون لنا الأمر من بعدك فيقول لا الأمر لله يضعه حيث يشاء فما لنا إذن آمنا بك ونصرناك وعرضنا أموالنا ودماءنا وأولادنا للبلاء والعناء ما لنا يقول الجنة ما لكم على هذا إلا رضوان الله جل وعلا أما أن يكون بيى وبينكم شرط على تحصيل مغنم دنيوى لا وهذا الطريق حقيقة شاق ومكلف لكن عاقبته هنيئة مريئة لأنه لا يدخل معك فى هذا الطريق إلا من كان صادقا يريد الله والدار الآخرة وأما إذا أعلنتها وطنية فسيتجمع حولك الوطنيون ثم سرعان ما يتفرقون وإذا أعلتنها قومية فسيجتمع إليك أهل العرق ثم سرعان ما يتفرقون إذا أعلنتها دعوة للإصلاح ولمطالبة حقوق المستضعفين والفقراء فسينضمون إليك لكن الدعوة بعد ذلك سيقضى عليها كما هو حال الدعوات الهدامة التى قامت قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام وبعد بعثته دعوات هدامة كثيرة كانت تقوم حول وطنية مزيفة وقومية منتنة وحول إصلاحية جزئية كلها تتلاشى ولا يبقى لها خبر والحق بعد ذلك ثابت ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون فهذا الطريق شاق لكن عاقبته هنيئة مريئة مثمرة نافعة الأمر لله يضعه حيث يشاء وما أظن أنه يخطر ببال أحد أنه سيلى أمر المؤمنين بعد نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام رجل من بنى تيم وبعده رجل من بنى عدى وبعده رجل من بنى شمس وبعده رجل من آل النبى عليه الصلاة والسلام على ما أظن هذا كان يخطر ببال أحد من المسلمين الأمر لله يضعه حيث يشاء.

إخوتى الكرام: فلابد ربط القلوب بعلام الغيوب فى سورة لقمان التى سنتدارسها أنزل الله فيها فى العصر المكى قبل أن ينزل تحريم الخمر والزنا أنزل تحريم الغناء سبحان الله الغناء حرم فى مكة قبل الخمر نعم لأن ضرر الغناء أعظم من ضرر الخمر فالغناء قرآن الشيطان إذا عشعش فى القلب وفسد هذا القلب فلن يدخله نور القرآن بعد ذلك ولا يجتمع قرآن الرحمن وقرآن الشيطان فى قلب أبدا القلب لا بد من أن يطهر من الساعة الأولى كما لو أردت أن تزرع أرضا لا بد من من تنقيتها من الشوك ومن الحجارة والبلاء ثم بعد ذلك تبذر فيها البذر ليؤتى ثماره وأكله. الغناء محرم فى العصر المكى والخمر متى حرمت حرمت بعد فتح مكة فى العام الثامن بعد بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام بواحدة وعشرين سنة بقى المسلمون يشربون الخمر ومحمد عليه صلوات الله وسلامه رسول الله واحدة وعشرين سنة بعد بعثته ثم نزل التحريم قبل وفاته بسنتين عليه صلوات الله وسلامه فلما نزل قول الله {فهل أنتم منتهون} قالوا انتهينا ولا تردد فى ذلك على الإطلاق القلوب طاهرة. فالغناء فى العصر المكى يحرم لأنه يفسد القلب وهو أعظم سوقا إلى الفواحش والمنكرات من الخمر أما الخمر فذاك داؤه عارض عندما يشرب يفقد عقله وإذا فقد عقله غاب عن وعيه فإذا رجع إلى صحوه صار بعد ذلك فى حال الكمال والرشد بخلاف الغناء متى ما عشعش فى القلب فسد القلب فصار الإنسان شيطانا مريدا. ورضى الله عن عمر ابن عبد العزيز عندما يقول لمؤدب أولاده ومعلمهم ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الغناء الذى بدايته من الشيطان ومآله إلى سخط الرحمن أول شىء تغرس فى قلوب النشء فى قلوب هذه الأولاد هؤلاء الأولاد عندما تعلمهم علمهم بغض الغناء والنفور منه بدايته من الشيطان ومآله سخط الرحمن.

وحقيقة إذا ألف القلب الغناء والموسيقى فقد ضرب الران عليه فلا يعى بعد ذلك كلام الله ولاينتفع به وعندما يقرؤه ينثره نثر الدقل كما هو حال المسلمين فى هذا الحين وصل الانحطاط والبلاء والضلال أن مادة الموسيقى تقرر على أولاد المسلمين فى السنة الأولى الابتدائية فما بعدها سبحان الله وقد أجمع الفقهاء عن بكرة أبيهم أنه لا يجوز استئجار المغنى ولا يجوز أن يعطى أجرة ليعلم النشء الغناء والموسيقى فهذا حرام وسيأتينا البحث فى أمر الغناء عند قول الله جل وعلا: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} إذا اشترى لهو الحديث وعكف على الغناء ماذا يكون حاله {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم} وهذا الآن هذا الحال ليس هو حال النضر ابن الحارث الذى كان يعكف على الغناء ويحضر المغنيات ليغنين لا هذا حال الدعاة الذين يستمعون الغناء فى هذه الأيام كم من رقيع يحسب على الأمة الإسلامية أنه من الدعاة وأنه من المصلحين المجددين يقول بكل وقاحة وبذاءة إنه يسمع الموسيقى لكن المويسقى الهادئة سبحان الله العظيم قرآن الشيطان وسخط الرحمن فيه هدوء الموسيقى الهادئة ماذا كان أثر السلوك فيه إن أردت أن ترى قول الله جل وعلا جليا واضحا فانظر إليه {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها} تراه يتلبث بخصلة من خصال الجاهلية هو من الدعاة الكبار تقول له يا عبد الله لما لا تعفى لحيتك دعنا من القشور دعنا من القشور الأمة الإسلامية فى مشاكل والرقاب تضرب وأنت لا زلت تبحث فى هذا {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم} .

حجب نسائك وبناتك العبرة بالقلب لا بالظاهر سبحان الله كأن قلوبكم أطهر من قلوب الصحابة حتى أبحتم لأنفسكم التحلل الظاهرى بحجة أن قلوبكم طاهرة هذا يقوله الداعى فليست خاصة فى النضر عموم لفظها يشمل كل من عرض عليه أمر من أمور الشرع فأعرض عنه بحجة أن قلبه طاهر، وذاك {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن فى أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم} . وماذا يرتجى من إنسان لا يعرف فى حياته إلا الغناء وقلة الحياء حقيقة لا يتوقع منه إلا هذه الأجوبة الفارغة والاعتراض على دين الله جل وعلا. إذن الغناء يحرم فى العصر المكى والخمر لا تحرم إلا قبل وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام بسنتين ثمانى سنين الصحابة يشربون الخمر فى المدينة وحمزة أسد الله وأسد رسوله عليه صلوات الله وسلامه ومعه كبار الصحابة يستشهدون فى أحد والخمر فى بطونهم ولا يضيرهم ذلك ولا يضرهم عند الله جل وعلا فكانت فى حكم الإباحة وما نزل تحريمها ولو شهدوا قول الله {فهل أنتم منتهون} لقالوا انتهينا أما أنه يوجد عكوف على غناء وبذاء بحيث تتربى القلوب على الخنا والفحش ويصبح فيها ظلما فلا ثم لا. إذن القرآن المكى كان يدور على هذا المحور هذا الخالق رب العالمين وهذا المخلوق هذا مخلوق ضعيف فقير وذاك إله قوى كريم جليل ينبغى لهذا الفقير أن يلتجأ إلى هذا الغنى وينبغى لهذا الضعيف أن يعبد ذلك القوى وأن يفرده بالعبادة وحده لا شريك له وأن يحكم شرعه فى جميع شؤون حياته. القرآن المكى كان كله يدور حول هذا فالعبد سيؤول إلى ربه بعد ذلك ليحاسبه على أعماله.

عباد الله القرآن المكى كله دار حول هذا إعلام الناس بحقيقة أنفسهم وإخبارهم بصفات ربهم جل وعلا ومن عرف نفسه عرف ربه ومن عرف ربه عرف نفسه وإذا التبس الأمر على الإنسان فجهل نفسه فهو لربه أجهل وإذا جهل ربه فهو جاهل أيضا فى أمر نفسه {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون} وهذه الجملة وهذه الحكمة من عرف نفسه عرف ربه ليست من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام إنما هى من الحكم المأثورة عن العلماء الصالحين وقد نص الإمام النووى فى فتاويه فى صفحة ثلاث وسبعين ومائة أن هذه اللفظة لا تعرف عن نبينا عليه الصلاة والسلام وهكذا الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى الجزء السادس عشر صفحة تسع وأربعين وثلاثمائة والإمام الزركشى فى الدرر المنثرة فى الأحاديث المشتهرة نعم هذا من كلام يحيى الرازى كما قال الإمام الزركشى وورد الأثر فى الحلية من كلام سهل ابن عبد الله التسترى وورد الكلام عنه فى الحلية فى الجزء العاشر صفحة مائتين ثمانية كان يقول من عرف نفسه لربه عرف ربه لنفسه من عرف نفسه لربه وأنه مخلوق لله عرف نفسه لربه أى أن الله ربه ورب كل شىء سبحانه وتعالى من عرف نفسه عرف ربه والإمام ابن القيم عليه رحمة الله فى كتابه مدارج السالكين فى الجزء الأول صفحة سبع وعشرين وأربعمائة بحث فى هذه الجملة بحثا طيبا بعد أن أخبر أنها ليست من كلام النبى عليه الصلاة والسلام وقال تروى أيضا فى الكتب السابقة أن الله يقول لابن آدم: اعرف نفسك تعرف ربك وبحث الإمام ابن القيم عليه رحمة الله فى معنى هذه الجملة وقال معناها صحيح وتحمل على ثلاثة أمور.

إما أن تكون من باب الضدية أو الأولوية أو من باب النفى فى مدارج السالكين فى المكان الذى أشرت إليه فى الجزء الأول صفحة سبع وعشرين وأربعمائة فإذا كان من باب الضدية ما تقدم معنا فأنت فقير يقابل هذه ويضاده غنى الرب الجليل {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} أنت جاهل والله عالم أنت عاجز ضعيف والله جل وعلا قوى قدير إذن بالضدية إذن صفات النقص يقابلها صفات الكمال فى الله جل وعلا من عرف نفسه بأنه فقير ضعيف عاجز سيموت عرف الله بضد ذلك. والمعنى الثانى: لهذه الجملة المباركة يقول معناها بالأولوية من عرف نفسه عرف ربه أى إذا كنت ترى أنك قابل لصفات الكمال وتتصف بالعلم والرحمة والحكمة والقدرة والغنى على حسب ما يناسبك وما يليق بك فالله أولى بالاتصاف بهذه الأمور منك على حسب ما يناسبه ويليق به سبحانه وتعالى فإذا كان العلم كمالا فيك فالله جل وعلا يتصف بهذه الصفة من باب أولى وله المثل الأعلى فى السماوات والأرض سبحانه وتعالى وإذا كان الغنى كمالا فيك فالغنى فى الله جل وعلا كمال ويتصف به من باب أولى وهكذا القوة من باب الأولوية ما ثبت لك من كمال فالخالق أولى به. والثالث: أن معنى هذه الجملة محمول على النفى من عرف نفسه عرف ربه أنت لا يمكن أن تعرف نفسك وما فيك من أسرار وعجائب لا يمكن أن تقف عليها والروح التى فيك أنت وأهل الأرض وجميع المخلوقات عاجزة عن إدراك كنهها وحقيقتها {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فإذا كنت عن معرفة نفسك وعن إدراك نفسك وعن إدراك الأسرار التى فيك عاجز فأنت أعجز وأعجز عن إدراك حقيقة الذات الإلهية وحقيقة صفات رب البرية {ليس كمثله شىء وهو السميع البصير} .

وقد ألف الإمام السيوطى عليه رحمة الله حول هذه الجملة كتابا سماه القول الأشبه فى بيان من عرف نفسه عرف ربه والرسالة مطبوعة فى ضمن الحاوى للفتاوى للإمام السيوطى فى الجزء الثانى صفحة ثمان وثلاثين ومائتين. إذن القرآن المكى كان يعرف الناس بحقيقة أنفسهم كما يخبرهم بما يتصف به ربهم جل وعلا وهذه الجملة من عرف نفسه عرف ربه لا تثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام لكن منقولة عن يحيى ابن معاذ الرازى وعن سهل ابن عبد الله التسترى سهل من أئمة هذه الأمة الصالحين توفى سنة ثلاث وثمانين ومائتين قال الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء فى ترجمته فى الجزء الثالث عشر صفغحة سبعين وثلاثمائة شيخ العارفين له كلمات نافعة ومواعظ حسنة ومن مواعظه وكلماته النافعة أنه كان يقول أمسى مات وغدا لم يولد واليوم فى النزع هذا حال الدنيا أمسى ما هو قبل اليوم وهو يوم السبت مات وغدا الإثنين لم يولد وهل تدركه أم لا العلم عند الله واليوم فى النزع يلفظ أنفاسه دقيقة بعد دقيقة وثانية بعد ثانية ليخرج هذا اليوم كما خرج أمسه أمسى مات وغدا لم يولد واليوم فى النزع ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التى أنت فيها.

ومن تواضعه وإجلاله لحديث النبى عليه الصلاة والسلام أنه ذهب إلى الإمام أبى داود صاحب السنن سنن أبى داود ذهب إليه وقال أريد أن تخرج لسانك الذى تحدث به عن البنى عليه الصلاة والسلام قال وعلام قال حتى أقبله فأخرج له أبو داود لسانه فقبله إجلالا لحديث النبى عليه الصلاة والسلام سهل ابن عبد الله التستترى كان يقول للمسلمين إذا استطعتم أن تلقوا الله بالمحابر أى بطلب الحديث فافعلوا هذه الأقلام لا تفارقوها حتى تلقوا الله وهى معكم لا تفارقوا هذه المحابر وكان يقول لا معين إلا الله ودليل إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه صلوات الله وسلامه ومن جميل حكمه كان يقول أمور البر يفعلها الصالح والطالح لكن المعاصى لا يتركها إلا صديقا أمور البر يفعلها الصالح والطالح لكن المعاصى والمخالفات لا يتركها إلا صديقا [وإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم] فالنهى ينبغى أن يترك يصلى الإنسان فى جماعة ثم يذهب إلى الغناء فماذا استفاد من صلاته إذا لم تنهاه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا، أمور البر يفعلها الصالح والطالح وأما المعاصى فلا يتركها إلا صديق. وكان يقول من سره أن ينظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء، ومن كلامه أول الحجاب الدعوى فإذا أخذوا فى الدعوى هلكوا أى أن يدعى الإنسان أنه وأنه وأنه وأنه أول الحجاب الدعوى فإذا أخذوا الدعوى هلكوا هذا العبد الصالح هو الذى يقول من عرف نفسه لربه عرف ربه لنفسه.

إخوتى الكرام: وحقيقة إذا علم الإنسان أن القرآن كلام الله وأن محمدا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه وأنه هو عبد الله فعليه إذن أن يعبد الله حسبما جاء عن رسوله عليه صلوات الله وسلامه لا يتصور من هذا الإنسان إذن خروج عن منهج الله وعن شريعة الله فلا يؤله عقله ولا يقلد ويتبع غيره ليفلسف الضلال ويجعله من شريعة ذى العزة والجلال لا ولا أقول إنه معصوم لن يقع فى معصية لا ثم لا لكن شتان شتان بين معصية تنقله إلى حظيرة الكفر عندما يؤله عقله ويجادل ربه أو يستحسن النظم الوضعية ويبررها بالحيل الشيطانية شتان شتان بين أن تغلبه نفسه فيقع فى نظرة محرمة أو فى شهوة محرمة فى بعض الأوقات شتان شتان ليس المؤمن بمعصوم لكن لا يمكن للمؤمن أن ينحرف عن منهج الله بحيث يفضل غير شريعة الإسلام على الإسلام أو يرى أن الإسلام لا يصلح لكل زمان ومكان لا كيف يصلح ويتأتى من المؤمن هذا إذا علم أن الله خالقه وخالق كل شىء وهذا كلامه وهو عبد الله وهذا المخلوق لا يصلحه إلا شريعة خالقه لكن إذا وقع فى هفوات وزلات هذا على حسب ما تقتضيه الجبلة الإنسانية والطبيعة البشرية فلا يخرج من دائرة الإيمان إيمانه يجذبه عندما يخرج عنه بمعصية غلبته فيها نفسه.

ثبت فى مسند الإمام أحمد بسند صحيح عن أبى سعيد الخدرى والحديث رواه أبو يعلى أيضا فى مسنده والحديث فى المسند كما قلت فى الجزء الثالث صفحة خمس وخمسين وثمان وثلاثين وقد نص الإمام الهيثمى على أن إسناد الحديث صحيح ورجاله ثقات عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس فى آخيته يجول ثم يرجع وهكذا المؤمن يسهو ثم يرجع فأطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس فى آخيته والآخية هى الحلقة التى تدق فى الجدار ويربط بها الفرس لئلا يشرد ولئلا يفلت ولئلا يهرب فالفرس ما دام مربوطا فى الآخية لا يستطيع الشرود ولا الهرب لكنه يجول هنا وهناك وهناك ثم بعد ذلك الآخية تجره إذا أراد أن يخرج عن الإطار المحدد له لا يستطيع الآخية تمسكه وهكذا المؤمن لا يخرج عن شريعة ربه بحيث يتعالى على الله ويستحسن غير شرع الله لا يتصور هذه من المؤمن قطعا ليس منع هذا أنه معصوم لا يجول أحيانا هنا وهناك لكن الإيمان يجره بعد ذلك كمثل الفرس فى آخيته يجول ثم يرجع وهكذا المؤمن يسهو ثم يرجع {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} .

طائف يطيف عليهم ولا يسكن فى قلوبهم يتذكرون فإذا هم مبصرون وهكذا المسلم يسهو ثم يرجع فأطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين هذا المعنى رسخ فى القلوب فى قلوب المؤمنين فى العصر المكى فما كان يتصور من مؤمن شهد العصر المكى أن يستقبح شيئا من شريعة الله ولا أن يستحسن شيئا من أعراف الناس وأوضاعهم وعاداتهم إذا لم ينزل بها إلى شرع ووحى ويقرها وما كان أحد يعرض دين الله على رأيه ولا على عرفه ولا على أوضاع الناس ليرى هل هذا يتفق أم لا فإن اتفق أخذنا به وإلا طرحناه هذا ما كان يخطر ببال [فلا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به] {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} وكان أحدهم إذا دعا إلى دعوة جاهلية أراد أن يخرج بها عن إطار الشريعة الإسلامية قالول له لفظل فى منتهى الخشونة ليقف عند حده كما تقدم معنا أن واحدا منهم كانت إذا نفسه خرجت إلى شىء من خصال الجاهلية كما حصل فى أبى ذر رضي الله عنه يطهر نفسه بمطهر شديد لئلا تفكر نفسه بالعودة إلى ذلك الفعل القبيح هذا أبو سفيان عندما عرض النبى عليه الصلاة والسلام الإسلام فى فتح مكة وأقر أبو سفيان أن اللات والعزى وهبل ما أغنت عنهم شيئا وأن الإله الحق هو الله الذى لا إله غيره قال له أما آن لك أن تؤمن قال كيف أفعل باللات والعزى ورثتها عن آبائى وأنا أعظمها ليس منها فائدة لكن كيف أفعل بها فقال له عمر اخرأ عليها لا زلت تنتظر اللات والعزى اخرأ عليها لا زلت تتحدث عن اللات والعزى.

ودعا مرة كما فى المسند بسند صحيح بعض الناس إلى شىء من خصال الجاهلية والافتخار بالأنساب والتفرقة بين المؤمنين الذين آخى الله بينهم فجعلهم إخوة متحابين {إنما المؤمنون إخوة} فدعا ذاك إلى قومية وهذا إلى وطنية كما هو الحال فى هذه الأيام فبعض الناس ذكر نسبه وأراد أن يفتخر فقال له أبى ابن كعب كما فى المسند اعضد أير أبيك لا زلت تتحدث بخصال الجاهلية المؤمن إذا وقع فى زلة يقع فى زلة لكن لا يصل به الأمر إلى أنه يخرج عن منهج الإسلام فيفرق بين المسلمين أو يستحسن غير شريعة رب العالمين شهوة غلبتك أحيانا فنظرت نظرة محرمة بشر تتوب إلى الله أما تأتى لتدعونا إلى خصال الجاهلية والتفاخر بالأحساب والأنساب قال عليه الصلاة والسلام من تعزى بعزاء الجاهلية هذا قاله أبى ابن كعب فى المسند فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا أى لا تكنى أى لا تقل كناية اللفظ الصريح كما قاله ابى ابن كعب اعضد كذا إلى كناية أنت تدعوا إلى جاهلية فى حال وجود الشريعة الإسلامية وطواغيت الأمة العربية ينبغى أن يقال لهم فى هذه الأيام اعضدوا أمتعة آبائكم الذين يدعون إلى وطنية ما أنزل الله بها من سلطان وفرقوا بين المؤمنين اعضد ولا تكنى. إذن لا يتصور لمسلم أن يخرج عن ذلك المنهج بحيث يعرضه على عقله أو يستحسن غير شرع ربه هذا لا يمكن أبدا لكن ماذا حصل بعد ذلك فى الناس الذين لم تربى قلوبهم تربية مكية لنرى أحوال الأمة الإسلامية فى هذا الوقت:

صنف: يدعوا إلى اتباع الغرب إلى اتباع الملحدين اتباعا أعمى ويقول الأمة لا يمكن أن تنهض ولا أن تتقدم إلا إذا اتبعناهم فحن عالة عليهم من هذا الجنس السافل الساقط الذين ينتسبون إلى الإسلام ويعدون من الأمة الإسلامية الخبيث طه حسين الذى هلك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وألف يعنى من قرابة عشرين سنة أوليس كذلك أو سبع عشرة سنة طه حسين ولو قلنا طه الشين لكان أولى هذا الخبيث يقول فى كتابه مستقبل الثقافة فى مصر ينبغى أن نأخذ بالحضارة الغربية بخيرها وشرها حلوها ومرها ما يحمد منها وما يذم وما يحب وما لا يحب، نحن تبع فقط ولا يمكن للأمة أن تتقدم إلا بهذا أن تكون تبعا لهؤلاء. صنف آخر: فى هذه الأمة شيخ أزهرى ذهب مع بعثة أرسلت إلى باريس ليعظهم وليوجههم وليربط قلوبهم بالله لئلا يذبوا فى الحضارة الغربية فذاب المربى قبل أن يذوب من سيربون ذاب المربى يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد رفاعة الطهطاوى توفى سنة ألف ومائتين وتسعين لما ذهب إلى هناك له عمة وجبة لعل كمها يسع إنسانا لو دخل فيها محافظة على زيه القديم فتن فى الحضارة الغربية ومراقصة النساء ثم جاء بعد ذلك لينقل تلك القاذورات إلى مصر ألف كتابا سماه الإبريز فى تلخيص باريس هذا ذهب خالص نلخص به المدنية الغربية هناك وألف كتابه المرشد الخائن الذى سماه المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين وقرر فى هذا الكتاب أنه لا بد من تبعية الغرب لنرتقى ولنتقدم وعليه فلا ينبغى أن نعد الخلطة بين الذكور والإناث حراما ولا المراقصة بين الطلاب والطالبات عشقا إنما هذا نوع من التقدم والتطور فى هذه الحياة ينبغى أن نسلكه.

شقى آخر القوصى فى كتابه أسس الصحة النفسية ودراسات سيكلوجية نشرها أن الأمة لا تنهض ولا تتقدم إلا إذا تبعت الغرب ثم قال لقد بدأ يفشو فى هذه الأيام وينتشر بين الناس فى مصر أن الأبوين عندما يدخلون الحمام يستحمون ويغتسلون يتركون باب الحمام مفتوحا يراهم أبنائهم يراهم الجيل لئلا يحصل عند الجيل كبت ولا عقد نفسية ولا تساؤل واستفسار عن أمور مغيبة وقال هذا ينبغى أن يشيع بين الناس وهى خطوة تدل على رقى ووعى لا يعيش الجيل فى تساؤل ماذا يوجد تحت الثياب الأبوان يغتسلان والأولاد ينظرون إليهما لا بد إذن من التبعية المطلقة. ووصل الأمر بمحمد إحسان المحامى أنه يقول مخاطبا لفرنسا لولاك ما عرف الإنسان قيمته لولاك ما أصبح الإنسان إنسانا. تقليد أعمى هذا لا يمكن أن يصدر من قلب ليس أقول فيه ذرة إيمان كان فيه فى يوم من الأيام ذرة إيمان والله لا شك فى كفر وردة وزندقة وإلحاد من باح وتلفظ بشىء من ذلك دين الله يطرح وهذا المخلوق لا يتقدم إلا إذا صار ذنبا لجورج بوشت فقط إذا صرنا أذنابا لهؤلاء نتقدم وإذا أخذنا بنظام خالقنا نتأخر ونشقى والأمة لا تتقدم إلا بالتبعية المطلقة إن التقليد من صفات القرود ليس من صفات بشر فلو كان لنا شأن لأنفنا أن نقلد أولئك فى هذه الرزيلة {ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك كتابا يتلى عليهم} سبحان الله عندما أدرك العرب ما فى القرآن وربوا تربية مكية تقدم معنا لبيد الذى هو أشعر الشعراء بعد أن أكرمه الله بالإسلام ما قال شيئا من الشعر فكيف يكون الهذيان مع كلام الرحمن إلا بيتا واحدا: الحمد لله إذا لم يأتنى أجلى ... حتى اكتسيت من الإسم سربالا

وهو أشعر شعراء العرب ونحن فى هذه العصر لا نتقدم إلا إذا تبعنا أولئك أنا أقول لهؤلاء الذين لعنهم الله ومسخ قلوبهم إن الأمة الإسلامية فى تبعية الآن وتقليد أعمى من سنين وشريعة الله نحيت فى مجال الحكم وفى نظام الحياة بين الناس فما الذى جناه الناس ما جنوا إلا الذل والعار ومال لهم عند الله من الدمار أعظم وأعظم لا يتقدم الناس إلا بهذا التقليد الأعمى هذا صنف. صنف آخر ظاهره أخف وطأة من هؤلاء لكن حقيقته أخبث وأشنع أتوا إلى مبادىء الكفر وإلى أنظمة الكفر فخلعوا عليها ثوب الإسلام أولئك استعلوا بعقولهم على ربهم وقالوا نظامك لا يصلح إنما نظام جورج ولينين وغيرهما من الملعونين هو الذى يصلح لهذه الحياة استعلوا بعقولهم على الله وكان الكافر على ربه ظهيرا أما هذا الصنف الذى ما ربى تربية مكية لا ما استعلى فى الظاهر بعقله على ربه لكنه أتى إلى تلك القاذورات وخلع عليها لباسا شرعيا فأدخل الكفر فى الإسلام وجعل الكفر ضلالا وقام بهذا أناس كثيرون فى هذه الأيام من جملتهم الباقورى الذى كان له شأن وولى وزارة الأوقاف فى فترة من الفترات همه أن يؤلف بين شرع الشيطان وشرع الرحمن على حساب شريعة الرحمن فالمراة تخرج للبحر تسبح بالملابس القصيرة إذن لا بد لها من فتوى بأن ما هى عليه يوافق الشرع المسألة سهلة وهذه الحالة الغربية المتهتكة بدلا من أن نقول الحالة متحضرة ولا داعى لأن نقول حرام وحلال دعونا من الإسلام لا نقول هذه الحالة من الإسلام يفتى كما فى مجلة الاعتصام بأن خروج النساء إلى البحر بهذه الحالة ليسبحن مع الرجال والنساء يجوز لهن فى هذه الحالة أن يقصرن وأن يجمعن ولا مانع أن تصلى بالمايوه على شاطىء البحر قصرا وجمعا الأفخاذ مكشوفة والصدر مكشوف والعورات المغلظة بادية ليته قال تصبح إمامة أيضا لتكتمل الصلاة الشيطانية هذه ليس صلاة رحمانية هذا حال شيخ يدعوا إلى هذا يأتى لقاذورات الكفرة فيخلع عليها ثوب الإسلام.

أيها الشيخ الذى أفضيت إلى ما قدمت هل المرأة التى ستذهب إلى شاطىء البحر وتسبح بالمايوه مع الهمج الخليط هل هذه الآن بحاجة لفتوى شيطانية هل ستصلى وتجمع وتقصر وهل هى الآن تعرف الصلاة والجمع والقصر ولما هذا التلاعب بدين الله وصل به الشطط أن الاختلاط بين الذكور والإناث بين الرجال والنساء بين الجيران بين الأصدقاء والصديقات كان نبينا عليه الصلاة والسلام يفعله وكان لا يذهب لوليمة إلا بعد أن يأخذ أمنا عائشة لأجل أن تصبح السهرات مختلطة ضلال لكن باسم الشرع وقد اجتمع مرة بذكور وإناث فى مكان يجتمعون فيه من أجل المحاضرات والدعايات فقام شيخ أزهرى شيطان وألقى خطبته على عادة الطراز الغربى سيداتى آنساتى سادتى ثم بعد ذلك قال لا أريد أحدا أن يستنكر على فعلى وأننى كيف بدأت بالنساء قبل الرجال لا هذا أسلوب شرعى والله أمرنا به فى كتابه أن نبدأ بالنساء قبل الرجال سبحان الله هذا أسلوب شرعى هذا مأخوذ من الحضارة الغربية الغوية عندما عبدوا المرأة من دون رب البرية.

سيداتى آنساتى سادتى هذا من كتاب الله قال نعم يقول الله فى سورة الشورى لله ملك السماوات والأرض هو يقول هذا مأخوذ من القرآن الدليل على هذا {يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} فقدم الإناث على الذكور أكمل الآية يا أعمى البصيرة {أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم خبير} ثم هذه الآية لفتت نظرك ومئات الآيات ما لفتت نظرك {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات} عشرين وصفا عشرة للذكوروالإناث يبدأ بالذكور ثم ختم الآية فقال أعد الله لهم ما قال لهن أيضا لهم فأدخل ضمير الإناث فى ضمير الذكور تبعا لا بالتغيير {أعد الله لهم مغفرة وأجرا كبيرا} ما لفت نظرك هذه الآية وغيرها من الآيات الكثيرة الله جل وعلا يقول فى كتابه {وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها} لم يقل تلبسها نساؤكم مع أن حلية البحر وهى اللؤلؤ لا يجوز أن يلبسها الرجال وهذا من زينة النساء. فالذى يلبسها النساء لما أضافها إلى الرجال تلبسونها هذا أسلوب قرآنى يعلمنا ربنا جل وعلا عفة اللسان عندما نتحدث عن أمر النساء فالمرأة كما أنها تخفى حليها عندما تلبسه فنحن لا نضيف لبس الحلى إليها إنما نضيفه لزوجها تلبسونها أضيف اللبس إلى الرجال مع أن الذى يلبسه النساء سترا لهن كما أمرت هى بستره عندما تلبسه نحن نسترها فلا نضيف هذا اللبس إليها. وهذا الرقيع فى هذه الاجتماعات الغوية سيداتى آنساتى سادتى كيف هذا الأسلوب الغربى الشيطانى يقول هذا مأخوذ من القرآن.

الذين أسسوا المدرسة العقلية فى هذا الوقت وأفسدوا دين الله عندما أفسدوا الأزهر وغيره الطاغوت الأول جمال الدين الأفغانى وربيبه الذى كان يستقى من لبنه الخبيث النجس محمد عبده لبن نجس يستقى منه هذا الإنسان وأسسوا المدرسة العقلية قوامها أن شريعة الله تعرض على عقول البشر لنؤلف بين العقل البشرى وبين شريعة الله فإذا كانت شريعة الله لا يقرها العقل ينبغى أن يضرب العقل هذه الشريعة حتى يطوعها لعقله سبحان الله الحياة تعرض على الشريعة لتصلحها الشريعة عكسنا الأمر نعم أحاديث نزول المسيح متواترة زادت على خمسين حديثا ووصلت إلى سبعين حديثا وقرر الله نزوله فى كتابه فقال: {وإن من أهل الكتاب ليؤمنن به قبل موته} وأخبر الله أنه ما قتله اليهود عندما قال: {بل رفعه الله إليه} هذا لا يتناسب مع عقل أصحاب المدرسة العقلية وعلى رأسهم المخرف محمد عبده.

إذن شريعة وعقل نضرب الشريعة لتدخل بعد ذلك تحت إطار العقل كيف يفعل؟ يقول أما الأحاديث فهى أحاديث آحاد لا يؤخذ بها فى الاعتقاد اضربها برجلك كما يضرب الصبيان الكرة بأقدامهم كيف ولو سلمنا بصحتها فالمراد من المسيح يقول هذا إشارة إلى النور والخير الذى حصل بالإسلام ومن بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام وليس مسيح وهو عيسى ابن مريم ينزل فى آخر الزمان والمسيح الدجال هذا رمز للخرافات والدجل كما أنه عند السافل الرقيع مصطفى محمود تقدم معنا المسيح الدجال رمز لأى شىء؟ للتكنولوجيا والاختراعات العصرية وهذا شيخ ثانى من أصحاب المدرسة العقلية كل واحد يلعب بدين الله كما يريد لأن الإله الأول هو العقل والحضارة الغربية فلا بد إذن من تطويع الإسلام لعقل الإنسان إذن المراد من الدجال هذا رمز للدجل والخرافات التى زالت بمجىء الإسلام طيب آيات القرآن ماذا تفعل بها بل رفعه الله إليه وأنه سينزل قال الأمر سهل سهل بل رفعه الله إليه هذا رفع مكانة لا رفع مكان أى رفع الله مكانة عيسى فجعله من المقربين عنده ولم يرفع بدنه إلى السماء عندما أراد اليهود قتله طيب وماذا فعل إذن بعيسى والله يقول وما قتلوه وما صلبوه يقول ما قتل لكنه خرج متنكرا إلى بلاد الهند ومات هناك وقبره معروف فى الهند أم أنه رفع إلى السماء وسينزل فى آخر الزمان هذا خرافة سبعون حديثا ووصلت لدرجة التواتر إذا لم تكن أحاديث المسيح متواترة فلا متواتر فى حديث نبينا عليه الصلاة والسلام آيات القرآن تلعب بها إلى هذا الحد إذا صح النص ما استطاع أن يرده يتلاعب فيه ويأوله وإذا أمكنه أن يرده ضربه برجله هذا دين هذا دين هذا أركان المدرسة العقلية.

من هذه المدرسة ومن مستنقعها الآسن يستقى محمد الغزالى الذى له شأن ويطنطن بأمره فى هذه الأيام هو من أتباع المدرسة العقلية ويستقون منها انظروا لهذا الإنسان إلى شىء من هوسه من جملة هوسه الكثير الوفير موضوع المرأة لو بحث هذا الإنسان فى المرأة على حسب نصوص الإسلام والله إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر إذا لك يقصد الهوى والضلال لكن البحث مشى على هذه الشاكلة أما فى كتابه من هنا نعلم فى صفحة مائة وواحد وستين عندما بحث فى طبيعة المرأة وأن الإسلام ما أباح أن تكون المرأة قاضية ولا وزيرة هذا هو مطابق الحكمة يقول ولذلك إذا أردنا أن نكلف الإسلام بأن يعين النساء قاضيات ووزيرات فهذا ظلم للطبيعة وافتيات على المصلحة ثم قرر هذين الأمرين. الأمر الأول: يقول المرأة لاتقبل شهادتها فى الحدود وهى على مثل شهادة الرجل فى غير ذلك فكيف يصلح قضاؤها فيما لا تقبل فيه شهادتها إذن لا يصلح أن تكون قاضية الأمر الثانى: الرجل قوام وله صفة القوامة على المرأة فى المجتمع الصغير وهو البيت فكيف تكون المرأة قوامة على الرجل فى القضاء وفى المحكمة. هذا بحث طيب وهذا حكم الله لا يجوز للمرأة أن تلى القضاء ولا أن تكون وزيرة ثم قرر هذا بكلام كثير لبعض المتطورات من جملتهن عزيزة عباس عصفور التى اشتغلت فى النيابة فترة وعلق على كلام وزير الداخلية عندما جعل عددا من النساء مسؤلات فى محاكم الاستئناف نائبات علق على هذا بكلام العصريين وأن ما جاء به الإسلام حسن لأن العصريين والعصريات يقولون هذا ينافى طبيعى المرأة.

إذن حسن لأن العصريين والعصريات يقرونه طيب عرف سيتغير ضغط الواقع بعد ذلك يقول المرأة ينبغى أن تزاول القضاء إذن نحك بعد ذلك هذه النصوص وننحتها ونضربها لتخضع لطوعنا ولتلاعبنا يقول فى كتابه سر تأخر العرب والمسلمين أنا أجيبك عن السر يا أخى الكريم سر تأخر العرب والمسلمين أمران وهما إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء هذا هو تأخر العرب والمسلمين علماء مهوسون يريدون أن يخضعوا شرع الحى القيوم لعقلهم المجنون هذا سر تأخر العرب والمسلمين حكام يبيعون دين الله بأقل من ثمن العنز ويستنجدون بمن غضب الله عليه ولا يلجأون إلى الله القوى العزيز الذى إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون نحوا شريعة الله من الحياة وأتوا بقوانين مستوردة من هنا وهناك سبب تأخرنا هذين الأمرين وسبب فساد الحكام فساد العلماء فو صلحنا لصلحت الحياة لكن لما وجد فى الأمة أمثال هؤلاء من أصحاب المدرسة العقلية وغيرهم حصل فى هذه الحياة ما حصل هذا هو تأخرنا. يقول فى هذا الكتاب يجوز للمرأة أن تلى أى منصب من قضاء وغيره ما عدا الخلافة تصبح قاضية ووزيرة نائبة وكل شىء لكن لا تكون خليفة فقط أى رئيسة دولة طيب أين ما ذكرته فى الكتاب السابق من هنا نعلم بأنه لا يجوز أن تكون قاضية وقررت هذا بأمرين وبكلام عصرية عزيزة عباس عصفور.

جاء بعد ذلك إلى مرحلة أخرى فى كتابه السنة النبوية بين المحدثين والفقهاء صفحة سبع وخمسين فقال يجوز أن يتولى السلطة أكفأ واحد فى الأمة رئاسة الدولة ذكر أو أنثى وليس فى الشريعة ما يمنع أن يكون خليفة المسلمين امرأة لا حرج فى ذلك على الإطلاق فما جاء لحديث النبى عليه الصلاة والسلام [لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة] وهو فى صحيح البخارى ضربه بالرجل الآن ما أيسره وما أسهله ما دام الإله هو العقل وتطويع الدين للحضارة الغربية فماذا ستقول فى هذا الحديث قال هذا له معنى عندى ما سبقه إلى هذا المعنى إنس ولا جان ما هو معنى الحديث عندك؟ قال هذا سيق فى مناسبة خاصة وهى أن عروش كسرى عندما كانت تتهاوى وتسقط وبلاد كسرى تفتح والفتح الإسلامى يدخلها ونور الله يشع فيها ولى أسرة كسرى بنت كسرى عليهم حاكما فبلغ هذا للنبى عليه الصلاة والسلام كيف قال لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة أهذا فى مناسبة خاصة وأن هذا لا يغنى عنهم والفتح الإسلامى سيزيل هذه الحواجز وهذه المرأة لا يستطيع أن تقف أمام قوة الإسلام أما لو كان بدل ابنة كسرى جولد مائير أو تاتشر كما يقول هو أو أنديرا غاندى عليهن لعنة الله أو فكتوريا أو ما شاكل هذا لما قال النبى عليه الصلاة والسلام هذا لو كانت جولد مائير بدل ابنة كسرى خليفة لما قال لا يفلح قوما ولوا أمرهم امرأة لما كل هذا الانهزام يقول لنصون ديننا أمام الحضارة الغربية ولا نقول إن الإسلام امتهن المرأة وأى امتهان للمرأة عندما جعل ربنا جل وعلا لكل من الذكر والأنثى وظيفة {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} لا تسعد المرأة إلا بوظيفتها ولا يسعد الرجل إلا بوظيفته هذا صنف. إخوتى الكرام: هؤلاء صنف أتوا إلى الجاهلية فألبسوها لباس الإسلام حالهم كحال إنسان أتى بعدو للمسلمين فألبسه لباس المسلمين جعل له عمة ولحية هو عدو لكنه جعله فى الظاهر مسلما.

هذه الأمور ينبغى أن نحذرها لأن خطر هذه فى هذه الأيام أكثر من تلك وأخطر تلك قد ينبذها من عنده ذرة إيمان يقول نحن نتبع الغرب ونتخلى عن ديننا هذا ردة سافرة مكشوفة لا نقبل بها أما هنا قال دين عصرى على حسب تعبير الضال صاحب كتاب خالد محمد خالد رجال حول الرسول عليه الصلاة والسلام نريد دينا عصريا يوافق روح العصر روح العصر أو روح الحضارة الغربية نريد دينا يوافق روح الحضارة الغربية نلغى أحكام الشريعة ونقول نحن على الإسلام كيف نقول لأننا نحقق المصلحة والدين الغرض منه تحقيق المصلحة فإذا ألغينا الشريعة الإسلامية لنحقق المصلحة نحن مسلمون هذا يسهل على النفوس أن تقبله إذا لم تكن طاهرة أما الدعوة الأولى فلا يمكن أن تقبل بحال من الأحوال ردة مكشوفة لا بد إخوتى الكرام من نعى الأمر تماما الوعى أنت عبد والله خالق اعرف قدرك وقف عند حدك وإياك أن تأله عقلك أو أن تتعالى على ربك هذا هو الكفر المبين. ولذلك من استحسن شيئا غير شريعة الإسلام فهو كافر مرتد وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فهذا الأمر لا بد من أن نعيه. القلوب عندما طهرت فى العصر المكى لا يوجد قلب يأله عقله أو يستحسن غير شرع ربه لا. إخوتى الكرام: تمييع الإسلام الذى حصل فى هذا الزمان ينبغى أن نحذره ومن كان لاعبا فلا يلعب بدينه يقول هذا حرام وفعلته نفسى خبيثة أرجو رحمة الله أما أنه حرام ويفعله ويقول لى عليه أجر وهذا ليس بحرام والنصوص الشرعية تحتمله. وأشربها وأعلمها حراما ... وأرجو عفو ربى ذى امتنان ويشربها ويزعمها حلالا ... وتلك على المسىء خطيئتان

النكاح المدنى الذى حصل فى تركيا كما يشير إلى هذا شيخ الإسلام فى الجزء الرابع صفحة ست وعشرين وثلاثمائة الشيخ مصطفى صبرى تسمعون به إخوتى الكرام من العجيب أننى ذكرت هذا لطلاب فى الكلية الشيخ مصطفى صبرى عندكم خبر عنه قالوا لا ما سمعنا به الضال محمد عبده عندكم خبر عنه قالوا يا شيخ آذاننا صكت فى جميع المناهج مصلح مصلح مصلح محمد عبده مصطفى صبرى ما عندكم خبر عنه آخر شيخ للإسلام لآخر خلافة إسلامية كتابه موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين ما عندكم خبر عنه قالوا لا خبر لنا عن هذا الإنسان هذا الرجل عليه رحمة الله قضى حياته حتى توفى بعد ذلك شهيدا فى سبيل خدمة الإسلام فى محاربة هذه الضلالات ومحاربة تمييع الإسلام والاحتكام إلى قوانين الشيطان باسم الإسلام الشيخ مصطفى صبرى عليه رحمة الله عندما قضى على الخلافة الإسلامية على يد اللعين الملعون مصطفى كمال أتاتورك وهاجر هذا إلى بلاد بيروت ثم إلى بلاد مصر مات هناك غريبا غريبا بحيث عندما توفى عليه رحمة الله ما عنده طعام يأكله جاءه بعض أصحابه فى بيروت فى آخر يوم من رمضان فى ليلة عيد الفطر عندما جاء لبنان وأراد أن يذهب منها إلى مصر عندما حصل الإلحاد والكفر البواح وقضى على شعائر الإسلام فى تركيا على يد ربيب الغرب مصطفى كمال أتاتورك جاءه وقال أريد منك أن تعطينى خمس ليرات ذهبية فأنا لى شأن باشا يقول له بعض الأتراك الذين هم فى لبنان وغدا عيد الفطر وما عندى شىء أضيف الناس وهذا لا يريد أن يطلب قرضا من شيخ الإسلام حقيقة لكن جاء لينظر هل هذا الشيخ عنده شىء يأكله صباح العيد أم لا يقول فاحمرت عيناه وبدأت الدموع تذرف من عينيه كالمطر وانتفخ وجهه فقال ما لك قال حسبى الله ونعم الوكيل فقال عرفت ماذا تقصد ما أريد منك قرضا أنا عندى عشر ليرات ذهبية هذه هى لكن جئت فقط لأسأل عن حالك هل عندك أم لا هذه خمسة لى وخمسة لك قال ما آخذها قال أنت شيخ

الإسلام سيدخل عليك عيد الفطر ما عندك طعام تأكله ولا تأخذ هذه الليرات والله إن لم تأخذها هذا مسدس أطلق على نفسى الرصاصة فى رأسى لأموت أمامك وتتحمل وزرى أنت شيخ الإسلام ولا تأخذ هذه الليرات لأجل أن تنفق على نفسك فى يوم العيد فلما رأى الأمر هكذا قال أقبلها قال مع ذلك إذا يسر الله عليك تردها خذ لك من هذه لأجل أن توسع على نفسك فى هذا اليوم عيد الفطر سيدخل عليك وما عندك شىء تأكله يقول هذا العبد الصالح عندما كان هناك وألغيت أحكام الشريعة وألغى النكاح الشرعى إلى نكاح مدنى بدل من أن كان يعقد الإيجاب والقبول بين الطرفين شيخ مأذون شرعى صار يعقد فى البلدية من قبل المحاكم المدنية محاكم مدنية هذا يوجد فى الأمة الإسلامية كلية الشريعة والقانون محكمة شرعية ومحكمة مدنية ينبغى أن تهدم الشرعية قبل المدنية كيف يوجد هذا فى بلاد الإسلام شرع الرحمن وشرع الشيطان {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} نعوذ بالله من هذا الضلال ما لله لله وما لقيصر لقيصر عندنا شىء يحكم به جورج وشىء يحكم به رب العالمين {ولا يشرك فى حكمه أحدا} .

لما حصل النكاح المدنى يقول هذا العبد الصالح فى الجزء الرابع صفحة ست وعشرين وثلاثمائة يقول أفتيت بأن هذا النكاح لا يحل النكاح ولا يستحل الزوج به الزوجة ومن فعله طائعا مختارا فهو كافر وهذا يعتبر سفاحا يقول فناقشى بعض المشايخ وهو مفتى كوم الجناه فى بلاد تركيا اسمه الشيخ لوزادا لوزاد أفندى يقول فلما قلت هذا يا شيخ الإسلام وفقهائنا ما اشترطوا فى النكاح إلا الإيجاب والقبول وحضور شاهدين ولى الأمر حضر وإيجاب وقبول وحضر شاهدان هذا الذى يحصل فى المحاكم المدنية شاهدان إيجاب وقبول وولى فلما أنت تقول هذا كفر ولا يعتبر نكاحا إنما هو سفاح قال ذهبت منه المراسم الشرعية لما غير من الصبغة الشرعية إلى الصفة المدنية أنتم لا ينبغى أن تقولوا ما المانع من هذا لا هذا كفر إنما قولوا ما السبب لهذا التحويل إذا كان النكاح فى المحكمة المدنية فى البلدية بحضور المحاكم القانونية يتم بإيجاب وقبول وشاهدين وولى وفى شرعنا فيه كذلك لما حول من الشرعية إلى المدنية لا تقل ما المانع من هذا النكاح أخبرونى ما السبب ثم قال له قلت لا هذا النكاح عندما يقع فى المحكمة الشرعية يفعله المسلمون على أنه شعيرة من شعائر الله التى أباحها الله لعباده لمصلحة الإنجاب والنسل وحفظا لعفة الصنفين لئلا يصبح هناك فساد بين الذكور والإناث والإنسان يفعل هذا طائعا مختارا لأن هذا هو شرع الحكيم الخبير عندما يفعل بالصفة الشرعية يهون على الإنسان امتثال هذا لأن من عنده أنفة وحرية ومعانى الإنسانية يأنف من يعطى ابنته أو أخته لرجل ليفترشها ولتكون له فراشا لكن عندما يفعل هذا لأن هذا هو شرع الله والله أمر به ونحن عباده يفعل هذا بلا غضاضة، لله الحكم ونحن عباده نفعله بلا غضاضة.

فإذن هناك مراسم شرعية موجودة يقال بسم الله تقال خطبة النكاح بعد ذلك يذكر هذا العقد حصلت صفة شرعية أما هنا فجرد من جميع هذه الاعتبارات ولذلك أول نكاح مدنى عقد فى المحاكم المدنية فى تركيا قال العاقد لا دخل للسماء فى شؤون الأرض هو وإن كان إذن على صفة النكاح الشرعى من حيث الشروط لكن الصبغة زالت الصبغة الشرعية زالت ما الفارق قال له بين السفاح وبين النكاح المدنى هنا رجل يختلى بامرأة وهناك رجل يختلى بامرأة لكن بالنكاح المدنى حصل بواسطة شاهدين وعقد إيجاب وقبول وفى السفاح ما حصل لكن الغاية واحدة فكما أنكم تقولون هذا سفاح وهذا نكاح مدنى نحن نقول هذا النكاح المدنى سفاحا وهذا نكاح شرعى لأنه ما حصل على الصفة الشرعية قال عليه الصلاة والسلام [من تشبه بقوم فهو منهم] والحديث فى سنن أبى داود عن عبد الله ابن عمر بسند جيد كما قال الإمام ابن تيمية فى اقتضاء الصراط المستقيم ورواه الإمام أحمد فى المسند عن حذيفة بسند حسن مطولة للنبى عليه الصلاة والسلام قال [بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذل والصغار على من خالف أمرى ومن تشبه بقوم فهو منهم] .

انتبهوا إخوتى الكرام: تشبه وشاب تشبه تكلف التشبه فى خصالهم استحسانا لذلك فهذا كافر مرتد شابههم فى خصلة من خصالهم وأمور حياتهم دون تكلف ودون قصد فركب كما يركبون وأكل كما يأكلون ولبس كما يلبسون مما ليس هو خاص بهم لكن صار بهم شابها لكن فعل هذا إما ارتفاقا أن هذا أيسر عليه إما له فيه مصلحة أسهل عليه بدون قصد التشبه والاقتداء بهؤلاء فلا حرج من تشبه إذن فعل هذا قاصدا التبعية لأولئك فهو منهم وأما إذا شابههم دون أن يكون فى ذلك قصد أكل مثلا بالشوكة لا أقول إن هذه محمود وسنة لكن إذا أكل فهو مباح أكل بهذه الشوكة قلنا لما قال لأن الغرب يأكلون هذا أيسر على أنت تفعل هذا تشبها لا قال هذا موجود عندهم هذا أيسر على فعلت لطلب اليسر والسهولة حتى يعنى لا يحصل فى ذلك شىء من التوسيخ لليدين وغير ذلك من أمور أراها أيسر على فعلت هذا لأنه أيسر لا حرج لكنه إذا تكلف هذا وقصده بقلبه فهو منهم كما قال نبينا عليه صلوات الله وسلامه. إذن تمييع الدين بحيث يوافق ما عليه الغربيون هذا ما كان يخطر ببال أحد ممن شهد العصر المكى لا يأله عقله ولا يستحسن شيئا غير دين ربه أما بعد ذلك صنف ثالث بدأوا يلتمسون الأعذار لأحكام العزيز الغفار فهم لا يخضعونها للواقع الغربى لكن يظهرون الإسلام كأنه متهم وأن أحكامه مهزهزة وتحتاج إلى دفاع عنها وكأن أنظمة الغرب قوية صامدة هاجمتنا فينبغى إذن أن ندفع عن ديننا العار. أتكلم على هذا الصنف بشىء من التفصيل ثم ندخل بعد ذلك فى مدارسة السورة إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقدمة التفسير9

مقدمة التفسير (9) (دروس تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التفسير 9 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولى الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} [الأنعام/102] . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} [النساء/1] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران/102] . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} [الأحزاب/70-71] . أما بعد: معشر الإخوة الكرام..

مضى عشر محاضرات لمقدمة فى التفسير وبعد الانتهاء من تلك المقدمة نتدارس بعون الله وتوفيقه فى هذه المعظة ما يتعلق بسورة لقمان وقبل أن ندخل فى تفسير آيات هذه السورة الكريمة ينبغى على كل دارس لتفسير سورة من سور القرآن فى بداية تفسيرها تفسير أى سورة منها أن يتكلم عن ملامح ومعالم لتلك السورة بحيث يثبت لها شخصيتها التى تتميز بها عن غيرها من سور القرآن الكريم وهذه الملامح وتلك المعالم تدور حول سبعة أمور لا بد من الكلام عليها عند البدء فى تفسير سورة من سور القرآن العظيم. المعلم الأول والأمر الأول: من هذه الأمور السبعة أن يبن الإنسان معنى السورة سورة لقمان ما معنى السورة والبيان يكون فيما يتعلق ببيان هذا اللفظ من حيث معناه فى اللغة ومن حيث معناه فى الاصطلاح فى بيان معنى السورة فى القرآن الكريم. أما السورة فى اللغة فتطلق على أربعة معانى. أولها: على المنزلة العالية الرفيعة يقال لها سورة منزلة عالية رفيعة قال النابغة الزريانى يمدح هرم ابن سنان: ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب أى منزلة منزلة عالية رفيعة. والمعنى الثانى: الذى تطلق عليه لفظ السورة فى اللغة العربية بمعنى الإحاطة والجمع ومنه سور البلد لأنه يحيط بها من جميع أطرافها. والمعنى الثالث: يأتى بمعنى الكمال والتمام ومن قول العرب ناقة سورة إذا كانت كاملة فيها الصفات التى يرغب الناس فيها ناقة سورة ممتلئة سمنا وجمالا وبهاء وحسنا.

وتأتى السورة بمعنى القطعة والبقية والجزء من الشىء ومنه سؤر الإناء، وعلى هذا فأصل سورة كما قال الإمام ابن كثير فى تفسيره سؤرة خففت هذه الكلمة بتحويل الهمزة إلى واو سورة سؤرة لما كانت الهمزة ساكنة وقبلها مضموم حذفت من باب التخفيف وحولت إلى واو فقيل سورة وجمع السورة سور وسورات وسوارات كما قرر هذا أئمة اللغة كالإمام ابن منظور وغيره فى لسان العرب: إن بمعنى المنزلة العالية الرفيعة بمعنى الجمع والإحاطة بمعنى التمام والكمال بمعنى الجزء والبقية. هذه المعانى الأربعة فى اللغة العربية للسورة كلها موجودة فى سورة القرآن وسورة القرآن لها منزلة عالية رفيعة وكيف لا وقد تحداهم بها {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} وليس بعد هذه المنزلة منزلة وليس بعد هذه الرفعة رفعة أن هذه السورة فيها الإعجاز الذى تحدى الله به الأولين والآخرين من إنسهم وجنهم فإذن فيها معنى الإبانة والارتفاع والعلو علو المنزلة والقدر. وسورة القرآن فيها معنى الإحاطة فهى تحيط السورة تحيط بعدد من الآيات أقلها ثلاث كما سيأتينا تحيط بجمل من الحكم والأحكام فهذه السورة أحاطت بآياتها وبحكمها وأحكامها وهى كاملة تامة ليس فيها خلل ولا نقص لا فى لفظها ولا فى معناها {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} ، {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} ، وهى جزء قطعة وبقية وبعض من القرآن الكريم المكون من مائة وأربع عشرة سورة. إذن المعانى الأربعة اللغوية موجودة فى السورة القرآنية علو بمعنى العلو والارتفاع بمعنى الإحاطة بمعنى الكمال والتمام بمعنى الجزء والبقية. هذه معانى السورة فى اللغة العربية.

وأما فى الاصطلاح: فقال الإمام الجعبرى إبراهيم ابن عمر أبو إسحاق المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة للهجرة الإمام الجعبرى يقول فى تعريف السورة القرآنية فى الاصطلاح كما نقل ذلك عنه الإمام السيوطى فى الإتقان يقول السورة القرآنية هى قرآن مشتمل على آى ذى عدد لها فاتحة وخاتمة أقلها ثلاث آيات إذن هى قرآن مشتملة على عدد من الآيات لها فاتحة وخاتمة بداية ونهاية أقل سور القرآن ثلاث آيات وهى سورة الكوثر وأطول سور القرآن سورة البقرة ست وثمانين ومائتا آية ومجمع سور القرآن كما قلت أربع عشرة ومائة سورة فإذن قرآن يشتمل على آى ذى عدد لها بداية ولها نهاية أقلها ثلاث آيات. إخوتى الكرام: سورة لقمان هذه السورة سميت بسورة لقمان وكل سورة من سور القرآن سميت باسم من الأسماء كما سيأتينا هذا عند بيان أسماء سور القرآن لو قال قائل ما الحكمة من هذا التسمية لما لم يجعل الله جل وعلا كتابه سورة واحدة ديوانا واحدا يبتدىء من آية أولى وينتهى بعد ذلك بآخر آية دون أن يسور؟ والجواب لذلك حكم كثيرة أبرزها ثلاث حكم:

الحكمة الأولى: تيسير مدارسته وحفظه وتشويق العباد إلى ذلك فلو كان القرآن كله متتابعا ليس لبعضه بداية ولا نهاية يبتدىء الإنسان أول آية منه الحمد لله رب العالمين من سورة الفاتحة ثم بعد ذلك يبقى مسترسلا فى الآيات إلى نهاية سورة الناس لما حصل فى ذلك تشويق للعباد إلى هذا القرآن الكريم كما لو كان مسورا الإنسان عندما يقبل على القرآن إذا لم يكن مسورا يقرأ يقرأ يقرأ ثم يقال له هل حفظت القرآن يقول لا هل حفظت شيئا منه يقول نعم لكن ما حفظت جزءا محددا سورة سورة شىء لا يوجد لا زلت أحفظ آيات متتابعة أما هعنا وحقيقة عندما يقال للإنسان القرآن أربع عشرة ومائة سورة كم حفظت يقول حفظت عشر سور القرآن يعنى إحدى عشرة سورة وقد تكون هذه السور الإحدى عشرة لا تملأ ثلاث صفحات من القرآن من قصار المفصل لكن هو حقيقة يشعر بأنه قد أخذ جزءا واضحا قطعة معلومة من القرآن حفظ الفاتحة سورة مستقلة حفظ الصمد الإخلاص سورة كاملة حفظ الكوثر سورة كاملة فيحصل فى هذا شىء من التشويق والارتياح والرغبة فى مدارسة القرآن وحفظه يقول أنا حفظت خمسين سورة من سور القرآن حقيقة هذا مما ترتاح له النفوس وتبتهج له القلوب فسور القرآن وجعل سورا لترغيب العباد وحثهم على مدارسته وحفظه.

الحكمة الثانية: والفائدة الثانية من تسوير القرآن للدلالة على موضوع السورة فكل سورة لها موضوع معين عالجته فلو كان القرآن متتابعا لما أمكنك أن تحدد الموضوع الذى تريد أن تنظر فيه فى مكان معين فمثلا الذى يريد أن يبحث عن حديث الله جل وعلا عن النحل وفى أى مكان ذكر الله هذا مباشرة تقول له افتح سورة النحل: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون} إلى آخر ذلك من الآيات وهكذا الذى يريد أن يعلم حديث القرآن عن العنكبوت وهكذا عن غير ذلك من الأمور عن قصة البقرة فإذن كل سورة عالجت فى الغالب موضوعا معينا ولذلك سميت باسمه فللدلالة على موضوع السورة سور القرآن وجعل سورا ليكون اسم تلك السورة دالا على ذلك الموضوع وسور القرآن تسمى بأشهر شىء فيها مما هو مستغرب أو نادر تكرر ذكره لما فيه من حكمة عجيبة إما فيما يتعلق بخلقه أو صفة من أوصافه أو فيما يتعلق به من الأحكام المتعلقة به سورة النساء سميت بهذا كرر الله ذكر النساء فى سورة النساء عشرين مرة ثم بعد ذلك عندما يتأمل الإنسان هذه الأحكام يرى حقيقة أن السورة أهلا لأن تسمى بسورة النساء ففيها قضى الله على عادات الجاهلية الذين كانوا لا يعدون النساء شيئا بل كانوا لا يذكرون النساء إلا فى مقام التحقير فلها سورة كاملة للنساء وفى ذلك أيضا التحذير مما وقعوا فيهن ونحوهن من الفتنة فإذن لفت الله أنظار العباد إلى هذين الأمرين هذه مكرمة ولها قدر ثم بعد ذلك يخشى منها كل فتنة وغيا فكان كفر من كفر من المتقدمين من قبل النساء وسيكون كفر من سيأتى من اللاحقين من قبل النساء كما ثبت هذا عن ابن عباس رضي الله عنه سميت بهذا الإسم دلالة على الموضوع الذى عالجته وتكرر فيها أكثر من غيرها فإذن هذه حكمة ثانية من أجلها سور القرآن وجعل سورا.

والحكمة الثالثة: للإشارة إلى إعجاز القرآن والإشارة إلى القدر المعجز من القرآن عندما قال الله جل وعلا {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} هذه السورة لا بد لها من ضابط ولا بد لها من تحديد ما هى أقلها ثلاث آيات وهو سورة الكوثر فلا يستطيع العباد أن يأتوا بثلاث آيات فى فصاحة آيات القرآن وبلاغتها فلا بد إذن من تحديد القدر المعجز وهذا يكون كما قلت بجعل القرآن سورا متعددة فإذن عندما طلب الله منهم أن يأتوا بسورة من مثل هذا القرآن إن كانوا يشكون فى أن هذا القرآن من عند الرحمن وتحققوا هذا الإعجاز بأقصر سوره وهى سورة الكوثر. إذن هذا التسوير سورة لقمان سورة الناس سورة الفلق وهكذا هذا التسوير وجعل القرآن سور له حكم كثيرة أبرزها هذه الأحكام الثلاثة لتيسير مدارسته وتشويق العباد إلى ذلك للدلالة على موضوع السورة. ولذلك عندنا سورة لقمان لو أراد أن يتعرف على أخبار هذا العبد الصالح مباشرة تقول له افتح على سورة لقمان ولو لم يكن هناك سورة محددة حقيقة الأمر فيه صعوبة فى أى مكان سيبحث فى المصحف فلا بد من أن يحيط به وأن يكون على علم بجميع آياته على وجه التركيز أما هنا الأمر يسير سورة لقمان ترى فيها أخبار هذا العبد الصالح والأمر الثالث كما قلت وهو معتبر جدا للإشارة إلى المقدار المعجز من هذا القرآن وهو ثلاث آيات بأن أقل سورة هى ثلاث آيات فالإعجاز يتأتى ويحسم بهذا. إخوتى الكرام: والله جل وعلا عندما سور هذا القرآن خالف ما اعتاد عليه العرب فى دواوينهم جملة تفصيلا ليتميز هذا القرآن عن غيره من الكتب الأرضية الوضعية مهما كان شأنها.

فالعرب كانوا يسمون كتبهم بالدواوين التى يجمعون فيها القصائد ديوان فالله جل وعلا سمى كتابه بالقرآن ليس بديوان هناك ديوان وهنا قرآن فكانوا يسمون القطعة منه بالقصيدة فالله جل وعلا سماها سورة للإشارة إلى أن هذا أمر غريب ليس من صنع بشر إنما هو من كلام وترتيب وتنزيل خالق القوى والقدر سبحانه وتعالى إذن القطعة من الديوان قصيدة والقطعة من القرآن التى لها بداية ونهاية مطلع ونهاية هذه تسمى بسورة القطعة من القصيدة عندهم والجزء منه تسمى ببيت والقطعة من هذه السورة تسمى بآية نهاية ذلك البيت فى تلك القصيدة من ذلك الديوان يسمى بقافية نهاية الآية فى السورة الموجودة فى القرآن تسمى بفاصلة فإذن اختلف الأمر ديوان قرآن قصيدة سورة بيت آية قافية مشت عليها هذه القصيدة فواصل لهذه الآيات القرآن فإذن الله جل وعلا عندما سور كتابه وجعله سورا جعل الترتيب الذى فى القرآن يختلف عما ألفه العرب فى كتبهم وفى ترتيبهم للإشارة إلى أن هذا الكلام هو كلام الرحمن سبحانه وتعالى.

إخوتى الكرام: وسور القرآن تنقسم إلى أربعة أقسام، إلى السبع الطوال ويقال لها الطول وهى السبع سور الأولى مع عدم عد الفاتحة بدون عد الفاتحة سورة البقرة وسورة آل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والمعتمد أنه يدخل فى هذا سورة التوبة السابع والأنفال يكمل موضوعها موضوع سورة التوبة فهذه السور يقال لها بالسبع الطوال وبالسبع الطول وذهب بعض العلماء إلى أن سورة يونس هى السابعة وتعد براءة والأنفال السابعة السبع الطول حقيقة هذه أطول سور القرآن ومن حفظها وفهمها فله شأن عظيم عند الرحمن وبذلك ثبت فى مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت سمعت البنى صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ السبع الأول فهو حبر من الأحبار والعلماء الأتقياء له شأن عند رب الأرض والسماء هذا حبر ورد فى بعض طبعات المستدرك تصحيف وهكذا فى مجمع الزوائد فهو خير فهذا خطأ فى الطباعة ولفظ الحديث من أخذ السبع الأول السبع الطول هذه السور الطويلة التى فى بداية القرآن فهو حبر ويلى السبعة الطول السور التى تسمى بالمئون وضابطها كل سورة زاد عدد آياتها على مائة آية بدون السبع الطول هذه لها حكم خاص يقال لها هذه من السبع الطول طوال طول أما السورة التى من غير هذه السبع وآياتها زادت على مائة يقال هذه من المئون المئون جمع مائة زادت على مائة. ويلى المئون المثانى سميت بذلك لأنها تثنى وتكرر فى الصلوات أكثر من المئون وأكثر من السبع الطول السبع الطوال السبع الأول وضابط المثانى هو ما نقص عن مائة آية وليس من المفصل.

والقسم الرابع: وهو المفصل فإذا ذكرناه يتضح المعنى بعد ذلك المثانى لم تبلغ مائة ولم تصل إلى المفصل المفصل سمى بذلك لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة وهى الربع الأخير من القرآن يبتدأ من ق على المعتمد وينتهى بسورة الناس فالمثانى كل سورة لم تبلغ مائة آية بشرط ألا تكون من سورة ق إنما هى من الحجرات فما قبلها هذه يقال لها من المثانى وإذا وصل الإنسان ل ق دخل فى المفصل ثم ينقسم المفصل إلى ثلاثة أقسام طوال وأواسط أوساط وقصار. وطوال المفصل على المعتمد يبتدىء من ق إلى سورة النبأ عم وأوساط المفصل يبتدىء من سورة النبأ عم إلى الضحى وهذا على المعتمد كما قلت ومن الضحى إلى سورة الناس هذا من قصار المفصل وهذا على المعتمد الراجح كما قلت من اثنى عشر قولا فى هذه المسألة أظهرها وأقواها كما ذكرت وهو أن المفصل يبتدىء من ق وأن طواله من ق إلى النبأ وأوساطه من النبأ إلى الضحى وقصاره من الضحى إلى آخر الناس وهناك قول يلى هذا فى القوة وهو أن طوال المفصل وبدء المفصل يبتدىء من سورة الحجرات ولكن المعتمد ما ذكرته.

وقد ثبت فى سنن أبى داود وسنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى والحديث فى درجة الحسن عن أوس ابن حذيفة رضي الله عنه يقول لما هاجرنا إلى المدينة المنورة اجتمعنا بالنبى عليه الصلاة والسلام كان النبى عليه الصلاة والسلام يأتينا كل ليلة فى منازلنا فكان يأتينا بعد صلاة العشاء ولا يجلس فيحدثنا عما لقى من قومه ويراوح بين قدميه أحيانا عليه صلوات الله وسلامه من طول وقوفه ولا يريد أن يجلس يحدثهم فى منازلهم ويلا طفهم ويذكر لهم ما لقى من العناء والشدة من قومه وكيف من الله بعد ذلك بالهجرة إلى المدينة المنورة يقول أوس ابن حذيفة فتأخر علينا النبى عليه الصلاة والسلام ذات ليلة فلما حضر قال عليه الصلاة والسلام أى معتذرا مبينا سبب تأخره عليهم عليه صلوات الله وسلامه طرأ على حزبى فكرهت أن آتى قبل أن أتمه يقول أوس ابن حذيفة فقلت للصحابة كيف تحزبون القرآن فقالوا ثلاث وخمس وسبع وتسع إحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل حتى تختم أى نحن نحزب القرآن على هذه الأقسام السبعة ثلاث أى ثلاث سور من أوله نعتبرها حزبا وهذه لقارىء القرآن ولحافظ القرآن أن يقرأها وأن يختم فى كل أسبوع لئلا ينسى ثلاث ثم خمس ثم سبع فلو أردنا أن نعد هذه السور تصل إلى كم رقم فى النهاية ثلاث وخمس كم صار معنا ثمانية وسبع خمسة عشرة وتسع أربع وعشرين وإحدى عشرة خمس وثلاثين وثلاث عشرة ثمانى وأربعين أوليس كذلك عندنا فى ترتيب المصحف سورة ق رقمها خمسون وسورة الحجرات رقمها تسع وأربعون فعلى ظاهر حديث أوس ابن حذيفة يحتمل أن يكون حزب مفصل من الحجرات لأننا انتهينا الآن من الأحزاب الستة إلى ثمان وأربعين وسورة الحجرات هى تسع وأربعون فالحزب المفصل يبتدىء منه يحتمل هذا ويحتمل أن يكون البدء من ق كيف هذا نقول على حسب عد الفاتحة فإذا عدت البقرة وآل عمران والنساء هى الثلاثة الأول وبعدها خمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة صار معنا ثمان وأربعين كما تقدم

معنا أضيفوا إليها الفاتحة تسع وأربعون فالخمسون هى ق وهى حزب المفصل وإذا عدت الفاتحة من ضمن الثلاث الأول الفاتحة والبقرة وآل عمران فسيكون بدئ المفصل من الحجرات الحديث يحتمل الأمرين ورد فى رواية المسند ومعجم الطبرانى فى الحديث المتقدم يقول وحزب المفصل من ق حتى تختم فهذ الرواية عينت لنا أن الفاتحة لا تدخل فى السور الثلاثة فثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة تصل إلى ثمان وأربعين نضم إليها الفاتحة تسع وأربعون لو نظرتم فى المصحف ستجدون أن سورة ق رقمها خمسون هى بداية المفصل ومن ق إلى سورة عم هذه طوال المفصل أوساطه من عم إلى الضحى من الضحى إلى آخر القرآن إلى آخر الناس قصار المفصل. إذن سورة لقمان السورة معناها فى اللغة كما قلنا يدور على أمور أربع: على المنزلة العالية الرفيعة وعلى الإحاطة والجمع وعلى التمام والكمال وعلى القطعة والبقية من الشىء والسورة القرآنية فى الاصطلاح تحتوى على هذه المعانى الأربع. والحكمة من تسير القرآن الدلالة على موضوع السورة ة التشويق لحفظه وتسهيل مدرارسته والإشارة إلى القدر المعجز من آيات القرآن الكريم وهى ثلاث آيات. وسور القرآن الكريم تنقسم إلى أربعة أقسام طوال ويقال لها السبع الطول مئون مثانى مفصل. عندنا فى هذا المبحث تنبيه ينبغى أن نذكره قبل أن ننتقل للمعلم الثانى من المعانى العامة لسورة لقمان ومن كل سورة من القرآن ينبغى أن للإنسان أن يتحدث عنها قبل أن يخوض فى تفسير الآيات هذا الأمر وهذا التنبيه يتعلق برواية رويت عن نبينا عليه الصلاة والسلام للنهى عن القول سورة لقمان سورة الفاتحة سورة البقرة سورة النساء ورد النهى عن هذا فى رواية رويت عن النبى عليه الصلاة والسلام فما درجة ذلك النهى وما قيمته وما المعتمد فى هذا؟

روى الطبرانى فى معجمه الأوسط والبيهقى فى شعب الإيمان وابن الدريد فى فضائل القرآن وابن مردويه فى تفسيره عن أنس رضي الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة النساء ولا سورة آل عمران ولكن قولوا السورة التى يذكر فيها البقرة والسورة التى يذكر فيها النساء والسورة التى يذكر فيها آل عمران وهكذا القرآن كله سورة اللبقرة لا تقولوا على هذه الرواية وهذا الحديث لو ثبت لما كان فى هذا النهى ما يشير إلى التحريم إنما هو من باب الأولى والأكمل تعظيما لآيات القرآن فيقال السورة التى يذكر فيها البقرة ولا يقال سورة البقرة لأنه ليس فى هذه الإضافة ما يشعر بمدح وتكريم لآيات هذه السورة السورة القرآنية التى يذكر فيها البقرة والتى ذكر الله فيها البقرة أما سورة البقرة سورة العنكبوت سورة النمل فلأن هذا اللفظ لا يشعر بمدح فلا يضيف هذه السورة لهذه الأشياء.

أقول لو ثبت لما كان فى ذلك دلالة على النهى لما سيأتينا من الأحاديث الصحيحة الصريحة بجواز قول سورة كذا لكن الحديث لم يثبت ففيه عبيد ابن ميمون العطار، قال الهيثمى فى المجمع متروك وهكذا قال الحافظ فى الفتح فى الجزء التاسع صفحة ثمان وثمانين وقد بلغ الإمام ابن الجوزى فأورد الحديث فى كتابه الموضوعات وحكم عليه بالوضع ولا يصل لهذه الحالة نعم هذا الكلام ثبت ابن عمر رضي الله عنهما فى شعب الإيمان بالبيهقى عن ابن عمر بسند صحيح على شرط الشيخين موقوفا عليه لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة النساء ولا سورة آل عمران لكن قولوا السورة التى يذكر فيها البقرة والسورة التى يذكر فيها النساء والسورة التى يذكر فيها آل عمران وهكذا القرآن كله وهذا كما قلت ثبت عن ابن عمر وإذا ثبت عنه ففيما يظهر والعلم عند الله له حكم الرفع وإذا كان له حكم الرفع فغاية ما يشير كما قلت إلى بيان الأولى والأكمل والأحسن لا إلى أن هذا محرما لماذا لما سيأتينا من أحاديث نجمع بينها ولذلك قال الإمام ابن كثير فى كتابه فضائل القرآن الملحق فى آخر تفسيره لا شك أن هذا أحوط أى ما ورد فى حديث أنس وما نقل عن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن هذا أحوط وهو أدب حسن السورة التى يذكر فيها لقمان والسورة التى يذكر فيها الفيل ولا يقال سورة الفيل لا شك أن هذا أحوط وهو أدب حسن وقال الحافظ ابن حجر فى الفتح لا معاضة بين الأحاديث المصرحة بالجواز وحديث أنس وأثر ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين بإمكان حمل النهى على أنه خلاف الأولى وأما الأحاديث المصرحة بالجواز فتشير إلى أن هذا يجوز لكن خلاف الأولى والأدب لكن هذا الجواز خلاف الأولى والأدب ولو قال السورة التى فيها يذكر فيها لقمان والبقرة والنساء لكن أكمل وأحسن والعلم عند الله.

وقد أشار البخارى عليه رحمة الله فى صحيحه فى كتاب فضائل القرآن إلى هذه المسألة وإلى وقوع النزاع فيها وذكر ترجيحه وفقهه كما يقول أئمتنا فى تراجم أبوابه يقول فى كتاب فضائل القرآن من صحيحه باب من لم ير بأسا أن يقول سورة كذا وكذا أى سورة النساء سورة البقرة سورة لقمان لم ير باسا ثم أورد الإمام البخارى عليه رحمة الله ثلاثة احاديث فى صحيحه يقرر فيها الجواز. الحديث الأول: حديث أبى مسعود الأنصارى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما فى ليلة كفتاه وهذا كلام النبى عليه الصلاة والسلام وهو فى صحيح البخارى الآيتان من آخر سورة البقرة وما قال من آخر السورة التى يذكر فيها البقرة وهذا فى أصح الكتب بعد كتاب الله من قرأهما فى ليلة كفتاه أى كفتاه كل مكروه وشر وأذى وكان فى حفظ الله ورعايته من قوله آون الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون إلى آخر السورة وقيل كفتاه كما ذكر هذا الإمام النووى عليه رحمة الله كفتاه عن قيام الليل وكتب له أجر ذلك كفتاه كل مكروه وكان فى حرز وحفظ وحماية ورعاية من الله جل وعلا كفتاه عن قيام الليل فلو قدر أنه ما استيقظ وقرأ هاتين الآيتين سيكتب الله له أجر القيام كرما منه وفضلا ورحمة الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما فى ليلة كفتاه.

والحديث الثانى: الذى ذكره الإمام البخارى مقرر اجواز القول بسورة كذا وكذا حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال أقرأنى رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الفرقان ولم يقل السورة التى يذكر فيها الفرقان التى ذكر فيها الفرقان يقول فذهبت إلى المسجد فإذا هشام ابن حكيم يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أن أساوره أى أن أقطع عليه الصلاة ثم بعد أن انتهى من صلاته لببته بردائه وقلت من أقرأك هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أقرأنى غير ما تقرأ وأخذته إلى النبى عليه الصلاة والسلام أسوقه فدخلنا عليه وقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام أقرأتنى سورة الفرقان فدخلت المسجد فإذا بهشام ابن حكيم أوليس كذلك هشام ابن حكيم رضي الله عنه يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها فقال النبى عليه الصلاة والسلام أرسله يا عمر اتركه لا داعى أنك تلببه بردائه حتى كدت أن تخنقه أتركه ثم اقرأ قال اقرأ يا هشام فقرأ هشام فقال هكذا أنزلت ثم قال لعمر اقرأ فقرأ فقال هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فلا تختلفوا فأى حرف قرأتم فقد أصبتم. الشاهد: أنه قال سورة الفرقان وقال للنبى عليه الصلاة والسلام أقرأتنى سورة الفرقان ولم يقل السورة التى يذكر فيها الفرقان أو ذكر فيها الفرقان

والحديث الثالث: الذى ذكره الإمام البخارى فى صحيحه مدللا على الجواز حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت كان النبى عليه الصلاة والسلام فى بيته فسمع قارئا يقرأ فى الليل فى المسجد فقال يرحمه الله لقد أذكرنى كذا وكذا آية من سورة كذا كنت أسقطهن كنت أسقطهن يرحمه الله لقد أذكرنى كذا وكذا آية من سورة كذا ولم يقل من السورة التى يذكر فيها كذا النحل أو غيرها كنت أسقطهن وهذا الإسقاط وهذا النسيان لا مانع منه ولا مانع من طروئه على النبى عليه الصلاة والسلام لأنه ليس بمثابة انمحاء الشىء من ذهن الإنسان وذاكرته وضياعه من قلبه إنما هو بمثابة غيبوبة الذهن عنه فإذا سمعه تذكره فلا حرج فى ذلك على الإطلاق وفى هذا الوقت غابت عنه هذه الآيات فسمع هذا القارىء يقرأ فقد أذكره هذه الآيات التى غابت عنه فترة وجيزة ولا حرج فى ذلك على الإطلاق. الشاهد: إذن من سورة كذا كنت أسقطهن هذه الآيات ولم يقل من السورة التى يذكر فيها كذا. وخلاصة القول: لا مانع أن يقول الإنسان سورة لقمان ولو قال السورة التى يذكر فيها لقمان وهكذا سائر سور القرآن لكان أحسن وأكمل كما قال الحافظ ابن كثير وابن حجر عليم جميعا رحمة الله ولو أخذ بالجواز فلا حرج عليه ولذلك قال الإمام النووى فى كتابه الأذكار صفحة اثنتين وتسعين وفى كتابه التبيات فى آداب حملة القرآن صفحة تسع وثمانين الأحاديث والآثار فى ذلك عن السلف أكثر من أن تحصر لأنه يجوز أن نقول سورة لقمان سورة البقرة سورة النساء وهكذا سائر سور القرآن. هذا المعلم الأول الذى ينبغى لدارس القرآن وسور القرآن أن يبينه سورة لقمان. المعلم الثانى: لبيان كما قلت شخصية السورة وبما تتميز به عن غيرها أين نزلت سورة لقمان.

إخوتى الكرام: سورة لقمان مكية وتقدم معنا أننى من جملة الأسباب التى دعتنا لمدارسة هذه السورة أنها مكية لكن هل هى مكية بجميع آياتها أو استثنى منها شيء نزل فى المدينة المنورة غاية ما قيل فى ذلك أربعة أقوال أذكرها ثم أفصل الكلام فيها إن شاء الله. ثبت عن ابن عباس فى كتاب الناسخ والمنسوخ للإمام النحاس بسند جيد رجاله من أئمة العربية المشهورين بالصدق والأمانة والديانة كما قال الإمام السيوطى فى الإتقان فى الجزء الأول صفحة أربعين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سورة لقمان مكية باستثناء ثلاث آيات منها نزلت فى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه وهذه الآيات الثلاث تبدأ من قول الله جل وعلا: {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم * ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير} ثلاث آيات تبدأ من سبع وعشرين فما بعدها نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد صحيح أن هذه الآيات نزلت فى المدينة وسورة لقمان بعد ذلك جميع آياتها مكية عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا وعن غيره من السلف إطلاق القول بمكيتها دون استثناء روى ذلك عنه ابن الدريس فى فضائل القرآن وروى الإمام البيهقى فى كتابه الدلائل دلائل النبوة عن عكرمة والحسن إطلاق القول بمكيتها دون استثناء وهذا نقله أبو عبيد فى فضائل القرآن عن على ابن أبى طلحة فعن ابن عباس وعكرمة والحسن وعلى ابن أبى طلحة رضي الله عنهم أجمعين ورحمهم الله والمسلمين أنها مكية بإطلاق ولا معارضة لا معارضة بين القولين.

فالسورة يقال لها مكية أو مدنية باعتبار الغالب أو الفاتحة كما تقدم معنا وفاتحة لقمان مكية بالاتفاق وهو الغالب على آياتها المكى بالاتفاق فضابط المكى إذن يشملها وتقدم معنا إخوتى الكرام أن ضابط المكى ما روعى فيه الزمان هو المعتمد وأن ما نزل قبل الهجرة فهو مكى وما نزل بعد الهجرة فهو مدنى وقلت هذا الضابط هو المعتمد من أقوال ثلاثة قيلت فى المسألة هناك قولان آخران مردودان لا يعول عليهما المعتمد ما نزل قبل الهجرة مكى وما نزل بعد الهجرة مدنى فسورة لقمان نزلت قبل الهجرة بالاتفاق فهى مكية فمن أطلق القول بمكيتها لا يتعارض هذا مع استثناء شىء منها وعندما يسأل يقول هى مكية لما تطلب منه التفصيل يقول باستثناء ثلاث آيات كما ثبت فى الرواية الأولى عن ابن عباس رضي الله عنه. القول الثالث: حكاه القرطبى فى تفسيره عن قتادة رحمه الله من أئمة التابعين ونقله ابن الجوزى فى زاد المسير والإمام الدانى عن عطاء إذن عن قتادة وعطاء أنها مكية باستثناء آيتين بدل ثلاث آيتين الآيتان المتقدمات بحذف الآية الثالثة ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة والتى قبلها ولو أن ما فى الأرض من شجرة أقلام هاتان الآيتان مدنيتان ما عداهما مكى. والقول الرابع: ذكره ابن الجوزى عن الحسن فقال هى مكية باستثناء آية واحدة دون تحديد لها. والرازى أراد أن يجمع بين هذا القول وبين ما قبله فقال هى مكية باستثناء آيتين على حسب قول قتادة وقول عطاء باستثناء آية واحدة على حسب قول الحسن وذكر الرازى أن الآية التى تستثنى على هذا القول هى الآية الرابعة فى بداية سورة لقمان وهى قول الله جل وعلا: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} . إذن ثلاث آيات من سبع وعشرين فما بعدها وهذه الآية هذه غاية ما ادعى على أنه مدنى ما هو التحقيق فى هذا والتفصيل إليكم ذلك بعون الله.

روى ابن إسحاق فى المغازى عن عطاء ابن يسار والأثر رواه ابن أبى حاتم فى تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة جاءه أحبار اليهود فقالول نزل عليك فى مكة قول الله جل وعلا {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} كيف تزعم هذا وقد أعطانا الله التوراة وفيها تبيان كل شىء. وفى بعض الروايات قالوا للنبى عليه الصلاة والسلام عنيت بذلك قومك أو نحن يعنى نحن معشر اليهود ندخل فى هذا وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أو المراد بهذا خصوص قومك الأميين العرب فقال كلا عنيت وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وصف ينطبق على جميع البشر فقالوا كيف تزعم هذا وقد أعطانا الله التوراة وفيها تبيان كل شىء فنزل جبريل على نبينا عليه الصلاة والسلام {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} لو قدر أن جميع شجر الدنيا أقلام يكتب بها وهذا البحر جىء بمدد له سبعة أبحر وصارت حبرا مدادا وهذه الأشجار أقلاما فكتب بتلك الأشجار وبمداد هذه البحار كلمات الله وعلم الله لتكسرت الأشجار والأقلام ونفدت مداد ومياه تلك البحور وما نفد علم العزيز الغفور سبحانه وتعالى. فقال عليه الصلاة والسلام التوراة التى فيها تبيان كل شىء هى فى جنب علم الله قليل وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. فهذه الآية إذن نزلت فى المدينة المنورة ردا على اليهود عليهم لعائن ربنا المعبود الذين يقولون آتانا الله التوراة وفيها كل شىء فلا يجوز أن يقال عنا وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فأنزل الله عليهم هذه الآية فى المدينة المنورة {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم * ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير} .

إخوتى الكرام: وهذه الآية قال الله ما يشبهها وما يماثلها فى آخر سورة الكهف {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} وهل آية الكهف أبلغ فى الدلالة والتعبير عن علم الله من سورة لقمان أو آية لقمان التى هى سبعة أبحر أبلغ فى الدلالة والتعبير عن علم الرحمن جل وعلا سيأتينا هذا إن شاء الله عند دراسة آية لقمان {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} وأذكر هناك قولين للمفسرين وأرجح بعون الله الكريم آية الكهف للدلالة على سعة علم الله على آية لقمان وأن فيها من الدلالة ما ليس فى آية لقمان لأن المعنى المعتمد لآية الكهف: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله} [ومثله ومثله ومثله ومثله إلى ما لا نهاية له لا سبع ولا سبعين ولاسبعمائة ولا سبعة آلاف] فالدلالة التى فى سورة الكهف أبلغ فى التعبير عن علم الله جل وعلا من الدلالة التى فى سورة لقمان فإذن ما أوتيتم من التوراة هى فى جنب علم الله قليل فهذه الآية على هذا القول نزلت فى المدينة.

إخوتى الكرام: وآية الروح التى ورد هنا أنها نزلت فى مكة اختلف أئمتنا عليهم رحمة الله فيها هل هى مكية أو مدنية أو تكرر نزولها وهو الراجح فثبت فى الصحيحين والحديث فى المسند وسنن الترمذى عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال كنت أمشى مع النبى عليه الصلاة والسلام فى بعض شوارع المدينة وهو يتوكأ على عسيب عود من النخل فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه قال بعضهم لا تسألوه لا يجيئكم بشىء تكرهونه فقام بعضهم إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقالوا يا محمد عليه صلوات الله وسلامه جدثنا عن الروح يقول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه فأطرق النبى صلى الله عليه وسلم كأنه يوحى إليه ثم رفع رأسه وتلا قول الله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} وهذا يشعر كما ترون فى ظاهر ألفاظه بأن آية الإسراء نزلت فى المدينة وهو خلاف ما تقدم معنا من الآثار عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن عطاء ابن يسار أن اليهود جاءوا إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقالوا نزل عليك فى مكة {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} عنيتنا وعنيت قومك قال كلا عنيت فهنا إذن يشير إلى أن هذه الآية مدنية نزلت فى المدينة فيقول كنت أمشى مع النبى عليه الصلاة والسلام فى شوارع المدينة وقام إليه بعض اليهود وعبد الله ابن مسعود ضبط تفاصيل القصة فيقول يتوكأ على عسيب ثم قال أطرق كأنه يوحى إليه ثم رفع رأسه وتلا الآية.

وثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى ومستدرك الحاكم بسند صحيح أقره عليه الذهبى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن مشركى قريش قالوا لليهود أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل أى لنمتحنه ونتبن صدقه من كذبه فقال اليهود للمشركين سلوه عن الروح فسألوه عن الروح فأنزل الله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فأثر ابن عباس يشير إلى أن آية الروح مكية ليست مدنية وأثر ابن مسعود يشير إلى أنها مدنية فما هو الجمع فى ذلك ذهب بعض العلماء كالسيوطى وابن القيم إلى ترجيح أثر ابن مسعودعلى أثر ابن عباس وقالوا سورة الإسراء مكية لكن آية الروح فيها مدنية نزلت فى المدينة على حسب خبر الصحيحين لما فعلتم هذا قالوا خبر الصحيحن أقوى من خبر الترمذى والمستدرك والمسند فعندما نعارضت الروايات ذلك أرفع وأعلى صحة وثبوتا. فأرفع الصحيح مرويهما ... ثم البخارى فمسلم فما شرطهما حوى فشرط البخارى ... فمسلم فشرط غير يكفى

أرفع درجات الصحيح ما رواه البخارى ومسلم فأرفع الصحيح مرويهما ثم ما رواه البخارى فأرفع الصحيح مرويهما ثم البخارى فمسلم ثم ما رواه مسلم شرطهما ما رواه غيرهما مما هو على شرط الشيخين أى فيه رجال الشيخين من روى لهما الشيخان فشرط البخارى فشرط مسلم فالصحيح الذى ليس على شرطهما هذه مراتب الحديث الصحيح أعلاها ما رواه البخارى ومسلم وذهب الإمام ابن الصلاح إلى القطع بصحته أنه يفيد العلم القطعى وهو بمنزلة المتواتر لتلقى الأمة لما فيهما بالقبول قال يقول الإمام العراقى عليه رحمة الله مشيرا إلى هذا واقطع بصحة لما قد أسندا أيما أسنداه وروياه اقطع بصحته وأنه منزل منزلة المتواتر لأن إجماع الأمة معصوم من الخطأ وقد أجمعت الأمة على تلقى ما هذين الكتابين بالصحة والقبول واقطع بصحة لما قد أسندا كذا له أى ابن الصلاح هذا قوله واجتهاده وقيل ظنا أى أن الحديث لا يفيد القطع وحكمه كحكم الحديث الصحيح فى غير الصحيحين. الشاهد إخوتى الكرام: ذهب السيوطى وقبله ابن القيم إلى ثبوت خبر ابن مسعود رضي الله عنه على خبر ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فقالوا آية الروح مدنية مع أن سورة الإسراء مكية باتفاق، والذى ذهب إليه الإمام ابن كثير والحافظ ابن حجر والإمام الزركشى وهوالذى يعول عليه من حيث الأدلة إلى أن آية الروح مكية مدنية فهى مكية تبعا للسورة التى هى مكية والغالب أنه إذا كانت السورة مكية فالآيات كذلك إلا ما قام الدليل على استثنائه.

وهنا عندنا خبر الترمذى والمستدرك والمسند عن ابن عباس رضي الله عنهما يقرر القول بمكيتها فهى مكية وخبر ابن مسعود لا نلغيه إنما نقول مكى ومدنى أى تكرر نزولها نزلت جوابا للمشركين عندما طلبوا من اليهود عليهم جميعا لعائن الله شيئا يسئلون عنه النبى عليه الصلاة والسلام ثم لما هاجر النبى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة جاء اليهود ليمتحنوه بأنفسهم فقالوا حدثنا عن الروح فنزلت الآية المتقدمة فإذا قيل لما لم يجب النبى عليه الصلاة والسلام اليهود بما نزل عليه بمكة ولما انتظر وأطرق كأنه يوحى إليه ثم رفع رأسه وتلا الآية سنقول لعله انتظر زيادة بيان وإيضاح لأن الآية التى نزلت عليها فى مكة ليس بها بيان لماهية الروح ولا لشىء من أحوالها إنما فيها إحالة العلم بها إلى الذى خلقها قل الروح من أمر ربى وما أوتيت من العلم إلا قليلا فإذا كان الأمر كذلك فأنتظر زيادة بيان وإيضاح فنزل عليه جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه بما نزل عليه فى مكة {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فهى مكية مدنية ولا مانع أن يتكرر نزول آية فهى مكية مدنية لعظم شأنها وحقيقة آية الروح تنادى بين ظهرانى العباد فى كل وقت بعجزهم وبقدرة الله جل وعلا عليهم وقهره لهم فى جميع أحوالهم ولا يمكن للعباد أن يطلعوا على سر الروح وعلى حقيقتها قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.

والمؤتمر الذى عقد بجدة من قرابة ثلاث سنين أو أربع للبجث فى حقيقة الموت استدعى له أطباء من أطراف الدنيا هذا المؤتمر من أوله لآخره هوس وعبس والنهاية بعد ذلك هوس وعبس حقيقة الموت ما هى عجائز البادية تعرف حقيقة الموت خروج طيب الروح ما هى رجعنا لقول الله قل الروح من أمر ربى وصل المؤتمر فى نهاية بحثه إلى نتيجتين لبيان حقيقة الموت كل واحدة منها كما يقال تضحك الثكلى وهذا أطباء وعباقرة النتيجة الأولى يقول حقيقة الموت توقف حركة القلب القلب لا يتحرك هذا هو الموت أو هذا علامة على الموت علامة إذا خرجت الروح توقف القلب لذلك لو نفخت فى فمه وحركت قلبه يحيى إذا تحرك القلب يحيى والآن الذى يقال له تنفس اصطناعى إنعاش عندما يحركون القلب بعد موت الإنسان حيى أبدا مات خرجت الروح كما قال الله: {ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين* ترجعونها إن كنتم صادقين} . والفريق الثانى: قال حقيقة الموت توقف ضخ الدم إلى الدماغ هذا هو الموت أو علامة على الموت علامة تقول علامة الموت أن ينقطع نفس الإنسان هؤلاء بما أنه عندهم إدراك علمى أدق قالوا لا يضخ الدم أى العروق تتوقف عن ضخ الدم إلى الدماغ الذى يحرك بدن الإنسان وأجزاءه فإذا توقف ضخ الدم مات الإنسان نحن نقول متى يتوقف ضخ الدم وما تتوقف حركة القلب هاتان علامتان على الموت وليستا بحقيقة للموت ولذلك لو شققنا رأس الإنسان وضخخنا دما على دماغه أو أمكن بشىء أن نوصل الدم لدماغه يحيى؟ هذه علامة على الموت يا إخوتى الكرام أما حقيقة الموت كما قال الله: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} .

ولو اكتشف العباد حقيقة الموت حقيقة الروح لأمكنهم أن يصنعوا روحا وبالتالى ينتفى الموت عن الجبابرة مهما كانت الروح مكلفة وسبحان من قهر الجبابرة وأذلهم بملك من عنده يدخل عليهم بلا استئذان فينزع روحه من ذرات جسمه وحرسه حوله ينظرون ولا يستطيع واحد أن يتحرك {فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون *فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين} . سبحان ربى العظيم حقيقة الموت لا يعرفها إلا من خلق الروح الذى نفخ هذه الروح فيك وأنت فى ظلمات ثلاث هو الذى يعلم هذا وأما بعد ذلك العباد يطلعون على الأمارات والعلامات كان يتنفس فانقطع نفسه ووقف نبضه ويقال مات لكن ليس هذا هو الموت هذا علامة على الموت علامة مات خرجت روحه كما يقول هذا العامة خرجت روحه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما فى صحيح مسلم إن الروح إذا خرجت تبعها البصر عندما تخرج الروح البصر يتبعها ينظر إليها أين خرجت إن الروح إذا خرجت تبعها البصر ولذلك إذا حضرنا الميت نغمض عينيه بعد ذلك لأن روحه عندما تخرج ينظر إليها وهو الآن دخل فى عالم البرزخ فيرى هذه الروح وأما نحن فلا نراها قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.

إذن آية الروح مكية مدنية فنزلت فى مكة فلما هاجر نبينا عليه الصلاة والسلام إلى المدينة جاءه اليهود وقالوا تزعم أنه نزل عليك وما أوتيتم من العلم إلا قليلا عنيتنا وعنيت قومك قال كلا عنيت قالوا كيف هذا وقد أعطانا الله التوراة وفيها تبيان كل شىء قال وفى جنب علم الله قليل ونزلت الآية فى لقمان للرد عليهم {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} ثم سأل اليهود مرة أخرى النبى عليه الصلاة والسلام عن الروح لزيادة استفسار وإيضاح خبرنا عنها عن ماهيتها عن حقيقتها عن وضعها عن صفة من صفاتها فانتظر جوابا لعله فيه شىء من التفصيل فأخبر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بأن هذا الأمر قد استأثرت به ولن أطلع عليه أحدا {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} تكررنزول هذا النازل مرتين فى مكة وفى المدينة لبيان منزلة هذا النازل وعظم شأنه فهو كما قلنا مما استأثر الله بعلمه وقهر به عباده {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} .

إذن هذه الآيات على القول بأنها مدنية نزلت من أجل استيضاح اليهود عن قول الله جل وعلا وما أوتيتم من العلم إلا قليلا يشملهم أى يشمل الأميين العرب فقط فلما قيل لهم يشملكم أكثروا الشغب والضجيج وقالوا نحن نزل علينا التوراة فنزلت هذه الآية {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} وأما الآية التى استثنيت وهى الآية الرابعة فى البداية {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} وهذا كما قلت نقل عن الحسن وذكره أيضا الرازى على أنه ممكن أن يكون أما هذه الآية أى الآيتان المتقدمتان مما استثنى من مكية آيات سورة لقمان هذا القول: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} نقل عن الحسن عليه رحمة الله وتقدم معنا أن أقوال التابعين فى هذا لها حكم الرفع المرسل فنحن إن أردنا أن نأخذ هذا القول كيف هذا ما وجه هذا القول يقول الإمام الألوسى عليه رحمة الله لعل قائل هذا بناه على أمر وهو أن الله جل وعلا قرنه بين الصلاة والزكاة فى المدينة المنورة وما قرن بينهما فى مكة المكرمة نعم فرضت الصلاة فى مكة وفى ليلة الإسراء باتفاق وأمر الناس بالزكاة دون بيان الزكاة التى لها نصاب محدد إنما بالصدقة والإحسان فى مكة لكن ما قرن بينهما فى آية إلا فى المدينة فلذلك هذه الآية مدنية لأن القرن بين الصلاة والزكاة حصل فى المدينة.

جواب آخر ذكره الألوسى وهو فى تعليل هذا القول كيف يعنى تكون هذه الآية مدنية يقول الصلاة التى هى على الكيفية الثابتة الآن والزكاة ذات النصب المعروفة فى الأزرع والثمار والنقدين هذا ما حصل إلا فى المدينة فمن قال: {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون} هذه مدنية لأن فرضية الزكاة والصلاة فى المدينة والقرن الجمع بينهما فى المدينة يقصد الفرضية بالصورة النهائية التى نحن عليها الآن واستقر عليها الأمر وهكذا الزكاة الشرعية التى استقر عليها الأمر ولا شك أن هذا ما حصل إلا فى المدينة المنورة وقد ثبت فى صحيح البخارى عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت فرض الله الصلاة ركعتين ركعتين فى الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيدت لصلاة الحضر الحديث فى صحيح البخارى وهو فى الجزء الأول صفحة خمس وستين وأربعمائة بشرح الحافظ ابن حجر فى الفتح قال الحافظ فى الفتح الصلاة فرضت على ثلاثة مراحل.

المرحلة الأولى: كما فى حديث أمنا عائشة فرضت ركعتين ركعتين باستثناء الوتر باستثناء المغرب فهو وتر النهار فهذه ثلاثة وما عداها ركعتان ركعتان ثم بعد ذلك زيد فى صلاة الحضر يقول الحافظ وهذا حصل فى المدينة فلما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم زيد فى صلاة الحضر إلى أربع باستثناء الفجر لطول القراءة فيها وباستثناء المغرب لأنها وتر النهار هذا فرض ثان حصل وطرأ على الصلاة وهذا ثبت فى صحيح ابن حبان وصحيح ابن خزيمة وسنن البيهقى فلما استقر الأمر على ذلك خفف من صلاة السفر إلى ركعتين فى الرباعية وبقيت الفجر كما هى والمغرب كما هى فإذن ركعتان ثم أربع ثم أعيدت الرباعية إلى ركعتين فى خصوص السفر يقول الحافظ ابن حجر ووقع قصر الصلاة بعد فرضها رباعية فى المدينة المنورة فى العام الرابع للهجرة وقيل فى العام الثانى وقيل بعد هجرة النبى عليه الصلاة والسلام بأربعين يوما والعلم عند الله فإذن الصلاة بالكيفية المفروضة هذا حقيقة ما حصل إلا فى المدينة فمن قال هذه الآية مدنية لأن الصلاة والزكاة شرعتا فى المدينة يقصد شرعتا بالكيفية النهائية التى نحن عليها فى هذه الأوقات ولا شك أن هذا حصل فى المدينة المنورة أما فرضية الزكاة هذا كان فى مكة وفرضية الصلاة كان فى مكة لكن بالكيفية استقر عليها الأمر هذا حصل فى المدينة المنورة.

ولذلك يقول الحافظ ابن حجر حديث أمنا عائشة له عندما فرض الصلاة ركعتين ركعتين أقرت صلاة السفر وزيد فى صلاة الحضر يقول هذا باعتبار ما آل إليه الأمر لا باعتبار البداية وفى البداية ركعتان ثم بعد ذلك إلى أربع ثم إلى ركعتين فى حق المسافر يقول هذا باعتبار ما آل إليه الأمر لا باعتبار البداية البداية فرض الكل ركعتان حتى للحاضر المقيم ثم حول الأمر إلى أربعة ثم خفف عن المسافر ليصلى الرباعية ركعتين وبقيت المغرب ثلاثا لأنها وتر النهار والصبح كما هى لطول القراءة فيها فمن قال هذه الآية مدنية يقصد أن الجمع بين الصلاة والزكاة حصل فى المدينة أن الكيفية النهائية التى استقر عليها الأمر للصلاة وللزكاة هذا حصل فى المدينة المنورة والعلم عند الله. هذا المبحث الثانى: من المعالم والملامح العامة لسورة لقمان. أما المبحث الثالث: آيات سورة لقمان كم عدد آياتها؟ هى أربع وثلاثون آية فى المصحف البصرى والكوفى والشامى والحمصى وهى فى مصاحف الحجازيين ثلاث وثلاثين آية فى مصحفى المدينة الأول والثانى وفى مصحف مكة هذه مصاحف الحجاز ثلاثة المصاحف التى يؤخذ منها عد الآيات سبع تامنيان الأول والأخير والمكى والكوفى والبصرى والشامى والحمصى فهنا فى مصاحف البصريين والكوفيين والشاميين أربع وثلاثون آية فى مصاحف الحجازيين ثلاث وثلاثين آية وقد يستشكل بعض منكم هذا فيقول هل هناك آية اختلف فى قرآنيتها فى سورة لقمان يعنى زائدة بعضهم حذفها وبعضهم قال هذه الآية ينبغى أن نلحقها بها لا ثم لا ليس الأمر كذلك سورة لقمان هى المبدوءة بقول الله الم والمنتهية بقول الله إن الله عليم خبير دون زيادة حرف فيها بالإجماع ومن زاد حرف فيها فهو كافر أو نقص حرفا منها فهو كافر لكن هذه الآيات المبتدأة من قوله الم إلى قوله إن الله عليم حكيم كم هى ثلاث وثلاثين أو أربع وثلاثين ما الذى اختلف فيه اختلف فيه فى آيتين كما سيأتينا إن شاء الله البيان.

الآية الأولى الم هل تعد آية أم لا كان النبى عليه الصلاة والسلام أحيانا يقرأ الصحابة على أن هذه آية كما كان يقرأهم ببعض القراءات ورسم هذا فى المصحف العثمانى فى بعض المصاحف العثمانية على انها آية الم آية وما عدها أحد من المصاحف الستة هذه ما عدتها إلا مصاحف الكوفة الم آية هذه مصاحف الكوفة والآن مصاحفنا الآن تسير على مصاحف الكوفة عندنا لأننا نقرأ بقراءة عاصم الذى هو من الكوفة وانظر الآن فى مصاحفكم الم آية وعد الآيات توقيفى عن النبى عليه الصلاة والسلام لادخل للرأى ولا للاجتهاد فيه وما عد فواتح السور آيات من القرآن إلا مصاحف الكوفة فقط أقرأهم النبى عليه الصلاة والسلام هكذا كما أقرأهم مالك وأقرأهم ملك هذه وهذه الصراط السراط بالسين والصاد هذه قراءة وهذه قراءة هذه كلام الله وهذا كلام الله نازل على نبينا عليه الصلاة والسلام وأقرأ الصحابة بذلك وهنا الم آية فاعتبر هذا أئمتنا وجعله عثمان فى أحد المصاحف التى أرسلها للأمصار إلى أن الم آية وعلى هذا مصاحف الكوفة الم آية هذا توقيفى لا دخل للرأى فيه كيف انظر الآن لمصاحف الكوفة فواتح السور عدوها آيات باستثناء ثلاثة أمور هذا مما يدل على أنه ليس للعقل فى ذلك مجال على الإطلاق أولها ما فيه راء لا يعتبر آية الر ليس بآية الم آية المر ليس بآية كل ما فيه راء من الحروف المقطعة فى بداية السور لا يعتبر آية الر المر لايعتبر آية هذا فى مصاحف الكوفيين كل بعد ذلك طس وهى فى سورة النمل لا تعتبر آية كل من كان فردا من الأحرف المقطعة ن وص وق لا يعتبر آية طيب طس هذه مثل بقية الأحرف لما الآن حم آية عسق آية فصار آيتان حم لوحدها آية عسق آية وهنا طس ليست آية نقول ليس مسألة اجتهاد ورأى هذا كلام الله فالنبى عليه الصلاة والسلام قال لهم حم هذه آية عسق هذه آية ثانية وهذا الموجود عندنا فى مصاحف الكوفة عدتها آية وهذه آية الم آية عدوها آية ورسم هذا فى المصاحف الم آية فما فيه

راء ليس بآية طس ليس بآية ما هو فردا من الأحرف المقطعة فى فواتح السور ليس بآية يقول الإمام الشاطبى فى ناظمة الزهر فى ضبط آيات السور وهو أحسن ما نظم فى ضبط آيات السور يقول وما بدؤه حرف التهجى فآية لكوف أى عد هذا مصاحف الكوفة فقط وما بدؤه حرف التهجى فآية لكوف سوى ذى را وطس ووالوتر أى سوى ما بدأ بواحد من هذه الأمور سوى ما فيه راء الر المر سوى طس النمل طسم الشعراء والقصص آية أما طس فقط ليست آية الوتر التى هى حرف واحد ليست آية هذا ليس للعقل فيه مجال على الإطلاق توقيفى محض ف الم اعتبرت آية فى مصاحف الكوفة وبقية المصاحف ما عدت هذا آية.

المكان الثانى الذى اختلف فيه آية اثنتان وثلاثين وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين آية اثنتان وثلاثين وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين قوله مخلصين له الدين مصاحف الكوفة ما عدتها آية ومن باب أولى مصاحف الحجازيين هذه الثلاثة ما عدتها من الذى عد هذه آية الشامى والبصرى والحمصى فإذن الكوفيين عدوا الم أما هذه لا يوجد عندها آية {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين} ليست هنا آية فى مصاحف البصرة والشام وحمص هذه تعتبر آية إذن إذا حذفت الآيتين يبقى ثلاث ثلاثين وهى التى عند الحجازيين أضيف إليها آية الكوفيين تصبح أربع وثلاثين تنقص آية الكوفيين يبقى ثلاث وثلاثون تضيف إليها آية مصاحف البصريين والشاميين والحمصيين تصبح أربع وثلاثين فهى أربع وثلاثون عند الكوفيين مصاحف الكوفة والبصرة والشام وحمص لكن اختلفوا فى عد الآية الرابعة والثلاثين فالكوفيون عدوا الم وأولئك عدوا مخلصين له الدين فجعلوا قول الله: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور} جعلوا هذه الآية آيتين إذن ثلاث وثلاثون يضاف إليها الم أربع وثلاثون ثلاث وثلاثون يضاف إليه مخلصين له الدين أربع وثلاثون فليس الخلاف إذن فى زيادة كلام على السورة أو نقصان منه فكن على علم بذلك.

إخوتى الكرام: هذا حقيقة من الأمور المعجزة فى القرآن ومما يبين أن هذا القرآن روعى فيه أعلى أنواع الاحتياط والضبط وإلا لو كان الأمر بعقول البشر فإذا كانت مصاحف الكوفة تعد فواتح آية فينبغى أن تجعل هذا مطردا فتجعل كل فاتحة آية لكنهم ما فعلوا هذا فمثلا المص آية كهيعص آية حم عسق آية هنا خمسة أحرف حم عسق آيتان حم آية عسق آية كهيعص خمسة أحرف هى آية واحدة الم آية الر ليست آية ق ن ص ليست آية ما الضابط فى هذا يقول يا عبد الله هذا تنزيل من حكيم حميد ليس للعقول به مدخل وإلا لو كان هذا من جهد البشر فيه أى تدخل لجعل قاعدته مطردة يقول إذن الفواتح كلها تعتبر آيات لا والسور التى ذكر فيها حروف التهجى حروف مقطعة فى القرآن كم سورة فى القرآن تسع وعشرون سورة انظر الآن لهذا الأمر العظيم يقول حرف واحد لا يعتبر آية ما فيه راء لا يعيبر آية طس لا تعتبر آية طيب ق طس لقوله حم حرفان حرفان طيب لما هذه آية وليست آية يقول هذا كلام الله هذا كلام الله هكذا كلمنا نبينا عليه الصلاة والسلام فقال هنا حم اعتبروها آية وهنا طس ليست آية هذا عندها هذه القراءة وعند تلك القراءة لا يعتبرون فواتح السور من أولها إلى آخرها آية قلت ما اعتبر فواتح السور آيات لما اعتبره آيات إلا مصاحف الكوفة يعنى لا يوجد فى غير مصاحف الكوفة اعتبار حرف من حروف التهجى الحروف المقطعة فى أوائل السور لا يوجد اعتبار واحد منها آية مستقلة. إذن هى أربع وثلاثون آية لمصاحف الكوفيين والبصريين والشاميين والحمصيين وثلاث وثلاثون آية فى مصاحف الحجازيين المدنى الأول والثانى والمكى وهذه المصاحف سبعة يؤخذ منها العد ولا يجوز الخروج عنها وقد نظمنا فيها الإمام الشاطبى صاحب الشاطبية فى القراءات السبع فى قصيدة سماها ناظمة الزهر فى فواصل السور فإذا تيسر لكم العثور عليها ففيها خير كبير إن شاء الله.

المبحث الرابع: والمعلم الرابع من معانى هذه السورة أسماؤها ليس لسورة لقمان إلا اسم واحد وهذا الغالب على أكثر سور القرآن ألا يكون لها إلا اسم واحد وقد تسمى السورة باثنين أو أكثر فالفاتحة بلغت أسماؤها اثنى عشر اسما وسورة النحل تسمى بالنحل وتسمى بسورة النعم وهكذا سورة غافر سورة غافر وسورة الملائكة فإذن أما بالنسبة سورة الزمر سورة الزمر وسورة الملائكة أما بالنسبة لسورة لقمان فليس لها إلا اسم واحد عندما تريد أن تبدأ فى تفسيرها كما قلنا هذه المعالم لا بد من تشخيصها ليس لها إلا اسم واحد. المبحث الخامس: فضلها فضل سورة لقمان نقف عند هذا المقدار ونتكلم على فضلها وعلى مقاصدها وعلى صلتها بما قبلها فى الدرس الآتى إن شاء الله سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تفسير16أ

تفسير (16 أ) وهذا لا يعلمه أحد لا يجليها لوقتها إلا هو، وما المسؤل عنها بأعلم من السائل وقد قال الله جلّ وعلا فى كتابه فى سورة الجن آمراً نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول {قل إن أدرى أقريب ما توعدون أم يجعل له ربى أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلاّ من إرتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} ، ولذك قال الإمام ابن كثير فى تفسيره عند هذه الأية من سورة الجن: ما روى من أن النبى عليه الصلاة والسلام لا يمكث فى قبره أكثر من ألف سنة حتى تقوم الساعةكل هذا من الخرافات ولم يثبت ذلك فى شىء من كتب الحديث إذاً الإدعاء بأن هذه الاحرف المقطعة تدل على معرفة ما سيقع فى المستقبل وعلى تحديد مدة بقاء هذه ألامة هذا نوع كما قلت من إدعاء علم الغيب وهذا نوع من الكهانة لا يجوز قبول هذا القول ولا تصديق من قال به بشكل من الأشكال، قال الإمام السيوطى عليه رحمة فى الإتقان بعد أن نقل كلام السهيلى المتقدم بأن هذه الأحرف المقطعة لعلها إشارة إلى ما سيقع فى المستقبل وإلى مدة بقاء هذه الأمة قال فى الإ تقان فى الجزء الثالث صفحة 30 قال الحافظ ابن حجر هذا باطل، أى القول بأن معنى هذه الحروف المقطّعة ما تشير إليه من حساب الجمل إلى مدة بقاء هذه الأمة هذا باطل لا يعتمد عليه، وقد ثبت عن ابن عباس رضى الله عنهما الزجر عن تعلم أبي جاد وأن ذلك نوع من السحر وأبوجاد كما تقدم معنا حروف أبجد هوز وما فيها من دلالات على حسب حساب الجمل،ثبت عن ابن عباس رضى الله عنهما، الزجر عن تعلم أبى جاد وأن ذلك من جملة السحر، قال الحافظ السيوطى:

تفسير 16ب

تفسير (16 ب) (تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تفسير (16 ب) وليس ذلك ببعيد فإنه لا أصل له فى الشريعة، أى كلا م الحا فظ ابن حجر ليس ببعيد وأن تلك الأحرف الزعم بأنها تدل على مدة بقاء هذه الأمة ومعرفة الحوادث فى المستقبل على حسب حروف أبيجاد هذا زعم باطل والقول بأن هذا باطل ليس ببعيد ولا أصل لذلك فى الشريعة، ولذلك قال الإمام أبو بكر ابن العربى عليه رحمه الله فى فوائد رحلته:"ومن الباطل علم الحروف المقطعة وإستنباط ما تدل عليه من حوادث فى المستقبل هذا باطل لاتدل الحروف المقطعة على هذا بحال ". وقد روى الإمام الهيثمى وذكر فى مجمع الزوائد فى الجزء الحامس صفحة 116، فى باب ما جاء فى النجوم والحروف حديثاً مرفوعاًعن نبينا عليه الصلاة والسلام، فى التحذير من تعلم أبيجاد وأستنباط الحوادث فى المستقبل من تلك الأحرف، لكن الحديث شديد الضعف، الحديث رواه الطبرانى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: {رُبّ معلمٍ أبيجاد دارس النجوم ليس له يوم القيامة عند الله خلاق} ، قال الحافظ الهيثمى فى خالد ابن يزيد العمرى وهو كذاب، لكن كما قلت ثبت هذا عن ابن عباس كما قال الحافظ ابن حجر ووهذا نوع من الكهانة وإن لم هذا فإدعاء معرفة أمور الغيب ومدة بقاء هذه الأمة ومعرفة الحوادث فى المستقبل من الحروف المقطعة فى أوائل سور القران نوع من الكهانة ونوع من السحر وهذا محرم لايجوز للإنسان أن يتعاطه ولا أن يقول به.

وقد ذكر أئمتنا عليهم رحمة الله أن الشرك ينقسم إلى قسمين: شرك الخاصة: وهوالنظر فى النجوم وإستنباط ما سيقع فى المستقبل من الحروف المقطعة من حساب الجُمّل وتحديد ماسيقع فى المسقبل من أمور الغيب هذا شرك الخاصة وهو الذى كان يقع فيه الفلا سفة والكهان ويقع فيه العرافون وأرباب النظر، ويقولون هذه النجوم لها سعود ولها نحوس. وشرك العامة: وهو العكوف على القبور وعبادتها وعليه إستنباط أمور الغيب من هذه الأحرف المقطعة والزعم بأنها تدل على حوادث فى المستقبل هذا من الشرك الذى كان يقع فيه خواص الفلا سفة خواص المشريكين فى هذه الأمة من فلاسفة ومن أهل نظر بواسطة النظر فى النجوم أو بواسطة ما يسنبط من هذه الحروف المقطعة على حسب حروف الجُمّل. قال ابن القيم عليه رحمه الله فى كتاب مفتاح السعادة ومنشور ولايتى العلم والإرادة فى الجزء الثانى صفحة 97: وقد يجتمع النوعان فى كثير من بنى الإنسان، شرك الخاصة وشرك العامة، فيعول على هوسه ونظره وعلى السعد والنحوس بواسطة النظر الى الكواكب وإستنباط حوادث فى المستقبل ستقع بواسطة حساب الجُمّل، ويعكف على القبور ويسغيث بها فيكون قبورياً نجومياً وقع فى الشرك الذى وقع فيه العامة والشرك الذى وقع فيه الخاصة، ومما وضعه الخاصة من أحاديث تدل على شركهم وهى أحاديث موضوعة (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور) والحديث موضوع بإتفاق أهل العلم. قال الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى الجزء الأول صفحة 356 وتعرض للحديث فى الجزء الحادى عشر صفحة 293. "ومما وضعوا فى هذا المقام لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه، مادام هو يحسن الظن يتمسح بقبر أو يطوف بصنم فإ ذلك سينفعه" لو أحدكم ظنه بحجر لنفعه، وهذا كلام باطل مفترى، كلام الزنادقة والملحدين. كما قرر ذلك أيضاً الإمام ابن تيميةعليه رحمه الله فى مجموع الفتاوى فى الجزء الرابع والعشرين صفحة 335.

واذكر أننى لما كنت فى مصر وتعسرت معى بعض الأمور جأنى بعض طلبة العلم زائراً وقال أنا أرشدك لإلى أمر إذا قلته يفرج الله عنك ويقضى حاجتك، قلت: وما هو، قال: تذهب إلى قبر الحسين فتطوف هناك أقل شىء سبعة أشواط وإذا توسط إحدى وعشرين شوطة فى الشوط ثلاث مرات وإذا أكملت تسعاً وأربعين شوطاً سبعة فى سبعة، ثم تقول وأنت تطوف "من أمكم فى حاجة فيكم جبر، ومن تكونوا ناصريه ينتصر "، قلت: أما تستحى أيها الإنسان وأنت تدعى طلب العلم؟، فاعتراه الغضب والغيظ والخسط، وقال: أنت تنكر كرامات الأولياء، قلت: ما دخل الشرك فى كرامات الأولياء أما تستحى من الله، حق أنه يوجد فى ذلك المكان الحسين أو أنه يوجد نبينا صلى الله عليه وسلم، هل يجوز أن أطوف بقبره وأن أقول هذا الشرك وهذا الكفر البواح من امكم فى حاجة فيكم جبر ومن تكونوا ناصريه ينتصر، ثم أكمل الأشواط تسعاًوأربعين شوطاً ما أكملها حتى تنتهى حاجتى؟ أما تستحى من الله؟ هل قال الله إرجعوا والجئوا إلى القبور والموتى أم قال أمن يجيب المضطر إذا دعاه؟ ألجأ إليه فإذاعلم صلاحاً لى فيما تعسر علىّ لعله يذلّله ويسره سبحانه وتعالى وبيده مقاليد الأمور وهو على كل شىء قدير، وإذا كان يعلم أن فى تيسير ذلك العسير تلفاً لى فى دنياى وأخرتى يصرفه عنى وقد اختار لى ربى جلّ وعلا {وربك يخلق مايشاء ويختار ما كان لهم الخيرة} أما أننى أقع فى الشرك أما تستحى من الله. فإذاّ إذا أعتكم الأمور فعليكم بأهل القبور لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه، هذا شرك العامة، وشرك الخاصة التعويل على النظر فى النجوم وإستنباط السعود والنحوس منها الخيرات والشرور وهكذا استنباط مايقع من حوادث فى المستقبل عن طريق حساب الجُمّل، كل هذا كما قلت نوع من الكهانة وشعبة من الشرك وإدعاء الإنسان علم الغيب الذى ما جعل الله للعباد وسيلة إليه.

إخوتى الكرام: هذه الأحرف لا تدل إذاّ على مدة بقاء هذه الأمة ولاتدل على حوادث ستقع يمكن أن تستنبط تلك الحوادث من هذه الأحرف على طريقة حساب الجُمّل، ومن عولّ على ذلك منشىء فهو مخرف كاهن موسوس مشعوذ ضال لايجوز أن نأخذ بقوله ولا ان نعتبر قوله، ولذلك لما اجتمع أبو الحسين النورى مع مانيا المنجم قال أبو الحسين النورى عليه رحمه الله وهو من العلماء الصالحين ترجمه الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الرابع عشر صفحة 70 توفى سنة 295، قال شيخ الطائفة فى بلاد العراق: له عبارات دقيقة يتعلق بها من إنحرف من الصوفية، وكان يقول: مَن إدعى حالة مع الله جلّ وعلا وتلك الحالة منكرة فى الشرع فاحذر منه وابتعد عنه، قال أبو الحسين النورى لمانيا المنجم الذى يستنبط السعود والنحوس والخير والشر ور وما يقع فى المستقبل من النجوم ومن الحروف المقطعة فيما سيكون فى المستقبل من حوادث، قال له: أنت تخاف زحل وأنا أخاف رب زحل، أنت ترجو المشترى وأنا أرجو رب المشترى..كواكب فى السماء، وأنت تأخذ بالإشارة وأنا أُعوِّل على الإستخارة فكم ما بيننا..انت تخاف من زحل وأما أنا أخاف رب زحل وترجو المشترى وأنا أرجو رب المشترى وانت تأخذ بالإشارة مما يكون فى هذه الأبراج والأفلاك والحروف المقطعة واما أنا فأعول على الإستخارة..فكم إذاً ما بيننا، وكل من كان يعول على معرفة السعود والنحوس وعلى ما سيقع فى المستقبل بواسطة النظر فى الأفلاك السماوية أو بواسطة استخلاص هذا من الحروف المقطعة على حسب حروف الجُمّل فهو مفترى مهوس.

وقد رد الإمام ابن القيم عليه رحمه الله قولهم فى كتابه مفتاح السعادة، فقال فى الجزء الثانى فى صفحة 135، الوجه الثامن عشر: فى بيان الرد على الذين يستنبطون السعود والنحوس والخيرات والشرور ويحددون ما يقع فى المستقبل بواسطة حروف أبيجاد وبواسطة الأبراج والكواكب، يقول الوجه الثامن عشر: ثبوت كذبهم هذا يدل على أن هذا العلم لا حقيقة له ولا صحة له، ثم ذكر حوادث كثيرة زادت على العشر فى أنهم حددوا أوقتاً معينة لوقوع حوادث معينة ثم جاءت تلك الأوقات وما وقع فيها تلك الحوادث ثبوت كذبهم فقال فى سنة 223 اتفق المنجمون على أن المعتصم إذا خرج لفتح عامّورية سيبؤ بالفشل وسيخذل وسينكسر وسيكون النصر للروم فما بال وذهب وفتح الله على يديه عامّورية، فقال أبو تمام الشاعر المشهور بعد الموقعة: السيف أصدق إنباءً من الكتب ... فى حده الحد بين الجد واللعب والعلم فى شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا فى السبعة الشهب أين الرواية أم أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف منها ومن كذب إلي سبعين بيتاً أجازه الخليفة المعتصم علي كل بيت بألف درهم. أين الرواية أم أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف منها ومن كذب إذاً سنة مئتين وثلاث وعشرين أجمعوا على أن المعتصم إذا خرج سيفشل فكتب الله له النصر والظفر....

حادثة أخري من الحوادث التي ذكرها يقول: ٍ"أجمع المنجمون الذين يعولون علي معرفة السعود والنفوس بواسطة النظر في الأبراج والكواكب وبواسطة النظر في حروف الجمل وما سيقع في المستقبل أجمعوا على أنه سيكون في سنة 582 سيكون فى هذا العام ريح شديدة لاينجو منها إلا من كان فى مغى وستزيد قوة هذه الريح فى العالم على الريح التي أرسلها الله على قوم عاد وستستمر ثلاثة أيام وكل من لم يكن فى مغارة سيهلك وسيموت..يقول قد أجمعوا على هذا وأعتري الناس زعر ورعب وإنما أجمعوا على هذا لأن الكواكب فى هذا التاريخ ستكون فى برج الميزان وهو برج هوائي إذا إجتمعت الكواكب فيه سيكون فى العالم رياح شديدة كما حصل في عهد عاد.

قال المنجمون:والطوفان الذي حصل على عهد نبي الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إجتمعت الكواكب في برج الحوت فصار إذاً طوفان في العالم وإذا إجتمعت في برج الميزان سيكون هناك هواء يهلك الناس كما أهلكهم الطوفان، يقول الإمام ابن القيم: فارتاع الناس فى ذلك الوقت وعملوا لإنفسهم مغارات وافترى الأفاكون بعد ذلك خرافات كثيرة ونسبوها إلى على رضي الله عنه وأنه قال ما ينقله المنجمون عنى بأنه سيقع سنة 582 ريح شديدة تدمر الناس إلا من كان فى مغارة فهو صحيح فصدقوه يقول اعترى زعر رعب فلما جاء ذلك التاريخ خفت الرياح والهواء بحيث صعب على الناس التنفس من قلة الهواء الموجود فى العالم فصار الإنسان يتنفس بكلفة من أجل أن يحصل الهواء والأكسجين من أجل أن يعيش وما حصل شىء من ذلك مما قالوه من أنه سيقع دمار للعالم بواسطة الرياح الشديدة التى زادت على الرياح التى أرسلها الله على قوم نبى الله هود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وعلى قوم عاد....إذاًمما يدلعلى كذبهم وعلى أن هذا العلم لا صحة له ثبوت خلاف ما يقولون ثبوت كذبهم وما حددوه لم يقع فى أوقات مختلفة، وعليه فالقول بأن هذه الأحرف المقطعة تدل على حوادث فى المستقبل هذا نوع من الكهانة نوع من ادعاء علم الغيب وهذا محرم لايجوز للإنسان أن يقول به.

تفسير16ج

تفسير (16ج) فعندنا إشكالان يتعلقان بهذا المبحث: الإشكال الأول: حديث ثبت فى صحيح مسلم وسنن ابى داود والنسائى وقد يفهم منه بعض من لا وعى له أنه يدل على إستنباط حوادث مستقبلة ستقع بواسطة حروف الجُمّل أو بواسطة علم الرمل أو ما يتعلق بهذه الأمور أنه يستطيع أن يعلم ما سيقع فى المستقبل بسب من الأسباب فلنذكر الحديث وكما قلت هو فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن ابى داود والنسائى ولفظ الحديث عن معاوية السلمى رضي الله عنه رواه فى كتا ب المساجد ومواضع الصلاة ورقم الحديث 33 فى الجزء الأول صفحة 382 وكرره الإمام مسلم فى كتاب السلام فى باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان رقم الحديث هناك 121 ولفظ الحديث عن معاوية بن الحكم السلمى قال: بين أنا أصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرمانى القوم بأبصارهم، فقلت وسكل أمىَ (أى سكلتنى أمى وفقدتنى) ما شأنكم تنظرون إلىّوهو يصلى وحديث عهد بإسلام رضي الله عنه وأرضاه فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخادهم فلما رأيتهم يصمتوننى لكنى سكت (أى سكت من أجل أنهم يشيرون إليه بأن يسكت) فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبى هو وأمى مارأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فو الله ما كهرنى ولا ضربنى ولا شتمنى فقال: {إن هذه الصلاة لايصلح فيها شىء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقرأة القران} أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى حديث عهدٍ بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالاً يأتون الكهان، قال: فلا تأتهم، قال: ومنا رجال يتطيرون (يتشائمون ببعض مايرونه فيدفعهم ذلك إلى الإحجام عما يريدون فعله) فقال: ذاك شىء يجدونه فى صدورهم فلا يصدنهم، قال ابن الصباح فلا يصدنكم فى روايته، قال قلت: ومنا رجال يخطون (الخط: هو علم الرمل أن يخط فى الرمل خطوطًا، يقول العلماء كيفية علم الرمل أن

يخط خطوطًا متتابعة بسرعة ثم يمحو خطين خطين فإن بقى بعد ذلك خط واحد فهذا علامة النجح والفوز والسعادة ---وإن بقى خطان فهذا علامة الفشل والخيبة والخسران، لذلك الأمر هذا علم الرمل، قلت: ومنا رجال يخطون. هذا محل الشاهد الذى قد يفهم يفهم بعض الناس منه خلاف المراد، قال صلى الله عليه وسلم: كان نبى من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك، قال وكانت لى جارية ترعى غنم لى قِبل أحد والجوانيه مكانان فى المدينة المنورة فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بنى أدم آسف كما يأسفون لكنى صقكتها صقتاًفأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علىّ قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفلا أعتقها؟ قال أتنى بها، فقال لها: أين الله، قالت: فى السماء، قال: من أنا، قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أعتقها فإنها مؤمنة.

الشاهد إخوتى الكرام: منا رجال يخطون، قال له النبى صلى الله عليه وسلم: كان نبى من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك، وهذا النبى هو إدريس على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، كان يستدل على معرفة حسن الأمر أو سوءه على معرفة مآل الأمر أنه سيكون خيراً أوشراً بواسطة الخطوط فى الرمل، ثم يمحو كما قلت بعض الخطوط فما بقى بعد ذلك يستنبط منها ما سيكون فى المستقبل لكن لايخفى على أحد من المسلمين أن النبى معصوم وأنه يسدد ويوفق من قبل الوحى الذى ينزل عليه فالله جلّ وعلا جعل لنبيه ادريس على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، تلك العلامة معجزة له فكان يخط فى الرمل ثم بعد ذلك يمسح الخطوط فما بقى يستنبط منه ماسيقع فى المستقبل عن طريق إعلام الله له، كما أعلم نبينا صلى الله عليه وسلم والأنبياء الأخرين بكثير من أمور الغيب التى تقع فى المستقبل لكن لا عن طريق الرمل ولا عن طريق الخطوط فى الأرض، لكن إدريس على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه علمه الله ما سيقع فى المستقبل بواسطة الخطوط التى يخطها فى الأرض، فمن وافق خطه فذاك، وهل يمكن لإنسان أن يافق خط إدريس، لا يمكن قطعاً فذاك معصوم علمه كما قلنا ربنا عن طريق الوحى ونحن ليس لنا ذلك، ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم: إن علم الخط والرمل حرام خشية أن يفهم أن نبى الله إدريس على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كان يفعله حراما فنهانا عنه بهذا الأسلوب، فقال: من وافق خطه فذاك، أى فهو صحيح معتمد، لكن من لم يوافق خطُّه خطََّ إدريس فإذا هو كاهن عراف مشعوذ جدال وليس عندنا بينة بأننا سنوافق خطه بالتالى لا يحل لنا ذلك.

فذاك كان يحل له لأن الله علمه من لدنه ذلك العلم وأمانحن فلم يعلمنا ذلك ربنا ولا أذن لنا فيه نبينا صلى الله عليه وسلم،فلا يجوز لنا أن نعول عليه، ذاك نبى كان يخط فمن وافقه فذاك، والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند فى الجزء الثانى صفحة 294، قال الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء الخامس صفحة 116 بإسناد صحيح لكن من رواية ابى هريرة رحمه الله رضي الله عنه والحديث المتقدم من رواية معاوية بن الحكم السلمى، ولفظ حديث ابلى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {فمن وافق عِلّمه عَلِمَهُ، ذاك نبى كان يخط} فمن وافق علمه أى علم ذلك النبي، وعَلِمه علم تلك الخطوط على أى شىء تدل، لكن من أين لنا تلك الموافقة، فإذاً قلنا هذا الحديث يدل على النهى عن إستنباط شىء من أمور المستقبل بعلامة من العلامات لأن ذلك كله ظن وتخمين لا يستند الى يقين فهو نوع من الكهانة، فإذاً هذا الحديث لا ينبغى أن يستدل به إنسان على جواز معرفة أمور الغيب ببعض العلامات كحروف الجُمّل، أو علم الرمل أو النجوم وما يستنبط منها من سعود ونحوس وغير ذلك. الإشكال الثانى: ورد فى ترجمة قاضى دمشق وهو العبد الصالح المنتجب أبو المعالى محمد ابن القاضى يحيى وهو المعروف بابن الذكى ويقال له ابن الصادق وكل من ترجمه اثنى عليه وذكر بأنه كان من الصالحين وانظروا ترجمته فى سير أعلام النبلاء فى الجزء العشرين صفحة 137 يخاطب صلاح الدين الأيوبى عليهم جميعاً رحمه الله بعد أن فتح حلب وأستولى على قلعة الشهباء وطرد الفرنج منها، يقول له وكان فتح حلب فى صفر، يقول له.. وفتحك الشهباء فى صفر مبشر بفتوح القدس فى رجب.

تفسير17

تفسير (17) (تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تفسير (17) مبشرا بفتوح القدس فى رجب، ستفتح القدس فى شهر رجب فقيل له لهذا القاضى الصالح محمد ابن القاضى يحيى، قيل له من أين أخذت هذا، بأن فتح بيت المقدس سيكون فى رجب، فقال: سيكون فى رجب فى سنة 582 أخذته من تفسير عبد السلا م ابن عبد الرحمن أبى الحكم ابن برّجان، ذكر هذا فى تفسير سورة الروم وذكر أن فتح المقدس سيقع فى هذا التاريخ 582 فى رجب فإذاً أنا أخذت هذا من ذلك التفسير.

يقول الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية: قال ابو شامة فى كتاب الروضتين تكلم شيخنا أبو الحسن السخاوى عليه رحمه الله على ما نقل عن ابى الحكم ابن برّجان بأنه سيقع فتح بيت المقدس سنة 582 فى رجب عند تفسير سورة الروم {آلم. غلبت الروم. فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. فى بضع سنين ... } ثم قال: شيخ الإمام ابى شامة أبو الحسن الإمام السخاوى عليه رحمه الله، أبو الحسن السخاوى يقول: وما نقل عن ابى الحكم ابن برّجان فهو نجابة وافقت إصابة إن صح أنه قال ذلك الكلام قبل فتح بيت المقدس، قال الإمام ابن كثير قلت: إن ابى الحكم ابن برّجان قد قال ذلك فى كتابه قبل فتح بيت المقدس وذكره ابن الزكىّ مخاطباً لصلاح الدين الأيوبى قبل فتح بيت المقدس، فقيل ذلك الكلام سنة 522 أى قبل فتح بيت المقدس بستين سنة، والإمام ابو الحكم ابن برّجان وفاته كانت سنة536 فتوفى قبل فتح بيت المقدس بفترة طويلة وفاته كانت سنة536 كما ذكر ذلك الذهبى فى سير أعلام النبلاء فى الجزء العشرين صفة 72 ونعته بأنه كان من العلماء الصالحين عبد السلام ابن عبد الرحمن ابن برّجان ابو الحكم وله تفسير للقران لم يكمله وله شرح أسماء الله الحسنى عليه رحمه الله توفى 536 والقصة أشار إليها أبو حيان فى البحر المحيط فى الجزء السابع صفحه 172 عند تفسير آيات سورة الروم، فقال وكان شيخنا الأستاذ ابو جعفر ابن الزبير يحكى عن ابى الحكم ابن برّجان، وكلّ من هؤلاء المشايخ ابن حيان وشيخه ابو جعفر ابن الزبير وابو الحكم ابن برّجان من بلاد الأندلس، يحكى عن الحكم ابن برجان أنه سيتم فتح بيت المقدس سنة 582 فى رجب، وكما قلت أنه توفى قبل ذلك بكثير، وهذا الأمرنقله الإمام الألوسى فى روح المعانى عليهم جميعاً رحمه الله.

إذاً هذا الأمرالذى إستنبطه ابو الحكم ابن ابن برّجان فى تفسيره وأنه سيقع فتح بيت المقدس سنة 582 وقد جهز صلاح الدين الأيوبى جيشاً ابيت المقدس وحاصرها فى 15 رجب وفتحها فى نهاية رجب لكن أول جمعة أقيمت فيها فى 4 شعبان سنة 582 لكن المحاصرة والفتح كان فى شهر رجب، فقد يقال هذا إشكال وهذا الآن شىء من علم الغيب إستنبطه هذا لإنسان، الإمام السخاوى فيما نقله عنه ابو شامة، قال: لم يأخذ هذا من الحروف المقطعة وليس هذا من باب الكرامة إنما هو نجابة وافقت إصابة ... والذى يبدو لى والعلم عند الله جلّ وعلا أن هذا لم يؤخذ من الأحرف المقطّعة هذا محل إتفاق كما قلت ولايجوز أن نزعم بأن هذه الأحرف المقطّعة تدل حوادث فى المستقبل وهذا رجم بالغيب وادعاء علم نوع من الكهانة وهذا حرام، إذا الأمر كذلك فكيف علم ابو الحكم ابن برّرجان هذا الأمر قبل وقوعه اقول لعل ذلك من باب الكرامة والله جلّ وعلا يطتع الصالحين على بعض المغيبات وليس فى ذلك أى إشكال، فشتان شتان بين أن يدعى الإنسان بأنه يعلم شيئاّ من المغيبات عن طريق سبب من الأسباب التى يبذلها، أو عن طريق حيلٍ أو عن طريق جدٍ واجتهاد وبين أن يقول ألهمنى الله هذا الأمر وأنه سيقع بعد سنة كذا من أين لك يقول ألقى فى روعى وهجم على قلبلى وهذه فراسة إيمانية، هذا يقع؟ نعم يقع، لأن أمور الكمال كما قال أئمتنا فى كتب التوحيد مردها الى ثلاثة أمور لاتوجدمجتمة بل واحد منها واحد لايكون على وجه التمام والكمال إلاّ فى العزيز الغفور، وأمور الكمال هى: العلم، والقدرة، والغنى....

علم فيعلم ما يجهله غيره، قدرة يقدر على مايعجز عنه غيره، غنى يستغنى عما يحاج إليه غيره، وهذه الأمور الثلاثة كما قلت لاتوجد مجتمعة بل واحد منها على وجه التمام إلاّ فى رب العالمين سبحانه وتعالى، ثم يعطى الله شيئاّ منها لعباده حسبما يشاء فهو الفعّال لما يريد سبحانه وتعالى وقد أمر الله آخر الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن ينفى عن نفسه إدّعاء هذه الأمور الثلاثة فقال جلّ وعلا أمراّ له أن يقول فى سورة الأنعام فى آية 50 {قل لا أقول لكم عندى خزائن الله} أستغنى عما تحتاجون إليه {قل لاأقول لكم عندى خزائن الله ولاأعلم الغيب ولاأقول لكم إنى ملك} أقدر على مالا تقدرون عليه، أعلم الغيب، أعلم مايخفى عليكم أعلم المغيبات التى ستقع هذه أمور الكمال، خزائن الله أنى ملك أعلم الغيب فلا أستغنى عما تحتاجون إليه ولا أعلم المغيبات ولست بملك أقدر على مالا تقدرون عليه أنا بشر مثلكم إن أتبع ما يوحى إلىّ، وقد أمر الله نبه نوحاّ على نبينا وعلية صلوات الله وسلامه وهو أول رسول الى أهل الأرض بعد أبينا أدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وكان بينهما عشرة قرون كلهم على التوحيد أمره أنينفى هذه الأمور الثلاثة عن نفسه فقال جلّ وعلا فى سورة هود آية 31 مخبراً عما قاله هذا العبد الصالح نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه {ولاأقول لكم عندى خزائن الله ولا أهلم الغيب ولاأقول إنى ملك ولا أقول للذين تزدرى أعيونكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما فى أنفسهم} .

إذاً أمور الكمال مردها لثلاثة أمور: علم: فيكاشف بما يخفى على غيره.، قدرة: يمكن مما يعجز عنه غيره.، غنى: يستغنى عما يحتاج إليه غيره،، ولإيضاح هذا أضوح كل نوع بمثال، أما النوع الأول: وهو أنه يعلم ما يخفى على غيره، فهذا كما قلت سابقاً من جملته هذه القصة أنه سيتم فتح بيت المقدس سنة582 فهذاعن طريق الكرامة أكرمه الله بهذا وأطلعه على أمر مغيب سيقع وقد وقع أىُّ حرج فى ذلك، هل لهذا نظائر مثبته عندأئمتنا فى كتب التوحيد لا ينكرها إلاّ مكابر، عمر ابن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب على منبر مسجد نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد أرسل جيشه ليقاتل فى بلاد الفرس فى بلاد نهاواند، وأمر عليم سارية، فبينما هو يخطب كشف الله له عن بصيرته وهذه هى المكاشفة: أن يعلم ما يخفى على غيره يلقبه شىء من أمور الغيب التى تخفى على الحاضرين، كشف الله له عن حال الواقعة، فسارية فى أصل الجبل ومعه جيشه والعدو يتسلق من الناحية الثانية ليرقى الجبل وبالتالى سيهزم جيش الإسلام والتوحيد ويقتلون عندما يكونوا الجيش الكفرى فوقهم، فنادى عمر بأعلى صوطه وهو على المنبر: يا سارية الجبل الجبل إصعد الجبل، من المدينة الى بلاد نهاواند يرى الحادثة ثم ينادى فسمع سارية صوت عمر ورقى بجيشه الجبل ونصرهم الله جلّ وعلا على الفرس.

وهذه القصة كما قال الإمام السخاوى فى المقاصد الحسنة: قال شيخنا (يعنى الحافظ ابن حجر) إسنادها حسن، وقد ألف الحافظ الحلبى جزء فى تصحيحها وتعداد طرقها وقد نقلها أئمتنا فى كتب التوحيد وذكرها الإمام ابن تيمة كتابه (الفرقان بين أةلياء الرمن وأولياء الشيطان) صفة 74 وهى عندكم فى شرح الطحاوية، ورواهاالإمام ابن القيم فى (مدارج السالكين) صفحة 228، يا سارية الجبل الجبل، جاء المعلق على كتاب (مدارج السالكين) فذكر تعليقاً يضحك السكلى وحقيقة هذا التعليق مما ينبغى ألاّ يقول به عاقل، يقول: إن عمر ابن الخطاب عندما كان يخطب على أخذته سنة، فنام وهو على المنبر فصاح فى نومه لما رأى سارية وجيشه: يا سارية الجبل الجبل، فعمر نام على المنبر..سبحان الله عمر ينام على المنبر، أنا أقول لو عمر نام على المنبر، فلو تغوط الخطباء بعده لكان قليلاً..لكان قليلاً حقيقة، عمر ينام على المنبر؟! الذى إذا رآه الشيطان سالكاً فجاً سلك فجاً غير فجه، عمر هذا الوقور المهيب ينام على المنبر ... سبحان ربى العظيم وهو يخطب!، كان عمر بعد أن قضى نسكه يحلق رأسه ليزين الحلاق فتنحنح فأحدث المزين فى سراويه من أثر تنحنح عمر ... عمر ينام على المنبر؟! هذه الهيبة، وبلغه عن إمرأة غيبة فاستدعاها، فجاءها الرسول وقال: أجيبى أمير المؤمنين، فولولت وصاحت قالت: عمر، مالى ولعمر؟ كيف سأقابله، ففى الطريق أسقطت وهى حامل، ثم بعد أن حصل منها ما حصل، قال عمر للصحابة: ما تقولون فى الجنين؟ فقالوا أنت مؤدب يا أمير الؤمنين وليس عليك شىء، فقال على: عليك ديتها ولابد من دفع دية، ولكن إختلف العلماء هل تدفع الدية من بيت المال، أوعلى عاقلة الخليفة أو القاضى إذا إستدعى إمرأة ومن هيبته أسقطته؟ وسقط الجنين الذى فى بطنها، عمر ينام على المنبر،؟! ثم سلمنا لك أنه نام ورأى تلك الموقعة وصاح فى نومه ... سلمنا، كيف سمع سارية ذلك الكلام؟ هل أيضاً سارية نام وسمع صوت عمر فى النوم؟

يا إخوتى الكرام: لايجوز أن خرج الكرامة عن واقعها وظاهرها وحالها، هى كرامة أمر خارق للعادة، كالمعجزة، لكن تلك تقع على يد الرسول وهذه على يد العبد الصالح الولى القانت لله جلّ وعلا، تلك على يد نبى هذه على يد ولى..فقط، فهى خارق للعادة..خارق ما جرت العادة بمثله ولو كانت على حسب المعروف المألوف لما كانت كرامة كما لو كانت معجزة إذا وقعت على يد نبى. وقد ثبت فى مسند الإمام أحمد والصحيحين من حديث ابى هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [قد كان فى الأمم قبلكم محدثون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن فى أمتى أحد منهم فعمر] ، ما معنى محدثون؟ ملهمون مكاشفون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن فى أمتى أحد منهم فعمر، قال الحافظ ابن حجر عليه رحمه الله فى الفتح: وقول النبى صلى الله عليه وسلم فإن يكن فى أمتى أحد فعمر لن يورده مورد الترديد، يعنى إذا فرض وجود واحد من هذا الصنف فى هذه الأمة فهو عمر ... لا، إنما أورده مورد التحقيق، فكأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول: الأمم السابقة كان فيها هذا الصنف وهذا النوع يكاشفون ويحدثون من غير أن يكونوا انبياء ومن غير أن ينزل عليهم وحى السماء، فهذه الأمة من باب الأولى أن يكاشف فيها الصالحون وأن يخبروا بشىء مما يقع عن طريق الكرامة وهى أمر خارق للعادة ... عن طريق الكرامة لما؟ لأهذه الأمة أكرم على من الأمم السابقة.

فإذا كان هذا الأمر فى الأمم السابقة فهو فى هذه الأمة من باب الأولى، كما تقول لهذا العبد الصالح إن يكن لى صديق فأنت، وأنت لاتشك فى صداقته ولاتريد نفى الصداقة أيضاً عن غيره إنمل تريد أن تجزم بأنه صديق لك من غير تردد، فإذاً أورد مورد التحقيق لامورد التشكيك والترديد، وهناك قول ثانى لكنه ضعيف، أن الحديث أورد مورد الترديد، والسبب أن الأمم السابقة كانت تحتاج الى ما يثبت إيمانها ما بين الحين والحين بواسطة الكرامات، وأما هذه الأمة ففيهاهذا القران الذى تكفل الله بحفظه وفيه تبيان كل شىء وهو معجز، فهذا بمثابة معجزة تتكرر كل لحظة، ولذلك لاداعى لأن يوجد فيهم مكاشفون محدثون ملهمون كما كان فى الأمم السابقة ... يوجد لكن بقلة لكن الأمم السابقة بكثرة، وعلى التعليل الأول وهو الأقوى: يوجد فى هذه الأمة بكثرة أكثر مما وجد فى الأمم السابقة.. فهى أكرم على الله من الأمم السابقة إذاً ما جرى لاإشكال فيه وليس هذا عن طريق الحروف المقطعة ولا عن طريق النظر فى النجوم وإستنباط سعود ونحوس ولا عن طريق حساب الجُمّل ... أكرمه الله بهذا وأوقع الله ذلك كما أخبر وهو على كل شىء قدير،..كرامة يكاشف بها، وللإمام ابن تيمة رحمه الله رسالة عظيمة ينبغى أن تقرأوها مراراً، قاعدة فى المعجزات والكرامات وهى غير رسالته (الفرقان بين أولياء الحمن وأولياء الشيطان) ، وهذه القاعدة التى فى المعجزات والكرامات موجودة ضمن (مجموع الفتاوى) فى الجزء الحادى عشر صفة 311.. قاعدة فى المعجزات والكرامات وطبعت أيضاً هذه الرسالة مستقلة، إذاً هذا علم يخفى على غيره ...

يا سارية الجبل الجبل، وهنا الأمر كذلك، مثال لما يكون فيه خارق العادة فى جنس القدرة، يقدر على ما يعجز عنه غيره، هل بإمكان أحد منا أن يحول التراب الى ذهب؟ لا، فقديقدر الله بعض الصالحين على أن يمسك قطعة التراب يضغط عليها هكذا تصبح ذهباً خالصاً، هذا وقع؟ وقع، ولاينكر هذا إلاّ من هو ضال مخرف، متى وقع هذا؟ يقول الحافظ ابن كثير فى تفسير هـ فى الجزء الثالث صفة 399 عند تفسير قوله تعالى فى سورة القصص، حكاية عن العبد المخذول قارون، {قال إنما أوتيته على علم عندى} يقول: قال بعض الناس، على علم عندى فى صنعة الكيمياء، أى أنه يحول التراب والخشب الى ذهب.، يقول الإمام ابن تيمية: وصنعة الكمياء زغل وتلبيس وغش وتدليس وليست بحقيقة ولايمكن ان يقلب المعادن الى غير ماهيتها فالخشب خشب والحديد حديد والذهب ذهب ولا يمكن أن نقلب النحاس الى ذهب على الإطلاق، لكن بإمكاننا أن ندلس ونغش نطليه ذهب ونقول هذا ذهب، لكن إذا أخذه الصائغ يكشفه ويقول هذا نحاس مطلى بذهب من نقلبه حقيقة نقلب العين وأن التركيب أن تكون زرات نحاس تصبح زرات ذهب هذا مستحيل،. قال وأما قلب الأعيان، هذا كلام الإمام ابن كثير فى هذا المكان فى الجزء الثالث صفة 399، (وأما قلب الأعيان عن طريق الكرامة فهذا جائز وواقع لأن ليس بقدرة المخلوقات إنما بمشيئة رب الأرض والسماوات، كما جرى لحيوة ابن شريح المصرى إمام الديار المصرية فى زمانه عليه رحمه الله، ورضي الله عن حيوة ابن شريح توفى سنة 158 وحديثه مخرج فى الكتب الستة وهو ثقة وفوق الثقة ترجمه الإمام الذهبى فى تذكرة الحفاظ فى الجزء الأول صفحة 185 وترجمه فى الكاشف فقال: له أحوال وكرامات، وهذا فى تفسير ابن كثير، وهو فى تذكرة الحفاظ.،

من كراماته "أن سائلاً سأله ولم عند حيوة ابن شريح ما يعطيه، وعلم صدق السئل وحاجته، فأخذ مدرة من الأرض (قطعة طين يابسة متجمدة) فأجالها فى يده إش هى معمل، وألقاها فى يد السائل، فقلبها الله ذهباً خالصأ ". وفى تذكرة الحفاظ قصة أخرى وهى " أن رجلاً دخل عليه ورأى فقره وحاجته، فقال: أما يسأل حيوة ابن شريح ربه فليغنيه، يقول فنظر إلىّ فأخذ حصاة فرمانى بها وإذا هى ذهب خالص، فقلت: ما أفعل بها، قال أنفقها على نفسك " وأما بعد ذلك تريد أنت يعنى أننى أسأل ربى أن يكفينى، فأنا فى نعمة وستر وعافية، خذ هذه الحصاة، لا تظن أنى فقير لهوانى على الله لا أنظر الحصاة ارميها إليك فتصبح ذهبا، وأما أنا فى سترى معافيا.... وكان إذا أخذ عطائه كما فى تذكرة الحفاظ، وتهذيب التهذيب فى ترجمته، وكان عطائه ستين ديناراً " إذا أخذ عطائه يفرقه قبل أن يصل الى بيته، فإذا دخل الى البيت ونام وجده تحت فراشه ستون ديناراً، فعلم ابن عم له بذلك، فأخذ عطائه فوزعه، فذهب الى بيته فنام ثم قلب الفراش ما رأى شيئاً ونظر تحت الفراش بحيث كاد أن يحفر الأرض، فما حصل شيئا، فجاء لحيوة ابن شريح، وقال: أفسدت علىّ مالى وضيعته، قال: وما ذاك، قال: أنت تعطى عطائك للمحتاجين فإذا رجعت الى بيتك وجدت ففعلت مثل فعلك فلم أجد شيئاً، فقال: أنا أعطيت ثقة، وأنت أعطيت تجربة. أنا أعطيت ثقة واثق بالله جلّ وعلا، وأما أنت تريد أن تجرب رب العالمين سبحانه وتعالى فخذلك وأوكلك الى نفسك {وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} أعطيتُ ثقة وأعطيتَ تجربة،....حقية قدر على ما يعجِز عنه أهل الأرض قاطبة، لاأقول إن الجهد البشرى الإعتيادى يعجِز عن هذا التكنولوجيا المتطورة فى هذه الحياة ليس بوسعها أن تحول الحديد الى ذهب ... نحن لا ننكر على الإطلاق لكن بمشيئة رب الأرض والسماوات {إنما أمرنا لشىء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} .

والحقيقة الأمر كما قال الله {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل لكل شىء قدراً} ، كيف هذا،. يا عبد الله كل العالم بما فيه من عرشه الى فرشه من جنود الله وطوع أمره فإذا كنت فى بيتك واحتجت وقال الله للوسادة التى تتوسدها كونى ذهبا أى شىء يعجزه، نحتاج الى ربط القلب بالله حلّ وعلا، ولو أخذ الناس بهذه الأية لوسعتهم هذه الأية {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شىء قدرا} . يقول الإمام ابن تيمية عليه رحمه الله فى الرسالة المشار إليها: (إذا صح الإيمان علماً وعملاً، إ عتقاد نظيف سليم وعمل صالح مستقيم، واحتاج صاحبه الى كرامة وخارق عادة فلا بد أن تخرق له العادة) ، لابد {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً} ، {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً} ، إذا هذا خارق العادة فيما يتعلق بجانب القدرة، هذا من أمور الكمال، خارق العادة فيما يتعلق بجانب الغنى فيسغنى عما يحتاج إليه العباد، كيف هذا؟ العباد بحاجة الى طعام وشراب، وهل يسغنى أحد من البشر عن ذلك؟ لا، قد يجعل الله بعض عباده مستغنياً عن ذلك وهو على كل شىء قدير، وقع؟ وقع هذا.

ذكر الإمام الذهبى فى ترجمة العبد الصالح إبراهيم التيمى، والقصة فى تذكرة الحفاظ فى الجزء الأول صفحة 7 "توفى وما أكمل أربعين سنة علبه رحمه الله، وكان يقول: كم بينكم وبين القوم، أقبلت عليهم الدنيا فهربوا منها، وأدبرت عنكم فتبعتموها.، كم بينكم وبينهم، تقبل عليهم فيتركونها، وأنتم تولى عنكم فتلحقونها.. وكان يقول: إذا رأيت الرجل يتهون بتكبيرة الإحرام فاغسل يدك منه، وبلغ من شهامته ورجولته أن شرطة الحجاج..العبد المخذول عامله الله بما يستحق وقد أفضى الى ما قدم، ولا أحد يتعصب لأهل الباطل فيقول: ما فائدة التجريح؟، فالحب والبغض أوثق عرى الإيمان،، يقول الذهبى عليه رحمه الله عندما ترجم الحجاج فى الجزء الرابع صفحة 343، الذى قسمه الله سنة 95، بعد أن ترجمه يقول: نبُغِضُه ولا نحبه، نسبه ولانحبه ونُبغِضُهُ فى الله. فإن الحب فى الله والبغض فيه أوثق عرى الإيمان، له حسنات مغمورة فى بحر ذنوبه. فإذاً نحب من أطاع الله ونُبغِض من عصى الله، ليس موضوع تجريح. أرسل الحجاج شرطته فى طلب إبراهيم النخعى وكان شيخاً كبيراً طاعناً فى العمر، فطلبت الشرطة إبراهيم النخعى، فقيل: فى المسجد..... أين إبراهيم، فقام إبراهيم التيمى ليقدم نفسه فدائاً لإبراهيم النخعى، وما خرج النخعى بعد ذلك حتى مات الحجاج، متوارياً منه، فقال: أنا إبراهيم، فأخذه الحجاج وحبسه فى الشمس حتى تغير وذبل، فجاءت أمه تزوره فما عرفته من تغير حالته حتى كلمها، ثم مات إبراهيم التيمى: صاحب الكرامات، حديثه فى الكتب الستة رضي الله عنه وأرضاه ... ثم مات، فرأى الحجاج فى نومه، قائلاً يقول له: مات فى سجنك رجل من أهل الجنة، أما تتوب وتستحى من الله.، فلما إستيقظ من الذى توفى فى السجن هذه الليلة، فقالوا: إبراهيم التيمى.، قال: حُمُمٌ من الشيطان، ألقوه على مزبلة..... هذا الحجاج العبد المخذول، أنظر لهذه المروءة وهذه الشهامة عند هذا العبد إبراهيم التيمى.

يقول الذهبى فى ترجمته، كما قلت فى تذكرة الحفاظ، وتوفى سنة 92، يقول: كان يمكث شهرين لا يأكل ولا يشرب، ليس فى وسع الإنسان هذا وهو محتاج الى الطعام والشراب، فهذا خارق للعادة وهو كرامة فى جنس الغنى، يستغنى عما يحتاج إليه العباد، وترجمه فى سير أعلام النبلاء أيضاً، فقال: دخل عليه بعض قرابته فقذف له حبة عنب، فقال: منذ 40 يوماً لم أطعم ثم أخذ هذه الحبة فلاكها فى فيه ثم لفظها ... هذه كرامة، وكون الإنسان يمكث شهرين لا يأكل ولا يشرب، هذا خارق للعادة..لكن كما قلنا هذا كرامة، فالكرامة تقع فى العلم فيطلع الله بعض عباده علي ما يخفى على غيره....تقع الكرامةفى القدرة فيمكنه الله من فعل ما يعجز عنه غيره، تقع فى الغنى فيستطيع أن يستغنى عمايحتاج إليه غيره.. وعليه فما وقع من أبى الحكم بن برّجان هو من الكرامة ولا إشكال فى ذلك مطلقاً.

وأي غرابة أن يكرم الله ذلك العبد عبد السلام بن عبد الرحمن بن برّجان الذى توفى سنة 536، وأن يخبره الله بأنه سيكون فتح بيت المقدس سنة 582 رجب، وحصل هذا والله على كل شئ قدير ... أى غرابة، لاسيما كان هذا فى عهد عبدين صالحين..العبد الأول وهو ملك بلاد الشام فى ذلك الوقت التابع للخلافة العباسية.....من الذى يقال له شهيد وما أُستشهد، لكن حقق الله له أُمنيته كما يقول الذهبى، فلا ينطق أحد إسمه إلا وينعته بالشهادة مع أنه مات على فراش نور الدين الشهيد ... ما أحد يقول إلا نور الدين الشهيد محمود بن زنكى، وهو شيخ وأُستاذ وأمير صلاح الدين الأيوبى، كان صلاح الدين الأيوبى من قواده ومن جنوده، وفتح الله على يد هذا العبد الصالح محمود بن زنكى التركى، وصلاح الدين الأيوبى الكردى بلاد مصر بعد أن بقيت بلاد ردة وإلحاد ثلاثةقرون، من270 على يد العبيديين الملعونين الذين يُسمَّون بالفاطميين، ومؤسس الدولة فى المغرب عبيد الله بن ميمون القدَّاح الذى إدعى أنه من آل البيت وهوهويهودى ربيب مجوسى ثم إدعى الرفض وحقيقته الكفر المحض ... من الذى قضى على هذه الدولة؟ صلاح الدين الأيوبى، فى عهد نور الدين زنكى ... كان ذلك سنة 567،قبل وفاة نور الدين بسنتين، لأنه توفى سنة 569،وأما صلاح الدين الأيوبى فإمتدت حياته حتى فتح الله على يديه بيت المقدس، وتوفى سنة 589 بعد شيخه بعشرين سنة....وفتح بيت المقدس قلنا كان سنة 582 أى بعد فتح بيت المقدس بسبع سنين.

وقد أعد نور الدين محمود زنكى منبر، ونُجِّر فى حياته، وجعله فى بيته من أجل أن يتم فتح بيت المقدس ليكون ذلك المنبر فى المسجد الأقصى ... لكن ما حقق الله أُمنيته ومات قبل ذلك، فجاء بعد ذلك تلميذه قائده العبد الصالح صلاح الدين الأيوبى فحقق ذلك وأتى بذلك المنبر الذى عُمل فى عهد نور الدين، وخُطِب عليه فى 4 شعبان سنة 582،وحقق الله تلك الكرامة لذلك الرجل الصالح. محمود زنكى نور الدين، يقول علمائنا: ما جاء بعد الخلفاء الراشدين وعمر ابن عبد العزيز خير للمسلمين منه...... وكان يقول: وددت لو أن الله بعثنى فى بطون السباع وحواصل الطير.....فأى مانع أن يكرم الله ذلك العبد الصالح فى عهد إمارة هذا العبد الصالح بتلك المكاشفة وذلك العلم وقد كان هذا العبد الصالح: محمود بن زنكى نور الدين يطلعه الله جلّ وعلا على بعض الأمور عن طريق الكرامات.

أنظروا الى هذه القصة التى أوردها الإمام الذهبى عليه رحمه الله فى سير أعلام النبلاء فى الجزء العشرين فى ترجمته صفة 531.، " حاصل هذه القصة أن الفرنج النصارى لما حاصروا دمياط، فى عهد نور الدين الشهيد بقى عشرين يوماً لا يأكل شيئا إنما يقتصر على الماء حتى تغير من ضعفه وهو مدمن اللجؤ الى ربه فرأى إمام الجيش الذى يصلى بهم الصلاة النبى عليه الصلاة والسلام فى الرؤية وقال له: بشر نور الدين بأن الفرنج سيغلبون ويخذلون ويولون وأنه سيحصل النصر والتمكين لنور الدين ... وقال النبى صلى الله عليه وسلم هذا لإمام الصلاة بعد أن شكى إمام الصلاة حال المسلمين للنبى صلى الله عليه وسلم كما قلت فى النوم، وقال: بلغ الأمر بهذا الإمام أمير نور الدين الشهيد أنه عشرين يوماً ما ذاق طعاما واقتصر على الماء، قال: بشره، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى ألاّ يصدقنى، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: قل له علامة صدقى يوم حارم.... هذا سر يعرفه نور الدين الشهيد، يقول: فلما صليت الفجر جئت الى نور الدين الشهيد عليه جميعاً رحمه الله فهبت أن أكلمه وكان له هيبة عظيمة، فقال: ما لك تخبرنى أو أخبرك، قلت: أخبرنى ما عندك، قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى النوم وأخبرك بكذا وكذا ... إذ هذا الإمام الصالح رأى النبى صلى الله عليه وسلم أيضاً.، وهنيئاً لتلك الرعية بذلك الإمام، ثم قال إمام الصلاة لهذا القائد البطل المغوار: أريد أن تخبرنى عن سر يوم حارم..

إنتهينا الآن من رؤيا أطلعك الله عليها وكاشفك الله بها، لكن مايوم حارم؟ ما هو هذا السر؟ أنا ما أعلمه لإنما قال لى النبى صلى الله عليه وسلم: إذا لم يصدقك نور الدين، فقل: العلامة يوم حارم، قال: لما التقينى مع الفرنج فى تلك الموقعة إعتزلت عن العسكر وعفرت جبهتى فى التراب وقلت: يا رب إن الجند جندك، والبلاد بلادك، والعباد عبادك، ومن أنا بينهم؟ فأسألك أن تجبر خاطرهم وأن تعطيهم ما يليق بكرمك، أما أنا لا قيمة لى وشأن.. أنا لا شأن لى، من أنا؟ لكن هؤلاء عبادك وهذه بلادك فاجبرهم خاطرهم وأعطهم ما يليق بكرمك.. يقول: فغلب الله الفرنجة وكسرهم ونصرنا عليهم..هذا يوم حارم، هذا الدعاء الذى حصل هذا سر بينى وبين الله ما اطلع عليه أحد، والنبى صلى الله عليه وسلم فى الرؤية يقول لك: هذا السر، كلمة السر، هل يعلمك بهذا الأمر؟ إذاً هنا مكاشفة عن طريق الرؤية وهذا كرامة، وأى غضاضة وغرابة فى هذا. يقول الإمام ابن تيمة عليه رحمه الله: الكرامة فى هذه الأمة كالمطر، وما نعرفه مما وقع عياناً فلا يحصى.. الكرامات فى هذه الأمة كالمطر..... فإذاً لا إشكال فى أن يقول ذلك العبد الصالح: إن فتح بيت المقدس يكون فى وقت كذا عن طريق خارق للعادة عن طرق كرامة يكرمه الله بذلك وهو على كل شىء قدير.... نعم ينبغى أن نفرق بين الكرامة وبين المخاريق والحيل، هذا لابد من التفريق بينه وبين الكرامات.، فإنسان يعمل لنا مخاريق وشعوذة ويدجل ويلبس..هذا ليس بكرامة، ولعل الله يمد فى الحياة لأتكلم على خوارق العادات وعلى ما فيها من عظات.، فما كان يجرى من الحلاج الحسين ابن منصور الذى قتل على الزندقة سنة 311 خوارق للعادات لكن كلها مخاريق!!!

وهكذا كان ما يجرى على يد العبد المخذول الثانى، محمد بن التمرت الذى توفى سنة 524، وهو الذى كان يلقب جماعته بالموحدين ... وهم ضالون، معطلون، أول من دخل أدخل التعطيل الى بلاد المغرب، وكان يدعى أنه المهدى المعصوم المبشر به فى الوحى المعلوم محمد بن عبد الله بن التمرت..... بلغ من شطف الحلاج وهذا العبد المخذول،، أنهما يأخذان بعض الناس الى المقبرة فيدفنانه وهو حى ثم يقولان له بواسطة مواطئة بينه وبين هذا المدفون، سنحضر الآن الأحياء، وأنا أقول إننى أحيى بعض الموتى، فإذا ناديك أخرج، أخرج من قبرك وكلمنى على أنك ميت وبعثت.... ثم كما الإمام ابن كثير: من أعان ظالماً سلطه الله عليه، فكان يناديهم فبعد أن يخرجوا، ويقولوا نحن كنا أمواتاً وأنت أحييتنا وأنت وأنت، يعيده ويدس عليهم التراب ويقتلهم، جزاء وفاقا، ومن أعان ظالماً سلطه الله عليه {كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه الى عذاب السعير} ، هذا مخاريق وهذه شعوذة، لا يجوز أن ندخل هذا الآن فى شىء من الكرامات،، هكذا ما يقع أحياناً من حدق وفراسة وذكاء، ويخبر الإنسان ببعض الأمور عن طريق النظر فى الأسباب العادية هذا لايقال له كرامة ... وأنا أعرف بعض الناس ممن هو عادى ولا أتهمه وأقول هذه ليست كرامة له العلم عند الله، لكن مثل هذا ممكن أن يقال عن طريق الذكاء وعن طريق كما قلنا الفراسة إذا كان عند الإنسان حدق ومهارة بواسطة التأمل فى الحوادث الواقعة، فقيل له: طاغوت فى بعض البلاد....

ستطول مدته أو ستقصر، فقال: ستطول جدا، أنا أذكر هذا الكلام قاله من سنين طويلة لعلها تلك الفترة عشرين سنة أو أكثر، وواقع الأمر حصل هذا، فهذا إما كرامة ولا مانع أو إما على حسب النظر فى الأسباب العادية إذا كان عنده ذكاء وحذق لابد أيضاً من التمييز ويمكن أن يكون هنا نظر، وهنا شىء من الحذق،، فكان بعض المنجمين، عندما يولد مولود، يقول: سيعيش كذا على حسب أعمال الغالب لأنه فى الغالب سيعيش، فإذا عاش واحد فقط، يقولون: صدقت فراستك، لكنه لو مات مائة لايقولون: كذبت فراستك..... يحفظون ما يؤيد قوله ولايحفظون ما يخلف هذا، فالأصل فى هذا أنه سيعيش والموت طارىء فيأتى على كل حى، لكن سيعيش الى عمر أمثاله، إذا كان الأمر كذلك،. أرى أن الأمة مخدرة وليس عند العباد فى هذه الأوقات روجوع الى رب الأرض والسماوات، إذاً هذا الطاغوت سيجلس مستريحاً دون مناوئة، ستطول إماعن طريق حذق والنظر فى الأسباب التى يمكن أن يدركها الذكى وإما عن طريق كرامة إذا كان رجلاً صالحاً والعلم عند الله..... إذاً، هذا لابد من التفريق كما قلنا بين الكرامة وبين بعد ذلك المخاريق والشعوذة، بين الكرامة وبين ما يمكن أن يستنبط عن طريق الذكاء والحذق والفراسة الرياضية الطبيعية، لابد من التمييز بين هذا وهذا. القول العاشر: وهو أخر ماقيل فى بيان معنى الحروف المقطعة أوائل بعض سور القران الكريم، وكما الثامن والتاسع والعاشر كلها مردودة مرفوضة أقوال لايجوز القول بها.. القول التاسع قلنا فيه شعبة من شعب الباطنية وادعاء الكهانة وعلم الغيب.......

القول العاشر قال به العلماء محدثين فى العصر المنحط، قالوا: إن معنى هذه الحروف المقطعة معلوم ولا داعى أن نبذل جهداً ووسعاً وكلفة فى الوقوف على المراد منه، ما هو معناها؟ قالوا: هذه نغم موسيقى أودعه الله جلّ وعلا فى كتابه لتطرب له الأذان، هذا القران حوى جميع العلوم ومن جملة هذه العلوم، علم الموسيقى.... وعليه لما نأتى ب {آلم} نقول: لحن موسيقى نغم موسيقى الغرض من ذلك أن تطرب الأذان لسماع هذا النغم، هذا هو مغناها ولا يقصد منها غير ذلك، قال بهذا عبد الكريم الخطيب فى كتابه الذى سماه أيضاً وهذه بلية (التفسير القرآنى بالقرآن) وكان هذا رئيس قسم التفسير فى الرياض، وكان يدرس علم التفسير وعلوم القرآن فى الدراسات العليا ولعل التعبير الأدق لها سفلى ... يقول: {آلم} نغم موسيقى يقرر هذا فى كتابه فى الجزء الأول صفحة 23 الى 25 لا داعى للإجتهاد فى البحث عن معناها. يقول: فهى مطلع موسيقى تقوم عليه وحدة النغم فى ترتيل آيات السورة وكل حرف منها له نغم مستقل،،وهذا القول قال به ايضاً عبد الرزاق نوفل، صاحب كتاب (معجزة الأرقام والترقيم فى القرآن الكريم) ، وصاحب كتاب (أسئلة حرجة) ، وقد أفضى الى ما قدم.... أسئلة حرجة، وهل صدره سيكون حرجاً أو منشرحا ً العلم عند الله، أما كتبه فقد ملأها قاذورات وضلالات، يقول فى هذا الكتاب وهو من أوله الى آخره سفاهة وسخط، ولم يبنى على دليل معجزة الأرقام والترقيم، الحروف المقطعة ثم بعد ذلك، لما تسة عشر حرفاً؟، لما سبعة عشر حرفاً؟، ولما، ولما، (معزة الأرقام والترقيم) وهذا قاله قبله بعض الموهوسين فجاء هو وانتحله، وادعى أن المسألة لا زالت ذكرى وهو أول من استضها وأول من يبحث فيها ويلفت الأذهان الى الأرقام والترقيم.... لكن المسألة ذكرت قبله وأنها هوس قال به بعض الناس ورد عليه..

يقول الراوى فى كتابه فى التفسير، فى تفسير سورة الفاتحة فى الجزء الأول صفحة 178 إ ن قيل لما خلت الفاتحة من سبعة أحرف وهى " التاء والجيم والخاء والزال والشين والظاء والفاء " يقول الفاتحة ليس فيها سبعة أحرف لما؟ ماذا ستقول أنت؟ قال: لأن هذه الحروف مشعرة بالخذى والعذاب، والله يقول عن جهنم {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} فكل حرف من هذه الأحرف يشعر بعذاب ... ففاتحة الكتاب سلمت من ألأحرف للإشارة الى أن من قرأ فاتحة الكتاب لا يدخل باباً من أبواب النار، ثم قال مقرراً هذا: التاء من السبور، (لاإله إلاالله!) والجيم من جهنم، والخاء من خذى، والزال من الزفير والزقوم، والشين من الشقاوة، واللام من لظى، والفاء من فراق، طيب يمكن أن نعكس عليك هذا، فنقول أيضاً الحروف المذكورة فى الفاتحة تدل على أسماء جهنم وعلى الشدة والخذى والعار، فنقول لك: الذال الذين تدل على الذلة، والغين غير: تدل على الغواش، {لهم منجهنم مهاد ومن فوقهم غواش} ، والنون إهدنا: تدل على النار، والحاء: تدل على الحميم، والميم: تدل على المهاد،، هذا بحث هذا؟ هذا تفسير؟، أو هذا تكسير؟!

لا إله إلا الله......الفاتحة خلت من سبعة أحرف لأن أبواب جنهم سبعة هذه تشعر بالخذى، طيب ما الفارق بين الجيم والحاء؟ الجيم من جنهم والحاء من حميم، لما ذكرت الحاء ولم تذكر الجيم؟ هذا لايقال، ولا يجوز أن ندخل العقل فى غير مجاله، الكتاب من أوله الى أخره كله حول هذا الهوس، ذكر الأيات وجعل جزء الآية أية من أجل أن يأفق أنها تسعة عشرحرفاً أو سبعة عشر حرفاً ليوفق بينها وبين أيات زعم أنها بهذه الأحرف، طيب الأية لما لا تكملها من أولها لتأخذ جزء منها، تتلاعب.. يقول فى صفحة 48: هناك من اوجه الإعجاز الأخرى ما هو سابق فى الزمان كإعجازه الموسيقى، ثم ذكر أن الحروف التى جاءت فى فواتح السور رمزاً لحركة السورة الموسيقية وما زالت أوجه إعجازه الموسيقية تترا وهذا كما قلت له كتب كثيرة كلها تحمل الجيف والقاذورات والبلاء..إعجاز موسيقى، لما جاء فى كتابه أسئلة حرجة الى حديث الدجال ونزول عيسى ابن مريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، تقدم أن محمد عبد الرشيد رضا، وبعد ذلك الآن صاحب كتاب (مواعظ العلم والإيمان) وإنتقل من الشك الى الإيمان، والله أعلم بالإيمان الذى إنتقل إليه المخذول مصطفى محمود.. كلهم ينكرون موضوع خروج الدجال ونزول عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، يقول فى صفحة 99،: أحاديث الدجال كلها خرافة وأحاديث نزول عيسى ابن مريم كلها مدسوسة، ثم بعد ذلك فى مكانين صفحة 28و64، سؤال حرج أين الله؟ يقول: من الضلال ما يعلمه الناس لأولادهم أن فى السماء....، النبى صلى الله عليه وسلم يقول للجارية: أين الله، قالت: فى السماء،. يقول: لأنه فى عصر الفضاء بقى الأولاد يتناقضون مع ما يتلقونه فى بيوتهم، ومع ما يشاهدونه فى حياتهم، فقد غزى الناس الفضاء ووصلوا للقمر، وما رأوا الله فلو كان فى السماء لرأوه، هذا كقول فرعون تماما، {يا هامان ابنى لى صرحا لعلى أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع الى إله موسى} ..

أيها المخذول، هل الإله جل وعلا عندما نقول فى السماء يعنى فى هذه الأجرام السماوية السبعة؟ إذا كان كرسيه وسع السماوات والأرض، المراد من السماء العلو المطلق، أأمنتم من فى السماء، إما أن تقول السماء بمعنى العلو ففى ظرفية على حقيقتها،،وإما أن تقول: أأمنتم من على السماء وهو فوقها لأن السماء كالأرض، فكيف يكون الله فى داخلها، السماء والأرض سواء، والله جل وعلا ليس فى شىء من مخلوقاته، {ليس كمثله شىء وهو السيع البصير} والله منفصل مباين لخلقه فى ذاته وصفاته وأفعاله وعلى عرشه بائن من خلقه لا ذاته فى شىء من المخلوقات ولا المخلوقات فى شىء من الخالق، منفصل عنهم سبحانه وتعالى هو العلى العظيم، فالسماوات والأرض سواء، أنه يكون فى السماوات ولا يكون فى الأرض نعوذ بالله من هذا الخذلان، أما هنا، من فى السماء، عندما أقول أين الله؟ فى السماء نقصد من السماء العلو المطلق، وإذا كنا نقصد من السماوات الأجرام المعروفة فهنا يكون معنى {فى} بمعنى على، {لأصلبنكم فى جذوع النخل} أى على جذوع النخل، {فامشوا فى مناكبها} على مناكبها، {فسيحوا فى الأرض} على الأرض سيحوا عليها وامشوا عليها، وماتمشى فى داخلها وتكون فى وسطها، وهنا كذلك على السماء أو فيها بمعنى العلو، فيقول: الآن بدأ يتناقض الجيل عندما نقول له الله فى السماء، وغزى الفضاء وما حصل هذا، ومثل هذا كثير وكثير، فبقول: هذا إشارة الى علم الموسيقى.

وهذا القول قاله ايضاً محمد صبيح فى كتابه (بحث جديد عن القرآن) فى صفة 95، فنقل عن زكى مبارك، إنتبهوا إخوتى الكرام من أين جاء هذا القول اللعين، أن الأحرف المقطعة هى نظم موسيقى، نقل زكى مبارك عن المسيوبلانشو، هذا كما تقدم معنا نقل عن مصطفى محمود عن الكاتب البولاندى، أن المراد من الدجال هو التكنولوجيا والعلم الحديث، لأنه أعور، يقول: ليس له صلة بربه، هذا العور الذى فيه، وهنا ينقل عن المسيوبلانشو، صار يعنى المستشرقون سيتكلمون فى تفسير كلام الله ونرجع إليهم، يقول: الحروف المقطعة هى مطلع موسيقى يقوم عليه وحدة النغم فى ترتيل أيات السورة،، يقول هو عن المسيوبلانشو، يقول: الحروف المقطعة إشارات وبيانات موسيقية يتبعها المرتلون، وكانت الموسيقى القديمة بسيطة ليست كالموسيقى الحديثة معقدة آلات كثيرة، فكانت الموسيقى القديمة، يقول من حرف أو حرفين أو ثلاثة لا تتجاوز خمسة أحرف ... فجاء إذاً القران موافقاً للموسيقى البسيطة، وهذا وراءه بعد ذلك أنه من صنع البشر وأن النبى صلى الله عليه وسلم حاك الناس فى هذا الأسلوب الذى كانوا يفعلونه، فلأن الموسيقى القديمة كانت بسيطة بدائية فجاء القرآن على هذه الوتيرة وعلى هذه الشاكلة، يقول زكى مبارك: ونحن مع إعترافنا وإعتدادنا بهذا القول نتوقف حتى تظهر الكنائس الحبشية والكنائس الشامية فى بلاد الحبشة والشام مدى صحة هذا القول وهذه الموسيقى كانت عندهم بسيطة ليست معقدة من حرف أو حرفين إلى خمس، فإن كان كذلك فيصح تفسير الحروف المقطعة بأنها موسيقى موافقة للموسيقى القديمة، مع إعتزازنا بهذا القول نتوقف فى من الحكم ظ الكنائس الحبشية والكنائس الشامية لتبحث لنا وتقرر لنا ماذا كان فى القديم من نغم يتبع فى الكنائس قبل تطور آلات الموسيقى.....

نعوذ بالله من هذا الخذى،، هذا القول الذى وقف زكى مبارك عنده لهذا الحد، قال: نتوقف حتى تحكم الكنائس، ماإرتضاه أيضاً محمد صبيح وقال: نحن نتفق بأن له قيمة لكن هذا القول لا ينبغى أن يهمل إنما هو قول معتبر وهو يقرب من قول المتقدمين: إنها حروف لتنبيه السامعين، أين هذا من ذاك؟ فهناك قلنا التنبيه كما يكون بلفظ يفهم يكون بلفظ لايفهم، فنقول: ياأيها الذين أمنوا،.ياأيها النبى، ياأيها الناس، يا بنى آدم، ونقول أيضاً: {آلم} أما قياس هذا على هذا، هذا فى منتهى الفساد الشقاء، فإذاً هذا تفسير عاشر وهو باطل منكر..

السيد قطب عليه رحمه الله وغفر الله له ولجميع المسلمين والمسلمات فى تفسيره (فى ظلال القرآن) وقع أحياناً عليه رحمة الله من غير قصد فى شىء من هذا، ولم يتنبه له عليه رحمه الله، فمثلاً فى كتاب فى تفسير سورة النجم.. يقول عنها: منظومة موسيقية علوية منغمة يسرى النغم الموسيقى في دمائها المقطعى وفى إقاع فواصلها ... وأنا أقطع قطعاً بأن هذا العبد الصالح ولا نزكى أحدأً على الله جل وعلا، ونسأل الله أن يجعله فى جنات النعيم بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين: أنه ما يقصد من أن هذه على أوتار الموسيقى، إنما يقصد هنا من الموسيقى: صوت يلتذ منه السامع، عندما يقرأ {والنجم إذا هوى. ما ضل صاحبكم وما غوى} ، صوت يلتذ منه السامع، لكن يبقى، هل يجوز أن نعبر عنه بأنه نغم موسيقى وإيقاع موسيقى؟ يبقى ذلل يرد على قائله مهما كان شأنه، لكن شتان أن ترد خطأ المخطىء إذا كان صالحاً وتعثر، وبين أن ترد خطأ من يضلل ويفسد فى دين الله، شتان بين هذا وذاك، هذا ترد خطائه برفق وتلتمس له عذراً وتدعو له.، وأما ذاك تحذر الأمة منه، فينبغى أن نفرق بين هذا وذاك،، فإذاً هذا حاله عندما قال هذا، هذه فى الحقيقة ذلل ينبغى أن يحذف، ويكرر سيد قطب عليه رحمه الله هذا فى تفسيره، يقول إقاعها الموسيقى ونغمها الموسيقى، هذا لايجوز أن يقال فى تشبيه هذه الأمور المستحسنة بهذه الأمور السترذلة، لاسيما والموسيقة لها فى العصر شأن لايخفى علينا.

وقد عملت مقابلة مع بعض المشايخ الزائغين، فقال مدللاً على حل الموسيقى (وسيدقطب عليه رحمه الله لا يقول الموسيقى حلال يقول حرام، لكن يعبر عن إيقاع فواصل الأيات بأنها نغم موسيقى، يأخذ من الموسيقى تشبيهاً معروفاً وهو اللذة والطرب وابتهاج الأذن بسماع هذا الترتيل المبارك، لايقصدأن الموسيقى حلال، فبض الزائغين عملت له مقابلة، فقال: الموسيقى حلال وقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبى موسى الأشعرى: [إننى إستمعت الى قرأتك وقد أوتيت مزماراً من مزامير داود] ، وهذا مما يدل على حل الموسيقى، ثم أخبر عن نفسه بأنه يطرب لفلانة وفلانة ويسمع لفلانة ... أيها العبد المضل بعد أن كنت ضالاً: من الذى أباح لك أن تستمع لغناء المرأة، لو قلنا إن الموسيقى حلال، وعندك عود تضرب به فى بيتك أو تضرب لك زوجتك، لو قلنا: من الذى أباح لك أن تسمع لإم جرثوم وشادية وبلية، من الذى أباح لك؟ أوريد أن أعلم؟ منالذى أباح لك أن تسمع للمغنيات الفاجرات؟، فكون الموسيقى تقول حلال، وتتلاعب بمدلولات النصوص هذا خذلان ... خذلان ثانى: تسمع للنساء، أوليس الغناء والموسيقى هو من الخضوع بالقول بالإتفاق، وهل المرأة عندما تغنى يكون كلامها جذلاً فصلاً أو بترقيق تنطيط، والله يقول للنساء عندما تكلم الرجال دون غناء {فلا تخضعن بالقول} ، فماذا بعد الغناء والموسيقى من خضوع وعندما تسمع لتلك الخبيثة وتستدل بأن ابى موسى الأشعرى رضي الله عنه أوتى مزماراً من مزامير آل داود، نعوذ بالله من الخذلان وإنطماس البصيرة..

إخوتى الكرام: الحديث رواه الإمام أحمد ورواه الشيخان فى صحيحيهما والترمذى والنسائى وابن ماجة عن ابى موسى الأشعرى رضي الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم مر عليه وهو يقرأ القرآن فى الليل، وقال [له لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود] ثبت فى رواية المستدرك للحافظ فى الجزء الثالث صفحة 466، أن ابى موسى الأشعرى رضي الله عنه، قال: لو علمت بمكانك لحبرت لك تحبيرا، المراد من مزامير آل داود: أى أوتيت صوتاً حسناً، كصوت نبى الله داود وأوتاره عندما كان يقرأ الزبور، قيل لذلك مزمار: تشبيهاً باللذة المطربة التى تقع فى المزمار، لكن ما كان عند نبى الله مزمار. المراد مزمار من مزامير آل داود: أوتيت صوتاً عذباً رطباً ندياً، كما كان يقول لذلك العبد الصالح عندما كان يجلس ويقرأ الزبور فى الصحراء الطيور تظله من عذوبة صوته، فأوتيت صوتاً حسناً، كما أوتى ذلك العبد الصالح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، ليس المراد بالمزمار والموسيقى.

ولذلك ثبت فى الحلية عن ابى عثمان النهدى أنه قال: دخلت على ابى موسى الأشعرى، فسمعته يقرأ القرآن فكان صوته ألذ وأحسن من الصنج والبربطى، والناى، الصنج: حديدتان يضرب بهما، والبربط يقول العلماء: ألة تشبه العود، والناى: الزمارة، صوته ألذ من هذه، أى إذا كان أهل الفجور يتلذذون بهذه والطبيعة الإنسانية تتلذذ بهذا، كما يتلذذ الإنسان بالزنا، وليس فى هذا دليل على حله، وليس اللذة مقتضية للحل، كون الإنسان إذا سمع المزمار يطرب لا يدل على أنه حلال، كما أنه إذا زنا يلتذ ... إنما صوت ابى موسى الأشعرى ألذ من صوت العود والزمار ة والصنج، كما ثبت هذا فى الحلية عن ابى عثمان النهدى بسند صحيح، فإذا ليس المراد: مزمار أنه كان عنده ألة يزمر بها، صوت حسن، صوتك يشبهه فى الحسن والعذوبة، وبهذا ينتهى الكلام على الأحرف المقطعة فى بعض سور القرآن، وأما تفسير أية سورة لقمان سنتدارسه فى الموعظة الأتية إن شاء الرحمن وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، والسلام ورحمة الله وبركاته..

تفسير18

تفسير (18) (تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تفسير (18) قولاً سديداً الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاًمستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، انت رب الطيبين، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، ولى الصالحين وخالق الناس أجمعين ورازقهم {وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ فى كتاب مبين} {ياأيها الناس أُذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، وشرح به الصدور وأنار به العقول، وأفتح به آذاناً صماً وأعيناًعمياً وقلو باًغلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به الله نبياً عن أُمته، ورضى الله عن أصحابه الطيبين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين {ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} ، {ياأيها الذين آمنوا إتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} ، {ياأيها الذين آمنوا إتقوا الله وقو لح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاًعظيماًْْْْ} . أما بعد معشر الأخوة الكرام..

انتهينا من مدارسة وبيان معنى الحروف المقطعة المذكورة فى أوائل بعض سور القرآن الكريم ونحن نتدارس فى الأصل تفسير سورة لقمان رضي الله عنه وعن سائر الصالحين والصالحات، وبدايتها {آلم. تلك آيات الكتاب الحكيم. هدى ورحمة للمحسنين} وذكرت أن الحروف المقطعة الموجودة فى بعض سور القرآن الكريم أجمع أئمتنا الكرام على أن لها معنى وذكرت لحكمة لأمرين معتبرين ... ثم بينت بعد ذلك هذا المعنى الذى من أجله ذُكرت الحروف المقطعة، وتلك الحكمة التى من أجلها وردت الحروف المقطعة فى أوائل بعض سور القرآن الكريم.... هل يدرس فى ذلك المعنى ويوقف على تلك الحكمة من جميع الوجوه، أو من وجه دون وجه؟، فقلت هذا محل الخلاف بين أئمتنا الكرام على قولين.... القول الأول: لايمكن أن ندرس الحكمة من جميع الوجوه ولا أن نقف على المعنى على وجه التمام والكمال، فغاية مانعلمه فى الأحرف المقطعة: أنها حروف من حروف الهجاء من حروف لغة العرب، إذ فتح الله بها بعض السور من كتابه جل وعلا، فهى حروف من حروف اللغة العربية، لكن ماذا يقصد بها وما الحكمة التى من أجلها ذكرت من أجلها هذه الأحرف فى أوائل بعض السور، هذا ما نقف عنده ولا نتكلم فيه. القول الثانى: أنه يمكن الوقوف على ذلك المعنى وإدراك تلك الحكمة، وقلت: كما تعددت أقوال القائلين بهذا القول الى ما يزيد على ثلاثين قولاً، ذكرت منها عشرة أقوال، سبعة ممكن أن تقبل. وهى متفاوتة فى درجات القبول، وثلاثة مردودة، ختمت الكلام على الأحرف المقطعة بها فى أخر موعظتى المتقدمة. وأما الآن سنشرع فى مدارستنا بعد الأحرف المقطعة فى أول سورة لقمان {آلم. تلك آيت الكتاب الحكيم} نتدارس إن شاء الله تفسير الأية الثانية من سورة لقمان وهى {تلك آيات الكتاب الحكيم} المؤلفة من أربعة كلمات....

إخوتى الكرام.. تقدم معنا أن الحروف المقطعة الموجودة فى بعض سور القرآن الكريم تعتبر آية فى مصاحف الكوفة، ونحن نسير على هذا الإختلاف فى مصاحفنا، وقراءتنا فى الأصل تنتمى لقراءة حفص عن عاصم إلى بلاد الكوفة، وعاصم كان هناك وفى مصاحفنا {آلم} تعتبر آية، وقلت ما عدى الحروف المقطعة فى أوائل السور آية إلا الكوفيون فى مصاحف الكوفة، وهذا ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وما بدؤه حرف التهجى فآية لكوف وطس كما تقدم معنا عند بيان آيات سورة لقمان، فى هذه راء، هى هذه الراء من الأحرف المقطعة {آلر} هذا لا يعتبر آية فى مصاحف الكوفة، وطس، وهكذا المثل للتى أُبتدئت بحرف واحد من ن وق وقال: هذه الآية تعتبر الفواتح فيها آية فى مصاحف الكوفة، إذاً {آلم} الآية الأولى، والآية الثانية هى التى نتدارسها الآن {تلك آيات الكتاب الحكيم} تلك إسم الإشارة، وآيات جمع آية والكتاب الذى نُعت بعد ذلك بالحكمة {آيات الكتاب الحكيم} ، هذه الكلمات الأربعة سنتدارسها، ونسأل الله العظيم بفضله ورحمته أن يلهمنا رشدنا وأن يبصرنا بعواقب أُمورنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتى الكرام.. أما الكلمة الأولى واللفظة الأولى فهى {تلك} تلك إسم إشارة، ووضع هذا الإسم فى اللغة العربية للإشارة به إلى بعيد غائب إذا كان مؤنثا، كما أن ذلك يشار به إلى البعيد الغائب إذا كان مذكرا، بعكس هذا وهذه ... فهذه يشار بها إلى القريب الحاضر إذا كان مؤنث، وهذا يشار بها إلى القريب إذا كان مذكراً..... وعليه تلك يشار بها إلى الشئ البعيد، وإلى الشئ الغائب إذا كان مؤنثاً، لكن أسماء الإشارة تتناوب، فيعبر أحياناً فى لغة العرب عن الحاضر القريب الموجود المشاهد بإسم الإشارة البعيد، كما يُعبر عن البعيد الغائب بإسم الإشارة القريب...... فما المراد هنا من إسم الإشارة؟ هل يُراد شئ حاضر قريبأ أُشير به بإسم الإشارة الذى وُضع كما قلنا للبعيد، أو أن المراد بهذا الإسم شئ غائب بعيد؟ لعلمائنا الكرام فى هذه المسألة قولان، القول الأول: أن المراد من إلإشارة هنا شئ حاضر قريب وليس بشئ غائب بعيد {آلم. تلك ... } فماذا نقول إذاً فى معنى (تلك) (هذه) {تلك آيات الكتاب الحكيم} أى (هذه آيات الكتاب الحكيم) تلك بمعنى هذه، والذين قالوا بهذا إختلفوا أيضاً فيما بينهم في توجيه هذا القول وتعليلهم إلى ثلاثة أقوال: إذا فسرنا إسم الإشارة الذى هو للبعيد بما يشار به إلى شئ حاضر قريب، هؤلاء قالوا تعليل هذا القول إلى ثلاثة أقوال إختلفوا فى تعليلهم، القول الأول.

القول الأول: ذهب إليه الإمام ابن كثير عليه رحمه الله وعدد من أئمة اللغة كمعمر ابن المثنى ابى عبيدة فى كتابه (مجاز القرآن) ويقصد بالمجاز تفسير القرآن، لا يقصد بالمجاز المعنى الإصطلاحى عند المتأخرين، كتاب ابى عبيدة معمر بن المثنى فى مجاز القرآن وتفسير القرآن وتأويل القرآن وشرح القرآن وبيان معنى القرآن، ولا يقصد بالمجاز، المجاز الإصطلاحى عند المتأخرين الذى يقابل الحقيقة، لا ثم لا، المجاز بمعنى التفسير.، زلذلك يقول البخارى عليه رحمه الله فى صحيحه عندما ينقل قول ابى عبيدة معمربن المثنى {آلم} مجازها، مجاز أوائل الصور، ما معنى مجازها؟ تفسيرها، والقول فيها كما يقال فى أوائل السور، قد تقدم معنا الإشارة الى هذا، وهنا ابو عبيدة معمر بن المثنى عليه رحمه الله فى الجزء الأول صفحة 28 عند مطلع ومفتتح وبداية سورة البقرة {آلم. ذلك} إسم إشارة للبعيد لكنه بصيغة المذكر، {ذلك الكتاب} وهنا إسم إشارة للبعيد تلك، لكن المراد آيات، هناك كتاب مذكر وهنا آيات مؤنث، والصيغتان للبعيد الغائب، يقول ابى عبيدة: ذلك الكتاب، هذا الكتاب، والعرب قد تخاطب الشاهد، أى الحاضر القريب، فتظهر له مخاطبة الغائب. والإمام ابن كثير عليه رحمه الله عندما فسر تلك بهذه {تلك آيات الكتاب الحكيم} ، هذه آيات الكتاب الحكيم، {ذلك الكتاب لاريب فيه} ، هذا الكتاب لاريب فيه، قال عليه رحمه الله فى الجزء الأول صفحة 39: العرب تعاوض بين إسمى الإشارة، أى تجعل واحدا عوضاً عن الأخر، فهما يتعاقبان فهذا يحل مع هذا فأحيانا تستعمل صيغة إسم الإشارة التى هى للبعيد، تقصد بها القريب الحاضر، وأحيانا تستعمل إسم الإشارة التى هى للقريب الحاضر وتريد بها مشارا إليه غائبا بعيدا، تعاوض بين إسمى الإشارة، قال معمر بن المثنى والشاهد على هذا ما ورد فى كلام العرب، يقول خُفاف بن نُدبة من شعراء العرب: أقول له والرمح يقطر مثنه ... تأمل خفافا إننى أنا ذلك

يقطر (يأطر) مثنه: أى يقطع مثنه وظهره، ويفصله عن بعضه، مثنه: مثن هذا المضروب. إننى انا ذلك: ما الأصل أن يقول؟ إننى أنا هذا، أى أنا حاضر بين يديك، أنا خفاف الذى أضربك هذه الضربة التى تقطع ظهرك. أشار إليه بإسم الإشارة الذى هو للبعيد وهو حاضر موجود، إننى أنا هذا. لكن الإمام الألوسى فى روح المعانى عليه رحمه الله فى الجزء صفحة 105، قال: وليس هذا بنص صريح على أن المراد من قول خفاف بن ندبة: إننى أنا ذلك، أنا هذا، أى أشار بإسم الإشارة الذى هو للبعيد الى حاضر قريب، لإحتمال أن يريد خفاف، إننى أنا ذلك الرجل الذى كنت تسمع به وتحدث عنه، فهو إذاً غائب بعيد، كان يسمع به هذا المضروب، إننى أنا ذلك، فكأن الإمام الألوسى عليه رحمه الله يقول: صيغة إسم الإشارة هنا التى هى للبعيد على بابها وعلى حقيقتها يقصد منها ما هو بعيد غائب ليس بحاضر شاهد، إننى أنا ذلك، ذلك الرجل الذى كنت تسمع به وتحدث عنه خذ هذه الضربة منه التى تأطر مثنك وتقطع ظهرك.

أقول: لكن ما قاله الإمام ابن كثير عليه رحمه الله وهكذا قبله معمر بن مثنى على علماء الإسلام جميعا رحمه الله ورضوانه، إن ما قاله هؤلاء العلماء، هذان وغيرهما له شواهد كثيرة فى كتاب الله جل وعلا، وقد جاءت صيغة إسم الإشارة للبعيد ويراد منها الحاضر الشاهد القريب، فمن ذلك قول الله جل وعلا فى سورة الأنعام آية 83 {وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} ، قال هذا بعد ذكر الحجة التى منحها الله ووهبها لخليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، {فلما جن عليه الليل رءا كوكبا قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الأفلين. فلما رءا القمر بازغا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضآلين. فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال يا ياقوم إنى برىء مما تشركون. إنى وجهت وجهى للذى فطر السواوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين. وحآجه قومه قال أتجاجونى فى الله وقد هدان ولاأخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربى شيئا وسع ربى كل شىء علما أفلا تتذكرون. وكيف أخاف ما أشركتن ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به سلطانا فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} .

ماذا قال بعد ذلك {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} ، تلك: بعيدة غائبة أو حاضرة قريبة إشير إليها، الإصل: وهذه حجتنا متقدمة التى منحها الله لخليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، الأصل: وهذه حجتنا التى تقدم ذكرها وسردها واستمعتم إليها وبينت بيانا شافيا وافيا، هذه الحجة آتيناها لخليلنا إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فعبر عنها بإسم الإشارة الذى هو للبعيد لكن المشار إليه حاضر مشاهد قريب ليس بغائب بعيد، وتلك حجتنا: معناها هذه حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء، وهكذا فى سورة السجدة آية 6 {الم. تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين. أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون. الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون. يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} . ماذا قال بعد ذلك {ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم} ، ذلك: إسم إشارة يشار به للغائب البعيد، والأصل هنا أن يقال: هذا المتحدث عنه {تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين. الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} والأصل أن يقول: هذا عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذى ذكرت أوصافه ةنعوته سبحانه وتعالى وما قام به من أعمال وأفعال وخلق وتدبير هذا هو الله العزيز الرحيم، فعبر عنه بذلك كما تقم معنا: العرب يعاوضون بين أسماء الإشارة فيجعلون إسم الإشارة الذى هو للبعيد للحاضر القريب المشاهد، ذلك: بمعنى هذا عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم.

ومثل هذا قول الله جل وعلا فى سورة الممتحنة فى آية10 {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا....} ماذا قال بعد ذلك {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} ما الأصل أن يقول: هذا حكم الله يحكم بينكم، هذا هو الذى تقدم ذكره، وهو أننا نمتحن المؤمنات إذا جئن مهاجرات، لإنها هاجرت رغبة فى الله ورسوله خالصة صادقة، ما هاجرت ل ... زوج، ولا رغبة فى أرض أو التزوج من غير زوجها، إنما هاجرت مؤمنة بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا إستبان لنا هذا فلا يجوز أن نعيدها الى الكفار، ولايجوز أيضاً أن نمسك بعصم الكوافر زوجة كافرة، ثم بعد ذلك نعطى مهور النساء اللآتى هاجرن الينا وهن مؤمنات لى الكفار عندما هاجرت هذه المؤمنة من ذلك المكان، ألأصل أن يقول: هذا حكم الله يحكم بينكم، أشير إليه وذكر ووضح وهو حاضر، فقال: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} .

ومثل هذا الكثير الكثير وإن أردت أن تتحقق من هذا فانظر الى هذا الأمر الذى يوضح هذه القضية غاية الأيضاح، كيف أشار ربنا جل وعلا الى الحاضر القريب بصيغة إسم الإشارة التى هى للبعيد، ثم بين أن المراد من تلك الصيغة التى هى للبعيد الحاضر الموجود القريب، يقول الله جل وعلا {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم} ، بعد أن قص قصة عبدة عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، الأصل: هذا نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم. إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. {الحق من ربك فلا تكن من الممترين. فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. إن هذا ... } ، مع أنه قال فى أول الآيات، {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم} ذلك، وهنا {إن هذا لهو القصص الحق..} ذلك هو هذا وهذا هو ذلك، فذكر إسم الإشارة الذى هو للبعيد فى أول الأمر ثم بين المراد منه وأنه حاضر أشير إليه وهو قريب موجود مشاهد بيننا ليس بغائب عنا {إن هذا لهو القصص الحق....} ، أى: إن ذلك الذى تلوناه عليك وأخبرناك عنه بصيغة إسم الإشارة التى وضعت للبعيد يراد منها ما هو حاضر موجود بين يديك، {إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم} .

هذا القول الأول: أن أسماء الإشارة تتعاقب ويحل بعضها محل بعض وينوب بعضها عن بعض، لكن هذا القول كما ترون مع سلامته وظهور الأدلة عليه يبقى فى نفسى نحوه شىء فهو كما يقال جاف جاف ماسخ ماسخ، وماعندنا شك فى أن صيغة إسم الإشارة التى للبعيد يعبر بها عن الحاضر القريب المشاهد المحسوس، لكن نقول هل من ذلك نكتة لما عبر عن الأمر القريب بإسم إشارة وضع للبعيد؟ نحن معكم فى هذا، وهذا وارد فى كلام الله جل وعلا ولغة العرب بكثرة.، لكن ما الحكمة وما النكتة وماالسبب وما العلة فى هذا التعبير؟ حقيقة القول الثانى الذى قال به كثير ممن أئمة اللغة العربية وإرتضاه جمهور المفسرين هو أظهر وأقوى من القول الأول، الذى ذكره الإمام السكاك فى (مفتاح العلوم) توفى سنة 626 عليه رحمه الله، يقول: {تلك أيات الكتاب الحكيم} تلك بمعنى هذه، لكن أشير بإسم الإشارة الذى هو للبعيد الى حاضر قريب تنزيلاً للبعد الرتبى منزلة البعد الحقيقى. وحقيقة هذا القول تطرب له الآذان وتبتهج به النفوس وتنشرح القلوب لقبوله.، يقول: هذه الآيات آيات جليلة سخيمة لها شأن عظيم، فإذا رتبتها ليست هى من حيث تلاوتها من حيث رسمها بعيدة أو قريبة، لا، من حيث منزلتها من حيث رتبتها منحيث مكانتها من حيث رفعة قدرها، هل منزلتها قريبة سهلة أم عالية عالية عالية؟ فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر الخلق، وهذا الكلام يعلو ولا يعلى، ويحكم ما دونه، أعلاه مثمر وأسفله مغدق، وما هو من كلام البشر...... إذا كان الأمر كذلك فنحن عندنا البعد ينقسم الى قسمين.. بعد حسى: يشار إليه بإسم الإشارة الذى هو للبعيد، تلك.

بعد معنوى: وهو الذى عبر عنه السكاك ببعد الرتبة والمنزلة، فإذاً نزل البعد المعنوى فى الرتبة والمنزلة منزلة البعد الحسى، فعبر عنه بتلك، إذاً {تلك آيات الكتاب الحكيم} ، هذه آيات الكتاب الحكيم تتلى عليكم، لما ذكر إسم الإشارة الذى هو للبعيد والغائب؟ نقول نزل هذه الآيات فى رتبتها وعلو شأنها ورفعة قدرها لمنزلة البعد الحسى، فبعد الرتبة كالبعد الحسى فلذلك هنا يشار إلى بعدها فى الرتبة والمنزلة وجلالة القدر لا فى البعد الحسى، وحقيقة هذا القول أوجه وألطف من القول الأول، ولذلك قال الإمام الألوسى عليه رحمه الله فى (روح المعانى) : هذا هو تعليل البعد، يعنى كيف أشار الى القريب بصيغة البعيد هذا هو تعليل البعد فى إسم الإشارة، أى البعد فى الرتبة والمنزلة، ونور القرب يلوح عليه، يعنى هذا القول هو القريب المستضاء وهو المقبول أننا نقول هنا، تلك بمعنى هذه أشير الى ما هو حاضر قريب بإسم إشارة لبعيد غائب تنزلة للبعد الرتبى منزلة البعد الحسى الحقيقى.

هل لهذا شاهد؟ نعم يقول الله جل وعلا فى سورة يوسف مخبراً عن امرأة العزيز الآية 32 {وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين. فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم. قالت فذلكن الذي لمتننى فيه.....} ، فذلكن، المراد هنا البعد الحسى الحقيقى أو بعد المنزلة والرتبة ما الدليل؟ فى الآيات..... آية كريمة واضحة أوضح من الشمس فى رابيعة النهار، {فلما رأينه أكبرنه} واضح {وقلنا حاش لله ما هذا بشرا..} هذا من طراز آخر، واضح هذا، هذا ليس له أحكام البشر {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} إذاً هن إعترفن برفعة قدره وعلو شأنه وبعد منزلته وأنه ليس على غرار البشر، إذاً منزلته علية ولذلك: فذلكن: أى هذا الحاضر بيننا منزلته عالية جميلة رفيعة بعيدة بعيدة، {فذلكن الذى لمتننى فيه ... } ، فهنا إسم الإشارة جاء بصيغة البعد والمراد منه القرب، لكن لما عبر عن هذا القريب بإسم إشارة بعيد لبعد رتبته ومنزلته وقدره وشأنه، كما قلنا وفى الآيات قرينة قوية على هذا فلما رأينه أكبرنه وعظمنه وبجلنه ورأين له شأن عظيم {وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} ، قالت الأصل: فهذا الذى لومتتنى فيه، ولو جاء التعبير بهذا لما كان فى الكلام توسية لنبى الله يوسف عليه السلام ما يليق به من القدر والمقدار، وهذه إشارات العزيز القهار سبحانه وتعالى.

إخوتى الكرام: وأسرار القرآن لا يقف اللإنسان عليها إلا إذا تذوق لغة العرب وأحاط بها، فإن (فذلكن) تأدية لمقام (فهذا) هذا لحن فى كلام الله، لأن هذا حاضر موجود وعنده نقول فهذا لأن قلبك ممحون وقلبك مأخوذ، ولو كان عندك طهارة وإدراك لهذا القرآن لكنت مثل العربى الذى يدرك ترتيب الكلام وحلاوة الكلام يهز رأسه طرباً.....يقول ومنزل هذا الكلام هو ذو الجلال والإكرام، (فذلكن) لأنه لو قال (فهذا الذى لومتننى فيه) يقول أين إذاً رفعة القدر التى ذُكرت لهذا النبى فى الآيات السابقة.. ضاعت؟ لذا عُبرعنها بما يدل على مكانته وعلو شأنه، فهنا ليس المراد منه البعد الحسى باٍلإتفاق، هو حاضر، فإذاً المراد من البعد بإسم الإشارة فذلكن للرتبة التى إتفق عليها النسوة، أكبرنه، و {حاش لله ما هذا بشراً} ، و {إن هذا إلا ملك كريم} {فذلكن الذى لومتننى فيه} .

إذاً {وتلك حجتنا} هذه حجتنا، نقول فيها ما نقوله الآن فى القول الثانى، نقل هذه حجتنا، عبر عنها الإشارة التى هى للبعيد، هنا أنها حجة محكمة قسيمة فصيحة بليغة، أخرست الخصم وأسكتته، فهذه يقال لها تلك ولا يقال هذه للإشارة إلى بعدها فى الرتبة والمنزلة والقدر، لا فى البعد الحسى والبعد الحقيقى، وهكذا فى سائر الأُمورّ {ذلك عالم الغيب والشهادة} لو قال هذا لكن فى الكلام شئ من التعجيل الذى لا يتناسب مع جلال ذى الجلال والإكرام، لذلك ألاداه تشير إلى عظيم منزلة هذا الرب، وأنه إله جليل عظيم ليس كأحد من المخلوقات، ذلك الإله الجليل العظيم الذي له كل كمال، ويتنزه عن كل نقصان، ذلك الذى فعل ما تقدم {عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم} ، فنقول إذاً إسم الإشارة الذي هو للبعيد يعبر به عن القريب لكن ينبغى أن يكون لذلك التعبير سبب ونكتة وحكمة، وهو أنه يراعى البعد الرتبى المنزول، الرتبة المنزلة فى المعنى فى القدر، وفى الشأن وننزل هذا منزلة البعد الحسى الحقيقى، وهذا القول حقيقة كما قلت إنه أقوى وأوجه من القول الأول.

القول الثالث: ذهب إليه الإمام الراجعى عليه رحمة الله، وذكره على أنه وجه مؤتمن. ووجه مقبول فى تفسيره فى الجزء الثانى صفحة 53 وبعد أن قرره رد عليه الإمام الألوسى عليه رحمه الله، فانظروا لحافز كلام هذين العبدين عليهما وعلى جميع المسلمين والمسلمات رحمة الله ومغفرته، يقول الإمام الرازى: {تلك آيات الكتاب الحكيم} {ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين} يقول: إسم الإشارة ذا، ذو إسم الإشارة، هذا موضوع للقريب وللبعيد، الوضع اللغوى، إسم الإشارة يشار به الى حاضر والى غائب، الى موجود والى بعيد، لكن فى الإستمعال، خص الناس إدخال الهاء على القريب، فيقولون: هذه وهذا، وإدخال اللام على البعيد فيقولون: ذلك وتلك، فإذاً الوضع، وضع اللغة لا يختلف، إسم الإشارة يعبر به عن البعيد وعن القريب، لكن الإختلاف فى إستعمال الناس، إذا أرادوا أن يشيروا الى قريب يدخلون على إسم الإشارة ذا: الهاء فيقولون هذا، إذا أن يشيروا به الى بعيد يقولون: ذلك إسم الإشارة هوهو، لكن هنا أدخلوا اللام وهنا أدخلوا الهاء، ذلك هذا، هذا ذلك، عندما يريدون أن يشيروا به الى بعيد ليأكد الإشارة فيأتى باللام، وعندما يريد أن يشير الى قريب يدخل عليه الهاء، وعليه تلك يقول: هذه خالفت عرف إستعمال الناس، لكنها فى اللغة موضوعة أصالة كما قلنا ليعبر بها عن مشار إليه قريب أو بعيد، وعليه فلا إشكال تلك بمعنى هذه لما؟

فأسم الإشارة واحد عرف الناس فقط هو الذى خص تلك بأنها للبعيد وهذه للقريب، يقول هذا مثل لفظ الدآبة، الدابة موضوعة فى اللغة لكل ما يدب ويمشى على وجه الأرض من إنسان وغيره، كون العرف الإستعمالى عند الناس خصها بالبهائم بالدواب ولا يطلقون على الإنسان لفظ دابة يكون هذا عرفاً للناس، عرف إصطلاحى إستعماله، لكن لو جاء وأطلق متكلماً على الإنسان لفظ الدآبة {وما من دآبة فى الأرض إلاّ على الله رزقها} {وكأين من دآبة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم} سبحانه وتعالى، فإذاً قوله: تلك، المراد من إسم الإشارة هذه، قل لا إشكال فى ذلك من ناحية الوضع وأصل الإستعمال فى اللغة تلك وهذه سواء، لكن هذا فى الإستعمال إصطلاح الناس يفرقون بين تلك وبين هذه كما يفرقون بين هذا وذلك، هذا إصطلاح للناس لكن الوضع اللغوى ليس كذلك، قال الإمام الألوسى عليه رحمه الله معلقاً على كلام الإمام الرازى: هذا كلام مخالف لما قرره علماء اللغة {وفوق كل ذى علم عليم} أى أن صيغة إسم الإشارة هذا بمعنى ذلك وهذه بمعنى تلك وهذه يشار بها الى قريب وبعيد وهذه الى قريب وبعيد والصيغة واحدة فى الوضع اللغوى، قل ليس كذلك، علماء اللغة يخالفون فى هذا {وفوق كل ذى علم عليم} والذى نخلص منه فى نهاية هذا المبحث القول الأول، إسم الإشارة تلك هنا، المراد منه على القول الأول شىء قريب حاضر {تلك آيات الكتاب} بمعنى هذه، لكن إختلف الأئمة فى تعليل هذا القول على ثلاثة أقوال: القول الأول: ذهب إليه ابن كثير وابو عبيدة معمر ابن المثنى، وغيرهما من أئمة الإسلام،: الى أن أسماء الإشارة تتناوب وتتعاوض ويؤتى بهذه بدل تلك فلا حرج فى ذلك، مع أن تلك موضعة للبعيد وهذه موضعة للقريب لكن تتناوب.

القول الثانى: نعم تتناوب لكن، لنكتة وحكمة وهى يلاحظ فى الحضر القريب عندما يعبر عنه بإسم الإشارة الموضوعة للبعيد يلاحظ بعد الرتبة والمنزلة والقدر، وننزل البعد الرتبى منزلة البعد الحسى الحقيقى. القول الثالث: قول الرازى وهو أن كلاً من صيغ أسماء الإشارة موضوعة فى الأصل ليشار بها إلى قريب أو إلى بعيد فى أصل الوضع لكن الإستعمال خص إدخال الهاء على إسم الإشارة إذا كان قريباً ليشار به إلى قريب، وإدخال اللام على إسم الإشارة ليشار به إلى بعيد، هذا عرف الناس وإستعمالهم، أما فى الوضع اللغوى فالأمر ليس كذلك ... أظهر هذه الأقوال كما قلت وأوجهها أوسطها. وكما تقدم معنا أمثلة للإشارة بإسم الإشارة لبعيد إلى قريب لنكتة لطيفة على القول التالى: سيأتى أيضاً إسم الإشارة الذى هو للقريب ويشار به إلى بعيد أيضاً لنكتة لطيفة، لا لمجرد التناوب والتعارض، ولا لأن كلاً من الصيغتين موضوعة ليشار بها إلى قريب أو بعيد كما يقول الرازى، إنما لنكتة (يشار بإسم الإشارة القريب للبعيد كما يشار بإسم الإشارة الذى هو للبعيد إلى قريب) .

مثال ما ثبت فى الصحيحين من سنن الترمذى والنسائى ومسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك، وإذا كان الحديث فى الصحيحين فهو فى أعلى درجات الصحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه (قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قباء فكان يزور أُم حرام بنت ملحان فكان إذا زارها تقدم له الطعام على نبينا رضي الله عنها ثم كان يقيل عندها (من القيلولة ولذلك بوب الإمام البخارى رحمه الله باب على هذا الحديث فى كتاب بإسم زان فقال باب من زار قوماًفقال عندهم أى نام عندهم القيلولة، قال يقيل بمعنى سكن وقال يقيل بمعنى نام، الماضى فيهما واحد لكن فيما بعد يختلفون، قال يقيل إذا تكلم ونطق، قال يقيل إذا نام، وقال يقيل إذا رد سلعته وأعطى الثمن للمشترى، فإذا رد البائع السلعة يقال مقيل، (قال يقيل نام) (قال يقول يتكلم) ثلاثة قبيل ثلاثة....القيلولة يَقيل، والإقالة يُقيل، والقول يقول..... هذا فى المضارع يظهر لكن فى الماضى، فصيغة قال يقول وقال يقيل واحدة، باب من زار قوما فقال عندهم، فكانت بعد أن تطعمه أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها ينام النبى صلى الله عليه وسلم عندها القائلة، فإستيقظ عليه صلوات الله وسلامه فى يوم من الأيام وهو يضحك، فقالت: ما الذى أضحكك بأبى أنت وأمى يا رسول صلى الله عليه وسلم، قال: أناس من أمتى عرضوا علىّ، (أى فى المنام) يركبون كبد هذا البحر، كبد أى وسط البحر، كبد هذا ... هذا أم ذلك..الأصل ذلك المعروف الذى هو بعيد، كبد هذا البحر كأنه حاضر فى قباء يسير إليه، يركبون كبد هذا البحر ملوكاً على الأسِّرة، أو كملوكً على الأسِّرة، فقالت أدع الله أن يجعلنى منهم، ولذلك بوب الإمام البخارى عليه رحمةالله فى كتابه الجهاد على الحديث فى باب آخر فقال: باب الجهاد للرجال والنساء وقال الرجال والنساء الشهادة فى سبيل الله، فقالت أدع الله أن يجعلنى منهم، فدعا لها النبى صلى الله عليه وسلم، وفى رواية قال: أنت منهم.

ورد فى رواية أبى داود أن أم حرام بنت ملحان كانت تغسل رأسها فأستيقظ النبى صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فقالت: أتضحك من رأسى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ناس من أمتى عرضوا على يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة، أو كالملوك على الأسرة، فقالت: أدع الله أن يجعلنى منهم، فدعا لها وقال: أنت منهم، ثم نام صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، فأستيقظ وهو يضحك صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، فقال: ما الذى يضحكك بأبى أنت وأمى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ناس من أمتى يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة أو كملوك على الأسرة، قالت: أدع الله لى أن أكون منهم، قال: أنت من الأولين) انتهى. ولامانع أن أم حرام بنت ملحان ظنت وخطر ببالها، أليس عندها يقين بأنها ستموت مع الدفعة الأولى، ظنت أنه سيمتد بها حياة، فهى تريد إذاً الغزوتين، الغزوة الأولى والثانية، لكنها أستشهدت رضي الله عنها فى الغزوة الأولى سنة إثنين....والغزوة فى البحر لها عشرة أضعاف الغزوة فى البر كما ثبت هذا فى المستدرك بسند صحيح أقره عليه الذهبي عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن غزوة فى البحر تعدل عشر غزوات فى البر، ومن أجاز البحر فكأنما قطع الأودية كلها، عندما يقطع البحر له أجر من قطع أودية الأرض بكاملها، والمائد فيه عندما يركب من أجل الغزو والجهاد فى سبيل الله لا من أجل والعربدة والفسوق كما يفعل فى هذه الأيام، والمائد فيه كالمتفحق بدمه فى سبيل الله عندما يركب البحر ليغزو ويعتريه الميادان والصداع ودوار الرأس له كأجر من يموت فى البر وينغمس بدمه ويتلطخ بذلك الدم، كالمتفحق بدمه فى سبيل الله.، والحديث كما قات أخوتى الكرام فى المستدرك بسند صحيح.

ثم حرام بنت ملحان، خرجت فى عهد عثمان رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام، وهى أول غزوة غزاها المسلمون فى البحر سنة 28 فى عهد معاوية، عندما فتحت قبرص، وكان معاوية أميراً على بلاد الشام من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، وكان يستأذنه مراراً فى أن يركب البحر من أجل الغزو فى سبيل الله فكان عمر يمتنع ويقول: راكب البحر كدود على عود فإذا إنكسر العود هلك الدود، ولا أريد أن أجر أمة محمد صلى الله عليه وسلم الى مخاطر نغزو الآن من البر وفضل الله واسع، لما جاء عثمان إستأذن معاوية رضي الله عنهم أجمعين عثمان بن عفان رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام فى الغزو فأذن له، فأول عزوة إنطلقت فى البحر فى سبيل الله سنة 28 وفى تلك السنة فتحت قبرص، وكانت تحقيقاً لهذه البشارة النبوية أم حرم بنت ملحان فى تلك الغزوة، فركبت البحر ونزلت فى قبرص، وركبت دآبتها بعد ذلك فسقطت عنها وماتت، ويقال عن قبرها فى قبرص (قبر الشهيدة) ، قبر المرأة الصالحة أم حرام بنت ملحان ...

إخوتى الكرام الحديث كما قلت فى الصحيحين، وكنت ذكرت مرة أمام بعض الإخوة عندما كنت فى أبها من الأخوة الصالحين المدرسين فى تحفيظ القران، فقال: ما صلة أم حرام بالنبى صلى الله عليه وسلم، قات: ليس بينهما صلة، حكى ابن عبد البر: أنها كانت خالته من الرضاعة فهى من الحارم، وأشار الى هذا الإمام أبو بكر بن العربى ولكن هذا لا يثبت، وليس بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أم حرام بنت ملحان أى قرابة ولا صلة، هى امرأة من هذه الأمة، قال: كيف يدخل عليها، قلت: من هو محمد صلى الله عليه وسلم، قال: رسول الله، قلت: رسول الله إذاً وصلنا، وصلنا للمطلوب، والله الذى لاإله إلا هو المؤمن يأمن رسل الله صلى الله عليه وسلم على زوجته وبناته أكثر بكثير مما يأمن والده ووالد زوجته على زوجته وبناته، إذا دخل والد زوجتك على زوجتك فى غيبتك هل يتنعروجهك وهل تقول له لما دخلت وأنت رجل، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أطهر بكثير من هذا، ولا تصح المقارنة، وهو مع نساء الأمة كالمحارم، وهذه خصوية له صلى الله عليه وسلم، وهذا هو تحقيق الحافظ الدمياطى عليه رحمه الله، والحافظ بن حجر فى الفتح فى الجزء الحادى عشر صفحة 38، قال: أحسن الأجوبة دعوى الخصوصية وأن هذا خاص بخير البرية صلى الله عليه وسلم.،. وقد ثبت فى الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم لايدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا أم سليم، وهى أخت أم حرام بنت ملحان، إلا أم سليم فإنه كان يدخل عليها، فقيل له فى ذلك: فقال: أرحمها، قتل أخوها حرام معى، قوله معى أى فى بيتى وفى عهدى وفى طاعتى، ولم يقتل حرام فى غزوة مع النبى صلى الله عليه وسلم إنما قتل فى بئر معونة، ولم يكن النبى صلى الله عليه وسلم فى تلك الغزوة، ولما طعن بالسيف كما هو فى الصحيحين، ضرب حرام نادى بأعلى صوته: فزت ورب الكعبة.

وثبت مثل هذا لعامر بن صهيرة عندما طعنه جبار بن سلمة، فقال: فزت ورب الكعبة، فقال الطاعن: بأى شىء يفوز، يطعن ويضرب والدماء تخرج من بدنه وتسال على وجهه، يقول: فزت ورب الكعبة، ثم أسلم قاتل حرام، وأسلم قاتل عامر بن صهيرة جبار بن سلمة، عندما رجع الى عقله ورشده، ذاك يموت ويتحسر على حياته ولم يحصل بعد مماته إلا الشقاء، وهذا يموت ويقول: فزت ورب والكعبة، بإى شىء فاز، فقيل له: بعد هذه الحياة حياة أخرة هى الحيوان، وأما هذه ظلٌ زائل لابقاء له، فأمن واهتدى بعد أن قتل جبار بن سلمة، عامر بن صهيرة مولى وغلام ابى بكر رضي الله عنهم أجمعين، وهكذا المشرك التى قتل أيضاً حرام أيضاً أمن واهتدى بعد ذلك، فزت ورب الكعبة، فقيل للنبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك: كيف تدخل على أم سليم، قال: قتل أخوها معى، كان يدخل إذاً من باب مواساتها. وقد بوب الإمام البخارى عليه رحمه الله على هذا الحديث التالى باباً فى كتاب الجهاد، فقال: باب من جهز غازياً أو خلف غازياً فى أهله بخير، ثم أورد حديث، من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازيا فى أهله بخير فقد غزا، ثم أورد هذا الحديث الذى فيه، أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على امرأة من النساء إلا على أزواجه وعلى أم سليم، وفى الحديث كما ترون ما كان يدخل إلا على أم سليم، وتقدم معنا فى الصحيحين، كان يدخل على أم حرام بنت ملحان، فلذلك ذهب بعض العلماء، كما ذكر هذا الحافظ فى الفتح والحميدى وغيره، الى أنه ما كان يدخل على غير أم سليم، فدخولى على أم سليم، يعنى يقصد على أم سليم، وأما أم حرام بنت ملحان فكان يزورها بمقدار.

قال الحافظ بن حجر وهذا فى الحقيقة خطأ والحقيقة أن أم سليم وأم حرام، كانتا فى منزل واحد، وكل واحدة لها حجرة، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يدخل عليهما، أم سليم هى أم أنس، وأم حرام هى خالة أنس، وهما أختان، فكان يزورهما النبى صلى الله عليه وسلم مواساة لهما لأن أخاهما قتل، كيف يدخل على النساء بلا محرم؟ نقول ــــ هو آمن على نسائنا منا على بناتنا، ووالله إنه آمن على بنتى منى، ولذلك قد، وهذا يقع، وقد يقع أحياناً إعتداء من بعض المحارم على محارمهم، يقع، ولعل هذا العصر إمتلأ بمن يعتدى على أخته ومن يعتدى أحياناً على أمه، الحوادث فى هذا كثيرة نسأل الله اللطف والعافية، وقلت للإخوة الذين فى بيوتهم هذه الأجهزة الخبيثة الملعونة جهاز التلفاز، قلت: أنا لا أتصور بيتا فيه هذا الجهاز إلا وفيه زنا، إما يزنى ببنات الجيران وبأخواته، وإماأن يظهر وإماأن يخفى، يعنى هذا وجد فى البيت ولا يوجد عهر هذا مستحيل عادة، لكن عندما تأجج الشهوات فى قلوب هؤلاء الشباب والشابات ماذا سيحصل للأمر، سيحصل ما يندى له الجبين، ولو كان فى الأمم السابقة من أتى أمه علانية ليوجد فى هذه الأمة من يفعل ذلك إذاً يوجد فى هذه الأمة من يزنى بأمه لكن لا يفعل هذا علانية، فالحوادث التى ثبتت بزنا الأخوة بأخواتهم والأباء ببناتهم أوصيب منهم من بال، ليست واحدة، ما عرض على أنا فقط حوادث متعددة أعرف الأباء الذيت أبتلوا بهذا، ولد زنا بأخته نسأل الله العافية.

مرة إتصلت بعض النساء بأحد الشيوخ عندنا فى أبها، وهذه لم تعرض على مباشرة لكن قلت له علم الله عرضت علىّ بعض القصص من الأباء الذين أبتلوا بهذا فى بيوتهم ثم يعترف بسبب ماحصل فى بيته من هذه الأجهزة الخبيثة، تتصل به مرأة فى وسط الليل تقول: شيخ فلان، نعم، ماذا تريدين ياأمة الله؟، فلما تحققت منه، بدأت تبكى على سماعة التليفون، قال: مالك، قالت: دخلت الى حجرة النوم وإذا بالولد فوق البنت، الآن هل هذا المشهد منه إليه تتصل به، وأبونا غائب وماذا أتصرف وماذا أفعل، قال: وما السبب فيها، قالت: لما أدخل هذه الأجهزة فسد الأولاد، فالشيخ يقول: ماذا أقول لها، يا أمة الله دبرى الأمر، واحتاطى من المستقبل نسأل الله لنا ولكم العافية، هذا مثله كثير وكثير، إذاً يتصور إعتداء من المحارم على محارمهم؟ يتصور.

هل يتصور خيانة من النبى صلى الله عليه وسلم نحو امرأة من نساء الأمة؟ من خطر هذا بباله فليجدد إيمانه، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم، معصوم يفعل ما يعله البشر ويعتريه ما يعترى البشر صلى الله عليه وسلم مما أحل الله له ويحتاج للبشر، أما فيما هو حرام حكمه كحكم الملائة الكرام، يعنى حال نبينا صلى الله عليه وسلم كحال جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فهل يتصور من الملائكة التى تخالطنا الإعتداء على أعراضهم؟ هكذا نبينا صلى الله عليه وسلم.، وإذا كنت تأمن والدك وعمك من الدخول على بيتك، لأنه والد زوجتك، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو قدوتنا ومعصوم صلى الله عليه وسلم من كل خيانة ورذيلة، لكن هذا لايثبت لغيره، لكن لا يقال إذا بعد ذلك: شيخ فى الدين صالح ذاك ليس له ثوب العصمة واضح هذا، ليس له ثوب العصمة، فحذار حذار أن يخدعك الشيطان، قد يفعل شيخ الطرق يأتى يدخل على النساء، يقول: هذا شيخ، هذا شيخ، شيخ الطرق الصوفية يحرفون الظن، قال: هذا شيخ يخلو بالنساء، هذا شيخ، هذا صار مثل القسس عند النصارى، يخلو بالنساء ويفعل ويفعل، ويقال: هذا أب روحى، هذا قسيس، يعنى قسيس ملعون يخلو بالنساء ما عليه حرج، ذاك نبى عليه صلوات الله وسلامه، نبى رسول، إذا لم تؤمن بعصمته صلى الله عليه وسلم، كما حصل إيماناًمنك بنبوته فاختلف الأمر.

تفسير19

تفسير (19) (تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تفسير (19) وتؤمن بعصمته صلى الله عليه وسلم كما حصل إيانا منا بنبوته فاختلف الأمر، ذاك فيما يتعلق بجانب المحرم حال الله بينه وبين ذلك صلى الله عليه وسلم، فيما يتعلق بجانب الحرام ليس له نفس بشرية صلى الله عليه وسلم، إنما هناك {ولتصنع على عينى} عناية ربانية فكونه على أم حرام بنت ملحان لا إشكال فى ذلك، هو آمن عليها من أنس بن مالك إذا كان أنس يدخل على خالته، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال لى هذا الأخ: يا شيخ نحن لو قلنا بهذا سنفتح باباً للمستشرقين، قلت: أف وتف لعقلك، نحن نستحى من إظهار ديننا ونخشى من المستشرقين، وأننا إذا قلنا هذا سنفتح الباب للمستشرقين يقولون: كيف إذا يحصل ويحصل، يا عبد الله أنت ما تعرف حقيقة النبوة، وعندما سنقرر هذا سنفتح باباً للشبهة وللمستشرقين، نعوذ بالله من هذا الضلال المبين، هذا رسول صلى الله عليه وسلم، فإذاً كان يدخل على أم حرام بنت ملحان وعلى أم سليم رضي الله عنهما وهما فى بيت واحد، وهذا هو وجه الجمع بين هذين الحديثين، فقال: أرحمها قتل أخوها معى.

إخوتى الكرام: إذاً الشاهد هنا يركبون ثبج هذا البحر، يركبون ثبج ذلك البحر، للغزو فى سبيل الله، كيف عبر عنه بإسم الإشارة التى هى للقريب الحاضر؟ قلنا لنكتة، فيكم من يستنبط هذه النكتة؟ هناك نكتة تنزيل البعد الرتبى فى المنزلة منزلة البعد الحقيقى الحسى، يشار لكن البحر غير موجوديشير إليه يركبون ثبج هذا البحر، أين هو؟ إذاً كأنه حاضر، واضح هذا، أى إشارة الى أن هذه الرؤية ليست رؤيا أضغاث أحلام، خلينا نجعل البعيد قريب، ورؤيا الأنبياء حق، هذا متحقق لا خلاف فيه، هذا متحقق وسيقع، وكأنه حصل وكأن البحر هذا هو أشير لك إليه وهم عليه يركبون ثبج هذا البحر، قوله: (ملوكاً على الأسرة أو كالملوك على الأسرة) فى ذلك إشارتان كما قال الحافظ بن حجر، الأول إشارة غلى أنه من أهل الجنة..فهذا وصفهم فى الآخرة يركبون البحر ولهم بعد ذلك المنزلة فى الآخرة إخواناً على سرر متقابلين كالملوك على الأسرة، وفى ذلك إشارة أخرى.. وهما متلازمتان.. إشارة إلى عظم حالهم وشدة قوتهم وإندفاعهم فى سبيل الله، فهم يركبون البحر وهم فى هذا التمكن وفى هذا الإعتداد يجاهدون فى سبيل الله، على هذا البحر الذى يميد وكأنهم ملوك على الأسرة فى حال الأمن والرخاء، وأنا أقول الأمران متلازمان حالهم الثانى ينتج عنه حالهم الأول ... فعندما يجاهدون فى سبيل الله بهذه النفوس الطيبة القوية هم على البحر كالملوك على الأسرة، هذا سينقلهم إلى سرر الآخرة المرفوعة بعد موتهم بفضل الله وكرمه.

الشاهد يركبون ثبج هذا البحر هذا القول الأول إخوتى الكرام فى بيان معنى إسم الإشارة تلك، هذه إسم الإشارة للبعيد عبر به عن مشار إليه حاضر قريب، ثم يتعاقبان ويتناوبان ... وإما ينزل البعد الرتبى منزلة البعد الحقيقى، وإم أن إسم الإشارة فى الأصل موضوع للمشار إليه بعيداً أوقريباً، لكن الإستعمال العرفى خصص القريب بإدخال الهاء عليه، والبعيد بإدخال اللام عليه، فجاء القرآن على أصل الوضع لا على حسب عرف الإستعمال ... ثلاثة أقوال كما قلت أظهرها وأقواها أوسطها والعلم عند الله جل وعلا. هذا القول الأول، القول الثانى فى بيان المراد بإسم الإشارة..أما قلنا قولان فى أول الموعظة..إما أنه إسم إشارة لبعيد يشار به إلى قريب، إنتهينا وهؤلاء قلنا إختلفوا وعللوا قولهم بثلاثة أمور. القول الثانى.. إسم الإشارة هنا تلك للبعيد والمشار إليه بعيد، وأختلف فى تعيين ذلك البعيد كما قال القرطبى على عشرة أقوال، وتلك الأقوال ذكرها الإمام الرازى وزاد عليها، أنا سأجملها بحيث تصل على التفصيل أحد عشر قولاً إن شاء الله فى بيان المراد بإسم الإشارة تلك على أن المشار إليه بعيد غائب ليس بحاضر قريب ... يعنى البحث عندما يكون فى المفردات اللغوية قد يكون فيه شئ من الجفاف، ولذلك ندخل من حديث إلى حديث ونربط هذا ببحثنا، لأجل أن يصبح فى البحث شئ كما يعنى يقال على تعبير الأخوة المصريين من الطراوة، على القول بأن المراد هنا إذاً مشار إليه غائب بعيد..ما المراد بذلك المشار؟ وأن إسم الإشارة الآن على ظاهرين، صيغة بعيدة يشار بها إلى بعيد، لا تناوب ولا تعارض ولا وضع ولا نكتة عندما عبر بالبعيد عن القريب..ما هى هذه الأقوال؟

القول الأول: قيل إن الله وعد نبيه صلى الله عليه وسلم بأن ينزل عليه كتاباً عندما بعثه، فأشار ربنا جل وعلا فى هذه الأية وفى نظائرها الى الوفاء بذلك الوعد الذى وعده به عندما بعثه {تلك آيات الكتاب} ذلك الكتاب الذى وعدناك بإنزاله، هذا هو، إذاً تلك يشار الى ذلك الوعد الغائب البعيد، هل الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن ينزل عليه كتاب؟ نعم، ورد هذا فى الحديث وورد فى القرآن، وهذان القولان إعتبرتهما واحد، والقرطبى جعلهما قولين، لذلك قلت: ستكون تسعة، لكن بعد ذلك أزيد قولاً من الرازى فتصبح أحدى عشر قولاً.

حدث فى السنة ما يشير الى هذا الوعد ففى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم، وإذا ذكرت كما قلت أخوتى الكرام الحديث فى الصحيحين أو فى أحدهما فلا داعى أن نقول إنه صحيح لأن هذا مقطوع به فكونوا على علم بذلك، إذا لم يكن الحديث فى أحد الصحيحين نشير الى درجته إن شاء الله، فى صحيح مسلم والحديث فى المسند عن عياض بن شمار النجاشعى قال: قام فينا النبى صلى الله عليه وسلم خطيباً ذات يوم، فقال إن ربى أمرنى أن أعلمكم ما علمنى فى يومى هذا مما جهلتم، أى أعلمكم فى يومى هذاما جهلتموه وما علمنى ربى وأنزل على [كل مال نحلته عبداً فهو حلال] هذا حديث قدسى ولم يصرح النبى صلى الله عليه وسلم بإضافته الى ربه كأن يقول، قال الله تعالى: [كل مال نحلته عبداً فهو حلال] الله سخر لنا ما فى السماوات والأرض والناس هم الذين أحلوا وحرموا كما فعل المشركون عندما جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً، فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركئنا، كما فعلوا بالوصيلة والسائبة والحام والبحيرة، الشرائه الشيطانية التى كانوا يشرعونها، إذاً الأصل فى الأشياء الحل، ولا يثبت التحريم إلا بنص، الأصل فى الأشياء الحل عندما يأكل الإنسان البندورة أيلزم أن يستدل على ذلك بنص جزئى فى حل البندورة، كلوا البندورة فإنها حلال، عندما يأكلها يقول: كيف تأكل، قل: سخر لكم ما فى السماوات والأرض، بين لنا ما حرم علينا وما سكت عنه فهو داخل فى دائرة الإباحة، الأصل فى الأشياء الإباحة والحل [كل مال نحلته عبد فهو حلال] أى يقول الله كما قلت، وإنى خلقت عبادى حنفاء كلهم على الإسلام وعلى الفطرة فاجتالتهم الشياطين عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بى ما لم ينزل به سلطانا.

هذا الحديث القدسى [وإن الله نظر الى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب] والمقت هو أشد الغضب وأعظم انواع السخظ {كبر مقتا عند الله أن تقولوا على الله مالا تفعلون} ، ولذلك نكاح المقت ماهو: أن يتزوج الإنسان منكوحة أبيه، هذا ليس فاحشة هذا أيضا مقت، {ولاتنكحوا مانكح آبائكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وسآء سبيلا} وأما هنا نكاح امرأة الأب، والمعتمد عند الحنابلة وهذا أظهر أقوال الإسلام: أن من وطء إحدى محارمه من منكوحة أبيه أوغيره ممن تحرم عليه على التأبيد يقتل كيف ماكان حاله، سواء بعقد أو بعهر بغير عقد، إذا وطء إحدى محارمه حده القتل، لأنه فرج محرم قطعى التحريم لا يباح بحال ليس للإنسان فى ذلك شبهة، وقد ثبت فى المستدرك وغيره من حديث البراء بن عازب، أنه رأى عمه يحمل راية، فقال: الى أين، قال: الى ذاك الذى تزوج زوجة أبيه، فقد أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب رقبته وأن آخذ ماله ألفى ألف فى بيت المال، وأن أخذ ماله، يقتل ويؤخذ هذا المال بعد ذلك فىء، إذاً مقت [إن الله نظر الى أهل الأرض فمقتهم (غضب عليهم أعظم أنواع الغضب) عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب] .

والسبب فى المقت الظلام الذى خيم على البشرية قبل بعثة خير البرية صلى الله عليه وسلم، إلا بقايا من أهل الكتاب الذين يتمسكون بالدين الحق الذى كان عليه عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال الله، أى لى للنبى صلى الله عليه وسلم: إنى بعثتك لابتليك وأبتلى بك وأنزلت عليك كتابا (أى سأنزل عليك كتابا، وأخبر عنه بصيغة الماضى لتحقق حصوله) ، لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقذانا (إذا وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم عند بعثته بأن ينزل عليه كتابا لايغسله الماء أنجيلهم صدورهم ليست هذه الصحف {بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بأياتنا إلا الظالمون} ولو أحرقت المصاحف عن بكرة أبيها فلا يحصل تغير فى هذا القرآن، والمصاحف التى فى القلوب تساوى لعله المصاحف التى فى السطور، أناجيلهم صدورهم {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} ، وقال الله (تكملة الحديث، هذا محل الشاهد إنما من باب كما قلت إستعراض كمال الحديث للننظر الى أحكامه ولنخرج من هذا البحث الذى هو بحث لغوى محض فى بدء هذه الصورة) وقال الله لى: حرق قريشا (أى قاتلهم وحرقهم) فقلت ربى: إذا يثلهوا رأسى حتى يدعوه خبزتا، (اى يقطعوه ويشقوه كما يقطع الخبز ويقطّع ويشق) وأمرنى ربى، وقال لى ربى: حرق قريشا (أى قاتلهم وأصدع بالحق فيهم ولا تبالى) فقلت ربى: إذا يثلهوا رأسى حتى يدعوه خبزا، فقال الله لى: إستخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك (أى نمكنك منهم ونعينك عليهم) وأنفق ينفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، (تكملة الحديث كما قلت) .

وأهل الجنة ثلاثة، إمام مقسط متصدق موفق (إذا لم يكن الإمام من هذا الصنف فهو من أهل النار أمير مقسط يتصدق ويتفقد الرعية ويواسى الفقراء والمحتاجين ومجالسه يحضرها أهل الحاجة والمسكنة لاأهل الكبرياء والغطرسة، إمام مقسط متصدق موفق، هذا من أهل الجنة) ورجل رحيم القلب على كل ذى قربى ومسلم من أهل الجنة، وعفيف متعفف ذو عيال (عفيف فى نفسه عندما تعطيه يتعفف ويقول: أنا فى نعمة وستر وعافية، وعنده عيال، هؤلاء من أهل الجنة) .

وأهل النار خمسة كلام النبى صلى الله عليه وسلم، الضعيف الذى لا زَبر له الذين هم فيكم تبعا، لايتبعون أهلاً ولا مالا (الذى لا زبر له: أى لاعقل له، ولا يقصد بالعقل هنا، العقل الغريزى أى المجنون، لا، إنما يقصد به هنا الأحمق السفيه الذى هو عالة على غيره همه أن يأخذ من هذا وذاك، ولذلك ليس له زوجة وليس له عمل، عاطل باطل لافى دين ولا فى دنيا، لازبر له، لايتبع شيئا ليس عنده أهل ولا مال، يحتال على هذا وينصب على هذا ويتطفل على هذا يعيش على عالة على الناس، كما هو الموجود فى كثير من الناس عندما تصل بهم الدنائة والخسة الى هذا كما قال بعض الكسالى معبارا عن هذا: والله ما فقرنا إضطرار إنما فقرنا إختيار، أى فنحن مضطرين للفقر يعنى مانحصل الغنى لا نحن إخترناه، لما؟ جماعة كلنا كسالى، وأكله ماله عيار، (هذا هو الضعيف الذى لا زبر له) أو لا تدرون من هم، أول ما ينطبق هذا الوصف على قسس النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة الى يوم القيامة ليس له عمل لافى دين ولا فى دنيا، أما فى الدين أكذب خلق الله، أكذب من الشيطان الرجيم، الشيطان إذا رأى القسيس يبتعد عنه خشية أن يزيده خبثا وفسادا، ولذلك يقال عندنا فى بلاد الشام إذا أراد أن يخبر عن حقارة إنسان يقال (أكذب من الخورى والقسيس على الله يوم الأحد) لما يجلس يوم الأحد يكذب على الله، اسمع من الكذب الذى ابليس ماسمع به، هذا قسيس إذا الدين لا ليس عنده عبادة، وأما الدنيا جالس تراه مثل الثوب فى جسمه، طيب أنت فى الأصل زاهد إعتكفت فى هذه الصومعة فى هذه الكنيسة ينبغى أن تكون بمثل العود، رقبته فقط أغلظ من رقبة الثور يأكل حقيقة والله مالا تأكله عشرة ثيران ويحرم عليه النكاح، إذ لايجوز أن يتزوج هذا قسيس لكن يجوز أن يزنى الزواج حرام والزنا حلال، يزنى فى اليوم أحيانا بعشر نسوة، هذا قسيس زنا حلال أما النكاح.، هذا هو الضعيف الذى لازبر له.،

الذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولامالا، وهذا حال القسس، وانظر للنصارى مع قسسهم لو أن قسيسا لعينا يقول فى أمريكا سيجمع مائة ألف دولار، مليون دولار، عشرة ملاين دولار فى يوم كذا قبل أن تشرق الشمس، لوضعت أمامه على الطاولة فى الكنيسة قبل أن تشرق الشمس، هذا حاله، وانظر بعد ذلك لعلماء هذه الأمة فى هذه الأمة إذا سلموا من أذى الناس هم فى نعمة، إذا سلموا من الأذى، أما الإكرام فلا يخطر هذا على بال علماء الإسلام الصالحين ولا يريدونه من أحد، لكن إذا سلموا من الأذى هذه نعمة حقيقة.

رأى مرة بعض الناس رجلاً معه ثعلب قبض عليه، قيل: ماذا ستفعل بهذا الثعلب، قال: سأعذبه عذابا شديدا، قال: ولما؟، قال: كل فترة يأتى ويأكل لى الدجاج وأنا أطارده من جهة الى جهة وأمكننى الله منه، سأخذه الآن أمثل به تمثيل ما رأه يعنى مخلوق على وجه الأرض، قال: أتريد أن تعذبه، قال: نعم، والذى يكلمه طالب علم، قال: خذ هذه العمة وضعها على رأسه واتركه، فتركه يعانى من هذه الأمة ما يعانى، لا يطارد فى الحياة إلا علماء الإسلام، والله إن طالب العلم الصادق فى هذه الأيام ما تمر عليه لا أقول ليلة، لحظة، إلا ويتوقع فيها إما القتل وإما الإعتقال، لما هذا؟ القسيس، سمعتم عن قسيس فى بلاد النصارى يعقتل، لا إله إلا الله، لما زج بالعلماء فى بعض البلدان على التعبير اللعين حاكم تلك البلاد، بأنه مرمى الشيخ فى السجن كالكلب، يقول: زى الكلب، الكلب الذى يرقص زوجته مع كافر، ليس الذى يوضع وراء القضبان فى سبيل الرحمن، ماذا عمل مع القسيس سبب الفتنة وسبب كل بلاء، ماذا عمل يستطيع أن يضعه وأن يحبسه وراء الحديد والقضبان، غاية ما حصل صفق له وأعتبروا هذا نصر، أنه أقاله من المسئولية عن النصارى، وقال: إختاروا غيره ليحل محله، ثم أعيد بعد ذلك الى رتبته، فقط، وقيل له إلزم الإقامة فى بيتك، قسيس يقيم فى بيته، ثم ترسل له الدولة تتدس به بعد ذلك مكافآت يقولون: خاطرك لا يبقى علينا إلا الطيب لأجل ننتهى من المسلمين، نحن بعد ذلك نكرمك أكثر مما كنت تحصل، يلتمس لنا عذراً، وأما ذاك يقال عنه بكل قلة حياء هذا الشيخ فى السجن زى الكلب، العلماء صاروا زى الكلاب هذا حلنا، على من يصب أليم العذاب فى بلدان المسلمين، الزانى واللوطى والسكير والعربيد والمرابى كل هؤلاء كما يقال: يتمتعون بأقصى أنواع الحريات فى حالهم، فى حال محاربة رب الأرض والسماء، وأما هذا لا يوجد أحد يضيق عليه له، أجهزة المخابرات فى بلاد المسلمين بمن تطارد، تطارد الزناة، تطارد اللوطيين،

تطارد البنوك تطارد السينمات، من تطارد؟ تطارد الذين لايصلون أم تطارد من هم فى المسجد وعلى الخصوص خطيب الجمعة فقط، خطيب الجمعة هذا هو الذى تسجل خطبته، وبعد ذلك يحقق معه وصل الإنحطاط فى بعض بلدان المسلمين، إن الزنا حرام، فاستودعى بعد الخطبة مباشرة، قيل له: لما تتدخل فى الشئون الإجتماعية، قال: يا جماعة هذا مقرر فى كتاب الله {ولا تقربوا الزنا} ، قال: الدين شىء والحياة الحاضرة شىء أخر، مرة ثانية تقول الزنا حرام أو السفور حرام أو الخمر حرام نقطع رقبتك لالسانك، أنت فقط تقول للناس، أصدقوا الحديث أدوا الأمانة، وصلوا وصوموا وما شكل هذا، أما تعالج شئون الحياة، الزنا حرام وهذا زنا.،

مع أنه ماقال: يعنى ينبغى أن يجلد وأن يرجم والحكومة مقصرة، لا يحذرهم فقط من الزنا، يقوا: أمور إجتماعية لادخل لك فيها، هذا يعالجه القانون، هذا وصل الإنحطاط فى بلدان المسلمين، لايجوز أن يقال على المنبر الزنا حرام طيب، ماذا يوجد فى الكنائس بعد ذلك كل كذب وخيانة، وكل بعد ذلك غدر، ومكر بالمسلمين، وجدت فى بعض الكنائس دبابات توضع فى القبو فى البدروم، لإجل ما يخططونه للمسلمين فى المستقبل، دبابات، وهذه كلها يستر عليها وتمشى بسلام، و‘ذا وجدوا معك أنت، لا أقول مسدس، إذا وجدوا مسدساً أعانك الله، أردت مرة أن أدخل بعض الى بعض الدوائر فكان على الباب مسئول كأنه يعرفنى، قبل رأسى، ثم قال: أنا عبد مأمور، قلت: ماذا تريد، قال: أريد أن أفتش فتش ماذا عندك، أليس هذا من الذل أخوتى الكرام، مسلم فى بلدان المسلمين، بغض النظر عن كونه عالماً أم لا، يفتش على الباب، الذى يريد أن يغتال القاضى أو غيره، عندما يدخل لمحكمة شرعية، يعنى لايمكن أن يغتاله فى الخارج، لما هذه السفاهة، يعنى لا بى ولابىّ، مجرد حماقة وإذلال العباد، قال: عبد مأمور، قلت: فتش، مد يده الى جيبى من الخارج، قال: هذا إيش هو إيش هذا يا شيخ، قلت: كما ترى مسلم مصدى لإجل قطع يعنى أحيانا أمور لهذه الحياة إما من فاكهة إما من خيط أوكذا، قال: هذا ممنوع تدخل به فى هذه الدائرة، قلت: ماذا تريد، قال: أتركه عندى، يعنى لايريد يعمل معى تحقيق لا ملف لاتحويل للقضاء، أتركه عندى، عندما تخرج تأخذه، قلت: طيب، لاإله إلا الله، فلما خرجت ذاك بتقدير الله، ذهب وجاء واحد آخر، لكن أعطى المسئول الذى كان يفتش هذه القطعة لذاك، فلما جئت، قلت: أين المسئول، كان هنا، قال: ماذا تريد، قلت: أخذ منى حاجة وكذا، قال: أنت صاحب السكين، حاجة، لم أريد أن أقول سكين وأصبح أمام الناس يعنى، قلت: يا عبد الله، يعنى المسئلة الآن فى ستر الله، قال: أنتم مطاوعة يا أخوى كيف تحمل السكاكين فى جيبك،

يقول المطاوعة لازم يحملوا السكاكين والرشاشات، من الذى يحملها، الله جل وعلا يعنى رخص لنا ترخيصاً فقط {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} ، وإلا حمل السلاح حتى فى الصلاة مشروع، وهذا يعنى لاسيما إذا الأمة فى أحوال يعنى يخشى منها، قال: لا ياشيخ المطاوعة يعنى هؤلاء ما لازم يحملوا السلاح وهذا، قلت: لازم المطاوعة يكونوا مثل الأنعام كل واحد يذبحه ويركب على ظهره لا يقول له ماذا تفعل، لا إله إلا الله، هذا الوصف إخوتى الكرام: الضعيف الذى لازبر له الذين هم فيكم تبعا.، لا أحد يظن الضعيف أنه ضعيف مسكين يعنى لاقدرة له فى العمل أو أنه مثلا مسكين ضعيف فى المال لا ضعيف فى عقله، سخيف فى رأيه، وينطبق هذا قلت إنطباقا أولياً على القسس، وبعد ذلك فى المسلمين البطالين حدث ولا حرج، مشايخ الصوفية المخرفين كلهم يشملهم هذا الوصف، الضعيف الذى لازبر له، مخرف صوفى يخلو بالنساء ويأكل الأموال وليسأى عمل بطال، إنما هذا تنكة سمن وهذا علبة لبن وهذا فلوس وهذا وهذا، ضعيف لازبر له الذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا لا يقوم لا برعاية أهل وأسرة ويكدح ويتعب ويعمل من أجلهم وليس عنده مال ينميه، كما قلنا لادين ولا دنيا عالة على غيره، والخائن الذى لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه (كلمة يخفى بمعنى يظهر، وأخفى بمعنى كتم وأسر، وقيل كل من الصيغتين يستعمل فى الإظهار وفى الإخفاء فهذا من الألفاظ المتضادة.

يقال: أخفى وخفى، أخفى بمعنى أسر، أخفى بمعنى أظهر، خفى الشىء بمعنى أظهره، خفى الشىء بمعنى كتمه، من الألفاظ المتضادة، هذا مثل أسر {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخفى بالليل وسارب بالنهار} أسروا قولكم: هنا بمعنى أخفوه واضح هذا، أسروا النجوى أخفوها الله جل وعلا يقول {وأسروا الندامة} يوم القيامة بمعنى أظهروها وأعلنوها فالإسرار بمعنى الإظهار وبمعنى الكتمان، فمثل الخوف يأتى بمعنى الوجل وبمعنى الأمل، وهذا الذى ألف فيه كتب الأضداد فى اللغة، وهنا الخائن الذى لايخفى له طمع، معنى لا يخفى: أى لا يظهر له طمع وإن دق إلا خانه، هذا صنفان من أهل النار خائن، والثالث رجل لا يصبح ولا يمسى إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، يريد أن يعتدى على عرضك، أو أن يأخذ منك المال، خداع، والصنف الرابع: البخيل أو الكذاب، شك الراوى، والخامس: هو الشنظير، قيل وما الشنظير، قال: الفحاش أى سىء الخلق، الشاهد إخوتى الكرام من هذا الحديث، هو إنى منزل عليك كتابا لايغسله الماء تقرأه نائما ويقظان فإذا قول الله {تلك آيات الكتاب الحكيم} ذلك الكتاب الذى وعدت بغنزاله عليك هو المشار اليه، فالمشار إذا الى شىء غائب بعيد سبق ذكره فى أول بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم وإرساله، ورد فى القرآن ما يشير الى هذا، فيكم من يستحضر أية لعلكم تحفظون سورتها لكن يغيب عنكم إستحضارها، سورة المزمل تحفظونها، هات الآية التى فيها {إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا} هذا القول الثقيل هو القرآن أشير إليه فى هذه الآيات فى سورة المزمل هى من جملة ما قيل إنها أول ما نزل على الإطلاق من أقوال ستة أرجحها خمسة آيات من سورة العلق هذا الأرجح وويليها بعد ذلك فى القوة ويمكن يجمع به وبين القول الأول: سورة المدثر كما ثبت فى صحيح مسلم عن جابر والحديث الأول عن أمنا عائشة فى الصحيحين، وأقوال الأربعة بعد ذلك كلها لا تخلوا من ضعف ويمكن أن يتكلف للتأليف بينها وبين ما

تقدم، قيل الفاتحة وقيل البسملة وقيل ن والقلم ونقل هذا عن مجاهد وقيل المزمل، ثبت ونقل هذا عن عطاء الخورسانى وهو مع ضعفه لم يثبت له رواية عن الصحابة فروايته معضلة وضعيف فى نفسه، والرواية لم تنقل عن صحابى يؤخذ منه هذا الحكم، فإجتمع فيه آفتان، ضعف فى نفسه، والإعضال فى روايته، إنما المزمل هى من أوائل ما نزل قطعاً لكن ليست أول ما نزل على الإطلاق لعلها بعد المدثر لعلها، لأن الله يقول {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا} ويعده فى هذه السورة {إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا} ، هذا القول الثقيل هو القرآن، وثقله وشدته على العموم أو على الخصوص، على العموم (النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين والكافرين والمنافقين) أو على الخصوص (على الكافرين والمنافقين) قولان لأئمتنا الكرام القول بأن الثقل للعموم وعلى العموم أولى، وفى توجيه ذلك أربعة أقوال معتبرة. أولها: {إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا} هو ثقيل من حيث التلقى والعمل به، وحقيقة تلقيه وتعلمه ثقيل على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة.، قد ثبت فى صحيح البخارى عن أمنا عائشة رضي الله عنها، قالت: سأل الحارث بن هشام النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحى؟ فقال: أحياناً يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشده على، وأحياناً يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه جبريل فى الليلة الشديدة البرد وإن جبينه ليتفصد عرقا صلى الله عليه وسلم. هذا ثقيل أم لا، ثقيل حتى على النبى صلى الله عليه وسلم، فى التلقى ثقيل {إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا} . قد ثبت فى صحيح البخارى أيضاعن بن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان يحرك شفتيه من أجل أن يتابع مع جبريل، حتى لاينسى على نبينا وعلى جبريل صلوات الله وسلامه.،

قال سعيد بن جبير: فأنا أحركهما (أى شفتيه) كما رلأيت بن عباس يحركهما، وقال بن عباس: أنا أحركهما كما كان (لم يقل كما رأيت) كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، لما لأن ابن عباس ما أدرك تحريك النبى عليه الصلاة والسلام لشفتيه فى أول الأمر، لأنه ولد فى سنة ثلاث للبعثة، وكان صغيرا لا يدرك هذا، ولما قبض النبى عليه الصلاة والسلام كان ناهز الإحتلام وبعد ذلك التحريك إنقطع نبينا عليه الصلاة والسلام عن تحريك شفتيه، فما رأى ابن عباس كيفية تحريك النبى عليه الصلاة والسلام لشفتيه، لكن سعيد بن جبير رأى كيفية تحريك بن عباس لشفتيه لذلك قال سعيد بن جبير أنا أحركهما كما رأيت بن عباس يحركهما، وقال ابن عباس: أنا أحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، فأنزل الله على نبيه عليه الصلاة والسلام {لاتحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرأنه} أن نجمعه فى صدرك وأن تقرأه على الناس، ثم إن علينا بيانه، أن تبينه للناس فكان النبى عليه الصلاة والسلام، إذا أتاه جبريل بعد ذلك أنصت لايحرك شفتيه فإذا ذهب جبريل تلا النبى صلى الله عليه وسلم ما نزل به جبريل عليه على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، إذاً فى ذلك شدة على النبى عليه الصلاة والسلام، وشدة أيضا على من يتعلم القرآن.

ثبت فى الكتب الستة عن أمنا عائشة رضي الله عنهاقالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة (هذا حكمه حكم الملائكة وفى درجتهم ماهر، يقرأ بيسر وسهولة وليس عنده شدة ولا مشقة.، والذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهوعليه شاق له أجران، أجر القرأة وأجر التعلم، وهل يمكن ويتصور أن يكون الإنسان ماهرأ من غير تعتعة، يمكن يستحيل، لايمكن أن يكون ماهرا بالقرآن إلا بعد متعتة كثيرة.، والآن كيفية التلاوة ضبط قواعد التجويد، لايمكن للإنسان أن ينطقها إلا بعد تعتعة وشدة وكلفة، ولذلك إذا لم يتعلم هذا من الصغر وكان كبيراً معه أعلى الشهادات لما يأتى ليقرأ يسحى الإنسان من سماع قرأته مما فيها من نكارة وشدة وفظاعة وغلط، فإذاً الماهر بالقرآنمع السفرة الكرام البررة الذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران، الشاهد إخوتى الكرام يتتعتع، إذاً قولاً ثقيلا. هذا الحديث من باب التنبيه والفائدة إخوتى الكرام.

سئل بعض المشايخ عنه فى حادثة معينة، وهى أن إنساناً يقرأ فى المسجد ويقرأ قرأة ملحونة وهذه قدرته وهذا الذى فى وسعه فنهاه بعض الناس وقال له لايجوز أن تقرأ بهذه السورة، فقال: كيف ستمنعنى من كتاب ربى، قال: تعلم ثم إقرأ أما أن تقرأ هذا القرآن بهذه الصورة هذا حرام وأنت آثم، فرفع هذا السؤال لبعض المشايخ، فأجاب جواباً غاطاً خطأ، إستدللاً بهذا الحديث من غير فهم له، فقال: ليس من حق هذا المعترض أن يمنعك من القرأة لأن النبى عليه الصلاة والسلام، قال الذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران، نعوذ بالله من هذا الفهم المعكوس المنكوس، المراد يتتعتع فيه بين يدى شيخه وأستاذه ومعلمه عند تعلمه لا أنه يريد أن يعلم نفسه ويقول: هو الذى أنزل السِّكينة فى قلوب المؤمنين ثم يقول هذا غلط، ويقول هذا الذى فى وسعى، يا عبد الله لما لا تتعلم، عندما تريد أن تبنى بيت دجاج تتعلم، وعندما تريد أن تبنى كوخاً لتسكنه تسأل مهندس، المهندسين الذين فى هذه البلدة وغيرها وتبحث عن أنواع الأسمنت والحديد وأى يعنى المواصفات أحسن للبيت الذى ستسكنه كوخ فى هذه الحياة سيزول هو وأنت، طيب تريد قصور فى عليين بجوار ربالعالمين، يعنى من غير كلفة ولا تعب.،.، فالإستدلال بهذا الحديث على هذه القضية، هذا باطل.،

وإستلال آخر أشد نكارة من عيب على بعض الناس أنه يجهر فى المساجد ولا يجوز للإنسان أن يجهر بالقرأة فى المساجد إذا كان هناك مصلى أو قارىء أو ذاكر أو نائم، إذا كان بمفرده فليجهر ما عدا هذا لايجوز لأنه يشوش على هؤلاء، أما ما يفعلونه فى الإجتماعات كصلوات الجمعة وغيرها، كل واحد يفتح المصحف ويريد أن يصيح أكثر من الآخر كأنه فى سوق (حراج) ، يا عباد الله: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} ، وهذا يؤذى هذا، هذا يشوش على هذا، وفى الغالب أحياناً تجلس بجوار من يقرأ قراة ملحونة، وأنا أقول عن نفسى مراراً أضع يدى فى أذنى، عندما أنتظر صلاة الجمعة من أجل من يؤذينى عن يمينى وعن شمالى بهذه القرأة الملحونة، وعندما أحياناً تنصحه يعمل لك كهذا ما يريد يرد عليك، أسكت هكذا، يا عبد الله هذه القرأة غلط، سمعت من يقرأ الذين يلمزمون المُطَوعين، يعلم الله بإذنى، المُطَّوعين، المُطَوعين، أعوذ بالله ومثل هذا كثير، فكيف هذا سيقرأ، فهذا لو قرأ فى نفسه لأثم، فعندما يؤذى غيره إزدادت جداً.

ولقد ثبت فى صحيح ابن خزيمة وسنن ابى داود بسند صحيح كالشمس، عن نبنا عليه الصلاة والسلام أنه إعتكف فى المسجد وإعتكف معه بعض الصحابة فجهروا بالقرأة، فرفع الستر فقال عليه الصلاة والسلام: [كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً ولايجهر بعضكم على بعض فى القرأة] ، وقد بوب الإمام ابن خزيمة على هذا الحديث فقال: باب الزجر عن الجهر فى القرأة إذا تأذى بعض الحاضرين فكان يشوش على الحاضرين، فهى لو كانت قرأة صحيحة لأثم عندما يشوش على الناس فكيف وهى ملحونة، إقرأ فى نفسك ولا داعى أن تشوش على غيرك، لو كانت القرأة سديدة، الشاهد هذا أنه عيب على بعض الناس هذا فقيل لبعض المشايخ: يقول: لايجوز القرأة عندما يجتمع الناس فى المسجد، والبلاء أعظم طاغوت فى هذا الوقت وفى الزمن الماضى طاغوت العرف والعادة، لكن إذا سار العامة وراء هذا فالبلية تزداد عندما يصير العلماء وراء هذا الطاغوت، ما ألفوه عندما تغيره كأنك غيرت السنة، هذا نعتاد عليه وورثناه كابرا عن كابر، فإذا كابرا عن كابر كيف ستعترض علينا به، إذاً سنتمحل لتأويله، قال: الذى يقول هذا، هذا على باطل، لما ما الدليل؟ {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} .

على مشروعية رفع الصوت بالتلاوة أين هى {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} يعنى يجلس الواحد يطيح فى القرآن هذه هى القوة، هذا هو الفهم المعكوس المنكوس وهذا من التفسير بالرأى تقدم معنا، قلنا أن يكون له فى الشىء هوى وله إليه ميل فينزل الأية عليه وهى لاتدل عليه، فيكون قد فسر القرآن برأيه، كما هو الحال {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} ، لا مانع أن تجهر بالقرأة وأن تؤذى الناس وتشوش عليهم صلاتهم وقرأتهم عندما يكون يقرأ من حفظه بجوارك وتقرأ أنت من مصحف ترفع صوتك، متى ماضيعت عنه محل الأية إنتهى، وأحياناً يعيد الإنسان السورة من أولها عدة مرات، كسورة الكهف مثلاً، ويقطعها عليه من هو بجواره، وهذا أذى ولايجوز، فإنتبهوا لهذا إخوتى الكرام وانصحوا المسلمين وحذروهم من هذا، الشاهد قولا ثقيلا على العموم على النبى عليه الصلاة والسلام وعلى المؤمنين وعلى غيرهم فقيل فى تعلمه فى العمل به يحتاج الى جهد والى حزم وعزم {إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا} ثقيل أيضا. المعنى الثانى: فى العموم ثقيل فى الميزان لمن قرأه وعمل به، فله بكل حرف عشر حسنات، ثقيل {سنلقى عليك قولا ثقيلا} ، أجره ثقيل عند الله الجليل، فلك بكل حرف عشر حسنات، إذا كلمة سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، هذه جملة كلمتان حبيبتان للرحمن ثقيلتان فى الميزان، فالقرآن أفضل وأعظم أجراً من هاتين الكلمتين، {سنلقى عليك قولاً ثقيلا} ، ثقيلا فى الأجر عند الله جل وعلا، {إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا} فى حق العموم مهيبا كريما، يقال للرجل العاقل الرزين الراجح الرأى الثاقب النظر: إنه ثقيل، يقول: فلان خفيف وفلان ثقيل، ما يقصد ثقل الوزن، أن هذا يأتى مائة كيلو وذاك سبعين يقصد هذا الثقيل رزين مهيب وقور، ليس بخفيف ولا طائش.

ولذلك فى صحيح مسلم، عندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أخر الزمان، قال: [يكونون فى خفة الطير وأحلام السباع] خفيف طائش مثل الطائر من كثرة حركاته كماترى الناس فى هذا الوقت تنظر إليه كأنه رقاص من كثرة حركاته، وعندما تبحث عن عقله، عقل سخلة أوفأرة العلم عند الله، إذاً ثقيل: ثقيل مهيب كريم راجح الرأى ثاقب النظر متزن {سنلقى عليك قولا ثقيلا} كريما مهيبا لا يعادله شىء ولايزنه شىء هو أثقل من كل كلام فهذا كلام الرحمن {سنلقى عليك قولا ثقيلا} الثقيل هو: الثابت الحق وفى ذلك إشارة الى إعجاز القرآن: أى هذا هو الحق الذى لاباطل فيه ولا يمكن أن يعارض وكل ما عداه كلام من الكلام، إذاً ثقيل فى تعلمه والعمل به، ثقيل فى الأجر، ثقيل فى معنى المهيب الكريم الراجح، الثقيل بمعنى: الحق الثابت، هذا فى حق العموم، ثقيل بالنسبة لكل أحد.

وقيل ثقيل بالنسبة للكافرين والمنافقين، فهوثقيل عليهم كما قال الله فى حق الصلاة {وإذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى} ، قاموا كسالى، {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} قاموا كسالى ثقيل عليهم هذا.، فأما المؤمنون فهم وإن ثقل عليهم العمل به من حيث الظاهر فله فى قلوبهم حلاوة ولهم فى نفوسهم نحوه إبتهاجا ولذة وسرور، والقول الأول أولى: أن الثقل هنا فى حق العموم، الشاهد إذاً، عندنا دليلان من القرآن والسنة، الى أن نبينا عليه الصلاة والسلام وعد بأن ينزل الله عليه شيئا ثقيلا، بأن ينزل عليه كتابا جليلا، ما هو هذا الكتاب؟ أشار اليه ربنا فى هذه السورة {تلك آيات الكتاب الحكيم} هذا الكتاب الحق الثابت الثقيل الراجح الذى له أجر كبير عند الله، الذى يحتاج الى كلفة وجهد وعناية فى تلقيه والعمل به هو الذى وعدت به سابقاً، فلإشارة الى غائب وعد به نبينا صلى الله عليه وسلم، فالكلام على ظاهره، تلك: إشارة الى غائب بعيد ليس الى حاضر قريب، هذا القول الأول، وبقية الأقوال نحن عندنا أربع كلمات وكان فى نيتى أن أنهى الكلام عليها، {تلك آيات الكتاب الحكيم} وما إنتهينا من الأولى ماذا نعمل، لا إله إلا الله، فلا أريد أن أطيل أكثر من هذا، يعنى أخشى أن يحصل ملل وسئامة، إذا بحدود الساعتين، يعنى وكان بين ذلك قواما، مع أن عادتى عندى صرصرة فى الكلام، نسأل الله حسن الختام، لكن أرى طلاب المعهد حقيقة يعنى أمرهم يندى له الجبين، ولذلك أخشى البقية الباقية أن تشرد، فيكفى شرود من شرد، لا إله إلا الله، فى سير أعلام النبلاء، لا الإمتحان عندنا مثل، يقولون: رأيناك فوق، رأيناك تحت هى هى عاطل باطل.

عندنا فى سير أعلام النبلاء فى الجزء التاسع عشر، ويعنى غريب الموافقات فى الصفحة أيضا التى برقم هذا الجزء فى صفحة19، عن هبة الله بن عبد الوارث الشرازى توفى سنة 485 عليه رحمه الله، ينطبق على حال المعهد، كان هذا الرجل من شيوخ الحديث ويسكن فى رباط من أربطة الصوفية، فكان إذا جاءه طالب علم ليتلقى عنه علم الحديث، يأخذه الى الصحراء ويعلمه الحديث يقول: علامه فى الرباط نجلس فى المسجد، يقول له: إن الصوفية يتبرمون من العلم ولا يتحملون الحديث ويرون أن ذلك يشوش عليهم وأكثر، إذا جلسنا نتعلم، يقولون: شغلتمونا عن الله دعهم هم على تعبيرهم قلبى عن ربى، والعبارة الدقيقة: قلبى عن شيطانى، ليس عن ربى، إنما هو زين له سوء عمله فصده عن السبيل فهو غير مهتد، يقول: الصوفية، وأنا أقول حقيقة، هذا الوصف ينطبق تمام الإنطباق فى المائة المائة وزيادة فوق حبة مسك كما يقولون على طلبة هذا المعهد، إنهم يتبرمون من العلم، وتضيق صدورهم من حلق الذكر، ويقولون: هذا يضيع وقتنا، وقتنا أى شىء، إما فى دروس نظامية على تعبير سيأخذون به شهادة ويأكلون بعد ذلك بها عيشاً ويملئون الكريش، الله عليم، وإما فى لعب الكرة وغير ذلك تشوش عليهم وقتهم، أليس من العار إخوتى الكرام طالب علم محاضرات نظامية لا تفوته من أجل شهادة وريقة، يقول: هناك يوجد عار الدنيا طيب نحضر عندك، ماذا يوجد؟ سألت مرة بعض إخواننا الذين يصلون معنا فى المسجد قلت: أين فلان، ما يحضر الجماعة، قال: يا شيخ إنه مريض يشتكى المرض، أنا ظننت حقيقة مريض، يعنى مطروح فى الفراش، طريح الفراش.

قلت: إذاً ينبغى أن نزوره يا عبد الله، قال: هو فى الوظيفة، قلت: وهذا الذى كنت أكلمه ليس له وظيفة ويصلى معنا كان فى القرية، لا إله إلا الله، فى صلاة الظهر، قات: كيف فى الوظيفة ومريض.، كيف يذهب الى العمل ويتحمل، ولا يحضر صلاة الجماعة، وكان الصحابى إذا كان مريضا يهادى بين الرجلين حتى يوضع فى الصف، كما ثبت فى صحيح البخارى عن ابن مسعود رضي الله عنه.، فكان لايشهد العمل لكن يشهد الجماعة، نحن نعكس يشهد العمل ولا يشهد الجماعة، كيف هذا فانظروا ماذا أجابنى، قال: يا شيخ هناك فى فلوس، قلت: والصلاة فيها فلوس، يعنى الصلاة فيها فلوس، يعنى أنت ستصلى إذا تأخذ أجراً، واله لو ملئت الدنيا ذهباً لكان أقل من ذلك الأجر الذى ستحصله على تلك الطاعة، هنا فى فلوس، لكن قل إيمان الناس بربهم، هناك فلوس حاضرة فى الوظيفة، وأما فى الصلاة فلوس غائبة، فلذلك يزهد فى الغائب {بل تؤثرون الحياة الدنيا والأخرة خير وأبقى} . وأنا أقول حقيقة: طلبة المعهد يتبرمون بالعلم وتضيق صدورهم ولا تتسع نفوسهم لحديث النبى عليه الصلاة والسلام فأخشى أن يشرد من بقى، فلذلك نقتصر على هذا المقدار ونسأل الله جل وعلا أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شح نفوسنا وأن يثبتنا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الأخرة وأن يحعل خير أيامنا يوم لقائه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تفسير22

تفسير (22) (تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تفسير (22) زوجة تزوج بستين رجلاً، يصلح هذا؟..أعانها اللهوأعان أزواجها، لمن سترضى ومع من ستكون؟ والأمة الإسلامية فى هذه الأحوال ما بين أكثر من ستين قطعة من مملكة ومشيخة وإمارة وسلطنة ودولة وجمهورية وما أعلم، فوهم بيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم الذى لهم، فإن الله ساءلهم عما إسترعاهم، إذاًكانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تسوس الناس، لكن سياسة شرعية ليست سياسة غوية، كما يقول عتاة البشرية فى هذه الأزمنة الردية..لا دين فى السياسة..أى كلها كذب وإحتيال ومكر..ولا سياسة فى الدين..كذب، ولا دين فى السياسة، نعم سياستكم المزورة ليس فيها دين الرحمن، ما فيها إلا دين الشيطان، لأنها قائمة على الكذب والإحتيال والمكر والخداع. أما القيام على الشئ بما يصلحه والوفاء بالعقود والعهود مع العباد جميعاً ورعاية الأمور والسياسة الإسلامية المثلى، هذه فى دين الله، كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، فالقيام على الشئ بما يصلحه سياسة ورعاية الشئ حسب قواعد الحكمة والعدالة سياسة فى مجال التعليم، ونصرة دين الله بالحجج والبراهين تدخل السياسة، وفى مجال الحكم والوصول إلى الحق الذى يريده رب العالمين، تدخل السياسة، وهكذا فى جميع شؤون الحياة، وإذا أردنا أن نضرب مثالاً على هذا وعلى سياسة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى العلم والحكم وفى جميع شؤون الحياة، فلنرجع إلى كتاب الله لنرى أحوال الأنبياء ولا أريد أن أسهب وأفصل، سأقتصر على مثالين لحال نبيين، أحدهما سلك سياسة علمية أيد بها دين الله، وقضى على المضرة التى تلصق بدين الله، ونبى آخر سلك سياسة حكمية فى الحكم وصل إلى مراد الله القدرى الذى يحبه ويرضاه فهو مراده الشرعى وألهمه الله سياسة حكيمة فى حكمه ليتوصل إلى ذلك الأمر، حياة الأنبياء كلها سياسة لكن كما قلت سأقتصر على نموزجين اثنين فقط.

النموذج الأول: والمثال الأول السياسة العلمية لخليل رب البرية إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، قص الله علينا نبأه وكيف سلك مع قومه مناظرة حكيمة فى القضاء على المفسدة المتعلقة بالأديان لإثبات صحة دين الإسلام ونصره بالحجة والبرهان، والمناظرة التى جرت بينه وبين قومه حكاها ربنا جل وعلا فى سورة الأنعام من آية الرابعة سبعين فما بعدها، يقول ربنا جل وعلا {وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين} {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربى} أى فى إعتقادكم، أوليس كذلك أنتم تقولون هذه الكواكب آلهة {هذاربى حسبما تعتقدون، وأنا أتنزل معكم إلى هذا المستوى من أجل أن أظهر لكم باطلكم، {هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} . يا قوم إبحثوا، هذا إله لا يصلح أن يكون إلهاً، إذا ما هدينا إلى الصراط فنحن على ضلال وفى ثباب {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر} هذا إله الآلهة، ما رأيكم فى هذا أكبر الآلهة عندكم {فلما أفلت} إله يغيب إله يتغير، إله حادث، إله يسير، إله مقهور، أرب يبول الثعلبان على رأسه ألا ذل من بالت عليه الثعالب، إله مقهور لا يملك لنفسه فضلاًعن غيره نفعاًولا ضراً {فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون} المفاصلة بينى وبينكم {إنى وجهت وجهى للذى فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. وحآجه قومه قال أتحآجونِ فى الله وقد هدانى وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون. الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} .

هذه المناظرة ما قيمتها يا أحكم الحاكمين؟ أنت بكل شئ عليم ما قيمتها؟ {وتلك حجتنا} هذه هى السياسة العلمية، الحجة القوية {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} و {فوق كل ذى علم عليمْ} فى قصة نبى الله يوسف وهى المثال الثانى الذى سأذكره. ولننظر فى تعليق ربنا جل وعلا وتعقيبه على هاتين القصتين، سياسة بالعلم وسياسة بالحكم {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} إذاً رفع الله درجته بما مَّن عليه بهذه السياسة العلمية المثلى التى كبت بها الباطل وأهله، ودمغهم وأظهر الحق ونصره، سياسة علمية لدفع المضرة عن الأديان ولنصر دين الرحمن، هذه سياسة أم لا؟ القيام على الشئ بما يصلحه، رعاية الشئ على حسب قواعد الحكمة والعدل والإنصاف، فهم يرون أن هذه الكواكب آلهة، أنا سأسايركم فى إعتقادكم لنصل بعد ذلك إلى حق ينبغى أن نكون عليه أنا وأنتم، هذه آلهة تذهب وتغيب وتختفى، لا بد من إله حى قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم فاطر السماوات والأرض، إذاً سياسة علمية يقول ربنا معقباً عليها وما بحلها وماناً على خليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه إن ربك حكيم عليم} .

السياسة التى فى الحكم حكمية ثانية للنبى الصالح يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، يخبرنا الله جل وعلا عن حاله مع إخوته عندما دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون {فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون} {قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون} {قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} {قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين} {قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين} [يوسف/74] {قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين} [يوسف/75] {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه} ليدفع الريبة عن أخيه الذى هو شقيق له من أمه وأبيه وليدفع الريبة عن نفسه وأنه ما إصطنع هذا {ثم استخرجها} هذا الصواع الذى هو صواع يكال به {من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف} كما هم كادوا له ليضروه ويؤذوه كاد الله له عليهم ليتخذ الحق منهم وليكون هذا سبباًلحضور أبويه بعد ذلك كما قدر الله وشاء وهذا أمر يحبه الله ويرضاه فكاد له بهذا الأمر وهو أن ألهمه هذه السياسة، أن يضع الصواع فى رحل أخيه ليترتب على هذا ما يترتب من مجئ أبويه، وليترتب على هذا ما يترتب بعد ذلك من ظهور الحق، وأن الله لا يتخلى عن عباده المخاصين، {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} ما يستطيع أن يأخذه لأنه كان فى حكم شريعة ذلك الزمان التى فيها نبى الله يوسف أن الذى يسرق يغرم مثلى ما سرق، ويعذر فلا يقطع ولا يؤخذ، وكان فى شريعة يعقوب على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أن من سرق يصبح ملكاً لمن سرق منه ذلك المتاع {قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين} {قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه} هذا جزاء الظالمين، هذه شريعة أبينا يعقوب، السارق يكون ملكاً امن سرق منه إذا ثبتت عليه السرقة.

{كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} ما يستطيع أن يأخذه {إلا أن يشاء الله} بهذا الكيد الذى ألهمه الله إياه وهذه السياسة المثلى وهل هذه سياسة فيها إحتيال ومكر وكذب ووصول إلى باطل أو إلى حق؟ هى حق، أخوه من أمه وأبيه هو أولى به من إخوته الذين هم من أبيه دون أمه، يضاف إلى هذا سيترتب على هذا كما قال يعقوب بعد ذلك {إنى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} وأقدار الله مرتبة على بعضها، وقدر الله الكونى، إذا وقع على يد الأخيار يدل على أنه يرضاه ربنا القوى فهومحبوب له فكأنه أمر شرعى، وهذا القدر على يد من جرى؟ على يد الكريم إبن الكريم إبن الكريم يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فهو حكم قدرى شاءه الله أن يترتب عليه ما يترتب، لكن على يدى هذا النبى، فيوافق محبة الله القوى، وبالتالى هذا حكم شرعى يحبه اللهويرضاه.

{كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم. قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} وهو يوسف وكانت عمته وضعت المنطقة والحزام تحت ثيابه عندما كان صغيراً وقالت:فقدت هذه المنطقة لأجل أن تثنت السرقة على يوسف لأجل أن يكون لها لحبها له {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون. قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين. قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين. ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون..يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين. قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون.

قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون. اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين. قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم. فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون.. قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين. قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم. فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم. رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} إلى آخر اللآيات ...

الشاهد إخوتى الكرام: {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم} هذا محل الشاهد، وأسترسلنا فى قراءة الآيات بعد ذلك وهى خير وبركة {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم} وقال فى حق خليله إبراهيم {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} ذاك فى العلم وهذا فى الحكم، ذاك فى العلم وهذا فى السلطان، ذاك فى الدعوة وهذا فى السيف، {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات} {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم} إلى أن ينتهى الأمر إلى رب العالمين سبحانه وتعالى. إذاً إقتصرت على هذين المثالين وآثرت ذكرهما من الأمثلة الكثيرة المتعلقة بسياسة أنبياء الله ورسلنا على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه التى ذكرها الله فى كتابه، لأشير إلى أمر لا بد منه، هناك كما قلنا سياسة علمية لتأييد دين رب البرية، وهنا سياسة حكمية فى الحكم والسلطان لتأييد دين الرحمن، ودين الله يتقوى بهذين الأمرين بحجة وبرهان، وبسلطان معه سيف والسنام، ولذلك إذا إفترق هذان الأمران، إذا نحينا الدين عن السياسة تخبطت الحياة وفسدت، فالعلماء الذين يحملون الدين سيكون فى رحمة وعطف ورعاية الكافرين الملعونين، أوليس كذلك؟ علماء عندهم حجة وبرهان، لكن ليس معهم سلطان ولا سيف ولا سنام من الذى سيرعى شؤونهم؟ ومن الذىسيحكمهم؟ ومن الذى سيدبر أمورهم فى هذه الحياة؟ ينفذ شرع الشيطان شيطان من الشياطين.

ولذلك يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله فى مجموع الفتاوى:ومن الرحمة فى هذا فيما يتعلق بالسياسة الشرعية، وهى رسالة مطبوعة على إنفراد، السياسة الشرعية وهو موضوع جزء ضمن مجموع الفتاوى فى الجزء الثامن والعشرين صفحة مئتين وعشرة، يتحدث الإمام ابن تيمية رحمه الله عن هذا الأمر فيقول: إذا لم يكن مع العلماء سلطان ورضى العلماء بتحصيل العلم والعكوف عليه وما سعوا لإقامة سلطان وحكم ليكون الدين كله لله، فهم ضالون كالنصارى تماماً، كما هو حال القسس والرهبان، تنحوا عن شؤون الحياة وحكمها بعد ذلك الكفرة شر البريات..فيريد منا من يدعونا إلى فصل الدين عن السياسة أن يبقى العلماء كالقسس ضالون تائهون حائرون، هذا يضربهم وذاك يقتلهم، ولا ناصر لهم، وحكم بلا دين هذه طريقة المغضوب عليهم وهو طريقة اليهود الذين غضب عليهم ربنا المعبود، الذين يريدون علواًفى الأرض وفساداً.. الحكم إذا تجرد عن الدين ما مآله؟ إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعاً، ولذلك قال تعالى بعد ذلك {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} . فالحكم إذا تجرد عن الدين علواً وفساد، الدين إذا تجرد عن الحكم ضلال وضياع.، ولذلك صنفان فى الأمة إذاصلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس العلماء يجتثون الشبه ويزيلون الأوهام من الأذهان، ويقررون بالحجج والبراهين دين الرحمن، وورائهم بعد ذلك سلطاناً وسيف وسنام، يدعوا الناس إلى دين الإسلام بعد أن أزيلت الشبه، فمن كابر وركب رأسه لا بد من علاجه، وإذا لم ينفع معه الكلام فلا يصلحه بعد ذلك إلا السيف والسنام {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} .

إذاً علماء حكام لا بد من وجود السياسة والحكمة عند هؤلاء ووهؤلاء، فالعلماء كما قلت يقررون دين الله ويدفعون الشبهة عنه وهؤلاء ينفذون أحكام الله، ويأخذون على أيدى المفسدين، يطرونهم على الحق أطراً، وإذا صلح هذان الصنفان صلح الناس، وإذا فسد هذان الصنفان فسد الناس وفسدت الحياة، وهذا الكلام مأثور عن سفيان الثورى حمه الله، كما فى حلية الأولياء فى الجزء السابع صفحة خمسة، وكان يقول هذا العبد الصالح: لله قراء وللشيطان قراء وصنفان إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء، وروى الأثر مرفوعاً إلى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم فى كتاب حلية الأولياء عن ابن عباس رضي الله عنهما وروى أيضاً فى كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغى فى روايته وحمله للحافظ بن عبد البر، وعن ابن عباس مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم (صنفان من النس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء) والحديث ضعيف مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم. لكن كما قلت لكم إنه ثابت من كلام سفيان، ومعناه صحيح فالحجة العلمية البرهانية النظرية لتأييد دين الله {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} السياسة فى الأحكام وفى تدبير شؤون الأمة وفى الحكم بينهم {كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء} فى الحكم والسياسة الحكمية {نرفع درجات من نشاء} فى العلم والإرشاد والتبليغ والحجة والدعوة بالتى هى أحسن {نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} {نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم} .

فدين بلا سلطان ضاعت، سلطان بلا دين ظالم جائر فاجر، يريد علواً فى الأرض وفساداً، ولذلك قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:الناس ينقسمون الى أربعة أقسام، منهم من يريد علواً فى الأرض وفسادا كغالب الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الرحمن، أفسد بنظامه وعلا وطغى وبغى وتجبر ومنهم من يريد علوا فى الأرض ولا يريد فسادا يحب أن يتعالى وأن يتكبر لكن لا يريد أن يفسد فى الحياة بقوانين وضعية يريد الزعامة والسلطة ليحكم بين الناس بالحق لكن هو ليكون له ما ليس لغيره فهو عالى وعند الله وضيع وإن حكم بالحق بين الناس، وكل شىء بحسابه. ومنهم من يريد فى الأرض فسادا ولا يتطلع الى علوا كأكثر شياطين الإنس الذين يدعون الناس الى الشهوات المحرمات من زنا ومسكرات ومخدرات وربا وغير ذلك يفسدون ولا يتطلعون الى الحكم والسلطان ولا يخطر هذا على بالهم. والصنف الرابع الذى هو غريب قليل لا يريدون فى الأرض علواً ولا فسادا والعاقبة للمتقين. فدين بلا سلطان ضائع، وعلماء بلا سلطة معهم تحميهم وتنشر دعوتهم ضاءعة ضالون كالنصارى، وحكم يتقيد دين جور وإفك مبين ولن ينتج عنه إلا العلوا والفساد والكبر والغطرسة والظلم لعباد الله المساكين، ولذلك آثرت ذكر هذين النموذجين، كيف هذا أتاه الله السياسة العلمية ونحن بحاجة إليها؟ وهذا أعطاه الله السياسة الحكمية فى الحكم ونحن بحاجة إليها، ولابد من االجمع بينهما لتسير الحياة فى أمان بسلام {وتلك جتنى أتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} {وكذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذى علم عليم} . إخوتى الكرام: (فصل الدين عن السياسة) ماذا يراد بهذه الجملة وما هى أخطارها؟ ثم بعد ذلك سنناقشها ونبين فسادها وعوارها.

يراد بفصل الدين عن السياسة، تجريد الحكومة التى ترعى شؤن الأمة عن الدين أى لايشترط فيهم أن يكونوا مسلمين، ولا يشترط فى قوانينهم أن تكون مأخوذة من دين رب العالمين، دون إنكار، إنتبه للقرآن العظيم هذا كلام الله حق، والنبى عليه الصلاة والسلام حق، لكن كل شىء له مكان هذا مكانه المسجد، وبعد ذلك السلطان مكانه قصر الحكم مع أعوانه ووزارئه يقررون ما شاءوا، قد يقررون أن الواط حلال وهذا مقرر فى بريطانية هذا رأى البرلمان، بل وصلوا فى هذه الأيام أن التزاوج بين الذكور مشروع ويسجل هذا فى المحاكم البريطانية، لا دخل لقسيس ملعون يأتى ويقول كيف هذا تبحون التزاوج بين الذكور؟ !، يقولون له مالقيصر لقيصر وما لله لله، نحن الآن فى العموم البريطانى لسنا فى كنيسة، إذا جئنا الى الكنيسة سجل علينا بما تريد وأما إذا جئنا لمجلس العموم فلا كلام لك ولا دخل لك فى شئون الحياة. إذاً دين ضائع حقيقة ضائع ذليل ذليل مهين لا وزن له ولا رأى فى الحياة، من يريد فصل الدين عن السياسة يريد هذا، تجريد الحكومة عن الدين فلا يشترط أن يكون فى المسئولين دين، ولا يشترط فى القوانين أن تكون مأخوذة من شريعة رب العالمين، هذا معناه، لكن شياطين الإنس ما عبروا عن حقيقة فصل الدين عن السياسة بهذه الحقيقة المرة التى يردها كل مسلم، فماذا قالوا لهم؟ نفصل الدين عن السياسة يعنى السياسة يتولاها صنف واعى ممتاز فى الأمة وبقية بعد ذلك الأمة مسلمة، من الذى قال لكم اتركوا دينكم؟

كأنهم يقولون لهم الدين يرعاه فرقة والسياسة يرعاها فرقة، ولا تعارض بينهما، يوهمون الناس بهذا،. لكن حقيقة الأمر هو تجريد الحكومة عن الدين، ولذلك الآن عندما جردت الحكومات عن الدين بقى حكم يقال دليله آية كذا أو حديث كذا، أو يقال مادة كذا ومرسوم كذا، مراسيم سلطانية، أين النصوص الشرعية؟ قال النصوص الشرعية هذا دين نحن الآن سياسة وحكم لادخل للنصوص الشرعية فى السياسة ولا فى الحكم، قال الله، قال الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب، فإذاً هذا هو المقصود من فصل الدين عن السياسة تجريد الحكومة عن الدين ثم تجريد الرعية تبعا، لما؟ لأن الحكومة نائبة الرعية فى الحكم، لأن الحكومة وكيلة الرعية فى تدبير أمور البلاد، فإذا كفر الموكل، وتجرد من الدين أما يكفر الوكيل، أما يكفر؟ هذا وكيلك.، أما يكفر الموكل، الوكيل كفر، وأنت رضيت به فماذا يكون الأمر، القضاء على الدين من الحكومة ومن الرعية، لكن ستروه بهذه الكلمة المهذبة، هذا حال السياسين الملعونين الماكرين.

قالوا فصل الدين عن السياسة: يقصد منه القضاء على دين الله ليس فى رجال الحكم بل فى كل فرد من أفراد الأمة، لأن هذا الوكيل عندما كفر يكفر موكله، عندما رضى به وأنابه عنه، ولذلك عندما لايحكم بشريعة الله والرعية أنايت هذه الحكومة عنها، فما يجرى على الموكَل يجرى على الموكِل، ولذلك المرادمن فصل الدين عن السياسة، المراد أصالة، إلغاء دين الله والقضاء عليه لكن بعبارة سياسية ردية كالسياسات الملتوية فى هذه الأيام، فيفصل الدين عن الحياة، لايقصد من فصل الدين الحياة أن الدين يرعى كما أنزله الله، وأن أؤلئك لهم شأنهم لا، وهذا سأقرره بأمور فانتبهوا لها، إذاً هذا هو معنى الفصل، معنى الفصل: تجريد الحكومة أولا من الدين، ثم تجريد الرعية تبعاً من الدين لألا يبقى للدين وزن لاعند الحكومة ولا عند المحكومين، هذا هو معنى فصل الدين عن السياسة، هذا الأمر خطر جداً ويترتب عليه أحكام خطيرة ــ فظيعة. ينقسمون الى أربعة أقسام، منهم من يريد علواً فى الأرض وفسادا كغالب الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الرحمن، أفسد بنظامه وعلا وطغى وبغى وتجبر ومنهم من يريد علوا فى الأرض ولا يريد فسادا يحب أن يتعالى وأن يتكبر لكن لا يريد أن يفسد فى الحياة بقوانين وضعية يريد الزعامة والسلطة ليحكم بين الناس بالحق لكن هو ليكون له ما ليس لغيره فهو عالى وعند الله وضيع وإن حكم بالحق بين الناس، وكل شىء بحسابه. ومنهم من يريد فى الأرض فسادا ولا يتطلع الى علوا كأكثر شياطين الإنس الذين يدعون الناس الى الشهوات المحرمات من زنا ومسكرات ومخدرات وربا وغير ذلك يفسدون ولا يتطلعون الى الحكم والسلطان ولا يخطر هذا على بالهم.

قالوا فصل الدين عن السياسة: يقصد منه القضاء على دين الله ليس فى رجال الحكم بل فى كل فرد من أفراد الأمة، لأن هذا الوكيل عندما كفر يكفر موكله، عندما رضى به وأنابه عنه، ولذلك عندما لايحكم بشريعة الله والرعية أنايت هذه الحكومة عنها، فما يجرى على الموكَل يجرى على الموكِل، ولذلك المرادمن فصل الدين عن السياسة، المراد أصالة، إلغاء دين الله والقضاء عليه لكن بعبارة سياسية ردية كالسياسات الملتوية فى هذه الأيام، فيفصل الدين عن الحياة، لايقصد من فصل الدين الحياة أن الدين يرعى كما أنزله الله، وأن أؤلئك لهم شأنهم لا، وهذا سأقرره بأمور فانتبهوا لها، إذاً هذا هو معنى الفصل، معنى الفصل: تجريد الحكومة أولا من الدين، ثم تجريد الرعية تبعاً من الدين لألا يبقى للدين وزن لاعند الحكومة ولا عند المحكومين، هذا هو معنى فصل الدين عن السياسة، هذا الأمر خطر جداً ويترتب عليه أحكام خطيرة ــ فظيعة. لأن عندى أمر ثلاثة سأذكرها إذا بدأت فيها متتابعة لا أريد أن أقطعها، وما أظنها تنتهى فى أقل من ربع ساعة فهذه الأمور الثلاثة التى تحقق لنا وتبين لنا شناعة هذا الفصل وخطره وما يترتب عليه من فساد وضلال، نتكلم عليها إن شاء الله فى الموعظة الآتية، ثم بعد ذلك نستعرض الأمر الرئيسى وهو مناقشة هؤلاء، نحن فقط سننظر الآن فى خطورة هذه الدعوة وشناعتها، وماذا يترتب عليها من بلاء وضلال وفساد، ثم سنناقشكم قوانينكم الوضعية التى زعمتم أنها تصلح الحياة، وشريعة الله لا تصلح، تعالوا نتناقش ولنرى أى الفريقين أحق بالهدى وبالحكمة وبالصواب والرشاد، شرعكم أم شرع الحكيم الخبير.

نذكر ما فى شرع الله من إعتبرات ومميزات ونقارن هذا بعد ذلك بالقوانين الوضعيات التى هى وضعية ووضيعة، ليظهر بعد ذلك الحق، نسأل الله جل وعلا أن يجعل هوانا تبعاً لشرعه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تفسير.

تفسير للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تفسير ونحن نرجو-هذا كلام الحافظ ابن حجر-ان يدخل عبد المطلب وال يتة في جملة منيد خلها –يعني الجنة-طائعا لكن ورد في ابي طالب مايمنع ذالك اذا يستثنى من ال عبد المطلب ابو طالب، وانما خصه بالذكر ابو لهب الان ناك مفروغ منه، ايه محكمة (تبت يدا ابي لهب) اماابوطالب فما ذكره الله، وكان ينصر النبي ويحوطه ويدافع عنه بنفسه وماله بخلاف ابي لهب الشرير فكان يؤذيه ويبذل مافي وسعه في اذاء ابن اخيه فشتان بين العمين فذا كونه في النار محل اتفاق، واماهذا موقفه قد يعني يوحي للانان بانه في الجنه لنصرة ابوطالب لنبينا-عليه الصلاة والسلام-، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول لابي طالب: اجلك اكثر من اجلال ابي، لانك انت الذي ربيتني ونشاتني ونصرتني، قل كلمة احاج لك بها عند الله: قل لااله الاالله، فلم يقل: الهك باطل ودينك مزيف، يقول: لو ان تعيرني قريش لاقررت بها اخرماقاله انه على مله عبد المطلب هذا كفر، فليس عندنا كماقلنافي دين الله محاباة.

وقد ثبت في الصححيين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه بعد ان مات قال النبي لاستغفرن لك مالم انه عنك لرواية المسيب بن حزم والد سعيد بن المسيب رضي الله عنهم اجمعين فنزل قول الله: (ما كان للنبي والذين امنوا ان يستغفرو اللمشركين) وابو طالب – وثبت في صحيح مسلم وغير ان قيل للنبي عليه الصلاة والسلام: عمك كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذالك قال نعم كان في غمرات من نار جهنم فاخذته فشفعت فوضعه الله في ضحضاح من نار جهنم: اي في نارقليلة يخوض فيها الي كعبيه، ووضع سخنطه: وهي الحفرة المنخض الذي اسفل الرجل جمرتان من نار جهنم يغلي منهما دماغه وهو اهون من اهل النار عذبا ويرى نفسه انه اشد اهل النار عذبا وشفاغة نبينا عليه الصلاة والسلام لعمه ابي طالب في تخفيف العذاب عنه خاصة به فلا يشفع نبي ولاصديق لمشرك الانبينا لعمه ابي طالب دون اخراج من النار انما في تخفيف العذاب عنه والله يقول (لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينصرون) يستثنى شفاعة نبينا عليه الصلاة والسلام لعمه ابي طالب للنصوص الصحيحة الثابته وهذا مقرر عندنا فلا يخطرن ببال احدكم امر هذا تخريف او هوي، هذا بنص صحيح وهي خاصة وهذا من شفاعاته الخاصة التي لا يشاركه فيه احد كالشفاعه في فتح باب الجنة، هذا كله شفاعات خاصة لايشاركه فيه احد من المخلوقات ادم فمن دونه على نبينا وعلى انبياءالله ورسله صلوات الله وسلامه، اذا نرجو ان يدخل عبد المطلب وال بيته، عبد الله او ليس كذلك من ال عبد المطلب، عبد المطلب يدخل نحن نجزم انهم ما وحدوا، لكن في مقابل نجزم انهم ما بعث الهم رسول. فان قيل ماذا نفعل بالنصوص، بالنص المتقدم في صحيح مسلم نقول العين والراس، نصوص تعارضت لابد من الجمع بينها فنبينا عليه الصلاة والسلام اخبر بانه في النار قبل ان يعلمه الله.

وهذا الجمع ممكن ميسور لان من كفر بالله ولم يوحده هو ظالم او معتدي، ظالم لاشك فيه واثبت الله لمن كفره ووجوب تعظيمه ثابتان في عقول بني الانسان وفي فطرهم اثبت من وجودهم ومن الشرك في رابعه النهار فمن لم يوحد الله قبل مجئ الرسول ومشرك وكافر بناء على النصوص التي تدل على ان الجنة لايدخلها الامن وحد وان النار ماوى الكافرين، نقول عبد المطلب في النار وعبد الله في النار وكل من لم يوحد الله في النار. وكل من مات على الكفر في النار ثم بين لنا أن هؤلاء لهم حكم خاص وهؤلاء ليس حالهم كمن بلغته الدعوة ووقف ولم يؤمن لا هم في ضلال وضياع فالله سيحاسبهم يوم القيامة ويمتحنهم فإذا نقول ذاك الحديث صحيح لكن عورض بأدلة صحيحة ثابتة فلا بد من الجمع بينها هذا الجمع أن نقول صدر ذا قبل إعلام الله لنبيه عليه الصلاة والسلام بذلك وعليه لا نرو الحديث إنما نحمله على معنى يلتئم مع نصوص الشرع ووالد نبينا عليه الصلاة والسلام وجده وكل من هلك في فترة قبل بعثة رسول سيمتحن فاحكم في والد نبينا وجده علي نبينا صلوات الله وسلامه فالله أعلم لكن حقيقة نرجو ووالله أن رجاءنا الإيمان في والد نبينا عليه الصلاة والسلام عند الامتحان في يوم القيامة أعظم من رجاءنا الإيمان لأبوينا ولأولادنا رغبة في إقرار عين نبينا عليه الصلاة والسلام لكن هذا الرجاء لا يدعونا إلى التألي والكذب على الله نقول والد النبي عليه الصلاة والسلام في الجنة ولا يجوز أيضا أن نجفو ونغلظ نقول هو في النار فلنقف كما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام في القول الذي قرره أهل السنة الكرام في هذا الحكم العام أهل الفترة يمتحنون فإن أطاعوا دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار.

لكن نرجو كما قال الحافظ بن حجر وما ألطف وأظرف وأحلى وأدق وأشد هذه العبارة: أن يدخل عبد المطلب وال بيته في الإيمان والجنة طائعين وأن يؤمنوا برب العالمين وأن يكونوا من الفائزين يوم الدين هذا الرجاء لابد من أن يكون في نفوسنا إخوتي الكرام تعظيما لنبينا عليه الصلاة والسلام ولأبين لكم إخوتي الكرام أن هذا الرجاء شرعي أذكر لكم قصتين اثنتين من صديقين هما أعظم الصديقين عند ربنا العظيم أولاهما الصديق الأول أبو بكر رضي الله عنه: ثبت في مسند أبي يعلى والحديث رواه عمر بن شبة في أخبار مكة ورواه أبو بشر ابن سمويه في فوائده والأثر في المستغرق بسند صحيح عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء أبو بكر لوالده أبي قحافة إلى النبي عليه الصلاة والسلام في فتح مكة أو عند حجة الوداع ليسلمه فقد طال رأسه عند فتح مكة وتحديد الزمن لا يضر جاء وقد صار والد أبو بكر أبي قحافة لحيه وشعر رأسه كالثغامة – أي كالثلج الأبيض ليس به شعره سوداء من كبره وهرمه فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي بكر: ألا تركت الشيخ في بيته ونحن نأتيه إكراما لك وإجلالا للشيخ الكبير وأنت صديق فكل أحد له عندنا يد كافاناه عليها إلا أنت ولو اتخذ نبينا عليه الصلاة والسلام خليلا من أهل الأرض لاتخذ أبا بكر خليلا رضي الله عنه وأرضاه فله منزلة إكراما لك وإجلالا لهذا الرجل الوقور المهيب يعني أن أذهب قال: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام أردت أن يأجره الله في المجيء إليك ليسلم علي يديك وثيابا على هذه الخطى فلما وضع أبوه حافة يده على يد النبي عليه الصلاة والسلام ليبايعه على الإسلام بكى فقال النبي ما يبكيك يا أبا بكر قال والله يا رسول الله لان تكون يد عمك أبو طالب مكان يده أي يد أبي قحافة والد أبي بكر 10:00

ويقدر الله عينيك با سلام عمك لكن أحب إلي، يعني لو أن بدل أبيه عمه وآمن لكن هذا أحب قبل هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام بثلاث سنين في العام العاشر الذي أوذي فيه النبي أشد الأذى بعد موت عمه وزوجه خديجة رضي الله عنها وعن سائر أمهاتنا وصحابه نبينا أجمعين. وإذا كانت يد عمك مكان يدي أبي قحافة به تقر عينيك فحبك يقدم على حبنا لأبائنا وأسرنا أصولا وفروعا والحديث صحيح، والله نتمنى لو أن أبا طالب آمن إقرارا لعين نبينا عليه الصلاة والسلام وإكراما لعمه في النصرية نبينا عليه الصلاة والسلام لكن لله الحجة البالغة وهو أعلم بخلقه سبحانه وتعالي من باب أولي نقول لمن لم يكفر عند مجيء رسول لو الد نبينا وجده نتمنى أن يلهم هذين العبدين الأيمان عند الامتحان وأن يكونا في غرف الجنان نتمنى وهذا تعظيم لنبينا عليه الصلاة والسلام ومحبة له 11:35 قصة ثانية عن الصديق الثاني عمر وهو أفضل الصديقين بعد أبي بكر يرويها أبن إسحاق رضي الله عنهم أجمعين في كتاب المغازي والسير: لما جاء العباس رضي الله عنه لأبي سفيان رضي الله عنه وغفر الله لهما. لما جاء العباس لأبي سفيان في فتح مكة إلي النبي عليه الصلاة والسلام وهو خلفه ما رضي عمر لإجارة أبي سفيان من قبل العباس، وما رضي بإجارة العباس إلي أبي سفيان وعارضه، فالعباس أخذته الشدة وتكلم كلاما يعذر لحدثه لكنه في غير موضعه لعمر: يا عمر لو كان أبو سفيان من بني عدي لما قتلته، بنو عدي هم عشيرة عمر، فهنا أنت تريد قتله لأنه من بني عبد شمس ليس من قبيلتك، هذا لو كان من قبيلتك لما طالبت بقتله، فأنظر ماذا قال عمر، قال عمر للعباس: والله يا عم رسول الله عليه الصلاة والسلام أنظر وإلي اللطف في الخطاب، والله لا أنا بأ سلامك عندما أسلمت أفرح مني بإسلام الخطاب لو أسلم، يعني لو قدر أن والدي الخطاب حيا وأسلم لما فرحت لإسلامه كفرحي14:40

يا سلامك إقرارا لعين النبي – ص – فلك عند النبي منزلة فصنو أبيه فلا تتهمني وأنا ما أرد جوارك إحتقارا لك لكن هذا فعل ما فعل في الإسلام والآن دعنا نضرب رقبته ولا نجيره فقال له: لو كان من بني عدي لما قتلته قال: والله لأن أفرح بإسلامك عندما أسلمت من أسلام الخطاب لو أسلم. أنتم آل بيت على رؤسنا.

هذا إجلالنا لإل بيت نبينا - ص – وإذا كان هذا حال الصحابة الكرام، سأحكي لكم بعد القصتين قصتين والحديث يجر بعضه بعضا، يعقوب بن السكيت وليس بين يدي الكتب لاتحقق من نسبة قصتي إليه لكن فيما أعلم غفر الله له ورحمه ورضي عنه وهو صاحب كتاب إصلاح المنطق، غالب ظني كان يؤدب ويعلم أولاد الخليفة المتوكل هذا الذي أشك فيه هل هو المتوكل أي من خلفاء بني العباس وغالب ظني أنه هو ليس في كتب بين يدي أتحقق لكن غالب ظني يعني أنه أبن السكيت مع الخليفة المتوكل وكان الخليفة المتوكل يميل إلى النقد ومعادة آل البيت فقالو مرة ليعقوب ما تقول في هذين ولدي الخليفة هما أفضل أم الحسن والحسين، ماذا سيقول يعقوب؟ ماذا يقول؟ الحسن والحسين، لا أدري الحسن والحسين، فضل الحسن والحسين علي يعني ولدي خليفة جاء وكل من جاء بعد الخلفاء الراشدين في جور أو كفر والله أعلم بحالهم باستثناء الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، نقول الحسن والحسين أفضل من ولدي الخليفة يعني أذا فضلت امرأ ذا براعة علي فقال: هذا أفضل من الحسن والحسين، قال: والله أن قنبر الذي كان يخدم عليا أفضل منك ومن ولديك قنبر، خادمه آل بيت لهم حقهم، كلب صحب أصحاب الكهف ذكره الله في القرآن، أذا كيف بمؤمن رقيق عند آل بيت أرقاء القلوب طاهرين مطهرين، " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " قنبر خادم على وغلامه ومملوكه أفضل منك ومن ولديك، كيف تفضل الحسن والحسين عليهما أنت ما تستحي، فأمر غلمانه بقتله فوضعوه في بساط فداسوه بأرجلهم حتى قتلوه في مجلس الخليفة، هذا حالنا نحو آل بيت نبينا فليعلم الشيعة ذلك من يحب آل بيت، صديق هذه الأمة يقول لو أسلم عمك كان أفرح لقلبي من أسلام والدي والصديق الثاني الذي يفتخر الشيعة ويعيدون الشيعة في يوم قتله وعندهم يوم الغفران يوم مقتل عمر حين يقول العباس أنا بإسلامك

لقمان التفسير

دقائق التفسير (تفسير) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان دقائق التفسير ج: 2 ص: 36 ولكن تنفل عنه نفلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل السرية إذا كانوا في بدايتهم الربع بعد الخمس فإذا رجعوا إلى أوطانهم وتسرت سرية نفلهم الثلث بعد الخمس وكذلك لو غنم الجيش غنيمة شاركته السرية لأنها في مصلحة الجيش كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم لطلحة والزبير يوم بدر لأنه كان قد بعثهما في مصلحة الجيش فأعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها فيما لهم وعليهم وهكذا المقتتلون على باطل لا تأويل فيه مثل المقتتلين على عصبية ودعوى جاهلية كقيس ويمن نحوهما ظالمتان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال أراد قتل صاحبه أخرجاه في الصحيحين وتضمن كل طائفة أتلفته الأخرى من نفس ومال وإن لم يعرف عين القاتل لأن الطائفة الواحدة الممتنع بعضها ببعض كالشخص الواحد. وأما إذا أخذوا المال فقط ولم يقتلوا كما قد يفعله الأعراب كثيرا فإنه يقطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى عند أكثر العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم وهذا معنى قول الله تعالى أو تقطع أيديهم وأرجلهم تقطع اليد التي يبطش بها والرجل التي يمشي عليها وتحسم يده ورجله بالزيت المغلي ونحوه لينحسم الدم فلا يخرج فيفضي إلى تلفه وكذلك تحسم يد السارق بالزيت وهذا الفعل قد يكون أزجر من القتل فإن الأعراب وفسقة الجند وغيرهم إذا رأوا دائما من هو بينهم مقطوع اليد والرجل ذكروا بذلك جرمه فارتدعوا بخلاف القتل فإنه قد ينسى وقد يؤثر بعض النفوس الأبية قتله على قطع يده ورجله من خلاف فيكون هذا أشد تنكيلا له ولأمثاله.

وأما إذا شهروا السلاح ولم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا مالا ثم اغمدوه أو هربوا أو تركوا الحراب فإنهم ينفون فقيل نفيهم تشريدهم فلا يتركون يأوون في بلد وقيل هو حبسهم وقيل هو ما يراه الإمام أصلح من نفي أو حبس أو نحو ذلك والقتل المشروع هو ضرب الرقبة بالسيف ونحوه لأن ذلك أوحى أنواع القتل. أحكام أهل الذمة ج: 2 ص: 864 وكل منهما يعلم أنه يقاتل عصبية لا على حق فهؤلاء تضمن كل طائفة ما أتلفته على الأخرى وفي ذلك نزل قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى". والمحاربون قطاع الطريق العالمون بأن ما فعلوه محرم يضمنون وإذا تابوا قبل القدرة عليهم سقطت عنهم حدود الله كما تسقط عن الكفار الممتنعين إذا أسلموا قبل القدرة عليهم. وهل يعاقبون بحدود الآدميين مثل أن يقتل أحدهم قصاصا فيه قولان للعلماء قيل يؤخذون بحقوق الآدميين كالقود وقيل لا يؤخذون وما كان معهم من أموال الناس يؤخذ بلا نزاع وما أتلفوه هل يضمنونه مع العقوبات البدنية فيه نزاع كالسارق فإنه إذا وجد معه المال أخذ سواء قطعت يده أو لم تقطع. وإن كان قد أتلفه فهل يغرم مع القطع على ثلاثة أقوال قيل يغرم كقول الشافعي وأحمد وقيل لا يغرم كقول أبي حنيفة وقيل يغرم مع اليسار دون الإعسار كقول مالك. والمقصود هنا أن قوله تعالى: "وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة" دل به على أن المحاربين لا يرثون المسلمين. التبيان في أقسام القرآن ج: 1 ص: 239

المريء موضوع خلف الحلقوم ومما يلي فقار الظهر وينتهي في ذهابه إلى الحجاب وهو مشدود برباطات فإذا أبعد مال إلى الجانب الأيسر واتسع وذلك المتسع هو المعدة وأسفلها يعود مائلا إلى اليمين والمعدة مقر طبخه وفمها هو المسدف منها ويسمونه الفؤاد وهذا من غلطهم إلا أن يكون ذلك اصطلاحا خاصا منهم والفؤاد عند أهل اللغة هو القلب قال الجوهري الفؤاد القلب وقال الأصمعى وفي الجوف الفؤاد وهو القلب وقد فرق بعض أهل اللغة بين القلب والفؤاد فقال الليث القلب مضغة من الفؤاد معلقة بالنياط وقالت طائفة مسدف القلب وقال النبي جاءكم أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة ففرق بينهما ووصف القلب بالرقة والأفئدة باللين وأما كون فم المعدة هو الفؤاد فهذا لا نعلم أحدا من أهل اللغة قاله وتأمل وصف النبي القلب بالرقة التي هي ضد القساوة والغلظة والفؤاد باللين الذي هو ضد اليبس والقسوة فإذا اجتمع لين الفؤاد إلى رقة القلب حصل من ذلك الرحمة والشفقة والاحسان ومعرفة الحق وقبوله فإن اللين موجب القبول والفهم والرقة تقتضي الرحمة والشفقة وهذا هو العلم والرحمة وبهما كمال الانسان وربنا وسع كل شيء رحمة وعلما فلنرجع إلى ما نحن بصدده فنقول المعدة مع المريء ذات طبقتين لطيفتين واللحم في الطبقة الداخلة أقل ولهذا يغلب عليها البياض وهي عصبية حساسة وهي في الطبقة الخارجة أكثر ولهذا يغلب عليها الحمرة وهي مربوطة مع الفقار برباطات وثيقة وتنتهي من جهة قعرها إلى منفذ هو باب المعدة وبوابها يغلق عند اشتماله على الغذاء مدة هضمه ويقال لباطن جرم المعدة خمل المعدة والأمعاء المصارين وهو جمع مصران بضم الميم وهو جمع مصير. السياسة الشرعية ج: 1 ص: 42

كثيرا فهو السحت فقلت يا ابا عبد الرحمن ما كنا نرى السحت إلا الرشوة في الحكم قال ذاك كفر فاما إذا كان ولي الأمر يستخرج من العمال ما يريد أن يختص به هو وذووه فلا ينبغي إعانة واحد منهما إذ كل منهما ظالم كلص سرق من لص وكالطائفتين المقتتلتين على عصبية روئاسة ولا يحل للرجل ان يكون عونا على ظلم فإن التعاون نوعان الأول تعاون على البر والتقوى من الجهاد وإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وإعطاء المستحقين فهذا مما امر الله به ورسوله ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة فقد ترك فرضا على الأعيان او على الكفاية متوهما أنه متورع وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع إذ كل منهما كف وإمساك والثاني تعاون على الإثم والعدوان كالاعانة على دم معصوم أو أخذ مال معصوم أو ضرب من لا يستحق الضرب ونحو ذلك فهذا الذي حرمه الله ورسوله نعم إذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق وقد تعذر ردها إلى أصحابها ككثير من الأموال السلطانية فالاعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثغور ونفقة المقاتلة ونحو ذلك من الإعانة على البر. السياسة الشرعية ج: 1 ص: 68

والباقون لهم أعوان وردء له فقد قيل إنه يقتل المباشر فقط والجمهور على أن الجميع يقتلون ولو كانوا مائة وأن الردء والمباشر سواء وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل ربيئة المحاربين والربيئة هو الناظر الذي يجلس على مكان عال ينظر منه لهم من يجيء ولأن المباشر إنما يكن من قتله بقوة الردء ومعونته والطائفة إذا انتصر بعضها ببعض حتى صاروا ممتنعين فهم مشتركون في الثواب والعقاب كالمجاهدين فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ويرد متسريهم على قاعدتهم يعني أن جيش المسلمين إذا تسرت منه سرية فغنمت مالا فإن الجيش يشاركها فيما غنمت لأنها بظهره وقوته تمكنت لكن تنفل عنه نفلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل السرية إذا كانوا في بدأتهم الربع بعد الخمس فإذا رجعوا إلى أوطانهم وتسرت سرية نفلهم الثلث بعد الخمس وكذلك لو غنم الجيش غنيمة شاركته السرية لأنها في مصلحة الجيش كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم لطلحة والزبير يوم بدر لأنه كان قد بعثهما في مصلحة الجيش فأعوان الطائفة المتمنعة منها فيما لهم وعليهم وهكذا المقتتلون على باطل لا تأويل فيه مثل المقتتلين على عصبية ودعوى جاهلية كقيس ويمن ونحوهما هما ظالمتان. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل. اقتضاء الصراط ج: 1 ص: 72 مطلقا فعل أهل الجاهلية فأما نصرها بالحق من غير عدوان فحسن واجب أو مستحب ومثل هذا ما روى أبو داود وابن ماجة عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما العصبية قال أن تعين قومك على الظلم وعن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خيركم المدافع عن عشيرته مالم يأثم رواه أبو داود.

وروى أبو داود أيضا عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية. وروى أبو داود أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه فإذا كان هذا التداعي في الأسماء وفي هذا الانتساب الذي يحبه الله ورسوله فكيف بالتعصب مطلقا والتداعي للنسب والإضافات التي ما هي إما مباحة أو مكروهة. وذلك أن الانتساب إلى الاسم الشرعي أحسن من الانتساب إلى غيره ألا ترى إلى ما رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن أبي عقبة عن ابي عقبة وكان مولى من أهل فارس. اقتضاء الصراط ج: 1 ص: 74 فأضاف العبية والفخر إلى الجاهلية يذمهما بذلك وذلك يقتضي ذمهما بكونهما مضافين إلى الجاهلية وذلك يقتضي ذم كل الأمور المضافة إلى الجاهلية ومثله ما روى مسلم في صحيحه عن أبي قيس زياد بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمياء يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل قتل قتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهدها فليس مني ولست منه ذكر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الأقسام الثلاثة التي يعقد لها الفقهاء باب قتال أهل القبلة من البغاء والعداة وأهل العصبية.

فالقسم الأول الخارجون عن طاعة السلطان فنهى عن نفس الخروج عن الطاعة والجماعة وبين أنه إن مات ولا طاعة عليه لإمام مات ميتة جاهلية فإن أهل الجاهلية من العرب ونحوهم لم يكونوا يطيعون أميرا عاما على ما هو معروف من سيرتهم ثم ذكر الذي يقاتل تعصبا لقومه أو أهل بلده ونحو ذلك وسمى الراية عمياء لأنه الأمر الأعمى الذي لا يدري وجهه فكذلك قتال العصبية يكون عن غير علم بجواز قتال هذا وجعل قتلة المقتول قتلة جاهلية سواء غضب بقلبه أو دعا بلسانه أو ضرب بيده. وقد فسر ذلك فيما رواه مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل ولا يدري المقتول على أي شيء قتل فقيل كيف يكون ذلك قال الهرج القاتل والمقتول في النار. مجموع الفتاوى ج: 3 ص: 245 ومما يجب أن يعلم أن الذي يريد أن ينكر على الناس ليس له أن ينكر إلا بحجة وبيان إذ ليس لأحد أن يلزم أحدا بشيء ولا يحظر على أحد شيئا بلا حجة خاصة إلا رسول الله المبلغ عن الله الذي أوجب على الخلق طاعته فيما أدركته عقولهم وما لم تدركه وخبره مصدق فيما علمناه وما لم نعلمه وأما غيره إذا قال هذا صواب أو خطأ فإن لم يبين ذلك بما يجب به اتباعه فأول درجات الإنكار أن يكون المنكر عالما بما ينكره وما يقدر الناس عليه فليس لأحد من خلق الله كائنا من كان أن يبطل قولا أو يحرم فعلا إلا بسلطان الحجة وإلا كان ممن قال الله فيه: "الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه وقال فيه الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار".

هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإن تعدى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية فأنا لاأتعدى حدود الله فيه بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل وأجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكما فيما اختلفوا فيه قال الله تعالى كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وقال تعالى فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله. مجموع الفتاوى ج: 14 ص: 74 ويحتج بها طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد على أن الحر لا يقتل بالعبد لقوله والعبد بالعبد فينقض ذلك عليه بالمرأة فإنه قال والانثى بالانثى وطائفة من المفسرين لم يذكروا إلا هذا القول. القول الثاني: أن القصاص فى القتلى يكون بين الطائفتين المقتتلتين قتال عصبية وجاهلية فيقتل من هؤلاء ومن هؤلاء احرار وعبيد ونساء فامر الله تعالى بالعدل بين الطائفتين بان يقاص دية حر بدية حر ودية امرأة بدية امرأة وعبد بعبد فإن فضل لأحدى الطائفتين شيء بعد المقاصة فلتتبع الأخرى بمعروف ولتؤد الأخرى اليها باحسان وهذا قول الشعبى وغيره وقد ذكره محمد بن جرير الطبري وغيره وعلى هذا القول فإنه إذا جعل ظاهر الآية لزمته اشكالات لكن المعنى الثاني هو مدلول الآية ومقتضاه ولا إشكال عليه بخلاف القول الأول يستفاد من دلالة الآية كما سننبه عليه ان شاء الله تعالى وما ذكرناه يظهر من وجوه. احدها: أنه قال كتب عليكم القصاص فى القتلى والقصاص مصدر قاصه يقاصه مقاصة وقصاصا ومنه مقاصة الدينين احدهما بالآخر والقصاص فى القتلى انما يكون إذا كان الجميع قتلى كما ذكر الشعبى فيقاص هؤلاءالقتلى بهؤلاء القتلى أما إذا مجموع الفتاوى ج: 20 ص: 97 لا يقتله الا بالصلاة ولا يكفره كالمشهور من مذهب الشافعي لا مكان الاستيفاء منه وتكفير تارك الصلاة هو المشهور المأثور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين.

ومورد النزاع هو فيمن اقر بوجوبها والتزم فعلها ولم يفعلها واما من لم يقر بوجوبها فهو كافر باتفاقهم وليس الأمر كما يفهم من اطلاق بعض الفقهاء من اصحاب أحمد وغيرهم أنه إن جحد وجوبها كفر وان لم يجحد وجوبها فهو مورد النزاع بل هنا ثلاثة اقسام. أحدها: إن جحد وجوبها فهو كافر بالاتفاق. والثانى: ان لا يجحد وجوبها لكنه ممتنع من التزام فعلها كبرا أو حسدا أو بغضا لله ورسوله فيقول اعلم أن الله اوجبها على المسلمين والرسول صادق فى تبليغ القرآن ولكنه ممتنع عن التزام الفعل استكبارا أو حسدا للرسول أو عصبية لدينه او بغضا لما جاء به الرسول فهذا أيضا كافر بالاتفاق فان إبليس لما ترك السجود المأمور به لم يكن جاحدا للايجاب فان الله تعالى باشره بالخطاب وانما أبى واستكبر وكان من الكافرين وكذلك ابو طالب كان مجموع الفتاوى ج: 28 ص: 19 المنكر ونصر المظلوم وكل ما يحبه الله ورسوله ولا يتعاونون لا على ظلم ولا عصبية جاهلية ولا اتباع الهوى بدون هدى من الله ولا تفرق ولا اختلاف ولا شد وسط لشخص ليتابعه فى كل شئ ولا يحالفه على غير ما أمر الله به ورسوله وحينئذ فلا ينتقل أحد عن أحد الى أحد ولا ينتمى أحد لا لقيطا ولا ثقيلا ولا غيرذلك من أسماء الجاهلية فان هذه الأمور إنما ولدها كون الاستاذ يريد أن يوافقه تلميذه على ما يريد فيوالى من يواليه ويعادى من يعاديه مطلقا وهذا حرام ليس لأحد أن يأمر به أحدا ولا يجيب عليه احدا بل تجمعهم السنة وتفرقهم البدعة ويجمعهم فعل ما أمر الله به روسوله 2 وتفرق بينهم معصية الله ورسوله حتى يصير الناس أهل طاعةالله او أهل معصية الله فلا تكون العبادة إلالله عز وجل ولا الطاعة المطلقة الا له سبحانه ولرسوله.

ولا ريب أنهم إذا كانوا على عادتهم الجاهلية أى من علمه استاذ كان محالفا له كان المنتقل عن الأول الى الثانى ظالما باغيا ناقضا لعهده غير موثوق بعقده وهذا أيضا حرام وإثم هذا أعظم من إثم من لم يفعل مثل فعله بل مثل هذا إذا انتقل الى غير استاذه وحالفه كان قد فعل حراما فيكون مثل لحم الخنزير الميت فانه لا مجموع الفتاوى ج: 28 ص: 283 رد عن مسلم مظلمة فرزأه عليها قليلا او كثيرا فهو سحت فقلت يا ابا عبد الرحمن ما كنا نرى السحت الا الرشوة فى الحكم قال ذاك كفر. فاما اذا كان ولي الأمر يستخرج من العمال مايريد ان يختص به هو وذووه فلا ينبغى اعانة واحد منهمااذ كل منهما ظالم كلص سرق من لص وكالطائفتين المقتتلتين على عصبية ورئاسة ولا يحل للرجل ان يكون عونا على ظلم فان التعاون نوعان. الأول: تعاون على البر والتقوى من الجهاد وإقامة الحدود واستيفاء الحقوق واعطاء المستحقين فهذا مما امر الله به ورسوله ومن امسك عنه خشية ان يكون من اعوان الظلمة فقد ترك فرضا على الأعيان او على الكفاية متوهما انه متورع وما اكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع إذ كل منهما كف وامساك. والثانى: تعاون علىالاثم والعدوان كالاعانة على دم معصوم أو أخذ مال معصوم أو ضرب من لا يستحق الضرب ونحو ذلك فهذا الذي حرمه الله ورسوله نعم اذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق وقد تعذر ردها الى اصحابها ككثير من الأحوال السلطانية فالاعانة على صرف هذه مجموع الفتاوى ج: 28 ص: 312

قال المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ويرد متسريهم على قعدهم يعنى ان جيش المسلمين إذا تسرت منه سرية فغنمت مالا فان الجيش يشاركها فيما غنمت لأنها بظهره وقوته تمكنت لكن تنفل عنه نفلا فان النبى صلى الله عليه وسلم كان ينفل السرية اذا كانوا فى بدايتهم الربع بعد الخمس فإذا رجعوا الى أوطانهم وتسرت سرية نفلهم الثلث بعد الخمس وكذلك لو غنم الجيش غنيمة شاركته السرية لأنها فى مصلحة الجيش كما قسم النبى لطلحة والزبير يوم بدر لأنه كان قد بعثهما فى مصلحة الجيش فأعوان الطائفة الممتنعة وانصارها منها فيما لهم وعليهم. وهكذا المقتتلون على باطل لاتأويل فيه مثل المقتتلين على عصبية دعوى جاهلية كقيس ويمن ونحوهما هما ظالمتان كما قال النبى صلى الله عليه وسلم اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار قيل يارسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه اراد قتل صاحبه أخرجاه فى الصحيحين وتضمن كل طائفة ما أتلفته للأخرى من نفس ومال وان لم يعرف عين القاتل لأن الطائفة الواحدة الممتنع بعضها ببعض كالشخص الواحد وفى ذلك قوله تعالى: "كتب عليكم القصاص فى القتلى". مجموع الفتاوى ج: 28 ص: 488 المسلمين طاعة سواء كان عدلا أو فاسقا إلا لمن لا وجود له وهم يقاتلون لعصبية شر من عصبية ذوى الأنساب وهى العصبية للدين الفاسد فإن فى قلوبهم من الغل والغيظ على كبار المسلمين وصغارهم وصالحيهم وغير صالحيهم ما ليس فى قلب أحد وأعظم عبادتهم عندهم لعن المسلمين من أولياء الله مستقدمهم ومستأخرهم وأمثلهم عندهم الذى لايلعن ولا يستغفر.

وأما خروجهم يقتلون المؤمن والمعاهد فهذا أيضا حالهم مع دعواهم أنهم هم المؤمنون وسائرالأمة كفار وروى مسلم فى صحيحه عن محمد بن شريح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ستكون هنأة وهنأة فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهى جميع فأضربوه بالسيف كائنا من كان وفى لفظ فأقتلوه وفى لفظ من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فأقتلوه وهؤلاء أشد الناس حرصا على تفريق جماعة المسلمين فإنهم لا يقرون لولى أمر بطاعة سواء كان عدلا أو فاسقا ولا يطيعونه لا فى طاعة ولا فى غيرها بل أعظم أصولهم عندهم التكفير واللعن والسب لخيار ولاة الأمور كالخلفاء الراشدين والعلماء المسلمين ومشائخهم لإعتقادهم أن كل من لم يؤمن بالإمام المعصوم الذى لا وجود له فما آمن مجموع الفتاوى ج: 30 ص: 326 وعلى ذلك يدل قوله تعالى كتب عليكم القصاص فىالقتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى قال غير واحد من السلف نزلت هذه الآية فى قبيلتين من العرب كان بينهما قتال فأمر الله تعالى أن يقاص من القتلى الحر من هؤلاء بالحر من هؤلاء والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ثم قال فمن عفى له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان يقول إن فضل لأحدهما على الآخر شيء فليؤده إليهم بمعروف والتتبعة الأخرى أن يطالبهم به بإحسان والإتباع هوالمطالبة كما قال النبى مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملىء فليتبع. وهذا لأن الطوائف الممتنعة التى يعين بعضها بعضا فىالقتال ثم يكون الضمان فيها على الذى يباشر القتال والأخذ والإتلاف وعلى الردء الذى يعينه عند جمهور العلماء.

ولهذا كان فى مذهب الجمهور إن قطاع الطريق يقتل منهم الردء والمباشر وعمر بن الخطاب رضى الله عنه قتل ربيئة المحاربين وهو الناظر الذى ينظر لهم الطريق فالمتعاونون على الظلم والعدوان تجب عليهم العقوبة بالضمان وغيره ولهذا قال عامة الفقهاء إن الطائفتين المقتتلتين على عصبية ورياسة تضمن كل طائفة ما أتلفت للأخرى من مجموع الفتاوى ج: 32 ص: 249 إليه المردان فنهى عمر رضي الله عنه عن مجالسته ولقي عمر بن الخطاب شابا فقطع شعره لميل بعض النساء إليه مع ما في ذلك من إخراجه من وطنه والتفريق بينه وبين أهله ومن أقر صبيا يتولاه مثل أبنه وأخيه أو مملوكه أو يتيم عند من يعاشره علىهذا الوجه فهو ديوث ملعون ولا يدخل الجنة ديوث فإن الفاحشة الباطنة ما يقوم عليها بينة في العادة وإنما تقوم على الظاهرة وهذه العشرة القبيحة من الظاهرة وقد قال الله تعالى: "ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" وقال تعالى: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن". فلو ذكرنا ما حصل في مثل هذا من الضرر والمفاسد وما ذكروه العلماء لطال سواء كان الرجل تقيا أو فاجرا فإن التقي يعالج مرارة في مجاهدة هواه وخلاف نفسه وكثيرا إما يغلبه شيطانه ونفسه بمنزلة من يحمل حملا لا يطيقه فيعذبه أو يقتله والفاجر يكمل فجوره بذلك والله أعلم وسئل رحمه الله عن رجلين تراهنا في عمل زجلين وكل منهما له عصبية وعلى من تعصب لهما وفي ذكرهما التغزل في المردان وغير ذلك وما أشبههما أفتونا مأجورين. مجموع الفتاوى ج: 35 ص: 13 أو يدعو الى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتله جاهلية وفى لفظ ليس من أمتى من خرج على أمتى يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشا من مؤمنها ولا يوفي لذي عهدها فليس منى ولست منه. فالأول: هو الذي يخرج عن طاعة ولي الأمر ويفارق الجماعة. والثانى: هو الذي يقاتل لأجل العصبية والرياسة لا فى سبيل الله كأهل الأهواء مثل قيس ويمن.

والثالث: مثل الذى يقطع الطريق فيقتل من لقيه من مسلم وذمي ليأخذ ماله وكالحروية المارقين الذين قاتلهم علي بن أبى طالب الذى قال فيهم النبى صلى الله عليه وسلم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراتهم يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن فى قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة. وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر وإن كان عبدا حبشيا كما فى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة وعن أبى ذر قال أوصانى خليلى أن اسمعوا وأطيعوا ولوكان حبشيا مجدع. منهاج السنة النبوية ج: 1 ص: 112 فليس في حجة لهذا القائل فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ومن مات ميتة جاهلية في أمور ليست من أركان الإيمان التي من تركها كان كافرا كما في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلته جاهلية وهذا الحديث يتناول من قاتل في العصبية والرافضة رءوس هؤلاء ولكن لا يكفر المسلم بالاقتتال في العصبية كما دل على ذلك الكتاب والسنة فكيف يكفر بما هو دون ذلك وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات. منهاج السنة النبوية ج: 1 ص: 520 وأنهم ذكروا ذلك لعثمان وعلي فلم يلتفتا إلى من قال ذلك لعلمهما وعلم سائر المسلمين أنه ليس في القوم مثل أبي بكر. ففي الجملة جميع من نقل عنه من الأنصار وبني عبد مناف أنه طلب تولية غير أبي بكر لم يذكر حجة دينية شرعية ولا ذكر أن غير أبي بكر أحق وأفضل من أبي بكر وإنما نشأ كلامه عن حب لقومه وقبيلته وإرادة منه أن تكون الإمامة في قبيلته.

ومعلوم أن مثل هذا ليس من الأدلة الشرعية ولا الطرق الدينية ولا هو مما أمر الله ورسوله المؤمنين باتباعه بل هو شعبة جاهلية ونوع عصبية للأنساب والقبائل وهذا مما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بهجره وإبطاله. وفي الصحيح عنه أنه قال أربع من أمر الجاهلية في أمتي لن يدعوهن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والنياحة على الميت والاستقاء بالنجوم. منهاج السنة النبوية ج: 4 ص: 349 أنه دخل في جملة من وعد بنجاتهم ولهذا قال من قال من العلماء إنه ليس من أهلك الذين وعدت بإنجائهم وهو وإن كان من الأهل نسبا فليس هو منهم دينا والكفر قطع الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما نقول إن أبا لهب ليس من ال محمد ولا من أهل بيته وإن كان من أقاربه فلا يدخل في قولنا اللهم صلى على محمد وعلى ال محمد. وخيانة امرأة نوح لزوجها كانت في الدين فإنها كانت تقول إنه مجنون وخيانة امرأة لوظ أيضا كانت في الدين فإنها كانت تدل قومها على الأضياف وقومها كانوا يأتون الذكران لم تكن معصيتهم الزنا بالنساء حتى يزن أنها أتت فاحشة بل كانت تعينهم على المعصية وترضى عملهم. ثم من جهل الرافضة أنهم يعظمون أنساب الأنبياء اباءهم وأبناءهم ويقدحون في أزواجهم كل ذلك عصبية واتباع هوى حتى يعظمون فاطمة والحسن والحسين ويقدحون في عائشة أم المؤمنين فيقولون أو من يقول منهم إن ازر أبا إبراهيم كان مؤمنا وإن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم كانا مؤمنين حتى لا يقولون إن النبي يكون أبوه. الشهادة الزكية ج: 1 ص: 88

لإنسان عند كل منظر وسمع وخلاصة أهل الفرق والتميز وكشاف أسرار البلاغة باللفظ الوجيز إذا أتعب راحته بقلم الفتيا أراح أرواح أهل الدنيا حبر إذا مد اليراع جرى الندى من راحتيه فضائلا وعجائبا كالبحر يقذف للقريب جواهرا جودا ويبعث للبعيد سحائبا المتحلي كلامه بقلائد العقيان ونظامه ببلاغة قس وفصاحة سحبان كيف لا وهو الفصيح الذي إن تكلم أجزل وأوجز وأسكت كل ذي لسن ببلاغته وأعجز بل البحر الذي جرت فيه سفن الأذهان فلم يدرك قراره وعجز النظراء والبلغاء فلم يخوضوا تياره ما برز في موطن بحث إلا برز على الأقران ولا أجرى جياد علومه إلى غاية إلا كانت مطلقة العنان ولا أخبر عن فضله من رآه إلا تمثل ب ليس الخبر كالعيان سارت بتصانيفه الركبان وتفنن بمدحها أولوا الفخامة والشان تصانيف قد أنشأ بحسن براعة وحسن عبارات كدر تنضدا فسار بها من لا يسير مشمرا وغنى بها من لا يغني مغردا فإن كنت تعرف الحق عرفت أهله أو تدري ما الفضل أدركت فضله إلا أن تكون ذا عصبية وحمية فتجحد بالهوى فضائل ابن تيمية وتعمى عن لمعان أنواره البهية شعر إذا لم يكن للمرء عين صحيحة فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر ومن يتبع لهواه أعمى بصيرة ومن كان أعمى في الدجا كيف يبصر. فطالع كتابه الكواكب الدرية في الرد على الروافض والإمامية تجد العجب أو الرد على اليهود والنصارى وأهل البدع يداخلك الطرب ومواعظه تجد فيها حكمة لقمان أو فتاويه تجد عندها أبا حنيفة النعمان أو

فقه

الفرائض (فقه المواريث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان (1) ... 3×9 ... 24 ... 5 ... 5 ... 5 ... 12 زوجة ... 1/8 ... 3 ... 15 ابن ... ع ... 7 ... (ت) ابن ... ع ... 7 ... (ت) ابن ... ع ... 7 ... (ت) ثم مات أحدهم عن 5 أبناء ... 5 بنين ... 5 = 1 ... 7.35 ثم مات الثاني عن 1 بنين وبنت ... ابن ... 2 ... 14 ثم مات الثالث عن ابن و 3 بنات ... ابن ... 2 ... 14 بنت ... 1 ... 7 ابن ... 2 ... 14 3 بنات ... 3=1 ... 21=7 (2) ... 16/4 ... 2 ... 1/8 ... 8 ... 16 ... 64 زوجه ... 1/4 ... 1 ... 16 أخ الأب ... ع ... 1 ... ت ... - أخ الأب ... ع ... 1 ... ت ... - أخ الأب ... ع ... 1 ... ت ... - أخ الأب ... ع ... 1 ... - ثم مات أحدهم عن ابنين ... ابن ... 1 ... 8 ابن ... 1 ... 8 زوجه ... 1/8 ... 1 ... 2 ثم مات الثاني عن زوجةو3 أبناء وبنت ... 3 أبناء ... ع ... 6=2 ... 12 بنت ... ع ... 1 ... 2 زوجتي ... 1/8 ... 1 ... 2=1 ... 2 ثم مات الثالث عن زوجتين وابنين ... ابنين ... ع ... 7 ... 14=7 ... 14= ملاحظة هامة: - عند استخراج الجامعة إذا مات ميت بعد الميت الأول وليس له نصيب في مسألة الميت الأول نجعل جامعة الميت الأول ثم تسير الخطوات على نحو ما سبق. - وإذا مات الميت بعد الميت الأول وكان له نصيب فلا داعي لعمل ما معه أولى وثانيه بل يكتفي بالجامعة النهائية. - وإذا مات الميت الثالث وله نصيب في مسألة الميت الأول والثاني نجعل له جامعه أولى ثم جامعه أخيره بعد الانتهاء من خطوات الحل. 3 ... 3 ... 31 ... 1/3 ... 36 ... 2 ... 36 ... 9 بنت الأول بت الأول ... بنت ... 2/3 ... 2 ... 8 ... 8 ... 8 ... 2 بنت ... 2/3 ... 2 ... 8 ... 8 ... 8 ... 2 بنت ... 2/3 ... 2 ... 8 ... 8 ... 8 ... 2 حي لعمل ما معه ... أخت ش ... ع ... 1 ... 3 ... ت ... - ... - ... - الأول والثاني ومن خطوات الحل ... أخت ش ... ع ... 1 ... 2 ... أخت ش ... 1 ... 4 ... ت ع ... 1 ... 6 ثم مات إحدى الشقيقين عن أخيها وأختها ... أخ ش ... 2 ... 8 ... ابن ... 1 ... 4 ... 1 ثم مات الأخ الشقيق من ابنين ... ابن ... 1 ... 4 ... 1 (4) ... 3×4 ... 12 ... 12/15 ... 2/60 ... 1/1 ... 120 زوج ... 1/4 ... 1 ... 3 ... ت ... - ... - بنت ... 1/2 ... 2 ... 6 ... 30 ... 30 بنت ابن ... ع ... 1 ... 1 ... 5 ... 10 ابن ابن ... ع ... 1 ... 2 ... 10 ... 20 ثم مات الزوج عن زوجه وأم وأختين شقيقين وأخت لأم. ... زوجه ... 1/4 ... 3 ... 3 ... ت ... - أم ... 1/6 ... 2 ... 2 ... 4 2 أخت ثنى ... 2/3 ... 8=2 ... 8=4 ... 16=1 2أخت الأم ... 1/6 ... 4 ... 2 ... 4 ثم ماتت الزوجة عن زوج وأبوين ... زوج ... 1/2 ... 3 ... 3 أب ... ع ... 2 ... 2 أم ... الأب ... 1 ... 1 خطوات حل سائل المناسخات: 1) نجعل مسألة للميت الأول.

2) نجعل مسألة للميت الثاني. 3) ننظر بين سهام الميت الثاني من مسألة الميت الأول. 4) ننظر بينها وبين مسألته لأننا نعتبر مسألته أصلها أو مصححيها نعتبرها كالرؤوس التي اشتركت في تلك السهام؟ فإما أن نقسم سهامه من مسألة الميت الأول علي مسألته وإما أن توافق وإما أن تباين. أ- فإن انقسمت: صحت جامعة المناسخة مما صحت منه مسألة الميت الأول. ب- وإن وافقت: أخذنا وفق سهام مسألته (التي ورثنا فيها ماله لورثة نضعه فوق المسألة الأولى ليكون جزء السهم لها وحاصل العزب هو جامعة المناسخة. ج- وإن باينت: نأخذ كامل السهام فنضعه فوق المسألة الأولى ويصبح معنا حاصل الضرب هو جامعة المناسخة. 5) إن كان في المسألة ميت ثالث جعلنا له مسألة ثالثة وجامعة المناسخة (للميت الثاني) نعتبرها كأنها مسألة الميت الأول، في أخذ الميت الثالث من سهام من الجامعة ننظر بين سهامه من الجامعة وبين مسألته فإما أن تنقسم أو توافق أو تباين. ويكون خطوات الحل كما سبق بيانه: مثال: ماتت عن زوج وأبوين وبنت منها ثم مات الزوج عن بنت وزوجة وأخت شقيقة ثم ماتت البنت عن ابن ومن يرثها من الورثة المتقربين. (5) ... 12/13 ... 3/8 ... 104 ... 1/6 ... 104 زوج ... 1/4 ... 3 ... (ت) ... - ... - ... - ... - أب ... 1/6 ع ... 2 ... 16 ... - ... 16 أم ... 1/6 ... 2 ... 16 ... حده ... 1/6 ... 1 ... 26 بنت ... 1/ ... 1 ثم مات الزوج عن بنت وزوجة وأخت ش ... بنت ... 1/2 ... 4 ... 60 ... (ت) ... - زوجة ... 1/8 ... 1 ... 3 ... 3 ... 10 أخت ش ... ع ... 3 ... 9 ... 9 ثم ماتت البنت عن ابن ومن يرثها من المتقربين ... ابن ... ع ... 5 ... 50 6 ... 6/24 ... 2×1 ... 12 ... 5×4 ... 20 ... 4×4 ... 1/16 ... 440 أخت ش ... 1/2 ... 1 ... 720 أخت الأب ... 1/6 ... 1 ... ت أخت الأم ... 1/6 ... ت ... - عم ع ... 1 ... ب ... - ثم مات العم أم وابنين ... أم ... 1/6 ... 1 ... 2 ... 40 اثنين ... ع ... 5 ... 10=5 ... 20 عم ماتت الأخت لأب عن زوج وابنين وبنت ... زوج ... 1/4 ... 5 ... 60 ابنين ... ع ... 3 ... 12=6 ... 144 بنت ... ع ... 3 ... 3 ... 36 زوج ... 1/4 ... 1 ... 4 ... 60 ثم ماتت الأخت لأم عن زوج وأبناء ... 4 أبناء ... ع ... 3 ... 12=3 ... 180 ملاحظة هامة: لإخراج جزء السهم ... 140 ... 84 ... 105 - 140 ... ... الميت الثاني جزء سهمه 14 × 30 = 420 ÷ 3 = 140

- 84 جزء سهم الميت الثالث 14 × 30 = 420 ÷ 5 = 84 - 105 جز سهم الميت الرابع 7 × 30 = 210 ÷ 2 = 105 ولا فراج جزء سهم الميت الأول تنظرين (3، 5، 2) بينهم تباين 3 × 5 × 2 = 30 (7) ... 5×8 ... 40/3 ... 3/140 ... 5/84 ... 2/105 ... 1200 زوجه ... 1/8 ... 1 ... 5 ... 150 ابن ... ع ... 14 ... ت ... - ابن ... ع ... 14 ... ت ... - بنت من غيرها ... ع ... 7 ... - ثم مات أحد البنين عن ابن وبنت ... ابن ... 2 ... 280 ثم مات الابن الثاني عن ابنين وبنت ... بنت ... 1 ... 140 ابن ... 2 ... 168 ابن ... 2 ... 168 بنت ... 1 ... 84 ابن ... 1 ... 105 ابن ... 1 ... 105 30×24 ... 720 ... 5×6/7 ... 35 ... 5040 3 زوجات ... 1/8 ... 3 ... 90 = 30 ... 630 = 210 5 بنات ... 2/3 ... 16 ... 480 = 96 ... 1360 = 672 أخت ش ... ع ... 25 ... ت أخت ش ... ع ... 25 ... أخت ش ... 4 ... 195 أخت ش ... ع ... 25 ... أخت ش ... 4 ... 195 أخت ش ... ع ... 25 ... أخت ش ... 4 ... 195 أخت ش ... ع ... 25 ... أخت ش ... 4 ... 195 أخت ش ... ع ... 25 ... أخت ش ... 4 ... 195 زوج ... 1/2 ... 3 ... 15 ... 75 الإرث ينقسم إلى: (1) إما أن يكون التوريث بالتحديد والانضباط. وهذا يشمل جميع الأحوال التي مرت معنا وهذا إذا كان الورثة معروفين موجودين ذكورة أو إناثاً أحياء أو أمواتاً. (2) وإما أن يكون التوريث عن طريق التقدير والاحتياط. وهذا إذا ترددنا في وجود الورثة هل هم أحياء أو أموات أو في معرفة حالهم هل هم ذكور أو إناث. * فإذا ترددنا في معرفة حال الورثة بعد التيقن من وجودهم يأتي معنا نوعان من أنواع الإرث: 1- الخنثى 2- الحمل * وإذا كان الجهل والشك بوجود الوارث فعند 3 مباحث: 1- الحمل. 2- المفقود. 3- الذي يموتون في موت جماعي من طرق وغيره فلا يعلم المتقدم من المنشأة. الخنثى 1- معناه لغة: مأخوذ من الانخناث وهو التثنى والتكسر (الميل) ويأتي أيضاً بمعنى الإستباه وعدم الوضوح ومنه خنث الطعام إذا اشتبه أمره فلم يخلص طعمه (العذب 2/53) . * اصطلاحاً: فهو شامل لنوعين أثنين: الأول: من له آلتان آله الرجل وفرج المرأة. الثاني: ليس له شيء منهما أغاله ثقب تخرج الفضلات منه.

تعريفه عند علماء الشرع: من تشبه أخلاقه أخلاق المرأة قال الحافظ ابن حجر: هو من يشبه خلفه النساء في حركاته وكلامه وغير ذلك. 1. مخنث في أصل الخلفة فيه نعومة ويشبه النساء في أصل خلفته قال العلماء فلا لوم عليه في ذلك ولكن ينبغي أن يتعمد مخالفة ذلك. 2. وإن كانت تلك الأخلاق نصدر منه بقصد وتكلف فهذا هو المذموم روى خ د ت ن جه من حديث عبد الله بن عباس قال [إن النبي لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمترجلات من النساء وقال أخرجوه من بيوتكم] . قال ابن يمينه في مجموع الفتاوى 15/309 "قال الإمام الشافعي والإمام أحمد وردت السنة بالتغريب في موضعين في الزاني غير المحصن والمخنث الذي يتشبه من الرجال بالنساء. [2] جهات الخنثى: أي جهات وجوده يوجد في أربع جهات ولا يوجد في ثلاث. 1- البنوة ... ... 2- الإخوة ... ... 3-العمومة ... ... 4-الولاء ولا يمكن أن يكون الخنثى أباً ولا أما مهما عليا والثالث الزوجية. [3] أحوال الخلق: ينقسم الخلق إلى قسمين إلى ذكر وأنثي. قال تعالي: "لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً أو إناثاً". قال العلماء عن تفسيرها: وفي ذلك دلالة على أن مدار الخلق على الذكر والأنثى فالخنثى إما إلي ذكر وإما أنثي. [4] أحوال الخنثى: للمعنى حالتان: الأول: أن يرجى انكشاف حالة واتضاح أمره بالعلامات التي يتميز بها أخد الصنفين عن الآخر وأبرز هذه العلامات البول. فهو أعم العلامات وأوضحها، فإن بال الخنثى من إحدى آلتيه فله حكم الآلة التي بال منها وهذا أمر مجمع عليه. قال القرطبي (5/65) في تفسيره. أجمع العلماء على أن الخنثى يورق من حيث يبول فإن بال من حيث يبول الرجل فيورث ميراث رجل، وإن نال من حيث تبول الأنثى يورث ميراث الأنثى ونقل الإجماع أيضاً ابن المنذر فقال: أجمع كل من نحفظ عنه العلم أن الخنثى يورث من حيث يبول. * فإن نال منهما جميعاً فالعبرة بالأسبق منهما.

فإن استويا فهل تعتبر الكثرة للعلماء قولان في هذا: القول الأول: لا تعتبر الكثرة. قاله أبو حنيفة وقول للشافعي واحمد وعللوا ذلك بأن الكثرة تتبع اتساع المخرج أو ضيفه. القول الثاني: قول مالك وصاحبا أبى حنيفة وهو قول ثاني للشافعي وأحمد أن الكثرة مفيدة في تحيز الخنثى. وقد ثبت هذا عن عدة من الصحابة فمن بعدهم منهم: 1- على بن أبى طالب روي هـ ك 6/261 في 2/265 ... شيبة 11/349 عبد الرازق 10/8 والإسناد صحيح ولفظ الأثر: أنا على سئل من الخنثى وكليث يورث فقال يورق من قبل ماله وفي رواية قال "يورث حيث يبول فإن مال من آله الرجل ورث ميراث رجل ومن آله الأنثى ورث ميراث أنثي" وفي رواية قال "يورث من أيهما بال". وفي رواية قال "أنظروا سيل البول فور قوه منه". وفي رواية قال "وأن بال من مجري الذكر فهو غلام وأنا مال من مجرى المرأة فهو جارية" وهو أول قضاء في الخنثى في الإسلام عن على. 2- رفض بهذا أيضاً سعيد بن المسيب: روي ذلك شبية منصور 1/63 هـ ك عبد الرازق ولفظ الأثر عن قتادة قال سألت سعيد بن المسبب عن من يخلف خلق المرأة وخلق الرجل كيف يورث فقال سعيد بن المسبب "من أيهما بال ورث ثم قال سعيد لقتادة أرأيت إن كان ببول منهما جميعاً فقال قتادة لا أدري فقال سعيد " أنظر إلي أيهما أسرع فعلى ذلك يورث". وفي رواية قال سعيد "من حيث يسبق". 3- جابر بن زيد وهو أبو الشعثاء البصري ثقة فقيه وكان ابن مسعود يتواضع له ويقول أتسألوني وفيكم جابر بن زيد وكان يقولون أنه مثل الحسن البصري وبعضهم كان يفضله على الحسن ثبت قضاءه بذلك في هـ ك منصور شيبه قال قتادة "سجن الحجاج جابر بن زيد فوقعت مسألة في الخنثى فأرسل إلى جابر بن زيد وهو في السجن فقال جابر: "سبحان الله تسجونني وتستفتونني أنظروا من حيث يبول فورثوه منه. وفي رواية قال قتادة: كان جابر بن زيد والحسن البصري يورثان الخنثى من حيث بباله.

وفي رواية قال جابر بن زيد: "ألصقوه بالحائط ثم دعوه يبدل فإن أصاب الحائط فهو غلام وإن سأل بين فخديه فهو جارية". 4- وثبت في شيبه منصور أن معاوية سئل عن الخنثى كيف يورث فسئل من قبل "كيف نورثه" تأمر أن يورثه من قبل ماله. وفي رواية لسعيد بن منصور كتب معاوية إلى علي يسأله من توريث الخنثى فقال علي: الحمد لله الذي جعل عدونا يسألنا عن ما نزل به ثم كتب إليه ورثة من قبل مباله". 5- وروي عن النبي بإسناد لا ثبت رواه هـ ك وبعد أن رواه قال فيه محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. وهو لو روي عنه السدسي (محمد بن مروان السدسى الصغير) عن أبى صالح عن ابن عباس لكانت سلسلة الكذب قال السيوطي في الأشباه إسناده ضعيف جداً. وقال البيهقي لا ينجح به. والأثر "أن النبي سئل عن مولود ولد وله قبل وذكر من أين يورث فقال النبي "يورث من حيث يبول". وذكر الإمام ابن قدامة في المغنى في 7/115 علامات أخرى يعرف بها حالة الخنثى منها هل بنت له لحيه، هل حاضت ولها ثديان تفلكاً وظهراً إلى غير ذلك. تنبيه: نسب إلى علي وليس موجوداً في الكتب التي ترجمت له إلا وهو التميز بين الذكر والأنثى في حال الخنثى عن طريق عد الأضلاع مثال إن زادت الاضلاع بضلع: في الخنثى على أضلاع الرجل فهو امرأة، وإن نقصت أضلاع الخنثى عن أضلاع المرأة بضلع فهو رجل لأن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر الذي أتنزع منه فحواء زادت ضلعاً وآدم نقص ضلعاً ذكر ذلك ابن قدامة في المعنى في المكان المتقدم. وذكره القرطبي في تفسير سورة البقرة 1/302 وفي أول سورة النساء 5/66 قال الشيخ: ما رأيت هذا القول بإسناد ثابت لا عن على ولا عن الحسن البصري والقول لا يعتمد ولا يعتبر في التمييز بين الذكورة والأنوثة في حال الخنثى. وقال الإمام ابن أللبان من أئمة الفرائض: لو صح هذا ما أشكل حال الخنثى أبداً وأضيج إلى مراعاة المبال وقال ابن قدامة في المعني:

حالات الخنثى: الخنثى له (3) أجوال: أو بلغ هو على أشكاله. الحالة الأولى: إن ظهرت فيه علامة أحد الصنفين فكيفية توريثه واضحة؟ الحالة الثانية: إذا لم تزهر فيه إحدى علامات الصنفين وأمكن أن تظهر فيه في المستقبل فهذا هو الخنثى الذي يرى انكشاف حاله (يرجي انكشاف حاله) . الحالة الثالثة: إذا لم يكن أن تظهر فيه إحدى علامات الصنفين فهو مشكل إما لأنه مات وهو صغير أو بلغ وهو على إشكاله فهو الخنثى المشكل. الحالة الثانية والثالثة الخنثى فيها لا يخرج عن كونه ذكراً أو أنثي وإرثه بالذكور والأنوثة لا يخرج أيضاً عن 3 أحوال. الحالة الأولى: إما أن يرث بهما (يعنى إن قدرناه ذكراً ورث وإن قدرناه أنثي ورث) وهذه الحالة لها 3 أحوال أيضاً: أ- أن يرث بها بالتساوي. ب- أن يرث بها بالتساوي متفاضلاً وإرثه بالذكورة أفضل من الأنوثة. ج- أن يرث بها بالتساوي متفاضلاً وإرثه بالأنوثة أفضل من إرثه بالذكورة. الحالة الثانية: أن يرث بواحد منها ولا حالتان: أ – أن يرث بالذكورة فقط. ... ... ب- أن يرث بالأنوثة ولا يرث بالذكورة. الحالة الثالثة: لا يرث بهما إن قدرته ذكراً لا يرث وإن قدرته أنثي لا يرث. * والورثة مع الخنثى لهم عدة أحوال: الحالة الأولى: إما أن يرثوا معه متساوياً في حالتيه. الحالة الثانية: إما أن يرثوا معه متفاضلاً وهذه لها حالتان. أ- إن قدرته ذكراً يكون انفع للورثة. ب- إن قدرته أنثي يكون انفع للورثة. الحالة الثالثة: أن يرثوا معه في حال دون حال (كما لو قدرته ذكراً لا يرثون وإن قدرته أنثي ورثوا) . الحالة الرابعة: لا يرثون معه مطلقاً سواء كان ذكراً أو أنثي. - الحكم في الأحوال المتقدمة: أجمع العلماء على الحكم في حالتين من الأحوال المتقدمة: (1) إذا ورث الخنثى بحالتيه متساوياً بتغطيه نصيبه كاملاً، وهكذا الورثة الذين معه إذا ورثوا متساوياً في حالتي الخنثى نعطيهم أيضاً نصيبهم.

(2) إذا كان الخنثى لا يرث بهما وهكذا من معه لا يرث في حالته فلا نعطيهم شيئاً. مثال: على إرث الخنثى بها متساوياً. أب ... 1/6 ... 1/6 ع ... 1 أم ... 1/6 ... 1/6 ... 1 بنت ... 1/2 ... 1/2 ... 3 ولد ابن (خ) ... ع ... 1/6 ... 1 ... نصيبه في حالتيه متساوياً ذ ... ث مثال: لا يرث فيها الخنثى سواءً قدرته ذكراً أو أنثي: 6/3 ... 6/3 زوج ... 1/2 ... 3 ... 1/2 ... 3 أخت ش ... 2/3 ... 2 ... 2/3 ... 3 أخت ش ... 2/3 ... 2 ... 2/3 ... 3 ولد أب (خ) ... ع ... - ... م ... - ... ما ورث في حالته ذ ... ث الأحوال المختلف فيها على (4) أقوال: 1- مذهب أبي حنيفة. ... الاختيار في تقليل المختار 3/83، 5/115 يقول يعامل الخنثى وحده بالأمر فتعطيه أقل النصيبين وأسوء الحالتين وتعطى لبقية الورثة نصيبهم لأن المزاحم للخنثى نصيبهم متيقن سبب اسحتقاقه فلا يجوز إبطاله ولا نقضه بالشك، فنعطى للخنثى القدر المتيقن وهو أقل الأمرين وأسوأ الحالتين، فإذا اتضح خلاف ذلك نقض الحكم وردت الحالات، كما ينقض حكم القاضي إذا خالف الواقع. أمثلة على مذهب أبى حنيفة: أ- إذا كان لا يرث الخنثى في إحدى حالتيه لا يورث عند الأصناف (إن كان ذكراً ورث وإن كان أنثي لا يرث) . زوجة ... 1/4 ... 1 ... 1/4 ... 1 ولد أخ ش (خ) ... ع ... 3 ... - ... - عم ... م ... 0 ... ع ... 3 ذ ... ث عند أبي حنيفة لا داعي للجامعة لأننا نعامله بالأخذ والأخذ هنا أنه لا يرث على التقدير أنها أنثي فإذا ظهر خلاف ذلك يرد المال إلى الخنثى. ب- عكسها (أي يرث إن كانت أنثي ولا يرث إن كان ذكراً) 6/8 ... 6/9 أخ الأم ... 1/6 ... 1 ... 1/6 ... 1 ... الأخذ له ميراث الذكر فتعطيه ميراثه أم ... 1/6 ... 1 ... 1/6 ... 1 أخت ش ... 1/2 ... 3 ... 1/2 ... 3 ولد أب (خ) ... ع ... - ... 1/6 ... 1 زوج ... 1/2 ... 3 ... 1/2 ... 3 ذ ... ث ج – يرث بهما متفاضلاً (لكن الذكورة أنفع متغطية ميراث الأنوثة) . 3 ... 3 ... الأخذ له ميراث الأنثى فتعطيه ميراث الأنثى بنت ... ع ... 1 ... 2/3 ... 1 ولد (خ) ... ع ... 2 ... ع ... 1 عم ... م ... - ... ع ... 1 ذ ... ث ج- يرث بهما متفاضلاً (لكن الأنوثة أنفع فتعطيه ميراث الذكر) . ... 6 ... 6/8 0@ زوج ... 1/2 ... 3 ... 1/2 ... 3 أم ... 1/6 ... 1 ... 1/6 ... 1 أخ الأم ... 1/6 ... 1 ... 1/6 ... 1 ولد ش (خ) ... ع ... 1 ... 1/2 ... 3 ذ ... ت نصيب الورثة في الجامعة:

البنت = 2 × 5 = 10 + (6 × 2) = 10 + 12 = 22 ÷ 2 = 11 أم = 3 × 2 = 6 + (1 × 6) = 6 + 6 = 12 ÷ 2 = 6 عم = 1 × 6 = 6 ÷ 2 = 3 (2) مذهب الإمام مالك: ... يورق الخنثى عاليته وأعطاه نصف كل منهما عملاً بالشبهين فإن ورث بهما تعطيه نصف ذكورة ونصف أنوثة، وإذا ورث تواجد منهما نعطيه نصف التي ورث بها ووافقه على ذلك أبو يوسف ومحمد بن الحسن، والأخر وافق مالك في قوله تماماً والأول اختلف في صورة يأتي بيانها. أ – يرث بها ... 3×6 ... 18/2 ... 1/6 ... 36 بنت ... ع ... 5 ... 5 ... 2/3 ... 2 ... 11 ولد (خ) ... ع ... 10 ... 2/3 ... 2 ... 16 أم ... 1/6 ... 1 ... 3 ... 1/6 ... 1 ... 6 عم ش ... م ... 0 ... 0 ... ع ... 1 ... 3 ذ ... ث ب- يرث بواحد منهما. 1 ... 1 ... 2 ولد أخ ش (خ) ... ع ... 1 ... م ... 0 ... 1 عم ... م ... 0 ... ع ... 1 ... 1 ذ ... ث أما أبو يوسف له تفصيل كما في الاختيار 5/115 بقول لو مات وترك ابن وولد خنثي فلو كان خنثي ذكراً لكان المال بينهما نصفين ولو كان أنثي لكان المال بينهما ثلاثاً _الذكر 2/3 والأنثى 1/3) فاستحقاق الأنثى للثلث فتبين الزيادة عليه وهو السدس يكون مشكوك فيها منقسم هذا المشكوك فيه وبين أخي بالتساوي. ... ... 6 ... ... ... 7 ابن ... ... 3 ... ... ... 4 ولد خ ... ... 2 ... ... ... 3 (3) مذهب الإمام الشافعي: يعامل الخنثى ومن معه بالأخذ ويوقف الباقي حتى يتضح حال الخنثى أو ينفق الورثة، فإن تبين حال الخنثى تبين حال الموفون وأعطينا كل واحد حقه، وإذا أرادوا أن يصطلحوا فلا حرج ولا بد من التسامح والتواجد وتغتفر الجهالة في مثل هذا الصلح للضرورة. وعميرة الشافعي في ذلك أنه يأخذ باليقين حتى يزول الأشكال بالاتضاح أو ينحل بالإصلاح. 3×6 ... 18/2 ... 3×6 ... 3/12 ... 36 بنت ... 1/2 ... 3 ... 9 ... 1/2 ... 3 ... 6 ... 18 ولد ابن (خ) ... ع ... 1 ... 2 ... 1/6 ... 1 ... 1 ... 3 بنت ابن ... ع ... 1 ... 1 ... 1/6 ... 1 ... 1 ... 2 أب ... 1/6 ... 1 ... 3 ... 1/6ع ... 1 ... 2 ... 6 أم ... 1/6 ... 1 ... 3 ... 1/6 ... 1 ... 2 ... 6 ذ ... ث ... 1 موفون (4) مذهب الإمام أحمد: جمع بين أموال المذاهب لكن نزل كل قول على حاله وهو أسد الأقوال فقال للخنثى حالتان. الحالة الأولى: يرجى فيها انكشاف حالة متعامل الخنثى ومن ورثه بالأخذ كقول الشافعي. الحالة الثانية:

لا يرجي فيها انكشاف حال الخنثى فنأخذ بقول مالك وهذا القول فيه احتياط في الأمرين وبه فض ابن عباس والشعبي وابن أبى ليله ونقله ابن قدامه في المغنى 7/115 عن أهل المدينة ومكة وقال هو قول الثوري وقال لم نعرف له في الصحابة منكراً. وهذا القول يترجم بعدة أمور: (1) لأن حالة الخنثى تساوياً موجب التسوية بين حكمهما قال ابن قدامة كما لو أدعي شخصيات داراً وهي تحت تصرفهما ولا بنية لواحد منهما فنفي بينهما وفي هذا رد على قول الأحناف. (2) ليس توريث الحنثى بأسوأ أحواله بأولى من توريث من معه بذلك فتخصيص الخنثى بهذا الحكم نحكم لا دليل عليه. (3) وفيه رد على قول الشافعي قالوا لا سبيل إلى الوقف لأنه لا غاية له حتى ننتظر وفيه تضيع المال مع تعين استحقاق الورثة له. (4) وفيه رد على قول المالكية قالوا إننا نحتاط بهذا القول في الأمرين فإن كان الخنثى يرجى انكشاف حاله فينبغي أن تتوقف لنعلم مستحق المال بيقين وإن كان لا يرجى انكشاف حالة، فلا بد من حسم المنازعات وتوزيع المال حسب وسعنا. كيفية التوريث عند الإمام أحمد: إن كان يرجي انكشاف حاله نجعل جامعة للخنثى دون أن نضر بها كالتي وتعطيه ومن معه الأسود والأخذ. وإن كان لا يرجى نجعل جامعة ثم تضربها بحالتي الخنثى وتعطيه ما يرثه بالحالتين مقسوماً على أثنين. - أثر الشعبي ثابت في (في 2/365) (شبيه 11/350) أنه سئل عن مولود ليس بذكر ولا أنثي وليس له بالذكر ولا للأنثى وقالوا له أنه يخرج من سرته كهيئة البول والغائط فقال "اعطوه نصف خط الذكر نصف خط الأنثى: * كيفية إفراج الجامعة في مسائل الخنثى:

1- إن كان الخنثى يرجى انكشاف حاله فنجعل له مسألتين: مسألة على أنه يرث بالذكورة وأخري على أنه يرث بالأنوثة وننظر بين المسألتين بالنسب الأربعة وحاصل النظر هو جامعة الخنثى ثم من كان له شيء في المسألتين فإن تساوى (نصيبه في الأولى كالثانية أعطيناه واحداً منها وإن اختلف أعطينا والأقل، وإذا كان نعطى الورثة لا يرث في إحدى التقديرية لا نعطيه شيئاً؟ 2- وإذا كان لا يرجى اكتشاف حالة الخنثى نجعل مسألتين كما تقدم ثم ننظر بين المسألتين كما تقدم بالنسب الأربعة وفاصل النظر يضرب بحالتي الخنثى (أي يضرب باثنين) لتخرج جامعة الخنثى ثم تقسم الجامعة على المسألتين ومن له شيء في كل مسألة أخذه مضروباً فيما فوقها ثم جمعنا ما يستحقه في المسألة الأولى والثانية ومسماه على اثنين وإذا كان لا يرث إلا في مسألة واحدة قسمناها أيضاً على اثنين. مبحث الحمل 1- تعريف الحمل لغة: هو ما في بطن كل حبلى من آدمية أو غيرها وهو ثقل لكنه محمول في البطن، قال تعالى: "فلما نعشاها حملت حملاً خفيفاً". وإذا حمل الثقل في الظاهر فيقال له – حمل قال تعالي "وإن تدع منقله إلى حملها". فالحمل المحمول ظاهراً والحمق المحمول باطناً. وجمع الحمل أحمال قال تعالى: "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن". والأنثى يقال لها حاملة: ذا حملت حملاً ظاهراً. والأنثى يقال لها حاملة: ذا حملت حملاً باطناً. تعريفه اصطلاحاً: ما في بطن الآدمية من ولد وأفراد الحمل الذي يرث ويحجب بكل تقدير أو ببعض التقادير إذا أنفصل حياً. 2- المبحث الثاني: شروط إرث الحمل: يشترك له شرطان: (1) تحقق وجوده في الرحمن حين موت المورث ولو نطفة والسبب في اشتراط هذا الشرط، أن الإرث خلافة عن الميت والوارث يخلف المورث فكيف سيخلفه وهو معدوم. (2) انفصاله حياً عند ولادته حياة معتبره مستقرة ولذلك لابد من استهلاك أو أن يتنفس نفساً طويلاً.

لما ثبت في د هـ ك والحديث حسن بشواهده وسكت عنه أو داود وحسنه اتمتنا لوجود الشواهد له بل نصوا على تصحيحه كما في نصب الراية 2/77 عن أبي هريرة أن النبي قال: "إذا استهل المولود ورث". وفيه محمد ابن إسحاق وقد عنعن وهو مدلس وهو من رجال مسلم والسنن الأربعة وقال البيهقي في السنن الكبرى ورواه ابن خزيمة وزاد في الرواية أن النبي قال "إذا استهل المولود ورث تلك طعنة الشيطان، كل بني آدم نائل منه تلك الطعنة، إلا ما كان من مريم وابنها فإنها لما وضعتها أنها قالت إني أعيزها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، فقدت دونها بحجاب فطعن فيه (أي الحجاب) . وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة قال إن النبي قال: "كل بني آدم يطعنه الشيطان في جنبه حين تلده أمه إلا عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب". قال أبو هريرة "أرأيت هذه الصرخة التي يصرخها الصبي حين تلده أمه فإنها منها". وفي روايات البيهقي قال أبو هريرة "من السنة ألا يرث المنفوس ولا يورث حتى يستهل صارخاً" وقول الصحابة من السنة كقول النبي. - الشواهد التي يقوي الحديث المتقدم. (1) روي ت وقال حسن صحيح جه جب كم ص القرطبي 4/349 هـ ك 4/ والهيثمي 4/225 وعزاه إلى طبك طبس وقال البيهقي "في كتاب الجنائز "ورويناه في كتاب الفرائض مرفوعاً من حديث أبى هريرة ولفظ الحديث عن جابر عن النبي أنه قال "الطفل لا يصلي عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل" وفي بعض روايات الحديث "السقط لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل". (2) هـ ك عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال رسول الله "لا يرث الصبي إذا لم يسده والاستهلاك الصباح أو الغطاس أو البكاء". قال سعيد ولا يصلى عليه. (3) أثر مرسل: في 2/293 عن مكحول الدمشقي قال: قال رسول الله: "لا يرث المولود حتى يستهل صارخاً وإن وقع حياً. (4) أثر موتون. (5) آثار موقونه.

[1] أثر جابر ولفظه لفظ حديث جابر المرفوع المتقدم رواه في هـ ك 6/257 وقال روي من حديث جابر مرفوعاً وموقوفاً ورواها أيضاً شيبة 11/293 وعبد الرازق 3/533. [2] أثر عبد الله بن عمر عن السقط يقع ميتاً أيصلي عليه قال: "لا جني يصبح فإذا أصاح صلى عيه وورث". [3] أثر عبد الله بن عباس: في س 2/392 وشيبة 11/384 قال "إذا استهل الصبي ورث وصلى عليه". المبحث الثالث: مدة الحمل: قال الله في سورة الرعد "الله يعلم ما تحمل كل أنثي وما تغيض الأرحام وما تزروا" (ما تحمل كل أنثي وما تغمض الأرحام وما تزداد) . 1- إما أن تكون موصولة: ويصبح المعنى الله يعلم ما تحمله كل أنثي وما تغيض أي ما تحمل من مولود واحد ربما تزداد أو اثنين أو ثلاثة إلى ما شاء الله. ما يغيض: ما تنفض أي إما في قد الرجل أو البصر. وما تزداد يخرج أحياناً أعضاء زائدة مولود له 6 أصابع أو رأسان. ما يغيض: أي تنقص عن المدة المعتادة يا إما تلقيه سقطاً وإما قبل تسعة أشهر. وما تزداد: يبقي سنه وسنتين أو أكثر. 2- وإما أن تكون ما بصدرية: الله يعلم حمل كل أنثي ونقصانها وزيادتها دل على هذا المعنى قول الله سبحانه "الله يرج علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمانها وما تحمل من أنثي ولا تضع إلا بعلمه" فاطر. 3- وإما أن تكون ما استفهامية: جوز ذلك أبو حيان في البحر المحيط 5/369 والأوس قال ولا يخفي أن ذلك فلان الطاهر المتباد ويصبح المعنى الله يعلم أي شيء عمله الأنثى. ولقد دلت السنة أن هذا الحمل علمه مختص بالله جلا وعلا ثبت ق خ من حديث ابن عمر أن النبي قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم أحد ما يكون في عد إلا الله، ولا يعلم أحد ما في الأرحام، ولا يعلم أحد من قوم النساء ولا تدرى نفس ماذا يكسب غداً، ولا يعلم أحد متى يجيء المطر".

- وعلم الغيب المختص بالرب ومن حملته ما في الأرحام، ضابطة كما قال النووي ص 266 من الفتاوى: هو علم استقلالي محيط بجمع المعلومات كماً وكيفاً محرج العلم الذي يحصله الإنسان عن طريق الحواس وخرج العلم الذي يحصله الإنسان اضطرارياً (فهو معلوم ضرورة) وخرج العلم الذي يحصله الإنسان عن طريق الدلائل (سواءً كانت عقلية أو تجريبية) - علام خص الله هذه الأمور الخمسة بالذكر وكل غيب مختص بالرب سبحانه وذلك لخمسة أمور. (1) هي أمهات الغيب وإذا جهلها الإنسان وهو عن جعل غيرها أجعل وأجهل. (2) هذه الأمور الخمسة لم يوح الله بعلمها إلى أحد من خلفه من ملك مغرب أو بني مرسل. (3) هذه الأمور الخمسة مما يقع السؤال عنها بكثرة من قبل المخلوقين لأنبياء الله ورسله فأخذ الله أنه أستأثر بعلمها. (4) هذه الأمور الخمسة كان يدعى من يدعى من الكهان معرفتها فكتبهم الله. (5) هذه الأمور الخمسة تستاق النفوس إلى معرفتها وتطلع إلى العلم بها. - وآية الرعد المتقدمة تدل على أن مدة الحمل لا يعلمها إلا الله ولا تحدد بحد ولا تضبط بفترة. قال القرطبي كما في 9/287: لا يوجد لأكثر مدة الحمل حد معين ينتهي إنسان إليه ولو زادت مدته على عشرة أعوام فهذا ممكن. وقال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان في 3/86 وهذا أظهر الأقوال وليلاً والأقوال التي فيها تجديد أكثر مدة الحمل لا دليل عليها ولا أصل لها. ونقله ابن القيم في نجفة المودود ص 210 عن بعض العلماء، فقال: قالت مرقة لا يجوز في هذا الباب تحديد أي في باب أكثر مدة الحمل منهم أبو عبيد القاسم بن سلام. وحكي عن الزهري ما يدل على هذا فقال قال الزهري: قد تحمل المرأة ستة أعوام وسبعة أعوام ثم قال ولقد أتي سعيد بن عبد الملك بامرأة ولدت مولوداً وقد حملته سبع سنوات وقال ابن القيم وحكي عن عباد بن العوام قال:

"ولدت امرأة معنا في هذا الدار لخمسة أعوام وقد بلغ شعره إلى منكبيه وخرجت أسنانه لما سقط مولوداً نزل بجواره طائر فقال له هـ وأخذ بهذا القول الإمام مالك (وهو أن مدة الحمل لا تحد بحدة) . وهناك قولان لبقية المذاهب: القول الثاني: قال به أحمد وهو ظاهر مذهبه. كما في المغني في 9/116 وهو قول الشافعية كما في السراج المنير للخطيب الشربيني ص 450 وهو قول أيضاً للإمام مالك من أقواله الثلاثة أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات. وحجة هذا القول أمران: (1) ما لا نص فيه ولا دليل عليه نرجع في ضبطه وتحديده إلى الوجود والوقوع وقد وجد من حملته أمه أربع سنين ووقع ذلك. وأوردوا في ذلك عدة آثار: أ- روي قط 3/322 وهـ ك 7/443 وبوب عليه باباً فقال (أب ما جاء في أكثر مدة الحمل) ولفظ الأثر عن الوليد بن مسلم أنه قال للإمام مالك: "حدثت عن عائشة أنها قالت لا يمكث الحمل في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بمقدار ظل المعزل" فقال الإمام مالك: "سبحان من يقول هذا، هذه امرأة محمد بن عجلان جارة لنا امرأة صدق وزوجها محمد بن عجلان رجل صدق، كانت تحمل وتلد كل أربع سنين قال وولدت ثلاثة أولاد في اثنين عشرة سنة". ب- روي قط وهـ ك عن هشام المجاشعى قال كنا في مجلس مالك بن دينار فجاء رجل بعد أن انتهي الإمام مالك بن دينار من درسه قال أنا يحيى إن زوجتي مكثت في الحمل أربع سنين وقد لاقت عنه ومشقة فأريد منك أن تدعو لها لعل الله أن يفرج عنها فقال مالك بن دينار سبحان الله تأتون إلينا وكأننا أنبياء لندعو لكم، فأنصرف الرجل فلما أنصرف رفع يديه وبجا يدعو والحاضرون يأمنون ومن جملة دعاه: "اللهم إن كان في بطنها جارية وأنثي فأسألك أن تقلبه غلام فأنت تمحو ما تشاء وتثبت وأنت على كل شيء قدير وبدأ يلح في الدعاء مما حط يديه حتى جاء الرجل عائداً ويحمل الولد على رقبته وقال أما يجئ أجاب الله دعائك".

ج- قصه أخرى ثابتة في قط وهـ ك وعبد الرازق 7/355 ومنصور 2/17 جميع رجال الإسناد ثبات عن الأعمش عن أبى سفيان (وهو ابن سيناء طلحه بن نافع) حديثة فخرج في الكتب الستة ولكنه روي الحديث عن أشياخ له قال: "رفعت امرأة إلى عمر غاب عنها زوجها سنتين فلما عاد وجدها حاملاً، فقالت يا أمير المؤمنين الحمل من زوجي فهم عمر يرجمها فقال لها معاذ بن جبل يا أمير المؤمنين إن كان لك سلطان عليها فليس لك سلطان على ما في بطنها اتركها حتى تضع، فتركها عمر حتى وضعت فلما وضعت عرف الرجل شبهه وأن الولد يشبهه فقال ابني والله ابني والله فقال عمر: عجزت النساء أن يلده مثل معاذ لولا معاذ لهلك عمر". د- وورد في هـ ك وقط عن الإمام مالك قال معرضاً نذكر نفسه بدون أن يصرح "أعرف من حملته أمه أكثر من سنتين" يريد بذلك منه لأن أمه حملته ثلاث سنين. وقد بقي محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على في بطن أمه أربع سنين وقال ابن قتيته في المعارف وقد نفي حرم من حبات في بطن أمه أربع سنين ولذلك سمى (هرم) . (2) قالوا قضاء عمر في المعقود وقد وافقه عليه ذو النورين وعلى رضي الله عنه علي فقال من فقد زوجته تعتد أربع سنين فإذا ما جاء الزوج بعد أربع سنين بحكم موته فتعتد عدة الوفاة بعد أربع سنين ثم تتزوج إن شاءت وتقليل ذلك عند من قال بهذا القول: "لأنه بالأربع سنين تظهر براءة الرحم أو في الرحم حمل: وقال الشيخ: العلة التي عللوا بها هذا القضاء غير مسلمة وهي براءة الرحم لأنها لو ولدت بعد فقده بسنة لا يجوز لها أن تتزوج فالمقصود مراعاة حق الزوج. القول الثالث: قول الحنفية كما في الاختيار في تعليل المختار 4/179 وهذا هو المعتمد عن الحنفية وهو قول لأحمد وقال به شعبان النوري إن أكثر مدة الحمل سنتان واستدلوا بقول عائشة وهو في هـ ك قط ومنصور 2/67 عن عائشة قالت: "لا يمكن الحمل في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بمقدار ظل المعزل".

وهذا الأثر قال عنه ابن القيم في تحفة المودود ص 210 طعن فيه أبو عبيد وسبب الطعن أن التابعية الراوية عن أمنا عائشة مجهولة وهي جميلة بنت سعد. قال ابن حزم في المحلي 10/316 إنها مجهولة والإمام الذهبي في الميزان 4/605 في ترجمة جميلة بنت سعد نقل كلام ابن حزم فقط. والإمام ابن حجر اسقط ترجمتها في اللسان مع أنه ذكر حديثها في الدراية في تلخيص تخريج أحاديث الهداية كما في 2/80 من الدراية وفي نصب الراية 3/365. قال الشيخ: حديثها لا يصل على البكلات ولا على الترك ولا على الذكارة قطعاً لقول الذهبي في الميزات لا يوجد من النساء من اتهمت ولا من تركت وهي تابعية ولم يعلم فيها حرج، والحقيقة استدلوا بهذا الأثر وقالوا له حكم الرفع لأنه لا يدرك من قبل الرأي. وعليه لا يرث الحمل إذا فض عليه سنتان فأكثر. قال الشيخ: وعلى القول بثبوت الأثر للرأي فيه مجالٍ وما قاله الحنفية من أنه له حكم الرفع فليس كذلك، قال بناءاً على علمها وعلى عادة النساء في زمانها في ثبت عندها أن حملاً بقي في بطن أمه أكثر من سنتين ولا يصح أن يقال أن هذا الأثر موفوع لنبين صلي الله عليه وسلم. القول الرابع: قال به الإمام مالك من أقوله الثلاثة أن أكثر مدة الحمل خمس سنين ولم يوافقه عليه أحد. أقل مدة الحمل: فلا خلاف منها وهي مجمع عليها أقل 6 أشهر. وفي حكم الإجماع عدد من الأئمة منهم: - محمد بن عابدين من أئمة الحنفية وهو محقق المذهب في كتابه رد المختار على الدر المختار 3/540. - وابن القيم في تحفه المودود ص 216 قال: اتفق الفقهاء كلهم على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهذا أمر تلقاء الفقهاء عن الصحابة الكرام. ثبت في هـ ك 7/442 وعبد الرازق 7/350 وبوباً على الأثر (باب التي تضع لسنة أشهر) ومنصور 2/66 (باب المرأة تلد لستة أشهر) وخلاصة الأثر:

أن رجلاً تزوج امرأة فولدت لستة أشهر بعد زواجها فشك في الولد ورفع الأمر إلى عمر فقالت المرأة: والله إنه ابنه فهم عمر يرجمها فقال على: يا أمير المؤمنين لو خاصمتك بكتاب الله لخامتك قال الله سبحانه "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً" وقال: "والوالدات يرضعه أولادهن حولين كاملين" فإذا نقصت سنتين من ثلاثين شهراً بقي ستة أشهر وهي أقل مدة الحمل فقال عمر: لولا أبو حسن لهلك عمر. وهذه القصة تكررت أيضاً مع عمر لكن المشير كان ابن عباس كما في وصف عبد الرازق. وتكررت القصة أيضاً في عهد عثمان فهم يرجمها فأشار إليه ابن عباس كما أشار على عمر فقبل عثمان أيضاً هذا وأثر عثمان ثابت في مصنف عبد الرازق وسعيد بن منصور. المبحث الرابع: أفراد الحمل (كان يتوقع أن يخرج ذكر أو أنثي أو أكثر من ذلك) . لا حد لأكثر أفراد الحمل فلا يصلحه إلا الله. - قال الألوسي في روح المعافى 13/109 عند تفسير الآية (الله يعلم ما تحمل كل أنثي) قال: قال الإمام الشافعي أخبرني شيخ من اليمن أن امرأته ولدت بطوناً في كل بطن خمسة أولاد. - وقال ابن قدامه في المغنى 7/194 قال أبن قدامه أخبرني رجل ممن رجل أثر به في سنة 8 أو 6.9 عن ضرير بن مشق قال ولدت أمرأتي هذه منذ أيام سبعة في بطن واحدة ذكرواً وإناثاً. قال الشيخ: الغالب في الولادات واحد أو أثنين وما زاد على ذلك قليل ولذلك اختلفت الأئمة في كيفية توريث الحمل وفي تقديره لتوريثه وتوريث من معه فقالوا: أولاً: إن رضي الورثة بالانتظار حتى يخرج الحمل ليتضح الحال فلا إشكال وإن لم يقبلوا وطلبوا نصيبهم فهل يحابون أو لا. تنقسم اللائحة في ذلك إلى قسمين: الأول: قال به مالك وهو قول للشافعي أن الورثة لا يجابون ويزعمون على الانتظار.

الثاني: وهو قول الجمهور أبو حنيفة وأحمد وهو قول للشافعية معتمد عندهم أننا نمكن الورثة الأحياء من ارثهم ولكننا نحتاط للحمل، وكيفية الاحتياط عند من قال بذلك اختلف اللائحة الثلاثة على ثلاثة أقوال وهي: القول الأول: قول الحتفية: قالوا نعطي الحمل الأحظ من كونه ذكراً أو أنثي ونعتبره فرداً ثم تقسم التركة ونوقف له نصيبه ونعطى الورثة الأحياء نصيبهم ونأخذ منهم كفيلاً بان الحمل إذا لم يخرج كما قدرناه ننقض القسمة التي قسمناها ونأخذ استحقاق الحمل من الورثة. القول الثاني: قول أحمد: قال نعطى الحمل الأحظ من نصيب الذكرين أو الأثنيين أو الذكر والأنثى. القول الثالث: قول الشافعية: الأصح عند الشافعية أن الحمل لا يضبط يعدو وهناك قول ثاني أنه يقدر الحمل بأربعة أفراد كما في السراج الوهاج للخطيب الشربيني ص 30 ومن مع الحمل من الورثة إن كان غاصباً لا نعطيه شيئاً، وإن كان لا يرث في بعض التقادير لا يأخذ شيئاً، وإن كان إرثه لا يختلف في جميع التقادير كيفما قدرته فنعطيه نصيبه كاملاً. حالات الحمل عند الولادة: لا تخرج عن 3 أحوال 1- أن يولد الحمل قبل مضي أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر من موت مورثه فهنا يرث بالإجماع مطلقاً. 2- أن يولد الحمل بعد مضى أكثر مدة الحمل المقدرة عند الأجنة فلا يرث لأنه غير متحقق لوجود عند موت المورث. 3- أن تكون المدة التي ولد فيها الحمل فوق الأدنى ودون الأعلى فهل يرث أم لا ففي هذا تفضيل: الحالة الأولى: إن كانت المرأة الحامل فراشاً لزوج أو لسيد يطآن ويعاشر هذه الحامل فلا يرث الحمل في هذه الحالة لاحتمال وجوده وحمله بعد موت المورث. الحالة الثانية: إذا كانت المرأة فراشاً لزوج أو لسيد لا يطآن عجزاً أو أتباعاً أو من أجل غيابها المقصود ما حصل الوطء فيرث الحمل في هذه الحالة. الحالة الثالثة: إذا لم تكن المرأة فراشاً لأن زوجها ميت عنها فالحمل يرث في هذه الحالة بالاتفاق.

الحياة التي يثبت بها إرث الحمل: اتفق الفقهاء على أنه إذا استهل وهو الصباح ويلحق به ما تقدم إن خرج هذا من الحمل فهذا يدل على حياته حياة شرعية يرث بها من مورث. - فإن خرج ميتاً بالاتفاق لا يرث، لكن قال الحنفية إن خرج ميتاً بنفسه لا يرث. - وإن خرج ميتاً باعتداء معتد فهو وارث (صورتها لو أن إنساناً ضرب أمراً حاملاً فاستقطت فنياً ميتاً عن الحنفية يرث ثم يورث بعد ذلك) . - ولو خرج بعضه حياً فلم يكتمل خروجه حتى مات فهل يرث أم لا: فعند الجمهور لا يرث وخالف الحنفية فقالوا للأكثر كحم الكل إن خرج أكثره حياً ثم مات عند اكتال خروجه فهو حمل وارث وإلا فلا يرث. - وهل يجزئ غير الاستهلاك من نفس ابن تحريك الأعضاء من وفي أصبع أو مما يدل على الحياة. فالأمام ما لم وهو رواية عن أحمد قالوا لا يعتبر إلا الاستهلاك لأن النبي أناط الحكم به. وعند أبي حنيفة والشافعي وهو القول الثاني لأحمد يقولون: تثبت الحياة ويرث الحمل بما يدل على حياته ولكن حياة مستقرة كأن يتنفس نفساً طويلاً. أمثلة على ما تقدم: أب ... ع ... 2 ... 1/6 ... 4 ... 1/6ع ... 5 ... 4 ... 1/6 ... 4 ... 8 ... 1/6ع ... 4 ... 1/6 ... 4 ... 12 ... 64 أم ... 1/3ب ... 1 ... 1/6 ... 4 ... 1/6 ... 4 ... 4 ... 1/6 ... 4 ... 8 ... 1/6 ... 4 ... 1/6 ... 4 ... 12 ... 64 زوجة ... 1/4 ... 1 ... 1/8 ... 3 ... 1/8 ... 3 ... 3 ... 1/8 ... 3 ... 6 ... 1/8 ... 3 ... 1/8 ... 3 ... 9 ... 48 حمل منه ... - ... - ... ع ... 13 ... 1/2 ... 12 ... ع ... 13 ... 26=13 ... 2/3 ... 16 ... ع ... 13 ... 39 التقدير ت ... جي ذكر ... ث ... 13 ... ذذ ... ث ث ... ذ ث ... 26 ... 56 13 مذهب أبي حنيفة ... ... موقوف ... مذهب أحمد بن حنبل ... موقوف مثال على مذهب أبي حنيفة: أخ الأب ع ... 5 ... ع ... 5 ... 5 ... ع ... 5 ... 10 ... 15 حمل من أبيه ... ع ... ع أخ الأم 1/6 ... 1 ... 1/6 ... 1 ... 2 ... 1/6 ... 1 ... 3 ... 6 التقدير ت ... ذ ... ث ... 15 ... موقوف توريث المفقود: تعريف المفقود: اسم مفعول من فقد الشيء يفقده قال تعالى: "قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك". والمراد بالمفقود في الفرائض: من انقطع خبره وجعل حاله فلا يدرى أحي هو أم ميت، إما لإنه ذهب في سفر أو حضر قتالاً أو أسر أو سجن ثم انقطعت الأخبار.

- الأصل في المفقود أنه حي لأن حياته كانت ثابتة بيقين والموت طارئ والتعبير لا يزول بشيء مشكوك فيه، وعليه ينبغي أن يرث من مات من مورثيه فنترك له نصيبه ونوقفه ونحتاط له هذا من ناحية إرثه. - أما من ناحية الإرث منه فالأصل ألا نرثه ولا نوزع تركته. - وقد اتفق الفقهاء على أن المفقود حي والحياة لا نزول عنه إلا بمضي مدة ولكن اختلفوا في تقدير تلك المدة على حسب اختلاف حال المفقود. القول الأول: قول الحنفية والشافعية: إلى أن المفقود حي إلا إذا تيقنا موته، فلا بد من نص مدة يغلب علي الضم أنه لا يعيش فوقها وهذه المدة قدروها بموت أقرانه وأعمار أهل زمانه أنظر المختار في تعليل المختار 3/37 وشرح السراحية ص 193 من كتب الحنفية وروضة الطالبين للنووي 6/34 وفي السراج الوهاج ص 454 من كتب الشافعية ثم أختلف الحنفية والشافعية هل تحدد هذه المدة بمدة محدده على قولان: أهذه المدة يقدرها ولى الأمر وهو يقدرها على حسب حال المفقود وعلى حسب أقرانه. قال النوري في روضة الطالبين: إنه أصح القولين وقال في السراجية: هذا هو المختار والأشبه بقواعد الإمام أبي حنيفة. ب وقيل وهو قول ثان لأبي حنيفة أن المدة تحدد بحيث إذا جاوزها المفقود حكم بموته فقيل حي 70 وقيل 80 وقيل 75 وقيل 90 وقيل 100 وقيل 120 سنه وهذا أكثر ما قيل. والعمدة في قول الحنفية والشافعية أمران: الأول: المفقود حي وحياته متيقنة فلا يترك ذاك اليقين إلا بيقين وفعل هذا عن جم فقير من سلفنا. - ثبت في عبد الرازق 7/90 وشيبه 4/236 ومنصور 1/402 وهـ ك 7/46 ونسبه ابن حجر لأبي عبيد في النكاح والشافعي كما في تلخيص الحيرى في الأم وإسناد الأثر حسن عن على أنه سئل عن امرأة المفقود كم تتربص لتعتد وتتزوج قال هذه امرأة ابتليت فلتصبر لا تنكح حتى يأتيها يقين وفي بعض روايات الأثر "إذا فقدت المرأة زوجها لا تتزوج حتى يصل أو يموت". قال الشافعي بعد أن نقل هذا الأثر: وبهذا نقول.

وقال البيهقي في السنن الكبرى: هذا هو المشهور عن على. - وثبت في عبد الرازق وفي المحلى 10/138 عن أبى جريح قال: " - "بلغني أن ابن مسعود وافق علياً على أنها تنتظره أبداً" - وقال بهذا القول جم فقير من التابعين عن إبراهيم التخعي: - كما في عبد الرازق ومنصور وشيبه والمحلي عن إبراهيم التحفي قال في المرأة تفقد زوجها أو يأخذه العدو تصبر فإنما هي امرأته يصبها ثم اختلف الحنفية والشافعية هل تحدد هذه المدة بمدة محددة على قولان: أهذه المدة يقدرها ولى الأمر وهو يقدرها على حسب حال المفقود وعلى حسب أقرانه. قال النوري في روضة الطالبين: إنه أصح القولين وقال في السراجية: هذا هو المختار والأشبه بقواعد الإمام أبى حنيفة. ب وقيل وهو قول ثاني لأبى حنيفة أن المدة تحدد بحيث إذا جاوزها المفقود وحكم بموته فقيل هي 70 وقيل 80 وقيل 75 وقيل 90 وقيل 100 وقيل 120 سنه وهذا أكثر ما قيل. والعمدة في قول الحنفية والشافعية أمران: الأول: المفقود حي وحياته متيقنة فلا يترك ذلك اليقين إلا بيقين وقيل هذا عن جم فقير من سلفنا. - ثبت في عبد الرازق 7/90 وشبه 4/236 ومنصور 1/402 وهـ ك 7/46 ونسبه ابن حجر لأبي عبيد في النكاح والشافعي كما في تلخيص الخبير في الأم وإسناد الأثر حسن عن على أنه سئل عن امرأة المفقود كم تتربص لتعتد وتتزوج قال هذه امرأة ابتليت فلتصبر لا تنكح حتى يأتيها يقين وفي بعض روايات الأثر "إذا فقدت المرأة زوجها لا تتزوج حتي يصل أو يموت". قال الشافعي بعد أن نقل هذا الأثر: وبهذا نقول: وقال البيهقي في السنن الكبرى: هذا هو المشهور عن على - وثبت في عبد الرازق وفي المحلى 10/138 عن أنى حريج قال: - "بلغني أن ابن مسعود وافق علياً على أنها تنتظره أبداً". - وقال بهذا القول جم فقير من التابعين. عن إبراهيم النخعي:

كما في عبد الرازق ومنصور وشيبه والمحلي عن إبراهيم التخعي قال في المرأة تفقد زوجها أو يأخذه العدو تصبر فإنما هي امرأته يصبها ما أصاب النساء أو يبلغها أنه مات" ونقله ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قلابة وجابر بن زيد والحكم بن عتبه وحماد بن أبى سليمان. ونقله البيهقي في السنن الكبرى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال في امرأة المفقود تلوم وتصبر (تلوم بمعنى: تتريث وتنتظر وتتأني) . قال الحافظ في الفتح 6/431: وهذا هو قول فقهاء أهل الكوفة وهو قول الشافعي وقال به بعض أصحاب أهل الحديث. - وهذا القول الذي نقل عن صحابيين وعدد من التابعين روى مرفوعاً ولكن بإسناد لا يثبت كما قال البيهقي في السنن الكبرى وقال: روى فيه حديث مسند في إسناده من لا يحتج بحديثه. - والحديث رواه هـ ك وقط 3/312 عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان". وفي رواية قط " امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر" قال البيهقي فيه سوارين يصعب وهو ضعيف وقد حكم عليه الإمام أحمد والدارقطني بالترك كما في المغني في الضعفاء 1/290 ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة. وفي كتاب العلل لأبن أبي حاتم قال: سألت أبي عن هذا الحديث فقال هذا حديث منكر محمد بن شرجيل متروك الحديث يروى عن المغيرة عن النبي أحاديث من كبير أباطيل. وقال الزيلقي في نصب الراية 3/473: وقد ذكر عبد الحق الحديث في أحكامه وأعله محمد بن شرجبل فقال إنه مبروك وقال ابن القطان وسوار بن مصعب أشهر في المذكورين منه ودونه صالح بن مالك لا يعرف وهو الراوي عن سوار ودو نه محمد بن الفضل لا يعرف حاله. وقال الحافظ ابن حجر في الدرباية: 2/143 إسناده ضعيف فيه سوار بن مصعب ومحمد بن شرجيل وهما متروكان. وقال ابن قدامه في المغني 9/134: لم يثبت هذا الحديث ولم يذكره أحد من أهل السنة.

الأمر الثاني: ذلك اليقين وهو يقين وصول خبر موته إذا لم يبلغنا بيقين فلا بد من ضبط الأمر حسبما ينزل منزلة اليقين مما هو في وسع المكلفين ويكون هذا بالنظر إلى موت أقرانه وأعمار أهل زمانه. وقد أشار النبي أن أعمار هذه الأمة قل أن تزيد على السبعين وما خرج عن ذلك فهو قليل، ولذا كان يقول العلماء يسمون السبعين بأنها دقاقة الأعناق. في ت جه حب كم والخطيب في تاريخ بغداد والقضائي في سنده وقد حسن الحديث الحافظ في الفتح 11/240 عن أبي هريرة أن النبي قال: "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وأقلهم من يجوز ذلك" والحديث رواه أبو يعلى من رواية أنس بن مالك. وهذا الحديث ورد ما يماثله كما في مد خ والخطيب في التاريخ من رواية أبي هريرة أن النبي قال: "أعزر الله إلى أمر آخر أجله حتى بلغ ستين سنة وفي بعض روايات الحديث كما في (مد) وتاريخ بغداد 1/290. (من أتت عليه ستون سنة من أمتي فقد أعزر الله إليه في العمر) . القول الثاني: قول الإمام أحمد: قسموا حال المفقود إلى قسمين اثنين: 1- مفقود يغلب عليه فقره الهلاك والتلف والموت والعطب كما فقد في المعركة ومن فقد أيام انتشار الطاعون وغيره أو كمن خرج إلى الصلاة فلم يعد حكم بنوته ويقسم ماله وتعتد زوجه وتتزوج إن شاءت وعمدة هذا القول: 1- اتفاق الصحابة على تزويج امرأته إذا مضت أربع سنين بعد أم تعتد قال ابن قدامة: وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط في الابضاع ففي من باب أولى. 2- الظاهر هلاكه فأشبه ما لو مضت مدة لا يعيش في مثلها. 3- أشار إليه الإمام الباجي في المنتقى 4/91 قال: هذا القول يترجح ويتقوى من جهة المعنى وهو أن المرأة له حق في الزوج ولو كان الزوج حاضراً لفرق بينهما بسبب العنة وهو حاضر، ويغيب عنه أشد من عننه فثبت لها الفرقة من باب أولى بعد مضي 4 سنوات. الآثار التي تؤيد قولهم: أولا: قولهم: "اتفاق الصحابة على هذا" فهذا ليس مسلم به ولكن جمهور الصحابة على هذا.

أ- قضاء عمر في من اختطفته الجن: ثبت في عبد الرزاق شيبه قط ومنصور وهـ ك وابن أبي الدنيا كما في آكام المرجان للشبلي ولقط المرجان وانظر تخرج الأثر في نصب الراية 3/471 والمغني لابن قدامة 9/134 فقل عن الإمام أحمد أن هذا الأثر يروى عن عمر من ثلاثة وجوه ولم يعرف في الصحابة له مخالف وفي المحلي 10/134. أتت امرأة عمر بن الخطاب فقالت: استهوت الجن زوجها، فأمرها أن تتربص أربع سنين قم أمر ولي الذي استهوته الجن أن يطلقها، ثم أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا. وروى منصور وعبد الرزاق بشيبة والموطأ 2/575 وهـ ك والمحلي والأثر صحيح ثابت ولفظه قال عمر: "أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين فإنها تنتظر أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تحل". قال الإمام أحمد كما في المغني: روى عن ثمانية أوجه عن عمر وهو أحسنها. ونقل هذا القضاء عن عثمان أيضاً: في شيبة وهـ ك والمحلي وثبت أيضاً عن ابن مسعود كما قال الحافظ 9/431 في الفتح. ب- ونقل هذا القضاء عن ابن عمر وابن عباس: في منصور شيبه وهـ ك وقال ابن حزم في المحلي وهذا صحيح عن ابن عباس وابن عمر وقال الحافظ في الفتح روي هذا عن ابن عباس وابن عمر بسند صحيح. الخلاصة: أن هذا القضاء روي عن عمر وعثمان وعلي (وعن علي القضاء مختلف) وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن مسعود. جـ - قضاء علي: رواه هـ ك 7/445 والمحلي 10/137 ومثال ابن حزم وهذا صحيح عن علي أنها تمكث أربع سنين ثم تعتد عدة الوفاة ثم تحل. لكن البيهقي الأثر عن علي فقال أيروية خلاس بن عمر عن علي وأبو المليح عنه ورواية خلاس عن علي ضعيفه ورواية ابن المليح مرسلة فهو لم يسمع من علي ثم قال: والمشهور عن علي خلافه. كما تقدم أن عليهاً قال: "إن امرأة المفقود وامرأته حتى يأتيها البيان". وقد خالف ابن قدامة كلام البيهقي وقال عكس قوله.

وقال الشيخ: إن كلام البيهقي أوق لأن خلاس ابن عمر الهجري البصري ثقة وكان يرسل كثيراً وكان على شرطة على وقد أخرج حديثه أهل الكتب الستة وحديثه في البخاري مقروناً بغيره. قال الإمام أحمد وأبو هاشم كما في تهذيب التهذيب 3/177. يروى عن علي بواسطة الكتاب (يعني ما أخذ عن علي) وقال يحيى بن سعيد القطاني لم يسمع خلاس ابن عمر ولا بن علي. وقال أحمد كما في تهذيب التهذيب كانوا يخشون أن يحدث من صحيفة الحارث الأعور عن علي (فروايته عن علي ضعيفة لهذا وهو ثقة) . وأما أبو المليح ابن أسامة بن عمير الهزلي ت 98 وقبل 108 وقيل بعدهم وهو ثقة واسمه زيد أو زياد فهو لم يسمع من علي فروايته منقطعة. وعليه فالأثر فيه ضعف وقد ثبت عن علي خلافه. وهذا القضاء قضى به جم غفير من النابغين كما في الفتح 9/731 عن الزهر وعن مكحول وعن عطاء وعن غيرهم وهذا القول انفرد به الإمام أحمد وبعد أن قاله نقل عنه ما يشبه توقفه كما في المغني 9/133 قال: وقد نقل عن أحمد أنه قال كنت أقول إذا تربصت أربع سنين ثم اعتدت أربعة أشهر وعشر تزوجت وقد أرثبت فيها وهبت الجواب فيها لم اختلف الناس فيها فكأني أحب السلافة، قال ابن قدامة: وهذا فوقف يحتمل الرجوع كما قاله وتتربص أبداً ويحتمل هذا القول التورع ويكون المذهب ما قاله أولاً وقال القاضي أكثر أصحابنا على أن المذهب رواية واحدة (وهي في حال غلبة الهلاك تمكث أربع سنين ثم تعتد وتتزوج إن شاءت) . وعندي أن المسألة على روايتين: قال الشيخ: لكن المعتمد عند الحنابلة وعليه تبهم أن المفقود وينقسم إلى قسمين مفقود يغلب على فقده الهلاك والموت فيقدر له أربع سنوات ثم تعتد الزوجة وتتزوج إن شاءت ويقسم الحال بعد أربع سنوات. والحالة الثانية: مفقود يغلب عليه السلامة: وللحنابلة قولان في شأنه:

القول الأول: كالقول الأول عند الحنابلة والشافعية مؤجلة إلى مدة لا يعيش فيها غالباً وقد مات فيها أمثاله وأقرانه ولا نقدر تلك المدة بمقدار معين وإنما هي موكولة لولي الأمر. القول الثاني: أننا نقدر على حسب الغالب في الناس ومدرة التقدير عندهم تسعون سنة فقط. القول الثالث: مذهب الإمام مالك: "فصلوا وقسموا المفقود إلى أربعة أقسام". الأول: هو ال ينقطع خبره ولا يعلم حاله من بلاد المسلمين، فمن حيث الصلة الزوجية تمكث أربع سنوات ثم تعتد عدة الوفاة ثم تتزوج إن شاءت، ومن ناحية قسمة المال فننتظر إلى مدة التعمير ال؟ وهي عندهم 70 وقيل 75 وهو قول ضعيف والمعتمد الأول واختار الشيخان وهما ابن أبي زيد والقابس 80 وهو قول ضعيف أيضاً. الثاني: وهو الذي فقد في بلاد الشرك سواء في معركة أو ذهب إليها أو أسر وانقطع خبره ففي هذه الحالة تنتظر مدة التعمير في الأمرين، فيما يتعلق بالعدة لزوجه وفيما يتعلق بتوريثه والإرث منه لابد أن تخطي 70 سنة وكل من مات من أقربائه نجعل هذا المفقود حياً ونورثه من مورثه فإن عاد قبل مدة التعمير أ×ذ ما وقفناه له وإن لم يعد سوف يأتي بيان ذلك إن شاء الله. انظر مواهب الجليل 3/210 وحاشية الدسوقي 2/8. الثالث: المفقود في قتال بين المسلمين هذا حكم بموته بعد انتهاء المعركة مباشرة ويلحق بهذا المسافر لبلد فيه طاعون أو من كان في بلد فيه الطاعون. الرابع: المفقود في قتال بين المسلمين والكفار، ننتظر ستة مطلقاً فيما يتعلق بالعدة وفيما يتعلق بإرث وتوريثه من غيره، فإذا لم يعد بعد التلوم وسنة يحكم بموته (التلوم هو: البحث والتحري) وتغرب السنة بعد هذا التحري والتلوم. وهذه الحالة الرابعة منقولة عن سعيد بن المسيب في البخاري قال سعيد: (إذا فقد في الصف بين القتال تتربص امرأته سنة) وإذا أبيحت الابضاع بعد سنة فالأحوال من باب أولى.

قال الحافظ: ودفع عند ابن التين ستة أشهر وهذا تصحيف فالستة تصحيف سنة وأشهر زيادة. قال الشيخ: وهذا التفريق الذي قالته المالكية ليس عليه دليل. المبحث الثالث: إن جاء الزوج المفقود فما الحكم بالسنة لزوجه؟ أولاً: عند المذاهب الأربعة: إن عاد الزوج ولم يعقد عليها ولم تتزوج فهو أولى بها من غيره ولا تزال في عصمته، وإن انتهت المدة ومر عليها سنوات وسنوات. الحالة الثانية: إن عاد الزوج الأول وتزوجت فما الحكم فالمذاهب على 3 أقوال: القول الأول: قول الأصناف والشافعية: زوجها الأول أحق بها من الثاني دخل بها أو لم يدخل، فإن دخل بها دل على أن العقد صح ظاهراً لا باطناً ويبطل العقد الثاني مباشرة بعودة الزوج الأول ولا تعود إليه إلا بعد أن تعتد من أجل استبراء الرحم وبعد انتهاء العدة تعود إلى الأول بدون عقد أو مهر. وهذا منقول عن علي كما في المحلي 10/138 وهـ ك ونقله عن الحكم بن عتيبة وهو من رجال الكتب السنة ت 115 هـ ونقله عن إبراهيم النخعي ونقله سعيد بن منصور 1/403 وابن أبي شيبة 4/240 عن الشعبي أن زوجها الأول أحب بها. وفي السراج الوهاج للقمراوي /454 والإفصاح لابن هريرة 2/176. القول الثاني: قول المالكية: إن تزوجت من رجل ثان دخل بها أو لم يدخل فلا تحل للأول كما في الموطأ 2/575 وإن أدركها زوجها الأول قبل أن تتزوج فهو أحق بها وقال مالك وأدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر. ورد الشافعي على الإمام مالك فقال: أنت فرقت بين أثر واحد فالأثر منقول عن عمر أنها تتربص أربع سنين فأخذت بهذا الشق منه وإذا جاء زوجها يخير بين الصداق وبين امرأته فرددته ثم قال وكيف ترد ما رواه الأثبات، ونقل هذا الرد البيهقي في الكبرى 7/446. القول الثالث: إن تزوجت وجاء الزوج قبل الدخول يلغى النكاح الثاني ولا يخير الأول فإن دخل الثاني يخير الأول بين امرأته وبين صداقها. المبحث الرابع:

إن مات مورث المفقود في مدة الانتظار لذلك حالتان: الحالة الأولى: ألا يكون لمورث المفقود وارث إلا المفقود فنوقف جميع المال له ولا نتصرف فيه حتى يتضح الحال أو تمضي فترة الانتظار. الحالة الثانية: هناك ورثة آخرون مع المفقود فالمعتمد عند المذاهب الأربعة أننا نعامل الورثة الذين هم مع المفقود بالأخير نترك الأحظ للمفقود وعليه من لا يرث من الورثة على تقدير حياة المفقود ولا نعطيه شيئاً، وإذا كان بعض الورثة مع المفقود يرثون متفاضلاً فنعطيهم أقل النصيب. الحالة الثالثة: وإن كان بعض الورثة يرث إرثاً متساوياً سواء كان المفقود حياً أو ميتاً فنعطيه نصيبه كاملاً. وهناك قولان ضعيفان: الأول: أننا نعتبر المفقود في حكم الميت فنورثه ومن معه على أنه ميت وهو وجه في الشافعية والمذهب على خلافه. الثاني: وجه في الشافعية والحنابلة: أن نجعل المفقود حياً فقط. مثال: 1/24 ... 6/4 ... 24 اسم مفقود ع ... 13 ... 0 ... 0 ... 0 أب 1/6 ... 4 ... ع ... 2 ... 4 أم 1/6 ... 4 ... 1/3 ب ... 1 ... 4 أخ ش م ... 0 ... م ... 0 ... 0 زوجة 1/8 ... 3 ... 1/4 ... 1 ... 3 المبحث الخامس: إن نصت مدة الانتظار ولم يتبين للمفقود خبر من الأخبار. أولاً: بالنسبة كحال المفقود يقسم بين ورثته حين الحكم عليه بموته فلا يرث منه إلا الأحياء من ورثته عند موته باتفاق الأئمة وقد حكى الاتفاق ابن قدامة في المغني في 7/208. ثانياً: ما وقف للمفقود من إرث من مورثيه الذين ماتوا قبل الحكم على المفقود بالموت وانتهت مدة الانتظار هل نجعل هذا المال مالاً للمفقود يرثه ورثته أو نعيده لورثة مورثيه دون أن يرث المفقود منهم شيئاً وهذه الحالة للمذاهب الأربعة فيها قولان:

القول الأول: قول الجمهور مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحد قولي الحنابلة واختاره ابن قدامة ورجحه في 7/208 وجمهور الحنابلة على خلافه، أن المفقود لا يرث شيئاً من مورثيه إذا انتهت مدة الانتظار ولم يتبين أ، هـ حي كي نعيد هذا المال لمستحقيه وحجتهم ليس عندنا يقين بحياة المفقود يحتمل أن يكون ميتاً فيشك في سبب استحقاقه المفقود للإرث ولا توريث مع الشك. القول الثاني: انفرد به الحنابلة في قولهم الثاني: إنما وقف للمفقود يكون له كحاله الأصلي وعليه يوزع على ورثة المفقود لا على الورثة الذين ورثوا مورث المفقود وحجتهم الأصل حياة المفقود ولا يحكم بموته إلا بعد مضي المدة المضروبة لانتظاره. المبحث السادس: كيفية توريث المفقود وتوريث من يرثه معه من مورثيهم. الخطوة الأولى: نجعل مسألتين نقدر المفقود في المسألة الأولى حياً ثم نقسم المال وفي الثانية نقدره ميتاً ثم نقسم المال. الخطوة الثانية: ننظر بين المسألتين بالنسب الأربعة فحاصل النظر هو جامعة المفقود. الخطوة الثالثة: نقسم حاصل النظر على مسألتي المفقود فالخارج هو جزء سهم كل مسألة. الخطوة الرابعة: نضرب نصيب كل وارث في المسألتين فيما فوقه فمن كان لا يرث شيئاً في إحدى المسألتين لا نعطيه شيئاً ومن كان يرث متفاضلاً فنعطيه الأقل ومن كان يرث متساوياً نعطيه النصيب كاملاً. مثال 13/24 ... 13/12 ... 312 أخت الأب ع ... 5 ... 1/2 ... 6 ... 65 أم 1/6 ... 4 ... 1/3 ... 4 ... 52 زوجة 1/8 ... 3 ... 1/4 ... 3 ... 39 ابن أخ ش م ... 0 ... ع ... 0 ... 0 بنت (م) 1/2 ... 12 ... 0 ... 156 موفون التقدير ج ... ت المبحث السابع: الموفون أو بعضه لغير المفقود لكن بسببه ولا يعلم مستحقه من الورثة فلهم الصلح عليه. مثال: على ملا يستحقه المفقود شيئاً من الموفون. 2/7 ... 6/7 ... 14 زوج 1/2 ... 1 ... 1/2 ... 3 ... 6 أخت ش 1/2 ... 1 ... 1/2 ... 3 ... 6 أخ الأب ع ... 0 ... 1/6 ... 1 أخ الأب (م) ع ... 0 ... 0 ... 0 ... 0 التقدير ح ... ت ... 2 موفون

فالسهام (8) توقف والباقي وهو (15) لو اصطلح عليها الورثة فيما بينهم فجائز وتوقف (8) ولا يجوز الاصطلاح عليها. الغرقى والهدمى والحرقى: وبوب البيهقي عليه في 6/222 قال باب من عمتى موته أي خفي علينا حاله عند الموت مع من يشاركونه في الغرابات فلا نعرف السابق في الموت من اللاحق. صور المسألة وبيان المنفق عليه منها والمختلف منها: قال النوري في الروضة 6/32 إذا مات متوارثات بغرق أو حرق أو تحت هدم أو في بلاد غربه أو وجدا قبلتين في معركة أو يلحق بهذا لو مات الورثة في طاعون أو في حادث سيارة وخض علينا حال موتهم فلذلك خمس صور. الصورة الأولى: أن نعلم سبق أحدهما بعينه فالحكم ظاهر وهو ثبوت الإرث للمتأخر. الصورة الثانية: أن تعلم وقوع الموتتين معاً فالحكم ظاهراً أيضاً وهو عدم إرث بعضهم من بعض وهو عدم التوارث بينها لعدم تأخر أحدهما عن الآخر والصورتان متفق عليهما. الصورة الثالثة: ألا نعلم شيئاً عنهم بحيث نجهل واقع موتهم. الصورة الرابعة: أن نعلم التلاحق بينهم في الموت ولا نعلم السابق منهم أي نعلم تأخر بعضهم بالموت عن بعض لكن من غير تعين. الصورة الخامسة: أن نعلم سبق موت بعضهم ثم يلتبس علينا الأمر وننسى ما علمنا للعلماء في هذه الصور الثلاث المختلف بينهم قولان: القول الأول: وهو قول الجمهور أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحد قولي الإمام أحمد وظاهر المذهب على خلافه ورجحه المجبر ابن تميمة وابن تيمية وخلاصته أنه لا توارث بين هؤلاء الأموات في هذه الصور الثلاث وكل واحد يرثه ورثته الأحياء فقط، فمن مات معه لا يتوارثون فيما بينهم نعتبرهم كأنهم ماتوا في وقت واحد، وكل واحد يرثه ورثته الأحياء دون من مات معهم. وحجتهم في ذلك: كما في الاختيار في تعليل المختار 5/112، ومواهب الجليل في المالكية 4/460 والموطأ 3/121 بشرح الزرقانى والمغني 7/187 وفي الروضة 6/33، وحجتهم في ذلك أمران:

الأمر الأول: الشك في استحقاق الميراث ولا توريث مع الشك والورثة الأحياء سبب إرثهم تيقن فلا يعارض ذلك بالشك، ولا يترك المتيقن بالشكوك فيه، والصورة الخامسة يمكن تذكرها وذلك غير ميؤس منه فقال الحنفية والشافعية فيها قولان: وهو القول المعتمد عند الشافعية: أن الميراث يوقف حتى يتبين الحال أو يصطلح الورثة فيما بينهم قال النوري: وهذا هو الصحيح الذي عليه أصحاب والقول الثاني: أن الحالة الخامسة كالحالة الرابعة والثالثة. الدليل الثاني: آثار عن السلف وهى كثيرة: (1) ثبت في منصور 1/86 في 2/379 كم حي ذهبي 4/345 وهـ ك 6/2252 قط 4/74 ولفظه عن جعفر بن محمد الباقي عن أبيه قال: إن أم كلثوم توفيت هي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في يوم واحد يقول الإمام الباقي: فالتقت الصحيحتان (الصائحتان) في الطريق فلا بدر أيهما مات قبل صاحبه قال: فلم ترثه ولم يرثها قال الإمام الباقي وأهل صفيت لم يتوارثوا فيما بينهم وأهل الحرة لم يتوارث فيما بينهم. (2) وثبت في عبد الرازق 1/298 وهـ ك 6/222 بسند رجاله ثقات عن يحي بن سعيد الأنصاري وهو إمام ثقة عدل ثبت في 144 وحديثه في الكتب الستة وترجمته في السيرة 5/468 قال: إن أهل الحرة وأصحاب الجمل لم يتوارثوا فيما بينهم وفي رواية البيهقي (ورثهم ورثتهم الأحياء) . وفي منصور عن يحيى بن سعيد الأنصاري: أن قتلي اليمامة وقتل صفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض ورثوا عصبتهم من الأحياء. (3) وثبت في عبد الرازق 10/298 وهـ ك 6/222 وقطر 4/119 وفي 2/379 ولفظه عن خارجة بن زيد عن ابنه قال (زيد بن ثابت) ورث الأحياء من الأموات ولم يورث الموتى بعضهم من بعض وكان ذلك يوم الحره.

ورواه منصور 1/87 عن ولده خارجة ولم يرفعه إلى أبيه قال خارجة: كان يقال كل قوم يتوارثون عمي موت بعضهم قبل بعض في هدم أو غرق أو حرق أو في شيء من المتألف فإن بعضهم لا يرث من بعض شيئاً، لا يرثون ولا يحجبون، يرث كل واحد منهم ورثته من الأحياء كأنه ليس بينهم وبين أحد فمن مات معه قرابة. وفي رواية لعبد الرازق عن خارجة أن أبا بكر قضي في أهل اليمامة مثل قول زيد ورث الأحياء من الأموات ولم يورث الأموات بعضهم من بعض وفي رواية للبيهقي في الكبرى من طريق عباد عن أبى الزناد عن خارجة عن زيد قال: أمرني أبو بكر حيث قتل أهل اليمامة أن يورث الأحياء من الأموات ولا يورث بعضهم من بعض. قال البيهقي وبهذا الإسناد من طريق عباد عن أبي الزناد عن خارجة عن زيد بن ثابت قال: أمرني عمر ليالي طاعون عمواس قال كانت القبيلة تموت بأثرها فأمرني أن أورث الأحياء من الأموات وألا أورث الموات بعضهم من بعض. قال الشيخ: وعباد وإن كان ضعيفاً فقد توبع من قبل عبد الرحمن بن أبى الزناد في روايته عن أبيه عن خارجة عن زيد بن ثابت وإسناد الأثر ثقات كما في (هـ ك) وفي ومنصور ومعني الأثر ثابت في الروايات الأخرى. (4) رواه (هـ ك) عن أبي الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة كانوا يقولون كل قوم متوارثين ماتوا في هدم أو غرق أو حرق أو غيره نعمه موت بعضهم قبل بعض فإنهم لا يتوارثون ولا يحجبون، قال: وعلى ذلك قول زيد وقضي بذلك عمر بن عبد العزيز وفي (هـ ك) وقط 4/73 عن أبن أبي الزناد عن أبيه قال أخبرني الثقة أن أهل الحرة حين أصيبوا كان القضاء فيهم على زيد وفي الناس يومئذ من أصحاب رسول الله من أبنائهم ناس كثير وزيد قضي في أهل الحرة بان لا يتوارث الأموات من بعضهم. وفي رواية (قط) قال قسمت مواريث أصحاب الحرة فورث الأحياء من الأموات ولم يرث الأموات من الأموات.

(5) رواه مشيبه 11/345 وعبد الرازق 10/297 وقط 4/73 عن داود بن أبي هند عن عمر بن عبد العزيز أنه ورث الأحياء من الأموات ولم يورث الأموات بعضهم من بعض. قال معمر: كتب عمر بذلك. والأثر رواه منصور وعبد الرازق عن ابن جريح عن عمر بن عبد العزيز في القوم يموتون جميعاً غرقوا في سفينة أو وقع عليهم بيت أو قتلوا لا يدرى أيهم مات قبل الآخر لا يورث بعضهم من بعض إلا أن يعلم أنه مات قبل صاحبه فيرث الآخر الأول ويرث الآخر عصبته. فإن لم يعلم أيهم مات قبل صاحبه فلا يورث بعضهم من بعض ولكن يرثهم عصبتهم الأحياء. وهذا الأثر رواه في 2/379 عن يحيى بن عتيق قال قرأت في بعض كتب عمر بن عبد العزيز بنحو الأثر المتقدم. ورواه شيبة عن قتادة قال: كان في كتاب عمر بن عبد العزيز يرث كل إنسان وارثة من الناس أي من الأحياء. (6) وفي الموطأ من طريق شيخه ربيعة بن أبى عبد الرحمن عن أهل المدينة في 3/21 بشرح الزرقاني وفي هـ ل 6/222 ولفظه عن غير واحد من علمائهم أنه لم يتوارث من قبل يوم الحمل ويوم صفين ويوم الحرة ثم كان يوم قديد (موقعة جرن قرب مكة) فلم يورث أحد من صاحبه إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه قال مالك: وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه ولا شك عند أحد من أهل العلم من بلدنا وكذلك العمل في كل متوارثين هلكاً يغرق أو قتل أو غير ذلك من الموت إذا لم يعلم أيهم مات قبل صاحبه لم يرث أحد منها من صاحبه شيئاً وكان يراثهما لمن بقي من ورثهما يرث كل واحد منها ورثته من الأحياء. قال مالك: لا ينبغي أن يرث أحد أحداً بالشك ولا يرث أحد أحداً إلا باليقين من العلم والشهداء. (7) عن الحسن بن على في منصور 1/86 عن ابن شيرمة قال حدثني الثقة عن الحسن بن على قال يرث كل واحد منهما ورثته. (8) ونقل عن على في هـ ك 6/222 عن يزيد بن هارون عن شيخ من أهل البصرة عن عمارة بن حزم عن أبيه أن علياً ورث قتلى الجمل فورث ورثتهم الأحياء.

قال البيهقي: ونحن نأخذ بهذا ثم نقل عن بشير الختعمي أنه علمياً ورث رجلاً وابنه أو أخوين أصيباً بصفين لا يدرى أيهما مات قبل الآخر فورث بعضهم من بعض. قال البيهقي: كذا قال ونحن إنما نأخذ بالرواية الأولى. (9) وهذا القول منقول عن جم من التابعين رويت أقوالهم في سنن سعيد بن منصور 1/87 عن إسماعيل بن عباس وهو أبو عتبة الحمصي صدور في روايته عن أهل بلده مخلط في روايته عن غيرهم روي عن شامي عن أبى بكر بن عبد الله بن أبي مريم وهو العساف الشامي ضعيف سرق بيته فاختلط وهو من رجال السنن الأربعة إلا النسائي ت 56 يروى عن ثلاثة من التابعين عن راشد بن سعيد الحمصي وهو ثقة كثير الإرسال بن 113هـ وعن حكيم بن عمير أبو الأحوص الحمصي صور قاسم التابعين حديثه في (د، ف) ، وعن عبد الرحمن بن أبى عوف الجر شي الحمصي يقال إنه أدرك النبي وهو من رجال (د، ن) . قالوا: لا يورث ميت من ميت إنما يورث الحي من الميت نرثهم عصيتهم من الأحياء. (10) رواه عبد الرازق وشيبه عن معمر بن الزهيري. ورواية عبد الرازق عن الزهيري قال: مضت السنة أن يرث كل ميت وارثه الحي ولا يرث الموفي بعضهم من بعض. ورواية ابن أبي شيبة عن الزهيرى قال: في الذين يموتون جميعاً لابد أيهم مات قبل صاحبه لا يورث بعضهم من بعض. القول الثاني: قال به الإمام أحمد. يرث الأموات بعضهم من بعض من تليد مال الميت لا من الطريف وأن أدعي ورثة كل ميت تسبق موت الآخر في الحالة الرابعة والخامسة ولا بينه لواحد من الفريقين بما أدعاه، أو كان لكل واحد بينه وتعارضاً تحالفاً ولم يتوارثا. والحالة الثالثة: يرث بعضهم من بعض عندهم بلا خلاف لأنه لا يعلم حالهم أصلاً والحجة عند الجنابلة دليلان:

(1) حياتهم ثابتة بيقين وموته قبل صاحبه مشكوك فيه فالأصل الحياة ولا يثبت الحرمان بالشك إلا فيما ورث كل منهما من صاحبه لأن توريث أحدهما من صاحبه يتوقف على الحكم بموت صاحبه قبله فلا يتصور أن يرث صاحبه منه لكن ما ثبت بالضرورة لا يتعدى عن مخلصاً وفيما عدا ذلك يتمسك فيه بالأصل، ولو ورث كل منهما من صاحبه فيما يرثه منه للزم وراثة الإنسان لنفسه وترتب على ذلك الدور. (2) آثار منقولة عن السلف ولكن ليست في قوة الآثار المنقولة عن أصحاب القول الأول: أولاً: لم يثبت في ذلك أثر مرفوع إلى النبي وأما ما ورد في العذب 2/7 وروي عن إياس بن عبد المذني (وهو من الصحابة) أن النبي سئل عن توم وقع عليهم بيت فقال يرث بعضهم من بعض" فلا يثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن قدامة: والصحيح أن هذا من إياس نفسه (وليس مرفوعاً) وأنه هو المسئول وليس يرد أنه عن النبي هكذا رواه سعيد بن منصور فيه وحكاه أحمد عنه. وأثر إياس رواه سعيد بن منصور 1/85 ورواه غيره أيضاً ورواه عبد الرازق 10/267 وشيبة 11/342 وقط 4/74 وأشار إليه هـ ك 6/222 قال قال الإمام أحمد وروى عن إياس بن عبد المزني أنه قال ": يورث بعضهم من بعض" وقال البيهقي وقول الجماعة أولى ولفظ الأثر: عن أبي المنهال قال سمعت إياس بن عبد سئل عن قوم سقط عليهم بيت فماتوا قال يورث بعضهم من بعض. وقد روي القول بذلك عن عمر لكنه سنقطع الإسناد وروى وقد روي القول بذلك عن عمر لكنه سنقطع الإسناد وروى بإسناد منه بينهم ومجهول، ولكن تعدد الطرق واختلاف المخارج تدل على ثبوت هذا القضاء عن أمير المؤمنين من هذه الآثار: ما رواه هـ ك عن الشعبي عن عمر أنه ورث بعضهم من بعض من بلاد أموالهم. وفي رواية قال ابن أبى ليلي: ورث عمر هؤلاء من تلاد أموالهم وروي من قتادة قال ورث عمر أهل طاعون عمواس بعضهم من بعض فإذا كانت بد أحدهم ورجله على الآخر ورث الأعلى من الأسفل ولم يورث الأسفل من الأعلى.

قال الإمام البيهقي في السنن الكبرى: وهاتان الروايتان منقطعتان وقد قيل عن قتادة عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب وهو أيضاً منقطع فقبيصة لم يدرك عمر فما روينا عن عمر أشبه. - وروى سعيد بن منصور 1/84 عن النخعي عن عمر أنه قال في أناس ماتوا جميعاً لا يدرى أيهم مات قبل صاحبه قال يورث بعضهم من بعض. - وروي سعيد بن منصور والدار في 2/379 دمشيبة 11/342 من الشعبي أن بيتاً في الشام وقع على قوم في عهد عمر فورث عمر بعضهم من بعض لكن رواية المصنف لابن أبى شيبة من طريق الشعبي عن عبيدة وعبيدة مخضرم وعليه فالإسناد متصل. - والأثر رواه منصور وعبد الرازق عن الشعبي قال: "وقع الطاعون في الشام فجعل أهل البيت يموتون فكتب بذلك إلى عمر فكتب "إن ورثوا بعضهم من بعض". - ورواية عبد الرازق أن عمر ورث بعضهم من تلاد أموالهم لا يورثهم مما يرث بعضهم من بعض شيئاً. - وروي ابن أبي شيبة عن سماك عن رجل عن عمر أنه ورث قوماً غرقوا فورث بعضهم من بعض. - ورواه نسيبة أيضاً عن أبي الحصيب أن قوماً غرقوا على حسر منيج فورث عمر بعضهم من بعض. - قال سفيان قلت لأبي الحصيب سمعته من النبي فأعاد الأثر إلى الشعبي. - وري أيضاً عن على ففي عبد الرازق 10/295 عن جابر بن زيد أن عمر وعلياً قضيا في القوم يموتون جميعاً لا يدرى أيهم يموت قبل صاحبه (أن بعضهم يرث بعضاً) والأثر فيه انقطاع. - وثبت في منصور وشيبة من رواية الشعبي من الحارث الأعور (وهو ضعيف) من على: أن أهل بيت غرقوا في سفينة فورث على بعضهم من بعض. وروي أثر توريث على عن قتادة في شيبة. وروي أيضاً من طريق النخعي في شيبة أن علياً ورث ثلاثة غرقوا في سفينة بعضهم من بعض وأمهم حية فورث أمهم السدس من صلب مال كل واحد منهم ثم ورثها الثلث مما ورث كل واحد من صاحبة وجعل ما بق للعصبة. ونقله عبد الرازق من قضاء النخعي نفسه.

ونقله عبد الرازق عن ابن أبى ليلى أن علياً وعمر قضيا أيضاً بذلك من جملة من قال ذلك من التابعين: 1- إبراهيم التخعي: والأثر ثابت عنه بذلك كما في شيبة 11/346 ومنصور 1/86 وعبد الرازق قال التخعي. يورث كل واحد منهم من صاحبه ولا يورث كل واحد منهم مما ورث من صاحبه شيئاً. قال منصور الراوي عن النخعي، ولا يضرك بأيهم بدأت إذا ورثت بعضهم من بعض. 2- الشعبي: والأثر ثابت عنه بذلك كما في شيبة 11/347. 3- شرع القاضي: والأثر ثابت عنه في عبد الرازق 10/295 وأخبار القضاه لو تبع 2/47 وشيبه 11/347 ومنصور 1/86 والقضية التي قضي فيها شريح هي: مرأة وابنها ماتا في الفرات فقال شريح ورثوا كل واحد منهما من صاحبه ولا تردوا على واحد منهما مما ورث من صاحبه. 4- حميد الأعرج: كما في عبد الرازق 10/295 5- عبد الله بن عتيبة بن مسعود وكان قاضياً لأبن الزبير كما في شيبة 11/346 وعبد الرازق 10/295 وأخبار القضاة لوكيع 2/. قال الشيخ: والذي يظهر أن الآثار في القول الأول أقوى وأكثر وأثبت متقدم عليها يضاف إلى ذلك أن القول الأول قال به الجمهور حتى الإمام أحمد قال به في أحد قوليه. مثال: أبوان ماتا في حادث غرقاً وعمي علينا موتهم وترك الأب أباً وأماً وتركت الأم أباً وأماً وترك الابن ابناً. الحل على قول الجمهور. (1) مات الأب وترك: 6 أب ... 1/6 ... 1 أم ... 1/6 ... 1 ابن ابن ... ع ... 4 (2) ماتت الأم وتركت: 6 أب ... 1/6 ... 1 أم ... 1/6 ... 1 ابن ابن ... ع ... 4 (3) مات الابن وترك: 2 × 6 ... 12 ابن ع ... 4 ... 8 جدة 1/6 ... 1 ... 1 جدة 1/6 ... 1 ... 1 جد 1/6 ... 1 ... 2 الحل على قول الإمام أحمد (أ) على تقدير سبق الأب في الموت: 12/24 ... 6/6 ... 2 × ... 6 ... 13/12 ... 288 أب ... ت أم ... زوجه ... 1/8 ... 3 ... ت ابن ... ابن ... ع ... 13 ... ت أب ... 1/6 ... 4 ... جد ... 1/6 ... 1 ... 2 ... 74 أم ... 1/6 ... 4 ... جدة ... 1 ... 1 ... 1 ... 61 أب ... 1/6 ... 1 ... 1/6 ... 1 ... 6 أم ... 1/6 ... 1 ... جدة ... 1/6 ... 1 ... 1 ... 19 ابن ابن ... ع ... 4 ... ابن ... ع ... 4 ... 8 ... 128 12/12 ... 6/6 ... 2 × ... 6 ... 5/12 ... 144 أم ... ت أب ... زوج ... 1/4 ... 3 ... ت ابن ... ابن ... ع ... 5 ... ت ... - أب ... 1/6 ... 2 ... 24 أم ... 1/6 ... 2 ... جدة ... 29

أب ... 1/6 ... 1 ... جدة ... 1/6 ... 1 ... 1 ... 11 أب ... 1/6 ... 1 ... جد ... 1/6 ... 1 ... 2 ... 16 ابن ابن ... ع ... 4 ... ابن ... ع ... 4 ... 8 ... 64 (ج) على تقدير سبق موت الابن: 6/6 ... 1/6 ... 1/6 ... 36 ابن ... ت أب ... أب ... 1/6 ... 1 ... ت أم ... أم ... 1/6 ... 1 ... - ... ت ابن ... ع ... 4 ... ابن ابن ... ع ... 4 ... ابن ابن ... ع ... 4 ... 32 أب ... 1/6 ... 1 ... 1 أم ... 1/6 ... 1 ... 1 أب ... 1/6 ... 1 ... 1 أم ... 1/6 ... 1 ... 1 مبحث الرد الرد لغة: الرجع والصرف والتجول كما في اللسان 4/152 وقد استعمل الله هذا المعني في كتابه "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم". أي يصرفونكم ويحولونكم عن دينكم. "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا" " يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردونكم بعد إيمانكم كافرين" وقد استعمله نبينا صلى الله عليه وسلم فمن كلامه: - ق خ. م. د. جه عن عائشة قالت: قال رسول الله "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" وفي رواية مسلم "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". - وثبت في مد وفي الكتب السنة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله أما يخشي الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله صورته (رأسه) (وجهه) إلى صورة حمار (رأس حمار) (وجه حمار) . وفي بعض روايات المسند "أن يرد الله رأسه إلى رأس حمار". وقد ورد في حب "أن يحول الله رأسه إلى رأس حمار". والمراد هنا تحويل حقيقي وهو وعيد إما أن يحدث وإما لا يحدث وخص هذين المخلوقين للبلادة في الحمار والخسة في الكلب والمراد بالتهديد الردع والزجر. - بدت دجه حب كم هـ ك عن سليمان أن النبي قال: "إن الله ص كريم يستحي إذا رفع عبده يديه أن يردمهما صفراً خاليتين" وابن سراقة هو: محمد بن يحي بن سراقة أبو الحسن العامري البصري الفقيه الغرض المحدث. قال السبكي: كان حياً سنه 400 للهجرة وأراه توفي في حدود سنه 410 طبقات الشافعية 4/211 وفي السير 17/281. ومعني الرد في الإصلاح: الرد ضد العول تماماً العول: زيادة في أصل المسألة على فروجها. الرد: نقصان فروض المسألة عن أصلها.

الفروض إما أن نكون: عادلة (أي الفروض متساوية) ... ... ... ... عادلة (أي الفروض زائدة) ... ... ... ... عادلة (أي الفروض ناقصة) متى يقع الرد: لا يقع الرد إلا بشرطين: 1- ألا يوجد غاصب. 2- ألا تستغرق الفروض التركة. مذاهب العلماء في الرد: (1) قول الأحناف والحنابلة: ذهبوا إلى القول بالرد على أصحاب الفروض النسبية (فرج أصحاب الفروض السببية) بمقدار فروجهم. وهو المفتي به عند المتأخرين من الشافعية والمالكية لفساد بيت المال وعدم انتظامه. السراج الوهاج / 321 وحاشية الدسوقي 4/416 رد المختار على الدر المختار 6/787 والمغني مع الشرح الكبير 7/46 قال النوري في الروضة 6/6 وهكذا ابن قدامة في المغني قال ابن سراقة: وهو قول عامة مشايخنا (أي الرد على أصحاب الفروض وعليه الفتوى والعمل اليوم في الأمصار. وقال في حاشية الدسوقي: ذكر الشيخ سليمان البحيري في شرح الإرشاد عن عيون المسائل اتفاق شيوخ المذهب بعد 200 هـ على توريث ذوى الأرحام والرد على ذوى السهام لعدم انتظام بيت المال. أدلة القول بالرد: أولاً: القرآن الكريم دل على القول بالرد قال تعالي "وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين". قال ابن قدامة في المغني 7/47 وهؤلاء من ذوي الأرحام وقد ترجحوا بالقرب إلى الميت فيكونون أولي من بيت المال لأنه لسائر المسلمين وذوا الرحم أحق من الأجانب عملاً بالنص. ولا يقال إن الله بين ميراث ذوى الأرحام والقرابات فينبغي ألا نزيد على ما فرض الله لهم وأن نقيد ذلك الإطلاق مما جدد في آيات المواريث لا يقال هذا لأن ما بين لهم (لذوى الأرحام والقرابات) يأخذونه حسب ما قسمه الله لهم عند اجتماعهم فإذا زاد شيء يرد عليهم بمقدار فروضهم فهم أحث به من غيرهم وفي هذا أعمال للنصوص بأسرها – بالنصوص المقيدة والمطلقة – فالنصوص المقيدة بفروض محددة لا تنفي الزيادة على تلك الفروض لسبب آخر.

ثانياً: السنة: دلت على القول بالرد مطلقاً انتظم بيت المال أو لم ينتظر. أ- ق خ. م. ن. ن. جه عن أبي هريرة أن النبي قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك ديناً فعلى قصاده ومن ترك مالاً فهو لورثته". الدلالة من الحديث: فمن ترك مالاً فالنبي لا يأخذ منه سيئاً ولا يضع شيئاً من باله في بيت المال إذا كان له ورثة فإذا مات وترك بيتاً أوجه أو أخذاً تأخذ كل المال من أدلة إلى آخره لأن النبي قال "ومن ترك مالاً فهو لورثته" ولم يقل لأصحاب الفروض فروضهم والباقي لبيت المال وميت المال في عهده صلى الله عليه وسلم في غاية الانتظام ويفعل هذا ولى الأمر. (2) وهذا الحديث ثابت عن عدة من الصحابة رواه مدون جه حب هـ ك عن جابر. ورواه مد جه وحب والطماوى في شرح معاني الآثار ومنصور وهـ ك عن المقدام بن معد يكرب (3) مد. يعلى. المجمع 4/227 عن أنس وفي الإسناد أعين البصري قال الهيثمي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يجرحه ولم يوفقه وبقية رجاله ثقات والحديث يتقوى بالأحاديث الثلاثة المتقدمة عن أنس بمعنى الحديث المتقدم. (4) مد والأربعة وقال الترمذي حسن غريب وكم هـ ك 6/240 جامع الأصول 9/614 عن واثلة بن الأسقع أن النبي "قال تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه" فقول النبي (تحوز) عن الولد الذي لا عنت عليه وهو ولدها وهي أمه وهى لها الثلث بنص القرآن فكان المرأة تأخذ كل المال قرضاً ورداً. (5) مد والستة وط مى جامع الأصول 11/629 والطحاوي في الشرح هـ ك دلى الجارد في المنتقى عن سعد بن أبي وقاص عندما جاءه النبي يزوره وقد اشتد به وجعه فقال يا رسول الله لا يرثني إلا ابنة وقد نزل بي من الوجع ما تري فهل أوحي بنقل مالي فقال كثير..... الحديث. محل الشاهد (ولا يرثني إلا ابنه) كأنه يقول أن عندي ابنة واحده وستأخذ كل المال والنبي أقره على ذلك. ثالثاً: قواعد الفرائض تؤيد القول بالرد: وذلك من وجهين:

(1) سب الإرث القرابة فهو أقوي الأسباب فإذا وجدت فما ينبغي أن يصرف المال إلى غيره قال تعالي (وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض) (2) قياساً على العول فالغنم بالعزم فكما أن البنت تتضرر إذا كثر أصحاب الفروض فينبغي أن تغنم إذا انفردت. فإن قيل: هذا الاستدلال مردود بالزوجين فهما يغرمان في العول ولا يغنمان في الرد فالجواب: كما قرر الإمام الطحاوي 4/394 ونقل عنه ذلك الإمام ابن عابدين في رد المختار 6/787 ونقله الشيخ محمد نجيب خياط في شرحه على السراجية / 122 ونص الجواب. "إنما يستحق الرد بالرحم ولا رحم للزوجين من حيث الزوجية وميراثها ثبت على خلاف الغياس لأن صلتها بالنكاح وقد انقطعت بالموت وما ثبت على خلاف القياس نصاً يقتصر على مورد النص ولا نص في الزيادة على فرضها ولما كان إدخال النقص عليها في نصيبها مثلاً للقياس النافي لإرثهما قيل به ولم يقل بالرد لعدم الدليل فظهر الفرض وحصحص الخف. رابعاً: تفريق المالكية والشافعية بين انتظام بيت المال وعدم انتظامه غير سديد لأن سبب الرد الرحم والقرابة وليس لانتظام بيت المال دخل في ذلك سواء انتظم أم لم ينتظم لكن يمكن أن يقول المالكية والشافعية. المال مصروف إلى القرابات أو إلى بيت المال فإذا تعذر أحدهما تعين الآخر ولذلك ذهب بعض العلماء عند فساد بيت المال إلى التصرف بالمال عن المسلمين لا عن الميت كما في حاشية الدسوقي 4/416 تنقل عن ابن القاسم قال: والقياسي صرفه في مصاريف بيت المال إن أمكن وإن كان ذو دار جم الميت من جملة مصاريف بيت المال فهو أولي. وقال ابن جزي الكلبي في القوانين الفقهية /254 قال حكي عن ابن القاسم أن من مات ولا وارث له تصدق بماله إلا أن يكون الإمام كعمر بن عبد العزيز. خامساً: قد يستدل بانتظام بيت المال وعدم انتظامه على الرد على الزوجين فحيت انتظم بيت المال لا يرد عليهما وهذا باتفاق المذاهب الأربعة.

وحيث لم ينتظم بيت المال يرد على أحد الزوجين بثلاثة قيود: (1) لا يوجد عاصب. (2) ولم تستغرق القروض التركة. (3) وألا يوجد ذو رحم. لأنه صار في العصور المتأخرة مآل صرف ما في بيت المال إلى ضلال فغما أن يستولي عليه الأرزال أو وكيل بيت المال أو ينفق في المعاصي. قال في حاشية رد المختار على الدر المختار لابن عابدين 6/788 يقول الشارح: (قلت وفي الأشباه أنه يرد على الزوجين في زماننا لفساد بيت المال وقد قدمناه في الولاء) قال ابن عابدين في تعليقه قوله وفي الأشباه قال في الكنية (من كتب الحنفية) ويفتي بالرد على الزوجين في زماننا لفساد بيت المال. وفي الزيلعى عن النهاية ما فضل عن فرض أحد الزوجين يرد عليه وكذا البنت والابن من الرضاعة يصرف إليهما. وقال في المستصفي للغزالي: والفتوى اليوم بالرد على الزوجين وهو قول المتأخرين من علمائنا. وقال الجداوي: الفتوى اليوم بالرد على الزوجين وقال المحقق أحمد بن يحيى بن سعد التفتازانى: أفتي كثير من المشايخ بالرد عليهما إذا لم يكن من الأقارب سواهما لفساد الإمام وظلم الحكام في هذه الأيام، بل يفتي بتوريث بنات المعتق وذوى الأرحام المعتق وكذا قال الهروي. وقد نقل عن بعض أصحاب الشافعي أفهم يفتون بتوريث ذوى الأرحام لهذا المعني.

وقال الشارح في الرد المنتقي من كتاب الولاء: قلت ولكن بلغني أنهم لا يفتون بذلك فتنبه، أقول (أي ابن عابدين) ولم نسمع أيضاً في زماننا من أفتي بشيء من ذلك ولعله لمخالفته للمتوفى فليتأمل لكن لا يخفي أن المتوفى موضوعه لنقل ما هو المذهب، وهذه المسألة مما أفتي به المتأخرون على خلاف أصل المذهب للعلة المذكورة كما أفتوا بنظير ذلك في مسألة الاستئجار على تعليم القرآن مخالفين لأصل المذهب (الحنفي) والمتأخرون قالوا يجوز وسائر كتب الحنفية يقولون وعليه الفتوى والمتأخرون قالوا بالجواز وعليه الفتوى لظهور التوافي وعدم الرغبة في عمل الخير لخشية ضياع القرآن ولذلك نظائر أيضاً وحيث ذكر الشراح إلا فتاء في مسألتنا فليعمل به لا سبحان مثل زماننا فإنه إنما يأخذه من يسمى وكيل بيت المال ويصرفه على نفسه وخدمه ولا يصل منه إلى بيت المال شيء. وقد نقل الحنفية هذا عمير سيدنا عثمان أنه رد على الزوجين ابن عابدين قال الشيخ: وقد وقفت على كتب الأثر في وجدته. قال في الاختيار 5/99: هذا وهم من الراوي فإنه إنما صح عن عثمان أنه رد على الزوج ثم أول فعله فقالوا أن الزوج كان ابن عم للزوجة فوزنه بطريق الفرض وهو النصف ثم رد عليه الباقي لأنه عصبه فوهم من نقل هذا، أما الزوجة فلم ينقل عن أحد الرد عليها وقال ابن قدامه في المغنى 7/46. روى عن عثمان أنه رد على زوج فأول ذلك ثلاث تأويلات: (1) لعل الزوج كان عصبة (أي زوج وابن عم) . (2) لعله ذا رحم ... ... (أي زوج وابن عمه) . (3) لعل عثمان أعطاه من بيت المال لأنه كان فقيراً. قال الطحاوي 4/394 قال المولى عجم زاده على حاشية شرح السيد وقد ضعفت هذه الرواية بما نقل النخعي قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله يقول إنه يرد على الزوجين وعلق على هذا التضعيف بقوله وليس بشيء لأن خبر المثبت أولى من خبر النافي إذا تعارض وأثر التخعي ثابت في ابن أبى شيبة 11/277 تنبيه:

اختلاف المذاهب الأربعة في هذه المسألة بينما على اختلاف الصحابة الكرام بناءً على الحجج المتقدمة وهي هل يقيد الإطلاق في قول الله تعالى "وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض" والأحاديث التي نصت على أن من ترك بالأنلوزيته وأقاربه وأرحامه، هل تعتبر منصوص المواريث المحددة للورثة أنصباء مقدره، أو يعمل بكليهما ويقدم فإذا بقي شيء لا تخرج عن حكم المطلق. فتقدم معنا أن أبا حنيفة وأحمد أعملا النصوص كلها وقالوا نعمل بالتقيد إذا اجتمع أولوا الأرحام والورثة، فإذا بقي شيء فعمل بالأخلاق مع التقيد. والإمام الشافعي ومالك قالا هذه النصوص قيدت ذلك الأخلاق وإن بقي شيء يرد إلى بيت المال. أقوال الصحابة: ذهب على القول بالرد جم غفير من الصحابة والتابعين: (1) على بن أبى طالب: ثبت ذلك عنه بطرق متعددة متعاضرة كما في منصور 1/60 حتى 2/8 وعبد الرازق 10/286 هـ ك 6/244 عن الشعبي قال: كان على يرد على كل وارث الفضل بحساب ما ورث ولفظ (هـ ك) (بحصة ما ورث) غير المرأة والزوج ولفظ (منى) (على كل ذي سهم إلا المرأة والزوج) . وثبت في منصور شيبة 11/275، 277 عن التخعى قال: كان على يرد على جميع الورثة إلا الزوج والمرأة. ونقل هذا ابن أبي شيبه وعبد الرازق نحوه عن منصور. - وثبت عن الإمام الباقي محمد بن على في شيبه. أن علياً كان يرد على ذوى السهام من ذوى الأرحام (فخرج الزوجان) وثبت في (مي) عن ابن عباس: أن قوماً اختصموا إلى على في ولد المتلاعنين، فجاء عصبة أبيه يطلبون ميراثه فقال علي: إن أباه قد كان تبرأ منه فليس لكم من ميراثه شيء، فقضي بميراثه لأمه وجعلها عصبة له. (2) عبد الله بن مسعود: (وفي قوله تفصيل لم يعمل به) .

ثبت في منصور هـ ك منى عن الشعبي قال: كان ابن مسعود يرد على كل وارث الفضل بحساب ما ورث غير أنه لم يكن يرد على بنت ابن مع ابنه الصلب ولا على أخت لأب مع أخت لأب وأم ولا على جدة: لا إلا يكون وارث غيرها ولا على إخوة لأم مع أم شيئاً ولا على الزوج ولا على المرأة. - وثبت في منصور وعبد الرازق وشيبة عن أبى إسحاق الشبباني قال: قيل للشعبي إن أبا عبيدة (وهو ولد عبد الله بن مسعود) قضي في رجل ترك بنته أو أخته فأعطاها المال كله. فقال الشعبي: قد كان من هو خير من أبي عبيدة بفعل ذلك أكان ابن مسعود يفعله. - وثبت هذا النقل عن ابن مسعود من طريق الفحص كما في منصور شيبه قال النخعي: كان عبد الله لا يرد على ستة (بنت ابن مع البنت، أخت لأب مع أخت شقيقته، الحيرة إذ كان معها وارث غيرها، الأخوة لأم مع الأم، والزوج والزوجة) فقلت "أي التخعي" فقلت لعلقمة نرد على الإخوة لأم مع الجدة فقال علقمة: إن شئت. - وثبت في نتي عن التخعي عن عبد الله أنه قال في ابنه وابنته بنت التصنف والسدس وما بقي فردَّ على البنت. - وفي منصور عن النخعي قال: قال عبد الله: الأم عصيبة من لا عصب له، والأخت عصبة من لا عصبة له (والمراد بالعصبة هنا أنها تأخذنا بأخذه العصبة) . - وثبت في منصور وفي وشيبة عن علقمة قال: ورث ابن مسعود الأخوة من الأم الثلث وورث بقية المال للأم وقال الأم عصبة من لا عصبة له. وثبت هذا القضاء لعبد الله ابن مسعود في شيبة من طريق التخصي عن مسروق. (3) (4) ابن عمر وانب عباس: ثبت في مني 2/364 من طريق نافع عن ابن عمر قال: إذا تلاعنا فوق بينهما ولم يجتمعا ودعي الولد لأبنه فيقال أن فلانة وهى عصبة يرثها وترثه ومن دعاه لزنية جلد. وثبت عن ابن عباس بنحوه وهذا القول قال به سر التابعين. (1) الإمام الشعبي كما في منى 2/361 قال الشعبي في رجل مات وزك ابنته لا يعلم له وارث غيرها قال لها المال كله.

(2) (3) سفيان النوري وعبد الله بن عبيد بن عمير سمان في قال عبد الله بن عبيد كتبت إلى أخ من نبي رزيق أسأله لمن فض رسول الله في ابن الملأ عنه فكتب إلى هي بمنزلة أمه وأبيه قال سفيان المال كله للأم هي بمنزلة أبيه وأمه. (4) الحسن البصري كما في منى قال الحسن: ترثه أمه (أي ابن الملاعنة) (5) (6) مكحول وعن غطاء في (س) القول الثاني: لا يعطى الوارث أكثر مما فرض له ويرد الباقي إلى بيت المال فكما يتكفل بيت المال بالمسلمين يعود إليه ما فصل من الوارثين ذهب إلى هذا القول من الصحابة. [1] أبو بكر الصديق: ثبت في شيبة 11/277 من الشعبي قال: استشهد سالم مولي أبي حذيفة فأعطي أبو بكر ابنته النصف وأعطي النصف الثاني في سبيل الله عز وجل (أي بيت المال) . [2] زيد بن ثابت: ثبت في منصور وعبد الرازق من عدة طرق متعددة فعنى الشعب. قال: ما رد زيد على ذوى القرابات شيئاً قط - وفي منصور وعبد الرازق هـ ك من طريق الشعبي عن خارجة ابن زيد بن ثابت قال: رأيت أبى يرد فضول المال عن الفرائض على بيت المال ولا يرد على وارث شيئاً. - وفي رواية قال خارجة: كان أبي يعطي أهل الفرائض فرائضهم ويجعل ما بقي في بيت المال. - وفي من عن سعيد بن المسبب عن زيد قال في ميراث ابن الملائنة لأمه الثلث والثلثان لبيت المال. - وفي هـ ك من طريق المغيرة من أصحابه قال: كان زيد إذا لم يجد أحداً من هؤلاء (يعنى العصبة) لم يرد على ذي سهم ولكن يرد على الموالى فإن لم يكن موالى فعلى بيت المال. - وفي شيبة عن النخعي قال: كان زيد يعطي كل ذي فرض فريضته وما بقي يجعله في بيت المال. - وفي مني عن محمد بن سالم عن خارجة وعن الشعبي عن خارجة عن زيد أنه أتي بابنته أو أخت فأعطاها النصف وجعل ما بقي في بيت المال. وممن قال بهذا القول مني التابعين:

روي هـ ك 6/259 والموطأ 2/552 عن الإمام مالك انه بلغه أن عروة بن الزبير كان يقول في ولد الملاعنة وولد الزنى إذا مات ورثته أمه حقها في كتاب الله عز وجل وإخوته لأمه حقوقهم ويرث البقية موالى أمه إن كانت مولاة وإن كانت عربية ورثت حقاً وورث أخوته لأنه حقوقهم وكان ما بقي للمسلمين. قال الإمام مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار قبل ذلك، وقال مالك وعلى هذا أدركت أهل العلم ببلدنا. حاصل الكلام: إن الخلاف في هذه المسألة واقع بين الصحابة في أمرين أثنين: الأول: في وقوع الرد وحصوله (هل نرد أو لا) الثاني: على من يرد على القول بالرد. آثار توضح اختلاف الصحابة في الرد وفي من يرد عليه: - روي منصور 1/60 ومني 2/362 وهـ ك 6/244 عن الشعبي ورواه عبد الرازق 10/286 عن الشعبي وعن منصور والأثر رواه منصور وشيبه 11/236 عن النخعي أنهم قالوا: كان على يرد على كل ذي سهم بقدر سهمه: لا الزوج والمرأة وكان عبد الله لا يرد على أخت لأم مع أم ولا على بنت ابن مع بنت الصلب ولا على أخت لأب مع أخت لأب وأم ولا على جده إلا أن يكون لا وارث غيرها ولا على امرأة ولا على زوج وزاد البيهقي في روايته: (وكان زيد لا يرد على وارث شيئاً ويجعله في بيت المال) . - وشيبة عن الشعبي قال: كان عبد الله يرد على الابنة والأخت والأم إذا لم تكن عصبة وكان زيد لا يعطيهم إلا نصيبهم. - وروى منصور في هـ ك عن الشعبي قال: قال علي بن الملائمة مات وترك أمه وأخاه قال: لأخيه السدس ولأمه الثلث وما بقي يرد عليها بقدر أنصبائها. وقال عبد الله لأخيه السدس وما بقي فهو لأمه. وقال زيد. لمه الثلاث ولأخيه السدس وما بقي فلبيت المال. - وروي في 2/362 عن قتادة أن علياً وابن مسعود قالا: في ابن الملائمة ترك جدته وإخوته لأمه للجدة الثلث وللإخوة لأم الثلثان (باعتبار الرد) - وقال زيد: للجدة السدس وللإخوة لأم الثلث وما بقي فلبيت المال. كيفية توريث الورثة على القول بالرد:

الورثة – الذين يسدد عليهم – إما أن يكون معهم أحد الزوجين أو لا ولكل حالة ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: إذا لم يكن معهم أحد الزوجين فلهم ثلاث حالات: الحالة الأولى: إذا كان الوارث المردود عليه فرداً واحداً فله كل المال فرضاً ورداً. الحالة الثانية: أن يكون الورثة المردود عليهم صنفاً واحداً بتعدداً كجدتين كخمس بنات، كأربع أخوات لأم فمسألتهم من عدو رؤوسهم والمال بينهم بالسوية كأنهم عصبة. الحالة الثالثة: أن يكون الورثة المردود عليهم أصنافاً متعددين مختلفين وفروضهم مختلفة فلا يمكن أن يزيدوا على ثلاثة لأنهم لو حصلت الزيادة على ثلاثة أصناف فالمسألة بين أمرين اثنين ولا بد إما عادلة وإما عائله. قال ابن عابدين 6/788 الدليل على هذا الاستقراء لا يوجد مسألة فيها أربع أصناف مختلفين يرثون فرضاً والمسألة يصبح فيها إذن حتى يكون في المسألة رد إما أن يكون الورثة صنفين أو ثلاثة لا يمكن أن يحصل رد إلا في أصل واحد من أصول المسائل وهو أصل (ستة) فقط ووجه ذلك: أن أصل (2) و (3) لا يجتمع فيها أكثر من صنفين والفروض الواقعة فيها (1/2، 1/2) ، 1/3، 2/3) وأما الأصول (4) (8) ، (12) ، (24) فلا يمكن أن ترد في هذه الحالة مطلقاً لأن هذه الأصول لا يمكن أن تكون إلا إذ اوجد أحد الزوجين وأما أصل (18) ، (36) على القول بأنهما أصلان لا مصحان لا يمكن أن يقع فيهما الرد أبداً لوجود عاصب فيهما لأنها لا يوجد إلا مع عصبة وهي الجد والأخوة. وعليه تعين أن يكون الرد في أصل واحد من هذه الأصول التسعة وهو أصل (6) . قال صاحب العذب 2/4: وكان أصل (6) محلاً للرد عند اجتماع أصناف متعددين لأن الفروض كلها موجودة فيه إلا الربع والثمن لأنها لا يكونان لغير الزوجين فانحصر الرد في الصنفين والثلاثة في أصل (6) . كيفية الحل في الحالة الثالثة:

(1) أن تجمع فروضهم من هذا الأصل فما اجتمع فهو أصل مسألتهم وأصول مسائلهم لا تخرج من أربعة أصول وهى (2، 3، 4، 5) ولا تزيد على ذلك فلو زادت (1/6) لزاد المال وصارت المسألة عادلة ثم بعد القسمة ننظر بين كل فريق وسهامه ولا يخل الحال من ثلاثة أحوال. الحالة الأولى: أن تنقسم السهام على الرؤوس. الحالة الثانية: أن يحصل موافقة بين السهام والرؤوس. الحالة الثالثة: أن يحصل مباينة بين السهام والرؤوس. مثال على الحالة الأولى: 2/6 ... 2 ... 2/6 جدة ... 1/6 ... 1 ... جدتين ... 1/6 ... 1 ... 2 أخ الأم ... 1/6 ... 1 ... أخ الأم ... 1/6 ... 1 ... 2 مثال على أصل 3 3/6 ... 6 ... 12 أم ... 1/3 ... 2 ... أم ... 1/3 ... 2 ... 8 أخت الأم ... 1/6 ... 1 ... أخت الأم ... 1/6 ... 1 ... 4 مثال على أصل 4 4/6 أخت ش ... 1/2 ... 3 أخت الأم ... 1/6 ... 1 مثال على أصل 53 5/6 بنت ... 1/2 ... 3 بنت ابن ... 1/6 ... 1 أم ... 1/6 ... 1 أخ الأم ... م ... 0 الحالة الثانية: (إن كان مع أصحاب الرد أحد الزوجين) فأعطي صاحب الزوجية فرضه كاملاً وهو 1/2، 1/4، 1/8) وما بقي فهو لمن يرد عليهم وحالاتهم ثلاثة: الحالة الأولى: أن يوجد مع أحد الزوجين فرد واحد ممن يرد عليهم فله ما بقي 2 زوج ... 1/2 ... 1 أم ... ب ... 1 ... (لها الباقي فرضا ورداً) الحالة الثانية: أن يكون من يرد عليهم صنفاً واحداً، فكذلك لهم ما بقي ومالهم كحال العصبة. 5 × 4 ... = 20 زوجة 1/4 ... 1 ... 5 5 أخوة لأم ب ... 3 ... 15 = 3 الحالة الثالثة: إذا كان المردود عليهم مع أحد الزوجين أصنافاً متعددين فلهم الباقي، لكن نجعل لهم مسألة أخرى لن تخرج عن أصل (6) ولا يزيد من يرج عليهم على ثلاثة أصناف وأصول سائلهم (2، 3، 4، 5) لا نخرج عن هذا فأقسم أصول سائلهم عليهم وصححها إن احتاجت إلى تصحيح ثم أنظر بين مسألة الرد وبين الباقي من مسألة أحد الزوجين بعد إعطائه فرصة، فإما أن ينقسم الباقي على مسألة الرد وإما أن يوافق وإما أين يباين، فإذا تقسم الباقي على مسألة الرد صحت مسألة الرد من مسألة صاحب الزوجية.

فهي أصل مسألة الرد وإن وافقت (أي الباقي من مسألة الزوجية) فنضرب وقف مسألة الرد في مسألة صاحب الزوجية، وإن باينت نضرب كل مسألة الرد في كل مسألة أحد الزوجين كما تقدم في المناسخة تماماً فيخرج معنا جامعة الرد. ملاحظات هامة: بعد أن أخذ صاحب الزوجية نصيبه بقي 3 ولما خرجت المسألة الثانية كان أصلها (3) ففي هذه الحالة تصبح جامعة الرد مما صحت منه مسألة صاحب الزوجية. 4 ... 6 ... 4 زوجة 1/4 ... 1 ... 1 أم ب ... 3 ... 1/3 ... 2 ... 2 أخ الأم ب ... 3 ... 1/6 ... 1 ... 1 مثال على الانقسام 4 ... 6 ... 4 زوجه 1/4 ... 1/4 ... 1 ... 1 جدة 1/6 ... ب ... 3 ... 1/6 ... 1 ... 1 أخ الأم 1/3 ... ب ... 3 ... 1/3 ... 1 ... 1 أخ الأم 1/3 ... ب ... 3 ... 1/3 ... 1 ... 1 مثال على الموافقة 4/4 ... 3 × 4/6 ... 1/12 ... 16 زوج 1/4 ... 1/4 ... 1 ... 4 بنت 1/2 ... ب ... 3 ... 1/2 ... 3 ... 9 ... 9 3 بنات ابن 1/6 ... ب ... 3 ... 1/6 ... 1 ... 3=1 ... 3=1 مثال على المباينة: 4/4 ... 6/4/3 ... 16 زوجة 1/4 ... 1 ... 4 أخت ش ب ... 3 ... 1/2 ... 3 ... 9 أخت لأب ب ... 3 ... 1/6 ... 1 ... 3 مسألة فيها ثلاثة أصناف: 8 ... 6/7 ... 40 زوجة ... 1/8 ... 1 ... 5 بنت ... ب ... 7 ... 1/2 ... 3 ... 21 بنت ابن ... ب ... 7 ... 1/6 ... 1 ... 7 أم ... ب ... 7 ... 1/6 ... 1 ... 7 تنبيه هام: بقي معنا في الرد أن نعلم أنه يرد على أحد الزوجين بالشروط الثلاثة المتقدمة عند الحنفية وهي: 1- ألا يوجد عاصب مطلقاً (سببي أو نسبي) . 2- ألا يوجد أحد من أصحاب الفروض النسبية. 3- ألا يوجد أحد من ذوى الأرحام. وعليه إذا وجد أحد الزوجين مع الشروط المتقدمة نرد عليه وكيفية الرد عليه واضحة لأنه سيأخذ الباقي. مبحث توريث ذوى الأرحام أولاً: تعريف ذوى الأرحام: (لغةً) الأرحام: جمع (رحم، رحم) ويطلق على القرابة وأصله كما قال علماء اللغة رحم المرأة. قال الراغب الأصفهاني: وأطلق على الأقارب رحماً لكونهم خارجين من رحم واحدة ولأنه بينهم تراحم خاص. وقد استعمل الله في كتابه الأرحام: الذي هو رحم المرأة: فقال تعالي: "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء وما تغيض الأرحام وما تزداد ويعلم ما في الأرحام". وقد استعمل الله لفظ الأرحام بمعنى القرابات:

قال تعالي: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. قال تعالي: "وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله". قال تعالي: "لن تنفعكم أرحامكم" (أي قراباتكم) . واستعمل بمعنى التراحم: قال تعالي: "وأقرب رحماً". قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكوفيون الأربعة (رحماً) والباقون (رحماً) النهي عن قطيعة الرحمن من كلام النبي. ثبت في مد. خ. م. ن. صب. كم. عبد بن حميد. مردوية. الطبري في التفسير هـ ش. الحكيم الترمذي. جامع الأصول 6/487 عن أبي هريرة أن النبي قال "إن الرحمن شجنة من الرحمن، فقال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته". وفي رواية إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ بينهم قامت الرحمن، فأخذت بحقو الرحمن فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع قطعك قالت: بلي، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله: اقرؤوا إن شئتم (فهل نسيتم إن لوليتم أن تفسدوا...... أم على قلوب أقفالاً. العائذ: اللاجئ على الإنسان. شجنة: بضم الشين وكسرها: القرابة المشتبكة كاشتباك العروق. بحقو الرحمن: الحفق: مشد الإزار من الإنسان، وقد يطلق على الإزار، ولما جعل الرحم شجنة من الرحمن استعار لها الاستمساك بها والأخذ، كما يستمسك القريب من قريبة والنسيب من نسيبه. - يدخل تحت لفظ القرابة 3 أقسام وقد أمرنا بصلتهم في شريعة ربنا: [1] قرابة عن طريق الرحم والنسب وهم الذين خرجوا من رحم واحدة. [2] قرابة عن طريق المصاهرة ويدخل في ذلك الأختان (وهم القرابات من جهة المرأة) والأحماء (وهم القرابات من جهة الرجل الزوج. [3] قرابة عن طريق الرضاعة: هؤلاء كلهم لهم حقوق زائدة عن الحقوق العامة ومأمور بصلتهم ولكن تتفاوت حقوق القرابات. - فالقرابة المحرمة (أي المحرم للتناسخ بين القريبين إذا كان أحدهما ذكر والآخر أنثي) فهذه أعلى القرابات وأولادها ما كان من جهة النسب.

مثال: أم الزوجة بينك وبينها قرابة محرمة وأمك التي ولدت بينك وبينها قرابة محرمة فالأم أعلى وأولي بالصلة من غيرها. وكذلك والد الزوجة ووالدك فالأول لهم حق أكيد عليك وهو بمنزلة الوالد لكن الوالد الذي تسبب في خروجك أولي من أب الزوجة. تعريف ذوى الأرحام في الاصطلاح: كل قريب عن طريق الرحم والنسب ليس بذي فرض ولا عصبة قال ابن تميمة في الفتاوى 22/260. من شأن أهل العرف إذا كان الاسم عاماً لنوعين فإنهم يفردون أحد نوعين باسم ويقي الاسم العام مختصاً بالنوع الآخر كما في لفظ ذوى الأرحام فيعم جميع الأقارب من يرث بفرض وتعصيب ومن لا فرض له ولا تعصيب، فلما يبرز ذو الفروض والعصبات صار في عرف الفقهاء ذلك اللفظ مختطاً يمن ليس له فرض ولا عصبة. توريثهم واختلاف العلماء في ذلك: للعلماء في توريث ذوى الأرحام قولان وبتفصيلهما تفقدوا الأقوال إلى ثلاثة أقوال: القول الأول: ذهب إلى توريث ذوي الأرحام إذا لم يوجد: (1) عاصب. (2) ولم يوجد أحد من أصحاب الفروض النسبية قال بهذا القول: الأصناف كما في الاختيار 5/105. وقال بهذا القول: الإمام أحمد قال ابن قدامة في المغني 7/83 كان أبو عبد الله يورث ذوى الأرحام إذا لم يكن ذو فرض ولا غصب ولا أحد من الورثة إلا الزوج والزوجة. حجة الغافلين بهذا القول: (1) كتاب الله جل وعلا: قال تعالي: "وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله من المؤمنين".

المواريث 1

المواريث (1) (فقه المواريث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان المسألة المشتركة ويقال لها المسألة المشركة والمشرُكة ولانه حصل التشريك فيها. ويقال لها الجمرية واليمية والحجرية. وهى أول ما وقعت فى زمن عمر بن الخطاب. ثبت فى كم صح، هـ ك وخلاصة القصة انه عرض على عمر هذة المسألة فى عامين مختلفين فقضى فيها القضائين مختلفين، والقضاء الاول فى العام الاول والقضاء الثانى فى العام الثانى. ماتت عن أم وزوج وأخوين لأم وأخ شقيق. وكان قضاء عمر فى العام الاول على حسب قواعد الفرائض (الحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فالاول رجل ذكر) . الورثة ... القضاءالاول 6 ... القضاء الثانى 3X6=18 زوج ... 1/2 ... 3 ... ½ ... 3 ... 9 أم ... 1/6 ... 1 ... 1/6 ... 1 ... 3 أخ لام ... 1/3 ... 1 ... 1/3 ... 2 أخ لام ... 1/3 ... 1 ... 1/3 ... 2 أخ شقيق ... ع ... مسقط ... 1/3 ... 2 أركان المسألة (التى لايمكن أن تكون إلا بها) :- 1. زوج. 2. أن يوجد صاحب سدس من ام أو وحدة. 3. أن يستحق الاخوة لام الثلث وهذا إذا كانوا أثنين فأكثر. 4. أيوجد عصبة أشقاء سواء كانوا ذكوراً فقط واد فأكثر أو ذكوراً إناثاً. نظرة فى القضائين الذين بهما عمر رضى الله عنه: القضاء الأول: وهو عدم التشويك بين الاخوة الاشقاء والاخوة قال به ابو حنيفة وأحمد وقد قضى به ايضاً عبد الله بن مسعود وعبد الله هو الذى قضى به على ولم يثبت عنة خلافة. وقال به أيضاً ابى بن كعب وأبو موس الأشعرى. وعمدة هذا القول ودليله عدة أمور:- 1- الحديث الصحيح الصريح وهو فى مد والكتب الستة الا النسائى وفى هـ قط عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى قال (الحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى رجل ذكر) . 2- آية الكلالة التى فى صدر سورة النساء والمتعلقة بالاخوة لأم (فإن كان رجل يورث كلالة أو امراى وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس مما ترك فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء فى الثلث) .

يقول أصحاب هذا القول: وقد جمعت الأمة على أن المراد بالأخوة هنا أولاد الأم أى الاخوة لأم فتشريك الاشقاء منهم خلاف الآية. 3- آية الكلالة التى فى آخر سورة النساء جعلت للأخوة الذين يدلون باب نصيباً معيناً مبيناً لا يجوز تجارة وذلك النصيب هو أن الذكر يأخد ضعف الأنثى وتسوية الذكور الأشقاء الإناث الشقيقات خلاف مدلول الآية. لأننا لو شركنا بين الأخوة الأشقاء الذكور الإناث وبين الأخوة لأم الذكور الإناث لجعلناهم كلهم إخوة لأم وسوف نأخد الأخت الشقيقة مثل الأخ الشقيق وهذا ليس له نظير فى الفرائض. 4- الإجماع على أنه لو كان الأخ لأم أو الأخت لأم واحداً والأشقاء منه فلا تشريك، فالأخ لأم له السدس بمفرده، والأخوة الأشقاء كلهم يشتركون فى السدس فمن قال بهذا القول لم يشرك بين الأخوة الأشقاء والأخوة لأم. زوج ... 1/2 ... 3 أم ... 1/6 ... 1 أخ لأم ... 1/6 ... 1 أخ ش ... ع ... 1 5- لو كان بدل الأخوة الأشقاء فى المسألة المشتركة أختاً شقيقة واحدة أو أكثر لفرض لها ولم تشرك مع الأخوة لأم فما الداعى لتشريكها معهم بوجود أخيها. فهذة المسألة محل إجماع ومن قال هنا بعدم التشريك فلم يقول بالتشريك مع أخيها. زوج ... 1/2 ... 3 أم ... 1/6 ... 1 أخوات لأم ... 1/3 ... 2 أخت شقيقة ... 1/2 ... 3 6- لو كانت بدل الأخت الشقيقة أختاً لأب لفرض لها كما يفرض للشقيقة ولو وجد معها أخ لأب ليست مسأله شركة بالاجماع ستسقط مع أخيها لأنها صارت عصبة مع أخيها ولم يبق شئ. فكما سقطت الأخت لأب التى فرض لها عند وجود أخيها، فلتسقط الأخت الشقيقة عند وجود أخيها. ·?وهذا القول تدل علية قواعد الفرائض كما قال العلماء حتى من قال بالقول الآخر. ·?القول الثانى:- قالوا هذا استحسان. والاستحسان هو قياس عله خصت بالنسبة لقياس ظاهر متبادر. أو يقال وهو أفضل قياس خصت علية بالنسبة لقياس ظاهر متبادر.

ومثل له الحنفية بالسؤر من سباع الطير فالظاهر أنه نحس تبع للحمة فهل لحم فهل تلحقه سباع البهائم التي سؤرها بخس أم نلحقه بسؤر والآدمي فى سورة طاهر بالاجماع. فقالوا الآن لعابة يكون في منقاره فهو أشبه بالآدمى وعلى هذا يكون أشبه بالآدمى ويكون سؤره طاهر وهذة هى العله الخفية. وهو الذى يسمى بالاستحسان. ويمثل علية ايضاً الحنفية ببيع التعاطى وهو دون إيجاب أو قبول لأنه حصل قصور الإيجاب والقبول وهو الرضا. توجية دليل الاستحسان عند من قال بهذا القول:- 1- يقولون لو كان ولد الأم بعضه ابن عم لشارك الأخوة لأم بقرابة الأم فورثا معهم بهذة الجهة وإن سقطت عضويتة التى هى جهة ابن عم، قالوا فالأخ الشقيق أولى من ابن عم قالوا فإذا بطل الإرث من جهة الأب فلا يبطل من جهة الأم. أخ لأم ... 1/3 ... 1 أخ لأم ابن عم ... ع ... 2 أخ لأم ... 1/3 ... 1 أخ لأم ابن عم ... 1/3 ... 1 عم ... ع ... 1 وهذا القول على وجاهتة يمكن الرد عليه: فيقال بالنسبة لابن العم أن قرابته يمكن تفريقها، أما بالنسبة للأخ الشقيق لا يمكن تفريقها، لأن الأخ الشقيق لا يكون إلا إذا أدلى بأب وأم، أما ابن العم فيمكن أن يكون ابن عم وليس أخ لأم، ويمكن أن يكون أخ لأم وليس ابن عم. 2- قالوا هذة المسأله المشركة فريضة جمعت ولد الأبيوين (الأخوة الأشقاء) كما جمعت أولاد الأم (الأخوة لأم) وهم كلهم من أهل الميراث، فإذا ورث الأخوة لأم فيجب أن يرث الأخوة الأشقاء كما لو لم يكن فى المسألة زوج لأنه لو لم يكن فى المسألة زوج الأخوة الأشقاء قطعاً وجزماً. 3- قالوا الإرث موضوع لتقديم الأقوى على الأضعف وأدنى أحوال الأقوى بالميراث مشاركته للأضعف، أما سقوط الأدنى بالأضعف فلا وجود لذلك فى الميراث. وهنا الأخوة الأشقاء يدنون بأب وأم فكيف يسقطون ويرث الأخوة لأم، مع أنهم يشاركونهم فى الأم. قال بعض العلماء "هذة وساطة وليجة وعبارة صحيحة".

وهذا القول الثانى رده الإمام ابن تيميه بشدة وتبعه تلميذه ابن القيم فى أعلام الموقعين فقالا "إن هذا باطلاً حساً ومعناً وباطلا شرعاً" يقصد بذلك قول زيد هب أن أباهم حماراً يا أمير المؤمنين فقالا إن هذا باطل حساً وشرعاً". أما حساً فلو كان أباهم حمار لكانت أمهم اتاناً وأما اذا كان المقصود أن أباهم وجوده كعدمة، قالا هذا باطل لأنه كيف نجعل الموجود كالمعدوم. أما شرعاً فهذا باطل أيضاً لأن الله حكم فى ولد الأبوين بخلاف حكمة فى ولد الأم، فتشريك ولد الأبوين "والأخوة والأشقاء" مع الأخوة لأم ظلماً وأخداً للحق من صاحبه. ثم ذكر الإمام ابن تيمية وأما الحديث الثابت والمروي عن زيد رضى الله عنه وأن النبي قال أفرضكم زيد، ويقول الإمام ابن تيميه هذا حديث ضعيف لا أصل له ولم يكن زيد معروف على عهد النبى بالفرائض. وقال الشيخ وهذا الكلام باطل لأن هذا الحديث رواه الإمام أحمد ت د جه حب كم صح الذهبى هـ ك د لس القوى عن أنس قال رسول الله (أرحم أمتى بأمتى أبو بكر وأشدهم فى أمر الله عمر وأصدقهم حياءً عثمان وأقضاهم على وأقرؤهم لكتاب الله أبى بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وما أظلت الحضراء ولا أقلت الغبراء على رجل أصدق ذى لهجة من أبى ذر أشبه عيسى فى روعه، إلا وإن لكن أمة أميناُ وأمين هذة الأمة عبيدة بن الجراح) وقال الحافظ فى الفتح صـ 12 صـ 20 هذا حديث حسن. تنبيه لو وجد أخت لأب فى المسألة المشركة لا يفرض لها بالاتفاق وقد وهم ذلك بعض القضاة والمشايخ فى القرن العاشر الهجرى، كما نقل ذلك صاحب العذب الفائض قال (قال سبط المارديني عن كشف الغوامض "وهو محمد بن أحمد الدمشقي"أخطأ بعض المفتيين ففرض للأخت لأب أو للأختين لأب وأعال المسألة لأنه لما ألغيت قرابة الشقيق من جهة الأب فلا عجب الأخوات لأب قال سبط الماردينى ولا أعلم لهم سلفاً فى ذلك وهو قول مخترع فاسد. باب الجد والاخوة:

قبل الشروع فى هذا المبحث لابد من معالم سبعة يجب ضبطها وهى:- 1- يراد بالجد هنا الجد الصحيح وهو الذى يدلى بذكر منهما علا فخرج بذلك الجد الفاسد وهو الذى يدلى بأنثى. 2- يراد بالأخوة الأخوة الذين يدلون بذكر سواء كانوا أشقاء أو لأب أما الأخوة لأم فلا يرثون مع الجد إجماعاً، ثبت فى عبد الرازق، ابن أبى شيبة، سعيد بن منصور، عن الإمام الشعبى قال لم يكن أحد من أصحاب رسول الله يورث أخاً لأم مع الجد وفى بعض روايات الاثر (من زعم أن أحداً من أصحاب النبي ورث أخاً لأم مع الجد فقد كذب) . 3- لا يلحق بالأخوة أبناءهم بالاتفاق، فأبناء الأخوة أشقاء أو لأب محجوبون بالجد، ثبت فى مصنف عبد الرازق عن الإمام الثورى قال"لم يكن أحد يورث ابن أخ مع جده". وفى هـ ك قال كان عبد الله بن مسعود لا يورث ابن الأخ مع الجد وفى مصنف ابن أبى شيبة سئل ابراهيم النجعي فى رجل مات ورتك جده وابن أخيه لأبيه وأمه فقال المال للجد فى قضاء على وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت. 4- يراد بالأخوة مع الجد الأخوة الأشقاء أو الأب سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً ومختلطين ويراد بهم إذا وجدوا واجتمعوا مع الجد أما إرث كل منهم على سبيل الانفراد فقد تقدم. 5- أخِرَ مبحث الجد والأخوة عن مبحثي التعصيب والحجب لصلة وعلاقة مبحث الجد والأخوة بكل منهما. 6- الجد الصحيح وإرث إجماعاً ولا يحجبه إلا ذكر متوسط بينه وبين الميت فكل ذكر دونه بينه وبين الميت يحجبه. 7- ينزل الجد منزلة الأب إجماعاً فى الميراث والحجب فيرث الجد ما يرثة الأب ويحجب ما يحجبه الأب إلا فى أربع مسائل: المسألة الأولى والثانية: فى العمريتين أو الفراوين أو الفرعيتين:- أماتت عن. زوج ... 1/2 ... زوج ... 1/2 ... زوجة ... 1/4 ... زوجة ... 1/4 أم ... ع ... أم ... 1/3 ... أم ... ع ... أم ... 1/3 أب ... ع ... جد ... ع ... أب ... ع ... جد ... ع ففى المسألتين لا يترك الجد منزلة الأب، وسوف تأخد الأم 1/3 كل المال لعدم وجود فرع وإرث لعدم وجود جمع من الأخوة.

المسأله الثالثة: أم الأب مهما علت تحجب بالأب مهما علت عند المذاهب الثلاثة باستثناء الحنابلة أم الجد فلا يحجبها بالاتفاق. المسأله الرابعة: الجد مع الأخوة لا يحجب الجد الأخوة من يورثون الجد مع الأخوة وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة أما الأب فيحجب الأخوة بالاتفاق. تحذير السلف من التسرع فى القضاء فى مسألة الجد والأخوة:- ثبت كما فى، عبد الرازق، هـ ك، سعيد بن منصور عن شيخ بن مراد وجميع رجال الإسناد ثبات إثبات إلا هذا الشيخ فهو فى حكم الجهال والشيخ أحمد شاكر فى تعليقة على المسند يقول: يعتبر المجهولين من التابعين إذا لم يعلم فيهم جرح فى حكم الذكورة وهؤلاء كما ذكروا وسموا، ولفظ الأثر عن شيخ بن مراد قال سمعت علياً يقول (من سره أن يتعقم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والأخوة) . يتقحم بمعنى يدخل ويقتحم. جراثيم جهنم أى قعرها. وفى مى جاء رجل الى علي فسأله عن فريضة فقال (اذا لم يكن فيها جد فهاتها) وثبت في عبد الزارق صـ 10 عن ابن عمر أنه قال (أجرؤكم على جرائيم جهنم أجرؤكم على الجد) . وقد روى هذا مرفوعاً لكنة مرسل بسند صحيح رواة سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب قال رسول الله (أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار) والسبب فى تحذير السلف من التسرع فى القضاء فى مسائل الجد أنه لم يرد فى القضاء بين الجد والأخوة قضاءاً عن النبي وما ورد فى القضاء بين الجد والأخوة قضاءاً عن النبي وما ورد بين قضاء فى الجد من قبل النبي فهو قضاء مهم لا يعلم من الورث بعض القضاء الذي ورد عن النبي فى الجد والأخوة وهو مهم لا يفيد شيئاً:- 1. ثبت فى مدادات، وقال حسن صحيح، ن ك، شيبه، هـ ك، عن عمر أن بن الحصين أن رجلاً جاء الى النبي فقال (إن ابن إبني مات فما لى من ميراثه فقال له النبي لك السدس) . فلما ولي دعاه فقال: لك سدس آخر. فلما ولي دعاه فقال: إن السدس الآخر طعمه.

قال أبو داود فى سننه قال قتادة: فلا يدرون مع من من الورثة قال قتادة: أقل شيء ورث الجد السدس ولكن لا يدرون مع من. 2. ثبت فى مد، د، جه، ن ك، هـ ك، كم صح، شيبة، سعيد بن نصور أن عمر بن الخطاب سل الناس فقال أيكم يعلم ما ورث رسول الله الجد. وفى رواية: أن عمر ناشدهم فقال من سمع رسول الله ذكر فى الجد شيئاً فليخبرنا فقام مفقعل بن يسار فقال: أنا شهدته ورث السدس فقال عمر مع من؟ قال: لا أدرى قال فما تعنى اذاً. وثبت فى سعيد بن منصور أن عمر لما سأل أصابة أربعة من الصحابة كل واحد بجواب مختلف (مقال الأول شهدت النبي أعطاه 1/6 ماله فقال عمر ماذا معه من الورثة، قال لا أدرى قال لا وريث. فقام آخر فقال شهدت النبي أعطاة 1/3 ماله قال مع من من الورثة؟ قال لا أدرى قال لا وريث. وقال ثالت فقال أنا شهدت أعطاة النبي 1/2 ماله فقال مع من من الورثة قال لا أدرى قال لا وريث. وقام الرابع فقال أنا شهدت النبي أعطاه المال كله قال مع من؟ قال لا أدرى قال لا وريث. قال الشيخ: لا يوجد قضاء صريح ثابت عن نبينا يفصل أحوال الجد مع الأخوة ولذلك ورد فى طبس والأثر رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي إلا أن سعيد بن المسيب اختلف فى سماعه من عمر والأثر عن سعيد عن عمر قال (سألت النبي كيف قسم الجد قال ما سؤالك عن ذلك يا عمر إننى أظنك نجوت قبل أن تعلم ذلك قال سعيد بن المسيب: فمات عمر قبل أن يعلم ذلك. خلاصة الاقوال فى إرث الجد مع الأخوة قولان معتبران:- القول الأول: أم الجد ينزل منزلة الأب. هذا القول قاله أبو بكر الصديق وثبت عنه وقضى به وقد بوب البيهقي فى السنن باباً يشير إلى هذا فقال باب (من لم يورث الأخوة مع الجد) وقضاء أبى بكر ثبت عنة فى مى، هـ، شيبه، سعيد بن منصور عن أبى سعيد الخدرى قال (إن أبا بكر جعل الجد أباً) .

قال الحافظ فى الفتح صـ 12 إسناده صحيح على شرط مسلم وثبت ذلك أيضاً فى مصنف ابن أبى شيبه وفى سنن الدارمى عن أبى موسى الأشعري بسند صحيح، وثبت ذلك أيضاً فى مى، هـ ك ’ سعيد بن منصور بإسناد عن عثمان بن عفان (إن أبا بكر جعل الجد أباً) . وفى بعض روايات أثر عثمان (إن أبا بكر جعل الجد أباً إذا لم يكن دونه أب) . وثبت ذلك عن عبد الله بن الزبير كما فى مى هـ شيبة، خ قال كتب عبد الله بن الزبير إلى أهل العراق عندما سألوه عن إرث فقال (إن الذى قال فيه رسول الله لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذته خليلاً جعل الجد أباً) . ورواه أيضاً مى، مد، كم، هـ ك، سعيد بن منصور، خ فى صحيحه فى آخر باب إرث الجد مع الأخوة عن ابن عباس وقال مثل ما قال عبد الله بن زبير. ونقله أيضاً عمر كما فى سنن سعيد بن منصور قال: كتب عمر إلى أبى موسى الأشعري (أن اجعل الجد أباً فإن أبا بكر جعل الجد أباً) . وهذا القول الذى قال به أبو بكر لم يخالفه فيه أحد مدة خلافته وقد أشار إلى ذلك البخاري فى صحيحه فى باب (ميراث الجد مع الأب والأخوة) معلقاً بصيغة الجزم وقال أبو بكر وابن عباس وابن المزيد (الجد أب) . وقرأ ابن عباس (يابنى أدم) (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل ويعقوب) . فالله سمى الأجداد البعيدين أباءً. قال البخاري: ولم يذكر أن أحداً خالف أبا بكر فى زمانه. وقال البخاري: قال ابن عباس (يرثنى ابن ابني دون إخوتى ولا أرث أنا ابن ابني) . قال البخارى: ونقل عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقوايل مختلفة) .

قال الحافظ: وكأن البخارى يريد بذلك تقوية صحة القول المذكور لأن الإجماع السكوتى حجة وهو حاصل فى هذا عم قال وممن جاء عنه التصريح بأن الجد يرث ما كان يرث الأب منهم معاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو موسى الأشعري وأبى كعب وأبو هريرة وعائشة قال ونقل عن عمر وعثمان وعلى وابن مسعود. على إختلاف عنهم قال ونقل عن التابعين ممن قال بهذا عطاء وطاووس وعبد الله بن عتبة وقال به أبو الشعثاء وشريح الشعبي ومن فقهاء الأمصار عثمان البتى وأبو حنيفة وإسحاق وداود وقال به أبو ثور والمزنى سريج من أئمة الشافعية، وهذا القول منقول رواية عن الإمام أحمد ولكن المذهب على خلافه. وقد تحمس لهذا القول ودافع عنه عبد الله بن عباس كما ثبت ذلك فى سنن مسعد بن منصور، هـ ك، مى، (أن ابن عباس كان يقول الجد أب) . وزاد سعيد بن منصور (من شاء لا عنته عند الحجر الأسود) ثم تلا (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب) . وفى سنن الدرامى (لو درت أن من خالفنى تلاعن الحجر الاسود أينا أسوء قولاً) . انتصر لهذا القول أيضاً الإمام ابن القيم وقرره فى عشر صفحات فى إعلام الموقعين صـ 1 صـ 374: صـ 382 قرره من عشرين وجهاً وقال أن القرآن يدل بقول الصديق ومن معه من الصحابة الكرام وعدد أربعة عشر صحابياً قالوا بهذا القول. أدلة من يجعل الجد أباً ولا يجعل للأخوة شيئاً كما لو أن هناك أب.... وحجج هؤلاء كثيرة يمكن أن تحمل فى عشرة أدلة وهى:- 1- إن الجد سمي فى الشريعة أباً كما سمي ابن الابن ابناً فكما أن ابن الابن يأخد أحكام الابن فينبغي أن يأخد أب الأب أحكام الأب فالأبوة والبنوة من الأمور المتضايقة لا يثبت أحدهما إلا بثبوت ما يقابله، فإذا ثبتت البنوة لابن الابن ثبت الأبوة لأبى الأب وهو الجد فكما أن ابن الابن يرث الجد وإخوته ينبغي للجد أن يرث ابن الأبن دون إخوته ولذلك قال عمر فى قوله الأول لزيد (كيف يرثنى أولاد عبد الله دون إخوتى ولا أرثهم دون إخوتهم) .

قال ابن القيم فى الإعلام صـ 1 وهذا القياس الجلي والميزان الصحيح الذى لا مغمر فية ولا تطفيف. ويمكن أن يجاب عن هذا القول بإختصار من أصحاب القول الثاني أن أبوة الجد ثابتة لكنها أبوة مجازية ليست حقيقية فهي من باب النسبة والتعريف لا من باب ثبوت جميع الأحكام التى تثبت للأب والدليل على هذا أن الجدة تسمى أماً ولا تأخد الجدة أحكام الأم بالاجماع. 2- قالوا إن ابن الابن نازل منزلة الابن فى حجب الإخوة فليكن الجد نازل منزلة الأب فى حجبهم أيضاً وهذا ما أشار اليه ابن عباس فقال: ألا يتق الله زيد يجعل ابن الابن ابناً ولا يجعل أبا الأب أباً ثم قال كما ورد فى صحيح البخاري (يرثنى ابن أبي دون إخوتى ولا أرث أبا ابن ابنى) . ومما نقرر الوجة الثاني أننا أجمعنا أن الجد ينزل منزلة الأب فى حجب الإخوة لأم لأن الورثة ليسوا كلالة، فكما أن الجد حجب الإخوة لأم لأن المسألة ليست كلالة فينبغي للجد أن يحجب الإخوة الأشقاء، لأن الإخوة الأشقاء يحجبون بالفرع الوارث مطلقاً فينبغي للجد وهو أصل وارث أن يحجب الإخوة مطلقاً قال ابن القيم فى إعلام الموقعين صـ 1، صـ374 كما يخرج ولد الواد الإخوة عن الميراث ويخرج المسألة عن الكلالة وكذلك الجد. تنبية (الإخوة لا يحثون الا اذا كانت المسألة كلالة) . وقد أصاب أصحاب القول الثانى عن هذا القول كما فى العذب الفائض صـ 1، صـ 107 قالوا إنه الجد يختلف عن الأب فى هذة المسألة ووجه الاختلاف أن الإخوة الأشقاء أو الأب يحجبون بالأب لأنهم يدلون به ولكنهم لا يدلون بالجد حتى يحجبوا به فإن قيل أن المسألة كلالة نقول نعم ولكن هذة المسألة لها حكم خاص لأن هذا الجد أب أبعد فيختلف عن الأب الأقرب، فقرابة الجد والأخ الشقيق للميت متساوية فهذا أب أب وهذا ابن أب وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي لأحدهما أن يسقط الآخر.

3- الجد أقوى من الأخ والأقوى ينبغي أن ينفرد بالميراث ووجه القوة فية أنه يشارك الأخ فى الإرث ولكنه ينفرد بولاية النكاح فيحل محل الأب وينفرد بالولاية على المال وينفرد بإسلام ابن ابنه تبعاً للجد وينفرد بسقوط القطع عنه فى السرقة فلو سرق الجد من مال ابن ابنه فلا تقطع يده ولو سرق الأخ لقطعت يده، وينفرد بسقوط القضاء عنه وينفرد بعدم دفع الزكاة إليه، فهذة الأحكام تثبت للجد ولا تثبت للأخ، فالجد شارك الأخ فى الإرث ولكنه انفرد بهذه الأحكام فدل على أن قرابته أقوى. 4- الجد يحجب الإخوة لابد بالإجماع لأن المسألة ليست كلالة، فلو قام الجد مقام الأخ الشقيق لما حجب الإخوة لأم ولو نزل الأخ الشقيق منزلة الجد لحجب الإخوة الأم، وهذا يدل على أن الجد أولى بالإرث من الأخ الشقيق. قال ابن القيم فى الإعلام: وهل هذا إلا محض تفريق بين ما جمع الله بينه لأن إليه سمي هؤلاء كلالة وهؤلاء كلالة، ولقد أجمعنا على أن الأخ لأم لا يرث مع وجود الجد لأنه ليس بكلالة، فكيف أنت تنزل الجد منزلة الأخ الشقيق، وعليه ينبغي أن يحجب الإخوة لأم جميعاً بالجد لأنهم ليسوا كلالة بوجود الجد وإلا بعد ذلك تتناقض. وهذا الدليل يمكن أن يجاب عنه كما قال صاحب العذب الفائض لا يلزم أن يساوى الجد الأخ الشقيق فى جميع الأحكام، فلا يلزم ذلك فهو ساداه فى بعض الأحكام فلنقتصر عليها وهى فى توريث الجد مع الإخوة. 5- الجد إما أن يكون كالأخ الشقيق فيلزم لذلك أن يحجب الجد بالإخوة لأب، وإما أن يكون بمنزلة الأخ لأب فينبغي أن يحجبه الأخ الشقيق وإما أن يكون دونهما فينبغي أن يحجبه الأخ الشقيق، والأخ لأب وإن قد عطلت هذة الاحتمالات الثلاثة بالاتفاق تعين أن يكون الجد فوقهما وأعلى منهما ينبغي أن يحبجهما، وهذا تقرير شيخ الفرضين الإمام ابن اللبان.

الامام ابن اللبان ترجم له الذهبى فى السير صـ 17، صـ 217 فقال إمام الفرضين فى الآفاق (أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الشافعي) قال الخطيب فى تاريخ بغداد صـ 5، صـ 472 ثقة انتهى إليه علم الفرائض والمواريث فلم يكن فى وقته أعلم بذلك منه وقال السبكى فى طبقات الشافعية صـ4، صـ 154 نقلاً عن ابن اللبان إنة كان يقول ليس فى الدنيا فرض إلا من أصحابي أو من أصحاب أصحابي أولا يحسن شيئاً وتوفى سـ402 هـ رحمة الله. قال صاحب العذب فى الرد على هذا القول فى صـ 1، صـ 107 أجبت بأن الجد كالإخوة لا معنيين بل فى جنس الإخوة بل فى جنس الإخوة من الاب، وإخوة الأم فى الشقيق غير معتبرة لحجبها بالجد. قال الشيح وهذا الرد ضعيف متكلف. 6- قالوا من المجمع عليه عند المسلمين أن الابن يسقط الإخوة دون الجد فكيف يسوى الجد بهم، وهذا يدل على أن الجد أقوى فينبغي أن يتقدم عليهم. 7- نسبة الإخوة إلى الجد كنسبة الأعمام إلى أبى الجد لأن الأخ ابن الأب والعم ابن الجد وإذا كان كذلك إذن أبو الجد كأنه أخ مع جد، وأبو الأب أخ مع جد. وإذا اتفقنا على أن العم لا يرث مع وجود أب الجد فينبغي أن نقول الأخ لا يرث مع الجد. قال ابن القيم: ... وهذا ابن أبى القياس وإن لم يكن هذا القياس جلياً فليس فى الدنيا قياس جلي. توضيح الصورة: مات وترك ... مات وترك إخوته ... ابن أب ... عمه ... ابن الجد وجده ... أبو الأب ... عمه ... ابن الجد وفى الصورة الثانية العم محجوب بالاتفاق وغذا كانت النسبة واحدة فلم تورث الإخوة مع الجد وتحجب العم بوالد الجد. قال ابن القيم فى تقرير القول السابع صـ 1، صـ 573. أنتم لو ورثتم الإخوة مع الجد لصاح ابن الأخ ورثوني مع أب الجد لأننى ابن ابن أبيه وذلك أبو أب أبيه وهى هى. قال ابن القيم وابن الاخ محجوب بالاجماع مع أبى الجد، فلم ورثتهم الأخ مع الجد وحجبتم ابن الأخ مع ابى الجد والقسمة واحدة وهذا يدل على تناقض قولكم.

8- الحديث الصحيح الذى هوة عمدة فى توريث العصبات يدل على تقديم الجد على الإخوة والأخوات (الحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فالأولى رجل ذكى) . مثال على تطبيق الحديث يوضح تقديم الجد على الأخ: ماتت عن القول الأول ... القول الثاني زوج ... 1/2 ... 1/2 أم ... 1/3 ... 1/3 جد ... ع1/6 ... 1/6 أخ من أب ... م وهذة الصورة متفق عليها عند أصحاب القولين، فعند أصحاب القول الثانى أن الجد له الأحظ من أمور ثلاثة المقاسمة أو 1/3 الباقى أو 1/6 كل المال، والأخ فى الحالتين فى المسألة المتقدمة لن يأخد شئياً فلو كان الأخ أقوى لأخد الباقي ولو كان فى درجة الجد لقاسمه. قال ابن القيم: هذا الدليل وحدة كاف فى نقض قولهم. 9- الإجماع السكوتي فى عهد الصديق وقد أشار إلى ذلك البخاري فقال (لم يذكر أن أحداً خالف أبا بكر فى زمانه وأصحاب النبي متوافرون) . 10- هذا القول واضح منضبط لا غموض فيه ولا إشكال، أما القول الثاني فالأقوال فيه متعددة متناقضة لا دليل عليها لا من نص ولا إجماع ولا قياس له اعتباراً وهذا ما يرجح القول الأول الذى هو قول مضبوط منتظم لا إشكال فيه. باب مشاركة الإخوة للجد فى الميراث: المبحث الاول:- اختلاف القائمين بتوريث الجد فى كيفية توريثه، بل اختلفت أقوال الواحد منهم الى أقوال مختلفة متناقضة متباينة متعارضة. ثبت فى عبد الرازق، شيبة، ابن مسعود، هـ ك، يزيد بن هارون فى كتاب القاس أبو جعفر الرازي فى فوائده عن عبدة السلماني وابن سيرين قالها (لقد حفظ أبو جعفر قضية فى الجد والإخوة قضى بها عمر مختلفة ينقض بعضها بعضاً) وسنده صحيح ورواه فى صـ 2.صـ 351 عن عبيدة السلماني (أنى لأحفظ فى الجد والإخوة ثمانين قضية مختلفة ينقض بعضها بعضاً) . قال الشيخ وهل هذة الأقضية المختلفة وعددها للتحقيق أم للمبالغة:- ·?قال الحافظ فى الفتح ولقد استبعد بعضهم هذة النسبة. ·?قال البزار الاختلاف فى تلك الأقضية لاختلاف حال من يرث مع الجد قال الشيخ وهذا تأويل باطل مستنكر.

·?قال صاحب العذب صـ 1 صـ 105 هذا من باب المبالغة. ·?قال الشيخ والذي يظهر لى أن الأمر على حقيقة قد ثبت عن عمر فى الكتب المتقدمة أنه قال (إنى قضيت فى الجد والإخوة قضايا مختلفة لم آل فيها عن الحق) وقال أيضاً (والله لإن عشت إلى الصيف لا تيقن فى الجد والإخوة بقضية تقضي به المرأة وهى على ذيلها) . بعض الأقضية المختلفة التى ورث عن عمر بن الخطاب:- ... القضاء الاول: تنزيل الجد منزلة الأب. ثبت بن سعد، سعيد بن منصور صـ 1، صـ 46، قال كتب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعري (أن أجعل الجد أباً فإن أبا بكر كان يجعل الجد أباً) . القضاء الثانى: ثبت فى عبد الرازق، هـ ك، عن الشعبى. وقال البيهقى وهذا سند مرسل جيد الإسناد والأثر رواه سعيد بن منصور عن سعيد بن جبير قالا: مات ابن ابن لعمر وترك جده وإخوته فأرسل عمر إلى زيد فجاء زيد وبدأ يحسب فقال عمر (شعب ما كنت شعباً فلعمرى إنى لاعلم أنى أحق بالإرث منهم) . وفى رواية: شعث ما كنت مشعثاً. وفى رواية: شعب ما كنت مشعباً. وفى رواية قال له علي وزيد ليس لك ذلك يا أمير المؤمنين. قال (لولا أن رأيكما اجتمعا لم أر أن يكون ابنى ولا أكون أباه) ، ثم شرك بن عمر وأحفاده فى المراث. وعمر هو أول جد ورث مع الإخوة فى الإسلام. وفى رواية كان عمر يكره الكلام فى الجد والإخوة حتى صار جداً فقال كان من رأى ورأى أبى بكر أن الجد أولى بالإرث من الأخ وإنه لابد من الكلام فية فأيكم يحفظ قضاءً للنبي فى الجد والإخوة، فقام بعضهم فقال حضرت النبي أعطى الجد الثلث قال مع من قال لا أدري قال لا وريث. فقام بعضهم فقال حضرت النبي أعطى الجد السدس قال مع من قال لا أدري قال لا وريث. ثم قال زيد يا أمير المؤمنين مثل الجد مع الإخوة كمثل شجرة على ساق واحد خرج من ذلك الساق غصن ثم انشعب منه غصنان فإذا تلف أحد الغصنين أين يذهب مائه.

وقال على مثل الجد مع الإخوة كمثل سيل وانشعب منه شعب (وهى الاب) وهى ساقية وهذة الساقية انعشبت منها شعبان فإذا تلفت شعبة فأين يذهب الماء. فكان زيد يجعل الجد أخاً حتى يبلغ ثلاثة هو ثالثهم وكان علي يجعله أخا حتى يبلغ ستة هو سادسهم. وقال زيد وكان رأى أولاً أن الإخوة أولى بميراث أخيهم من الجد كما كان عمر يرى أن الجد أولى بميراث ابن ابنه من إخوته. القضاء الثالث: كان يقول بقول علي فى أول الأمر وهو إعطاء الجد السدس أو المقاسمة. ثبت شيبة، سعيد بن منصور، هـ ك، محمد بن نصر، قال كان عمر وعبد الله بن مسعود يقاسمان بالجد مع الإخوة ما بينه وبين أن يكون السدس خيراً له ثم كتب عمر إلى عبد الله عندما أرسله إلى بلاد الكوفة فقال له: ما أرانا إلا وقد اجحفنا بالجد فإذا جاءك كتابي هذا فقاسم به مع الإخوة ما بينه وبين أن يكون السدس خيراً له. زاد محمد بن نصر فى روايته البيهقى بسند صحيح عن عبيدة السلماني قال ثم قدم علينا علي فأعطى الجد السدس. القضاء الرابع: استقر عمر بعد ذلك على إعطاء الجد الثلث أو المقاسمة أيهما أحظ له وتبعه على ذلك عبد الله بن مسعود. ثبت فى شيبة عن مسروقاً قال: كان بن مسعود لا يزيد الجد على السدس مع الإخوة فقال له مسروق شهدت عمر وقد أعطى الجد الثلث فأعطى عبد الله بن مسعود الجد الثلث. وفى رواية ترك عبد الله رأية ومنع عمر. وثبت فى هـ ك صـ 6 صـ 249 ورواه محمد بن نصر وإسناد صحيح قال: كان علي يعطي الجد الثلث ثم تحول إلى السدس وكان عمر يعطي الجد السدس ثم تحول إلى الثلث. وثبت فى سعيد بن منصور صـ 1 صـ 49 عن شعبة بن التوأم الضبى: قال توفي أخ لنا فى عهد عمر وترك جده وإخوته فأتينا عبد الله بن مسعود ففرض للجد السدس ثم توفي أخ لنا فى عهد عثمان وترك إخوته وجده فأتينا عبد الله بن مسعود ففرض للجد الثلث فقلنا له أما أتيناك فى أخينا الأول ففرضت له السدس فقال إنما نقضي بقضاء أئمتنا. القضاء الخامس:

ثبت فى، عبد الرازق، أن عمر لما طعن قال للصحابة الكرام إنى كنت رأيت رأياً فى الجد والإخوة فإن شئتم أن توافقونى فقال عثمان إن نتبع رأيك فإنه رأى رشد وإن نتبع رأى الشيخ قبلك فلنعم ذو الرأي كان. القضاء السادس: وهو التوقف ثبت فى عبد الرازق، شيبة صـ11 صـ320 عن سعيد بن المسيب قال كتب عمر فى الجد والكلالة كتاباً فمكث يستجير الله زماناً ويقول اللهم إن علمت فيه خيراً فأقضيه، حتى إذا طعن دعا بالكتاب فلا يدرى أحد ما كان فيه ثم قال: إنى كتبت فى الجد والكلالة كتاباً وكنت أستخير الله فيه فرأيت أن أطلعكم على ما كنت عليه. وفى هـ ك عن عمر بن ميمون الأودى قال: شهدت عمر حين طعن فدعا ولد عبد الله فقال: يا عبد الله إئتنى بالكتف التى كتبت فيها شأن الجد بالأمس فلما أتاة بالكتف قال عمر: لو أراد الله أن يتمه لأمته فقال عبد الله: نحن نكفيك هذا يا أمير المؤمنين فقال: لا فأخذ الكتف فمحا ما فيها بيده. وفى عبد الرازق صـ10 صـ262 أنه قال عندما طعن اشهدوا أنى لم أقض فى الجد قضاءً. وفى مد بسند رجاله ثقات كما فى المجمع صـ4 صـ 227 عن عبد الله بن عباس قال أنا أول من أتى عمر حين طعن فقال، ابن عباس أحفظ على ثلاثاً فإني أخاف أن لا يدركني الناس، أما أنا فلم أقض فى الكلالة، ولم استخلف فى الناس خليفة، وكل مملوك لى فهو عتيق. وأما علي فاختلف قوله فى مسائل الجد والإخوة فوافق أبو بكر فى أول الأمر ثم رجع فكان يعطي الجد الأحظ من الثلث والمقاسمة ثم رجع فكان يعطي الجد الأخط من السدس والمقاسمة. وهكذا اختلف قول زيد فكان يرى أولاً أن الإخوة أولى بميراث أخيهم من الجد ثم ذهب إلى توريث الجد مع الإخوة واستقر على مذهب معروف له تبعه عليه المذاهب الثلاثة. وما استقر علية مذهب زيد هو الذى كان عمر فى حياته يوصي به. ثبت فى صـ2 صـ357 عن عمر قال: خذوا من أمر الجد ما اجتمع عليه الناس قال الدرامي يعني قول زيد.

وقد كان كثير من السلف يتوقف فى مسألة الجد والإخوة. ومن جملة من كان يتوقف شريح وهو من القضاة وما قضى فى مسألة فيها جد وأخوات ثبت فى عبد الرازق شيبة عن شريح قال لا أقول فى الجد شيئاً ولما سأل عن إمرأة ماتت وتركت أماً وزوجاً وأخاً شقيقاً أو لأب فقال شريح للأم الثلث وللزوج النصف وأما الجد الأخ الشقيق لا أقول فيها ثم أعادوا فقال الأم لها الثلث والزوج له النصف فأعاد عليه أبو اسحاق السبيعى قال ودخلت عليه مراراً وعنده عامر الشعبى وإبراهيم النخفي وعبد الرحمن بن مسعود فأعدت له المسألة فقال للبعل الشطر وللأم الثلث وتوقف ثم قال ووافقه من كان معه ما جاء أحد بفرضة أعطل بفريضة جئت بها. قال فأتيت عبيدة السلماني ومعه الحارث الأعور فقال إن شئتم نبأتكم بفريضة عبد الله بن مسعود (الذى كان عليه وتركه) فقال للزوج النصف وللأم ثلث الباقي وللجد السدس وللأخ الباقي. زوج ... 1/2 ... 3 أم ... 1/3ب ... 1 جد ... 1/6 ... 1 أخ ش ... ع ... 1 وهذا القضاء شاذ كما قال بن رجب فى جامع العلوم والحكم ولم يقل به أحد من المذاهب الأربعة إلا أبو يوسف. حجج من ورثوا الإخوة مع الجد وهو المبحث الثانى:- وهى عشرة حجج كما يلى:- 1- قالوا أن الإخوة الأشقاء أو لأب من ذكوره وإناث ثبت إرثهم بالنص والإجماع فلا ينبغي حجبهم بأمر مختلف فيه. وقد ذكر هذا ابن قدامة فى المغنى صـ7 صـ 65. 2- الإخوة يستون مع الجد فى سبب الاستحقاق فينبغي أن يتساووا فى الإرث، ووجه الإستواء فى سبب استحقاق الإرث أن يكون كلامامه الإخوة والجد يدلى بالأب فما ينبغي أن يقدم واحد ويمنع الآخر. ولا تنقص قرابة البنوة من قرابة الأبوة إن لم تكن أقوى منها فالأخ ابن الأب والجد أبو الأب، فإذا لم تزد قرابة الأخ على قرابة الجد من أقل تكون مساوية لها.

3- إن الأخ الذى يدلي بأب يعتبر ولداً للأب وهو يدلي به فما ينبغي أن يسقطه الجد أبدأ، لأن أم الأب لا تسقط بالجد بالاتفاق، فالجدة أدلت بأب فما حجبت فكذلك الإخوة يدلون بالأب فلا ينبغي أن يسقطهم الجد، كما فى العذب الفائض صـ 1 صـ 107. 4- إن الأخت التى تدلي بأب فرضها النصف اذا انفردت فحالها كحال البنت وإذا تعددت أختان فأكثر ففرضهن الثلثان، فإذا كان الأمر كذلك فما ينبغي للجد أن يسقط الأخوات كما أنه لا يسقط البنات وقد أشار إلى ذلك الحافظ فى صـ 2 صـ 23. 5- إن الاخ بعصب أخته كالابن بخلاف الجد فلا يعصب الجد الجدة أبداً، فهذا دليل على قوة قرابة الأخ على قرابة الجد. 6- الأخوة والأخوات يرثون كالأولاد من بنين وبنات فرضاً وعضوية بخلاف الجد، فالجد لا يعصب الجدة وليس حاله كحال الإخوة فى ذلك فالإخوة والأخوات ينزلون منزلة الأولاد فى الفرص والتعصب وليس ذلك للجد فلا ينبغي أن يحجبوا بالجد. 7- إن الأخ الذى يدلي بأب يقوم مقام الولد فى حجب الأم من الثلث إلى السدس وليس كذلك الجد فلا يسقطها ولا ينزلها من الثلث إلى السدس، وهذا يدل على قرابة الإخوة وعلى قرابة الجد. وهذا القول أشار إليه الحافظ فى المكان المقدم. 8- فرع الأخ “ابن الأخ “يسقط فرع الجد وهو العم وقوة الفرع تدل على قوة الأصل ذكر هذا صاحب العذب. 9- الأخ ابن أبى الميت والجد أبو ابيه والبنوة أقوى من الأبوة باتفاق الفرضين بدليل أن الابن مهما نزل يحجب عضوية الأب. 10- المثال الذى وضح به حال الإخوة مع الجد فى قول زيد وعلي يقرر هذا القول وإن قرابة الأخ لأخيه إن لم تقدم على قرابة الجد فلا أقل من أن تساويها. المبحث الثالث: كيفية توريث الإخوة مع الجد: حسبما استقر عليه مذهب الجمهور (المالكية – والشافعية - والحنابلة) وهو مذهب زيد رضى الله عنه. الاخوة مع الجد لهم حالتان

الحاله الأولى:- أن يكون الإخوة صنفاً واحداً أى أشقاء أو لأب (ذكور أو إناثاً أو مختلطين) فلهذه الحالة حالتان أيضا وهما:- الحاله الاولى: ألا يكون معهم صاحب فرض. الحاله الثانية: أن يكون معهم صاحب فرض. الحاله الثانية:- أن يكون الإخوة متعددين أشقاء أو لأب ولهذه الحالة حالتان أيضاً:- الحالة الاولى: أن لا يكون معهم صاحب فرض. الحالة الثانية: أن يكون معهم صاحب فرض. الحالة الاولى: أن يكون الإخوة صنفاً واحد وليس معهم صاحب فرض فالجد له الأحظ من أمرين وهما (ثلث كل المال أو المقاسمة) وهذان الأمران لهما ثلاثة أحوال على التفصيل:- أ- المقاسمة تكون خيراً وأحظ للجد من الثلث إذا كان الإخوة أقل من مثلية ففى ذلك خمس صور المقاسمة أحظ للجد وهى: أن يكون مع الجد (أقل من مثلى الجد) . 1- أخت 2- أختان 3- ثلاثة أخوات 4- أخ 5- أخ وأخت ب- تستوى المقاسمى مع الثلث إذا كان الإخوة مثلية وذلك فى ثلاث صور. 1- جد وأربع أخوات. 2- جد وأخوان. 3- أخ وأختان. وهل يخير عن نصيب الجد فى هذه الحالة بالفرضية أو المقاسمة أو يخير الإنسان فذهب أكثر الفرضين بالفرضية أى له الثلث فرضاً والسبب فى ذلك لأن فرض الثلث ثبت لمن له ولادة فالأم تأخدة فى بعض صورها والجد يأخد فى بعض صوره. وقيل نقول بالمقاسمة وقيل يخير الإنسان بين الأمرين ولكن اذا قيل بأحد الأمور الثلاثة يترتيب على ذلك أمران:- الأمر الاول:- على القول بالمقاسمة لا يوجد تصحيح بالمسألة، واذا قيل إن المسألة أصلها ثلاثة سوف تصحح ببعض الصور فى غير صورة وهى الصورة الثانية ماعدا تلك الصور تصحيح. والذى يترتب إذا عبرنا فقلنا له 1/3 كل المال فرضاً أو المقاسمة يختلف عن طريق الأصل والتصحيح ولا يترتب علية أثر. الأمر الثاني:-

لو أوصى الميت بعد إخراج الفرص لأصحاب الفروض بوجود كأن يقول بعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم فثلث مالي صدفة فإن جعلنا للجد 1/3 المال فرضاً نعطى الثلث من الباقى وصية، وإن جعلنا له المقاسمة تلغى الوصية ولذلك ذهب أكثر الفرضين على التعبير بأن نصيب الجد الثلث فرضاً. الحاله الثالثة: الثلث يكون خيراً للجد من المقاسمة إذا كان الإخوة أكثر من ثلث وليس لذلك صورة محدودة فصورها عديدة حسب عدد الإخوة. 5×3=15 جد ... 1/3 ... 1 ... 5 أخ ش ... س ... 4 أخ ش ... س ... 4 أخت ش ... س ... 2 الحاله الثانية:- إذا كان الإخوة صنفاً واحداً ولكن معهم صاحب فرض، فللجد خيراً فوق ثلاثة، له الأحظ والأنفع من أمور ثلاثة وهى:- أولها: المقاسمة. ثانيها: 1/3 الباقى. ثالثها: 1/6 كل المال. فائدة: الوارثون من أصحاب الفروض مع الجد والإخوة ستة أصناف من الورثة وهم زوجان، بنت، وبنت ابن، أم، جدة، والذين يرثون بالفرض من الورثة ثلاثة عشر صنفاً وهم النسوة كلهن إلا المعتقة وعددهن 9 والأخ لأم والزوج والأب والجد. فائدة: اذا لم يكن مع الجد والإخوة صاحب فرض لا ينزل الثلث ويأخد ثلث كل المال وذلك لأمرين هما:- 1- اذا انفرد الجد مع الأم فله مثلها أى له الثلثان ولها الثلث. واذا وجد الجد مع الأم فله والإخوة فإنهم ينزلون الأم من الثلث إلى السدس فينبغي للجد فى هذه الحالة أن ينزل ولكن ليس أقل من الثلث وله فى هذه الحالة ضعف ما للأم. 2- الإخوة الأشقاء أو لأب لا يحجبون الإخوة لأم عن الثلث أبداً فمن باب أولى لا يحجبون الجد عن الثلث لأنه أقوى من الإخوة لأم. فإذا لم يكن مع الجد والإخوة صاحب فرض فلا ينزل الجد عن الثلث أى ثلث كل المال وإذا وجد صاحب فرض يأخد الجد ثلث الباقي وذلك لأمرين:- الأول:- قياساً على العمر تبين (المسألة الفراوية) لأن للأم ولاده وللجد ولاده فبما أن الأم تأخد ثلث الباقي هناك فالجد يأخذ هنا ثلث الباقي لأنه أحظ له.

الثانى:- اذا لم يكن مع الجد والإخوة صاحب فرض لا ينزل عن الثلث فإذا وجد معه صاحب فرض فأعطى لصاحب الفرض فرضه وما بقي نعطي للجد ثلثه. ? واذا كان الثلث الباقي يضره والمقاسمة لا تنفعه ويتضرر بها يتعين أن نعطيه السدس وذلك السدس لأن السدس فرض بالجملة للأب، فإن قيل هو فرض للأب مع وجود فرع وإرث، نقول إن الجد والإخوة لهما حكم خاص. ? وهذة الأمور الثلاثة المقاسة وثلث الباقى وسدس كل المال لها أحوال سبعة وهى:- 1- أن تكون المقاسمة خيراً للجد. 2- أن تكون 1/3 الباقي خيراً للجد. 3- أن تكون السدس خيراً للجد. 4- أن تكون المقاسمة وثلث الباقى مستويان وهما خيراً للجد من السدس. 5- أن تكون المقاسمة وسدس كل المال مستويان وهما خيراً للجد من ثلث الباقى. 6- أن تكون السدس وثلث الباقى مستويان وهما خيراً للجد من المقاسمة. 7- أن يستوي الأمور الثلاثة المقاسة وثلث الباقى والسدس. الحاله الاولى:- المقاسمة تكون أحظ للجد فى الأحوال الآتية:- أولها: اذا كان الفرض أقل من النصف فهو (إما 1/6 أو 1/4 أو} 1/6، 1/4) والإخوة أقل من مثليه وفى ذلك 15 صورة ويمكن أن تحصر فى ثلاث مسائل لكل مسألة 5 صور. أمثله: 1- 2 ×6=12 جدة ... 1/6 ... 2 جد ... س ... 5 أخ ... س ... 5 2- 5×4=20 زوجة ... 1/4 ... 1 ... 5 جد ... س ... 6 أخ ... س ... 6 أخت ... س ... 3 3- 5×12= 60 أم ... 1/6 ... 2 ... 10 زوجة ... 1/4 ... 3 ... 15 جد ... س ... 7 ... 14 3 أخت ... س ... 7 ... 21 ثانيها:- الفرض نصف والإخوة أقل من مثيله (أى أخ - أخ وأخت – وأختان – 3 أخوات – أخت) ولذلك خمس صور فقط. مثال: 3×2 = 6 بنت ... 1/2 ... 1 ... 3 جد ... س ... 2 أختش ... س ... 1 الثالثة:- أن يكون الفرض ثلثان ويلحق به ما يساويه من سدس ونصف ومع الجد أخت واحدة وكذلك صورتان وهما:- 1- 3×3=9 بنتان ... 2/3 ... 2 ... 6 جد ... س ... 1 ... 2 أخت ... س ... 1 ... 1 2- 3×6=18 بنت ... 1/2 ... 3 ... 9 بنت ابن ... 1/6 ... 1 ... 3 جد ... س ... 2 ... 4 أخت ... س ... 2 ... 2 الرابعة: الفرض فوق النصف ودون الثلثين فهو (1/8، 1/2) والإخوة مثل (أى أخ أو أختان أو أخت) فما دونه ولذلك 3 صور:- أمثلة: 2×8=16

زوجة ... 1/8 ... 1 ... 2 بنت ... 1/2 ... 4 ... 8 جد ... س ... 3 ... س أخ ... س ... 3 ... 3 الخامسة: الفرد (1/3، 1/4، /13) ويوجد مع الجد أخ أو أخت ولذلك أربع صور. أمثلة: 1- ... 2- أم ... 1/3 ... 1 ... 1 ... أم ... 1/3 ... 4 ... 12 جد ... س ... 2 ... 1 ... زوجة ... 1/4 ... 3 ... 9 أخ ... س ... 2 ... 1 ... جد ... س ... 5 ... 10 أخت ... س ... 5 ... 5 وعلى هذا تكون المقاسمة أحظ بالجد فى 35 صورة 5 صورة مقدمة عند الحالة الأولى إذا لم يكن مع الجد صاحب فرض والأخوة أقل من مثله يصبح المجموع 34 صورة تقدمت فى الحلة الثانية 29 صورة والصورة الأخيرة هي المسألة الأكدرية. المسألة الأكدرية: وسميت بالاكدرية لعدت أمور: أولها: كدرت على زيد مذهبة والأصول التى وضعها. ثانيها: قيل لأن أقوال الصحابة كدرت فيها أكثر من تكدرها فى مسائل الجد والأولاد. ثالثها: قيل لأن الزوج من بنى الأكدر. رابعاً: لأن السائل من بنى الأكدر. خامساً: قيل لأن المرأة التى ستشارك الجد من بنى الأكدر. سادساً: قيل لأن حصل فيها كدر على الأخت فى فرضها. أركان المسألة الأكدرية: لو تغير ركن واحد منها ليست بالأكدرية زوج-أم-جد- أخت شقيقة أو لأب. 3×9=27 زوج ... 1/2 ... 3 ... 9 أم ... 1/3 ... 2 ... 6 جد ... 1/6 ... 1 ... 8 أخت ... 1/2س ... 3 ... 4 وإذا كان فى المسألة أخ مكان الأخت سقط بالإجماع. ووجه الفرض للأخت فى المسألة الأكدرية لأنه لا يوجد من يحجبها ولما تعزرت المقاسمة فرضنا للجد فرضه وفرضنا للأخت فرضها وبعد أن فرضنا للأخت النصف قال الجد كيف تأخد الأخت أكثر مني ونحن لازلنا منزلة واحدة فنعود إلى مقاعد الفرائض وهو أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فبعد أن فرض للجد والأخت عاد إلى المقاسمة، وهنا المقاسمة خير للجد من السدس. لمحة أو طرفة حول الأكدرية: ·?أربعة ورثوا مالاً أخد أحدهم ثلثه وأخد الثاني ثلث الباقي وأخد الثالث ثلث الباقي وأخد الرابع الباقي. ·?خلفت إمرأة أربعة من الورثة أخد أحدهم ثلث المال وأخد الثاني 2/3 ما أخذه الأول وأخد الثالث 2/3 ما أخده الثاني وأخد الرابع الباقي.

مرت امرأة حبلى فرأت قوماً يقتسمون مالاً فقالت لا تعجلوا إننى حبلى إن ولدت ذكراً فقط لا يرث وإن ولدت أنثى ورثت وإن ولدت ذكرين أو أثنيين أو ذكراً أو أنثى أو أكثر من ذلك ورثوا. فالمسألة هى الأكدرية والمرأة هى زوجة أب الأخت والمتوفاه. الحالة الثانية: 1/3 الباقى خير للجد من المقاسمة ومن 1/3 كل المال وضابط ذلك إذا كان الفرض أقل من 1/2 والأخوة أكثر من ثلثي الجد. 5×4=20 زوجة ... 1/4 ... 1 ... 5 جد ... 1/3ب ... 1 ... 5 أخ ... س ... 4 أخ ... س ... 2 ... 4 أخت ... س ... 2 الحاله الثالثة: السدس متى يكون خيراً من 1/3 الباقى ومن المقاسمة. أولاً: إذا كان الفرض أكثر من 1/2 ودون 2/3 أو بلغ 2/3 والأخوة أكثر من مثله هنا يتعين أعطاء الجد السدس. أمثلة: 3×24=72 ... 2×6=12 زوجة ... 1/8 ... 3 ... 9 ... بنت ... 2/3 ... 2 ... 4 بنت ... 1/2 ... 12 ... 36 ... بنت ... 2/3 ... 2 ... 4 جد ... 1/6 ... 4 ... 12 ... جد ... 1/6 ... 1 ... 2 أخ ... ب ... 5 ... 10 ... أخ ... ب ... 1 ... 1 أخت ... ب ... 5 ... 5 ... أخ ... ب ... 1 ... 1 ثانياً: أن يكون الفرض 1/2، 1/4 ومع الجد مثل فما فوقه فالسدس أحظ للجد. مثال: زوج ... 1/4 ... 3 بنت ... 1/2 ... 6 جد ... 1/6 ... 2 أخ ... ب ... 1 الحالة الثالثة: إذا لم يبق شيء بعد إعطاء ذوي الفروض فروضهم فتفرض للجد السدس وتقال المسألة وإن كانت عائلة تزداد عولاً. ... مثال: بنت ... 2/3 ... 4 بنت ... 2/3 ... 4 زوج ... 1/4 ... 3 أم ... 1/6 ... 2 جد ... 1/6 ... 2 أخ ... ب ... 0 الحالة الرابع: إذا بقى بعد إعطاء ذوى الفروض فروضهم أقل من السدس فنفرض للجد السدس ونحجب الأخوة وتكون المسألة. أمثلة: 12/13 زوج ... 1/4 ... 3 بنت ... 1/2 ... 6 جدة ... 1/6 ... 2 جد ... 1/6 ... 2 أخ ... ب الحالة الخامسة: إذا بقى السدس فقط أخذه ولا يرث الأخوة معه. مثال: بنت ... 2/3 ... 2 بنت ... 2/3 ... 2 أم ... 1/6 ... 1 جد ... 1/6 ... 1 أخ ... 0 ... 0 الحاله الرابعة: أن تستوى المقاسمة مع 1/3 الباقي وضابط ذلك إذا كان الفرض أقل من النصف والأخوة مثليه: مثال: 4 ... 3×12=36 زوجة ... 1/4 ... 1 ... زوجة ... 1/4 ... 9 جد ... 1/3ب أو س ... 1 ... أم ... 1/6 ... 6 أخ ... 1/3ب أو س ... 1 ... جد ... 1/3ب أو س ... 7 أخ ... 1/3ب أو س ... 1 ... أخ ... 1/3ب أو س ... 7 أخ ... 1/3ب أو س ... 7 الحالة الخامسة:

إستواء المقاسمة مع 1/6 كل المال فى حالتين وهما أحظ من 1/3 الباقي وهما: الأولى:- أن يكون الفرض 2/3 ومع الجد مثل من الأخوة. مثال: 6 بنت ... 2/3 ... 2 بنت ... 2/3 ... 2 جد ... 1/6 ... 1 أخ ... 1 الثانية:- أن يكون الفرض 1/2، 1/4 ومع الجد نصف مثله أى أخت. 12 بنت ... 1/2 ... 6 زوج ... 1/4 ... 3 جد ... 1/6 ... 2 أخت ... ب ... 1 الحاله السادسة: يستوي 1/6 مع 1/3 الباقي وهما أحظ من المقاسمة إذا كان الفرض 1/2 والإخوة أكثر من مثليه. مثال: 5×6=30 زوج ... 1/2 ... 3 ... 15 جد ... 1/3 ب ... 1 ... 5 أخ ... ب ... 2 ... 4 أخ ... ب ... 2 ... 4 أخت ... ب ... 2 ... 2 الحاله السابعة: استواء الأمور الثلاثة المقاسمة و1/3 الباقى 1/6 كل المال إذا كان الفرض 1/2 والأخوة مثليه. مثال 6 بنت ... 1/2 ... 3 جد ... 1/6 ... 1 أخ ... ب ... 1 أخ ... ب ... 1 الحاله الثانية: أن يكون الإخوة صنفين (أشقاء أو الأب) ذكوراً أو إناثاً وهذة الحالة لها حالتان:- الأولى: أن لا يكون معهما صاحب فرض والذى نفعله فى هذة الحالة أن نعد الإخوة لأب مع الأشقاء كأنهم صنف واحد لأن جهة الأم فى الشقيق محجوبة بالجد فيدخل الإخوة لأب مع الإخوة الأشقاء فى حساب الفرد على الجد لينقص الجد عن أوامر المقاسمة وأعلاها وأفضلها. أو لينقص عنها إلى الثلث ولا ينزل عن الثلث بحال. فإذا أخذ الجد نصيبه سقط الإخوة لأب وانفرد الأشقاء بالباقي فولد الأب يعتبروا وإرثاً بالنظر إلى الجد ولذلك يزاحمه، ويعتبر محجوباً بالنظر إلى والد الأبوين أى الأخ الشقيق إلا إذا كان ولد الأبوين أختاً واحدة فضل أكثر من النصف فيصرف إلى الإخوة لأب، فالأخت الشقيقة بعد أن تأخد النصف يصرف ما فضل عن النصف إلى الإخوة لأب. وعليه إن كان ولد الأبوين: أولاً: ذكراً أو أكثر فلا يرث الإخوة لأب بالاتفاق. الثانية: وهكذا أيضاً إن كان ولد الأب اثنين لا يرث الأخ لأب. الثالثة: إن كان ولد الأبوين أنثى ولم يفصل عنه نصفها شيئاً وإنما سقط ولد الأب فى جميع الصور الثلاثة المتقدمة لأنه إنما عصبته بنفسه أو بالجد ومن المقرر أن العصبة يأخد ما بقي.

ويرث الأخوة لأب مع أولاده الأبوين عند عدم وجود صاحب فرض معهم فى أربع مسائل وهى:- 1- اذا كان مع الجد أخت شقيقة واحدة ومعهما: أولا: أخ الأب. ثانيا: أختان لأب. ثالثاً: أخ وأخت لأب. رابعاً: ثلاث أخوات لأب. أ) ... ... ... ... 2X5=10 جد ... ... س ... ... ... 4 أخت ش ... 1/2 ... ... ... 5 أخ لاب ... س ... ... ... 1 ... ... ... ... 2 X5=10 X2=20 جد ... ... ... 4 ... ... 8 أخت ش ... 1/2 ... 5 ... ... 10 أخت لاب ... ... 1 ... ... 1 أخت لاب ... ... 1 ... ... 1 ... ... ... ... 3 X8=18 جد ... ... س ... 2 ... 6 أخت ش ... 1/2 ... 3 ... 9 أخ لاب ... س ... 1 ... 2 أخت لاب ... س ... 1 ... 1 ... ... ... ... ... 3 X6=18 جد ... ... ... 2 ... ... 6 أخت ش ... 1/2 ... 3 ... ... 9 أخت لاب ... ... 1 ... ... 1 أخت لأب ... ... 1 ... ... 1 أخت لأب ... ... 1 ... ... 1 وإنما عمد الأخوة لأب مع الأشقاء من أجل أن يترك الجد عن أوفر المقاس أو أن ينزل إلى الثلث ولم يرثوا بعد ذلك إلا فيما استثنى تشبيهاً بالأحوال المقررة الثابتة فى الفرائض وهذه الأحوال يمكن أن توضح فى صورتين:- الأولى:- الإخوة لأم حجبوا لأم من 1/3 إلى 1/6 ولم يرثوا مع وجود الأب وما طرأ على فرض الأم من النقص أخذه الأب، وهنا كذلك الإخوة لأب عدداً مع الأشقاء ولم يأخذوا شيئاً. الثانية: الجد وولاده فيشبه الام فيحجبه أخوان أحدهما وإرث والآخر لا يرث كالأم تماماً. مثال: ... ... ... ... 6 أم ... ... 1/6 ... ... 1 أخ شقيق ... ع ... ... 5 أخ لاب ... م ... ... 0 تنبيه: المعادة (إذا وجد الإخوة الأشقاء والأب مع الجد وليس معهم صاحب فرض) ويراد بها عدا الإخوة لأب مع الإخوة الأشقاء تكون اذا كان الإخوة الأشقاء أقل من مثلي الجد فإذا كانوا مثيليه فلا يلجأ إليها وليس هناك معاده وجميع صورها 13 صورة. 1) اذا كان معه أخت ش واحدة فصور المعادة 5 صور. أأخت لأب. ب أختان لأب. ت 3 أخوات لأب. ث أخ لأب. ج أخ لأب، أخت لأب. 2) اذا كان مع الجد أخ شقيق فصور المعادة 3 صور. أأخت لأب. ب أختان لأب. ت أخ لأب. 3) إذا كان مع الجد شقيقان فصور المعاد 3 صور. أأخت لأب. ب أختان لأب. ت أخ لأب. 4) إذا كان مع الجد ثلاث شقيقات عندنا صورة واحدة. أأخت لأب. 5) إذا كان مع الجد أخ شقيق وأخت شقيقة عندنا صورة واحدة.

أأخت لأب. الحاله الثانية: الأشقاء صنفان ومعهم صاحب الفرض. فعند الأخوة لأب مع الأخوة الأشقاء ونعطى الجد الأحظ من أمور ثلاثة، المقاسمة أو 1/3 الباقى أو 1/6 كل المال. ولكن متى تكون المعادة إذا كان الإخوة صنفين ومعهم صاحب فرض. هناك شرطان للمعادة:- 1) أن يكون الأشقاء أقل من مثيليه. 2) ينبغى أن يفعل من الفرض أكثر من الربع لأنه اذا بقي الربع فما دونه فلا داعي للمعادة والجد سيأخد فرضه وما بقى سيأخذه الأشقاء. والحكم فى هذه الحالة كما تقدم إذا أخذ الجد نصيبه حسبما هو أحظ له إنفرد الأشقاء بالباقي إلا إذا كانت شقيقة واحدة وبقي أكثر من النصف فنفرض للأخت النصف والباقي يرد إلى الأخوة لأب. وصور هذة الحالة 55 صورة، 52 إذا كان الإخوة الأشقاء أقل مثيليه مع أربعة فروض والصور هى: 1) ... ... 6 جد ... ... 1/6 ... ... 1 أخ ش ... ... ... ... 2 أخ لاب ... ... ... ... 0 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 2) ... ... ... ... 5X2=10 زوج ... 1/2 ... 1 ... ... 5 جد ... س ... 1 ... ... 2 أخ ش ... س ... 1 ... ... 3 أخت لأب ... س ... 1 ... ... 0 3) ... ... ... ... ... ... 4 X2=8 زوج ... ... ½ ... 1 ... 4 ... 2 ... ... ... جد ... ... س ... 1 ... 2 ... 1 أخت ش ... س ... 1 ... 2 ... 1 أخت لأب ... س ... 1 ... 2 ... 1 4) 6 X2=12 بنت ... ... 1/2 ... 1 ... 6 ... 3 جد ... ... س ... 1 ... 2 ... 1 أخ ش ... ... س ... 1 ... 4 ... 2 أختان لأب ... س ... م ... م ... م 2- اذا كان الفرض 1/4 والأخوة الأشقاء أقل من مثليه ولذلك 13 صورة. 1- 3 X4=12 زوجة ... ... 1/4 ... 1 ... ... 3 جد ... ... 1/3ب ... 1 ... ... 3 أخ ش ... ... ... 2 ... ... 4 أخت ش ... ... 1 ... ... 2 أخت لأب ... ... 2 ... ... 0 2- ... ... ... 6 X4=24 زوجة ... ... 1/4 ... 1 ... 6 ... 3 جد ... ... ... س ... 3 ... 6 ... 3 3 أخوات ش ... س ... 3 ... 12 ... 6 أخت لأب ... ... س ... 3 ... م ... 0 3- اذا كان الفرض 1/6 فقط والإخوة أقل من مثليه ولذلك 13 صورة. 4 X6=24 ... ... 12 ... جدة ... 1/6 ... ... 1 ... 4 ... ... 2 ... جد ... س ... ... ... 10 ... ... 5 أخت ش س ... ... 5 ... 10 ... ... 5 أخت لأب س ... ... م ... 0 ... ... 0 إذا كان الفرض 1/6، 1/4 والإخوة أقل من مثليه ولذلك 13 صورة. 5 X12=60 ... جدة ... 1/6 ... ... 2 ... 10 ... زوجة ... 1/4 ... ... 3 ... 15 ... جد ... س ... ... 7 ... 14 ... أخت ش س ... ... 7 ... 21 ... أخ لأب س ... ... م ... 0 4- والصور الثلاث المتبقية حتى يصبح عدد إجمالى الصور 55 صورة وهى أن يكون هناك جد أخت شقيقة ولة 3 صور والفرض (2/3 أو (1/2،1/6) أو (1/2،1/8) . أمثلة:- ... ... ... ... ... 6 بنتان ... ... 2/3 ... ... 4

جد ... ... ... 1/6 ... ... 1 أخت ش ... ... ... ... 1 أخ لأب ... ... ... ... م ... ... ... ... ... 2 X6=12 بنت ... ... 12 ... ... 3 ... 6 بنت ابن ... 1/6 ... ... 1 ... 2 جد ... ... س ... ... 3 ... 1 أخت ش ... س ... ... 3 ... 1 أخت لأب ... س ... ... ... م ... ... ... ... ... 3 X8=24 بنت ... ... ... 1/2 ... ... 12 زوجة ... ... 1/8 ... ... 3 جد ... ... ... 1/6 ... ... 4 أخت ش ... ... 1/6 ... ... 5 أخ لأب ... ... ... ... م فائدة:- لا ينبغى لولد الأب بقية بعد نصيب الجد ونصيب الشقيقة (أى فرضها الذى تستحقة) إلا فى مسألة فرضها 1/6 وذلك فى مسألتين بالنظر الى اسم الفرض لأن السدس يأخده جد وجدة وأربع بالنظر إلى من يأخد ذلك الفرض. ... ... ... 6 X6=36 X3=108/54=54 جد ... س ... 1/3ب ... ... 10 ... 30 ... 15 شقيقة ... س ... 1/2 ... ... 18 ... 54 ... 27 أخ الأب ... س ... ... ... ... 4 ... 2 أخت الأب س ... ... ... ... 2 ... 1 أم ... 1/6 ... 1 ... ... 6 ... 18 ... 9 ... ... ... ... ... 3 X6=18 جدة ... ... 1/6 ... ... 1 ... 3 جد ... ... 1/3ب ... ... ... 5 أخت ش ... ... ... 5 ... 9 3 أخوات لأب ... ... ... ... 1 وهاتان المسألتان وهما صاحب فرض 1/6 وجد وأخت شقيقة وثلاثة أبناء إما أخ لأب وأخت لأب فما زاد وأما ثلاث أخوات لأب فما زاد حتى يخرج الجد عن المقاسمة بحيث يستوى 1/3 الباقى والمقاسمة أو يكون 1/3 الباقى أحظ من المقاسمة ولكن بقي أكثر من 1/2 بعد ذلك. فائدة:- لا يفرض للأخت مع الجد إلا فى أربع مسائل تشمل صوراً كثيرة: أولها: الأكدرية وما شاع بين كثير من الفرضين من أنه لا يفرض للأخت إلا فى الأكدرية هذا غير صحيح. ? والضابط الصحيح فى الأكدرية أن نقول: لا يقال للأخت مع الجد إلا فى الأكدرية. ? ويمكن أن يقال: لا يفرض لها مع الجد ويقال لها إلا فى الأكدرية. ? ويمكن أن يقال: لا يفرض لها مع الجد فى غير القبيلتين أى فى أولاد الأبوين وأولاد الأب. الثانية: اذا وجد جد وشقيقة ومعها مثلاها فما زاد ويمكن أن نقول ومعها مثل الجد أو أن يوجد مع الجد شقيقة ومعها أخوة الاب وهم مثلاً الشقيقة أو مثل الجد ففى هذه الحالة يفرض للشقيقة النصف. الثالثة: جد وأخت شقيقة ومعها ثلاثة أمثالها من ولد الأب أو ما يكمل مثل الجد فما زاد مع صاحب فرض الربع لأن هذه الحالة يفرض للشقيقة النصف. ... ... ... ... ... 12 زوجة ... ... 1/4 ... ... ... 3 جد ... ... 1/3ب ... ... ... 3 أخت ش ... ... ... ... 6 أخت لاب ... ... ... ... م

أخ لاب ... ... ... ... ... م يفرض للشقيقة النصف لأن الجد سيأخد 1/3 الباقي أو المقاسمة حال كون مجموع الإخوة مثلي الجد، فإن كان الإخوة أكثر من مثيليه تعين أن يأخد 1/3 الباقي. الرابعة: نفس الصورة السابقة ولمن صاحب الفرض سيأخد 1/6 وهى أم أو جدة أو جدات. ... ... ... ... ... ... 6X6=36 X3=108/2=54 أم ... ... 1/6 ... ... 1 ... 6 ... 18 ... ... 9 جد ... ... س ... ... 5 ... 10 ... 30 ... ... 15 أخت ش ... س ... ... 5 ... 18 ... 54 ... ... 27 أخت لأب ... س ... ... 5 ... 2 ... 4 ... ... 2 أخ لأب ... ... س ... ... 5 ... 2 ... 2 ... ... 1 وفى هذة الحالة الأخت الشقيقة يفرض لها النصف إذا وجد معها ثلاثة أمثالها مع الجد ومعه صاحب فرض 1/6. الزيادات الأربع:- وقيل لها العشرية والعشرينية والتسعمية وسميت بالزيادات الأربع لأن زيد أقضى فيها وسميت مختصرة زيد. العشرية: وقيل لها ذلك لأنها تصح من عشرة. ... ... ... 5 X2=10 جد ... ... س ... 2 ... 4 أخت ش ... س ... 1/2 ... 5 أخت لأب ... س ... ... 1 العشرينية: وقيل لها ذلك لأنها تصح من عشرين. ... ... ... 2 X5=10 X2=20 جد ... ... س ... 1/2 ... 4 ... 8 أخت ش ... س ... 1/2 ... 5 ... 10 أختان لأب ... س ... 1/2 ... 1 ... 2 مختصرة زيد: ... ... ... ... 3X6=18 X3=54 أم ... ... 1/6 ... 1 ... 1 ... 9 أخت ش ... ... ... 9 ... 27 جد ... ... 1/3ب ... ... 5 ... 15 أخ لأب ... ... ... ... 1 ... 2 أخت لأب ... ... ... 1 ... 1 وسميت مختصرة زيد لأنها قاسمت الجد مع الإخوة ستخرج إلى 108 وتختصرها فسميت مختصرة زيد لأنه اختصرها بعد ذلك إلى 54. التسعينية: ويقال لها الرينارية: ويمعنى الفرضيون بعضهم بها فيقولون “رجل مات وخلف ثلاثة ذكور وثلاث إناث وترك تسعين ديناراً فأخدت إحدى الإناث ديناراً واحداً وليس فى التركة دين ولا وصية. ... ... ... ... ... 3 X6=18 X5=90 أم ... ... 1/6 ... ... 1 ... 3 ... 15 جد ... ... 1/3ب ... ... ... 5 ... 25 أخت ش ... 1/2 ... ... ... 9 ... 45 أخ لأب ... ... ... ... ... 1 ... 2 أخ لأب ... ... ... ... ... 1 ... 2 أخت لأب ... ... ... ... باب الحساب أهمية علم الحساب وفائدته:- بالحساب يتحقق العدل وبه يصل صاحب الحق إلى حقه وبه تضبط الأمور على وجه الصواب. ولذلك نوه أئمتنا بفضل الحساب عند باب الحساب من كتب المواريث قال صاحب العذب صـ1 صـ123.

إن فضل الحساب مشهور ونفعه فى غاية الظهور وقد دل القرآن على شرف منزلته وشهد الفصل تمام فصلية ثم سرد أبياتاً من الشعر فقال: إن الحساب من العلوم جليل ... *** ... وعلى دقيقات الأمور دليل فأحرص على علم الحساب فإنه ... *** ... برياضة المستصعيين كفيل لولا الحساب فريضة ... *** ... لم يعلم التحريم والتحليل ويكفى دليلاً على فضله أن الله سيجمعنا يوم الحساب. قال تعالى "وكفى بنا حاسبين". وقال تعالى"الاله الحكم وهو أسرع الحاسبين". ولقد امتن الله على عبادة فان يسر لهم الأمور التى يعرف بها الأيام والشهور فقال تعالى "هو الذى جعل الشمس ضياءاً والقمر نوراً وقدر منازل لتعلموا عدد السنين والحساب". "وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلاً". وقد روي عن النبي أنه دعا لمعادية بن أبى سفيان بأن يعلم الله الكتاب والحساب ولكن في إسناد الحديث لين. رواه البزار طب كما فى المجمع صـ 9 صـ 356، مد صـ4 من رواية العرباص بن سارية أن النبي قال "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب " والحديث جميع رجاله ثفات إلا الحارث بن زياد الشامي وهو من رجال أبى داود والنسائي قال الحافظ فى التقريب لين الحديث ". وقال الهيثمي فى المجمع لم أجد من وثقه ولم يرو عنه غير يونس بن سيف ولذلك حكم عليه الذهبي فى المغني صـ1 صـ141 قال الحارث بن زياد والشامي مجهول لم يرو عنه إلا يونس بن سيف، وهكذا حكم عليه أيضاً فى الميزان صـ 1 صـ433 بأنه مجهول. ومن أسمائه سبحانه “الحسيب” وقد فسر هذا الاسم ربنا ثلاثة أمور كلها ثابتة لربنا سبحانه:- 1- الحسيب هو الكافي ومنه قوله سبحانه (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) . حسبنا الله ونعم الوكيل. 2- ويطلق الحسيب على المحاسب الذى هو ماهر خارق فى الحساب. ومنه قوله سبحانه (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً) أى محاسباً.

3- ويطلق الحسيب أيضاً على الشريف مأخوذة من الحسب ومنه ما ثبت فى مد والكتب الستة الا ت من رواية أبى هريرة أن النبي قال "تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فأظفر بذات الدين تريت يداك". وإنما سمي الشرف حسباً لأن العرب كانوا اذا افتخروا يعدون خصال الشرف والمروءة والاربخية منهم فمن زادت خصاله فى العد ارتفع على غيره فى الحسيب. ومن أسمائه "المحصي". ومن قوله سبحانه "واحصى كل شئ عدداً". ومن قوله سبحانه "احصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد". علم الحساب شريف ليس يحقره ... ... ... ... ... ... إلا غبي جهول فاقد البصر أهل العلوم بأسرها تجلله ... ... ... ... ... ... لا يحتر فيه أهل صحة النظر وكل علم فللحساب مفتقر ... ... ... ... ... ... وما الحساب لغيره مفتقر وحسبه مدحة وصف الاله ... ... ... ... ... ... ... ... ... به لنفسه فى مواضع من السور تعريف علم الحساب الحساب:- هو علم بأصول يتوصل بها إلى استخراج المجهولات العددية ويراد بعلم الحساب فى مبحث الفرائض ثلاثة أمور: 1- تأصيل المسائل. 2- تصحيح المسائل. 3- قسمة التركة على مستحقيها. قال صاحب عمدة الفرائض: حسابها التأصيل والتصحيح ... ... ... ... ... ... لا علمه المشهور والصحيح إن الأصول تسعة فاثنان ... ... ... ... ... ... منها بباب الجد يوجدان أولاً: التأصيل: التأصيل فى اللغة مصدر أصلت العدد إذا جعلته أصلاً والأصل هو ما يبنى عليه غيره، ويراد بالتأصيل عند الفرضين إخراج أقل عدد يخرج منه فرض المسألة أو فرض المسألة بلا كسر. ثانياً: التصحيح: تفعيل من الصحة ضد السقم. والغرض من التصحيح إزالة الكسر من الأنصاء لان الأنصاء إذا لم تنقسم على مستحقيها من الورثة قسمة صحيحة فينبغي تصحيح المسألة فالكسر الذي فى الأنصاء بمنزلة المرض والسقم والفرض الذى يزيل هذا المرض بمنزلة الطبيب وعمله يقال له تصحيح. ومعنى التصحيح عن الفرضين: استخراج أقل عدد يأتي منه نصيب كل مستحق من إرث أو وصية أو دين أو شركة من غير كسر. أصول المسائل وكيفية استخراجها:

أولاً: أصول المسائل فى الفرائض. لهذة المسألة اجتماع واتفاق واختلاف وافتراق. أما الأول:- وهو الاجتماع والاتفاق فيكون فى الأصول السبعة فلا خلاف بين الفرضين فى أنها أصول، بل لا يوجد أصل سواها مطلقاً عنه من لم يرثوا الأخوة مع الجد وهى:- (24،12،8،6،4،3،2) المحل الثاني: وهو الاختلاف والاختراق فى أصلين وهما:- (36، 18) على القول بتوريث الإخوة مع الجد القول الأول: فذهب جمهور القائلين بتوريث الإخوة مع الجد إلى عدم اعتبار هذين أصلين وجعلوها مصحيين، وحجتهم فى ذلك أمران:- أولهما: قالوا مدار الأصول على الفرض المقدرة المذكورة فى كتاب الله وسنة رسوله، وبالنظر إلى الفروض المقدرة فى كتاب الله وهى ستة، لا يمكن أن يخرج معنا (36، 18) الثانى: قالوا أن الأصل لا يختلف فيه ويكفي فى عدم اعتبار هذين العددين أصلين لاختلاف العلماء فيهما والأصل لا خلاف فيه، فالقول إذاً بأنهما مصححان أقوى وأحظ وأسد وأضبط. والقول الثانى: قيل هما اختلاف وعزى هذا القول إلى المحققين من المتأصلين قالوا إن العددين (18، 36) أصلان واعتبروا هذا القول بأمرين اثنين أيضاً وهما:- الأول:- قالوا اتفق العلماء على أن أصل كل مسألة هو أقل عدد يخرج منه فروض المسألة بلا كسر وأقل عددين عندنا فى هاتين المسألتين هما (18، 36) فينبغة أن يكونا هذين العددين اختلاف. الثانى:- قالوا لا يجوز أن نعتبر هذين مصححين لأن التصحيح يكون عندما تنكسر السهام على الرؤوس. فائدة مهمة:- تلزم لاستخراج الأصول والتصحيح فى المسائل الفرضية قال علمائنا الكرام:- الصلة بين الأعداد مختصرة بين أمور أربعة أو نسب الأربعة وكل عددين فرضنا لابد أن تكون بينهم نسبة من نسب أربعة وهى:- 1- التماثل: فمعناه فى اللغة التشابة فى الصور ويراد به عند علماء الحساب تساوي الأعدادات الكمية ويقال للعددين المتماثلين متساويان مثل (2، 2) ، (3، 3) .

2- التداخل: وهو من الدخول ضد الخروج ومعنى التداخل عند الفرضين أن ينقسم أكبر العدين على أصغرهم قسمة صحيحة بلا كسر أو أن يبقى أصغرهما أكبرهما بطرحه منه أكثر من مرة. 3- التوافق: من الاتفاق ضد الاختلاف والافتراق ويراد به عند علماء الحساب أن يقسم العدد بين ثالث مشترك غير الواحد ويقال لهما مشتركان مثل (4، 6) . 4- التباين: وهو التباين وهما عددان متفاضلان ليس بينهما اشتراك قال علماء الحساب كل عددين متتاليين وهو ألا يقسم العددان إلا على الواحد فلا يشتركان في جزء شائع بينهما. يشكل عددين إما أن يتساويا وإما أن يتفاضلاً فإذا تساويا فهما متماثلان، واذا تفاضلا فإما أن تعنى أصغرهما وأكبرهما فهما متداخلان، أولاً يعنى الأصغر الأكبر بل يغنيهما عدد ثالث غير الواحد فهما متوافقان، وإما ألا يغنيها إلا الواحد مهما متباينان. وغير المتباينين مشتركان وعليه العددان إذا كانا متماثلين أو متداخلين أو متوافقين مهما مشتركان، لكن يختلفان فى كمية الاشتراك فالمتماثلات مشتركات بما لاحدهما من الأجزاء. وأما المتداخلان فهما مشتركان بما لأصغرهما من الأجزاء، وأما المتوافقان فهما مشتركان بما لأكبر عدد فيهما من الأجزاء يعنى بإجزاء أكبر العدد الذى يعنيهما. الحكم فى هذه النسب الأربعة:- 1. اذا تساوى العددان وتماثلا نكتفي بواحد منهما. 2. اذا تداخلا العددان أى تناسبا نكتفى بأكبرهما ولا ننظر إلى الأصغر. 3. اذا توافقا العددان أي اشتركا نضرب وفق أحدهما فى كامل الآخر كما هو الحال (6، 8) فنضرب (3 X 8) أو (6 X 4) . 4. اذا تباين العددان واختلفا نضرب كامل أحدهما فى كامل الآخر كما هو الحال فى (3، 8) . استخراج أصول المسائل:- لذلك حالتان:- الحالة الأولى:- أن يكون فى المسألة صاحب فرض أو أصحاب فروض معهم عصبات أولا الحكم واحد. الحالة الثانية:- ألا يوجد فى المسألة صاحب فرض أى كلهم عصبات.

تفصيل الحالة الأولى:- أن يكون فى المسألة صاحب فرض فأصل المسألة لن يخرج عن واحد من سبعة أصول إجماعاً. 1- أصل 2 لهذا الأصل مسألتان وله 7 صور. المسألة الأولى:- أن يوجد واحد فقط من أصحاب النصف ولذلك صور مثال:- ماتت عن ... ... ... ... ... 2 زوج ... ... 1/2 ... ... 1 عم ... ... ... ع ... ... 1 المسألة الثانية: أن يوجد مصفان فى المسألة ولذلك صورتان:- المسألة الاولى:- ... ... ... ... ... 2 زوج ... ... 1/2 ... ... 1 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 1 المسألة الثانية:- ... ... ... ... ... 2 زوج ... ... 1/2 ... ... 1 أخت الأب ... ... 1/2 ... ... 1 ويقال لها بين الصور الصبغتبن ويقال لهما لهما يتيمين لانة لا يوجد نصفان فى مسأله فرضاً الا فى هاتين المسألتين. 2- أصل 3 لهذا الاصل ثلاث مسائل وله 9 صور. المسألة الأولى:- أن يوجد المسألة (1/3) فقط ولذلك صورتان وصورة ثالثة للجد الأخ:- الصورة الأولى:- ... ... ... ... ... 3 أم ... ... ... 1/3 ... ... 1 عم ... ... ... ع ... ... 2 ... ... ... ... ... 3X3=9 3 أخ لأم ... ... 1/3 ... 1 ... 3 عم ... ... ... ع ... 2 ... 6 الصورة الثالثة:- جد يتعين للجد هنا 1/3 3 أخوة ... ... ب المسألة: أن يوجد 2/3 ولذلك 4 صور. الصورة الاولى:- ماتت عن بنتين وعم. الصورة الثانية: ماتت عن بنتى ابن وعم. الحالة الثالثة: ماتت عن أختين شقيقين وعم. الحالة الرابعة: ماتت عن أختين لاب وعم. المسألة الثالثة: أن يوجد (1/3، 2/3) ولذلك صورتان:- الصورة الأولى:- ... ... ... ... ... ... ... ... ... 3X2=6 ... أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 1 ... 1 ... أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 1 ... 1 أخت ش ... 2/3 ... ... 2 ... 2 أخت ش ... 2/3 ... ... 2 ... 2 الصورة الثالثة:- بدل الأختين الشقيقين أختان لأب. أصل 4 لهذا الأصل ثلاث مسائل وله 8 صور. المسألة الأولى:- لأن يوجد (1 / 4) فقط ولذلك صورتان. الصورة الأولى: ... ... ... ... 4 زوج ... ... 1/4 ... ... 1 ابن ... ... ع ... ... 3 الصورة الثالثة: ... ... ... ... 4 زوجة ... ... 1/4 ... ... 1 عم ... ... ع ... ... 3 المسألة الثانية:- أن يوجد (1/4 مع 1/2) ولذلك 4 صور:- الصورة الأولى: ... ... ... ... 4 زوج ... ... 1/4 ... ... 1 بنت ... ... 1/2 ... ... 2 عم ... ... ع ... ... 1 الصورة الثانية:- نفس الصورة الاولى ولكن بدل البنت بنت ابن. الصورة الثالثة: ... ... ... ... 4 زوجة ... ... 1/4 ... ... 1 أخت ش ... 1/2 ... ... 2 عم ... ... ع ... ... 1 الصورة الرابعة:-

نفس الصورة الثالثة ولكن بدل الأخت الشقيقة ضع أختاً لأب. المسألة الثالثة:- أن يوجد فى المسألة (1/4، 1/3 ب فى إحدى العدادين) ولذلك صورتان. الصورة الأولى: ... ... ... ... 4 زوجة ... ... 1/4 ... ... 1 أم ... ... 1/3 ب ... ... 1 أب ... ... ع ... ... 2 الصورة الثانية: ... ... ... ... 4 زوجة ... ... 1/4 ... ... 1 جد ... ... 1/3ب ... ... 1 أخوة أكثر من مثلى الجد ... ... 2 4. أصل 8 لهذة الأصل مسألتان وله 3 صور. الصورة الأولى:- ان يوجد فرض (1/8) فقط. مثل: زوجة ... ... 1/8 ابن ... ... ع المسألة الثانية:- أن يوجد فرض (1/8، 1/2) وله صورتان. الصورة الأولى:- زوجة ... ... ... 1/8 بنت ... ... ... 1/2 عم ... ... ... ع ... الصورة الثانية:- زوجة ... ... ... 1/8 بنت ابن ... ... ... 1/2 عم ... ... ... ع وهذة الأصول الأربعة (2، 3، 4، 8) لا تعول وهى تتردد بين حالتين. الحالة الأولى:- إما أن يلزمها النقض ولا يفارقها وهذا يكون فى أصلين اثنين وهما (4، 8) هذان الأصلان ناقصان، ولا يمكن تساوى الفروض أصل المسألة إلا إذا وضعت عاصياً. والحالة الثانية: إما أن يدخل عليها النقص وليس ذلك بلازم فهى إما عادلة وإما ناقصة وهما (2، 3) والأصول الثلاثة الأخرى (6، 12،24) يمكن أن يكون عادلة أو عائلة أو ناقصة. الأصل الخامس: أصل 6 له 10 مسائل متغير حول وله صور كثيرة:- 1 ... أن يوجد فى المسألة 1/6 فقط وما بقى مثل ... (أم وأخوان ش) 2 ... أن يوجد فى المسألة (1/6، 1/6) وما بقى مثل ... (جدة وأخ الأم وأخ ش) 3 ... أن يقترن فى المسألة (1/6، 1/2) فبينهما تداخل فيكفى بالأكبر مثل ... (بنت وجدة وعم) 4 ... أن يقترن فى المسألة (1/6، 1/3) فبينهما تداخل فيكفى بالأكبر مثل ... (أم، أخوات لأم وعم) 5 ... أن يقترن فى المسألة (1/6، 2/3) فبينهما تداخل فيكفى بالأكبر مثل ... (أم، بنتان، عم) 6 ... أن يقترن فى المسألة (1/2، 1/6، 1/6) فبينهما تداخل فيكفى بالأكبر مثل ... (أخت ش، أخت لأم، جدة) 7 ... أن يقترن فى المسألة (2/3، 1/6، 2/3) فبينهما تداخل فيكفى بالأكبر مثل ... (بنتان وأب وأم)

8 ... أن يقترن فى المسألة (1/2، 1/6، 1/6، 1/6) فبينهما تداخل فيكفى بالأكبر مثل ... (أخت ش وأخت لأب، وأخ لأم وأم) 9 ... أن يقترن فى المسألة 1/2، 1/3، 1/6 فبينهما تداخل فيكفى بالأكبر مثل ... (أخت ش وأم وأخوان لأم) 10 ... أن يقترن (1/2، 1/3 ب) فى إحدى العدادين فى حال وجود الزوج وهى 6 ... ... زوج ... ... 1/2 ... ... ... 3 ... ... اب ... ... 1/3 ب ... ... 2 أم ... ... 1/3 ب ... ... 1 وأما جد وزوج وأخوة أكثر من مثلى الجد فلا تعتبر صورة لهذة المسألة لأن الجد لا يتعين له 1/3 ب. وتستوى له المقاسمة مع 1/3 ب وكذلك إذا كان الأخوة مثلى الجد لأنه سوف تستوي الأمور الثلاثة. 11 أن تقترن (1/3، 1/2) فبين (3، 2) تباين فأصل المسألة 6 مثل (زوج وأخوان لأم وعم) . الأصل السادس أصل 12 له مسألتان بغير يحول ولا يمكن أن يخرج هذا الأصل إلا بوجود نوع من الورثة وهو أحد الزوجين لأن هذا الأصل لا بد من وجود الربع حتى يخرج هذا الأصل. وصور هذة المسائل كثيرة لا تحصى وعدد المسائل 6 مسائل وهى:- المسألة الأولى: أن يوجد (1/4، 1/3) مثل (زوجة وأم وعم) . المسألة الثانية: أن يوجد (1/4، 2/3) مثل (زوج وبنتان وعم) . المسألة الثالثة: أن يوجد (1/4، 1/6) مثل (زوج وأم وابن) . المسألة الرابعة: أن يوجد (1/4، 1/6، 1/6) مثل (زوج وأب وأم وإبن) . المسألة الخامسة: أن يوجد (1/4، 1/6، 1/2) مثل (زوج وأم وبنت وأخ ش) . المسألة السادسة: أن يوجد (1/4، 1/6، 1/3) مثل (زوجة وأم وأخوات لأم) . الأصل السابع: أصل 24 له ست مسائل بغير عول وصورة كثيرة ولابد لخروجه من زوجة وإرثه وهذه المسائل هي:- 1. أن يوجد (1/8، 1/6) كما لو مات عن (زوجة وأب ابن) . 2. أن يوجد (1/8، 1/6، 1/6) كما لو مات عن (زوجة وأم وأب وابن) . 3. أن يوجد (1/8، 1/2، 1/6) كما لو مات عن (زوجة وأم وعم) . 4. أن يوجد (1/8، 1/2، 1/6، 1/6) كما لو مات عن (زوجة وبنت ابن وأم وأخ ش وبنت) . 5. أن يوجد (1/8، 1/6، 2/3) كما لو مات عن (زوجة وبنتى ابن وأم وعم) .

6. أن يوجد (1/8، 2/3) كما لو مات عن (زوجة وبنتى ابن وأخ لاب) . تنبيهات مهمة: التنبيه الأول:- وجه انحصار أصول المسائل فى سبعة أصول، أن الفروض المقدرة الستة حاصل النظر فيما بينهما لا يخرج عن هذه الأصول. التنبيه الثانى:- كل فرض يجوز أن يجمع مع غيره إلا الثمن مع الثلث أو الربع والثمن فى الميراث لا يجامع ثلثاً ولا ربعاً وغير واقع لأن الثمن فرض الزوجة مع الفرع الوارث والربع فرض أحد الزوجين ولا يمكن أن يجمع الزوجين مسألة أبداً. والثلث فرض الأم والأخوة لأم فى حالة عدم وجود الفرع الوارث والزوجة تأخد الثمن فى حالة وجود الفرع الوارث. التنبيه الثالث:- كل فرض من الفروض الستة يمتنع إجتماعه مع مثله إلا فرضين وهما (1/2، 1/6) ففرض النصف يمكن أن يجمع زوج وأخت شقيقة أو لأب والسدس يمكن أن يتعدد أكثر من اثنين مثل أن يجمع أب وأم وبنت وبنت ابن أو أن يجتمع جد وأخ لأم وأخت شقيقة وأخت لأب وعم. التنبيه الرابع:- لا يجتمع الفروض الستة ولا خمسة منها فى مسألة فلا غير المكرر من الفروض ولكن ممكن أن يجتمع أربعة فروض منها فى مسألة ومثال ذلك ما يلى:- جدة ... ... ... 1/6 زوجة ... ... ... 1/4 أخوان لأم ... ... 1/3 أخت ش ... ... 1/2 أخت لأب ... ... 1/6 نعم ممكن أن يجتمع أكثر من أربعة فروض فى مسألة ولكن مكررة. الحالة الثانية:-إخراج أصل المسألة إذا كان الورثة عصبات فقط فأصل المسألة يكون بعدد الرؤوس فقط لأنه لا يوجد فيهن يرثون بالتعصيب مراتب مختلفة ولأنه سيرث صنف واحد فقط من العصبات ومن كان فى جهته ودرجته فإذا اختلفت الجهة لا يرث وإذا الدرجة نزلت لا يرث. مبحث العول: معنى العول فى اللغة:- يأتى بمعنى الزيادة والنقصان والارتفاع والجور والميل والقلبة وبمعنى القيام بكفاية العيال والإشراف عليهم والنفقة عليهم ومعناه عند الفرضين:- زيادة فى السهام نقص من غير مقاديرها وهى الانصياء فهو يحتوى على المعنى اللغوي ففيه كل المعاني إلا المعنى الأخير.

حال الفرائض مع فروضها:- تنقسم الفرائض بالنسبة إلى فروضها إلى ثلاثة أقسام:- 1. عادلة: وهى إذا جمعت فروضها ساوت أصل المسألة يقال لها عادلة. 2. ناقصة: وهى إذا جمعت فروضها نقصت عن أصلها. 3. عائلة: وهى إذا جمعت فروضها زادت عن أصل المسألة. وأصول المسائل باعتبار العول وقسيمته (العدل والنقص) . تنقسم إلى أربعة أقسام:- 1- قسم يتصور فية الأمور الثلاثة (العدل والنقص والعول) وهو أصل 6 فقط يتصور فيه الأمور الثلاثة. 2- قسم لا يكون إلا ناقصاً وهما أصلان (8، 4) لا يمكن أن تساوى الفروض أصل المسألة ولا يزيد عليها. 3- يكون عادلاً وناقصاً وهما أصلان (2، 3) 4- يكون ناقصاً وعائلاً وهما أصلان (12، 24) وعليه يمكن أن يقال:- 1. أصل المسألة يكون عادلاً إذا كان فى هذه الأصول الثلاثة (6، 2، 3) . 2. يمكن أن يكون أصل المسألة ناقصاً ويتصور ذلك فى جميع الأصول ولكن يتعين النقص ويلزم فى أصلين وهما (4، 8) . 3. الأصول العائلة ويمكن أن يكون الأصل عائلاً فى ثلاثة أصول وهى (6، 12، 24) ضابط الأصول التى تعول:- لذلك ضابطان:- الأول:- كل ماله 1/6 صحيح من الأصول السبعة يعول وهى 3 أعداد وهى (6، 12، 24) الثانى:- كل ما كان عدداً تاماً من الأصول يعول، والعدد التام هو إذا جمعت أجزائه الصحيحة غير المكررة تساويه أو زادت عليه يقال له عدد صحيح يعول. الورثة الذين يدخل عليهم العول ويقال لهم:- لا يدخل العول إلا على أربعة واثنين من الرجال وهم:- الأب والجد والزوج والأخ لأم أما بالنسبة للنساء فيمكن أن يدخل العول على جميع النساء إلا واحدة من العشرة وهى المعنفة وهن تسع نسوة. متى وقع العول:- لم يقع العول فى زمن النبي ولا فى زمن أبى بكر، إنما وقع فى زمن عمر وهذا ثابت بالأسانيد الصحيحة.

روى ذلك كم جـ4 صـ 340 بسند صحيح على شرط مسلم أقره علية الذهبي هـ ك حـ 6 صـ 253 والأثر روي مختصراً فى منصور صـ 1 صـ 44 ولفظه الأثر من رواية ابن عباس أنه قال (أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب وأيم الله لو قدم عمر من قدمه الله وأخر من أخره الله ما عالت فريضة فقيل له وأيها قدم الله وأيها أخر فقال ابن عباس كل فريضة لم يهبطها الله عن فريضة إلا إلى فريضة فهذا ما قدم الله وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التى أخر الله كالزوج والزوجة والأم مما قدم الله والذي أخر كلا الأخوات والبنات. فإذا إجتمع من قدم الله ومن أخر بداً عن قدم فأعطى حقه كاملاً فإن بقي شئ كان لمن أخر وإن لم يبق شئ فلا شئ له. وفي رواية ل هـ كـ حـ 6 صـ 253 عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو من التابعين وحديثه فى الكتب الستة توفي سنة 94 وقيل سنة 98 قال دخلت أنا وزفرين أوس بن الحدثان وهو من التابعين ويقال له رؤية على عبد الله بن عباس بعدما كف بصره قال عبد الله تذاكرنا معه الفرائض (وفى رواية فرائض الميراث) فقال ابن عباس ترون الذى أحصى رمل عالج لم يحصي فى مال نصفاً وثلثاً اذا ذهب نصف ونصف فأين موضع الثلث؟

فقال زفر يا أبا عباس من أول من أعال الفرائض فقال أول من أعال الفرائض عمر فقال له زفر ولم قال لما تدافع علية وركب بعضه بعضاً قال والله لا أدرى كيف كيف أصنع لكم ولا أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر وما أجد شيئاً أحسن من أن أقسمه عليكم بالحصص، قال ابن عباس وأيم الله لو قدم عمر من قدمه الله وأخر من أخره الله ما عالت فريضة قط فقال له زفر وأيهم قدم الله وأيهم أخر فقال كل فريضة لا تزول إلا إلى فريضة فتلك التى قدم الله ثم قال والأخوات لهن الثلثان والواحدة لها النصف فإن دخل عليهم البنات كان لهن ما بقي فهؤلاء الذين أخر الله فلو أعطى عمر من قدم الله فريضة كاملة ثم قسم ما يبقى بين من أخر الله بالحصص ما عالت فريضة فقال له زفر فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر قال هيبته والله. وقد أشار إلى ذلك صاحب العذب فى جا فقال "أن قول ابن عباس بعدم العول لم يظهره فى عهد عمر لأنه لم يكن عنده بينة ودليل قطعي إلا لو كان عنده دليل قطعى ما سكت عنه ابن عباس وأظهره لعمر. وقد نقل عن عدد من الصحابة أن عمر هو أول من أعال الفرائض كما فى منصور، هـ ك عن زيد أنه قال "إن عمر هو أول من أعال الفرائض ونقل العول أيضاً عن زيد وهذا هو مذهبه". وقد نقل عن علي أيضاً وقضى به وأعال الفرائض كما فى منصور هـ وقد نقل العول عن جميع غفير من التابعين منهم إبراهيم النخعى كما فى هـ ك وشيبة صـ 11 صـ 282 أن إبراهيم النخفى نقلة عن علي وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت فقال إبراهيم أن هم أعالوا الفرائض ونقل عن شريح كما فى مى صـ 2 صـ 329 وشيبة. ثبت فى منصور صـ 1 صـ 44 عن عطاء قال: قلت لابن عباس إن الناس لا يأخذون بقولي ولا بقولك ولو مت أنا وأنت ما اقتسموا ميراثاً على ما نقول فغضب ابن عباس وقال: فليجتمعوا الذين يخالفون فى العول فلنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين ما حكم الله بما قالوا.

قال الشيخ: قول عمر والذي استقر قضاء الصحابة وأجمعت عليه الأمة بعد ذلك هو الحق يدل عليه أربعة أمور: الدليل على صحة العول:- ? ٍإطلاق نصوص المواريث فى جعل مقادير محددة للوارثين وذلك الإطلاق يقتضي عدم التفرقة بين الورثة حال اجتماعهم وانفرادهم، فلا يجوز تقديم بعضهم على بعض ولا يجوز تخصيص بعضهم بالنقص من غير صاحب شرعى وهذا تراجع بلا مرجح. ? استدل به القاضي عبد الوهاب من أئمة المالكية بقول النبي “اتقوا الفرائض بأهلها..... ووجه الاستدلال يقول أمر رسول الله بإلحاق الفرائض بأهلها ولم يخص بعضهم عن بعض فإن اتسع المال لهم استوفى كل منهم ما فرض له، وإن ضاق المال عن ذلك، دخل النقص على الجميع لأنهم أهل فرض وليس أحدهم بأولى من صاحبه فكان العول بسبب ذلك. ? القياس: هو القياس على تزاحم الديون والوصايا، فالميراث والديون والوصايا كلها حقوق ثابتة متفقة فى الوجوب وضاقت التركة عن جميعها منقسم على قدرها. ? الاجتماع: على القول بالعول يدل على الإجماع قول عطاء عندما قال لشيحه عبد الله بن عباس "إن الناس لا يأخذون بقولى ولا بقولك ولو مت أنا وأنت ما اقتسموا ميراثاً على ما نقول". وقال ابن قدامة فى المغني 7 / 27 لا نعلم اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس ولا نعلم بين الفقهاء خلافاً فى العول. الاصول التى تعول: 1. أصل 6 يعول وتراً وشفعاً إلى عشرة (7، 8، 9، 10) وله 13 مسألة وصورها تزيد على نيف وثمانين صورة، اذاً يعول أصل 6 بمثل سدسه 7 وبمثل ثلثه 8 وبنصفه 9 وبثلثيه 10 أ) العول الأول لأصل 6 وهو عدد 7 وله 4 مسائل: المسألة الأولى: (1/2، 2/3) ولها صور كثيرة:- ... ... ... ... 6/7 زوج ... 1/2 ... ... 3 أخت ش ... 2/3 ... ... 2 أخت ش ... 2/3 ... ... 2 المسألة الثانية: (1/2، 1/3، 1/6، 1/6) ... ... ... ... 6/7 أم ... ... 1/6 ... ... 1 أخت ش ... 1/2 ... ... 3 أخت لأب ... 1/6 ... ... 1 أخت لأم ... 1/3 ... ... 1 أخت لأم ... 1/3 ... ... 1 المسألة الثالثة: (1/2، 1/2، 1/6) ... ... ... ... ... 6/7 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 3 جدة ... ... 1/6 ... ... 1

المسألة الرابعة: (2/3، 1/6، 1/3) ... ... ... ... 6/7 أخت ش ... 2/3 ... ... 2 أخت ش ... 2/3 ... ... 2 أخت لأم ... 1/3 ... ... 1 أخت لأم ... 1/3 ... ... 1 أم ... ... 1/6 ... ... 1 ب) العول الثانى لأصل 6 وهو عدد 8 وله 3 مسائل: المسألة الأولى: (1/2، 2/3، 1/6) ... ... ... ... ... 6/8 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أخت لأب ... ... 2/3 ... ... 2 أخت لأم ... ... 2/3 ... ... 2 أخت لأم ... ... 1/6 ... ... 1 المسألة الثانية: (1/2، 1/2، 1/6، 1/6) ... ... ... ... ... 6/8 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 3 أخت لأب ... ... 1/6 ... ... 1 أخت لأم ... ... 1/6 ... ... 1 المسألة الثالثة: (1/2، 1/2، 1/3) ... ... ... ... ... 6/8 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أم ... ... ... 1/3 ... ... 2 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 3 ج) العول الثالث لأصل 6 وهو عدد 9 وله 4 مسائل: المسألة الأولى: (1/2، 2/3، 1/6، 1/6) ... ... ... ... ... 6/9 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أم ... ... ... 1/6 ... ... 1 أخت لأم ... ... 1/6 ... ... 1 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 2 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 2 المسألة الثانية: (1/2، 1/2، 1/6، 1/6، 1/6) ... ... ... ... ... 6/9 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أم ... ... ... 1/6 ... ... 1 أخت لأب ... 1/6 ... ... 1 أخت لأم ... ... 1/6 ... ... 1 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 3 المسألة الثالثة: (1/2، 1/2، 1/6، 1/3) ... ... ... ... ... 6/9 ... زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 3 أم ... ... ... 1/6 ... ... 1 أخت لأم ... ... 1/3 ... ... 1 أخت لأم ... ... 1/3 ... ... 1 المسألة الرابعة: (1/2، 2/3، 1/3) ... ... ... ... ... 6/9 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 2 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 2 أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 1 أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 1 د) العول الرابع لأصل 6 وهو عدد 10 وله مسألتان: المسألة الاولى: (1/2، 1/2، 1/3، 1/6، 1/6) ... ... ... ... ... 6/10 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 3 أخت لأب ... ... 1/6 ... ... 1 أم ... ... ... 1/6 ... ... 1 أخ لام ... ... 1/3 ... ... 1 أخ لام ... ... 1/3 ... ... 1 المسألة الثانية: (1/2، 2/3، 1/6، 1/3) ... ... ... ... ... 6/10 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 2 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 2 جدة ... ... 1/6 ... ... 1 أخ لام ... ... 1/3 ... ... 1 أخ لام ... ... 1/3 ... ... 1 وهذة هى التى قضى فيها شريح ويقال لها الشريحية وبعد أن قضى فيها شريح، ذهب الزوج يتظلم ويقول ماتت زوجتي ولم تخلف لنا ولا ولداً ولا فكم لى منها، يقولون لك النصف يقول ما أعطاني شريح ولا ثلثا بيقولون أخطا شريح، فاستدعاه شريح فقال له تزيع الشكوى وتكتم الفتوى.

2. أصل 12 يعول وتراً لا شفعاً إلى 17 فيعول إلى (13، 15، 17) وله 9 مسائل تزيد صورها على 100 صورة أ) العول الأول لأصل 12 وهو عدد 13 وله 3 مسائل: المسألة الأولى: (1/4، 2/3، 1/6) ... ... ... ... ... 12/13 زوج ... ... 1/4 ... ... 3 أم ... ... ... 1/6 ... ... 2 بنت ... ... 2/3 ... ... 4 بنت ... ... 2/3 ... ... 4 ... ... ... ... ... 12/13 زوجة ... ... 1/4 ... ... 3 أم ... ... ... 1/6 ... ... 2 أخت لأب ... ... 2/3 ... ... 4 أخت لأب ... ... 2/3 ... ... 4 المسألة الثانية ... : (1/4، 1/6، 1/6، 1/2) ... ... ... ... ... 12 زوج ... ... 1/4 ... ... 3 أب ... ... ... 1/6ع ... ... 2 أم ... ... ... 1/6 ... ... 2 بنت ... ... 1/2 ... ... 6 ... ... ... ... ... 12/13 زوجة ... ... 1/4 ... ... 3 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 6 أخت لأب ... ... 1/6 ... ... 2 جدة ... ... 1/6 ... ... 2 المسألة الثالثة: (1/4، 1/3، 1/2) ... ... ... ... ... 12/13 زوجة ... ... 1/4 ... ... 3 أم ... ... ... 1/3 ... ... 4 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 6 ب) العول الثانى لاصل 12 وهو عدد 15 وهو له 4 مسائل: المسألة الأولى: (1/4، 1/6، 1/6، 2/3) ... ... ... ... ... 12/15 زوج ... ... 1/4 ... ... 3 أب ... ... ... 1/6ع ... ... 2 أم ... ... ... 1/6 ... ... 2 بنت ... ... 2/3 ... ... 4 بنت ... ... 2/3 ... ... 4 المسألة الثانية: (1/3، 2/3، 1/4) ... ... ... ... ... 12/15 زوجة ... ... 1/4 ... ... 3 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 4 ... أخت ش ... ... 2/3 ... ... 4 أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 2 أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 2 المسألة الثالثة: (1/4، 1/2، 1/6، 1/6، 1/6) ... ... ... ... ... 12/15 زوج ... ... 1/4 ... ... 3 بنت ... ... 1/2 ... ... 6 بنت ابن ... ... 1/6 ... ... 2 أب ... ... ... 1/6 ... ... 2 أم ... ... ... 1/6 ... ... 2 المسألة الرابعة: (1/4، 1/2، 1/3، 1/6) ... ... ... ... ... 12/15 زوجة ... ... 1/4 ... ... 3 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 6 أم ... ... ... 1/6 ... ... 2 أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 2 أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 2 ج) العول الثالث لأصل 12 وهو عدد 17 ولذلك مسألتان: المسألة الأولى: (1/4، 1/3، 1/2، 1/6، 1/6) ... ... ... ... ... 12/17 زوجة ... ... 1/4 ... ... 3 أم ... ... ... 1/6 ... ... 2 أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 2 أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 2 أخت ش ... ... 1/2 ... ... 6 أخت لأب ... ... 1/6 ... ... 2 المسألة الثانية: (1/4، 1/6، 1/3، 2/3) ... ... ... ... ... 12/17 زوجة ... ... 1/4 ... ... 3 أم ... ... ... 1/6 ... ... 2 أخوان لام ... ... 1/3 ... ... 4=2 أختان ش ... ... 2/3 ... ... 8=4 الدينارية الصغرى ... ... ... ... 12/17 جدة ... ... ... 1/6 ... ... 1 جدة ... ... ... 1/6 ... ... 1 ثلاث زوجات ... ... 1/4 ... ... 3=1 4 أخوات لأم ... ... 1/3 ... ... 4=1 4 أخوات لأم ش ... ... 2/3 ... ... 8=1 الدينارية الكبرى ... ... ... ... ... ... 25X24=600 زوجة ... ... 1/8 ... ... 3 ... 75 أم ... ... ... 1/6 ... ... 4 ... 100 بنتان ... ... 2/3 ... ... 16 ... 400=200 أخت ش ... ... ع ... ... 1 ... 1

2أخ ش ... ... ع ... ... 1 ... 24=2 الأصل 24 يعول إلى 27 ولذلك مسألتان الزوج فيها ميت: المسألة الأولى: (1/8، 2/3، 1/6، 1/6) ... ... ... ... ... 24/27 زوجة ... ... 1/8 ... ... 3 أب ... ... ... 1/6ع ... ... 4 أم ... ... ... 1/6 ... ... 4 بنت ... ... 2/3 ... ... 8 بنت ... ... 2/3 ... ... 8 يقال لهذة المسألة (المنبرية والحيدرية ويقال لها البخيلة) الخيرية نسبة إلى علي لأنه يقال له حيدر والمنبرية لأنه قضى بها وهو على المنبر والبخيلى لقلة عولها. المسألة الثانية: (1/8، 1/2، 1/6، 1/6، 1/6) ... ... ... ... ... 24/27 زوجة ... ... 1/8 ... ... 3 أب ... ... ... 1/6 ... ... 4 أم ... ... ... 1/6 ... ... 4 بنت ... ... 1/2 ... ... 12 بنت ابن ... ... 1/6 ... ... 4 تصحيح المسائل تعريف: وهو استخراج أقل عدد يأتى منه نصيب كل شئ مستحق من الإرث بغير كسر. وعليه إذا انقسم نصيب كل فريق قسمة صحيحة بلا كسر فلا داعي للتصحيح أما إذا لم تصح المسألة من أصلها نحتاج إلى تصحيح وهذا يكون عند انكسار السهام على الرؤوس. ولا بد من وضع معالم قبل بيان كيفية التصحيح وهى خمسة معالم:- المعلم الأول: اذا اشترك جماعة فى فرض أو تعصيب نقسمهم فريقاً ويسمون فرقة ويسمون جزباً ويسمون حيزاً ويسمون جنساً ويسمون نوعاً ويسمون صنفاً وجماعة وطائفة ورؤوساً. المعلم الثانى: يراد بالانكسار عدم انقسام نصيب جماعة من الورثة عليهم انقساماً صحيحاً، مخرج بذلك أمران:- الأول: الوارث الواحد. الثانى: ما قسم من السهام على مستحقيه. المعلم الثالث: الانكسار الذى يقع فى المسائل إما أن يقع على فريق أو أكثر وإن كان الانكسار على فريق أو جماعة فيتصور وقوعه فى جميع الأصول وأما الانكسار على أكثر من فريق فلا يقع على أصل (اثنين) أبداً والسبب: لأن الفرض ينقسم على مستحقه.

أما الانكسار على فريقين فيمكن أن يقع فى جميع الأصول ماعدا 2 وأما وقع الانكسار على 3 فرق فيكون فى الأصول التى تعول وفى أصل 36 و (6، 12، 24، 36) وأما وقع 4 انكسار فهذا مختلف فيه، ولا يكون إلا عند توريث ما يزيد على أكثر ما يزيد على أكثر من حدثين ويكون فى أصلين فى أصل 12 مطلقاً وفى أصل 24 بشرط الا يكون عائلاً. المعلم الرابع: لا يمكن أن يزيد الانكسارات على أربع والدليل عليه هو الاستقراء والاستقراء قررة الفرضيون من وجهتين:- الوجه الأول: يقولون أكثر ما يجتمع فى الفريضة من الورثة 5 أصناف ولابد فيها ممن لا يتعدد من الزوج أو الأبوين أو ذوات الصنف فلا يتصور أكث من 4 انكسارات. الوجة الثانى: الذين يمكن تعددهم من الورثة المجمع على إرثهم 8 أصناف وهم (البنات وبنات الابن والأخوات الشقيقات والأب والأم والزوجات والسابع الألوان والثامن العصبات وكيفما قدرت وتصورت لا يجتمع منهم أكثر من 4 فرق وشاهد ذلك الاستقراء وهذا فى غير الوصايا وفى غير الولاد وفى غير ذوى الأرحام وفى غير المناسخات. المعلم الخامس: لابد من إستحضار النسب الأربع عند التصحيح ولا يمكن تصحيح المسائل بدونها وهى التماثل والتوافق والتداخل والتباين. طريقة التصحيح وطريقة العمل فى التصحيح:- الانكسار اما ان يكون واحداً أو متعدداً فإن كان واحداً فالعمل سهل يسير وكيفيته.... إذا لم تنقسم السهام على مستحقيها فإما أم تتباين السهام الرؤوس وإما أن توافق، فإن بيناتها خير بنا كامل عدد الرؤس فى أصل المسألة أو بلغ عولها وما خرج منه تصحيح المسألة، فنضرب نصيب كل وارث فى ذلك العدد أيضاً ليأخد نصيبه صحيحاً من غير كسر. مثال: ... ... ... ... ... 5X2= ... ... 10 زوج ... ... 1/2 ... ... 1 ... ... 5 5 عم ... ... ع ... ... 1 ... ... 5=1 مثال مسألة عائلية: ... ... ... ... ... 4 X12/15 ... ... =60 8 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 8 ... ... ... 32=4 أخ لأم ... ... ... 1/3 ... ... 2 ... ... ... 8 أخ لأم ... ... ... 1/3 ... ... 2 ... ... ... 8 4 زوجات ... ... ... 1/4 ... ... 2 ... ... ... 12=3

وأما أن وافقت السهام الرؤس فى جزء من الأجزاء نأخذ وفق الرؤوس ونعتبر جزء سهم فنضربه فى أصل المسألة أو فى مبلغ عولها. مثال: ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... 2 X6 ... ... ... =12 أم ... ... ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... ... 2 بنتين ... ... ... ع ... ... 5 ... ... ... 10=10 مثال مسأله عائلية: ... ... ... ... ... 2 X12/15 ... ... =30 زوجة ... ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... ... 6 2 أخت لأب ... ... 2/3 ... ... 8 ... ... ... 16=8 8 أخت لأم ... ... 1/3 ... ... 4 ... ... ... 8=1 تبية هام: الذى يضرب فى أصل المسألة أو فى مبلغها من العول فى جميع صور الانكسار يسمى جزء السهم أى حظ السهم الواحد من المسألة، فكلما نضرب به أصل المسألة أو يبلغ عولها نضرب نصيب كل وارث. الحالة الثانية: إذا كان فى المسألة أكثر من انكسار فكيف نصحح المسألة. كيفية التصحيح تكون على مرحلتين:- الأولى:- هى نفس المرحلة السابقة فى كيفية التصحيح إذا كان فى المسألة انكسار واحد. الثانية: ينظر الفرض بعد ذلك بين هذه المثبتات (المحفوظات والرواجح) الأربع وحاصل النظر هو جزء السهم فيضرب فى أصل المسألة أو يبلغ عولها فالخارج هو مصح المسألة. فإذا تماثلت المثبتات نكتفى بواحد منها، واذا تداخلت نكتفى بالأكبر، واذا تباينت فنضرب بعضها فى بعض والخارج هو جزء السهم، وإذا توافقت أو اختلف ننظر بين مثبتين منها ونحصل أقل عدد ينقسم على كل منهما ثم ننظر بين حاصل النظر الذى خرج معنا وبين تثبيت ثالث وهكذا عندنا نخرج حاصل النظر بين المثبتين ومثبت ثالث نفعل بالمثبت الرابع فالذى خرج بعد ذلك هو جزء السهم يضرب فى أصل المسألة أو يبلغ عولها. ... ... ... ... 20مسألة فى التصحيح 1- تماثل: ... ... ... ... ... 3 X6 ... ... =18 3 جدات ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 3=1 3أخت ش ... ... 2/3 ... ... 4 ... ... 12=4 3عم ... ... ع ... ... 1 ... ... 3=1 2- بينهم تداخل 2 ... ... ... ... 18 X6 ... ... =108 ... ... (بين 3، 9) 3جدات ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 18=6 ... ... (تداخل نكتفي بـ 9) 9 أخت ش ... 2/3 ... ... 4 ... ... 72=9 ... ... (وبين 9، 18) 18 ابن أخ ش ... ع ... ... 1 ... ... 18=1 ... (تداخل نكتفي بـ 18) 3- متداخل 3 ... ... ... ... ... 150 X6 ... =900 ... ... (بين 10، 15) 10جدات ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 150=15 ... (توافق في 1/5) 15 أخت لام ... 1/3 ... ... 2 ... ... 300=20 ... (15 X3 =15)

25 ابن عم ش ... ع ... ... 3 ... ... 450=18 ... وبين (30، 25) 4- تباين 4 ... ... ... ... 30 X6 ... ... =180 ... ... بين (2، 3، 5) جدتان ... ... 1/6 ... ... 8 ... ... 30=15 ... (تباين) 3 أخ لام ... ... 1/3 ... ... 2 ... ... 60=20 ... 3 X3 X5= 30 5 أخ لاب ... ... ع ... ... 3 ... ... 90=18 5- تداخل 5 ... ... ... ... ... 4 X12 ... ... =48 ... (بين 4، 4) زوجة ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... 12 ... (توافق نكتفي) 4 جدات ... ... 1/6 ... ... 2 ... ... 8=2 ... بين (4، 2) 16 أخ لام ... 1/3 ... ... 4 ... ... 16=1 ... (تداكل نكتفي بـ4) 12 أخ لاب ... ع ... ... 3 ... ... 12=1 6- تداخل 6 ... ... ... ... ... 12 X12 ... =144 زوجة ... ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... 36 8جدات ... ... ... 1/6 ... ... 2 ... ... 24=3 24 أخ لام ... ... 1/3 ... ... 4 ... ... 48=2 18 عم ش ... ... 4 ... ... 3 ... ... 36=2 7- ... تداخل 7 ... ... ... ... ... ... 6×10 ... ... =72 زوجة ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... 18 4جدات ... ... 1/6 ... ... 2 ... ... 12=3 6أخوة لأم ... ... 1/3 ... ... 4 ... ... 24=4 6 عم ش ... ... ع ... ... 3 ... ... 18=3 8- تداخل 8 ... ... ... ... ... 24×12 ... =288 3زوجات ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... 72=24 8جدات ... ... 1/6 ... ... 2 ... ... 48=6 24أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 4 ... ... 96=4 24 أخ لأب ... ع ... ... 1 ... ... 72=3 9- تداخل 9 ... ... ... ... ... 12×24 ... =288 زوجين ... ... 1/8 ... ... 3 ... ... 36=18 24بنت ... ... 2/3 ... ... 16 ... ... 192=8 20عم ... ... ع ... ... 5 ... ... 60=3 10- تداخل 10 ... ... ... ... ... 12×24 ... =288 4زوجات ... ... 1/8 ... ... 3 ... ... 36=9 بنت ... ... 1/2 ... ... 12 ... ... 144 24 بنت ابن ... 1/6 ... ... 4 ... ... 48=2 10أخوة ش ... ع ... ... 5 ... ... 60=6 11- تداخل 11 ... ... ... ... ... 60×6/7 ... =420 5جدات ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 60=12 16 أخت ش ... 2/3 ... ... 4 ... ... 240=15 12 أخ لام ... 1/3 ... ... 2 ... ... 120=10 12- تداخل 12 ... ... ... ... ... 30×6/10 ... =300 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 ... ... 90 جدتين ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 30=15 6 أخت لأب ... 2/3 ... ... 4 ... ... 120=20 10 اخوة لأم ... 1/3 ... ... 2 ... ... 60=6 13- تداخل 13 ... ... ... ... ... 36×12/15 ... =540 4 زوجات ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... 108=27 9 أخت ش ... 2/3 ... ... 8 ... ... 288=32 23 أخ لام ... 1/3 ... ... 4 ... ... 144=6 14- تداخل 14 ... ... ... ... ... 3×12/17 ... =51 3زوجات ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... 9=3 3جدات ... ... 1/6 ... ... 2 ... ... 6=2 3 أخ لأم ... ... 1/3 ... ... 4 ... ... 12=4 24 أخت لأم ... 2/3 ... ... 8 ... ... 24=1 15- تداخل 15 ... ... ... ... ... 12×24 ... =288 4 زوجات ... ... 1/8 ... ... 3 ... ... 36=9 3جدات ... ... 1/6 ... ... 4 ... ... 48=16 بنت ... ... 1/2 ... ... 12 ... ... 144 10 أخت ش ... ع ... ... 5 ... ... 60=60 16- تداخل 16 ... ... ... ... ... 3×12=36×6 ... ... =216 جد ... ... ... 1/3ب ... ... ... 7 ... ... 42 زوجين ... ... 1/4 ... ... 3 ... 9 ... ... 54=27 4جدات ... ... 1/6 ... ... 2 ... 6 ... ... 36=9 21 أخ لأب ... ب ... ... ... 14 ... ... 84=4 17- تداخل 17 ... ... ... ... ... 4×14 ... ... =48 4زوجات ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... 12=3 8جدات ... ... 1/6 ... ... 2 ... ... 8=1

16 أخت لأم ... 1/3 ... ... 4 ... ... 16=1 12 عم ... ... ع ... ... 3 ... ... 12=1 18- تداخل 18 ... ... ... ... 210×12/15 ... =3570 زوجين ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... 630=315 3جدات ... ... 1/6 ... ... 2 ... ... 420=140 5 أخت لام ... 1/3 ... ... 4 ... ... 840=168 7 أخت ش ... 2/3 ... ... 8 ... ... 1680=240 19- تداخل 19 ... ... ... ... ... 12×24 ... =288 4زوجات ... ... 1/8 ... ... 3 ... ... 36=9 3جدات ... ... 1/6 ... ... 4 ... ... 48=16 192 بنت ... 2/3 ... ... 16 ... ... 192=1 6 عم ... ... ع ... ... 1 ... ... 12=2 20- تداخل 20 ... ... ... ... ... 1260×24 ... =30240 5جدات ... ... 1/6 ... ... 4 ... ... 5040=1008 4زوجات ... ... 1/8 ... ... 3 ... ... 3780=945 7بنات ... ... 2/3 ... ... 16 ... ... 210160=2880 9 عم ... ... ع ... ... 1 ... ... 1260=140 قسمة التركات القسمة: هى الاسم من قولك تقاسم المال واقتسموه اقتساماً وقسمة، وهى مؤنثة وذكرها الله فى كتابه فقال سبحان “واذا حضر القسمة أولي القربى واليتامى والمساكين فأرزقوهم منه “لأنها بمعنى الميراث أو المال. التركات: جمع تركة وهى التراث الميث أى المال الذى يخلفه وقد جمعت لاختلاف أنواعها. والمراد من قسمة التركات إعطاء وكل وارث ما يستحقه من مال مورثه. أهمية هذا المبحث:- كل ما تقدم معنا من تأصيل المسائل وتصحيحها وسيلة إلى مبحث قسمة التركات فالتركة قد تكون فوق أصل المسألة أو مصححها أو أقل منها فلابد من تحديد وتعيين نصيب كل وارث منها. فلا يحسن التعبير عن الأعضاء بالسهام المطلقة فهذا كما قال أئمة الفرائض بعيد عن الأفهام غير مفيد للعوام. مدار قسمة التركات: واستخراج نصيب الوارثين والوارثات الميراث فى ذلك يقوم على العلم بأن نسبة لكل وارث من أصل المسألة أو من مصحح كنسبة ماله من التركة Yليها، فالأعداد إذن أربعة:- العدد الأول:- نصيب كل وارث من أصل المسألة وهو الذى يعبر عنه سهام كل وارث. العدد الثانى:- أصل المسألة أو مصححها وهذا معلوم. العدد الثالث:- مصيب كل وارث من التركة وهو مجهول. العدد الرابع:- التركة. إذن فنسبة الأول إلى الثاني كنسبة الثالث إلى الرابع. أحوال التركة مع أصل المسألة أو مصحها:

التركة إما أن تكون مساوية لأصل المسألة أو مصححها فهى مماثلة أو مساوية وإما إلا تكون كذلك فهي إما أكثر أو أقل. الحالة الأولى: فإن كانت التركة مساوية لأصل المسألة أو مصححها فالأمر واضح ولا يتمثل من الفرض عمل فنعطيه نصيبه من التركة بمقدار نصيبه من أصل المسألة أو مصححها. مثال على تركة ساوت مصحح المسألة وهى الدينارية:- وترك فيها المتوفى 90 ديناراً ... ... ... ... ... 3X6=18 X5 ... ... =90 أم ... ... 1/6 ... ... ... 1 ... 3 ... ... 15 جد ... ... 1/3ب ... ... ... - ... 5 ... ... 25 أخت ش ... 1/2 ... ... ... 3 ... 9 ... ... 45 أخت لأب ... ... ... ... ... ... ... 1 أخ لأب ... ... ... ... ... ... ... 2 أخ لأب ... ... ... ... ... ... ... 2 الحاله الثانية:- اذا كانت التركة غير مساوية لأصل المسألة أو مصححها ففى قسمتها أوجة كثيرة عند الفرضين أشهر خمس طرق كما فى العذب الفائض 1 / 115 الطريقة الأول:- نقسم الرابع على الثاني فما خرج يعتبر كجزء السهم فنضربه فى سهام كل وارث. مثال: مات وترك (30.000) ... ... ... ... ... 12/15 (2000) ... نصيب كل وارث بنت ... ... 1/2 ... ... 6 ... ... ... 12000 بنت ابن ... ... 1/6 ... ... 2 ... ... ... 4000 زوجاً ... ... 1/6 ... ... 3 ... ... ... 6000 أب ... ... ... 1/6ع ... ... 2 ... ... ... 4000 أم ... ... ... 1/6 ... ... 2 ... ... ... 4000 الطريقة الثانية:- أن تضرب الأول في الرابع والحاصل يقسم على أصل المسألة أو مصححها فما خرج فهو نصيب ذلك الوارث. الطريقة الثالثة:- أن تقسم الثاني على الأول فما خرج تقسم عليهم التركة فما خرج فهو نصيب ذلك الوارث. الطريقة الرابعة:- نقسم الثاني على الرابع فما خرج نقسم عليه نصيب كل وارث من أصل المسألة أو عولها (الأول) . الطريقة الخامسة:- لك أن تنسب الأول إلى الثاني ثم تعطيه بمقدار تلك النسبة من الرابع وهى التركة، تنبيه: اذا كانت التركة متعددة وقيمتها مختلفة كالحيوانات والعقارات فاجعل مجموع قيمة تلك الأشياء مكان الأعيان المختلفة، لأنه لا يمكن قسمته ما اجزائه مختلفة بلا تقويم، فاذا اختلفت التركة مقداراً أو قيمة أو اختلف فى إحداها أو كانت التركة منفردة كالعقار فلابد من تقييم التركة ومجموع القيمة يعتبر تركة ويقسم كما تقدم. المناسخات

المناسخة:- معاملة من المسخ ومعنى النسخ فى اللغة يأتى إلى ثلاث معامل:- 1- التحويل والنقل:- ومنه نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه ومنه قسمت الخلية إذا حولت عسلها ونحلها إلى مكان آخر. 2- التغيير والتبديل:- ومنه قسمت الريح آنار الديار. 3- المحو والإزالة:- ومنه قسمت الشمس الظل. معنى النسخ فى الشرع: وأما الشرح فى الأحكام الشرعية معناه رفع الشارع حكماً منه متقدم يحكم فيه متأخر بدليل متراخ. تعريف النسخ فى الفرائض:_ أن يموت ميت وقبل قسمة التركة يموت بعض ورثته واحداً أو أكثر. أحوال المناسخات على وجه العموم للمناسخات ثلاثة أحوال:- الأول: أن يكون ورثة الميت الثاني فمن بعده هم بقية ورثة الميت الأول وارثهم من الثاني فمن بعده كإرثهم من الميت الأول. الثاني: أن يكون ورثة كل ميت لا يرثون غيره. الثالثة: أن يكون ورثة الثاني فمن بعده هم بقية ورثة الميت الأول لكن اختلف ارثهم أو ورث محلهم غيرهم. تفصيل الحالة الأول:- لها ثلاث أحوال أيضاً: 1. أن يكون إرث الباقيين من كل الأموات بالعصوبة. 2. أن يكون إرث الباقيين من كل الأموات بالفرضى. 3. أن يكون إرث الباقيين من كل الأموات بها أى بالفرض أو التعصب. 1. أن يكون ترث الباقيين من كل الأموات بالعصوبة. مثالها: مات وخلف 10 أخوة أشفاء ة 10 أخوات شقيقات فتعاقبوا موتاً بحيث لم يبق منهم إلا أخ وأخت. 10 أخ ش ... ... ... 1 10 أخت ش ... ... ... 1 والحل نعتبر أن الميت الأول مات وخلف أخ وأخت فقط. يدخل فى هذه الحالة صورتان ينبغى أن ينتبه لهما:- 1. اذا كان فى ورثة الميت الأول من هو صاحب فرض ولم يرث من غير المسألة الأولى وبقية الورثة ورثوا بالتعصيب من الميت الأول فمن بعده وارثهم ما اختلف فتعتبر من الحالة الأولى.

2. كما لو مات عن زوجة و 10 بنين كلهم من امرأه واحدة غيرها ماتت قبل هذا، فإذا مات بعد ذلك خمسة من الأبناء وبقى الزوجة وخمسة من الأبناء فتعتبر كأنه مات وترك خمسة من الأبناء والزوجة فقط فترث هذة الزوجة فى المسألة الأولى ثم تخرج بعد ذلك. 3. لو كان من يرث بالفرض من الأول يرث به أيضاً من غيره وثم يموت قبل القسمة بعد من مات بالعصبة أو بينهم ويرثه من بقى بمحض العصوبة فيجعل ذو الفرض كالعدم كما لو كان البنون كلهم من الزوجة وماتت بينهم أو بعدهم عما بقى ويصح أيضاً أن يرث صاحب الفرض مع هؤلاء من الميت الأول فمن بعده يشرط أن يموت قبل قسمة التركة بعد ذلك وأن يكون إرث من بقى من الميت الأول ومن بعده ومن صاحب الفرض على حد سواء وهو التعصيب. جدول أفقي ص99 فى هذة الحالة نجعل من مات بعد الأول كأنه عدم وكأن الأول مات عمن بقى. الحالة الثانية:- أن يكون إرث الباقيين عن طريق الفرض، فلا يتصور الاختصار فى هذة الحالة قبل العمل إلا فى ميتين فقط ولها ثلاثة شروط:- الشرط الأول:- انحصار ورثة الميت الثاني في الباقيين من ورثة الميت الأول. الشرط الثانى:- ألا تختلف أسماء الفروض فى المسألتين الشرط الثالث:- أن تكون المسألة الأولى عائلية بقدر عصب الميت الثاني أو أكثر وينبغي أن تكون مسألة الميت الثاني لا تكون عائلة اذا كان العول بمقدار أو نصيب من زاد فى مسألة الميت الأول ويمكن أن يكون عائلة وبقدر ما نقص نصيب الميت من المسألة الأولى عن عول المسألة. مثال الصورة الأولى:- ... ... ... ... ... 2/9/6 ... ... ... ... 1/6 ... ... 18 أم ... ... 1/6 ... ... ... 1 ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 3 زوج ... 1/2 ... ... ... 3 ... ... 1/2 ... ... 3 ... ... 9 أخت ش ... 1/2 ... ... ... 3 ... ... - ... ... ... ... - أخ لأم ... 1/3 ... ... ... 1 ... ... 1/3 ... ... 1 ... ... 3 أخ لأم ... 1/3 ... ... ... 1 ... ... 1/3 ... ... 1 ... ... 3 الزوج تزوج الأخت الشقيقة ثم ماتت عنه وعن الورثة. مثال الحالة الثانية:- ... ... ... ... ... 8/6 ... ... ... ... ... 7/6 جدة (أم أب) ... 1/6 ... ... 1 ... جدة ... ... 1/6 ... ... 1 ... أخت ش ... ... 1/2 ... ... 3 ... أخت لأب ... 1/2 ... ... 3 أخت لأب ... ... 1/6 ... ... 1 ... ماتت ... ... ماتت ... ... - زوج ... ... 1/2 ... ... 3 ... زوج ... ... 1/2 ... ... 3

الزوج تزوج الأخت لأب ثم ماتت عنه وعن الورثة فى الحالتين نجعل الحل الأول ملغى ونجعل الميت الأول مات وترك هؤلاء. الحالة الثالثة:- أن يكون إرث الباقيين من الورثة بالفرض والتعصب معاً كما لو مات عن 10 أخوة لأم هم أولاد أعمام مختلفين يتعاقبوا موتاً بقي منهم 4 فالاختصار قبل العمل كأنه مات وترك 4 أخوة لأم وتكون المسألة. ... ... ... ... ... 4×3 ... ... =12 ... ... 4 أخ لأم ... ... 1/3 ع ... ... 3 ... ... 3 ... ... 1 أخ لأم ... ... 1/3 ع ... ... 3 ... ... 3 ... ... 1 أخ لأم ... ... 1/3 ع ... ... 3 ... ... 3 ... ... 1 أخ لأم ... ... 1/3 ع ... ... 3 ... ... 3 ... ... 1 مسألة تبين الاختصار قبل العمل: مات وترك: أب ... ... ... ثم مات ... ... 5 أم ... ... ... ثم ماتت ... 4 ... زوجة ... ... ثم ماتت ... 2 6 بنين ... ... (مات واحد منهم) 1 (ثم مات واحد آخر) بنتين ... ... (ماتت واحدة منهم) قبل قسمة التركة مات أحد البنينين الستة ثم ماتت الزوجة ثم ماتت إحدى البنتين ثم ماتت الأم ثم مات الأب ثم مات أحد البنين وبقي بعد ذلك أربع أبناء وبنت واحدة. وتكون صورة المسألة بعد الاختصار:- كأنه مات وترك ... 4 أبناء وبنت واحدة. الاختصار: معناه فى اللغة: الإيجاز يقال إختصر الطريق إذا أخذ فى طريق أقرب وسار فى أقرب طريق، وهو رد الكثير إلى القليل وهو الإيجاز اللفظ مع اسيفتاء المعنى وقد خص الله نبينا باختصار الكلام بجوامع الكلام. الحالة الثانية:- من حالات المناسخة. ورثة كل ميت لا يرثون غيرهم يضاف إلى ذلك الشرط شرطان آخران:- 1- جميع من مات بعد الميت الأول من ورثة الميت الأول. 2- 2. أن يكون الموتى أكثر من اثنين. كيفية العمل فى الحالة الثانية: أ- نعمل مسألة للميت الأول ب- نعمل لكل ميت مسألة توزيع فيها تركته على ورثته أيضاً. ج- ننظر بين سهام الأموات بعد الميت الأول من مسألة الميت الأول وبين مسائلهم فلا يخلو الآخر من 3 أحوال:- 1. إما ان ينقسم ... ... 2. أو يوافق 3. أو يباين - فإن انقسم نصيب الأموات بعد الأول من مسألة الأول على مسائلهم صحت جامعة المناسخة مما صحت منه مسألة الميت الأول.

- وإن لم تنقسم السهام على المسائل فإما أن توافق وإما أن تباين ففى حالة الموافقة نثبت وفق المسائل. وفى حالة المباينة نحتفظ بجميع المسائل ثم ننظر بين النسب الأربعة، بين الميتان وحاصل النظر هو جزء السهم يضرب فى مسألة الميت الأول فتخرج معنا جامعة المناسخة، وجزء السهم الذى خرج معنا للمسألة الأولى نضرب به نصيب كل وارث من المسألة الأولى فإن كان حياً اخذه وإن كان ميتاً قسمناه على مسألته ليخرج جزء سهمها ثم نعطى بعد ذلك لورثة الميت الثانى نصيبهم مضروباً فما فوقها مضروباً فى جزء سهمها. مثال فى حال الانقسام:- 15/12 ... 1/4 ... 1/2 ... 1/3 ... 15 زوجة ... 1/4 ... 3 ... ت ... - أخت ش ... 2/3 ... 4 ... ت ... - أخت ش ... 2/3 ... 4 ... 4 أخ لأم ... 1/3 ... 2 ... ت ... - أخ لأم ... 1/3 ... 2 ... 2 0 زوج ... 1/4 ... 1 ... 1 ابن ... ع ... 2 ... 2 بنت ... ع ... 1 ... 1 ابن ... ع ... 1 ... 1 ابن ... ع ... 1 ... 1 أم ... 1/3 ... 1 ... 1 ع ... ع ... 2 ... 2 ...

المواريث 2

المواريث (2) (فقه المواريث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان قال الامام أبو عبد الله محمد بن على بن محمد بن حسين الرحبى المعروف بابن موفق الدين: أول ما نستفتح المقالا ... بذكر حمد ربنا تعالى فالحمد الله على ما أنعما ... حمداً به يجلو عن القلب العمى ثم الصلاة بعد والسلام ... على بنى دينه الاسلام محمد خاتم رسل ربه ... وأله من بعده وصحبه ونسأل الله لنا الاعانة ... فيما توخيتا من الابانة عن مذهب الامام زيد الفرض ... اذ كان ذاك من أهمك الغرض علمآ بان العلم مخصوص بما ... قد شاع عند كل العلماء بأنه اول علم يفقد ... فى الارض حتى لايكاد يوجد وأن زيرآ خص لامحالة ... بما حباه خاتم الرسالة من قوله فى فضله منبهاً ... أفرضكم زير وناهيك بها فكان أولى باتباع التابعى ... لاسيما وقد نحاه الشافعى فهاك فيه القول عن ايجاز ... مبدآ عن صمه الالغاز مقدمه فى علم الفرائض: - أولا: تعريف علم الفرائض: علم الفرائض مركب اضافى من مضاف ومضاف اليه (علم) مفرد مضاف (الفرائض) مفرد مضاف اليه والكلمتان ركبنا لتدل على شئ واحد وهو المعنى الاصطلاحى وهو (علم الميراث) . ويحسن بنا ان نتعرف على معنى كل كلمه قبل التركيب ثم بعد ذلك نتصرف على المعنى الاصطلاحى بعد التركيب ونبدا اولا بتعريف كلمة العلم: - فى اللغه: - تاتى فى اللغه على معنيين اثنيين لاثالث لهما. أ- تاتى بمعنى غلبه الظن قال تعالى (فان علمتوهن مؤمنات فلايرجعون الى الكفار) أى غلب على ظنكم ايمانهن. ب- تاتى بمعنى اعتقاد جازم لاتردد فيه ولا شك فيه قال تعالى (فاعلم انه لا اله الا الله) . معنى العلم اصطلاحاًً: - رشاد الفحول ص4. 1- صفه ينكشف بها المطلوب. 2 - ادراك الشئ على مآ هو عليه. تعريف الفرائض: - الفرائض جمع فريضه وهى فعليه بمعنى مفعوله اى مفروضه مقرر من قبل الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. معنى الفرائض لغه: ياتى بعدة معان تصل الى عشرة وقبل ان نبين المعانى نبين الصله نسبه الالفاظ الى المعانى.

يقول العلماء ان نسبه الالفاظ الى المعانى لايخرج عن خمسه او تنطلق على هذه الدلاله (دلاله التواطؤ الكلى) . والتواطؤ هو الاتفاق والكلى يعنى فى سائر الافراد النسبه ومثل لفظ يتحد فى معناه جميع افراد منه بنسبه واحدة. الناس من جهة التمثيل اكفاء ... أبوهمو أوم والام حواء فان يكن لهم فى أصل عنصرهم ... شئ يناضرون به فالطين والماء ما الفخر الا لاهل العلم ... انهم على الهدى لمن استهدى ادلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه ... والجاهلون لاهل العلم اعداء ففز بعلم تعش صيابه ابدآ ... الناس موتى واهل العلم أحياء ... اذن تواطء تواطؤآ كليآ أى فى كل الافراد وفى جميعها يستوى المعنى ويتفق ويتحد. 2- دلاله المتوطء المشكك:- ان اتحد اللفظ والمعنى فى الافراد لكن لم يكن المعنى بنسبه واحدة انما تفاوت فى تلك الافراد والاتحاد فى اصل المعنى لافى حقيقته ونسبته لكن اللفظ واحد فيقال له هنا بتواطء متواظئا مشككا مثل (البياض) الثوب الابيض واللبن ابيض والورق ابيض فليس البياض فى اللبن كالبياض فى الورق فالنسب تختلف فاللفظ واحد والنسب مختلفه فيطلق عليه (متواطء شكك) . 3- المشترك اللفظى:- ان اتحد اللفظ والمعنى متعدد مختلف مثل لفظ الفرائض اللفظ واحد والمعنى متعدد قهذا يسمى مشترك لفظى مثل لفظ (عين عين جاريه باخدهعين جاسوس) . 4- المترادف:- ان تعدد اللفظ واتحد المعنى فيطلق مترادف مثل ليث اسد، غضنفر، حسام، اسامه، صارمآ، بتارآ فالمعنى واحد واللفظ متعدد. 5- التباين:- ان تعدد اللفظ وتعدد المعنى مثل رجل وامرأه ارض وسماء فاللفظ مختلف والمعنى مختلف فيسمى تباين. أولا معنى الفرائض لغه:- الفرائض من الدلاله الثالثه فاللفظ واحد وله عشرة معانى وهى:- (1) القطع: قال تعالي "نصيبا مفروضا" اي مقطوعا. (2) التقدير: قال تعالي "وقد فرضتم لهن فريضه فنصف ما فرضتم" فالفرض هنا بمعني التقدير. (3) الانزال: قال تعالي "ان الذي فرض عليك القران" اي انزل عليك القران.

(4) التبين والاظهار: قال تعالي "قد فرض الله لكم تحله ايمانكم". اي بين واظهر الله لكم كفاره اليمين وكيف تتحلل منه. (5) الاحلال والاباحه: قال تعالي "ما كان علي النبي من حرج فيما فرض الله له" اي فيما احل الله واباح له. (6) الالزام: قال تعالي "سوره انزلناها وفرضناها" اي الزمنا العمل بها. (7) التوقيت: قال تعالي " وقال لا تخزن من عبادك نصيبا مفروضا" اي نصيبا مؤقتا محسوبا معينا. (8) القراءه: ومنه قول طالب العلم "فرضت جزئي" اي قراته وانهيته. (9) الهبه: ومنه قوله ما اعطاني فرضا ولا قرضا. والقرض معروف والفرض مقابله اي ما اعطاني قرضا ولا هبه (10) الحز: الحز في الشيئ يقال له فرض ومنه فرض القوس وهو حز يكون في طرفه الذي يوضع فيه الوتر ليثبت فيه. ثانيا معني الفرائض في الاصطلاح: الفرض هو ما يثاب فاعله امتثالا مفعله ويستحق تارك العقاب مطلقا وهذا المعني عند الاصوليين وعلماء الشريعه اما عند القرضيين فالفرض هو سهام مقرره لوارث شرعا لا تزيد الا بالرد ولا تنقص الا بالعول وعرفه بعض الفرضيين فقال:- نصيب مقرر لوارث معين لا يزيد الا بالرد ولا ينقص الا بالعول تعريف علم الفرائض: وهو قول الشيخ / محمد نجيب خياطانه علم باصول يعرف بها قسمه التركات علي مستحقيها وذهب صاحب العذب الفائض في تعريف علم الفرائض فقال علم الفرائض هو فقه المواريث وما ضم اليه من حسابها وقال الامام الدرديري وغيره:- علم الفرائض هو معرفه من يرث ومن لا يرث ومقدار نصيب كل وارث اخر تعريف يقول بعض العلماء: هي كيفيه قسمه التركات علي مستحقيها وقال الشيخ واحسن التعاريف اولها وسمي علم الفرائض من باب التغليب مثل قولك العمرين ابي بكر وعمر وهو تغليب الفرض علي التعصيب. " فضل علم الفرائض " أ- انه نصف العلم:-

عن ابي هريره رضي الله ان النبي قال " تعلموا الفرائض وعلموها فانه نصف العلم وانه ينسي وهو اول شيئ ينزع من امتي " اخرجه جه، ت، كم، هـ ك، قط، وصححه السيوطي وغيره وقول النبي انه نصف العلم يحتمل عده امور: (1) انه نصف العلم من حيث الثواب فمن اتقنه يعطيه الله اجرا كمن اتقن سائر العلوم الاخري فالعلم علمان فرائض وماعدا فمن اتقن علم الفرائض اتقن نصف العلم ومن اتقن سائرالعلوم الاخري اتقن كل العلم ومثله قول النبي "ان سوره الاخلاص تعدل ثلث القران" فمن قراها كمن قرا عشره اجزاء. (2) ان علم الفرائض نصف العلم باعتبار ان للانسان حالتين حاله حياته وحاله موته، فما يتعلق بحياته نصف العلم وما يتعلق بموته نصف العلم والاحكام التي تؤخذ بعد موت الانسان تؤخذ من علم الفرائض فهو نصف العلم. (3) وذهب الي ذلك القول جماعه من العلماء منهم شيخ الاسلام الامام ابن الصلاح قال المراد بالنصف الجزء والبعض والقسم دون النصف المساوي للنصف الثاني وعليه فان المراد بنصف العلم قسم بن العلم او جزء من العلم او جانب من العلم ولا يعني انه يعدل جانبا العلوم الاخري. (4) حكاه الحافظ في الفتح في كتاب الفرائض عن الامام ابن عينيه قال انه نصف العلم لانه يتبلي به كل الناس قال الشيخ معللا كلام ابن عينيه: كانه قسم العلم الي قسمين قسم يحتاجه كل احد منها علم الفرائض ومنها ما لا يحتاجه اليه احد. (5) قالوا ان الادله التي يؤخذ منها الاحكام تنقسم الي قسمين نصوص وقياس واما الاجماع فهو دليل بني علي نص في الاصل فاما علم الفرائض فبني علي ادله نقليه سمعيه لها الادله الاجتهاديه النظريه فلذلك فهو نصف العلم.

(6) اسباب التملك تنقسم الي قسمين قسم اختياري وقسم قهري فالتملك الاختياري ما يتم عن طريق البيع والهبه وغير ذلك فلك ان تتحلى ولك ان ترد وان التملك القهري لا تملك الرد فيه وتاخذه علي حاله لان المورث خدمات وعلي هذا فعلم الفرائض نصف العلم من حيث اسباب التملك وهذا رجحه صاحب العذب الفائض قال الشيخ: واظهر الاقوال اولها ثم ثانيها. الحديث الثاني: عن عبد الله بن مسعود قال سمعت النبي يقول:"تعلموا الفرائض وعلموها فاني امرؤ مقبوضي، وان العلم سيرفع حتي يختلف الاثنان في الفريضه فلا يجد ان من يقضي بينهما "اخرجه مد، كم، هـ، ن ك، ت، قال الحافظ في الفتح رجال اسناده مؤقتاً. الحديث الثالث: عن ابي سعيد الخدري قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم "تعلموا الفرائض وعلموها الناس" اخرجه الدارقطني والحديث ضعيف لضعف عطيه العوفي كما قال الحافظ والحديث رواه الطبراني في الاوسط من روايه ابي بكره. الحديث الخامس: عن عبد الله بن عمر بن العاص قال سمعت النبي يقول:"العلم ثلاثه وما سوي ذلك فهو فضل ايه محكمه او سنه قائمه او فريضه عادله "اخرجه د، جه، كم وقوله صلي الله عليه وسلم فريضه عادله يحتمل امرين: الامر الاول: علم الفرائض وسميت عادله لان السهام والانصيه مذكوره في القران والسنه لا دخل فيه للاجتهاد. الامرا او المعني الثاني: قيل المراد منها فريضه تعدل ما اخذ من الكتاب والسنه في الحكم عن طريق القياس السليم السديد وعليه فان الحديث يدل علي صحه القياس ومشروعيته واعتباره قال الشيخ: هذه خمسه احاديث وان كان لا يخلو واحدا منهم منو جود كلام فيه ولكن يعصد بعضهما بعضا.

وقد اشار البخاري في صحيحه الي تلك الاحاديث التي ليست علي شرطه فقال: باب تعليم الفرائض "واورد اثرا عن عقبه بن عامر رضي الله عنه قال: "تعلموا قبل الظانين" وفي سنن الدارفي عن عمر رضي الله عنه موقوفا انه قال "من قرا القران فليتعلم الفرائض "رواه الدارفي، كم، هـ عن ابن مسعود باللفظ المتقدم مع زياده عليه " فاذا نعم لقيه اعاربي فقال له يا مهاجري اتقرا القران، فاذا قال نعم يقول له اتفرض فان قال نعم كلزيادهخير وان قال لا قال فما فضلك علي. ... واورد البخاري في "باب التوفق ممن تخشي معرته"معلقا وقيد ابن عباس عكرمه علي تعلم القران والسنن والفرائض وثبت في صحيح مسلم وسنن الدارفي عن عامر بن واثله ابي الطفيلقال لقي عمر بن الخطاب نافع بن عبد الحارث بعسفان وكان عمر استعمل نافع بن عبد الحارث علي اهل مكه فقال عمر من استعملت علي اهل الوادي فقال استخلفت عليهم ابن ابزه فقال ومن ابن ابزه فقلت يا امير المؤمنين مولي من موالينا فقال عمر سبحان الله واستخلفت علي اهل الوادي مولي فقال: يا امير المؤمنين انه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض قاض فقال اما اذ قلقا ذاك فقد قال بنيكم صلي الله عليه وسلم ان الله يرفع بهذا القران اقواما ويضع به اخرين. اسس علم الفرائض: قام علم الفرائض علي 3 اسس سليمه سديده وهي: أ- المال لقرابات الميت. قال تعالي "واولوا الارحام بعضهم اولي ببعض في كتاب الله" وهذا الذي تقتضيه الفطره وهو الحق الذي لا مراء فيه. ب- توريث القرابات بمختلف اصنافهم اذا استوت قرابتهم الي قال تعالي " للرجال نصيب في ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الولدان والاقربون مما قل منه او كثر" ولذا فتخصيص صنف من القرابات بالارث دون صنف اذا ستود في قرابتهم الي الميت ظلم وهذا رد علي الجاهليه الحديثه والقديمه.

ج- اعطاء كل قريب ما يناسب قربه ودرجته وحاله فالتسويه بين الاقرباء في الارث سفه فالابن احوج الي المال من البنت ونفعه اكثر للميت كما انه ومطالب بالنفقه عليها وهو الذي يتحمل نفقه الاب كما ان العصبات هم الذين يتحملون الخطا "فالغنم بالغرم "فالذكريمتاز عن الانثي في موضوع الارث فله ضعفها. حقوق احكام تتعلق بالميت: اذا مات الميت تتعلق به خمسه حقوق منها ثلاثه حقوق رئيسيه وهي:- 1) حق للميت:- وهي مؤن التجهيز من غسل وحفرقبر والصلاه عليه والدعاء له وغير ذلك 2) حق علي الميت:- أ- حق عليه يتعلق بعين تركته ب- حق عليه يتعلق بذمته ورقبته 3) حق لا للميت ولا عليه:- وله نوعان: أ- اختياري وهو الوصيه. ب- اضطراري وهو الارث. اذا مات الميت فباي حق نبدا؟ عند الجمهور ابي حنيفه وما لك والشافعي نبدا بالحق او الدين المتعلق بعين التركه فيقدم علي سائر الحقوق كاشيئ المرهون مقابل شيئ اخذه هو في حال حياته فهذا الشيئ المرهون خرج عن ملك صاحبه الا اذا دفع صاحب الرهن المبلغ الذي رهن من اجل الرهن. مثال: جاء رجل ليستقرض الف ريال فقلت له اريد رهنا عليها قال هذه الجمله ثم مات، فهذه الدار لا تعتد ارثا، فلا ياخذ الورثه الا ما زاد عن الالف، فالالف تؤخذ قبل كل شيئ لان هذا دين مقابل عيل من التركه حبسي هذا العين مقابل الدين فالحق المتعلق بعين التركه يقدم علي سائر الحقوق لامرين: أ-هذه العين خرجت من ملك الميت قبل ان يموت. ب - قطعا للخصومات والمنازعات. قول الامام احمد:-

تقدم مؤن تجهيز الميت علي كل الحق وعليه لومات وعنده عين مرهونه ناخذ هذه العين من المرتهن ونجهز الميت منها فان فضل شيئ منها رودناه عليه وقدمناه علي غيره قياسا علي المفلس حيث ان سترته واجبه ولا تنزع عنه سترته من اجل قضاء دينه حال حياته فسترته ايضا بعد موته واجبه متكفنه وندفع اجره الحفر والقبر مما تركه وان كان حق تعلق بعين ما تركه من الذي يجهز الميت ويجب عليه ذلك: _ اولا ورثتة لو لم يكن له مال وكان فقيرا و " الغنم بالغرم " فمن يغنم يفرم ومن يغرم يغنم فان لم يكن له ورثه او كان له ورثه ولكنهم فقراء فان مؤنه تجهيزه تكون علي بيت المال. _ فاذا لم يكن هناك بيت مال وجب تجهيزه علي من علم من المسلمين فهو فرض كفايه هل يلزم الزوج بمؤن تجهيز زوجه. علي قوليه عند الانممه الاربعه:- قول الحنابله لا يلزم الزوج بذلك وللمالكيه قولان في ذلك ورجع الشيخ القول الاخير وعلي ما تقدم يقدم الدين المتعلق بعين التركه ومؤن تجهيز الميت علي جميع الحقوق. الحق الثالث الذي يقدم بعد الحقين المتقدمين: هو الدين المتعلق بالذمه وهو الدين المطلق سواء كان لله او للعباد..... فناخذ من التركه ما نسد به الديون التي هي حق الله مثل النذر وحق للعباد مثل القرض _ " بغير رهن _ او الدين". - اي حق نقدم اولا: هل تقدم حق الله علي حق العباد ام العكس؟ في ذلك ثلاثه اقوال عند العلماء وهي كالتالي:- الحنفيه والمالكيه:- قدموا حق العباد لانه مبني علي الشح والمماسكه وحق الله علي المسافحه الشافعي يقدم حق الله علي حق العباد لحديث النبي من روايه عبد الله بن عباس "اقضوا فديه الله احق بالقضاء" المسند خ. م واصحاب السنن وفي روايه "الوفاء" الامام احمد تسوي بين هذه الديون ونقسم المال عليها وياخذ كل واحد بمقدار دينه ورجع الشيخ القول الاول. 4) الوصيه:- قال الحافظ في الفتح في تعريفها:

"هي عهد خاص مضاف الي ما بعد الموت وقد يصحبه التبرع " وسميت الوصيه وصيه لان الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته قال ابو منصور الازهري في تهذيب اللغه: الوصيه ماخوذه من وصي الشيئ بالشيئ اذا وصله به حكم الوصيه:- لها ثلاثه حالات:- أ- تكون واجبه: اذا كان عليك حق لا يمكن تخليصه الا بالوصيه وكذلك كان لك حق لا يمكن تخليصه الا بالوصيه. ب- تكون مستحبه: في حاله رجاء كثره الثواب بشرط عدم الاضرار بالورثه. ج- تكون محرمه: في حاله الاضرار بالورثه روي الطبري في تفسيره وابو حاتم في تفسيره وسنن النسائي عن عبد الله بن عباس مرفوعا انه قال " الاضرار في الوصيه من الكبائر". قال الشيخ: الحديث صحيح موقوفا ولكن اختلف في الرفع واذا ثبت انه موقوف فله حكم الرفع. وعن ابي هريره رضي الله عنه قال سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول" ان الرجل ليعمل وان المراه لتعمل بطاعه الله _بعمل الخير ستينروايه اخري سنه (سبعين سنه) _ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصيه فتجب لها النار " رواه مد، د، ت، جه ـ هـ ك، وقال الترمذي حسن غريب صور الاضرار الوصثيه: صور الاضرار بالوصثيه لها ثلاثه صور: 1- ان يوصى لوارث او ان يقر بحق ليس لهة الوصيه للوارث باطله لاغنه ولا يجوز انفاذها والاقرار ان يقر الوارث قبل موته بارض مثلا ويسجلها له او يقول ان لفلان على قرض وهوليس له ذلك وانما تسجل هذا الحق من اجل ان ياخذه ذلك بالقوه امام القضاء، وكل هذا باطل (فالمال مال الله والعباد عباد الله ما تركه كما قسمه الله) . 2- ان يقر الورثه بحق لايجب لهم او ان يوصى لهم بقصد اضرار الوصيه مثال رجل حضرته الوفاة وليس له ورثه الااخوة له وكانت بينه وبينهما خصومة ما وص بثلث ماله لاحد اصدقائه او لعمل خير ولم يقصد بهذه الوصيه او هذا التبرع الا الاضراراو اقر بحق لاجنبى ليس برارث من اجل الاضرار بالورثه.

3- ان يوصى لغير الاقارب الذين لايرثةن اى يوصى للاجلنب وجهات البر العامه ويترك الارحام والاقارب والفقراء. وقد افتى طاوس ان من اوصى بغير اقاربه تنزع منه الوصيه وترد على القربات. وقد كان النبى يغضب اشد الغضب حينما يبلغه جور فى الوصيه للميت عن عمران بن حصين رض الله عنه (ان رجلا اعتق سته مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم فلما حضره الموت قال هم احرار لوجه الله فلما علم النبى بذلك جزاهم اثلاثا واقرع بينهم فمن وقعت عليهم القرعه اعتقهم فاعتق اثنين وارق اربعه وقال لقد هممت الااصلى عليه، رواه مد، م، د، ت، جه 2 عن حنظله بن حذيم ان جده حنيفه قال لحذيم اجمع بنى فانى اريد ان اوص فجمعهم حذيم فقال حنيفه (ان اول شئ اوصى به ان لفلان اليتيم الذى فى حجرى مائه من الابل المطيبه) فقال حذيم لوالده حنيفه ان اخوتى يقولون تقر عينك بموافقتك فى حياتك فاذا امت رجعنا) فغضب حنيفه وقال بينى وبينكم رسول الله فقالوا رضينا فذهب حنيفه وولده حذيم وولدولده حنظله ومعهم عبد لهم للنبى فقال لحنيفه (يا ابا حذيم ما جاء بك) فقرب حنيفه ركبه ولده حذيم (فقال هذا) فعرضا على النبى القضيه فقال البنبى صلى الله عليه وسلم لا، لا، لا الصدقه خمس او عشر او خمسه عشر او عشرون او خمسه وعشرون او ثلاثون او خمسه وثرثون فان زدت اربعون من الابل فلا تزد هذا) فقال حنيفه يا رسول الله ان لى بنين ذوى لحى ولهم دون ذلك وان هذا يعنى حنظله بن حذيم اصغرهم فادع الله له فمسح النبى صلى الله عليه وسلم راسه وقال (بارك الله فيه اوبورك فيه) فكان حنظله اذاجاءه انسان بعد ذلك وارم وجهه او جاءته الشاة قد تورم وانتفخ ضعها يقول بسم الله ويضع يده على المكان الذى وضعه النبى من راسه ثم يمد يده الى وجه هذا الانسان الذى تورم وانتفخ او الى ضرع الشاة فيبرا باذن الله) رواه مد بسند رحاله ثنات كما فى المجمع الفتح الربانى 187/15

3- فضل الوصيه: الوصيه مع انها عمل بر الا ان اجرها انقص من الصدقه حال حياته افرخ د، حب من حديث ابى سعيد الخدرى قال سمعت رسول الله يقول (لن يتصدق المرء فى حياته وصحته بدرهم خير له من ان يتصدق بعد موته بمئه درهم، وروى مد، ت، ن، مى، عن ابى حبيبه الطائى قال (اوص الى اخى اى اوزعها بطائفه من ماله يقول فاستشرت ابا الدرداء وقلت اين اضعه فقال ابو الدرداء (اما انا فما كنت لاعدل عن المجاهدين ثم قال له سمعت رسول الله يقول (مثل الذى يعتق ويتصدق عند موته كمثل الذى يهدى اذا شبع كو ان افضل الصدقه ان تصدق وانت صحيح حريص شحيح تامل الغنى وتخشى الفقر وعن ابى هريرة قال (جلء رجل الى النبى فقال يا رسول الله اى الصدقه افضل واعظم اجرا قال اما دابيك لتقتان ان تصدق وانت شحيح صحيح تخشى الفقر وتامل البقاء ولا تمهل حتى اذا ابلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان فلان رواه الجماعه الا الترمزى فالوصيه لها فضل وعليها اجر ولكن فضلها واجرها قليل بالنسبه للصدقه. 4- مقدار الوصيه: الحد فى ذلك ثلث المال ولا يجوز ان يزيد على الثلث واذا زاد فقد جار فى الوصيه الا اذا اجاز الوثه واقروها لان ذلك حقهم والمراد بالثلث ثلث ما يتبقى بعد الحقوق الثلاثه المتقدمه المتعلقه بالميت عن سعيد بن ابى وقاص (انه قال جاء فى رسول اللهيعودنى من وجع فقلت يا رسول الله انى قد بلغ بى من الوجع ما ترى وانا ذومال ولا يرثنى الا ابن ى افا تصدق بلثلثى مالى قال: لا قلت فالشطريا رسول الله ال / لا قلتف لثلث قال: الثلث والثلث كثير او كبير نك ان تزر ورثتك اغنياء خيرمن ان تدعهم ماله يتكنفون الناس رواه الجماعى 5- الوصيه مؤخره عن الدين بالاجماع فلم قدمها الله فى كتابه عن الدين ال تعالى (من بعد وصيه توصون بها او دين) ى ذلك حكما كثيرة ابرزها:-

أ- قال الدين فيه تفريط من قبل المستدين فكان الله ينفرنا عن الدين والا نلجا اليه الاعند الاضطرار واما الوصيه فهى عمل بر واحسان معروف يجب ان نفعلها فللاهنى م بالوصيه وحث الناس عليها قدمها الله على الدين للتنفير من الدين اخر فى الذكر. ب- الوصيه بغير عوض فاخرجها اشق فحث الله الناس عليها لئلا فرطوا فيها اما الدين مقابل ما اخذته فالنفس تطيب باخرجه. ج- الوصيه هى حظ فقير ومسكين فى الغالب ليس لهم مطالب بحقهم ما صاحب الدين فعنده وثائق واثباتات وياخذ حقه عن طريق القضاء بالقوه، ثمن اجل عدم ضياع حق الفقير قدم الله الوصيه على الدين فى سنن الترمزى والحديث فيه ضعف ولكن اجعت الامه عليه ن على رضى الله عنه قال (ققى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين بل الوصيه وانتم فقراون الوصيه قبل الدين) . 6 - لمن تكون الوصيه: - تكون الوصيه لغير الورثه فلو قدرنا ان رجلا تزوج من نصاريه وما اسلمت بقيت على كفرها، فبالاجماع ليس لها ارث ولكن اذا اوصى لها الزوج وصيه صحيحه نافذة ثال اخر رجل اراد ان يموت وله ام وجدة بالاتفاق ليس لها ارث او نصيب وجود الام فاراد ان يوصى للجده فلا باس بذلك بت فى ت، ن عن عمرو بن خارجه قال (خطب النبى على ناقه وانا حت حيرانها (اى بكن عنها) وهى تقصع بجرتها) اى نمضع وتجتر افى بطنها) واللعاب يسيل على منها فسمعته يقول (ان الله قد اعطه كل ذى حق حقه فلا وصيه لوارث والولد للفراش وللعاهر الحجر) والحديث صحيح. 7 - الشروط التى يجب ان تتوفر فى الموص حت تكون صحيحه:- وهما شرطان فقط: 1- العقل. 2- البلوغ.

واختلف العلماء بين وصيه المميز الذى لم يبلغ نع وصيه المميز الامام ابو حنيفه والشافعى فى اظهر قولي ذهب الامام احمد والامام مالك وقول ثان للامام الشافعى رجحه الامام ابن ابى عصرون من ائمه الشافعيه والامام الشافعى قال المعتبر فى وصيته الموص ان يعقل الموص ما وص به وتصح صيته سواء كان بالفا او مميزا قد ثبت فى موطأ الامام مالك بسند رجاله ثقات (ان عمر بن الخطاب اجاز صيه غلام لم يتحلم) وقال الامام الشافعى لو ثبت اثر عمر لقلت به وهو فائدة قال تعالى (ولقد كتبنا فى الزبور من بعدد الزكر ان الارض يرثها عبادنا الصالحون وذلك فى الدنيا وكذلك يرثون ارض الجنه بفضل الله ورحمه يوم القيامه واطلق الله على ارض الجنه ارث وهم يرثونها من وجهين معتبرين:- قال تعالى: وقالوا الحمد الله الذى اورثنا الارض فتبوان الخير. الاول:- ان معنى الارث والبقاء حاصل. الثانى:-

فكل من دخل الجنه باخذ مكانه ومكان الكفار الذين كان له مقعد فى الجنه فمقعده ياخذه المومنون وكل انسان له مقعد ان مقعد فى الجنه ومقعد فى النار فمقعد المومنين فى النار يرثها الكفار ومقعد الكفار فى الجنه يرثها المومنون روى مد، ن، كم عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله يقول كل اهل النار يرى مقعده فى الجنه فيقول لو ان الله هدنى فيكون ذلك عليه حسرة، وكل اهل الجنه يرى مقعده من النار فيقول لولا ان الله هدانى فيكون ذلك له شكرا والحديث ختم به الامام ابن ماجه كتابه ورقمه 4341 وهو اخر حديث وقال تعال (تلك الجنه التى نورث من عبادنا من كان تقيا) وقوله (وتلك الجنه التى اورثتموها بما كنتم تعملون فائده قوله تعالى (بما كنتم تعملون (هل هناك فعارض بين الامه وحديث النبى (انه لن يدخل الجنه بصله:- الحديث) قال ابن القيم باء هناسبيه وليس معاوضه اى رتب الله دخول الجنه على العمل لا ان هذا يعارض هذاويقول ايضا ابن القيم الباء المقتصنة للدخول غير النافيه ويقول ايضا ابن القيم تنجو من النار يعفو اله ومغفرته وتدخل الجنه برحمه الله ونضله ونقتسم:- الدور باعمالنا ولذلك فالجنه دار الفضل والنار دار العدل. الارث: وهوالحق الخامس النتعلق بالميت بعد موته تعريف الارث: أ - لغه: كلمه الارث تانى فى اللغه على ثلاثه معان: 1- البقاء.

من اسماء سبحانه (الوارث) الباقى الدائم يرث الخلائق بعد موتهم (انا نحن نحى ونميت والوارثون) وفى سورة مريم (انا نحن نرث الارض ومن عليها) وقد اطلق الله اسم الوارث على الحى من البشر (وعلى الوارث مثل ذلك وكان النبى يدعو فى دعائه ويقول (ومتعابا سماعنا وابصارنا وقوتنا ابدا ما احييتنا واجعله الوارث منا) اى هذا الاعضاء تبقى سليما بعد موتى وقوله صلى الله عليه وسلامفى الحديث الررواه مد، د، ت، مى، جه عن روايه ابى الدرداء رض الله عنه ان انبى صلى الله عليه وسلم قال (العلماء ورثه الانبياء وان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذه اخذ حظ فالعلماء هم الباقون بعد الانبياء ينشرون العلم العلم ميراث النبى كما اتى ... فى النص والعلماء هم وراثه ما خلق المختار غير حديثه فينا ... فزاك متاعه وارثاثه ... والتراث جاء بمعنى الميراث قال تعالى (وتاكلون التراث اكلا لما) والتراث والميراث والاراث بمعنى واحد فائده نقل الحافظ ابن حجر فى الفتح عن الامام ابن الجوزى خمسه اجوبه عن انه الاتعارض بين الباء المثبته والنافيه. 1- لان العمل الذى دخلت به الجنه من فضل الله وهو الذى من عليه به. 2- منافع العبد لسيده وانت عبد الله فما جرى بنك من طاعه لايستحق ان تدخل الجنه بها كما ان العبد اذا اكتب ماله لسيده ويقى الدخول محض كرم وفضل. 3- دخول الجنه من فضل الله ورحمه والتى تثبت الدخول بالعمل هذا اللاشاره الى تفاوت المنازل واقتسام الدور هناك 4- العمل زمنه يسير فلا يقابل بالدخول الذى لانهايه له 2- حصول الشئ من غير تعب: ومنه قول تعالى (ثم اروثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) ومنه المال الذى ينتقل الى الورثه. 3- الاصل والبقيه:

لسان العرب لابن منظور ومنه ماثبت فى سنن النسائى من حديث يزيد بن شيبان قال كنا وقوفا فى عرفه مكانا بعيد امن الموقف فانا ابن مربع الانصارى فقال انى رسول رسول الله اليكم يقول كونوا على شاعركم فانكم على ارث من ارث ابيكم ابراهيم) على ارث اى على اصل وبقيه من مناسك ابراهيم عليه السلام. ب - اصطلاحا: على قولين: القول الاول: الارث هو حق قابل للتجزئه ثبت لمستحق بعد موت من كان له لقرابه بينهما او نحوها القول الثانى: الارث هو خلافه المتصل بالميت بنسب او سبب فى ماله او حقه القابل للخلافه وحقه يعنى مثل حق الشفعه مثلا اركان الميراث: لغه ومعنى المركب الجانب القوى الذى يستند الشئ ويسكن ومنه قوله تعالى (اوآوى الى ركن شديد) اصطلاحا عند علماء الشريعه: الركن هو ما كان جزء امن ما هيه الشئ ولايوجد الابه اركان الارث: ثلاثه اركان وهى: اولها: مورث وهو الميت حقيقه اوحكما الثانى: وارث وهو الذى يستحق الارث باسباب الارث الثالث: تركه وهى مايبقى بعد الميت ويخلفه من مالك بعد قضاء الحقوق وتسمى ايضا حق مورث. شروط الارث:- يعنى الشرط لغه: العلامه ومنه قوله تعالى (هلى ينظرونه الا الشاعه ان تاتيهم بغته فقد جاء اشراطها) ومعناه اصطلاحا: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده عدم. ولا وجود لزاته شروط الارث: ثلاثه شروط وهى: الاول: تحقق وفاة المورث حيا عند موت المورث حياة شرعيا والمقصود بالحياة الشرعيه مثل الجنين ومثل المفقود الذى لم يحكم عليه بالموت. الثالث: اتنفاء موانع الارث: اسباب الارث: اسباب ميراث الورى ثلاثه ... كل يفيدريه الوراثه وهى نكاح وولاء نسب ... ما بعدهن للمواريث سبب اسباب الارث المجمع عليها:

والسبب لغه هو ما يتوصل به الى غيره سواء كان حسيا لو معنويا قال تعالى (من كان يظن ان لن ينصره الله فى الدنيا والاخره فليمدد بسبب الى السماء) (وهو سقف البيت) (ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ) وقوله سبحانه: (واتيناه من كل شئ سببا) اى علما يتوصل به الى ما يريد. تعريف اصطلاحآ: ما يلزم من وجود الوجود ومن عدمه العدم لزاته اسباب الارث: وهى ثلاثه متفق عليها. الاول: النكاح وهو عقد الزواجيه الصحيح وان لم يحدث دخول ولا خلوه وهو سبب للارث من جانبين ثبت فى مد، ت، د، جه، كم، هـ والحديث صحيح صحفه كم عن سروق تلميز عبالله بن مسعود قال اوتى عبد الله بن مسعود انا سمى من اشجع قالوا ان رجلا منهم عقد على امراه ثم مات ولم يدخل بها فما الحكم فقال ماوقعت على مساله بعدان فارقت رسول الله اشد على امهلونى ثم جاءوه بعد ثلاثه ايام فقاوا ماالحكم قال اما الحكم قال امهلونى. فاستمهلهم شهرا ثم قالوا انت صاحب رسول الله وانت القاص والعالم فى الكوفة من قبل عمر فمن نسال غييرك فقال عبد الله بن مسعود اقول فيها براى فان كان صوابا فمن الله وان كان خطئآ فمنى ومن الشيطان والله ورسوله من ذلك بريئان ثم قال لها الميراث كاملا وعليها ولها مهر مثلها كاملا من غير وتحس ولا شطط مقام معقل بن سنان وهو من الصحابه فقال لقد حضرت رسول الله فقض فى مثل هذه المساله بمثل ما قضيت قضى فى برة بيت واثق عندما توتى زوجها هلال بن مرة الاشجعى وقد عقد عليها ولم يفرض لها نكير عبد الله بن مسعود وهل وما فرح عبد الله بن مسعود بعد ان بشئ كفرحه بهذه الاصابه لموافقته قضاء رسول الله صلى عليه وسلم. ميراث المطلقه: وله حالتان متفق عليهما وهما: 1- اذا كان المطلاق رجعيا فترته ويرثها مادامت فى عدتها. 2- اذا اطلقها طلاقا بائنا فلايرثها ولاترثه اذا وقع الطلاق فى تلك الحالات. أ- اذا طلقها فى حال صحيحه فلايرثها ولا ترثه سواء كانت فى عدتها ام لا.

ب- اذا طلقها فى مرض غير مخوف فلايرثها ولا ترثه سواء كانت فى عدتها ام لا. ج - اذا طلقها فى مرض مخوف ولكن غير منهم بحرمانها فلا يرثها ولا ترثه. ومثال ذلك ان تطلب هى منه الطلاق فطلقها فلا يتهم بحرمانها. الحاله المختلفه فيها عند الائمه الاربعه رحمهم الله تعالى: 3- اذا طلقها فى مرض مخوف متهم فيه فهل ترث ام لا على اربعه اقوال وهى:- قول الامام الشافعى: لا ترث مطلقا سواء كانت فى عدتها ام لا لان الصله الزوجه انقطعت بالطلاق البائن. قول الامام مالك: ترث مطلقا سواء انتهت العدة ام لم تنتهى سواء تزوجت ام لا قول الامان ابى حنيفه: ترث بشرطين: 1- ما لم تتزوج. ... ... 2- ولم ترتد. قال الشيخ: وارجع الاقوال قول ابى حنيفه ويليه قول الامام احمد وابعد الاقوال قول الامام الشافعى وقد ثبت فى السند ان عبد الرحمن بن عوف لما طلق نهوجته تماضر فى مرض موته ورثها الصاحبه بعد موته. السبب الثانى من الاسباب الارث (الولاء) : معناه فى اللغه: السلطه والصداقه والنصرة والقرابه

معناه اصطلاحا: عصوبه سببها نعمه المتق على عتيقه ولو بعوض تقول النبى (انما الولاء لمن اعتق) رواه مد، خ، م، د، ن، جه عن عائشه ولقوله صلى الله عليه وسلم (الولاء لحمة كلحمه النسب) رواه صب كم هـ ل والشافعى فى سنده عن ابن عمر (الولاء لحمه كلحمه النسب لايباع ولا يوهب والارث بالاوء يكون من جهة واحدة فالمعتق والمعتقه يرثان العتيق وهذا بالاتفاق علماء الاسلام ولا يرث العتيق المعتق او المعتقة الا اذا مات المعتق ولم يكن له ورثه الا من اعتقه ثبت فى مد ت د جه كم هـ عن سجه مولى ابن عباس رض الله عنه قال مت رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يترك وارثا الا عبدا اعتقه فدفع النبى ماله اليه) وقال الترمزى حسن وقال الجمهور وهو راى المزاهب الاربعه ان العتيق لارث من اعتقه باى حال ووجهوا الحديث بان الرجل كانت بينه وبين من اعتقه صله رحم قال ابن تيميه لايوجد ما يدل على هذه الصله وعليه اذا لم يكن هناك وارث للمعتق تعطى ماله لعتيقه ونقدمه على بيت المال لانها صله خاصه تقدم على الصله العامه السبب الثالث من اسباب الارث (النسب) : معناه لغه: القرابه معنى اصطلاحا: اتصال بين انسانين بسبب الاشتراك فى ولادة قريبه او بعيده ويشمل النسب الاصول مهما علت ويشملالفروع مهما تزلت ويشمل الحواشى والاطراف كالاخوة من اى الجهات منها تزلوا والاعمام والعمات مهما علوا وابنائهم مهما تزلوا. الارث بالنسبب اقوى اسباب الارث لعدة امور: 1- لسبق وجوده. 2- لايزول ولا ينقض. 3- هذا السبب يحجب السببين السابقين ولا يحجبهما لقوته فيحجب الارث بسبب النكاح فيجب نقضان وبسبب الولاء فيجب حرمان. 4- الارث بالنسبه صاحبه يرث عن طريق الفرض او التعصيب او بها معا اما الارث بالنكاح فيرث عن طريق الفرض فقط والارث بسبب الولاء لايرث الا تعصيباً. اسباب الارث المختلفه فيها:

1- جهة الاسلام: وهى التى يعد عنها ببيت المال فهل يرث بيت المال ام لا إلى ثلاثه اقوال وهى: القول الاول: قول احمد وابى حنيفه ان بيت المال لا يعتبر وارثا بحال مادام لذا البيت قريب من قريب او بعيد يرث ماله لوجود صله خاصه تقدم على الصله العامه لقوله تعالى واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض فى كتاب الله. الثانى: قول الامام مالك والشافعى فى احد قوليه: اذا لم يكن للميت صاحب قرض اوعصبة نضع المال فى بيت المال يتمتع به المسلمين فكما ان بيت المال يغرم فلابدو ان يغنم "فالغنم بالغرم". الثالث: قول الامام الشافعى وقال به كثيرين متاخرى الملكيه: ان بيت المال له حالتان: 1- اذا كان منتظما بدخل فيه عن طريق شرعى ويخرج منه عن طريق شرعى يقول الامام هذا يقوم على ذوى الارحام. 2- اذا مد بيت المال يقوم زوى الارحام وان لم يكونا اصحاب فرؤض ولاعصبات قال الشيخ: وتعتبر بيت المال وارثا بثلاثه شروط: 1- عدم وجود صاحب قرض 2- ولاعصبة 3- ولا ذوى الارحام فزوى الارحام يقومون على بيت المال ولوكان منتظمآ فالصله الخاصه تقوم على الصله العامه. 2- الموالاة والمعاقدة: وهذه كانت تفعل قبل الاسلام وفعلت فى صدر الاسلام ثم نسخت وهو ان يقول احد لصاحبه دمى دمك، وهدمى هدمك، ترثنى وارثك، تعقل عنى واعقل عنك. فالشارع كان يعتبر ذلك سببا من اسباب الارث فلو مات احدم ورث () ولو قتل خطا عقل عنه فصار بذلك له حكم العصبه، وقد اشار الله الى ذلك فى قوله ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان وارقربون والذين عقدت ايمانكم فاتوهم نصيبهم " فصل هذا السبب بات اذا لم يكن هناك عاصب النسب وصاحب فرض. نياتى هذا ويقوم على بيت المال وزوى الارحام ام هذا نسخ للعلماء فى ذلك قولان معتبران. قول الامام ابن حنيفه وهو روايه عن الامام احمد ان الارث بالموالاة والمعاقدة لم ينسخ وايات الارث لم تنسخ الارث بالموالاة والمعاقدة انما نصت على تقديم ورثه اخرين عليه.

قول الامام الشافعى ومالك والروايه الاخرى للامام احمد ان الايه نسخت بايات المواريث وقالوا يمكن تاويل الايه " والذين عقد ايمانكم فاتوهم نصيبهم " نصيبهم اى من النصرة والمناصحه والمعاونه والماء والوصيه، فجانب الارث الفى وماعداه من المساعدة الاحسان باقى امن عاهدته. وقال الترمزى بعد اخراج حديث تميم لا يعرفه الامن حديث عبد الله بن دهب وهو عندى ليس بمتصل والعمل على هذا عند بعض اهل العلم وهذا ما قواه ابن القيم فى تعليته على مختصر السنن للمنزرى فى ص4رويت شواهد واثار تقوى حديث تميم منها حديث ابى امامه ومنها اثر سعيد ابن المسيب مرسلا والروايتات اخرجها سعيد بن منصور وقال ابن القيم انه لا يخط عن درجه الحسن. 3- المتسبب فى اسلام شخص:- فهل من تسبب فى اسلام شخص يقدم على بيت المال ام لا لعلمائنا فى هذا خمسه اقوال:- القول الاول: ذهب اليه اسحاف بن رهوله وطاوس واحد قولى احمد وقض به عمر بن الخطاب ان هذا السبب يعتبر نت اسباب الارث د، ن من حديث تميم الدارى قال: قلت للنبى يا رسول الله ما السنه فى الرجل من المشركين يسلم على رجل من المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم هو اولى الناس بمحياه ومماته وقد اشار اليه البخارى فقال باب " اذا سلم على يديه احد " ثم ساق ادله معلقه وقال وكان الحسن لا يرى له ولايه وقال ويزكر " بصيفة التمريض " عن تميم رفعه قال هو اولى الناس بمحياه ومماته " تم قال واختلفوا فى صحيحه هذا الخبر وقال ابن حجر فى الفتح ذهب الجمهور الى ان المراد بالاولويه او لويه نعرة ومساعدة ومعونه لااوليه ارث. القول الثانى:- ذهب اليه ابو حنيفه وصاحباه قالوا تثبت له ولايه بشرط مولاته فكانهو لا يعتبرون التسبب في الاسلام سبب من اسباب الارث الا اذا والاة وعاقدة. القول الثالث:-ذهب اليه سعيد بن السيب فقال تثبت له ولايه عليه ان عقل عنه

القول الرابع:- ذهب اليه يحيى بن سعيد من ائمه التابعين فقال يكون المتسبب في اسلام احد ولايه عليه بشرط ان المسلم من اهل الحرب لا من اهل الزمه (اى المسلم الذى اسلم على يديه) . القول الخامس:- الامام مالك والشافعى وهو قول الجمهور فقالوا لا يكون ذلك سببا للارث مطلقا. وقالوا ان الحديث ضعيف من حيث الاسناد ولو صح وثبت فهو منسوخ وقالوا ان معنى قوله لا هو اولى الناس به فى محياه ومماته فينبغى عليه ان يواليه وان يتصده وان يبره وان يفسله وان يصلى عليه وان يساعدة بما في وسعه وليس المراد ولا يه ارث. 4_الالتقاط:- قال تعالى "فالتقطه الا فرعون" وهو اخذ ولد لا يعرف نسبه ولا رقه. ميراث اللقيط:- هل يرث الملتقط من لقيطه للعلماء في ذلك قولان: القول الاول:- قول ابى حنيفه ومالك والشافعى واحد قولى الامام احمد ان الملتقط لايرث اللقيط لان اللقيط من الاصل انه حر ولا ولاء لاحد عليه ولا نسب بين وبين من التقطته وليس هو عطيق لك حتى ترثه. القول الثانى:- قول اسحاق بن راهو به وهو القول الثانى للامام احمد ولنخص ان الملتقط يرث اللقيط لان الملتقط له ولاء علي من التقطه وقد اشار البوخارى الى ذلك فقال باب "الولاء لمن اعطق وميراث اللقيط " والادله على هذة القول ما يلى: الدليل الاول: د، ن،جة، ت وقال حسن غريب عن وائله بن الاسقع قال سمعت رسول الله يقول" تجوز المراة ثلاثه مواريث عتقها ولقيتها وولدها الذى لا غت عليه" قال ابن الاثير فى جامع الاصول " اللقيط حر فى قول عامه الفقهاء وذهب بعضهم الى ان ولاء اللقيط لملتقطه اصتحاجا بهذا الحديث وليس الحديث صجه عند الاكثر ووهو ثابت عند الاكثر من اهل النقل اى المحدثون الدليل الثاني:- وهو ما ذكره البخاري فقال باب " الولاء لمن اعتق وميراث اللقيط.

واورده في كتاب الشهاداتفقال باب " اذا زكي رجل رجلا كفاه "واورد معلقا ولفظالاثر عن ثنين ابي جميله قال وجدت منبوذا في زمان عمر فجئت به الي عمر فقال رضي الله الله عنه " عسي الغوير ابئسا" فقال ثنين كانه يتهمني فقال الحرس " يا امير المؤمنين انه رجل صالح "فقال عمر اكذلك قال نعم قال " اذهب فهو حر ولك ولائه وعلينا نفقته " وقال المستدلون بالاثر ان الواقعه حدثت امام الصحابه ولم ينكروا علي عمر قوله فصار بذلك كالاجماع منهم وقال ابن القيم ان صح هذا الاثر فالقول ما قال اسماق بن رهويه ثم علل ذلك بامرين معتدين قال:- أ- ان انعام الملتقط علي القيطه ليس دون انعام المعتق علي عتيقه واذا اتفقنا علي ان المعتق له ولاء علي من اعتقه من غير وجود نسب بينهما فنعمه الملتقط اكبر لان اللقيط لو لم تلتقطه هلك ننعمتك علي اللقيط اكبر من نعمتك علي القتين اذا اعتقنه. ب- ان الملتقط ساوي المسلمين في صلتهم بهذا اللقيط وامتاز "عليهم بانه احسن احسن اليه، فمن محاسن الشرع ان يكون الملتقط احق بماله من سائر المسلمين ولا يرد وهذا المال الي بيت المال وقال ابن.. "استقر الشرع علي تقديم النسب لا علي نسخ الاسباب الاخري". قال الامام الرجي: ويمنع الشخص من الميراث ... واحده من علل ثلاث رق وقتل واختلاف دين ... فافهم فليس الشك كاليقين ... ... ... ... موانع الارث المانع لغه: هو الحاجز والحائل:- المانه اصطلاحا: ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من وجوده عدم ولا وجود لذاته موانع الارث المتفق عليها:- (1) الارق:-

ومعناه العبوديه والرقيق هو المملوك ومعناه الاصطلاح: عجز حكمي يقوم بالانسان سببه الكفر يمنعه من التعرف و" هو مانع للارث من جانبين فالرقيق لا يرث من اقاربه لانه لو ورث لال الميت الي سيده وكذلك لا يرث ان اعتق قبل قسمه التركه اذا مات مورثه وهو رقيق وهو ايضا لا يورث لانه لا يملك شيئا فكل ما يجمعه لمالكه ولومات وعنده قال لا تنقل الي سيده ويتعلق بمبحث الرقيق امران:- أ- المبعض:- اي من بعضه حر وبعضه رقيق فهل يرث ويورث ام لا للعلي في ذلك عده اقوال:- القول الاول: عند ابي حنيفه والامام مالك البعض كالرقيق فلا يرث ولا يورث لتغليب الرق فيه عليه القول الثاني: ذهب اليه ابو يوسف والامام محمد وزمز من تلاميذ ابي حنيفه المبعض كالحر يرث ويورث المكاتب:- انى من الكتاب ومعناه لغه الضم والجمع وحصل للمكاتب هذا المعنى لانه يدفع اقساطآ تجمع ونضم الى بعضها وايضا لان المملوك يلتزم بالالتزام والسيد بالتزام تضم ذلك الى ذلك فحصل يقر الضم والجمع فائدته من يعتق على الانسان من قاربه فى حال شرائه له للعلماء ثلاثه اقوال: 1. الحنابله والاصناف:- كل قريب عن المحارم يعتق اذا ملكهم والسنن الاربعه لا ن، هـ، خ، ادب من زوايه ابى هريره ان النبى قال لا يجزى ولدوالده الا ان يجده مملوك كاكافيشتريه فيعتقه وقال الاصناد يسرى ذلك ويقاس عليه سائر الاقارب وثبت مد والسنن الاربعه كم هـ، د لى عن سره من مندب قال سمعت رسول الله يقول "من ملك ذا رحم محرم فهو حرم" والحديث حسن والرحم المحرم لو كان احدهما انثى لماحل للاخر. 2. قول الشافعى قال يعتق على الانسان الاماد والامناء. 3. ان مالك قال يعتق على الانسان الاد والامناء ولاخوه والاخوات دون اولاء الاخوة والاخوات. القول الثالث: ذهب اليه الامام احمد قال يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحريه والرق.

القول الرابع: ذهب اليه الامام الشافعى البعض لايرث ويحجب احآ من اقاربه ولكنه يورث لان مال البعض على قسمين ماله القديم قبل ان يكون بعضا لمالك باقيه والذى كسبه بجزئه الحر هذا الذى يورث عنه. ب - المكاتب:- وهو اعتاق المملوك يدا حالا ورقبه مالا تقابل مبلغ من المال يدفعه المملوك قال تعالى "والذين يبقون الكتاب ملكته ايمانكم فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا" واتفق العلماء على ان المكاتب لايرث احدا من اقاربه طالما عليه درهما واحد فهل يورث ام لا للعلماء فى ذلك عده اقوال:- القول الاول:- قول الامام الشافعى واحدقولى الامام احمد لا يورث كما لايرث وبموته تنفخ المكاتبه بينه وبين كاتبه وئوول كل ما يملكه الى سيده لانه ماوال عبدا طالما بقى عليه درهم واحد ثبت فى د، هـ ك واسناد الحديث حسن عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان النبى قال " الكاتب عبد ما بقى عليه درهم " وقد اخرج الحديث ايضا مد، جه، هـ ك، ت، د بنحوه ولفظ الحديث من كاتب عبده على مئه اوقيه فاداها الاعشرا وقيات ثم عجر فهو رقيف. القول الثانى: قول الامام احمد الثانى وقول ابى حنيفه يورث ولا تنفخ المكاتبه فاذا كان عند المكاتب مال كثير تسددا فساطها عند مونه وما يفضل يوزع على ورثته جمعيا. القول الثالث: قول الامام مالك يورث ولا تنفخ المكاتبه وتسدد اقساطها من ماله الذى تركه ولكن لايرثه الا من يعتق عليه لو ملكه. فائده:- من هو القريب الذى يكون محرما. الصنف الاول:- الاباء مهما علوا. الصنف الثانى:- الاولاد مهما نزلوا. الصنف الثالث:- الاخواة مطلقا اثناء او لاب او ام. الصنف الرابع:- اولاد الاخوه مهما نزلوا. الصنف الخامس:- العم والخال فقط ففروعهم ليس محارم لك. المانع الثانى: القتل:-

قطنى هـ عن عمرو بن شعيب عن جده ان النبى قال ليس للقاتل من الميراث شئ ورواه د، هـ ايضا بلفظ ليس للقاتل شئ فان لم يكن له وارث يرثه اقرب الناس اليه ولايرث القاتل شيئا وقد روى الحديث عن عدة من الصحابه فروى عن ابى هريره مرفوعا ن ت، جه، قطنى، هـ، والفظ الحديث القاتل لايرث والحديث على صحه معناه ضعيف فضيف اسحاق بن عبد الله بن ابى فرة وقال الترمزى لايصح هذا الحديث ولايعرف الامن هذا الوحه وروى عن عمر بن الخطاب فى جه، الموطأ، هـ ك، قطنى، ولفظه مرفوعآ ليس للقاتل شئ وفى رواايه الدار قطنى "ليس للقاتل يراث" وقد قال ذلك عمررض الله عنه فى قصه حدثت فى عهده رواها عنه قتادة وقد اجمع العلماء على ذلك فى الحمله على ان القتل مانع عن موانع الارث ولكن اختلفوا فى تعين القتل المانع من الارث على اربعه اقوال:- القول الاول:- قول الشافعى:- وهو اعمال عموم الحديث والسير مع اطلاقه" ليس للقاتل من الميراث شئ " فمن صدر منه القتل باى وجه كان يحرم من الميراث حسمآ لاستعمال الوارث موت مورثه ولو قتله بغير قصد كانهم انقلب على قريبه فقتله اولمصلحه كمالو ادب ولده فمات اوطب جرح مورثه فمات او شهد عليه شهادة اوت تقتله او حكم عليه بالقتل ان كان قاضيآ لاستحقاق ذلك فكل من تسبب عن فعله قتل مورثه بحق او بغير حق، بقصد او بغير قصد، بعمد او بغير عمد يحرم من الميراث. القول الثانى: قول الامام مالك: قال القاتل بنقسم الى قسمين: أ- قتل عمد: فلا يرث القاتل من مال ولا من دينه (اى مال وديه من قتله) ب- قتل الخطأ: نيرث القاتل من مال حورثه الاصىلى ليس من دينه لانه لم يتعجل موت مورثه ولا يرث من الديه لانه لوورثه من الديه فقد ورث نفسه. القول الثالث:- قول الامام الاحمد قال:

القتل المانع من الميراث هو قتل بغير حق وهو القتل الضمون والذى يترتب عليه قود ورديه وكفاره ندخل فى هذا قتل العمد ونسبه العمد وقتل الخطآ وما جرى مجرد الخطا كا نقلاب النائم فى حال نومه والقتل بالسبب كان كفر بئرا فيقع مورثه فمات ويدخل فى قتل الخطأ الصبى غير المكلف ضرب مورثه فقتله فخرج من القتل الذى يمنع من الميراث القتل تصاحأ، والقتل اذا كان دفعا، والقتل اذا كان مصلحه. القول الرابع: - قول ابى حنيفه قال:- القتل المانع من الميراث هو ما اوجب قصاصا او كفاره فخرج بذلك القتل بالسبب كقتل الصبى لمورثه، وموت المورث فى بئر حفره وارثه، وانقلاب النائم على مورثه فقتله، لانه فى هذه الامور تجب الديه فقط ولا توجب كفارة. قال الشيخ: ان قول الامام مالك بتوريث قاتل الخطاء ابعد الاقوال ولان الانار تردة، فقد ثبت فى سند ابى يعلى ومعهم الطبرانى الكبير واسناد الاثر صحيح الا ان فيه راو لم يسم وذكره الهيثى فى مجمع الزوائد ويوه عليه باب يراث القاتل ولفظ الحديث ان عدى بن زيد الجزار مى كان بين امراتين فرمى احداهما بحجر عن طريق الملاعبه فماتت فركب عدى الى النبى وساله فقال " اعقلها ولاترثها " المانع الثالث اختلاف الدين: - وله حالتان:- - الحاله الاولى: - اختلاف الدين بين المسلمين والكافرين هل يوجد توارث ام لا على اربعه اقوال عند العلماء: -

القول الاول:- وهو الذى عليه الجمهور أبو حنيفه مالك الشافعى وهو روايه عن الامام احمد. انه لاتوارث بين المسلم والكافر مطلقا، لانه لاولايه بين المسلمين والكفار ولان النصوص وروث بذلك عين نبينا ثبت عد، الموطآ، م، خ، ت، د، جه، مى، قطنى، هـ ك، دل عن اسامه بن زيد ان النبى قال " لايتوارث اهل ملنين، ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم " وثبت خ، م، د، هـ ك عن اسامه بن زيد قال: قبل الرسول الله يوم فتح مكه اين تنزل غداء، اتنزل فى دارك فى مكه، اى التى كنت تسكنها قبل الهجره " فقال صلى الله عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل من رباع اورود" وكان عمر يقول: لايرث المومن الكافر اولا الكافر المؤمن ثبت الموطأ عن زين العابدين انه قال: " انما ورث طالب عقيل وطالب ولم يرثه على " ولا جعفر. ومعنى الحديث ان النبى سئل هل تنزل فى دارك التى ابو طالب استولى عليها فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع " اى الارض التى بينى عليها " أودور ليشير ان طالب حينما مات على الكفر فورثه عقيل وطالب لانهما كانا على الكفر ولم ينركا شئ ثبت فى مد، د، جه، فط وهو صحيح عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده وهو عبد الله بن عمروبن العاص ان النبى قال " لايتوارث اهل متين شئ ورواه كم، هك عنه بلفظ "لايرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وزاد هـ " ولايتوارثون اهل مليتن". وروي الترمزي باسناد حسن عن صابر بن عبد الله ان النبي قال " لا توارث بين اهل ملتين". وبذلك افتي الصحابه رضي الله عنهم ثبت في الموطأ، هـ ك واسناد الاثر صحيح عن محمد بن الاشعت ان عمه له دهوديه او نصاريه توفيت فذكر ذلك لعمر وساله من يرثها فقال عمر "يرثها اهل ملتها " ثم اتي محمد بن الاشعت عثمان بن عفان فساله عن ذلك مره ثانيه فقال له عثمان "اتراني نسيت ما قال لك عمر يرثها اهل دينها". القول الثاني:-

قول الامام احمد في الروايه الثانيه عنه يرث المسلم الكافر بالولاء فقط ويقاس عليه ارث الكافر للمسلم ولاء فقط اي يرث المعتق عتيقه ولو اختلف الدين روي قط، كم، هـ ك، عن جابر بن عبد الله مرفوعا وقال الدارقطني والمحفوظه انه موقوف علي جابر والاثر صحيح موقوفا عليه وقال: " لا يرث المسلم النصراني الا ان يكون عبده او امته " قال الامام احمد ومقاس عليه العكس قال الشيخ وهذا لا دلاله عليه لان قوله " الا ان يكون عبده او امته" لا يراد به الارث الاصطلاحي انما يراد منه ان ما بيد العبد والامه يكون للسيد، فالمراد بالارث هنا انتقال مال العبد في حال رقه وانتقال مال الامه في حال رقها الي السيد بعد موتها وهذا هو جواب الجمهور علي هذا الاثر. القول الثالث:

قول الامام احمد وهي روايه ثالثه عنه ان الكافر يرث المسلم اذا اسلم الكافر قبل قسمه التركه ترغيبا له في الاسلام وقوي هذا الراي بدليل منقول وهو ما رواه د، جه، هـ ك، ض، عن ابن عباس واسناده ص والاثر رواه حب من طريق اخر وفيه محمد بن الفضل بن عطيه وهو ضعيف جدا كما قال الهيثمي في المجمع عن ابن عباس قال قال رسول الله "كل قسم قسم في الجاهليه فهو علي ما قسم وكل قسم ادركه الاسلام فهو علي قسم الاسلام ورواه الخاطب في معجمه الكبير بسند صحيح قال الهيثمي في المجمع فلاحسان بن بلال وهو ثقه" عن حسان بن بلال ان يزيد بن حدث ان رجلا من اهله مات وهو علي غير دين الاسلام قال فولرثته اختي دوني وكانت علي دينه ثم ان ابي اسلم نشهد مع رسول الله فمات فاحرزت ميراثه وكان ترك غلاما ونخلا فاسلمت اختي وخاصمتني الي عثمان في الميراث فحدثني عبد الله بن الارقم ان عمر قضي ان من اسلم علي ميراث قبل ان يقسم فله نصيبه قال فقضي به عثمان قال يزيد فذهبت بذلك الاول كله وشاركني في هذا قال الشيخ وهذا الراي وان كان قد عارضه الجمهور الا انه قول معتد لقضاء حليفتين راشهين به وهما عمر وعثمان، ولان عمر هو الذي روي عن النبي قوله " لا يرث المؤمن الكافر" وهذه صوره عامه نخرج منها هذه الحاله الخاصه وهو اذا اسلم قبل قسم التركه. القول الرابع:

قول معاذ بن جبل ومعاويه ومسروق وسعيد بن السبب واسحاق ان المسلم يرث الكافر ولا يرث الكافر المسلم تفصيلا للسلام علي غيره ثبت في د كم واسناده صحيح عن معاذ بن جبل انه اتي في ميراث يهودي وله وارث مسلم فقال معاذ اسمعت رسول الله يقول الاسلام يزيد ولا ينقص فورث المسلم من قريبه اليهودي وثبت في د عن عبد الله بن بريذه ان اخوين اختصما الي يحي بن يعمر احدهما مسلم والاخر يهودي فورث المسلم من اليهودي وقال حدثني ابو الاسود ان رجلا حدثه ان معاذا قال سمعت رسول الله يقول الاسلام يزيد ولا ينقص فقضي يحي بقضاء معاذ في البصره قال الحافظ بن حجر في الفتح: قال الحاكم اسناد الحديث صحيح وتعقب بالانقطاع بين ابي الاسود ومعاذ ان رجلا وما سمي الرجللكن سماعه منه ممكن قال الحافظو زعم الجوز قاني ان هذا الحديث باطل وهذه مجازفه ثم قال ابن حجر. قال ابو العباس القرطي صاحب كتاب المفهم شرح صحيح مسلم هذا كلام محكي وليس يحديث قال ابن حجر كذا قال وقدروا اه من قدمت ذكرهم فكانه، وقف عليه ثم اورد ابن حجر شواهد لهذا الاثر، ما رواه احمد بن منيع بسند قوي من معاذ انه كان يورث المسلم من الكافر من غير العكس واخرج ابن ابي شيبه عن عبد الله بن معقل قال ما رايت قضاء احسن من قضاء قضي به معاذ نرث اهل الكتاب ولا يرثون كما يحل لنا النكاح فيهم ولا يحل لهم وهذا القول لهم لم يفل به احد من الائمه الاربعه والخلفاء الراشدين. الحاله الثانيه:- توارث الكفار فيما بينهم. أ- المتفق عليها لو اتفقت ديانه فيتوارثون بالاجماع فيرث الابن اليهودي من ابيه والعكس وهذا لا خلاف فيه. ب- اذا اختلفت مله الكفار يعني اليهود ونصراني او مجوس هل يرثون من بعضهم للعلماء في ذلك ثلاثه اقوال:-

القول الاول:- قول ابي حنيفه والشافعي وروايه للامام احمد ان الكفار مله واحده فيحصل التوارث بينهم علي اختلاف مللهم وتراث الله تعالي الي ذلك في قوله "والذين كفروا بعضهم اولياء بعض " واشترط الحنيفه والشافعيه للتوارث بين الكفار مع اختلاف مللهم اتحاد لانقطاع سبب الولايه بينهم والنصره. القول الثاني: قول الامام مالك يقول الكفار ثلاث ملل فاهل كل مله يتوارثون فيما بينهم والملل هي " يهود _ نصارا وما عداهم " كلهم مله واحده فلا يرث اليهودي من غير قربائه اليهود ولا يرث النصاري من غير اقربائه النصاري ويرث بقيه الكفار بعضهم من بعض علي اختلاف اشكالهم فكلهم مله واحده فاعتبر الامام مالك في هذا القول السبب في تصنيف الكفار الي ملل معتبره وجود كتاب فمن عندهم كتاب مله اي يعتبرون مله فمن عنده كتاب لا يرثه الا اهل كتابه وبقيه الكفار مله واحده يرثون بعضهم بعضا. القول الثالث:- قول الامام مالك في الروايه الثانيه عنه وقول الامام احمد الثاني وهو ان الكفار مللهم متعدده فلا توارث بينهم لابد ان يكونوا علي مله واحده وايدا اصحاب هذا القول قولهم باحدي روايات الحديث المتقدم "لا يتوارث اهل ملتين شتي" وقالوا هذا ليس خاصا بالمؤمنين والكفار فاهل ملتين مختلفتين لا يتوارثون موانع الارث المختلف فيها:- المانع الاول: اختلاف الدار بين الكفار فاذا اختلفت دور الكفار سواءًكانوا مله واحده او ملل مختلفه فهل يرث كافر في فرنسا كافرا من بريطانيامثلا للعلماء في ذلك قولان:- القول الاول:- ذهب اليه الايام ما علي واحد قوله الامام احمد ان اختلاف الدار بين الكفار يعتبر من موانع الارث فيما بينهم وعمدتهم في ذلك امران معتبران: الامر الاول:- عموم ايات المواريث وعموم النصوص التي تجعل للورثه نصيبا من مال مورثهم ولم يعتبر ذلك فيما لو كانت الدار واحده. الدليل الثاني:-

قالوا عله المنع من الارث اختلاف المله لقوله صلي الله عليه وسلم "لا يتوارث اهل ملتين شتي " فهؤلاء مله واحده فاذا اختلفت الدار لا يعد ما نعا من موانع الارث بالنسبه للمؤمنين فكذلك لا يعتبر مانعا بالنسبه للكفار. القول الثاني:- قول ابي حنيفه والشافعي والقول الثاني للامام احمد قالوا ان اختلاف الدور مانع من موانع الارث بالنسبه للكفار وذلك لعدم ناصر فيما بينهم قالو لايه بينهم متغطعه وكل واحد يعادي لاخر ويقاتله واختلف اصحاب هذا القول في تعيين اختلاف الدار احمد في القول الثاني ذهب الامام الشافعي الي ان اختلاف الدار يتحقق بان يكون احد الكافرين ذميا والاخرحربيا في دار الحرب فلا يرث الذمي قريبه الحربي والعكس كذلك وهذا ما ذهب اليه الشافعي والامام احمد اما الامام ابو حنيفه فقال ان اختلاف الدار له ثلاث صور صورتان تمنعان من الارث فهما الصوره الاولي ان تختلف الداران حقيقه وحكما كما هو الحال مع الذمي والحربي فاختلفت الدار حقيقه وحكما او بين حربين في دارين مختلفتين وكلا منها يعادي الاخر الصوره الثانيه ان تختلف الدار حكما لا حقيقه كما هو الحال بين ذمي ومستامن في دارنا ان الصوره التي لا تمنع من الارث هي اذ اختلفت الداران حقيقه لا حكما كما هو الحال في مستامن في دارنا وحربي في دار الحرب.

المانع الثاني: الرده وهو الرجوع عن دين الاسلام بقول او فعل والقول مثل الاستهزاء باحكام الدين او استحلال ما حرم الله والفعل مثل لبس الصلبان او زنار النصاري او قلنوه المجوس واجمع العلماء علي ان المرتد لا يرث احدا من اقربائه المسلمين وقال الامام احمد لو عاد قبل قسم التركه يرث والرده ملحقه بالكفر الاصلي وليست مانعا مستقلا من موانع الارث عند الائمه الثلاثه ابي حنيفه ومالك واحمد اما عند الشافعي فالرده مانعا مستقلا والعله في ذلك انه لو تنصر اخوان فمات احداهما فلا يرثه اخوه وكذلك عند الائمه الثلاثه فهل يورث المرتد: ذهب الامام مالك والشافعي واحمد ان المرتد لا يرث ولا يورث وماله يكون فيئا ويوضع في بيت المال بعد قضاء حقوق العباد والديون وذهب ابو حنيفه فقال المرتد اما ان يكون رجلا واما ان يكون امراه. اما الرجل لما له حالتان: الحاله الاولي: مال اكتيبه في حال الاسلام ومال اكتسبه في حال الرده فماله الذي اكتسبه في الاسلام يرثه المسلمون ورثته والمال الذي اكتسبه في حال الرده يوضع في بيت المال فيئا اما المراه: فينتقل مالها الي المسلمين سواء حصلت مالا في اسلاسها او بعد ردتها وذلك لان المراه تختلف عن الرجل في الرده فالمراه لا تقنل اذا ارتدت عن ابي حنيفه. المانع الثالث: الدور الحكمي: وهو توقف الشيئ علي ما توقف عليهو قال بعضهم يبين هذا المعني قضيه الدور قامت بيني وبين من احب، فلولا شيبي ما هجر ولولا هجره لم اشب "هذا متوقف علي هذا وهذا متوقف. ومعناه في الفرائض: كل حكم ادي ثبوته الي نفيه فيدورعلي نفسه" فيلزم من التوريث عدم التوريث مثال:-

كما لو اقرا اخ وارث بابن للمورث بعد موت المورث فهل هذا الاقرار يعتبر موانع الارث ام لا فلو مات المورث وترك اخا ياخذ المال كله، فلو اقر هذا الوارث بنسب الابن الي المورث حجبه عن الارث، وان حجبه عن الارث لا يعتبر بقراره لانه اقراره بنسب الابن من المورث لا يثبت الا بعد ان يكون الاخ وارث فهو ان اقربه حجب وليس بوارث، وفي هذه الحاله اقرار الاخ بنسب الابن الي المورث سيلغي ارثه وهذا ما ادي ثبوته الي نفيه فهل نثبت نسبالابن ونمنع؟ ونمنع الابن من الميراث ام لا؟ للعلماء وفي ذلك اربعه اقوال: القول الاول: قول "الامام الشافعي " وهو ظاهر المذهب وهو ان نعتبر اقرار الاخ او الوارث ونثبت النسب لكن لا تورث المقر له بالنسب" واشترط الشافعيه لذلك ان يكون المقر "وهو الوارث" حائزا لكل المال واذا كان سيحوز البعض فقالوا اقراره يعتبر، وذاك يثبت له الارث ولا حرج في ذلك اذن ان يكون حائزا لكل المال وان المقر له سحجبه حجب حرمان. القول الثاني: قول ابي حنيفه، والامام احمد، وقول الشافعي " قالو نثبت النسب والارث حتي ولو ادي الي حرمان الوارث المقر بالنسب من الارث. القول الثالث: قول الامام مالك اذا اقر الوارث بنسب يرث المقر له بذلك الاقرار ولكن لا يثبت له النسب الا اذا اقربه عدلان من الورثه. القول الرابع: قول "داود الظاهري " "لا يثبن النسب ولا تورث، قال هذا لا يصح الا اذا كان من قبل المورث وهو يقربه فبعد موته لا يلحق نسب احد به وقال الشيخ: والذي يظهر ارجح الاقوال قول الجمهور وهو القول الثاني فائده حكمه عدم جواز التعدد علي بنات النبي وهذا من خصوصي اتهن كما قال الحافظ ابن حجر والحكمه من ذلك " من اجل سلامه دين الشريكه. والتي ستكون مع بنت النبي "فاطمه مثلا" ولما يحدث عاده بين الضرائر من المعايره بالاباء فلو فعلت الشريكه مع بنت النبي وقالت مثل ذلك كفرت مخففا لدينها منع من التعدد مع بنات.

المبحث الاخير من موانع الارث: النبوه هل تعتبر النبوه من موانع الارث الانبياء لا يورثون لكنهم يرثون فاذا مات مورثهم ورثوا واذا ماتوا لا يرثهم احد من ورثتهم وما يتركونه ينتفع به المسلمون فهل هذا يعتبر مانعا من موانع الارث قال العلماء حقيقه المانع ان يكون من جانبين او انه لا يرث ويورث كمال القاتل اما النبي فيرث ولا يورث فلا يسمي ذلك مانعا من موانع الارث ثبت في خ م د الموطا عن ابي هريره قال قال رسول الله "لا نورث ما تركنا صدقه "وفي روايه "لا تقتسم ورثتي دينارا" ورواه م د ن عن ابي بكر الصديق انه قال سمعت رسول الله يقول: "لا نورث ما تركنا صدقه" والحديث رواه الشيخان عن امنا عائشه ورواه حماد بن سلمه في تركه النبي صلي الله عليه وسلم الحكمه من عدم ارث ما يخلفه النبي من عرض زائل عده امور. الاول: حسما لتمني ورثتهم موتهم، فقد يتمني ابن موت ابيه ليرثه وهذا في حق الابن حقوق ومنقصه، ولو كان هذا التمني في حق النبي لكان كفرا ورده. الثاني: النبي لا يختص به ورثته فهو اب لامه جميعا. الثالث: لدفع القيل والقال ولئلا يقول ملحد ان النبي جاء ليؤسس ما لا لورثته باب الوارثين من الرجال:- والواثون من الرجال عشره ... اسماؤهم معروفه مشتهره الابن وابن الابن مهما نزلا ... والاب والجدله وان عسلا والاخ من اي الجهات كانا ... قد انزل الله به القرانا وابن الاخ المدلي اليه بالاب ... فاسمع مقالا ليس بالكذب والعم وابن العم من ابيه ... فاشكر لذي الايجاز والتنبيه والزوج والمعتق ذو الولاء ... فجمله الذكور هؤلاء "انواع الوارثين من الرجال ": عدتهم عشره اجمالا وخمسه عشر تفصيلا الوارث الاول:- الابن وهو الولد الذكر قال الله تعالي:- "يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين" وقدم هذا علي غيره من الورثه الذكور لقوه قرابته وصلته باصله ولهذا يقدم الابن علي الاب، لان اتصال الفرع بالاصل اقوي من اتصال الاصل بفرعه.

الوارث الثاني:- ابن الابن مهما نزل بمحض الذكور فيقوم مقام الابن عن عدم الابن مهما نزل وقد اطلق الله جل وعلا الاحفاء لفظ الابناء وسمي ما ينتمون اليه ابا قال تعالي "يا بني ادم"، " يا بني اسرائيل". الوارث الثالث:- الاب قال تعالي: "ولابويه لكل واحد منها السدس". الوارث الرابع:- الحد من قبل الاب مهما علا بمحض الذكور الوارثين اب اب اب.... وينزل الجد منزله الاب في حاله عدم الاب وقال تعالي: "مله ابيكم ابراهيم" الوارث الخامس:- الاخ مطلقا الاخ الشقين ولاب ولام. الوارث السادس:- ابن الاخ الشقيق ولاب ودليل توريثه قول النبي صلي الله عليه وسلم " الحقوا الفرائض باهلها فما بقي فلاولي رجل ذكر "رواه مد، خ، م، د، ت، جه دلي واو رواه قط عن عبد الله بن عباس. الوارث السابع:- العم الشقيق ولاب ودليل توريثه الحديث السابق. الوارث الثامن:-ابن العم الشقيق ولاب ودليل توريثه الحديث السابق. الوارث التاسع:- الزوج. قال تعالي "ولكم نصف ما ترك ازواجكم "الايه. الوارث العاشر:- المعتق ذو الولاء وقد تقدم دليل توريثه في باب اسباب. الوارثات من النساء: عددهن 7 اجمالا، 10 تفصيلا. (1) البنت: دليل توريثها "يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فان كن نساءً فوق انثيين فلهما الثلثان". (2) بنت الابن:- مهما نزلت بمحض الذكور. (3) الام: دليل توريثها "ولابويه لكل واحد منها السدس ممكا ترك". (4) الجده: ام الام، ام الاب وذاذ اجتمعا اشتركا في الميراث ام الام: مهما علت بمحض الاناث الخلص ام الاب: مهما علت بمحض الذكور الخلص. (5) الاخت مطلقا: الشقيقه ولاب ولام. (6) الزوجه: دليل توريثها "ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد".... الايه. (7) المعتقه: دليل توريثها ما تقدم في باب اسباب الارث. الخلاصه:- أ- الوارثون من الرجال ينحصر ارثهم في جهتين اثنين نسب وغيره اما النسب: فلهم فيه ثلاثه احوال:

(1) ان يكون الوارث من اسفل النسب اي من الفروع لا من الاصول وهما اثنين ابن وابن ابن. (2) وارث من اعلي النسب وهما اثنين ايضا اب وجد. (3) يرثون من النسب من جهه الحواشي والاطراف ويدخل في ذلك الاخ مطلقا وابن الاخ الشقيق او الاب والعم الشقيق او الاب وابن العم الشقيق او الاب. الجهه الاخري:- اما سبب النكاح وهو (الزوج) او سبب العتق وهو (العتق) . (ب) وكذلك الوارثات من النساء والحاصل ارتهن في جهتين اثنتين، اما ان يرثن بسبب النسب او بغيره، اما بالنسبه للنسب فلهن فيه ثلاثه احوال: (1) ان يرثن من اسفل النسب اي من الفروع وهما اثنتان فقط البنت وبنت الابن (2) ان يرثن من اعلي النسب وهي ثلاثه الام والجده لام او لاب. (3) ان يرثن بالنسب من جهه الحواشي والاطراف وهي الاخت مطلقه " الشقيقه، او لاب، او لام". الحاله الثانيه: وهو ان يرثن السبب غير النسب بسبب النكاح وهي " الزوجه " او " العتق " وهي " المعتقه". "سكم ارثهم انفراد او اجماعا " اولا: ارثهم عن طريق الانفراد:- لو وجدوا حد فقط ممن تقدم ذكرهم من " الوارثين والوارثات لذلك حالتان: الاولي: علي القول الذي يقول لا يوجد رد وهو مذهب الشافعي وغيره فان كان الموجود من الذكور فله كل المال الا اذا كان زوجا او اخا لام لان كل الذكور عصبات الا الزوج والاخ لام فياخذان حقهما والباقي لبيت المال واذا كانت الوارثه من النساء فلا تحوز كل المال الا اذا كانت الوارثه معتقه. ? وعلي القول يوجوب الرد. فاذا انفرد واحد من تقدم ذكرهم من الوارثين والوارثات فله كل المال الا الزوجين فلا يرد عليها لان قرابتهم بسبب النكاح، وعند الخليفه الراشد "عثمان" يرد علي الزوج وهذا الذي ذهب اليه "ابن تيميه". - الحاله الثانيه:- اذا كانو مجتمعين، ولا جتماعهم حالتان:- ? الاولي: ان يكونوا من صنف واحد اما ذكور واما اناث.

أ- تلو اجتمع الذكور كلهم فلا يرث الا ثلاثه فقط (الابن، والاب، والزوج) ب- اذا اجتمع النساء العشره كلهن فيرث منهن خمسه نسوه ويسقط خمسه قالوا رثات هن "بنت، بنت ابن، وام، زوجه، اخت شقيقه". امثله علي الصنف الثالث: " وارثون يرثون بها ناره بواحد منها تاره مات ثم زوجة ... ... 1/4 اب ... ... ع عن طريق التعصيب ابن ... ... ع اب ... ... 1/6 عن طريق الفرض بنت ... ... 1/2 اب ... ... 1/6 ع عن طريق الفرض والتعصب -الحاله الثانيه:- اذا اجتمع الصنفان وارثون ووارثات فلا يتصور وجود الجميع فيبقي. مثال:- فاذا اماتت الزوجه فلا يرث الا خمسه اصناف فقط من 24 وارثا ووارثه الزوج _ الاب _ الام _ الابن _ البنت واذا كان الميت زوجا فالذين يرثون هم: الزوجه _ الاب _ الام _ الابن _ البنت ولا يرث احد مع هؤلاء مطلقا. اقسام الورثه بالنسبه لانواع الارث: " الفرض اون التعصيب " فيتقسمون الي اربعه اقسام من حيث الارث: (1) وارثون يرثون من ناحيه الفرض فقط وهم: الام وولداها اخ لام واخت لام، والجده لام او لاب والزوجان لا يرثون الا فرضا. (2) وارثون يرثون عن طريق التعصيب فقط وعددهم اثنا عشر وارثا وهم: الابن وابن الابن والاخ الشقيق او لاب وابن الاخ الشقيق ولاب والعم الشقيق او لاب وابن القم الشقيق او لاب والمعتقان ذكرا او انثي. (3) وارثون يرثون منها تاره وبواحد منها تاره:- صنفان فقط وهما الاب والجد. (4) صنف يرثون بواحد منها بالفرض او التعصيب وهن اربعه: البنات وبنات الابن والاخوات الشقيقات والاخوات لاب انواع الارث واعلم بان الارث نوعان هما ... فرض وتعصيب علي ما قسما فالفرض في نص الكتاب سنه ... لا فرض في الارث سواها البته نصف وربع ثم نصف الربع ... والثلث والسدس بنص الشرع والثلثان هما التمسام ... فاحفظ فكل حافظ اسام انواع الارث:- الارث ينقسم الي نوعين اثنين اما الارث بالفرض او ارث بالتعصيب اولا الارث بالفرض:-

ومعني الفرض: هو نصيب مقدر لوارث معين لا يزيد الا بالرد ولا بنقص الا بالعول:- والفرض المقدره هي 6 علي الاتي: 1/6.1/3.2/3.1/8.1/4.1/2 طريقه عد الفروض: (1) الترقي: (1/8) (1/6) وضعفهما وضعف نصفهما وهو تاتي بالكسر الادني وترتقي درجه درجه. (2) التدلي او النزول: (2/3) (1/2) ونصفهما ونصف نصفهما وهو تاتي بالمخرج او الكسر الاكبر ثم تنزل درجه درجه. (3) التوسط: فتاتي بالمخرج المتوسط وهو (1/4) (1/3) فترتقي درجه وتنزل درجه او ان تقول نصفه وضعفه. اصحاب النصف: يستحق النصف خمسه من الورثه وهم: (1) الزوج: ياخذ النصف بشرط عدم وجود الفرع الوارث مطلقا ابن او ابن ابن او بنت او بنت ابن سواءً منه او من غيره والدليل قوله الله تعالي "ولكم نصف ما ترك ازواجكم ان لم يكن لهن. (2) البنت: الصلبيه الاولي فتستحق النصف بشرطين:- الشرط الاول: ان تكون منفرده ليس معها بنت اخري الشرط الثاني: ان لا يكون معها ابن معصب لها. باب من له النصف: فالنصف فرص خمسه افراد ... الزوج والانثي من الاولاد وبنت الابن عند فقد البنت ... والاخت مذهب كل مسقي وبعدها الاخت التي من الاب ... عند انفراد دهن عن معصب باب اصحاب الربع ... والربع فرض الزوج ان كان معه من ولد الزوجه من قد منعه ... وهو لكل زوجه او اكشرا مع عدم الادلاء فيما قدرا ... وذكر اولاد البنين يعتمد حيث اعتمدنا القول في ذكر الولد (3) بنت الابن: تاستحق النصف بثلاثه شروط:- 1. الا يوجد فرع وارث اعلي منها. 2. والا يوجد مشارك لها مثل بنت ابن من ابيها ومن عمها. 3. الا يوجد معصب لها وهو اما اخوها او ابن عمها. والدليل علي هذا الاجماع ان بنت الابن تنزل منزله البنت عند فقدها. (4) الاخت الشقيقه:- تستحق النصف باربعه شروط:- 1. الا يوجد للميت فرع وارث مطلقا مهما نزل. 2. الا يوجد للميت اصل وارث فاذا وجد الاب او الجد حجبت (اصل وارث ذكر) . 3. الا يكون معها مشارك وهي اخت شقيقه اخري فقط.

4. الا يوجد لها معصب وهو اخوها الشقيق فقط وهذه الشروط الاربعه قد اشار القران اليها في جزء ايه قال تعالي "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلاله ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك" والكلاله معناها:- الذي ليس له فرع وارث ولا اصل وارث اي لا والد ولا ولد. (5) الاخت لاب:- تستحق النصف بخمسه شروط بالشروط السبقه للاخت الشقيقه و (5) الا يوجد احد من الاخوه مطلقا من الاخوه والاخوات. اصحاب الربع:- يستحقه اثنان من الورثه فقط بسبب النكاح وهما الزوجان فياخذ الزوج الربع بشرط واحد وكذلك الزوجه والشرطان متقابلان ضد الاخر: الزوج: في حاله وجود الفرع الوارث ياخذ الربع. الزوجه: في حاله عدم وجود الفرع الوارث تاخذ الربع سواءً منها او من غيرها والدليل عليه قوله تعالي "ولكم نصف ما ترك ازواجكم......... الايه " باب من له الثمن: والثمن للزوجه والزوجات ... مع البنين او مع البنات او مع اولاد البنين فاعلم ... ولا تظن الجمع شرطا فافهم باب من له الثلثان: والثلثان للبنات جمعا ... ما زاد عن واحده فسمعا وهو كذلك لبنات الابن ... فافهم مقالي فهم صافي الذهن وهو للاختين فما يزيد ... قضي به الاحرار والعبيد هذا اذا كن لام واب" ... او لاب فاعمل فهذا تصب اصحاب الثمن:- صنف واحد فقط بسبب النكاح تاخذه الزوجه في حاله وجود الولد ويشترك الزوجات في الثمن ان كن اكثر من زوجه في حاله وجود الولد قال تعالي: "ولكم نصف ما ترك ازواجكم....... الايه". اصحاب الثلثين:- وهم اربعه من الورثه بسبب النسب فقط وهم من حظهن النصف منفردات فلو اجتمعن اخذن الثلثين وهن:- "البنت وبنت الابن والاخت الشقيقه والاخت لاب". اولا: البنتان:- ياخذن الثلثين بشرطين:- (1) ان تكون اكثر من واحده اثنتان او اكثر. (2) الا يكون معهن معصب دل علي ذلك قول الله تعالي "للذكر مثل حظ الانثيين فان كن نساءً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك".

أ- في الايه دلاله قطعيه علي ان البنت ان كانت واحده فلها النصف. ب- في الايه دلاله قطعيه علي ان البنات اذا كن اكثر من اثنتين فلهن الثلثين. ج- ارث البنتين مسكوت عنه فهل تلحق الاثنتين بالنصف او بالثلثين قال ابن عباس تلحق البنيتين بالنصف ثم رجع عن قوله رضي الله عنه واجمعت الامه علي ان نصيب البنتين كنصيب الثلاثه فلهما الثلثان والادله علي ذلك ما يلي: (1) الاجماع: علي ان البنتين حظهن من الارث كمظ الثلاث من البنات وقد حكي الاجماع ابن قدامه في المغني وابن في الفتاوي ولا يعترض علي الاجماع بمخالفه ابن عباس لان الاجماع حصل بعده. الدليل الثاني: قياس البنتين علي الاختين في ايه الكلاله فكل من الاثنين يكمل الاخري ويؤخذ الحكم المذكور في كل ايه الي الحكم الالمسكوت عنه في الايه الاخري اما في ايه البنات فسكت الله عن الاثنتين وفي ايه الكلاله ذكر الله الاختين وسكت عن الاخوات وعليه فحكم البنتين فحكم البنتين كحكم الاختين وحكم الاخوات كحكم البنات ولكن اخذ حكم الاختين الي البنتين اقوي من اخذ حكم البنات الي الاخذ لان البنتين امس رحماً واقوي نسباً. الدليل الثالث:- الايه التي فيها ميراث البنات نبهت علي ان البنتين ياخذان الثلثين متبنيها دقيقا ينبغي ان يفطن اليه وهو التنبيه بالادني علي الاعلي مثال:- مات وترك ... ... 3 ... ... ابن ... ... 2 ... ... بنت ... ... 1 فالبنت في هذا المثال عندما ترث مع اخيها اخذت الثلث وهو اقوي فكيف لا ان تاخذ اقل من الثلث مع اقل من اخيها. مثال اخر:- ... ... ... ... 3 بنت ... ... 2/3 ... ... 1 بنت ... ... 2/3 ... ... 1 عم ... ... ع ... ... 1 ... ... ... ... فالبنت مع الابن في المثال السابق اخذت الثلث فكيف للبنت مع البنت تاخذ اقل من الثلث ومال البنت مع الابن ان من مال البنت مع البنت وهذا تنبيه بالادني علي الاعلي.

الدليل الرابع:- قالوا يستحيل ان نعطي للبنتين النصف لان الله قيضي فرض النصف بالبنت لو كانت واحده وان كانت واحده فلها النصف فان وجد معها اختها فلها ثلاثه احوال او احتمالات:- الاولي:- اما ان نعطي تشركوا بين البنتين في النصف فتقول واحده لها النصف والثنتان لهما النصف وهذا خلال مدلول الايه. الثالثه:- اما ان تجعلوا لكل واحده النصف فتقول الواحده لها النصف والثانيه لها النصف وهذا باطل لان البنات اذا كن ثلاثه لا ياخذن كل المال فكيف اذا كن ثنتين واذا بطلت هذه الاحتمالات كلها تعين ان نجعل البنتين كالثلاثه. الدليل الخامس: السنه ثبت في سنن د، ت، قط، هـ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في قصه امراه سعد بن الربيع قالت يا رسول الله هذا ان بنتا سعد بن الربيع اخذ عمهما المال كله فقالصلي الله عليه وسلم يقضي الله بينهما فنزلت الايه فدعا النبي عمهما وقال اعط ابنتي سعد الثلثين وامهما الثمن ولك. الدليل السادس:- دلت قواعد الفرائض علي ان زاد علي الواحد حكمه واحد. ثانيا بنات الابن:- ويراد بهما الاثنان فما زاد، ينزلن منزله البنات عند عدم البنات والدليل عليه الاجماع وياخذن الثلثين بثلاثه شروط:- 1- عدم المعصب وهو اخوهن او اين عمهن الذي في درجتين. 2- ان يكون اثنتين فاكثر. 3- ان لا يكون هناك فرع وارث اعلي منهن. ثالثا: الاخوات الشقيقات:-اذا كن اثنين فاكثر والدليل عليه ايه الكلاله ياخذن الثلثين باربعه شروط، هي شروط ارثهن النصف باختلاف الشرط الاخير. 1- الا يوجد اصل وارث من الذكور. 2- الا يوجد فرع وارث مطلقا من الذكور والاناث. 3- الا يكون معهن معصب. 4- ان يكن اثنتين فاكثر. رابعا: الاخوات لاب:-

والدليل عليه الاجماع ولان القرابه المقصوده في ايه الكلاله من جهه الاب ولكن يتقدم عليهن الاخوات الشقيقات لقوه قرابتهم وياخذن الثلثين خمسه شروط:- الشروط الاربعه المتقدمه للاخوات الشقيقات ويراد عليها شرطا خامسا (5) الا يوجد احد الشقائق والشقيقات. اصحاب الثلث:- والثلث فرض الام حيث لا ولد ... ولا من الاخوه جمع ذو عرد كاثنين او ثنتين او ثلاث ... حكم الذكور فيه كالاناث ولا ابن ابن معها او بنته ... فعرضها الثلث كما بينته وان يكن زوج وام واب ... فثلث الباقي لها مرتب وهكذا مع زوجه فصاعدا ... فلا تكن عن العلوم قاعدا وهو للاثنين او ثنتين ... من ولد الام بغير وهكذا ان كثروا او زادوا ... فمالهم فيما سواه زاد وتستوي الاناث والذكور ... فيه كما قدا وضع المسطور أصحاب الثلث: - صنفان من الورثه:- أولا: الام:- تاخد ثلث المال من الثلاثه اموال فى ثلاثه شروط: - 1- الايوجد فرع وارث. 2- الا يوجد جمع من الاخواة وا ذا وجد واحد تاخذ الثلث. 3- الا تكون المسآله احد العمريتيين فاتاخذ فى ذلك ثلث الباقى. تفصيل:- ? الشرط الاول مجمع عليه ولا خلاف عليه. ? الشرط الثانى فى هذا الشرط يوجد اتفاق واختلاف، اما محل الاتفاق: - اذا كان الاخوه ثلاثه ومنهم ذكر فابلاتفات لاتاخذ الام ثلث المال. واذا كان ثلاثه نساء فهى تحجب الام من الثلث الى السدس او تاخذ الثلث؟ خالف فى ذلك معاذ بن جبل فقال: اذا كان الاخوه نساء خلص فلا يحجبنا الام وتاخذ الثلث كامل واذا كان الاخوه اثنين فقط ذكور عند المذاهب الاربعه تحجب، وخالف فى ذلك " ابن عباس " واما الاخوه هنا فا الاتفاق ان يكونه من جميع الاصناف (اشقاء، او لام او لى اب، او مختلطين) نحكمهم واحد ولكن الخلاف اذاكن نساء خلص او اخويد اما الجمهور ماعدا ابن عباس ومعاذ ابن جبل فقاله: ان لفظ الجمع المراد منه الجنس المتكثر بغيره، ويحصل بالاثنين والثلاثه كما قرر ذلك ابن قدام فى المغنى، وابن كثير فى تفسيره.

وثبت فى (كم) بسند صحيح عن زيد ابن ثابت انه قال " الاخوه فى كلام العرب اخوان فصاعدا " وثبت فى (كم) (هـ) بسند (ض) وقال الحاكم ص وقال الحافظ فى تلخيص الحبير فى تصحيح الحاكم له فيه نظر لانه من روايه شعبه مولى عبد الله ابن عباس وضعفه الامام النسائى وهى مناظره جرت بين ابن عباس وعثمان ابن عفان رضي الله عنهما فقال له ابن عباس كيف تحجب الام من الثلث الى السدس بالاخوين والله يقول فان كان له اخوه والاخوه بلسان قومد. فائدة:- تعريف معنى الكلاله. يسآلونك عن الكلاله ... هى انقطاع النسل لا محاله لا ولد ينعى ولا مولود ... فانقطع الابناء والجدود فائده: الذكر اذا وجد مع انثى فى مسائله وقرابتهما واحده وصلتهما بى الميت واحده فالميراث لا يخرج عن حالتى: - - اما ان يكون الذكر ضعف الانثى. - او يساويها. ثلاثه فقال عثمان رضي الله عنه لا استطيع ان ارد شيئا قضي به من كان قبلي ومضي في البلدان والامصار وتوارث به الناس. (3) - امر ثالث رجع به قول الجمهور من حيث المعني قالوا الاخوه مطلقا حجبوا الام من الثلث الي السدس لزياده ارثهم علي ميراث الواحد وما زاد علي الاخ او الاخت كله نصيبه واحد (4) (ما زاد علي الواحد حكمه واحد) وهذه قاعده في الفرائض ويستوي الذكر والانثي فيما يحصل به معني الاخوه وقول معاذ رضي الله عنه ما قال به احد غيره الحاله الثالثه:- الا تكون احد العمريتين (وهي ابوان مع احد الزوجين) ... ... ... ... ... ... ... 4 اب ... ... ع ... ... 2 أم ... ... 1/3الباقى ... 1 زوجة ... ... 1/4 ... ... 1 ... ... ... ... 6 اب ... ... ع ... ... 2 أم ... ... 1/3الباقى ... 1 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 ففي هاتين الحالتين لا تاخذ الام 1/3 المال ولكن تاخذ 1/3 الباقي.

الدليل علي ذلك لو انفرد الابوان فللام الثلث والاب الثلثان وهكذا اذ كان معهما احد الزوجين تاخذ الثلث ولكن ثلث ما يرثه الاب وليس ثلث الباقي فنعطي لصاحب الزوجيه فرضه والباقي يقسم علي الابوين للذكر مثل حظ الانثيين وهذا القضاء اخذتا به المذاهب الاربعه ولا يعلم له مخالف الا عبد الله بن عباس في الصدر الاول (فاعطي الام في الحالتين ثلث كل المال) . فائده:- اذا حجب الاخوه الام من الثلث الي السدس وكانوا محجوبين بالاب فهل نبقي علي حجب الام الي السدس او ينفذ الحكم قول الجمهور والمذاهب الاربعه ان المحجوب بالشخص يحجب غيره ايضا وخالف في ذلك ابن عباس وابن تيميه. قول ابن عباس: يعاد الي الاخوه الاشقاء باقي الثلث فياخذون السدس قول ابن تيميه: لا تحجب الام من الثلث الي السدس يجمع من الاخوه الا اذا كانوا مستنفعين بذلك الحجب وارثين فان حجبوا تاخذ الام الثلث كاملا والقولان لم يقل بهما احد غيرهما والعمل علي خلافهما. فائده: الحكمه في ان الاخوه حجبوا الام ولم ينتفعوا: لانهم حجبوا عن الام سدس المال واخذ الاب هذا السدس الزائد من اجل ان ينفقه عليهم وهم اولاده فال الانتفاع اليهم بعد ذلك يرد علي قول ابن يتيمه بان الاخوة الذين حجبوا الام يجب ان ينفعوا بامر 1- بان الاخوه لام مهما زادوا ياخذون الثلث ولا يزيد نصيبهم عليه ويحجبون الام من 1/3 الي السدس بزيادتهم وما انتفعوا بالزياده شيئا. 2- وكذلك يرد عليه بان ذلك له نظير في الفرائض وهو القريب المشئوم ولولاه لورثت الانثيو لا يكون الا مساويا لها. الصنف الثاني: الاخوه لام ياخذون ثلث المال بثرثه شروط: 1- أن يكونو اجمعاً اثنين فاكثر. 2- عدم وجود الفرع الوارث من ولدو ولد الولد الذكر مهما علا. 3- عدم وجود الاصل الوارث من الذكور من اب وجد مهما علا.

الدليل "وان كان رجل يورث كلامه اوامراه وله اخ او اخت فلكل واحد منهما السدس فان كانو اكثر من ذلك منهم شركاء فى الثلث" أحكام الاخوه لام التى يختصون بها فى الفرئض وهى خمسه احكام لايشارك فيها غيرهم وهى:- 1- لايفضل ذكرهم اولى بانثى وورث (والقاعدة فى الفرائض اذا اولى الذكر بالانثى لابن مثل ابو الام جد فسد، ابن البنت اولى بانثى فلايرث. 2- باب السدس: والسدس فرض سبعه من العدد ... أب وام ثم بنت ابن وجد 3- لايعصب ذكرهم انثاهم قيقتسمون المال بالتساوى 4- يحجبون من ادلو ابه حجب نقصان (والاصل ان من اولى بوارث يحجب عند وجوده) وهناك يحجبون واخروا من اولوابه 5- يرثون مع من اولوايه (والاصل ان لايرثوا) اصحاب السدس: يستحقه سبعه اصناف من الورثه. اولا: الاب: يستحق السدس بشرط واحد هو: - وجود فرع واراث للميت. ويكون للاب مع الفرع الوارث حالتان:- حاله: ياخذ فيها السدس ولا يزيد عليه كمالو كان الفرع الوارث ذكر مثل ابن او ابن ابن. وحاله: ياخذ فيها السدس فرضا وما يتبقى ياخذه كعاصب كما لو كان الفرع الوارث أنثى فلها نصف المال وللاب نصف المال السدس فرضا والباقىتعصيبا. الصنف الثانى: الام: تستحق السدس باحدى شرطين: - وجود الفرع الوارث ذكرا او انثى ولاتزيد عليه. - ان يوجد جمع من الاخوه ذكورا او اناثا اشقاء او الاب او الام. فلوجد شرط واحد من الشرطين المتقدمين تاخذ الام السدس والدليل قوله تعالى: "ولابوبه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد" فان كان له اخوه فلامه السدس". الصنف الثالث: الجد: يستحق السدس بشرطين اثنين: 1- عدم الاب. 2- وجود الفرع الوارث. الصنف الرابع: بنت الابن او بنات الابن واجده فاكثر ياخذن السدس بشرطين اثنين هما: 1- عدم المعصب وهو الفرع الذكر الذى فى درجتها اما اخوها وابن عمها. 2- ان يوجد هناك فلاع انثى اعلى منها تستحق نصف المال. وعليه لو مات وترك: ... ... ... ... 6 بنت ابن ... ... 1/2 ... ... 3

بنت ابن ابن ... 1/6 ... ... 1 أم ... ... 1/6 ... ... 1 جد ... ... 1/6ع ... ... 1 والدليل على ما تقدم الاجماع وبينت كذلك فى سنه الصحيحه الصريحه ثبت مد خ د ت جه قط كم هـ د لى بن جارود من روايه هزيل بن شريح قال سئل ابو موس الاشعرى عن رجل مات وترك بنتا وبنت ابن واختا شقيقه فقال ابو موس للبنت النصف وما يبقا فاللاخت الشقيقه النصف، فاتوا ابن مسعود نسيتا بعونى على هذاالقضاء، فذهبوا اليه وقصوا عليه ما حدث فقال والله لاقضين منها بقضاء رسول الله لقد ضللت اذا اوما انامن المهت ثم قال للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكمله للثلثين وما بقى الاخت الشقيقه. الصنف الخامس: الاخت لاب او الاخوات لاب ياخذن السدس بشرطين وهما: 1- الايكون معها او معهن معصب (وهو الاخ لاب فقط) . 2- ان يكون معها اخت شقيقه تستحق النصف " فرضا" لتخرج التعصيب لانه لو ورثتالاخت الشقيقه تعصيبا لاترث الاخت لاب وكلمه " فرضا " يدخل تحتها جميع الشروط المتقدمه لتستحق الاخت الشقيقه بها النصف. والدليل الحديث المتقدم وايه الكلام فى اخر سوره النساء الصنف السادس: الاخ الام او الاخت لام ياخذ السدس بثلاثه شروط: 1- ان ينفرد فلا يتعدد. 2- ان لايكون هناك اصل وارث من الذكور من اب او جد مهما علا. 3- ان لا يكون هناك فرع وارث مطلقا من ابن او بنت مهما تزل. الصنف السابع: الجده: يشترط لارثها السدس ان لا يكون هناك ام وهو شرط زاحد ولا تاخذ الجده او الجدات اكثر من السدس بمال من الاحوال. تعريف الجدة الوارثه: وهى التى يقال لها الجدة الصحيحصه: لتميزها عن الجدة الفاسده (وهى التى تدلى بوارث فمن ادلت بغير وارث لا ترث) . - هى التى اولا: تدلى بمحضى الاثاث كأم الام مهما علت. ثانيا: تدلى بمحض الذكور كام الاب او كام اب الاب. ثالثا: هى التى تدلى باناث الى ذكور ام الاب وام ام الجد. تنبيه: فالجدة من قبل الاب تتعدد اما من قبل الام فلا يتصور ان تتعدد.

تعريف الجدة الفاسدة: ان تدلى بذكور الى اناث كام اب الام. تعريف الشيخ محمد نجيب ضباط للجدة الصحيحه " هى التى تدلى بوارث " دليل توريث الجدات: اولا: الاجماع القطعى: وقد حكى الاجماع ابن قدراته فى المغنى والامام ابن فى التلخيص الجيد نقلا عن محمد بن نصر. ثانيا: السنه: 1- ثبت فى د خر جارود والحديث لايزل عن درجه الحسن عن بريره بن قال حصل رسول الله للجده السدس اذا لم يكن دونها ام. 2- روى مد، و، جه، الموطأ، صب، كم (صحيحه ووافقه الهبى) هـ، قط جارود لكن الحديث فيه انقطاع وراوى الاثر وهو قبيصه بن ذؤيب لم يسمع من ابى بكر وقد ولد عام الفتح وقد نص على ذلك الامام ابن عبد البر وغيره ولقط الاثر. أن جدة انت الى ابى بكرتطلب ميراثها بعد موت النبى فقال ابو بكر مالك فى كتاب الله شئ وما اعلم ان رسول الله قض لى شئ. ادهبى حتى اسال الناس فقام المغيره بن شعبه وقال يا خليفه رسول الله حضرت النبى وقد اطعم الجدة السدس فقال ومن يشهد لك فقال محمد بن مسلمه وقال انا يا خليفه رسول الله حضرت النبى يعطى الجدة السدس مانقذه ابو بكر للجدة ثم بعد ذلك جاءت مسالة اخرى فى عام اخر من حياة ابى بكر جاءت جدتان من قبل الام ومن قبل الجد فقال ابو بكر ليس لكما الاالسدس وايكما خليفه اخذنه فاذا اجتمعتما فهو مينكما. لكن الاثر روى من طريق مرسل من طريق القاسم بن محمد بن ابى بكر فى الموطأ، قط، كم، وهذا يقول المنقطع المتقدم فى هذا الاثر بعد ان قضى ابو بكر للجدة بالسدس وقعت القصه بعد ذلك بين جدتين جده من قبل الام وجدة من قبل الاب فاراد ابو بكر ان يعطى الجدة التى من قبل الام وان يحجب الجدة التى من قبل الاب فقال بعض الانصار بالخليفه رسول الله انت ستحجب هذه ولو ماتت هى قبل الميت لورثها هذه لو ماتت لما ورثها نعدل عن قضاء وشرك بينها فى السدس.

3- روى عبد الله بن احمد بن حنبل فى زيارته على المسند ورواه (هـ، ك) باسناده عن عبادة بن الصامت قال: قضى رسول الله للجدتين فى الميزان بالسدس بينهم والحديث فيه انقطاع لان الراوى عن عباده لم يسمع منه باتفاق العلماء. 4- روى سعيد بن منصور فى سننه، هك، مى، قط عن ابراهيم التخفى مرسلا قال: اعطى رسول الله ثلاث جدات السدس ثنتين من قبل الاب وواحدة من قبل الام. وهذا الاثر رواه. هـ د فى مراسله ولكن عن الحسن البصرى وهذه الاثار تعتضد ببعضها وعندنا حجه نفسه فى هذا الباب وهو حديث بريرة. متى يرث من الجدات عند اجتماعهن: للعلماء فى ذلك ثلاثه اقوال اولها اقواها: القول الاول: قول الحدقيه والشافعيه وهو وجه فى مذهب الامام احمد ان الجدان يرثن مهما كثر عددهن اذا كن فى درجه واحدة وعليه فالدرجه واحدة ولو تنوع من يدلى الجدات بهم مثل أم أم أم اب، أم أ/ أ/ جد، أم أم أ/ أبى جد. القول الثانى: قول الحنابله: لايرث الاثلاث جدات فقط أم الام مهما علت وام الاب مهما علت وام مهما علت. القول الثالث: قول المالكيه وابوثور من اصحاب الشافعى لايرث الاجدتين فقط أم الام مهما علت وام الاب مهما علت. - قال الامام ابن تيحيه فى مجموع الفتاوى فى الجزء الواحد والثلاثين فى الصفحه 353: -

تنازع العلماء فى الجدات الوارثات فقيل: يرث جدتان وهذا قول المالكيه، وقيل الوارثات ثلاثه جدات وهذا قول الحنابله، ثم قال وقيل: جنس الجات المدليات بوارث يرثن، وهو وجهه من مذهب الامام احمد، وهو قول الاكثرين، كأبى حنيفه والشافعى وغيرهما وهذا القول ارجع ولانه لا نزاع ان من علمت بالامومه ورثت سواء كانت من جهه الاب او من جهه الام فترث أم أم الاب، وأم أم الام بالاتفاق ثم قال: فيبقى اذن أم أبى الجد، فاى فرق بينها وبين ام الج وان فرق بين ام الاب وام ومعلوم ان ابا الجد يقول مقام الجد، بل هو جدا علا كذلك كالاب، فان وصف يعرف بين أم أم الاب، أم أبى الجد، فكما ان أم أم الميت وأم ابيه بالنسبه اليه سواء افكذلك أم أم أبيه وأم أبى ابيه سواء أشترك الجدات فى السدس وصجب بعضهن لبعض. لذلك اربعه احوال: الحاله الاولى: اذا كان الجدان فى درجه واحدة ومن جهه واحدة فيأخذن السدس بينهن بالاتفاق مثل (أم أم أب، أم أب أب) . الحاله الثانيه: اذا كن فى الدرجه واحدة لكن من جهتين فالحكم كذلك بالاتفاق مثل (أم أم أب، أم أم أم) . الحاله الثالثه: اذا كن من جهه واحدة لكن بعضهن اقرب الى الميت من بعض اى اقرب من ناحيه الدرجه فالقريب يسقط البعيد بالاتفاق. مثل (أم أم أم، أم أم) فالثانيه تسقط الاولى الانها اقرب. الحاله الرابعه: - اذا كن من جهه مختلفه وبعضهن اقرب من بعض قفى الدرجه فلذلك حالتان: الاولى: وهى لتفق عليها مثل (أم أ/، أم أم أب) فاذا كانت القرب من جهه الام تسقط العدى من جهه الاب بالاجماع. الثانيه: وهى مختلفه قيها وهى عكس الاولى ان تكون القرب من جهه الان والبعدى من جهه الام نهل تسقطها ام لافيه قولان:- الاول قول ابى حنيفه واحمد وقول اللسافعيه (والمذهب كل خلافه، ان الغربى تسقط البعدى من اى جهه كانت (قال الشيخ اقوى) .

الثانى: قول الامام مالك والمعتمد عن الشافعى وروايه عن الامام احمد ان الجدتين فى هذه الحاله يشتركان فى السدس لان الجدة فى هذة الحاله من جهه الام اقوى. متى يسقط الجات ومن يحجبهن. الحاله الاولى: الجدات من جمع الجهات يسقطن بلام بالاتفاق سواء من جهه الام او الاب. الحاله الثانيه: - اذا كان الجدان من جهه واحدة فالقريبه تسقط البعيدة بالاتفاق اذا كان الجدان من جهتين فالقريبه من جهه الام تسقط البعيدة من جهه الاب بالاتفاق. واذا كان الفكس اى القريبه من جهه الاب والبعيدة من جهه الاب المعتمد اى البعيدة من جهه الام لاتسقط بالقريبه من جهه الاب والذى حالف فى ذلك المالكيه والشافعيه. الحاله الثالثه: - الجدة التى ادلت باب هل تسقط جود من ادلت به. مثال الجد موجود وانه موجودة فهل يحجب بوجودة. للعلماء فى ذلك قولان: - قول الجمهور أبو حنيفه ومالك والشافعى وروايه احمد واذهب على خلافه ان الجدة التى تدلى بأب اوجد تحجب عند وجود ابنها.

القول الثانى: قول الحنابله: كما فى المعنى صـ7 صـ59 ورجحه ابن تيميه فى الفتاوى صـ 31 صـ354 ان الجدة لا تحجب بوجود ابنها وقرت فى وجودة ودليل هذا المذهب ما ثبت فى ت عن عبد الله بن مسعود قال (فى الجدة مع منها) انها اول جدة اطعمها رسول الله سدسا مع ابنها وابتها ص قال الترمزى هذا حديث غريب لانعرفه مرفوعا الا من هذا الوجه قال الشيخ: وغرائب الترمزى ضعيفه لا تسلم من مقال ثم قال الترمزى وقد ورث بعض اصحاب النبى الجدة مع ابنها ولم يورثها بعضهم وقال ابن قدامه فى المكان المتقدم معد ان رجح هذا القول فان ابن مسعود وعمرو اباموس الاشعارى وعمران بن الحصين وابا الطفيل ورثوها نع ابنها وبه قال شريح والحسن وابن سرين وجابر بن زيد والعنبرى واسمان وابن المتزر وظاهر مذهب الامام احمد وقال زيد بن ثابت لاترث وروى ذلك عن عثمان وعلى وبه قال مالك والثورى والاوزاعى وسعيد بن عبد العزيز والشافعى واصحاب الرأى وهو روايه عن الامام احمد ولاخلاف فى توزينها ابها اذا كان عمآ اوعم اب لانها لاتدلى به وقال ابن تحيه فى الفتاوى صـ 31 صـ 354 والصحيح انه لا تسقط بابنها كما هو اظهر الروائيتين عن احمد لحديث ابن مسعود لانها وان ادلت به فهى الاترث ميراثه بل هى معه كولد الام مع الام لايسقط بها، وقول من قال من الاولى بشخص سقط بهباطل طروآ وعكسآ. ينبغى ان يضاف اليه من اولى بشخص سقط به اذا ورث ميراثه باطل طردا وابولد الام مع الام وعكسا بولد الابن مع عمه وولد الاخ مع عمه وامثال ذلك كافيه سقوط شخص عن لم يدلى به وانما العله انه يرث ميراثه فكل من ورث ميراث شخص سقط اذا كان اقربا من والجدات يضمن مقام الام فسقطى بها وان لم يدلين بها. المبحث الاخير الجدة التى اذات قرا بتبن فهى جدة من قبل الاب والام اذا اجمعت مع جدة لها قرابه واحدة فهل ترث دات القرابتين ثلث السدس وتعطى الجدة الاخرى ثلث السدس الباقى للعلماء فى ذلك. تفصيل ايضآ: -

قول الجمهور: الحنيفيه وهو الراجع فى المذهب وهو قول المالكيه والمعتمدة عن الشافعيه ان الجدة التى تدلى بقرابتين كالتى تدلى بقرابه واحدة واذا اجتمعا افتما السدس وحجنهم فى ذلك امران: - الاول: ليس للوارث فرضان فكل وارث له فرض واحد فقط. الثانى:- توريث الميراث من جهه الامومه فلا يتعدد السبب بتعدد الجهه كالاخت الشقيقه تماما تدلى باب وام فاذا ورثت نصيب الشقيق لاترث مع الاخوه لام مع انها ادلت كام لانها لا ترث فرضين وكذلك الجدات لا يجمعن بين فرضين. القول الثانى: وهو قول الحنابله وهو قول فى تذهب الحنيفه للامام محمد بن الحسن ان الجدة تدلى بجهتين زت ميراثين وعند هولاء اختلاف جهه القرايه كاختلاف الاشخاص وقالوا حال الجات فى ذلك كمال ابنى العم اذا كان احدهما اخ الام فيرث الان ميراثين فلومات عن ابنعم احدهما اخ الام فيرث بجهتين على انه اخ الام وعلى انه ابن عم والجده ايضا اذا ادلت بجهتين ترث ايضأ بجهتين وعليه يقول اصحاب هذا القول ان كان القرابه متصله ولا يمكن تفريقها فلا يتعدد ارثها واما اذا كانت القرابه متعددة ويمكن تفريقها عن الافراد نورث القريب الذى اولى بهذه القرابه بكل جهه وعليه فان الجدات ادلت بقرابتين يمكن تقر بنها اما الاخت الشقيقه فلا يمكن تفريقها لاننا لو فرقنا فى فراينها ما اصحبحت شقيقه اما الجدة التى ادلت بجهتين فيمكن تفريقها لانه يتصور وجود جدتين احدهما لاب والاخرى لام وصور الجدة التى تدلى بقرابتين كمن تزوج ابنه عمته وانجب ولدا فهذا الولد الجدة تدلى اليه من جهتين الاب والام اوولد تزوج من بنت خالته والجدة الثالثه هة (أم أم اب) . التعصيب: تعريفه:- لغه التعصب مصدر عصب يعصب تعصيباً ماخوذ من العصب وهو الشد والتقويه والاحاطه والطى. ومنه العصائب:- مايلف وميرار كالعمامه مثلا نفيها المعانى المتقدمه والعصبيه يطلق على الفرد والجمع فقال الابن عصبيه وهولاء عصبه.

1- وتعريف العصبيه فى اللغه:- هم قرابه الرجل ابوه وبنوه ومن ايضل بها ذكورة. 2- تعريف اخر: قوم الرجل بنوه وابوه ومن اتصل بها ذكورة. 3- تعريف اخر: قرابه الرجل من ابنه وسموا عصبه اى القرابه من جهه الاب الذكور لانهم عصبوا بالميت اى احاطوا به ولذا فالحدهم: ولست بالاكثر منهم حص ... وانما العزة للكاثر تعريف العصبيه اصطلاحآ: اولا:- تعريفالشيخ محمد نجيب ضابط فى كتابه الفوائد البهيه فى شرح الوصيه ص30 قال العصيه محل من ليس لهم سهم صريح مقرر من الورثه. ثانيا:- تعريف الشيخ الباجورى على شرح الرحبيه فقال: العصبيه هو من يرث بلا تقدير. ثالثا:- تعريف الشيخ الرحبى فقال. فكل من احرز كل مال ... من القرابات او الموالى او كان ما يفضل بعد الفرض له ... فهو اهو العصوبه المفضله والمعنى:- من ياخذ المال بكامله اذا انفرد سواء كان قريبا او معنقأ او ما يزيد بعد الفرض ياخذه وعليه فان العصبيه عند الامام الرحبى ذا انفرو اخذ كل المال سواء قريباً او معتقاً واذا وجد مع صاحب فرض اخذ الباقى وتعريف الامام الرحبى ورو عليه اعتراضات:- الاول: قالوا انه ذكر حكم العصبيه دون تعريفها وحكم العصبيه متوقف على التعريف وهذا يؤدى الى الدور لان الحكم على الشئ فرع عن تصوره. الثانى:- قالوا: انه عرف العصبيه بالنفس دون ان يعرف العصبيه بالغيراو مع الغير. رابعا:- ذهب اليه بعض الفرضيين كماذكر ذلك الامام الباجورى بانه الاولى ان نقتصر فى بيان العصبيه على عدد افراد العصبات دون ان نذكر لذلك ضابطاً لان كل ضابط سيقع اعتراض فقالوا. وليس يخلو حده من نقر ... فينبغى تعريف بالعسر قال الشيخ وهذه تعريفات اربعه ارجحها اولها. اقسام العصبه: تنقسم العصبه الى قسمين:- عصبه نسبيه، عصبه سيبيه. اولا: العصبيه انسبيه: وهم قوم ارجل بنوه واموه ومن القل بها ذكورة ويتقسمون الى ثلاثه اقسام:- 1- عصبه بالنفس. 2- عصبه بالغير. 3- عصبه مع الغير. اولا العصبه بالنفس:

وهم وهم اثنا عشر وارنار كلهم من جهه الاب وهم: الابن وابن الابن مهما تزل والاب والجد مهما علا والاخ والشقيق اخ الاب اهم شقيق عم الاب ابن اخ شقيق ابن اخ الاب وابن العم الشقيق وابن العم لاب. 2- العصبه بالغير: وهم اربعه اصناف وهم: الابن مع اخته و (ابن الابن نع اخته او بنت عمه فى درجه او اعلى منه وهو انزل منها) ، اخ لاب مالاخ الشقيق يعصب الاخت الشقيقه لاخ لاب معصب الاخت لاب فقط وممكن ان يقال:- الفرع الوارث الذكر من ابن او ابن نع الفرع الوارث الانثى بشرط ان يكون مساويا له او اعلى منى والاخ من جهه الاب مطلقا يعصب الاخ الشقيق اخته والاخ لاب يعصي اخته والدليل على ذلك قوله تعالى "يوصيكم الله فى اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين" وهذه شامله للصنعين الابن وابن الابن مع الاختها يعنى الانثى صارت عصبه باختها ولولا الاخ لورثت عن طريق الفرض ويمكن ان يقال ايضا:- العصبه بالغير بيحضره فى اربع من النسوة مع اخواتهن وهن اللاتى حقاهن النصيف منفردات وحظهن الثلثان مجتمعات، والدليل على ذلك على توريث الاخوات مع الاخوة ايه الكلاله اخر سوره النساء. الحكمه فى انتقال هولاء النسوة مع اخواتهن من الفرض الى التعصيب قالوا فى مقابل ذلك: لا يمكن ان تعطى هولاء النسوة فرضهن لانه يلزم عليه محظور اما ان اخذا كثر منه او نساويه او تسقطه وكل ذلك محظور فى الفرائض وخالف فى ذلك عبد الله بن مسعود فقط كماذكر لك ابن قدامه فى المغنى فى ص7 ص 12:10 ولم يتابعه اخ فى قوله وجمهور العلماء على خلافه. 3- العصبه مع الغير: منحصر فى صنفين اثنين الاخوات الشقيقات والاخوات لاب مع البنت او بنت الابن فاكثر، (الاخوات مع البنات عصبات) . تنبيه: - لا يفرض للاخوات مع البنات شئ لان الشرط الارث الاخوات ان يكون الميت كلالة.

والدليل على مواريث الاخوات مع البنات حديث هذيل بن سرجيل الذى رواه البخارى وغيره وبوت البخارى فى صحيحه باب (ميراث الاخوات مع البنات عصبه) ثم ساق باساده الى الاسود بن يزيد قال فضى فينا معاذ بن جبل على عهد النبى "ص" بان النصف للابنه وان النصف الاخر للاخت الشقيقه:- ورواه، قط خلافات مرودوان:- 1- خلاف ابن عباس "قال: لايرث الاخوات مع البنات شيئاً" وذكر هذا القول ورد عليه الامام القرضى فى تفسيره فى ص6 ص 29 والحافظ فى الفتح ص12 ص24:18:14، وابن تحيه فى الفتاوى ص31 ص346 وابن القيم فى اعلام الموقعين ص1 ص346 فيما بعدها، وابن قدامه فى المغنى ص7 ص16 وابن كثير عند تفسير ايه الكلالة. 2- خلاف اسحاق بن راهويه وتابعه عليه ابن حزم وقد وقع الاجماع بعد الخلاف كما نقل هذا الحافظ فى الفتح عن ابن بطال قال اجمعوا على ان الاخوات مع البنات عصبات فيرثن ما فضل عن البنات. أحكام العصبه بى النفس: 1- اذا الفرد احرز كل المال. 2- اذا وجد مع اصحاب الفروض اخذما بقى بعد اعطاء ذوى الفروض نصيبهم لم يثبت فى مد خ م د ت جه مى الضحاوى فى الاثار قط هـ ك بن الجارود من روايه عبد الله بن عباس ان النبى قال ((الحقوا الفرئض باهلها فيما بقى فلاولى رجل ذكر)) . وفى بعض روايات الحديث: ((اقسموا المال بين اهل الفرئض على الكتاب الله فيما تركت الفرئض فلاولى رجل ذكر)) . تنبيه: حول الحديث.

وقع فى كتاب النهايه (نهايه المطلب للامام الجوينى امام الحرمين) وهو اربعين مجلدا قالوا انه لم يولف فى المذهب مثله اى مذهب الشافعيه وقال ابن حلكان لم يولف مثله واطلق وكذا فى كتابه البسيط للفزالى فى الحديث المقدم بدل (رجل) (عصبه) ((فيما بقى فلا ولى عصبيه ذكر)) قال الامام ابن الجوزى وابن المنزر: ليست هذه اللفظه محفوظه من كلام النبى ثم ان المعنى عليها فاسد ايضاً وقال الحافظ ابن حجر قد استشكل بعض العلماء التعبير بزكر بعد التعبير برجل لم ذكره وهل يكون الرجل الاذكر قال الشيخ ما يقصده النبى من نعت الرجل بالذكوره عدة امور يمكن ان تجمع فى سته امور وهى:- 1- قيل المراد منه التاكد وهذا الذى ذهب اليه الخطابى وابن التين وغيرهما والمراد من التاكيد ان يقر متعلق الحكم وهو الذكورة لان لفظ الرجل يطلق على ما يقابل الانثى ويطلق على ما يقابل صفات الرجولة فيطلق على القوى الشجاع رجل الجبات لا يطلق عليه رجل وان كان ذكرا تقل سيبوته عن العرب انهم قالوا "مررت برجل رجل ابوه " اى ان اباه سيد شجاع وقد كانوا فى الجاهليه لا يورثون الامن وثب على الخيل وضرب السيف وطعن برمح واحرز العنيمه اى لايورثون الاالغنى فلووقف النبى "فلاولى رجل " ربما نمهم خلاف المطلوب مقول النبى ((فلاولى رجل ذكر)) يفيد تورثين النصف بالذكورة ولولد فى هذه الساعه فلااعتبار للقوة على الاخلاق. 2- ذهب اليه الامام ابو بكر بن العرب فى عارضه الاحوزى فقال خشيه ان يظن ان المراد بالرجل الشخص وفى ذلك تغلب للفظ الذكر على الانثى مع دخول الانثى فى الحكم يدفع ذلك الاشتراك والايهام بين المراد بذلك الرجل الذكر ليس المراد منه الشخص، لانه لو قال فلاولى رجل ربما فيم فلاولى شخص الفرد الوارث ويقال غلب الذكر على الانثى ويفهم فلاقرب وارث ذكرا او انثى وهذا محظور. 3- قيل هذا احترازا عن النثى لان الخنثى متردد بين كونه ذكرا او انثى.

4- ذهب اليه القاضى عياض والنووى والقرطى وغيرهم قالوا ذكرت الذكوره فى الحديث بعد الرجوله تثبيتها على سبب استحقاق الارث بالعصوبة وسببا لترصيح هو. ان هذا الرجل قيم علي الاناث مشرف عليهن فله هذا الحكم وهو اخذ ما ابقته الفروض. 5- ذكره الامام السهيلي والكرماني مقالا لفظ ذكر صفه لاولي والاولي بمعني الاقرب اي بمعني القريب والولي ويصبح معني الحديث فما بقي فللقريب الذكر من جهه الرجل لامن جهه الرحم ليخرج الاخ لام والجد الفاسد ابوالام. 6- ذكره الحافظ بن حجر فى الفتح قال الرجل يطلق أيضا مقابل المراة ومقابل الصبى وهنا مقابل رجل وامراة ويقال رجل وصبى فلو قال فلاولى رجل لفهم منه الكبير قال الشيخ والذى يظهر والعلم عند الله كلها اموال معتبرة واولاها اولها. 3) من احكام العصبه بالنفس:- واذا استغرق اصحاب الفرض التركه سقط العصبات مليس لهم شئ وعلى هذا الحكم استثناء ان هما:- الاستثناء الاول:- الاشقاء فى المساله المشتركه ويقال لها المشركه والمشتركه فعند الشافعى ومالك لايسقطون. وعند ابى حنيفه والامام احمد يسقطون. الاستثناء الثانى:- الاخت الشقيقه اولاب في المساله الاكدريه فعند الامام الشافعي ومالك لا تسقط ايضا. وعند ابي حنيفه والامام احمد تسقط كذلك.......احكام العصبه بالغير ومع الغير:- حكم العصبه بالغير ومع الغير كحكم العصبه بالنفس في الحكمين الاخيرين:- 1- اذا وجد مع اصحاب الفروض اخذ ما باقته الفروض. 2- واذا لم يبقي له شيئ سقط. " جهات العصبه بالنفس": للمذاهب الاربعه فيها ثلاثه اقوال: 1- مذهب ابي حنيفه: جهات العصبه بالنفس خمس جهات: ا- النبوه مهما نزل. ب- الابوه مهما علا. ج- الاخوه وترتيبها اخ ش اخ لاب ابن اخ ش ابن اخ لاب. د- العمومه وترتيبها عم ش ت عم لاب ابن عم ش ابن عم لاب. هـ- المعتق او المعتقه. 2- مذهب احمد وقال به صاحبا ابي حنيفه (ابو يوسف ومحمد) . ا- البنوه. ب- الابوه.

ج- الجدوده والاخوه. د- ابناء الاخوه. هـ - العمومه وترتيبها عم ش عم لاب ابن عم ش ابن عم لاب. و المعتق والمعتقه. 3- مذهب الامام مالك والشافعي: عندهم جهات العصبه بالنفس سمع جهات يتفقان مع الامام احمد مع زياده الجهه السابعه وهي: 7- بيت المال. ما الحكم اذا اجتمع عاصبان فاكثر من العصبه بالنفس: وهذا مبني علي جهات العصبه بالنفس ولذلك اربعه احكام: 1- اذا اتحد اثنان فاكثر جهه ودرجه وقوه يشتركون في كل المال او فيما بقي من التركه بعد اخذ اصحاب الفروض نصيبهم. 2- اذا اختلفا في الجهه نقدم قرب الجهه وان بعد في الدرجه علي المؤخر في الجهه وان كان قريبا في الدرجه. 3- اذا اتحدا في الجهه واختلفا في الدرجه فيقدم قرب الدرجه مع اتحاد الجهه. 4- اذ اتحدا في الجهه وفي الدرجه ولكنهم اختلفوا في القوه فيقدم صاحب القوه علي من يدلي بقرابه واحده مثل (الاخ الشقيق يقدم علي الاخ لاب) وقد نظم الامام الججبري هذه الاحكام الاربعه في بيت من الشعر وهو فالبجهه التقديم ثم بقربه وبعدهما التقديم بالقوه اجعلا والجعبري هو " صالح ابن تامر بن حامد ابو الفضل تاج الدين الجعبري "نسبه الي جعبر بلده علي حدود نهر الفرات في الشام وهو فرض شافعي قال ابن حجر في الدرر الكامنه ج2 ص200 مهر في الفرائض وبرع فيها وهو صاحب الجعبريه المشهوره في الفرائض توفي 706 هـ. ) أحكام العصبة السببية) :

وهى عصوبه سببها نعمه المعتق على عتيقه بالعتق ولو بعوض سواء كان المعتق ذكرا او انثى ولا جد عاصب بالنفس امراه الاالمعتقه ويكون االمتعصب للمعتق ذكرا او انثى ولعصبته الذين يتعصبون بانفسهم فلو مات العتيق والمعتوق ينتقل المال الى العصبان بالنفس باى صفه وجد العتيق من المعتق على عتيقه سواء كان العتيق مبخزا او معلقا على شرط او سرايه سواء كانت السريه كرها او طوعا وهذا اقرره النبى ففى الكتب السنه عن عبد الله بن عمر ان النبى (قال من اعتق عبدا بينه وبين اخر قوم عليه فى ماله قيمه عدل لاوكس ولا شطط ثم عتق عليه ماله ان كان موسوا وثبت ايضا فى الصحيحين وسنن ابن داود والترمزى من روايه ابى هريرة وسواء كان كفارة قيل خطا او جماع فى نهار رمضان او تاعتقنه فى زكاة (وفى الرقاب) وهو من مصارف الذكاة او اعقته لنزر لك الولاء عليه لعموم قول النبى (انما لولاء لمن اعتق) وكذلك يثبت الولاء على اولاد واحضاره مها نزلوا سرايه لان الفرع يتبع الاصل سرايه الولاء على اولاد المعتق تكون بشرطين اثنين هما:- 1- ان لامس الفرع رق لاحد لانه حرفى الاصل. 2- الايمون احد ابويه حر الاصل فلوكان الاب حر الاصل فلايكون على اولادة ولاء لاحد " لان الولاء محمة كلحمة النسب فكما انهم يتبعون اباهم فى النسب كذلك ينبعونه فى الحريه كان الاب حر الاصل وان كان الاب معتقا كذلك يتبعونه فى الولاء سرايه واذا كانت الام حره الاصل. 2- ولايكون على ابنها ولاء لاحد لان الولد يتبع امه فى انتقاء الرقى عنها فلا ان يتبعها انتقاء الولاء من باب اولى ولو تزوج معتق رقيقه وولد ولد تبع امه انه فى الرق وبعد ذلك ان اعتق الولاء لمن باشر عتقه لانه فى الاصل رقيق بها وعلى ما تقدم بعض الصور. أ - لوتزوج معتقة اولادة احراراوه لاحد عليهم. ب- لوتزوج معتقة حره الاصل اولادة احرار لاولاء لاحد عليهم. ج- لو تزوج معتقة معتقة اولاء لمعتق الاب. أحكام المولود فى تبعيه لوالديه

المولود يتبع والديه فى اربعه احكام وهى: 1- المولود يتبع خير والديه دينا فلو تزوج يهودى يهوديه ثم أسلمت اليهوديه فيحكم باسلام الاولاد ولو تزوج مسلم نصرانيه يحكم باسلامهم. 2- يتبع اباه فى النسب. 3- يتبع امه فى الحريه وارق الا فى حالتين اثنتين: الحاله الاولى: اذا تزوج حر رقيقه يظن انها حرة او تزوجها على انها حرة. فالاولاد احرار وعليه فدانهم لمالك امه وفى الصورة. الاولى يدفع من ماله وفى الثانيه على من حرر به. الحاله الثانيه: اذا تزوج حر رقيقه وشرط على سيدها ان اولاده منها احرار فرض السيد صح النكاح وصح الشرط. 4- يتبع أباه فى الولاء ان كان أباه معتقا بشرطين اثنين:- الشرط الاول: ان يكون الابوان عتيقان نفى هذه ححاله ولاء الولد يكون لمعتق ابيه. فلو كان الابن رققيقا فولاء لمن باشرعقه ولو كانت الام رقيقه تبع امه فى ارق، وان كان احد ابويه حر الاصل فلاولاء لاحد عليه. فائدة يكون الولاء للولد اعتق امه فى حاله واحدة وهى ان يتزوج رقيق محررة ويولد لهما فالولاء فى هذه الحاله لموالى الام لانه لايمكن ان يتبع اباة فى الرق واذا اعتق الاب ينجر الولاء الى موالى الاب بشروط ثلاثه وهى:- 1- ان يكون الاب رقيقا حين ولادة الاولاد من زوجه المحررة فلو ولدوا بعد عتق الاب فالولاء لمعتق الاب مباشرة. 2- أن تكون الام معتقه لا نها لو كانت حرة الاصل فلاولاء لاولادها على احد وان كانت رقيقه فولاء الاولاد لمن يباشر لانهم ارقاء. 3- 3- ان يعتق الاب قبل موت الولد فينجر ولاد الولد لمعتق الاب، اما لومات الولد والمعتق الاب بعد ذلك فيبقى الولاء الى الام. الشرط الثانى:- ألا يكون الولد حر الاصل. فائدة :- كما يثبت الولاء على العتيق ويسرى على اولاده فيثبت ايضا على عتيق عتيقه واولادة. مثال: لو اعتق احمد محمد عليا فولاء على لمحمد فلومات محمد فولاء على احمد. كيفيه الارث بالولاء:-

الارث بالولاء تعصيبا كالعصبيه بالنفس تماما فيتقدم المعتق المباشر للعتيق وهو صاحب النعمه، فاذا مات العتيق ولم يترك وارثا فياخذ المعتق ماله كله زاذا لم يكن المعتق حيا تاتى عصباته بالنفس على الترتيب المفصل. فاذا لم يوجد احد من العصبات تنتقل الى معتق المعتق، فاذا لم يكن موجودا تنقل الى عصبات معتق المعتق وهكذا ويكون الارث بالولاء اذا لم يوجد عاصب نسبى مطلقا (ليشمل العصبات الثلاثه) فاذا لم يوجد عاصب من النسب العاصب بالسبب فى حالتين وهما:- 1- اذا لم يكن هناك صاحب فرض مطلقا 2- اذا وجد معه صاحب فرض وبقى شئ أخذه واذا لم يبقى شئ لايرث فائدة:- فقل صاحب العزب القائض ان مساله تتعلق بالولاء اخطافيها اربع مائه قاض عد عن المتفقه والامام مالك يقول سالت عنها سبعين قاضيا من قضاة العراق ماخطاوا فيها وخلاصه المساله:- ابن واخته اعتقا اباهما تم اشترى الاب المعتق عبدا واعتقه ثم مات المعتق الاب وترك ولديه الذين اعتقاة ثم معتق الاب وليس له وارث الاولدى المعتق الابن واخته فكيف يرثان. الحل:- المال كله يرثه الولد الذكر لانه عصبه كالنفس. مساله ثانيه:- مات عن ابى معتق اب فيكف يرثان الحل:- المال كله لاب المعتق لانه المباشر للعتق. فائدة ثان:- الوارثه من النساء (صاحبه الفرض) قد تصير عصيه باخيها اوبابنم اما التى لا فرض لها فى الاصل فلايعصبها حوها لانها ليست وارثه، ثبتت الاخ لا يعصبها ابن الاخ ول ابن العم وينتبق على اربعه نسوة فقط يعصبن باخوانهن او بابناد اعماهن الذين فى درجهن او انزل منهن وهن البنت وبنت الابن والاخت الشقيقه والاخت لاب فقط. فالام والاخت والزوجه والجدة لايعصبهن احد. تنبيه متعلق بالفائده الاولي:- ابناء الاخوه لغير ام (يعني اشقاء او لأب) يخالفون اباهم في سبع مسائل 1- لا يعصبون اخواتهم. 2- لا يحجبون الام من الثلث الي السدس مهما كثروا. 3- لا يرثون مع الجد بالاجماع.

4- يسقطون في المأله المشركه اجماعا. 5- ابن الاخ الشقيق لا يحجب الاخ من الاب بخلاف ابيه ولكن الاخ لاب يحجب ابن. 6- ابن الاخ من الاب لا يحجب ابن الاخ الشقيق بخلاف ابيه ولكن ابن الاخ الشقيق هو الذي يحجب ابن الاخ من الاب. 7- يسقطون جميعا بالاخت اذا صارت عصبه، لان العصبه مع الغير حكمها في التعصيب كحكم اخيها تماما فتطرد من يطرده الاخ فلو مات وترك بنتاً واختاً شقيقه وعما، فالنصف للبنت والاخت الشقيقه عصبه مع الغير تاخذ النصف الاخر والعم محجوب بالاخت الشقيقه. الفائده الثانيه:- الاخوه ينقسمون الي ثلاثه اقسام:- 1- اخوه اشقاء ويقال لهم بنو الاعيان وهم الذين اتفقوا في الاناء في الماء. 2- اخوه لاب ويقال لهم بنو العلات والعله هي الضره، وسموا بذلك لان اباهم كان ناهلا من زوجته الاولي ثم عل من الثانيه والعلل هو الشرب بعد الشرب وقيل سموا ببني العلات لان ام كل منهم لم يقل الاخر اي لم ترضعه ولم تسقه من لبنها وكل واحد شرب من امه وهم الذين اتفقوا ماء ولا اناء " وقد ثبت في مد خ م وغيرهم من نبينا انه قال (نحن معاشر الانبياء اخوه لعلات امالهم شتي ودينهم واحد) . ... 3- بنو الاخياف وهم الاخوه لام والاخياف هم الاخلاط المتفرقون وهم اولاد المراه من رجال متعددين مختلفين، اتفقوا في الاناء لا في الماء. الحجب: الحجب فى اللغه: المنه والحرمان. والحجاب هو اسم لما يسركه الشئ ويمنع من النظر اليه وقد استعمل هذا المعنى فى كتاب الله قال تعالى فى حق الكفار (كلاانهم عن ربهم يومنز لمحجوبون) . وقوله عن مريم (فاتخذت من دونهم حجابا) . وقوله: (واذا سالتموهن متاعا فاسالوهن من وراء حجاب) .

وقد استعمل هذالمعنى فى كلام نبينا صلى الله عليه وسلم مد، د، حت، عن ام سلمه وكانت معها ام ميمونه عندما دخل عليها عبد الله بن ام مكتوم فقال النبى اعتجبا منه فقالت اوليس هو اعمى لايبصرنا فقال او عمو اينان أنتما) وقال الترمزى حديث حسن صحيح وقال النووى اسناده حسن وقال الحافظ من الفتح اسناده قوى الحجب فى الفرائض معناه: منع من قام به سبب الارث من الارث كلا او بعضا. تعريف أخر:- منع من قام به سبب الارث من الارث بالكليه او من او فرخط اهميه الحجب فى الفرئض:- مهم جدا يقول صاحب كتاب العذب الفائض شرح الفرئض وهو ابراهيم بن عبد الله بن ابراهيم الفرض من علماء القرن الثانى عشر الهجرى وفرغ من فاكيف كتابه فى 1185 وهو اوسع ما كتب فى الفرائض يقول فى اول مبحث الحجب. قال العلماء حرام على من لم يعرف الحجب ان يفتى فى الفرئض فالحجب فى الفرئض كنوافض الاسلام فى الاسلام وكنوا قضهالوضوء للوضوء وكمبطلات الصلاة للصلاة. اقسام الحجب:- ينقسم الحجاب الى قسمين اثنين:- 1- حجب بالوصف 2- حجب بالشخص اولا:- الحجب بالوصف:- فهو حجب عن الميراث بالكليه بوصف يكون بالوارث بمنعه عن الارث وذلك الوصف مانع من موانع الارث كالقاتل لابيه والكافر. خصائص الحجب بالوصف:- 1- الحجب بالوصف لايكون الاحجب حرمان 2- انه يدخل على جميع الورثه فكل وارث يتصور ان يحجب بالوصف

3- وجود الوارث المحجوب بالوصف كعدمه، ملايحجب غيرة حزما ولا تقصانا. وخالف عبد الله بن مسعود فى النقطه الاخيرة وتابعه داود الظاهر فى حجب الزوجين بالولد الكافر او القاتل وكذا الام بالاخوه الكفار والقاتلين الذينوجد منيهم موانع الارث بحجوب الام حجب نقصان، يقول ابن مسعود، ان المحجوب بالوصف يحجب الزوجين اوالا حجب نقصان سواء كان المحجوب بالوصف كافرا او قاتلا او رقيقا وتابعه الحسن البصرى والحسن ابن صالح ابن حى والطبرى فى القاتل خاصه فقالوا ان القاتل يحجب الام من الثلث الى السدس ويحجب احد الزوجين عن اوفر حظيه، وهذان القولان واخلافات لم يعمل بها على الاطلاق والمعمول به فى الذاهب الاربعه وجمهور العلماء ان وجودة كعدمه. 2- الحجب بالشخص:- وهو حجب وارث بوارث اما الحجب بالوصف فهو حجب وارث بصفه قامت به وهو نوعان: - 1- حجب حرمان:- وهو حجب الوارث عن الميراث بالكليه بسبب وارث وجود اهليه الارث فى الورث المحجوب. والورثه فيه صفتان: - الاول:- لا يحجبون ابدا وهم سته اصناف. 1- الابوان (اب وام) . 2- الولدان (ولد وبنت) . 3- الزوجان (زوج وزوجه) . ويمكن ان يقال هذا الضابط: كل من اولى الى الميت بنفسه فلا يحجب حرمان بالشخص الا المعتق. الثانى:- يحجبون ويحجبونوهم تسعه عشر وارثا ويتصور ان يدخل عليهم الحجب بالشخص وهم ناره يرثون وتاره يحجبون. قاعدتان فى الحجب بالشخص (اى حجب الحرمان بالشخص) القاعدة الاولى:- وهى مذكوره فى كتاب العذب القاض ص1كل من اولى بواسطه حجب تلك الواسطه سواء كان عصبه مثل (ابن، ابن ابن) او (اب وجد) او كانا صاحب فرض مع العصب مثل ذلك (بنت الابن مع الابن) او كانا صاحى فرض مثل ام الام مع الام ويستثنى من ذلك صنفان:- الصنف الاول:- الاخوه لام بالاجماع يرثون مع الا فى وجود الام.

الصنف الثانى:- ام الاب وام الجد اى الحدة من قبل الذكر فى عدم وجود الام، فهل بحجبان فى وجود ابنائها عند الجمهور لاترث الجدة فى وجود الاب وعند الامام احمد ترث لانها ترث بصفه الامومه وحكمه كحكم الام عند عدم الام. القاعدة الثانيه:- تخص هذه القاعدة الثانيه بالعصبات غالبا تكون ايضاً فى أصحاب الفروض مع العصبات ولكن يقل فاولاد الام يحجبون بالبيت ويحجبون بالجد فما حجبوا بواسطه او بوابها ولكن حجبوا بالقاعدة الثانيه. والقاعدة هى:- 1- أنتا تقدم الورثه حسما تقدم فى جهات العصبات بالنفس مقدم اولا الجهه فالجهه وان بعدت تقدم على الجهه المؤخرة وان قربت. 2- اذا اتحدا أوالورثه فى الجهه تقدم الاقرب وان كان اضعف من الابعه. 3- اذا اتدا أوا تحدوا الورثه فى جهه والقرب تقدم الاقوى منهم مثل الاخ س والاخ لاب تقدم الاخ س. تطبيق:- اولا: أ- الاجداد الوارثون: يسقطون كلهم بالاب وكل جد قريب يسقط البعيد لانه اولى به ولانه اقرب الى الميت منه ولينطبق عليه القاعدة ب- الجدان: يسقطن بالام اجماعا وكل جدة قريبه تسقط البعيدة اذا كن من جهه واحدة واذا كن من جهات مختلفه فالجدة القريبه من جهه الام تسقط البعيدة من جهه الاب وان كانت الجدة القريبه من جهه الاب والبعيدة من جهه الام فعلى قولين: عند مالك والشافعى ففى لاتسقطها لان الاصل فى الميراث الام والجدة من قبل الاب الحقت بها. وعند ابى حنيفه واحمد تسقطها. ثانيا أ- اولاد البنين:- يسقطون بالابن وكل ابن قريب يسقط ابن الابن البعيد. ب- بنات الابن:- يسقطن ايضاً باستكمال البنيت الثلثين. فهن لابدلين بالبنات ولكن الذى فحجبهن هو قرب الدرجه. ثالثا أ- الاخوة الاشقاء والشقيقات:- 1- يحجبون بالبنين مهما تزلوا. 2- يحجبون بالاب. 3- يحجبون بالجد على خلاف بتفصيب. ب- الاخوة لاب والاخوات لاب: - يحجبون عن تقدم على التفصيل المتقدم ويزيدون.

4- يحجبون بالاخوة الاشقاء والشقيقه اذا كانت عصبه ويزيد الاخوت لاب فى الحجب بالشقيقات اذا استوفى الشقيقات الثلثين الااذا كان مع الاخوات لاب ذكر يعصبهن فحكم الاخوات لاب مع الاشقاء من بنين وبنات كحكم الابن مع الاولاد من بنبن وبنات. مثالان: ... ... ... ... ... 6 ام ... ... ... 1/6 ... ... 1 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 2 أخت ش ... ... 2/3 ... ... 2 أخت لاب ... ... م ... ... 0 عم ... ... ... ع ... ... 1 ... ... ... ... ... 3×6=18 جدة ... ... ... 1/6 ... 1 ... 3 أخت ش ... ... 2/3 ... 4 ... 6 أخت ش ... ... 2/3 ... 4 ... 6 أخت ... ... ... ع ... 1 ... 1 أخت لاب ... ... ع ... 1 ... 2 ح- الاخوة لام (ذكرا او انثى لافرق بينهم) . يحجبون بصفتين:- الاول: الاصل الوارث من الذكور اب وجد مهما علا. الثانى: الفرع الوارث مطلقا ابن، ابن ابن، بنت ابن مهما نزلوا. الحاله الخامسه:- ابناء الاخوة:- 1- يحجبون ويسقطون بالابناء مهما نزلوا (اى الفرع الوارث الذكر) . 2- يحجبون بالاب مهما علا. 3- يحجبون بالاخ الشقيق وبالاخت الشقيقه اذا صارت عصبه. 4- يحجبون بالاخ لاب وبالاخت لاب اذاصارت عصبة. الشق الثانى: (ابناء الاخوة لاب) يحجبهم من تقديم ذكرهم ويزيدون فيحجبون: - 5- بابناء الاخوة الاشقاء الصف السادس:- العم:- اولا العم الشقيق:- 1- يحجب بالابن مهما تزل. 2- يحجب بالاب مهما علا. 3- يحجب بالاخ الشقيق وبالاخت الشققه اذا صارت عصبة. 4- يحجب بالاخ لاب وبالاخت لاب اذا صارت عصبة. 5- يحجب ابناء الاخوه الاشقاء. 6- يحجب ابناء الاخوة لاب. ثانيا العم لاب:- يحجبه من تقدم ذكره ويزيد. 7 - يحجبهم العم الشقيق. الصنف السابع:- ابناء العمومه:- اولا:- بن العم الشقيق:- تحجبه من يحجب العم لاب ويزيد. 8 - بانه يحجب بالعم لاب. ثانيا: ابناء العم لاب:- يحجبهم من يحجب ابناء العم الاشقاء ويزيدون. 9 - فامنهم يحجبون بابناء العم الاشقاء لقوة قرابتهم. الصنف الثامن:- العصبه السببية:- تحجب بالنسبه ثم العصبه السببيه يكون حالتها فى حجب بعضها كالاتى: 1- عصبات المتق يحجبون بالمعتق. 2-ومعتق المعتق يحجب بالمعتق وبعصبات المعتق.

3- عصبات معتق المعتق يحجبون بمعتق المعتق. -: الخلاصه:- ينقسم الورثه بالنسبه الى حجب الحرمان بالشخص الى اربعه اقسام. القسم الاول:- 1- يحجبون ولا يحجبون (ابوان - ولدان) . 2- لايحجبون ولا يحجبون (الزوجان) . 3- يحجبون ولا يحجبون (الاخوه لام - اخوات لام) بقيه الاصناف يحجبون ويحجبون وعددهم 17 6 نسوة وهن (جدة لاب) (جدةلام) (اخت شقيقه) (اخت لاب) (بنت ابن) (المعتق) 11 رجلا وهم (جد) (ابن ابن) (اخ شقيق) (اخلاب) (ابن اخ شقيق) (ابن اخ لاب) (عم شقيق) (عم لاب) (ابن عم شقيق) (ابن عم لاب) (المعتق) . القسم الثانى:- حجب نقصان بالشخص. وهو منع الوارث او فرحظيه وهو نوعان:- النوع الاول:- حجب بسبب الانتقال من نصيبب الى نصيب (من فرض الى فرض - من تعصيب الى فرض - من فرض الى تعصيب) وتحته ((4)) اقسام. النوع الثانى:- يكون بسبب الازدحام فلايتغير نصيب الوارث انمايزا غيره فبدل ان ياخذه واحد، خذه جماعه وهذه المزاحمه لها ثلاثه اقسام. النوع الاول (الانتقالات) . اولها:- الانتقال من فرض اعلى الى فرض اقل ويدخل على خمسه: من الورثه (الزوجان) (الام) (وبنت ابن) (واخت لاب) الزوجان:- اولا الزوج: ينتقل من (1/2:1/4) فى حاله وجود الفرع الوارث ثانيا الزوجه: ينتقل من (1/8:1/4) فى حاله وجود الفرع الوارث. الام:- تنتقل من (1/3: 1/3 ب او: 1/6) فى حاله وجود الفرع الوارث. بنت الابن: تنتقل من (1/3: 1/6) فى حاله وجود البنت عند فقد الابن. اخت لاب: ينتقل من (1/2: 1/6) . الحاله الثانيه: نتقال من تغصيب اكثر الى تعصيب اقل وهذا خاص بالاخت الشقيقه ولاب. مثال: سات عن اخت س واخ س البنت لها 1/2 المال والاخت الشقيقه لو لم يكن الاخ الشقيق موجودا لاخذت 1/2 المال تعصيبا ولكن فى هذه الحاله انتقلت الاخت الشقيقه من تعصيب اوفر: لى تعصيب اقل او انتقلت من تعصيب بالغير الى تعصيب مع..

الحاله الثالثه: انتقال من فرض فرض يكون حظ للوارث الى تعصب اقل وهذا منحصرفى اربعه اصناف فقط وهم اللواتى حظهن النصف متطردات وهو انتقال من فرض الى تعصيب يتضرر به الوارث. الحاله الرابعه:- انتقال من تعصيب اوفر احظ الى فرض اقل وهذا فى حق الاب والجد فقط فى حاله وجود الفرع الوارث وهذه الاحوال الاربعه تدخل على تسعه من الورثه ثلاثه رجال وهم الاب والجد والزوج ست نسوه وهم الام والزوجة والبنت وبنت الابن والاخت س اولا. النوع الثانى:- بسبب الازدحام وله ثلاثه انواع وهى:- النوع الاول:- ازدحام فى فرض مقدر لوارث كازدحام الزوجان فى فرضهن، فالزوجه لها الربع والزوجات لهن الربع وهذا يخل على 7 اصناف من الورثه (الجدة _الزوجه _ البنات _ بنات الابن _ الاخوات الشقيقات الاخوات لاب _ واولاد الام او الاخوة الام مهما زادوا) . النوع الثانى:- ازدحام فى التعصيب اما فى كله اذا لم يوجد صاحب فرض معهم او فيما بقى بعد اعطاء دوى الفروض فروضهم، سواء كان العاصب عاصب بنفسه او بغيره او مع غيره وهو يدخل على جميع العصبات الا الاب والجد. النوع الثالث:- زدحام فى العول ولا يكون الا فى اصحاب الفروض فى الاحوال التى يدخلها العول. فائدة: قال الفرضيون ان يحجبون بالشخص صجب حرمان لا يحجب غيره حرمانا بل نقصانا مثلا الاخوة لام اذا حجبو ابا لجد يحجبون الام من الثلث الى السدس مع انهم يحجوبون لا يرثون. والسبب فى ذلك ان الذى يحجب غيره صحب حرمان سوف ياخذ نصيب من جهه لان الوارثه كما قال الفرضيون فلاغه فالقريب يسقط البعيد وياخذ نصيبه، والاقوى يسقط الاضعيف وياخذ نصيبه اما الذى يحجب نقصان اما ان ياخذ نصيبه اولى وهناك مساله شاذة عن هذه القاعدة وهى:- عند ابى حنيفه: فقط لومات انسان ترك اباوام اب وام ام ام - عند الاحناف المال كله للاب وام الاب يحجبون بالاب وام ام ام يحجبون بام الاب. - عند الامام احمد:-

أم الاب لها السدس، والباقى للاب لانه عصيه وأم أم الام محجوبه بام الاب - عند الامام مالك والشافعى:- أم أم الام لها السدس، وأم الاب محجوبه بها وللاب الباقى تعصيباً. أو أم للاب محجوبه بالاب. قضاء ... الاصناف ... الحنابلة ... المالكية والشافعية ماتت عن أب ... ع المال كله ... الباقى تعصباً ... الباقى تعصباً أم اب ... م بالاب ... 1/6 ... م بالاب أم أم أم ... م بأم الاب ... م بأم الاب ... 1/6

المواريث3

المواريث (3) (فقه المواريث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان جدول أفقي1 جدول أفقي 2 ملاحظة هامة: – ? عند استخراج الجامع إذا مات ميت بعد الميت الأول وليس له نصيب فى مسألة الميت الأول نجعل جامعة الميت الأول ثم تسير الخطوات على نحو ما سبق. ? واذا مات الميت بعد الميت الأول وكان له نصيب فلا داعى لعمل جامعة أولى وثانية بل تكتفى بالجامعة الثانية. ? واذا مات الميت الثالث وله نصيب فى مسألة الميت الأول والثانى جعل له جامعة أول ثم جامعة أخيرة بعد الانتهاء من خطوات الحل. 3 ... 3 ... 36 ... 1/3 ... 36 ... 5 ... 2 ... 36 ... 9 بنت ... 2/3 ... 2 ... 8 ... 8 ... 2 بنت ... 8 ... 8 ... 2 بنت ... 8 ... 8 ... 2 أخت ش ... ع ... 1 ... 3 ... ت ... - أخت ش ... 3 أخت ش ... 6 ... ت أخت ش ... 1 ... 4 ... 1 ثم مات إحدى الشقيقين عن أخيها وأختها ... أخت ش ... 2 ... 8 ابن ... 1 ... 4 ... 1 ثم مات الأخ الشقيق عن ابنين ... ابن ... 1 ... 4 ... 1 4 ... 3 X4 ... 12 ... 15/12 ... 60/2 ... 1/9 ... 120 زوج ... 1/4 ... 1 ... 3 ... ت ... - ... - بنت ... 1/2 ... 2 ... 6 ... 30 ... 30 بنت ابن ... ع ... 1 ... 1 ... 5 ... 10 ابن ابن ... 2 ... 10 ... 20 زوجة ... 1/4 ... 3 ... 3 ... ت ... - أم ... 1/6 ... 2 ... 2 ... 4 2 اخت ش ... 2/3 ... 8=4 ... 8=4 ... 16=1 2 اخت لام ... 1/6 ... 2 ... 2 ... 4 ثم مات الزوج عن زوجة وأم وأختين شقيقة وأخت لأم ... زوج ... ½ ... 3 ... 3 اب ... ع ... 2 ... 2 ثم ماتت الزوجة عن زوج وأبوين ... ام ... 1/3ب ... 1 ... 1 خطوات حل مسائل المناسخات: - 1. نجعل مسألة للميت الأول. 2. نجعل مسألة للميت الثانى. 3. ننظر بين سهام الميت الثانى من مسألة الميت الأول. 4. ننظر بينهما بين مسألته لأننا نعتبر مسألته أصلها أو مصححها نعتبرها كرؤوس التى اشتركت فى تلك السهام، فإما أن نقسم سهامه من مسألة الميت الأول على مسألته وإما أن نوافق وإما أن نباين: أفإن انقسمت صحت جامعة المناسخة مما صحت منه مسألة الميت الأول. ب وإن وافقت أخذنا وفق سهام مسألته (التى ورثنا فيها الحلول فوق المسألة الأولى ليكون جزء السهم لها وحاصل الضرب هو جامعة المناسخة) . ت وإن باينت نأخد كامل السهام فنضعه فوق المسألة الأولى ويصبح معنا حاصل الضرب هو جامعة المناسخة.

5. إن كان فى المسألة ميت ثالث جعلنا له مسألة ثالثة وجامعة المناسبة للميت الثاني نعتبرها كأنها مسألة الميت الأول فى أخذ الميت الثالث من سهام من الجامعة ننظر بيت سهامة من الجامعة وبين مسألته فإما أن تنقسم أو توافق أو تباين. ويكون خطوات الحل كما سبق. مثال: ماتت عن زوجة وأبوين وبنت منهما ثم مات الزوج عن بنت وزوجة وأخت شقيقة ثم ماتت البنت عن ابن ومن يرثها من الورثة المتقدمين. جدول أفقي1 جدول أفقي2 ملاحظة هامة: - لإخراج جزء السهم ... ... 140 ... ... 84 ... ... 105 ·?140 الميت الثانى جزء سهمه 14 X 30= 420÷3 = 140 ·?84 جزء سهم الميت الثالث 14 X30= 420÷5 = 84 ·?105 جزء سهم الميت الرابع 7 X 30= 210÷2 = 105 ولإخراج جزء سهم الميت الأول ننظر بين (3، 5، 2) بينهم تباين 3 X 5 X 2 = 30 جدول أفقي1 جدول أفقي 2 الإرث ينقسم إلى: - 1. إما أن يكون التوريث بالتحديد والانضباط وهذا يشمل جميع الأحوال التى مرت معنا وهذا إذا كان الورثة معروفين موجودين ذكورة أو اناثاً أحياء أو أمواتاً. وإما أن يكون التوريث عن طريق التقدير والاحتياط وهذا إذا تردد ما فى وجود الورثة هل هم أحياء أو أموات، أو فى معرفة حالتهم هل هم ذكور أو إناث. - فاذا ترددنا فى معرفة حال الورثة بعد اليقين من وجودهم يأتى معنا نوعان من أنواع الإرث: - 1- ... الخنثى ... ... ... ... ... 2- الحمل - واذا كان الجهل والشك بوجود الوارث فعند 3 مباحثات: - 1. الحمل. 2. المفقود. 3. الذين يموتون فى موت جماعة من طرق وغيرة فلا يعلم المتقدم من المتوفى. الخنثى: ... معناه لغة: ·?مأخوذ من الاتختاث وهو التثنى والتكسر (الميل) ويأتى ايضاً بمعنى الاشتباة وعدم الوضوح ومنة خنث الطعام اذا اشتبة أمرة فلم يخلص طعمه (العذب 2/53) . ·?اصطلاحاً فهو شامل لنوعين أثنين. الاول: من له التان اله الرجل وفرج المرأة. الثانى: ليس له شئ منهما الا ثقب يخرج الفضلات منة.

تعريف عم علماء الشرج: من تشبة اخلاقة اخلاق المرأة حال الحافظ ابن حجر: هو يشبة خلقة النساء فى حركاتة وكلامة وغير ذلك. ·? والمخنث ينقسم الى اثنين: 1. مخنث من أصل الخلقة فية نعومة ويشبة النساء فى أصل خلقتة قال العلماء فلا لوم علية فى ذلك ولكن ينبغى ان يتعمد مخالفة ذلك. 2. وان كانت تلك الاخلاق تصدر منة بقصد وتكلف فهذا هو المزموم فى خ د ت ت ن جه من حديث عبد الله بن عباس قال (ان النبى لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمؤجلات من النساء وقال أخرجوة من بيوتكم) . قال ابن تميمة فى جموع القناوى 15 / 309 قال (الامام الشافعى والامام أحمد وردت السنة بالتعزيب فى موضوعين فى التوافى غير المحصن والمخنث الذى يشتبة من الرجال بالنساء) . 2. جهات الخنثى: اى جهات وجودة، يوجد أربع جهات ولا يوجد فى ثلاث. ... 1- البنوة ... ... 2- الاخوة ... ... 3- العمومة ... ... 4-الولاء ولايمكن أن يكون الخنثى أباً ولا أماً مهما عليا والثالث الزوجية. 3. احوال الخلق: ينقسم اخلق إلى قسمين: ... إلى ذكر وأنثى. قال الله تعال (لله ملك السموات والارض يخلق مايشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور او يزوجهم ذكواً واناثاً) . قال العلماء فى تفسيرها: - وفى ذلك دلاله على ان مدار الخلق على الذكور والانثى فالخنثى اما إلى ذكر واما الى انثى. 4. أحوال الخنثى: للانثى حالتين. الاول: أن يرجى اتكشاف حاله واتضاح أمرة بالعلامات التى يتميز بها احد الصنفين عن اخر وأبرز هذة العلامات البول. فهو اعم العلامات واوضحها، فان بال الخنثى من احدى النية فله حكم التى بالى منها وهذا امر مجمع علية. قال القرطبى (5 / 65) فى تفسيرة: - أجمع العلماء على أن الخنثى يورث من حيث يبول فان بال من حيث يبول الرجل فليورث ميراث الرجل، وان بال من حيث تبول الانثى فيورث ميراث الأنثى ونقل الاجماع ايضا ابن المنذر فقال (أجمع كل من نحفظ عنة العلم أن الخنثى يورث من حيث يبول) .

- فإن بال منهما جميعاً فالعبرة بالاسبق منهما. فان استويا فهل تعتبر الكثرة للعلماء قولان فى هذا: - القول الاول: لا تعتبر الكثرة قالة ابو حنيفة وقول الشافعى واحمد وعللوا ذلك بأن الكثرة تتبع اتساع المخرج أو ضيقة. القول الثانى: قول مالك وصاحباً أى حنيفة وهو قول ثانى للشافعى وأحمد أن الكثرة متغيرة فى تميز الخنثى. وقد ثبت هذا عن غيرة عن عدة من الصحابة فمن بعدهم منهم: 1. على بن ابى طالب: روى هـ ك 6 / 261 ... من 2/265 ... شيبة 11/349 عبد الرازق 10/38 والاسماء صحيح ولفظ الاثر: أن على سئل عن الخنثى وكيف يورث فقال يورث من قبل منا لة، وفى رواية قال (يورث حيث يبول فإن نال من اله الرجل ورث ميراث رجل ومن اله الانثى ورث ميراث أنثى) وفى رواية قال (يورث من ايهما مال) وفى رواية قال (انظروا ميل البول فور قوى منة) وفى رواية قال (وان مال من مجرى الذكر فهو علام وان مال مجرى فى مرأة فهو جارية) وهو اول قضاء فى الخنثى فى الاسلام عن على. 2. رفض بهذا ايضاً سعيد بن المسبب: روى ذلك شبية منصور 1/63 هـ ك عبد الرازق ولغة الاثر عن قنادة مال سألت سعيد بن السبب عن متى يخلق المرأة وخلق الرجل ارأيت إن كان يبول منهما جميعاً فقال قنادة لا ادرى فقال سعيد انظر الى ايهما اسرع على ذلك يورث. وفى رواية قال سعيد (من حيث يسبق) . 3. جابر بن زيد وهو ابو الشعناء البصرى لغة فعلية وكان ابن مسعود يتواضع له ويقول (اتسألونى وفيكم جابر بن زيد) وكانوا يقولون انه مثل الحسن البصر وبعضهم كان يفضل على الحسن. بيت قضاء بذلك فى هـ ك منصور شيبة قال قنادة (سجن الحجاج جابر بن زيد فوقعت مسألة فى الخنثى فأرسل الى صابر بن زيد وهو فى السجن فقال صابر (سبحان الله) انظر من حيث يبول فورثة منه. وفى رواية قال صابر بن زيد (الصقوا بالحائط ثم دعوة يبول فان أصاب الحائط فهو غلام وان نال بين فجدية فهو جارية) .

4. وثبت فى شيبة منصور ان محاربة سئل عن الخنثى كيف يورث فسئل من قبل كيف تورثوة) فأمر اصبرونة من قبل ماله. وفى رواية السعيد بن منصور كتب معاربة الى على يسأل عن توريث الخنثى فقال على (الحمد لله الذى جعلنا عددنا يسألنا عن مانزل به ثم كتب اليه ورثة من قبل مبالة) 5. وروى عن النبى روى هـ ك وبعد ان رواة قال فيه محمد بن السائب الكلى عن ابى صالح عن ابن عباس. وقال السيوطى فى الاشتباة اسنادة ضعيف جداً وقال الهيتى لايجنح به، والاثر ان النبى سئل عن مولود ولد قبل وذكر من اين يورث فقال النبى (يورث من حيث يبول) . وذكر الامام ابن قدامة فى المغنى فى 7/115 علامات اخرى يعرف بها حالة الخنثى منهما عل ثبت له الحية، هل ضاقت ولها تربات تكلما وظهر الى غير ذلك. تنبية: نسب الى على وليس موجودا فى الكتب ترجمة له الا وهو التميز بين الذكر والانثى فى حال الخنثى عن طريق عدد الاضلاع فقال ان زات الاضلاع يضلع، فى الخنثى على اضلاع الرجل فهو امرأة، وان نقصت اضلاع الخنثى عن أضلاع المرأة يضلع فهو رجل. لان حواء خلقت من ضلع ادم الايسر الذى انتزع منة فحواء زادت ضلعاً وادم نفضى خلقاً، ذكر ذلك ابن قدامة فى الفتى فى المكان المتقدم، وذكرة القرطبى فى تفسيرة سورة البقرة 1 / 302 وفى اول سورة النساء 5 / 66 وهذا القول منسوب الى على والى الحسن البصرى. قال الشيخ مارأيت هذا القول باسناء تلبت لاعن على د / عن الحسن البصرى والقول لايعتمد ولا يعتمد فى الميز بين الذكورة والانوثة فى حال الخنثى. ومال الامام ابن اللبان من انمطة القراشض. لوضع هذا ما الشكل حال الخنثى ابداً واصبح الى مراعاة المبال وقال ابن قدراتة فى المعنى: ليس على هذا تعويل والصحيح ماذكرنا. حالات الخنثى: الخنثى له 3 أحوال: الحالة الاولى: إن ظهرت فية علامة أحد الصنفين فيكفية توريثة واضحة.

الحالة الثانية: اذا لم تظهر فية احدى علامات الصنفين وامكن أن تظهر فية فى المستقبل فهذا هو الخنثى الذى يرجى انكشاف فى حالة (يرجى انكشاف حاله) . الحالة الثالثة: اذا لم يمكن أن تظهر فية إحدى علامات الصنفين فهو مشكل اما لانه مات وهو صغير او بلغ وهو على اشكاله فهو الخنثى المشكل. - الحاله الثانية والثالثة الخنثى فيها لا يخرج عن كونة ذكراً أو انثى وارثة بالذكورة والانوثة لا يخرج ايضاً عن 3 أحوال: - الحالة الاولى: اما ان يرى بها (يعنى ان قدرناة ذكر ورث وان قدرناة انثى ورث) ، وهذة الحاله لها 3 أحوال ايضاً: - 1. ان يرث بها بالتساوى 2. ان يرث بها متفاضلاً وارثة بالذكورة افضل من الانوثة. 3. ان يرث بها متفاضلاً وارثة بالانوثة افضل من الذكورة. الحاله الثانية: ان يرث بواحد منهما ولها حالتان: - 1- ان يرث بالذكورة فقط 2- ان يرث بالانوثة ولا يرث بالذكورة. الحاله الثالثة: لا يرث بهما ان قدرتة ذكراً ولا يرث وان قدرتة انثى لايرث. والورثة مع الخنثى لهم عدة أحوال: - الحالة الاولى: اما ان يرثوا معه متساوياً فى حالتين. الحاله الثانية: اما ان يرثوا معه متفا ضلاً وهذة لها حالتان: - 1- ان قدرتة ذكر أن يكون انفع للورثة. 2- ان قدرتة انثى أن يكون انفع للورثة. الحاله الثالثة: ان يرثوا معه فى حال دون حال (كما لو قدرتة ذكراً لا يرثون وإن قدرتة انثى ورثوا) . الحاله الرابعة: لا يرثون معه مطلقاً سواء كان ذكراً او انثى. ·?الحكم فى الاحوال المتقدمة: - أجمع العلماء على الحكم فى حالتين من الاحوال المتقدمة: - 1- اذا ورث الخنثى بحالتين متساوياً بعصبية كاملاً، وهكذا الورثة الذين معه اذا ورثوا متساوياً فى حالتى الخنثى نعطيهم ايضاً نصيبهم. 2- اذا كان الخنثى لا يرث بهما وهكذا من معه لا يرث فى حالتية فلا نعطيهم شيئاً. 3- مثال: على ورث الخنثى متساوياً. اب ... ... 1/6 ... ... 1/6ع ... ... 1 ام ... ... 1/6 ... ... 1/6 ... ... 1 ... بنت ... ... 1/2 ... ... 1/2 ... ... 3 ...

ولد ابن (خ) ... ع ... ... 1/6 ... ... 1 ... نصيبة فى حالتية متساوياً ... ... ذ ... ... ث مثال: لا يرث فيها الخنثى سواء قدرتة ذكراً لو انثى ... زوج ... ... 1/2 ... ... 1/2 أخت ش ... 2/3 ... ... 2/3 أخت ش ... 2/3 ... ... 2/3 ولد اب (خ) ... ع ... ... م ... ... ... ماورث فى حالتية ... ... ذ ... ... ث الأحوال المختلف فيها على 4 أحوال: - 1- فذهب ابى حنيفة: الاختيار فى تعليل المختار 3 / 38، 5 / 115 فيقول يعامل الحنثى وحدة بالاخر فتعطية أقل الصيبين واسوء حالتين ونعطى لبقية الورثة نصيبهم لان المزاحم للخنثى نصيبهم يقين سبب استحقاقة فلا يجوز ابطاله ولا نفضة بالشك، فنعطى للخنثى القدر المتيقن وهو أقل الامرين واسوأ الحالتين، فإذا اتضح خلاف ذلك نقضى بالحكم وردت الحالات، كما ينقض حكم اذا خالف الواقع. الامثلة على مذهب ابى حنيفة: أاذا كان لا يرث الحنثى فى احدى حالتية لا يورث عند الاصناف (ان كان ذكر ورث وان كان انثى لا يرث) . زوجة ... ... 1/4 ... ... 1/4 ولد اخ ش (خ) ... ع ... ... - ... عم ... ... ... م ... ... ع ... ... ... ذ ... ... ث عند ابى حنيفة لا داعى للجامعة لاننا نعاملة بالاخذ والاخذ هنا انى لايرث على التقدير انها انثى فاذا ظهر خلاف ذلك يرد المال للخنثى. ب عكسها (اى يرث ان كانت انثى ولا يرث ان كان ذكراً) . اخ الام ... ... 1/6 ... ... 1 ... 1/6 ... ... 1 الاخر له ام ... ... ... 1/6 ... ... 1 ... 1/6 ... ... 1 ميراث الذكر اخت ش ... ... 1/2 ... ... 2 ... 1/2 ... ... 3فنعطية ميراث ولد اب (خ) ... ... ع ... ... - ... 1/6 ... ... 1 زوج ... ... 1/2 ... ... 3 ... 1/2 ... ... 3 ... ... ... ذ ... ... ... ث ت يرث بهما متفاضلاً (لكن الذكورة انفع متتغطية ميراث الانوثة) بنت ... ... ع ... ... 1 ... 2/3 ... ... 1 الاخر له ولد (خ) ... ... ع ... ... 2 ... 2/3 ... ... 1 ميراث الانثى عم ... ... ... م ... ... - ... 2 ... ... 1متغطية ميراث الانثى ... ... ... ذ ... ... ... ث ث يرث بهما متفاضلاً (لكن الانوثة انفع متتغطية ميراث الذكر) زوج ... ... 1/2 ... ... 3 ... 1/2 ... ... 3 ام ... ... ... 1/6 ... ... 1 ... 1/6 ... ... 1 اخ الام ... ... 1/6 ... ... 1 ... 1/6 ... ... 1 زلد ش (خ) ... ... ع ... ... 1 ... 1/2 ... ... 3 ... ... ... ذ ... ... ... ث نصيب الورثة فى الجامعه: - البنت = 2X5=10- (6 X2) =10+12=22÷2= 11 ام = 3X2=6+ (1 X6) =6+6=12÷2= 6 عم = 1 X6= 6÷2= 3 1. مذهب الامام مالك: -

.. يورث الخنثى بحالتية وأعطاه نصف كل منهما عملاً بالشبهين. فان ورث بهما نعطية نصف ذكورة ونصف انوثه. واذا ورث بواحد منهما نعطية نصف التى ورث بها. ووافقة على ذلك ابو يوسف ومحمد بن الحسن والاخر وافق مالك فى قولة تماماً والاول اختلف فى صورة يأتى بيانها: - I. يرث بهما. 3X6 ... ... 2/18 ... ... ... 6/1 ... ... 36 بنت ... ... ع ... ... 5 ... ... 5 ... 2/3 ... ... 2 ... ... 11 ولد (خ) ... ... ع ... ... 5 ... ... 10 ... 2/3 ... ... 2 ... ... 16 ام ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 3 ... 1/6 ... ... 1 ... ... 6 عم ش ... ... م ... ... 0 ... ... 0 ... ع ... ... 1 ... ... 3 ... ... ذ ... ... ... ... ... ث II. يرث بواحد منهما ولد أخ ش (خ) ... ... ع ... ... 1 ... ... م ... ... 0 ... 1 عم ... ... ... ... م ... ... 0 ... ... ع ... ... 1 ... 1 ... ... ... ... ذ ... ... ... ... ث أما ابو يوسف له تفصيل كما فى الاختيار 5 / 115 فيقول لو مات وترك ابن وولد خنثى فلو كان خنثى ذكراً لكان المال بينهما نصفين ولو كان أنثى لكان المال بينهما لثلاثاً (الذكر 2/3 والانثى 1/3) فاستحقاق الانثى للثلث ينقص والزيادة علية وهو السدس يكون مشكوك فيهما منقسم وهذا المشكوك بينة وبين اخية بالتساوى. ... ... ... ... 6 ... ... ... 7 ابن ... ... ... ... 3 ... ... ... 4 ولد خ ... ... ... ... 2 ... ... ... 3 2. مذهب الامام الشافعى: - يعامل الخنثى ومن معه بالاخر ويوقف الباقى حتى يتضح حال الخنثى او يتفق الورثة، فان تبين حال الخنثى تبين حال الموقوف واعطينا كل واحد حقة، واذا ارادو ان يصلحوا فلا حرج ولابد من التسامح والتواجد وتغتفر الجهالة فى مثل هذا الصلح للضرورة. وعمد الشافعى فى ذلك انة يأخد باليقين حتى يزول الاشكال بالاتضاح او يعمل بالاصلاح. ... ... ... 3X6 ... ... 2/18 ... ... 2 X6 ... 3/12 ... ... 36 بنت ... ... 1/2 ... 3 ... ... 9 ... 1/2 ... 3 ... 6 ... ... 18 ولد ابن (خ) ... ع ... 1 ... ... 2 ... 1/6 ... 1 ... 1 ... ... 3 بنت ابن ... ... ع ... 1 ... ... 1 ... 1/6 ... 1 ... 1 ... ... 2 ... اب ... ... 1/6 ... 1 ... ... 3 ... 1/6ع ... 1 ... 2 ... ... 6 ام ... ... 1/6 ... 1 ... ... 3 ... 1/6 ... 1 ... 2 ... ... 6 ... ... ذ ... ... ... ... ث ... 1موقوف 3. مذهب الامام أحمد: - جمع بين اموال المذاهب لكن نزل كل قول على حالة وهو اسد الاوقوال مثال للخنثى حالتان: - الحالة الاولى: - يرجى فيها انكشاف حالة معامل الخنثى وعن ورثة بالاخر كقول الشافعى. الحاله الثانية: -

لا يرجى فيها انكشاف حاله الخنثى متأخد يقول مالك ... هذا القول فية احتياط لامرين وبة قص ابن عباس والشعبى وابن ابى ليلى ونقلة ابن قدامة فى المعنى 7 / 115 عن اهل المدينة ومكة وقال هو قول النورى وقال لم يعرف له فى الصحابة منكراً. وهذا القول يرجع لهدة أمور: - 1. لان حالتى الخنثى تساويا موجب التسوية بين حكمها قال ابن قدامة كمالو اوعى شخصيات داراً وهى تحت تصرفها ولا نية لو احد منهما فنفس بينهما وفى هذا رد على قول الاصناف: - 2. ليس توريث الخنثى بأسوء أحوالة بأولى من توريث من معه بذلك فتحصيص الخنثى بهذا الحكم بحكم لا دليل علية. 3. وفية رد على قول المالكية: قالو اننا نحاط بهذا القول فى الامرين فان كان الخنثى يرجى انكشاف حاله حنثة فى ان تتوقف لنعلم مستحق المال بيقين وان كان لايرجى انكشاف حاله فلابد من حسم المنازعات وتتوزيع المال حسب وضعنا. كيفية التوريث عند الامام أحمد: - ... ان كان يوجة انكشاف حاله نجعل جامعه للخنثى دون ان نضر بهما ونعطية ومن معه الاسوة والاخر. وان كان لا يرجى نجعل جامعة ثم تضر بها حالتى الخنثى ونعطية ماورثة بالحالتين سواء على اثنين. * أثر الشعبى ثابت فى (فى 2 / 365) (سيبة 11 / 350) انة سئل عن مولود ليس بذكر ولا انثى وليس له مثل للذكر ولا للانثى وقالوا له انه يخرح من سرتة البول والفائط فقال: اعطوة نصف حظ الذكر ونصف حظ الانثى. كيفية اخراج الجامعة فى مسائل الخنثى: - 1. اذا كان الخنثى يرجى انكشاف حالة فنجعل لة مسألين، مسألة على انه يرث بالذكورة واخرى على انه يرث بالانوثة وننظر بين المسألتين بالنسب الاربعة وحاصل النظر هو جامعة الخنثى ثم من كان له شئ فى المسألتين فان تساوى (نصيبه فى الاولى كالثانية اعطيناة واحد منهما وان اختلف اعطينا ولاقل، واذا كان بعض الورثة لا يرث فى احدى التقديرين لا نعطية شيئاً، وتترك الباقى موقوفاً حتى يظهر حال الخنثى.

2. واذا كان لا يرجى انكشاف حال الخنثى نجعل مسألتين كما تقدم ثم منظر بين المسألتين كما تقدم بالنسب الاربعة وحاصل النظر يضرب بحالتى الخنثى (اى يضرب باثنين) ليخرج جامعه الخنثى ثم تقسم الجامعه على مسألتين ومن له شئ فى كل مسأله أخدة مضروباً فى فوقعها ثم جمعنا ما يستحقة فى المسأله الاولى والثانية وقسمناها على اثنين واذا كان لايرث الا فى مسأله واحدة قسمناها ايضاً على اثنين. مبحث الحمل 1. تعريف الحمل لغه: هو ما فى بطن كل حمل من ادبية او غيرها وهو شكل لكنه محمول فى البطن، قال مقاعى (فلما نعشها حملت حملاً خفيفاً) . واذا حمل النقل فى الظاهر فتقال له (حمل) قال تعالى: "وان تدع مثقلة الى حملها" فالحمل المحمول ظاهراً والحمل المحمول باطناً. وجمع الحنل أحمال قال تعالى: "واولات الاحمال اجلهن ان يضعن حملهن". والانثى يقال لها حاملة: اذا حملت حملا ظاهراً. والانثى يقال لها حامل: اذا حملت حملا باظناً. ... تعريفه اصطلاحاً: ما فى بطن الادمية من ولد. وأفراج الحمل الذى يرث ويحجب بكل تقدير او ببعض التقادير اذا انفصل حياً. 1. المبحث الثانى: شروط ارث الحمل يشترط له شرطان: 1- تحقق وجودة فى الرحم حين يورث المورث ولو نطفة والسبب فى اشتراط هذا الشرط، ان الارث خلافة عن الميت والوارث يخلف المورث قكيف سيخلفة وهو معدوم. 2- انفصالة حياً معتبرة مستقرة ولذلك لابد من استهلاك او ان يتنفس نفساً طويلاً. لما ثبت فى د هـ ك والحديث حسن بشواهدة وسكت عنة وحسنة اتمتنا لوجود الشواهد له بل نصوا على تصحيحة كما فى نصيب الراية 2 / 77 عن ابى هريرة وان النبى قال اذا استهل المولود ورث".

وفية محمد ابن اسحاف ورد عنهن وهو مدرس وهو من رجال مسلم والسنن الاربعة وقال البهيتى فى السنن الكبرى ورواة ابن حزيمة وزاد فى الراوية (اذا اب كل اهل المولود ورث كتلك طعنة الشيطان، مال بنى ادم نائل منه تلك الطعنة والا ما كان من مريم وابنها فانها لما وضعتها انها قالت انى اغيرها بك وورد فيها من الشيطان الرجيم، فقدت دونها بحجاب فطن فية (اى الحجاب) . قال هـ ك وفى رواية الاعرج عن ابى هريرة قال ان النبى قال " كل بن ادم يطعنة الشيطان فى جنبة حين تلدة امة الا عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن فى الحجاب". قال ابو هريرة " ارايت هذة الصرخة التى يصرخها الصبى حين تلدة امة فانها منها ". وفى روايات البيهنى قال ابو هريرة " من السنة الا يرث المنفوس ولا يورث حتى يستهل صارخاً". وقول الصحابة من السنة كقول النبى. * الشواهد التى تقوى الحديث المتقدم: - 1. روى ت وقال حسن صحيح جه حب كم حى الذهبى 4 / 349 هـ ك 4 / والهينى 4 / 225 وعزاة الى طبك طبس وقال البهينى فى كتاب الجنائى ورويناه فى كتاب الفراشض مرفوعاً من حديث ابى هريرة. ولفظ الحديث عن جابر عن النبى انه قال " الطفل لانصلى علية ولا يرث ولا يورث حتى يستهل " وفى بعض روايات الحديث " السقط لا يصلى علية ولا يرث ولا يورث حتى يستهل". 2. اثر مرسل: هـ ك عن سعيد بن السبب انه قال قال رسول الله: لا يرث الصبى واذا لم يستهل والاستهلاك الصباح او الغطاس او البكاء " قال سعيد ولا يصلى علية. 3. اثر مرسل: فى 2 / 293 عن مكحول الدمشقى قال قال رسول الله " لا يرث المولود حتى يستهل صارخاً وان وقع حياً". 4. اتر موقوف: 3- اثار موقوفة: 1- اثر جابر: ولفظة لفظة حيث جاء المرفوق المتقدم رواة فى هـ ك 6/257 وقال روى من حديث جابر مرفوعاً وموقوعاً رواها ايضاً شيبة 11/293 وعبد الرازق 3 / 533.

2- اثر عبد الله بن عمر: فى عبد الرازق من رواية اى اسحاق السبينى قال سئل ابن عمر عن السقط يقع ميتًا ايصلى علية قال (لا حتى يصبح فاذا اصاح صلى علية وورث) . 3- اثر عبد الله بن عباس: فى مي 2 / 392 ... وشيبة 11 / 384 قال (اذا استعل الصبى ورث وصلى علية) . 3. المبحث الثالث: مدة الحمل. قال الله فى سورة الرعد: (الله يعلم ما تحمل كل انثى وما تغيض الارحام وما تزداد) . ما تحمل كل انثى وما تقبض الارحام وما ترد. 4- اما ان تكون موصلة: ويصبح المعنى الله يعلم ماتحملة كل انثىوما تقيض اى تحمل من مولود واحد وما تزداد اى اثنين او ثلاثة الى ما شاء الله. ماتقبض: اى اما فى قدر الرجل او البصر وما تزداد: يخرج احياناً النضاد زائدة مولود له ست اصابع او رأسان. ما تقيض: اى تقبض عن المدة المعتادة فاما تلقية سقطاً واما قبل تسعة اشهر وماتزداد تبقى سنة وسنتين او اكثر. 5- واما ان تكون ما مصررية: الله يعلم حمل كل انثى ونقصانها وزيادتها ودل على هذا المعنى قول الله سبحانة (الية يرد علم الساعة وما يخرج من ثمرات من اكمامها وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه) فصلت. (وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه) فاطر 6- واما ان تكون ما استفهامية: جوز ذلك ابو حيان فى النمر المحيط 5 / 369 والالوس قال ولا يخفى ان ذلك خلاف الطاهر العتاد ويصبح المعنى الله يعلم كل شئ تحملة الانثى. ولقد دلت السنه ان هذا الحمل عملة مختص بالله جل وعلا. ثبت مد خ من حديث ابن عمر ان النبى قال (مفتيح الغيث خمس لا يعلمها الا الله، لا يعلم احد ما تكون فى عد الا الله، لا يعلم احد منا ما فى الارحام، ولا يعلم احد متى تقوم الساعة، وى ندرى تفسير ماذا تكسب غداً، ولا يعلم احد متى يجئ المطر) .

·?وعلم الغيث المختص بالرب ومن جملتة ما فى الارحام، ضامطة كما قال النووى ص 266 من القناوى / هو علم استقلالى محيط ومجمع المعلومات كماً وكيفاً مخرج العلم الذى يجعلة الانسان عن طريق الحواس وخرج العلم الذى يحصلة الانسان اضطرارياً (فهو معلوم ضرورة) وحرج العلم الذى يحصله الانسان عن طريق الدلائل (سواء كانت عقلية او تجريبية) . ·?علام خص الله هذه الامور الخمسة بالذكر وكل غيب مختص بالرب سبحانة وذلك لخمسة امور: - 1. هى امهات الغيب واذا جهلها الانسان فهو عن جهل غيرها اجهل واجهل. 2. هذة الامور الخمسة لم يوح الله بعلمها الى أحد من خلقة من ملك او نبى مرسل. 3. هذة الامور الخمسة ما ينفع السؤال فيها بكثرة من قبل المخلوقين لأنبياء الله ورسله فأخد الله انه استأثر بعلمها. 4. هذة الامور الخمسة كان يدعى من يدعى من الكهان معرفتها فكذبهم الله. 5. هذة الامور الخمسة تشتاق النفوس الى معرفتها وتطلع الى العلم بها. ·?واية الرعد المتقدمة تدل على ان مدة الحمل لا يعلمها الا الله ولا تحدد بحد معين ولا تضبط بفترة. قال القرطبى كما فى 9 / 287: لا يوجد لاكثر مدة الحمل حد معين ينتهى الانسان الية ولا زادت مدتة على عشرة أعوام فهذا اممكن. وقال الشيخ الشنقيطى فى اضواء البيان فى 3 / 86 وهذا أظهر الاقوال وليلاً والاقوال التى فيها تحديداً أكثر مدة الحمل لادليل عليها ولا اصل لها. ونقلة ابن القيم فى تحفة المود فى صـ 21 عن العلماء فقال: قالت مرتة لايجوز فى عذا الباب تحديداً اى فى بابا اكثر مدة الحمل منهم ابو عبيد القاسم بن سلام. وحكى عن الزهيرى مايدل على هذا فقال قال الزهيرى: - قد تحمل المرأة ستة أعوام وسبعة اعوام ثم قال ولقد اتى سعيد بن عبد الملك بامرأة ولدت مولوداً وقد حملتة سبع سنوات. وقال ابن القيم وحكى عن عباد بن العوام قال: -

ولدت امرأة معنا فى هذا الدار لخمسة اعوام ومد بلغ شعرة الى كتفة وخرجت أسنانة ولما سقط مولوداً نزل بجوارة طائر فقال له هشام واخد بهذا القول الامام مالك (وهو ان مدة الحمل لا تحدد بمدة) . وهناك قولات لبقية المذاهب القول الثانى: قال به احمد وهو ظاهر مذهبة كما فى المعنى فى 9 / 116 وهو قول الشافعية كما فى السراج المنير للخطيب الشربينى صـ 450 وهو قول ايضاً للامام مالك من اقوالة الثلاثة ان اكثر مدة الحمل أربع سنوات. وصحة هذا القول أمران: - 1. مالانص فية ولا دليل علية نرجع فى ضبطة وتحديدة الى الوجود والوقوع وقد وجد بن حملتة امة اربع سنين ووقع ذلك؟ واورد دافى فى ذلك عدى اثار: - أروى قط 3 / 322 وهـ ك 7 / 443 وبو علية باباً فقال (باب ماجاء فى اكثر مدة الحمل) ولفظ الاثر عن الوليد بن مسلم انة قال للامام مالك (حدثت عن عائشة امها قالت لا يمكن الحمل فى بطن امة اكثر من سنتين ولو بمقدار ظل المعزل) فقال الامام مالك " سبحان الله من يقول هذا " هذة امرأة محمد بن عجلان جارة لنا امرأة صدق زوجها محمد بن عجلان رجل صدق، كانت تحمل وتلد كل اربع سنين قال وولدت ثرثة اولاد فى اثنى عشرة سنة".

ب روى قط وهـ ك عن هاشم المحاشعى قال كنا فى مجلس مالك بن دينار فجاء رجل بعد ان انتهى الامام مالك بن دينار من درسة قال انا يحى وان زوجتى مكثت فى الحمل اربع سنين وقد لافت عنة ومشتقة فأريد منك ان تدعو لها لعل الله يفرج عنها فقال مالك بن دينار سبحان الله تأتون الينا وكأننا انبياء فندعو لكم، فانصرف الرجل ولما انصرف رفع يدية وبدأ يدعو الحاضرون يأمنون ومن جمله دعى بها " اللهم ان كان فى بطنها رياحاً وانتفاخاً فاذهب ذلك عنها واذهبة عنها، وان كان فى بطنها جارية وانثى فأسألك ان تقلبة غلام فأنت تمحو ماتشاء وتثبت ما تشاء وانت على كل شئ قدير وبدأ يلح فى الدعاء مما حط يدية حتى جاء الرجل عائداً ويحمل الولد على رقبتة وقال ان يحيى اجاب الله دعائك ". ت قصى اخرى ثانية فى قط وهـ ك وعن الرازق 7 / 355 ومنصور جمع ركال الاسناد ثبات عن الاعمش عن ابى سفيان (وهو لبو سفيان طلحة بن نافع) حديثة نخرج فى الكتب الستة ولكتة روى الحديث عن اشياخ له قال " رفعت امرأة الى عمر غاب عنها زوجها سنتين فلما عاد وجدها حاملاً، فقالت يا امير المؤمنين الحمل من زوجى فهم عمر برجمها فقال له معاذ بن جيل يا أمير المؤمنين ان كان لك سلطان عليها فليس لك سلطان على ما فى بطنها اتركها حتى تضع فتركها عمر حتى وضعت فلما وضعت عرف الرجل شبهة وان الولد يشبهه فقال ابنى والله ابنى فقال عمر عجزت النساء ان تلدن مثل معاذ لولا معاذ لهلك عمر. ث وروى فى هـ ك وقط عن الامام مالك قال معرضاً ذكر نفسة بدون ان يصرح " اعرف من حملتة امة اكثر من سنتين " يريد بذلك منة لان امة حملتة ثلاث سنين. وقد بقى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على فى بطن امة اربع سنين وقال ابن قتييته فى المعارف وقد بقى هرم بن صباب فى بطن امة اربع سنين ولذلك سمى (هرم) .

7- قالوا قضاء عمر فى النقود وقد وافقة علية ذو النورين وعلى رضى الله عنة فقالوا من فقد زوجتة بعتد اربع سنين فاذا ماجاء الزوج بعد اربع سنين يحكم بموتة فاعاد عدة الوفاى تعد اربع سنين ثم تتزوج وتقبل ذلك عنه من قال بهذا القول " لانه الاربع سنين تظهر براعم الرحم او فى الرحم الحمل ". وقال الشيخ: العلة التى عللوا بها هذا القضاء غير مسلمة وهى براءة الرحم لانها ولدت بعد فقدى بسنة لا يجوزها لها ان تتزوج فالمقصود مراعاة حق الزوج. القول الثالث: قول الحنيفة كما فى الاختيار فى تعليل المختار 4 / 179 وهذا هو المعتمد عند الحنيفة وهو قول لاحمد وقال بة شعبان النورى ان اكثر مدة الحمل سنتان واستدلوا بقول عائشة وهو فى هـ ك قط ومنصور 2 / 67 عن عائشة قالت (لايمكث الحمل فى بطن اكثر من سنتين ولو بمقدار ظل المغزل) . وهذا الاثر قال عنى ابن القيم فى تحفة المود ر وصـ 210 طعن فية ابو عبيد وسبب الطعن ان التابعية الراوية عن امنا عائشة مجهولة وهى جميلة بنت سعد) . قال ابن جزم فى المحلى 10 / 316 انها مجهولة. والامام الذهبى فى الميزان 4 / 605 فى ترجمة جميلة بنت سعد نقل كلام ابن حزم فقط. والامام ابن حجر اسقط ترجمتها فى اللسان انة ذكر حدمنها فى الدراية فى تلخيص تخريج احاديث الهداية كما فى 2 / 80 من الدارية وفى نصيب الراية 3 / 365. قال الشيخ: حديثها لايعمل الى البطلات ولا الى الترك ولا الى الذكارة قطعاً. يقول الذهبى فى الميزان لايوجد من النساء من اتهمت واين تركت وهى تابعية ولم يعلم فيها حرج، والحنيفة استدلوا بهذا الاثر وقالوا له حكم الرفع لانة لايدرك من قبل الرأى. وعلية لا يرث الحمل اذا مضى علية سنتان فأكثر.

قال الشيخ: وعلى القول يثبتون الاثر للرأى فية مجال وما قاله الحنيفة من انه له حكم الرفع فليس كذلك، فقالت بناءاً على علمها وعلى عادة النساء فى زمنها فما ثبت عندها ان حملاً بقى فى بطن انه اكثر من سنتين ولا يصح ان يقال ان هذا الاثر مرفوع للنبى صلى الله علية وسلم. القول الرابع: قال به الامام مالك من اقواله الثلاثة ان اكثر مدة الحمل خمسي سنين ولم يوافقة علية احد. اقل مدة الحمل: - فلا خلاف فيها وهى مجمع عليها انها 6 أشهر وفق حكم عدد من الائمة ومنهم: - ·?محمد بن عابد من ائمة الحنيفة وهو محقق المذهب فى كتابة رد المختار على الرد المختار 3 / 540. ·?وابن القيم فى تحفة الودود صـ 206 قال (اتفق لبفهاء كلهم على ان أقل مدة من الحمل ستة اشهر وهذا أمر تلقاى الفقهاء من الصحابة الكرام. ثبت فى هـ ك 7 / 440 وعبد الرازق 7 / 350 وبوبا على الاثر (باب التى تضع ستة اشهر) ومنصور 2 / 66 (باب المرأة تلد ستة اشهر) . وخلاصة الاثر: ان رجلا تزوج امرأة فولدت لستة اشهر بعد زواجهما فشك فى المولود ورفع الامر الى عمر فقالت المرأة: والله انة ابنة فهم عمر يرجمها فقال على: يا امير المؤمنين لو خاصمتك بكتاب الله لخاصمتك فقال الله سبحانة " وحملة وفصالة ثلاثون شهراً " وقال والةالجنات يرضعن اولادهن حولين كاملين فاذا مضت سنتين من ثلاثين شهراً بقى ستة اشهر وهى اقل مدة الحمل فقال عمر لولا ابو حسن لهلك عمر. وهذة قصة تكررت ايضاً مع عمر ولكنة المشير كان ابن عباس كما فى مصنف عبد الرازق. وتكررت القصة ايضاً فى عهد عثمان فهم يرجمها فأشار الية ابن عباس كما اشار على عمر فتقبل عثمان ايضاً هذا واثر عثمان ثابت فى مصنف عبد الرازق وسعد بن منصور. 8- المبحث الرابع: أفراد الحمل (كان يتوقع أن يخرج ذكر او انثى أو اكثر من ذلك) . لاحد لاكثر أفراد الحمل قلا يصلحة الا الله.

- قال الالوس تماروح المعافى 13 / 109 عند تفسيرة الاية (الله يعلم ماتحمل كل انثى) قال: قال الامام الشافعى أخبرنى شيخ من اليمن ان امرأتة ولدت بطوتناً فى كل بطت خمسة اولاد. - وقال ابن قدامة فى المغنى 7 / 194 قال ابن قدامة اخدمى رجل من انثى بة فى سنة 8 او 609 عن ضربر بن نسق قال ولدن امرأتى هذة منذ ايام سبعة فى بطن واحدة ذكوراً واناثاّ. - قال الشيخ: الغالب فى الولادات واحد او اثنين وما زاد على ذلك قليل ولذلك اختلفت الائمة فى كيفية توريث الحمل وفى تقديرة لتوريثة وتوريث من معه فقالوا: - اولاً: ان رضى الورثة بالانتظار حتى يخرج الحمل ليتضح الحال فلا اشكال وان لم يقبلوا وطلبوا نصيبهم فهل يحابون ام لا. انفسهم الائمة فى ذلك الى قسمين: الاول: قال به مالك وهو قول للشافعى ان الورثة لا يحابون ويرجمون على الانتظار. الثانى: وهو قول الجمهور ابو خنيفة واحمد وهو قول للشافعية معتمد عندهم اننا نمكنكم الورثة الاحياء من ارائهم ولكننا نحتاط للحمل، كيفية الاحتياط عند من قال بذلك اختلف الائمة الثلاثة على ثلاثة أقوال وهى: القول الاول قول الحتفية: قالوا نعطى الحمل الاخط من كونة ذكراً او انثى ونعتبرة فرداً ثم تققسم التركة وتوقف له نصيبة ونعطى الورثة الاحياء نصيبهم ونأخذ منهم كفيلاً بأن الحمل اذا لم يخرج كما قدرناة فنعطى القسمة التى قسمناها وناخد استحقاق الحمل من الورثة. القول الثانى: قول احمد قال نعطى الحمل الاحظ من نصيب الذكر بين الاثنين او الذكر او الانثى. القول الثالث: قول الشافعية الاصح عند الشافعية ان الحمل لا يضبط بعدد وهناك قول ثانى انه يقدر الحمل بأربعة أفراد كما فى السراج الوهاج للخطيب الشربينى صـ 330 ومربع الحمل من الورثة ان كان عاطياً لا نعطية شيئاً، وان كان ارثة لا يختلف فى جميع التقادير كيفما قدرتة فنعطية نصيبة كاملاً. حالات الحمل عند الولادة: لا تخرج عن 3 أحوال:

1. ان يولد الحمل قبل مضى أقل مدة الحمل وهى ستة أشهر من فهنا يرث بالاجماع مطلقاً. 2. ان يولد الحمل بعد مضى أكثر من مدة الحمل المقدرة عند الائمة فلا يرث عنة غير متحقق الوجود عند موت الموروث. 3. ان تكون المدة التى ولد فيها الحمل فوق الادنى دون الاعلى فهل يرث ام لا ففى هذا تقضيل: الحاله الاولى: ان كانت المرأة الحامل فراشاً لزوج او لسيد يطآن ويعاشر هذة الحامل فلا يرث الحمل فى هذة الحالة لاحتمال وجودة وحملة بعد موت المورث. الحاله الثانية: اذا كانت المرأة فراشاً لزوج او لسيد لا يطآ ن عجزاً او انتباعاً او من اجل غيابها المقصود ناحصل الوط فيرث الحمل فى هذة الحالة. الحاله الثالثة: اذا لم تكن المرأة فراشاً لان زوجها ميت عنها فالحمل يرث فى هذه الحالة بالاتفاق. الحياة التى ثبت بها ارث الحمل:- اتفق الفقهاء على انة اذا استهل وهو الصباح ويلحق به ماتقدم ان حرج هذا من الحمل فهذا يدل على صيانة حياة شرعية يرث بها من مورثة، ·?فان خرج ميتًا بالاتفاق لايرث، ولكن قال الحنيفة ان خرج ميتً ينفسة لايرث. ·?وان خرج ميتً باعتدار متعمد فهو وارث (صورتها لو ان انساناً ضرب امراً حاملاً فاسقطت جنيناً ميتاً عند الحنيفة يرث ثم يورث بعد ذلك) . ·?ولو خرج بعضة حياً فلم يكتمل خروجة حتى مات فهل يرث ام لا: فعند الجمهور لايرث وخالق الحنيفة فقالوا للاكثر حكم الكل ان خرج اكثر حياً ثم مات عند اكتمال خروجة فهو حمل وارث والا فلايرث. ·?وهل يجزى عند الاستهلاك من تنفس اين تتحرك الاعضاء من نص اصبع امتد على الحياة. فالامام مالك وهو وراوية عن أحمد قالوا لايعتبر الاستهلاك لان النبى اناط الحكم به. وعتد ابى حنيفة والشافعى وهو القول الثانى لاحمد يقولون: تثبت الحياة ويرث الحمل بما يدل على حياتة ولكن حياة مستقرة وكأن يتنفس نفساً طويلاً. امثلة على ماتقدم: - ... ... ... ... ... (مذهب ابى حنيفة) اب ... ... ع ... ... 2 ... 1/6 ... ... 4 ... 1/6ع ... ... 5 ... 4 ام ... ... 1/3اب ... ... 1 ... 1/6 ... ... 4 ... 1/6 ... ... 4 ... 4

زوجة ... ... 1/4 ... ... 1 ... 1/8 ... ... 3 ... 1/8 ... ... 3 ... 3 حمل منه ... - ... ... - ... ع ... ... 13 ... 1/2 ... ... 12 ... ... التقدير ... ... ت ... ... ... حى ذكر ... ... ث ... ... ... 13موقوف ... ... ... ... ... (مذهب احمد بن حنبل) اب ... ... 1/6 ... 4 ... 8 ... 1/6ع ... 4 ... 1/6 ... 4 ... 14 ... 64 ام ... ... 1/6 ... 4 ... 8 ... 1/6 ... 4 ... 1/6 ... 4 ... 12 ... 64 ... ... زوجة ... ... 1/8 ... 3 ... 6 ... 1/8 ... 3 ... 1/8 ... 3 ... 9 ... 48 حمل منه ... ع ... 13 ... 26 ... 2/3 ... 11 ... ع ... 13 ... 29 ... 56 ... ... التقدير ... ... ذذ ... ... ... ثث ... ... ذث ... ... 26=13 56موقوف ... مثال على مذهب ابى حنبل: اخ الاب ... ... ع ... 5 ... ع ... 5 ... 5 ... ع ... 5 ... 1 ... 15 حمل من ابية ... ... - ... ع ... 5 ... 5 ... ع ... 5 ... 5 ... 15 اخ الاب ... ... 1/6 ... 1 ... 1/6 ... 1 ... 2 ... 1/6 ... 1 ... 3 ... 6 التقدير ... ت ... ذ ... ... ... ... ... ث ... ... ... 15 موقوف ملاحظة لم يتغير نصيب الاخ لام. توريث المفقود: تعريف المفقود: اسم مفعول من فقد الشئ يفقدة قال تعالى: (قالوا واقبلوا عليهم ماذا تفتقدون، قالوا نفقد صواع الملك) والمراد بالمفقود فى الفرائض. من انقطع خبرة وجهل حالة فلا يدرى احى هو ام ميت، اما لانه ذهب فى سفر او فقد قتالاً او اسر او سجن ثم انقطعت الاخبار. ·?الاصل فى النفقود انه حى لان حياتة كانت ثابتة بيقين والموت طارئ واليقين لايزول بشئ مشكوك فية، وعلية ينبغى ان يرث من مات من مورثية فتترك لع نصيبة ونحتاط له هذا من ناحية ارثة. ·?اما من ناحية الارث منه فالاصل الا نرثة ولا نوزع تركتة، ·?وقد اتفق الفهاء على ان المفقود حى والحياة لاتزول عنة الا بمضى مدة ولكن اختلفوا فى تقدير تلك المدة على حسب اختلاف حال المفقود. القول الاول: قول الحنيفة والشافعية. الى ان النفقود حى الا اذا تيقنا موتة، فلا بد من مضى مدة يغلب على الظن انه لا يعيش فوقها وهذة المدة قدروها بموت أقرانة وأعمار أهل زمانة أنظر المختار فى تعليل المختار 3 / 37 وشرح السراجية صـ 193 من كتب الحنيفة وروضه الطالبين للنووى 6 / 34 وفى السراج الوهاج صـ 454 من كتب الشافعية. ثم اختلف الحنيفة والشافعية هل تحدد هذة المدة بمدة محددة على قولان: - أهذة المدة يقدرها ولى الامر وهو يقدرها على حسب حال المفقود وعلى حسب أقرانة قال النووى فى روضة الطالبين انه اصح القولين.

وقال فى السراجية: هذا هو المختار والاشبة بقواعد الامام ابى حنيفة - وقيل وهو قول ثان لابى حنيفة ان المدة تحدد بحيث اذا جاوزها المفقود حكم بموتة فقيل وهى 70 وقيل 80 وقيل 75 وقيل 90 وقيل 100 وقيل 120 سنة وهذا اكثر ما قيل. والعمدة فى قول الحنيفة والشافعية أمران: 1- الاول: المفقود حى وحياتة متيقنة فلا يترك ذلك اليقين الا بيقين وقيل هذا عن جم من سلفنا. ثبت فى عبد الرازق 7 / 90 وشيبة 4 / 236 ومنصور 1 / 402 وهـ ك 7/ 46 ونسبة ابن حجر لابى عبيد فى النكاح والشافعى كما فى تلخيص الحير قى الام واسناد الاثر حسن عن على انة سئل عن امرأة المفقود كم تتربص لتتعد وتتزج قال هذة امرأة ابتليت فلتصبر لاتنكح حتى يأتيها يقين وفى بعض روايات الاثر (اذا فقدت المرأة زوجها لاتتزوج حتى يصل او يموت) . قال الشافعى بعد أم نقل هذا الاثر وهذا نقول، وقال البيهنى فى السنن الكبرى، هذا هو المشهوة عن على. وثبت فى عبد الرازق وفى المحلى 10 / 138 هنة انة جريح وقال: (بلغن ان ابن مسعود وافق علياً على انها تنتظرة ابداً) وقال بهذا القول جم غفير من التابعين. عن ابراهيم النخعى كما فى عبد الرازق ومنصور وشيبة والمحلى عن ابراهيم النخعى قال فى امرأة تفقد زوجها او يأخدة المدد وتصبر فانما هى أمرأتة يصيبها ما اصاب النساء او يبلغها انة مات) . ونقلة ابن ابى شيبة فى المصنف عن ابى قلابة وجابر بن زيد والحكم بن عتبة وحماد بن ابى سليمان. ونقلة البيهقى فى السنن الكبرى عن عمر بن عبد العزيز انه قال فى امرأة المفقود تلوم وتصبر (تلوم بمعنى: تتريث وتتنتظر وتأتى) قال الخاقظ فى الفتح 9 / 431 زهذا هو قول الفقهاء أهل الحكمة وهو قول الشافعى وقال بة بعض اصحاب أهل الحديث. - وهذا القول الذى نقل عن صاخبين وعدد من التابعين (روى مرفوعاٌ ولكن باسناد لايثبت كما قال البيهقى فى السنن الكبرى وقال: روى فية حديث مستند اسنادة من لايحجج بخديثة.

- واخر رواه هـ ك وقط 3 / 312 عن المقيدة بن شعيبة قال: - قال رسول الله: امرأة المفقود أمراتة حتى يأتيها البيان - وفى رواية قط: امرأة المفقود أمراتة حتى يأتيها الخير قال البعيتى فية سواء ين مصغب وهو ضعيف وقد حكم علية الامام أحمد الدار قطنى بالترك كما فى المغنى فى الضعفاء 1 / 290 ولم يخرج له أحمد من اصحاب الكتب الستة. وفى كتاب العلل لابن ابى حاتم قال قال: سألت ابى عن هذا الحديث فقال هذا الحديث فنكر محمد بن شرجيل فترك الحديث يروى عن المقيرة عن النبى احاديث من كثير باطل. وقال الزنلقى فى مصيب الراية 3 / 473: وقد ذكر عبد الحق الحديث فى احكامة واعلة محمد بن شرجل فقال اه متروك وقال ابن القطان وسواء بن مصعب اشهر فى المزوكين منه ودونة صالح بن مالك لايعرف وهو الراوى عنى سواء دونة محمد بن الفضل لا يعرف حالة. وقال الحافظ ابن حجر فى الدراية 2 / 143 اسنادى ضعيف فية سواء بن مصعب ومحمد بن شرجيل وهما متروكان. وقال بن قدامة فى المغنى 9 / 134 لم يثبت هذا الحديث ولم يذكرة احد من أهل العلم. 1. الامر الثانى: وذلك اليقين وهو يقين وصول خبر بموتة اذا لم يبلغنا بيقين فلابد من ضبط الامر حسبما ينزل منزلة اليقين مما هو فى وسع المكلفين ويكون هذا بالنظر الى موت اقرانة واهمار اهل زمانة. 2. وقد اشار النبى ان اعمار هذة الامة قل ان تزيد على السبعين وما خرج عن ذلك فهو قليل، ولذا كان يقول العلماء يسمون السبعين بأنها دقامة الاعناق. فى ث خه خب كم والخطيب فى تاريخ بغداد والقصاعى فى سندة وقد حسن الحديث الحافظ فى الفتح 11 / 240 عن ابى هريرة ان النبى قال (اعمار امتى مابين الستين الى سبعين واقلهم من يجوز ذلك) والحديث رواه ابو على من رواية انس بن مالك.

وهذا الحديث ورد بمثلة كما فى مد خ والخطيب فى التاريخ من رواية ابى هريرة ان النبى قال (اعزر الله الى امرأ اخر اجلة حتى بلغ ستين سنة) وفى بعض روايات الحديث كما ففى (مد) وتاريخ بغداد 1 / 290 (من اتت علية ستون سنة من امتى فقد امد الله له فى العمر) . ·?القول الثانى: قول الامام أحمد. قسموا حال المفقود الى قسميت اثنين: - 1- مفقود تغلب على فقدة الهلاك والتلف والموت والعطب كمن فقد فى المعركة ومن فقد ايام انتشار الطاعون، وغيرة او كمن خرج الى الصلاة فلم يعد فقدروا المفقود فى هذة الحالة 4 سموات من حين فقدة، فاذا لم يعد حكم بموتة ويقسم ماله وتعتد زوجنة وتتزوج ان شاءت وعمدة هذا القول: 1) اتفاق الصحابة هلى تزوج امرأتة اذا مضت اربع سنين بعد ان تعتد قال ابن قدامة واذا ثبت ذلك فى النكاح مع الاحتياط فى الايضاع ففى المال فى باب اولى. 2) الظاهر هلاكة فأشبة ما لو مضت مدة لايعيش فى مثلها. 3) اشار الية الامام الباحى فى المنتقى 4 / 91 قال: هذا القول يترجخ ويتقوى من جهة المعنى وهو ان المرأة له حق فى الزوج ول كان الزوج حاضراُ لفرق بينهما بسبب العتة وهو حاضر، ويغيب غيبة اشد من غيبة فثبت لها الفرقة من باب اولى ببعض 4 سنوات. الاثار التى تؤيد قواهم: اولاً قولهم " اتفاق الصحابة على هذا " فهذا ليس مسلم ولكن جمهور الصحابة على هذا.

أ- قضاء عمر فى من اختطفتة الجن: ثبت فى عبد الرازق شيبة قط ومنصور وهـ ك وابن ابى الدنيا كما فى اكام الدرجات للشلبى ولقط المرجان وانظر تخرج الاثر فى نصيب الراية 3 / 471 ومختصر الرواية لابى حجر وفى التلخيص الجديد 3 / 264 والمغنى لايترك قدرات 9 / 134 تقل عن الامام احمد أن هذا الاثر يروى عن عمر من ثلاثة وجوة ولم يعرف فى الصحابة له مخالف وفى المحلى 10 / 134.، اتت امرأة لعمر فقالت: استهويت الجن زوجها، فأمرها ان تتربص اربع سنين ثم امر ولى الذى استهوتة الجن ان يطلقها، ثم أمرها ان تعتد اربعة اشهر وعشراً. ب- وروى منصور وعبد الرازق وشيبة والوكأ 2 / 575 وهـ ك والمحلى والاثر صحيح ثابت ولفظة قال عمر: ايمان امرأة فقدت زوجها فلم تدر اين هو فانها تنتظر اربع سنين ثم تعتد اربغة اشهر وعشراً ثم تحل. قال الامام أحمد كما فى المعنى / روى من ثمانية اوجة عن عمر وهو احسنها ونقل هذا القضاء عن عثمان ايضاً فى شيبة وهـ ك والمحلى. وثبت ايضاً عن ابن مسعود كما قال 9 / 431 فى الفتح ونقل هذا القضاء عن ابن عمر وابن عباس. فىى منصور شيبة وهـ ك وقال ابن حزم فى المحلى وهذا صحيح عن ابن عباس وابن عمر وقال الحافظ فى الفتح روى هذا عن ابن عمر مستند صحيح. الخلاصة: ان هذا القضاء روى عن عمر وعثمان وعلى (وعن على القضاء مختلف وابن عباس وابن الزبير وابن مسعود) . ج- قضاء على: رواى هـ ك 7 / 445 والمحلى 10 / 137 وقال ابن حزم وهذا صحيح عن على انها مكثت اربع سنين ثم تعتمد مدة الوفاة ثم تحمل. لكن البهينى ضعف الاثر على فقال: يروية خلاس بن عمر عن على وابو المليح عنة ورواية خلاس عن على ضعيفة ورواية ابى المليح مرسلة فهو لم يسمع من على ثم قال: والمشهود عن على خلافة. كما تقدم ان علياً قال " ان امرأة المفقود امرأتة حتى يأتيها البيان "

وقال الشيخ: ان كلام البهينى او ق لان فلاس ابن عمر العجزى والبصرى نفع وكان يرسل كثيراً وكان على شرطة على وقد اخرج حديثة أهل الكتب السنة وحديثة فى البخارى مقروناً بغيرة. قال الامام أحمد ابو هاشم كما فى تهديب التهذيب 3 / 177 يروى عن على بواسطة اكتاب (يعنى ما اخد عن على) وقال يحي بن سعيد القطان لم يسمع خلاس بن عمر من عمر ولا من على. وقال احمد كما فى تهذيب التهذيبى كانوا يمشون ان يحدث من صحيفة الحارث الاعور عن على (فراويتة عن على ضعيفة لهذا وهو منه) . واما ابو المليح ابن اسامة بن عمير الهذلى ت سـ 98 وقبل سـ 108 وقبل بعدة وهو تقة واسمة زيج او زياد. فهو لم يسرح من على فروايتة منطقية. وعلية فالاثر فية ضعيف وقدثبت على خلافة. وهذا القضاء قضى به جم عقيد من التابعين كما فى الفتح 9 / 431 عم الزهراء عن مكحول وعن عطاء وعن غيرهم. وهذا القول انفرد به الامام أحمد وبعد أن قال نقل عنة مايشبه توقفة كما فى المعنى 9 / 133 قال: وقد نقل عن أحمد انه قال (كنا أقول اذا تربصت أربع سنين ثم اعتدت اربعة اشهر وعشراً تزوجت وقد ارثبت فيها وهيت الجواب فيها لم أختلف الناس فيها فكأنى احب السلامة) . قال ابن قدامة وهذا توقف يحتمل الرجوع عما قالة وتتربص ابداّ ويحتمل هذا القول التورع ويكون المذهب ما قالة: - اولاً: قال القاضى اكثر اصحابنا على ان المذهب رواية واحدة (وهى فى حال علية الهلال علية تمكنت اربع سنين ثم تعتمد وتتزوج اذا شائت وعندى ان المسألة على روايتين. قال الشيخ: لكن المعتمد عند الحنابلة وعلية كتبهم ان المفقود ينقسم الى قسمين مفقود تغلب على فقدة الهلاك والموت فيقدر له اربع سنوات ثم تعتد الزوجة وتتزوج ان شائت ويقسم المال بعد اربع سنوات. والحاله الثانية: مفقود يغلب علية السلامة. وللحاله شأنان فى قوله: -

القول الاول: كالقول الاول عند الحنيفة والشافعية فؤجلة الى مدة لايعيش فيها غالباً وقد مات فيها أمثاله وأقرانة ولا يقدر تلك المدة بمقدرا معين وانما موكلة لولى الامر. القول الثانى: اننا نقدر على حسب الغالب فى الناس ومدة التقدير عندهم تسعون سنة فقط. القول الثالث: مذهب الامام مالك توصلوا وقسموا المفقود الى اربعة أقسام: - الاول: هو الذى ينقطع خبرة ولا يعلم حالة من بلاد المسلمين، فمن حيث الصلة الزوجية تمكنت اربع سنوات ثم تعتمد عدة الوفاة ثم تتزوج ان شائت، ومن ناحية قسمه المال فننظر الى مدة التعمير الضرورية وهى عندهم 70 وقيل 75 وهو قول ضعيف والمعتمة الاول واختيار الشيخان وهما ابن ابزيد والقابس 80 وهو قول ضعيف ايضاً. الثانى: وهو الذى فقد فى بلاد الشرك سواء فى معركة او ذهب اليها او اسر وانقطع خبرة ففى هذة الحالة ننظر مدة التعمير فى الامرين، فيما يتعلق بالمدة للزوجة وفيما يتعلق بتوريثة والارث منة لابد ان تمضى 70 سنة وكل من مات من أقربائة نجعل هذا النفقود حياً ونورثة من مورثة، فإن عاد قبل مدة التعمير أخذ ما وقضناة له وان لم يعد سوف يأتى بيان ذلك ان شاء الله. انظر مواهب الجليل 3 / 210 وحاشية الدسوقة 2 / 8. الثالث: المفقود فى قتال بين المسلمين هذا يحكم بموتة بعد انتهاء المعركة مباشراً ويلحق بهذا المسافر لبلد فية الطاعون او من كان فى بلد فية طاعون. الرابع: المفقود فى قتال بين المسلمين والكفار، ننتظر سنة مطلقاً فيما يتعلق بالمدة وفيما يتعلق بإرثة وتوريثة من غيرة، فاذا لم يعد بعد التلوم وسنة يحكم بموتة (والتلوم هو البحث والتحرى) وتضرب السنة بعد التحرى والتلوم. وهذة الحالة الرابعة منقولة عن سعيج بن السبب فى البخارى قال سعيد (اذا فقد الصف بين القتال تتربص امرأتة سنة واذا ابيحت الايضاح بعد سنة فالاموال من باب أولى) . قال الحافظ ووقع عند ابن التين ستة أشهر وهذا تصحيف فالسنة تصحيف وأشهر زيادة.

قال الشيخ: وهذا التفريق الذى قالتة المالكية ليس علية دليل. المبحث الثالث: إن جاء الزوج المفقود فما الحكم بالنسبة لزوجتة. أولا: عند المذاهب الاربعة. ان عاد الزوج ولم يعقد عليها ولم تتزوج فهو أولى بها من غيرة وى تزال فى عصمتة، وان انتهت المدة ومر عليها سنوات وسنوات. ثانياً: ان عاد الزوج الاول وتزوجت فما الحكم فالمذاهب على 3 أقوال: - القول الاول: قول الاحناف والشافعية. زوجها الاول أحق بها من الثانى دخل بها أو لم يدخل، فإن دخل بها دل على أن العقد صح ظاهراً لاباطناص ويبطل العقد الثانى مباشراً بعودة الزوج الاول ولا تعود الية الا بعد أن تعتد من أجل استيراء الرحم وبعد انتهاء الفترة تعود الى الاول وبدون عقد او مهر. وهذا القول منقول عن على كما فى المحلى 10 / 138 وهـ ك ونقله عن الحكم بن عيبتة وهو من زجال الكتب الستة ت سـ 115 هـ ونقلة عن ابراهيم النحفى ونقلة سعيد بن منصور 1 / 403 وابن ابى شيبة 4 / 240 عن الشعبى أن زوجها الاول أحق بها. وفى السراج الوهاج للقمراوى / 454، والافصاح لابن هبيرة 2/ 176. القول الثانى: قول المالكية. أن تزوجت من رجل ثانى دخل بها أو لم يدخل فلا تحل للأول كما فى الوطأ 2 / 575 وإن أدركها زوجها الاول قبل أن تتزوج فهو أحق بها وقال مالك وأدركت الناس ينكرون الذى قال بعض الناس على عمر. ورد الشافعى على الامام مالك فقال: أنت فرقت بين أثر واحد فالأثر منقول عن عمر أنها تتربص أربع سنين فأخذت بهذا الشق منه واذا جاء زوجها يخير بين الصراف وبين إمرأتة فرد ورثة ثم قال وكيف ترد مارواة الاثبات، ونقل هذا الرد البهيقى فى الكبرى 7 / 446. القول الثالث: قول الحنابلة. ان تزوجت وجاء الزوج قبل الدخول يلغى النكاح الثانى ولا يخير الاول فإن دخل الثانى يخير الاول بين إمرأتة وبين صداقها. المبحث الرابع: إن مات مورث المفقود فى مدة الانتظار لذلك حالتان: - الحالة الاولى:

الايكون لموث المفقود وارث الا المفقود فتوقف جميع المال له ولا يتصرف فية حتى يتضخ الحال أو تمضى فترة الانتظار. الحاله الثانية: هناك ورثة أخرون مع المفقود فالمعتمد عند المذاهب الاربعة اننا نعامل الورثة الذين جم مع المفقود الاخر وترك الاخطر للمفقود وعلية من لايرث من الورثة على تقدير حياة المفقود ولا نعطية شيئاً واذا كان بعض الورثة مع المفقود يرثون متفاضلاً فنعطيهم أقل النصيبين. الحالة الثالثة: وإن كان بعض الورثة يرث ارثاً متساوياً سواء كان المفقود حياً أو ميتاً فنعطية نصيبة كاملاً. وهناك قولان ضعيفان: الاول: اننا نعتبر المفقود فى حكم الميت فنورثة ومن معه على انه ميت وهو وجه فى الشافعية والمذهب على خلافة. الثانى: وجه فى الشافعى والحنابلة: ان نجعل المفقود حياً فقط. مثال: ... ... ... ... ... 1/24 ... ... ... 6/4 ... ... 24 ابن مفقود ... ع ... ... ... 13 ... ... 0 ... 0 ... ... 0 أم ... ... 1/6 ... ... ... 4 ... ... ع ... 2 ... ... 4 ... أخ ش ... ... م ... ... ... 0 ... ... م ... 0 ... ... 0 زوجه ... ... 1/8 ... ... ... 3 ... ... 1/4 ... 1 ... ... 3 ... التقدير ... ... ح ... ... ... ... ... م ... ... ... 13 موقوف المبحث الخامس: إن مضت مدة الانتظار ولم يتبين للمفقود خير من الاختيار. أولاً: بالنسبة كمال المفقود ينقسم بين ورثة حين الحكم علية بموتة فلا يرث منه الا الاحياء من ورثتة عند موتة باتفاق الائحة وقد حكى الاتفاق ابن قدامة فى المغنى فى 7 / 208. ثانياً: المفقود ما موقف الموروث من ارث له من مووثية الين ماتوا قبل الحكم على المفقود بالموت وانتهت مدة الانتظار هل نجعل هذا المال مالا للمفقود يرثة او نعيدة لورثة مورثية دون أن يرث المفقود منهم شيئاً وهذة الحالة للمذاهب الاربعة فيها قولان: -

القول الاول: قول الجمهور مالك وابو حنيفة والشافعى وأحد قولى الحنابلة: واختارة ابن قدامة فى 7 / 208 وجمهور الحنابلة على خلافة، وان المفقود لا يرث شيئاً من مورثية اذا انتهت مدة الانتظار ولم يتبين انه حى، ونعيد المال لمستحقية وليس لمن يقين بحياة المفقود يتحمل ان تكون ميتاً فيشك فى سبب استحقاقة المفقود للارث ولا توريث الشك. القول الثانى: إنفرد به الحنابلة فى قولهم الثانى: أن ما وقف للمفقود يكون له كماله الاصلى وعلية يوزع على ورثة المفقود لاعلى الورثة الذين ورثوا فى المفقود وحجنهم الاصل حياة المفقود ولا يحكم بموتة الا بعد مضى المددة الضرورية لانتظارة. المبحث الثالث: كيفية توريث المفقود وتوريث من يرث معه من مورثيهم: الخطوة الاولى: نجعل مسألتين نقدر المفقود فى المسألة الاولى حياً ثم نقسم المال وفى الثانية نقدرة ميتاً ثم تقسم المال. الخطوة الثانية: ننظر بيم المسألتين بالنسب الاربعة فحاصل النظر هو جامعه المفقود. الخطوة الثالثة: نقسم حاصل النظر على مسألتى المفقود فالخارج هو جزء سهم كل مسألة. الخطوة الرابعة: نضرب نصيب كل وارث فى المسألتين فيما فوقة فمن كان لايرث شيئاً فى احدى المسألتين لانعطية شيئاً ومن كان يرث متفاضلاً نعطية الامل ومن كان يرث متساوياً نعطية النصيب كاملاً. مثال: ... ... ... ... 13/24 ... ... ... ... 13/12 ... ... 312 أخت الام ... ع ... ... 5 ... ... 1/2 ... ... 6 ... ... 65 أم ... ... 1/6 ... ... 4 ... ... 1/3 ... ... 4 ... ... 52 زوجة ... ... 1/8 ... ... 3 ... ... 1/4 ... ... 3 ... ... 39 ابن اخ ش ... م ... ... 0 ... ... ع ... ... 0 ... ... - بنت (م) ... ... 1/2 ... ... 12 ... ... 0 ... ... ... ... 156 موقوف ... التقدير ... ... ح ... ... ... ... ت المبحث الرابع: الموقوف او بعضة المفقود لكن بسببة ولا يعلم مستحقة من الورثة فلهم الصلح علية. مثال: على مالا يستحقة المفقود شيئاً من الموقوف. ... ... ... 7/2 ... ... ... ... 7/6 ... ... 14 زوج ... 1/2 ... ... 1 ... ... 1/2 ... ... 3 ... ... 6 أخت ش1/2 ... ... 1 ... ... 1/2 ... ... 3 ... ... 6 ... اخت الاب ع ... ... 0 ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... اخ الاب (م) ع ... ... 0 ... ... 0 ... ... 0 التقدير ... ح ... ... ... ... ت ... ... ... ... 2 موقوف

فالمفقود فى الحالتين لم يرث فيصطلح الورثة على الموقوف ويقسمونه كله. مثال: على الموقوف يستحق بعضة ولا يستحق البعض الاخر. ... ... 3X6 ... ... 4/18 ... ... ... ... 9/8/6 ... ... 72 زوج 1/2 ... 3 ... ... 9 ... ... 1/2 ... ... 3 ... ... 27 أخ الام ... 1/3 ... 2 ... ... 3 ... ... 1/3 ... ... 1 ... ... 9 أخت الام1/3 ... 2 ... ... 3 ... ... 1/3 ... ... 1 ... ... 9 اخت ش ع ... 1 ... ... 1 ... ... 1/2 ... ... 3 ... ... 4 اخ ش (م) ... 1 ... ... 2 ... 0 ... 0 ... ... 0 التقدير ... ح ... ... ... ... ... ت ... ... ... ... 23 موقوف فالسهام 8 توقف والباقى هو 15 لو اصطلح عليها الورثة بينهم مجائو وتوقف 8 ولا يجوز الاصلاح عليها. الغرقى والهدمى والحرقى وبوب البيهقى علية فى 6 / 222 قال باب من عمى موتة اى حفى حاله علينا حاله عند الموت مع من يشاركونة فى القرايات فلا نعرف السابق فى الموت من الللاحق. صور المسأله وبيان المتفق علية منها والمختلف فيها: قال النووى فى الروضة 6 / 32 اذا مات متوارثان بغرق او حرق او تحت هد او فى بلاد غربة او وجدوا قتيلين فى معركة، ويلحق بهذا لو مات الورثة فى طاعون او فى حادث سيارة وخفى علينا قال مورثهم فلذلك خمس صور: - الصورة الاولى: ان نعلم سبق ادهما بعينة فالحكم ظاهر وهو ثبوت الاثبات للمتأخر. الصورة الثانية: ان نعلم وقوع الموتين معاً فالحكم ظاهر ايضاً وهو عدم ارث بعضهم من بعض وهو عدم التوارث بينهما لعدم تأخر احدهما عن الاخر والصورتان متفق علهما. الصورة الثالثة: الا نعلم شيئاً عنهم بخيث نحعل واقع موتهم. الصورة الرابعة: ان نعلم التلاحق بينهم فى الموت ولا نعلم السابق منهم اى نعلم تأخر بعضهم بالموت عن بعض لكن من غير يقين. الصورة الخامسة: ان نعلم سبق موت بعضهم ثم يلتبس علينا الامر وننسى ماعلمنا العلماء فى هذه الصور الثلاث المختلف قيهم قولان: القول الاول: وهو قول الجمهور ابو حنيفة ومالك والشافعى واحد قولى الامام أحمد وظاهر المذهب على خلافة ورجعه المجبر بين تيمية وابن تيميه.

وخلاصتة: انه لا يوازن بين عؤلاء الاموات فى هذة الصور الثلاث وكل واحد يرثة ورثتة الاحياء فقط، فمن مات معه لايتوارثون فيما بينهم نعتبرهم كأمهم ماتوافى وقت واحد. وكل واحد يرثة ورثتة ٍالاحياء دون من مات معهم. وحجتهم فى ذلك: كما فى الاختيار فى تعليل النختار 5 / 112، ومواهب الجليل فى المالكية 4 / 460 والموطأ 3 / 121 بشرح الزرقانى والمغنى 7 / 187 وفى الروضة 6 / 33، وحجتهم فى ذلك أمران: الامر الاول: - الشك فى استحاق الميراث ولا توريث مع الشك والورثة الاحياء سبب ارثهم متيقن فلا يعارض ذلك بالشك، ولايترك المتيقن بالشكوك فية. والصورة الخامسة يمكن تذكرها وذلك غير ميئوس فية. فقال الحنيفة والشافعية فيها قولان: وهو القول المعتمد عند الشاافعية: ان الميراث يوقف حتى يتبين الحال أويصطلح الورثة فيما بينهم قال النووى " وهذا هو الصحيح الذى علية أصحابنا. والقول الثانى: أن الحالة الخامسة كالحالة الرابعة والثالثة. الامر الثانى: - اثار عند الشلف وهى كثيرة:- 1. ثبت فى منصور 1 / 86 فى 2 / 379 كم حى ذهبى 4 / 345 وهـ ك 6 / 222 قط 4 / 74 ولفظة عن جعفر بن محمد الباقى عن ابية قال: إن أم كلثوم توفيت هى وابنها زيد بن عمر بن الخطاب فى يوم واحد، يقول الاملم الباقى: فالتقت الصيختان (الصائحتان) فى الطريق فلايدر ايهما مات قبل صاحبة قال " فلم ترثة ولم يرثها". قال الامام باقى وأهل صفين لم يتوارثوا فيما بينهم وأهل الحرة لم يتوارثوا فيما بينهم. 2. وثبت فى عبد الرازق 10 / 298 وهـ ك 6 / 222 بسند رجالة ثبات عن يحيى بن سعيد الانصارى وهو امام ثقة عدل ثبت ت سـ 144 هـ وحديثة فى الكتب السنه ورزوجتة فى السيرة 5 / 468 قال: ان اهل الحرة واصحاب الحمل لم يتوارثوا فيما بيمهم. وفى رواية البهينتى (ورثهم ورثتهم الاحياء) . وفى منصور عن يحيي بن سعيد الانصارى: ان قتلى اليمامة وقتل صفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض عصبيهم من الاحياء.

3. وثبت فى علد الرازق 10 / 298 وهـ ك 6 / 222 وقط 4 / 119 وفى 2 / 379 ولفظة عن خارجة بن زيد عن ابية قال (زيد بن ثابت) ورث الاحياء من الاموات ولم يورث المتوفى بعضهم من بعض وكأم ذلك يوم الحرة. ورواة منصور 1/ 87 عن ولدة حارجة ولم يرفعة الى ابية قال خارجة: كان يقال كل قوم متوارثين عمى موت بعضهم قبل فى هذم أو غرق أو حرق أو فى شئ من المتالف فإن بعضهم لايرث من بعضهم شيئاً، لايرثون ولا يحجبون، يرث كل واحد منهم ورثتة من الاحياء كأنة ليس بينهم وبين أحد ممن مات معه قرابة. وفى رواية لعبد الرازق عن خارجة أن ابا بكر فى أهل اليمامة مثل قول زيد ورث الاحياء من الاموات ولم يورث الاموات بعضهم من بعض. وفى رواية للبيهقى فى الكبرى من طريق عباد عن ابى الزياد عن خارجة عن زيد قال: أمر فى ابو بكر حيث قتل أهل اليمامة وأن يورث الاحياء من الاموات ولا يورث بعضهم من بعض. قال البهيقى وبهذا الاسناد من طريق عبد عن ابى الزناد عن خارجة عن زيد بن ثابت قال: أمر فى عمر ليالة طاعون عمواس قال كانت القبيلة تموت بأثرها فأنرتى أن اورث الاحياء من الاموات والا اورث الاموات بعضهم من بعض. قال الشيخ: وعباد وان كان ضعيفاً فقد توبع من قبل عبد الرحمن بن ابى الزناد وفى روايتة عن ابية عن خارجة عن زيد بن ثابت واسناد الاثر ثقات كما فى (هـ ك) وفى ومنصور ومعنى الاثر ثابت وفى الروايات الاخرى.

4. رواة (هـ ك) عن ابى الزناد عن الفقعاء من اهل المدينة كانوا يقولون كل قوم متوارثين ماتوافى هدم أو غرق أو حرق أو غيرة فمعنى موت بعضهم قبل بعض فانهم لا يتوارثون ولا يخحبون، قال " وعلى ذلك قول زيد وقضى بذلك عمر بن عبد العزيز، وفى (هـ ك) وقط 4 / 73 عن ابى ابن الزناج عم ابية قال أخبرنى الثقة أن أهل الحرة اصيبوا وكان القضاء فيهم على زيد وفى الناس يؤمن من اصحاب رسول الله من ابنائهم ناس كثير وزيد قضى فى أهل الحرة من اصحاب بأن لا يتوارثوا الاموات من بعضهم. وفى رواية (قط) قال قسمت حواديث أصحاب الحرة فورث الاحياء من الاموات ولم يرث الاموات من الاموات. 5. رواة مشيبة 11 / 345 وعبد الرازق 10 / 297 وقط 4 / 73 عن داود بن هند من عمر بن عبد العزيز انة ورث الاحياء من الاموات ولم يورث الاموات بعضهم من بعض. قال معمر " كتب عمر بذلك. والاثر رواة منصور وعبد الرازق عن ابن جريح عن عمر بن عبد العزيز فى القوم يموتون جميعاً غرقوا فى سفينة أو وقع عليهم بيت أو قوتلوا ولا يدرى ايهم مات قبل الاخر لايورث بعضهم من بعض الا ان يعلم انه مات قبل صاحبة قيرث الاخر الاول ويرث الاخر عصبيتة. فإن لم يعلم ايهم نات قبل صاحبة فلا يورث بعضهم من بعض ولكن يرثهم الاحياء. وهذا الاثر رواة مى 2 / 379 عن يحى بن عتيق قال قرأت فى بعض كتب عمر بن عبد العزيز ينجوا الاثر المقدم. ورواة شيبة عن قتادة قال" كان فى كتاب عمر بن عبدلعزيز يرث كل انسان وارثة من الناس اى من الاحياء.

6. وفى الوطأ من طريق شيخة ربيعة بن ابة عبد الرحمن عن أهل المدينة فى 3 / 21 يشرح الزرقانى وفى هـ ك 6 / 222 ولفظة عن غير واحد من علمائهم انه لم يتوارث من قبل يوم الحمل ويوم صفين ويوم الحرة ثم كان يوم فريد (موقعة جرت قرب مكة) فلم يورث أحمد من صاحبة الا من علم انه قتل صاحبة قال مالك " ذلك الامر الذى لا اختلف فية ولاشك عند هلكا بغرق أو قتل أو غير ذلك من الموت واذا لم يعلم ايهم مات قبل صاحبة شيئاً وكان يراثها لمن بقى من ورثهما يرث كل واحد منهما ورثتة من الاحياء، قال مالك لا ينبغى أن يرث أحد أحداً بالشك ولايرث أحد أحداً الا باليقين من العلم والشهداء. 7. عن حسن بن على فى منصور 1 / 86 عن ابن شبرمة قال حدثنى الثقة عن الحسن بن على قال يرث كل واحد منهما ورثتى. 8. ونقل عن على فى هـ ك 6 / 222 عن يزيد بن هارون عم شيخ من أهل البصرة عن عمارة بن حزم عن ابية ان علياً ورث قتلى الجمل فورث ورثهم الاحياء. قال البيهقى " ونحن نأخد بهذا ثم نقل عن بشير الحنفى أن علياً ورث رجلاً وابنة أو اخوين اصيبا بصفين لايدرى ايهما مات قبل الاخر قورث بعضهم من بعض. قال البيهقى كذا قال ونحن انما تأخد بالرواية الاولى. وهذا القول منقول عن جم من التابعين رويت أقوالهم فى سنن سعيج بن منصور 1 / 87 عن اسماعيل بن عباس وهو ابو عتبة الحمصى صدر فى روايتة عن أهل بلدة مخلط فى روايتة عن غيرهم روى عن شاى عن ابى بكر بن عبد الله بن ابى مريم وهو العسافى الشامى ضعيف سرق بينة فاختلط وهو من رجال السنن الارعة الا النسائى ت سـ 56 يروى عن ثلاثة من التابعين عن راشد بن سعد الحمصى وهو ثقة كثير الارسال ت سـ 113 هـ وعن خكيم بن عمير ابو الاحوص الحمصى صدوق من التابعين حديثة فى (د، ق) ، وعن عبد الرحمن بن ابى عوف الجرشى الحمصى يقال انع ادرك النبى وهو من رجال (د، ن) قالوا: لايورث ميت من ميت انما يورث الحى من الميت ترثهم عصبيتهم من الاحياء.

9. رواة عبد الرازق وشيبة عن معمر بن الزهيرى ورواية عبد الرازق عن الزهيرى قال " مضت السنة أن يرث كل ميت وارثة الحى ولا يرث الموتى بعضهم من بعض. ورواية ابن ابى شيبة عن الزهرى قال " فى الذين يموتون جميعاً لايدرون ايهم مات قبل صاحبة لايورث بعضهم من بعض. القول الثانى: قال به الامام أحمد. يرث الاموات بعضهم من بعض من تليد المال الميت لامن الطريف وان ادعى ورثة كل ميت تسبق موت الاخر فى الحالة الرابعة والخامية ولا بينة لواحد من الفرقين بما ادعاة، أو كان لكل واحد بينة وتعارضاً تخالفا ولم يتوارثا. والحالة الثالثة يرث بعضهم من بعض عنهم بلا خلاف لانة لا يعلم حالهم والحجة عند الحنابلة دليلان: - 1. حياتهم ثابتة بيقين وموتة قبل صاحبة مشكوك فية فالاصل فى الحياة ولا يثبت الحرمان بالشك الا فيما ورث كل منهما من صاحبة لان توريث أحدهما من صاحبة يتوقف على الخكم بموت صاخبة قبله فلا يتصور أن يرث صاخبة منه لكن ماثبت بالضرورة لا يتعدى عن مخلها وفيما عدا ذلك يتمسك فية بالاصل. ولو ورث كل منهما من صاحبة فيما يرثة منه للزم وراثة الانسان لنفسة وترتب على ذلك الدور 2. اثار منقولة عن السلف ولكن ليست فى قوة الاثار المنقولة عن اصحاب القول الاول:- اولاً: لم يثبت فى ذلك أثر مرفوع الى النبى واما ما ورد فى العذب 2 / 7 وروى عن اياس عن عبدا لمذنى (وهو من الصحابة) ان النبى شئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال يرث بعضهم من بعض. فلا يثبت هذا عن النبى صلى الله علية وسلم. قال ابن قدامة: والصحيح أن هذا من اياس نفسة (وليس مرفوعاً) وانه هو النسئول وليس يرد ايه عن النبى هكذا رواى سعيد بن منصور رغبة وحكاه أحمد عنة. واثر اياس رواة سعيد بن منصور 1 / 85 ورواة غيرة ايضاً

ورواة عبد الرازق 10 / 267 وشيبة 11 / 342 وقط 4 / 74 واشار الية هـ ك 6 / 222 قال الامام أحمد وروى ع اياس بن عبد المزنى انه قال " يورث بعضهم من بعض " وقال البيهقى وقول الجماعة أولى. ولفظ الاثر: عن ابى المنال قال سمعت اياس بن عبد سئل عن نوم سقط عليهم بيت فماتوا قال يورث بعضهم من بعض، وقد روى القول بذلك عن عمر لكنه منقطع الاسناذ وروى باسناد فية منهم ومجهول، ولكن تعد الطرق واختلاف المخارج تدل على ثبوت هذا القضاء عن أمير المؤمنين من هذه الاثار: - مارواة هـ ك عن الشعبى عن عمر انه ورث بعضهم من بعض من بلاد اولادهم، وفى رواية قال ابن ابى ليلى " ورث عمر هؤلاء من ثلاث اموالهم " وروى من قتادة قال ورث عمر أهل طاعون عمواس يعضهم من بعض فاذا كانت بدأ أحدهم ورجلة على الاخر ورث الاعلى من الاسفل ولم يورث الاسفل من الاعلى قال الامام البيهقى فى السنن الكبرى " وهانات الروايات منقطعتان وقد قيل عن قتادة عن رجاء بن حبوة عن نبيضة بن ذؤيب وهو ايضاً منقطع لم يدرك عمر فمارو يناعن عمر اشبة. 3. وروى سعيد بن منصور 1 / 84 عن النخفى عن عمر انه قال فى اناس ماتوا جميعاً لايدرى ايهم مات قبل صاحبة قال يورث بعضهم من بعض. 4. وروى سعيد بن منصور والدرامى 2 / 379 وشيبة 11/ 342 من الشعبى ان ميتاً فى الشام وقع على قوم فى عهد عمر فورث عمر بعضهم من بعضاً. لكن رواية المصنف لابن ابى شيبة من طريق الشعبى عن عبيدة وعبيدة مخضرم وعلية فالاسناد متصل، والاثر رواة منصور وعبد الرازق عن الشعبى قال " وقع الطاعون فى الشام فجعل أهل البيت يموتون فكتب بذلك الى عمر فكتب ان ورثوا بعضهم من بعض ". ورواية عبد الرازق " ان عمر ورث بعضهم من تلاد أموالهم لا يورثهم مايرث بعضهم من بعض ". 5. وروى ابن ابى شيبة عن سماك عن رجل عن عمر انه قال ورث قوماً غرقوا فورث بعضهم من بعض. 6. ورواة شيبة ايضاً عن ابى الخطيب ان قوماً على جسر منيج فورث عمر يعضهم من بعض.

7. قال سيفان قلت لابى الخطيب سمعته من النبى فأعاد الاثر الى الشعبى. 8. وروى ايضاُ عم على ففى عبد الرازق 10 / 295 عن جابر بن زيد ان عمر وعلياً قضا فى القوم يموتون جميعاً لايدرى ايهم يموت قبل صاخبة (ان بعضهم يرث بعضاً) والاثر فية انقطاع. 9. وثبت فى منصور وشيبة من رواية اشعبى من الحارث الاعور (وهو ضعيف) من على: أن أهل بيت غرقوا فى سفينة فورث على بعضهم من بعض. 10. وروى اثر توريث على قتادة فى شيبة. 11. وروى ايضاُ من طريق النخفى فى شيبة أن علياً ورث ثلاثة غرقوا فى سفينة بعضهم من بعض وأمهم حية فورث أمهم السدس من صلب مال كل واحد منهم ثم ورثها الثالث ما ورث كل واحد من صاحبة وجعل مابقة للعصية. 12. ونقلة عبد الرازق من قضاء النخفى نفسة. 13. ونقلة عبد الرازق عن ابن ابى ليلى أن علياً وعمر قضيا ايضاُ بذلك. من جمله من قال ذلك من التابعين. 1. ابراهيم النخفى: والاثر ثابت عنة قال بذلك كما فى شيبة 11 / 346 ومنصور 1 / 86 وعبد الرازق قال النخفى. يورث كل واحد منهم من صاحبة ولا يورث كل واحد منهم مما ورث من صاحبة شئياُ. قال منصور الراوى عن النخفى ولا يضرك بايهم بدأت اذا ورثا بعضهم من بعض. 2. الشعبى: والاثر ثابت عنة بذلك كما فى شيبة 11 / 347. 3. شريح القاضى: والاثر ثابت عنة فى عبد الرازق 10 / 295 واخبار الفضاه لوكيع 2 / 47 وشيبة 11 / 347 ومنصور 1 / 86 والقضية التى قضى فيها شريح هى: امرأة وابنها ماتا فى الفرات فقال شريح ورثوا كل واحد منهما من صاحبة ولا ترددوا على واحد منهما ما ورث من صاحبة. 4. حميد الاعرج: كما فى عبد الرازق 10 / 295 5. عبد الله بن عتبة بن مسعود وكان قاضياُ لابن الزبير كما فى شيبة 11 / 346 وعبد الرازق 10 / 295 واخبار القضاة لوكيع 2 / 6. قال الشيخ: والذى يظهر أن الاثار فى القول الاول أقوى واكثر واثبت متقدم عليها يضاف الى ذلك أن القول الاول قال به الجمهور حتى الامام أحمد قال به فى أحد قولية.

مثال: ابوان ماتا فى حادث غرق وعمى علينا موتهم وترك الاب اباً واماً وتركت الام اباً واماً وترك الابن ابناً. الحل على قول الجمهور: 1. مات الاب وترك 6 اب ... ... 1/6 ... ... 1 أم ... ... 1/6 ... ... 1 ابن ابن ... ... ع ... ... 4 2. ماتت الام وتركت: 6 ... ... اب ... ... 1/6 ... ... 1 أم ... ... 1/6 ... ... 1 ابن ابن ... ... ع ... ... 4 ... ... 3. مات الابن وترك: 2X6 ... ... 12 ... ... ابن ... ... ع ... ... 4 ... ... 8 ... ... جدة ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 1 ... ... جدة ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 1 ... ... جد ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... 2 الحل على قول الامام أحمد: أعلى تقدير سبق الاب فى الموت 12/24 ... ... ... 6/6 ... ... 2X ... 6 ... 13/12 ... ... 288 اب ت ام زوجة 1/8 3 ... ت ... ابن ابن ع 13 ... ... ... ... ت الذين اب 1/6 4 ... ... ... ... جد ... 1/6 ... 1 ... 2 ... ... 74 تركهم ام 1/6 4 ... ... ... ... جده ... 1/6 ... 1 ... 1 ... ... 61 ... ... ... ... ... ... ... 1/6 ... 1 ... ... ... ... ... ... اب ... 1/6 ... 1 ... ... 1/6 ... 1 ... ... ... 6 ... ... ... ام ... 1/6 ... 1 ... جده ... 1/6 ... 1 ... 1 ... ... 19 ... ... ... ابن ابن ع ... 4 ... ابن ... ع ... 4 ... 8 ... ... 128 ب على تقدير سبق الام فى الموت 12/12 ... ... ... 6/6 ... ... 2X ... 6 ... 5/12 ... ... 144 ام ت اب زوجة 1/4 3 ... ت ... ابن ابن ع 5 ... ... ... ... ت الذين اب 1/6 2 ... ... ... ... ... ... ... ... ... 24 ... تركتهم ام 1/6 2 ... ... ... ... جده ... 1/6 ... 1 ... 1 ... ... 29 ... ... ... ... ... ... ... 1/6 ... 1 ... ... ... ... ... ... ام ... 1/6 ... 1 ... جده ... 1/6 ... 1 ... 1 ... ... 11 ... ... ... اب ... 1/6 ... 1 ... جد ... 1/6 ... 1 ... 2 ... ... 16 ... ... ... ابن ابن ع ... 4 ... ابن ... ع ... 4 ... 8 ... ... 64 جـ - على تقدير سبق موت الابن 6/6 ... ... ... 1/6 ... ... ... ... 1/6 ... ... 36 ابن ت اب اب 1/6 1 ... ت ... ام ام 1/6 1 ... ... ... ... ت ... ... ابن ع 4 ... ابن ابن ... ع ... 4 ... ابن ابن ... ... ع ... 4 ... ... 32 ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... اب ... 1/6 ... 1 ... ... ... ... ... ... 1 ... ... ... ام ... 1/6 ... 1 ... ... ... ... ... ... 1 ... ... ... ... ... ... اب ... ... 1/6 ... 1 ... ... 1 ... ... ... ... ... ... ام ... ... 1/6 ... 1 ... ... 1 مبحث الرد الرد لغة: الرجع والصرق والتحول كما فى اللسان 4 / 152 وقد استعمل الله هذا المعنى فى كتابه " وكثير من أهل الكتاب لو برونكم " اى يصرفونكم ويحلونكم عن ربكم. " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا". "يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين". وقد استعملة نبينا ثلى الله علية وسلم فمن كلامه: -

- مد خ م د جه هن عائشة قالت " قال رسول الله (من أحدت أمرنا هذا ليس منه فهو رد) وفى رواية مسلم (من عمل عملاً ليس علية أمرنا فهو رد) . - وثبت فى مد وفى الكتب السنه عن ابى هريرة قال (قال رسول الله " اما يخشى الذى يرفع رأسة قبل الامام أن يحول الله صورتة (رأسة) (وجهه) الى صورة حمار (رأس حمار) (وجه حمار) . وفى بعض الروايات المسند " أن يرد الله رأسة إلى رأس حمار) . وقد ورد فى حب " أن يحول الله رأسة إلى رأس حمار". والمراد هنا تحويل حقيقى وهو وعبد أما أن يحدث وإما لا يحدث وخص هذين المخلوقين للبلادة فى الحمار والخسة فى الكلب والمراد بالتهديد الردع والذجر. - مد ت د جه حب كم هـ ك عن سلمان أن النبى قال " إن الله ص كريم يستحى إذا رفع عبدة يدية أن يردها صفراً غالبيين ". ومعنى الرد فى الاصطلاح: الرد ضد العول تماماً العول: زيادة فى أصل المسألة فروجتها. الرد: نقصان فروض المسألة عن أصلها. الفروض إما ان تكون: – عادله (أى الفروض متساوية) عائلة (أى الفروض زائدة) عاذله (أى الفروض ناقصة) متى يقع الرد: - لا يقع الرد الا بشرطين: - 1. الا يوجد عاصب. 2. الا تستغرق الفروض التركة. مذاهب العلماء فى الرد: 1. قول الاحناف والحنابلة: ذهبوا إلى القول بالرد على أصحاب الفروض النسبية (خرج أصحاب الفروض السببية) بمقدار فروضهم. وهو المعنى به عند المتأخرين من الشافعية والمالكية لفساد بيت المال وعدم انتظامة. السراج الوهاج / 321 وحاشية الدسوقى 4 / 416 رد المختار على الرد المختار 6 / 787 والمفنى مع الشرح الكبير 7 / 46 قال النووى فى الروضة 6 / 6 وهكذا ابن قدامة فى المغنى قال ابن سرداقة: وهو قول عامة شايخنا (أى الرد على أصحاب الفروض) وعلية الفتوى والعمل اليوم فى الامصار.

وقال فى حاشية الدسوقى: ذكر الشيخ سلمان البحيرى فى شرح الارشاد عن عيوب المسائل أتفاق شيوخ المذهب بعد سـ 200 هـ على توريث ذوى الارحام والرد على ذوى السهام لعدم انتظام المال. أدله القول بالرد: - أولاً: القران الكريم دل على القول بالرد قال تعالى " واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين". قال ابن قدامة فى المغنى 7 / 47: وهؤلاء من ذوى الارحام وقد ترحموا بالقرب الى الميت فيكونون أولى من بيت المال لانه لسائر المسلمين وذو الرحم حق من الاجانب عملاً بالنص. ولا يقال إن الله يبين ميراث ذوى الارحام والقرابات فينبغة الا تزيد على ما فرض الله لهم وأن نفيد ذلك الاطلاق مما حدد فى ايات المواريث لا يقال هذا لان مابين لهم (لذوى الارحام والقربات) يأخذونة حسب ما قسمة الله لهم عند اجتماعهم فإذا زاذ شئ يرد عليهم بمقدار فى وضهم فهم أحق به من غيرهم وفى هذا إعمال للنصوص بأسرها – بالنصوص المقيدة والمطلقة – فالنصوص المقيدة بفروض محددة لا تنفى الزيادة على تلك الفروض لسبب اخر. ثانياً: السنة: - دلت على القول بالرد مطلقاً انتظم بيت المال أولم ينتظر: 1. أمد خ م ف جه عن ابى هريرة أن النبى قال " أنا اولى بالمؤمنين من انفسهم فمن ترك ديناً فعلى قضاءة ومن ترك مالاً فهو لورثتة ". الدلاله من الحديث: فمن ترك مالاً فانبى لا يأخد منه شيئاً ولا يضع شيئاً نت ماله فى بيت المال إذا كان له ورثة، فإذا مات وترك ميتاً أو أختاً أو جدة تاخد كل المال من أولة إلى أخرة لان النبى قال (ومن ترك مالاً فهو لورثتة) ولم يقل لاصحاب الفروض فروضهم والباقى لبيت المال وبيت المال فى عهدة صلى الله علية وسلم فى غاية نتظام ويفعل هذا ولى الامر بعد. 2. وهذا الحديث ثابت عن عدد من الصحابة رواه مد د ن جه حب هك عن جابر. 3. ورواة مد جه د حب والغماوى فى شرح معانى الاثار ومنصور وهـ ك عن المقدام بن معد بكر.

4. مد يعلى المجمع 4 / 277 عن انس وفى الاسناد أعين قال الهيثنى ذكرة ابن حاتم فى الجرح والتعديل ولم يجرحة ولم يوقفة وبقية رجالة ثقات والحديث يتقوى بالاحاديث الثلاثة لمتقدمة، عن انس بمعنى الحديث المتقدم. 2. مد والاربعة وقال الترمزى حسن غريب وكم هـ ك 6 / 240 جامع الاخوال 9 / 614 عن دائلة الاسقع أن النبى " قال تجوز المرأة ثلاثة حواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذى لا متت علية ". فقول النبى (تجوز) على الولد الذى لا تمت علية وهو ولدهل وهى أمة وهى لها الثلث ينص القران فكأن المرأة تأخد كل المال قرضاً ورداً. 3. مد والسته وط فى جامع الاصول 11 / 629 والطاحاوى فى الشرح هـ ك دلس الجارد فى المنتقى عن سعد بن ابى وقاص عندما جاءة النبى يزودة وقد أشتد به وجعه فقال يارسول الله لا يرثنى الا ابنه وقد نزل بى الوجع ماترى فهل أوصى بنصف مالى فقال كثير.... الحديث محل الشاهد (ولا يرثنى الا ابنه) كأنة يقول أن عندى ابنه واحدة وستأخد كل المال والنبى أقرة على ذلك. ثالثاً: قواعد الفراشض تويد القول بالرد: وذلك من وجهين: - 1- سبب الارث القرابة فهو أقوى الاسباب فاذا وجدت فما ينبغى أن يصرف المال إلى غيرة قال تعالى (واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض) . 2- قياساً على القول فالغنم بالغرم فكما أن البنت تتضرر اذا كان أصحاب الفروض فينبغى أن تغنم إذا إنفردت. فإن فيل: هذا الاستقلال مردود بالزوجين فهما يغرمان فى العول ولا يغنمان فى الرد فالجواب: كما قرر الامام الصحطاوى 4 / 394 ونقل عنة ذلك الامام ابن عابدين فى رد المختار 6 / 787 ونقلة الشيخ محمد نجيب خياط فى شرحة على السراجية / 122 ونص الجواب: -

" انما يستحق الرد بالرحم ولا رحم ٍللزوجين من حيث الزوجية وميراثها ثبت على خلاف القياس نصاً يقتصر على مورد النصى ولا نص فى الزيادة على فرضها ولما كان ادخال النقص عليها فى نصيبها مثلاً للقياس الثانى لاردتها قبل به ولم يقل بارد لعدم الدليل، تظر الفروض وحصص الحق. رابعاً: تفريق المالكية والشافعية بين انتظام بيت المال وعدم انتظامة غير سديد لان سبب الرد الرحم والقرابة وليس لانتظام بيت المال دخل فى ذلك سواء انتظم انتظم أم لم ينتظم. لكن يمكن أن يقول المالكية والشافعية: المال مصروف الى القرابات أو الى بيت المال فإذا تعزر أحدهما تعين الاخر ولذلك ذهب بعض العلماء عند فسا بيت المال إلى التصدق بالمال عن المسلمين لاعن الميت كما فى حاشية الدسوقى 4 / 416 ننقل عن ابن القاسم قال " والقياس صرفة فى مصاريف بيت المال إن أمكن وإن كان ذوو أرحم الميت من جملة مصاريف بيت المال فهو أولى. وقال ابن هزى الكلبى فى القوانين الفقهية / 254 قال " حكى عن ابن الاقاسم أن من مات ولا وارث له تصرف بما له إلا أن يكون الامام كعمر بن عبد العزيز. خامساً: قد يستدل بإنتظام بيت المال وعدم انتظامة على الرد على الزجين فحين انتظم بيت المال لايرد عليهما وهذا بإتفاق المذاهب الاربعة. وحيث لم بنتظم بيت المال يرد على أحد الزوجين بثلاثة ثيود: - 1) لا يوجد عاصب 2) ولم تيتغرق الفروض التركة. 3) والا يوجد ذو رحم. لانه صار فى العصور النتأخرة مال صرف مافى بيت المال الى خلال فإما أن يستولى علية الازوال أو وكيل بيت المال أو يتفق فى المعاصى. قال فى حاشية رد المختار على الرد المختار لابن عابدين 6 / 788 يقول الشارح " (قلت وفى الاشباه أنة يرد على الزوجين فى زماننا لفساد بيت المال وقد قدمناه فى الاولاد) قال ابن عابدين فى تعليقة قولة وفى الاشباه قال فى الكنية (من كتب الحنيفة) ويفتى بالرد على الزوجين فى زماننا لفساد بيت المال.

وفى الز يلعى عن النهاية ما فضل عن أحد الزوجيين يرد علية وكذا البنت والابن من الرضاعة يصرف اليها. وقال فى المستهدف للغر الى والفتوى اليوم بالرد على الزوجين وهو قول المتأخرين من علمائنا. وقال الجداوى: الفتوى اليوم بالرد على الزوجين وقال المحقق أحمد بن يحىى بت سعد التفتازانى: اننى كثير من الشايخ بالرد عليهما إذا لم يكن من الاقارب سواهما لفساد الامام وظلم الخكام فى هذة الايام، بل يفتى بثوريث بنات المعتق وذوى الارحام المعنق وكذا قال الهروى. وقد نقل من بعض أصحاب الشافعى انهم يفتون بتوريث ذوى الارحام لهذا المعنى. وقال الشارح فى الرد المنتقى من كتاب االاولاد: قلت ولاكن بلغنى انهم لا يفتون بذلك فتنية، أقول (أى ابن عابدين) ولم نسمع ايضاً فى زماننا من افتى بشئ وذلك لمخالفتة فليتأمل. ولكن لانخفى أن الموت موضوعة بنقل ماهو المذهب، وهل المسألة مما أفتى به المتأرون على خلاف أصل المذهب للعلة المذكورة كما أفتوا بنظير ذلك فى مسألة الاستئجار على تعليم القران مخالفين لاصل المذهب (الحنفى) والمتأخرون قالوا يجوز وسائر كتب الحنيفة يقولون وعلية الفتوى والمتأجرون قالوا بالجواز وعلية الفتوى لظهور التوانى وعدم الرغبة فى عمل الخير لخشية ضياع القران ولذلك نظائر ايضاً وحيث ذكر الشراح الافتاء فى مسألتنا فليعمل به لاسيما فى مثل زماننا فإنة انما يأخدة من يسمى وكيل ميت المال ويصرفة على نفسة وخدمة ولا يصل منه الى بيت المال شئ. وقد نقل الحنفية هذا عن سيدما عثمان انه رد على الزوجين ابن عابدين 6 / 787 قال الشيخ: وقد وقفت على كتب الاثر فما وجدته. وقال فى الاختيار 5 / 99: هذا وهم من الراوى فإنة انما صح عن عثمان إنة رد على الزوج ثم أول فعلة فقالوا أن الزوج كان ابن عم للزوجة فورثة بطريق الفرض وهو النصف ثم رد علية الباقى لانة عصبة فوهم من نقل هذا، أما الزوجة فلم ينقل عن أحد الرد عليها،

وقال ابن قدامة فى المغنى 7 / 46: (روى عثمان انه رد على زوج فأول ذلك ثلاث تأويلات) : - 1- لعل الزوج كان عصيبة (أى زوج وابن عم) . 2- لعل ذا رحم (أى زوج وابن عمة) . 3- لعل عثمان أعطتة من بيت المال لانة كان فقيراً. قال الطحطاوى 4 / 394 قال المولى عجم زادة على حاشية شرح السراجية وقد ضعفت هذة الرواية بما نقل النخفى قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله يقول انه يرد على الزوجين وعلق على هذا التضعيف بقولة وليس يشئ لان خير المثبت أولى من خير الثانى إذا تعارض وأثر النخفى ثابت فى ابن ابى شيبى 11 / 277. تنبية: إختلاف المذاهب الاربعة فى هذة المسألة مبيناً على إختلاف الصحابة الكرام بناءً على الحجج المتقدمة وهى هل يفيج الاطلاق فى قول الله تعال (واولو الارحام بعضهم أولى ببعض) ةالاحاديث التى نصت على أن من ترك نالاً لورثتة وأقاربة وأرحمة، وهل تغير بنصوص المواريث المحددة للورثة بنسب مقدرة، أو يعمل بكليهما بالمقيد ويقدم لفإذا بقى شئ لا نخرج عن حكم المطلق. متقدم معنا أن ابا حنيفة وأحمد أعملا النصوص كلها وقالا نعمل بالتقيداذا اجتمع أولوا الارحام والورثة، فإذا بقى شئ نعمل بالاطلاق مع التقيد. والامام الشافعى ومالك قالا هذة النصوص فيرث ذلك الاطلاق وإن بقى شئ يرد إلى بيت المال، أقوال الصحابة: - ذهب الى القول بالرد جم غفير من الصحابة والتابعين: - 1- على بن ابى طالب: ثبت ذلك عنه بطرق متعددة متعاصرة كما فى منصور 1/60 من 2 / 8 وعبد الرازق 10 / 286 وهـ ك 6 / 244 عن الشعبى قال " كان على يرد على كل وارث الفضل بحساب ماورث ولفظ (هـ ك) (بحصة ماورث) غير المرأة والزوج ولفظ (مى) (على كل ذى سهم الا المرأة والزوج) ، وثبت فى منصور شيبة 11 / 275.277 عن النخفى قال: كأن على يرد على جميع الورثة الا الزوج والمرأة. ونقل هذا ابن ابى شيبة وعبد الرازق نحوة عن منصور.

2- وثبت عن الامام الباقى محمد بن على فى شيبة: أن علياً كان يرد على ذوى الساهم من ذوى الارحام (فخرج الزوجان) . 3- وثبت فى (مى) عن ابن عباس: أن قوماً اختصموا الى على فى ولد المتلاعنين، فجاء عصيبة ابية يطلبون ميراثة فاقل على " ان اباه قد كان تبرأ منه فليس لكم من ميراثة شئ، فقضى بميراثة لامة وجعلها عصبة له. 4- عبد الله بن مسعود (وفى قوله تفضيل لم يعمل به) ثبت فى منصور هـ ك مى عن الشعبى قال: كان ابن مسعود يرد على كل وارث الفضل بحساب ماورث بغير انه لم يكن يرد على بنت ابن مع ابمه الصلب ولا على أخت لاب مع أخت لاب وأم ولا على جده الا ألا يكون وارث غيرها ولا على إخوة لام مع أم شيئاً ولا على الزوج ولا على المرأة. 5- وثبت فى منصور وعبد الرازق وشيبة عن ابى اسحاق الشيبانى قال: قيل للشهبى إن ابا عبيدة (وهو ولد عبد الله بن مسعود) قضى فى رجل ترك بنته أو أختة فأعطاها المال كلة فقال الشعبى: قد كان من هو خير من ابى عبيدة بفعل ذلك، كان ابن مسعود يفعلة. 6- وثبت هذا النقل عن ابن مسعود من طريق النخفى كما فى منصور شيب قال النخفى: كان عبد الله لايرد على سنه (بنت ابن مع البت، أخت لاب مع أخت شقيقة، الحيرة اذا كان معها وارث غيرها، الاخوة لام مع الام، والزوج والوجة) فقلت (أى التخفى) فقلت لعلقمة ترد على الاخوة لام مع الجدة فقال علقمة: إن شئت. 7- وثبت فى مى عن التخفى عن عبد الله انع قال فى ابنه وابنتة بنت النصف والسدس وما بقى فرد على البنت. 8- وفى منصور عن النخفى قال: قال عبد الله: الام عصبة من لاعصبة له، والاخت عصبة من لاعصبة له (والمراد بالعصية هنا انها تأخد ما يأخدة العصبه) . 9- وثبت فى منصور ومى وشيبة عن عقلمة قال: ورث ابن مسعود الاخوة من الام الثلث وورث بقية المال للام وقال الام عصبة من لاعصبة له. وثبت هذا القضاء لعبد الله ابن مسعود فى شيبة من طريق التخفى عن مسروق. 10- 4- ابن عمر وابن عباس:

ثبت فى مى 2 / 364 من طريق نافع عن ابن عمر قال: إذا ثلاعنا فرق بينهما ولم يجمعنا رد مى الولد لابنة فقال ابن قلانة وهى عصبتة يرثها وترثة ومن دعاه لزنية جلد، وثبت عن ابن عباس ينجوة وهذا القول قال به التابعين: - 1) الامام الشعبى كما فى مى 2 / 361 قال الشعبى فى رجل مات وترك ابنته لايعلم له وارث غيرها قال لها المال كله. 2) 3) سفيان التورى وعبد الله بن عبيد بن عمير كما فى مى قال عبد الله بن عبيد كتبت الى أخ لى من بنى زريق أسأله لمن قضى رسول الله فى ابن الملا عنه فكتب الى هى بمنزله أمه وابية قال سيفان المال كله للام هى بمنزلة ابية وامه. 4) الحسن البصرى كما فى مى قال الحسن: ترثة امه (اى ابن الملاعنة) . 5) 6) مكحول وعن عطاء فى (مى) . القول الثانى: لا يعى الوارث أكثر مما فرض له ويرد الباقى إلى بيت المال فكما يتكفل بيت المال بالمسلمين يعود الية ما فضل من الوارثين ذهب إلى هذا القول من الصحابة. 1- ابو بكر الصديق: ثبت فى شيبة 11 / 277 من الشعبى قال: أستشهد سالم مولى اى حذيفة ماعطى ابو بكر ابنته النصف وأعطى النصف الثانى فى سبيل الله عز وجل (أى يثبت المال) . 2- زيد بن ثابت: ثبت فى منصور وعبد الزارق من عدة طرق متعددة معنى الشعبى قال ما رد زيد على زوى القرابات شئ قط. 3- وفى منصور وعبد الرازق هـ ك من طريق الشعبى عن خارجة ابن زيد بن ثابت قال " رأيت ابى يرد فضول المال عن الفرائض على بيت المال ولا يرد وارث شيئاً. 4- وفى رواية قال خارجة: كان ابى يعطى أهل الفرائض فرتئضهم ويجعل مابقى فى بيت المال. 5- وفى نى عن سعيج بن الحسب عن زيد قال فى ميراث ابن الملاعنة لامه الثلث والثلثات لبيت المال. 6- وفى هـ ك من طريق المقبرة عن أصحابه قال: كان زيد اذا لم يجد أحداً من هؤلاء (يعنى العصبة) لم يرد على ذى سهم ولكن يرد على الموالى فإن لم يكن موالى فعلى بيت المال.

7- وفى شيبة عن النخفى قال: كان زيد يعطى كل ذى فرض فريضة وما بقى يجعلى فى بيت المال. 8- وفى مى عن محمد بن سالم عن خارجة وعن الشعبى عن خارجة عن زيد إنة أتى بابنتة أو أخت فأعطاها النصف وجعل مابقى فى بيت المال. وممن قال بهذا القول من التابعين روى هـ ك 6 / 259 والموطأ 2 / 522 عن الامام مالك انه بلغة أن غروة بن الزبير كان يقول فى ولد الملاعنة وولد الزنى اذا مات ورثتة أمة حقها فى كتاب الله عز وجل وإخوتة لامه خقوقهم ويرث البقية موالى أمه إن كانت مولاة وإن كانت عربية ورثت حقها وورث أخوتة لامه حقوقهم وكان مابقى للمسلمين. قال الامام مالك: - ... بلغنى عن سليمان بن يسار مثل ذلك، وقال مالك وعلى هذا ادركت أهل العلم ببلدنا. حاصل الكلام إن الخلاف فى هذة المسأله واقع بين الصحابة فى أمرين اثنين: _- الاول: فى وقوع الرد وحصولة (هل ترد او لا) . الثانى: على من يرج على اقول بالرد اثار توضيح اختلاف الصحابة فى الرد وفى من يرد علية: - 1- روى منصور 1 / 60 ومى 2 / 362 وهـ ك عن الشعبة ورواة عبد الرازق 10 / 286 عم الشعبى وعن منصور والاثر رواة منصور وشيبة 11 / 216 عن النخفى انهم قالوا: كان على يرد على كل ذى سهم بقدر سهمة الا الزوج والمرأة وكان عبد الله لايرد على اخت لام مع أم ولا على بنت ابن مع بنت الصلب ولا على أخت لاب مع أخت لاب وام ولا على جدة الاتكون ولا وارث غيرها ولا على امرأة ولا على زوج وزاد البهقى فى روايتة: (وكان زيد لايرد على وارث شيئاً ويجعلة فى بيت المال) . 2- وشيبة عن الشعبى قال كان عبد الله يرد على الابنة والاخت والام اذا لم تكن عصبة وكام زيد لايعطيهم الا نصيبهم. 3- روى منصور مى هـ ك عن الشعبى قال: قال على بن ابى الملاعنة مات وترك امه واخاه قال لاخية السدس ولامة الثلاث وما بقى يرد عليها بقدر انصبائها. وقال عبد الله: لاخية السدس ومابقى فهو لامة

وقال زيد: لامة الثلث ولاخية السدس وما بقى قلبيت المال. 4- وروى مى 25 / 362 عن قنادة أن علياً وابن مسعود قالا فى ابن الملاعنة ترك جدتة واخوتة لامة للجدة الثلث وللاخوة لام الثلثات (باعتبار الرد) . 5- وقال زيد للجدة السدس وللاخوة لام الثلث وما بقى فلبيت المال. كيفية توريث الورثة على القول بالرد: الورثة الذين سيرد عليهمإما ان يكون معهم أحد الزوجين اولا ولكل حاله ثلاث أحوال: الحاله الاولى: اذا لم يكن معهم أحد الزوجين قلهم لثلاث حالات، ... الحالة الاولى: ... ... اذا كان الوارث المردود علية فردا واحداً فلة كل المال فرضاً ورداً. ... الحاله الثانية: ... ... ان يكون الورثة المردود عليهم صنفاً واحداً متعدداً كجدين كخمس بنات، كأربع أخوات لام فسألتهم من عدد رؤوسهم والمال بينهم بالسوية كأمهم عصبة. الحاله الثالثة: ... أن يكون الورثة المردود عليهم أصنافاً متعددين مختلفين وفروضهم مختلفة فلا يمكن أن يزيدوا على ثلاثة لامهم لو حصلت الزيادة على ثلاثة أصناف فالمسألة بين أمرين اثنين ولابد إما عادلة وإما عائل. قال ابن عابدين 6 / 788 الدليل على هذا الاستقارء لا يوجد مسأله فيها اربع أصناف مختلفين يرثون قرضاً والمسأله يصبح فيها اذن حتى يكون فى المسأله رج اما يكون الورثة صنفين او ثلاثة. - لايمكن أن يحصل رد الا فى أصل واحد من أصول المسائل وهو أصل (سته) فقط ووجه ذلك: - أن أصل (2) و (3) لايجتمع فيهما أكثر من صنفين والقروض الواقعة فيها (½، ½) ، (1/3، 1/3) . وأما الاصول (4) ، (8) ، (12) ، (24) فلا يمكن أن ترد فى هذة الحالة مطلقاً لان الاصول لا يمكن أن تكون الا اذا أوجد أحد الزوجين وأما اصل (18) ، (36) على القول بأنهما أصلات لا مصحان لا يمكن أن يقع فيها الرد ابداً لوجود عاصب فيها لانها لايوجد الا مع عصبة وهى الجد والاخوة. وعلية تيقت ان يكون الرد فا اصل واحد من هذه الاصول التسعه وهو اصل (6) . قال صاحب العزب 2 4:

وكان أصل (6) محلاً للرد عند اجتماع أصناف متعددين لان الفروض كلها موجودة فية الا الربع والثمن لانها لايكونان تفيد الزوجين فاتحصر الرد فى الصنفين والتلاثة فى أصل (6) . كيفية الحل بى الحالة الثالثة: 1- أن تجمع فروضهم من هذا الاصل فما إجتمع فهو أصل مسألتهم وأصول مسائلهم لاتخرج عن اربعة أصول وهى (2، 3، 4، 5) ولا تريد على ذلك فلو زادت (1/6) لزاد المال وصارت المسأله عادله ثم بعد الفسمة ننظر بين كل فريق وسهامة ولا يخل الحال من ثلاث أحوال: - الحاله الاول: أنقسم السهام على الرؤوس الحاله الثانية: أن يحصل موافقة بين السهام والرؤوس الحاله الثاثلة: أن يحصل مباينة بين السهام والرؤوس مثال على الحاله الاولى: ... ... ... ... مثال على أصل (2) ... ... ... ... ... 2/6 ... جد ... ... 1/6 ... ... 1 ... أخ لام ... ... 1/6 ... ... 1 ... ... ... ... ... 2/6 ... 4 ... جدتين ... ... 1/6 ... ... 1 ... 2 ... أخ لام ... ... 1/6 ... ... 1 ... 2 مثال على أصل (3) ... ... ... ... 3/6 أم ... ... 1/3 ... ... 2 أخت لام ... 1/6 ... ... 1 ... ... ... ... ... 6 ... 12 ... أم ... ... 1/3 ... ... 2 ... 8 ... أخت لام ... 1/6 ... ... 1 ... 4 مثال على أصل (4) ... ... ... ... ... 4/6 ... أحت ش ... 1/2 ... ... 3 ... أخت لاب ... 1/6 ... ... 1 مثال على أصل (5) ... ... ... ... ... ... 5/6 ... ... بنت ... ... 1/2 ... ... 3 ... ... بنت ابن ... ... 1/6 ... ... 1 أم ... ... 1/6 ... ... 1 أخ لام ... ... م ... ... 0 الحاله الثانية: (إن كان مع اصحاب الرد أحد الزوجين) فأعطى صاحب الزوجية فرضة كاملاً وهو (½. ¼، 1/8) وما بقى فهو لمن يرد عليهم وحالاتهم ثلاثة: - الحاله الاولى: - أن يوجد مع أصحاب الزوجين فرد واحد ممكن يرد عليهم قلة مابقى. ... ... ... ... ... 2 زوج ... ... 1/2 ... ... 1 أم ... ... ب ... ... 1 (لها الباقى فرضاً ورداً) الحاله الثانية: - أن يكون من يرد عليهم صنفاً واحد، قكذلك لهم كابقى والهم كحال العصبة. ... ... ... 5X4 ... ... =20 زوجه ... ... 1/4 ... 1 ... ... 5 5أخوة لام ... ب ... 3 ... ... 15 = 3 الحاله الثالثة: اذا كان المردود عليهم مع أحد الزوجين أصنافاً متعددين فلهم الباقى، لكن نجعل لهم مسأله أخرى لت تخرج عن أصل (6) ولا يزيد من يرد عليهم على ثلاثة أصناف وأصول مسأئلهم (2، 3، 4، 5) لاتخرج عن هذا،

فاقسم أصول مسائلهم عليهم وصحيها إن احتاجت الى تصحيح ثم أنظر بين نسأله الرد وبين الباقى من مسأله أحد الزوجين بعد إعطائة فرصة، فإما أن ينقسم الباقى على مسألة الرد وإما أن يوافق وإما ان يباين، فاذا تقسم الباقى على مسأله الرد صحت مسأله الرد من مسأله صاحب الزوجية، فهى أصل نسأله الرد وان وافقت (أى الباقى من مسأله الزوجية) فنضرب وفق مسأله الرد فى مسأله صاحب الزوجية، وان باينت نضرب كل مسأله الرد فى كل مسأله أحد الزوجين كما تقدم فى المناسخة تماماً فيخرج معنا جامعة الرد. ملاحطة هامة: - بعد أن أخد صاحب الزوجية قضية بقى (3) ولما خرجت المسأله الثانية كان أصلها (3) ففى الحالة تصح جامعه الرد مما صحت منه مسأله صاحب الزوجية. مثال:- ... ... ... 4 ... ... ... 6 ... ... 4 زوجة ... 1/4 ... ... 1 ... ... ... ... ... 1 أم ... ب ... ... 3 ... ... 1/3 ... 2 ... ... 2 أخ لام ... ب ... ... 3 ... ... 1/6 ... 1 ... ... 1 ... ... ... ... ... مثال على الانقسام ... ... ... ... ... 4 ... ... 6 ... ... 4 زوجة ... 1/4 ... ... 1/4 ... ... 1 ... ... ... ... 1 جده ... 1/6 ... ... ب ... ... 3 ... 1/6 ... 1 ... ... 1 أخ لام ... 1/3 ... ... ب ... ... 3 ... 1/3 ... 1 ... ... 1 أخ لام ... 1/3 ... ... ب ... ... 3 ... 1/3 ... 1 ... ... 1 ... ... ... ... ... مثال على الموافقة ... ... ... ... ... 4 ... ... 3X4/6 ... ... =12 ... ... 16 ... زوج ... ¼ ... ... ¼ ... ... 1 ... ... ... ... ... ... 4 بنت ... 1/2 ... ... ب ... ... 3 ... 1/2 ... 3 ... ... 9 ... ... 9 3بنات ابن ½ ... ... ب ... ... 3 ... 1/6 ... 1 ... ... 3=1 ... ... 3=1 ... ... ... ... مثال على المباينة ... ... ... 4 ... ... ... 6 ... ... ... 16 زوجه ... 1/4 ... ... 1 ... ... ... ... ... ... 4 اخت ش ب ... ... 3 ... 1/2 ... ... 3 ... ... ... 9 أخت لاب ب ... ... 3 ... 1/6 ... ... 1 ... ... ... 3 ... ... ... ... مسأله فيها ثلاث أصناف ... ... ... 8 ... ... ... 6 ... ... ... 40 زوجة ... 1/8 ... ... 1 ... ... ... ... ... ... 5 بنت ... ب ... ... 7 ... 1/2 ... ... 3 ... ... ... 21 بنت ابن ... ب ... ... 7 ... 1/6 ... ... 1 ... ... ... 7 أم ... ب ... ... 7 ... 1/6 ... ... 1 ... ... ... 7 تنبية هام: - بقى معنا فى الرد أن نعلم انه يرد على أحد الزوجين بالشروط الثلاثة المتقدمة عند الحنفية وهى: - 1. الا يوجد عاصب مطلقاً (سببى او نسبى) 2. الا يوجد أحد من أصحاب الفروض النسبية. 3. الا يوجد أحد من ذوى الارحام. وعلية اذا وجد أحد الزوجين مع لشروط المتقدمة ترد علية وكيفية الرد علية واضحة لانة سيأخد الباقى. مبحث توريث ذوى الارحام اولاً: تعريف زوى الارحام: - (لغةً)

الارحام: جمع (رحم، رَحم) ويطلق على القرابة وأصلة كما قال علماء اللغة رحم المرأة. قال الراغب الاصفهانى: وأطلق على الاقارب رحماً لكونهم خارجين من رحم واحدة ولإته بينهم تراحم خاص. وقد استعمل الله فى كتابة الارحام: الذى هو رحم المرأة فقال تعالى "هو الذى يصوركم فى الارحام كيف يشاء" وقال تعالى "وما تغيض الارحام وما تزداد " ويعلم ما فى الارحام" وقد استعمل الله لفظ الارحام بمعنى الفرابات. قال تعالى "واتقوا الله الذى تساءلون به الارحام". قال تعالى "وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله". قال تعالى "لن تنفعكم أرحامكم" (اى قراباتكم) . واستعمل بمعنى التراحم: - قال تعالى " وقرب رحماً " قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو والكوفيون الاربعة (رحماً) والباقون (رحماً) . النهى عن قطيعة الرحم من كلام النبى ثبت فى مد خ م ن حب كم عبد بن حميد مردوية، الطبرى عن ابى هريرة أن النبى قال " إن الرحم شجنة من الرحمن " فقال الله " من وصلك وصلتة ومن قطعك قطعتة ". وفى رواية " إن الله خلق الخلق، حتى اذا فرغ منهم قامت الرحم، فأخذت بحق الرحمن فقال: مه، قالت: هذا مقام العائد بك من القطيعة قال نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك قالت: بلى، قال: فذلك لك، ثم قال رسول الله: إقرؤوا إن شئتم (فهل سيتم أن تولينهم.... أم على قلوب أفعالها) . العائد: اللاجى الى الانسان شجنة: يضم الشجن وكسرها: القرابة المشتبكة كإشتباك العروق بحقو الرحمن: الحقو: مشد الازار من الانسان، وقد يطلق على الازار، ولما جعل الرحم شجنه من الرحمن استعار لها الاستمساك بها والاخذ، كما يتمسك القريب من قريبة والنسب من نسيبة. يدخل تحت لفظ القرابة 3 أقسام وقد أمرنا بصلتهم فى شريعة ربنا: 1. قرابة عن طريق الرحم والنسب وهم الذين خرجوا من رحم واحدة.

2. قرابة عن طريق المصاهرة ويدخل فى ذلك الاختان (وهم القرابات من حهه المرأة) والاحماء (وهم القرابات من جهه الرجل والزوج) . 3. قرابة عن طريق الرضاعة. وهؤلاء كلهم لهم حقوق زائدة عن الحقوق العامة ومأمور بصلتهم ولكن تتفاوت حقوق القرابات. فالقرابة المحرمة (أى محرمة للتناكح بين القريبين إذا كان أحدهما ذكر والاخر أنثى) فهذة أعلى القرابات واولاها ما كان من جهه النسب. مثال: أم الزوجة بينك وبينها قرابة محرمة وأمك التى ولدتك بينك وبينها قرابة محرمة فالام أعلى وأولى بالصلة من غيرها، وكذلك والد الزوجة ووالدك فالاول لهم حق أكيد عليك وهو بمنزله الوالد لكن الوالد الذى تسبب وحبك أولى من أب الزوجه. تعريف ذوى الارحام فى الاصطلاح: كل قريب عن طريق الرحم والنسب ليس بذى قرض ولا عصبة قال ابن تيمية فى الفتاوى 22 / 260 من شأن أهل العرف إذا كان الاسم عاماً لنوعين فإنهم يفردون أحد توعية باسم ويبقى الاسم العام مختصاً بالنوع الاخر كما فى لفظ ذوى الارحام يتبع جميع الاقارب من يرث بفرض وتعصيب ومن لافرض له ولا تعصيب، فلما يزذ والمفروض والعصبات صار فى عرف الفقهاء وذلك اللفظ مختصاً بمن ليس له فرض ولا عصبة. توريثهم واختلاف العلماء فى ذلك: - للعلماء فى توريث ذوى الارحام قولان ويتخللهما تعدد الاقوال الى ثلاثة أقوال:- القول الاول: ذهب الى توريث ذوى الارحام اذا لم يوجد 1. عاصب ... 2. ولم يوجد أحد من أصحاب الفروض النسبية. قال بهذا المعنى: الاحناف كما فى الاختيار 5 / 105 وقال بهذا القول: الامام احمد قال ابن قدامة فى المعننى 7 / 83 كان ابو عد الله يورث ذوى الارحام اذا لم يكن ذو فرص ولا عصب ولا أحد من الورثة الا الزوج والزوجة. حجة القائلين بهذا القول:

1. كتاب الله جل وعلا: قال تعالى "وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله من المؤمنين"، للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه او اكثر نصيباً مفروضاً". وعموم هاتين الاثنين يحتم الارث للقرابات.

معجزة الثروة الفقهية لخير البرية

معجزة الثروة الفقهية لخير البرية (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم معجزة الثروة الفقهية لخير البرية الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. إخوتي الكرام: تقدم معنا أن البدعة من أسباب سوء الخاتمة للإنسان، وقلت سنتدارس هذا البحث ضمن ثلاثة أمور. الأول: ما يتعلق بتعريف البدعة. والثاني: في النصوص المخدرة من البدعة.

وثالثها: في أقسام البدعة. ومازلنا اخوتي الكرام: في المبحث الأول في تعريف البدعة: فهي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن، ولا يشهد لذلك الحدث نصوص الشرع الحسان. نحو هذا التعريف السديد للبدعة، ظل فرقتان من الأنام، فرقة أفرطت فوسعت تعريف البدعة وأدخلت فيها ما ليس منها، وفرقة فرطت فضيقت مفهوم البدعة فألفت البدعة من الدين كلاً أو بعضاً، والفرقتان على ضلال، وتدارسنا ضلال الفرقة الأولى، وقبل أن ننتقل إلى هذيان الفرقة الثانية التي ألفت البدعة من الدين، قلت يحسن بنا أن نتدارس بين هذين الفرقتين الضاليتن معالم ثلاث تنفعنا في الرد على هاتين الفرقتين وتنفعنا في حياتنا، وهذه المعالم. الأول: تشريع الأحكام من خصائص ذي الجلال والإكرام، ولا يجوز لأي إنسان أن يدخل عقله في أمر الحلال والحرام، ومن استحسن فقد شرع في الدين ما لم يأذن ذي الجلال والإكرام. والمعلم الثاني: منزلة الاجتهاد في شريعة رب العباد، وقد تقدم الكلام عن الاجتهاد وفي هذه الموعظة سنتكلم على أمرين اثنين ينبغي أن نعيهما تمام الوعي. أولهما: إن المجتهدين ليسوا بمشرعين. وثاني الأمرين: إن اجتهاد أئمتنا الفقهاء ثروة فقهية وهذه الثروة هي من أعظم معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام، وإليكم تفصيل هذين الأمرين.

أولهما: إن المجتهدين كما تقدم معنا حالهم يؤجرون في جميع أحوالهم وبينت أن الأظهر من أقوال العلماء أن المجتهد له أجران وهو مصيبٌ على الدوام إلا إذا صادم قوله نص من نصوص الشرع الحسان، فيلغى القول ويلتمس له العذر، ويستغفر للقائل ن والله أثبت له الأجر، لأن هذا ما صدر عن طريق الهوى ولا صدر عن طريق الاحتكام إلى الجاهلية، فبذل ما في وسعه لمعرفة حكم الله في هذه القضية، فلو قدر أنه صادم اجتهاده نصاً، طرح الاجتهاد وهو معذور، وخطئه مغفور، وهو مثاب عند العزيز الغفور، وأما إذا احتمل النص كلامه وقال فيه نصاً وخالفه إمام آخر، فهذه المفاهيم كلها كما قلت على المعتمد كلها حق وصواب وهدى ورشاد ولكل واحد من أصحاب هذه المفاهيم من أئمتنا أجران عند ربنا العظيم، ولا يحكم على الإجتهاد بأنه خطأً إلا إذا صادم نصاً ولم يبلغ الإمام ذلك النص. إن المجتهدين فيما يفعلون، ويستنبطون ويقررون الأحكام التفصيلة، الأحكام الشرعية، إنهم بفعلهم هذا ليسوا بمشرعين ولا نزاع على هذا عند المسلمين الموحدين، وهذا كما تقدم معنا أن جميع الأحكام من خصائص ذي الجلال والإكرام، التشريع من خصائص الله، ولذلك قرر أئمتنا الكرام ولا نزاع بينهم، وهذا الكلام موجود في مجموع الفتاوى الجزء الثاني والعشرون صفحة سبعة وثمانون 22/87 فما بعدها. وقلت هذه القضية لا نزاع فيها، قرروا أنه من اعتقد أنه يجوز لأحد ن يخرج عن شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن اتباعه وعن طاعته ولا يلتزم بما نزل عليه من الكتاب وبما آتاه الله من الحكمة فلا شك في كفره وخروجه من دين الله جل وعلا.

إن الفقهاء ليسوا بمشرعين، ولذلك قل أئمتنا في كتب الفقه في مبحث القضاء مبين لهذه الأمة أن القضاء مبني على الإتباع لا على الابتداع والاختراع، يقول الأئمة في كتب الفقه (إن القضاء مظهر لا مثبت) أي أن القاضي في قضاءه يظهر الحكم الشرعي الذي حكم به ربنا القوي، ولا يستطيع للقاضي أن يثبت أو ينفي على حسب رأيه، فإذا فعل ذلك فقد جعل نفسه نداً لربه جل وعلا. إن القضاء مظهر الأحكام الشرعية، يبين أن حكم الله كذا في هذه القضية، وأما أن يثبت القاضي الأحكام من عنده وأن يخترع من الدين ما لم يأذن به رب العالمين فهذا مردود عليه. وأما ما يحصل للأئمة الفقهاء من المنزلة والامتياز في هذه الأمة فإن هذا الامتياز ليس بامتياز الحكم، إنما هو بامتياز العلم، نعم لهم ميزة ومنزلة ومن حقهم أن يستنبطوا وأن يقرروا الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، وهذا الذي امتازوا فيه لوجود شروط الاجتهاد فيهم، لا يعني أنهم مشرعون، إنما امتازوا بأنهم علموا من الحي القيوم، وهؤلاء هم ورثة نبينا المعصوم. فالامتياز الذي يحصل لأئمتنا الفقهاء في هذه الأمة ولهم حق الاجتهاد والاستنباط من شريعة الله جل وعلا هذا الامتياز على امتياز العلم لا على امتياز الحكم، فالحكم خاص لله جل وعلا {إنِ الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه} . ومع أن الفقهاء ليسوا بمشرعين فاجتهاداتهم تشريع معتبر في ديننا العظيم، ليسوا بمشرعين واجتهاداتهم شرع معتبر يلزم به المكلفون، فإن قيل كيف هذا الإشكال في هذا؟ فاستمع للجمع بين الأمرين ليسوا بمشرعين واجتهاداتهم شرع يلتزم به البرية.

نعم الحكم لله جل وعلا والمبلغ عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمستنبط لأحكام الشرع من نصوص الكتاب والسنة أئمتنا وسادتنا فقهاء هذه الأمة المباركة، وعليه استنباطهم حكم شرعي ليسوا بمشرعين، فهذا الاستنباط ينبني على النصوص الثابتة من الكتاب والسنة وما بني بعد ذلك على رأيٍ أو عرفٍ أو هديً أو مصلحة أو غير ذلك، وعليه فإن هذا الاستنباط حكم شرعي ومستنبطه ليس بمشرعٍ لأنه يظهر هذا الحكم الذي استنبطه من نصوص الشرع وليس هو بمثبت له من نفسه وليس هو مخترع له من عنده.

نعم اخوتي الكرام: إن فقه أئمتنا تشريع وإن أئمتنا ليسوا بمشرعين، فالتشريع من خصائص الله رب العالمين، وقد تقدم معنا أن لفظ الشريعة مقول على ثلاثة أمور يطلق لفظ الشريعة على الشريعة المنزلة، وهي شريعة مقدسة مطهرة وهي نصوص الكتاب والسنة، وهذه يحتج بها ولا يحتج لها فهي المهيمنة على ما سواها، ولفظ الشريعة يقال أيضاً على شريعة مؤوله وهي اجتهادات أئمتنا البررة، وهذه الاجتهادات أحكام شرعية معتبرة في شريعتنا المطهرة، هذه الشريعة المؤله بذل فيها الوسع للوصول للحكم الشرعي في أمرٍ ما مبنياً علي الأدلة الشرعية، هذه الشريعة المؤولة يحتج لها ولا يحتج بها، فينبغي أن نثبت صحتها وأن يبرهن المجتهد على ثبوت هذا الحكم في شريعة الله جل وعلا وما مصدر هذا الحكم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، إجماع قوي قطعي، قياس سديد سوي، ينبغي أن يحتج لها وينبغي للمجتهد أن يبين أدلته على ما قال ولا يحتجُ بها وإنما يحتج كما قلت بالشريعة المنزلة المقدسة، وهناك شريعة ثالثة باطلة، وهي الشريعة الوضعية، وهي الشريعة المبدلة وهي الآراء الجاهلية والقوانين الوضعية وهي كما قال أئمتنا الكرام شريعة جاهلية بخسة قذرة، فلفظ مقول على ثلاث أمور شرعية منزله مقدسة مطهرة، شرعية مؤوله معتبرة على شريعة مبدله نجسه قذرة، ونحن في المعنى الثاني الشريعة المؤولة في اجتهاد أئمتنا الكرام، فما قرروه في أحكام فأحكام شرعية ومع ذلك ليس لهم صفه التشريع فهذه من خصائص ربنا الذي خلقنا ويعلم ما يصلحنا، هذه الشريعة المؤولة التي هي اجتهاد أئمتنا الكرام البررة من نصوص الشريعة المقدسة المطهرة هذه الاجتهادات هي شريعة مؤولة معتبرة هذه كما قلت يحتج لها لا بها ويجب علينا أن نعمل بها فهي شرع في حقنا.

هذه الشريعة المؤولة ضل نحوها فريقان من الأنام لاسيما في هذا الزمان، فريق جعلوا اجتهادات أئمتنا شريعة ثابتة، وهذا لا نزاع فيه، إنما زادوا فقالوا إن الأئمة مشرعون فما قالوه شرع وهم مشرعون وأرادوا بنا الأمر أن يحولوا هذا الوصف إليهم ـ يشرعوا بعد ذلك ما شاءوا بحجة أن الأمة الإسلامية وجد فيها فقهاء مشرعون، وقالوا ما قالوا في زمانهم ونحن نقول في أزماننا ما يناسبنا لأن المجتهد له أن يشرع وأن يقرر ما يشاء هذا كلام ضلال وهذا كلام باطل فأئمتنا كما قلت ليس لواحد منهم صفة التشريع، وجعل هذه الصفة لمخلوق فقد كفر بالله وأشرك بالله ومن جعل لمخلوق حق التشريع ورأي المخلوق أنه لا يلزم بأن يتقيد باتباع النبي عليه الصلاة والسلام ورأى أنه يحق لمخلوق أن يخرج عن طاعة النبي فقد كفر بالله وكفر باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -.

إذاً قولهم تشريع معتبر حق على العين والرأس قولهم إن الفقهاء مشرعون كلام باطل مردود في دين الحق القيوم فهم متبعون وليسوا بمشرعين وليسوا بمبتدعين، وفريق ثاني قالوا إن أقواله الفقهاء لا تعتبر تشريعاً ولا يعتبر أحكاماً شرعية، وانقسم هؤلاء فيما بينهم على قسمين كل واحد أضل من الآخر، ففريق وهو ما نسمعه في هذه الأيام من ضجيج النوابت في ملة الإسلام، يقولون إن أقوالهم الفقهاء أراء رجال ونحن رجال كما هم رجال ولا يلزمنا أن نتقيد بأقوال أئمتنا الأبرار، ونرى صعالك الناس في هذه الأيام ممن لا يتقن قراءة صفحة، ولا يعرف أحكام الطهارة يتبجح في المجالس ويقول أخطاء الإمام مالك وما فهم المسائلة أبو حنيفة والشافعي ما بلغه الحديث، والإمام أحمد ما استوعب القضية ومن الذي فهم هذا الصعلوك الذي يحلن عندما يقراء أكثر مما يصيب وبعد ذلك عنده في الضلال والهدى ما الله به عليم، نعم هم رجال أما نحن فالإنسان على نفسه بصيرا، والله لو قلنا على أنفسنا شياطين في صورة آدميين لما بالفناهل نعرض أنفسنا ونقارن أنفسنا مع أئمتنا رحم الله امرئ عرف قدره ووقف عند حده.

يقولون أن أقوالهم ليست تشريعاً ولا نلزم بها فهذه آراء رجال ن وفريق ثاني أضل من هؤلاء وقال هذا القول والذي قبله أناس كبار ممن يتبوؤن أعلى المناصب في هذه الأيام ويضلون عباد الرحمن، وممن يقال لهم بأنهم من كبار وكبار، قال بعض هؤلاء الأشرار: إن المذاهب الأربعة والأحكام الشرعية التي قررت فيها بينت على سياسات الحكام.

أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد قرروا ما قرروا اتباعاً لسياسات الحكام، والله لو عرض هذا الكلام على الشيطان لقال إنها هذا كذب وبهتان، فكيف يقوله من يتبوؤن أعلى المناصب في الإسلام في هذه الأيام ويقولون ما لا يقبله الشيطان، وأنا لا أريد أن أدخل في مناقشة في هذه القضية لكن أريد أن أبين لهم حال إمامين مباركين لذي من يتبع سياسات الحكام ويمشي وراء أهوائهم، هذا الفقيه الأول الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت توفي سنة خمسين ومائة للهجرة 150هـ قال أبو معاوية الضرير محمد بن خازم من رجال الكتب الستة توفي سنة خمسة وتسعين ومائة للهجرة 195هـ، وهو أثبت الناس في شيخه الأعمش قال أبو معاوية الضرير (حب أبي حنيفة من السنة) ويقصد بالسنة هنا أي بالدين اللازم الثابت كما ألف أئمتنا كتب التوحيد وسموها بكتب السنة، أي هذا من سنة المسلمين، فمن لم يحب أبا حنيفة ومن بعده من أئمتنا فليس من عباد الرحمن الموحدين المسلمين، حب أبي حنفية دين نتقرب به إلى رب العالمين، هذا الإمام المبارك في أول أمره رأى في نومه أنه ينبش قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فتأثر وعرض الرؤية على شيخ الإسلام محمد بن سيرين وقال ما ترى في رجل رأى أنه ينبش قبر النبي عليه الصلاة والسلام قال أبشر أبشر ستكون فقيه هذه الأمة وستستنبط الأحكام من أخبار نبينا عليه الصلاة والسلام، هذا الإمام المبارك عرض عليه أبو جعفر المنصور القضاء فأبى، لأنه كان يرى أن القضاء بعد الخلافة الراشدة حصل فيه ما حصل، فرعاه ورعه أن يبتعد عن هذا الأمر فهدده أبو جعفر ورأى أن امتناع أفقه المسلمين في زمانه عن القضاء كأن في ذلك تعريض في حكم أبي جعفر، فهدده أبو جعفر بالضرب فقال لا ألي فحلف أبو جعفر أن يلي أبو حنيفة القضاء، فقال والله لا ألي القضاء، فقال الربيع يحلف أمير المؤمنين وتحلف قال هو أقدر على الكفارة مني، ثم أشتط أبو جعفر فضربه مائة سوطٍ في عشرة أيام كل يومٍ عشرة سوط

على أن يلي أبو حنيفة القضاء فما ولي القضاء، فهل هذا بني فقهه على سياسات الحكام؟ وهل هذا بني فقهه على قول فلان وفلان؟ ألا تتقون الله يا من أسُندت إليكم طويلة عريضة ثم بدئتم تستعملونها بعد ذلك في هدم الإسلام، {سبحانك هذا بهتانٌ عظيم} . وأم آخر الأئمة وهو الإمام أحمد بن حنبل عليه رحمة الله بعد أن حصل له في المحنة ما حصل وضرب وأغمي عليه مراراً وانخلعت كتفه فلما آل الحكم إلى الخليفة المتوكل أفرج عنه جاء المتوكل ليزوره في بيته بعد أن أفرج عن هذا الإمام المبارك، فلما جاء ووصل أمام البيت واستأذن خرج عبد الله ولد الإمام أحمد ثم جاء إلى والده وقال أمير المؤمنين في الباب، قال له إن أمير المؤمنين أعفاني مما أكره، وزيارته إلى بيتي مما أكره فلينصرف من حيث جاء، فعاد الخليفة المتوكل ولم يتمعر وجهه مثل هذا الإمام يقرر أحكامه تبعاً لأهواء الحكام، سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم. اخوتي الكرام: دعاء ضالة في هذه لأيام تنتشر نحو فقه أئمة الإسلام، فواحد يقول إنهم مشرعون لينتحل هذه الصفة ولينحرف وليخبط في دين الله كما يريد، وواحد يقول أقوال رجال، وواحد يقول فقه أئمتنا بني على أراء وأهواء الحكام في زمنهم، فنحن إذاً نقول أيضاً كما حصل من أئمة الإسلام. اخوتي الكرام: إن هذا كما قلت افتراء بهتان وأما لفظ السياسة الذي يتعلق به من قال إن مذاهب الفقهاء الأربعة بنيت على السياسة وقال في مؤتمر عظيم وكما قلت هو من الكبار المسؤولين لكن أخطر ما يكون على هذه الأمة الإنسان إذا كان منافقاً عليم اللسان، الذي يقول إن مذاهب أئمتنا بنيت على السياسة أقول له لفظ السياسة لأبد أن يعيه هو وغيره لأن هذا اللفظ حصل حوله من التخليط والتضليل ما حصل فلا بد من وضع الأمر في موضعه الشرعي.

لفظ السياسة معناه في لغة العرب: القيام على الشيء بما يصلحه، رعاية الشيء برفق وحكمة يقال له سياسة، جميع أنبياء الله سياسيون مصلحون على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وقد أشار إلى هذا نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز لأحد أن يدخل قوله في هذا الأمر. ثبت في المسند والصحيحين وسنن ابن ماجة والحديث رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى والبغوي في شرح السنة، وهو في أعلى درجات الحديث فهو في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كما هلك نبي خلَّفه آخر] أي كان الأنبياء يتتبعون على رعاية أممهم في الأمم السابقة ويعاملونهم بالسياسة الحكيمة الرشيدة بتعاليم الشريعة المطهرة مع علم ورفق وأناه في نفوس الأنبياء، وكانت بنوا إسرائيل ... وأنه لا نبي بعدي وسيكون عليكم خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال فو بيعة الأول فالأول وأعطوهم الحق الذي جعله الله لهم وسلوا الله حقكم فإن الله سائلهم عما استرعاهم. إذاً كان الأنبياء المتقدمون على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه يسوسون أممهم، ويتصفون بهذه الصفة ألا وهي السياسة الحكيمة الرشيدة، القيام على الشيء بما يصلحه، رعاية الشيء برفق وحكمة وأناه ورشد لكن هذه الأمة لا نبي بعد نبيها وسيأتي خلفاء وقد تنحرف أحياناً سياسة بعض الخلفاء عن المنهج السديد الرشيد القويم فالتزموا بهذا الهدى من نبينا الكريم. إذاً قد يحصل في سياسة الحكام بعد نبينا ما يحصل، أما في سياسة الأنبياء السابقين كلما هلك نبي خلفه نبي، هناك سياسة شرعية سياسة راشدة رشيدة لا خلل فيها ولا ظلم ولا جور وزيغ ولا أغرن.

إذاً لفظ السياسة القيام على الشيء بما يصلحه، وأما التلبيس الذي حصل والتضليل حول هذا اللفظ في هذه الأيام من أن السياسة كلها كذب واحتيال ولا يصلح الحكم إلا بذلك الضلال هذا افتراء وبهتان في تعريف السياسة وقد استغل كثير من الضالين هذا التعريف اللعين في السياسة ألا وهو كذب واحتيال ولا يصلح الحكم إلا بذلك الضلال، استغلوه فقالوا لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، وإذا قال هذا بعض الطواغيت في هذا الحين فالأعجب والأعجب من ترداد هذه المقولة ممن ينسبون أنفسهم إلى السلف الصالح، فاستمع لقول بعضهم عندما يتحدث عن حزبه وشيعته فيقول وأحب أن مقولة ما لقيصر لقيصر وما لله لله كلمة حكيمة في هذا الزمن ينبغي على الناس أن يأخذوا بها، هل هي السلفية أو هذا شرك برب البرية؟ السياسة تترك لمن يخبط فيها كما يريد وبعد ذلك يكفينا أن نعبد الله في المسجد، هذه هي السياسة الشرعية، هذا هو دين الله تحب أن هذه المقولة مقولة حكيمة ثم قال بعد ذلك وإننا نرى أن العمل السياسي محظور عندنا شرعاً (محظور عندك من أنا ومن أنت) وأما شرعاً فهذا افتراء على الله، وهذا اشترك الآن في جرم قوله كما قلت عتاة المجرمين ومن ينسبون بعد ذلك أنفسهم إلى السلف الصالح (تشابه القلوب فتشابه الأقوال) . نعم هناك اختلاف في الأشكال، لكن الحقائق ضالة والمراد من هذه الدعوات المضلة إفساد دين الله جل وعلا. اخوتي الكرام: إن هذا الكون من عرشه إلى فرشه ملك لله جل وعلا وما شارك الله جل وعلا أحدٌ في خلقه، فينبغي أن يكون هذا الكون بكل ما فيه عبداً لله جل وعلا، وأن يُعَبَّدَ هذا الكون طاعة لله جل وعلا.

نعم إذا أردت أن تكون عبداً لله عن طريق الاختيار فأنت عبدٌ له على رغم أنفك عن طريق الاضطرار، فخرجت إلى الدنيا من غير اختيارك وستخرج منها على غير اختيارك، والله جل وعلا هو العزيز القهار جل وعلا {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدَّهم عدَّا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا *} إن الحكم إذا لم ينشد وإذا لم يطلب ولم يسعى في إقامة حكم الله وتعبيد الخلق لله إنه كصوصية في هذه الحياة، وأما الأدعى بعد ذلك بأنه لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة وأن المقولة الباطلة (ما لقيصر لقيصر وما لله لله) كلمة حكيمة ينبغي أن يأخذ الناس بها هذا هو الضلال وهذا هو الافتراء. اخوتي الكرام: إن لفظ السياسة كما قلت حصل حوله من التلبيس ما حصل وصار هذا اللفظ إذا ذكر في مجلس كأنك أخرجت ثعباناً وتنيناً ورميته بين الحاضرين، ويقولون ما دَخْلَنا وما علاقتنا بهذا اللفظ وبما يدل عليه سبحان ربي العظيم وهل السياسة إلا القيام على الشيء بما يصلحه وهل السياسة إلا رعاية الأشياء رعاية شؤون الأمة برفق وحكمة وأناة وروية، وهل السياسة إلا الحكم بما أنزل رب البرية؟ وأنا أقول للذين يسيرون وراء هذا الحكم الجاهلي اللذين لا دخل لنا في السياسة ولا علاقة لنا في السياسة ولا يجوز أن تذكرا ساس يسوسُ فهي مسوسة، أقول لهؤلاء استمعوا إلى حال نبينا عليه الصلاة والسلام، ثبت في المسند ومعجم الطبراني الكبير ومسند أبي يعلى، والحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ورواه عبد بن حميد في مسنده والطحاوي في شرح مشكل الآثار، وإسناد الحديث حسن من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

[بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعْبَدُ الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم] أين ضاعت هذه المفاهيم من أذهان المسلمين، [بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده] ونحن أرسلنا الله رحمة للناس نخرجهم من الظلمات إلى النور، إن أرادوا بالحسنى، وإن أرادوا بالحديد الذي يفصل الله به بيننا وبين العبيد {وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، إن الله قويٌ عزيزٌ} .

اخوتي الكرام: هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام بعث السيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده، وأعظم وأفضل رزقٍ يحصله من المغانم (رزقه تحت ظل رمحه) جعل الذل والصغار على من خالف أمره، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم، ولذلك عندنا في الدولة الإسلامية تقدم الجيوش الجرارة، وهذه هي الوظيفة الأولى للجيوش في البلاد الإسلامية، تقدم بتبليغ الدعوة ن تقدم بهداية الناس تخرج هذه الجيوش الجرارة وكلها قراء وأئمة وأتقياء وفقهاء فيذهبون إلى بلاد الكفار الأعداء يقولون أرسلنا الله إليكم رحمة، ولا نقاتل أحداً لنستعليا عليه لنجعله عبداً لنا، إنما أنتم بين ثلاث، أنتم إخواننا إن آمنتم لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم نقركم على دينكم على أن تؤدوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون وأن تحكموا في هذه الحياة بحكم الحي القيوم، وإن أبيتم هذا وذاك فأنتم عباد الله ولا يجوز أن تخرجوا عن طاعته وأمره فيحكم الله بيننا وبينكم في هذا السيف وهو خير الحاكمين، وآخر الحديث ومن تشبه بقومٍ فهو منهم رواه الإمام أبي داود في سننه، وهذا ايضاً من رواية عبد الله بن عمر بسندٍ حسن كما نص على ذلك الإمام ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، ورواه الإمام الطبراني في الأوسط عن حذيفة ابن اليمان، ورواه الإمام الترمذي والقضاعي في مسنده من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من تشبه بقومٍ فهو منهم] .

والحديث قد نص على تصحيحه كما قلت الإمام ابن تيمية وقبله الإمام المنذري وبعدهم الإمام بن حجر عليهم رحمة الله ورضوانه، ليعلم من يقولون له أن لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ليعلموا هذا الحديث والحديث الثاني ليعلموا أمنية النبي عليه الصلاة والسلام كيف كان يتمنى في حياته، هذا الأمر ليقر في نفوسنا هذه المعاني، ثبت في المسند والصحيحين، والحديث في سنن النسائي، ورواه الإمام مالك في الموطأ، وهو في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [والذي نفسي بيده لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلاف سرية تغزو، ولوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل في المرة الرابعة] وورد في بعض الروايات [لا أجد ما أحملهم على ظهر] أي ليس عندي سعة لأحملهم على ظهر لجاهدوا معي ولا تطيبُ أنفسهم ليتخلفوا عني فإذا خرجت في كل سرية يصبح حرج على المسلمين، سيخرجون معي وليس عندي ما أحملهم، ومع ذلك تدرون كم غزوة خرجها النبي عليه الصلاة والسلام في ثمانِ سنين فقط وفي السنة الثانية فرض الجهاد وكم سرية أرسل؟ بلغ مجموع غزوات النبي عليه الصلاة والسلام اثنتين وثمانين 82 غزوة وسرية، شهد بنفسه الطيبة المباركة ستاً وعشرين 26 غزوة وتمنى أن يستشهد أو يقتل أربع مرات، وأرسل ستاً وخمسين 56 سرية ما كان فيها عليه الصلاة والسلام، المجموع اثنين وثمانين 82 ما بين غزوة وسرية ذهبت في زمن خير البرية لنشر الدعوة لتبليغ الإسلام ليخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، لإخراج الناس من عبادة العبيد إلى توحيد الله المجيد سبحانه، إنا لا نقاتل أحد لنستعلي عليه، وكل قتالٍ غير القتال الإسلامي كله من باب العلو والبغي والاستكبار في الأرض إلا القتال الإسلامي، نقاتلهم من أجل أن نخرجهم من الظلمات إلى النور، لا للاستعباد ولا حباً للسيطرة، ولا اشفئاً

للغليل. اخوتي الكرام: إن المقولة التي يرددها أتباع الشيطان في هذه الأيام (أن مذاهب أئمتنا الكرام بنيت على سياسات الحكام) كما قلت افتراء وبهتان. إن اجتهاد أئمتنا شريعة مؤولة معتبرة ومن قال بها لا يعتبر من المشرعين، فالتشريع من خصائص رب العالمين لأن وظيفة الفقهاء أنهم أظهروا هذه الأحكام من شريعة الله الغراء فقط، وأما أن يشرع هو، فلو أدخل واحد عقله في تشريعٍ في تحليلٍ أو تحريمٍ لحكم بخروجه من الدين، أئمتنا الكرام أظهروا أحكام الإسلام مبنياً على النصوص الثابتة الحسان من آيات القرآن وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام. اخوتي الكرام: اجتهادات أئمتنا الكرام شريعة مؤولة نلتزم بها ومن قال بها واجتهد بها من أئمتنا فهو على هدىً في جميع أحواله، فإن علم المجتهد الحديث واستنبطا منه معنى علم النص الشرعي ثم جمع بينه وبين نصوص شرعية أو قدم بعض النصوص على بعضها لحجج معتبرة في شريعة الله المطهرة، فهو مصيب وله أجران سواء وافقه الأئمة الكرام بعد ذلك أم لا.

إذاً متى يطرح هذا الاجتهاد وينبذ في حالة واحدة كما قلت أخبر عن عدم علمه بالنص الشرعي وعرض عليه قضية وتعينت عليه فُتية، فبذل ما في وسعه في الوصول إلى لحكم ربه في هذه المسألة بعد أن تريث وتريث وتريث، والفتوى متعلقة عليه فأطلق الحكم فإن أصاب في هذه الحالة مع عدم علمه بالدليل، هذه القضية فله أجران وهو محمود، وإن أخطأ فله أجر وخطئه معفو عنه ويرد اجتهاده لأن هذا الاجتهاد يعتبر ملغي في شريعة الله المطهرة واستمعوا إلى هذه القضية التي جرت في العصر الأول في زمن الصحابة الكرام بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام، ثبت في مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن الكبرى من رواية مسروق وهو من أئمة التابعين الطيبين عن شيخه ابن مسعود عندما كان معلماً في الكوفة وقد أرسله عمر مع عمار فجعل عمار أميراً وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً جاء أهل الكوفة إلى عبد الله بن مسعود وعرضوا عليه قضية أن امرأة توفي عنها زوجها وقد عقد النكاح عليها ولم يدخل بها ولم يترك لها مهراً فما حكم هذه المرأة هل يجب لها مهر وما الحكم الشرعي فيها؟ أما أنها سترت لا شك لأنها زوجة والعدة عليها لأنها زوجة معقود عليها، لكن ما الحكم بعد ذلك في مهرها، عقد رجل على امرأة عقد النكاح ولم يدخل بها ثم مات فما الذي يجب لهذه المرأة وماذا يجب عليها؟ فأخرهم عبد الله بن مسعود وقال لا أعلم بذلك سنة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، لينظر وليتأمل في الأدلة الشرعية، ثم جاءوا إليه بعد أيام أخرهم حتى مضى شهر كامل، ثم قالوا أفتنى أبا عبد الرحمن فقال اسألوا غيري، قالوا من نسأل وأنت المعلم المرشد في هذا المكان، قال والله ما عرضت علياً مسألة بعد أفارقت رسول الله عليه الصلاة والسلام أشدُ عليَّ من هذه المسالة اسألوا غيري، قالوا من نسأل وأنت صاحب رسول الله كنت تصاحبه في الحضر والسفر، فقال عبد

الله بن مسعود أقول فيها برأيي، إياك أن تفهم برأيي بهواي، لا ثم لا، حاشاه من ذلك، إنما يريد أن يقول فيها باجتهادي الذي يبنى على أدلة عامة دون دليل خاص في هذه المسالة، أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان والله ورسوله من ذلك بريئاً، لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط لا ناقص ولا زائد، تعطها المهر بمهر أمثالها مثل هذه الفتاة كم تزوج في الكوفة في ذلك الوقت بعشرين ألف إذا مهرها عشرون ألف، لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث فجاء رجال من أشجع فقالوا أبا عبد الرحمن حضرنا النبي عليه الصلاة والسلام فقضى فيها بمثل ما قضيت فكبر عبد الله بن مسعود وهلل وما فرح في شيء بعد الإسلام فرحه بأن وافق قضئه قضاء النبي عليه الصلاة والسلام، قضى فيها بمثل ما قضيت في [بدوع بنت واشق زوجه هلال بن أمية عندما توفي زوجها هلال وهو من الصحابة الكرام وقد عقد عليها ولم يدخل بها ولم يسمى لها مهراً وقد رفعت القضية إلى خير البرية فقال لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقال عبد الله بن مسعود الله أكبر ولا إله إلا الله.

اخوتي الكرام: الذي قضاه عبد الله بن مسعود هل قال فيه برأيه؟ هل قاله بمشتهى؟ هل قاله بغرض؟ لا ثم لا، انتبه لوجه القضاء الشرعي في هذه المسألة لو لم يكن هناك نص، إن المولد يلحق بالوطء في تقرير المسمى بلا نزاع بين علماؤنا الكرام، فلو وطء الإنسان امرأة ثم مات عنها لها المهر المسمى ولو سمي لها مهراً ثم مات عنها لها المهر المسمى ولو لم يطأها، هذا محل اتقاق، فنتبه للقياس الشرعي الصحيح، المدت يلحق بالوطء وفي تقرير المسمى في وجود المهر المسمى للمرأة إذا سمى لها مهر إن وطئها زوجها ثم مات عنها فلها ذلك المهر، وإن مات عنها زوجها ولم يطئها لها ذلك المهر بلا نزاع، قضاء عبد الله بن مسعود وهو الذي قضى به أبو حنيفة وهو المعتمد عند الحنابلة وأحد القولين عند الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله. هذا القضاء مبناه بما أن الموت كالوطء في تقرير ووجوب المهر المسمى هو كالوطء في وجوب المهر إذا لم يسمى؟! كيف هذا فلو أن إنسان عقد على امرأة ولم يسمى لها مهراً ثم وطئها عن طريق ما أحل الله وتزوجها ثم مات، ماذا يجب لها؟ يجب لها مهر المثل ولو مات ولم يسمي لها مهراً فلها مهر المثل كما أننا قلنا هناك إن سمى لها مهراً فلها المسمى سواء وطئها أو لم يطئها إذا مات.

وهنا كذلك إذا لم يسمي مهراً ووطئها فلها مهر مثلها فإذا مات عنها، فلها مهر مثلها، هذا هو القياس الذي بني على هذا النظير وجعل هذا النظير لهذا النظير، والإمام الشافعي في قوله القديم قال إن صح حديث ابرَّوع بنت واشق قلت به) قال الإمام أبو عبد الله بن الأخرم وهو محمد بن يعقوب توفي سنة أربعة وأربعين وثلاثمائة للهجرة 344هـ وهو من شيوخ الإمام الحاكم رحمة الله عليه ونقل عنه هذا الحاكم في مستدركه عند تخريج الحديث الذي ذكرته لأنه رواه الحاكم مع أهل السنن الأربعة قال الإمام الأخرم (لو أدركت الشافعي لقمت على رأسه وقلت أبا عبد الله قد صح حديث بروع بنت واشق فقل به) إن المجتهد إذا اجتهد لا ينقض حكمه إلا إذا لم يبلغه نص، وخالف اجتهاده ذلك النص الذي ما بلغه، أما إذا بلغه النص وفهمه فهماً معيناً لو خالفه بقية المجتهدين كلهم على هدى ولهم أجران، لو بلغه النص وجمع بينه وبين غيره من النصوص أو قدم عليه نصاً أقوى منه له أجران، وهو على هدى ولا ينقض اجتهاده ولا يرد، وقد فصلت الكلام عن هذا وعن حديث بروع في دروس الحديث الشريف في سنن الترمذي. إذاً أئمتنا الفقهاء ليسوا بمشرعين والتشريع خصائص رب العالمين، هذا الأمر الأول. الأمر الثاني: اجتهادات أئمتنا الفقهاء كما قلت ثروة فقهية وهي من أكبر معجزات خير البرية معجزة عظيمة كشف عنها الفقهاء لو لهجت الأمة بعظيم الثناء لهم ليل ونهار لما وَفَّوهم حقهم إجلالاً لنبينا عليه الصلاة والسلام، هؤلاء كشفوا عن صلاحية رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام في كل زمان ومكان بما استنبطوا من هذه النصوص الشرعية من أحكام، إن نصوص الشريعة محددة وهي تحتمل أحكاماً كثيرة متعددة كشف عنها أئمتنا الفقهاء، هذه النصوص نص يستنبط منه أحكام متعددة هذه من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام يكشف عنها الفقهاء، فقهاء هذه الأمة المباركة. كفاك بالعلم في الأمي معجزة ... في الجاهلية والتأديب في اليتم

إن هذه المعجزة صلاحية النصوص الشرعية في كل زمان ومكان لما تحتمله من أحكام شرعية، كشف عنها أئمتنا الفقهاء، إن هذه المعجزة لا تبلى رجَّدتها، وتفنى جدتها، هذه ثروة عظيمة لأئمتنا فلنقف نحوهم موقف يتناسب مع وصفهم رضي الله عنهم وأرضاهم. انظر إلى هذا الحديث الشريف الذي استنبط أئمتنا ما يشبهه من ما دل عليه من أحكام، وانظر لتخبط المجتهدين في هذه الأيام، ثبت في المسند والسنن الأربع والحديث في موطأ الإمام مالك وسنن الدارمي ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، والبيهقي في السنن الكبرى وإسناد الحديث صحيح كالشمس من رواية عقبة ونسيبة زوجة ابن أبي قتادة رضي الله عنهم أجمعين من رواية كبشة بنت زوجة بن أبي قتادة رضي الله عنهم أجمعين، قالت دخل عليَّ أبي قتادة وهو والد زوجها فسكبت له وضوء ليتوضأ فجاءت هرةٌ فأصغى لها الإناء وبدأ يسقيها فقالت كبشة رضي الله عنها فلما رآني أنظر قال لعلكي تعجبين أنني أسقي الهرة ثم سأتوضأ من فضل سؤرها، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [إنها ليست بنجس إنها من الطوفين عليكم والطوافات] أي سؤرها ليس بنجس وإنها إذا شربت من الماء لا تنجسه إلما؟! يشق الاحتراز منها لعله الطواف تدخل إلى بيتك فتشرب من الماء واللبن وتلعق من الطعام بغير اختيارك، فلو حكم بنجاسة سؤرها تبعاً لنجاسة لحمها لتضرر الناس وتعطل كثير من مطاعمهم ومشاربهم، إنها ليست بنجس إنها من الطوفين عليكم والطوافات، قال أئمتنا: هذه العلة التي هي علة هذا الحكم وهو سؤر الهرة طاهر لأنها تطوف قالوا هذه العلة إنها وجدت يثبت هذا الحكم.

انظروا مثلاً المذهب الأول مذهب أبي حنيفة الجزء الأول صفحة أربعة وعشرين والبيهقي في السنن الكبرى 24 في الرد المحتار على الدر المختار، وانظروا أمر المذاهب في المغني الجزء الأول صفحة أربعة وأربعين 1/44 يقولون (السؤر وما يلحق به في الحجم وما دونه مما هو من سواكن البيوت وحشرات الأرض كالفأرة ولذلك الجرذان الذي يدخل إلى البيوت بغير اختيار الإنسان لو شرب من الماء سؤره طاهر ولو أكل من الطعام، سؤره طاهر، لما؟ لعله الطواف، إذا كانت الهرة سؤرها طاهر لأنها تطوف فألفأرة تطوف أكثر من الهرة تدخل عليك من الحجر ومن تحت الباب وأما الهرة لو أغلقت الباب والنوافذ لما دخلت عليك، فالهرة يشق الاحتراز عنها، وأما الفأرة يتعذر الاحتراز ويستحيل الاحتراز منها، ستدخل عليك بغير اختيارك، فإذا عفى عن سؤر الهرة فيعفى عن سؤر الفأرة من باب أولى، وحديث كبشة الذي يقرر هذا، رواه أيضاً أبو داود والبيهقي في السنن الكبرى عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنه دخلت عليها هرة فأكلت من هريسة لها فأكلت عائشة رضي الله عنها من مكان سؤرها ثم قالت رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بفضل سؤرها. إذاً لست بنجس، من الطوافين عليكم والطوافات.

انظر لبعض السفهاء في هذه الأيام: اللذين يقولون الفقهاء رجال ونحن رجال لنرى الفارق بين هؤلاء الرجال، قيل لمن يدعي الاجتهاد ولا يعجبه أحد من أئمتنا أهل الرشاد، قيل له في مناظرة جرت له مع بعض شيوخنا في بلدة حلب قيل له ما تقول في سؤر الفأرة طاهر أو نجس هات دليل على ذلك؟ قال إن سؤر الفأرة طاهر قال ما الدليل؟ قال أستغفر الله أخطأت سؤر الفأرة نجس قيل له ما الدليل؟ قال لا أعلم الدليل؟ فقال له الشيخ أما تستحي سؤر الفأرة لا تعرف حكمه وتذكر حكمين متناقضين في وقتٍ واحدٍ، والحكمان بناءً على رأيك الذي سيلقيك في نار جهنم، يجوز أن تفتي في دين الله بلا دليل، سؤر الفأرة لا تعرف حكمه ثم تدعي أنك مجتهد وتتطاول عل أئمتنا.

وأنا أقول والله إذا كنا لا نعرف حكم سؤر الفأرة فلا نؤتمن على الفأرة في هذه الأيام لا علم ولا أمانة ولا صدق ولا ديانة ثم نتطاول على بعد ذلك على أئمتنا، واستمع أيضاً لحال بعض هؤلاء في قصة ذكرها الإمام أبو نعيم في حلية الأولياء الجزء التاسع صفحة ثمانية وسبعين وثلاثمائة 9/378 في ترجمة العبد الصالح ذي النون المصري أبي الفيضي الذي توفي سنة خمسة وأربعين ومائتين للهجرة 245هـ بعد الإمام أحمد بأربع سنين، وكان شيخ الديار المصرية كما تقدم معنا، هذا العبد الصالح كان عنده بعض الناس ممن يسلكون هذا المسلك في هذه الأيام يريد أن يصل إلى الحقائق ويقول للشيخ يعني اسم الله الأعظم، ويقول وأريد أن أعرف اسم الله الأعظم ولو خصصتني بشيء من العلوم لأتميز على أصحابي، ففي يوم من الأيام قال له الشيخ يا ولدي أريد أن تأخذ هذا الصندوق مني إلى فلان العالم ففيه هدية أريد أن أرسله له وكان بينهما نهر ينبغي أن يعبره يصل إلى العالم الثاني فأخذ الصندوق ويقول عندما حمله خفيف وفيه شيء يتحرك يريد أن يفتح الصندوق فيفكر هل يفتح الصندوق وهذه خيانة، هل يفتح هل يفتح فقال لأفتحنَّ الصندوق مهما جرى ففتح الصندوق وفيه فأرة فقفزت وشردت، فردع إلى الشيخ وقال يعني الصندوق فتح والفأرة شردت فقال يا ولدي وأتمنت على فأرة تريد بعد ذلك الحقائق وتريد أن أني أخصك بعلوم اذهب فالزم السوق، والله ما تؤتمن على فأرة ومن لازمنا عرف ذلك منا.

قال بعض السفهاء من هؤلاء اللذين يقولون عن أئمتنا هم رجال ونحن رجال وما كلفنا الله باتباع أبي حنيفة ولا الشافعي ولا أحمد، قال له دع أئمة الإسلام من أولهم إلى آخرهم، من أين ستأخذ الأحكام من الكتاب والسنة؟ قال فإذا قرأت قول الله وقرأ إنسان قول الله {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} ؟ هذه الآية لا تلزم الناس بالتوجه إلى القبلة إذا صلوا لله تعالى، استدبر القبلة وصلي إلى الجهة المعاكسة، صلاة صحيحه أو باطلة، قال صحيحه قال بلغه أن الفقهاء الأربعة قالوا يشترط لصحة الصلاة استقبال القبلة، قال يلزمه الله باتباع الفقهاء الأربعة، هو فهم من الآية فهم أنه يلزمه استقبال القبلة. إذاً ليس يشترط في حقه استقبال القبلة يصلي إلى غير القبلة صلاة جائزة قال جائزة قال سأنشر هذا للناس قال أنشره أنا لا أخاف أحد قال إذا كنت لا تخاف من الله وتقول هذا الكلام فهل ستخف من عباد الرحمن؟ نعم لا تخف أحد، أنت لا تخاف إلا إذا ألقيت في نار جهنم. اخوتي الكرام: من لم تكن عنده عدة الاجتهاد التي تقدم معنا واجتهد فهو ضال مضل لجهنم حطباً سواء أصاب أو أخطأ. ومن كانت عنده عدة الاجتهاد وآلته فهو على هدىً والله جل وعلا سيلهمه ويسدده واللذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع الصابرين. أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض الله اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام: كان في نيتي أن أذكر بعد هذين الأمرين، الأول أئمتنا ليسوا بمشرعين واجتهاداتهم ثروة فقهية، وهي من أكبر معجزات نبينا خير البرية، كان في نيتي أن أذكر بعد هذين الأمرين عشرة معالم كنت قد ذكرت خمسة منها في موعظة سابقة أضيف إليها خمسة حقيقياً لو ضرب الناس أكباد الإبل لوعيها والانتباه لها لكان ذلك قليل في شأنها. كنت سأذكر كذلك أمر آخر شاع في هذه الأيام، لكن الوقت قد داهمنا. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ومن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن لمن أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

مقدمة الفقه (6)

مقدمة الفقه (6) (دروس فقه) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان مقدمة الفقه (6) (9:9) لا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولا يجربن عليك كذبا" وهو صادق اللهجة رضي الله عنه وأرضاه إنما من باب يعني التأكيد علي هذه الأمور "إياك أن تفشي له سرا أو أن تغتاب عنده أحدا أو أن يجرب عليك كذبا". قال الإمام الشعبي في سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين: كل واحدة تعدل ألفا يعني ألف درهم، قال: كل واحدة تعدل عشرة آلاف، ليست تعدل ألفا " كل نصيحة من هذه النصائح ما تقوم بعشرة آلاف درهم من أجل أن يعني يحافظ الإنسان علي مكانته ومنزلته عند ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين "لا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا" لا إله إلا الله، ولا يجربن عليك كذبا لا إله إلا الله. نعم إخوتي الكرام له منزلة عظيمة بلغ من قدره عند سيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين أنه عندما حمي سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أصيب بمرض الحمي رضي الله عنه وأرضاه، دخل سيدنا عمر زائرا له وعائدا كما في طبقات ابن سعد في الجزء الثاني صفحة واحدة وسبعين وثلاث مائة من رواية أبي الزينات وهو عبد الله ابن زكوان ثقة فقيه حديثه في الكتب الستة توفي سنة ثلاثين ومائة، دخل عليه يعوده وقد حمي سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فقال له:

" كم أخل بنا مرضك" أي كم أثر فينا، وأخرنا وكنا نستشيرك وتصاحبنا وتشير علينا بما فيه السداد في ديننا ودنيانا، كم أخل بنا مرضك، أنت مرضت لكن نحن تضررنا من هذا المرض، كم أخل بنا مرضك، وكان يقول كما في طبقات ابن سعد أيضا، لا إله إلا الله، كيف تلومونني علي حب هذا؟ كيف تلومونني في هذا؟ هذا الذي تلومونني فيه، يعني أنتم تلومونني يا معشر المهاجرين والأنصار من الصحابة الكبار كيف أدخل هذا الحدث الشاب النشيط بينكم، كيف تلومونني؟ وهو ((منفوض)) هذا عندما مرض كم أخل بنا مرضه وأخر بنا عن درجات الكمال، كنا نستضيئ برأيه ونقتبس نمن فقهه وحسن تأويله، فمنعنا ذلك عندما نزل به المرض، كم أخل بنا مرضك؟ هذا يقوله سيدنا عمر وعمر عمر هو سيد المحدثين ((والملهمين)) وثاني الخلفاء الراشدين، يقول هذا لسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، فكم له من منزلة وأثر وحقيقتا هو فقيه الإسلام كما تقدم معنا بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام " اللهم فقهه في الدين " نعم إخوتي الكرام، هذه منزلته، لا إله إلا الله، هذه منزلته وقد شهد له بذلك كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. **************************** (13:2) روي الإمام ابن سعد في الطبقات في المكان المشار اليه آنفا، صفحة سبعين وثلاث مائة في المجلد الثاني عن سيدنا سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين أنه قال: "ما رأيت أحبر فهما ولا ألب لبا ولا أكثر علما ولا أوسع صدرا من عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين يدعوه للمعضلات أي المسائل المشكلة العويصة، للمعضلات ثم لا يعدوا رأيه ولا يجاوز قوله وحوله مشايخ الصحابة الكبار من المهاجرين والأنصار".

يدعوه للمعضلات ويأخذ برأيه - رضي الله عنه وأرضاه - وإذا أشكل مشكلة كان يقول له: "غص يا غواص" غص يا غواص، النصوص التي في صدرك تفاعل معها وأئتنا بالحكم الشرعي للحوادث التي وقعت، غص يا غواص، لا إله إلا الله، هذا يقوله سيدنا سعد بن أبي وقاص التي بقي فترة ربع الإسلام راجع من أسلم رضي الله عنه وأرضاه، ما رأي أحبر فهما ولا ألب لبا ولا أكثر علما ولا أوسع صدرا من سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين. ويقول الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله هو أيضا أحد العشرة المبشرين بالجنة -رضوان الله عليهم أجمعين كما في طبقات ابن سعد في المكان المشار اليه آنفا:" ما كنت أري عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم علي عبد الله بن عباس أحدا، أحدا، رضي الله عنهم أجمعين " لا يقدم علي قوله قول غيره مهما كان شأنه، ما كنت أري عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين يقدم علي قول عبد الله بن عباس أحدا، لا إله إلا الله.

ويقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه - كما في المستدرك وحلية الأولياء وكتاب المعرفة والتاريخ للإمام الفسوي قال: "لو أدرك عبد الله بن عباس زماننا، يعني كان كبيرا مثلنا وصحب النبي - عليه الصلاة والسلام - كما صحبناه وتقدم معنا صحبه ثلاثين شهرا فقط، عبد الله بن عباس وأما الصحابة الأكياس منهم من صحبه عشرين سنة، منهم من صحبه ثلاث وعشرين، منهم من صحبه عشر سنين، يقول: لو أدرك زماننا، انتبه، لما عاشره منا أحد، عاشره"، وضبط كما قال الذهبي في السير: عشره، عشره منا أحد، والمعلق علي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي والأثر فيه أيضا إخوتي الكرام في تاريخ بغداد يقول في المخطوطة: بحذف الألف، عشره، وهذا خطأ ((وتصحيب)) ، ليس بخطأ ولا ((بتصحيب)) ، عشره ليس من العشرة إخوتي الكرام إنما هو من التعشير، أي ما وصل أحد إلي عشره منا، لو أدرك زماننا وصحب النبي عليه الصلاة والسلام كما صحبناه لما وصل أحد منا إلي عشر ما وصل إليه بن عباس، عاشره وصل إلي عشره، يعني إذا جئنا نقتسم العشرة هو له تسعة ولنا عشر ولا نحصل هذا العشر، ما نحصل عشرا من عشرة التي حضلها بن عباس -رضي الله عنهم أجمعين -عاشره، عشره، كما قلت بالتخفيف بالتثقيل بالمفاعلة، صيغة عاشره، أي إذا جئنا نتعاشر ونقتسم أجزاء العشرة هو يفوز بالتسعة وزيادة ونحن لا نحصل واحد منها فليست هي من العشرة مع عشره، أحد منا يعني ما صحبه لا. وكما قلت لكم قول المعلق ((تصحيف)) ، ليس ((بتصحيف)) والذهبي نص في السير علي أنه نقل عن عبد الله بن مسعود " عاشره " و " عشره "، عشره، أي ما نال عشره مهما بلغ جهده، وهذا يقوله عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم وأرضاهم - فماذا يقول من عاداه، حقيقتا هذه منزلة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم قال عبد الله بن مسعود تكملة الأثري الأول، تكملة أثره، قال: " ونعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس".

قال الإمام ابن كثير في أوائل تفسيره في مقدمة التفسير في الجزء الأول صفحة أربعة وهذا إسناد صحيح إلي سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه وقد توفي هذا الصحابي الجليل سنة اثنتين وثلاثين ثم قال هذه المقولة في هذا الصحابي الكريم عبد الله بن عباس " نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس ولو أدرك ((أسناننا)) وزماننا ما عاشره، عشره، عشره، منا أحد " قال: فما ظنك بما كسبه عبد الله بن عباس من العلوم بعد ذلك، فقد عاش بعد عبد الله بن مسعود ست وثلاثين سنة لأنه توفي سنة ثمان وستين، إذا كان عبد الله بن مسعود يقول هذه المقولة ووفاته سنة اثنتين وثلاثين، نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس فكيف بما كسبه وحصله من العلوم بعد وفاة هذا الصحابي المبارك الميمون عبد اله بن مسعود -رضي الله عنهم وأرضاهم -. حقيقتا لو امتدت حياة عبد الله بن مسعود لزاد في الثناء علي هذا الصحابي المبارك المحمود -رضوان الله عليهم أجمعين - وهذا الأثر إخوتي الكرام " نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس "، قاله أيضا سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه في سيدنا عبد الله بن عباس كما في تاريخ بغداد في ترجمته في الجزء الأول صفحة ثلاث وسبعين ومائة قال:" نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس". بل روي ذلك مرفوعا إلي نبينا عليه الصلاة والسلام لكن بإسناد فيه ضعف، رواه أبو نعيم في الحلية في ترجمته أيضا في الجزء الأول صفحة ستة عشرة وثلاث مائة، والطبراني في معجمه الكبير كما في المجمع في الجزء التاسع صفحة ست وسبعين ومائتين عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "دعاني رسول الله -صلي الله عليه وسلم - فمسح رأسي ودعا لي بالحكمة وقال: (نعم ترجمان القرآن أنت) " لا إله إلا الله، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: وقد دعا لي جبريل مرتين أيضا كما دعا لي النبي -علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه-.

الأثر كما قلت في الطبراني معجمه الكبير والحلية وهو في الكتابين من طريق عبد الله بن خراش، قال عنه الهيثمي في المعجم " ضعيف "، وبذلك حكم عليه الحافظ في التقريب فقال "ضعيف قاف " أي أنه من رجال سنن ابن ماجه القزويني فقط، عبد الله بن خراش نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس قاله عبد الله بن مسعود بسند صحيح وقاله سيدنا عمر وروي مرفوعا لكن بسند ضعيف، يتقوي هذا السند بدعوات نبينا عليه الصلاة والسلام المتقدمة له، قلت مروية من وجوه صحاح " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " آته الحكمة علمه تأويل الكتاب، كما تقدم معنا.. (22:20) *************************** كما تقدم معنا وهذه الآثار الموقوفة تشهد لهذا الأثر المرفوع الذي فس سنده عبد الله بن خراش كما قلت وفيه ضعف يعني يتقوي الأثر بما تقدم " نعم ترجمان القرآن أنت " نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهم أجمعين - ولذلك تقدم معنا هو فقيه الإسلام وأكثر الصحابة يعني فتوي كما أنه هو المفس الأول لكلام الله عز وجل -رضي اله عنه وأرضاه - لا إله إلا الله، نعم إخوتي الكرام هذا شأنه وقد كان يعهد إليه في زمن الخليفتين الراشدين سيدنا عثمان وسيدنا علي رضي الله عنهم أجمعين بأن يليا أمر المسلمين في موسم الحج فهو أمير الحج فيخطب خطبة الحج خطبة طويلة فصيحة بليغة يقول الحاضرون لو سمعها الترك وفارس والروم لآمنوا أجمعون، هذا يقوله الحافظون عندما يخطب خطبة الحج في عرفات في مسجد نمرة، لا إله إلا الله.

روي الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية عن أبي وائل من تلاميذ سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين من الرواة عنه وهو شقيق بن سلمة أبو وائل، اسمه شقيق بن سلمة ثقة مخضرم، حضر في الجاهلية والإسلام ولم تكتحل عيناه برؤية نبينا خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكي السلام، حديثه في الكتب الستة أبو وائل شقيق بن سلمة رضي الله عنهم أجمعين قال: " كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهم علي الموسم في الحج فخطب خطبة الحج فقرأ سورة النور وكان هذا في خلافة سيدنا عثمان ففسرها تفسيرا لو سمعه الترك والديلم والروم لأسلموا وآمنوا أجمعون ". وقال أيضا ذاك في خلافة سيدنا علي أيضا كان أمير الموسم فقرأ سورة البقرة بكاملها، في خلافة سيدنا عثمان قرأ سورة النور، فلما كثر المسلمون أكثر والجهل انتشر أطال الخطبة فقرأ سورة البقرة وفسرها تفسيرا لو سمعه الترك والديلم والروم لآمنوا أجمعون.

خطبة الحج تقرأ فيها سورة الحج وتفسر يعني أقل تقدير إخوتي الكرام ثلاث ساعات إن لم يكن أكثر، لا إله إلا الله، يجمع تفسيرها يوضح الأحكام التي فيها في خطبة الحج، في هذا الحشد الكبير هنيئا لمن حضره تلك الخطبة المباركة ورأي ترجمان القرآن يخرج النور من شفتيه -رضي الله عنه وأرضاه - عندما يفسر كلام الله - عز وجل - وهذا إخوتي الكرام حقيقتا لابد من وعيه وضبطه في هذه الأيام، والناس يستثقلون، فيعني حلق الذكر وهكذا خطب الجمعة في هذه الأيام وسينصرفون إلي أي شيء، يعني هو لو كان سينصرفون إلي مصلحة دينية أو دنيوية، لربما قال الإنسان لهم عذر، لن ينصرفوا إلا إلي آفات ردية، ومع حقيقتا ضعف الهمم وخور العزائم الذي أصبنا به في هذه الأيام نشكو أمرنا إلي ذي الجلال والإكرام، وإذا أطال الخطيب شيئاً يعني قليلا وهكذا الصلاة حصل الاعتراض والتزمر من قِبل الأخيار، الذين يعتادون مساجد العزيز القهار، دع الأشرار الأشرار كفون مؤنتهم وأراحوا أنفسهم وأراحونا.

يا إخوتي الكرام لابد من وعي هذا وكنت ذكرت ضمن مباحث النبوة حديثا، ينبغي أن ننتبه له وقد كثر يعني أيضا الكلام حوله عدد من إخواننا من بعض ((الجهات)) قال: هذا ما ((سمعناه)) ، قلت: يا عبد الله في نفس الشريط عد إلي الحديث علي أنه رواه عبد الله بن سيدنا الإمام أحمد في الزوائد علي المسند بسند رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع، أنظروه إن شئتم في الجزء الثاني صفحة تسعين ومائة في كتاب الصلاة باب ما يقرأ ويقال في خطبة الجمعة في مجمع الزوائد، والحديث كما قلت في مسند الإمام أحمد في الجزء الخامس صفحة ثلاث وأربعين ومائة وهو من زوائد ولده علي المسند ورجاله رجال الصحيح عن أبي بن كعب -رضي الله عنه وأرضاه- قال: " كان رسول الله -صلي الله عليه وسلم يقرأ سورة التوبة " براءة " يوم الجمعة علي المنبر وهو قائم يذكر بأيام الله، سورة التوبة، سورة براءة، لو أراد الإنسان أن يرتلها ترتيلا وأن يقرأها قراءة دون أن يشرح منها كلمة، ما انتهت بأقل من نصف ساعة، أليس كذلك؟ لا تزيد علي الجزء، طيب نصف ساعة هذه تلاوة فقط، دع بعد الحمدله والسلام والدعاء والصلاة علي النبي - عليه الصلاة والسلام - وتفسيرها يعني ولو تفسيرا مختصر، يعني ما أظن تلك الخطبة التي سيقرأ فيها سورة التوبة تنتهي بأقل من من ساعة حقيقتا، فما أعلم بعد ذلك الاستثقال الذي ابتلينا به. (28:18)

الاستثقال الذي ابتلينا به في هذه الأيام مع أن وضعنا كما قلت يختلف عن وضع سلفنا، يعني هناك الكلمات واضحة وأكثر العبارات لا تحتاج إلي إيضاح، وأما الآن عندما تقول " تبت " إذا ما شرحته معني تبت باللغة لا يفهمها، وأما ذاك ما يحتاج أن تشرح له تبت حقيقتا، " في جيدها " لا داعي أن تقول للعرب " في جيدها " في عنقها، هذا واضح، الآن كل كلمة يعني تخاطب الآن من يجهلون اللغة العربية والأحكام الشرعية، فستشرح هذه من ناحية اللغة وتبين هذه من ناحية الشرع، هذا يتضاعف في الوقت، يضاف إلي هذا يعني ما اقتضته الضرورة عندما وجدنا في آخر هذه الأمة من باب التصحيح والتضعيف، فتعدوا الحديث إلي كتب وتصحح وتضعف، هذا ما كان يوجد في العصر الأول يعني عندما يقوم سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ولا داعي إلي أن يقول لا رواه البخاري ولا مسلم ولا هو في كتاب الحلية أو في الكتب الستة هذا لا داعي هذا كان يوجد له من اختصار، حقيقتا إخوتي الكرام. يعني لا آخذ أحيانا يعني من المحاضرة يأخذ يعني التنبيه علي هذه الأمور في حجم كبيرا منها، أحيانا بمقدار الربع بمقدار الثلث بمقدار النصف علي حسب التخريجات التي تذكر من أجل توثيق هذه المعلومات، وإذ هذا كله ينبغي _______ (29:52) وأما يعني خطبة بعد ذلك يعني بدقائق معدودة وانتهي الأمر حقيقتا ليس هذا كما قلت من الحكمة لاسيما في هذه الأيام.

عندما يعني عم الجهل وانتشر يعني الضلال والغفلة ونسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، ففسر سورة النور وفسر سورة البقرة تفسيرا لو سمعه المشركون لآمنوا بالحي القيوم، لا إله إلا الله، وهو أمير الموسم في عهد الخليفتين الراشدين سيدنا عثمان وسيدنا علي - رضي الله عنهم أجمعين - ولذلك |إخوتي الكرام كان ينعت، ينعت، سيدنا عبد الله بن عباس بين الصحابة الأكياس رضوان الله عليهم أجمعين " بالحبر "، ينعت بالحبر، هو حبر الأمة كما هو بحرها كما هو فقيهها كما هو مفسرها -رضي الله عنه وأرضاه-. روي الإمام ابن سعد في الطبقات في الجزء الثاني صفحة واحدة وسبعين وثلاث مائة عن محمد بن أبي بن كعب -رضي الله عنهم أجمعين - قال: "كان عبد الله بن عباس عند أبي أبي بن كعب أبي المنذر سيد القراء، فلما قام قال أبي بن كعب رضي الله عنهم أجمعين هذا يكون حبر هذه الأمة "، هذا نهاية أمرهم هو حبر الأمة هو شيخها هو عالمها هو فقيهها ستلجأ إليه وترجع إليه، هذا يكون حبر هذه الأمة، أري عقلا وفهما، وقد دعا له رسول الله - صلي الله وسلم -بأن يفقهه في الدين، ____ (31) علامة الذكاء والنجابة والألمعية لا تخفي في هذا العبد الصالح، كل ذرة من ذراته تشير إلي إشراق مستقبله، أري ذكاءً فهما أري عقلا وفهما وقد دعا له رسول الله - عليه الصلاة والسلام - بأن يفقهه في الدين، هذا سيكون حبر هذه الأمة.

وقال محمد بن علي رضي الله عنه وأرضاه وهو انتبهوا له بعض الناس قد يخطأ فيظن أنه الإمام الباقر محمد بن علي، لكن يراد هنا ابن سيدنا علي الإمام محمد بن الحنفية ولذلك في المستدرك ذكر الأثر في موطنين مرة قال محمد بن علي ومرة قال محمد بن الحنفية وهذا هو هذا وفي بعض الكتب محمد بن الحنفية وهو ابن سيدنا علي رضي الله عنهم أجمعين ويضاف فقط إلي أمه من باب التفريق بينه وبين أولاد سيدتنا فاطمة رضي الله عنهم أجمعين محمد بن علي وليس هو الإمام الباقر، إذاً محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين، فالمراد هنا محمد بن سيدنا علي رضي اله عنهم أجمعين، قال محمد بن علي، لما توفي سيدنا عبد الله بم عباس رضي الله عنهم أجمعين وهو الذي صلي عليه في الطائف، لا إله إلا الله،:" كان عبد الله بن عباس حبر هذه الأمة ". الحبر مات رضي الله عنه وأرضاه، كان حبر هذه الأمة لا إله إلا الله، وأثره إخوتي الكرام.. (33:36) *********************** كان حبر هذه الأمة وأثره اخوتي الكرام في حلية الأولياء في الجزء الأول صفحة تسعة عشرة وثلاث مائة وهو أيضا في مستدرك الحاكم كما ذكرت لكم " كان حبر هذه الأمة". وبذلك نعته تلميذه مجاهد بن جبر رضي الله عنهم أجمعين كما في المستدرك في الجزء الثالث صفحة خمس وثلاثين وثلاث مائة، قال مجاهد بن جبر: " ما رأيت إلا عبد الله بن عباس قط - رضي الله عنهم أجمعين - ولقد مات يوم مات وهو حبر هذه الأمة" وهذه الجملة بأنه حبر هذه الأمة رويت أيضا مرفوعة إلي نبينا -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم معنا أن يفقهه في الدين وأن يعلمه التأويل وجملة نعم ترجمان القرآن أنت، أيضا رويت عليه الصلاة والسلام ((وكذا)) قالها الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان، وهكذا هذه الجملة " حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس " لكل أمة حبر وحبر هذه الأمة عبد الله بن عباس.

حبر هذه الأمة أنت، هذا أيضا روي عن نبينا عليه الصلاة والسلام من طريقين اثنين، في أحد الطريقين كلام والآخر فيما يبدو لي لا كلام فيه يعني اعترض فيه علي راوي والإمام أبو نعيم كما ستسمعون قال عنه ثقة مأمون، وعليه ظاهر الإسناد سليم نظيف والعلم عند الله جل وعلا. أما الأثر الأول رواه الحاكم في المستدرك في الجزء الثالث صفحة خمس وثلاثين وخمس مائة عند المكان المشار إليه آنفا عند أثر سيدنا مجاهد ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، أرأف أمتي بها أبو بكر - رضي الله عنه وأرضاه -، وأصلبها في أمر الله عمر، وأشدها حياء عثمان، وأقرأها أبي بن كعب، وأفرضها زيد بن ثابت، وأقضاها علي بن أبي طالب، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأصدقها لهجة أبو ذر، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح، والعاشر وهو سيدنا عبد الله بن عباس، وحبر هذه الأمة عبد الله بن عباس".

والحديث كما قلت من رواية سيدنا عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، قال الحاكم في مستدركه هذا حديث صحيح الإسناد، تعقبه الإمام الذهبي والحق معه فقال، قلت فيه كوثر بن حكيم الراوي عطاء عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، فيه كوثر بن حكيم ساقط، هذا في تلخيص المستدرك وقال في السير في الجزء الثالث صفحة تسع وسبعين وثلاث مائة: كوثر بن حكيم واهن، في المستدرك ساقط، هنا واهن وقال في المغني في الضعفاء صفحة أربعة وثلاثين وخمس مائة من المجلد الثاني: تركوا حديثه وله عجائب، تركوا حديثه كوثر بن حكيم وله عجائب، لا إله إلا الله، وأصل الحديث إخوتي الكرام ثابت صحيح دون العاشر وهو سيدنا عبد الله بن عباس الذي هو محل الشاهد أما أصل الحديث ثابت صحيح وتقدم معنا في دروس الفرائض لكن من رواية سيدنا أنس - رضي الله عنه وأرضاه - هنا من رواية بن عمر وأصل الحديث تقدم معنا وفيه هؤلاء التسعة لكن من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين.

الحديث تقدم معنا في المسند وسنن الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح ورواه الإمام ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح علي شرط الشيخين وأقره عليه الذهبي والحديث رواه الإمام أبو داود الطيالسي والطحاوي " مشكل الآثار"، كما رواه البيهقي في السنن الكبري أبو نعيم في الحلية، وكما قلت صححه الترمذي والحاكم وأقره الذهبي، وقال الذهبي في السير في الجزء الرابع صفحة أربع وسبعين وأربعمائة: أيضا هذا حديث حسن صحيح، ولفظ الحديث كما تقدم معنا من رواية سيدنا أنس بن مالك - رضي الله عنه وأرضاه - " أرحم أمتي، هنا أرأف أمتي، أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وهنا ماذا عندنا؟ أصلبها، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي - رضي الله عنهم أجمعين -، اللهم صلي نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، هؤلاء أربعة، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرأهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح، والتاسع وما أضلت الغبراء ولا أقلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر، أشبه عيسي بم مريم - علي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه - في زهده وورعه فقال سيدنا عمر - رضي الله عنه وأرضاه - نعرف ذلك له يا رسول الله - عليه صلوات الله وسلامه - قال: نعم إعرف له ذلك، هؤلاء تسعة وما ذكر معهم حبر هذه الأمة سيدنا عبد الله بن عباس - رضي الله عنهم أجمعين - بالنسبة لعلي أقضاهم علي، هذا ورد في رواية صحيح بن حبان فقط، ولم يرد في رواية سنن الترمذي وغير ذلك من الروايات، إنما هو في صحيح ابن حبان أقضاهم علي.

وتقدم معنا كلام الإمام بن تيمية عليه وعلي أئمتنا رحمات رب البرية، قال في مجموع الفتاوى في الجزء الرابع صفحة ثمان وأربع مائة قال: "لم يروي هذه الجملة (أقضاهم علي) أحد من الكتب الستة " نعم، إلي هنا الكلام مقبول، ما روي في الكتب الستة، ولا أحد من أهل المسانيد المشهورة لا الإمام أحمد ولا غيره، ما روي أيضا في المسند لا بأس، بإسناد صحيح ولا ضعيف، إنما يروي من طريق من هو معروف بالكذب، هذا الكلام مردود آخره كما تقدم معنا وقلت إن الحديث صحيح بصحيح بن حبان (وأقضاهم علي) رضي الله عنه وأرضاه. وقال في مجموع الفتاوى أيضا في الجزء.. (42:25) *********************** وقال في مجموع الفتاوى أيضا في الجزء الحادي والثلاثين صفحة اثنتين وأربعين وثلاث مائة عن الحديث بكامله ضعيف لا أصل له فيما يتعلق بزيد بن ثابت، أيضا أفرضهم زيد ولم يكن معروفا علي عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام بالفرائض، أما وجود زيد في سائر الروايات وأنه أفرض هذه الأمة فهذا صحيح ثابت ثبوت الشمس في رابعة النهار، والإمام ابن تيمية عليه وعلي أئمتنا رحمات رب البرية أخطأ في حكمه علي هذا الحديث كما قلت بالضعف في حق سيدنا زيد بن ثابت أن هذا ضعيف وما كان معروفا بالفرائض. إذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول أفرضهم زيد كيف تقل لم يكن معروفا بالفرائض والحديث يرد في فضله في هذه يعني المسألة وهذا العلم، وأما فيما يتعلق بسيدنا علي رضي الله عنهم أجمعين فقلت إن الحديث أيضا صحيح ثابت في صحيح ابن حبان، الحديث أصله ثابت من رواية سيدنا أنس -رضي الله عنه وأرضاه - وروي أيضا إخوتي الكرام الحديث من رواية ابن عمر كما معنا في المستدرك وليس فيه أيضا حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس، رواه الإمام أبو يعلي وابن عساكر في تاريخه كما في "جمع الجوامع" في الجزء الأول صفحة ست وتسعين باللفظ المتقدم "أرأف أمتي بأمتي أبو بكر".

كما في رواية ابن عمر المتقدمة التي رواها الحاكم لكن ليس فيه العاشر حبر هذه الأمة ابن عباس ورواه ابن النجار أيضا في تاريخه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين دون ذكر عبد الله بن عباس، لا إله إلا الله، روي كما قلت في المستدرك بسند حوله كلام لوجود كوثر بن حكيم. الرواية الثانية رواها الإمام أبو نعيم في الحلية في الجزء الأول صفحة ستة عشرة وثلاث مائة عن سيدنا عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: انتهيت إلي النبي - صلي الله عليه وسلم - وعنده جبريل علي نبينا وأنبياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه، فقال جبريل لنبينا الجليل عليهما صلوات الله وسلامه: من هذا؟ قال: ابن عمي عبد الله بن عباس، قال: إنه كائن هذا حبر هذه الأمة فستوصي به خيرا، يعني اعتني به ووجهه توجيها سديدا وتقدم معنا عندما دعا له نبينا عليه الصلاة والسلام بأن يفقهه في الدين وأن يعلمه التأويل واصل نصحه وإرشاده ووصيته له فقال يا غلام: إني أعلمك كلمات كما تقدم معنا إحفظ الله يحفظك وهنا كذلك إنه كائن هذا حبر هذه الأمة فستوصي به خيرا. الحديث كما قلت في الحلية، قال الإمام الذهبي في السير في الجزء الثالث صفحة تسع وثلاثين وثلاث مائة، هذا حديث منكر تفرد به سعدان ابن جعفر، طب لما سعدان ابن جعفر قال عنه الإمام أبو نعيم في الحلية ثقة أمين، ولما تحكم عليه بالنكارة يعني ما وجه النكارة لتفرد سعدان ابن جعفر، سعدان ابن جعفر ثقة أمين وليس هو من الرواة مجروحين والعلم عند رب العالمين.

وعليه كما قلت في الرواية الثانية أمثل من الأولي إنه كائن هذا حبر هذه الأمة وفي الرواية المتقدمة من رواية سيدنا عبد الله ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، وكيف ما كان حال الروايتين فتقدم معنا هذا ثابت من كلام الصحابة وكلام التابعين رضوان الله عليهم أجمعين علي التسليم بوجود ضعف وأن الرواية الأولي لا تتقوي بالثانية وأن الثانية كما قال الإمام الذهبي فيها نكارة وما أعلم وجه النكارة كما قلت مع أن سعدان ابن جعفر ثقة أمين كما قال أبو نعيم في الحلية، عندما روي الحديث ((وقال)) سعدان ابن جعفر ثقة أمين، قد انتهي. فالحديث يثبت بنفسه إن لم يثبت لوجود كما قلت سعدان ابن جعفر وكوثر بن حكيم، فالآثار عن الصحابة الأبرار تشهد لمعناه فتقويه وترفعه والعلم عند الله جل وعلا، إذاً ترجمان القرآن وهو حبر هذه الأمة المباركة، لفظ الحبر قال بالكسر حِبر ويقال بالفتح حَبر، أما حِبر فيقال له حِبر نسبة إلي الحبر الذي يكتب به، فبما أن الحَبر لا يستغني عن الحِبر فيقال له حِبر نسبة يعني إلي الحبر الذي يكتب فيه باستمرار "حبر " لا إله إلا الله حبر، وتقدم معنا في بعض المواعظ قلت هذا الحبر في الحقيقة يعني من شيم الرجال، وإذا تلطخت أيديهم به وهكذا ثيابهم فلا لوم عليهم في ذلك إنما الزعفران عطر العزارة ومداد الدوات عطر الرجال إلا رجال هذا الزمان، فتراه كأنه أيضا بنت عزراء مخدرة، يعني يعتدي علي لحيته وينتفها وبعد ذلك يريد أن يضمخ نفسه بالطيب والليونة ولا يريد أن يكون في شيء من الخشونة ولا يريد أن يعني لو ظهرت نقطة سوداء من القلم في هديه أو في ثيابه يعني لأقام الدنيا وما أقعدها.

يا عبد الله ماذا جري هذا شرف لك، إذا كان أثر القلم في يدك أو في ثيابك وحقيقتا كان الطلبة في الزمن القديم قل أن تري طالب ليس أثر قلمه في ثيابه قل إلا في هذا الحين إلا به كما قلت صار حكمنا حكم العزارة، لا إله إلا الله، إنما الزعفران عطر العزارة ومداد الدوات عطر الرجال فيقال للعالم حِبر لأنه يكتب بالحبر باستمرار، ويقال له حَبر بالفتح من التحبير لأنه يحبر الكلام ينمقه يزينه يرتبه، وقال الراغب في المفردات، يقال له حَبر أيضا لما يبقي من أثر علومه فيه، تبقي له أثر العلوم التي تدل علي منزلته ولسان صدق له في هذه الأمة ويذكر، فإذا هذا " حَبر "، " حِبر "، لا إله إلا الله. وهذا اللفظ إخوتي الكرام أطلق علي عدد من الصحابة الكرام منهم من تقدم معنا ذكره الذي أثني علي سيدنا عبد الله بن عباس وهو عبد الله بن مسعود الذي قال: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس وقال الإمام بن كثير: فماذا يقول عبد الله بن مسعود لو عاش ست وثلاثين سنة التي عاشها عبد الله بن عباس بعده؟، عبد الله بن مسعود قيل عنه إنه حبر أيضاً. ثبت هذا إخوتي الكرام كما ذكرت أيضا في دروس الفرائض في المسند وصحيح البخاري والحديث في السنن الأربعة إلا سنن النسائي ورواه الحاكم في المستدرك والبيه قي في السنن الكبرى والإمام الداراقطني في سننه وأبو داود الطياليسي في مسنده، والحديث رواه الإمام ابن الجارود في "المنتقي" عن هزيل بن شرحبيل، قال: سئل سيدنا أبو موسي الأشعري رضي الله عنه عن رجل مات وترك ابنة وابنة ابن وأخت، اخت شقيقة، ترك بنت وبنت ابن وأخت شقيقة، فقال أبو موسي رضي الله عنه: للبنت النصف وللأخت النصف وأتوا ابن مسعود فسيتابعونني، يعني اذهبوا إليه سيوافقني علي هذا القضاء، فذهبوا إلي سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين فقالوا: هلك هالك عن بنت وبنت ابن وأخت شقيقة، فكيف توزع التركة؟

قال: والله لأقضين بها بقضاء رسول الله -عليه الصلاة والسلام - لقد ضللت إذاً " وما أنا من المهتدين " إذا لم أقضي بهذا القضاء الحق الأمين، للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين، وما بقي فهو للأخت، لأن الأخوات مع البنات عصبا عصبة مع الغير، فذهبوا إلي أبي موسي الأشعري وعرضوا عليه القضاء، قال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم. أنظروا كلام الحافظ إخوتي الكرام في شرح هذا الحديث في الجزء الثاني عشر صفحة سبعة عشرة من فتح الباري " لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم"، نعم كان أبو موسي الأشعري يجل سيدنا عبد الله بن مسعود كثيرا وهو القائل كما في المعرفة والتاريخ للإمام الفسوي في الجزء الثاني صفحة خمس وأربعين وخمس مائة "لمجلس كنت أجالس فيه عبد الله بن مسعود أوثق في نفسي من عمل سنة" طيب ((الآن)) هذا المجلس الذي هو سؤال عابر كما يقال، صحح لك الخطأ وبعد ذلك يعني كنت ستقضي بخطأ والأمة ستسير علي خطأ وأنظر لذاك يعني حقيقتا هذه هي صحبة العالم الفقيه المحقق المتقن "مجلس أجالسه فيه أوثق في نفسي وأضمن لي عند ربي من أن أعبد الله سنة كاملة". هذا يقوله أبو موسي الأشعري في حق عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم، إذاً هو ترجمان القرآن وهو أيضا حبر الأمة، لا إله إلا الله، وهو البحر يقال له البحر أيضا، لا إله إلا الله، ثبتت تسميته بذلك عن عدد من سلفنا منهم العبد الصالح مجاهد بن جبر كما في المستدرك والحلية وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي عن مجاهد بن جبر قال: كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.. (53:18) كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يسمي بالبحر لكثرة علمه وعليه التسمية منه ومن غيره يعني يسمي بين الصحابة وبين المسلمين المتقدمين بالبحر لكثرة علمه، لا إله إلا الله، كان يسمي بالبحر لكثرة علمه.

وفي طبقات ابن سعد في الجزء الثاني صفحة ست وستين ومائتين عن عطاء أنه قال: كان يقال لعبد الله بن عباس البحر فكان عطاء إذا حدث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين قال - قال البحر وفعل البحر - ينعته ويلقبه بهذا الذي اشتهر به ولا يسميه " قال البحر فعل البحر " وهو معلوم لقب لهذا الصحابي المبارك الميمون وحقيقتا لا يطلق علي غيره لأن ((زي ما)) تقول قال بحر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه، البحر كما يقال له الحبر، لا إله إلا الله، ولا ((غرو)) في ذلك أن يطلق عليه هذا اللفظ لفظ البحر، لأنه حقيقتا بحر لا ساحل له، فأنظر لكلام أئمتنا رضي الله عنهم في علمه. روي الخطيب في تاريخ بغداد صفحة ثلاث وسبعين مائة من المجلد الأول والإمام ابن الجوزي بسنده في كتاب " المصباح المضيء في أخبار الخليفة المستضيء" كما تقدم معنا في الجزء الأول صفحة عشرين ومائة عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " كان عبد الله بن عباس أعلم الناس بما أنزل الله علي رسوله صلي الله عليه وسلم "، فيستحق أن يقال له البحر رضي الله عنه وأرضاه.

وروي الإمام ابن سعد في الطبقات عن عكرمة قال: قال عبد الله بن عمرو بن العاص - هناك الأثر من عبد الله بن عمر -وهنا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين " كان بن عباس رضي الله عنهم أجمعين أعلمنا بما مضي وأفقهنا فيما نزل مما لم يأتي فيه شيء "، كان أعلمنا بما مضي وأفقهنا -انتبه- فيما نزل يعني فيما نزل من وقائع وحوادث ووقع من مشكلات تحتاج إلي فهم واستنباط وأفقهنا فيما نزل مما لم يأتي فيه شيء، يعني ما ورد فيه نص، تراه يغوص ويستنبط له حكما من النصوص الثابتة، كان أعلمنا بما مضي وأفقهنا فيما نزل مما لم يأتي فيه شيء، لا إله إلا الله، قال عكرمة فأخبرت بذلك بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، هكذا يقول فيك عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين فقال بن عباس رضي الله عنهم أجمعين " إن عنده لعلما أي عند عبد الله بن عمرو كان يسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الحلال والحرام " ((أن هو)) يسمع لي لأنني أعلم الناس بما مضي وأنني أفقههم فيما يأتي ما لم ينزل فيه شيء، أيضا اعرفوا لعبد الله بن عمرو قدره هو عنده علم، كان يسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الحلال والحرام، يسأل ويقيد ويكتب. لكن شتان شتان ما بين الرتبتين والدرجتين، فعبد الله بن عمرو من المكثرين أيضا وهو يعني من حفاظ الحديث لكن يدخل في دائرة التحديث لا في دائرة الفقه والفهم والاستنباط، فأين هو من سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في هذا الأمر لكن من باب أيضا يعني الانصاف ووضع الشيء في موضعه قال أيضا عنده علم وهو كان يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الحلال والحرام، لا إله الا الله.

وثبت في طبقات بن سعد عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: " لما مات سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين مات أعلم الناس وأحلم الناس ولقد أصيبت به هذه الأمة بمصيبة لا ترتق " لا ترتق، وتقدم معنا " الرتق " يعني (كانتا رتقا ففتقناهما) يعني هذه المصيبة لا تعوض لا تسد لا يأتي ما ينوبه عنها ويسد مسدها، مصيبة هذه الأمة مصيبة عظيمة بموت سيدنا عبد الله بن عباس. وروي الإمام بن سعد في الطبقات عن رافع بن خديج أيضا رضي الله عنه وأرضاه قال: "لما مات سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين مات اليوم من يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم "، يعني أهل الأرض قاطبة بحاجة إلي علمه. إخوتي الكرام: في طبقات ابن سعد صفحة اثنتين وسبعين وثلاث مائة ضبط يحتاج بضم الياء يعني مات اليوم من يُحتاج إليه، إذاً لازم تقول بدل مَن مِن، أليس كذلك مات اليوم من يجتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم يعني من يحتاج إليه من الحاضرين بين المشرق والمغرب هو عبد الله بن عباس ومات، ما الداعي لهذا التكلف، مات من يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب، يعني هو الذي يُحتاج إليه من الحاضرين بين المشرق والمغرب، فما أعلم لما قيدها بالضبط، ولو قرأت كما قلت لكم " مات من يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب " يعني أهل المشرق والمغرب أهل الأرض قاطبة بحاجة إلي علمه، فهذا لو كان يعني حقيقتا أيسر يعني البناء للمعلوم من البناء للمجهول ثم التكلف، من يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم، علي كل حال كما قلت قيدت بضم يُحتاج في طبقات ابن سعد من قبل الناشرين والعلم عند رب العالمين.

وقال العبد الصالح سعيد بن المسيب كما في طبقات ابن سعد أيضا " كان بن عباس -رضي الله عنهما - أعلم الناس وقال العبد الصالح طاووس وهم من تلاميذه -رضوان الله عليهم أجمعين - " كان بن عباس رضي اله عنهم أجمعين من الراسخين "، ولاشك في ذلك رضي الله عنه وأرضاه. إذاً ترجمان القرآن، حبر الأمة، بحرها، أعلمها، وأيضا هو ربانيا، رباني أطلق عليه أيضا هذا اللقب من قبل أئمتنا عندما أثنوا عليه بذلك، والرباني إخوتي الكرام هو العالم الفقيه الحكيم الذي يتعهد حسب التربية والتوجيه ويربيهم حسب استعدادهم، هذا يقال له رباني وقيل إنه منسوب إلي الرب والنون للمبالغة، الأصل ربي منسوب إلي الرب قيل رباني يعني للمبالغة في حصول التربية فيه بالمعني المتقدم يتخلق بأخلاق الله -جل وعلا - فيربي الناس شيئا فشيئا سواء فيما يتعلق يعني بالتربية الخَلقية أو بالتربية الخُلقية الدينية الشرعية، _____ (1:2:33) التربية الخَلقية يتعهدوا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم بعد ذلك يعني عظام تكسي بلحم ثم يخرجون طفلا ثم ثم، هذا كله تعهد بتربية الله جل وعلا فهو رب العالمين، وهكذا التربية الشرعية يتعهدهم يعني علي مهل لأول الأمر "اقرأ باسم ربك الذي خلق " ثم سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار يرغبهم يعني في إطاعة ربهم ثم تنزل الأحكام علي فترة ثلاث وعشرين سنة. وهكذا العالم يتخلق بهذا الخلق يربي الناس بصغار العلم قبل كباره فما لا يهضمونه لا يذكره أمامهم وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كذلك والله جل وعلا يقول في كتابه "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون".

يعني ولكن يقول لكم كونوا ربانيين واتصفوا بهذا النعت الكريم والرباني كما قلت عالم فقيه حكيم، فقهاء علماء حكماء، كما اتفق علي ذلك أئمتنا في كتب التفسير، لا إله إلا الله، فسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أيضا رباني نعته بذلك أيضا سيدنا محمد بن علي الذي يقال له ابن الحنفية رضي الله عنهم أجمعين كما في المستدرك وتاريخ بغداد وطبقات ابن سعد، قال محمد بن الحنفية عندما مات سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وتقدم معنا قال " مات حبر هذه الأمة " وقال أيضا " مات رباني هذه الأمة " حبر هذه الأمة ورباني هذه الأمة. ونعته بذلك أيضا العبد الصالح كعب الأحبار وهو من التابعين الأبرار كما في طبقات ابن سعد قال كعب لعكرمة مولي سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين " مولاك رباني هذه الأمة هو أعلم من مات وأعلم من عاش " إخوتي الكرام: وقد جمع سيدنا عبد الله بن عباس.. (1:5:30) *************** رضي الله عنهما إلي علمه العمل به والخشية من ربه سبحانه وتعالي ولا أريد أن أفيض في هذا فهذا نعت سلفنا كلما زاد علمهم زادت خشيتهم، فإذا كان عبد الله بن عباس أعلم الأمة، أفقه الأمة، أعلم الأمة بتأويل كلام اللله جل وعلا، حقيقتا خشيته يعني تتناسب مع علمه رضي الله عنه وأرضاه فأنظر ماذا كان يفعله في سفره لتقيس بعد ذلك يعني الحضر علي السفر، إذا كان هذا يفعله في السفر فماذا سيفعل في الحضر رضي الله عنه وأرضاه.

روي الإمام أبو نعيم في الحلية صفحة سبع وعشرين وثلاث مائة من المجلد الأول عن ابن أبي مليكة وهو تابعي كريم عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أدرك ثلاثين من أصحاب نبينا الأمين علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه منهم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وحديثه في الكتب الستة وتوفي سنة سبع عشرة ومائة، إمام ثقة فقيه مبارك عبد الله بن أبي مليكة قال: صحبت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة _______ (1:6:54) صلوات الله وسلامه - في سفر - وسفرهم لا يخفي عليكم في العصر الأول، إما مشي علي الأقدام أو ركوبا علي بهيمة الحيوان، علي الدواب، هذا حقيقتا يحتاج إلي كلفة وجهد والطريق يحتاج إلي وقت، يعني ما بين مكة والمدينة ستأخذ سبعة أيام علي الدواب هذا إذا واصل، في سبعة أيام حقيقتا سيظهر حال الإنسان، ليس فيها سفرة، ساعات تنتهي، قال: فكان ينزل في وسط ((المكان)) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ويمتنع من مواصلة السير، ينزل يعني ليستريح فإذا نزلنا يقول: قام وبدأ يناجي الله ويقرأ كلام الله جل وعلا ويكثر في ذلك نشيجه _______ نحن نسمعه، نزلنا يعني ونزلوا ليستريحوا ليناموا متي انتصف الليل انتهي ما بقي شيء، يجعل الآن من منتصف الليل إلي السحر هذه مناجاه لله عز وجل - هذا في سفره - فماذا كان يفعل في حضره؟

حقيقتا كما قلت قس يعني الحضر علي السفر وأعلم ماذا سيكون حاله من جد واجتهاد في طاعة رب العزة، هذا في السفر، إذا صار نصف الليل نزل ثم بعد ذلك قام يناجي الله عز وجل قال ونحن نسمع نشيجه أي حرقة، حرقته وشدة بكاءه عندما يناجي ربه ويتلو كلام الله جل وعلا، لا إله إلا الله، حقيقتا هذا حاله ولذلك إخوتي الكرام علم مع عمل نتج من ذلك حكمة، وكان يقول رضي الله عنه وأرضاه كما في الحلية أيضا في المكان المتقدم صفحة ثمان وعشرين وثلاث مائة مخاطب نفسه عندما يمسك لسانه:" يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم ". لا إله إلا الله، ومن حكمته وبصيرته كان يتحدث عن أحوالنا ويصف زماننا، فاستمعوا إلي هذه الكلمة التي قالها وكأنه كان ينظر إلينا، إذا الغيب الذي وقع فينا في هذه الأيام من ستر رقيق، يقول كما في الحلية في المكان المشار المتقدم: " يأتي علي الناس زمان يعرج فيه بعقول الناس حتي لا تجد أحدا ذا عقل "، لا إله إلا الله، كأنه يعيش بيننا وعرف أحوالنا، يأتي علي الناس زمان يعرج فيه بعقول الناس حتي لا تجد أحدا ذا عقل، العقول ذهبت، وهذاالكلام إخوتي الكرام الذي قاله هذا الصحابي المبارك الهمام أخذه حقيقتا من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام. روي الإمام أحمد في المسند والحديث رواه الطبراني في معجمه الأوسط من رواية سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: " صحبنا رسول الله صلي اله عليه وسلم وكنا معه فسمعناه يقول إن بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام أخلاقهم بعرض من الدنيا قليل".

قال الحسن البصري: " لقد رأيناهم والله صور ولا عقول أجساما ولا أحلام فراش نار ((وذبان)) طمع يغدو أحدهم بدرهمين ويروح بدرهمين يبيع دينه بثمن ((العنت)) (1:11:17) " نسأل الله العافية والسلامة من سخطه ونسأله أن يثبتنا علي طاعته بفضله ورحمته، لقد رأيناهم والله صور ولا عقول، أجساما ولا أحلام فراش نار، يتهافتون علي الدنيا ويتهالكون عليها وذبان طمع، كيف يعني تقع في المربي والدبس والعسل عندما تراه، وبذلك هاتوها وموتها، فراش نار وذبان طمع، يغدو أحدهم بدرهمين ويروح بدرهمين يبيع أحدهم دينه بثمن ((العنت)) . والحديث إخوتي الكرام في إسناده مبارك بن فضاله، قال الهيثمي في المجمع وثقه جماعة وفيه لين وبقية رجاله رجال الصحيح، ومبارك حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه صدوق فحديثه لا ينزل علي درجة الحسن، وروي له البخاري في صحيحه تعليقا وحديثه في السنن الأربعة إلا سنن النسائي، وقد جزم الإمام الذهبي في السير في الجزء السابع صفحة أربع وثمانين ومائتين فقال " فهو حسن الحديث "، فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن والعلم عند الله جل وعلا، وهذا الحديث إخوتي الكرام حقيقتا يعني له شواهد كثيرة ويتحدث كما قلت عن واقعنا أن العقول ذهبت كما قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، تعرج فيه العقول، عقول الناس في ذلك الوقت حتي لا تري أحدا ذا عقل، وهنا كما أشار نبينا صلي الله عليه وسلم -لا إله إلا الله -.

روي الإمام أحمد في المسند أيضا والإمام ابن ماجه في السنن وإسناد الحديث صحيح من رواية سيدنا أبي موسي الأشعري رضي الله عنه وأرضاه قال: " سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول إن بين يدي الساعة لهرجا، وقال رجل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وما الهرج؟ قال: القتل، فقال بعض الصحابة الحاضرين رضوان الله عليهم أجمعين يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنا نقتل من المشركين في العام الواحد كذا وكذا يعني يقع قتل كثير، لكن من أعداء الله ((الجليل)) (1:13:44) نقتلهم وبين يدي الساعة هرج، قتل يقع القتل في هذه الأيام، قال: ليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضا حتي يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته "، استمع لكلام الصحابة الكرام، حقيقتا هذا أمر يعني يستدعي الاستغراب والعجب، قالوا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعنا عقولنا، يعني في ذلك الزمان من يكون يقتل جاره وابن عمه وذا قرابته عنده عقل كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، تعرج بعقول الناس في ذلك الزمان، تعرج عقولهم فلا تري أحدا ذا عقل ومعنا عقولنا فقال نبينا عليه الصلاة والسلام " لا تنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلفهم هباء من الناس لا عقول لهم "، هباء لاعقول لهم. كما قال سيدنا عبد الله بن عباس " يأتي علي الناس زمان يعرج فيه بعقول الناس حتي لا تري أحدا ذا عقل "، وهذه حقيقتا كما قلت أحوالنا وأوضاعنا التي نعيش فيها وإلي الله نشكو أحوالنا.

الحديث كما قلت إخوتي الكرام له شواهد كثيرة حديث النعمان بن بشير منها ما ثبت في المسند وصحيح مسلم وسنن الترمذي من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال: " بادروا بالأعمال فتن كقطع الليل المظلم " هذا بمعني حديث النعمان بن بشير تماما، بادروا بالأعمال فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي كافرا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل،،، هناك يبيع أقوام أخلاقهم، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، لا إله إلا الله. نعم إخوتي الكرام هذه أحوالنا، عرج في هذه الأيام بعقول الأنام، فلا تري ذا عقل وحقيقتا حالنا كما أشار إلي ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام كما في المسند والصحيحين وسنن الترمذي وغير ذلك من رواية سيدنا حذيفة بن اليمان في الحديث الطويل حتي يقال للرجل ما أظرفه وما أجلده وما أعقله وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، هذا زماننا، ما أظرفه ما أجلده ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة خردل من ايمان، وإن أردت أن تتحقق هذا ففتح وسائل الإعلام واسمع الثناء الذي يكال لأعداء الرحمن، ما أظرفه ما أجلده ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة خردل من ايمان، هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك تعرج بعقول الناس في ذلك الزمان يأتي عليهم زمان تعرج فيه بعقول الناس حتي لا تري ذا عقل، حقيقتا هذه أحوالنا التي نعيش فيها وإلي الله نشكو أمورنا.

إخوتي الكرام ختام الكلام وفاة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وما حصل له من كرامة عند موته رضي الله عنه وأرضاه، توفي كما قلت سنة ثمان وستين ودفن في الطائف رضي الله عنه وأرضاه وفداه أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا وهو في مكان ملاصق للمسجد الكبير أكبر مساجد الطائف مسجد سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وما أعلم أحد إذا ذهب منكم إلي حج أو إلي عمرة يمر بهذا الصحابي المبارك وبغيره من الصحابة الكرام الذين دفنوا في أمصار المسلمين يزورهم ويدعوا لهم ويقوموا بما يجب لهم علي المسلمين أم لا (( (أنا حقيقتا ما أعلمه)) ) يعني كم من إنسان يمر بالطائف ولا يخطر بباله أن يذهب ليؤدي الحق الواجب نحو هذا الصحابي الجليل، ولا أقول نذهب لنتمسح بقبر لا لا لكن يا عبد الله زيارة مشروعة وأنت إذا دخلت إلي ذلك المكان فمن حق هذا الصحابي عليك أن تزوره أن تدعوا له، هذا من حقه عليك كما لو كان حيا من حقه عليك أن تسلم عليه وهكذا هو في هذه البقعة المباركة التي دفن فيها، تذهب تسلم عليه تدعوا له، تسأل الله جل وعلا أن يجعل قبره نورا وأن يجزيه عن هذه الأمة خير الجزاء لما نشر فيها من علم نافع من تفسير كلام الله عز وجل ومن فقه، تقدم معنا جمع في عشرين مجلدا رضي الله عنه وأرضاه، هذا حقيقتا له حق علي الأمة.

لكن بلغني أن كثيرا من الناس في هذه البلاد يذهب ليحج ولا يزور المدينة المنورة علي منوريها صلوات الله وسلامه، وقال لي بعضهم إنه حج مرارا وما يعرف المدينة المنورة علي منورها صلوات الله وسلامه وما وصلها قلت يا أخي بينك وبين النبي عليه الصلاة والسلام جفوة أو خصومة أو ما هو الخبر أريد أن أعلم يعني ((أمان)) النبي عليه الصلاة والسلام حق علي أهل لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ((أمله)) حق علينا، يا عبد الله أمرنا أن نشد الرحل إلي الصلاة في مسجده عليه الصلاة والسلام ثم بعد ذلك تصلي وتسلم عليه عندما تذهب إلي ذلك المسجد المبارك. أما طول حياتك ما رأيت المدينة المنورة التي شع منها الإسلام وانتشر في أرجاء المعمورة، أمر عجيب حقيقتا ولعل بعضهم يذهب في السنة مرات يعني كما يقال هنا وهناك ثم في حياته ما زار المدينة المنورة علي منورها صلوات الله وسلامه وهكذا عندما يمر بالطائف يعني يذهب إلي عمرة أو حج، يا عبد الله اذهب صلي في هذا المسجد ثم بعد ذلك زر هذا الصحابي المبارك وادعوا له وقم بما يجب عليك نحوه وهكذا يعني الصحابة الآخرون رضوان الله عليهم أجمعين، هذا إخوتي الكرام لابد من وعيه، دفن في الطائف رضي الله عنه وأرضاه سنة ثمان وستين من هجرة نبينا الأمين علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وثبت عند موته له كرامة متواترة كما نص علي ذلك الإمام الذهبي.

وهذه الكرامة، لا إله إلا الله، رواها الحاكم في المستدرك، أنظروها في الجزء الثالث صفحة أربع وأربعين وخمس مائة وأبو نعيم في الحلية ورواه الطبراني في معجمه الكبير كما في المجمع في الجزء التاسع خمس وثمانين ومائتين بسند رجاله رجال الصحيح والأثر رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ ورواه الإمام الحسن ابن عرفه في جزئه المشهور وهو في غير ذلك من كتب الأثر عن سعيد بن جبير وغيره رضي الله عنهم أجمعين، قال: " لما مات سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما جاء طائر أبيض لن يري علي خلقته طائر يقول ما رأينا طائر علي خلقته وما رأينا بشكله من الطيور، جاء طائر أبيض لم يري علي خلقته، فدخل في أكفانه - أكفان سيدنا عبد الله بن عباس - رضي الله عنهم أجمعين، دخل في نعشه وفي أكفانه، يقول ثم ما رأيناه ولا خرج دخل وما خرج، يقول فلما وضع رضي الله عنه وأرضاه في القبر في لحده سمعوا من يتلوا قول الله عز وجل دون أن يرو أحدا، يعني ____ (1:22:27) يتكلم " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".

سمع هذا من شفير القبر كل من حضر دفنه ورأو ذلك الطائر الأبيض، جاء ودخل في نعشه بين أكفانه وهم ينظرون ثم ما طار ولا خرج وذلك هو عمله الصالح الذي سيكون معه وهكذا نور عينيه الذي ذهب من بصره عندما عمي في آخر حياته، لا إله إلا الله، وسبب ما حصل له من العمي لرؤيته جبريل علي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مرتين والآثار وارة إخوتي الكرام بذلك في معجم الطبراني الكبير بسند رجاله ثقات، أنظروها في المعجم في الجزء التاسع صفحة سبع وسبعين ومائتين وكما قلت إسناده الأثر رجاله ثقات، فأخبره نبينا عليه الصلاة والسلام عندما رأي جبريل يناجي نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام بأن بصره سيذهب وأنه سيؤتي علما والأثر رواه الحاكم في المستدرك لكن طريق الحاكم بإسناد الحاكم فيه ضعف وأنظروا الكلام علي ذلك إخوتي الكرام في البداية والنهاية في الجزء الثامن صفحة ثمان وتسعين ومائتين، فرجا نبينا عليه الصلاة والسلام أن يكون ما سيحل به في آخر حياته وأن يعود إليه ذلك عند وفاته، واقع الأمر طرأ عليه العمي قبل وفاته بقليل ثم قيل هذا الطائر عمله وقيل نور عينيه عاد إليه ودخل فيه والعلم عند الله جل وعلا والأثر كما قلت ثابت. قال الذهبي في السير في الجزء الثالث صفحة ثمان وخمسين وثلاث مائة " هذه قضية متواترة " ولما طرأ عليه ما طرأ من العمي في عينيه رضي الله عنه وأرضاه جاءه من يعالجون ويداوون بإخراج يعني هذا الماء الذي نزل في عينيه ثم قالوا له تمكث خمسة أيام لا تصلي، في رواية سبعة أيام، لا تصلي إلا إيماء (1:24:50)

فقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين عمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام كنا نتدارس مقدمة لعلم الفقه الشريف تقوم هذه المقدمة على أمرين اثنين كما ذكرت فى الموعظة السابقة الأمر الأول فى منزلة علم الفقه وفضله والأمر الثانى فى ترجمة موجزة لأئمتنا الفقهاء الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين الأمر الأول إخوتى الكرام قدمت له بمقدمة فى بيان منزلة العلم وفضله وبيان رتبة العالم ودرجته وانتهينا من هذا وسنشرع فى هذه الموعظة فى مدارسة منزلة علم الفقه وفضله إخوتى الكرام آخر شىء تدارسناه أن أمور الدين تقوم على خمسة أمور يجمعها خمسة أمور: أولها العقائد والآداب وقلت لا دخل لنا فيهما فى موضوع علم الفقه فى علم الفقه وبقيت معنا ثلاثة أمور من خمسة العبادات والمعاملات والعقوبات هذه الأمور الخمسة إخوتى الكرام عليها يدور ويقوم الإسلام وبها هدى الله عباده للتى هى أقوم فى جميع شئون هذه الحياة نسأل الله أن يمن علينا بالإلتزام بشرعه وأن يقبلنا من الصالحين من عباده إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين إخوتى الكرام أما فى هذه الموعظة كما قلت سنتدارس منزلة علم الفقه وبيان منزلة هذا العلم فى العلوم الشرعية ستكون دراستنا لهذا الأمر ضمن أمرين اثنين: الأمر الأول سنتدارسه فى هذه الموعظة إن شاء الله فى بيان معنى الفقه ومنزلته

والأمر الثانى مرتبط به وهو ضرورى فى بيان الفروق الحقيقية بين الشريعة الربانية والقوانين الوضيعة الوضعية هذه إخوتى الكرام لا بد من بيانها أيضا الفروق المعتبرة بين شريعة الله المطهرة وبين القوانين الوضيعة الوضعية التى شرعها الكفرة الفجرة هذا الأمر الثانى أترك الكلام عليه إن شاء الله إلى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه أما فى هذه الموعظة كما قلت سنتدارس معنى علم الفقه لفظ العلم إخوتى الكرام تقدم معنا بيان منزلة العلم وفضلة ورتبة العالم ودرجته وما عرفت معنى العلم فى لغة العرب ما معناه وعلى أى شىء يدل وما معنى العلم فى الاصطلاح عند أئمتنا الكرام ونحن الآن مضطرون لتعريفه لأن علم الفقه لا يمكن أن يعرف هذا العلَم المركب إلا بعد معرفة مفرديه عندنا علم مضاف, الفقه مضاف إليه والأصل أن نبدأ فى تعريف المضاف إليه لأن المضاف لا يعرف إلا بعد معرفة المضاف إليه ولا مانع أن يبدأ بالمضاف لأنه سبق فى الذكر والأمر يسير أبدأ به لأن لفظ العلم تقدم معنا كما قلت فى الموعظة الماضية العلم إخوتى الكرام يطلق فى لغة العرب على معنيين اثنين: المعنى الأول على الاعتقاد الجازم إذاً يقين قطع ومنه قول الله جل وعلا {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم} [محمد/19] فاعلم المراد من العلم هنا الاعتقاد الجازم القطعى الذى لا تردد فيه بوجه من الوجوه والعقائد يطلب فيها اليقين والقطع (فاعلم أنه لا إله إلا الله) لو كان يعلم صحة هذه القضية بالمائة تسعة وتسعين وهو يشك فى واحد من مائة فى وجود رب العالمين سبحانه وتعالى أو فى استحقاقه للعبادة أو باتصافه بكل كمال وتنزه عن كل نقصان واحد فقط يشك بالمائة أو لا يشك يظن ما صح اعتقاده إلا أن يجزم جزما قاطعا

إخوتى الكرام الاعتقاد الجازم له حالتان إما أن يكون حقا كاعتقاد المؤمنين لرب العالمين, اعتقاد حق وضابطه اعتقاد جازم طابق الواقع عن دليل يدل عليه طابق الواقع لقيام الدليل الذى يدل على ذلك فهذه اعتقاد حق قولنا الله جل وعلا خالق كل شىء رب العالمين لا إله غيره ولا رب سواه سبحانه وتعالى هذا اعتقاد جازم يطابق الواقع يطابق حقيقة الألوهية عن أدلة وبراهين تدل على هذه القضية فهذا اعتقاد جازم حق وصدق وهناك اعتقاد جازم لكنه خرافة وباطل سبحان الله اعتقاد جازم وباطل نعم كاعتقاد النصارى بأن الله ثلاثة الأب والابن والروح القدس وتقدم معنا أن هذا الأمر هو أحد ضلالاتهم العشرة التى ضلوا بها وكفروا بها منها قولهم بالتثليث وتقدم معنا كيف تم توحيد ديانتهم من التوحيد إلى التثليث على مرحلتين اثنتين: المرحلة الأولى كما تقدم معنا عن طريق الخديعة والمكر من قِبل اللعين بولس الذى كان يهوديا وتنصر ظاهرا ليكيد للنصرانية باسمها والأمر الثانى عن طريق القوة أيضا الحسية عن طريق الملك قسطنطين فهنا خديعة ماكرة وهناك قوة قاهرة واجتمع الأمران لتحويل النصرانية من التوحيد إلى التثليث إخوتى الكرام إذا كان أحد منكم فى مجالس العلم فيسن له ألا يتشاغل بشىء لا بسواك ولا بيد ولا بنظر ولا بشىء من الأشياء لأن حضور مجالس العلم يتطلب الخشوع وأى حركة من الجالس تؤثر على المتكلم المتحدث فمن يعنى فرغ نفسه وخشع للحضور فبها ونعمت وإلا خروجه أنفع له ولغيره لأنه يشوش دينى حقيقة وكل شىء يوضع فى موضعه وأعط كل ذى حق حقه السواك له وقت ولو تسوكت فى الصلاة أثمت كل شىء يوضع فى موضعه, من يجلس الإنسان فى حلق العلم يتسوك أو يعنى يعبث بغطرته بعمته بلحيته هذا كله لا بنبغى فلا بد من الخشوع فى مجالس الذكر وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من الخاشين الخاشعين لرب العالمين أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين

إذا قد يكون الاعتقاد جازما وهو باطل خرافة كاعتقاد النصارى بأن الله ثالث ثلاثة بأن الإله ثلاثة الأب والابن والروح القدس ويقولون الثلاثة إله واحد الواحد ثلاثة والثلاثة واحد ويعنى قسسهم فى هذه الأيام يلعبون على الأذهان التى هى كأذهان الصبيان يأتى يقول له هذا الثوب هذا واحد وهذا اثنين وهذه ثلاثة هذه ثلاث طيات اعمل هكذا صارت واحد هى ثلاثة وهى واحد وهكذا رب العالمين ثلاثة وهو واحد عيسى والله جل وعلا ومريم هؤلاء الثلاثة واحد يا إخوتى الكرام أنتم بأى لغة تتكلمون بأى لغة ولا لغة الحيوانات تقبل هذا فكيف بعد ذلك تخادعون عقول المخلوقات وقد أشار الله جل وعلا فى كتابه بأوجز عبارة وألطف إشارة إلى بطلان ألوهية عيسى وأمه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه فقال جل وعلا فى سورة المائدة {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} [المائدة/75] كلمة كانا يأكلان الطعام هذه للرد على النصارى اللئام فإذا كان عيسى وأمه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه إذا كان عيسى وأمه محتاجَين إلى الطعام كيف يصلح أن يكون كل منهما إلها وأخص صفة فى الإله كما تقدم معنا الغنى والقيام بالنفس وأخص صفة فى المخلوق الفقر والاحتياج إلى الغير فالعالم من عرشه إلى فرشه فقير إلى الله جل وعلا ولا يوجد غنى إلا ربنا القوى سبحانه وتعالى هو الغنى عن العالمين {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} [فاطر/15]

فإذا منع الطعام عن عيسى وأمه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه ماتا ثم هناك إشارة أخرى كما قلت بألطف عبارة بأوجز عبارة وألطف إشارة هناك دلالة ثانية الذى يأكل الطعام يحتاج إلى الحمام لكن الله كريم يكنى عن الأمور المستهجنة بما يدل عليها كا نا يأكلان الطعام ويذهبان إلى الحمام فإذا هما فقيران إن منع عنهما الطعام ماتا وإذا احتبس الطعام فى بطنهما ماتا هل يصلح أن يكون واحد منهما إلها؟ لا إذاً اعتقاد جازم لكنه لم يطابق الواقع لعدم وجود دليل يدل على ذلك بل الدليل يدل على خلاف هذه القضية فمن بحث فى واقع نبى الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وفى واقع أمه الصديقة المباركة سيدتنا مريم رضى الله عنها وعن سائر الصديقين والصديقات عَلِم عِلْم اليقين أنهما عبدان لرب العالمين {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} لذلك لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله وأول كلمة قالها {إنى عبد الله آتنى الكتاب وجعلنى نبيا *وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا* وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا* (على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه) والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} الاحتياج من صفة المخلوق والفقر من صفة المخلوق وكما قلت مرارا أخص وصف فى الخالق الغى وأخص وصف فى المخلوق الفقر والفقر لى وصف ذات لازم أبدا كما الغنى أبدا وصف له ذات وهذه الحال حال الخلق أجمعهم وكلهم عنده عبد له آتِ فمن بغى مطلبا من غير خالقه فهو الظلوم الجهول المشرك العاتى

وتقدم معنا أن هذه الأبيات من كلام شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية وهى آخر شىء نظمه وقاله قبل لقاء ربه بفترة قليلة والأبيات موجودة فى قصيدة تزيد على العشرة أبيات كما قلت فى مدارج السالكين فى آخر الجزء الأول فى حدود صفحة خمس وعشرين وخمسمائة فى آخر الجزء الأول ذكرتها مرارا فى المواعظ الماضية إذا عيسى وأمه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه محتاجان والمحتاج لا يصلح أن يكون إلها فاعتقاد النصارى فيهما اعتقاد باطل ما طابق الواقع لعدم وجود دليل يدل عليه ذكر أئمتنا الكرام فى ترجمة العبد الصالح محمد ابن السماك وهو محمد ابن صبيح بفتح الصاد ابن السماك أبو العباس توفى سنة ثلاث وثمانين ومائة ولم يرو له شىء فى الكتب الستة وترجمه الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية فى حوادث سنة ثلاث وثمانين ومائة فى الجزء العاشر صفحة خمس عشرة ومائتين وانظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء الثامن صفحة ثمان وعشرين وثلاثمائة ونعته بأنه الزاهد القدوة سيد الوعاظ يقول كما فى المصدر الأول فى البداية والنهاية كان فى مجلس أمير المؤمنين هارون الرشيد على جميع المؤمنين رحمة رب العالمين فدعا هارون الرشيد بقلة فيها ماء مبرد وهذا كان يعنى أعلى ما يتمكن منه الخليفة فى ذلك الأيام إن أراد أن يشرب الماء يعنى لا ثلاجات وثلج كما هو فى هذه الأيام إنما قلة تبرد الماء وإذا أراد أن يسافر من العراق إلى مكة المكرمة على الدواب وهذا الغنى والفقير على رجليه دعا بقلة فيها ماء مبرد وأراد أن يشرب فقال محمد ابن السماك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يا أمير المؤمنين لا تشرب قال ولمَ؟ قال حتى أسألك قال سل قال إن مُنع عنك هذا الكوز من الماء فى هذه اليوم القائظ الحار فكم تدفع ثمنا له؟ قال ادفع نصف ملكى وهو يقول هذا فى حال الاختيار أما فى حال الاضطرار يدفع ملكه كله من أجل شربة ماء

قال اشرب فبعد أن شرب فقال يا أمير المؤمنين إذا احتبس هذا الماء فى بطنك وما استطعت أن تخرجه كم تدفع ثمنا لإخراجه؟ قال ادفع نصف ملكى الآخر قال يا أمير المؤمنين إن ملكا لا يسوى بولة لا يبنبغى أن ينافس الإنسان فيه يعنى ملكك من أوله لآخره لا يسوى بولة ثمن بولة تشرب شربة الماء ثم تخرجها تقول ادفع نصف ملكى ثمن شربة الماء ثم ادفع النصف الآخر لإخراج هذه الشربة التى استقرت فى بطنى إذا ما خرجت تقتل الإنسان {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وهذه نعمة الله علينا الماء فكيف بالهواء وتقدم معنا لو كان الهواء يحتاج إلى كلفة منا أو ثمن لمات أكثر المخلوقات الهواء وهو أعظم من الماء بكثير {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} إخوتى الكرام هذا العبد الصالح القانت كما قال عنه الإمام الذهبى سيد الوعاظ حقيقة له كلام فى الوعظ عجيب منه ما يتعلق بموضوعنا فى أمر العلم كان يقول عليه رحمة الله كما فى السير كم شىء إذا لم ينفع لم يضر أشياء كثيرة إذا لم تنفع لا تضر يقول لكن العلم إذا لم ينفع ضر فأنت نحو العلم إما أن تنتفع وإما أن تتضرر لأن القرآن حجة لك أو عليك العلم إذا لم ينفع ضر وهذا الكلام إخوتى الكرام مأثور عن العبد الصالح أبى محمد سفيان ابن عيينة وقد توفى سنة ثمان وتسعين ومائة يعنى بعد محمد ابن السماك كلا سفيان ابن عيينة فى كتاب اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه فى صفحة خمس وخمسين يقول سفيان ابن عيينة العلم إذا لم ينفع ضر قال الخطيب فى توجيه هذا الكلام قلت إذا لم ينفع بأن لم يعمل به ضر كيف يكون؟ يكون بكونه حجة عليه توجيه هذا الكلام العلم إذا لم ينفع أى لم يعمل به ضر صار العلم حجة عليه العلم إذا لم ينفع ضر ومن كلام العبد الصالح أيضا محمد ابن السماك ويتعلق أيضا يعنى بطلبنا لنبتعد عن البطالة والجهالة يقول عليه رحمة الله (همة العاقل النجاة والهرب)

همه أن يهرب من سخط الله وأن ينجى نفسه من غضب الله هذه همة العاقل النجاة والهرب وهمة الأحمق اللهو والطرب همه أن يلهو وأن يغنى وأن يستمع الغناء همة الأحمق اللهو والطرب وهمة العاقل النجاة والهرب وكان يقول عليه رحمة الله (الدنيا كلها قليل وهى لا تعدل عند ربنا الجليل جناح بعوضة الدنيا كلها قليل والذى بقى منها قليل والذى لك من الباقى قليل ولم يبق من قليلك إلا القليل أصبحت يا ابن آدم فى دار العزاء وعما قليل ستنتقل إلى دار الجزاء فاشترى نفسك لعلك تنجو) الدنيا كلها قليل وما بقى منها إلا القليل وليس لك من القليل الباقى إلا القليل ولم يبق من قليلك إلا القليل هذه دار العزاء وعما قليل سنذهب إلى دار الجزاء ونسأل الله حسن الخاتمة فاشترى نفسك لعلك تنجو هذا المعنى الأول إخوتى الكرام للفظ العلم اعتقاد جازم إن طابق الواقع الوجودى دليل يدل عليه فهو حق وإن لم يطابق الواقع لعدم وجود دليل يدل عليه فهو باطل مع أنه اعتقاد جازم لكنه باطل المعنى الثانى الذى يأتى إليه العلم كما قلت فى لغة العرب وهو مستعمل فى كلام الرب سبحانه وتعالى يأتى بمعنى غلبة الظن ومنه قول الله جل وعلا فى سورة الممتحنة {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم} [الممتحنة/10]

إخوتى الكرام هذه الآية هى فى سورة الممتحنة فى سورة الامتحان نزلت هذه الآية عقب حادثة شهيرة وهى صلح الحديبية وقد تم الاتفاق فيها بين نبينا عليه الصلاة والسلام وبين مشركى مكة على وضع الحرب عشرة سنين وعلى أن من جاء من المشركين إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فى هذه الفترة يرده إلى مكة وأن من جاء من المؤمنين مرتدا إلى المشركين لا يردونه إلى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذا إخوتى الكرام له حِكم وأسرار أما من آمن وإن رد يدافع عن نفسه وعما قريب سيجعل الله له فرجا ومخرجا وأما من كفر منا فلا خير فيه ولا نريد رؤية وجهه هذه الشروط التى تم لاتفاق عليها ما نص فيها على النساء وحقيقة النساء يختلفن عن الرجال المرأة كما يقال يعنى جناح مقصوص لا يمكن أن تطير ولا يمكن أن تدافع عن نفسها كحال الرجل فلا بد أن يشرع لها حكم يتناسب مع ضعفها فإذا آمنت وهاجرت هل نردها كما يرد الرجال يا إخوتى هذه تفتن عن دينها ويهتك عرضها فلا بد إذا البحث فى حالها فالله جل وعلا هو رب العالمين رب الموحدين ورب المشركين فصل فى هذه القضية قال هذه ما جرى الاتفاق عليها حكمى فى هذه القضية وأن رب الخلق سبحانه وتعالى أن المهاجرات من المؤمنات يمتحن فإذا ثبت عندنا إيمانهن علمنا إيمانهن لا يجوز أن نردهن إلى الكفار

الرجل إخوتى الكرام ينبغى أن يخدم المرأة وأن يدافع عليها عرضا يصان فكيف بعد ذلك يعنى نمكن منها الكافرين اللئام فهاجر مؤمنات فأنزل الله هذه الآيات (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن) اختبروهن ماذا نقول نستحلفها بالله أنها هاجرت حبا لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام وإيما نا بالله وبرسوله عليه الصلاة والسلام ما هاجرت من أجل بغض زوج ولا طلبا لدنيا ولا كراهية لأرض ورغبة فى أرض أخرى لمَ هاجرت؟ تقول آمنت وهؤلاء كفار سيفتنونى عن دينى فلجأت إلى نبيى وإلى المؤمنين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إذا كان كذلك لا يجوز أن نردهن استمع عندنا لفظ العلم كرر مرتين فى الآية (الله أعلم بإيمانهن) غلبة ظن أو قطع؟ قطع قطعا لا يتصور فى علم الله جل وعلا وهم وخطأ وظن واضح هذا علم يعنى عام أزلى محيط بكل شىء إذا هنا علم قطعى (إن علمتموهن مؤمنات) علمتوهن هذا العلم إخوتى الكرام علم قطع أو غلبة ظن؟ غلبة ظن قطعا وجزما لمَ؟ لأن ما فى القلب لا يعلمه إلا الرب

أعظم أركان الإيمان الاعتقاد بالجنان وما فى الجنان لا يتطلع عليه إلا الرحمن ,هى ممكن أنها أبغضت زوجها وهاجرت من أجل فراق الزوج ممكن ,ممكن أنها هاجرت لتتزوج وإن لم تكن مزوجة ممكن أنها كرهت أرضها تريد أرضا أخرى, ممكن أنها هاجرت لأمر من الأمور لا يعلم هذا إلا العزيز الغفور سبحانه وتعالى لكن نحن لنا الظاهر إذا ثبت عندنا علمنا أنها هاجرت حبا فى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام لا يجوز أن نردها {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن} هو الذى يعنى يعلم كل شىء وهل هذه آمنت حقيقة وهاجرت من أجل الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أو هاجرت من أجل عرض الدنيا مرد ذلك إلى الله وسيؤول العباد إليه ليوفى كلا بما يستحق لكن أنتم (الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) كما قلت علمتموهن غلب على ظنكم إيمانهن قال الإمام النسفى فى تفسيره عند تفسير هذه الآية فى الطبعة التى عندى فى الجزء الخامس صفحة ثمان وثمانين المراد من العلم هنا (فإن علمتموهن مؤمنات) هو الظن الغالب بظهور الأمارات بظهور العلامات وهذا قرره المفسرون قاطبة قال وتسمية الظن علما يؤذن بأن الظن وما يفضى إليه القياس جار مجرى العلم وصاحبه لا يدخل فى قول الله جل وعلا {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء/36] تسمية الظن علما لأنه علمتموهن أى كما قلت غلب على ظنكم ولذلك يقول هنا علمتموهن هو الظن الغالب بظهور أمارات علامات عندما تحلف أنها ما هاجرت إلا من أجل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفى تسمية الظن علما إيذان بأن الظن وما يفضى إليه القياس جار مجرى العلم وصاحبه لا يدخل فى قول الله جل وعلا {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} وأكثر إخوتى الكرام الأمور العملية أكثرها مبنية على غلبة ظن

عندما يقضى القاضى بقص الرقبة وقطعها لوجود شاهدين على أن فلانا قتل فلانا هذه الشهادة قطعية؟ خبر الإثنين قطعى أو غلبة ظن؟ غلبة ظن, ممكن أنهما تواطئا على الكذب ممكن ,ممكن هذا يعنى هو خبر ما دون العشرة لا يفيد القطع بل خبر العشرة والعشرين والمائة والمئات إذا كانت العادة لا تحيل تواطئهم على الكذب لا يفيد القطع لو شهد ألف لكنهم من قبيلة واحدة واضح هذا العادة قل ممكن أن يتواطؤا على الكذب لكن عندما عشرة من جهات مختلفة ما بينهم رابط يربطهم لأمر دنيوى أما أنهم أسرة واحدة قبيلة واحدة أهل محلة واحدة ممكن أن يتواطؤا على الكذب العادة لا تحيل تواطئهم على الكذب فلو اجتمع مائة أو ألف والعادة لا تحيل تواطئهم على الكذب لا يكون خبرهم قطعيا فشهادة الإثنين من باب أولى سواء العادة تحيل أو لا تحيل واضح هذا يعنى سواء بينهما فى الأصل اتفاق ويمكن التواطؤ أو لا كل واحد من جهة خبر الإثنين لا يفيد القطع فحكم القاضى بقص الرقبة لوجود شاهدين لوجود شهادة شاهدين هذا غلبة ظن وهذا كاف كما قلت فى الأحكام العملية وسيؤول العباد بعد ذلك إلى رب البرية ليجد كل واحد جزائه حسب ما يستحق {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة/6-7] فإن علمتوهن مؤمنات كما قلت أن المراد من العلم هنا غلبة الظن هذا معنى العلم فى اللغة اعتقاد جازم حق أو باطل والمعنى الثانى بمعنى غلبة الظن ما معنى العلم فى الاصطلاح عند أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين؟ قالوا العلم هو صفة انكشاف يظهر بها المطلوب على ما هو عليه ,صفة انكشاف هذه الصفة تظهر المطلوب على ما هو عليه, يتضح لك عندما تعلم أن هذا رجل هذه العين انكشفت لك حقيقته وعندما تعلم بعد ذلك أركان الصلاة كيفية الصلاة انكشفت لك حقيقة الصلاة صفة ينكشف بها المطلوب على ما هو عليه هذا معنى كما قلت فى الاصطلاح

وهذا التعريف إخوتى الكرام هو أسد ما قيل فى بيان العلم من أقوال كثيرة انظروها إن شئتم فى إرشاد الفحول للإمام الشوكانى فى صفحة أربعة إلى تحيق الحق من علم الأصول وقيل العلم هو إدراك الشىء على ما هو عليه إدراك الشىء بجملته لكن كما قلت صفة ينكشف بها المطلوب على ما هو عليه هذا معنى العلم وأما الفقه, الفقه معناه فى اللغة الفهم والذى يظهر والعلم عند الله أنه فهم دقيق فهم مستنير فهم معه تأمل وتدقيق قال الإمام الفيروز آبادى فى بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز فى الجزء الرابع صفحة ثلاثين ومائتين الفقه هو العلم بالشىء والفهم له والفطنة, علم وفهم وفطنة إذا جتمعت يقال لمن حصل فيه ذلك إنه فقيه, علم فهم وفطنة قال وغَلب يعنى لفظ الفقه على علم الدين لشرفه ولكن أن تقول غُلب أى ذلك اللفظ على علم الدين فى الإطلاق لشرفه الذى هو الفقه الفقه إذاً الفهم علم وفهم وفطنة فهم كما قلت معه تدقيق تأمل علم معه فطنة معه وعى يقال له فقه وأئمتنا فى كتب الفقه يعنى ذكروا شيئا من اللطائف فى ضبط كلمة فَقِهَ فَقَهَ فَقُهَ بالكسر والفتح والضم كما فى رد المحتار على الدر المختار فى الجزء الأول صفحة ست وثلاثين قال فقِه بالكسر إذا فهم وفقَه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقُه إذا صار الفقه له سجية وملكة وصار فقيها فقِه فهم فقَه سبق غيره إلى الفهم يقال بالضم إذا صار الفقه له سجية وملكة وطبيعة فقُه فقِه فقَه فقٌه

وهذا المعنى إخوتى الكرام أى استعمال الفقه بمعنى الفهم, بمعنى الفهم الدقيق, بمعنى العلم والفهم والفطنة استعمل فى آيات كثيرة من كلام الله عز وجل منها قول الله جل وعلا فى سورة النساء {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا * ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} [النساء/78-79] (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) الحسنة إخوتى الكرام المراد مهنا هنا الحسنة الدنيوية وهى الصحة والنعمة والعافية والخيرات من الغيث والبركات من مطر وخروج زرع وما شاكل هذا (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) والآية نازلة فى اليهود وفى المنافقين الذين كانوا يساكنون النبى الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه إذا أصيبوا بخير قالوا قدوم النبى عليه الصلاة والسلام بركة علينا فالسماء أمطرت والأرض أنبتت والخيرات كثرت يقولون قدومه بركة وإذا نزل بهم ضر يقول هذا بشؤم محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله) ولما جاءنا هذا الرجل عليه صلوات الله وسلامه الله أنعم علينا (وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) بسببك (قل كل من عند الله) هو المقدر والمدبر وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) انتبه ما نفى عنهم صفة الفقه إنما مقاربة الفقه يعنى هؤلاء بينهم وبين مقاربة الفقه درجات

أما الفقه هذا لا يوصفون به فى وقت من الأوقات لا يكادون يفقهون وهذا أعظم من قولك لا يفقهون نفى عنهم مقاربة حصول الفقه لهم لا نفى حصول الفقه لهم فما لهؤلاء القوم لا يفقهون حديثا ما ولا يعون قضية ما ثم قرر ربنا جل وعلا الاعتقاد الحق فقال (ما أصابك من حسنة فمن الله) فالنعم منه سبحانه وتعالى وهو مسديها والمتفضل بها (وما أصابك من سيئة) حقيقة فمن نفسك (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وأنت الذى تسببت فى ذلك {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} وما وقعت عقوبة إلا بذنب ولا ترفع إلا بتوبة {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} هذا لا يقرر ما تقدم لا هناك (قل كل من عند الله) وهنا كذلك لكن الله جل وعلا هو المقدر وهناك كما يقال سبب بعد ذلك يعنى عادى وهو الإنسان الذى تسبب فى هذا {وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا} الشاهد إخوتى الكرام (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) الآية الثانية فى سورة الأعراف وفيها يقول الله جل وعلا {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} [الأعراف/179] (لهم قلوب لا يفقهون بها) لا يعلمون علما مع فهم وفطنة فلا يهتدون إلى الرشد والصواب (لهم قلوب لا يفقهون بها) والآية الثالثة إخوتى الكرام فى سورة الأنفال وفيها يقول ذى العزة والجلال {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} [الأنفال/65]

لا يفقهون القليل منا يقابل الكثير لمَ لأنهم لا يفقهون لأنهم لا يقاتلون فى الأصل من أجل غاية معتبرة وهى الجهاد فى سبيل الله لينالوا رضوان الله وهم عندما يقاتلون فى سبيل الطاغوت لا يضعون فى حسابهم حسبانهم إلا الأمور الحسية والمادية وأما بعد ذلك لطف رب البرية فهذا ليس على اعتبارهم وليس فى أذهانهم وأما نحن فنرجو نصر الله ونؤمل رحمة الله ونطمع بالشهادة ونحصل الخيرات فى جميع الجهات عندما نقاتل ولذلك هنا يقول الله جل وعلا (وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) هذ الفقه عن الله جل وعلا وهو أن الله جل وعلا ينصر جنده ويؤيد الصادقين من عباده {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} الآية الرابعة إخوتى الكرام فى سورة نبى الله هود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز} [هود/91] علم مع فهم وفطنة والآية الخامسة فى سورة الإسراء فيها يقول رب الأرض والسماء سبحانه وتعالى {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} [الإسراء/44] لا تفقهون والسبب فى ذلك أننا لا نسمع صوت الجمادات والمخلوقات والتى نسمع صوتها من العجماوات يختلف عن صوتنا فلا نعلم ما تريد لكنها تسبح الله جل وعلا (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) وهكذا قول الله جل وعلا فى سورة طه مخبرا عن نبيه وكليمه موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أنه قال {قال رب اشرح لي صدري* ويسر لي أمري* واحلل عقدة من لساني *يفقهوا قولي} [طه/25-28] وفى سورة الحشر يقول الله عز وجل {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} [الحشر/13]

والآية الأخيرة التى سأذكرها فى سورة المنافقون فى أولها وفى وسطها ,فى أولها الآية الثالثة (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) وفى آخرها يقول الله جل وعلا {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون} [المنافقون/7] يظنون أنهم إذا منعوا النفقة والمساعدة للمحتاجين من الصحابة الكرام الطيبين يعنى أن أولئك سيتضررون ,لا خزائن الله ملأى سبحانه وتعالى (ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون) والآيات إخوتى الكرام فى ذلك كثيرة وفيرة ومن استعمال لفظ الفقه بمعنى الفهم ويعنى طلب الفهم الدقيق علم مع فهم وفطنة ما ثبت فى صحيح البخارى معلقا عن أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها والأثر وصله الإمام أحمد فى المسند والإمام مسلم فى صحيحه وهكذا الإمامان المباركان أبو داود وابن ماجة فى السنن وكما قلت هو معلق بصيغة الجزم فى صحيح البخارى فى كتاب العلم باب الحياء فى العلم ووصل الأثر فى الكتب التى ذكرتها فى المسند وصحيح مسلم وسنن أبى داود وابن ماجة والبخارى أورده معلقا بصيغة الجزم باب الحياء فى العلم فقال قال مجاهد (لا يتعلم العلم مستحى ولا مستكبر) وقالت عائشة رضى الله عنها وأرضاها أمنا الصديقة المباركة (نعم النساء نصاء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين) والمراد من التفقه هو التفهم الواعى المستنير الدقيق بحيث تنجلى الصورة للإنسان على وجه التمام (نعم النساء نصاء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين) وأمنا الصديقة المباركة رضى الله عنها وأرضاها قالت هذا عقيب سؤال وقع من أنصارية وهى المباركة السيدة أسماء بنت يزيد رضى الله عنها وأرضاها كما فى المسند وصحيح مسلم وسنن أبى داود وابن ماجة أوليس كذلك

جاءت أسماء بنت يزيد إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فقالت يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه كيف أتطهر من المحيض قال خذى فرصة من مسك فتطهرى بها قالت كيف أتطهر قال تطهرى قالت كيف أتطهر يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال سبحان الله تطهرى قالت أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها فاجتذبتها إلى وقلت لها تتبعى بها أثر الدم والفرصة إخوتى الكرام القطعة من القطن أو الصوف أو القماش قطعة يوضع عليها شىء من المسك قطعة ممسكة يستحب للمرأة أن يعنى تفعل هذا عقيب غسلها من المحيض لأن الدم الذى يخرج أيام الحيض دم منتن له رائحة كريهة ولا سيما فى العصر الأول يعنى ماء قليل فالمرأة يعنى لا يمكنها أن تصب الماء الكثير من أجل يعنى التطهر الكامل يضاف إلى هذا يعنى قد يكون عند الإنسان شىء من الحاجة والفقر فلا يكون عنده شىء من 000 يعنى المواد المطيبة فالنبى عليه الصلاة والسلام يقول المرأة إذا تطهرت تأخذ شيئا قليلا من المسك تضعه على قطنة على قطعة قماش على قطعةصوف تمسح ذلك المكان الذى أصابه الدم من أجل أن تستأصل الروائح وتكون على وجه التمام فهى تقول كيف سأفعل أين أضع هذا قال سبحان الله تطهرى, النساء أدرى يعنى بذلك من الرجال ولا يسمح المقام بكلام أكثر من هذا بين الرجل والمرأة أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت لها تتبعى بها أثر الدم خذى فرصة وفى بعض روايات أبى داود خذى قرصة بالقاف قرصة وهى التى تكون بين أصبعين قرصه يقرصه بأصبعيه كأنه يريد أن يقول خذى شيئا قليلا من المسك بمقدار ما يعلق بين الأصبعين كالقرصة اليسيرة يعنى قليل من المسك من أجل إزالة تلك الروائح الكريهة خذى فرصة من مسك خذى قرصة من مسك فتطهرى بها فقالت أمنا عائشة بعد ذلك (نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين)

والمراد من الحياء هنا إخوتى الكرام الحياء الطبيعى ليس الحياء الشرعى فالحياء الشرعى يجب على الإنسان أن يحافظ عليه فى جميع الأوقات إنما الحياء الطبيعى وهو الذى يقال له الخجل أحيانا من خوف ما يعاب به الإنسان على حسب أعراف الأنام يعنى امرأة تسأل الرجال لا سيما عن هذا الأمر هذا كما قلت فى الطبيعة البشرية يعنى غير محمود فقد المرأة تستحى من ذلك (ونعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين) هذا إخوتى الكرام فى بيان معنى الفقه فى اللغة واضح هذا حسب ما استعمل فى القرآن وفى السنة وأما معنى الفقه فى الاصطلاح فهو العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية , العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أى شىء من أدلتها التفصيلية العلم ما الذى يراد به الجازم أو غلبة الظن؟ غلبة الظن العلم بالأحكام الشرعية خرج معنا الأحكام العقلية ككون الواحد نصف الإثنين ما لنا علاقة بهذا وخرج معنا الأحكام الحسية ككون مثلا الثلج باردا والنارة حارة وما شاكل هذا , هذه أحكام ما لنا علاقة بها فى الفقه وخرج معنا الأحكام العادية كتوقع الناس نزول المطر عند حصول الغيوم وتلبد السماء بالغيوم هذه أحكام عادية أحكام عقلية أحكام حسية أحكام عادية لا دخل لنا بها فى علم الفقه العلم بالأحكام الشرعية انتبه التى طريقها الاجتهاد خرج معنا ما يُعلم ضرورة من الدين بحيث لا يجهله أحد من المكلفين هذا أيضا لا يبحث فى كتب الفقه ككون الزنا حراما إنما يبحث عندنا عقوبة الزنا إنه حرام هذا معلوم من الدين بالضرورة وهذا النصوص قطعية فيه لا يحتاج إلى اجتهاد وهكذا ككون الصلاة فريضة وواجبا

إذاً العلم بالأحكام الشرعية العملية التى طريقها الاجتهاد فيها مجال للاجتهاد من أدلتها التفصيلية من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والإجماع والقياس أن تلحق النظير بنظيره ما لم ينص عليه على مانص عليه لاستوائهما فى العلة من أدلتها التفصيلية هذا هو إخوتى الكرام علم الفقه وهذا التعريف هو أسد ما قيل فى بيان حد علم الفقه العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية هذا أسد ما قيل فى تعريف علم الفقه وقيل غير ذلك قيل علم الفقه هو جملة من العلوم يعلم بالاضطرار أنها من دين الحى القيوم يعنى عندما تبحث فى العبادات فى المعاملات فى العقوبات نعلم أن هذه أحكام شرعيات ,جملة من العلوم يعلم بالاضطرار أنها من دين الحى القيوم لكن التعريف كما ترون هنا فيه شىء من العموم واضح هذا يعنى أدخل معنا الأحكام العملية التى طريقها الاجتهاد كما أدخل معنا العقائد الإسلامية كما أدخل معنا الأخلاق والآداب كلها دخلت فى هذا التعريف جملة من العلوم يعلم بالاضطرار أنها من دين الحى القيوم هذا شامل لعلوم العقائد لعلوم الآداب مثل علم الفقه وقيل أيضا علم الفقه هو معرفة النفس ما لها وما عليها عملا ,ما الذى لها وما الذى يجب عليها من طريق العمل لا من طريق الاعتقاد وقيل علم الفقه هو العلم الحاصل بجملة من الأحكام الشرعية الفروعية بالنظر والاستدلال , تعريفات إخوتى الكرام كما قلت أسدها وأدقها أولها وانظروا أيضا إرشاد الفحول فى مقدمته وبدايته فى صفحة ثلاثة

وبذلك يختلف علم الفقه عن علم أصول الفقه ,أصول الفقه هذا قواعده علم الفقه قواعد فعلم أصول الفقه ضابطه وتعريفه كما قال أئمتنا علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الأجمالية وطرق الاستفادة منها وحال المستفيد وهذا يختلف عن كما قلت تعريف علم الفقه ,يبحث عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية, علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية انتبه الأمر يفيد الوجوب النهى يفيد التحريم القياس حجة الإجماع حجة هذا يبحث فى أصول الفقه الأمر على شىء يدل للوجوب متى يفيد بعد ذلك الإباحة متى يفيد الاستحباب هذا يقرر هنا صيغة الأمر على أى شىء تدل هذا هو عمل الأصولى ثم تطبيق هذا بعد ذلك على نصوص الشرع التفصيلية هذا عمل الفقيه القياس يستدل به أم لا عمل الأصولى أما الفقيه لا يأتى ليثبت حجية القياس يأتى يثبت حكما شرعيا عن طريق القياس لأنه حجة وأتى بعد ذلك ليثبت حكما شرعيا عن طريق الإجماع ولو قلت له هذا يعنى كيف تثبت دليلا بالإجماع يقول يا عبد الله اذهب وتعلم أصول الفقه واضح هذا لأنه ليس ممن شأنى أن أبين لك أن الإجماع حجة كما ليس من شأنى أن أبين لك أنه يستدل بالقرآن أو بأحاديث النبى عليه الصلاة والسلام هذا مفروغ منه تلك أدلة يبحث عن مكانتها وعن رتبة الاستدلال بها فى علم أصول الفقه إذا هنا علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية وطرق الاستفادة منها أدلة فى الظاهر تعارضت يأتى بعد ذلك يقول تقدم الإجماع تقدم النص القطعى من قرآن وسنة متواترة بعد ذلك الخبر الذى هو يفيد الظن ولا يفيد القطع هذا ترتيب الأدلة هذا يبحث فى أصول الفقه وحال المستدل شروطه وأحوال الذى يبنغى أن يستدل وأن يأخذ الأحكام من أدلتها هذه تقرر فى كتب أصول الفقه علم يبحث عن أحوال أدلة الفقه الأجمالية وطرق الاستفادة منها وحال المستفيد وأما علم الفقه العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية منزلة علم الفقه

سأذكر آية واحدة وأربعة أحاديث فقط فى بيان علم الفقه وأتبعها ببعض الآثار عن أئمتنا الأخيار الأبرار سؤال فى تعريف علم الفقه من أحد طلبة العلم؟ العلم بالأحكام الشرعية يا إخوتى الكرام لما قلنا التى طريقها الاجتهاد واضح هذا التى طريقها الاجتهاد ما دام طريقها الاجتهاد وللعقل فيها مجال هى أحكام عملية واضح هذا يعنى عندما تقول العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد فقولك طريقها الاجتهاد لا دخل للإجتهاد فى أمور العقائد يعنى عندما ذُكر فى التعريف طريقها الاجتهاد أغنى عن ذكر العملية ,لا بد الأحكام العملية أن تدخل فيها أمور الاجتهاد يعنى هنا الاجتهاد لا بد منه لكن يعنى إذا ما ذكر العملية يعنى كلمة الاجتهاد تغنى فإذا ذكرت زيادة فى الإيضاح لأنه لو قال العلم بالأحكام العملية فقط دون أن يقول التى طريقها الاجتهاد دخلت معك الأخلاق والآداب وأيضا لا مجال للاجتهاد فيها إنما هنا أحكام شرعية ما بين راجح ومرجوح وتقديم أما بعد ذلك هناك أخلاق وآداب متفق عليها لذلك لا تدخل حتى فى دائرة النسخ

يعنى الصدق فضيلة والأمانة والكذب بعد ذلك رزيلة والخيانة هذا مما لا يدخل فى دائرة النسخ ومما يعنى جاءت به جميع الشرائع المباركة فأيضا لا مجال للاجتهاد فيها إنما عندنا نحن أحكام شرعية وهى التى إخوتى الكرام تدور على أمور خمسة الفرض والمستحب والحرام والمكروه والمباح والأحناف بعد ذلك زادوا اثنين كما سيأتينا بعد ذلك ضمن أحكام الفقه فى موضوع الواجب الذى هو دون الفرض والمكروه تحريما الذى هو فوق المكروه ودون الحرام ما يخرج عن هذه القسمة أيضا الخماسية وإن صار شىء من التفريع فيه دقة فالفرض عندهم ما ثبت بدليل قطعى لا شبهة فيه والواجب ما ثبت بدليل ظنى فانحط عن رتبة الفرضية لكن الإتيان به مطلوب ليس هو من بابا الاستحباب على كل حال كما قلت هذا أمر فعندما نقول العلم بالأحكام الشرعية وهى الخمسة من فرض وسنة وحرام ومكروه ومباح كما قلت التى طريقها الاجتهاد عُيِِِِِِِِِِِِن أن تكون تلك الأحكام أحكاما عملية فإن ذكرت الأحكام العملية لا بد من تُتبع أيضا بطريقها الاجتهاد لا بد من أجل أن تخرج يعنى أحكاما عملية لا اجتهاد فيها وهى كما يقال الأخلاق والآداب أما الأدلة التى تقرر منزلة علم الفقه ومكانته سأذكر كما قلت آية كريمة واحدة وأربعة أحاديث أما الآية فهى قول الله جل وعلا فى سورة التوبة {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة/122] (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) النفر هو الانزعاج عن الشىء وإلى الشىء كالفزع إلى الشىء وعن الشىء ,النفر لينفروا من النفر وهو الانزعاج وكما قلت الفزع, الانزعاج عن الشىء وإلى الشىء (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) يعنى بمعنى هنا ينزعجوا يخرجوا خروجا جماعيا إنما يخرج البعض ويبقى البعض كما سيأتينا فى بيان معنى الآية

إذا الانزعاج عن الشىء إلى الشىء كما ذكر ذلك الراغب فى المفردات (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) الفرقة هى الطائفة من الناس أقلهم ثلاثة (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) والطائفة القطعى من الفرقة أقلها واحد هى الواحد فما فوقه كما ثبت ذلك عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) أتى بصيغة التفعل يتفقه ولم يقل ليفقهوا للإشارة إلى أن طلب العلم والفقه يحتاج إلى جد واجتهاد وإلى صبر ومصابرة تمنيت أن تمسى فقيها مناظرا بغير عناء فالفنون جنون وليت اكتساب العلم دون مشقة تلقيتها فالعلم كيف يكون يعنى من أراد أن يبنى بيت دجاجة يتعب ومن أراد أن يكون خليفة النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ينبغى أن يجد وينصب وأما بعد ذلك يعنى المراتب ستصل إليه وهو يعنى بطال فى النهار ونائم فى الليل هذا لا يمكن إخوتى الكرام أن يكون أبدا فلا بد إذا من جد واجتهاد كان بعض شيوخنا الشيخ جمعة أبو زلام عليه وعلى أهل الإسلام رحمة الرحيم الرحمن ينقل عن والده الشيخ مصطفى أبو زلام وما أدركت عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه كان يقول لهم العلم كالأسد لا يركبه إلا أسد والأسد لا يسيطر عليه إلا الأسد والتصوف كالحمار يركبه كل أحد ,كالأسد لا يركبه إلا أسد وأما التصوف هذا يركبه كل أحد الحمار كل واحد يركبه إذا كان موضوع مجرد يعنى يريد أوراد وأذكار وبعد ذلك لا يفكر فى علم ولا فى سهر من أجل يعنى حمل هذا الإسلام والدعوة إلى الرحمن ,يا عباد الله هذا ما حصل كما قلت جدا واجتهادا مع أنه يعنى يمسك السبحة ويطقطق هو على خير لكن شتان يعنى من يركب الأسد وبين من يركب الحمار شتان لذلك قال الله ليتفقهوا يحتاج إلى صيغة التفعل جد واجتهاد وتعب ونصب وواقع الأمر كذلك (ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)

الإنذار إخوتى الكرام إخبار مقترن بتخويف ويقال أيضا فى تعريفه زجر مقترن بتخويف ,إذا إخبار بأمر مخيف كما أن الإشارة إخبار بأمر مفرح هنا أمر سار وهناك أمر ضار (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) الحذر هو الاحتراز عن مخيف احتراز عن مخيف إخوتى الكرام معنى الآية ير تبط بتحديد صلة الآية بما قبلها فتحتمل ثلاثة أمور انتبهوا لها واضبطوها أمران يرتبطان بصلة معينة وأمر يرتبط بصلة ثانية فانتبهوا صلة الآية بما قبلها تتحدد فى أمرين اثنين ينتج معنى ثلاثة معان للآية كلها مقبولة منقولة عن أئمتنا: القول الأول فى بيان صلة الآية بما قبلها وتقدم معنا فى آخر مباحثنا فى تفسير سورة الفاتحة فى علم المناسبات بين السور والآيات وقلت إنه علم جليل شريف فاضل وأكثر لطائف القرآن مودعة فيه الترتيبات والروابط وقلت أُلف فى ذلك كتب مستقلة فى الحكمة من ترابط السور ترتيب السور مع بعضها وترابطها مع بعضها وترتيب الآيات ضمن السورة الواحدة, هنا ما صلة هذه الآية بما قبلها إما أن تكون إخوتى الكرام هذه الآية مرتبطة بما قبلها ولا زالت أحكام الجهاد تتلى علينا وقبلها {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين* ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} [التوبة/120-121] {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} فالآية لا زالت تتحدث عن أحكام الجهاد ومرتبطة بما قبلها إذا كانت الصلة كذلك فمعنى الآية يتحدد فى أمرين اثنين منقولان عن سلفنا الكرام:

الأمر الأول:إذا كانت هذه الآية لا زالت مرتبطة بأحكام الجهاد بآيات الجهاد التى سبقتها فالتفقه التفقه سيحصل ويكون للفرقة المقيمة فلا بد من إضمار فى الآية ماذا يصبح تقدير الآية (فلولا نفر من كل طائفة منهم طائفة) نفر خرج من كل فرقة قلنا جماعة ثلاثة فأكثر منهم طائفة قطعة واحد فما زاد فلولا خرج من كل نفر جماعة بعضهم لأى شىء للقتال فى سبيل الله (فلولا نفر من كل طائفة منهم طائفة) طائفة نفرت وأقامت طائفة ليتفقهوا فى الدين والسبب فى هذا أن إقامة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام كانت أكثر إقامته من غزواته وتقدم معنا غزا ستا وعشرين غزوة فقط وأرسل ستا وخمسين سرية والسبب فى ذلك أحيانا لا يستدعى أن يخرج بنفسه المباركة عليه صلوات الله وسلامه لأن الأمر لا يستدعى ذلك الأعداء قلة ,أحيانا يستدعى الأمر لكن ما عنده ما يحمل المستضعفين ويشق عليهم أن يتخلفوا عنه فى جميع غزواته فيخرج أحيانا مع من يخرج وأحيانا يبقى من يبقى ليجمع بين المصلحتين مصلحة من خرج معهم أحيانا ومصلحة من قعد معهم أحيانا وأولئك يسدون مسده عليه وعليهم صلوات الله وسلامه إذا يصبح الآية (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) , طائفة نفرت إلى أى شىء إلى الجهاد وأقامت طائفة مع النبى عليه الصلاة والسلام لتتفقه أما أن يخرج الكل ولا بيقى مع النبى عليه الصلاة والسلام أحد فمن الذى يحمل دين الله ومن يبلغ رسالة الله وأقامت طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم من خرجوا ونفروا لعلهم يحذرون واضح هذا المعنى إخوتى الكرام هذا المعنى الأول على الصلة الأولى لا زلنا من أوجه الصلة أنها مرتبطة بآيات الجهاد فرقة خرجت وفرقة قعدت لتتفقه

المعنى الثانى وهو منقول عن سيدنا الحسن البصرى ومال إليه جم غفير من المفسرين منهم سيد قطب عليه وعلى المسلمين رحمة رب العالمين من المعاصرين أذكر لكم يعنى كلام الحسن البصرى فهو كلام كما قلت السلف المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين يقول التفقه هنا للفرقة النافرة لا للفرقة القاعدة يصبح معنى الآية فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة هلا لولا كما سيأتينا بمعنى للتحضيض والحث وهو طلب الشىء بإلحاح وشدة فلولا هلا نفر من كل فرقة منهم طائفة هذه الطائفة هى ستتفقه فى الدين متى؟ فى حال نفيرها وخروجها للجهاد فى سبيل ربها كيف هذا؟ لما يرون من عظيم آيات الله كيف تنتصر القلة على الكثرة وكيف يثبت الله أولياءه وينزل السكينة عليهم ويلقى الرعب فى قلوب أعدائهم وهذه كلها مما يشهدها المجاهدون ويغفل عنها القاعدون ما باشروها إذا التفقه هنا كما قلت يعنى هذا التفهم لمعونة الله لنصر الله لتأييد الله لأوليائه سبحانه وتعالى وحقيقة هذا تفقه عظيم لكن مرتبط بأى شىء ليقين المؤمن وقوة إيمانه لا أنه بذلك سيصبح فقيها يستنبط الأحكام لا ثم لا واضح هذا لكن تفقه فى أمر من الأمور وهو قوى إيمانه بربه وحقيقة يعنى وضع المجاهد يعنى من أقوى الخلق يقينا بالله جل وعلا إذا كان يجاهد من أجل إعلاء كلمة الله

يا إخوتى الكرام روحه فى كفه وعنده أرخص عليه من بصقة ويعلم أن ما قدر كان وأن مغامرته لن تقدم أجله وأن جبنه لن يزيد فى عمره أوليس كذلك؟ ما بعد هذا اليقين يقين وأما القاعد قد أحيانا إن حركته يقول والأهل والأولاد والوظيفة وتراه يتعنت أين إيمانك هذا من إيمان ذاك يعنى هذا لا بد من وعيه هذا مثل الموظف والتاجر أضعف الناس يقينا بالله نحو أمر الرزق الموظفون هو فقط يعول على الراتب كل شهر لو تأخر عشر أيام المسكين لا يعرف كيف يعيش يدبر نفسه أما التاجر حقيقة هذا مثل الطير يغدو خماصا ويروح بطانا هو ما علق همته على شىء معلوم يأتيه من فلان وفلان يفتح الدكان يقول باسم الرحيم الرحمن ما جاءه نعمة وخير وبركة وهكذا المزارع أما أضعف الناس يقينا بامر الرزق الموظفون ولذلك تراه فى منتهى الخوف من أجل يعنى الفصل كأنه إذا فصل سيموت جوعا يا عبد الله أنت عبد لله وسيرزقك الله لو كنت فى مغرات ليس فى مغارة وعندما كنت فى ظلمات ثلاث كان يأتيك رزق من حيث لا تحتسب فبعد أن مشيت على الأرض وقلت لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام سينساك ذو الجلال والإكرام لكن كما قلت ربط يقينه بشىء محسوس معلوم وكل شهر يستلم على تعبير الناس الفيزات إذا ما جاءت تكون مشكلة كيف سأطعم عيالى ولذلك كان دائما السلاطين فى جميع العصور يهددون الموظفين بقطع رواتبهم الأب نعيم الفضل ابن ذكيل رضى الله عنه وأرضاه ما كان له راتب كما هو الحال فى هذه الأيام لكن لهم عطاء لما يعنى لما كُلم من أجل كلمه المأمون من أجل خلق القرآن ومحنة خلق القرآن ومن أجل أن يجيب وأن القرآن مخلوق فامتنع فلجلالته وكبر سنه ما يعنى بطشوا به ولا عذبوه إنما هدده فقط قال أقطع عطاءك فقطع زره من قميصه ورمى به وجه الخليفة وقال والله ما دنياكم عندى إلا أهون من هذا الزر إن قطعت عطائى قطع رزقى؟ دنيكم من أولها لآخرها مثل هذا الزر خذ هذه الدنيا نزعتها من يدى وذهب

لكن التهديد هنا أقطع عطاءك وهنا إخوتى الكرام المجاهد إذا التفقه لمن للفرقة النافرة الخارجة فى سبيل الله أى لتقاتل من أجل إعلاء كلمة الله فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة لمَ قال ليتفقهوا فى الدين ليشهدوا يعنى شهود العيان نصر ذى الجلال والإكرام لأهل الإيمان يقول سيد قطب عليه رحمة الله وهذا الدين دين حركى وفقهه لا يظهر إلا فى الحركة وكلامه حق لكن كما قلت فى جانب معين وهو فى ما يتعلق بتقوية يقين الإنسان وإيمانه لا يعنى أنه إذا حضر غزوة سيصبح كأبى حنيفة وأن هذه الغزوة يعنى تفتح عليه آفاق العلم ليستنبط أحكاما شرعية من عبادات ومعاملات وعقوبات لا قف عند حدك أنت فى جانب كما قلت حقيقة تميزت على غيرك وشهدت كما قلت يعنى نصر الله لعباده فصار لك فقه ووعى وفهم فى الإيمان ما حصل لكثير من أهل الإيمان هذا كله على أن هذه الآية مرتبطة بما قبلها لا زالت آيات الجهاد تتلى علينا وقيل وهو وجه الصلة الثانية إن هذه الآية كلام مبتدأ بعد أن ذكر الله عبادتين لا تحصلان إلا بسفر الهجرة {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} [التوبة/40] هذا نوع من العبادات لا يحصل إلا بسفر ونوع من العبادات وهو الجهاد وأكثر آيات التوبة تتحث عن {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} [التوبة/41] والآيات قبل هذه {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله} عليه الصلاة والسلام إذا ذكر عبادتان لا تحصل واحدة منهما إلا بسفر هجرة وجهاد بعد هذا

ذكر الله نوعا ثالثا من أنواع العبادات وهو طلب العلم أيضا لا يحصل إلا بالرحلة إلا بالسفر كما حصلت الهجرة بالسفر وحصل الجهاد بالسفر هنا طلب العلم أيضا يحصل بالسفر فذكر الله عبادة ثالثة فاضلة وهى طلب العلم التى أيضا تشارك العبادتين المتقدمتين فى طريق حصولها وهى السفر فقال وما كان المؤمنون انتبه لينفروا كافة فى أى شىء فى طلب العلم ليخرجوا جميعا ليتعلموا ويتركوا بلادهم ومصالحهم فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة يكفى أن يذهب من هذا الحى واحد سيتعلم ثم يعود إليهم ينذرهم ويحذرهم فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم أى بعد تعلمهم لعلهم يحذرون قال الإمام الرازى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا لفظ الآية دليل على السفر فى طلب العلم وإن كان الإنسان يحصل العلم فى بلده من غير سفر وإن كان يقول فيبقى وقد رأينا أن العلم المبارك المنتفع به لا يحصل إلا بسفر ولذلك إخوتى الكرام يعنى عدد من أئمتنا دار الدنيا منهم الإمام المبجل أحمد ابن حنبل رضى الله عنهم أجمعين رحل أربع مرات يدور الدنيا وكلما كثرت رحلة الإنسان كلما كثر علمه وأخذ علم أهل المشرق وأهل المغرب عندما دار هذا حقيقة وإن كان العلم يحصله فى بلاده فالسفر أنفع له العلم المبارك ما يحصله الإنسان عن طريق السفر والسبب أنه تعب فى تحصيله فإذا يجد ويجتهد فى العمل به وفى الدعوة إليه أما فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام فالعلم واضح لا يحصل الأمر واضح لا يحصل العلم إلا بسفر فهو مشكاة العلم عليه الصلاة والسلام فكأن الله يقول يا معشر العباد لا يلزمكم أن تهاجروا جميعا لو من كل قوم ذهب واحد أو اثنان إلى النبى عليه الصلاة والسلام فتعلم أو تعلما ثم عاد أو عادا إليكم لكفى

ولذلك اتفق أئمتنا على أن هذه الآية نص صريح فى قبول خبر الواحد والأحاديث فى ذلك متواترة كان النبى عليه الصلاة والسلام يرسل رسله آحادا ليبلغوا دعوة الله جل وعلا وليبينوا أحكام الله فخبر الواحد الثقة كاف فى الحجة والعمل به وهنا فلولا نفر من كل فرقة كما قلنا أقلهم ثلاثة منهم طائفة يشمل الواحد فما فوقه إذا لو واحد خرج وتعلم وعاد ثم أنذر وحذر لقبل ذلك منه (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) إخوتى الكرام عندنا كان مبحث لطيف فيما يتعلق بلولا وكما قلت هى للتحضيض وبمعنى هلا وهى طلب الشىء بإلحاح ورغبة كيف تركب هذا المعنى فيها لأنها مركبة من هل الاستفهامية هل ولا النافية لا أشرح هذا فيما يأتى وماذا يكون معناها إذا دخلت على المضارع وعلى الأمر ضمن هذه الآية فلولا نفر من كل فرقة لولا هلا لو كلها بمعنى واحد تفيد طلب الشىء كما قلت بإلحاح بغضبة بشدة هذا أتكلم عليه فيما يأتى إن شاء الله وأما الأحاديث الأربعة أذكرها أيضا فى اول الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه فى بيان فضل التفقه فى دين الله عز وجل كان فى نيتى أن ننتهى منها فى هذه الموعظة وقدر الله وما شاء فعل فلا أريد أن أطيل أكثر من هذا والموعد كما قلت سابقا من الساعة إلى الساعة والربع يعنى إذا زادت بعد العشاء فى ذلك شىء من المشقة أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اللهم إنا نسألك من كل شىء أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

03

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام شرعنا فى مدارسة الأدلة التى تبين منزلة علم الفقه ومكانته وذكرت دليلا واحدا من كتاب الله جل وعلا يقرر هذا الأمر وهو قول الله جل وعلا فى سورة التوبة براءة {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [التوبة/122] تقدم معنا إخوتى الكرام بيان معنى هذه الآية الكريمة وتقدم معنا أن النفر معناه الانزعاج من الشىء وإلى الشىء والخروج عندما يخرج الإنسان يحصل له شىء من الانزعاج والمشقة والتعب والكلفة وقلت إخوتى الكرام إن معنى الآية يتحدد بناء على صلتها بما قبلها فإن كانت الآية لا زالت مرتبطة بأحكام الجهاد فتحتمل معنيين اثنين: إما أن التفقه يحصل للفرقة المقيمة والفرقة التى نفرت, نفرت للخروج فى سبيل ربنا المعبود يصبح تقدير الآية فلولا فهلا نفر من كل فرقة منهم طائفة نفروا لأى شىء ليقاتلوا فى سبيل الله وقعدت طائفة لأى شىء ليتفقهوا فى الدين ويتعلموا من نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فإذا عاد إليهم إخوانهم المجاهدون علموهم ما تعلموه من نبينا الميمون على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

والمعنى الثانى أنها لا زالت مرتبطة أيضا بأحكام الجهاد فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة نفرت لتجاهد ولتتفقه فيحصل لها صفتان متلازمتان جهاد وتفقه وقلت الفقه الذى سيحصل لهم كما تقدم معنا كلام سيدنا الحسن البصرى رضى الله عنه وعن المسلمين أجمعين أنهم سيرون عظيم آيات الله حيث سينزل السكينة على عباده المجاهدين وسيخذل أعداءه المجرمين وقلت فى ذلك تقوية لإيمان المؤمنين وهذا فقه عظيم فى الدين تقدم معنا تقرير هذا إخوتى الكرام هذا على أن الآية مرتبطة لا زالت بأحكام الجهاد وقلت إخوتى الكرام يمكن يكون هناك معنى ثالث على أن الآية لا ارتباط لها بأحكام الجهاد ولا تتحث عن أحكام الجهاد إنما جاءت الآية لتتكلم عن عبادة ثالثة بعد أن ذُكر عبادتان عظيمتان لا تحصل واحدة منهما إلا بالسفر عبادة الهجرة وعبادة الجهاد وهنا ذر الله عبادة ثالثة وهى طلب العلم فلا يحصل العلم النافع كما تقدم معنا إلا بشد الرحل من أجل أن يتلقى العلم من أرجاء الأرض من الشيوخ الصالحين وعليه هنا فلاولا نفر من كل فرقة منهم طائفة هذا النفر الانزعاج الخروج من أجل أى شىء من أجل طلب العلم فقط بعد أن ذكر عبادتان كما تقدم معنا هجرة وجهاد تحصلان عن طريق السفر هنا عبادة ثالثة أيضا لا بد لها من سفر فلولا نفر خرج من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون إخوتى الكرام مر معنا بيان الآية إنما عندى أمران أحب أن أنبه عليهما قبل أن أسرد الأحاديث الأربعة التى وعدت بسردها وذكرها فى هذه الموعظة وتدل على منزلة التفقه فى الدين ومكانة علم الفقه بين علوم الدين

هذا الأمران إخوتى الكرام نهاية هذه الآية (ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) هم خرجوا ليتفقهوا (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين) الأصل أن يقول وليفقهوا قومهم إذا رجعوا إليهم بعد أن تعلموا يعنى نفروا للتفقه فبعد أن حصلوا الفقه ينبغى أن يفقهوا الجاهلين هذا الأصل فذر الله بدل هذا وليفقهوا قولهم ولينذروا قومهم للإشارة إخوتى الكرام إلى كمال شفقة الفقيه والعالم وطالب العلم وأن مقصوده من تفقيه الناس فى دين الله الحذر عليهم من غضب الله ومن سخط الله لينذروا قومهم إذا هو منذر وتقدم معنا إعلام مقترن بتخويف وزجر ويكون هذا من أمر مخيف فإذا هو مشفق عليهم كما قال العبد الصالح مالك ابن دينار عليهم رحمة العزيز الغفار (لو كان لى أعوان لأرسلتهم فى الأمصار ينادون النار النار) وهنا لينذروا قومهم إذا مقصودهم شفقة عليهم فجاؤوا لينذروهم ليخلصوهم من غضب الله جل وعلا ومقصود من يتعلم منهم ما هو ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون فمقصود أيضا أولئك ليكون مقصودهم من هذا الإنذار أيضا الحذر من غضب الله وسخطه وحقيقة العلم إذا لم تكن هذه نتيجته فلا خير فيه نتعلم لنحذر الناس من سخط الله والناس يتعلمون من أجل أن يحذروا سخط الحى القيوم لا لمباهاة فى الدنيا ولا لمناصب ولا غير ذلك من عروضها الزائلة هذا المعنى الأول الذى أحب أن أنبه عليه فى بدء هذه الموعظة المعنى الثانى إخوتى الكرام ذكرته فى الموعظة الماضية وقلت سأذكره فى أول هذه الموعظة بعون الله وتوفيقه فيما تعلق بكلمة لولا (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) كلمة لولا إخوتى الكرام تأتى فى القرآن الكريم لمعنيين اثنين

المعنى الأول تأتى بمعنى حرف شرط غير جازم حرف امتناع لوجود ويكون هذا إذا وليها جملة اسمية إذا ولى لولا هلا لو ما جملة اسمية فهى حرف امتناع لوجود أى امتنع الحواب والجزاء لوجود الشرط لوجود الاسم المتقدم لولا زيد لعاقبتك امتنعت العقوبة لوجود زيد قال أئمتنا فإذا كان الفعل مثبتا دخلت عليه اللام ومنه قول ذى الجلال والإكرام (فلولا أنه كان من المسبحين *للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون) [الصافات143-144] (فلولا أنه كان من المسبحين) نبى الله يونس على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فى سورة الصافات {وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك المشحون *فساهم فكان من المدحضين * فالتقمه الحوت وهو مليم * فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} [الصافات/139-144] لبث هذا فعل مثبت دخلت عليه اللام للبث فى بطنه إلى يوم يبعثون وإذا كان الفعل منفيا لا تدخل عليه اللام ومنه قول الله جل وعلا فى سورة النور {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم} [النور/21] فاللام حذفت ولولا فضل الله عليكم ورحمته لم يقل لما زكى منكم من أحد أبدا كما قال هناك للبث لما زكى إنما ما زكى منكم من أحد أبدا وعليه تقول لولا زيد لعاقبتك هذا مثبت لولا زيد ما عاقبتك عندما تأتى بالكلام منفيا لا تدخل عليه اللام هذا لا علاقة لنا به الآن ضمن هذه الآية لأنه نحن معنا فى سورة لولا تحضيضية إنما هذا من باب يعنى الفائدة واستكمال معانى لولا إذا لولا حرف امتناع لوجود إذا وليها فعل فهى للتحضيض ومعنى التحضيض طلب الشىء بإلحاح وحس ورغبة تحضيض ويقال لها تحضيضية هذا إذا وليها الفعل المضارع تفيد التحضيض الطلب الحث إذا وليها الفعل المضارع ومنه قول الله جل وعلا لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون لولا هلا يحصل منكم هذا يطلب منا سبحانه وتعالى أن نستغفره وأن نتوب إليه

وهكذا قول الله جل وعلا فى آخر سورة المنافقون {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين} [المنافقون/10] لولا بمعنى هلا يطلب من الله يعرض عليه يلح فى طلبه أن يؤخره من أجل أن يتدارك ما فاته لولا أخرتنى إلى أجل قريب إذا وليها الفعل المضارع فهى للتحضيض بمعنى كما قلت العرض وطلب الشىء بحث بإلحاح برغبة وإذا وليها الفعل الماضى فهى للتحضيض لكن تفيد اللوم والتنديم والمعاتبة على أنه كان ينبغى أن يفعل وما فعل هذا إذا وليها الفعل الماضى ومنه قول الله جل وعلا فى سورة الواقعة {فلولا إذا بلغت الحلقوم* وأنتم حينئذ تنظرون *ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين} [الواقعة/83-86] لولا الثانية تأكيد للأولى (فلولا إن كنتم غير مدينين*ترجعونها إن كنتم صادقين) هل بإمكانكم هلا فعلتم هذا وإذا كنتم يعنى غير مقهورين لرب العالمين وأنكم تتصرفون فى أنفسكم كما تريدون أعيدوا هذه الروح إن كنتم تستطيعون (فلولا إن كنتم غير مدينين*ترجعونها إن كنتم صادقين) وواقع الأمر ليس بوسع أحد أن يمد فى حياته لحظة (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) إذا تفيد اللوم والمعاتبة والتوبيخ

قال الإمام الألوسى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وإذا وليها الفعل الماضى تفيد هذا وإذا كان بالإمكان أن يتدارك الإنسان الأمر فى المستقبل فتفيد أيضا اللوم على الماضى وطلب هذا وحصوله وتداركه فى المستقبل أى الأمر به بالمستقبل كما هو الحال لو وليها الفعل المضارع ومنه معنى الآية التى فى سورة التوبة فلولا نفر, نفر فعل؟ نعم فإذا هى كأن الله يعاتب الذين لا ينفرون للجهاد فى سبيل الحى القيوم ولطلب العلم لكن بما أنه عندك فسحة وسعة من الأجل بإمكانك أن تتدارك ما فات وأن تجاهد وأن تتعلم فإذا وليها الفعل الماضى تفيد اللوم والتوبيخ على عدم حصول المطلوب لكن بما أنه بإمكانك أن تتدارك هذا فإذا يجب عليك أن تتداركه فى المستقبل لولا إذا وليها فعل فهى للتحضيض إن كان الفعل مضارعا للتحضيض لطلب هذا بحث كما قلت وإلحاح فى المستقبل ,إن كان ماضيا ولا يمكن تداركه لوم وتوبيخ وهلا جرى منكم ذلك فى الزمن الماضى وإذا كان يمكن تداركه تفيد الأمر أيضا به فى المستقبل والعلم عند الله جل وعلا قال الإمام الرازى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وإنما كان معنى لولا هلا لو ما كان معناها التحضيض لأنها مركبة يقول من أمرين اثنين لولا لو ما بمعنى هلا للتحضيض أصلها هل لا هل فعلت سؤال تستفسر تسأل تستخبر هل فعلت بما أنه لم يفعل ولم يجر هذا منه فتنفى الفعل لا فإذا هلا أصلها هل فعلت لا لم تفعل وكان ينبغى عليك أن تفعل فأفادت التحضيض هل فعلت المطلوب لا للآن ما فعلته وهذا من لطافة العرب وظرافتهم, فلاختصار الكلام قالوا هلا لولا لو ما أصلها هل فعلت لا للآن لم تفعل وهذا مطلوب لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون هل استغفرتم ما جرى منكم هذا للآن فأتى ربنا جل وعلا بلولا بهلا بلو ما كما قلت التى تفيد التحضيض هل لا أصلها هكذا هل لا هل فعلت لم تفعل للآن ما ينبغى أن تفعله فتداركه فى المستقبل والعلم عند الله جل وعلا

هذا إخوتى الكرام فيما يتعلق بالآية التى تدل على منزلة التفقه فى الدين أما أحاديث نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه كما قلت سأقتصر على أربعة احاديث بعون الله جل وعلا أولها حيث سيدنا معاوية رضى الله عنه وأرضاه وقد رُوى عن ستة من الصحابة الكرام وإنما عنونت على هذا الحديث بحديث معاوية رضى الله عنهم أجمعين لأن طريقه أصح الطرق وأقوى الطرق الثابتة فى كتب السنة المشرفة وإن كان روى هذا الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام من هو أفضل من سيدنا معاوية رواه سيدنا عمر ابن الخطاب وابنه عبد الله ابن عمر وعبد الله ابن عباس وعبد الله ابن مسعود وأنس وأبو هريرة رضى الله عنهم أجمعين مع معاوية سبعة من ساداتنا الصحابة الكرام رووا هذا الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام لا أريد أن أخرج إلا حديث سيدنا معاوية رضى الله عنهم أجمعين فكما قلت هو أصح طريق من هذه الطرق السبعة رواه الإمام أحمد فى المسند والإمام مالك فى الموطأ والشيخان فى الصحيحين والحديث فى سنن ابن ماجة فهو فى ثلاثة كتب من الكتب الستة فى الصحيحين وسنن ابن ماجة ورواه ابن حبان فى صحيحه والدارمى فى سننه والإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده ورواه الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله والخطيب فى كتابه الفقيه والمتفقه والإمام البيهقى فى المدخل إلى السنن والإمام الآجروى فى أخلاق العلماء ورواه الإمام الطحاوى فى مُشكل الآثار وهو فى غير ذلك من دوايين السنة وهو يعنى فى أعلى درجات الصحة فهو فى الصحيحين كما سمعتم وقلت من رواية سيدنا معاوية رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أنه قال (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين وإنما أنا قاسم ويعطى الله ولن تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتى أمر الله)

والشطر الثالث من الحديث (ولن تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق) هذا الجزء إخوتى الكرام من الحديث متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا بيان ذلك فى مواعظ الجمعة (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين) وفى بعض روايات الحديث أيضا ويلهمه رشده (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين ويلهمه رشده) إذا من علامة الخيرية فى العبد ان يوفق فى التفقه فى دين الله عز وجل وتقدم معنا يعنى الفارق بين الإنسان وبين الجمادات وبين بهيم الحيوان كما تقدم معنا هو العلم النافع الذى نتعلمه هذا هو الفارق بيننا وبين العجماوات فإذا فُقهت فى الدين حصل فيك معنى الإنسانية وحصلت فيك العبودية لرب البرية سبحانه وتعالى وقمت بالغاية التى من أجلها خُلقت (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين) ومفهوم الحديث أن الله إذا خذل العبد وغضب عليه يصرفه عن التفقه فى دين الله فيعيش جاهلا يعبد الله على حسب هواه أو لا يعبد مولاه وهو فى الحالتين على ضلال (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين) والمفهوم المخالف من لم يُفقه فى الدين ما أراد الله به خيرا وخذله ووكله إلى نفسه وهذا المفهوم إخوتى الكرام ورد به منطوق بسند صحيح فى مسند أبى يعلى كما فى الفتح فى الجزء الأول صفحة خمس وستين ومائة بسند صحيح عن سيدنا معاوية أيضا رضى الله عنه وأرضاه والحديث كما قلت فى مسند أبى يعلى عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (ومن لم يبال به لم يفقهه فى الدين) (ومن لم يفقه فى الدين لم يبال به)

إذا من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين المفهوم إذا لم يرد بالعبد خيرا لا يوفق للفقه فى الدين ولا لطلب العلم وفهمه والعمل به هذا المفهوم كما قلت ورد بمنطوق بسند صحيح منطوق دل على المفهوم الذى فُهم من الحديث الثابت فى الصحيحين رواية أبى يعلى أيدت ذلك المفهوم وقلت المفهوم معتبر وهذا المنطوق شهد له والعلم عند الله عز وجل (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين) والحديث إخوتى الكرام كما ترون نص صحيح صريح فى بيان منزلة التفقه فى دين رب العالمين الحديث الثانى من رواية سيدنا أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه رواه الإمام أحمد فى المسند والشيخان فى الصحيحين ورواه الإمام الراماهرمزى فى الأمثال وهكذا الإمام أبو الشيخ فى كتاب الأمثال أيضا وهو فى أعلى درجات الصحة فهو أيضا فى الصحيحين من رواية سيدنا أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه عن سيدنا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه أنه قال (مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقُه فى دين الله فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به) على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه نهاية الحديث إخوتى الكرام صنف النبى عليه الصلاة والسلام إلى صنفين اثنين الصنف الأول دخل تحته نوعان النوع الأول آمن بالله جل وعلا وعَلِمَ وعمل وعَلَََََََََّمَ فهذا الذى فقه فى دين الله ودعا إلى الله وحاله كحال الأرض الطيبة التى تفاعلت مع الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير فانتفع الناس بالخيرات والبركات التى أخرجتها هذه الأرض الطيبة

هذا حال من آمن بالله واهتدى بهداه وتعلم وعلم فهذا الذى يُدعى عظيما فى مكوت السماوات وهذا أعلى المخلوقات وهو فى أعلى الدرجات يليه الأرض الأجادب التى أمسكت الماء فنتفع الناس بها فسقوا ماشيتهم واستقوا منها وانتفعوا بهذا الماء لكن هذه الأرض ما تفاعلت مع الماء هذا حال من آمن بالله جل وعلا لكن انتبه قصر فى ناحية العمل فما عنده جد واجتهاد فى طاعة رب العباد وتعلم لكن هذا العلم ما تفقه فيه وما وصل لدرجة المتبحرين الراسخين الواعين المستنبطين فإذا هو مجرد ناقل يبلغ الناس ما سمعه من غيره دون أن يفقه فيه دون أن يستنبط منه فحاله كحال الأجادب التى أمسكت الماء فانتفع بها الناس هذا على خير وهو يدخل فى القسم الأول فذلك مثل من فقُه فى دين الله فعلم وعلم هذا علم وإن لم يعلم لكن وعلم وإن لم يستنبط ولم يصل إلى درجة الفقه لكن كما قلت هو على خير وأهل الخير درجات عندنا عالم فقيه وعندنا عالم ناقل هذا على خير وهذا على خير هذا كما قلت فى الصنف الأول فذلك مثل من فقُه فى دين الله فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساولم يقبل هدى الله الذى أرسلت ظاهر الحديث إخوتى الكرام أن المثل الثانى يشمل صنفا واحدا قال الحافظ ابن حجر بعد أن قرر هذا

وظهر لى أنه فى كل مثل طائفتين المثل الأول أوضحته كيف دخل فيه طائفتان الأرض الطيبة التى أنبتت الكلأ والعشب الكثير والأجادب والمثل الثانى فيه طائفتان الطائفة الأولى وهى الظاهرة التى لم تقبل هدى الله وردته وما آمنت به ومن باب أولى ما تعلمت ولا علمت, هذه شر المخلوقات وشر الدرجات هناك صنف آخر آمن بالله جل وعلا وما معه من الإيمان إلا النطق بالشهادتين فقط يدخل فى هذا المثل أيضا لكنه انحرف عن سماع العلم ولا تعلم وإذا سمع لا يعمل ولا يُعلِّم فهذا ملحق بهذا الصنف الخسيس الخبيث وإن لم يصل إلى دركته تماما لكن معه مقترن فى الذم آمن بالله لكن كما قلت ما سمع العلم وأعرض عنه ولا يريده ولو قدر أنه سمع لا يعلم ولا يُعَّلم يعنى لو سمع وعلم لصار حاله كحال الأجادب لكن ما سمع مع أنه نطق بالشهادتين وكما قلت الذى قبله ما نطق ولا آمن بالله جل وعلا مطلقا أما هذا آمن ولم يسمع العلم أو سمع ولم يَعلم ولم يعمل ولم يُعَّلم فذلك مثل من فقُه فى دين الله فعلِم وعلَّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت انظروا كلام الحافظ إخوتى الكرام فى الفتح فى الجزء الأول صفحة سبع وسبعين ومائة وكما قلت ظاهر الحديث يدل على أن المثل الثانى يعنى يشمل صنفا واحدا وهو من لم يؤمن بالله ولكن الذى يظهر أن ما استظهره الحافظ ابن حجر فى منتهى الوجاهة أنه يشمل صنفين كما أن المثل الأول يشمل صنفين: المثل الأول كما قلت من آمن وعلم وعمل وعلم وصار فقيها ويشمل من آمن وعلِم وعلَّم لكن لم يتفقه أى لم يستنبط لم يصل إلى هذه الدرجة إنما هو مجرد ناقل دون أن يعى مدلول الكلام لا يعرف تفسير القرآن يحفظه ويعلم الناس القراءات ولا يعرف تفسير كلام رب الأرض والسموات يعرف الحديث وينقله لكنه لا يفقه فيه ولا يعرف معناه هذا إخوتى الكرام كما قلت يدخل فى الصنف الأول الذى هو صنف فيه خير لكن يتفاوتون فى الخيرية عند رب البرية

والصنف الثانى شر يتفاوتون فى الشرية ما آمن بالله ومن باب أولى لا علم ولا علَّم صنف ثان آمن حصل إيمانا فى الجملة لكن هذا الإيمان ما قاده إلى شىء من الخيرات الحسان ما سمع العلم وإذا سمعه لا يعمل به ولا يعلمه بماذا استفاد إذاً منه إما أنه معرض وإما أنه يسمع كما قلت ولا يعمل ولا يعلم فهذا ملحق كما قلت بزمرة الكافرين وأمره إلى رب العالمين سبحانه وتعالى فذلك مثل من فقُه فى دين الله فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به نعم إخوتى الكرام الذى ينقل العلم ويتفقه فيه يعرف معناه ما يراد منه ما يدل عليه حقيقة هذا فى درجة عالية فوق الذى ينقل العلم دون أن يعلم ما يدل عليه هذا العلم ينقل النصوص الشرعية ولا يعرف معناها يعنى يقرأ آية من القرآن تسأله عن معناها لا يعلم (تبت يدا أبى لهب وتب) ما معنى تبت يقول ما أعلم (فى جيدها حبا من مسد) يقرؤها وقد يعلمها تقول ما معنى فى جيدها فى عنقها يقول لا أعلم فعلى كل حال كما قلت فى درجة نازلة وإن حصل علما وعلمه لكن إذا فقِه فيه فحقيقة هذا يعنى فى درجة عالية وتقدم معنا إذا فقِه يعنى فهم فهو على خير وإذا فقَه سبق إلى الفهم سبق غيره إلى الفهم فالخير ازداد فيه وإذا فقُه فصار الفقه له سجية وملكة فحصل الخيرات من جميع الجهات ولذلك حقيقة إخوتى الكرام يمتاز ساداتنا الفقهاء عن ساداتنا المحدثين وفى كل خير ولا يمكن أن يكون الفقيه فقيها حتى يكون محدثا نعم قد لا يصل الفقيه إلى درجة المحدث فى التحديث هذا موضوع آخر لكن هو ما صار فقيها إلا بعد أن صار محدثا وعرف حديث النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

فأئمتنا أصحاب المذاهب الأربعة المتبعة كما سيأتينا فى تراجمهم كما وعدت كل واحد منهم محدث وفقيه لكن بعضهم قد تغلب عليه كما قلت إحدى الصفتين فالإمام مثلا أبو حنيفة رضى الله عنه تغلب عليه صفة الفقه والإمام أحمد تغلب عليه صفة الحديث فهو أرسخ منه فى الحديث من الفقه واضح هذا الإمام أحمد والإمام أبو حنيفة أرسخ فى الفقه منه فى الحديث لكن كل منهما فقيه محدث وأما بالنسبة للإمامين المباركين الإمام الشافعى ومالك فيمكن أن تقول يعنى فى درجة مستوية فى الفقه وفى الحديث, اجتمع فيهما يعنى التمام فى هذا وفى هذا وما غلبت واحدة منهما يعنى الأخرى فى هذا الإمام فهو فى الدرجة العليا فى الفقه وفى الدرجة العليا فى التحديث رضى الله عنهم وأرضاهم يعنى هو فقيه المدينة وهو محدث المدينة الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه وهكذا الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه فقيه محدث فى درجة واحدة والإمام أحمد تغلب عليه الصفة الحديثية والإمام أبو حنيفة تغلب عليه الصفة الفقهية لكن كل واحد منهم فقيه محدث قطعا وجزما

قد هناك محدث من غير فقه كحال كثير من المحدثين منهم العبد الصالح يحيى ابن معين كما سيأتينا واضح هذا درجة الفقيه أعلى من درجة المحدث لأن الفقيه بمنزلة الطبيب والمحدث بمنزلة الصيدلى وأيهما أعلى رتبة؟ الطبيب قطعا والصيدلى ترى عنده الأدوية مكدسة ولو ذهبت يعنى تشتكى عنده ما بإمكانه أن يصف لك دواء بعلتك يقول هذا يحتاج إلى طبيب اذهب إلى الطبيب ليكتب لى الدواء الذى يناسب علتك حتى أصرفه لك الطبيب حقيقة هذا فوق الصيدلى وهذا ما قاله جهابذة المحدثين قال العبد الصالح سليمان ابن مهران الأعمش كما فى جامع بيان العلم وفضله وما ينبغى فى روايته وحمله للإمام ابن عبد البر عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه فى الجزء الثانى صفحة واحدة وثلاثين ومائة لسيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه عندما كان يجيب عن الأسئلة الشرعية التى توجه إليه يسأله الإمام الأعمش عن مسأله فيجيب أبو حنيفة من غير توقف فيعجب الإمام الأعمش ويتعجب من فقهه يقول من أين لك يا إمام من أين لك هذا فاستمع فيقول أبوحنيفة مما رويتم لنا أنت رويت لنا هذا الحديث وأنا استنبطت منه هذا الحكم فيول الأعمش معلقا على كلام أبى حنيفة أنتم الأطباء ونحن الصيادلة وبلغ من يعنى تقدير الإمام الأعمش وهو إمام الدنيا فى زمانه فى الحديث بلغ من تقديره لسيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين أنه عندما أراد الحج قال لسيدنا إبى حنيفة رضوان الله عليهم أجمعين اكتب لى المناسك حتى أحج بين لى مناسك الحج كيف سأعمل فى الحج أما أنا أملى لك من صدرى مجلدا فى الأحاديث الواردة فى يعنى حجة النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وعن الآثار عن الصحابة الأخيار والتابعين الأبرار فيما يتعلق بمناسك الحج لكن كيف سيتم ترتيبها وتمييز الركن من السنة وكيف سأفعل هذا فى الحقيقة يحتاج إلى فقيه اكتب لى مناسك الحج أنتم الأطباء ونحن الصيادلة

وهذا الكلام أُثر أيضا عن الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه قال: الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة روى ذلك عنه الإمام البيهقى فى كتاب مناقب الإمام الشافعى ورواه الإمام ابن أبى حاتم فى كتاب آداب الشافعى ومناقبه وانظروا أيضا كلام الإمام الشافعى فى ذلك فى السير فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وعشرين فى ترجمته وهذا قاله الإمام المبجل أحمد ابن حنبل أيضا رضى الله عنهم أجمعين الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة كما روى ذلك عنه الإمام ابن عساكر فى تاريخ دمشق وهذا أيضا قاله إخوتى الكرام الإمام أبو جعفر الطحاوى كما فى تذكرة الحفاظ فى الجزء الثالث صفحة سبع وتسعين وتسعمائة قال للإمام أبى سليمان الدمشقى محمد ابن عبد الله قال له وكان من المحدثين الكبار قال أنتم الصيادلة ونحن الأطباء والإمام أبو جعفر الطحاوى رضى الله عنه وأرضاه يعنى إمام المحدثين فى زمانه لكن فقيه, أنتم الصيادلة, أى من جمعتم الحديث دون فقه صيدلى, وأما نحن أطباء أنتم الصيادلة ونحن الأطباء ولذلك قال أئمتنا إن من يحمل الحديث ولا يعرف فيه التأويل كالصيدلانى كأنه صيدلى هذا يعرف يعنى يجمع الأدوية وهنا يجمع النصوص الشرعية فإذا احتجتها خذها منه واستنبط منها ما تدل عليه وهذا الكلام المحكم إخوتى الكرام تناقله أئمتنا وهو حق انظروه فى الفتاوى الحديثية للحافظ ابن حجر فى صفحة ثلاث وثمانين ومائتين وفى شرح الإحياء للإمام الزبيدى فى الجزء السادس صفحة واحد وستين وثلاثمائة وأورد الحافظ ابن حجر يعنى حكما شرعيا فى منتهى الطرافة والإحكام وقع بين فقيه وبين إمام المحدثين فى زمانه وهذا الفقيه هو يعنى من طلبة الفقه مع سيد المحدثين فاستمع لهذه المحاورة اللطيفة:

كان بعض طلبة الفقه من تلاميذ سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين مع شعبة وشعبة توفى سنة ستين ومائة وحديثه فى الكتب الستة الإمام شعبة ابن الحجاج وهو إمام الحديث وأمير المؤمنين فى الجرح والتعديل رضى الله عنه وأرضاه شعبة وكان يثنى على سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين فاجتمع مع بعض تلاميذه فأراد شعبة يعنى أن يسأله, أن يختبر حاله قال إن جاءتكم معضلة فإلى من تلجأون إذا جاءتكم معضلة يعنى مسألة مشكلة مسألة عويصة تحتاج إلى بحث وجد واجتهاد إلى من تلجأون؟ فذاك كأنه فهم أنه يعرض به وأن طلبة العلم, طلبة الفقه درجتهم نازلة, فقال نلجأ إليك وإلى أصحابك من أجل يعنى لو قال له نلجأ إلى أبى حنيفة أو إلى الفقه المقرر عند أبى حنيفة قد ذاك يقول قد مثلا يعنى كيف لا تلجأون إلى المحدثين قال نلجأ إليك وإلى أصحابك,

يقول أنا جالس عنده جاءه مستفتى يستفتيه فقال له أبا بصتار لشعبة ابن الحجاج رضى الله عنه وأرضاه ما تقول فى رجل ضُرب على أم رأسه ضربه ضارب على أم رأسه فزعم أن حاسة الشم فقدت منه وما بقى شمُ فماذا تقول ماذا عليه إنسان ضرب على رأسه فالمضروب قال هذه الضربة أفقدتنى حاسة الشم وإذا فقد حاسة الشم فيه دية كاملة كما لو يعنى فقد البصر كما لو فقد السمع لو فقد بصر عين واحدة نصف دية فلو فقد حاسة الشم كما لو قتله خطأ فيه دية كاملة ما تقول فيمن ضُرب على أم رأسه فزعم أنه فقد حاسة الشم فما الحكم؟ هل يُصدق ويأخذ الدية أو ما الحل فى هذه القضية فبدأ شعبة رضى الله عنه يتشاغل يمينا ويسارا ولعل السائل ينصرف وذاك يلح يقول أبا بصتام ما الجواب ماذا نعمل ما تقول ما الحكم فى هذه القضية إنسان ضرب على أم رأسه وقال فقدت حاسة الشم ما بقيت أشم شيئا لا الروائح الطيبة ولا المنتنة ولا أشم شيئا على الإطلاق كما لو فقد حاسة الذوق نسأل الله العافية كما لو فقد البصر ما عاد يرى شيئا وهنا ما عاد يشم شيئا يعنى لا يشم الدخان ولا الطيب ولا البخور ولا شيئا على الإطلاق فقال له افته أنت قال يسألك وأفتيه أنا قال إن البلاء موكل بالمنطق ليتنى أنا ما تعرضت لك فى البداية أنا قلت لك إذا جاءت معضلة إلى من تلجأ فأنا لو ما سألت أحسن هذا كما وقع للإمام الكسائى مع اليزيدى اجتمعا مع هارون الرشيد فتقدم الإمام الكسائى ليصلى فقرأ سورة الكافرون فأخطأ فيها فى صلاة المغرب فالتفت بعد انتهت الصلاة إليه اليزيدى وقال إمام البصرة الكسائى من أئمة البصرة أوليس كذلك كوفة إمام القراء فى الكوفة يخطأ فى سورة الكافرون فسكت الكسائى وما أجابه ماذا يعمل أخطأ أخطأ, فلما حضرت صلاة العشاء قدم هارون الرشيد قال والله لأتقدم تقدم اليزيدى فتقدم اليزيدى فقرأ فأخطأ فى الفاتحة فلما سلم اليزيدى قال له الكسائى: احفظ لسانك لا تقول فتبتلى إن البلاء موكل بالمنطق

أنت تعيب على أخطأت فى الكافرون طيب أنت أخطأت فى الفاتحة الذى لا يخطأ فيها أحد وهنا كذلك إلى من تلجأون؟ قال إليك وإلى أصحابك فلما جاءت هذه المسألة يعنى قال افته ماذا عندك أنت من أمور الفقه تعرف فيها فقال سمعت الزهرى والأوزاعى يقولا يدق الخردل دقا شديدا ويقرب منه ليشمه فإن عطس فقد كذب فى قوله وحاسة الشم لا زالت عنده وإذا لم يعطس فقد حاسة الشم فله دية كاملة قال وقد جئت بها والله كما هى لا يمكن أن يعطس إلا إذا كانت حاسة الشم عنده وإذا ما عطس دل على أنه فقد حاسة الشم قال هذا هو الحكم الشرعى الخردل يدق وإذا شمه الإنسان وعنده حاسة الشم سيعطس شاء أم أبى بدون اختياره فقال ندق الخردل ونقدمه منه نقول استنشق فمتى ما عطس دل على أنه يشم وإذا ما عطس حقيقة فقد حاسة الشم الروائح كلها تستوى عنده فدل على أن هذه الحاسة فقدها وما عاد يميز بين الطعوم كما لو فقد حاسة الذوق حاسة الشم حاسة البصر حاسة السمع دل أنه فقد أما إذا عطس دل على أن الحاسة موجودة انظروا إخوتى الكرام لهذا الفقه حقيقة وهذا كما يقول أئمتنا أن تبحث فى القضية الواقعة وهذا الذى هدى الله إليه أئمتنا الفقهاء فحاسة الشم إذا فقدت فيها دية كاملة كيف سنعلم أنها فقدت فلا بد لها من اختبار فالفقهاء هم الذين جاؤا وقالوا تختبر حاسة الشم بالخردل وبما يشبهه من الأمور التى إذا دقت واستنشقها الإنسان سيعطس ولابد فإذا عطس دل على ان الحاسة عنده هذا موجود كما قلت فى الفتاوى الحديثية فهذا منزلة الطبيب وأما ذاك كما قلت شعبة أمير المؤمنين فى الحديث ولا تقدمه أحد ولعله أعلم من سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين فى موضوع الحديث وحفظ طرقه لكن فى الفقه يعنى هو يعرف حاله ولذلك قال افته هذه مسألة لا بد لها الآن من مفتٍ يفتى فيها

وكنت ذكرت لكم إخوتى الكرام قصة جرت مع العبد الصالح يحيى ابن معين أوليس كذلك مع قرينه وصاحبه سيدنا الإمام الشافعى رضوان الله عليهم أجمعين أبو ثور توفى سنة أربعين ومائتين إمام ثقة عبد صالح مبارك حديثه فى سنن أبى داود وسنن ابن ماجة واسمه إبراهيم ابن خالد أبو ثور قرن الشافعى وتلميذه ومن أكبر يعنى أصحابه وخواصه الإمام أبو ثور إبراهيم أبن خالد وأما يحيى ابن معين أبو زكريا إمام الجرح والتعديل فى زمانه توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وحديثه فى الكتب الستة وهو أعلى من أن يقال عنه ثقة رضى الله عنهم أجمعين القصة إخوتى الكرام التى سأوردها فى كتاب المحدث الفاصل بين الرواى والواعى للإمام الرامهرمزى الذى توفى سنة ستين وثلاثمائة انظروها فى صفحة خمسين ومائتين خلاصتها أن امرأة جاءت إلى العبد الصالح يحيى ابن معين وهو جالس مع أصحابه المحدثين يتذاكرون أحاديث نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقالت المرأة ليحيى ابن معين وللإصحابه هل يجوز للمرأة الحائض أن تغسل الميت إذا ماتت امرأة فهل للحائض أن تغسلها وهى حائض امراة ماتت فهل يجوز للمغسلة أن تغسلها إذا كانت حائضا فانظر للإنصاف يحيى ابن معين رضى الله عنه وأرضاه قال ما لنا علم بهذا فقه لا تسألينى عنه تريدى أحاديث نروى لك أما الفقه ما لنا علم بهذا

انظرى إلى هذا الفتى الذى أقبل هذا الإمام وهو أبو ثور فسأليه ثم عودى إلينا وأخبرنينا بما يجيبك به فاعترضت أبا ثور رضى الله عنهم أجمعين وقالت يا إمام هل يجوز للحائض أن تغسل الميت ميتة ماتت يجوز للحائض أن تغسلها قال يجوز يا أمة الله فاستمع إلى علو الأمة ورفعة قدرها فى ذلك الوقت قالت ما الدليل رحمك الله يعنى أنت تقول يجوز ما الدليل أنت لست بمشرع ستنقل هذا عن النبى الجليل عليه الصلاة والسلام هات دليلك فذكر لها حديثين استنبط منهما هذا الحكم الشرعى لا يوجد حديث أن الحائض تغسل الميت لا يوجد لكن يوجد نظائر لهذه المسألة الفقيه يأتى كما جاز هذا يجوز هذا فاستمع لهذين الحديثين: الحديث الأول إخوتى الكرام ثابت فى المسند والموطأ وصحيح مسلم والسنن الأربعة من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال لها (ناولينى الخمرة) والخمرة إخوتى الكرام يعنى شىء صغير بحجم الكف ينتج من الخوص أو من غيره كان النبى عليه الصلاة والسلام والصحابة يعنى المسلمون فى العصر الأول عندما كانوا يسجدون على الأرض مباشرة ولا يوجد ساتر بينه بين الأرض يضعونها يعنى تحت جبهتهم عندما يسجدوا أيام الحر ليقى جبهته حر الرمضاء وحر الرمال لأن الرمال تستعر نارا فى الصيف فإذا سجد هذه يقال لها خمرة يعنى كما قلت بحجم الكف يضعها محل السجود من أجل أن يضع جبهته عليها فى شدة الحر (ناولينى الخمرة قالت إنى حائض قال إن حيضتك ليست فى يدك) أنت ما تحملين هذا فى يدك هذا له مكان معين وأما أنتِ طاهر بعد ذلك لا حرج فقال إذا كان الأمر كذلك فيجوز إذا للحائض أن تغسل الميت وذكر لها الحديث الثانى

الحديث الثانى إخوتى الكرام فى المسند والموطأ والصحيحين والسنن الأربعة ورواه الإمام الدارمى أيضا فى سننه وهو فى السنن الكبرى للإمام البيهقى وغير ذلك من دواويين السنة وهو فى أعلى درجات الصحة عن أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة أيضا رضى الله عنها وأرضاها قالت (كان النبى عليه الصلاة والسلام يتكأ فى حجرى وأنا حائض فأرجله) عليه صلوات الله وسلامه ترجل تفرق شعره تدهن شعره وهى حائض فقال إذا جاز للحائض أن ترجل الحى فيجوز للحائض أن تغسل الميت وقد ثبت فى الصحيحين وغيرهما أيضا عن أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها (أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان مرارا يتكأ فى حجرها وهى حائض فيقرأ القرآن) فإذا استنبط هذا الحكم من هذين الحديثين حيضتك ليست فى يدك الأمر الثانى ترجل رأس الحى فإذا جاز أن ترجل وأن تمشط وأن تسرح وأن تدهن رأس الحى جاز أن تغسل الميت قالت رحمك الله جزاك الله خيرا ثم ذهبت إلى يحيى ابن معين وأصحابه فقلوا لها ماذا أفتاك فقالت أخبرنى أنه يجوز للحائض بأن تغسل الميت فقالوا لها ذكر لك دليلا قالت نعم ذكر لى حديثين فقال يحيى ابن معين نحفظ كل واحد منهما من كذا وكذا طريقة اسمعى حتى نورد لك طرق لهذا الحديث الحديث الأول من كذا طرق من ستين من سبعين من مائة العلم عند رب العالمين والثانى من كذا طريق وبدأوا يتفاوضون فى طرق الحديثين والمرأة بدأت تنظر إليهم مشدوهة يعنى حقيقة مستغربة ثم قالت يا عباد الله أين كنتم عندما سألتكم يعنى أنتم تحفظون هذين الحديثين وكل واحد منكم ما شاء الله طرق متعددة من طريق وطريق وطريق يورد هذا الحديث طيب أين كنتم عندما سألتكم هذا منزلة الفقيه الاستنباط منزلة الفقيه

ولذلك من حفظ ولم يفقه هذا حاله كحال الأجادب فيه خير, لكن من حفظ وفقُه حقيقة هذا كالأرض الطيبة التى قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير شتان بين الأجادب التى أمسكت وبين الأرض الطيبة التى أنبتت نعم كل منهما ليس من القيعان التى هى أرض مستوية منبسطة وملساء لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ نعوذ بالله من تلك الصفة فالفقيه إخوتى الكرام له شأن عظيم عند رب العالمين وسيأتينا إخوتى الكرام ضمن مراحل بحثنا وتراجم أئمتنا من أكبر معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام فقهاء هذه الأمة المباركة المرحومة أكبر معجزة لنبينا عليه الصلاة والسلام علم الفقه الذى كشف عنه أئمتنا الفقهاء وجحده الجاحدون فى هذه الأيام يأتينا بيان هذا عند تراجمهم بعون الله وتوفيقه الحديث الثالث إخوتى الكرام ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة تبين أن منزلة التفقه فى الدين أعلى درجات العبادة وفوق التفرغ للعبادة للجد والاجتهاد فى العبادة القاصرة من أذكار وأوراد ونوافل وعبادات يقوم بها الإنسان بينه وبين ربه, التفقه فى الدين أعظم من ذلك بكثير فاستمعوا لبعض الأحاديث التى تقرر هذا ضمن الدلالة الثالثة كما قلت

روى الإمام الطبرانى فى معاجمه الثلاثة فى الصغير والأوسط والكبير والحديث رواه الإمام الخطيب فى الفقيه والمتفقه انظروا الجزء الأول صفحة واحدة وعشرين فى الفقيه والمتفقه ورواه الإمام القضاعى فى مسند الشهاب قال الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء الأول صفحة عشرين ومائة وفى إسناد محمد ابن أبى ليلى ضعفوه لسوء حفظه وحديثه إن شاء فى درجة الحسن وقد قال عنه الحافظ فى التقريب صدوق سيىء الحفظ جدا وهو من رجال السنن الأربعة توفى سنة ثمان وأربعين ومائة للهجرة صدوق سىء الحفظ جدا وسأتينا الحديث لا ينزل عن درجة الصحة للاستفاضة إن لم يكن متواترا هذا الطريق حوله كلام الطريق الذى بعده صحيح وبعد ذلك طرق كما سأذكرها عن طريق الإيجاز يعنى اثنا عشر طريقا متصلا وأربعة طرق مرسلة فعندنا ستة عشر طريقا تدل على هذا المعنى وهذا الأمر فى الدلالة كما قلت فالحديث يعنى فى أعلى درجات الصحة وغن كان فى هذا الإسناد الأول فيه ضعف لوجود محمد ابن أبى ليلى ولفظ الحديث عن سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع) (الفقه أفضل العبادة وأفضل الدين الورع) أذكر معنى الورع بعد أن أذكر الرواية الثانية لهذا الحديث إخوتى الكرام

الرواية الثانية من طريق سيدنا سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه وأرضاه رواها الحاكم فى المستدرك وقال إسناده صحيح على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبى ومن طريقه روى الحافظ البيهقى الحديث فى المدخل إلى السنن صفحة ثلاث وثلاثمائة ورواه فى كتاب الزهد أيضا وفى كتاب الآداب ورواه فى كتاب الأربعون الصغرى فى أحوال عباد الله دون إسناد هذا فى الكتاب الأخير فقال رُوى عن النبى عليه الصلاة والسلام والحديث إخوتى الكرام صحيح لكن فى قول الإمام الحاكم وإقرار الذهبى له أنه على شرط الشيخين شىء من التساهل فقط لكن الحديث صحيح فى إسناده حمزة ابن حبيب الزيات رضى الله عنه وأرضاه وهو إمام ثقة مبارك صوق زاهد عابد لكن لم يخرج له البخارى ومن رجال مسلم والسنن الأربعة حمزة ابن حبيب الزيات أحد القراء السبعة توفى سنة ست وخمسين أو ثمان وخمسين بعد المائة فقول الحاكم على شرط الشيخين كما قلت فى ذلك شىء من التساهل والمسامحة يعنى لو قال صحيح صحيح لو على شرط مسلم صحيح على شرط الشيخين الحديث كما قلت ليس على شرط البخارى لأن البخارى لم يخرج لسيدنا حمزة ابن حبيب الزيات وهو إمام ثقة والحديث صحيح بلا شك ولفظ حديث سيدنا سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (فضل العلم أحب إلى من فضل العبادة) يعنى الزيادة فى العلم أحب إلى النبى عليه الصلاة والسلام من الزيادة فى العبادة (فضل العلم أحب إلى من فضل العبادة وخير دينكم الورع) هناك (أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع) وهنا (فضل العلم أحب إلى من فضل العبادة وخير دينكم الورع)

إخوتى الكرام الورع تعريفه باختصار كما عرفه نبينا عليه الصلاة والسلام إمام الأبرار أن يترك الإنسان ما يشك فيه ليستبرأ لدينه شىء تشك فيه هل هو حلال أو حرام تنزه عنه شىء حاك فى نفسك يعنى حاله ابتعد عنه وتنزه عنه هذا هو تعريف الورع يعنى أن تترك ما لا بأس به أن تترك ما ليس بحرام خشية أن تقع فى الحرام ثبت فى سنن الترمذى وسنن ابن ماجة والحديث رواه الحاكم فى المستدرك صححه ووافقه عليه الذهبى ورواه الإمام البيهقى وعبد ابن حميد والإمام القضاعى فى مسند الشهاب والإمام ابن عساكر والطبرانى فى معجمه الكبير والحديث إخوتى الكرام حسنه الإمام الترمذى وأقره الحافظ ابن حجر فى الفتح فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين وهو حسن بعون رب العالمين ورواه الإمام الدولاب فى الكُنى أيضا انظروه إخوتى الكرام فى جامع الأصول فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وثمانين وستمائة وفى الترغيب والرهيب فى الجزء الثانى صفحة تسع وخمسين وخمسمائة وانظروه فى جمع الجوامع فى الجزء الأول فى صفحة تسعة عشرة وتسعمائة ولفظ الحديث من رواية سيدنا عطية السعدى رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس) يعنى أن تترك ما تشك فيه تتردد فيه لئلا تقع فى الحرام شىء ليس بحرام لكن قد يفضى إلى الحرام فتركته حقيقة هذا هو الورع

إخوتى الكرام الإنسان ما له مصلحة فى خروجه من بيته من الورع أن يجلس فى البيت يعنى هذا معتكف اعتكف فيه أما تريد أن تتمشى يمينا وشمالا التمشى مباح لكن قد يجر إلى رزايا ومنكرات لا سيما فى هذه الأوقات يعنى عندما يخرج تقع الإنسان عيناه على منكرات وما أكثرها فى جميع الجهات فلو جلست فى بيتك لصنت عينك عن ذلك هذا ورع حقيقة واضح هذا الإنسان يعنى يتورع ولا داعى أن يخرج إلا لمصلحة شرعية ما عدا هذا يعنى الناس تتجول يمينا وشمالا لمَ؟ فلا بد إذا من أن يترك الإنسان ما لا بأس به حذرا مما به بأس إذا خرج يجره هذا بعد ذلك إلى شوائب روى الإمام ابن أبى الدنيا فى كتاب التقوى عن سيدنا أبى الدرداء رضى الله عنه موقوفا عليه من قوله قال تمام التقوى أن تتقى الله حتى تترك ما ترى أنه حلال خشية أن يكون حراما وقد علق البخارى فى صحيحه فى أول كتاب الإيمان فقال وقال ابن عمر رضى الله عنهما (لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك فى الصدر) ما ترددت فيه هل يعنى يجر إلى محذور أو هو مسموح به اتركه واسترح قال الإمام البخارى فى صحيحه وقال ابن عمر (لا بيلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك فى الصدر) وهذا المعنى إخوتى الكرام الذى ذكره سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما الأثر إخوتى الكرام قال عنه الحافظ لم أجده موصولا بعد البحث والتفتيش يعنى أثر معلق لكن ما وجدت من وصله وما رأيت من خرَّجه هذا الحافظ يقوله رضى الله عنه وأرضاه فماذا يقول من بعده إنما يكفى أنه فى صحيح البخارى كما قلت معلق بصيغة الجزم عن سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما مقطوع بصحته لأنه مضاف إليه فهو فى صحيح البخارى فى كتاب إلتزم صاحبه الصحة لكن هذا الأثر قال الحافظ معناه ثبت فى أحاديث صحيحة منها حديث النواس ابن عباس فى صحيح مسلم عندما قال نبينا عليه الصلاة والسلام

(البر ما اطمئنت إليه النفس) وسكن (البر حسن الخلق والإثم ما حاك فى نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) هذا حديث النواس ابن سمعان رضى الله عنه والحديث إخوتى الكرام أيضا ورد معناه من حديث وابصة ابن معبد رضى الله عنه وأرضاه فى المسند وسنن الإمام الدارمى عندما جاء وابصة يسأل نبينا عليه الصلاة والسلام عن البر قال جئت تسأل عن البر (البر حسن الخلق والإثم ما حاك فى صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس وإن أفتاك الناس وأفتوك) قال الحافظ ابن رجب فى جامع العلوم والحكم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا صفحة سبع وثلاثين ومائتين وقد ورد هذا المعنى أن الإثم ما حاك فى الصدر ما تردد فى الصدر فهو إثم من رواية أبى أُمامة الباهلى فى مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان ومن رواية أبى ثعلبة الخُشَنى فى مسند الإمام أحمد كلاهما بسند جيد ومن رواية واسلة ابن الأصقع فى معجم الطبرانى الكبير لكن إسناد الحديث ضعيف ويشهد له ما تقدم ومن رواية أبى هريرة ومن رواية عبد الرحمن ابن معاوية وهو تابعى فحديثه مرسل كلها فيها أن الإثم ما حاك فى الصدر ما تردد فى الصدر فهو إثم فتركه من باب الورع لتكون من المتقين نعم إخوتى الكرام ما اشتبه عليك دعه وهذا كما ثبت فى المسند والصحيحين والسنن الأربعة من رواية سيدنا النعمان ابن بشير رضى الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتَبِهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يُواقِعه ألا لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله فى أرضه محارمه ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب) كنت تكلمت إخوتى الكرام فى مواعظ سابقة وقلت هذا الحديث هو أحد أحاديث ثلاثة تدور عليها أحاديث النبى عليه الصلاة والسلام بل دين الحرام على التمام

حديث سيدنا عمر رضى الله عنه (إنما الأعمال بالنيات) وهو فى الصحيحين وحديث النعمان ابن بشير رضى الله عنهما (الحلال بين والحرام بين) وحديث أمنا عائشة رضى الله عنها فى الصحيحين أيضا وغير ذلك من دواوين السنة (من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وقلت وجه دوران الإسلام أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام على هذه الأحاديث الثلاثة أن حديث النعمان ابن بشير بيَّن لنا أن الحلال واضح والحرام واضح وما اشتبه عليك فدعه لتستبرأ لدينك وعرضك وكرامتك هذا الحلال وهذا الحرام الواضحان يبنغى أن نفعل الحلال وأن نترك الحرام مريدين بذلك وجه الرحمن فالأعمال بالنيات فمن فسدت نيته وإن إلتزم بالحلال فعلا فى الظاهر وترك الحرام فى الظاهر لكن لا لله لا يثاب عند الله الأعمال بالنيات وهذا ينبغى أن يكون على الكيفية الثابتة عن نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام فالحلال الواضح كما ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام لا نزيد فى دين الله ولا ننقص منه فمن أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد حلال واضح حرام واضح حسبما بين نبينا عليه الصلاة والسلام تلتزم بذلك مريدا وجه ذى الجلال والإكرام إذاً الورع كما قلت أن يترك الإنسان ما لا بأس به حذرا مما به بأس ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى والنسائى والحديث فى صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وإسناد الحديث صحيح من رواية سيدنا الحسن ابن على رضى الله عنهما قال حفظت من رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه دع ما يَريبُك إلى ما لا يريبك هذا هو الورع فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة وفى رواية ابن حبان فإن الخير طُمأنينة تفعله وأنت مطئمن ما حوله يعنى تردد فى الصدر ولا بحث فى النفس حلال حلال فإن الخير طمأنينة وإن الشر ريبة فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة يعنى ترتاب وتشك فيه وهكذا ما يؤدى إليه تشك فيه فما شككت فيه وتردد فى صدرك دعه وانتهى الأمر

إذاً إخوتى الكرام أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع فضل العلم أحب من فضل العبادة وأفضل الدين الورع هذا الحديث إخوتى الكرام الذى رُوى كما قلت من طريق سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما وسيدنا سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنهم أجمعين رُوى كما قلت عن صحابة آخرين وعن رواة آخرين رضى الله عنهم أجمعين, سأرد الروايات سردا وأما تخريجها تقدم بيانها فى موعظة الجمعة فى مواعظ لجمعة رُوى الحديث إخوتى الكرام من رواية السادة الكرام سيدنا حذيفة سيدنا عبد الله ابن عباس سيدنا عبد الله ابن عمرو سيدنا أنس ابن مالك سيدنا ثوبان سيدنا عبادة ابن الثابت وأمنا الصديقة المباركة سيدتنا المباركة عائشة وسيدنا عبد الرحمن ابن عوف وسيدنا أبى هريرة ورُوى فى شعب الإيمان عن بعض الصحابة لم يسم رضى الله عنهم أجمعين هذه عشر روايات مع رواية ابن عمر وسعد اثنتا عشرة رواية أوليس كذلك هذه كلها متصلة فيها هذا المعنى أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع فضل العلم أحب من فضل العبادة وخير الدين الورع كلها فيها هذا المعنى ورُوى الحديث أيضا من طرق أربعة مرسلة من طريق الحسن البصرى وابن سيرين فى كتاب الزهد لهناد ابن ثرى وغير ذلك ورُوى من طريق مُطَرِّف ابن عبد الله ابن الشخير وعمرو ابن قيس المُلائى فهذه أربعة طرق ثابتة كما قلت مرسلة وهناك اثنتا عشرة طريقة متصلة كلها فيها هذا المعنى أن أفضل العبادة الفقه وأن أفضل الدين الورع إخوتى الكرام ما دلت عليه هذه الأحاديث الصحيحة من منزلة علم الفقه ومنزلة العلم ومكانته أنها أعلى درجات العبادة هذا الأمر هو الذى وعاه سلفنا الكرام وفى مقدمتهم صحابة النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكانوا يُنَوِّهون بذلك على الدوام إليكم بعض الآثار الحسان التى تقرر هذا عنهم أذكر أثرا أو أثرين من الآثار الواردة عنهم وأكمل البقية فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه إن شاء الله

روى الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة اثنتين وعشرين عن سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه أنه قال الدراسة صلاة الدراسة من يدرس العلم يتعلم الفقه يصلى لله عز وجل وروى الخطيب فى كتاب الفقيه والمتفقه فى الجزء الأول صفحة سبع عشرة عن يحيى ابن أبى كثير وهو تابعى جليل توفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة ثقة ثبت حديثه فى الكتب الستة قال تعلم الفقه وتعليمه عبادة تعلم الفقه وتعليمه صلاة ودراسة القرآن صلاة بل أن تعلم العلم تعلم الفقه تعليم الفقه هو أعلى من صلاة النافلة أيضا روى الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة أربع وعشرين عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال لئن أجلس ساعة فأفقه فى دينى أى أتفقه فى دينى أتعلم أحكام الشريعة المطهرة لئن أجلس ساعة فأفقه فى دينى أحبُ إلىَّ من أحيى ليلة إلى الصباح وروى البيهقى فى المدخل إلى السنن صفحة خمس وثلاثمائة عن سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين قال لئن أجلس ساعة فى مجلس فقه أحب إلىَّ من صيام يوم وقيام ليلة وروى البيهقى فى المدخل إلى السنن والإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله والأثر فى سنن الدارمى وشرح السنة للإمام البغوى عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال تذاكر بعض ليلة أحب إلىَّ من إحيائها أحب إلىَّ من إحياء بقيتها إذا تذاكر بعض الليل جزءا من الليل فى أمر الفقه أحب إليه من أن يحيى الليلة بكاملها فى عبادة قاصرة وروى الخطيب فى كتاب الفقيه والمتفقه فى الجزء الأول صفحة ست عشرة عن سيدنا أبى الدرداء رضى الله عنهم أجمعين قال مذاكرة ساعة خير من قيام ليلة

والسبب فى ذلك إخوتى الكرام أن الفقه أن العلم شرط لسائر الطاعات فلا تقبل إلى حسب ما يقتضيه العلم وعلى حسب العلم الشرعى ثم من يتعلم يكون على بصيرة فى هذه الحياة فيدفع عنه الشهوات والشبهات وإذا لم يتعلم يتلاعب به الشيطان فى جميع الأوقات أختم الكلام إخوتى الكرام بهذه القصة كنت ذكرتها سابقا رواها الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة ست وعشرين ورواها الخطيب البغدادى فى الفقيه والمتفقه فى نفس الجزء والصفحة فى الجزء الأول صفحة ست وعشرين والأثر إخوتى الكرام رواه وذكره الإمام ابن القيم فى مفتاح السعادة وهو آكام المرجان ورواه الإمام السيوطى أيضا فى لقط المرجان ولفظ الأثر قال شياطين الجن للإمامهم سيدهم إبليس عليه وعليهم لعنات ربنا العزيز قالوا له يا سيدنا علامَ تفرح بموت العالم ما لا تفرح بموت العابد والعالم لا تصيب منه والعابد تصيب منه, العابد أنت تفتنه تغويه تضله وهو لا يشعر وإذا مات لا تفرح بموته وأما العالم إذا مات تفرح بموته مع أنك لا تصل إليه يعنى لا تغويه فأنت ينبغى أن تفرح بموت العالم, العالم تفرح بموته ينبغى أن تغتم لموت العالم لأنك يعنى ما تستفيد منه أما ذاك يعنى إذا مات العابد لا تظهر الفرح يعنى لمَ؟ وإذا مات العالم تفرح غاية الفرح مع أنك لا تنال من العالم شيئا ولا تصل إليه علامَ تظهر الفرح فقال لهم إبليس أريكم ماذا يفعل بنا العلماء وماذا نفعل بالعباد ثم أخذهم وذهبوا إلى عابد فى أول الأمر وقالوا له ويأتى بسورة سائل ويتشكل بصور مختلفة نسأل الله أن يكفينا شره إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين جاء إلى العابد وقال له هل يقدر ربنا أن يوجد هذه الدنيا فى بيضة؟ هل يمكن أن يدخل الله هذه الدنيا على سعتها فى بيضة؟

فالعابد تردد ورد فى بعض الأجوبة عنه قال وكيف ذاك وبعض الأجوبة قال لا يقدر وفى بعض الأجوبة قال لا أدرى وكلها ضلال وردى فقال الشيطان لتلاميذه لأتباعه أترون أنه كفر وهو لا يدرى هذا كفر بالله وهو لا يدرى يا عبد الله الله على كل شىء قدير وأنت بعد ذلك تقول لا أدرى لا يقدر كيف هذا ثم ذهبوا إلى العالم قالوا هل يقدر الله جل وعلا أن يوجد هذه الدنيا وأن يدخلها فى بيضة؟ فقال العالم لهذا السائل الذى هو فى الحقيقة إبليس ومن يمنعه إذا أراد الله هذا الشىء من يمنعه هو على شىء قدير فقال الشيطان للعالم كيف يقدر قال إذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون يعنى هل يصعب عليه هذا؟ يصغر الله الدنيا ويوسع البيضة هذا أمره عائد إليه إذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون وهذا لا يدخل فى دائرة المستحيلات إنما هو فى الممكنات الجائزات ولذلك إذا مات العالم حقيقة يفرح الشيطان لأن هذا العالم كان يفسد على الشيطان مخططاته ويحذر الناس من إغوائه وأما العابد فيلعب به الشيطان كما يلعب الصبيان بالكرة ولذلك قال سيدنا عمر ابن عبد العزيز رضى الله عنه وأرضاه وأثره إخوتى الكرام ثابت فى كتاب الفقيه والمتفقه فى الجزء الأول صفحة تسع عشرة وفى كتاب جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة سبع وعشرين قال من عمل فى غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح يعبد ربه على جهل فهذا لا يقبل عند الله عز وجل وقد أحيانا يجرى منه ما جرى من العابد الأحمق الذى كنت أيضا ذكرت حكايته فى بعض المواعظ السابقة والقصة فى كتاب أخبار الحمقى والمغفلين للإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كان يتعبد ربه فلما نزل مطر واخضرت الأرض وامتلأت بالعشب خرج وأعجبه هذا المنظر ثم نادى ربه وناجاه ربى لو كان لك حمار لرعيته لك العشب كثير ربى لو كان لك حمار لرعيته لك هذا الجهل وهذا هو الضلال فلا بد إخوتى الكرام من أن يكون الإنسان على علم ووعى

بعض الإخوة الكرام فى العلم الماضى أخبرونى كانوا معتكفين فى مسجد انظر للجهل كيف يصنع بأهله وقال لى فى رمضان وجاؤا زارونا هنا إخوة كرام وحكوا لى هذا قال أذن علينا الفجر ونحن فى المسجد وكنا نياما لأننا تهجدنا وصلينا وتذاكرنا ونمنا فى آخر الليل فما استيقظنا إلا بعد الآذان انتهى الآذان فأيقظونا بعد انتهاء الآذان فقلنا يشق علينا أن صوم من غير سحور فقالوا نجتهد ونأكل فقال جلسنا وأكلنا فما حكم صيامنا؟ قلت الله يغفر لى ولكم أنتم يعنى تتعبدون ومعتكفون وتدعون إلى الله وما تعرف بعد ذلك حكم الصيام يعنى ماذا ينبغى أن تفعله كيف تأكل بعد طلوع الفجر قال اجتهدنا قلت لا إله إلا الله هو باب الاجتهاد الآن فُتح لكل أحد يعنى حتى للعامة سيجتهد ويفعل قلت يا عبد الله لمَ لا تتعلم ما عليك إن شاء الله الآن يعنى إثم من أفطر متعمدا ما عليك الإثم عليك القضاء لأن هذا جرى عن جهل لكن لا تعفى من الإثم عند الله لأنك قصرت فى معرفة الحكم يعنى لا بد أيضا من مسؤلية ومن توبة إلى رب البرية فنسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

04

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام كنا نتدارس الآثار الثابتة عن نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى بيان فضل التفقه فى الدين وقلت سنتدارس أربعة آثار وقفنا عند الثالث منها أولها حديث سيدنا معاوية ومن معه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أنه قال من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين والحديث الثانى حديث سيدنا إبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه عن سيدنا النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا إلى آخر الحديث وتقدم معنا كل من الحديثين فى الصحيحين وغيرهما والحديث الثالث حديث عبد الله ابن عمر وحديث سيدنا سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنهم أجمعين وقلت رُوى الحديث عن اثنى عشر صحابيا ورُوى عن أربعة من التابعين مرسلا إلى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ورواياتهم كلها متقاربة ولفظها أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع, فضل العلم أحب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام من فضل العبادة وأفضل الدين الورع تقدم معنا إخوتى الكرام هذا وإنما كان العلم له تلك الرتبة والفقه فى الدين له تلك المنزلة لأمرين معتبرين كما ختمت بذلك الموعظة:

الأمر الأول قلت جميع أمور الدين يشترط لها العلم والتفقه فى دين الله عز وجل فعمل من غير علم لا يقبل الأمر الثانى صاحب الفقه فى الدين على بصيرة فى هذه الحياة وعليه إذا أراد بعلمه وجه رب الأرض والسماوات هو مصون بعون الله وتوفيقه من الشهوات والشبهات وأما العابد الذى لم يأسس أموره على هدى وبينات فهو عرضة للمسومات ممكن شهوة تغويه أو شبهة أيضا تغويه شهوة تطغيه شبهة تغويه وأما من أراد بعلمه وجه الله وهو على بينة فهو لا يتزحزح عن مبدأ الحق لو وضعوا الشمس فى يمينه والقمر فى يساره إخوتى الكرام ولأجل ذلك كان المقرر فى شريعة رب العالمين أنه لا يُعبد رب العالمين بمثل الفقه فى الدين , لا يوجد عبادة يتقرب بها الناس إلى الله بمثل التفقه فى دين الله عز وجل ثبت هذا الأثر عن الإمام الزهرى رحمة الله ورضوانه عليه وهو من أئمة التابعين الكرام توفى سنة خمس وعشرين ومائة وحديثه فى الكتب الستة محمد ابن مسلم ابن شهاب الزهرى أبو بكر الحافظ الفقيه متفق على جلالته وإمامته وإتقانه رضى الله عنه وأرضاه قال هذا العبد الصالح (ما عُبد الله بمثل الفقه فى الدين) وهذا الأثر مروى عنه فى كتاب جامع بيان العلم وفضله فى عدة أماكن فى الجزء الأول صفحة أربع وعشرين وصفحة ست وعشرين وصفحة واحدة وخمسين ورواه عنه الخطيب فى كتابه الفقيه والمتفقه فى الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين وانظروه فى المدخل إلى السنن للإمام البيهقى فى صفحة ثمان وثلاثمائة وهو فى حلية الأولياء فى ترجمة محمد ابن شهاب الزهرى (ما عُبد الله بمثل التفقه فى الدين) قال الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى مفتاح السعادة فى الجزء الأول صفحة تسعة عشر ومائتين وهذا الكلام يحتمل معنيين ما عُبد الله بمثل التفقه فى الدين يحتمل معنيين اثنين كل منهما صحيح

المعنى الأول الفقه عبادة عظيمة جليلة فخيمة لا يوجد عبادة تعدلها فهى أعنى عبادة التفقه فى الدين أفضل من الصلاة وأفضل من الصدقة وأفضل من الجهاد وأفضل من سائر العبادات ما عُبد الله بمثل التفقه فى الدين أن هذه العبادة لايعدلها عبادة يتقرب بها المتقربون إلى الحى القيوم والمعنى الثانى الذى يحتمله هذا الأثر العبادة بالفقه هى المعتبرة عند الله ولها أثر عظيم وهى التى تُتَقبل فكأنه يقول ما عبد الله بعبادة فيها فقه وعليه سائر العبادات ينبغى أن يكون فيها فقه لأن العبادة من غير فقه لا تقبل عند الله عز وجل ما عبد الله بعبادة كالعبادة التى فيها فقه وعلى بينة وبصيرة والذى يظهر من كلام الإمام الزهرى أن المعنى الأول أظهر يريد أن يبين منزلة التفقه فى الدين على سائر العبادات ما عبد الله بمثل التفقه فى الدين قال الإمام البيهقى بعد أن روى هذا الأثر كما قلت فى المدخل إلى السنن وقد رُوى هذا بإسناد آخر ضعيف مرفوعا إلى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يعنى هذه الجملة ما عبد الله بمثل التفقه فى الدين ثابتة عن الإمام الزهرى لكن رُويت أيضا مرفوعة إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام بإسناد ضعيف والحديث الذى أشار إليه الإمام البيهقى رواه البيهقى فى المدخل إلى السنن وفى شعب الإيمان وانظروه فى سنن الدار قطنى أيضا فى الجزء الثالث صفحة تسع وسبعين ورواه الطبرانى فى معجمه الأوسط كما فى المجمع فى الجزء الأول صفحة واحدة وعشرين ومائة وهو فى كتاب جامع بيان العلم وفضله وكتاب الفقيه والمتفقه ورواه الإمام الآجروى فى كتاب أخلاق العلماء والإمام السمعانى فى كتاب أدب السماع والاستماع فى صفحة ستين وهو فى حلية الأولياء لإبى نعيم وفى كتاب رياضة المتعلمين له أيضا ورواه الإمام احمد ابن منيع فى مسنده وهكذا القُضاعى فى مسنده

ولفظ الحديث إخوتى الكرام من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال لكل شىء عماد وفى رواية لكل شىء دِعامة وفى رواية لكل شىء قِوام ,عماد دعامة قوام وهى بمعنى واحد أى لكل شىء أساس يقوم عليه (لكل شىء عماد دعامة قوام وعماد الدين الفقه وما عبد الله بشىء مثل الفقه ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) وتقدم معنا الشيطان يلعب بالعباد كما يلعب الصبيان بالكرة كما أن العالم يلعب بالشيطان كما يلعب الصبيان بالكرة وكما يوجد فى الجن من يصرع الإنس يوجد فى الإنس من يصرع الجن وكما يوجد فى الجن من يتلاعب بالإنس يوجد فى الإنس من يتلاعب بالجن ومن مناقب سيدنا عمر رضى الله عنه الفاروق رضى الله عنه وأرضاه كما فى الصحيحين وغيرهما أنه ما سلك فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجه فإذا سلك سيدنا عمر رضى الله عنه طريقا الشيطان لا يستطيع أن يسلك هذا الطريق مادام فيه هذا الفاروق رضى الله عنه وأرضاه كما يوجد فى الجن من يخيف الإنس يوجد فى الإنس من يخيف الجن وإذا رآه الجنى أدبر وهرب وله ضُراط ويقول جاء الموحد الفقيه البصير الذى يحرقنى نوره ولا أستطيع أن أقف أمامه ولا أن أكون فى مكان معه وهنا لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد والأثر إخوتى الكرام قال عنه الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الأول صفحة ثلاث عشرة إسناده ضعيف وكذلك عمل الإمام الزبيدى فى شرح الإحياء فى الجزء الأول صفحة واحدة وثمانين ورواه الحكيم الترمذى أيضا فى نوادر الأصول صفحة سبع وعشرين من غير إسناد رُوى عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال (لكل شىء دعامة عماد قوام وعماد الدين الفقه وما عبد الله بمثل الفقه فى الدين ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد)

هذه رواية أولى لهذا الحديث الذى أشار إليه الإمام البيهقى فى المدخل قال رُوى مرفوعا بإسناد ضعيف هذه رواية أولى من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه ورُوى الحديث أيضا من رواية سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين روايته رواها البيهقى فى شعب الإيمان والخطيب فى الفقيه والمتفقه فى الجزء الأول صفحة واحدة وعشرين ورواها الإمام العدنى فى مسنده كما فى شرح الإحياء فى المكان المشار إليه آنفا ولفظ الحديث كما تقدم معنا (ما عبد الله بمثل الفقه فى الدين ولكل شىء عماد ولكل شى ءدعامة ولكل شىء قوام وعماد الدين الفقه فى الدين ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) الحديث أيضا ضعيف الإسناد وجملة إخوتى الكرام ما عبد الله بمثل الفقه فى الدين وهى التى بدأت بها الموعظة من كلام الإمام الزهرى هذه الجملة رُويت أيضا مرسلة عن مكحول إلى نبينا المبرور على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه, أثر العبد الصالح مكحول رواه الخطيب فى الفقيه والمتفقه فى الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين ورواه وكيع فى كتاب الزهد فى الجزء الثانى صفحة ثمانين وأربعمائة والإمام مكحول من أئمة التابعين وهو ثقة فقيه إمام مبارك توفى سنة بضع عشرة ومائة روى له الإمام البخارى فى جزء القراءة خلف الإمام ومسلم فى صحيحه وأهل السنن الأربعة (ما عبد الله بمثل الفقه فى الدين) من كلام مكحول مرفوعا إلى نبينا المبرور من رواية مكحول مرفوعا إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه ومن حديث ابن عمر ومن حديث أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين ورُوى من كلام الزهرى موقوفا عليه بإسناد صحيح ثابت من كلام الزهرى لكن هذه الروايات فيها ضعف تتقوى ببعضها كما سيأتينا من كلام أئمتنا بعون الله وتوفيقه قال الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء للإمام الغزالى إسناد الحديث ضعيف كما بينت إخوتى الكرام لكن سيأتينا هذه الروايات تعتضدد ببعضها

إذاً جملة ما عبد الله بمثل الفقه فى الدين مروية أيضا من طريق مكحول مرسلة من روايتين متصلتين وآخر الحديث لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد رُويت هذه الجملة على استقلال هى كما تقدم معنا ضمن حديث إبى هريرة وابن عمر رضى الله عنهم أجمعين جملة ما عبد الله بمثل الفقه فى الدين فى مرسل مكحول لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد رُويت أيضا هذه الجملة عن عدة من الصحابة الكرام مرفوعة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام منهم عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما وحديثه فى سنن الترمذى فى كتاب العلم باب ما جاء فى فضل الفقه على العبادة وقال الترمذى هذا حديث غريب يشير إلى أنه ضعيف وهو ضعيف كما سيأتينا ورواه الإمام ابن ماجة أيضا فى السنن ورواه الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله والخطيب فى الفقيه والمتفقه والإمام ابن حبان فى كتابه المجروحين فى الجزء الأول صفحة ثلاثمائة وذكره الإمام الذهبى فى الميزان فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وثمانين فى ترجمة من ضُعِّف الحديث بسببه وهو رَوْح ابن جناح كما سيأتينا والحديث رواه بسنده الإمام ابن الجوزى فى كتابه العلل المتناهية فى الأخبار الواهية فى الجزء الأول صفحة ست وعشرين ومائة ولفظ الحديث من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما عن نبينا خير الناس عليه صلوات الله وسلامه أنه قال (لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) الحديث إخوتى الكرام أيضا إسناده ضعيف وقد أشار إلى ذلك الإمام الترمذى وبعده الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الأول صفحة ثلاث عشرة وقال الإمام ابن الجوزى فى العلل قلت هذا من كلام عبد الله الن عباس يعنى ثابت من كلام الصحابى المبارك ورفعه رَوح ابن جناح قصدا أو غلطا, يعنى هو موقوف على عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين رفعه الرواوى وهو روح ابن جناح إما تعمدا أو وهما وغلطا

وروح ابن جناح ضعيف كما حكم عليه بذلك الحافظ فى التقريب وهو من رجال الترمذى وسنن ابن ماجة القزوينى (ت ق) روح ابن جناح لكن إخوتى الكرام هذا الحديث هنا من رواية ابن عباس وتقدم معنا من رواية أبى هريرة وتقدم معنا من رواية ابن عمر فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد رواية مكحول ما فيها هذا إنما الجملة فقط ما عبد الله بمثل الفقه فى الدين قال الإمام السخاوى فى المقاصد الحسنة صفحة واحدة وثلاثين وثلاثمائة يتأكد أحد الحديثين بالآخر مشيرا إلى حديث أبى هريرة وحديث عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين يتأكد أحدهما بالآخر والحديث إخوتى الكرام معناه صحيح ثابت فإذا يعنى لم يرتقِ بكثرة طرقه إلى درجة القبول فمعناه حق وهو ثابت عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنه كما تقدم معنا من كلامه ولذلك قال الإمام ابن القيم فى مفتاح السعادة فى الجزء الأول صفحة ثمان وستين وصفحة ثمانى عشرة ومائة الظاهر أن هذا من كلام الصحابة أو من دونهم يعنى هو كلام حق مأثور إما قاله صحابى مبرور أو تابعى عليهم جميعا رضوان العزيز الغفور لكن رفعه إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ما ثبت هذا بسند صحيح من كلام الصحابة أو من دونهم والإمام ابن الجوزى جزم بأنه من كلام سيدنا عبد الله ابن عباس ورفعه إما عمدا أو وهما وغلطا روح ابن جناح والعلم عند الله جل وعلا ويُفهم كما قلت لكم من كلام السخاوى أنه يميل إلى تقوية طرق الحديث فقال يتقوى أحدهما بالآخر ثم ذكر له بعد ذلك شواهد فى قَرابة صفحة كاملة من المقاصد الحسنة من المكان الذى أشرت إليه وهذ الكلام إخوتى الكرام حق وتتابع على قوله ونقله سلفنا روضوان الله عليهم أجمعين فسيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه يقول كما فى الفقيه والمتفقه فى الجزء الأول صفحة ست وعشرين (فقيه واحد أفضل من ألف ورع وألف مجتهد وألف متعبد)

والأثر إخوتى الكرام رُوى عن سيدنا عمر رضى الله عنه أيضا مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لكن فيه من لا يُحتج به ورواه الخطيب فى الفقيه والمتفقه وقال الإمام ابن القيم فى مفتاح السعادة فى الجزء الأول صفحة تسع وستين فى سنده من لا يحتج به لكن كله كما قلت مع الروايات المتقدمة تقرر أن الفقيه الواحد أشد على الشيطان من ألف عابد فعندنا رواية أبى هريرة رواية ابن عمر رواية عبد الله ابن عباس هنا رواية عمر فيها هذا المعنى أوليس كذلك؟ ورُوى الحديث أيضا من طريق سيدنا أنس رضى الله عنه وأرضاه رواه الخطيب كما فى مفتاح السعادة فى الجزء الأول صفحة ثمانى عشرة ومائة يرفعه سيدنا أنس إلى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (فقيه واحد أفضل عند الله من ألف عابد) هذه الآثار إخوتى الكرام كلها كما قلت يعتضد بعضها ببعض فتفيد ثبوت هذا المعنى وأن الفقه له شأن عظيم فى الدين فهو عماد الدين وأن الفقيه له شأن عظيم عند رب العالمين فهو خليفة النبى الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهو الذى يخرج شبهات وسواوس الشيطان الرجيم عن عباد الله الموحدين, هو الى يقوم على حفظ الدين فإذاً الفقيه الواحد أفضل من ألف عابد وأشد على الشيطان من ألف عابد إخوتى الكرام بل أُثر عن سلفنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ما يزيد على هذا نُقل عن العبدين الصالحين عن الإمام الباقر محمد ابن على ابن الحسين أوليس كذلك محمد ابن على ابن الحسين ابن سيدنا على رضى الله عنهم أجمعين الإمام الباقر محمد ابن زين العابدين وعن ولده جعفر الصادق ,جعفر ابن محمد ابن على ابن الحسين ابن على رضى الله عنهم أجمعين أُثر عن هذين العبدين الصالحين كما فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة سبع وعشرين أنهما قالا: (عالم ينتفع بعلمه أفضل عند الله من سبعين ألف عابد هناك هنا سبعون ألفا)

حقيقة عالم ينتفع بعلمه وتقدم معنا مثله كمثل الأرض الطيبة التى قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وحقيقة انتفع الناس وانتعت مواشيهم ودوابهم بواسطة الأرض الطيبة وهكذا العالم حقيقة يعنى هو إذا كان يعنى بين الناس فهم فى نور وهدى وإذا ذهب فهم فى ضلالة وردى فهو أعظم عند الله من سبعين ألف عابد هذا ينقل كما قلت عن هذين العبدين الصالحين عن الإمام الباقر ووله جعفر الصادق رضى الله عنهم أجمعين ولذلك إخوتى الكرام كان سلفنا الكرام يوصون ويتواصون بتحصيل العلم والتفقه فى دين الله عز وجل روى الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة خمس وأربعين عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وقال إسناده صالح والأثر رواه البيهقى فى المدخل إلى السنن صفحة سبع وثلاثمائة عن عبد الله ابن مسعود أيضا ورواه الخطيب فى الفقيه والمتفقه فى الجزء الأول صفحة ثمانى عشرة عن عبد الله اب عمر فالأثر عن صحابيين اثنين موقوفا عليهما عن ابن مسعود وعن ابن عمر

خلاصة الأثرين أن رجلا جاء إلى كل من هذين العبدين الصالحين إلى ابن عمر وإلى ابن مسعود كل واحد قال لواحد من هذين علمنى دلنى على شىء أتقرب إلى الله أخبرنى عن عمل أتقرب به إلى الله أى الأعمال أحب إلى الله لأقوم بها فكل واحد من ابن مسعود وابن عمر رضى الله عنهم أجمعين قال للسائل (تفقه فى الدين) اذهب وتفقه فى الدين تريد عملا يقربك إلى رب العالمين وتنال عليه أجرا عظيما عند مالك يوم الدين اذهب تفقه فى الدين وتعلم واحضر حلق الذكر ومجالس العلم فأعاد السائل سؤاله وقال ما أُراه عرف ما أريد أنا أسأله عن أفضل الأعمال دلنى على أفضل الأعمال وهو يقول تعلم العمل غير العلم نريد عملا نتقرب به إلى الله فأعاد السؤال قال دلنى على أحب الأعمال على أفضلها على عمل أتقرب به إلى الله عمل فقال ابن مسعود فى أثره ويح الآخر ولا يريد أن يجابهه ويحك ويح الآخر يعنى الذى لا يفهم ويح الآخر (إنك إذا تفقهت فى الدين قبل منك العمل قليله وكثيره وإذا لم تتفقه فى الدين لم يقبل منتك العمل لا قليله ولا كثيره) أنت تعبد الله على جهل فلا يقبل العمل عند الله عز وجل ويحك هذا أحب الأعمال إلى الله وفى رواية ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين قال للسائل (إن أناس لزموا بيوتهم فصاموا وصلوا حتى يبست جلودهم على عظامهم وما زادهم ذلك من الله إلا بعدا) لأنهم على غير بصيرة وغير علم وغير هدى ونور وقد يعنى يصلى على غير يعنى الصفات والشروط المطلوبة فلا تقيبل الصلاة كم من إنسان يفعل هذا أخبرنى مرة بعض الناس إخوتى الكرام مثل هذا ما أكثره وهو أيضا طالب علم لكن العلم التجارى الذى ابتلينا به فى هذه الأيام وهو يعنى يخبر عن نفسه عندما يسألنى هذا فى السنة الرابعة من كلية الشريعة يستفتينى يعلم رب العالمين فاستمعوا لهذه الفتيا التى تفرى يعنى كبد المؤمنين

يقول: هو يباشر أهله فى رمضان على الدوام دائما يباشرها يقول فى يوم من الأيام باشرها وما ملك نفسه فخرج منه الماء قلت: ماذا تقصد بالمباشرة قال: أجامع دائما يقول لى فى نهار رمضان دائما أجامع زوجتى ما مر علىَّ يقول يوم فى رمضان إلا أجامعها لكن هذا اليوم ضاقت علىَّ الأرض بما رحبت لمَ؟ جامعتها ما ملكت نفسى خرج الماء ,خرج الماء أفطرت قلت: والجماع لا يفطر قال: لا يفطر إلا إذا أمنى الإنسان إذا خرج المنى أفطر أما مجرد الإيلاج هذا لا يفطر الصائم قلت: أين درست ونحن فى كلية الشريعة ويسألنى هو فى كلية الشريعة أين درست أما مر معك هذا فى مقرر السنة الأولى قال: أنا فى غالب ظنى وعلمى أن الجماع يفطر بشرط الإنزال فأنا يعنى أولج ولا أنزل ثم فى هذا اليوم ما ملكت نفسى فخرج الماء بغير اختيارى قلت: والأيام الماضية ما تسأل عنها فلما علم حقيقة يعنى كما يقال عليه الأرض بما رحبت وقال: هذا حالى قلت: هذا حالك هذا ضلالك وهذه هى عبادة الجهل التى يتعبد بها الناس ربهم فى هذه الأيام وكم من إنسان يفعل هذا ولا يدرى كم كم يعنى كم هذا الذى سيوجه نفسه بنفسه وسيعبد ربه على عقله فانتبه صيامه من أوله إلى آخره باطل وعليه الإثم عليه الكفارة وهو يرى أنه صائم ولما يجلس عند الإفطار اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت!! وأى صيام صمت وأنت فى هذه الحالة هذا ومثله كثير إخوتى الكرام يعنى هذه حادثة من واحد والذى يدخل بعد ذلك مع الناس ويسمع الحوادث يسمع ما يشيب منه الولدان فى الجهل الذى يفعله الناس وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ويح الآخر ويح الأبعد إنك إذا تفقهت فى الدين قبل منك العمل قليله وكثيره وإذا لم تتفقه لم يقبل منك العمل قليله ولا كثيره وعملك لن يزيدك من الله إلا بعدا ولذلك تسألنى عن أفضل الأعمال تفقه فى دين الله عز وجل تفقه

وهذا إخوتى الكرام لا بد منه وتقدم معنا قصة العابد الأحمق لو كان حمار لرعيته لك وعابد آخر هل يقدر الله أن يجعل الدنيا فى جوف فى داخل بيضة قال لا يقدر فهذا كفر وذاك لا يعرف ما يتصف به الله عز وجل سبحانه وتعالى وكل واحد منهم بعد ذلك يرى أنه أيضا على شىء فلا بد إخوتى الكرام من التفقه فى دين الله عز وجل والله أرسل رسله وخيرهم نبينا عليه الصلاة والسلام وأنزل كتبه وأفضل الكتب الكتاب الذى أنزل علينا وهو القرآن طيب لمَ؟ لنتبع النبى عليه الصلاة والسلام ونهتدى بهديه ولنتعلم هذا القرآن أمَّا أننا لا نفقه فى دين الله عز وجل وما عندنا بعد ذلك إلا عبادة على حسب ما نختار نحن لا على حسب ما يريد الله لا ثم لا ولذلك كما قلت إخوتى الكرام مرارا كلمة التوحيد التى تخبر عن استسلامنا لربنا وعن عبوديتنا له لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام إياك أريد بما تريد فإذا لم تتفقه فى دين الله المجيد كيف ستعبد الله عز وجل, لا بد إخوتى الكرام من وعى هذا إذاً كانوا يوصون بهذا ويتواصون به وهذا الأثر إخوتى الكرام الذى رُوى عن هذه الصحابيين المباركين ابن مسعود وابن عمر رضى الله عنهم أجمعين أن أفضل الأعمال وأحبها إلى ذى العزة والجلال التفقه فى دين الله عز وجل

رُوى هذا مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام بسندن ضعيفين عن صحابيين اثنين عن سيدنا أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه كما فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة خمس وأربعين وفى كتاب الفقيه والمتفقه عن سيدنا على فى الجزء الأول صفحة اثنتين وعشرين عن سيدنا أنس فى جامع بيان العلم وفضله وعن سيدنا على فى كتاب الفقيه والمتفقه, عن سيدنا على وأنس رضي الله عنهما وعن الصحابة أجمعين أيضا أن رجلا جاء إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وقال أخبرنى بأحب الأعمال إلى الله بأفضل الأعمال إلى الله لأتقرب بهذا العمل إليه قال له تفقه فى الدين تعلم كما ورد فى الأثرين المتقدمين إخوتى الكرام كما قلت الأثران ضعيفان والمعنى صحيح فيهما والأثران الموقوفان المتقدمان يغنيان عنهما أى عن هذين الأثرين المرفوعين فإن يعنى لم يقويا بالأثرين الموقوفين فالأثران الموقوفان فيهما دلالة كما قلت على هذا على أن أحاديث الفضائل كما قرر أئمتنا يُتسامح فيها وما كان أئمتنا يتشددون فى ذلك كما تقدم معنا مرارا وانظروا كلام حافظ الدنيا فى زمانه الإمام ابن عبد البر فى ذلك فى جامع بيان العلم وفضله فى عدة أماكن فى صفحة اثنتين وعشرين وواحدة وثلاثين وخمس وأربعين يقول: أهل العلم بجملتهم يتسامحون فى أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب وإنما يشددون فى أحاديث الأحكام والحلال والحرام وتقدم معنا مرارا أن الحديث الضعيف يجوز أن يُذكر فى أمر الترغيب والترهيب دون بيان حتى ضعفه فكيف إذا بُيِّن ضعفه فمن باب أولى قال شيخ الإسلام الإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى ألفيته الشهيرة وسهلوا فى غير موضوع رووا من غير تبيين لضعف ورأوا بيانه فى الحكم والعقائد عن ابن مهدى وغير واحد إذاًُ إخوتى الكرام لا بد من التفقه فى دين الرحمن وإذا ما تفقه الإنسان يعرض نفسه للمخاطر والآثام فى العاجل والآجل

استمعوا لهذه القصة التى أخبرنا عنها نبينا عليه الصلاة والسلام وانظروا لأثر الجهل فى دين الرحمن, عابد متعبد صالح قانت عندما أخطأ فى أمر من الأمور كيف تعرض للبلايا والشرور والحديث فى المسند والصحيحين وهو فى صحيح ابن حبان أيضا من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه وانظروا الحديث إخوتى الكرام فى جامع الأصول فى الجزء العاشر صفحة عشر وثلاثمائة والحديث إخوتى الكرام فيه بيان الذين تكلموا فى المهد وسأذكر الحديث إن شاء الله ثم من باب جمع من تكلموا فى المهد سأتكلم عليهم فى هذه الموعظة بعون الله وتوفيقه لأننى فى بعض المواعظ ذكرت هذا بعضهم وكأن بعضهم استنكر بعض من حضر, اليوم ما أراه بيننا الأخ الذى قال, قال الذى أعرف أنهم ثلاثة وأنت تضيف إليهم قلت ورد ما هو أكثر من ثلاثة يعنى ورد ستة أو سبعة هذا فى أخبار ثابتة لكن أوصلها بعض أئمتنا إلى العشرة كما ستسمعون عشرة تكلموا فى المهد فسأذكر الثلاثة الذين هم فى هذا الحديث كما فى المسند والصحيحين وصحيح ابن حبان ثم أذكر الأصناف السبعة الآخرين الذين تكلموا فى المهد وواحد من هؤلاء الثلاثة سيأتينا يعنى جرى له قصة ليس هو تكلم فى المهد جرى له قصة نتج عنها فى نهاية الأمر يعنى لصلاحه ولتدارك الله له بالرحمة أن أنطق من فى المهد ليبرأه لكن ما وقع فيما وقع فيه إلا بسبب جهله وعدم فقهه مع عظيم جده واجتهاده فى طاعة ربه فاستمعوا للحديث إخوتى الكرام

الحديث كما قلت من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة وهذا إخوتى الكرام يحمل على أنه يعنى هؤلاء تكلموا فى المهد كلاما لهم ميزة على الأصناف الآخرين يعنى كلامهم يعنى حقيقة له شأن على كلام أولئك أو أن هؤلاء من جملة من تكلموا فى المهد فأخبرنا النبى عليه الصلاة والسلام عن عدد ثم أضاف إليه ما أوحى إليه به ربنا الصمد سبحانه وتعالى فهؤلاء وأولئك كلهم تكلموا فى المهد عيسى ابن مريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه عندما أتت به الصديقة المباركة مريم عليها وعلى سائر الصديقين والصديقات رحمة ورضوان رب الأرض والسموات {فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا *يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا *فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا *قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا *وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا *وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا *والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا* ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} [مريم/27-34] على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هذا النوع الأول أو الفرد الأول نبى الله المبارك عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وصاحب جريج فاستمعوا إليه جريج عابد لكن ليس بفقيه فعرض نفسه إلى محنة فى هذه الحياة ولطف الله به فما يعنى زادت أمه فى الدعاء عليه ولو زادت لهلك بسبب تقصيره فى بره بأمه فدعت عليه فاستجاب الله دعاء الوالدة فعرضه لمحنة شديدة فظيعة ثم بعد ذلك لطف به لأن أمه ما زادت فى الدعاء عليه فحصل ما طلبته الأم ثم بُرىء بعد ذلك نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين

قال (وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلى فقالت يا جريج فقال يا رب أمى وصلاتى فأقبل على صلاته) وهذا الكلام إما أنه قاله فى نفسه معتذرا إلى ربه أو نطق به وكان الكلام عندهم لا بيطل الصلاة, يعنى تحدث يا رب أمى وصلاتى ماذا أعمل أنا فى حيرة وهو جاهل لا يعلم الحكم فبالحكم يا عبد الله اقطع الصلاة والصلاة نافلة وإجابة الأم واجب وسيأتينا يعنى لو كان عالما فقيها لعلم أن إجابته لأمه أن بِرَّه بأمه أفضل من طاعته لربه أى فيما لم يتعين عليه واضح هذا هذه من باب النوافل اقطع الصلاة وقل لبيك وتقدم معنا ذكر يعنى ما يتعلق بهذه المسألة فى فضائل سورة الفاتحة تقدم معنا عندما خاطب نبينا عليه الصلاة والسلام أبا سعيد ابن المعلى وأبى ابن كعب تقدم معنا وكل منهما كان يصلى وما أجاب النبى عليه الصلاة والسلام فقال له ألم يقل الله (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) تقدم معنا الأثران إخوتى الكرام فى فضل سورة الفاتحة ضمن مواعظ التفسير وقلت يجب على الإنسان إذا دعاه النبى عليه الصلاة والسلام وهو يصلى نافلة أن يقطع الصلاة كما هو الحال فى الأبوين, نعم إذا لاح عنده بقرينة يعنى أن الطلب ليس بعاجل وأمكنه أن يتجوز فى الصلاة وأن يتخفف وأن يأتى بالأركان والواجبات فقط ثم يجيب فيجمع بين الحسنيين لكن إذا دعت ودعت ودعت ما سيأتينا هنا ثلاثة وهو مستغرق كما يقال فى صلاته ولا يبالى بهذا النداء الذى يوجه إليه من أمه من أبيه حقيقة عرض نفسه الآن يعنى لعقوبة تنزل عليه إذا طلب صاحب الحق ذلك وهو الأب أو الأم

إذاً يا جريج قال يا رب أمى وصلاتى فأقبل على صلاته فانصرفت فما كان من الغد أتته وهو يصلى فقالت يا جريج فقال يا رب أمى وصلاتى فأقبل على صلاته فانصرفت فلما كان من الغد أتته وهو يصلى فقالت يا جريج قال يا رب أمى وصلاتى فأقبل على صلاته الرجل مستغرق فى العبادة يعنى متفرغ وهو اتخذ صومعة يتعبد فيها وكما تقدم معنا فى أثر ابن عمر رضى الله عنه وأرضاه يبس جلده والتصق جلده بعظمه وهذا كذلك فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات وفى البخارى إلى وجوه المياميس يعنى الزانيات نسأل الله العافية تقول هذا العابد هذا ولدى الذى عقنى وما أجابنى لا يموت حتى يرى وجوه الزانيات وهو فى صومعته كيف سيرى وجوه المومسات؟ هو ما يرى وجوه المخلوقات فهذه سألت أن يرى وجوه الزانيات ونعمة ما دعت عليه يعنى بما هو أشد من ذلك قال فتذاكر بنى اسرائيل جريجا وعبادته وكان امرأة بغى يُتمثل بحسنها يعنى تفتن الناس وكل واحد يتمنى أن يتصل بها نسأل الله أن يحفظنا من سخطه فقالت إن شئتم لأفتننه أنا باستطاعتى أن أفتنه وأن أفتن غيره كل واحد يتمنانى وأنا أتمنع فمن جريج إذا ذهبت إليه قال فتعرضت له فلم يلتف إليها الرجل يعنى حقيقة مجد فى العبادة ومجتهد فأتت راعيا كان يأوى إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت هو من جريج هذا فعل جريج فأتوه فاسنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه فقال ما شأنكم قال زنيت بهذه البغى فولدت منك فقال أين الصبى فجاؤوا به فقال دعونى أصلى فصلى فلما انصرف أتى الصبى فطعن فى بطنه فقال يا غلام وفى رواية البخارى يا با بوس يعنى البوبو الولد الصغير يا غلام من أبوك قال فلان الراعى قال فأقبلوا على جريج يقبلونه استمع ويتمسحون به أى تبركا لما ثبت عندهم صلاحه وولايته واستقامته وأنه ليس يعنى بصاحب فجور

والحديث هذا لفظ صحيح مسلم فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا نبنى صومعتك من ذهب قال لا وفى رواية قالوا لبنة من ذهب ولبنة من فضة قال لا أعيدوها من لبن من طين كما كانت ففعلوا هذا الثانى الذى تكلم فى المهد صاحب جريج والأول نبى الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه والثالث قال وبينا صبى يرضع من أمه هذا الذى تكلم فى المهد أيضا فمر رجل راكب على دابة فارهة سمينة جميلة عظيمة من الدواب التى لها قيمة وشأن على دابة فارهة وشارة حسنة يعنى عنده علامة حسنة فى ثيابه أبها وفخامة ولعله يعنى له رتبة من المسؤلين أحيانا فى الجيش فى الشرطة فى الكذا يعنى ترى عليه هذه الأوسمة وهذه العلامات وهذه النجوم ودابته يعنى لها شأن فيملأ العين لذلك يقول الله جل وعلا عن مثل هذا الصنف قال الملأ قال لأنهم يملأون العين وأما بعد ذلك قد ترى إنسانا يعنى أشعث أغبر لا يؤبه به يُدفع عند الأبواب ويضرب لو أقسم على الله لأبر قسمه وأما ذاك من الملأ يملأ العين وهنا مر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة فقالت أمه اللهم اجعل ابنى مثل هذا كما هو الحال فيمن يريدون الحياة الدنيا عندما رأوا الهالك قارون (قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم) يا عباد الله الدنيا من أولها لآخرها لا تسوى قشرة بصلة وأنتم تتنافسون بعد ذلك عليها وتحرصون تتمنونها إذاً اللهم اجعل ابنى مثل هذا يركب على الدواب السمينة الجميلة الغالية وله هذه العلامات والأوسمة عندما يمشى يجلب النظر فترك الثدى وأقبل إليه إلى هذا الراكب على هذه الدابة فنظر إليه وهو فى المهد يرضع فقال اللهم لا تجعلنى مثله الأم استغربت ولكن ما يعنى ظنت أن هذا الولد يمكن أن يحاور ويتكلم فقط سكتت الآن بعد ذلك ستجاوبه الكلام قالت فى المهد لكن بما أنه يتكلم أدخل معه فى حوار ونرى النتيجة لماذا يقول هذا ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع

قال فكأنى يقول سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه انظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكى ارتضاعه بإصبعه السبابة فى فيه كيف يرضع هذا الغلام الذى فى المهد فجعل يمصها قال ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت وهى تقول حسبى الله ونعم الوكيل فقالت أمه اللهم لا تجعل ابنى مثلها فترك الرضاع ونظر إليها إلى هذه الجارية المسكينة التى تُضرب ويقولون لها زانية سارقة فقال اللهم اجعلنى مثلها فهناك تراجعا الحديث من؟ الأم وغلامها الذى فى المهد فقالت حلقا أى أصابك الله بداء فى حلقك لا تستطيع أن تتكلم ولا يعنى تأكل حلقا مر رجل حسن الهيئة فقلتُ اللهم اجعل ابن مثله فقلتُ اللهم لا تجعلنى مثله ومروا بهذه وهم يضربونها ويقولون زنيت سرقت فقلتُ اللهم لا تجعل ابنى مثلها فقلتَ اللهم اجعلنى مثلها فقال إن ذلك الرجل كان جبارا فقلت اللهم لا تجعلنى مثله وإن هذه يقولون لها زنيت ولم تزن سرقت ولم تسرق فقلت اللهم اجعلنى مثلها هؤلاء إخوتى الكرام ثلاثة أصناف تكلموا فى المهد واحد منهم صاحب العبد الصالح جريج الذى أوقعه فيما أوقعه فيه جهله وعدم فقهه كما سيأتينا أصناف آخرون زيادة على هؤلاء الثلاثة ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم والحديث صححه الحاكم وأقره عليه الذهبى ورواه الإمام البزار فى مسنده والطبرانى فى معجميه الكبير والأوسط ورواه النسائى فى السنن الكبرى والإمام ابن مردويه فى تفسيره وإسناد الحديث صحيح كالشمس ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال لما كانت ليلة أُسرى بى عليه صلوات الله وسلامه أتيت على رائحة طيبة فقلت ما هذا يا جبريل هنا رائحة طيبة فى مكان فى وادى من الوديان والنبى عليه الصلاة والسلام أسرى به إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السماوات العلى ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل قال هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون قال وما خبرها

ما شأنها هذه الرائحة الطيبة من هذه الماشطة ما شأنها فذكر له شأنها وأخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بقصتها ماشطة ابنة فرعون كانت تمشطها تسرحها فوقع المشط وقع المجرى من يدها فقالت بسم الله فقالت ابنة فرعون أبى يعنى الله أبى بسم فرعون تقولين قالت لا الله ربى وربك ورب أبيك هذا رب العالمين الله قالت أخبر والدى بذلك وهو اللعين فرعون أخبره أن لك ربا غيره وهو كان يقول أنا ربكم الأعلى الحقير المهين قالت لها أخبريه فأخبرته فدعاها قال ألك رب غيرى قالت نعم ربى وربك الله ورب كل شىء فتهددها إذا لم ترجع عن ذلك ليقتلنها قالت افعل ما بدا لك فجمعها هى وأسرتها وأولادها وأتى بنُقرة والنقرة يعنى حلة وقدر كبير من نحاس وفى بعض الروايات بدل يعنى النقرة ببقرة أيضا بقرة من نحاس على شكل البقرة نقرة ببقرة بالنون أو بالباء من نحاس على شكل البقرة أو حلة واسعة وأحماها ثم أتى بأولادها يلقيهم واحدا تلو الآخر فيها وإذا وُضع الإنسان فى هذا القدر المحمى يعنى ما يمكث لحظة إلا ويموت ويحترق ثم ما بقيت إلا هى وصبى لها ترضعه فى المهد فلما اقتربت من هذه النقرة من هذه البقرة من النحاس لتلقى هى وابنها فيها كأنها تقاصعت وتباطأت من أجل الشفقة على ولدها لا يعنى من أجل نفسها هى لا تبالى بنفسها فى ذات الله فقال لها هذا الغلام الذى يرتضع وهو فى المهد يا أماه إنك على الحق فاصبرى هذا كما جرى كما سيأتينا أيضا فى أصحاب الأخدود إنك على الحق فاصبرى ولا تبالى وعذاب الدنيا يسير وطرحته فى هذا القدر ثم ألقيت هى أيضا فيه فاحترقت الأسرة بكاملها طلبت من فرعون قبل أن يلقوا فى القدر قالت إن أبيت إلا إحراقنا فأطلب منك شيئا واحدا بعد إحراقنا تجمع عظامنا وأن تدفننا فى هذا المكان فى مكان واحد أسرة نجتمع يعنى حرقتنا فى الحياة نجتمع بعد الممات عظام تجتمع

فقال لكِ ذلك علينا لما لكِ من الحق يعنى أنت تعملين عندنا هذا الطلب أنفذه لكِ لا بد من إحراق الأسرة بكاملها بعد الإحراق أجمع عظامكم جميعها ثم أدفنكِ فى هذا المكان فهذه الرائحة الطيبة تنبعث من ذلك المكان شمها نبينا عليه الصلاة والسلام فى حادث الإسراء والمعراج والحديث إسناده صحيح كالشمس قال عبد الله ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فى رواية المستدرك وفى بقية الروايات قال ابن عباس وأثره له حكم الرفع لكن فى المستدرك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى مُصرح برفع آخر الحديث إلى نبينا عليه الصلاة والسلام تكلم فى المهد أربعة صغار هناك ثلاثة هنا أربعة هنا يوجد معنا من الأربعة اثنان من الثلاثة واثنان من غير الثلاثة ضم اثنين إلى الثلاثة يصبح معنا خمسة استمعوا للأربعة أولهم عيسى ابن مريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وثانيهم شاهد يوسف هذا ما تقدم معنا عندما شهد شاهد من أهلها (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) أوليس كذلك لأن قميصه إذا تمزق من الأمام دل على أنه يهجم عليها ويريدها وهى تدفعه وإذا تمزق قميصه من الخلف كيف هو يراودها ويهجم عليها وقميصه يمزق من الوراء دل على أنه هارب شارد وهى التى تطارده وواقع الأمر كذلك (فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم) هذا من الذى قاله هذا الحكم من (وشهد شاهد من أهلها) غلام كان فى المهد يرضع من اجل إظهار براءة نبى الله يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه شاهد يوسف هذا الثانى والثالث وصاحب جريج تقدم معنا والرابع وابن ماشطة بنت فرعون وعليه إخوتى الكرام الذى تقدم معنا ولدها الصغير ابن ذكر يعنى الذى بقى معها يرتضع ثم قال لها يا أماه إنك على الحق فاصبرى ابن وليس ببنت, ابن ماشطة ابنة فرعون هذا أيضا تكلم فى المهد عندما قال لأمه إنك على الحق

إذاً هناك ثلاثة نبى الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وصاحب جريج والغلام الصغير الذى مُر به على يعنى مر به إنسان يركب على دابة فارهة كما تقدم معنا أوليس كذلك هؤلاء ثلاثة زيدوا اثنين هنا شاهد يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وابن ماشطة بنت فرعون صار خمسة أوليس كذلك قال الحافظ فى الفتح إخوتى الكرام قبل أن أذكر كلامه هذا الحديث الذى من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما رواه الحاكم فى المستدرك أيضا فى الجزء الثانى صفحة خمس وتسعين وخمسمائة بسند صحيح على شرط الشيخين من رواية سيدنا أبى هريرة يعنى الرواية الثانية الذى تكلم فيه أربعة فى المهد من رواية عبد الله ابن عباس ومن رواية أبى هريرة انظروا المستدرك كما قلت فى الجزء الثانى صفحة خمس وتسعين وخمسمائة بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى أما رواية ابن عباس فهى فى المستدرك أيضا كما تقدم معنا فى الجزء الثانى صفحة سبع وتسعين وأربعمائة يعنى بين المكانين قرابة مائة صفحة هناك أربعمائة وسبع تسعين وهنا خمسمائة وخمس وتسعين من نفس الجزء هؤلاء الأربعة كما قلت ورد ذكرهم فى حديث عبد الله ابن عباس وحديث أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين قال الحافظ فى الفتح إخوتى الكرام اجتمع من هذين الحديثين أن الذى تكلم فى المهد خمسة صغار أوليس كذلك خمسة أولاد وهكذا قال الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية فى الجزء السادس صفحة ست وثلاثين ومائة فأورد الثلاثة فى حديث أبى هريرة الذى تقدم معنا وقال وورد أيضا شاهد نبى الله يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام وابن ماشطة بنت فرعون كما تقدم فى الآثار سابقا هؤلاء خمسة

وأما السادس ورد أيضا فيه حديث صحيح فى المسند وصحيح مسلم وسنن الترمذى فى حديث سيدنا صهيب الرومى رضى الله عنه وأرضاه فى قصة أيضا الملك الذى كان عنده ساحر ولما كبِر الساحر وقال أريد شابا فتيا يتعلم السحر فيعنى أخشى أن أموت وهذه المهنة تضيع ثم اختاروا بعد ذلك أنشط وأجلد وأحسن فتى من الرعية وأخذوه ليتعلم السحر فكان إذا جاء عند الساحر لتيعلم بينه وبين الساحر راهب فإذا مر بالراهب دخل وتعلم منه ثم ذهب إلى الساحر ثم رأى أن دين الراهب أحسن مما عليه الساحر فكان إذا ذهب إلى الساحر ضربه لأنه يتأخر عند الراهب وإذا ذهب إلى أهله أيضا ضربوه لأنه يتأخر عند الراهب فى الذهاب والإياب فعلى كل حال فى نهاية الأمر يعنى ظهر كرامة لهذا الإنسان فى نهاية الأمر مروا يعنى فى طريق وقد حبستهم دابة لا يستطيع أحد أن يتقدم دابة مفترسة فأخذ حجرا وقال اللهم إن كان دين الراهب أحب إليك من دين الساحر فاقتل هذه الدابة فضربها فقتلها وصار له شأن فصار بعد ذلك يعنى أكرمه الله عندما يقرأ يبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله جل وعلا ويقرأ على المرضى فيشفون بإذن الله فقال له الراهب سيكون لك شأن فإذا ابتليت فلا تدل علىَّ ولا تخبر عنى ثم بعد ذلك تطور الأمر فعمى جليس الملك وزير الملك فدُل على هذا الشاب الصالح الناسك فقرأ عليه فشُفى بإذن الله وعاد إليه بصره فلما ذهب إلى الملك قال من رد عليك بصرك قال الله قال أنا أنت كيف سترد عليه بصره هو أعمى عندك من فترة وترى ما استطعت أن تنفعه قال ربى وربك الله فعذبه حتى دل على الشاب والشاب عُذب حتى دل على الراهب واجتمع هؤلاء الثلاثة فقيل للوزير ترجع عن هذا الدين الذى دخلت فيه وإلا تُقتل

قال ربى وربكم الله فأتوا بالمنشار فنشروه فلقتين وقعت شقه الأيمن فى جهة وشقه الأسر فى جهة وما رجع ثم أُتى بهذا الراهب أيضا شق يعنى فلقتين قسم أيمن وقسم أيسر ثم بقى الشاب قال ترجع أيضا عن دينك قال لا أرجع ويرى هذه الحوادث أمامه نسأل الله أن يثبت الإيمان فى قلوبنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين فقال خذوه إلى جبل واصعدوا به فإذا رقيتم الجبل وصرتم فى ذروته اطرحوه حتى يموت شر ميتة ويقتل شر قتلة فلما رقوا الجبل قال اللهم اكفينهم بما شئت فاضطرب الجبل فاهتز بهم فسقط أولئك ماتوا وسلم هو بإذن الله فعاد إلى الملك قال ما شأنك قال كفانيهم الله هذا الذى بيده كل شىء فأرسله مرة ثانية مع أيضا جنده وجيشه ووضعه فى قرقور سفينة قال توسطوا به فى البحر حتى كنتم فى لجته ووسطه اطرحوه حتى يغرق وبالفعل وضعوه فى قرقور وصلوا إلى وسط البحر قال اللهم اكفينهم بما شئت فاضطرب بهم البحر وارتجفت بهم السفينة فسقطوا ماتوا وعاد هو إلى الملك قال استمع لا يمكن أن تقتلنى إلا بشىء واحد فقط ما عدا هذا لا سلطان لك على فقال ما هو قال أن تأخذ سهما من سهامى ثم توجه تضعه فى كبد القوس وتصلبنى على جزع شجرة وتقول باسم الله رب الغلام واضرب هذا السهم ينطلق يقتلنى بإذن الله جل وعلا بهذا يمكن أن تقتلنى وسيضحى بنفسه من أجل هداية الأمة وإنقاذها من الضلال فاجتمع الناس وصلب على شجرة وأخذ الملك سهما من كنانة هذا الغلام وسدده وقال باسم الله رب الغلام فضربه فأصابه فى صِدغه فوضع ذات يده على هذا المكان ومات بإذن الله جل وعلا فلما مات بسبب باسم الله رب الغلام

كل من حضر قالوا آمنا بالله رب الغلام فقيل للملك وقع ما كنت تحذر وتخاف أنت تخشى فتنة الرعية وإيمانهم كلهم آمنوا بالله فخدَّ الأخاديد واضرم فيها النار وجمعهم وكل من لم يرجع عن دينه ألقاه فى هذه النار التى تضطرم {قتل أصحاب الأخدود *النار ذات الوقود *إذ هم عليها قعود *وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود} [البروج/4-7] من جملة من ألقى فى هذه النار امراة جاءت ومعها صبى لها يرتضع أيضا من ثديها فتقاعصت من أجله كما حصل فى ماشطة ابنة فرعون وقال يا أماه إنك على الحق فاصبرى فطرحته فى النار وألقت نفسها فى النار فتكلم فى المهد هذا أيضا ثابت وحديثه ثابت كما قلت فى صحيح مسلم وغيره السابع ,عندنا الآن السابع والثامن والتاسع والعاشر يعنى الأخبار دون ما تقدم لكن ذكرها الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا انظروا إخوتى الكرام الفتح الجزء السادس صفحة ثمانين وأربعمائة السابع قيل إنه نبى الله يحيى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه يحيى ابن النبى المبارك زكريا على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه ذكر هذا الضحاك كما رواه عنه الثعلبى فى تفسيره كما فى فتح البارى الضحاك يحيى يقول من جملة من تكلم فى المهد عند ولادته نبى الله يحيى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه الأمر لا يعنى بُعد فيه والله على كل شىء قدير كما ثبت هذا لمن مثله ودونه لا مانع أن يثبت له لكن يحتاج إلى نص صحيح فينقل ويقال رُوى عن الضحاك وانتهى منقول عن أخبار أهل الكتاب يحتاج إلى إسناد وإثبات هذا سابع الثامن رواه البغوى فى تفسيره أن الذى تكلم فى المهد أيضا خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم التاسع خير خلق الله أجمعين نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام روى ذلك الواقدى فى المغازى أن نبينا عليه الصلاة والسلام تكلم عند ولادته فى المهد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

العاشر مبارك اليمامة بذلك نعته الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أما اسمه لا يُعلم إنما لما شهد لنبينا عليه الصلاة والسلام بالرسالة فى حجة الوداع وهو من أهل اليمامة قيل له مبارك اليمامة حديثه إخوتى الكرام راوه البيهقى فى دلائل النبوة فى الجزء السادس صفحة ستين ورواه الخطيب والإمام ابن قانع كما فى الإصابة فى الجزء الثالث صفحة خمس وأربعين وأربعمائة وعزاه إلى الدلائل فقط فى الفتح فى المكان المتقدم وقلت لكم إنه فى الدلائل فى الجزء الثالث صفحة ستين ودلائل النبوة مطبوعة فى سبع مجلدات فى الجزء الثالث والأثر إخوتى الكرام من رواية معَرِّض بالضاد ابن مُعَيْقيب اليمانى قال دخلت على النبى عليه الصلاة والسلام فى حجة الوداع وهو فى مكة المكرمة صانها الله وشرفها فرأيت وجهه يبرق سرورا أضوأ من القمر عليه صلوات الله وسلامه ودخل رجل من أهل اليمامة عنده ولد صغير فى المهد لفه بخرقة أتى به إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وُلد فى ذلك الوقت فى تلك الحجة أتى به إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ليُبرِّك عليه وليدعو له فنظر إليه النبى عليه الصلاة والسلام وقال له يا غلام من أنا قال أنت محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فسمى بمبارك اليمامة الحديث إخوتى الكرام يعنى فى إسناده ضعف والضعف شديد قال الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية معلقا على هذا الأثر هذا حديث غريب جدا انظروا البداية فى الجزء السادس صفحة ثمان وخمسين ومائة هذا حديث غريب جدا استمع وليس هذا مما يُنكر عقلا ولا شرعا ليس بمستحيل فى العقل ولا بمحذور فى الشرع ,الشرع ورد بنظيره والعقل يسمح بوقوعه وليس مما ينكر عقلا ولا شرعا

فقد ثبت فى الصحيح قصة صاحب جريج وثبت أيضا لغيره ليس هذا ببعيد وما ذلك على الله بعزيز لكن الحديث كما قلت فى إسناده ضعف مروى فى دلائل النبوة للإمام البيهقى وفى غير ذلك من الكتب كما ذكرت إسناده ضعيف وقال عنه الإمام ابن كثير غريب جدا وليس هذا مما ينكر عقلا ولا شرعا وعليه صار معنا عشرة أفراد كلهم تكلموا فى المهد جمعهم الحافظ ابن حجر أيضا فى الفتح كما قلت فى الجزء السادس صفحة ثمانين وأربعمائة إن شئتم إخوتى الكرام يعنى أن تنظروا كلامه فى ذلك فى قرابة صفحتين حول هذه المسألة الشاهد إخوتى الكرام معنا من الحديث الذى ذكرته العبد الصالح جريج عابد مجتهد لكن ما عنده فقه روى الحسن ابن سفيان فى مسنده كما فى الفتح فى الجزء الثانى صفحة ثمان وسبعين عن يزيد ابن حوشب عن أبيه وأبوه صحابى حوشب لكن يزيد مجهول كما قال الحافظ فى الفتح عن يزيد ابن حوشب عن أبيه عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال (لو كان جريج عالما لعلم أن إجابته لأمه أولى من عبادته لربه عز وجل) والأثر كما قلت رواه الحسن ابن سفيان فى مسنده من طريق يزيد ابن حوشب ورواه الحكيم الترمذى فى نوابغ الأصول أيضا وحديث جريج بوَّب عليه الإمام البخارى فى صحيحه فى كتاب الصلاة كما رواه فى كتاب أحاديث الأنبياء فى الجزء السادس من شرح الحافظ ابن حجر ورواه فى كتاب الصلاة فى الجزء الثانى صفحة ثمان وسبعين انظروا لهذه الترجمة ولهذا الإستنباط قال باب إذا دعت الأم ولدها فى الصلاة يعنى ما الحكم ثم أورد حديث جريج يستنبط منه أنه يجب عليه أن يجيب لأن جريجا لو ما وقع فى زلة وما أخطأ فى فعله لما أثر فيه دعاء أمه لكن هذا بسبب تقصيره دعت عليه فاستحق أن يرى وجوه المياميس فرأى وجوههن

ونعمة ما دعت عليه بالفتنة فى الدين والوقوع فى معصية رب العالمين هو عرَّض نفسه الآن للخطأ فلو كان عالما وفقيها لما وقع فيما وقع فيه انتهى قطع الصلاة وقال لبيك ماذا تريدين يا أمى سمعا وطاعة تدعو له بعد ذلك بدل من أن تدعو عليه لكن هو الذى أوقع نفسه بنفسه فى هذه الورطة بسبب عدم فقهه وعلمه بشريعة ربه وكم إخوتى الكرام يقع مثل هذا كم!! أخبرنى مرة بعض السفهاء ممن يدَّعون الالتزام فى هذه الأوقات سفيه قابلته سابقا فى الإمارات فى رأس الخيمة يقول كأن والده يعنى على شىء من المعصية وأحيانا يقصر فى الجماعة وأحيانا وأحيانا فكل بنى آدم خطَّاء ويقول إن الولد يقر الوالد لكن لا بد من أن ترفق به وأنت تقول له قولا كريما فيقول أنا عندما أكلمه ألكمه أضربه على وجهه فيقول أبى حتى يجلس يبكى قلت يا رجل ما تستحى من الله وأنت تدَّعى الالتزام وإذا لك لحية تزيد على الشبر ما تستحى من الله ما تخشى أن يمسخك الله قردا أو خنزيرا يا رجل افرض قصر حتى فى الصلاة من أولها لآخرها لا فى الجماعة ما الذى جعلك أنت تتطاول عليه ما يقول لك اتركه يعنى واجب الجماعة مطلوبة وصل مع المسلمين أما بعد ذلك تجلس ويستضعف الولد يعنى قوى شاب وذاك ضعيف مسكين يضاف إلى ذلك يعنى الحنو الذى فى قلب الأب يمنعه أن يطور الأمر ولا يريد يعنى أن يجعل الأمر يزداد يضرب أباه ويعلم ربى يكلمنى بهذا وكأنه يضرب يعنى كما يقال سخلة أو حمارة رجل والدك تضربه قلت والدك ضربته ما تخشى أن تيبس يدك وأن يمسخك الله يقول ألكمه أكلمه ألكمه وكأنه يضرب يهوديا أو كافرا يا عبد الله إذا كان مشركا أمرك الله بمصاحبته فى هذه الحياة بالمعروف (وصاحبهما فى الدنيا معروفا) قال أئمتنا فى الدنيا فيها إشارة إلى أمرين معتبرين:

أولها الوالدان وإن كانا على شرك بالرحمن ومعصية لذى الجلال والإكرام فصحبتهما يسيرة فتحمل هذا ما أوجبه الله عليك هى فى الدنيا فقط وفى الآخرة أنت فى جنة وهما فى جهنم هذا إذا كان كافرين وصاحبهما فى الدنيا فأنت ابتليت بلية دنيوية تحمل أما تأتى تلكمه وصاحبهما فى الدنيا الأمر الثانى كما قال أئمتنا الصحبة قاصرة على الأمور الدنيوية فلا طاعة لهما فى الأمور الشرعية يعنى لم لو أمرك ألا تصلى وأمرت الأم البنت ألا تتحجب يقول يا أمى لا طاعة لكِ فى هذا أنت أمى وأفديك بروحى ومع ذلك الكلام الطيب لكن لا طاعة لكِ فى هذا وأنت إذا يعنى غضبت عليه لأننى ما أطعتك فى معصية الله أنتِ المخطئة وأنا إن شاء الله لست بعاقة ولست بعاق من ولد أو بنت عندما يخاطب الأبوين أو أحدهما أما مباشرة تأتى تلكمه هذه سفاهة هذه العبادة التى على الجهل طيب هذا كيف سيلقى الله أنا أريد أن أعلم كيق سيلقى الله والله يقول إما يبلغ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف وهى أقل ما يقال مما يدل على التضجر أف لا يجوز أن يصدر هذا منك تضجر بتأفف باللسان فكيف بعد ذلك لكم باليد وهو يظن أنه بعد ذلك يعنى ينصر دين الله يا عبد الله أنت مخذول وكيف ستلقى بعد ذلك العزيز الغفور تظن هذه سهلة هو مخطىء بعد ذلك مقصر أنت أديت ما عليك انصح تكلم وأظهر بين يديه يعنى والتعلق به والحرص عليه وابكى بين يديه يا والدى أخشى عليك من النار من غضب الجبار أفديك بروحى ماذا تريد خذ منى واستقم على طاعة الله أما تأخر عن الجماعة جاء ولكمه وبعد يدعى أنه مطيع لله من هذا الشباب الهابط الذى يعبد ربه فى هذه الأيام على عقله لا على حسب شرع ربه

إخوتى الكرام لا بد من وعى هذا وكم من إنسان حقيقة هذا انتشر عقوق الوالدين ما أكثره فاستمع الآن لجريج يا عباد الله ما جرى منه تأفف ولا تضجر ولا كلم أمه ولا أباه كما يقال بكلمة قاسية أمى وصلاتى مع ذلك انظر لهذه العقوبة اللهم لا يموت جريج حتى يرى وجوه المياميس ما النتيجة إخوتى الكرام يعنى لولا لطف الله به لضربوه بساحيهم وعصيهم وقطعوا رقبته يهدمون الصومعة وهو فيها حتى خرج وهرب ما القصة؟ ما القصة!! تزنى بهذه المرأة وهى تلد ولدا وتقول ما القصة التجأ إلى الله وهو منكسر بين يديه ليبرأه وعلم الله صدقه وهو ما جرى كما قلت منه عقوق من ناحية لفظ قاس ومع ذلك انظر ماذا حصل له من سب وشتم وإهانة وضرب كما تقدم معنا فقط الرقبة لم تقطع ولو يعنى لم يلطف به رب العالمين لقطعت رقبته بسبب دعوت أمه اللهم لا يموت جريج حتى يرى وجوه المياميس ولوكان كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام فى أثر يزيد ابن حوشب لو كان جريج عالما فقيها لعلم أن إجابته لأمه أولى من عبادة ربه إخوتى الكرام هؤلاء كما قلت الأصناف العشرة كلهم يدخلون فيمن تكلموا فى المهد وكما ترون بعضهم تكلم فى المهد وصار نبيا بعد ذلك وبعضهم لم يثبت له وصف النبوة فتقدم معنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ويحيى فى جملة ما قيل والخليل ونبينا عليه الصلاة والسلام هؤلاء الأربعة أنبياء وتكلموا فى المهد هذا الخارق للعادة يقال له ضمن التعريف الدقيق خوارق العادات ماذا نسميه إرهاصا تقدم معنا خارق العادة إذا جرى على يد من سيكون نبيا قبل نبوته يسمى إرهاصا وأشرت إليه فى مباحث النبوة وقلت يأتينا الكلام عليه بعد ذلك تفصيلا إرهاص من الرهص وهو أساس الجدار إن هذا مقدمة للنبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وتكلمت على هذا عندما ولد مسرورا مختونا وما حصل من آيات عند ولادته عليه الصلاة والسلام مع تحقيق كلامى فى هذه القضايا ضمن مباحث النبوة وقلت هذا يقال له

إرهاص على يد من سيكون نبيا وأما على يد هذه الخوارق التى جرت على يعنى أيدى وصدرت ممن ليسوا بأنبياء ممن لم يصبحوا أنبياء فى المستقبل تدخل إخوتى الكرام فى دائرة الكرامة وتقدم معنا أن الخارق للعادة له ستة أنواع إرهاص أولها معجزة ثانيها كرامة ثالثها معونة رابعها إستدراج خامسها إهانة سادسها ستة أنواع ويأتينا الكلام عليها مفصلا بأبيات من الشعر محكمة كل نوع قيل فى بيت من الشعر إذا رأيت الأمر يخرق عادة فمعجزة إن من نبى لنا ظهر وإن بان منه قبل وصف نبوة فالإرهاص سمه تتبع القوم فى الأثر وإن جاء يوما من ولى فإنه الكرامة فى التحقيق عند ذوى النظر وإن كان من بعض العوام صدوره فكنوه حقا بالمعونة واشتهر ومن فاسق إن كان وفق مراده يسمى بالاستدراج فيما قد استقر وإلا إذا كان على عكس مراده وإلا فالإهانة عندهم وقد تمت الأقسام عند الذى اختبر هذه ستة أنواع لخوارق العادات هنا كما قلت ما بين إرهاص وما بين كرامات إخوتى الكرام هذا فيما يتعلق بالدليل الثالث من الأدلة الأربعة التى سأذكرها تدل على منزلة الفقه أما الدليل الرابع حقيقة أنا أجلت الكلام عليه لأتكلم عليه فى موعظة تناسب مكانة صاحبه وهى قول نبينا عليه الصلاة والسلام لابن عمه سيدنا الحبر البحر ترجمان القرآن (اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل) هذا مما يدل على منزلة الفقه فى الدين سأتكلم هذا فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه وعلى أثر هذه الدعوة فى هذا الغلام المبارك الذكى الزكى النبيه المُجد سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين وكيف كان فقيه الصحابة فى زمنه أترك هذا كما قلت للموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه0 وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا

اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

05

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام كنا نتدارس بعض الآثار الثابتة عن نبينا المختار عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه فى فضل التفقه فى دين العزيز القهار سبحانه وتعالى وقلت إخوتى الكرام سنتدارس أربعة آثار فى ذلك مر الكلام على ثلاثة منها أولها حديث سيدنا معاوية ومن معه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين) والحديث الثانى حديث سيدنا أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه عن سيدنا النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه (مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا) وتقدم معنا أن الحديثين فى الصحيحين وغيرهما من دوايين السنة والحديث الثالث من رواية سيدنا عبد الله ابن عمر وسيدنا ابن أبى وقاص رضي الله عنهم أجمعين وقلت رُوى الحديث عن اثنى عشر صحابيا كما رُوى عن أربعة من التابعين مرفوعا إلى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه (أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع فضل العلم أحب إلىَّ إلى نبينا عليه الصلاة والسلام من فضل العبادة وأفضل الدين الورع) مر الكلام كما قلت إخوتى الكرام على هذه الآثار الثلاثة ونشرع فى الأثر الرابع وهو آخرها فى منزلة التفقه فى الدين وبيان مكانة التفقه فى دين الله عز وجل

الحديث الرابع إخوتى الكرام ثبت فى مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث فى غير ذلك من دوايين السنة كما ستسمعون عند تخريجه من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم الخلاء لقضاء حاجته عليه صلوات الله وسلامه فوضعت له وَضوءا بفتح الواو وهو الماء الذى يستعمل فى الوُضوء وَضوءا وضعت له وضوءا ليتوضأ به وليتطهر به عليه صلوات الله وسلامه فأُخبر النبى عليه الصلاة والسلام من وضع هذا النبى قيل ابن عمك عبد الله ابن عباس رضى الله عنه وأرضاه فقال النبى عليه الصلاة والسلام (اللهم فقهه فى الدين) ورواية الإمام مسلم اقتصرت على الفعل فقط (اللهم فقهه) والحديث إخوتى الكرام رواه الإمام أحمد فى المسند والحاكم فى المستدرك بسند صحيح أقره عليه الذهبى والحديث فى حلية الأولياء وطبقات الإمام ابن سعد ورواه الإمام ابن الجوزى بسنده فى كتابه المصباح المضىء فى ترجمة الخليفة المستضىء وهو من خيار خلفاء بنى العباس توفى سنة خمس وسبعين وخمسمائة الخليفة المستضىء وفى زمنه تم القضاء على الدولة العُبيدية الملحدة التى ادعت أنها دولة فاطمية فى بلاد مصر وألف الإمام ابن الجوزى كتابه الشهير النصر على مصر وألف كتابا فى مجلدين فى ترجمة هذا الخليفة الصالح الخليفة المستضىء سماه المصباح المضىء فى ترجمة الخليفة المستضىء

فأورد هذا الحديث فى ترجمته أيضا ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال فى حق سيدنا عبد الله ابن عباس ولابن عمه عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما (اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل) هذه الزيادة ليست فى الصحيحين (اللهم فقهه فى الدين) هذا تقدم معنا فى الصحيحين ولفظ مسلم اللهم فقهه وعلمه التأويل فى المسند والمستدرك وغير ذلك كما أشرت (اللهم فقهه وعلمه التأويل) والحديث رواه الخطيب فى تاريخ بغداد بلفظ (اللهم فهمه فى الدين وعلمه التأويل وفهمه) بمعنى فقهه كما تقدم معنا الفقه هو الفهم (اللهم فهمه فى الدين وعلمه التأويل) والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند أيضا وأبو نعيم فى الحلية عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال دعا لى النبى صلى الله عليه وسلم أن يزيدنى الله علما وفهما ورواه الإمام أحمد أيضا فى المسند وأبو نعيم فى الحلية والحديث رواه الإمام ابن الجوزى فى المصباح المضىء أيضا عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه دعا له فقال (اللهم أعط ابن عباس الحكمة وعلمه تأويل الكتاب) وفى رواية (اللهم علمه الحكمة وعلمه تأويل الكتاب)

وعليه الحكمة هى الفقه وهى الفهم فى دين الله عز وجل والحديث رواه الإمام أبو نعيم فى الحلية أيضا والحاكم فى المستدرك بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى كما فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة أربع وثلاثين وخمسمائة عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أنه قام وراء نبينا عليه الصلاة والسلام يصلى فى بيته المبارك الشريف لأن نبينا عليه الصلاة والسلام تزوج خالة عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وهى ميمونة بنت الحارث وأم سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما لبابة هما أختان تزوجها العباس عم سيدنا خير الناس على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فكان أحيانا يبيت عند خالته وليس إلا فراش واحد عندما يريد أن يبيت تقول له خالته ميمونة لا يوجد إلا فراش واحد يقول رداىء يكفينى وأضع رأسى على الوسادة التى تنامان عليها لكن من الجهة الخلفية أنتم من هذه الجهة وأنا لى هذه الجهة لا أدخل معكما فى الفراش رضى الله عنه وأرضاه وهو غلام حدث كما سيأتينا عندما توفى نبينا عليه الصلاة والسلام ناهز الاحتلام يعنى ما احتلم عند وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام فقام ليلة وراء نبينا عليه الصلاة والسلام ليصلى صلى وراءه فمد نبينا عليه الصلاة والسلام يده وسحبه وأقامه بحذائه وجواره فانخنث سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنه أى تأخر مرة ثانية فجذبه النبى عليه الصلاة والسلام وأقامه بحذائه فلما سلم عليه صلوات الله وسلامه قال يا ابن عباس يعنى أجرك لتقوم بحذائى فتنخنث لمَ؟ فتأخر فقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما كنت أظن أنه يحق لأحد أن يقوم بحذائك وأنت رسول الله عليه الصلاة والسلام نحن نقف بجنبك لا بد من أن نتأخر نتأدب معك وأنت رسول الله عليه الصلاة والسلام

قال فرفع النبى عليه الصلاة والسلام يديه فقال اللهم زده فهما وعلما انظر لفهمه وفقهه لما ذهب النبى عليه الصلاة والسلام لقضاء الحاجة تبعه بوعاء من ماء بسطل من ماء ليتطهر وليتوضأ وانظر لفقهه وفهمه ذكائه رضى الله عنه وهو صغير ما جرى عليه قلم التكليف يقول كيف أقوم بجوار النبى الجليل عليه الصلاة والسلام وهو قريبه وزوج خالته عليه صلوات الله وسلامه وبين الأقارب 11:24 ترتفع كما يقال الحشمة يعنى لا يبقى التوقير الذى يبقى مع يعنى الأجانب وهذا كما قلت ابن عمه عليه صلوات الله وسلامه وهو زوج خالته فيدخل ويخرج إلى البيت بكثرة ثم هو غلام صغير وانظر لهذا العقل الكبير المستنير ما كنت أظن أنه يحق لأحد أن يقوم بحذائك أنت تسحبنى لكن عندما توقفنى بحذائك أقف سمعا وطاعة لك إذا تركتنى انخنس وأتأخر قال أنا أسحبك وأنت تنخنس تتأخر أسحبك تتأخر لمَ؟ (ما كنت أظن أنه يحق لأحد أن يقوم بحذائك وأنت رسول الله عليه الصلاة والسلام اللهم زده فهما وعلما) حقيقة إذا عنده هذا الأدب وهذا الذكاء ينبغى أن يُدعى له بهذا الدعاء اللهم زده فهما وعلما)) وثبت فى المسند وغيره عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما (قال مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسى ودعا لى بالحكمة) وفى صحيح البخارى وسنن الترمذى قال ضمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه (وقال اللهم علمه الحكمة) وهذه الروايات بالألفاظ المتعددة لعلها والعلم عند الله صدرت فى مناسبات متعددة فهناك وضع وَضوءا للنبى عليه الصلاة والسلام اللهم فقهه فى الدين بعد ذلك مناسبة أخرى اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل مناسبة أخرى اللهم زده فهما وعلما مناسبة أخرى مسح رأسه اللهم علمه الحكمة مناسبة أخرى ضمه إليه اللهم علمه الحكمة تأويل الكتاب

مناسبات متعددة كأن رسول الله عليه الصلاة والسلام يلح على الله فى أن يحقق الله رجاءه ودعاءه فى ابن عمه لينال درجة فقيه هذه الأمة ولا شك هو يعنى فى مقدمة فقهاء الصحابة وأفقههم رضى الله عنهم وأرضاهم وسيأتيكم كان سيدنا عمر ثانى الخلفاء الراشدين رضى الله عنه يرجع إلى رأيه ويترك رأى البدريين رضى الله عنهم أجمعين كما ستسمعون فإذاً اللهم فقهه فى الدين هذه الدعوة لن تتخلف هو فقيه الصحابة وهو مفسر الصحابة كما سيأتينا ترجمان القرآن وهو بحر هذه الأمة وحبرها وعالمها رضى الله عنه وأرضاه اللهم فقهه فى الدين قال الإمام ابن عبد البر فى كتابه الاستيعاب فى معرفة الأصحاب عليهم رضوان الكريم الوهاب وانظروا الكتاب فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وخمسين وثلاثمائة على هامش الإصابة للحافظ ابن حجر قال الإمام ابن عبد البر رُوى من وجوه متصلة عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب وفى رواية اللهم فقهه فى الدين وفى رواية اللهم آته الحكمة ثم سرد الروايات التى ذكرتها قال الإمام ابن عبد البر وكلها أحاديث صحيحة وكلها أحاديث صحاح كما تقدم معنا الحديث فى الصحيحين وفى المستدرك بالزيادات وصححه وأقره عليه الذهبى وفى غير ذلك من دوايين السنة وهذه الدعوة إخوتى الكرام التى دعا بها نبينا عليه الصلاة والسلام لابن عمه عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما تبين لنا مكانة الفقه ورتبته كما تبين لنا شأن التأويل ودرجته

وقد حاز هذا الصحابى المبارك يعنى الدرجة العليا فى الرتبتين فى الفقه وفى التفسير كما حاز الدرجة العليا أيضا فى رواية حديث نبينا البشير النذير على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو من الستة بل من السبعة المكثرين عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فى رواية الأحاديث كما سيأتينا وهو أفقه الصحابة على الإطلاق ونقل عنه من الفتيا والفقه ما لم يُنقل عن صحابى رضي الله عنهم أجمعين أكثرهم فتيا سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وهذا محل اتفاق كما سيأتينا وهو من المكثرين فى الرواية يوجد من هو أكثر منه يعنى يوجد فى الرواية من هو أكثر منه كما سيأتينا أربعة زادوه فى الرواية فقط من الصحابة وهو الخامس لكن يعنى هو لا زال من ضمن المكثرين شاركهم فى الرواية أما فى الفقه هذا درجة أولى وفى التفسير درجة أولى لقول نبينا عليه الصلاة والسلام اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل إخوتى الكرام أخذ أئمتنا من هذا الحديث أن التفسير بالرأى جائز وهذا محل إجماع واتفاق إذا كان التفسير بالرأى موافقا لقواعد اللغة العربية والنصوص الشرعية لا خلاف فى ذلك كما أن التفسير بالرأى حرام محل إجماع واتفاق إذا كان على حسب الرأى المجرد والهوى والتشهى الذى لا يستند إلى نصوص الشرع ولا إلى قواعد اللغة فانتبه لهذا يعنى هذا محل إجماع وهذا محل إجماع ومن حكى اختلافا بين أئمتنا فى موضوع التفسير بالرأى فهو واهم لم يفهم مرادهم من عباراتهم فحكى اختلافا بينهم فمن قال إن التفسير بالرأى حرام عنى به تفسير المبتدعة وأهل الأهواء ومن قال إن التفسير بالرأى حلال عنى به تفسير أهل السنة تفسير العلماء تفسيرالذى نُقل عن الصحابة والسابقين ومن بعدهم مما تدل عليه كما قلت نصوص الشرع وتحتمله لغة العرب فهذا لا بد من وعيه لا خلاف بين أئمتنا فى ذلك ومن حكى كما قلت عنهم اختلافا فلعدم فهم مرادهم من كلامهم

ولذلك يقول أئمتنا فى مثل هذا اختلفت عباراتهم لاختلاف اعتباراتهم فمن أراد بالتفسير بالرأى الهوى والتشهى قال إنه حرام ومن أراد بالتفسير بالرأى المنضبط الموافق لنصوص الشرع وقواعد اللغة قال إنه حلال اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات هذا يقول حلال وهذا يقول حرام هذا يلحظ ملحظا وهذا يلحظ ملحظا فانتبه لهذا هذا كقول الله جل وعلا فى سورة آل عمران {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} [آل عمران/7] (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب) لفظ الراسخون الجملة مبتدأة والواو استئنافية أو عاطفة على لفظ الجلالة الأمران معتبران على حسب ملاحظة معنى التأويل فمن أراد بالتأويل التفسير قال الراسخون يعلمون التفسير كما يعلمه الله الجليل وهذا ما قاله سيدنا مجاهد رضى الله عنه وأرضاه قال أنا ممن يعلم تأيل المتشابه ما المراد بالتأويل المعنى الظاهرى تفسير حسب ما تحتمله لغة العرب ولا يوجد بفظ فى القرآن إلا وله معنى حسب لغة العرب ومن أراد بالتأويل الحقيقة التى يأول إليها الشىء قال هذا استأثر الله بعلمه فمعنى الساعة نعرفه ووقتها نجهله معنى ما يكون فى الآخرة من نعيم وعذاب أليم نعرفه رمان وفاكهة وما شاكل هذا معروف وهنا سلاسل وأغلال معروف لكن الحقيقة لا يعرفها إلا الله جل وعلا فمن أراد كما قلت بالتأويل التفسير الظاهرى قال الراسخون يعلمون كما يعلم الحى القيوم ومن قال إن المراد بالتأويل الحقيقة التى يأول إليها ذلك المتشابه قال هذا لا يعلمه إلا الله وهنا كذلك إخوتى الكرام التفسير بالرأى جائز بهذه الشروط يوافق نصوص الشرع وقواعد اللغة

فلا حرج فى ذلك أن يأتى الإنسان يقول (اهدنا الصراط المستقيم) الصراط المستقيم الطريق الواضح الطريق الحق طريق العلم والعمل طريق الإسلام طريق الشيخين أبى بكر وعمر طريق أهل السنة والجماعة يقول ما شاء هذا كله حق, واضح هذا قاله وافق نصوص الشرع وما خرج عن قواعد اللغة وهنا كذلك دعا نبينا عليه الصلاة والسلام لسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما بالفقه فى الدين ومعرفة التأويل فلو كان التأويل متوقفا على السماع لاستوى هو مع غيره فى هذا الأمر وسيأتينا حقيقة بعض النماذج أنه يعنى لا بد من استنباط واستنتاج كما قلت حسبما تدل النصوص الشرعية ولا يخرج عن قواعد اللغة العربية فيظهر له ما يخفى على غيره لماذا؟ لدعوة نبينا عليه الصلاة والسلام علمه التأويل لو كان التأويل مسموعا كالتنزيل لاستوى مع غيره ولكان أبو هريرة أعلى منه وهو أحفظ منه رضي الله عنهم أجمعين لكان شتان شتان بين سيدنا أبى هريرة وسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى الفقه كما سيأتينا فى خطوات البحث إن شاء الله شتان وأبو هريرة رضي الله عنه إذا طرأت عليه مشكلة يذهب إلى عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فيستفتيه فى القضية التى تنزل عليه وتحل به فإذاً مع انه أحفظ لكن كما قلت هذا الاستنباط والاستنتاج بالفهم ومعرفة التأويل هذا مما خص الله به بعض الناس وهو الذى يؤتى الحكمة من يشاء سبحانه وتعالى (اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل) إخوتى الكرام كما قلت إن فقيه الإسلام هو سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما لدعوة نبينا عليه الصلاة والسلام له بذلك (اللهم فقهه فى الدين) كما أن راوية الإسلام هو سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه راوية الإسلام أبو هريرة وفقيه الإسلام عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين

ثبت فى صحيح البخارى وسنن الترمذى وغير ذلك من دوايين السنة عن سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين أنه جاء إلى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنى أسمع منك حديثا كثيرا ثم أنساه لا يثبت فى ذهنى ولا فى ذاكرتى فادعو الله لى فقال النبى عليه الصلاة والسلام ابسط رداءك يا أبا هريرة فبسطه قال فغرف النبى عليه الصلاة والسلام بيده أمور معنوية لا يعلمها إلا رب البرية وألقاها يعنى فى رداء أبى هريرة فغرف النبى عليه الصلاة والسلام بيده وألقاها فى رداء أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه ثم يقول أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال له ضم عليك رداءك بعد ذلك ضمه قال سيدنا أبو هريرة فما نسيت شيئا حفظته بعد ذلك بعد هذا البسط وغرف شىء وإلقاؤه فى الرداء وضم الرداء ما نسيت شيئا وهو راوية الإسلام وهو أكثر الصحابة رواية لحديث نبينا عليه الصلاة والسلام رُوى له خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثا وهو كما قلت أكثر الصحابة رواية يليه عبد الله ابن عمر ويليه أنس ابن مالك وتليهم أمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين هؤلاء أربعة يتقدمون عبد الله ابن عباس يأتى فى الرتبة الخامسة سيدنا عبد الله ابن عباس رُوى له ستمائة وألف حديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام ألف ستمائة حديث وفى الدرجة السادسة جابر ابن عبد الله وأكثر كتب المصطلح اقتصرت على الستة ويُعَنْوَنُ عليهم بالستة المكثرين قال شيخ الإسلام الإمام العراقى يلحق بهم سابع لأن المُكثر من زادت أحاديثه على ألف أبو سعيد الخدرى رضي الله عنه زادت أحاديثه على الألف فيلحق بهم انظروا شرح ألفية العراقى للإمام العراقى فى الجزء الثالث صفحة خمس عشرة راوية الإسلام سيدنا أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه وفقيه الإسلام سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين

ولذلك يقال له البحر كما سيأتينا والحبر وتَرجُمان القرآن رضى الله عنهم أجمعين وهو أكثر الصحابة فُتيا كما قلت لكم وهو واثنين من الصحابة كان لهم شأن فى الصحابة لهم تلاميذ ولهم مدارس يؤخذ العلم والفقه من شيوخ هذه المدارس سيدنا عبد الله ابن عباس ومدرسته أشهر المدارس الثلاثة وعبد الله ابن مسعود وزيد ابن ثابت رضي الله عنهم وأرضاهم كان لكل واحد من هؤلاء أتباع يلتزمون بقوله ويقررونه وينشرونه كما حصل بعد ذلك فى هذه الأمة عندما استقرت الأقوال بالمناهج الأربعة مدرسة هنا مدرسة هنا مدرسة رئيسها عبد الله ابن عباس ورئيسها عبد الله ابن مسعود ورئيسها زيد ابن ثابت أكبر المدارس كما قلت مدرسة سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين ونبينا عليه الصلاة والسلام كان يتوسم فيه ذلك ولذلك ألح على الله جل وعلا فى أن يعنى يزيده تهييأ لوصول هذه الرتبة التى سيصل إليها فى المستقبل فكان نبينا عليه الصلاة والسلام أيضا يوصيه بتقوى الله ومراقبته فى جميع الأحوال لأنه سيكون له شأن والتقوى حقيقة هذه تزيد الإنسان بصيرة ونورا وفطنة {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت/69] ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح والحديث وراه الحاكم فى المستدرك والإمام أبو يعلى فى مسنده والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة كما رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والإمام ابن السنى والإمام الآجروى فى الشريعة والإمام ابن أبى عاصم فى كتاب السنة ورواه أبو نعيم فى الحلية وكما قلت إن الحديث صحيح صحيح من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال

(كنت يوما رديف النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أردفه خلفه على دابة من تواضع نبينا عليه صلوات الله وسلامه فالتفت إلىَّ وقال يا غلام إنى أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تُجاهك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا ستعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشىء لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشىء لن يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) (اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل) وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من أن يُوصَّى من خير الموصين نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام بأن يتقى الله فى كل حين فإذا حفظ الله حفظه الله وواقع الأمر كذلك فائدتان إخوتى الكرام قبل أن أكمل خطوات البحث الفائدة الأولى ذكر الإمام ابن حزم فى كتابه الإحكام فى أصول الأحكام أوليس كذلك؟ فى أصول الفقه الإحكام فى أصول الأحكام فى الجزء الخامس صفحة ست وستين وستمائة والكتاب فى ثمانية أجزاء مرتبة ترتيبا تسلسليا من الجزء الأول إلى نهاية الثامن فى الطبعة التى عندى وكلامه نقله الإمام الذهبى فى السير أيضا فى الجزء الثالث صفحة ثمان وخمسين وثلاثمائة أن أحد العلماء وهو من الأمراء أيضا من ذرية سيد الفقهاء سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وهو أبو بكر محمد ابن يعقوب ابن الخليفة المأمون وخلفاء بنى العباس ينتمون إلى سيدنا العباس رضي الله عنهم أجمعين ولذلك الإمام ابن الجوزى ألف للخليفة المستضىء المصباح المضىء فى أحكام فى مناقب فى أخبار الخليفة المستضىء ترجم فى أول الكتاب لسيدنا العباس ثم لابنه عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فى بعض روايات الحديث التى تقدمت معنا فقهه فى الدين علمه التأويل آته الحكمة بارك فيه فى بعض الروايات وانشر منه يعنى نسله يكون لهم شأن وأثر

ولذلك جاء خلفاء بنى العباس على حسب ما حمل الإمام ابن الجوزى الحديث على ذلك فهم ينتمون إلى سيدنا العباس رضى الله عنهم وأرضاهم فهذا أحد أحفاد سيدنا عبد الله ابن عباس محمد ابن يعقوب ابن الخليفة المأمون توفى سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة انظروا ترجمته الطيبة فى المنتظم فى الجزء السادس صفحة أربع وسبعين وثلاثمائة قال وُلِّى مكة المكرمة صانها الله وشرفها وكان أميرا عليها ثم ذهب إلى بلاد مصر لنشر الحديث ولتلقى الحديث فأدركته المنية هناك ودفن فى بلاد مصر عليه رحمة الله ورضوانه ألف كتابا جمع فيه فتاوى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى عشرين مجلدا من هاك الوقت الذى هو فى القرن الرابع الهجرى أوليس؟ كذلك كتاب فى عشرين مجلدا جمع فيه فتاوى سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين ولا يخفى عليكم أن كتاباتهم القديمة ليست ككتاباتنا الحديثة مبسوطة يعنى عشرون مجلدا من المخطوطات تحتاج إلى أقل ما يقال فى هذا الوقت لو طبعت إلى مائة مجلد يعنى عشرون مجلدا هذه فى المخطوطات واضح هذا لو نظرت فى مخطوطات أئمتنا القديمة السطور متراصة والصفحة مملوءة ولا يوجد سعة وكما هو الحاصل الآن فى علامات ترقيم وهامش من هنا ومن هنا وشىء من الترتيب الذى يجلب نظر القارىء فعشرون مجلدا يعنى على أقل تقدير تأتى فى مائة مجلد وهذه كلها يرويها إلى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين والفترة قريبة يعنى إذا توفى سيدنا عبد الله ابن عباس كما سيأتينا سنة ثمان وستين يعنى بينهما أقل من ثلاثمائة سنة واضح هذا إذا كان هو حيا فى سنة ثلاثمائة أو مائتين وكسور يعنى بينه وبين سيدنا عبد الله ابن عباس قرابة مائتى سنة بينهما واسطتين أو ثلاثة على حسب علو الإسناد فى جمع هذه الفتاوى عشرون مجلدا فى فتاوى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين

هذه المجلدات أين هى علمها عند ربى لكن لو وُجدت حقيقة يعنى ثروة عظيمة فقهية بفقه صحابى يعنى أكبر مدرسة فقهية فى عهد الصحابة تجمع كما قلت فتاواه فى عشرين مجلدا بأسانيد ثابتة ما أجمل هذا لو وُجد إخوتى الكرام هذا كما قلت فيما يتعلق بالتنبيه الأول له كما قلت مدرسة فقهية وجُمعت بعض أيضا فتاويه ليس الكل فى عشرين مجلدا جمعها بعض أحفاده الأمر الثانى التنبيه الثانى ذكر الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب فى صفحة سبع وسبعين أن مقدار ما سمعه سيدنا عبد الله ابن عباس من نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه نحو العشرين يعنى نحو عشرين حديثا سمع من النبى عليه الصلاة والسلام وبقية مرواياته كلها أخذها من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ثم علق الإمام ابن القيم كما سأقرأ عليكم عباراته على هذا بأنه هذا الذى سمعه من النبى عليه الصلاة والسلام لمَ؟ لا لصغر سنه لكن لما فى قلبه من تفاعل ونور وبصيرة تفاعل مع هذه النصوص وأخرج منها من كل زوج بهيج كالأرض الطيبة إذا نزل عليها الماء قبلت الكلأ والعشب والكثير فحاله كحال الأرض الأولى فى حديث سيدنا أبى موسى التى تقدم معنا رضى الله عنه وأرضاه وهذا الذى يقوله الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول قبله الإمام الغزالى ما هو أغرب منه فاختصر العشرين إلى الخمس يقول مبلغ ما سمعه سيدنا عبد الله ابن عباس من نبينا خير الناس عليه الصلاة والسلام قرابة الأربع أحاديث لا تبلغ أربع أحاديث فقط يعنى خمس العشرين وهذا أورده فى كتابه المستصفى فى الجزء الأول صفحة سبعين ومائة عند مبحث الحديث المرسل وأئمتنا بحثوا عند حديث المرسل مراسيل الصحابة وهى حجة عند جميع أهل الإسلام ما خالف فى هذا إلا الإمام الإسفرايينى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ولم يعول على قوله أحد من أئمتنا

يقول شيخ الإسلام الإمام العراقى أما الذى أرسله الصحابى فحكمه الوصل على الصواب فأكثر روايات سيدنا عبد الله ابن عباس مرسلة عن نبينا عليه الصلاة والسلام بينه وبينه واسطة وأخذها من سيدنا أبى بكر أو عمر أو عن غيره من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين كما سيأتينا فى طلبه للعلم وجده واجتهاده فى تحصيله لكن ما كان يصرح ما يقول حدثنى أبو بكر رضي الله عنه ولا حدثنى عمر ولا حدثنى أبو هريرة يضيف الحديث إلى النبى عليه الصلاة والسلام قال رسول الله عليه الصلاة والسلام عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا حرج فى ذلك من باب اختصار الإسناد والصحابة كلهم عدول ثقات ولا داعى للتطويل وهو رَأَى النبى الجليل على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه مرسل لكن كما قلت مرسل الصحابى حكمه الوصل والاتصال أما الذى أرسله الصحابى فحكمه الوصل على الصواب عند بحث المرسل يقول مراسيل الصحابة تقبل فابن عباس رضى الله عنهما غاية ما رواه مما سمعه أربعة أحداديث والباقى لم يسمعها وهى مقبولة ويحتج بها عند جميع أهل الإسلام وفى كل من العبارتين عبارة الإمام ابن القيم وما هو أشد منها عبارة الإمام الغزالى يغفر الله لنا ولهم أجمعين يعنى شىء كما يقال من التقصير نحو هذا الصحابى الجليل رضى الله عنه وأرضاه فالذى سمعه أكثر من ذلك لذلك استغرب الإمام السخاوى فى فتح المغيث فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعين ومائة كلام هذين الإمامين المباركين إن كان كلام الإمام الغزالى أو كلام الإمام ابن القيم عليهم جميعا رحمة الله ونقل عن شيخه الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه أحصى الأحاديث الصحيحة والحسنة التى ثبتت عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما وصرح فيها بالسماع من نبينا خانم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فبلغت أربعين حديثا هذا ما صرح فيه بالسماع

قال الحافظ ابن حجر سوى ما فى حكم ذلك أى ما فى حكم السماع من حضوره شىء فُعل بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم ونقله أنه عمل كذا بحضرة النبى عليه الصلاة والسلام ووقع كذا بحضرة النبى عليه الصلاة والسلام إنما أربعون حديثا مما كما قلت هو صحيح أو حسن مما أحصاه الحافظ ابن حجر صرح فيها الإمام سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما بالسماع فمن قال إنها عشرون يعنى كما قلت أجحف قلل ومن قال إنها أربعة يعنى زاد فى الإجحاف أيضا أنا أقول على جميع الأحوال أربعة أو عشرون أو أربعون أو قل أربعمائة الباقى عندنا روايات تزيد عن الألف ألف وستمائة كما تقدم معنا إذا بقية الروايات كلها مرسلة حقيقة أخذها من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين ولها حكم الوصل الإمام ابن القيم إخوتى الكرام كما قلت فى صفحة سبع وسبعين فى الوابل الطيب يذكر كلاما طيبا نفيسا نحو هذه المسألة وما يتعلق بها وهو يتكلم فى الأصل على حديث سيدنا أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه الذى تقدم معنا فى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام كما قلت على حسب ظاهر الحديث لكن استظهر الحافظ ابن حجر أنهم أربعة أقسام وفى كل طائفة قسمان كما وضحت هذا الإمام ابن القيم يمشى الآن على انهم ثلاثة أقسام وأن الطائفة الخبيثة الأخرى التى لم تقبل هدى الله ولم ترفع رأسا بدين الله وهى طائفة واحدة مَن أعرضت عن دين الله والطائفة الأولى طائفتان منهم من حفظ وعَلِم وفقُه وعَلَّم ومنهم من حفظ وعَلِم لكن لن يتفقه فى دين الله عز وجل بحيث يستفيد الناس منه إنما هو مجرد ناقل الناس يأخذون الروايات عنه دون أن يتفاعل معها وأن يستخرج كنوزها وهو الفقه والاستنباط يقول

وهذا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن مقدار ما سمع من النبى عليه الصلاة والسلام لم يبلغ نحو العشرين حديثا الذى يقول فيه سمعت ورأيت لا من قال فيه سمعت فقط وصل الأربعين وأما رأيت وفعل بحضرته قال الحافظ ابن حجر أزيد من هذا وسمع الكثير من الصحابة وبورك له فى فهمه والاستنباط به حتى ملأ الدنيا علما وفقها قال أبو محمد ابن حزم العبارة إخوتى الكرام لو ساعدتمونى أيضا فى ضبطها وفهمها يقول جُمعت فتاويه أو جَمعت فتاويه يعنى هل الإمام ابن حزم له كتاب جمع فيه فتاوى ابن عباس أو أنه يخبر أنه جُمعت فتاوى ابن عباس حقيقة ما عندى علم بذلك قال أبو محمد ابن حزم وجَمعتُ فتاويه فى سبعة أسفار كبار جُمعت فتاويه فى سبعة أسفار كبار العلم عند الله لكن تقدم معنا أنه بعض أحفاده جمعها فى عشرين مجلدا قال الإمام ابن القيم وهى بحسب ما بلغ جامعها يعنى هذا الذى جمع يعنى إما ابن حزم أو غيره الله عليم يعنى إذا ابن حزم يعلق عن هذا إن كان القائل هو ابن حزم يقول هذا بحسب ما بلغ ابن حزم بلغه أنها سبع فقط وجمعها أى ما وصل إليه علم من فتاوى سيدنا عبد الله وإلا فعلم عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما كالبحر وفقهه واستنباطه وفهمه فى القرآن بالموضع الذى فاق به الناس وقد سمع كما سمعوا وحفظ القرآن كما حفظوا ولكن أرضه كانت من أطيب الأراضى وأقبلها للزرع فبزغ فيها النصوص فأنبتت من كل زوج كريم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وأين تقع فتاوى يبدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما وتفسيره واستنباطه من فتاوى سيدنا أبى هريرة وتفسيره رضى الله عنهم أجمعين وأبو هريرة رضي الله عنه أحفظ منه بل هو أحفظ الأمة على الإطلاق يؤدى الحديث كما سمعه ويدرسه بالليل درسا فكانت همته مصروفة إلى الحفظ وتبليغ ما حفظه كما سمعه

وهمة سيدنا عبد الله ابن عباس مصروفة إلى التفقه والاستنباط وتفجير النصوص وشق الأنهار منها واستخراج كنوزها وهكذا الناس بعده قسمان يعنى الطيبان النافعان قسم الحفاظ معتنون بالضبط والحفظ والأداء كما سمعوا لا يسنبطون ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه وقسم معتنون بالاستنباط واستخراج الأحكام من النصوص والتفقه فيها انتبه فالأول حفاظ كأبى زُرعة وأبى حاتم وابن داره وقبله كبندار محمد ابن بشار 46:5 وعبد الرزاق وقبلهم كمحمد ابن جعفر بندر وسعيد ابن أبى عروبة وغيرهم من أهل الحفظ الإتقان والضبط لما سمعوه من غير46:20سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين حقيقة لكان أولى فهو فقيه هذه الملة المباركة المرحومة كأبى حنيفة ومالك هذه أبى حنيفة منى زيادة كأبى حنيفة ومالك والشافعى والأوزاعى وإسحاق والإمام أحمد ابن حنبل نعم معهم لا شك لكن أدخل أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين كمالك والشافعى والأوزاعى وإسحاق والإمام أحمد ابن حنبل والبخارى وأبى داود ومحمد ابن نصر المروزى وأمثالهم ممن جمع الاستنباط والفقه إلى الرواية فهاتان الطائفتان هما أسعد الخلق بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وهم الذين قبلوه وورفعوا به رأسا وتقدم معنا إخوتى الكرام يعنى تقرير هذا سابقا أن الفقهاء أطباء والمحدثين صيادلة وذكرت بعض الوقائع التى وقعت للمحدثين فما استطاعوا أن يجيبوا فيها بكلمة حتى أُحيلت إلى من يفجرون النصوص ويستنبطون منها فأجابوا بالحكم الشرعى رضى الله عنهم وأرضاهم فسيدنا أبو هريرة رضى الله عنه راوية الإسلام حافظ الإسلام حقيقة وسيدنا عبد الله ابن عباس فقيه الإسلام ترجمان القرآن فدرجته أعلى من درجة سيدنا أبى هريرة قطعا وجزما رضى الله عنهم أجمعين

إخوتى الكرام دعوة نبينا عليه الصلاة والسلام التى تقدمت معنا لابن عمه اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل استجابها ربنا الكريم سبحانه وتعالى فهيأ سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما بذلك فألهمه أن يجد فى الطلب لينال أعلى الرتب فاستمع لجده رضى الله عنه وأرضاه وهو صغير لم يجر القلم عليه استمع روى الإمام الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة ثمان وثلاثين وخمسمائة والحديث صححه الحاكم وأقره عليه الذهبى ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير بسند رجاله رجال الصحيح كما فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة سبع وسبعين ومائتين والحديث رواه الإمام ابن سعد فى الطبقات والفسوى فى كتابه المعرفة والتاريخ ورواه الإمام البيهقى وغيرهم رضى الله عنهم وأرضاهم عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنه وأرضاه قال لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله عليه الصلاة والسلام مات وانتقل إلى الرفيق إلى جوار ربه عليه صلوات الله وسلامه وسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما كما قلت ناهز الاحتلام وقارب الخامسة عشرة من السنين ثبت فى معجم الطبرانى الكبير بسند رجاله رجال الصحيح كما فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة خمس وثمانين ومائتين

ذاك رواه الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين ورواه الإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده وكما قلت فإنه صحيح عن سيدنا ابن عباس رضى الله عنهما قال توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة وما ورد فى بعض الروايات أنه ابن ثلاث عشرة سنة وأنه أربع عشرة سنة الجمع بينها ممكن أربعة عشرة سنة يعنى ألغى الكسر ثلاث عشرة سنة ألغى الكسرين يعنى ثلاث عشرة سنة كاملة ثم من بداية السنة التى ولد فيها يوجد أشهر وبداية السنة الأخيرة يوجد أشهر فألغى هذه وألغى هذه فصارت ثلاث عشرة سنة أذا جبر الكسرين صارت خمسة عشر واضح هذا كما جمع أئمتنا على كل حال المقصود قارب الاحتلام بلغ خمس عشرة سنة أو أربع عشرة سنة جبر الكسر فصارت خمس عشرة سنة الأمر يعنى سهل فى موضوع هذه الروايات هذا حال ومدة صحبته لنبينا عليه الصلاة والسلام قرابة سنتين ونصف فقط هذه صحبته لنبينا عليه الصلاة والسلام يعنى صحبه وعمره إحدى عشرة سنة واثنتى عشرة سنة لا أربعة عشرة سنة فقط لأنه هاجر إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قبيل فتح مكة هاجر إلى المدينة المنورة على منورها على صلوات الله وسلامه وكان فتح مكة فى العام الثانى فبقى مع النبى عليه الصلاة والسلام قرابة سنتين ونصف فانتقل نبينا عليه الصلاة والسلام إلى جوار ربه ولذلك يقولها الإمام الذهبى فى السير فى أول ترجمته مدة ملازمته للنبى عليه الصلاة والسلام ثلاثون شهرا يعنى سنتان ونصف كما قلت ومع ذلك سنتان ونصف قبل أن يجرى القلم عليه وهو فقيه هذه الأمة المباركة المرحومة رضى الله عنه وأرضاه يقول لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم

قلت لرجل من الأنصار هلم يا فلان لنتلقى العلم من أصحاب النبى عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام فهم أحياء وهم كثيرون بدءا من سيدنا أبى بكر رضى الله عنه فمن دونه نتعلم العلم عنهم فاتنا نتلقى من النبى عليه الصلاة والسلام وما صحبناه فترة كبيرة طويلة فنتعلم ممن أخذ عنه وتلقى منه عليه وعليهم صلوات الله وسلامه فقال له الأنصارى يا ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين أتظن أنه يُحتاج إليك وأصحاب رسول لله عليه الصلاة والسلام متوافرون وفيهم وفيهم كبار الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى والعشرة المبشرون وغيرهم وغيرهم وأنت يعنى سيُحتاج إليك أنت لا زلت غلاما يعنى تطمع أنك إذا تعلمت الناس ستلجأ إليك مع هؤلاء الصحابة قال سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنه فتركته وأقبلت على شأنى فما وافقنى أن نترافق فى طلب العلم فانا أجد واجتهد فى تحصيل العلم قال فقد كان يبلغنى الحديث عن واحد من الصحابة مما لا أحفظه فأذهب إلى بيته فلا أطرق عليه الباب كراهة أن أضجره وأن أوذيه فأنام على بابه اضجع وأنام على الباب ولا أخرج انتظر حتى إذا خرج يتلقى منه الحديث قال فتسفى الرياح على وجهى الرمال تأتى تنسف على وجهى وأنا مضجع فإذا فتح الباب وأراد أن يخرج للصلاة رآنى وأنا مضجع على باب بيته قال يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام هلا أرسلت إلىَّ حتى آتيك أنت نجلك إجلالا لرسول الله عليه الصلاة والسلام أنت لك شأن أنت فقط أرسل إلينا نحن نأتى إلى بيتك نعلمك فيقول له لا أنت أحق أن تُؤتى ثم يقول بلغنى عنك كذا عندك حديث فيمليه فيحفظه سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فبقى صاحبى الأنصارى أى امتدت حياته كما امتدت حياتى حتى إذا رأى اجتماع الناس علىَّ اجتمعوا علىَّ فقال كان هذا الفتى أعقل منى

نعم يعنى لم حج سيدنا معاوية أيام إمرته وخلافته وحج سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين موكب معاوية وهو الصحابى لا يوجد حوله إلا أعوانه وموكب عبد الله ابن عباس فى منى وفى المشاعر يفد الناس إليه من كل جهة من أجل أن يسألوه عن أحكام المناسك يعنى هو أعلى من الخليفة ذاك خليفة ما حوله إلا أعوانه وأصحابه وما أحد يقصده للسؤال وأما هذا موكبه وخباؤه ومنزله الناس يفدون إليه من كل جهة ولا ينقطع هذا حقيقة لما رأى صاحبه اجتماع الناس عليه قال كان هذا الفتى أعقل منى احتاج الناس إليه بل احتاج إليه سيدنا عمر رضى الله عنه يعنى بعد وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام بثلاث سنين جاءت الخلافة لسيدنا عمر أوليس كذلك سيدنا أبو بكر رضى الله عنه حكم سنتين ونصفا جاءت الخلافة إلى سينا عمر كان يستشيره ويقدره عن البدريين فيها هاتين السنتين يعنى كم كان عمره سبع عشرة سنة يستشيره ويأخذ برأيه رضى الله عنهم وأرضاهم كما سيأتينا كما قلت فى خطوات البحث ودعوة نبينا عليه الصلاة والسلام لن تتخلف اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل فانظر لهذا الحرص العجيب وهذا التواضع الغريب ينام على عتبة الباب على الباب والرمال تسفى عليه حتى يخرج هذا الصحابى ولا يقرع عليه الباب ولا يخبره بحاله ولو علم ذاك لهرول إليه فرحا مسرورا جاء ابن عم النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ومع ذلك لا يفعل فإذا خرج أخذ منه الحديث واستمع ماذا كان يفعل مع العلماء

زيد ابن ثابت رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين حقيقة له شأن وهو أكبر من سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وهو كاتب الوحى لنبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهو الذى تولى جمع القرآن عندما قال له سيدنا أبو بكر رضي الله عنه كما فى صحيح البخارى وغيره إنك شاب عاقل لا نتهمك كنت تكتب الوحى لرسول الله عليه صلوات الله وسلامه فتتبع القرآن فاجمعه له شأن حقيقة وهو أقرب هذه الأمة زيد ابن ثابت وله كما قلت شأن يعنى ينبغى أن يُعترف له به سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنه هو أول من يعترف فاستمع لهذه الحادثة الثابتة الصحيحة مع عبد الله ابن عباس وزيد ابن ثابت رضي الله عنهم أجمعين اجتمعا فى جنازة وهذه الجنازة كما قال الإمام ابن عبد البر كانت لأم سيدنا زيد ابن ثابت رضي الله عنهم أجمعين توفيت أمه فشهد الصحابة دفنها رضي الله عنهم أجمعين وجزاهم عنا خير الجزاء فلما انتهوا من دفنها قدمت البغلة لسيدنا زيد ابن ثابت ليركبها فأخذ عبد الله ابن عباس بزمامها وبدأ يقود بغلة زيد ابن ثابت رضى الله عنهم وأرضاهم والأثر فى جامع العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة ثمان وعشرين ومائة وفى كتاب الفقيه والمتفقه فى الجزء الثانى صفحة تسع وتسعين فى كتاب الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع كلاهما للخطيب البغدادى الفقيه والجامع فى الجامع فى الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين ومائة والأثر فى المدخل إلى السنن للإمام البيهقى صفحة سبع وثلاثين ومائة وصفحة خمس وثمانين وثلاثمائة وانظروه فى طبقات ابن سعد وفى كتاب المعرفة والتاريخ للإمام الفسوى أيضا يمسك بزمام بغلة الدابة ويقودها فهاك يعنى لا يرضيه ذلك قطعا هذا له شأن من بيت النبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال خل عنك زمام البغلة يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام اتركها ستمسك زمام بغلتى وتقودها

فقال هكذا أُرنا أن نفعل بكبرائنا أنت عالم جليل تكتب الوحى لنبينا الجليل عليه الصلاة والسلام لك شأن نفعل هذا هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا انظروا لهذه الرواية الزائدة ولتعليق الإمام ابن عبد البر عليها الإسناد صحيح إلى هنا زيادة فقال أرنى يدك يا ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام فمد إليه يده فظن أنه يريد أن يصافحه فقبل زيد ابن ثابت يد سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما وقال هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال الإمام ابن عبد البر معلقا على الزيادة فى تقبيل يد سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما زاد بعضهم فى هذا الحديث أن زيد ابن ثابت كافأ عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين كافأه على إمساك زمام البغلة أن قَبَّل يده وقال هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال الإمام ابن عبد البر وهذه الزيادة من أهل العلم من ينكرها زادها بعضهم منهم من ينكرها وحقيقة ليست من الرواية التى أحلت إليها لكن الإمام ابن عبد البر نوه بها وأشار إليها يقول بعض الرواة زاد هذا وبعض أهل العلم ينكرها فإن ثبت فالشىء فى محله وفى موضعه فهذا تأدب مع هذا وهذا تأدب مع هذا لكل واحد فيهما اعتبار يقتضى أن يفعل به ما فعله أحدهما بصاحبه واضح هذا وموضوع تقبيل اليد كنت أشرت إليه إخوتى الكرام ضمن مواعظ الجمعة فيما يتعلق بتقبيل اليد بل بتقبيل الرجل والأمر كما تقدم معنا دراسته وتقريره بالآثار الثابتة حرص وتواضع

فلما استجاب الله دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام فى ابن عمه هيأه لذلك فجعله مستعدا لذلك أما أنه يعنى يُفقه فى دين الله دون حرص منه دون جد واجتهاد لا إنما ألقى فى قلبه التعلق بالعلم والرغبة فيه والحرص عليه وتتبعه من مظانِّه رضى الله عنه وأرضاه كما ألقى فى قلبه توقير العلماء واحترامهم فحصل بعد ذلك العلم النافع عنده بعد ذلك يعنى قلب مستنير وعقل كبير تفاعل مع هذه النصوص وفجرها واستنبط الأحكام منها رضى الله عنه وأرضاه إخوتى الكرام كما قلت هيأه الله للإسباب التى تأهله إلى أعلى المراتب وفعلا قطف ثمرة جهده فى هذه الحياة وما له عند الله أعظم وأكبر مما لا يخطر ببال المخلوقات انظر لثمرة جده واجتهاده ولأثر دعوة النبى عليه الصلاة والسلام فيه وله روى الإمام أحمد فى المسند والبخارى فى صحيحه والأثر فى سنن الإمام الترمذى ورواه سعيد ابن منصور فى سننه والإمام ابن سعد فى الطبقات والطبرانى وابن المنذر فى التفسير ورواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والدار قطنى فى السنن وابن مردويه فى تفسيره ورواه أبو نعيم والبيهقى كلاهما فى دلائل النبوة والحديث صحيح صحيح فهو فى صحيح البخارى من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال كان عمر ابن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين يُدخلنى مع أشياخ بدر أشياخ أهل بدر موقعة بدر يدخلنى معهم فى مجلس الشورى إذا أراد أن يستشير المسلمين فى قضية هؤلاء الخلاصة أهل البدر الذين لهم شأن والله جل وعلا قال لهم (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) يُدخل سيدنا عمر رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين عبد الله ابن عباس مع شيوخ أهل بدر فكأن بعضهم وجد فى نفسه فقال يا أمير المؤمنين تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فالأكبر منه لهم أبناء أكبر من سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وكما قلت لكم يعنى عمره عند خلافة سيدنا عمر سبع عشرة سنة تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله فقال إنه مَن علمتم

أنتم تعلمون مكانته إنه من علمتم فيه صفتان الأولى ابن عم النبى عليه الصلاة والسلام إجلاله واجب الصفة الثانية يا إخوتى هذا دعا له النبى عليه الصلاة والسلام أن يفقه فى الدين ويعلم التأويل وأن يؤتيه الله الحكمة فمجلس ليس فيه يعنى حقيقة ناقص فلا بد أن يكون هذا المهلم المسدد معنا الذى دعا له نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فدعاهم يوما ودعانى معهم وأنا أرى أنه ما دعانى معهم إلا ليريهم مكانتى فلما اجتمعوا قال لهم ما تقولون فى قول الله جل وعلا {إذا جاء نصر الله والفتح *ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا*فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [النصر/1-3] فانقسموا ثلاثة أقسام قسم قال أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام وأمرنا أن نسبحه وأن نستغفره إذا نصرنا على أعدائنا هذا قسم أول وقسم انتبه سكت فلم يقل شيئا وقسم قال الله أعلم فغضب سيدنا عمر رضي الله عنه فقال من علم فليقل ما يعلم أما الله أعلم الله أعلم كل شىء عندك علم تكلم ما عندك اسكت كما سكت الفريق ذاك فريق يقول أمرنا إذا فتح علينا أن نسبح الله وأن نستغفره فريق يقول الله أعلم فريق سكت قال ما تقول أنت يا ابن عباس

فقال هذه السورة أجل رسول الله عليه الصلاة والسلام نُعى إليه فيها إخبار من الله بأن أجله قد حضر فليستعد للقاء الله عز وجل وهذه السورة آخر سورة نزلت فى القرآن ونزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام فى حجة الوداع فى منى فى أيام التشريق وما عاش بعدها عليه الصلاة والسلام إلا بضعا ثمانين يوما عليه صلوات الله وسلامه دون ثلاثة أشهر يعنى من ذى الحجة بعد ذلك المحرم صفر توفى عليه الصلاة والسلام فى ربيع الأول عليه صلوات الله وسلامه فما عاش بعدها إلا قرابة كما قلت الثلاثة أشهر بضعا وثمانين يوما فالله جل وعلا يقول له حقق الله لك أمنيتك فُتحت مكة ودخل الناس فى دين الله أفواجا فما عليك إلا أن تتهيأ للقائنا لأن مهمتك قد انتهت كان يقال لك بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وأما مهمة البلاغ فانتهت ودخل الناس فى دين الله أفواجا بقى مهمة بعد ذلك التهيؤ للقاء {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} فهمة البلاغ انتهت والأجل قد اقترب فقال سيدنا عمر رضي الله عنه ما أعلم منها إلا ما تقول نحن كبار الصحابة علمنا هذا عندما نزلت هذه السورة وأن أجل رسول الله عليه الصلاة والسلام قد دنا واقترب هذا من علمتم اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل

تقدم معنا إخوتى الكرام مناظرة سيدنا عبد الله ابن عباس للخوارج ولن أذكرها إنما عندما ناظرهم المناظرة المحكمة رجع منهم عشرون ألفا من أربعة وعشرين ألفا رجعوا منهم عشرون بمناظرة محكمة عندما استنبط تلك الآيات ودلل على صدق وحسن وسلامة فعل رابع الخلفاء الراشدين سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه بكلام الله1:9:5 تكلموا وكل ما يقررهم بآية خرجتُ من هذا يقولون خرجتَ فرجع منهم عشرون ألفا بعد أن تلى عليهم ثلاث آيات فقط واستدل منها على سلامة فعل سيدنا على حسب اعتراضهم ,اعترضوا بثلاثة أمور أتى بثلاث آيات تدل على فسادهم فى اعتراضهم وعلى صواب فعل سيدنا على رضى الله عنه وأنه على هدى فيما فعل فرجع عشرون ألفا يا إخوتى هذه هى اللم فقهه فى الدين دعوة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وعلمه التأويل انظر لمثال آخر يفعله سيدنا على رضي الله عنه فيعقب عليه ابن عباس رضى الله عنهما بما يعقب فيقره سيدنا على على أحد التأويلين كما ستسمعون إن شاء الله روى الإمام أحمد فى المسند والحديث فى صحيح البخارى وهو فى السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة ورواه الحاكم فى السمتدرك والبيهقى فى السنن الكبرى ورواه الإمام الشافعى فى مسنده ورواه الإمام الدارمى فى كتاب الرد على الجهمية والحديث صحيح فهو فى صحيح البخارى كما سمعتم عن عكرمة رضي الله عنه ورأضاه قال أُتى سيدنا على رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فقال لو كنت مكانه لما احرقتهم لأن النبى عليه الصلاة والسلام نهى أن نعذب بالنار فقال (لا تعذبوا بعذاب الله) لقتلتُهم لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال من بدل دينه فاقتلوه وجملة من بدل دينه فاقتلوه هى فى سنن ابن ماجة من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس لكن دون هذه القصة وعليه من بدل دينه فاقتلوه فهو فى السنن الأربعة إذا لما احرقتهم ولقتلتهم (من بدل دينه فاقتلوه)

فبلغ ذلك سيدنا عليا رضى الله عنه وأرضاه فقال ويح ابن عباس وفى رواية ويح أم ابن عباس رضى الله عنهم وأرضاهم وهذه الكلمة إخوتى الكرام ويح إما أنه قالها رضىً بما صدر من ابن عباس وهى كلمة مدح وتعجب لما صدر منه كأنه يقول يعنى أتعجب من ابن عباس وأمدحه وأنا أرضى ما قاله وأرجع إليه ليتنى ما حرقت وقتلت كما أشار ابن عباس رضي الله عنه هذا أحد الاحتمالين الاحتمال الثانى أنها كلمة رحمة وتوجع لسيدنا عبد الله ابن عباس كأنه كان يترحم عليه يتوجع عليه كيف يعترض والنهى فى حديث النبي عليه الصلاة والسلام (لا تعذبوا بعذاب الله) ليس للتحريم إنما هو ليعنى التنزيه ولخلاف الأولى وعليه لا اعتراض علىَّ فى فعلى أنا فعلت ما هو جائز وكأنه يقول ويحه يعنى أنا أترحم عليه أتوجع عليه كأنه ما عرف مراد النبى عليه الصلاة والسلام من قوله لا تعذبوا بعذاب الله المراد أن هذا خلاف الأوْلى ومكروه كراهة التنزيه لكن من فعله لا يُعترض عليه وما ارتكب حراما والذى يظهر والعلم عند الله أن الأول الذى ذكرته أولى وأن سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه يعنى يقول حقيقة لو وقفت يعنى ظاهر الأمر وما حرقت لكان أولى وسيدنا على رضى الله عنه حرقهم بعد أن قتلهم وهذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام قتلهم ثم حرقهم وترك تحريقهم أولى قال الحافظ فى الفتح فى الجزء الثانى عشر صفحة سبعين ومائتين عند الحديث المتقدم فى كتاب استتابة المرتدين والزنادقة عند باب قتل المرتد من صحيح البخارى قال أبو المغفر الإسفرايينى فى كتابه الملل والنحل الذين قتلهم سيدنا على رضى الله عنه هم قوم من غلاة الروافضة ادعوا فيه الألوهية قال الحافظ ابن حجر هذا الذى قاله أبو المغفر الإسفرايينى له أصل فيما رواه أبو طاهر المخلص فى الجزء الثالث من أجزائه بسند حسن أن غلام سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه قندر جاء إليه وقال ها هنا فى الباب قوم يقولون إنك ربهم إنك إلههم

قال ويحك ادعهن فدخلوا عليه قال ما تقولون قالوا أنت ربنا أنت إلهنا قال ويحكم أنا بشر مثلكم إن أطعت أثابنى وإن عصيت عذبنى ارجعوا عن قولكم فسكتوا وأخرجهم فقيل لسيدنا على رضى الله عنه فى اليوم الثانى عادوا لما قالوا فقال أدخلوهم علىَّ فعل هذا ثلاثة أيام فى اليوم الثالث أبوا أن يرجعوا وقالوا أنت إلهنا أنت ربنا فحبسهم وقال لغلامه خدوا الأخاديد وخدت الأخاديد وحفرت فى الطرق من قصره رضى الله عنه فى الكوفة إلى مسجده ثم أبرم فيها النار ثم قدمهم سيدنا على على أنهم إذا لم يرجعوا عن ذنبهم وضلالهم ستضرب رقابهم ويحرقون قالوا أنت إلهنا انت ربنا فقتلهم ثم حرقهم وقال إنى إذا رأيت أمرا منكرا أججت نارى ودعوت قندرا لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت نارى ودعوت قندرا قال الحافظ سند الرواية كما قلت حسن من رواية أبى طاهر المخلص انظروا تفصيل الكلام على هذه القصة فى الفِصل للإمام ابن حزم فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وأربعين ومائة وفى منهاج السنة النبوية للإمام ابن تيمية عليهم جميعا رحمات رب البرية فى الجزء الأول صفحة سبع ثلاثمائة إذاً سيدنا على رضى الله عنه يفعل شيئا يعلق عليه ابن عباس لما تقدم لو كنت مكانه لقتلتهم من بدل دينه فاقتلوه ولما حرقتهم لا تعذبوا بعذاب الله حقيقة هذا هو الفقه وهذا هو الاستنباط وقد يغيب على يعنى الفاضل ما يظهر للمفضول فسيدنا على رضى الله عنه حقيقة أفضل من سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم وأرضاهم وأعلم لكن هذا يبقى كما قلت فيه أثر الدعوة النبوية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل والخصوصية لا تقتضى الأفضلية لا لأنه أفضل من سيدنا عمر إذا فاقه فى الفهم فى بعض القضايا أختم الكلام إخوتى الكرام على شىء من فقهه وعلمه فى هذا المثال الذى سأذكره من ضمن ما وقع له فى تفسير قول الله جل وعلا

{أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [الأنبياء/30] الرتق إخوتى الكرام خلاف الفتح وهو الالتحام والانضمام كانتا رتقا ملتحمتين منضمتين ما هو يعنى ضم والتحام السماء ضم الأرض ما هو يعنى التحامها وضمها على أى شاكلة كانت ما المراد من هذه الآية استمع لهذا الأثر روى الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وثمانين وثلاثمائة والأثر رواه الإمام الفريابى وعبد ابن حميد والبيهقى فى الأسماء والصفات انظروا الدر المنثور الجزء الرابع صفحة سبع عشرة وثلاثمائة والحديث صححه الحاكم لكن فى إسناده طلحة ابن عمرو قال عنه الذهبى واهم وانظروا ترجمته فى الميزان قال إنه صاحب عطاء قال الإمام البخارى والإمام ابن المدينى ليس بشىء طلحة ابن عمرو وقال الإمام أحمد والنسائى متروك وبذلك حكم عليه الحافظ فى التقريب فقال متروك1:18:15أى هو من رجال سنن ابن ماجة لم يخرج له أحد من أهل الكتب الستة إلا الإمام ابن ماجة رضى الله عنهم وأرضاهم طلحة ابن عمرو لكن الأثر رُوى من طرق أخرى كما ستسمعون هذه رواية الحاكم فيها هذا الإسناد أنه قال (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) كانت السماء رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت ففتق الله رتق السماء بالمطر ورتق الأرض بالنبات بالزرع انظر للرواية الثانية من غير طريق طلحة ابن عمرو رواها الإمام ابن المنذر فى تفسيره وهكذا الإمام ابن أبى حاتم ورواها الإمام أبو نعيم فى الحلية عن عبد الله ابن دينار عن سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما أن رجلا جاءه فسأله عن تفسير هذه الآية (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) فقال سل عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم علمه التأويل فاذهب إليه فإذا أخبرك عن تفسيرها فعد إلىَّ وأخبرنى لأتعلم هذه الفائدة

وأين عبد ابن عباس من عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين يعنى عبد الله ابن عمر فى الأصل يعنى أعلى من ناحية الرتبة والعلم والفقه لكن يبقى هذا له كما قلت خصوصية اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل لا تقدمه عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما مع كمال رتبته وفضله رضى الله عنهم وأرضاهم وهو شيخ الإسلام فى الصحابة كما ينعته بذلك الذهبى عبد الله ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين ولو عهد إليه سيدنا عمر بالخلافة لما خالفه أحد من الزهاد العباد لا يوجد خصلة طيبة إلا وهى فيه استمع هنا كيف وقف وعبد الله ابن عباس رضى الله عنهما يجيب من غير توقف فجاء سائل وقال ما معنى هذه الآية قال فتق الله رتق السماء بالمطر وفتق رتق الأرض بالنبات بالزرع فذهب إلى سيدنا عبد الله ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين فأخبره قال هكذا قال لى عبد الله ابن عباس ترجمان القرآن حبر الأمة وبحرها فقال ابن عمر الآن علمت أنه قد أوتى علما فى القرآن صدق هكذا كانت يعنى السماء ما كانت تمطر والأرض ما كانت تنبت ثم فتق الله رتق هذه بالمطر ورتق هذه بالنبات وهذا المعنى إخوتى الكرام هو أظهر المعانى الخمسة التى قيلت فى تفسير الآية الكريمة المعنى الأول كانتا رتقا أى كانتا واحدة أى كانت السموات واحدة والأراضين واحدة ففتق الله رتق السموات إلى سبع سماوات وفتق الله رتق الأراضين هذه ملتحمة أرض واحدة كلها إلى سبع أراضين المعنى الثانى كانتا ملتحمتين يعنى الأرض مع السماء ففتق الله رتقهما وفصل بينهما فُصلت الأرض عن السماء والله على كل شىء قدير المعنى الثالث من المعانى الأربعة التى سأذكرها بعد الأول أوليس كذلك يعنى يصبح معنا المعنى الثالث أوليس كذلك الأول كما قلت رتقا تفسير سيدنا عبد الله ابن عباس رتقا السموات واحدة والأراضين واحدة رتقا وهو المعنى الثالث ملتحمتين المعنى الرابع

كانتا رتقا أى فى ظلمة لا تُرى السموات ولا ترى الأرض ولا يرى ما فيهما ولعل هذا يعود للمعنى الثانى لأنه إذا كانتا ملتحمتين فكما قلت لا ترى هذه من هذه ولعله يعود للمعنى الأول إذا كانت السماء لا تمطر والأرض لا تنبت إذاً لا يوجد مخلوقات تعيش على الأرض تنتفع بها لترى هذه وهذه لعله يعنى شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان يقول هذا المعنى الرابع يمكن أن يعود للثالث يمكن أن يعود للأول المعنى الخامس كانتا رتقا هذا الالتحام والانضمام يراد منه كانتا عدما يعنى كأنه لما كانتا لا تريان ولا تظهران كأنهما ملتحمتين مضمومتين لكن فى عالم العدم لا فى عالم الوجود ففتق الله كانتا رتقا ففتقناهما أى أخرجناهما من العدم إلى الوجود كما قلت الأول الذى نقل عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما هو المعتمد وعليه المعول فى تفسير هذه الآية وقد قواه شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان فى أربعة أمور: أولها قال الرؤيا بصرية هنا (أو لم ير الذين كفروا) وهذا الذى رأيناه وهذا الذى رآه العباد نحن ما رأينا السموات سماء واحدة وانفصلت إلى سبع وما رأينا الأراضين واحدة وانفصلت إلى سبع وما رأينا الأرض ملتحمة مع السماء وانفصلت هذه عن هذه ولا رأينا أن السموات والأرض كانتا فى ظلمة أو فى عدم هذا كله ما رأيناه الذى رأيناه سماء تمطر والأرض تنبت {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما} نحن رأينا هذا الفتق وهو نزول الماء وخروج النبات الأمر الثانى الذى يرجح هذا المعنى ويقويه أو كما قلت تفسير ترجمان القرآن أن الله جل وعلا قال فى هذه الآية (وجعلنا من الماء كل شىء حى) كأنه يقول بأن هذا الماء الذى حصل به الفتق فتق رتق السماء وفتق رتق الأرض هو عماد الحياة {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون} [الأنبياء/30]

ذكر الماء بعد فتق رتق السموات والأرض كأنه يقول فُتق رتقهما بما فيه حياة لكل كائن حى وهو الماء (وجعلنا من الماء كل شيء حي) الأمر الثالث الذى يرجح هذا ان الله جل وعلا أخبر عن السماء بأنها ذات الرجع والأرض ذات الصدع (والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع) (والسماء ذات الرجع) أى يرجع إليها المطر ويؤوب الماء ويؤوب حالابعد حال ينزل منها ثم إذا استقر فى الأرض بأبخرة الشمس بقوة الله ولطفه وتقديره عادت السحب مرة ثانية إلى السماء ونزل المطر وهكذا ماء ينزل ثم يرجع ينزل ويرجع (والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع) الرجع يرجع إليها المطر الذى نزل منها بواسطة حرارة الشمس عندما يتبخر الماء الأمر الرابع الذى يقوى هذا المعنى أن الله جل وعلا يعنى ردد وأكثر من ذكر الماء فى القرآن منبها على قدرة الرحمن وعلى بعث الإنسان يعنى يستعمل ذكر الماء لدلالة على هذين الأمرين بكثرة فى كتابه جل وعلا {فلينظر الإنسان إلى طعامه *أنا صببنا الماء صبا*ثم شققنا الأرض شقا} [عبس/24-26] {أفرأيتم الماء الذي تشربون* أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} [الواقعة/68-69] {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير} [فصلت/39] آيات كثيرة يذكر الماء كما قلت للتدليل على عظيم قدرة الله وللتدليل على سهولة البعث وإمكانه وأنه يسير على ربنا الجليل فمن أحى الأرض بعد موتها قادر على إعادة الحياة إلى الأجسام بعد موتها والله سبحانه وتعالى على كل شىء قدير وهى حية بواسطة الماء الذى جعل الله يعنى به كل شىء حى وهو على كل شىء قدير هذه أمور أربعة إخوتى الكرام ترجح هذا التفسير الثابت عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما

نقف إخوتى الكرام عند نقطة من ترجمة سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أتكلم عليها وعلى ما بعدها وأختم الأمر بهذا إن شاء الله فى الموعظة الآتية لنقف بعد ذلك عند عنوان وضعته أيضا وهو الفروق بين شرع الخالق والمخلوق قبل ترجم أئمتنا رضى الله عنهم وأرضاهم إذا بقى متسع يعنى من موعظة الغد نأخذ شيئا من الفروق وإلا تبقى معنا لمواعظ الأسبوع الآتى بعون الله وتوفيقه والعنوان الذى سنقف عليه ثناء الصحابة الكرام على سيدنا عبد الله ابن عباس واعترافهم بفضله ومكانته وعظيم درجته ورتبته رضى الله عنهم أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا اللهم إنا نسألك من كل شىء أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

06

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام كنا نتدارس الآثار المروية عن نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى فضل التفقه فى الدين وقلت سنتدارس أربعة آثار فى ذلك أولها حديث سيدنا معاوية رضي الله عنه ومن معه (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين) وثانيها حديث سيدنا أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه (مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا) والحديث الثالث تقدم معنا عن سيدنا عبد الله ابن عمر وعن سيدنا سعد ابن أبى وقاص وقلت رُوى عن اثنى عشر صحابيا وعن أربعة من التابعين مرفوعا إلى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه (أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع فضل العلم أحب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام من فضل العبادة وأحب الدين الورع وأفضل الدين الورع)

والحديث الرابع إخوتى الكرام تدارسناه فى الموعظة الماضية وأكمل ما يتعلق به فى هذه الموعظة بعون الله وتوفيقه دعوة نبينا عليه الصلاة والسلام لابن عمه سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أن يفقهه فى الدين وأن يعلمه التأويل وقلت هذا يدل على منزلة الفقه فى الدين وعلى منزلة تفسير وفهم كلام رب العالمين وهذه المنزلة تقدم معنا أهَّلت سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أهلته إلى أن يُقدَّم على البدريين من المهاجرين والأنصاريين رضى الله عنهم وأرضاهم قُدم عليهم بسبب التفقه فى الدين وكان ثانى الخلفاء الراشدين سيدنا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه يستشيره ويأخذ بقوله ويقدم قوله على من عداه كما تقدم معنا ختمت الموعظة إخوتى الكرام بنماذج من فقهه وتأويله وحسن فهمه واستنباطه رضى الله عنه وأرضاه وصلنا إلى أمر سأتكلم عليه فى هذه الموعظة وعلى ما بعده وأنهى الكلام كما قلت على هذا الأمر فى هذه الموعظة بعون الله وتوفيقه ثناء الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين على سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما واعترافهم بفضله وتقدم معنا هو شاب حدَث السن لما توفى نبينا عليه الصلاة والسلام كان عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قد ناهز الاحتلام وانظر لهذه المنزلة التى له عند الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين روى الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والحاكم فى المستدرك وأبو نعيم فى كتاب الحلية عن سيدنا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه أنه كان يقول فى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين (ذاكم فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول) وإذا منَّ الله على العبد بهاتين النعمتين فقد اكتملت عليه النعمة, يسأل عما ينفعه بلسانه ثم يقيده ويضبطه بقلبه وجنانه اكتملت النعم وهذا الذى حصل من سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما سأل وقيد وضبط ثم زاد كما تقدم معنا فحص وغاص واستنبط فهو له لسان سؤول وقلب عقول

فهو فتى الكهول هو ليس بكهل توفى سيدنا عمر واستُشهد رضى الله عنه وأرضاه وشفعه فينا يوم نلقاه وسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما ما بلغ سن الكهولة والإنسان يمر إخوتى الكرام فى حياته بأربع مراحل المرحلة الأولى مرحلة الصِبا مرحل يعنى الطفولة وهى من ولادته إلى أن يبلغ إلى سن خمس عشرة هذا كله يقال له غلام طفل صبى ثم بعد ذلك مرحلة الشباب من البلوغ إلى الثلاثين إلى الأربعين وقلت مرارا ما بين الثلاثين والأربعين من مرحلة الشباب لكن مرحلة يعنى يقف الإنسان عندها لا يزداد ولا يتأخر ثم من الأربعين إلى الستين دخلت سن الكهولة استشهد سيدنا عمر رضى الله عنه وعبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين دون الأربعين وأما بعد الستين دخلت الشيخوخة نسأل الله حسن الخاتمة هذه المراحل الأربعة التى يمر الإنسان فيها كما قلت يكون غلاما طفلا صبيا شابا كهلا شيخا ذاكم فتى الكهول أى هو له فى القدر والمنزلة والاعتبار كأنه كهل واضح هذا لكن هذا فتى الكهول يعنى يدخل مع الكبار مع كبار لسن فى المجالس لكن هو ذكر هو شاب رضى الله عنه وأرضاه وكان يحضر مع شيوخ المهاجرين والأنصار كما تقدم معنا فى مجلس الشورى (ذاكم فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول) وقد كان سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه كما تقدم معنا يقربه ويدنيه فلما رأى سيدنا العباس رضى الله عنه وعن الصحابة الأكياس منزلة ابنه عند سيدنا عمر نصحه بثلاثة أمور ينبغى أن يحافظ عليها من أجل أن لا يتكدر قلب عمر على هذا الصحابى المعتبر رضى الله عنه وأرضاه سيدنا عبد الله ابن عباس

الأثر رواه الإمام ابن سعد فى الطبقات ورواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير وأبو نعيم فى الحلية والإمام الفسوى فى المعرفة والتاريخ قال سيدنا العباس لولده عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين يا بنى إنى أرى لك منزلة عند أمير المؤمنين سيدنا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه فاحفظ منى ثلاثا حافظ عليها وانتبه لها (لا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولا يجربن عليك كذبا) وهو صادق اللهجة رضى الله عنه وأرضاه إنما من باب يعنى التأكيد على هذه الأمور إياك أن تفشى له سرا أو تغتاب عنده أحدا أو أن يجرب عليك كذبا قال الإمام الشعبى لسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين كل واحدة تعدل ألفا يعنى ألف درهم قال كل واحدة تعدل عشرة آلاف ليس تعدل ألفا كل نصيحة من هذه النصائح ما تُقوَّم بعشرة آلاف درهم من أجل أن يعنى يحافظ الإنسان على مكانته ومنزلته عند ثانى الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين لا تفشين له سرا ولا تغتابن عنده أحدا ولا يجربن عليك كذبا نعم إخوتى الكرام له منزلة عظيمة بلغ من قدره عند سيدنا عمر رضى الله عنهم أجمعين أنه عندما حُمَّ سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أصيب بمرض الحمى رضى الله عنه وأرضاه دخل سيدنا عمر زائرا له وعائدا كما فى طبقات ابن سعد فى الجزء الثانى صفحة واحدة وسبعين وثلاثمائة من رواية أبى الزناد وهو عبد الله ابن ذكوان ثقة فقيه حديثه فى الكتب الستة توفى سنة ثلاين ومائة دخل عليه يعوده وقد حم سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين فقال له كم أخل بنا مرضك أى كم أثر فينا وأخرنا وكنا نستشيرك وتصاحبنا وتشير علينا بما فيه السداد فى ديننا ودنيانا كم أخل بنا مرضك أنت مرضت لكن نحن تضررنا من هذا المرض كم أخل بنا مرضك وكان يقول كما فى طبقات ابن سعد أيضا

(كيف تلوموننى على حب هذا كيف تلوموننى فى هذا) , هذا الذى تلوموننى فيه يعنى أنتم تلوموننى يا معشر المهاجرين والأنصار من الصحابة الكبار كيف أُدخل هذا الحدث الشاب النشيط بينكم كيف تلوموننى وهو من هو هذا عندما مرض كم أخل بنا مرضك وأخر بنا عن درجات الكمال كنا نستضىء برأيه ونقتبس من فقهه وحسن تأويله فمنعنا ذلك عندما نزل به المرض كم أخل بنا مرضك هذا يقوله سيدنا عمر وعمر عمر هو سيد المحدَّثين والملهمين وثانى الخلفاء الراشدين يقول هذا لسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين فكم له من منزلة وأثر وحقيقة هو فقيه الإسلام كما تقدم معنا لدعوة النبى عليه الصلاة والسلام اللهم فقهه فى الدين نعم إخوتى الكرام هذا منزلته وقد شهد له بذلك كبار الصحابة رضوان الله أجمعين روى الإمام ابن سعد فى الطبقات فى المكان المشار إليه آنفا صفحة سبعين وثلاثمائة من المجلد الثانى عن سيدنا سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنهم أجمعين أنه قال ما رأيت أحضر فهما ولا ألب لبا ولا أكثر علما ولا أوسع صدرا من عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين رأيت عمر ابن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين يدعوه للمعضلات أى المسائل المُشكلة العويصة للمعضلات ثم لا يعدو رأيه ولا يجاوز قوله وحوله مشايخ الصحابة الكبار من المهاجرين والأنصار يدعوه للمعضلات ويأخذ بقوله رضى الله عنه وأرضاه وإذا أشكلت مشكلة كان يقول له غص يا غواص النصوص التى فى صدرك تفاعل معها وائتنا بالحكم الشرعى للحوادث التى وقعت لنا غص يا غواص هذا يقوله سيدنا سعد ابن أبى وقاص الذى بقى فترة ربع الإسلام رابع من أسلم رضي الله عنه وأرضاه ما رأى أحضر فها ولا ألب لبا ولا أكثر علما ولا أوسع صدرا من سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين ويقول الصحابى الجليل طلحة ابن عبيد الله هو أيضا أحد العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم أجمعين كما فى طبقات ابن سعد فى المكان المشار إليه آنفا

(ما كنت أرى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقدم على عبد الله ابن عباس أحدا) رضى الله عنهم أجمعين لا يقدم على قوله قول غيره مهما كان شأنه ما كنت أرى عمر ابن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين يقدم على قول عبد الله ابن عباس أحدا ويقول الصحابى الجليل عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه كما فى المستدرك وحلية الأولياء وكتاب المعرفة والتاريخ للإمام الفسوى قال لو أدرك عبد الله ابن عباس زماننا يعنى كبيرا مثلنا وصحب النبى عليه الصلاة والسلام كما صحبناه وتقدم معنا صحبه ثلاثين شهرا فقط عبد الله ابن عباس وأما الصحابة الأكياس منهم من صحبه عشرين سنة ومنهم من صحبه ثلاث وعشرين ونمهم من صحبه عشر سنين يقول لو أدرك زماننا انتبه لما عاشره منا أحد وضبط كما الذهبى فى السير عشره عشَّره منا أحد والمعلق على تاريخ بغداد للخطيب البغدادى والأثر فيه أيضا إخوتى الكرام فى تاريخ بغداد يقول فى المخطوطة بحذف الألف عشَره وهذا خطأ وتصحيف ليس بخطأ ولا بتصحيف عاشره ليس من العِشرة إخوتى الكرام إنما هو من التعشير أى لما وصل أحد إلى عُشره منا لو أدرك زماننا وصحب البنى عليه الصلاة والسلام كما صحبناه لما وصل أحد منا إلى عُشر ما وصل إليه ابن عباس عاشره وصل إلى عشره يعنى إذا جئنا نقتسم العشرة هو له تسعة ولنا عُشر ولا نحصل هذا العشر ما نحصل عشرا من عشرة التى حصلها ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين عشَره عشَّره كما قلت بالتخفيف بالتثقيل بالمفاعلة صفة عاشره أى لجئنا لنتعاشر ونقتسم أجزاء العشرة هو يفوز بالتسعة وزيادة ونحن لا نحصل واحدا منها فليس فيها من العِشرة ما عاشره أحد منا يعنى ما صاحبه لا وكما قلت لكم قول المعلق تصحيف ليس بتصحيف والذهبى نص فى السير على أنه نُقل عن سيدنا عبد الله ابن مسعود عاشره وعشَره عشَّره أى ما نال عُشره مهما بلغ جهده وهذا يقوله عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم فماذا يقول من عداه

حقيقة هذه منزلة سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما ثم قال عبد الله ابن مسعود تكملة الأثر الأول تكملة أثره قال ونعم ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس قال الإمام ابن كثير فى تفسيره فى أوائل تفسيره فى المقدمة فى التفسير فى الجزء الأول صفحة أربعة وهذا إسناد صحيح إلى سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه وقد توفى هذا الصحابى الجليل سنة اثنتين وثلاثين ثم قال هذه المقولة فى هذا الصحابى الكريم عبد الله ابن عباس نعم ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس ولو أدرك أسناننا وزماننا ما عاشره عشَره عشَّره منا أحد قال فما ظنك بما كسبه عبد الله ابن عباس من العلوم بعد ذلك فقد عاش بعد عبد الله ابن مسعود ستا ثلاثين وسنة لأنه توفى سنة ثمان وستين وإذا كان عبد الله ابن مسعود يقول هذه المقولة ووفاته سنة اثنتين وثلاثين نعم ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس فكيف بما كسبه وحصله من العلوم بعد وفاة هذا الصحابى المبارك الميمون عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهم وأرضاهم حقيقة لو امتدت حياة عبد الله ابن مسعود لزاد فى الثناء على هذا الصحابى المبارك المحمود رضوان الله عليهم أجمعين وهذا الأثر إخوتى الكرام نعم ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس قاله أيضا سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه فى سيدنا عبد الله ابن عباس كما فى تاريخ بغداد فى ترجمته فى الجزء الأول صفحة ثلاث وسبعين ومائة نعم ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس بل رُوى ذلك مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لكن بإسناد فيه ضعف رواه أبو نعيم فى الحلية فى ترجمته أيضا فى الجزء الأول صفحة ست عشرة ثلاثمائة والطبرانى فى معجمه الكبير كما فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة ست وسبعين ومائتين عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما (قال دعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسى ودعا لى بالحكمة وقال نعم ترجمان القرآن أنت)

قال عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما وقد دعا لى جبريل مرتين أيضا كما دعا لى النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه الأثر كما قلت فى الطبرانى فى معجمه الكبير والحلية وهو فى الكتابين من طريق عبد الله ابن خراش قال عنه الهيثمى فى المجمع ضعيف وبذلك حكم عليه الحافظ فى التقريب فقال ضعيف (ق) أى أنه من رجال سنن ابن ماجة القزوينى فقط عبد الله ابن خراش نعم ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس قاله عبد الله ابن مسعود بسند صحيح وقاله سيدنا عمر ورُوى مرفوعا لكن بسند ضعيف يتقوى هذا السند بدعوات نبينا عليه الصلاة والسلام المتقدمة له قلت مروية من وجوه صحاح اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل آته الحكمة علمه تأويل الكتاب كما تقدم معنا وهذه الآثار الموقوفة تشهد لهذا الأثر المرفوع الذى فى إسناده عبد الله ابن خراش كما قلت وفيه ضعف يعنى يتقوى الأثر بما تقدم نعم ترجمان القرآن أنت نعم ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين ولذلك تقدم معنا هو فقيه الإسلام وأكثر الصحابة يعنى فتوى كما أنه هو المفسر الأول لكلام الله عز وجل رضى الله عنه وأرضاه نعم إخوتى الكرام هذا شأنه وقد كان يُعهد إليه فى زمن الخليفتين الراشدين سيدنا عثمان وسيدنا على رضى الله عنهم أجمعين بأن يلى أمر المسلمين فى موسم الحج فهو أمير الحج فيخطب خطبة الحج خطبة طويلة فصيحة بليغة يقول الحاضرون لو سمعها الترك وفارس والروم لآمنوا أجمعون هذا يقوله الحاضرون عندما يخطب خطبة الحج فى عرفات فى مسجد نمرة

روى الحاكم فى المستدرك وأبو نعيم فى الحلية عن أبى وائل من تلاميذ سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين ومن الرواة عنه وهو شقيق ابن سلمة أبو وائل اسمه شقيق ابن سلمة ثقة مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم تكتحل عيناه برؤية نبينا خير الأنام عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام حديثه فى الكتب الستة أبو وائل شقيق ابن سلمة رضى الله عنهم أجمعين قال كان عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما على الموسم فى الحج فخطب خطبة الحج فقرأ سورة النور وكان هذا فى خلافة سيدنا عثمان ففسرها تفسيرا لو سمعه الترك والديلم والروم لأسلموا وآمنوا أجمعون وقال أيضا ذاك فى خلافة سيدنا على أيضا كان أميرا على الموسم فقرأ سورة البقرة بكاملها فى خلافة سيدنا عثمان قرأ سورة النور فلما كُثر المسلمون أكثر والجهل انتشر أطال الخطبة فقرأ سورة البقرة وفسرها تفسيرا لو سمعه الترك والديلم والروم لآمنوا أجمعون خطبة الحاج تُقرأ فيها سورة البقرة تُفسر يعنى أقل تقدير إخوتى الكرام ستأخذ ثلاث ساعات إن لم يكن أكثر ويجمع تفسيرها ويوضح الأحكام التى فيها فى خطبة الحج فى هذا الحشد الكبير هنيئا لمن حضر تلك الخطبة المباركة ورأى ترجمان القرآن يخرج النور من شفتيه رضى الله عنهم وأرضاه عندما يفسر كلام الله عز وجل وهذا إخوتى الكرام حقيقة لا بد من وعيه وضبطه فى هذه الأيام والناس يستثقلون يعنى حِلق الذكر وهكذا خطب الجمعة فى هذه الأيام سينصرفون إلى أى شىء؟ يعنى هو لو كان سينصرفون إلى مصلحة دينية أو دنيوية لربما قال الإنسان لهم عذر, لن ينصرفوا إلا إلى آفات ردية حقيقة ضعف الهمم وخور العزائم الذى أصبنا به فى هذه الأيام نشكو أمرنا إلى ذى الجلال والإكرام وإذا أطال الخطيب شيئا يعنى قليلا وهكذا الصلاة حصل الاعتراض والتذمر من قِبل الأخيار الذين يعتادون مساجد العزيز القهار دعِ الأشرار, الأشرار كفونا مؤنتهم وأراحوا أنفسهم وأراحونا

يا إخوتى الكرام لا بد من وعى هذا وكنت ذكرت ضمن مباحث النبوة حديثا يبنغى أن ننتبه له وقد كثر يعنى أيضا الكلام حوله, عدد من إخواننا فى بعض الديار قال هذا ما سمعناه قلت يا عبد الله فى نفس الشريط عُد إلى الحديث على أنه رواه عبد الله ابن سيدنا الإمام أحمد فى الزوائد على المسند بسند رجاله رجال الصحيح ما قال الهيثمى فى المجمع انظروه إن شئتم فى الجزء الثانى صفحة تسعين ومائة فى كتاب الصلاة باب ما يقرأ ويقال فى خطبة الجمعة فى مجمع الزوائد والحديث كما قلت فى مسند الإمام أحمد فى الجزء الخامس صفحة ثلاث وأربعين ومائة وهو من زوائد ولده على المسند ورجاله رجال الصحيح عن أبى ابن كعب رضي الله عنه وأرضاه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة التوبة براءة يوم الجمعة على المنبر وهو قائم يذكِّر بأيام الله) سورة التوبة سورة براءة إذا أراد الإنسان أن يرتلها ترتيلا وأن يقرأها قراءة دون أن يشرح منها كلمة ما انتهت بأقل من نصف ساعة أوليس كذلك؟ لا تزيد على الجزء والنصف ساعة هذه تلاوة فقط دع بعد الحمدلة والسلام والدعاء والصلاة على النبى عليه الصلاة والسلام وتفسيرها ولو تفسيرا مختصرا يعنى ما أظن تلك الخطبة التى سيُقرأ فيها سورة التوبة تنتهى بأقل من ساعة حقيقة فما أعلم بعد ذلك الاستثقال الذى ابتلينا به فى هذه الأيام مع وضعنا كما قلت مرارا يختلف عن وضع سلفنا يعنى هناك الكلمات واضحة وأكثر العبارات لا تحتاج إلى إيضاح وأما الآن عندما تقول (تبت) إذا ما شرحت له معنى تبت فى اللغة لا يفهمها وأما ذاك لا يحتاج أن تشرح له تبت

حقيقة (فى جيدها) لا داعى أن تقول للعربى فى جيدها فى عنقها هذا واضح الآن كل كلمة يعنى تخاطب الآن من يجهلون اللغة العربية والأحكام الشرعية فستشرح هذه من ناحية اللغة وتبين هذه من ناحية الشرع هذا يتضاعف فى الوقت يضاف إلى هذا يعنى ما اقتضته الضرورة عندما وجدنا فى آخر هذه الأمة من باب التصحيح والتضعيف ستعزو الحديث إلى كتب وتصحح وتضعف هذا ما كان يوجد فى العصر الأول يعنى يقوم سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما ولا داعى أن يقول لا رواه البخارى ولا مسلم ولا هو فى كتاب الحلية أو فى الكتب الستة هذا لا داعى هذا كم يوجد له من اختصار حقيقة إخوتى الكرام يعنى يأخذ أحيانا من المحاضرة يأخذ يعنى التنبيه على هذه الأمور حجما كبيرا منها هذا أحيانا بمقدار الربع بمقدار الثلث بمقدار النصف على حسب التخريجات التى تذكر من أجل توثيق هذه المعلومات هذا كله ينبغى أن يراعى أيضا وأما خطبة بعد ذلك يعنى بدقائق معدودة وانتهى الأمر حقيقة ليس هذا كما قلت من الحكمة لا سيما فى هذه الأيام عندما يعنى عم الجهل وانتشر الضلال والغفلة ونسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ففسر سورة النور وفسر سورة البقرة تفسيرا لو سمعه المشركون لآمنوا بالحى القيوم وهو أمير الموسم فى عهد الخليفتين الراشدين سيدنا عثمان وسيدنا على رضى الله عنهم أجمعين ولذلك إخوتى الكرام كان يُنعت سيدنا عبد الله ابن عباس بين الصحابة الأكياس رضوان الله عليهم أجمعين بالحَبْر هو حبر الأمة كما هو بحرها كما هو فقيهها كما هو مفسرها رضى الله عنه وأرضاه روى الإمام ابن سعد فى الطبقات فى الجزء الثانى صفحة واحدة وسبعين وثلاثمائة عن محمد ابن أُبَىِّ ابن كعب رضى الله عنهم أجمعين قال كان عبد الله ابن عباس عند أبى أُبى ابن كعب أبى المنذر سيد القراء فلما قام قال أبى ابن كعب رضى الله عنهم أجمعين

(هذا يكون حبر هذه الأمة) هذا نهاية أمره هوحبر الأمة هو شيخها هو عالمها هو فقيهها ستلجأ إليه وترجع إليه هذا يكون حبر هذه الأمة أرى عقلا وفهما وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يفقهه فى الدين والعلامة الذكاء والنجابة والألمعية لا تخفى فى هذا العبد الصالح كل ذرة من ذراته تشير إلى إشراق مستقبله أرى ذكاء فهما أرى عقلا وفهما وقد دعا له رسول الله عليه الصلاة والسلام بأن يفقهه فى الدين هذا سيكون حبر هذه الأمة وقال محمد ابن على رضى الله عنه وأرضاه وهو انتبهوا له بعض الناس قد يخطىء فيظن أنه الإمام الباقر أيضا محمد ابن على لكن يراد هنا ابن سيدنا أى الإمام ابن الحنفية ولذلك فى المستدرك ذكر الأثر فى موطنين مرة قال محمد ابن على ومرة قال محمد ابن الحنفية وهذا هو هذا وبعض الكتب محمد ابن الحنفية وهو ابن سيدنا على رضى الله عنهم أجمعين ويضاف فقط إلى أمه من باب التفريق بينه وبين أولاد سيدتنا فاطمة رضى الله عنهم أجمعين محمد ابن على وليس هو الإمام الباقر أيضا محمد ابن على ابن الحسين ابن على رضى الله عنهم أجمعين فالمراد هنا محمد ابن سيدنا على رضى الله عنهم أجمعين قال محمد ابن على لما توفى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وهو الذى صلى عليه فى الطائف كان عبد الله ابن عباس حبر هذه الأمة الحبر مات رضى الله عنه وأرضاه كان حبر هذه الأمة وأثره إخوتى الكرام فى حلية الأولياء فى الجزء الأول صفحة تسع عشرة وثلاثمائة وهو أيضا فى مستدرك الحاكم كما ذكرت لكم كان حبر هذه الأمة وبذلك نعته تلميذه مجاهد ابن جبر رضى الله عنهم أجمعين كما فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة خمس وثلاثين وثلاثمائة قال مجاهد ابن جبر ما رأيت مثل عبد الله ابن عباس قط رضى الله عنهم أجمعين ولقد مات يوم مات وهو حبر هذه الأمة

وهذه الجملة بأنه حبر هذه الأمة رُويت أيضا مرفوعة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا أن يفقهه فى الدين وأن يعلمه التأويل وجملة نعم ترجمان القرآن أيضا رُويت عن نبينا عليه الصلاة والسلام وتناقلها الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان وهكذا هذه الجملة حبر هذه الأمة عبد الله ابن عباس (لكل أمة حبر وحبر هذه الأمة عبد الله ابن عباس) (حبر هذه الأمة أنت) هذا رُوى أيضا عن نبينا عليه الصلاة والسلام من طريقين اثنين فى أحد الطريقين كلام والآخر فيما يبدو لى لا كلام فيه يعنى اعترض فيه على رواو والإمام أبو نعيم كما ستسمعون قال عنه ثقة مأمون وعليه ظاهر الإسناد سليم نظيف والعلم عند الله جل وعلا أما الأثر الأول رواه الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة خمس وثلاثين وخمسمائة عند المكان المشار إليه آنفا عند أثر سيدنا مجاهد ولفظ الحديث من وراية عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم أرأف أمتى بأمتى أبو بكر أرأف أمتى بها أبو بكر رضى الله عنه وأرضاه وأصلبها فى أمر الله عمر وأشدها حياء عثمان وأقرؤها أبى ابن كعب وأفرضها زيد ابن ثابت وأقضاها على ابن أبى طالب وأعلمها بالحلال والحرام معاذ ابن جبل وأصدقها لهجة أبو ذر وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر ابن الجراح والعاشر وهو سيدنا عبد الله ابن عباس وحبر هذه الأمة عبد الله ابن عباس والحديث كما قلت من رواية سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما

قال الحاكم فى مستدركه هذا حديث صحيح الإسناد تعقبه الإمام الذهبى والحق معه فقال قلت فيه كوثر ابن حكيم الراوى عن عطاء عن سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين فيه كوثر ابن حكيم ساقط هذا فى تلخيص المستدرك وقال فى السير فى الجزء الثالث صفحة تسع وسبعين وثلاثمائة كوثر ابن حكيم واهٍ فى المستدرك ساقط هنا واهٍ وقال فى المغنى فى الضعفاء صفحة أربع ثلاثين وخمسمائة من المجلد الثانى تركوا حديثه وله عجائب وأصل الحديث إخوتى الكرام ثابت صحيح دون العاشر وهو سيدنا عبد الله ابن عباس الذى هو محل الشاهد أما أصل الحديث ثابت صحيح تقدم معنا فى دروس الفرائض لكن من رواية سيدنا أنس رضى الله عنه وأرضاه هنا من رواية ابن عمر وأصل الحديث تقدم معنا وفيه هؤلاء التسعة لكن من رواية سيدنا أنس ابن مالك رضى الله عنهم أجمعين الحديث تقدم معنا فى المسند وسنن الترمذى قال هذا حديث حسن صحيح ورواه الإمام ابن ماجة فى سننه وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبى والحديث رواه الإمام أبو داود والطيالسى والطحاوى فى مشكل الآثار كما رواه البيهقى فى السنن الكبرى وأبو نعيم فى الحلية وكما قلت صححه الترمذى والحاكم وأقره الذهبى وقال الذهبى فى السير فى الجزءالرابع صفحة أربع وسبعين وأربعمائة أيضا هذا حديث حسن صحيح

ولفظ الحديث كما تقدم معنا من رواية سيدنا أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه أرحم أمتى هنا أرأف أمتى أرحم أمتى بأمتى أبو بكر وأشدهم فى أمر الله عمر وهنا ماذا عندنا أصلبها وأشدهم فى أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقضاهم على رضى الله عنهم أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا هؤلاء أربعة وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل وأفرضهم زيد ابن ثابت وأقرأهم أبى ابن كعب ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر ابن الجراح والتاسع وما أظلت الغبراء ولا أقلت الخضراء أصدق لهجة من أبى ذر أشبه عيسى ابن مريم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فى زهده وورعه فقال سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه أنعرف ذلك له يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه قال نعم يعرفونه بها هؤلاء تسعة وما ذكر معهم حبر هذه الأمة سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وبالنسبة لعلى أقضاهم على هذا ورد فى رواية صحيح ابن حبان فقط ولم يرد فى رواية سنن الترمذى وغير ذلك من الروايات إنما هو فى صحيح ابن حبان أقضاهم على وتقدم معنا كلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا قال فى مجموع الفتاوى فى الجزء الرابع صفحة ثمان وأربعمائة قال لم يروِ هذه الجملة أقضاهم على أحد من الكتب الستة نعم إلى هنا الكلام مقبول ما رُوى فى الكتب الستة ولا أحد من أهل المسانيد المشهورة لا الإمام أحمد ولا غيره ما رُوى أيضا فى المسند لا بأس بإسناد صحيح ولا ضعيف إنما يُروى من طريق من هو معروف بالكذب هذا الكلام مردود آخره كما تقدم معنا وقلت إن الحديث صحيح فى صحيح ابن حبان وأقضاهم على رضى الله عنه وأرضاه

وقال فى مجموع الفتاوى أيضا فى الجزء الحادى والثلاثين صفحة اثنتين وأربعين وثلاثمائة عن الحديث بكامله ضعيف لا أصل له فيما يتعلق بزيد ابن ثابت أيضا أفرضهم زيد ولم يكن معروفا على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام بالفرائض أما وجود زيد فى سائر الروايات وأنه أفرض هذه الأمة فهذا صحيح ثابت ثبوت الشمس فى رابعة النهار والإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية أخطأ فى حكمه على هذا الحديث كما قلت بالضعف فى حق سيدنا زيد ابن ثابت أن هذا ضعيف وما كان معروفا بالفرائض إذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول أفرضهم زيد كيف تقول لم يكن معروفا بالفرائض والحديث يرد فى فضله فى هذه يعنى المسألة وهذا العلم وأما فيما يتعلق بسيدنا على رضى الله عنهم أجمعين فقلت إن الحديث أيضا صحيح ثابت فى صحيح ابن حبان الحديث أصله ثابت من رواية سيدنا أنس رضى الله عنه وأرضاه ورُوى أيضا إخوتى الكرام الحديث من رواية ابن عمر كما معنا فى المستدرك وليس فيه أيضا حبر هذه الأمة عبد الله ابن عباس رواه الإمام أبو يعلى وابن عساكر فى تاريخه كما فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة ست وتسعين باللفظ المتقدم أرأف أمتى بأمتى أبو بكر كما فى رواية ابن عمر المتقدمة التى رواها الحاكم لكن ليس فيه العاشر حبر هذه الأمة ابن عباس ورواه ابن النجار أيضا فى تاريخه عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين دون ذكر سيدنا عبد الله ابن عباس رُوى كما قلت فى المستدرك بسند حوله كلام لوجود كوثر ابن حكيم الرواية الثانية رواها الإمام أبو نعيم فى الحلية فى الجزء الأول صفحة ست عشرة وثلاثمائة عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال انتهيت إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل على نبينا وأنبياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه فقال جبريل لنبينا الجليل عليهما صلوات الله وسلامه من هذا قال ابن عمى عبد الله ابن عباس

قال إنه كائن هذا حبر هذه الأمة فاستوصى به خيرا يعنى اعتنى به ووجهه توجيها سديدا وتقدم معنا عندما دعا له نبينا عليه الصلاة والسلام بأن يفقهه فى الدين وأن يعلمه التأويل وواصل نصحه وإرشاده ووصيته له فقال يا غلام إنى اعلمك كلمات كما تقدم معنا احفظ الله يحفظك وهنا كذلك إنه كائن هذا حبر هذه الأمة فاستوصى به خيرا الحديث كما قلت فى الحلية قال الإمام الذهبى فى السير فى الجزء الثالث صفحة تسع وثلاثين وثلاثمائة هذا حديث منكر تفرد سَعدان ابن جعفر طيب لمَ؟ سعدان ابن جعفر قال عنه الإمام أبو نعيم فى الحلية ثقة أمين طيب لمَ تحكم عليه بالنكارة يعنى ما وجه النكارة؟ لتفرد سعدان ابن جعفر, سعدان ابن جعفر ثقة أمين وليس هو من الرواة المجروحين والعلم عند رب العالمين وعليه كما قلت الرواية الثانية أمثل من الأولى إنه كائن هذا حبر هذه الأمة وفى الرواية المتقدمة من رواية سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين حبر هذه الأمة عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وكيفما كان حال الروايتين فتقدم معنا هذا ثابت من كلام الصحابة وكلام التابعين رضوان الله عليهم أجمعين على التسليم بوجود ضعف وأن الرواية الأولى لا تتقوى بالثانية وأن الثاينة كما قال الإمام الذهبى فيها نكارة وما أعلم وجه النكارة كما قلت مع أن سعدان ابن جعفر ثقة أمين كما قال أبو نعيم فى الحلية عندما روى الحديث من طريقه قال وسعدان ابن جعفر ثقة أمين قد انتهى فالحديث يثبت بنفسه إن لم يثبت بوجود كما قلت سعدان ابن جعفر وكوثر ابن حكيم فالآثار عن الصحابة الأبرار تشهد لمعناه فتقويه وترفعه والعلم عند الله جل وعلا إذاً فترجمان القرآن وهو حبر هذه الأمة المباركة

لفظ الحَبر يقال بالكسر حِبر ويقال بالفتح حَبر أما حِبر فيقال له حبر نسبة إلى الحِبر الذى يكتب به فبما أن الحَبر لا يستغنى عن الحِبر فيقال له حِبر نسبة إلى يعنى الحبر الذى يكتب به باستمرار حِبر وتقدم معنا فى بعض المواعظ قلت هذا الحِبر فى الحقيقة يعنى من شيم الرجال وإذا تلطخت أيديهم به وهكذا ثيابهم فلا لوم عليهم فى ذلك إنما الزعفران عطر العذارى ومداد الدواة عطر الرجال إلا رجال هذا الزمان فتراه كأنه أيضا بنت عذراء مخدرة يعنى يعتدى على لحيته ينتفها وبعد ذلك يريد أن يضمخ نفسه بالطيب والليونة ولا يريد يعنى أن يكون فيه شىء من الخشونة ولا يريد يعنى لو ظهرت نقطة سوداء من القلم فى يده أو فى ثيابه يعنى لأقام الدنيا وما أقعدها يا عبد الله ماذا جرى هذا شرف لك إذا كان أثر القلم فى يدك أو فى ثيابك وحقيقة كان الطلبة فى الزمن القديم قلَّ أن ترى طالبا ليس أثر قلمه فى ثيابه قلَّ إلا فى هذا الحين كما قلت صار حكمنا حكم العذارى إنما الزعفران عطر العذارى ومداد الدواة عطر الرجال فيقال للعالم حِبر لأنه يكتب بالحِبر باستمرار حِبر ويقال له حَبر بالفتح من التحبير لأنه يحبر الكلام ينمقه يزينه يرتبه وقال الراغب فى المفردات يقال له حَبر أيضا لما يبقى من أثر علومه فيه تبقى له أثر العلوم التى تدل على منزلته ولسان صدق له فى هذه الأمة ويُذكر فإذاً هذا حَبر ,حِبر

وهذا اللفظ إخوتى الكرام أطلق على عدد من الصحابة الكرام منهم من تقدم معنا ذكره الذى أثنى على سيدنا عبد الله ابن عباس وهو عبد الله ابن مسعود الذى قال نعم ترجمان القرآن عبد الله ابن عباس وقال الإمام ابن كثير فماذا يقول عبد الله ابن مسعود لو عاش ستا وثلاثين سنة التى عاشها عبد الله ابن عباس بعده ,عبد الله ابن مسعود قيل عنه إنه حَبر أيضا حَبر ثبت هذا إخوتى الكرام كما ذكرت أيضا فى دروس الفرائض فى المسند وصحيح البخارى والحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى ورواه الحاكم فى المستدرك والبيهقى فى السنن الكبرى والإمام الدارقطنى فى سننه وأبو داود الطيالسى فى مسنده والحديث رواه الإمام ابن الجاروس فى المنتقى عن هذيل ابن شرحبيل قال سُئل سيدنا أبو موسى الأشعرى رضي الله عنه عن رجل مات وترك ابنتا وابنة ابن وأختا شقيقة ترك بنتا وبنت ابن وأختا شقيقة فقال أبو موسى رضي الله عنه للبنت النصف وللأخت النصف وأتوا ابن مسعود فسيتابعنى يعنى اذهبوا إليه سيوافقنى على هذا القضاء فذهبوا إلى سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين فقالوا هلك هالك عن بنت وبنت ابن وأخت شقيقة فكيف توزع التركة قال والله لأقضين بها بقضاء رسول الله عليه الصلاة والسلام لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين إذا لم أقضِ بهذا القضاء الحق الأمين للبنت النصف ولبنت الإبن السدس تكملة للثلثين وما بقى فهو للأخت لأن الأخوات مع البنات عصبا مع الغير فذهبوا إلى أبى موسى الأشعرى وعرضوا عليه القضاء قال لا تسألونى ما دام هذا الحبر فيكم انظروا كلام الحافظ فى شرح هذا الحديث فى الجزء الثانى عشر صفحة سبع عشرة من فتح البارى لا تسألونى ما دام هذا الحبر فيكم نعم كان أبو موسى الأشعرى يجل سيدنا عبد الله ابن مسعود كثيرا وهو القائل كما فى المعرفة والتاريخ للإمام الفسوى فى الحزء الثانى صفحة خمس وأربعين وخمسمائة

(لمجلس كنت أجالس فيه عبد الله ابن مسعود أوثق فى نفسى من عمل) سنة طيب الآن هذا المجلس الذى هو سؤال عابر كما يقال صحح لك الخطأ وبعد ذلك يعنى كنت ستقضى بخطأ والأمة ستسير على خطأ وانظر لذاك حقيقة هذه هى صحبة العالم الفقيه المحقق المتقن مجلس أجالسه فيه أوثق فى نفسى وأضمن لى عند ربى من أن أعبد الله سنة كاملة هذا يقوله أبو موسى الأشعرى فى حق عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهم وأرضاهم إذاً هو ترجمان القرآن وهو أيضا حبر الأمة وهو البحر يقال له البحر أيضا ثبت تسميته بذلك عن عدد من سلفنا منهم العبد الصالح مجاهد ابن جبر كما فى المستدرك والحلية وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى عن مجاهد ابن جبر قال كان عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما يسمى بالبحر لكثرة علمه وعليه التسمية منه ومن غيره يعنى يسمى بين الصحابة وبين المسلمين المتقدمين بالبحر لكثرة علمه كان يسمى بالبحر لكثرة علمه وفى طبقات ابن سعد فى الجزء الثانى صفحة ست وستين ومائتين عن عطاء أنه قال كان يُقال لعبد الله ابن عباس البحر فكان عطاء إذا حدث عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين قال البحر وفعل البحر ينعته ويلقبه بهذا الذى اشتهر به ولا يسميه قال البحر فعل البحر وهو معلوم لقب لهذا الصحابى المبارك الميمون وحقيقة لا يطلق على غيره عندما تقول بحر الأمة عبد الله ابن عباس رضى الله عنه وأرضاه البحر كما يقال له الحبر ولا غرو فى ذلك أن يطلق عليه هذا اللفظ لفظ البحر لأنه حقيقة بحر لا ساحل له فانظر لكلام أئمتنا رضى الله عنهم فى علمه روى الخطيب فى تاريخ بغداد صفحة ثلاث وسبعين ومائة من المجلد الأول والإمام ابن الجوزى بسنده فى كتاب المصباح المضىء فى أخبار الخليفة المستضىء كما تقدم معنا فى الجزء الأول صفحة عشرين ومائة عن سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما

قال كان عبد الله ابن عباس أعلم الناس بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فيستحق أن يقال له البحر رضى الله عنه وأرضاه وروى الإمام ابن سعد فى الطبقات عن عكرمة قال عبد الله ابن عمرو ابن العاص هناك الأثر من عبد الله ابن عمر هنا عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضى الله عنهم أجمعين كان ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين أعلمنا بما مضى وأفقهنا فيما نزل مما لم يأتِ فيه شىء كان أعلمنا بما مضى وأفقهنا انتبه فيما نزل يعنى فيما نزل من وقائع وحوادث ووقع من مشكلات تحتاج إلى فهم واستنباط وأفقهنا فيما نزل مما لم يأتِ فيه شىء يعنى ما ورد فيه نص تراه يغوص ويستنبط له حكما من النصوص الثابتة كان أعلمنا بما مضى وأفقهنا فيما نزل مما لم يأتِ فيه شىء قال عكرمة فأخبرت بذلك ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين هكذا يقول فيك عبد الله ابن عمرو رضى الله عنهم أجمعين فقال ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين إن عنده لعلما أى عند عبد الله ابن عمرو كان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلال والحرام يعنى هو يثنى علىَّ لأننى أعلم الناس بما مضى وأننى أفقههم فيما يأتى مما لم ينزل فيه شىء, أيضا اعرفوا أيضا لعبد الله ابن عمرو قدره هو عنده علم كان يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلال والحرام يسأل ويقيد ويكتب لكن شتان شتان ما بين الرتبتين والدرجتين فعبد الله ابن عمرو من المكثرين أيضا وهو يعنى من حفاظ الحديث لكن يدخل فى دائرة التحديث لا فى دائرة الفقه والفهم والاستنباط فأين هو من سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى هذا الأمر لكن من باب أيضا يعنى الإنصاف ووضع الشىء فى موضعه قال أيضا عنده علم وهو كان يسأل النبى عليه الصلاة والسلام عن الحلال والحرام وثبت فى طبقات ابن سعد عن سيدنا جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما أنه قال لما مات سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين

(مات أعلم الناس وأحلم الناس ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق) وتقدم معنا الرتق يعنى كانتا رتقا ففتقناهما يعنى هذه المصيبة لا تعوض لا تسد لا يأتى يعنى ما ينوب عنها ويسد مسدها أصيبت هذه الأمة مصيبة عظيمة بموت سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنه وأرضاه وروى الإمام ابن سعد فى الطبقات عن رافع ابن خديج أيضا رضى الله عنه وأرضاه قال لما مات سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين (مات اليوم من يَحتاج إليه من بين المشرق والمغرب فى العلم) يعنى أهل الأرض قاطبة بحاجة إلى علمه إخوتى الكرام فى طبقات ابن سعد صفحة اثنتين وسبعين وثلاثمائة ضبط من يَحتاج بضم الياء يعنى مات اليوم من يُحتاج إليه إذاً لازم تقول بدل مَن مِن أوليس كذلك مات اليوم من يُحتاج إليه مِن بين المشرق والمغرب فى العلم يعنى من يُحتاج إليه من الحاضرين بين المشرق والمغرب هو عبد الله ابن عباس ومات لكن ما الداعى لهذا التكلف مات من يُحتاج إليه من بين المشرق والمغرب يعنى هو الذى يُحتاج إليه من الحاضرين بين المشرق والمغرب فما أعلم لمَ قيدها بالضم ولو قُرئت كما قلت لكم مات من يَحتاج إليه مَن بين المشرق والمغرب يعنى أهل المشرق والمغرب أهل الأرض قاطبة بحاجة إلى علمه فهذا لو كان يعنى حقيقة أيسر البناء للمعلوم من البناء للمجهول ثم التكلف من يُحتاج إليه مِن بين المشرق والمغرب فى العلم على كل حال قيدت بضم يُحتاج فى طبقات ابن سعد من قِبل الناشرين والعلم عند رب العالمين وقال العبد الصالح سعيد ابن المسيب كما فى طبقات ابن سعد أيضا كان ابن عباس رضى الله عنهما أعلم الناس وقال العبد الصالح طاووس وهو من تلاميذه رضوان الله عليهم أجمعين كان ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين من الراسخين ولا شك فى ذلك رضى الله عنه وأرضاه إذاً ترجمان القرآن حبر الأمة بحرها أعلمها وأيضا هو ربانى أطلق أيضا عليه هذا اللقب من قبل أئمتنا عندما أثنوا عليه بذلك

والربانى إخوتى الكرام هو العالم الفقيه الحكيم الذى يتعهد الناس بالتربية والتوجيه ويربيهم حسب استعدادهم هذا يقال له ربانى وقيل أنه منسوب إلى الرب والنون للمبالغة, الأصل ربى منسوب إلى الرب فقيل ربانى يعنى للمبالغة فى حصول التربية فيه بالمعنى المتقدم يتخلق بأخلاق الله جل وعلا فيربى الناس شيئا فشيئا سواء فيما يتعلق بالتربية الخَلقية أو بالتربية الخُلقية الدينية الشرعية فى التربية الخَلقية يتعهدهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم بعد ذلك يعنى عظام تكسى بلحم ثم يخرجون طفلا ثم ثم هذا كله تعهد بتربية الله جل وعلا فهو رب العالمين وهكذا تربيته الشرعية يتعهدهم يعنى على مهل لأول الأمر (اقرأ باسم ربك الذى خلق) ثم سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار يرغبهم يعنى فى طاعة ربهم ثم تنزل الأحكام على فترة ثلاث وعشرين سنة وهكذا العالم يتخلق بهذا الخلق يربى الناس بصغار العلم قبل كباره فما لا يهضمونه لا يذكره أمامهم وكان عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما كذلك والله جل وعلا يقول فى كتابه {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} [آل عمران/79] يعنى ولكن يقول لكم كونوا ربانيين واتصفوا بهذا النعت الكريم والربانى كما قلت عالم فقيه حكيم فقهاء علماء حكماء كما اتفق على ذلك أئمتنا فى كتب التفسير فسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أيضا ربانى نعته بذلك أيضا سيدنا محمد ابن على الذى يقال له ابن الحنفية رضى الله عنهم أجمعين كما فى المستدرك وتاريخ بغداد وطبقات ابن سعد قال محمد ابن الحنفية عندما مات سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما تقدم معنا قال مات حبر هذه الأمة وقال أيضا مات ربانى هذه الأمة حبر هذه الأمة وربانى هذه الأمة

ونعته بذلك أيضا العبد الصالح كعب الأحبار وهو من التابعين الأبرار كما فى طبقات ابن سعد قال كعب لعكرمة مولى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين مولاك ربانى هذه الأمة هو أعلم من مات وأعلم من عاش إخوتى الكرام وقد جمع سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما إلى علمه العمل به والخشية من ربه سبحانه وتعالى ولا أريد أن أفيض فى هذا فهذا نعت سلفنا كلما زاد علمهم زادت خشيتهم فإذا كان عبد الله ابن عباس أعلم الأمة أفقه الأمة أعلم الأمة بتأويل كلام الله جل وعلا حقيقة خشيته يعنى ستتناسب مع علمه رضى الله عنه وأرضاه فانظر ماذا كان يفعله فى سفره لتقيس بعد ذلك يعنى الحضر على السفر إذا كان هذا يفعله فى السفر فماذا سيفعل فى الحضر رضى الله عنه وأرضاه روى الإمام أبو نعيم فى الحلية صفحة سبع وعشرين وثلاثمائة من المجلد الأول عن أبى مُليكة وهو تابعى كريم عبد الله ابن عبيد الله ابن أبى مليكة أدرك ثلاثين من أصحاب نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه منهم سيدنا عبد الله ابن عباس وعبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين وحديثه فى الكتب الستة وتوفى سنة سبع عشرة ومائة إمام ثقة فقيه مبارك عبد الله ابن أبى مليكة قال صحبت عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه فى سفر وسفرهما لا يخفى عليكم فى العصر الأول إما مشيا على الأقدام أو ركوبا على بهيمة الحيوان على الدواب هذا حقيقة يحتاج إلى كلفة وجهد والطريق يحتاج إلى وقت, يعنى ما بين والمدينة ستأخذ سبعة أيام على الدواب هذا إذا واصل ,سبعة أيام حقيقة سيظهر حال الإنسان ليست هى سفرة ساعات وتنتهى

قال فكان ينزل فى وسط السير عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما ويمتنع من مواصلة السير ينزل يعنى ليستريح فإذا نزلنا يقول قام وبدأ يناجى الله ويقرأ كلام الله جل وعلا ويكثر فى ذلك نشيجه ويقول نحن نسمع نزلنا يعنى ونزلوا ليستريحوا ليناموا متى ما انتصف الليل انتهى ما بقى شىء يجعل الآن من منتصف الليل إلى السحر هذه مناجاة لله عز وجل هذا فى سفره فماذا كان يفعل فى حضره حقيقة كما قلت قِس الحضر على السفر واعلم ماذا سيكون حاله من جد واجتهاد فى طاعة رب العباد هذا فى السفر إذا صار نصف الليل نزل ثم بعد ذلك قام يناجى الله عز وجل وقال نحن نسمع نشيجه أى حرقته وشدة بكائه عندما يناجى ربه ويتلو كلام الله جل وعلا حقيقة هذا حاله ولذلك إخوتى الكرام علم مع عمل نتج من ذلك حكمة وكان يقول رضى الله عنه وأرضاه كما فى الحلية أيضا فى المكان المتقدم صفحة ثمان وعشرين وثلاثمائة مخاطبا نفسه عندما يمسك لسانه يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم)) ومن حكمته وبصيرته كان يتحدث عن أحوالنا ويصف زماننا فاستمعوا لهذه الكلمة التى قالها وكأنه كان ينظر إلينا إلى الغيب الذى وقع فينا فى هذه الأيام من ستر رقيق يقول كما فى الحلية أيضا فى المكان المتقدم (يأتى على الناس زمان يُعرج فيه بعقول الناس حتى لا تجد أحدا ذا عقل) كأنه يعيش بيننا وعرف أحوالنا يأتى على الناس زمان يُعرج فيه بعقول الناس حتى لا تجد أحدا ذا عقل العقول ذهبت وهذا الكلام إخوتى الكرام الذى قاله هذا الصحابى المبارك الهمام أخذه حقيقة من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام روى الإمام أحمد فى المسند والحديث رواه الطبرانى فى معجمه الأوسط من رواية سيدنا النعمان ابن بشير رضى الله عنهما

قال صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا معه فسمعناه يقول (إن بين يدى الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام أخلاقهم بعرض من الدنيا قليل) قال الحسن البصرى (لقد رأيناهم والله صورا ولا عقول أجساما ولا أحلام فراش نار وذبان طمع يغدو أحدهم بدرهمين ويروح بدرهمين يبيع دينه بثمن العنز) نسأل العافية والسلامة من سخطه ونسأله أن يثبتنا على طاعته بفضله ورحمته لقد رأيناهم والله صورا ولا عقول أجساما ولا أحلام فراش نار يتهافتون على الدنيا ويتهالكون عليها وذبان طمع كيف يعنى تقع فى المربى والدبس والعسل عندما تراه وفى ذلك حتفها وموتها فراش نار وذبان طمع لقد رأيناهم والله صورا ولا عقول أجساما ولا أحلام فراش نار يبيع أحدهم دينه بثمن العنز والحديث إخوتى الكرام فى إسناده مبارك ابن فضالة قال الهيثمى فى المجمع وثقه جماعة وفيه لين وبقية رجاله رجال الصحيح ومبارك حكم عليه الحاكم فى التقريب بأنه صدوق فحديثه لا ينزل عن درجة الحسن وروى له البخارى فى صحيحه تعليقا وحديثه فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى وقد جزم الإمام الذهبى فى السير فى الجزء السابع صفحة أربع وثمانين مائتين فقال وهو حسن الحديث فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن والعلم عند الله جل وعلا وهذا الحديث إخوتى الكرام حقيقة يعنى له شواهد كثيرة ويتحدث كما قلت عن واقعنا أن العقول ذهبت كما قال سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما تعرج فيه العقول عقول الناس فى ذلك الوقت حتى لا ترى أحدا ذا عقل وهنا كذاك كما أشار نبينا صلى الله عليه وسلم روى الإمام أحمد فى السند أيضا والإمام ابن ماجة فى السنن وإسناد الحديث صحيح من رواية سيدنا أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن بين يدى الساعة لهرجا وقال رجل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وما الهرج قال القتل

فقال بعض الصحابة الحاضرين رضوان الله عليهم أجمعين يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنا نقتل من المشركين فى العام الواحد كذا وكذا يعنى يقع قتل كثير لكن من أعداء الله الجليل نقتلهم وبين يدى الساعة هرج قتل يقع القتل فى هذه الأيام قال ليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضا حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته استمع لكلام الصحابة الكرام حقيقة هذا أمر يستدعى الاستغراب والعجب قالوا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعنا عقولنا يعنى فى ذلك الزمان من يكون ويقتل جاره وابن عمه وذا قرابته عنده عقل ما عنده عقل كما قال ابن عباس رضى الله عنهما تعرج بعقول الناس فى ذلك الزمان فلا ترى أحدا ذا عقل ومعنا عقولنا فقال نبينا عليه الصلاة والسلام لا تنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلفهم هباء من الناس لا عقول لهم كما قال سيدنا عبد الله ابن عباس (يأتى على الناس زمان يُعرج فيه بعقول الناس حتى لا تجد أحدا ذا عقل) وهذه حقيقة كما قلت أحوالنا وأوضاعنا التى نعيش فيها وإلى الله نشكوا أحوالنا الحديث كما قلت إخوتى الكرام له شواهد كثيرة حديث النعمان ابن بشير منها ما ثبت فى السند وصحيح مسلم وسنن الترمذى من وراية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم هذا بناء على حديث النعمان ابن بشير تماما بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) هناك يبيع أقوام خلاقهم يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل نعم إخوتى الكرام هذه أحوال عرجت فى هذه الأيام بعقول الأنام فلا ترى ذا عقل وحقيقة حالنا كما أشار إلى ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام كما فى السند والصحيحين وسنن الترمذى وغير ذلك من رواية سيدنا حذيفة ابن اليمان فى الحديث الطويل

(حتى يقال للرجل ما أظرفه وماأجلده وما أعقله وما فى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) هذا زماننا ما أظرفه ما أجلده ما أعقله وما فى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان وإن أردت أن تتحقق هذا فافتح وسائل الإعلام واسمع الثناء الذى يكال لأعداء الرحمن ما أظرفه ما أجلده ما أعقله وما فى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان هذا كلام النبى عليه الصلاة والسلام ولذلك تعرج بعقول الناس فى ذلك الزمان يأتى عليهم زمان تعرج فيه بعقول الناس حتى لا ترى ذا عقل حقيقة هذه أحوالنا التى نعيش فيها وإلى الله نشكو أمورنا إخوتى الكرام ختام الكلام وفاة سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما وما حصل له من كرامة عند موته رضى الله عنه وأرضاه توفى كما قلت سنة ثمان وستين ودفن فى الطائف رضى الله عنه وأرضاه وفداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا وهو فى المكان الملاصق للمسجد الكبير أكبر مساجد الطائف مسجد سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما وما أعلم أحدا إذا ذهب منكم إلى حج أو عمرة يمر بهذا الصحابى المبارك وبغيره من الصحابة الكرام الذين دفنوا فى أمصار المسلمين يزورهم ويدعو لهم ويقوم بما يجب لهم على المسلمين أم لا هذا حقيقة ما أعلمه يعنى كم من إنسان يمر فى الطائف ولا يخطر بباله أن يذهب ليؤدى الحق الواجب نحو هذا الصحابى الجليل ولا أقول نذهب لنتمسح بقبر لا لا, لكن يا عبد الله زيارة مشروعة وأنت إذا دخلت إلى ذلك المكان فمن حق هذا الصحابى عليك أن تزوره وأن تدعو له هذا من حقه عليك كما لو كان حيا من حقه عليك أن تسلم عليه وهكذا هو فى هذه البقعة المباركة التى دفن فيها تذهب تسلم عليه تدعو له تسأل الله جل وعلا أن يجعل قبره نورا ووأن يجزيه عن هذه الأمة خير الجزاء لما نشر فيها من علم نافع من تفسير كلام الله عز جل ومن فقه تقدم معنا جمع فى عشرين مجلدا رضى الله عنه وأرضاه هذا حقيقة له حق على الأمة

لكن بلغنى أن كثيرا من الناس فى هذه البلاد يذهب ويحج ولا يزو المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وقال لى بعضهم إنه حج مرارا وما يعرف المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وما وصلها قلت يا أخى يعنى بينك وبين النبى عليه الصلاة والسلام جفوة أو خصومة أو ما هو الخبر أريد أن أعلم يعنى أمَا للنبى عليه الصلاة والسلام حق على أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام أما له حق علينا يا عبد الله أمرنا أن نشد الرحل إلى الصلاة فى المسجد عليه الصلاة والسلام ثم بعد ذلك تصلى وتسلم عليه عندما تذهب إلى ذلك المسجد المبارك أما طول حياتك ما رأيت المدينة المنورة التى شاع منها الإسلام وانتشر يعنى فى أرجاء المعمورة أمر عجيب حقيقة أمر عجيب ولعل بعضهم يذهب فى السنة مرات يعنى كما يقال هنا وهناك ثم فى حياته ما زار المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وهكذا عندما يمر بالطائف يعنى يذهب إلى عمرة أو حج يا عبد الله اذهب صلِّ فى هذا المسجد ثم بعد ذلك زر هذا الصحابى المبارك وادعُ له وقم بما يجب عليك نحوه وهكذا يعنى الصحابة الآخرون رضوان الله عليهم أجمعين هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه دفن فى الطائف رضى الله عنه وأرضاه سنة ثمان وستين من هجرة نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وثبت عند موته له كرامة متواترة كما نص على ذلك الإمام الذهبى وهذه الكرامة رواها الحاكم فى المستدرك انظروها فى الجزء الثالث صفحة أربع وأربعين وخمسمائة وأبو نعيم فى الحلية ورواها الطبرانى فى معجمه الكبير كما فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة خمس وثمانين ومائتين بسند رجاله رجال الصحيح والأثر رواه الفسوى فى المعرفة والتاريخ ورواه الإمام الحسن ابن عرفة فى جزئه المشهور وهو غير ذلك من كتب الأثر

عن سعيد ابن جبير وغيره رضى الله عنهم أجمعين قال لما مات سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما جاء طائر أبيض لم يرَ على خلقته طائر يقول ما رأينا طائرا على خلقته وما رأينا بشكله من الطيور جاء طائر أبيض لم يرَ على خلقته فدخل فى أكفانه أكفان سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين دخل فى نعشه وفى أكفانه يقول ثم ما رأيناه ولا خرج دخل وما خرج يقول فلما وضع رضى الله عنه وأرضاه فى القبر فى لحده سمعوا من يتلو قول الله عز وجل دون أن يروا أحدا يعنى من الحاضرين يتكلم {يا أيتها النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية *فادخلي في عبادي*وادخلي جنتي} [الفجر/27-30] سمع هذا من شفير القبر كل من حضر دفنه ورأوا ذلك الطائر الأبيض جاء ودخل فى نعشه بين أكفانه وهو ينظرون ثم ما طار ولا خرج وذلك هو عمله الصالح الذى سيكون معه وهكذا نور عينيه الذى ذهب من بصره عندما عمى فى آخر حياته وسبب ما حدث له من العمى لرؤيته جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مرتين والآثار واردة إخوتى الكرام بذلك فى معجم الطبرانى الكبير بسند رجاله ثقات انظروها فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة سبع وسبعين ومائتين وكما قلت إسناد الأثر رجاله ثقات فأخبره نبينا عليه الصلاة والسلام عندما رأى جبريل يناجى نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام لأن بصره سيذهب وأنه سيؤتى علما والأثر وراه الحاكم فى المستدرك لكن طريق الحاكم إسناد الحاكم فيه ضعف وانظروا الكلام على ذلك إخوتى الكرام فى البداية والنهاية فى الجزء الثانى صفحة ثمان وتسعين مائتين فرجى نبينا عليه الصلاة والسلام أن يكون ما سيحل به فى آخر حياته وأن يعود إليه ذلك عند وفاته وواقع الأمر طرأ عليه العمى قبل وفاته بقليل ثم قيل هذا الطائر عمله وقيل نور عينيه عاد إليه ودخل فيه والعلم عند الله جل وعلا

والأثر كما قلت ثابت قال الذهبى فى السير فى الجزء الثالث صفحة ثمان وخمسن ثلاثمائة هذه قضية متواترة ولما طرأ عليه ما طرأ من العمى فى عينيه رضى الله عنه وأرضاه جاءه من يعالجون ويداوون بإخراج يعنى هذا الماء الذى نزل فى عينيه ثم قالوا له تمكث خمسة أيام لا تصلى وفى رواية سبعة أيام لا تصلى إلا إيماء فقال والله لا اترك صلاة واحدة وفى رواية كما فى المستدرك أرسل إلى أمنا عائشة وأبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين وغيرهما من الصحابة فقالوا له كيف تفعل إذا جاء أجلك فى هذه الأيام وأنت لا تصلى مع أنه معذور لكن إخوتى الكرام كما قلت مرارا نأخذ بعزائم الأمور والعلاج رخصة فآثر فقد البصر على ترك الصلوات فى هذه الأيام بالكيفية السليمة لأنه سيصليها فيصليها إيماء لو عولج فى عينيه لو نحن لعل الواحد منا أحيانا يعنى من أجل يسير ليس يترك الصلاة يعنى كما يقال إيماء نسأل الله العافية كم من إنسان يسألنى أحيانا دخل المستشفى يقول ما صليت لمَ؟ ما صليت أبدا يقول يشق علىَّ يجلس شهرا وشهرين ما صلى صلاة لله طول حياته فى المستشفى وما فيه شىء جالس على سرير ويقدم إليه كما يقال الخير الوفير وما صلى ركعة لله عز وجل يا عبد الله هل سقط عنك هذا, هذا ما يسقط لكن هذا جهلنا وهذا ضلالنا وهنا عذر ومع ذلك امتنع عن ذلك رضى الله عنه وأرضاه انظروا أيضا ذلك فى المستدرك وفى المصباح المضىء فى الجزء الأول صفحة خمس وعشرين مائة ولما أُخذ نور عينيه له أجر كبير عند الله كما ثبت فى صحيح البخارى والحديث فى سنن الترمذى وغير ذلك من دوايين السنة من رواية سيدنا أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن الله قال جل وعلا إذا ابتليت عبدى بحبيبتيه بكريمتيه ثم صبر عضوته منهما الجنة) لما ذهب بصره قال بيتين محكمين من الشعر إن يأخذ الله من عينى نورهما ففى فؤادى وقلبى منهما نور قلبى ذكى وعقلى غير ذى دخن وفى فمى صارم كالسيف مأثور

كنت أحفظ البيت سابقا منشور لكن الآن الكتب بين يدى مأثور وفى فمى صارم كالسيف مأثور يقصد لسانه كأنه سيف يقول الكلام الجزم الفصل رضى الله عنه وأرضاه إن يأخذ الله من عينى نورهما ففى فؤادى وقلبى منهما نور قلبى ذكى وعقلى غير ذى دخن وفى فمى صارم كالسيف مأثور

07

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام هذا هو الدرس السابع من دروسنا فى دروس الفقه وقلت إخوتى الكرام قبل أن نشرع فى مدارسة موضوعات الفقه سنتدارس مقدمة لهذا العلم الشريف تدور على أمرين اثنين كما ذكرت فى بدء مواعظ علم الفقه أولها كما قلت فى منزلة علم الفقه وقد مر الكلام على ذلك فى تعريف وفى الأدلة التى تبين منزلته ورتبته ومكانته وختمت إخوتى الكرام هذا المبحث بأربعة أحاديث عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه تدل على منزلة التفقه فى الدين وختمت الأحاديث أيضا بترجمة لسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فقيه هذه الأمة المباركة وهو فقيه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قبل أن ننتقل إلى الأمر الثانى فى مدارسة ترجمة لأئمتنا ساداتنا فقهاء هذه الأمة المباركة المرحومة سيدنا أبى حنيفة ومالك وسيدنا الإمام الشافعى وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين قبل هذا إخوتى الكرام كما قلت عندنا أمر لا بد من مدارسته عند مدارسة منزلة الفقه ألا وهو الفروق بين شرع الخالق والمخلوق وقبل أن أدرس نتدارس هذا عندنا أمر يتعلق بما تقدم لا بد من مدارسته وعليه سنتدارس فى هذه الموعظة أمران أمر من باب التبيه على ما تقدم ثم أشرع بعد ذلك فى بيان الفروق بين شرع الخالق جل وعلا وشرع المخلوق

أما الأمر الأول إخوتى الكرام تقدم معنا فى تعريف علم الفقه أنه العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية وبينت إخوتى الكرام فيما مضى أن علوم الشرع المطهر تدور على خمسة أمور: أولها العقائد وثانيها الأخلاق والآداب وثالثها العبادات ورابعها المعاملات وخامسها الحدود والعقوبات وقلت الأمور الثلاثة الأخيرة تكقل فى بيانها ببيانها علم الفقه فهو يشمل أمور العبادات والمعاملات وأمور الحدود والعقوبات وقلت يشمل جميع مناحى الحياة بقى بعد ذلك موضوع الوعظ والتذكير فى كتب الرقاق والمواعظ ومباحث التوحيد تؤخذ من كتب علم التوحيد إخوتى الكرام هذا كما قلت تقدم معنا بيانه وقلت لعلم الفقه منزلة عظيمة عندنا شىء من الاعتراض على ما تقدم أثاره الإمام الغزالى فى الإحياء فى الجزء الأول صفحة ثمان وثلاثين وتبعه على ذلك الإمام الزبيدى فى شرح الإحياء فى الجزء الأول صفحة ثلاثين ومائتين وقال بهذا أيضا الإمام ابن الجوزى فى منهاج القاصدين وتبعه على ذلك من اختصر كتابه الإمام المقدسى فى مختصر منهاج القاصدين فى صفحة ثمانى عشرة وخلاصة اعتراض هؤلاء رضوان الله عليهم أجمعين قالوا إن بعض العلوم غُيِّر مدلولها فاللفظ بعض أسماء العلوم غُيِّر مدلولها منها علم الفقه فاللفظ كان له دلالة عند السلف الكرام ثم وضع المتأخرون له دلالة أخرى وكأنهم يعتبرون هذا من باب يعنى وضع الشىء فى غير موضعه فذكر الإمام الغزالى كما قلت ومن تبعه خمسة أسماء لعلوم عالية غُيِّر مدلولها: أولها الفقه وثانيها العلم وثالثها التوحيد والعقيدة ورابعها علم التذكير والموعظة وخامسها علم الحكمة

قال هذه الأمور بُدلت حقائقها وأُطلقت هذه الأسماء على غير مسمياتها فمثلا يقول كان اسم العلم كان يطلق على العلم بآيات الله جل وعلا فصار بعد ذلك يطلق على ما هو أعم من ذلك من تعلم شيئا ولو مما يتعلق بأمور المجادلة لا يقال إنه عالم فصار يطلق على المناظرة والمجادلة اسم العلم قال وما كان سلفنا يعرفون هذا وهكذا علم التوحيد يقول هذا العلم كان فى الأصل عند سلفنا يراد منه العلم الذى يربط القلب بالرب سبحانه وتعالى بحيث يتوكل الإنسان على الله وينيب إليه فى جميع أحواله ويبقى متعلقا به وضوعوه بعد ذلك لمباحث الكلامية والمناظرات العقيمة التى جرت بين المتكلمين اللفظ الثالث علم التذكر والموعظة يقول كان هذا لترقيق القلوب ولِسَوْق الناس إلى الآخرة ولتزهيدهم فى الدنيا الفانية وضع بعد ذلك الناس علم التذكير وأرادوا منه القصص والتسلية وبعضهم اشتق فملأ المواعظ بالشطحات والدعاوى الفارغة والأمر الرابع الذى بدل أيضا يقول علم الحكمة يراد منه علم الحق والعمل به يقول وضع الناس بعد ذلك هذا اللفظ على الطبيب وعلى المنجم وعلى الشاعر ولا أريد أن أدخل فى مناقشة هذه الأسماء وفى الاصطلاحات التى صارت يعنى كما يقال تستعمل لها على حسب كلام الإمام الغزالى ومن تبعه عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه إنما الذى يهمنى الآن علم الفقه يقول علم الفقه كان يبحث فى طريق الآخرة ودقائق آفات النفوس وفى مفسدات الأعمال وفى بيان حقارة الدنيا وفى وجوب التطلع إلى الآخرة وفى استيلاء الخوف على القلب بحيث يتعلق الإنسان بالرب سبحانه وتعالى

يقول كان علم الفقه يطلق على هذه المعانى فغيره بعد ذلك المتأخرون إلى مباحث الطهارة وما يتعلق بالحيض والنفاس والنكاح والطلاق والمبايعات وغير ذلك فقال هذا مما بُدل وغُير فعلم الفقه يراد منه فى الأصل علم طرق الآخرة وكيف تعلق الإنسان بربه سبحانه وتعالى وهذا الذى قاله إخوتى الكرام الإمام الغزالى ومن تبعه لا بد كما قلت من النظر يعنى فيه نظرا دقيقا أما قوله إن علم التوحيد تغير حقيقة إلى مباحث كلامية فهو مصيب فى ذلك عند المتأخرين والمتكملين وكيف غيروا مباحث توحيد رب العالمين إلى جوهر وعرض وغير ذلك من اصطلاحات فارغة وهكذا علم الحكمة غُير إلى كما يقول علم طب وإلى المنجم يقال عنه حكيم وإلى المشعوذ هذا أيضا ما لنا وله يعنى أيضا الاعتراض فى محله وهكذا لفظ العلم حُول إلى المناظرة والجدال الأمر فى محله وهكذا كما قلت لفظ الموعظة والتذكير هذا العلم حُول إلى قصص فارغة الاعتراض فى محله أما أن علم الفقه حُول على حسب رأى الإمام الغزالى ومن وافقه يعنى من أمور تتعلق بالآخرة إلى هذه المباحث الفقهية وهى العبادات والمعاملات والحدود والعقوبات وقال بعد ذلك يعنى دراسة هذه الأشياء قد تقسى القلب هذا كلام الإمام الغزالى فى الإحياء يغفر الله لنا وله إخوتى الكرام حقيقة كما قلت لا بد من النظر فى كلامه أما ما ذكره من أن أمور الآخرة ينبغى أن يعتنى بها الإنسان وكان الفقه يطلق عليها فنقول هذا ما كان فى أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين وسيأتينا عند تراجمهم أن قلوبهم كانت معلقة بالله جل وعلا فى جميع أحوالهم وكانت رؤيتهم تذكر بالله جل وعلا ومجالسهم فيها هذه المباحث وفيها الخشية من الله سبحانه وتعالى فيها هذا وفيها هذا القول بأن الفقه تغير إلى هذه المباحث فقط الأمر ليس كذلك هذه المباحث تكسب الخشية من الله عز وجل وكانت خشية الله تصحب هذه المباحث عند أئمتنا كما قلت ومدارستهم ومجالسهم كلها خشية لله عز وجل,

فى الزمن القديم بدءا من سيدنا أبى حنيفة ومن بعده من الفقهاء الذين تخصصوا كما قلت فى أمور الفقه وتبعتهم هذه الأمة المباركة المرحومة وكما قلت يعظون بلحظهم وبلفظهم رضوان الله عليهم أجمعين وإذا الواحد منهم خرج أحيانا عن قانون الأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية وعظوه أبلغ موعظة وزجروه أبلغ زجر استمع مثلا لما جرى فى حلقة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه من مثال وكما قلت ما يتعلق بأحواله وأحوال الأئمة الأبرار فيأتينا بيان هذا إن شاء الله عند تراجم أئمتنا بعون الله وتوفيقه كان من تلاميذ سيدنا أبى حنيفة رضوان الله عليهم أجمعين داود ابن نُصير الطائى أبو سليمان توفى سنة اثنتين وستين ومائة بعد سيدنا أبى حنيفة باثنتين عشرة سنة على حسب رأى الإمام الذهبى والإمام ابن حجر يقول توفى سنة ستين أوخمس وستين بعد المائة كما فى التقريب وقد خرَّج حديثه الإمام النسائى فى السن وقال عنه الحافظ فى التقريب ثقة فقيه زاهد وهو من الفقهاء الربانيين رضوان الله عليهم أجمعين وتعلم وتتلمذ على سيدنا أبى حنيفة فى مجلسه كما يجرى أحيانا من حال الطلاب عندما يتعلمون جرى بينه وبين من بجواره محادثة فأشار بيده إليه كأنه يلَوِّح يعنى يريد أن يهدده فقال له الإمام أبو جنيفة رضى الله عنه وأرضاه يا داود طال لسانك وطالت يدك أين خشيتك من ربك يا داود لسانك طال تتكلم وبعدها تلوح بيدك أين الخشية من الله عز وجل وأنت فى مجلس الفقه هذا الكلام أثَّر فى نفس هذا الإمام الهمام الذى صار من كبار أئمة الإسلام رضوان الله عليهم أجمعين وكانت الكلمة الواحدة تحيى الفئام من الناس من أفواه أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين قال طالت يدك أين خشيتك من ربك

والقصة إخوتى الكرام كل من ترجم لسيدنا أبى سليمان داود ابن نصير ذكر هذه فى ترجمة أبى نعيم فى الحلية والخطيب فى تاريخ بغداد وانظروها فى السير فى الجزء السابع صفحة اثنتين وعشرين وأربعمائة جلس أبو سليمان بعد ذلك سنة كاملة فى مجلس أبى حنيفة لا يحرك شفتيه ولا يتكلم كلمة كأنه جذع شجرة حتى مَهَرَ فى الفقه وعلم يعنى ما ينفعه فى دينه ودنياه ثم بعد ذلك تفرغ لعبادة مولاه وصار من إمام العُبَّاد والزهاد وهو كما قلت من الفقهاء الكبار رضوان الله عليهم أجمعين أبو سليمان داود ابن نصير لما احتضر وتأخرت وفاته وبقى أهل بغداد ثلاثة أيام ينامون بجوار بيته ويتركون بيوتهم خشية أن يموت هذا العبد الصالح فجأة فلا يعلمون بموته فلا يشهدون جنازته من حبهم وتعلقهم به رضى الله عنهم أجمعين فكما قلت فى مجالسهم خشية لله وتعلُّم لهذه الأحكام, فأخشى أن يقرأ بعض الناس كلام الإمام الغزالى ومن وافقه ويقول هذه العلوم كلها قشور والعلم مرذول, الأصل أن نعلق القلب بالرب سبحانه وتعالى, كيف؟ على حسب شرع الشيطان لا على حسب شرع الرحمن لا يا عبد الله انتبه لنفسك انتبه لنفسك إخوتى الكرام هذا العلم نعم فُصل يعنى كان يلقى كما قلت بطريقة الخشية وفيه آيات وأحاديث ومواعظ ورقاق لكن لما بعد ذلك جُرِّدت الكتب المباحث الفقهية جعلت فى كتب خاصة بها مباحث التوحيد فى كتب خاصة بها, مباحث بعد ذلك الوعظ والتذكير فى كتب خاصة بها لكن كما قلت يعنى عند الإلقاء أئمتنا ينسجون الفقه بأمور الوعظ والرقاق ويذكرون الناس بالخشية من ربهم سبحانه وتعالى

هذا لا بد إخوتى الكرام من وعيه إنما جُرِّدت هذه المباحث كما قلت صار هناك اختصاص فى هذه العلوم وتمييز لبعضها عن بعض فوُضع علم الفقه الذى يبحث فى ثلاثة أمور فى العبادات فى المعاملات فى الحدود والعقوبات فى كتب مستقلة أما بعد ذلك التعلق بالآخرة والتعلق بالله والزهد فى الدنيا والتطلع إلى ما عند الله هذا لا بد منه وهذا روح الأعمال, هذا روحها الأعمال الشرعية هى بمثابة البدن وقصد وجه الله فيها هذا بمثابة الروح, روح من غير بدن لا ينتفع بها لا بد إخوتى الكرام من روح مع بدن ولذلك من اعتدى على بدنه فقد عطل روحه من قطع رقبته من نحر نفسه من انتحر عطل روحه عندما أخرجها من بدنه وهكذا عندما يصلى صلاة على غير شرع الله وقال أنا أريد وجه الله تُقبل؟ يا إخوتى لا تقبل أنا روح من غير عمل روح من غير بدن ولا بد لكل عمل من امرين اثنين أن تريد به وجه الله وأن تتبع رسول الله عليه الصلاة والسلام تتبع شرع الله وأما أن تصلى على حسب رأيك وأن تبيع على حسب مزاجك ثم بعد ذلك تقول أنا أريد وجه الله وقلبى متعلق بالله لا يا أيها الإنسان أنت مخطىء فلا بد من أن تعبد الله جل وعلا كما يريد لا كما تريد أنت فهذه المباحث ينبغى أن تُمزج كما قلت بالتذكير والتعلق بالله الجليل والإنابة إلى دار الخلود والزهد فى دار الغرور هذا لا بد من أن يمزج كما قلت هذه المباحث لكن لا بد بعد ذلك من أن تُفصل وتكون فى كتب خاصة من أرادها ليعرف أركان الصلاة شروط الصلاة سنن الصلاة وهكذا بقية الأمور فهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه وأما أن يُقال يعنى هذا العلم غُيِّر لا ما غُيِّر علم الفقه يراد منه كيف يتعامل الناس فى هذه الحياة مع أنفسهم ومع بعضهم ومع ربهم سبحانه وتعالى بعباداتهم ومعاملاتهم وما يترتب بعد ذلك على تصرفاتهم إذا جاوزا حدود الله من حدود وعقوبات هذا لا بد من وعيه وضبطه وأما أن نقول هذا العلم غُيِّر إلى هذه المباحث لا ما غُيِّر

وهذا العلم هو الذى كان يطلق عليه كما قلت هذا الإسم من عهد سلفنا فسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما كان كما تقدم معنا فقيه الصحابة بأى شىء؟ قلت وأكثر الصحابة فتيا أوليس كذلك؟ وأما موضوع أمور الآخرة فلعل سيدنا أبا ذر رضى الله عنه أكثر زهدا منه فى هذه الحياة لعل وهو أصدق هذه الأمة لهجة ما لنا ولهذا إخوتى الكرام جانب يثاب عليه رضى الله عنه وأرضاه أما فيما يتعلق بعد ذلك بنشر الدين وبيان أحكام المكلفين أين أثر سيدنا أبى ذر من أثر سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما الذى قال له نبينا عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا فى الحديث الرابع اللهم فقهه فى الدين وقلت جمع بعض أئمتنا فى القرن الثالث عشرين مجلدا من فتاوى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وهو أكثر الصحابة فتيا على الإطلاق, هذا لا بد من وعيه فتيا فى أى شىء؟ يعنى فى أمور الزهد والرقائق!! لا بد من أن نعى الأمر إخوتى الكرام فى أمور الأحكام العملية فى عبادات فى معاملات فيما يتعلق بعد ذلك من حدود وعقوبات وأحكام تترتب على الإنسان إذا خرج عن شرع الرحمن هذا لا بد من وعيه هذا علم الفقه حقيقة ما تغير مدلوله عما كان عليه فى زمن سلفنا

نعم إذا وُجد بعد ذلك فقهاء ثرثارون لا يتقون الحى القيوم, همهم أن يتعلموا بعض المسائل ليجادلوا بها أو ليتأَكَّلوا بها أو ليحرفوا دين الله عن مواضعه أو ليشتروا بآيات الله ثمنا قليلا وترى شكل الإنسان كالشيطان لا يخشى الرحمن ولا يلتزم بأحكام الإسلام وهو مع ذلك فقيه اللسان ما لنا ولهذا واضح هذا ,هذا هو الذى تبدل هذا بإمكانه أن يحفظ الأخبار الزهدية وهو فى هذه الحالة الردية فإذاً هو الذى تبدل أما علم الفقه ما تبدل إخوتى الكرام موضوعه هو هو أما أنه كما قلت يعنى يبحث فيه بعد ذلك الخشية وينبغى أن يمزج لا بد من ذلك وأئمتنا يبحثون هذا وأحكام الفقه كلها تؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وإذا لم تكن الخشية والسنة أين ستكون فهذا العلم فى الحقيقة ما غُيِّر مدلوله وما يدل عليه هذا الإسم الشريف لا زال كما كان فى زمن الصحابة الكرام وهم فهموا من معنى الفقه كما قلت ما عرفه أئمتنا العلم بأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية وهذا هو الذى دعا به نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام لسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما اللهم فقهه فى الدين وأما بعد ذلك يقول الإنسان أنا متعلق بالآخرة كما يوجد من يعبد نفسه وشيطانه وهواه وهو يظن أنه يعبد ربه لا يا إخوتى الكرام لا بد من وضع الأمر فى موضعه اجتمعت مرة مع بعض الزائغين ممن ينتسبون إلى الطرق الصوفية ووالله يا إخوتى الكرام إذا قلت لا يعرفوا أحكام الطهارة فضلا عن أمور الصلاة لا أبالغ والرجل ضمنى معه مجلس فبعض الناس أراد أن يشرب دخانا السجاير التى انتشرت فى كل مكان فى بلاد الشام فقلت يا عبد الله يعنى أرجو فى هذا المجلس لا تدخن وأمر ثانى هذا التدخين يعنى من باب النصح امتنع عنه فى كل حين معصية لرب العالمين

قال ما أستطيع أن أصبر يعنى لا بد من أن أدخن وقلت إذا يعنى أبيت نفارق المجلس يعنى إذا أنت مصر على التدخين وتريد أن تخنقنا بدخانك نحن نخرج فانبرى ذاك الذى أيضا يعنى بدرجة شيخ طريقة ليس هم من الذى كما يقال المُريدين هو من المَريدين قال يا شيخ الأصل قال وأنت لمَ تعترض؟ قلت هذا حرام انظر لفلسفته التى يتدارسها الناس هى أيضا فى ذهنه قال إن كان حراما حرقناه وإن كان حلالا شربناه حرام خلينا نحرق الحرام قلت أما تخشى أن يحرقك الرحمن هذا ستحرقه بفلوس تشتريها وتؤذى نفسك وتحرق نفسك ثم بعد ذلك تتفلسف بهذه الفلسفة إن كان حراما حرقناه وإن كان حلالا شربناه ما يقول بعض السفهاء يعنى هذا يقوله الناس فى كل مكان هذا السفية يقول هذا الكلام أيضا وكما قلت بدرجة يعنى شيخ طريقة نفوض أمرنا إلى ربنا دُعيت أيضا إلى وليمة فى بلاد الشام وحضرها أيضا بعض شيوخ الطرق الكبار لما دخلنا إلى بيته من تلاميذه ومُريديه على تعبيرهم البيت الجدران ممتلئة بالصور والطعام فى الحجرة التى فيها الصور كنا فى مكان على يعنى مجلس أو كذا نشرب القهوة والشاى فلما قالوا تفضلوا إلى الطعام هناك لا يوجد صور جئنا إلى هنا ممتلئة الجدران بالصور فقلت لا يجوز أن نأكل هو هذا مكان لا تشهده الملائكة فإما أن ترفع الصور وأما أن نخرج فانبرى ذاك أيضا الشيطان الثانى الذى شيخ طريقة أخرى وقال يا شيخ إذا القلب مع الله لا يضرك

يا عبد الله كيف لا يضرنا!! ملائكة الله الكرام لا تحضر وهذا مكان فيه معصية للرحمن لا يجوز أن نحضر هنا وأنت تقول لا يضرك قال إذا القلب مع الله لا يضر على كل حال قلت للحاضر صاحب البيت يعنى لا خيار لك فى الأمر إما أن تنزع الصور وأما ان نخرج بعد هذا يعنى لا يمكن أننا نجلس26:35على هذا بحال من الأحوال يجلس هؤلاء ويأكلون 00فقام بعد ذلك على تعبيرهم من أجل الشيخ ننزل هذه الصور وبعدها يعيدونها أو لا العلم عند الرحمن, لكن ما بدأت يعلم الله بالأكل حتى ما بقيت صورة على الجدران هذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام وأما الإنسان يعنى يتساهل فى هذه الأمور هذا لا يحل ولا يجوز لو تساهل كما قلت يعنى دل على أنه عاص أما أنه يأتى ليبرر بعد ذلك وأن القلب إذا كان معلقا بالله لا يضر هذا لا يصح بحال من الأحوال اجتمعت مرة مع بعض الناس ممن يدرسون التربية الإسلامية أيضا فى بلاد الشام يدرس فى المرحلة الثانوية قال لى سأله الطلاب فى السنة الثالثة الثانوية فى الثانوية الصناعية قالوا له يا أستاذ لو شك الإنسان فى صلاته فى صلاة الظهر فلم يدرِ أربعا صلى أو خمسة او ثلاثا او أربعة ماذا يعمل؟ قال صلاته باطلة يسلم ويعيد الصلاة من جديد قالوا لو شك فى الصلاة التى يعيدها قال أيضا يعيدها فجاء يقول لى ما رأيك هذا صواب أو خطأ وهو مدرس تربية إسلامية قلت يا رجل ما مر معك فى جزء السهو مبحث فى جزء السهو ما مر معك فى حياتك قال يا شيخ أنا عندى مبدأ انطلق منه مبدأ أساس فى حياتى قلت ما هو؟ قال الصلاة يبنغى أن يكون فيها حضور وخشية من العزيز الغفور فإذا ما حضر ولا خشع دل على أن صلاته باطلة خَلَصْ يعيد الصلاة قلت لكن شُرع لهذا جبر وأنت يعنى ستلغى صلاة بناء على رأيك شُرع لنا مرغمتان نرغم بهما الشيطان نسجد سجدتين سهو فيعفى عنا ما طرأ علينا ونرغم الشيطان بهاتين السجدتين

قال أنا هذا مبدئى بما أنه ما حضر فى الصلاة, الصلاة باطلة فهذا يعبد الله أو يعبد الشيطان إخوتى الكرام لا بد من وعى هذه الأمور فالقول بأن اسم الفقه كما قلت تغير ومدلوله بُدل ليس كذلك هذا الفقه فى الحقيقة لا بد منه وهو أصل العلوم كما قال الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه لفتة الكبد إلى نصيحة الولد لكن كيف تنازل عن هذا التعبير فى منهاج القاصدين لأنه تبع الإمام الغزالى فاختصر هو الإحياء فى منهاج القاصدين فتبعه يعنى على كلامه وهو مخطىء فيتبع من أخطأ فى أول الأمر والله يغفر لنا ولهم لا بد إخوتى الكرام من وعى هذا

الإمام ابن الجوزى فى كتابه صيد الخاطر صفحة اثنتين وعشرين ومائة ينقل عن شيخه الإمام الثقة العابد الزاهد الورع إمام الحنابلة فى زمانه وعليه درس الإمام ابن الجوزى الفقه الحنبلى وقبل ذلك كلام الله القوى القرآن الكريم درس عليه القرآن والفقه الحنبلى وكان معيدا فى مدرسة أبى حكيم للإمام أبى حكيم وهو إبراهيم ابن دينار رضى الله عنه وأرضاه توفى سنة ست وخمسين وخمسمائة وخلفه الإمام ابن الجوزى عميدا على المدرسة وشيخا لها بعد موته وكان إمام الحنابلة فى زمانه وما أخذ أجرة ولا راتبا ولا عطاء من الدولة وكان يشتغل بمهنة الخياطة وإذا خاط ثوبا فأعطاه صاحب الثوب أجرة يأخذ ما يقدر يعنى أجرة على حسب عمله ويرد الباقى يقول أنت تستحق أكثر خذ أكثر يقول لا عملى ما يستحق أكثر من ذلك الجهد الذى بذلته يستحق حبتين, عملة كانت تستعمل عندهم لا آخذ أكثر من هذا رضى الله عنه وأرضاه وهو إمام الحنابلة فى زمانه أبو حكيم إبراهيم ابن دينار انظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء العشرين صفحة ست وتسعين وثلاثمائة وترجمه الإمام ابن الجوزى فى المنتظم فى الجزء العاشر صفحة واحدة ومائتين وأورده فى كتابه المشيخة مشيخة الإمام ابن الجوزى فى صفحة واحدة وتسعين ومائة وفى مناقب الإمام أحمد فهو من تلاميذه الكبار صفحة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وانظروا ترجمته فى الذيل على طبقات الحنابلة للإمام ابن رجب فى الجزء الأول صفحة أربعين ومائتين قال عنه الإمام الذهبى كان إماما زاهدا ورعا خيِّرا حليما إليه المنتهى فى الفقه والفرائض أما حلمه فحقيقة ما وُجد فى زمنه أحلم منه وكان يجتهد الناس على أن يغضبوه ليتمعر وجهه أو يعنى لينطق لسانه بكلمة شديدة فما جرى منه هذا لا تغير فى وجهه ولا شدة فى كلامه رضى الله عنه وأرضاه أبو حكيم إبراهيم ابن دينار ينقل عنه الإمام ابن الجوزى فى صيد الخاطر

قال له كان فى بغداد شيخ يُزار ويُتبرك به من الصالحين من النُّساك من العُبَّاد على تعبير الإمام الغزالى ممن يعنى يوجهون إلى الآخرة ويعرفون طريقها وتعلقت قلوبهم بربهم استمع شيخ يُزار ويُتبرك به حضر عنده أبو حكيم إبراهيم ابن دينار فسٌئل هذا الشيخ فى المجلس إذا ولدت المطلقة ثلاثا ولدا ذكرا هل تحل لزوجها الأول يعنى طلقها ثلاثا لكن ولدت ولدا ذكرا والولد الذكر له شأن يعنى لو ولدت أنثى لا تحل لكن إن ولدت ولدا ذكرا تحل لزوجها الأول؟ الطلقات تُلغى وتعود إليه فسكت هذا الشيخ الزاهد الذى يُتبرك به قال ما تقول يا أبا حكيم قال سبحان الله لا تحل سواء ولدت ذكرا أو أنثى قال والله لقد أفتيت بأنها تحل لزوجها من بغداد إلى البصرة أهل البصرة كلهم ينقلون عنى هذه الفُتيا ليس أهل بغداد أن المطلقة ثلاثا إذا ولدت ذكرا حلت لزوجها الأول والطلقات تنتهى!! شيخ عابد زاهد يُتبرك به لا يعرف يعنى حكما من أحكام الطلاق هذا أمر عجيب حقيقة إخوتى الكرام ونقل عنه قصة ثانية فى نفس الكتاب فى صيد الخاطر قال جاءت امراة مطلقة إلى شيخ زاهد عابد يُتبرك به أيضا فقالت له إنها طُلقت وخطبها إنسان فهل تحل له للزوج الثانى قال تحلين وعقد الزوجة للخطيب الثانى وهى مطلقة من الأول ثم تبين أنه ما انتهت العدة ولا سأل عن انتهاء العدة, فلما علم القضاء الشرعى فسخ النكاح وأدب الزوج واستدعى هذا العابد كيف هذا قال هذا علمى فقالت له المرأة أنت خدعتنى قال أنت طاهرة مطهرة ما عليك شىء هذا فقيه يا إخوتى الكرام!! ماذا استفاد من العبادة عندما أضل الناس عن طريق الآخرة فلا بد من وعى هذا حقيقة علم الفقه كما قلت لا بد من أن يخشى الإنسان ربه والخشية ثمرة العلم أما بعد ذلك يعنى أنه يخشى الله دون تعلُّم فلا ثم لا هذا يعبد نفسه وهواه وشيطانه ولا يعبد ربه وقد ذكر الإمام ابن الجوزى فى صيد الخاطر أيضا قصتين بعد يعنى القصتين الماضيتين عن غير شيخه أبى حكيم

القصة الثالثة قال حدثنى بعض الفقهاء عن بعض العبَّاد أنه قال منذ أربعين سنة لا أصلى صلاة إلا وأنا أسجد سجدتى السهو قبل أن أسلم قال لمَ؟ قال أحتاط لدينى قال صلاتك باطلة من أربعين سنة لأنك زد سجودا فى غير محله تلاعبت فى الصلاة تلاعبت من أربعين سنة لا يصلى صلاة إلا ويسجد قال لمَ؟ يعنى تسهو فإذا كنت تسهو من أربعين سنة ما استحضرت فى يوم من الأيام صلاة معذور ماذا تعمل قال لا ما عندى سهو لكن أحتاط فى آخر ركعة من باب الإحتياط سجدتين للسهو قال صلاتك باطلة من أربعين سنة وأنت لا تدرى وهذا من العبَّاد حقيقة هذه من البلايا والرزايا وقصة ثانية عن الإمام ابن الجوزى عن إنسان عاصره يحكى عنه وهو من العبَّاد أيضا قال عاهد الله على شىء ثم نقضه وما استطاع أن يفى به فعاقب نفسه أنه سيمتنع عن الطعام والشراب أربعين يوما ,أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب فمرت العشر الولى والعشر الثانية والعشر الثالثة وهو طريح لا يستطيع أن يتحرك فى العشر الثالثة أما فى العشر الرابعة أشرف على الموت وما عاد النفس يعنى يتحرك فى صدره فهؤلاء يعنى حقيقة الذين هم حوله ليتهم فعلوا قبل أن يصل إلى المرحلة الأخيرة فصبوا الماء فى فمه ليدخل إلى جوفه فسمعوا يعنى قرقعة كأنها37:39بالية ومات مباشرة عندما وصل الماء إلى جوفه أمَا قتل نفسه؟ أما انتحر؟ وهو يظن أنه يتقرب إلى الله عز وجل وكم من إنسان يفعل هذا وهو على جهل فلا بد إخوتى الكرام من وعى الأمر علم الفقه حقيقة ما بُدل كما قلت موضوعه والذى كان يشمله هذا العلم فى عهد سلفنا هو الذى يدل عليه فى حياتنا لكن لا بد من أن يصحب هذا العلم خشية من العليم سبحانه وتعالى هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه

ولذلك كان الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يُوصى بمزج علم الفقه بترقيق القلب وبما يرقق القلب وبشىء من ذكر الله جل وعلا ومن فضل المجاهدة ومن ومن هذا لا بد من ذكره ضمن مباحث علم الفقه وسيأتينا إن شاء الله هذا عند دراستنا لمباحث الفقه بعون الله ربنا وتوفيقه والإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يخبر عن نفسه فى صيد الخاطر صفحة واحدة وأربعين ومائة يقول مع ما للذكر من لذة ومع ما للمجاهدة من أثر على النفس ولها يعنى شأن مع ذلك يقول فالعلم أفضل وأقوى حجة أما أنه ينصرف إلى مجرد أذكار وأوراد وعبادات يقوم بها دون أن يتعلم لا فالعلم أيضا أفضل وأقوى حجة وقلت لكم يقول فى كتابه لفتة الكَبَد صفحة خمس وأربعين الفقه أصل العلوم والتذكير حلواؤها وأعمها نفعا وذكر فى صفحة سبع وتسعين ومائة من كتابه صيد الخاطر يعنى كلاما حقيقة موجزا محكما يعنى لحدود نصف صفحة استمعوا إليه إخوتى الكرام وجب مزج الفقه والحديث بالرقائق وسير الصالحين وإنما أقرأ هذا لن عددا من الإخوة الكرام يعنى أبدوا اعتراضات فى عدد من المناسبات قال أحيانا يعنى تكون فى مبحث حديث فى مبحث فقه فى مبحث تفسير وفى شىء تأتى بإنسان تذكر شىء من ترجمته وأحواله وكذا قلت يا عبد الله هذه مثل الحلوى مع الطعام لا بد منها يعنى وإلا بعد ذلك الأمور تبقى يعنى أمور علمية وكلها كما يقال جد جهد يعنى يا عبد الله دعنا نأخذ كما يقال مرحلة فى تنشيط نفوسنا وشحذ عزائمنا يعنى إذا ترجمنا مثلا للإمام مبارك جاء معنا وذكرت بعض القصص الطريفة من أحواله ماذا جرى يعنى أنت يضيق صدرك لمَ؟

فاستمع لما يقول الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول: رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفى فى صلاح القلب إلا أن يمزج بالرقائق والنظر فى سير السلف الصالحين فأما مجرد العلم بالحلال فليس لله كبير عمل فى رقة القلب وإنما ترق القلوب بذكر رقائق الحديث وأخبار السلف الصالحين أنهم تناولوا مقصود النقل يعنى العلوم المنقولة وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها وما أخبرت بهذا إلا بعد معالجة وذوق لأنى وجدت جمهور المحدثين وطلاب الحديث همة أحدهم فى الحديث العالى وتفسير الأجزاء وجمهور الفقهاء فى علوم الجدل وما يُغلب به الخصم وكيف يرق القلب مع هذه الأشياء وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه لا لاقتباس علمه وذلك أن ثمرة علمه هديه وسمته فافهم هذا وامزج طلب الفقه والحديث بطالعة سير السلف والزهاد فى الدنيا ليكون سببا لرقة قلبه وقد جمعت لكل واحد من مشاهير الأخيار كتابا فيه أخباره وآدابه فجمعت كتابا فى أخبار الحسن يريد سيدنا الحسن البصرى رضى الله عنه وأرضاه الذى كان أفصح الناس فى زمنه بسبب ما در عليه ثدى أمنا أم سلمة رضى الله عنها وأرضاها زوج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه كانت تعامله أحيانا تعطيه ثديها وهو صغير فقيل درَّ عليه شىء من اللبن بعد وفاة نبينا المكرم عليه صلوات الله وسلامه فتلك الفصاحة والحكمة والبلاغة من أثر ذلك اللبن المبارك واللبن للفحل لسيد الفحول نبينا الرسول على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

جمعت كتابا فى أخبار الحسن وكتابا فى أخبار سفيان الثورى رضى الله عنهم أجمعين وإبراهيم ابن أدهم وبشرٍ الحافى وأحمد ابن حنبل ومعروف الكرخى وغيرهم من العلماء والزهاد والله الموفق للمقصود ولا يصلح العمل مع قلة العلم انتبه أيضا لا يصلح العمل مع قلة العلم فهما فى ضرب المثل كسائق وقائد والنفس بينهما 43:41ومع جد السائق والقائد ينقطع المنزل منازل السفر ونعوذ بالله من الفتور هذا كلام الإمام ابن الجوزى وانا أقول أيضا مع هذه الكتب التى صنفها فى تراجم بعض الزهاد والعباد له كتاب فى أربعة مجلدات وهو صفة الصفوة صفوة الصفوة فى أخبار صالحى هذه الأمة المباركة بدأ بسيد الصالحين نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم بالعشرة المبشرين بالجنة ثم يعنى بزهاد الصحابة وعبادهم إلى الزهاد فى زمنه والعلماء العاملين رضوان الله عليهم أجمعين هذا فيما يتعلق بالتنبيه الأول إخوتى الكرام منزلة الفقه التى مرت معنا لا يعكر عليها كلام الإمام الغزالى وأن هذا الإسم وُضع فى غير محله وبدأ يطلق على علم الطهارة وعلم الحيض وعلم النفاس وعلم الطلاق وعلم الظهار وعلم النكاح طيب يعنى لا بد والإنسان كيف سينكح كيف سيطلق واضح هذا, كيف سيعيش تريد أن يعيش الناس مع نسائهم وأزواجهم على حسب الحرام تريد هذا وماذا تنفعه أوراده وعباداته إذا كانت ذريته نجسة وصلته بزوجته محرمة ماذا تريد وكم من إنسان تراه عابدا زاهدا ورعا وزوجته بائنة منه من زمن وهو يعاشرها على طريق الحرام وهو لا يدرى هذا يعنى ما نفعته عبادته لا بد إخوتى الكرام من وعى الأمر نعم يوصى طلبة علم الفقه بأن يسيروا على طريقة الفقهاء المتقدمين وسيأتينا تراجم الفقهاء الأربعة وكما قال سيدنا الإمام الشافعى ما أحد أورع لخالقه من الفقهاء

ستأتينا عباداتهم واجتهاداتهم فى طاعة الله عز وجل ستأتينا إن شاء الله هذا لا بد كما قلت أن يوصى بعضنا بعضا به أما أنه أن نقول يعنى علم الفقه تبدل وكان يطلق على موضوع الزهد وأمور الرقائق والتعلق بالآخرة ووضعوه بعد ذلك على العبادات والمعاملات والحدود والعقوبات لا ثم لا علم الفقه هذا مدلوله كما قلت منذ أن أُشير إليه فى كلام نبينا عليه الصلاة والسلام اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل وأما كما قلت انحراف من انحرف هذا الانحراف يكون فيه يعنى من يتعلم كل علم قد يتعلم علم الزهد والرقائق وتراه شيطانا مريدا بعد ذلك هذا موضوع آخر نعم كما قلت ينبغى أن نوصى أنفسنا وأن يوصى بعضنا بعضا عندما نتعلم علم الفقه أن نعمل بهذا العلم وأن بعد ذلك أن نتذكر أحوال نبينا عليه الصلاة والسلام فى عبادته وورعه وجده واجتهاده وأحوال الصالحين لنقتدى بهم رضى الله عنهم وأرضاه هذا كما قلت إخوتى الكرام فيما يتعلق بما تقدم فى منزلة علم الفقه أما الفروق بين شرع الخالق والمخلوق التى تحتم علينا أن نأخذ بشرع ربنا وأن نترك بعد ذلك آراءنا وآراء غيرنا إخوتى الكرام هذه الفروق سأوجزها فى خمسة عشر فرقا كل واحد منها يحتم علينا أن نأخذ بشرع الله وأن نترك شرع غيره مهما كان من إنسان أو شيطان من شيطان إنسى أو شيطان جنى كل هذا ينبغى أن يُترك وأن يقبل على شرع الله عز وجل أول هذه الفروق إخوتى الكرام بين شرع الرحمن وشرع الإنسان بين شرع الرحمن وشرع الشيطان أولها أن شرع الله جل وعلا مستمد من الله من خالقنا

من ربنا من سيدنا من مالكنا من إلهنا سبحانه وتعالى هذا الشرع مستمد منه مأخوذ منه وهو وضع للأمر فى موضعه وأما شرع الإنسان القوانين الوضيعة الوضعية هذا مأخوذة من الأفكار الإنسانية وحقيقة أكبر عار أن يعبد الإنسان غيره ممن هو على شاكلته لا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولا ضرا, كيف تعبد غيرك والحكم هذا سنام العبادة القوانين والتشريع هذا سنام العبادة أعلى شىء فيها يعنى عندما تعطى لغيرك حق التشريع فقد عبدته عبادة عظيمة هى أعظم العبادات عندما جعلته يشرع لك وأنت تلتزم بشرعه وتتقي به فعبدته من دون ربك سبحانه وتعالى فهذا إخوتى الكرام لا بد من أن نعيه ولا ينبغى للمخلوق أن يقبل غير شرع خالقه ومما يقوله الشاعر المتنبى وهذا البيت حقيقة من الحكم والدرر يقول: تغرب لا مستعظما غير نفسه ولا قابلا إلا لخالقه حكما يعنى إياك أن تقبل حكم غيرك ولو أدى ذلك إلى أن تنزح عن وطنك وبلادك وو وتغرب لا مستعظما غير نفسه ترى أنك أعظم أهل الأرض لا احتقارا للعباد إنما من أجل وضع الأمر فى موضعه هذا لا بد إخوتى الكرام من وضعه وأما أنك دون وأن الناس فوقك يشرعون لك وأنت تلتزم بشرعهم لا ثم لا أنت عبد لله جل وعلا فهذا لا بد من وعيه تغرب لا مستعظما غير نفسه ولا قابلا إلا لخالقه حُكما لا تقبل إلا حكم الله وبعد ذلك نفسك عظيمة عظيمة عظيمة كما قلت ليس امتهانا لنفوس الناس إنما من أجل أن يوضع كل شىء فى موضعه وأما أن يعظم بعضنا بعضا وأن يشرع بعضنا لبعض فهذا هو الضلال, هذا مستمد من الله وذاك مستمد من مخلوق والفرق بين الشرعين كالفرق بين الخالق وخلقه يعنى الفرق بين شرع الله وشرع المخلوقات كالفرق بين رب الأرض والسماوات وبين المخلوقات وشتان شتان شتان شتان

روى الإمام الترمذى فى سننه وقال هذا حديث حسن غريب والحديث رواه الإمام الدارمى فى سننه وهو من رواية عطية ابن سعيد العوفى إخوتى الكرام والإمام الترمذى يحسن له دائما وحوله كلام على كل حال الحديث له شواهد من رواية سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين مرفوعا متصلا وله شواهد من رواية شهر ابن حوشب وهو تابعى مرفوعا مرسلا إلى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه انظروا تفصيل الكلام على هذه الشواهد فى الفتح فى الجزء التاسع صفحة ست وستين من كتاب فضائل القرآن بوب الإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا باباً يشير به إلى عنوان هذه المسألة قال باب فى فضل كلام الله على سائر الكلام هذه الترجمة هى عنوان الحديث الذى سأذكره والحديث كما قلت فى سنن الترمذى وسنن الدارمى من رواية سيدنا أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (يقول الرب عز وجل من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر الخلق) (من شغله القرآن وذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين) من اشتغل بعبادة الله وذكره وبطلب العلم وما تفرغ لأن يسأل ربه حوائجه لأنه مشغول بدعاء العبادة الله جل وعلا يعطيه أفضل ما يعطى السائلين (وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر الخلق) إذاً هذا مستمد من الخالق وذاك مستمد من المخلوق ولذلك إخوتى الكرام أول ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام خمس آيات من سورة اقرأ من سورة العلق افتُتحت هذه الآيات بهذه الكلمة الطيبة المباركة اقرأ باسم ربك الذى خلق اقرأ باسم ربك هذا من الله مستمد منه {اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق *اقرأ وربك الأكرم *الذي علم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق/1-5]

وهذه الآيات كما تقدم معنا إخوتى الكرام ضمن مباحث النبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه هى أول ما نزل على نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام قلت قطعا وجزما مع أنه قيل فى ذلك ستة أقوال لكن هذا قطعا وجزما وقلت حديث الصحيحين يدل على ذلك حديث أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها وفى الحديث (قال اقرأ قال ما أنا بقارىء قوله ما أنا بقارىء) قلت يستحيل أن يصدر هذا الكلام من نبينا عليه الصلاة والسلام إذا نزل عليه قبل ذلك قرآن وعليه هذا أول ما نزل قال اقرأ قال ما أنا بقارىء ما نزل علىَّ شىء وهذا مما يدل على أنه أول شىء أُنزل والأدلة فى ذلك كثيرة إذاً (اقرأ باسم ربك الذى خلق) مستمد من الله ونحن عباده ولا غضاضة فى أن يتذلل المخلوق لخالقه وأن يأخذ العبد بشرع سيده إنما الغضاضة والحرج والضيق والشدة والكرب والعنت والذل الذى لا ذل بعده أن يتذلل المخلوق لمخلوق مثله وأن يؤله الناس بعضهم بعضا وأن يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله هذا هو البلاء اقرأ باسم ربك الذى خلق ويقول الله جل وعلا فى سورة الشورى {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب *فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى/10-11] (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي) وهو رب كل شىء سبحانه وتعالى فالأخذ بحكم هذا الرب وضع للأمر فى موضعه فهذا عين الحكمة فمستمد من ربنا وخالقنا سبحانه وتعالى وقال جل وعلا فى سورة الحاقة {فلا أقسم بما تبصرون *وما لا تبصرون *إنه لقول رسول كريم *وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون *ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون *تنزيل من رب العالمين} [الحاقة/37-43]

هذا منزل من هذا الإله العظيم {ولو تقول علينا بعض الأقاويل *لأخذنا منه باليمين *ثم لقطعنا منه الوتين*فما منكم من أحد عنه حاجزين *وإنه لتذكرة للمتقين *وإنا لنعلم أن منكم مكذبين *وإنه لحسرة على الكافرين *وإنه لحق اليقين *فسبح باسم ربك العظيم} [الحاقة44-52] (فلا أقسم بما تبصرون *وما لا تبصرون) إخوتى الكرام كلمة لا التى تدخل قبل القسم فى كلام الله عز وجل مشكلة حقيقة وأئمتنا فى كتب علوم القرآن ضمن مبحث القسم فى القرآن بحثوها كما فى الإتقان والبرهان وغيرهما وهذا موجود فى سائر كتب تفسير القرآن هى مشكلة فلا أقسم ظاهر الكلام نفى للقسم وواقع الأمر أن الله أقسم , أقسم بما نبصر وبما لا نبصر على أحقية القرآن وأنه كلام الرحمن بلغه رسوله جبريل ورسوله محمد الجليل على نبينا وأنبياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه فقوله فلا أقسم هذه لا إخوتى الكرام أئمتنا وجهوها بثلاثة أمور كلها معتبرة الأمر الأول يعنى وهو أظهرها وأيسرها أنها زائدة للتوكيد الأصل فأقسم بما تبصرون وما لا تبصرون فزيدت لا للتوكيد كقول الله جل وعلا {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله} [الحديد/29] لئلا يعلم, ليعلم أهل الكتاب وهكذا قول الله جل وعلا {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} ما منعك أن تسجد إذ امرتك هذا التخريج الأول وهو كما قلت يعنى أظهرها وأيسرها أنه زائدة لتوكيد القسم فلا أقسم أقسم قسما مؤكدا بما تبصرون وما لا تصبرون والتخريج الثانى إخوتى الكرام حقيقة معتبر ووجيه إنها نفى لما يقتضى المقام نفيه ماذا يصبح هنا النفى (فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون لا شبهة فى أن القرآن حق وصدق وأنه من عند الله أقسم على ذلك بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم لا شبهة فى أن القرآن حق

(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) لا صحة لإيمانكم ولما تدعون وربك حتى يحكموك فيما شجر بينهم هكذا يصبح التقدير كما قلت هى نفى لما يقتضى المقام نفيه على حسب سياق الآيات تقدر شيئا منفيا لا شبهة فى أن القرآن حق وأنه كلام الله أقسم على ذلك بما تبصرون وما لا تبصرون لا شبهة فى ان القرآن حق أقسم على ذلك بما تبصرون وما لا تبصرون (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) لا صحة لإيمانهم ولما يدعون وربك حتى يحكموك فيما شجر بينهم التخريج الثالث وهو أيضا فى منتهى الاعتبار الكلام إخوتى الكرام جرى مجرى نفى القسم والمراد إثبات القسم لكن بما أن المُقسَم عليه فى منتهى الظهور والوضوح والبيان كأنه ليس بحاجة إلى الإقسام عليه فأورد الكلام فى صورة ادعاء عدم احتياج المُقسَم عليه إلى قسم والمراد القسم الأكيد البالغ الذى يقرر هذا كأنه يقول هذه قضية منتهية ثابتة قطعية لا داعى أن أقسم عليها وقد أقسمت كما تقول لمن يثق بصداقتك وتحبه غاية الحب لا داعى أن أحلف لك أننى أحبك واضح هذا وواقع الأمر أنت تريد النفى مع أنك تثبت الحب بمنتهى القسم له وهنا كذلك فلا أقسم بما تبصرون وما لا تصبرون الظاهر كما قلت نفى القسم لكن المراد إثبات القسم لأن المُدَّعى عليه كأنه يريد أن يقول فى منتهى الظهور والوضوح وأن هذا القرآن بلغه رسول الرحمن وهو كلام ذى الجلال والإكرام هذه القضية كأنها لا تحتاج إلى قسم فجاء الكلام فى صورة كما قلت نفى القسم لادعاء أن المقسم عليه لا يحتاج إلى قسم لأنه فى منتهى الظهور فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون أى لكل شىء أقسم ربنا جل وعلا على صحة القرآن إنه لقول رسول كريم أى بلغه عنا جبريل أو نبينا الجليل على نبينا وأنبياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون

إخوتى الكرام ما زائدة أيضا للتوكيد بلا خلاف بين أئمتنا لكن ما المراد بلفظ قليلا, قليلا تؤمنون قليلا تذكرون ما كما قلت زائدة أيضا للتوكيد فقيل هنا القِلة المراد هنا العدم وذهب إلى هذا الإمام النسفى ومعه جم غفير من المفسرين إذاً ماذا يصبح الكلام قليلا ما تؤمنون أى لا تؤمنون مطلقا وما صدر منكم إيمان بالرحمن قليلا ما تؤمنون لا نافية واضح هذا وإذاً هنا بمعنى العدم أى انعدم إيمانكم وما صدر منكم توحيد لربكم وانعدم تذكركم وما عنكم وعى فى عقولكم قليلا ما تؤمنون قليلا ما تذكرون أى لا تؤمنون إيمانا مطلقا إيمانا ما ولا تتذكرون تذكرا ما على أن القلة بمعنى النفى وقال أئمتنا هذا يستعمل فى اللغة بكثرة على أن القلة يراد منها النفى والثانى على أن القلة على حقيقتها ما كما قلت مزيدة والقلة فى موضعها لأنهم كانوا يؤمنون ببعض أمور الخير مما أمر به من شأن صلة الرحم من شأن المعروف ومساعدة الناس يصدقون به فى الجملة ويرون هذا من أمور الخير ويتذكرون أحيانا فيما بينهم ويبحثون لأن نبينا عليه الصلاة والسلام صادق وأنه رسول الله تذكرا قليلا ثم يرجعون إلى غيهم وضلالهم يعنى ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون تذكروا قليلا ثم نكسوا بعد ذلك على رؤوسهم فهنا تؤمنون إيمانا قليلا لا ينفعكم فى النهاية تتذكرون تذكرا يسيرا لا تثبتون عليه فالقلة كما قلت على حقيقتها وإلى هذا ذهب الإمام الزجاج وغيره من أئمة التفسير إذاً فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسل كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين وليس لهذا القرآن فى هذا القرآن مدخل لأحد من خلق الله ولوتقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين بالقوة ولعاقبناه عقابا شديدا قضينا عليه ويعنى جعلناه عبرة للمعتبرين وحاشاه من ذلك عليه صلوات الله وسلامه

ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين وهو نياط القلب عرق مرتبط به إذا قُطع مات الإنسان وانقطع القلب عن الحياة ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم إن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم الشاهد إخوتى الكرام تنزيل من رب العالمين هذا كلام الله جل وعلا وهذه الأمور إخوتى الكرام الخمسة عشر حقيقة كل واحد منها لو أراد الإنسان أن يفيض فيه يحتاج إلى موعظة سأوجز يعنى لننتهى منها فى الموعظة الآتية على إن شاء أبعد تقدير لنبدأ بعد ذلك فى تراجم أئمتنا كما وعدت ضمن أربعة مواعظ كل واحد فى موعظة نوجز ترجمته بعون الله وتوفيقه ندخل بعد ذلك فى مباحث الفقه بعون الله ولطفه ومنه وكرمه الأمر الثانى الاعتبار الثانى فى تشريع الله جل وعلا إذاً مستمد من ربهم صاحبه علم تام وكيف لا ومنزله من هو بكل شىء عليم هذا شرع العليم الحكيم سبحانه وتعالى علم تام وأما يعنى التشريعات الإنسانية البشرية الوضيعة الوضعية فحال مشرعيها كما قال الله (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) هذا حالهم وجهلهم أكثر من علمهم 1:6:58كتاب أحاط بكل شىء قرر ربنا جل وعلا هذا المعنى فى كثير من آيات كتابه قال فى أول سورة الفرقان {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا *الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا *واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا*وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا *وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا * قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما} [الفرقان/1-6]

أنزله من هو بكل شىء عليم ولا يوجد مخلوق يتصف بهذه الصفة بكل شى ءعليم, على كل شىء قدير ,غنى عن العالمين هذا لا يوجد إلا فى ربنا العظيم سبحانه وتعالى قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما هذا إخوتى الكرام كما قلت يعنى حال تشريع الرحمن من عند من هو بكل شىء عليم وأشار إلى هذا المعنى ربنا الكريم فى أول سورة غافر {حم *تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم *غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} [غافر/1-3] وهذا العلم الذى هو فى المشرع بشرع الله هذا العلم الذى هو فى ربنا لا يمكن أن يساويه فيه أحد من الخلق بل لا يمكن أن يساويه فى جزئية من جزئيات العلم التى يتصف بها ربنا جل وعلا أحد من الخلق فاستمع للعلم الإلهى تعريف علم ربنا كما قال الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه الفتاوى كنت ذكرت هذا إخوتى الكرام ضمن تفسير سورة الفاتحة فى صفحة ست وعشرين ومائتين فتاوى الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهو أحسن تعريف لضبط علم الله جل وعلا يقول علم استقلالى يحيط بجميع المعلومات بكل المعلومات كما وكيفا علم استقلالى أولا هذا علم منه ما أخذه من غيره وعلم من عداه مستفاد طرأ عليه بعد أن لم يكن {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} [النحل/78] علم استقلالى ثم بعد ذلك يحيط بكل المعلومات كما وكيفا بقدرها وخصائصها كما وكيفا ولو أُضيف إلى هذا التعريف يعنى من باب كما يقال زيادة ايضاح إلا هو التعريف كامل يعنى لو أضيف زيادة ايضاح علم استقلالى محيط بجميع المعلموات كما وكيفا هذا كلام الإمام النووى قل على سبيل الدوام ولا يعتريه غفلة ولا نسيان

يعنى هذا العلم الاستقلالى المحيط بجميع المعلومات كما وكيفا يلازم ربنا جل وعلا دائما لا يزول ولا يتغير ولا يعزب عنه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض, وما كان ربك نسيا على سبيل الدوام لا يطرأ عليه غفلة ولا نسيان يعنى هذا أحسن ما يقال فى بيان علم ربنا الرحمن سبحانه وتعالى علم استقلالى محيط بجميع المعلومات كما وكيفا على سبيل الدوام لا يعتريه غفلة ولا ذهول ولا نسيان هذا حال علم الرحمن سبحانه وتعالى وأما من عداه فقد الزخشرى يغفر الله لنا وله ونِعْمَ ما قال: العلم للرحمن جل وجلاله وسواه فى جهلانه يتغرغم ما للتراب وللعلوم وأنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم ويسعى لا ليصل إلى درجة العلم فقط يزيل عنه الجهل ليتعلم ما كان يجهل وأما ربنا جل وعلا فسبحانه وتعالى كما قلت علم أزلى استقلالى من ذاته يحيط بجميع المعلومات ما طرأ عليه بعد أن لم يكن فيه ما للتراب وللعلوم وأنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم العلم للرحمن جل وجلاله وسواه فى جهلانه يتغرغم ما للتراب وللعلوم وأنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم يعنى يتعلم ما كان لا يعلم فقط وهذا كما يقول سيدنا الإمام الشافعى رضي الله عنه وأرضاه كلما أدبنى الدهر أرانى نقص عقلى وإذا ما ازددت علما زادنى علما بجهلى إذاً الصفة الثانية الفرق الثانى هذا التشريع الربانى هذا الفقه الذى سنتدارس مباحثه أنزله الذى يعلم فى السر فى السماوات والأرض أنزله من هو بكل شىء عليم فحقيقة الأخذ به حكمة ووضع سليم والأخذ بعد ذلك بالأنظمة الوضعية كما قلت ضلال مبين أولاً عبدت غير الله ثم أخذت بقانون ونظام الجاهل الغافل فهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه الأمر الثالث من الفروق بين شرع الخالق والمخلوق شرع الله جل وعلا مستمد منه وصاحبه علم تام وحكمة كاملة أيضا علم لا بد له من حكمة وإلا علم بدون حكمة يضع الشىء فى غير موضعه علم مع حكمة لا بد إخوتى الكرام من هذا علم مع حكمة

والحكمة إخوتى الكرام هى باختصار الإتقان وكون الشىء فى منتهى الاتنظام وهى التى يعبر عنها أئمتنا الكرام: وضع الشىء المناسب فى الزمن المناسب فى المكان المناسب وقال الإمام ابن القيم فى مدارج السالكين عليه وعلى أئمتنا رحمة رب العالمين فى الجزء الثانى صفحة تسع وسبعين وأربعمائة فى ضبط الحكمة وبيانها قال: فعل ما ينبغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى وهذا هو وضع الشىء فى موضعه فعل ما ينبغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى حقيقة إذا فعلت شيئا لكن فى غير وقته هذا حقيقة وضعت الأمر فى غير موضعه فلا بد من وضع الشىء فى موضعه وكما قال أئمتنا لكل مقام مقال والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال هذا لا بد من وعيه فعل ما ينبغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه ينبغى وقال أيضا فى ضبط الحكمة أن تعطى كل شىء حقه بحيث لا تعديه حده لا تزيد على حده ولا تعجله عن وقته ولا تؤخره عنه إذا شرع ربنا فيه حكمة مستمد منه معه علم هذا العلم وُضع كما قلت فى موضعه المناسب له لذلك الحكيم كما قال الإمام الرازى فى لوامع البينات فى شرح أسماء الله والصفات قال الحكيم هو الذى ليس فى قوله ريب ولا فى فعله عيب ليس فى قوله ريب شك وتهمة وخلل وفساد ذلك الكتاب لا ريب فيه ليس فى قوله ريب ولا فى فعله عيب ما ترى فى خلق الرحمن من تقاوت ليس فى قوله ريب ولا فى فعله عيب سبحانه وتعالى شرع الله كما قلت محكم يقول ربنا المعبود فى أول سورة نبيه هود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير* ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} [هود/1-2] (أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) وقال جل وعلا فى أول سورة العبد الصالح لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان {الم *تلك آيات الكتاب الحكيم *هدى ورحمة للمحسنين} [لقمان/1-3] تلك آيات الكتاب الحكيم

والآيات إخوتى الكرام فى ذلك كثيرة أختمها بهذه الآية وبها أختم الموعظة ونتدارس الصفة الرابعة وما بعدها فى الموعظة الآتية إن شاء الله يقول الله جل وعلا فى سورة فصلت {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز *لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد * ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم} [فصلت/41-43] ما يقال لك إلا هذه المقولة وما يقال لك إلا ما قيل للرسل من أقوالهم من جهالات وضلالات جَهِلَ الأقوام بها على رسلهم الكرام على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام وأنت سيقال لك من أمتك ما قيل للرسل من أقوامهم وأنت يقال لك أيضا إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم كما قيل لهم هذه المقولة ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك كما قلت من الأقوام ومما بعد ذلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم الصفة الرابعة إخوتى الكرام شرع الله كما هو مستمد منه وصاحبه علم تام وحكمة تامة فيه هدى ونور يأتينا بيان هذا إن شاء الله فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

08

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام انتهينا من مدارسة منزلة الفقه فى شريعة الله المطهرة منزلة علم الفقه فى شريعة الله المطهرة وشرعنا فى مدارسة مبحث عظيم قلت أختم به الكلام على منزلة علم الفقه فى شريعتنا المطهرة هذا المبحث إخوتى الكرام قلت هو استعراض الفروق بين شرع الخالق وشرع المخلوق والأمر إخوتى الكرام فى منتهى الظهور والوضوح ومن أراد يعنى أن يتلمس الفروق بين شرع الخالق وشرع المخلوق كمن أراد أن يبحث عن الفروق بين الطاهر والنجس وبين المعدوم والموجود وبين الحق والباطل وبين النور والظلام يعنى الأمر فى منتهى الوضوح ولذلك إخوتى الكرام ما أذكره هو من باب المزايا التى فى شريعة ربنا جل وعلا وتحتم علينا أن نلتزم بذلك ومن أعرض عن ذلك فقد سفه نفسه وكفر بالله جل وعلا ذكرت إخوتى الكرام ثلاثة فروق أولها أن شرع الله حل وعلا مستمد من خالقنا من ربنا من سيدنا من مالكنا وقلت هذا وضع الأمر فى موضعه ووضع الشىء فى نصابه أن يأخذ المخلوق بشرع خالقه وألا يعبد بعضهم بعضا من دون الله جل وعلا الأمر الثانى قلت إن شرع الله جل وعلا صاحبه علم كامل كيف لا وهو شرع مَن بكل شىء عليم والأمر الثالث

صاحبه أيضا حكمة تامة وُضعت الأمور فى مواضعها فهو من تنزيل من حكيم حميد هذه الأمور الثلاثة مر الكلام عليها ووقفت عند الفرق الرابع من الفروق التى سنتدارسها وقلت إنها خمسة عشر فرقا أول الأمور التى سنتدارسها وهى الفرق الرابع وهى الفرق الرابع الفارق الرابع بين شرع الخالق وشرع المخلوق شرع الخالق إخوتى الكرام فيه هدى ونور وإرشاد العباد إلى أرشد الأمور هدى والهداية تقدم معنا بيانها عند تفسير قول ربنا اهدنا الصراط المستقيم وقلت الدلالة برفق وسهولة ويسر وشريعة الله جل وعلا حوت هذا المعنى فقد دلتنا إلى ما يسعدنا فى دناينا وآخرتنا برفق ولطف ويسر وسهولة حسب ما يتناسب مع فطرتنا التى فطرنا عليها ربنا سبحانه وتعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وكل شرع يمشى عليه الإنسان فى هذه الحياة يتصادم مع فطرته ولا يحصل منه إلا الشقاء العاجل مع العذاب الآجل {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه/124] إذاً فى شريعة الله الهدى والنور وإرشاد العباد لأقوم الأمور وتقدم معنا مرارا أن شرع الله لعقولنا كالشمس لأعيننا وأن شرع الله لحياتنا كالماء للسمك فكما أن السمك لا يحيا بدون ماء فهذه البشرية لا يمكن أن تسعد فى هذه الحياة بدون الشريعة الغراء التى أنزلها الله على نبيه خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذا المعنى أشار الله إليه فى آيات كثيرة وكما قلت فى الموعظة الماضية هذه الأمور تحتاج إلى شىء من الإيجاز فيه لننتهى منها ونشرع فى مدارسة الفقه وإلا فكل فرق من هذه الفروق يحتاج كما قلت إلى موعظة كاملة يقول الله جل وعلا فى سورة النساء {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا} [النساء/174]

نورا للعقول كنور الشمس الذى هو للأعين والأعين لا ترى بدون نور والعقول لا تهتدى بدون شرع العزيز الغفور {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا *فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما} [النساء/174-175] يعنى بعدها آية واحدة أليس كذلك ختام سورة النساء وأنزلنا إليكم نورا مبينا وقال جل وعلا فى سورة الإسراء {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا *وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما} [الإسراء/9-10] يهدي للتي هي أقوم للتى هى أكمل وأحسن وأسد وأفضل فى جميع شئون الحياة وواقع الأمر إخوتى الكرام نظم الله بهذه الشريعة التى أنزلها علينا جميع معاملاتنا سواء مع أنفسنا أو بعضنا أو مع ربنا سبحانه وتعالى عن طريق معاقد التشريع التى حواها شرع العزيز الغفور سبحانه وتعالى ومعاقد التشريع ثلاثة لا بد أن توجد فى التشريع وإلا فذلك التشريع فاسد عاطل باطل أولها المحافظة على ضروريات الحياة وثانيها المحافظة أيضا على الحاجيات وثالثها المحافظة على التحسينيات والجرى على مكارم الأخلاق والتشريع يدور على هذه الأمور الثلاثة الأولى ضروريات وهى التى يسميها أئمتنا بدرء المفاسد لا بد إخوتى الكرام من المحافظة على الضروريات الست على أديان الناس على أبدانهم على عقولهم على أموالهم على أعراضهم على أنسابهم لا بد من المحافظة على هذا وهذا ما حُفظ عليه أتم محافظة إلا فى شريعة الله جل وعلا وما عدا شريعة الله جل وعلا الناس فى غابة يأكل القوى منهم الضعيف

ثم بعد ذلك الحاجيات فهى التى يسميها أئمتنا بجلب المصالح درء المفاسد جلب المصالح ففتح الله أمامنا كل خير كل طريق يوصلنا إلى كل خير ونفع وفائدة وربح فى هذه الحياة (فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) (وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه) ثم التحسينيات وهى الجرى على مكارم الأخلاق فربط بيننا برباط محكم وثيق عندما شرع لنا ما شرع من السلام وحسن الكلام وبشاشة الوجه وطلاقته وغير ذلك بحيث يعيش الناس كأنهم فى جنة عاجلة هذا إخوتى الكرام لا بد منه هذا موجود فى شريعة الله إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم فى جميع شئون الحياة إذاً شرع الله فيه هدى ونور وقد أشار الله إلى هذا فى مطلع كتابه فى أول سورة البقرة فقال جل وعلا {الم *ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون*والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون *أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} [البقرة/1-5] إخوتى الكرام قول ربنا الرحمن هدى للمتقين مر معنا مثل هذا بكثرة وخص هداية القرآن بالمتقين لأنهم هم المنتفعون بهذا فمن عداهم ما حصل هذه الهداية وأعرض عنها ولذلك خُصت هذه الهداية بهم لإقبالهم عليها وأخذهم بها وانتفاعهم بها فمن عمل وليمة ودعا دعوة عامة من الذى يأكل؟ من حضر أوليس كذلك من لم يحضر وإن دعى ما أكل ولا استفاد وهنا يا أيها الناس ادخلوا فى السلم كافة لكن من الذى دخل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن شرح الله صدره للإسلام وهنا كذلك ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين هذه الهداية وهذه الدِلالة حصلت لعباد الله المتقين الأخيار نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يمتنا على هذه الهداية وأن يبعثنا عليها بمنه وكرمه وجوده إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين الفرق الخامس

إخوتى الكرام شرع الله جل وعلا فيه خير وبركة والأخذ به يوجب حصول النعم المتزايدة خير وبركة وبه تحصل النعم المتزايدة وقد أشار الله جل وعلا إلى بركة شرعه وما فيه من خير ومنفعة للعباد فقال جل وعلا فى سورة الأنعام {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} [الأنعام/91] (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) تجعلونه قراطيس والقراطيس إخوتى الكرام هى الصحف لكن إذا كانت مفرقة مبعثرة وإنما فعل اليهود هذا لأنهم كانوا يكتبون التوراة فى صحف مفرقة حتى يظهروا الصحيفة التى يريدونها ويخفون ما لا يريدون أن يظهروه فإذا يعنى كتبوا كل مقطع فى صحيفة إن لزم هذا المقطع أخرجه والمقطع الثانى لا ينفعه كتمه وأما إذا كان فى سجل جامع كتاب يعنى مجموع بين دفتيه تقول افتح حجة عليك فى صفحة كذا هذا يخالف ما أنت تقول به لذلك كان أحبارهم عليهم لعائن ربنا يجعلون الكتاب الذى أنزله الله عليهم فيه قراطيس أوراق مبعثرة (تجعلونه قراطيس تبدونها استمع وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله الله الذى أنزل الكتاب التوراة على عبده ونجيه موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هذا هو التقدير قل الله ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون وما يقوله بعض المخرفين من الصوفية فى هذه الأوقات قل الله يعنى اذكر الله بصيغة لفظ الجلالة الله الله الله لأن الله يقول قل الله يا عبد الله استمع قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى قل الله أى الله أنزله سبحانه وتعالى يا إخوتى لمَ التلاعب بكلام الله جل وعلا؟

وقلت مرارا الذكر بالاسم المفرد ما وردت به شريعة الله المطهرة لا مظهرا الله الله قهار قهار أحد أحد صمد صمد ولا مضمرا هو هو وما شاكل هذا هنا قل الله أنزله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون} [الأنعام/92] (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) كثير الخير كثير البركة من أقبل عليه وأخذ به من أخذ بشريعة الله والتزم بها ضمن الله له الخيرات والبركات والمسرات فى هذه الحياة وبعد الممات (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه) ومثل هذه الآية إخوتى الكرام قول ربنا الرحمن فى سورة الأنبياء على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين *الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون *وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون} [الأنبياء/48-50] (وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون) وهناك (وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه) (وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون) فى سورة الأنعام وفى سورة الأنبياء على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه هذا كما قلت الفرق الخامس الفارق الخامس بين شرع الخالق وشرع المخلوق الفرق السادس من الفروق المعتبرة هذا الدين الذى من الله به علينا وأنزله على نبيه الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه هو أعظم رحمات الرحمن الرحيم على المكلفين أعظم رحمة رحمنا الله بها أن أنزل علينا الكتب وأرسل إلينا الرسل ليخرجنا من الظلمات إلى النور هذه أعظم الرحمات لا يوجد رحمة تعدل هذه الرحمة وهذه الرحمة من أخذ بها ترتب عليها السعادة التى لا شقاء بعدها هذه أعظم الرحمات فمن أخذ بهذه النعمة حصلت له أتم رحمات المنعم الرحيم سبحانه وتعالى

أشار الله إلى هذا فى كتابه فقال فى سورة نبيه يونس على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين *قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} [يونس/57-58] حقيقة هذه هى النعمة التى لا يعدلها نعمة وهذه هى الرحمة التى لا يعدها رحمة (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين *قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) وقد امتن الله على نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه النعمة وأخبره أنها هى خير رحماته عليه فقال سبحانه وتعالى فى سورة القصص {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين *ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين} [القصص/86-87] (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب) لكن حصل لك هذا برحمة من الله وفضل منه وإحسان وهذه أعظم رحمة منه عليه ثم على الأمة الذين رُحموا بهذه الرحمة التى نزلت عليك فصرت بها رحمة للعالمين على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه (وما كنت ترجو) لفظ الرجاء هنا بمعنى الأمل لأنه يأتى بمعنى الوجل وبمعنى الأمل المراد هنا الأمل قولا واحدا (وما كنت ترجو) أى تأمل وتتوقع وتتطلع وما كنت تنتظر هذا ولا خطر على بالك لكن هذا بفضل الله ورحمته ويأتى الرجاء بمعنى الخوف أيضا والوجل كما تقدم معنا إخوتى الكرام فى محاضرات التفسير عند قول الله جل وعلا فى سورة النبأ (إنهم كانوا لا يرجون حسابا) تقدم معنا تحتمل المعنيين لا يأملون ويتوقعون جزاء على أعمالهم لأنهم ما عندهم حسن يجازون عليه إنهم كانوا لا يرجون لا يخافون يوم الحساب ولا يعدون العدة للقاء الكريم الوهاب واستعرضت هناك الآيات التى تأتى بمعنى الوجل فقط وبمعنى الأمل وبالمعنيين فى كلام ربنا رب الكونين سبحانه وتعالى

وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين وأشار ربنا جل وعلا إلى هذه الرحمة العظيمة الكبيرة التى هى أعظم رحماته علينا فى سورة العنكبوت فقال جل وعلا {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون *وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون *وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون *بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون *وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين * أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة (عظيمة واسعة كبيرة لا يمكن أن يحاط بقدرها والتنكير للتعظيم هم يطلبون آيات محسوسة من انشقاق قمر ومن يعنى غير ذلك من الآيات التى يقترحونها) أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون *قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون} [العنكبوت/46-52] الفارق السابع من الفروق المعتبرة شرع الله جل وعلا لا تناقض فيه ولا تضارب ولا خلل ولا فساد وشرائع المخلوقات متهافة فاسدة متضاربة ينقض بعضها بعضا ولذلك يستحسنون اليوم ما يستقبحونه غدا ويستحسنونه غدا ما استقبحوه فى هذا اليوم وهكذا تغيير واضطراب وفساد ثم بعد ذلك هى متهافة متعارضة فيما بينها هنا شريعة وهناك شريعة وهناك شريعة وكلها ضلالات وتناقضات شريعة الله لا تناقض فيها لا اضطراب لا خلل لا فساد أشار رب العباد إلى هذا فى سورة النساء فقال جل وعلا {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء/82]

نعم إخوتى الكرام ليس فى خلق الله تفاوت وليس فى شرعه تناقض ولا تضارب وهدانا الله جل وعلا كما تقدم معنا بشرعه للتى هى أقوم فكيف سيكون فيه فساد وخلل, خَلْقُ الله الذى هو أمر كونى أتقنه الله وأحسن إبداعه وإيجاده ما ترى فى خلق الرحمن من تفاوت فشرع الله الذى هو الغاية من خلقنا من باب أولى سيكون فى منتهى الإحكام والانتظام وليس فيه خلل ولا فساد ولا هذيان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا الفرق الثامن من الفروق المعتبرة شرع الله جل وعلا إخوتى هو أحسن حديث وأحسن كلام وأبلغ ما يقال وأفصح كلام شرع ربنا الرحمن سبحانه وتعالى أشار الله جل وعلا إلى هذا فى كثير من آيات كتابه فقال جل وعلا فى سورة المائدة {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون *أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة/49-50] الآية إخوتى الكرام تحتمل معنيين اثنين: (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون المعنى الأول كما تقدم معنا (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) خصهم لأنهم هم المنتفعون أيضا فحكمه لهؤلاء الموقنين المنتفعين هو أحسن الأحكام وشريعته خير الشرائع (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أى للمؤمنين الموحدين المهتدين المتقين (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) وقيل اللام هنا بمعنى عند

والتقدير (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون عند قوم يوقنون) فمَن الذى يقر بسلامة حكم الله وأحسنيته وسداده وصوابه مَن الموقنون المتقون المهتدون العاقلون أما الجاحدون المكابرون فقد أعرضوا عن الانتفاع بشرع الحى القيوم وبعد ذلك تكلموا بالباطل ووصفوه بما وصفوه به من سحر وكهانة وشعر وأساطير الأولين اكتتبها (ومن أحسن من الله حكما عند قوم يوقنون) عند الموقنين يرون أن هذا الحكم هو أحسن أحكام المكلفين وهو أحسن أحكام للمكلفين فهو أحسن الأحكام للناس وهو أحسن الأحكام عند الأكياس وعليه من لم يوقن فيطعن فى القرآن وعليه من طعن فيه فهو ممن غضب الله عليه وممن لا إيقان فى قلبه وليس هو من عِداد العقلاء وواقع الأمر كذلك (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) عند قوم يوقنون سبحانه وتعالى أحسن الحديث وأشار الله إلى هذا المعنى فى سورة الزمر فقال جل وعلا {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر/23] (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) قوله متشابها أى متماثلا فى الفصاحة والبلاغة والإعجاز ومتشابها فى الأهداف الشريفة الحميدة التى تتضمن الغايات النبيلة الجليلة متشابها متماثلا وهنا المراد من التشابه التشابه اللغوى وهو التشابه العام فى القرآن وتقدم معنا أنه أيضا محكم كله (الر *كتاب أحكمت آياته) كما تقدم معنا فى أول سورة نبى الله هود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه (كتاب أحكمت آياته) وهكذا قول الله (تلك آيات الكتاب الحكيم) كله محكم وكله متشابه

والمتشابه هنا هو الإحكام وعليه هو متشابه فى إحكامه ومحكم فى تشابهه وهذان الوصفان لا يتقابلان إنما يجتمعان ويتفقان ويتآخيان لكن يعنى إن أردت الانتظام فى آيات القرآن تقول إنه محكم وإن أردت التساوى تساوى الآيات فى هذا الانتظام تقول إنه متشابه فى إحكامه ومحكم فى تشابهه وهنا كما قلت لا يتقابل الإحكام مع التشابه بل يجتمعان ويتآخيان متى يتقابلان؟ فى ما أشار إليه ربنا الرحمن فى سورة آل عمران عندما قسم القرآن إلى قسمين بعضه محكم وبعضه متشابه هناك يتقابلان {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} [آل عمران/7] وتقدم معنا يصح الوقف على لفظ الجلالة والوصل وتخريج كل من الأمرين إخوتى الكرام هنا يتقابل الإحكام والتشابه فيراد من الإحكام الإحكام الخاص ويراد من التشابه التشابه الخاص يتقابلان ويختلفان اختلاف تنوع أيضا ليس اختلاف تضاد كل واحد له معنى, المراد من المحكم ما عُرف المراد منه وأمكن للعباد أن يقفوا عليه وعلى حقيقته هذا أى محكم؟ الإحكام الخاص والمراد من المتشابه تشابه خاص ما استأثر الله بعلمه ولا يمكن للعباد أن يقفوا على حقيقته وعليه كما تقدم معنا لفظ الروح مثلا حقيقتها استأثر الله بعلمها, تفسيرها نعلمه كما تقدم معنا تفسير الله ليُعلم لكن الحقيقة لا تُعلم وهكذا صفات ربنا جل وعلا حقائقها لا تُعلم معانيها فى اللغة تُعلم,

ما يكون فى الآخرة من نعيم وعذاب أليم أصل المعنى معروف والحقائق لا يعلمها إلا الله جل وعلا إذاً هنا (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) وعليه (قل هو الله أحد) هذا محكم أو متشابه؟ محكم فى غاية الإحكام لا يحتمل كما عرف العباد منه واضح هذا ,قول (الله ليس كمثله شىء) محكم أو متشابه؟ فى غاية الإحكام والوضوح أنه لا يوجد شىء يشبه الله لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله وعندما يأتى قوله جل وعلا (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) نقول أصل المعنى معلوم واليدان معروفتان تليقان بذى الجلال والإكرام حقيقتهما يقول رُدَّ هذا إلى قول الله (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير) وعليه ينبغى أن يُفهم المتشابه أى متشابه التشابه الخاص على ضوء المحكم الإحكام الخاص فذاك هو أصل كما جعله ربنا كذلك (هن أم الكتاب) (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) قول الله جل وعلا (قل هو أحد) (وما من إله إلا الله) (فاعلم أنه لا إله إلا الله) هذا محكم عرف العباد منه والأمر فى منتهى الوضوح عندما يأتيك بعد ذلك يعنى أنه هنا إله سبحانه وتعالى فرد صمد لا نظير له ولا مثيل كما تقدم عندما تأتى بعد ذلك بعض النصوص فيها ما لا يمكن أن نقف على حقيقته نرده إلى هذا النص ما فى34:16سأذكره فى المثال الثانى لأنه ينطبق عليه المعنى الثانى من المحكم الإحكام الخاص والمتشابه التشابه الخاص المحكم ما احتمل معنى واحدا والمتشابه ما احتمل أكثر من معنى يبنبغى أن نفهم المعانى فيه على ضوء المعنى فيه على ضوء المحكم مثلا قول الله (قل هو الله أحد) (وما من إله إلا الله) (فاعلم أنه لا إله إلا الله) هذا محكم

قول الله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) احتمل أكثر من معنى احتمل الواحد الذى يعظم نفسه واحتمل الجمع فَرُدَّ هذا إلى المحكم وعليه واحد عظم نفسه افهم هذا على حسب ما جاء فى (هن أم الكتاب) وهى النصوص المحكمة التى لا تحتمل إلا معنى واحدا قطعيا والمعنى الثالث للمحكم والمتشابه فى حال تقابلهما المحكم تقدم معنا ما عُرف المراد منه فى المعنى الأول ما استأثر الله بعلمه ما احتمل معنى واحدا وما احتمل عدة معانى المعنى الثالث المحكم ما عُرف المراد منه بنفسه والمتشابه ما عُرف المراد منه بغيره ما احتاج إلى غيره ليظهر المراد منه وعليه فهنا التشابه تشابها خاصا الشاهد إخوتى الكرام (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) المراد من التشابه هنا التشابه العام الذى هو بمعنى الإحكام العام يعنى متماثلة فى الفصاحة والبلاغة والإعجاز كما هو متماثل متشابه فى الأهداف الشريفة والغايات الحميدة (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) الفارق التاسع من الفروق بين شرع الخالق والمخلوق شرع الله جل وعلا إخوتى الكرام حياة العالم وروح الوجود كما أنه تقدم معنا هداية العالم ونور العالم وفكل ما لم تطلع عليه شمس الرسالة المحمدية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو فى ظلمة وكل ما لم تطلع عليه شمس الرسالة المحمدية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو ميت مظلم ميت أشار الله جل وعلا إلى هذا المعنى وأنه بشرعه تحصل الحياة {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} [الأنعام/122] وقال جل وعلا فى آخر سورة الشورى

{وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم * صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} [الشورى/52-53] (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) هو حياة العالم وهو روح الوجود وكل ما لم تطلع عليه كما قلت يعنى الرسالة الربانية والشريعة الإسلامية فهو مظلم ميت ملعون ثبت فى سنن الترمذى سنن الإمام ابن ماجة وقال الترمذى هذا حديث حسن غريب من رواية سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الدنيا ملعونة ملعون فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما) وتقدم معنا الحديث إخوتى الكرام ضمن مواعظ الترغيب فى مُدارسة العلم والحديث رواه الإمام البزار فى مسنده بلفظ عن سيدنا عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكر الله تعالى) ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير عن سيدنا أبى الدرداء رضى الله عنهم أجمعين بلفظ (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتُغى به وجه الله منها) ورواه الإمام أبو نعيم فى الحلية والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة عن سيدنا حابر ابن عبد الله رضي الله عنهما عن نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها)) واجمع هذه الروايات الأربعة رواية أبى هريرة وابن مسعود وأبى الدرداء وجابر ابن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين تخرج بنتيجة الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان بالله ولله ما ستعان بالله وكان خالصا لله هذا الذى خرج من اللعنة وهذا الذى فيه الحياة وهو الذى يحق أن يتصف بالوجود وما عدا ذلك فكأنه مفقود وهو ميت وفى ظلمة إلا ما كان لله منها

انظروا إخوتى الكرام روايات البزار والطبرانى فى مجمع الزوائد فى الجزء الأول صفحة اثنتين وعشرين ومائة وانظروا رواية الإمام الضياء المقدسى فى الفتح الكبير فى الجزء الثانى صفحة ست عشرة الفارق العاشر هذه الشريعة الربانية التى أوحى الله بها إلى نبينا خير البرية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إنها هى حكم على ما عداها فكتاب الله وشرع الله هو المهيمن على ما سواه هو المؤتمن وهو الشاهد وهو المصدق وهو الرقيب وهو الحافظ على ما عداه, هو الذى يقر الحق الذى فيما عداه ويبطل الباطل فيما عداه, يُعرض كل شىء على شريعة الله جل وعلا هو المهيمن هو الحكم هو الشاهد هو الرقيب فالكتب السابقة تعرض على هذا القرآن ليبين ما حُرِّف منها وهو ضلال وما بقى منها وهو حق وهكذا كل قضية من القضايا تعرض على الشريعة الإسلامية ويبين شرعُ الله الحكمَ فيها أشار الله جل وعلا فى كتابه فقال جل وعلا فى سورة المائدة {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين *يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم} [المائدة/15-16] وقال جل وعلا فى نفس السورة آية ثمان وأربعين (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه) مؤتمنا شاهدا مصدقا رقيبا حافظا {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} [المائدة/48] إذاً هو المهيمن هو الرقيب المؤتمن الشاهد الحفيظ الحاكم على ما سواه وقال الله جل وعلا فى سورة النمل

{إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون * وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين *إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم *فتوكل على الله إنك على الحق المبين} [النمل/76-79] الفارق الحادى عشر شرع الله جل وعلا محترم مقدس وكيف لا وهو شرع الله عز وجل ولا يوجد مهما كان حاله يحترمه العباد فى السير والعلن وفى جميع الأحوال كما هو الحال فى شرع ذى العزة والجلال قد تلك القوانين قد يتظاهر الناس باحترامها من أجل يعنى مصالح عاجلة أو من أجل عقوبة عاجلة أما شريعة الله جل وعلا يعنى الناس يحترمونها فى السر أكثر من احترامهم لها فى العلن لأن الله جل وعلا هو الذى يطلع على ما فى السرائر والضمائر سبحانه وتعالى شريعة مقدسة شريعة محترمة هى شريعة الله جل وعلا المتقنة ولذلك إخوتى الكرام هذه الشريعة للمبالغة فى قداستها واحترامها جعل الله كتابه لا يُمس إلا بطهارة وما عداه من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وكتب الفقه وغير ذلك من كتب العلوم الشرعية من الأدب باتفاق أئمتنا إلا تُمس إلا على طهارة هذا من الأدب إذا أردت أن تقرأ كتاب فقه أن تكون طاهرا وكان سيدنا الإمام مالك وعدد من الأئمة لا يحدثون إلا على طهارة ولا يمسوا كتب الحديث إلا إذا كان طاهرا ويراد بالطهارة هنا الطهارة من الحدث الأصغر فضلا عن الطهارة من الحدث الأكبر وانظروا تقرير هذا عن سلفنا فى كتاب الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع للإمام الخطيب البغدادى فى الجزء الأول صفحة تسع وأربعمائة بوب الطهارة لسماع الحديث لرواية الحديث ثم قال من لم يجد بابا أيضا خاصا من لم يجد ماء تيمم وإذا أراد أن يمسك كتاب الحديث أو أن يحدث ولا يوجد ماء يتيمم يعنى من أجل احترام هذه الشريعة المطهرة من أجل احترام هذه الكتب التى حوت شريعة الله المطهرة

أما القرآن يجب عليك وجوبا إذا مسسته أن تكون طاهرا ومن مسه وهو غير طاهر من الحدث الأصغر فضلا عن الأكبر أما الحدث الأكبر يحرم عليك أن تقرأ القرآن إذا كان معك الحدث الأكبر كما سيأتينا ضمن مباحث الفقه أما الحدث الأصغر يبيح لك أن تقرأ كلام الله جل وعلا لكن يحرم عليك أن تمسك هذا القرآن وأن تمسك جلده الملتصق به الذى يحوى كلام الله جل وعلا وهذا كما قلت على سبيل الوجوب باتفاق أئمتنا والحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ثبوت صحة مشتهرة ثبت الحديث إخوتى الكرام مرسلا ومتصلا عن عمرو بن حزم رضي الله عنه وأرضاه فى الصحيفة التى كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أما الرواية المرسلة من رواية أحد أحفاده عنه وهو عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن حزم والرواية كما قلت مرسلة منقطعة أن النبى عليه الصلاة والسلام كتب لعمرو بن حزم صحيفة تلقاها أئمتنا بالقبول بالاتفاق كما سيأتينا وفيها سنن عظيمة من الإسلام وأحكام الإسلام فيها الأروش والديات ونصاب الزكوات وفيها بعض الأحكام وفيها بعض الكبائر العظام صحيفة كتبها نبينا عليه الصلاة والسلام لعمروبن حزم (ألا يمس القرآن إلا طاهرا) الرواية المرسلة كما قلت فى موطأ الإمام مالك فى أول كتاب القرآن من الموطأ (لا يمس القرآن إلا طاهرا) ورواها أبو داود فى المراسيل كما رواها الإمام بن أبى داود فى كتاب المصاحف رُويت الرواية إخوتى الكرام متصلة عن عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده الرواية متصلة عن عمرو بن حزم أن النبى عليه الصلاة والسلام كتب له تلك الصحيفة فى سنن الدارمى وسنن الدار قطنى والسنن الكبرى للإمام البيهقى والحديث رواه الحاكم فى المستدرك وعبد الرزاق فى مصنفه وفى تفسيره ورواه بن حبان فى صحيحه والطبرانى فى معجمه الكبير قال شيخ الإسلام الإمام بن عبد البر فى كتابه التميهد فى الجزء الثانى عشر صفحة ست وتسعين وثلاثمائة

كتاب عمروبن حزم كتاب مشهور عند أهل العلم معروف يُستغنى بشهرته عن الإسناد ورواية الموطأ كما قلت لكم منقطعة مرسلة وهو يشرحها ويتكلم عليها كتاب مشهور عند أهل العلم معروف يُستغنى بشهرته عن الإسناد والدليل على صحة كتاب بن حزم ما هو الدليل؟ تلقى جمهور العلماء له بالقبول ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وبالعراق وبالشام أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر على وضوء انتبه وهو قول الإمام مالك بعد أبيه لأنه يشرح موطأه وهو إمام مذهبه فلا غضاضة ولا حرج وقول أبى حنيفة والشافعى وأحمد يعنى هو قول المذاهب الأربعة ثم عدَّ قال وبهذا قال سفيان الثورى والأوزاعى وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو عبيد وهؤلاء هم أئمة الفقه والحديث لأعصارهم اتفق أئمة الإسلام على هذا ما بين فقهاء ومحدثين على أنه لا يجوز مس كلام رب العالمين إلا على طهارة إلا على وضوء والإمام الحاكم روى الحديث فى مكانين إخوتى الكرام روى فى كتاب الزكاة وكتاب معرفة الصحابة يقول فى كتاب الزكاة فى الجزء الأول صفحة سبع وتسعين وثلاثمائة إسناد الحديث من شرط الكتاب وأخذ صفحة ونصف من المستدرك من القَطْع الكبير إسناد الحديث على شرط الكتاب يعنى صحيح وفيه السنن التى هى قواعد الإسلام ثم ذكر لهذا الحديث شواهد تبين أن هذه السنن وكما قلت فروض الزكوات والأروش والديات وبعض الأحكام كما هنا وكما يتعلق بالموبقات والكبائر سرد شواهد لذلك لأنه فيه سنن هى من أصول الإسلام وقواعد الإسلام هذا الحديث إخوتى الكرام كما قلت مرسل ومتصل عن سيدنا عمرو بن حزم رضي الله عنه وأرضاه رُوى عن خمسة من الصحابة آخرين عن سيدنا عبد الله بن عمر وعن سيدنا حكيم بن حزام وعن سيدنا عثمان بن أبى العاص وعن سيدنا ثوبان وعن سيدنا معاذ بن جبل صار عن ستة من الصحابة مع عمرو بن حزم أوليس كذلك؟ ورُوى الحديث موقوفا أيضا أنه لا يمس القرآن إلا طاهر عن صحابيين اثنين

أولها عن فاطمة بنت الخطاب عليه الصلاة والسلام رضي الله عنها وأرضاها فى القصة الشهيرة التى رواها الإمام الدارقطنى وهكذا من كتب فى تراجم الصحابة من المتقدمين وانظروا الخبر فى الإصابة وغير ذلك عندما أسلمت وعلم سيدنا عمر بذلك ودخل وعليها وقال ما هذا الذى تقرأونه وقد أخفوا الصحيفة التى يقرأون فيها كلام الله جل وعلا (طه* ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) ولما ضرب أخته على رأسها وشجها ندم عندما رأى الدم يسيل من رأسها رضي الله عنه وعن أخته وعن الصحابة أجمعين قال يعنى أعطونى هذه الصحيفة ولا أمسه بسوء فقالت له إنك نجِس ولا يمس القرآن إلا طاهر وفى رواية إنك رجس ولا يمس القرآن إلا طاهر قم فاغتسل ثم اقرأ هذه الصحيفة هذا من أين قالته؟ حقيقة أولا إنما المشركون نجس ومعروف ثم حكم مقرر حتى فى العصر الأول أن كلام الله عز وحل لا يمسه إلا من كان طاهرا والخبر الثانى عن سلمان الفارسى رضي الله عنه وأرضاه لا يمس القرآن إلا طاهر خرج فقضى حاجته فقال له أصحابه لو توضأت حتى نسألك عن بعض آيات من كتاب الله عز وجل قال سلونى عما شئتم فإنى لا أمسه ولا يمس القرآن إلا طاهر اقرأ القراءة لم تحرم علينا هذا يقوله سيدنا سلمان رضي الله عنه وأثره فى سنن الدارقطنى ومستدرك الحاكم ورواه سعيد بن منصور فى سننه والإمام بن أبى شيبة فى مصنفه والإمام بن المنذر فى تفسيره وانظروا الدر المنثور الجزء السادس صفحة اثنتين وستين ومائة فى تفسير سورة الواقعة (لا يمسه إلا المطهرون) وانظروا الكلام على الروايات الخمسة المتقدمة باستثناء رواية معاذ فما أشار إليها أحد إلا الإمام السيوطى فى الدر وأما الكتب التى سأذكرها تكلمت على رواية عمرو بن حزم والصحابة الأربعة وهم ابن عمر كما قلت وحكيم بن حزام وعثمان بن أبى العاص وثوبان رضى الله عنهم أجمعين رواية معاذ موجودة لكن فى الدر رواها الإمام بن أبى مردويه فى تفسيره مرفوعة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام

لا يمس القرآن إلا طاهر انظروا الكلام على الروايات الخمسة الأولى فى نصب الراية للإمام المبارك الحافظ الزيلعى رحمة الله ورضوانه عليه فى الجزء الأول صفحة ست وتسعين ومائة وأريد إخوتى الكرام أن تنظروا فى هذا الكتاب وفى الكتب التى بعده خرجت هذا الحديث من أئمة ومن معاصرين حتى تروا أنهم ما خرجوا عن تخريجه وفقط يأخذون مما فى نصب الراية ولا ينسبون إلى هذا الإمام المبارك وأمر عجب حقيقة يعنى الحافظ ابن حجر فعل هذا لكن 56:10فى الدراية اختصر كتاب نصب الراية وفى التلخيص الحبير أشار إلى ما فى نصب الراية أما المعاصرون جاؤوا وأخذوا هذا وكأنهم يخرجون تخريجا مستقلا لا يا عباد الله هذه الروايات كلها جمعها الإمام الزيلعى انظروا إليها وقلت لكم مرارا هو خير ما أُلف فى تخريج أحاديث الأحكام نصب الراية فى تخريج أحاديث الهداية وبعد ذلك لما عُمل يعنى شىء من التحقيق للشيخ الكوثرى مع بعض المحققين من ناحية فقط الإشارة إلى يعنى الأجزاء التى يعزو إليها الزيلعى عندما يقول الحاكم, ذاك يخرج لك مباشرة يقول جزء كذا صفحة كذا هذا إذا كان الكتاب مطبوعا وإذا لم يكن مطبوعا يعنى لا يحدث فمثلا هنا طبعات الحاكم كما قلت مطبوعة فعندما يقول الحديث رواه الحاكم يبين فى الحاشية باختصار جزء كذا صفحة كذا دون أن يطيل فى نصب الراية كما قلت فى الجزء الأول صفحة ست وتسعين ومائة أخذ الكلام على هذه الأحاديث قرابة ثلاث صفحات وفى مختصره فى الدراية قلت اختصره الإمام ابن حجر فى الجزء الأول صفحة ست وثمانين وانظروا التلخيص الحبير فى الجزء الأول صفحة أربعين مائة وأما أن هذا الحكم متفق عليه بين أئمتنا فانظروا كتب الفقه إن شئتم للإمام ابن قدامة فى الجزء الأول صفحة سبع وثلاثين ومائة وفى المجموع لشيخ الإسلام الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء الثانى صفحة ست وستين وبعض المشوشين فى هذا الحين يعنى يترخص وما أكثر المترخصين الشاذين

يقول لا يلزم أن نكون متطهرين إذا مسسنا كلام رب العالمين وهذا عصر التفلت وعصر الجفاء وعصر البذاءة وعصر يعنى قلة الحياء والأدب يضع المصحف أحيانا يطرحه على الأرض يأتى ليصلى النافلة يأخذ المصحف يطرحه على الأرض بعد أن تصلى النافلة قم خذ المصحف وقَبِّلْهُ واجلس لا فيأتى يضع المصحف على الأرض ويصلى النافلة وتراه عندما يأخذ المصحف وأحيانا ألاحظ لعله بالمائة تسعين ممن يتلون كلام رب العالمين فى بيوت رب العالمين دع الذين لا يتلون يأتى يأخذ المصحف يمد يده الشمال يا عبد الله اتق الله يا عبد الله هذا كلام الله جل وعلا ينبغى عندما تمد يدك اليمين ترتجف أيضا إجلالا لرب العالمين عندما تمسك المصحف مددت الشمال فلما جئت طرحته على الأرض ثم جئت تصلى هذا عصرنا إخوتى الكرام وبعد ذلك كما قلت يمسكه من غير طهارة يقول هذا الحديث ضعيف والحديث كما قلت لا ينزل عن درجة الصحة باتفاق أئمتنا بل قال الإمام ابن عبد البر لو لم يكن إلا رواية فقط عمرو بن حزم وتلك الصحيفة فقد تلقيت بالقبول ومثلها لا يُبحث عن إسناده هذا كلام أئمة الإسلام إخوتى الكرام وهذا كما قلت لكم فى التمهيد بالحرف يأتيك بعد ذلك مشوشين يقول لا يوجد المذاهب الأربعة كلها على وجوب الطهارة عند مس المصحف ومن خالف هذا فقد أثم وعصى الله

حادثة جرت فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وفى الروضة المشرفة يعنى فى المدينة المنورة وفى الروضة المشرفة بعض الناس كان يقرأ فى المصحف جاءت سجدة التلاوة وضع المصحف فوق الأحذية والأحذية كانت توضع فى أدراج خاصة هذا سابقا الآن ما عادت فى بين الصفوف أدراج الأحذية ,كان يوضع يعنى قطع خشبية هكذا مثل صندوق صغير يوضع عليه الأحذية بين السوارى فذاك أراد أن يسجد وضع المصحف فوق الأحذية ليس فوق درج الأحذية فوق الأحدذية مباشرة وسجد فالذى بجواره وأنا أشاهد المشهد أخذ المصحف ووضعه على ركبتيه بعد أن قبله, ذاك وهو ساجد يعلم الله وهو ساجد مد يده بقوة وضربه ووضعه فوق الأحذية ثم لما رفع يده من سجدة التلاوة يعنى وهو ساجد سيضارب وهو ساجد, بعد أن رفع رأسه من سجدة التلاوة قال لمَ حملت المصحف قال يا عبد الله أمَا تتقى الله تضع المصحف فوق الأحذية حمله ووضعه مرة ثانية وقال يعنى يوجد دليل يمنع من وضع المصحف فوق الأحذية يوجد دليل أنك قليل الأدب لا تريد أكثر من هذا دليل ماذا تريد؟ يا إخوتى الأدب هذا لا يحتاج إلى دليل وقلت لكم مرارا إخوتى ينبغى أن نجعل علمنا ملحا وأدبا دقيقا الأدب هذا يحتاج إلى دليل!! سبحان ربى الجليل الأدب يحتاج إلى دليل إذا كان الآن فى صور المسؤلين والطواغيت والحكام صورهم من أهانها ووضعها تحت رجله هذا حكمه رميا بالرصاص, إعدام من غير محاكمة من مَزَّق صورة رئيس الدولة تمزيقا متعمدا تقطع رقبته من غير محاكمة ومن مزقها من غير شعور ولا علم ولا انتباه يسجن سنة كاملة هذا فى قوانين البلاد العربية هذا إذا مزقها من غير علم جاء يعنى يفتح الدفتر تمزقت صورة رئيس الدولة أو إعلان موجود جاء ليرفعه تمزقت إذا ثبت أنه من غير عمد سنة كاملة سجنا هذا بعد تحقيقات وكلام الله يأخذه يطرحه على الأحذية ويقول ما الدليل!!!

يا إخوتى الكرام نسأل الله أن يرزقنا الأدب معه مع خلقه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين كلام الله لا بد من تعظيمه (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) ولذلك إخوتى الكرام كلام الله محترم مقدس شرع لنا كما قلت هذا للتنبيه على ما عداه إن أردت أن تمسه ينبغى أن تكون متطهرا وجوبا لبيان منزلة هذه الشريعة المطهرة وأما من عداه فقلت يستحب لنا أدبا أن نكون متطهرين عندما نقرأ الفقه ونقرأ الحديث ونقرأ التفسير والعلوم الشرعية يستحب لنا أن نكون على طهارة وهذا خير لنا ويستحب إخوتى الكرام أيضا أن يقبل كلام الرحمن هذا أيضا كما قلت من احترامه من قداسة هذا القرآن وتقدم معنا أثر عن صحابى وهو عكرمة رضي الله عنه وأرضاه كان يقبل كلام الله ويضعه على وجهه ويقول كلام ربى كتاب ربى تقدم معنا إخوتى الكرام الأثر رواه الإمام الدارمى فى سننه والحاكم فى مستدركه وقال هذا حديث صحيح الإسناد والحديث رواه الحاكم فى المستدرك كما قلت ورواه الإمام عبد الله بن الإمام سيدنا أحمد رضى الله عنهم أجمعين فى كتاب السنة ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير إذاً فى سنن الدارمى والمستدرك وكتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير انظروا الحديث فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة خمس وثمانين وثلاثمائة قال رجاله رجال الصحيح ورواه الطبرانى مرسلا وتقدم معنا صححه الحاكم ووافقه الذهبى قال قلت ذا مرسل صحيح لكن فيه إرسال

والإرسال تقدم معنا أن التابعى وهو عبد بن عبيد الله بن أبى مليكة أليس كذلك لم يدرك ولم يسمع عكرمة رضي الله عنه وأرضاه لأن عبد بن عبيد الله بن مليكة تقدم معنا وُلد فى خلافة سيدنا على رضي الله عنه وأرضاه وقبل ذلك بقليل يعنى سنة خمس وثلاثين أوليس كذلك؟ أو قبل ذلك بقليل المقصود بعد الثلاثين وُلد وتوفى تقدم معنا سنة سبعة عشرة ومائة وحديثه فى الكتب الستة وأدرك ثلاثين من أصحاب نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وأما عكرمة فتقدم معنا كنت ذكرت لكم فى بعض المواعظ قلت ما استحضر والكلام الذى ذكرته موجودا إخوتى الكرام فى كتب أئمتنا قلت ما عاد استحضر توفى فى خلافة سيدنا أبى بكر أو سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه الإمام ابن حجر يقول هذا فى كتاب تهذيب التهذيب يقول قيل استُشهد فى خلافة سيدنا عمر سنة ثلاث عشرة للهجرة وقيل سنة خمس عشرة للهجرة يعنى فى خلافة سيدنا عمر رضى الله عنهم أجمعين على كل حال على الحالتين لم يدركه ابن أبى ملكية فيوجد انقطاع لكن كما قلت يعنى تابعى يروى عن صحابى الواسطة بينهما إما صحابى وأما تابعى كان عكرمة يأخذ كلام الله جل وعلا ويقبله ويضعه على وجهه ويقول كتاب ربى كلام ربى ولذلك قررأئمتنا أن هذا مشروع كما أحلت سابقا إخوتى الكرام إلى كتاب التبيان فى آداب حملة القرآن غالب ظنى صفحة خمسين مائة ما ذكرت الآن ولا حددت المصدر لكن غالب ظنى هذا وذكرته أيضا فى كتاب طبقات السادة الشافعية الكبرى للإمام السبكى فى الجزء العاشر لكن فى أى صحيفة صفحة لا أستحضر إذاً مصون محترم مقدس ولذلك كما قلت يُكرم وهو كلام الله العلى الأكرم سبحانه وتعالى الفارق الثانى عشر كلام الله جل وعلا كما أنه محترم مقدس مصون محفوظ من التغيير والعبث وهو شرع الله لا مدخل لأحد من خلق الله فيه ما للعباد نحوه إلا البلاغ عن الله جل وعلا سبحانه وتعالى

وهذا إخوتى الكرام له اعتبار كبير فى الشرع ,الشرع إذا كان مصونا محفوظا من التغيير والعبث والتبديل حقيقة هذا هو الشرع الصالح النافع وأما إذا كان عرضة للأهواء والآراء فيعنى يحصل ما يحصل فيه من التلاعب والبلاء والافتراء ولذلك يقول عقلاء البشر أفضل حكم وأعدله فى هذه الحياة ما كان الحاكم فيه هو القانون هو الشرع هو النظام هذا أفضل حكم القانون إذا كان هو الحاكم يحتكم الناس إليه هذا أفضل الأحكام ليس لرأى فلان وفلان إنما يوجد نظام يتبعه الناس لكن هذا القانون هذا الشرع بين حالتين إما أن يكون من وضع الله وشرع الله وتشريع الله وإما أن يكون من تشريع الإنسان وشرع الإنسان ينقسم أيضا إلى قسمين ممن يستقل به فرد كما يحصل فى الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية على تعبيرهم يستقل بوضع نظام واحد ويلزم الناس بذلك كما قال العاتى فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) الناس كلهم تبع لى والحالة الثانية فى النظام الوضعى القانون هو الذى يحكم لكن ليس بوضع فرد إنما بوضع يعنى مجلس ينوب عن الأمة كما هو الحال فى الأنظمة التى يعتبرونها ديمقراطية ويعنى فيها برلمانات تمثل الشعب هذه الفئة هى التى تضع هذا النظام إخوتى الكرام سواء وُضع النظام من قبل فرد أو من قبل جماعة بقى كما قلت هذا الفرد أو هذه الجماعة هى التى استعلت على الرعية وما وضع كل واحد من الرعية هذا النظام استعلت على الرعية بوضع هذا النظام وحتما عندما تضع النظام طبقة ممتازة تضع النظام على حسب رأى الأكثرية تضع على حسب ما يوافقها ويوافق أهواءها ومصالحها والواقع كذلك ولذلك يعنى ترى دائما يأخذ هؤلاء امتيازات وحقوق ليست للمساكين المستضعفين من الفلاحين وغيرهم وهؤلاء دائما امتيازات ولهم كما يقال حصة الأسد فى الأنظمة التى اخترعوها ووضعوها لكن مع ذلك كما قلت النظام إذا كان حاكما هذا يعنى أعظم وأحسن حكم

فإذا كان النظام من الرحمن حقيقة هنا تتحقق العدالة على التمام النظام هو الذى حكم ثم لا يوجد تقديم مصلحة فرد على فرد ولا محاباة لأحد هذا شرع الله الصمد والعباد كلهم عباده فلا تفريق بين العباد كلهم مُلزمون به وهم عيال الله وهم خلق الله سبحانه وتعالى أفضا حكم أعظم حكم ما كان الحاكم فيه هو النظام , النظام أما أن يضعه الرحمن أو الإنسان , الإنسان إذا وضع نظاما إما أن يضعه واحد ويستبد أو جماعة على الحالتين إما أن يستبد بالمصالح كلها فرد أو مجموع خيرات عندهم ما خرجت عنهم والباقى لا ياكلون إلا من الفتات وأما فى شريعة رب الأرض والسموات فلا ثم لا, يتساوى المخلوقات من أولهم لآخرهم أمام شريعة رب الأ رض والسموات فلا تفضيل ولا محاباة إخوتى الكرام هذا أيضا لا بد من وعيه واعتباره مصون من التغيير والعبث ولذلك ليس للنبى عليه الصلاة والسلام ولا لمن عداه إلا البلاغ يقول الله جل وعلا لنبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى سورة المائدة {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين *قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين} [المائدة/67-68] (إذاً بلغ ما أنزل إليك من ربك) ثم بعد ذلك يا من تدَّعون الإيمان بالكتب السماوية السابقة من إنجيل وتوراة أنتم معشر اليهود والنصارى لستم على شىء حتى تقيموا التوراة كما أنزلها مشرعها كما أنزلها رب العالمين (حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم) وهو هذا القرآن الذى أنزله الله على نبيه عليه الصلاة والسلام (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين)

تقدم معنا إخوتى الكرام عن العبد الصالح سفيان وهو الثورى أو ابن عيينة رضى الله عنهم أجمعين كتبهم فى صحيح البخارى ويحتمل أن يكون هذا أو ذاك كما قال الحافظ ابن حجر ولم يقف على الأثر موصولا رضي الله عنه وأرضاه قال هذه أخوف آية عندى فى القرآن تقيموا التوراة والإنجيل وقلت لفظ الإقامة يراد منه توفية الشىء حقه علما وعملا وعليه يا أمة محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لستم على شىء حتى تقيموا القرآن علما وعملا كما يريد ربنا الرحمن سبحانه وتعالى أخوف آية فى القرآن ويقول الله جل وعلا فى سورة نبيه يونس على نبينا وآله وعلى نبى الله يونس وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم *قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون *فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون} [يونس/15-17] ويقول الله جل وعلا فى سورة الحجر فى أوائلها {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر/9] إذاً إخوتى الكرام مصون من التغيير والعبث لا يستطيع أحد أن يتلاعب فيه ولا أن يغير نصوصه وأما القوانين الأخرى كما يتلاعب فيها فى جميع الأحوال والأوقات ثبت فى الصحيحين والسنن الأربعة وانظروا الحديث فى جامع الأصول فى كتاب الحدود فى الجزء الثالث صفحة واحدة وستين وخمسمائة من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنه عندما سرقت المرأة المخزومية أَهَمَّ قريشا أمرها فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شأنها هذه شريفة لها شأن

قالوا ومن يجرؤ أن يكلمه إلا حِب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن حبه أسامة بن زيد رضي الله عنهما فكلموا أسامة فجاء كلم نبينا عليه الصلاة والسلام من أجل أن يُسقط حد السرقة عنها فقال يا أسامة أتشفع فى حد من حدود الله قال سيدنا أسامة رضي الله عنه وأرضاه فتمعر وجه رسول الله عليه الصلاة والسلام فقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام استغفر لى يعنى أنا أخطأت فيما قلت وظننت أن الأمر فيه متسع تشفع فى حد من حدود الله عندنا آية محكمة من يستطيع أن يبدلها {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} [المائدة/38] أتشفع فى حد من حدود الله, استغفر لى ثم قال النبى عليه الصلاة والسلام إنما اهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقام عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه سرقت لقطع محمد يدها عليه صلوات الله وسلامه هذا شرع الله ينفذ على الجميع والناس يتساوون أمامه أما إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقام عليه الحد وأما يعنى سارق العلن يقطع سارق الخفاء نسف يعنى كما يقال الجمل والجَمَّال ومن بعد ذلك من سرق ربع دينار سيقطع يده سارق العلن ,أموال الأمة كلها سُرقت هذا سيأتى يقطع سارق الخفاء إنسان سرق ربع دينار تعال أنت تقطع يده وأموال الأمة التى استُبيحت وسُرقت هذا الآن لا حساب عليه إخوتى الكرام هذا كما قلت ليس من نظام الإسلام ولا من شرع الرحمن ولو سرقت فاطمة وحاشاها رضي الله عنها وأرضاها لقطع رسول الله عليه الصلاة والسلام يدها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثبت فى المسند وسنن أبى داود بسند حسن من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال

(من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضَادَّ الله فى حكمه ومن خاصم فى باطل وهو يعلم لن يزل فى سخط الله حتى ينزع ومن قال فى مؤمن ما ليس فيه حبسه الله فى ردغة الخبال حتى يخرج مما قال) وهى عصارة أهل النار (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله) وضادت شفاعته شرع الله فقد ضاد الله فى حكمه ولذلك إخوتى الكرام أول ما قاله سيدنا أبو بكر فى خطبته الشهيرة انظروها فى صفة الصفوة وغير ذلك فى الجزء الأول صفحة ستين ومائتين قال (يا أيها الناس إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم أطيعونى ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لى عليكم ثم قال رضي الله عنه وأرضاه القوى فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ الحق له) الشاهد إخوتى الكرام ثم قال إنما أنا متبع ولست بمبتدع أطيعونى ما أطعت الله فيكم هذا إخوتى الكرام فيما يتعلق بالفارق الثانى عشر عندنا الفارق الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر كان فى نيتى أن أكمل الكلام يعنى على هذه الفروق الثلاثة فى هذه الموعظة أرجأ الكلام عليها للموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه فى مواعظ الفقه الفارق الثالث عشر نصوص الشريعة المطهرة تتسع لما جد ولما يجد من حوادث إلى قيام الساعة اكتبوا هذا الفارق أشرحه ونتدارسه بعون الله جل وعلا فى الموعظة الآتية بتوفيق الله ومعونته اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا

والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

09

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام لا زلنا نتدارس مقدمة لعلم الفقه الشريف وقلت هذه المقدمة ستدور على أمرين اثنين الأمر الأول فى بيان معنى علم الفقه وفضله وقد مر الكلام على ذلك ونحن نتدارس آخر من يتعلق بهذا الأمر فى هذه الموعظة بعون الله وتوفيقه والمر الثانى كما تقدم معنا ترجمة موجزة لساداتنا أئمتنا القثهاء الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين الأمر الأول إخوتى الكرام مر الكلام عليه ونح الآن فى الدرس التاسع من دروس مدارسة كما قلت هذه المقدمة وبدأت بعد أن بينت فضل هذا العلم ومكانته بعد تعريفه أيضا قلت يحسن بنا بل يجب علينا أن نتدارس الفروق بين شرع الخالق سبحانه وتعالى وشرع المخلوق وهذه الفروق كما قلت تحتم علينا وتوجب علينا ان نلتزم بشرع ربنا سبحانه وتعالى كما تحتم علينا أن نبتعد عن التشرعات الوضيعة الوضعية وقلت إخوتى الكرام إن الأمر معروف لا يرتاب فيه اثنان إنما من باب البيان فقط وإلا لا مقارنة بين شرع الخاق وشرع المخلوق وقلت فضل شرع الخالق على شرع المخلوق كفضل الله سبحانه وتعالى على المخلوق إخوتى الكرام كما قلت الفروق كثيرة وسأوجزها فى خمسة عشر فرقا غالب ظنى أننا تدارسنا اثنى عشر فرقا منها أذكرها سردا ثم أتدارس الفروق الثلاثة الباقية

أولها كما تقدم معنا إخوتى الكرام شرع ربنا مستمد من خالقنا مستمد منه سبحانه وتعالى وبينت ما فى هذا من فائدة ومعنى معتبر شرع الله مستمد من خلقنا من ربنا من سيدنا ومالكنا الأمر الثانى قلت صاحبه علم تام كيف لا والله بكل شىء عليم سبحانه وتعالى والأمر الثالث تقدم معنا أيضا صاحبه حكمة تامة وُضع كل شىء فى موضعه ألا يعلم ن خلق وهو اللطيف الخبير وقد أحسن خلقه وشرعه فما فى خلقه من تفاوت كما أنك لا ترى فى شرعه من تناقض وتضارب والأمر الرابع فيه هدى ونور وإرشاد العباد إلى أقوم الأمور والأمر الخامس فيه خير وبركة وتقدم معنا أن هذه الخيرية وهذه البركة يعنى هى أعظم ما منَّ الله علينا من الخيرات فنعم الله علينا بنعمة الهداية والإرشاد أعظم علينا من نعمة الخلق والإيجاد الفرق السادس قلت إن هذا الشرع صاحبه رحمة واسعة فهو شرع الخالق إلى عباده إلى مخلوقاته والأمر السابع لا تناقض فيه ولا تضارب ولو كان من غير عند الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا والتشريعات الوضيعة الوضعية منتاقضة متضاربة فاسدة والفرق الثامن كما تقدم معنا هو أحسن الحديث وهو من الله القوى العزيز سبحانه وتعالى والفرق التاسع كما تقدم معنا شرع الله فيه حياة أرواحنا وهو روح هذا العالم وروح الوجود والفرق العاشر قلت إنه هو المهيمن الرقيب الشاهد المتطلع على ما سواه يقر ما فى سواه من حق ويبطل ما فيه من باطل والفرق الحادى عشر كما تقدم معنا محترم مقدس والفرق الثانى عشر قلت إنه مصون من التغيير والعبث وهذه الفروق كما قلت مر الكلام عليها إخوتى الكرام ووصلنا إلى الفرق الثالث عشر من الفروق بين شرع الخالق والمخلوق الفرق الثالث عشر

شرع الله جل وعلا تتسع نصوصه لما جد ولما سيجد إلى قيام الساعة نصوص محددة لكن تحتمل معانى كثيرة لما يقع من حوادث فنلحق النظير بالنظير حسب ما وُجد من نصوص بعد ذلك عامة من كتاب الله سنة رسوله عليه الصلاة والسلام تشمل الوقائع الواقعة فى مستقبل الزمن إلى قيام الساعة وتقدم معنا إخوتى الكرام فى تعريف الفقه أنه العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية إذاً عندنا أدلة تفصيلية قواعد يستنبط منها تلك الأحكام الشريعة لكل واقعة تقع فى هذه الحياة إلى لقاء رب الأرض والسموات وعليه فالأمر كما قال أئمتنا إن الثروة الفقهية هى من أعظم معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام خير البرية معجزة عظيمة وهذه المعجزة إخوتى الكرام تفوق سائر المعجزات هذه المعجزة ولأن هذا التشريع صالح لكل زمان ومكان ويتسع لجميع الحوادث التى تقع فى مستقبل الزمان هذه المعجزة هى أعظم وأبلغ من المعجزات التى فيها إخبار بغيب ووقع كما أخبر ربنا ونبينا عليه الصلاة والسلام وهى أعظم أيضا من المعجزات التى حصلت لنبينا عليه الصلاة والسلام عن طريق الفتوحات والانتصارات التى أيده الله بها هذه حقيقة معجزة كلام وجيه بليغ يشمل لكل حادثة تقع إلى قيام الساعة بحيث أى حادثة تقع وتجد يمكن أن تدمجها ضمن نص شرعى من كتاب الله وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام حقيقة هذه ثروة عظيمة كما قال شيخ الإسلام الشيخ مصطفى صبرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين صفحة ست وتسعين ومائتين قال إنها ثروة عظيمة لا تفنى جِدَتُها ولا تبلى جِدَّتُها هى غنية لا تفنى كنوزها والنضرة والبهجة والحيوية فيها لا تبلى كأن النص الذى نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام من خمسة عشر قرنا كأنه نزل فى هذه الأيام ويخاطبنا فى هذا الزمان لا تفى جدتها لا تبلى جدتها نضارتها بهجتها

وكما قلت إنها من أعظم معجزات نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ولإيضاح هذا إخوتى الكرام أن هذه النصوص الشرعية التى كما قلت محددة لكنها تشمل وقائع لا حصر لها, نص يشمل ما شئت من وقائع تجد هذا, من الذى كشف عنه؟ ساداتنا وأئمتنا الفقهاء رضوان الله عليهم أجمعين استمعوا إلى مثالين اثنين لا أريد أن أطيل كما قلت سابقا إخوتى الكرام كل قضية من هذه القضايا وكل فرق من هذه الفروق يمكن أن يُشرح فى مواعظ إذا أردنا أن نسترسل فيه لكن كما قلت أوجز قدر الإمكان من أجل أن ندخل فى مباحث علم الفقه فإذا يعنى مع الإيجاز أخذ الأمر الأول من الأمرين فى المقدمة سيأخذ عشرة يعنى دروس كما سيأتينا موعظة الغد ستكون تكملة لهذا الموضوع بعون الله كما سأشير فإذا أردنا أن نسترسل أكثر حقيقة أخشى الأمر يعنى ألا يحتمل فلذلك سأقتصر على مثالين اثنين المثال الأول ثبت فى مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك والحديث فى السنن الأربعة وسنن الدارمى ورواه الإمام ابن حبان فى صحيحه وهكذا ابن خزيمة فى صحيحه والحاكم فى مستدركه كما رواه الإمام الدارقطنى فى السنن والبيهقى فى السنن الكبرى ورواه البغوى فى شرح السنة والحديث فى أعلى درجات الصحة قال عنه الإمام الترمذى هذا حديث حسن صحيح وقد صححه الإمام البخارى كما نقل ذلك عنه أئمة الحديث ومنهم الإمام الترمذى وصححه الحاكم وابن خزيمة وابن حبان وأقر الذهبى تصحيح الحاكم عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه

ولفظ الحديث عن كبشة بنت كعب بن مالك رضي الله عنه وأرضاها وكانت تحت ولد سيدنا أبى قتادة الأنصارى رضى الله عنهم أجمعين دخل عليها سيدنا أبو قَتادة رضي الله عنه وأرضاه فسكبت له وَضوءه وهو الماء ليتوضأ ويتطهر به بالفتح الوَضوء الماء الذى يستعمل فى الوُضوء سكبت له وضوءه فجاءت هرة فأصغى لها الإناء لتشرب من هذا الإناء فنظرت يعنى زوجة الإبن مستغربة كيف أبو قتادة يصغى الإناء لهذه الهرة وسيتوضأ بعد ذلك من هذا الماء فقال يا بنىَّ يعنى تعجبت تتعجبين قالت نعم قال سيدنا أبو قتادة رضي الله عنه وأرضاه فعلت مثل ما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام وسمعت يقول (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات) ليست بنجس هذه ثؤرها طاهر فلا إشكال لو شربت من هذا الماء وهذا الحديث إخوتى الكرام ماذا استنبط منه أئمتنا؟ سأشير كما قلت بعد أن أسرد الآن روايةالحديث على سبيل الإيجاز أيضا هذا الحديث أيضا رُوى بسند صحيح عن أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها فى سنن أبى داود وسنن ابن ماجة والحديث رواه الإمام ابن خزيمة فى صحيحه والحاكم فى مستدركه والإمام الدارقطنى فى السنن والبيهقى فى السنن الكبرى ورواه الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط والطحاوى فى شرح معانى الآثار ورواه الإمام أبو نعيم فى الحلية وكما قلت إن الحديث صحيح وفيه أنه أُهدى إلى أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها هريسة فجاءت هرة فأكلت منها فأكلت أمنا عائشة رضي الله عنها من هذه الهريسة فقيل يا أم المؤمنين أكلت منها هرة فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات) ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضل الهرة يعنى تأتى هرة تشرب ثم ما يبقى يأتى يتوضأ منه عليه صلوات الله وسلامه

وهذا الحديث إخوتى الكرام رُوى عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه فى معجم الطبرانى الصغير انظروا معجمه فى الجزء الأول صفحة تسع وسبعين وثلاثمائة وانظروا كلام الإمام الهيثمى على هذا الحديث فى المجمع فى الجزء الأول صفحة ست عشرة ومائتن ورُى عن سيدنا جابربن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين رواه عنه الإمام ابن شاهين فى كتابه الناسخ والمنسوخ صفحة اثنتين وأربعين ومائة وانظروا الكلام على هذه الأحاديث تصحيحا وتقوية فى أحسن كتاب فى التخريج كما قلت مرار وهو نصب الراية للإمام الزيلعى رضوان الله عليه فى الجزء الأول صفحة ثلاث وثلاثين ومائة إلى صفحة سبع وثلاثين ومائة يعنى أخذ أربع صفحات فى الكلام على هذا الحديث تخريجا من ثلاث وثلاثين مائة إلى سبع وثلاثين ومائة وانظروا مختصره الدراية للإمام ابن حجر فى الجزء الأول صفحة ستين إلى صفحة اثنتين وستين وانظروا التلخيص الحبير له أيضا فى الجزء الأول صفحة ثلاث وخمسين إلى صفحة خمس وخمسين هذا حديث يتكلم عن يعنى شىء محدد وهو عن سؤر الهرة استمع لكلام أئمتنا وماذا استنبطوا من هذا الحديث حكما لأسآر متعددة متنوعة لأن النبى عليه الصلاة والسلام ذكر علة فى كلامه البليغ الوجيز المحكم وقد أُوتى جوامع الكلم واختصر له الكلام اختصارا عليه صلوات الله وسلامه فأينما توجد هذه العلة نرتب هذا الحكم الذى رتبه نبينا عليه الصلاة والسلام هذا من الذى يكشف عنه فقهاؤنا رضى الله عنهم أجمعين قول يعنى سأنقل من أول الفقهاء الأربعة من ساداتنا الحنفية ولكن هذا الحكم مقرر عند المذاهب الأربعة لا خلاف بينهم فيه يقول الإمام ابن عابدين عليه رحمات رب العالمين فى رد المحتار على الدر المختار فى الجزء الأول صفحة أربع وعشرين ومائتين وهكذا فى كتاب الاختيار لتعليل المختار فى فقه السادة الحنفية أيضا فى الجزء الأول صفحة تسع عشرة

يتكلم على سؤر الهرة وأنه طاهر لوشربت من الأناء لا يتنجس يقولون كما قلت الحنفية وسائر المذاهب كذلك سقط حكم النجاسة اتفاقا السؤر يتبع اللحم وإذا كان اللحم نجسا فالسؤر نجس سقط حكم النجاسة اتفاقا لمَ؟ قال بعلة الطواف المنصوصة إنها ليست بنجس لمَ؟ إنها من الطوافين عليكم والطوافات بعلة الطواف المنصوصة قال لأنها تدخل المضايق يعنى من الأماكن الضيقة من نافذة من كُوة من جحر مِن مِن تدخل إلى بيتك من غير اختيارك من السطح تتسلق لأنها تدخل المضايق ولازمه شدة المخالطة, يلزم إذا كانت تدخل بغير اختيارك إنها ستخالطنا مخالطة شديدة بغير اختيارنا بحيث يتعذر صون الأوانى عنها انتهى هذا الآن ما يتعلق بالهرة خذ لسحب الحكم على بعد ذلك أسآر كثيرة عنى لوجود هذه العلة فيها وهى الطواف قال وفى ومعناها سواكن البيوت للعلة المذكورة من فأرة وغيرها كل ما يشق بعد ذلك الاحتراز منه ويخالطنا من غير اختيارنا له هذا الحكم هذا من الذى كشف عنه؟ أئمتنا الفقهاء مع أن النبى عليه الصلاة والسلام ما نص على سؤر الفأرة وما يشبهها من سواكن البيوت ذكر فقط الهرة وعليه لوشربت الفأرة شرب الجرذان الذى يكون فى البيوت هذا لا ينجس أيضا الماء لمَ؟ لمشقة الاحتراز إنها ليست بنجس سؤرها طاهر مع أن اللحم لا يؤكل واللحم نجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات اخترت هذا المثال إخوتى الكرام لأننى سأعلق عليه بتعليقين اثنين: التعليق الأول جاء بعض المشوشين فى هذا الحين إلى بعض شيوخنا الكرام الطيبين الشيخ محمد الملاح عليه وعلى شيوخنا جميعا والمسلمين رحمات رب العالمين وتُوفى وهو من الشيوخ الصالحين فى بلاد الشام وكان أعلم المشايخ فى المذهب الحنفى جاءه بعض المشوشين وموضوع اتباع السنة أو اتباع المذهب وأنتم تتبعون السنة او تتبعون مذهب أبى حنيفة رضي الله عنه وأرضاه وكما قلت لكم إخوتى الكرام كلام معسول يحبِكونه لكنه فى الحقيقة باطل مردود

وجواب هذا كما قلت مرارا نتبع السنة حسب ما فهم أئمتنا وسلفنا لا حسب ما يفهم خوارج هذا الزمان نتبع السنة حسب ما فهم أئمتنا فقال له أنت ما تتقيد بمذهب ولا تلتزم بمذهب قال المذاهب كلها بدعة قال إذاً كيف ستستدل على الأحكام قال من الكتاب والسنة قال أحسنت يا ولدى الكتاب والسنة الذى لا يحتكم إليه20:25اجلس سأسألك سؤالا مختصرا قال إذا شربت فأرة من إناء تنجس الماء أم لا؟ ماذا تقول هاتى دليلا على ذلك من الكتاب والسنة كما الآن تريد أن تستدل على الأحكام لأنه إذا كان ستأتى أنت بدليل هات على كل قضية وادخل هذه ضمن النصوص الشرعية إذا كنت فقيها وحقيقة لا يوجد فعل إلا ويستدل عليه تحليلا أو تحريما وجوبا أو ندبا كراهة أو تحريما أو إباحة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام علم من علم وجهل من جهل الفقهاء لا يوجد فعل إلا ويستدلون عليه لكن كما قلت قد ينص عليه صراحة قد تُذكر علة وبعد ذلك وأينما توجد هذه العلة فالحكم هو هو هذا المعترض الذى شن على المذاهب قال الماء نجس إذا شربت فأرة من وعاء الماء تنجس لا يجوز أن نستعمله ولا أن نتطهر به قال لمَ يا ولدى يعنى لمَ سؤرها نجس؟ الهرة تشرب من الوعاء ولا يتنجس قال سامحنى قال سامحتك يقول ماذا تقول عندك جواب ثانى قال نعم سؤرها طاهر لو شربت فأرة من الوعاء السؤر طاهر قال لمَ يا ولدى؟ أوليس السؤر يتبع اللحم ولحم الفأرة نجس فسؤرها نجس قال دعنى أفكر قال فكر مرة طاهر ومرة نجس لسؤر فأرة قال ماذا ستقول قال تحتاج إلى بحث قال يا ولدى اعرف قدرك سؤر فأرة ما عرفته وبعد ذلك تشوش على المذاهب تتبعون الكتاب والسنة أو تتبعون المذاهب الأربعة!!

يا ولدى سؤر الفأرة معروف يا ولدى اعرف قدرك واعرف مراتب الأدلة وطرق الاستنباط ثم تكلم ثم قال له جوابك الأول الأصل أنه صحيح أن السؤر نجس لكن ما عندك لا دليل ولا حسن تعليل التعليل أن تقول السؤر نجس ما يفضله الفأر لأن السؤر يتبع اللحم وعليه الماء المتبقى بعد شرب الفأرة التعليل أنه نجس هذا الأصل تعليل لكن الدليل ستقول بعد ذلك طاهر تركنا الأصل لمَ؟ لوجود علة عن نبينا عليه الصلاة والسلام نص على أن ما يشق الاحتراز منه معفو عن سؤره وأن سؤره طاهر وليس بنجس قال التعليل فى الأصل صحيح لو ذكرت تعليلا, لا تعلل ولا تدلل يعنى لا عرفت الدليل ولا عرفت التعليل الأصل أن تقول السؤر نجس لعلة كذا ثم تقول السؤر طاهر لدليل كذا وعليه العلة هناك الأصلية لأن السؤر يتبع اللحم تركت هنا لوجود دليل واضح عن نبينا عليه الصلاة والسلام ألا وهو علة الطواف ولذلك قال الفقهاء هذه الكلمة الموجزة وفى معناها سواكن البيوت كل ما يشق الاحتراز منه ويساكنك من غير اختيارك له هذا الحكم ثم قال له الشيخ يا ولدى مشقة الاحتراز من الفأرة أصعب من مشقة الاحتراز من الهرة ,الهرة يعنى يمكن حقيقة أن يحترز الإنسان منها بحيث يرفع السور مثلا يغلق النوافذ أما هذه من تحت الباب تدخل يعنى لو كان يوجد ثقب صغير بمقدار إصبع تدخل منه الفأرة فهذه مشقة الاحتراز منها أصعب من الهر بكثير فأنت ما عرفت حكم سؤر الهر, سؤر الهرة ما عرفت حكمه وبعد ذلك تتبعون الكتاب والسنة أو المذاهب الأربعة!! يا ولدى أنت ستضيع الأمة إذا كنا سنتبع الكتاب والسنة على حسب فهمك ستضيع الأمة أسألك عن سؤر الهرة فى مجلس واحد تجيب بجوابين مختلفين ثم تسكت تقول تحتاج إلى مراجعة ونظر هذا فى مجلس واحد لك ثلاثة أجوبة وأنت فى الثلاثة آثم لأنك تجيب من غير علم وتعصى العليم سبحانه وتعالى ثم تشوش على المذاهب يعنى مع كل هذا تشوش ولا تعرف قدرك وتقف عند حدك

إخوتى الكرام حقيقة لا بد من وعى هذا وسيأتينا كما قلت لا أريد أن أسترسل فى الأمثلة عند مدارسة الفقه كيف رُبطت الوقائع بالنصوص الشرعية حسب ما كشف عن ذلك أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين القصة الثانية التى سأعلق عليها نحو قصة الفأرة كنت ذكرتها فى بعض المواعظ جرت مع العبد الصالح ذى النون شيخ الديار المصرية علي رحمات رب البرية توفى سنة خمس وأربعين مائتين وقيل سنة ثمان وأربعين ومائتين عليه رحمة الله ورضوانه ذى النون قيل اسمه وقيل لقبه وكنيته أبو الفيض وقيل اسمه ثوبان والعلم عند ذى الجلال والإكرام وعلى كل حال هو رجل صالح كما قال الإمام الدارقطنى ويكفيك هذا القول فى توفيقه وتقدم معنا هو الإمام العلم الجبل توفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة يقول الدارقطنى كما نقل عنه الخطيب فى تاريخ بغداد فى ترجمة أبى الفيض ذى النون ثوبان المصرى رضي الله عنه وأرضاه يقول إذا صح الطريق إليه أحاديثه مستقيمة وهو ثقة لكن يحتاج يعنى الإسناد الذى يوصل إليه أن يكون من دونه ممن ينقلون عن ثقة إذا الطريق إليه فأحاديثه مستقيمة وهو ثقة وهو من الذى رووا موطأ الإمام مالك رضي الله عنه وأرضاه كما روى ذلك ذكر ذلك الإمام ابن كثير فى ترجمته فى حوادث سنة خمس وأربعين ومائتين انظروا ترجمة هذا العبد الصالح فى السير فى الجزء الحادى عشر صفحة اثنتين وثلاثين وخمسمائة ومن كراماته أنه عندما توفى وكان بعض السفهاء فى مصر يعيب عليه ويتكلم عليه عندما توفى أظلت الطير جنازته حتى دُفن عليه رحمة الله الطير تمشى فوقه تظل الناس كأنها غيوم من أجل أن تقى الناس حر الشمس فى دفن هذا العبد الصالح فعرف الناس قدره وكرامته على ربه سبحانه وتعالى

ومن كلامه المحكم كان يقول من تطأطأ لقى رطبة ومن تعالى لقى عطبه, إذا تطأطأ يلقط الرطب لكن إذا شمخ بأنفه يحصل العطب والإمام أبو نعيم ختم الجزء الحادى عشر فى ترجمته من صفحة ثلاثين وثلاث مائة إلى خمس وتسعين وثلاثمائة ثم بدأ الجزء العاشر أيضا يعنى التاسع فى نهايته ثم الجزء العاشر فى صفحتين أو ثلاثة حتى أنهى ترجمته يعنى ذكر قرابة أربعين صفحة فى ترجمة ذى النون المصرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إخوتى الكرام كان فى بلاد مصر كما قلت وجاء بعض الناس يعنى إلى هذا الإمام الصالح وقال له بلغنى أنه عندك اسم الله الأعظم والعلم عند الله, يعلم أو لا العلم عند الله, لكن ذا قال له هذا فأريد يعنى أن تعلمنى هذا الإسم الذى إذا دعوت به أُجبت وإذا سألت أعطيت ويعنى يكون لى شأن وتعلمنى شىء تخصنى به عن غيرى من تلاميذك وأصحابك قالوا هذا بعد أن جلس سنة عنده يعنى خصنى بشىء فتجاهل الشيخ طلبه ثم بعد فترة قال له تعرف فلانا الذى يأتينا من الفسطاط ويحول بيننا وبينهم نهرالنيل يعنى مشاة ونهر لا بد من اجتيازه قال نعم تأخذ هذا الصندوق يعنى توصله إليه والصندوق حقيقة ما وضع فيه ذى النون شيئا إنما فقط جاء بفأرة صغيرة نشيطة ووضعها فى هذا الصندوق ثم لفه يعنى بخرقة وقال هذه أمانة توصلها إلى فلان هدية تقول له هذه هدية من أخيك ذى النون فلما حمل الصندوق من خشب استنكره, هذا صندوق ما له وزن ثم بعد ما يعنى مشى وصل إلى ضفاف النهر شىء تحرك فيه سبحان الله ليس له وزن ويتحرك ماذا يوجد يعنى أريد أن أرى ما فى داخل الصندوق وهذا مؤتمن لا يجوز يعنى أن ينظر فى الصندوق وهذه أمانة يوصلها إلى صاحبها فكشف الخرقة فنطت الفأرة وذهبت ما عاد بإمكانه أن يعيدها فعاد وما أصل الصندوق إلى صاحب ذى النون فلما رجع

قال يا بنى على فأرة ما اؤتمنت اذهب فالزم السوق خيرا لك فأرة واحدة ما اؤتمنت عليها فأنت بعد ذلك تريد أن تكون خليفة النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وتتعلم هذا العلم وأن أخصك بشىء, فأرة ما اؤتمنت عليها فالزم السوق هذا خير لك وهذا إخوتى الكرام حالنا حكم سؤر فأرة ما عرف وأجاب فى مجلس واحد ثلاثة أجوبة وآخر الجواب سكوت هذا آخر جوابه طيب بعد ذلك كتاب وسنة كتاب وسنة!! يا إخوتى الكرام من الذى ينازع فى الاحتكام إلى الكتاب والسنة لا ينازع فى ذلك إلا من غضب عليه ربنا سبحانه وتعالى لكن الكتاب والسنة ينبغى أن يفهما كما قلت مرارا حسب ما فهم سلفنا وأئمتنا ومن سلفنا الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم أجمعين وتقدم معنا أن فهم الصحابة استقر فى هذه المذاهب الأربعة ولا يخرج الحق عنها وسيدنا أبو حنيفة هو أول الفقهاء الأربعة وهو تابعى أدرك ست من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فلنقف عند حدنا ولا داعى للتطاول بكلام كما قلت ظاهره معسول لكن فى الحقيقة سم مرذول تتبعون الكتاب والسنة!! أو تتبعون الإمام الشافعى تتبعون الكتاب والسنة أو تتبعون مالك رضى الله عنهم أجمعين أو الإمام أحمد يا عباد الله قلت هذه مقابلة كما قلت باطلة وما يراد منها إلا التشويش وإلقاء الفساد والفتن والنزاع بين المسلمين نتبع كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام حسب ما فهم أئمتنا فالخروج عن سهمهم مضيعة وهلكة المثال الثانى الذى سأذكره حديث رواه الإمام أحمد وهو فى الكتب الستة أيضا فى الصحيحين والسنن الأربعة ورواه أبو داود الطيالسى فى مسنده والبيهقى فى السنن الكبرى والإمام ابن الجارود فى المنتقى وهو فى أعلى درجات الصحة فهو فى الصحيحين كما سمعتم من رواية سيدنا أبى بكرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان) وفى رواية (لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان)

ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذا الحديث صورة من الصور التى تمنع القاضى من الحكم وهى الغضب فإذا تلبس بغضب فلا يجوز أن يصدر حكما لأن هذا الغضب حقيقة إذا استولى على عقله لا يمكن أن يعى القضية تماما ولا ان يعلم ما يناسبها من حكم شرعى فسيخطىء والله جل وعلا يقول فى كتابه عن حال نبيه ونجيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام {ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون} [الأعراف/154] يعنى لما غضب غضبه لله نبى الله ما غضب لنفسه عليه الصلاة والسلام عندما أخبر بأن قومه عبدوا العجل ألقى هذه الصحف يعنى حتى تكسرت انفعالا وغضبا كيف عاد الناس إلى عبادة الطواغيت وعبادة العجل من دون الله عز وجل إخوتى الكرام هذا الغضب الذى يعنى ملك عليه صار بمثابة الآمر الناهى لنبى الله موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ولذلك لم يقل الله ولما سكن إنما قال ولما سكت يعنى كأنه كان يأمر وينهى ونبى الله على نبينا وعليه الصلاة والسلام يتصرف حسب يعنى ذلك الأمر الذى يصدر وإن كان انفعالا لله ولما سكت عن موسى الغضب كأنه يأمره وينهاه ولذلك إخوتى الكرام لابد من أن يعلم الإنسان هذا إذا غضب لا يعنى لا يعى القضية ولا يعلم ما يناسبها من الأحكام الشرعية منعه نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام من أن يحكم وعليه لا يجوز أن يصلح بين اثنين وهو غضبان ولا يجوز أن يحكم بين اثنين وهو غضبان ولا ولا ولا لأنه يفقد تمام الوعى هذه الصورة الوحيدة ألحق أئمتنا صورا بها صورا كثيرة متعددة بجامع تشويش الذهن فى جميع تلك الصور كما تشوش الذهن هنا فى هذه الصورة

استمع ماذا يقول أئمتنا يعنى هناك بدأنا بأول المذاهب وهم السادة الحنفية نأخذ ننتقل الآن إلى آخر المذاهب وما بينهما خير وفضيلة وقلت نحن سندرس بعد ذلك الفقه الشافعى الذى فى الوسط إنما الآن هذا الحكم أيضا فى المذاهب الأربعة ولا خلاف فيه بين أئمتنا لكن سأنقله من الحنابلة من باب التنويع رضوان الله عليهم أجمعين يقول الإمام المقدسى فى العدة فى شرح العمدة صفحة ثلاث وعشرين وستمائة وفى معنى الغضب كل ما يشغل فكره من الجوع المفرط والعطش الشديد والوجع المزعج ومدافعة الأخبثين وشدة النعاس والهم والغم والحزن والفرح فهذه كلها تمنع من استيفاء الرأى الذى يتوصل به إلى إصابة الحق فى الغالب فهى فى معنى المنصوص عليه فتجرى مجراه وهناك ما هو المنصوص؟ الغضب فى معنى الغضب أوليس كذلك يقول فى معنى الغضب ,الغضب نُص عليه لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان هنا نُص على الغضب طيب هل المراد صورة الغضب فقط لا إذا كان يدافع الأخبثين ذهنه يتشوش أكثر من الغضب وإذا جاءه فرح استخفه أو حزن ملك عليه أو جوع شديد أو ألم يعنى أيضا شديد هذا كله كما قلت يبعد عنه كمال التأمل الذى هو سبب لإصابة الحق لفهم القضية ولتنزيل الحكم الشرعى بعد ذلك على هذه القضية بعد أن فهمها فهنا لم يفهم القضية ومن باب أولى لم يعالجها بعد ذلك معالجة شريعة فهذه كلها فى معنى الغضب هذا ما يكشف عنه أئمتنا العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية ألحق بالغضب عدة أحوال تشوش ذهن الإنسان وتعكر البال فلا يجوز للإنسان أن يزاول القضاء ولا أن يقضى إذا طرأ عليه شىء من ذلك كما قلت نصوصه تتسع لما جد ولما يجد ولجميع الأحوال والوقائع وعليه لو جاء إنسان وقال هل يقضى القاضى وهو فرحان مباشرة نقول له لا ما الدليل

نقول لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان يقول هذا غضبان يقول يا عبد الله الغضب يشوش الذهن والفرح أيضا يشوش الذهن لأنه صرف إلى الشىء الذى فرح به ما عنده الآن تأمل للقضية التى عرضت عليه فلا بد إذاً من أن يكون متزنا هادئا وهكذا الجوع وهكذا العطش وهكذا النعاس وهكذا وهكذا وهكذا لو جاء أحد من أين أتيتم بهذه الأحكام نقول من حديث نبينا عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا فى جواب فقهائنا المحدثين الكرام يفتى أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه فيقول محدث زمانه الإمام الأعمش من أين لك هذا يا أبا حنيفة يقول مما رويتم لنا فيقول أنتم الأطباء ونحن الصيادلة حقيقة لا بد من وعى هذا لكن الآن ابتلينا بفرقة لا من الصيادلة ولا من الأطباء ويعترضون على الأطباء يا إخوتى الكرام هل رأيتم أحدا يراجع طبيبا فى مستشفى من المستشفيات يعترض عليه هل رأيتم يعنى عندما يعطيه الوصفة يقول تشرب واحدة وواحدة وواحدة أو ثنتين وواحدة وثنتين يعنى لوقال لو جمعت الخمسة وشربتها مرة واحدة يصلح هذا لا أحد يعترض ولو جاء أحيانا ليسأل يعنى الطبيب إذا الطبيب عنده حماقة 39:57يقول لا تتفلسف علينا خذ الدواء وانصرف أوليس كذلك؟ يعنى الطبيب الذى فى معالجة داء وقد يخطىء فى تشخيص الداء وقد يخطىء فى وصف الدواء ومع ذلك تستجيب له وتستجيب له أحيانا ليفتح بطنك وكم من بطن يُفتح ولا يحتاج البطن إلى فتح وكم أحيانا من طحال يستأصل وليس العلة فيه ويكون وهموا هذا وقع بكثرة وأنا على علم بذلك فى حوادث لا تحصى ومع ذلك سلم نفسه للطبيب يشق بطنه وينزع الطحال ثم الأعراض هى هى وقالوا تبين أننا أخطأنا فى هذا الأمر وكان ما ينبغى أن نستأصل الطحال لكن استُأصل طيب يا إخوتى هذا كما قلت نفعله نحن مع طبيب نسلم بدننا إليه بعد ذلك طبيب شهد له أئمتنا بحسن الاستنباط والفهم بشهادة كبار المحدثين أنتم الفقهاء ونحن الصيادلة

وتقدم معنا هذا القول مأثور عن عدد منهم الإمام الشافعى وغيره كما تقدم معنا هذا الطبيب سننازعه لأن دين الله ما بقى قيمة فى قلوبنا والوازع ضعُف ولذلك ننازع الطبيب الشرعى ولا ننازع الطبيب البدنى عظمنا الدنيا فاحترمنا أهلها ولما بعد ذلك امتهنا الدين عارضنا أهله, معارضة أبى حنيفة سهلة وترى طبيب نصرانى هندوكى ومجوسى لا يعارضه ويستسلم له لمَ هناك كل صعلوك سيجعل نفسه يعنى هو المتخصص فى الطب وسيعترض على أبى حنيفة والشافعى وأحمد ومالك وعندما تذكر له واحدا من هؤلاء يقول الضُلَّال هم رجال ونحن رجال طيب يا عبد الله لمً لا تلغى المستشفيات سواء الأطباء رجال وأنت رجل لمَ هنا تذهب مثل الصعلوك وتلتزم بما يرشد ويقول هذا الطبيب ولما تأتى للفقهاء تقول هم رجال ونحن رجال لأنه كما قلت ما بقى فى قلوبنا تعظيم لذى العزة والجلال صرنا نتلاعب على حسب أهوائنا فى هذه الأيام وهذا إخوتى الكرام لابد من وعيه ولا يجوز أن نلبس على الناس باسم كتاب وسنة لنقود الناس إلى أهوائنا وآرائنا وذكرت لكم إخوتى الكرام الذين يحضرون معنا فى موعظة الجمعة كم وكم من التخبيط الذى يخبط به الناس فى هذه الأيام ممن يَّدعون كتاب وسنة ولا يريد المذاهب الأربعة ويقول كان حنفيا ثم اهتدى ثم يفتى بعد ذلك بأى شىء والله يا إخوتى الكرام فتوى لا تقبلها نساء البادية دع طلبة العلم دع الفقهاء نساء البادية لا تقبلها المرأة إذا طلقت طلاقين وانتهت عدتها انتهت العدة ثم تزوجها زوجها بعقد جديد وترتيب جديد تعود إليه وله عليها ثلاث طلقات من قال هذا ,هذا كما قلت يستنكره نساء البادية يقوله كما يقال مجتهد هذا الزمان الذى يدعو الكتاب والسنة ودعونا من المذاهب الأربعة يقول كنت حنفيا ثم اهتديت ثم يقول هذا التخريف

وقلت لكم بناء على هذه الفتيا أعيد بعض النساء إلى أزواجهن طلقها طلاقين انتهت العدة ثم تزوجها بعد الزواج ذهب على حسب فتيا الشيخ يعنى ذهب الطلاقان طلقها بعد أن عاد طلاقا آخر ثم راجعها ثم طلقها طلاقا آخر ثم راجعها يعنى كم طلقة صار أربع طلقات ولا زالت فى عصمته, هذا واقع هذا هو التخبيط والفتن التى نعيشها فى هذا الزمن ولو نظر فى أى مختصر من مختصرات الفقه لاهتدى وهُدى إلى صراط الله المستقيم لكن نريد كتاب وسنة حسب فهم من؟ يا عبد الله لا خلاف فى هذا وكما سيأتينا فى فقه أئمتنا ما أحد عنده من مصادر هذه الأحكام واستنباط الأحكام ما أحد عنده لا عقله ولا نظام وضعى ولا عُرف جاهلى ولا ولا ولا, كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وإجماع وقياس باتفاق أئمتنا فبعد ذلك تقول كتاب وسنة, يعنى جهل أئمتنا الكتاب والسنة وأعرضوا عن الكتاب والسنة عندما استنبطوا الأحكام لكن وضعوا النصوص فى مواضعها وجئنا نحن نريد أن نتلاعب بها انتبهوا لهذا إخوتى الكرام هذا كما قلت الفرق الثالث عشر نصوص الشرع المطهرة تتسع لما جد ولما سيجد إلى قيام الساعة الفرق الرابع عشر من الفروق بين الخالق والمخلوق فى شرع الخالق انصاف وعدل بين المخلوقات فلا انحياز ولا محاباة وحقيقة إخوتى الكرام هذا تشريع الخالق لمن؟ لعباده وليس بين الله وبين أحد من عباده محاباة, هم خلقه سبحانه وتعالى هم عبيده ولذلك انصاف بين المخلوقات لا تحيز ولا محاباة هذا الشرع جاء ليسعد البشر بوصفهم بشرا بغض النظر عن الجنس العربى أو الأعجمى أو عن الجنس الأبيض أو الأسود أو عن الأغنياء أو الفقراء جاء ليسعد العباد بوصفهم عباد ولا تفريق بينهم فى ذلك على الإطلاق

هذا لا يوجد إخوتى الكرام فى نظام من الأنظمة الوضيعة والوضعية كما سأشير إلى ذلك نعم إخوتى الكرام انصاف لجميع المخلوقات ولا تحيز ولا محاباة حتى عندما نعامل الكفار أمرنا العزيز القهار مع أنهم كفار نعاملهم ينبغى أن نعدل بينهم ولا يجوز أن يحملنا بُغضنا لهم على ظلمهم والاعتداء عليهم استمع إلى قول الله جل وعلا فى سورة المائدة {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} [المائدة/2] وهى الآية الثانية من سورة المائدة ثم قال بعد ذلك فى الآية الثامنة أيضا {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} [المائدة/8] (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) هم بدؤكم بالظلم والعدوان لكن أنتم عاملوهم بما أوجب الرحمن فلا داعى للتشفى ولا للانتقام العدل لا بد منه مع أنهم هم ظلموا, أنت عامل بالعدل حسب ما تأمر شريعة الله المطهرة (ولا يجرمنكم شنآن قوم) يجرمنك يحملنكم ولا يحملنكم الشنآن البغض بغض قوم على أن لا تعدلوا (اعدلوا هو أقرب للتقوى) ولو احتكم عندنا اثنان كافر ومسلم فى قضية من القضايا والحق للكافر نحكم له وليس عندنا كما عند الفرق الزائغة أننا نشهد لمن هو من حزبنا وجماعتنا شهادة الزور لا ثم لا ومن فعل ذلك فهو فى النار (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) استمعوا لهذه القصة التى قضى فيها سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه وانظروا لسعة أفقه وسعة صدره والنظر إلى الأحكام الشرعية حسب ما يرضى رب البرية لا حسب العواطف الإنسانية

يقرر سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه أنه لو ادعى اثنان طفلا طفل لا يُعرف له نسب أُلتقط فادعاه اثنان مسلم وذمى أما المسلم فأقام بينة على أن هذا الولد عبده ورقيقه ومُلك له وهو من أمَته هذا مَن؟ المسلم فينبغى أن يكون هذا اللقيط عبدا للمسلم وأما الذمى أقام بينة على أن هذا الولد ولده من صلبه وهو ابنا له بينتان هذا أتى ببينة وهذا ببينة فتعارضتا طيب ما الحكم؟ قال سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه ننظر إلى مصلحة الولد ما دام بينتان تعارضتا تساقطتا لا, بينة المسلم تعتبر وأتى بشاهدين على أن هذا ابن أمة له وهو رقيق عنده وذا أتى بشاهدين على أن هذا اللقيط الذى أُلتقط الطفل على انه ابن له من صلبه وهذا من نسبه قال تساقطتا طيب ماذا ستفعل بهذا الولد لمن ستلحقه الآن؟ قال ننظر إلى مصلحة الطفل فإذا ألحقناه بالمسلم سيكتسب الإسلام وسيكون عبدا رقيقا قِنَّا وإذا ألحقناه بالذمى سيتبع أباه فى الدين على الكفر لكن سيكون حرا أى المصلحتين أنفع للولد هاتى ماذا تقولون لا ثم لا, أن يكون حرا كافرا هذا أنفع لمَ؟ لمَ يا فقيه الملة تقضى بهذا أن يكون حرا كافرا ولا يكون رقيقا مسلما قال هذا أنفع لمصلحة الطفل لمَ استمع للتعليل ولا أحد يستعجب قال الإسلام بيده بإمكانه أن يسلم إذا بلغ وليس لأحد سلطة عليه وقبل البلوغ القلم مرفوع عنه ولو مات سيحاسب يوم القيامة ويكلف كما كُلفنا فى الحياة وأمره إلى رب الأرض والسماوات وعليه مصلحة الحرية نحن نحصلها له لأننا لوضيعناها عليه ليس بإمكانه أن يكون حرا ما بإمكانه أن يصبح حرا طول حياته إذا ألحقناه بالمسلم ليس بإمكانه أن يتحرر إلا إذا شاء سيده وقد يُبذل لسيده المسلم ملء من ذهب فلا يحرره

فقال الحرية هذه مكسب عظيم للإنسان فنحن نعطيه الحرية هذا أنفع للطفل وإن تبع الذمى على النصرانية لأنه عنده عقل وشريعة الله عز وجل واضحة وإذا أراد الله له الهداية إذا بلغ, كم من إنسان يهتدى أوليس كذلك؟ يؤمن إذا قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام حصل له مصلحتان الحرية التى ليس بإمكانه أن يكتسبها والإسلام الذى بإمكانه أن يكتسبه وإذا ألحقناه بالمسلم حصل له الإسلام لكن فاتته المصلحة التى لا يمكن أن يكتسبها بنفسه فى يوم من الأيام يا إخوتى الكرام هذا يقضى به أبو حنيفة رضي الله عنه استمع لقيمة هذا القضاء فى الشريعة المطهرة أكبر كافر على وجه الأرض وأغنى كافر على وجه الأرض وأشرف كافر على وجه الأرض ولا شريف فيهم لا يكافىء عندنا أقل امرأة مسلمة أوليس كذلك؟ لو أراد أن يتزوجها لا يكافؤها ومع ذلك يحكم له بالحرية مع الكفر ولا يحكم له بالرق مع الإسلام فانظر إذاً كيف الإنسان تنازل كما يقال عما يريده هو من ميول شخصية وعن قيمة هذه الفتيا من أجل أن يحصل له المصلحة التى لو لم يعطه إياها القضاء الشرعى لما أمكن أن يحصلها فقال نعطيه للذمى ونجعله ابنا له فإن تبعه فى الديانة, القلم قبل بلوغه مرفوع عنه وبعد بلوغه عنده العقل ويؤمن بالله عز وجل ولا يعنى يتضرر ولا يصاب بمشكلة نجعله كما قلت مع أنه بينتان متساويتان ألغيناهما ونظرنا إلى مصلحة الطفل حرية مع الكفر أعلى من رق مع الإسلام لمَ؟ لأن الكفر يمكن أن يزيله بنفسه إذا استعمل عقله وأما الرق فليس فى وسعه أن يزيله عنه هذه الفتيا تصدر من فقيه هذه الأمة مع كما قلت أن الكافر عندنا نجس وأكبر كافر لا يكافىء أقل مسلمة ومع ذلك يعطيه الحرية مع الكفر لهذا الطفل اللقيط المُدَّعى من أجل أن يحصل المكسب الذى ليس بيده أن يكتسبه

هذا إخوتى الكرام يقرره أئمتنا هذا حقيقة كما قلت ما يفعله إلا مَن يقدم رضوان الله يتنازل عن هواه وإلا كل إنسان كما قلت بداهة يقول نحكم له بالإسلام حقيقة مضرة الدنيا مهما عظمت أقل من مضرة الآخرة رقيق مسلم أحسن من حر كافر يا عبد الله هذا حقيقة فى النظرة كما يقال يعنى العاجلة صحيح لكن لو تأملت حر مسلم أحسن من رقيق مسلم أنت جعلته حرا لكن كافرا!! على مهلك على رِسلك بإمكانه أن يسلم أوليس كذلك فنحن نسعى فى تحصيل المصلحتين له إما إذا اعطيته الإسلام مباشرة ليس بإمكانه أن يتحرر فأنت أعطه الحرية وأما الإسلام هذا فى وسعه, ما يمكن أحد من خلق الله أن نقف أمامه لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا ما تحتاج إلى كُلفة أما الحرية قد يبذل هو لسيده ملء بيت من ذهب وسيده يأبى فلا يستطيع أن يكتسب الحرية فإذاً حر كما قلت كافر بإمكانه أن يصبح حرا مسلما وأما رقيق مسلم ليس بإمكانه أن يصبح حرا مسلما فنسعى فى تحصل المصلحتين له فإن قيل إذا لم يسلم نقول إذا لم يسلم هذا نحن فعلنا ما فيه مصلحته فى الدنيا فإذا فرط هو فى الإسلام كما يمكن أن يرتد لو كان مسلما هذا بينه وبين الله نحن نسعى فى المصلحة التى هى أنفع لهذا الإنسان نحن نسعى فى تأمين مصلحتين له فنعطيه الحرية وبإمكانه أن يسلم وإذا أعطيته الإسلام ليس بإمكانه أن يتحرر حقيقة هذا هو الفقه (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)

وأنا أقول والله لو أن هذه القصة جرت لأسلم الذمى عند هذ القضاء وتبعه ولده على الإسلام وصار الأب المنازع فى الولد صار مسلما والولد له حكم الإسلام لكن عندما سيحتكم الذمى إلى القضاء الإسلامى ويوجد عندنا كما قلت بينتان ذاك يقول عبدى وهو مسلم وهذا يقول ابنى وهو كافر نقول بما أن هذه الدعوى أنفع للمولود خذه يقول أشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام نحن فى بلادكم ونحتكم إليكم وبعد ذلك تأتى وتجعل هذا المولود مع أبيه على وصف الكفر وعندنا بينتان متقابلتان تلغيهما ثم تنظر فيما هو أنفع لهذا الغلام نعم أخى الكريم (سؤال من أحد الحاضرين غير مسموع) لا لن تحرم لن تحرم هو أنا مزوجها لواحد آخر لن تحرم ليست هو من قال هو, هو لو أمَته ليس برقيق (غير مسموع) يا عبد الله لو أمته ليس برقيق أنت الآن تدخِل البحث أما عنده أمة وزوجها يعنى أنت تزوجت أمتى أولادك منها أرقاء أبيعهم وأنت تنظر إليهم لا أقول ولده لو قال هذا ولدى ما قلنا أنه ادعى ولد له الله يغفر لى ولك قلنا عبد لو ادعى أنه المسلم ولد لقدمت الآن لأنه عندنا الآن مصلحتان نحصلهما مباشرة مسلم بينة وذمى بينة هذا يقول ولدى وهذا يقول ولدى هنا لا إشكال فى تقديم المسلم لأن هذا أنفع للطفل واضح هذا تساقطتا لكن ما الذى أنفع للطفل نلحق كما قلت نلحقه بالمسلم حرية وإسلاما لكن عندنا صورة كما قلت هذا يقول عبدى ابن أمتى يعنى أنا زوجت أمتى لفلان وولدت أولاد هذا من هنا وهذا ضعف هذا ابن أمته وعليه أنا مالكه هذا هو أما ليس هو الذى استولدها ليس أبو حنيفة يقول أم الولد تصبح حرة هذا بالاتفاق واضح هذا السيد إذا وطِأ الأمة وولدت ولدا تصبح أم ولد متى ما مات السيد صارت حرة هذا موضوع آخر ولذلك هناك ولده يأتى مباشرة على أنه حر ولده من أمته حر ليس برقيق ولا عبد

بسم الله الرحمن الرحيم (اعتراض من الحاضرين غير مفهوم) من أمته كيف تقول عبدى أخى الكريم كيف تقول عبدى إذا ولده منه كيف إذا عبد لا تجتمع كما قلت مرارا بنوة ورق لا يجتمع ولذلك الآن نحن عباد الله أوليس كذلك لا يمكن أن يكون أحد منا ابنا له ولذلك ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة إن هو ألا عبد أنعمنا عبودية وبنوة لا تجتمعان إذا كان ابنا فى يصلح أن يكون رقيقا ومن ملك ابنه عتق عليه ومن ملك أباه عتق عليه واضح لا تجتمع بنوة ورق وهنا لايمكن أن يقول هذا يعنى عبدى من أمتى يعنى وهو من صلبى لا يمكن هذا أنه يكون ابنا له فإذا كان ابنا ليس برقيق وعبد على كل حال إخوتى الكرام كما قلت حقيقة الفتيا يعنى أنا عندما أقرأها يعنى يعلم الله حتى أنا ليس أنتم فقط لما أقرأها أقول مولود ينتزع منا وذمى فى بلادنا وهو ذليل1:1:53ونحن يعنى نتعهد برعايته ومع ذلك دعوتان متقابلتان عندما تساقطتا قدمنا الذمى على المسلم حقيقة الإنسان عندما يسمع هذا يعنى كبده كما يقال يكاد أن يتقطع لكن كما قلت (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا) يا عبد الله هذا أنفع لهذا الطفل هذا إذا كبر وقال لا إله إلا الله محمدرسول الله عليه الصلاة والسلام يمكن أن يكون صِِدِّيقا مَن الذى يمنعه فأنت اسعَ فيما هو مصلحة له ولا تظلمه وهذا كما قلت دين الله ولا محاباة هذا لا يوجد فى الأنظمة الوضعية لا يوجد إخوتى الكرام هناك كيف سيحتال من أجل أن يكتسب القضية بأى أمر من الأمور إما لأنه قريب وإما لأنه وطنى إما إما إما الآن فى البلاد التى فيه أناس يعملون من غير أهل البلاد عندما تجد الخصومة بين اثنين فى قضية من القضايا واحد من أهل البلاد وواحد على تعبيرهم أجنبى مقيم أول ما يذهب إلى الشرطة يقول ما يكفى أنت جالس هنا تأكل وتشرب يا عبد الله ظلمنى أخذ حقى هذا أول كلمة يقولون له مع أنه مسلم وهم مسلمون

أخبرنى مرة بعض الناس ابتُلى قال له ذاهب يشتكى مَن يعمل عنده قال من كذا ما أعطانى أجرة قال له يا حبيبى هذا مسؤول عنك يطلعك ينزلك يسفرك يحبسك يفعل ما يشاء قلت أعوذ بالله يا جماعة حقيقة فيا عباد الله هذه هى الأنظمة الوضعية الوضيعة ما عندنا فى الإسلام هذا إخوتى الكرام كما تقدم معنا فلا بد من وضع الأمر فى موضعه وتقدم معنا سابقا فى يعنى العدل والكذا لو أن فاطمة سرقت على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لقطع رسول الله عليه الصلاة والسلام يدها وتقدم معنا ضمن الفروق المتقدمة فهذا لا بد من وعيه فهنا إنصاف لجميع المخلوقات ولا تمييز ولا محاباه الناس يستوون أمام شرع الحى القيوم هم عباده وهذا الشرع نزل لإصلاحهم ما فى بعد ذلك محسوبيات والاعتبارات مهما كان شأنها نعم إخوتى الكرام نظم ربنا جل وعلا لشريعته التى أنزلها علينا شؤون الحياة بما فيه مراعاة لمصلحة المخلوقات وكل حكم سوى الأحكام الربانية كل حكم وكل شريعة وكل قانون فهو فى الحقيقة لصوصية بأى اسم تسمى كل شريعة باستثاء الشريعة الربانية فهى لصوصية وتقدم معنا إخوتى الكرام فى ترجمة العبد الصالح سيدنا إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه وأرضاه الذى توفى سنة اثنتين وستين ومائة أوليس كذلك وقلت حديثه فى سنن الترمذى وروى له البخارى فى الأدب المفرد إمام ثقة عبد صالح مبارك إبراهيم بن أدهم يقول عنه الإمام النسائى الثقة المأمون رضي الله عنهم وأرضاهم يقول هذا العبد الصالح كل ملك لا يكون عادلا وأين العدل فى شريعة الله كما تقدم معنا لا يوجد العدل إلا فيها (كل ملك لا يكون عادلا فهو واللص سواء وكل عالم لا يكون تقيا فهو والذئب سواء وكل من ذل لغير الله فهو والكلب سواء)

ما بعد هذه الخسة خسة يتذلل لغير الله عالم لا يوجد تقوى ولا تقى هذا ذئب هذا ليحتال ويصطاد على أموال الناس والأعراض وملك بعد ذلك لا ينفذ شريعة رب العباد هذا لص وكل حكم لا ينشد إقامة حكم الله فى الأرض فهو لصوصية كل ما عدا الشريعة الربانية فهو لصوصية ولذلك إخوتى الكرام ما عرفت البشرية فاتحا أرحم من أهل الملة الإسلامية نقاتلهم ليدخلوا فى دين الله ويقاتلوننا ليخرجونا من دين الله وليذهقوا أرواحنا وليعتدوا على أعراضنا وليأخذوا أموالنا وفوق ذلك ليطفؤوا نور بنا ومع هذا فى حال القتال لا يجوز أن نخرج عن شريعة ذى العزة والجلال فإياك أن تمثل وإياك أن تقتل وليدا وإياك أن تقتل امرأة ولو فعلت هذا فالنار النار مع أنك تدَّعى أنك تقاتل فى سبيل العزيز القهار انتبه لهذا هذه كلها نظم وضعها لنا نبينا عليه الصلاة والسلام عندما نقاتل من أجل إعلاء كلمة الرحمن سبحانك ربنا يريدون إطفاء نورك والقضاء على أوليائك ومع ذلك ينبغى أن نلتزم بالعدل والإنصاف فى حال القتال نعم استمع لهذا الحديث الذى رواه الإمام أحمد فى المسند والإمام الشافعى فى مسنده أيضا وهو فى صحيح مسلم والسنن الأربعة ورواه الإمام الدارمى فى سننه والطحاوى فى شرح معانى الآثار والحديث رواه البيهقى فى السنن الكبرى والإمام ابن الجارود فى المنتقى وأبو عبيد فى كتاب الأموال صفحة خمس وثلاثين ورواه الإمام ابن زنجويه فى كتاب الأمول كتاب أبى عبيد فى مجلد واحد وكتاب ابن زنجويه فى ثلاث مجلدات فى الجزء الأول صفحة واحدة وعشرين ومائة فى كتاب ابن زنجويه والحديث من رواية سيدنا بريدة رضي الله عنه وأرضاه بريدة بن الحصين ورُوى الحديث إخوتى الكرام عن عدة من الصحابة لهذا المعنى الذى سأذكره لكم عن سيدنا عبد الله بن عمر وسيدنا عبد الله بن عباس وسيدنا جرير بن عبد الله البجلى وسيدنا أبى موسى الأشعرى وسيدنا النعمان بن مقرن رضي الله عنهم وأرضاهم

انظروا رواياتهم فى المجمع فى الجزء الخمس صفحة خمس عشرة وثلاثمائة إلى سبع عشرة وثلاثمائة وانظروا أيضا الروايات فى نصب الراية فى الجزء الثالث صفحة ثمانين وثلاثمائة ورواية بريدة إخوتى الكرام وبعض الروايات أيضا من التى تقدم معها انظروها فى جامع الأصول فى الجزء الثانى صفحة تسعين وخمسمائة عن سيدنا بريدة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أَمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه فى خاصته بتقوى الله عز وجل ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا باسم الله فى سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا وهو الخيانة والغلول السرقة من المغانم ولا تغلوا ولا تغدروا أعطيت عهدا إياك أن تغدر مع كافر ولا تغدروا ولا تمثلوا خلص قتلته لا داعى بعد ذلك أن تمثل فيه تجدع أنفه وتقطع أذنيه وتقلع عينيه لا داعى لهذا ولا تمثلوا نحن نقتله لإراحة الأمة من شره ونقاتله لندخله فى دين الله عز وجل لا من أجل مصلحة شخصية والقتال فى جميع الأرض كله كله من أجل العلو والاستكبار إلا فى شريعة العزيز القهار ,القتال من أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور فقط فإذا قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام صار أخا لنا وهناك يقاتل ليستعبد وليستكبر وليذل وليستغل ووو وأما نحن كل هذا ليس من أغراض القتال عندنا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وهو الطفل الذى دون البلوغ ومن ليس له قدرة على حمل السلاح وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أوخلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكُف عنهم

أولها ادعهم إلى الإسلام ونحن نقاتلهم من أجل أن يَسْلِموا فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها لا زلنا فى الأمر الثانى هذا إذا أسلموا اطلب منهم الهجرة فإذا لم يهاجروا أخبرهم إخوان لنا ومسلمون لكن أخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله الذى يجرى على المؤمنين ولا يكون لهم فى الغنيمة والفىء شىء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين والخطوة الثالثة فإن هم أبوا فسَلْهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله ذمة نبيه عليه الصلاة والسلام فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه عليه الصلاة والسلام ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك لمَ؟ فإنكم أن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله ذمة رسوله عليه الصلاة والسلام تخفروا أى تنقضوا قالوا لك ننزل لنا ذمة الله وذمة رسوله قل على ذمتنا وعهدنا وصلحنا وموافقتنا وذمة أصحابنا لمَ؟ احتمال بشر يعنى من يقاتل هم من المؤمنين ليسوا من الملائكة المعصومين احتمال نقضتم العهد فإذا نقضتم ذمتكم وعهدكم أيسر من أن تنقضوا ذمة الله ذمة رسوله عليه الصلاة والسلام فإذا قصرتم تبقى معصية أما أنه المعصية تتضاعف عندما تعطوهم ذمة الله ثم تخفروا ذمة الله وتنقضوا العهد معهم وإذا حاصرت أهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله

وهذا كنت علقت عليه فى مواعظ الجمعة قريبا لأن بعض الناس يقول الأمانة العلمية تقتضى أن نبين حكم الله فى هذه القضية يا عبد الله ما الذى يدريك أنك ستصيب حكم الله فى هذه القضية قل سأبَيِّن فيها الحكم الشرعى الذى أفهمه من النصوص الشرعية أما بعد ذلك حكم الله فى هذه القضية من الذى أطلعك وأنت عندما تجتهد فى قضية من القضايا هل أصبت أم لا, العلم عند الله إذاً أرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله أم لا على حكمك يعنى على اجتهادك وأنت على الحالتين مأجور إما أنك تحصل أجرين أو خطؤك مغفور ولك أجر قالوا ننزل على حكم الله قل لا, حكم الله ما نعلمه هل سنصيب أم لا يعنى ننزل على حكم الله وأن تقضى فينا, طيب قضائى هل يوافق بعد ذلك حكم الله أم لا هذا من الذى يطلعنا يعنى عليه يعنى سيدنا سعد رضي الله عنه ابن معاذ عندما حكم بما حكم نزلوا على حكمه شهد نبينا عليه الصلاة والسلام قال حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات لكن هل حكمنا الآن يعنى سيوافق أو سيخالف هذا لا يعلمه إلا الله فحاصرناهم قالوا ننزل على حكم الله لا تنزلون على حكمنا ما نشاء نقضى فيكم لنا أن نسترقكم لنا أن نقتل المقاتلة لنا أن نمن عليكم لنا أن نجليكم نحن نحكم فيكم ما يراه إمامنا ينفذ كلامه فيكم تقبلون, تنزلون وإلا تحاصرون وتستأصلون أما تنزلون على حكم الله الحكم الذى سنقضيه هل يرضاه الله فى هذه القضية أم لا هذا ما يعلمه إلا الله, ما عندنا غيب نحن لنعلم هل هذا الحكم هو حكم الله لكن نحن ما حكمنا بجاهلية خولنا الله أن نحكم فى هذه القضية حسب ما نرتأى ونجتهد فقد نصيب وقد نخطىء فإن أخطأنا خطؤنا مغفور ولنا أجر وإن أصبنا فلنا أجران أما نقول حكم الله ما الذى يدرينا سنصيب هذا الحكم أم لا هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام وهذه إرشاداته لمن يقاتلون فى سبيل الله عز وجل

لا تغدروا لا تمثلوا لا تقتلوا وليدا والأحاديث متواترة لا تقتلوا امرأة أيضا كما قلت فى الروايات التى ذكرتها هذا كله ينبغى أن نلتزم به إخوتى الكرام عند مقاتلة أعداء الرحمن سبحان ربى العظيم هذا شرع الله ولذلك كما قلت إنصاف وعدل بين المخلوقات فلا انحياز ولا محاباة الفارق الخامس عشر وهو آخر الفروق شريعة الله جل وعلا جنسية فوق الجنسيات وهو وحدة حقيقة بين المكلفين والمكلفات فى هذه الحياة لا يوجد نظام يوحد بين البشر قاطبة ويجعلهم سواسية كأسنان المشط وإخوة متحابين إلا دين رب العالمين لا يوجد, هذا النظام الوحيد فقط إذاً جنسية فوق الجنسيات إخوتى الكرام هذه الوحدة التى تحصل بين الناس عن طريقها تتوحد المشاعر والأفكار وبذلك بعد ذلك ينتج الوجدان المشترك بين الناس فى سائر الأقوال والأحوال فصاروا يعنى متعبدين فى الأشخاص لكنهم فى الحقيقة شخص واحد وبنيان يشد بعضه بعضا, ما فى ذهنى هو ما ذهنك وما يؤلمنى يؤلمك وما يسرنى يسرك وما أرى أنه حلال تراه وما أرى أنه حرام تراه وهذه هى الوحدة الحقيقية بين الناس وهذا لا يكون إلا فى شريعة رب الناس والله جل وعلا يقول فى كتابه فى سورة الأنبياء على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء/92] وقال فى سورة المؤمنون {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم *وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} [المؤمنون/51-52] هؤلاء عبيد والله هو السيد الجليل المجيد سبحانه وتعالى (أمتكم أمة واحدة) تقدم معنا الأمة بمعنى هنا الملة أوليس كذلك أمتكم ملتكم ملة واحدة ألفت بينكم وجعلتكم إخوانا تقدم معنا لفظ الأمة يأتى بخمسة معان فى القرآن أولها لفظ الأمة بمعنى الملة والدين إن هذه أمتكم أمة واحدة ملة واحدة ملتكم ملة واحدة وأنا ربكم فاعبدون والمعنى الثانى تقدم معنا يأتى بمعنى الجماعة أوليس كذلك

ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس جماعة من الناس يسقون والمعنى الثالث يأتى بمعنى الزمن والحين والبرهة من الوقت (وقال الذى نجا منهما وادكر بعد أمة) بعد حين وزمن ومضى وقت ويأتى بمعنى الصنف ومنه قول الله جل وعلا وما من دابة فى الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم)) أصناف أمثالكم هذه تشبهكم وأنتم تشبهونها وتقدم معنا وجه المشابهة بيننا وبين سائر المخلوقات وفينا من هو على شاكلة عقرب ومن على شاكلة ثعبان ومن على شاكلة طاووس ومن على شاكلة غزال ومن على شاكلة خنزير هذا موجود إلا أمم أمثالكم وتقدم معنا تفسير سفيان بن عيينة لهذه الآية وقلت أحسن ما قيل مع أن الأقوال الأخرى أيضا أمم أمثالكم تعرف ربها وتتآلف فيما بينها وتعرف ما ينفعها وتميز تمييزا غريزيا وربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى والمعنى الخامس القائد الإمام الذى يُقتدى به (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) إخوتى الكرام عند هذا المبحث حقيقة يعنى كان فى نيتى أن ننهى هذا الأمر حول الجنسيات خاصة لنرى الجنسية الإسلامية والجنسيات الردية فى هذه الحياة الدنيوية إخوتى الكرام الجنسية عند الأمم المتمدنة المتطورة هى الجنسية الوطنية لأنه عندنا جنسية عرقية قومية وعندنا جنسية وطنية وعندنا جنسية ورابطة مصلحية وعندنا جنسية بعد ذلك كهنوتية وعندنا جنسية فكرية توحد بين الأفكار والمشاعر

الجنسية المتطورة عند المتمدنين ممن لا يدينون بدين ولا يعبدون رب العالمين طب أقوى الروابط عندهم الرابطة الوطنية وهى التى يعبرون عنها اجتماع الناس تحت قوانين مشتركة واستفادتهم من حقوق متساوية هذه يقال لهم جنسية وطنية يعنى يعيشون فى بقعة ما, هذه البقعة كما قلت لها قوانين مشتركة فالبقعة هنا تختلف قوانينها عن البقعة هناك عن البقعة هناك عن البقعة هناك ,كل بقعة لها نظام ثم الذين هم فى هذه البقعة قوانين مشتركة لهم حقوق متساوية هذه الحقوق المتساوية يتساوى فيها الوطنيون بمقدار رقى المتمدنين فترى يعنى التساوى فى هذه الحقوق يختلف من وطن إلى وطن فأحيانا ترى يعنى كما يقال وطنية لكن يعنى كأنهم فى غابة حقيقية صنف هو الطبقة الممتازة وصنف بعد ذلك يسومونهم سوء العذاب وأحيانا كما قلت يتساوون لكن بنسب مختلفة لكن كما قلت الأصل قوانين مشتركة وتساوى فى حقوق هذا حقيقة هو مفهوم الوطنية لكن تساوى على التمام لا يوجد فى بلد من البلدان خذ مثلا أمريكا من يعاملون الجنس الأسود معاملة لا تعامل بها القرود مع أنهم يحملون الجنسية والوطنية تسرى عليهم الأنظمة والأصل أن يتساووا يا إخوتى وصلت بهم الهمجية حتى أنهم لا يدفنون فى مقابر البيض ولو دفن نبش, طيب أين الوطنية الملعونة الردية أين هى وأنتم تقولون كما قلت هذه الجنسية للعالم المتطور المتمدن أعلى الجنسيات عند من لا يؤمنون برب الأرض والسماوات ولا يحكمون شريعته هى الجنسية الوطنية وهى كفر لا شك فيها كل من دعا إليها والتزم بها كافر مرتد وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم وهى والجنسيات الأخرى من دعا إليها جنسية وطنية يعنى الصلة بين الناس على هذه المفاهيم ما هى قوانين مشتركة لبقعة ما يتساوون فى حقوق فى ذلك المكان من خرج عنهم ليس له تلك الحقوق ولا تسرى عليه تلك الأنظمة يا إخوتى هذا ما عندنا فى الإسلام نحن عندنا أحكامنا تشمل القريب والبعيد أوليس كذلك؟

كل من كان عبدا لله يشمله حكم الله كل من كان ما عدا ذلك فى الدولة الإسلامية أو فى غيرها هذا فنحن نسعى لتعميم حكم الله على أرض الله وبلاد الله فهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه هذه كما قلت الجنسية التى هى أرقى الجنسيات وهى الجنسية الوطنية مهما حصل فيها من تساوٍ مهما حصل ليس فى وسعها أن توحد بين القلوب على الإطلاق ممكن أن يحصل تساوى فى الظاهر ممكن أو بين نسبة كبيرة يحصل تساوى نسبة أخرى تُهضم وتداس بالأقدام لكن هل تألف بين القلوب أى مجتمع من المجتمعات الردية فى هذه الحياة الدنيوية إذ ارتبطت بالجنسية الوطنية هل هذا يربط بين القلوب؟ يربط!! يا إخوتى الكرام وصل التفكك فى الجنسيات الوطنية بلا استثناء فى العالم أن الجار لا يعرف جاره أوليس كذلك لا سيما فى البلاد التى يقال عنها غربية وديمقراطية الجار لا يعرف جاره إخوتى الكرام هذا لا يوجد عندنا معشر المسلمين جارك مرض تذهب تزوره, مات تشيعه احتاج تساعده ولذلك كالبنيان كالجسد الواحد أما بعد ذلك جنسية وطنية تسرى علينا أنظمة مشتركة ولنا حقوق متساوية هل وحد هذا بين القلوب الجنسية الوطنية هل توحد ,الجنسية الوطنية لا أثر لها على المواطنين إلا فى حالة واحدة وهى إذا داهم عدو خارجى الوطن يقومون مثل حظيرة الدواب, كما حظيرة الدواب لو داهمها مداهم أراد أن يعتدى عليها تأتى تنطح بقرونها من أجل أن تدفعه إذا خرج هذا المعتدى تتناطح فيما بينها هذه الجنسية الوطنية التى هى كما قلت أعلى الجنسيات عند العالم المتمدن

010

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام لا زلنا نتدارس الفروق الجلية بين الشريعة الربانية والقوانين الوضيعة الوضعية وقلت هذه الفروق كثيرة متعددة يمكن أن نجملها فى خمسة عشر فرقا أولها كما تقدم معنا أن الشريعة الإسلامية مستمدة مأخوذة من رب البرية سبحانه وتعالى وما فى ذلك من دِلالاة مَرَّ إيضاحها الأمر الثانى شريعة الله جل وعلا فيها علم تام كامل وفيها حكمة كاملة وفيها هدى ونور وإرشاد العباد إلى أقوم الأمور وفيها خير وبركة وهى رحمة عظيمة من رحمات الله لعباده وعلى عباده ولا تناقض فيها ولا تضارب ولا خلل لا فى ألفاظها ولا فى معانيها وأحكامها وشريعة الله هى أحسن الحديث وهى كما تقدم معنا حياة حياتنا وروح هذا العالم وهى المهيمن على ما عداها وهى محترمة مقدسة ومصونة أيضا من العبث والتغيير والتحريف تتسع نصوصها كما تقدم معنا لما جد ويجد ثم بعد ذلك فيها إنصاف بين المخلوقات فلا تحيز فيها ولا محاباة هذه إخوتى الكرام أربعة عشر فرقا تقدم الكلام عليها

ووصلنا إلى الفرق الخامس عشر ألا وهى أنها جنسية عظيمة فوق الجنسيات جنسية فوق الجنسيات فى هذه الجنسية وحدة حقيقة بين المكلفين والمكلفات فى هذه الحياة عن طريق توحيد المشاعر والأفكار والعقائد والأعمال فهذه الأمور تنتج بعد ذلك بين عباد الله الأخيار وجدانا مشتركا مهما تعددت أفرادهم كأنهم شخص واحد وهو كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يتساوون فيما يحبون وفيما يكرهون ونظرتهم تستوى فى هذه الحياة إلى جميع الأشياء تحليلا وتحريما, حبا وبغضا, قربا وبعدا عندما وحَّد الإسلام بينهم فى أفكارهم ومشاعرهم وأعمالهم وعقائدهم فهم ذوات متعددة لكنهم فى الحقيقة شخص واحد إخوتى الكرام كما قلت هذه الجنسية العظيمة التى من الله بها علينا وهى الإسلام ننتمى إليه ونفتخر بذلك وهو دين ذى الجلال والإكرام قلت كما تقدم معنا أعلى الجنسيات فكل مَن كان عبدا لرب الأرض والسماوات دخل فى هذه الجنسية إذا وحد الله جل وعلا {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء/92] {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} [المؤمنون/52] والله جل وعلا خلقنا من أبوين مباركين من أبينا سيدنا آدم وأمنا سيدتنا المباركة حواء على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام فنحن إذاً بعد ذلك إخوة فى الإنسانية وإخوة فى شريعة رب البرية {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} [الحجرات/13] إخوتى الكرام هذه الجنسية هى الجنسية الحقة على التحقيق وهى التى ربطت بين الناس برباط محكم وثيق فجعلت الناس كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد يألم كل واحد لصاحبه ويشد كل واحد أزر أخيه وأزر صاحبه هذه الجنسية العظيمة وهى جنسية الإسلام ولذلك ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال

المؤمن للمؤمن كالبنيان وشبك بين أصابعه عليه الصلاة والسلام المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه)) عليه صلوات الله سلامه والسلام كما أن البنيان تترابط لبناته مع بعضها وكأنه قطعة واحدة هكذا حال الأمة الإسلامية المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه والحديث إخوتى الكرام ثابت فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى والنسائى ورواه شيخ الإسلام الإمام عبد الله بن المبارك فى كتاب الزهد والرقائق والإمام الحُميدى فى مسنده ورواه الإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده وهكذا ابن حبان فى صحيحه والإمام ابن أبى شيبة فى مصنفه وفى كتاب الإيمان له أيضا ورواه البيهقى فى عدد من كتبه فى السنن الكبرى وفى كتاب الآداب وفى كتاب شعب الإيمان ورواه الإمام أبو الشيخ فى كتاب الأمثال ولفظ الحديث إخوتى الكرام من رواية سيدنا أبى موسى الأشعرى (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه) عليه الصلاة والسلام راوى الحديث سيدنا أبو موسى الأشعرى رضي الله عنه وأرضاه وقلت إن الحديث فى الصحيحين وغيرهما فهو فى أعلى درجات الصحة ورواه الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط والإمام الرامهرمزى فى كتابه الأمثال من رواية صحابيين آخرين من رواية سيدنا إبى هريرة وسيدنا أبى سعيد رضى الله عنهم أجمعين وعليه هو من رواية أبى موسى وأبى هريرة وأبى سعيد رضى الله عنهم أجمعين عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أنه قال (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه) عليه صلوات الله وسلامه نعم كما أنه كالبنيان وأيضا كالجسد الواحد وهذه الأعضاء مترابطة لا يمكن لعضو واحد إذا فُصل عن الجسد أن ينتفع به هذه الأعضاء لا تقوم بوظيفتها ولا ينتفع منها إلا إذا كانت داخل الجسم وهكذا الفرد المسلم ينبغى أن يكونه ضمن الأمة الإسلامية ينتفع بها وينفعها ويساعدها وتساعده كما هو الحال فى أعضاء الجسد الواحد

أشار إلى هذا نبينا صلى الله عليه وسلم ففى مسند الإمام أحمد أيضا والصحيحين والحديث فى مسند الحميدى أيضا ورواه الإمام أبو داود الطيالسى والإمام أبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى عدد من كتبه منها الكتب الثلاثة المتقدمة السنن الكبرى والآداب شعب الإيمان له ورواه الإمام أبو الشيخ فى الأمثال وهكذا الإمام الرامهرمزى فى الأمثال وأبو نعيم فى الحلية هناك الحديث من رواية تقدم معنا أبى موسى وأبى هريرة وأبى سعيد وهنا الحديث من رواية النعمان بن بشير ورواه ابن حبان عن النعمان وعن سيدنا أبى موسى الأشعرى أيضا انظروا الرواية الثانية التى سأذكرها بأن (المؤمن للمؤمن كالجسد) فى جامع الأصول فى الجزء السادس صفحة سبع وأربعين وخمسمائة وانظرروا الرواية الأولى التى تقدم ذكرها (المؤمن للمؤمن كالبنيان) فى الجزء السادس أيضا صفحة خمس وستين وخمسمائة وانظروا رواية الطبرانى كما قلت من رواية أبى هريرة وأبى سعيد فى المجمع فى الجزء الثامن صفحة ثمان وثمانين ومائة وانظروا جامع الجوامع للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة أربعين وأربعمائة الرواية الثانية كما قلت من رواية النعمان بن بشير الحديث الثانى ورُوى عن أبى موسى الأشعرى فى صحيح ابن حبان عليهم جميعا الرحمة والرضوان ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وفى رواية ولفظ ثابت أيضا فى الصحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال المؤمنون كرجل واحد هم متعددون فى الذوات لكنهم فى الحقيقة شخص واحد وشخصية واحدة (المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وفى رواية (المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتى رأسه اشتكى كله)

يعنى هذا البدن وهذا الرجل إذا اشتكى عينه يشتكى كله وإذا اشتكى رأسه يشتكى كله جميع الأعضاء تتألم ويشعر الإنسان بالتنغيص والشدة والكرب عندما يقع ضر على عضو من أعضائه فاليد إذا ضُربت يسرى الألم إلى سائر ذرات البدن ويتألم الإنسان وهكذا الصداع عندما يضرب فى رأس الإنسان يتألم جميع بدن الإنسان وهذا حال أهل الإيمان حالهم كالرجل الواحد كالجسد الواحد يشد بعضه بعضا ويألم بعضه لبعض وهذا الحديث إخوتى الكرام كما قلت إنه من رواية النعمان بن بشير وأبى موسى الأشعرى رضى الله عنهم أجمعين رُوى أيضا من رواية سهل بن سعد رضى الله عنهم أجمعين فى مسند الإمام أحمد بسند رجاله رجال الصحيح ورواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والأوسط كما فى المجمع فى الجزء الثامن صفحة سبع وثمانين ومائة وانظروه فى الحلية أيضا فى الجزء الثامن صفحة تسعين ومائة ولفظ حديث سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن من أهل الأيمان كما يألم الجسد لما فى الرأس) وهذه رواية ثالثة وهناك رواية رابعة رواها الطبرانى فى معجمه الكبير عن بشير بن سعد الصحابى رضي الله عنه وأرضاه انظروا الحديث فى المجمع فى المكان المشار إليه وذكره الحافظ فى الإصابة فى ترجمة بشير بن سعد فى الجزء الأول صفحة ثمان وخمسين ومائة ولفظ حديث سيدنا بشير بن سعد رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (منزلة المؤمن من المؤمن كمنزلة الرأس من الجسد متى ما اشتكى الجسد اشتكى له الرأس ومتى ما اشتكى الرأس اشتكى سائر الجسد) والرويات الأربعة إخوتى الكرام كلها صحيحة ثابتة إلا الرواية الأخيرة وفى إسنادها والد سيدنا على المدينى ووالده عبد الله أوليس كذلك ابن جعفر بن نجيح خَرَّج له الإمام الترمذى فى سننه وهكذا الإمام ابن ماجة القزوينى فى سننه لكنه ضعيف

والرواية صحيحة قطعا وجزما يشهد له ما تقدم من روايات ثلاثة من رواية سيدنا أبى موسى والنعمان وسهل بن سعد رضى الله عنهم أجمعين فيها كما قلت عبد الله بن جعفر بن نجيح والد سيدنا على بن المدينى رضى الله عنهم أجمعين قال الإمام الهيثمى فى التقريب فى المجمع فى المكان المشار إليه عبد الله المدينى متروك والحكم فى الحقيقة فيه شىء من الشدة ويعنى لا يصل إلى درجة الترك كما نص أئمتنا إنما هى فى درجة الضعف وإذا وُجد شواهد للحديث ينجبر والمعنى كما تقدم معنا ثابت قال إنه متروك وقد حكم عليه الحافظ فى التقريب بأنه ضعيف قال ضعيف ويقال إنه تغير حفظه بآخر ثم أشار إلى أنه توفى سنة ثمان سبعين بعد المائة (ت ق) كما قلت لكم خرج له الترمذى والإمام ابن ماجة القزوينى رضى الله عنهم أجمعين على أن الحاكم فى المستدرك يصحح حديثه أينما ورد يستدل بأحاديثه ويصحح نعم الذى يتعقبه والحاكم يعتذر عن التصحيح والذهبى يوافقه لكن يقول حديثه لا يصل إلى درجة الصحة فاستمع مثلا إلى كلام الحاكم فى موطن من المواطن فى المستدرك فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة يقول على بن المدينى وإن شهد ابنه عليه بسوء الحفظ يعنى ولده ضعفه على بن المدينى عبد الله بن جعفر بن نجيح المدينى وإن شهد عليه ابنه يعنى على بن المدينى شهد على أبيه وإن شهد عليه ابنه بسوء حفظه وكما قلت على بن المدينى ضعف والده وهذه أمانة علمية إخوتى الكرام يعنى هو ضعيف فى الحفظ لا فى عدالته وديانته لكنه ضعف فى حفظه وكان يخلط ويخطىء كثيرا ولذلك حكم عليه أئمتنا بالضعف فالإبن حكم على الأب بالضعف قال وإن شهد عليه ابنه بسوء الحفظ فليس ممن يُترك فالذهبى وافقه قال ليس هو بمتروك قال ولا احتج به أحد يعنى هو لا يُترك

نحن معك ما وصل إلى درجة الترك والنكارة لكن حديثه أيضا لا يصل إلى درجة الحسن والصحة ما احتج به أحد هو ضعيف وبذلك قال الذهبى فى الميزان اتفقوا على ضعفه وهكذا فى المغنى فى الضعفاء متفق على ضعفه وحكم عليه بالضعف الحاكم ابن حجر أيضا فى التلخيص الحبير فى الجزء الثالث صفحة أربع وتسعين والعلم عند رب العالمين أما الولد وهو على بن المدينى فهو إمام الدنيا فى زمنه وقد نعته الإمام الذهبى فى السير فى الجزء الحادى عشر صفحة واحدة وأربعين بأنه أمير المؤمنين فى الحديث قال الإمام ابن حجر فى التقريب ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعِلله ثم ذكر كلام عبدين صالحين فى مكانته الأول شيخ أهل الصناعة الحديثية الإمام البخارى وهو من تلميذ على بن المدينى قال رضى الله عنهم أجمعين قال الإمام البخارى (ما استصغرت نفسى عند أحد إلا عند على بن المدينى) فقط يعنى إذا حضرت فى مجلسه أشعر حقيقة بأننى طالب وهذا هو الإمام الذى يملأ العين وقال شيخه شيخ على بن المدينى سفيان بن عيينة فيه ما استفدته منه إنما استفدته من أكثر مما استفاده منى استفدت منه أكثر مما استفاده منى يقول هو يستفيد منى وأنا شيخه لكن أنا استفدت أكثر مما استفاد منى هذا الشيخ يقول عن تلميذه ذلك والتلميذ الذى هو الإمام البخارى يقول ما استصغرت نفسى عند أحد إلا عند على بن المدينى رضى الله عنهم أجمعين الولد توفى شيخ الإسلام أمير المؤمنين سنة أربع وثلاثين ومائتين وحديثه فى صحيح البخارى والسنن الأربعة ألا سنن ابن ماجة نعم روى له الإمام ابن ماجة لكن فى التفسير (فق) لم يرو له فى السنن إذن (مثل المؤمنين فى توادهم وترحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)

إخوتى الكرام هذه الجنسية كما قلت مَنَّ الله بها على عباده وألف بها بينهم حقيقة جنسية عظيمة كما قلت لا محاباة فيها لأحد على حساب أحد وكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام بمجرد ما ينطق بهذا يساوى أعلى شريف فى الدولة الإسلامية, بمجرد ما ينطقها مهما كان كما يقال أصله وفصله انتهى نطق بكلمة التوحيد صار له ما لأعلى مسلم فى الدولة الإسلامية من الحقوق وقد أشار إلى هذا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن المسلمين يتساوون ويتكافؤون كما ثبت فى حديثه المبارك الميمون عليه الصلاة والسلام روى الإمام أحمد فى المسند وأبو داود فى السنن وهكذا الإمام ابن ماجة فى سننه والحديث فى السنن الكبرى للإمام البيهقى وإسناد الحديث حسن من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهم أجمعين والحديث ورواه الإمام أحمد فى المسند أيضا وأبو داود فى السنن والنسائى فى سننه والبيهقى فى السنن الكبرى عن سيدنا على هناك إذن عن عبد الله بن عمرو وهنا عن سيدنا على رضى الله عنهم أجمعين والحديث كما قلت صحيح صحيح أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: (المؤمنون المسلمون تتكافأ دماؤوهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ويجير عليهم أقصاهم ويرد مشدهم على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم) تتكافأ دماؤهم فلا يعنى فارق بينهم فى ذلك ومن قتل مؤمنا يقاد به ويقتل به وليس بعد ذلك هذا شريف وهذا وضيع كما كان يوجد عند الجاهليين عند العرب فى الجاهلية, هذا من هذه القبيلة يعنى إذا قتل لا يقتل وهذا إذا قتل يعنى يقتل أو أن هذا إذا قتل ينبغى أن نقتل مقابله عشرة من تلك القبيلة هذه كلها إخوتى الكرام زالت بمجىء نور الرحمن بالإسلام تتكافأ دماؤهم الخصلة الثانية

يسعى بذمتهم أدناهم عهد الذمة عهد يعنى الأمان إذا أعطاه أدنى مسلم لكافر ثبت له ذلك العهد ولا يجوز لأحد أن يخفر هذه الذمة وأن يرد هذا الجوار يسعى بذمتهم أدناهم لو قُدر أن مسلما من المسلمين من أضعف أفراد الجيش أمَّن كافرا من أجل أن يدخل إلى الدولة الإسلامية ويرى نور رب البرية ويرى الحياة الإسلامية ليقضى له مصلحة فيها بمجرد إجارة المسلم له وتأمين المسلم له لا يجوز لأحد أن ينظر لهذا الكافر الحربى الذى دخل بإجارة مسلم كما قلت هو أدنى المسلمين لا يجوز أن ينظر إليه نظر احتقار انتهى هذا له أمان يا إخوتى الكرام هذا يوجد الآن فى الحقوق والوطنية التى يعيشها الناس هذا يوجد!! يسعى بذمتهم أدناهم دولة إسلامية أدنى المسلمين أجار واحدا ثبت له حق الجوار ولا يجوز لأحد أن يخفر هذه الذمة ولا أن ينقض هذا العهد ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ويجير عليهم أقصاهم أيضا كما هناك يسعى بالذمة وهو الذى يبرم عقدا وهنا أيضا إذا أجار ينفذ ذلك وهم يد على من سواهم ويسعى مُشِدُّهم على مُضْعفهم المشد هو الذى عنده خيل مسرعة قوية جميلة حسنة نشيطة وذاك مضعفهم عنده خيل ضعيفة لا تحمله ولا تبلغه حاجته فهذا يساعده ويتساعدون فيما بينهم ويرد متسريهم على قاعدهم والمتسرى هو الذى يخرج فى السرية ويقاتل فى سبيل رب البرية فهذه الغنائم يُشَرِّك فيها إخوانه الذين ما حضروا معه يشتركون فى هذه الغنائم المتسرى يرد على القاعد والمشد الذى عنده خيل قوية يساعد المضعف وهم يد على من سواهد هذا حال المؤمنين إخوتى الكرام سيتكافؤون فلا محاباة كما قلت ولا تفضيل لواحد على آخر فى الدولة الإسلامية وهذا إخوتى الكرام أشار إليه ووضحه نبينا عليه الصلاة والسلام فى كثير من أحاديثه الصحيحة الحسان

ثبت فى صحيح البخارى وسنن النسائى والحديث إخوتى الكرام أصله مروى أضا فى سنن الترمذى وأبى داود والرواية التى سأذكرها كما قلت فى صحيح البخارى وسنن النسائى من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبحتنا فذلك المسلم الذى له ذمة الله وذمة رسوله (عليه الصلاة والسلام) فلا تخفروا الله فى ذمته) وهذا الحديث إخوتى الكرام رُوى أيضا عن صحابيين آخرين رُوى عن سيدنا عبد الله بن مسعود فى معجم الطبرانى الكبير وعن سيدنا جندب بن عبد الله فى معجم الطبرانى الكبير كما فى المجمع فى الجزء الأول صفحة ثمان وعشرين ورواية جندب رضى الله عنهم أجمعين أيضا رواها الضياء المقدسى والإمام الرويانى فى مسند كما فى جمع الجوامع للإمام السيوطى صفحة اثنتين وتسعين وسبعمائة من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبحتنا فذلك المسلم الذى له ذمة الله وذمة رسوله ولذلك المسلم سيده ربه من اعتدى عليه فخصمه السيد, هذا مسلم كما أنه فى المفاهيم الوطنية عندهم يعنى المسؤول عن وطن ما هو المسؤول عن رعايا تلك البقعة وذلك الوطن ومن اعتدى عليه يدافع عنه رب العالمين مسؤول عن أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام, من اعترضهم أو عارضهم أو آذاهم فخصمهم وخصمه رب العالمين سبحانه وتعالى فلا تخفروا الله لا تنقضوا ولا تخونوا ولا تغدروا ولا تردوا ذمة الله جل وعلا فلا تخفروا الله فى ذمته ولذلك إخوتى الكرام نحن نقاتل الكفار كما تقدم معنا ليدخلوا فى دين العزيز القهار وإذا قبلوا الجزية

استمع لهذا الحكم الشرعى الذى يقرره أئمتنا قبل الجزية وضربت عليه وهى مأخوذة من الجزاء كما قال أئمتنا لأنه جاء إعراضه عن الإيمان رُتب عليه شىء من الضريبة والمال إذلالا وصغارا له وهى أيضا من الإجزاء لأن هذا المبلغ الذى يدفعه يجزىء فى حقن دمه ولا يعنى يجوز الاعتداء عليه يصبح له عهد الأمان إذن جزاء وإجزاء جزاء على عدم إيمانه وهذا يجزىء كما قلت فى المحافظة على يعنى ماله ودمه ويصبح بعد ذلك يعنى فى أمان الدولة الإسلامية الجزية عندما على من يقبل يعنى بعهد الجزية ولا يدخل فى دين الله جل وعلا والجزية إخوتى الكرام يأتينا مباحثها ضمن مباحث الفقه يعنى هل مقدرة أو موكولة لرأى الإمام الإمام أحمد له رأى من آراء ثلاثة أنها موكولة لرأى يقدر ما يراه مصلحة على كل رأس ممن يطيق العمل والنساء ليس عليهن جزية وليس بعد ذلك على الأولاد هذا محل اتفاق إنما على حالم محتلم يطيق العمل نشيط أيضا ليس بمريض لا يستطيع أن يتحرك تقدر عليه الجزية كما قلت موكولة لرأى الإمام على قول عند الإمام أحمد والمعتمد عند الحنابلة وهو مذهب الحنفية أن الجزية على ثلاثة أقسام على الفقير يؤخذ منه اثنا عشر درهما يعنى دينار والدينار إخوتى الكرام فى حدود خمس غرامات من الذهب يعنى خمس غرامات اضربها فى خمسين مائتان وخمسين ريال فى السنة ,المسلم يعنى يدفع ضرائب أضعاف أضعاف ما يدفعه الذمى جزية أوليس كذلك وهذا يؤخذ فقط من المطيق على العمل مقابل كما قلت يعنى أن يُحفظ فى الدولة الإسلامية ويعصم ماله ودمه لكن هى من أجل إذلاله أيضا أنه يدفع لإشعاره بالذل عندما كفر بالله جل وعلا كما قلت اثنا عشر درهما على الفقير الذى ليس بغنى وليس معدما أيضا إنما عنده لكن ليس بغنى ولا متوسط الحال عنده ما يكفيه يؤخذ منه اثنا عشر درهما ومتوسط الحال أربعا وعشرون

والغنى الثرى ثمانية وأربعون وعليه دينار ديناران أربعة دنانير هذا عند أبى حنيفة والإمام أحمد رضى الله عنهم أجمعين قول للإمام أحمد ثانى أن أقلها يحدد والأكثر موكولا لرأى الإمام والمالكية قالوا أربع دنانير على الغنى والفقير بالتساوى والإمام الشافعى قال دينار واحد على الغنى والفقير بالتساوى أيضا على كل حال فى مجال البحث يأتينا ضمن مبحث الجزية إن شاء الله هذه الجزية كيفما كان حالها أقرتها وحال الحول وحان وقت تسليمها لو أسلم قبل أن يسلم الجزية سقطت عنه مع أنه وجبت فى رقبته ولو وُضع الدنانير فى الميزان من أجل وزن أربعة دنانير أو وزن ثمانية وأربعين درهما وُضعت فى كفة الميزان قبل أن توزن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول خذ دنانيرك ودراهمك وانصرف عنا صرت أخا لنا لا يجوز أن نأخذ منك درهما ولا دينارا انتهى عندما قلت لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام سقط عنك هذا وهذا للإذلال فقط وهذا عند الجمهور إخوتى الكرام ما خالف فى ذلك إلا سيدنا الشافعى كما سيأتينا لأنه رأى أن الأحاديث الواردة فى ذلك ضعيفة كما سأذكره إن شاء الله على وجه الاختصار وقال بما أنه حق ثبت وهو حق مالى فإذا آمن لا يسقط عنه كما أن الزكاة تؤخذ من المسلم فهذا أيضا تؤخذ منه الجزية وهى ثبتت عليه فى حال كفره فإيمانه بعد ذلك لا يسقط عنه هذا الحق وهو أخ لنا لا خلاف فى ذلك لكن بالإجماع بعد إيمانه لا يؤخذ منه جزية هذا محل اجماع لكن الجزية السابقة تسقط عند الجمهور وما خالف فى ذلك إلا الإمام الشافعى رضى الله عنهم أجمعين

وقد روى الإمام أحمد فى مسنده والإمام أبو داود والترمذى فى السنن والحديث رواه الإمام ابن أبى شيبة فى المصنف والطحاوى فى مشكل الآثار والإمام الدارقطنى والبيهقى فى السنن أيضا والإمام الضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة والحديث فى الحلية ورواه الخلال فى جامعه أيضا عن سيدنا عبد بن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المسلم جزية) والحديث رُوى أيضا من طريق سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أجمعين فى معجم الطبرانى الأوسط كما فى المجمع فى الجزء السادس صفحة ثلاث عشرة من أسلم فلا جزية عليه عن عبد الله بن عمر عن نبينا عليه الصلاة والسلام عليه وعلى صحبه صلوات الله وسلامه (من أسلم فلا جزية عليه) من وراية سيدنا عبد الله بن عباس ليس على المسلم جزية ورواية ابن عمر من أسلم فلا جزية عليه قال الإمام الهيثمى فيه من لم أعرفه حديث سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين إخوتى الكرام فيه قابوس بن أبى ظبيان قال الحافظ فيه لين ففى حديثه ضعف روى له البخارى فى الأدب المفرد وأهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائى قابوس بن أبى ظبيان والإمام الترمذى بعد أن روى الرواية المتصلة قابوس بن أبى ظبيان عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين عن نبينا عليه الصلاة والسلام ليس على المسلم جزية قال إن الحديث رُوى مرسلا لإسقاط سيدنا عبد الله بن عباس يعنى قابوس بن أبى ظبيان عن أبيه ابن أبى ظبيان عن نبينا عليه الصلاة والسلام ليس على المسلم جزية قال الإمام الترمذى والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن النصرانى أقول وكذا اليهودى وكذا من تؤخذ منه الجزية ليس المراد خصوص النصرانى فقط أن النصرانى إذا أسلم وُضعت عنه جزية رقبته

العمل على هذا عند عامة أهل العلم توضع فى المستقبل هذا محل اتفاق وما وجب عليه فيما مضى عن جزية السنة الماضية بل عن جزية السنين المتقدمة لو لم يدفع وجبت عليه جزية عشر سنين وما أداها ثم جاء بعد ذلك وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام سقطت هذه الجزية عند الجمهور إلا عند الإمام الشافعى رضي الله عنه وأرضاه يقول يطالب بها أنه حق وجب عليه فى حال كفره فلا بد من أدائه بعد إيمانه كما قلت رُوى الحديث مرسلا والإمام أبو عبيد فى كتاب الأموال صفحة ست وستين وهكذا الإمام ابن زنجويه فى كتاب الأموال فى الجزء الأول صفحة ثلاث وسبعين ومائة, رَوَيَا الأثر المتقدم أيضا مرسلا من طريق قابوس عن أبيه عن نبينا عليه الصلاة والسلام ليس على المسلم جزية قال الإمام أبو عبيد مفسرا المراد بالحديث قال: ليس عليه جزية إذا وجبت عليه ثم آمن سقط عنه هذا هو مراد الحديث وهذا يحتمله الحديث ويحتمل ليس عليه جزية فيما بعد إسلامه وأما ما وجب عليه لا بد من أدائه فإذن الحديث يوجد كما يقال حول إسناده كلام من ناحية الصحة وعدمها وحول معناه كلام يمكن أن تقول معنى بعد إسلامه لا يؤخذ منه وما ثبت عليه يسقط عنه كما قال الإمام الشافعى هذا إذا ثبت الحديث وإذا قلت لا يثبت فحق مالى وجب عليه لا بد من أدائه بعد ذلك الشاهد إخوتى الكرام عند الجمهور إذا نطق بكلمة الإسلام وعليه ما عليه من مقدار وجب فى الجزية يسقط بمجرد نطقه كلمة الإسلام روى الإمام ابو عبيد أيضا فى كتاب الأموال وهكذا الإمام ابن زنجويه والإمام البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء التاسع صفحة تسع وتسعين ومائة عن مسروق أن رجلا من الشعوب أى من الأعاجم أسلم فأراد العامل أن يأخذ منه الجزية فشد رحله وجاء إلى سيدنا عمر رضي الله عنه وقال يا أمير المؤمنين رضى الله عنهم أجمعين أسلمت ويريد العامل أن يأخذ منى جزية

فقال سيدنا عمر رضي الله عنه لعلك أسلمت متعوذا يعنى أن تتعوذ بالإسلام لتسقط عنك الجزية التى ضُربت على رقابكم فقال يا أمير المؤمنين أما فى الإسلام ما يعيذنى هب أننى تعوذ بالإسلام ,الإسلام لا يعيذ وليس هو يعنى حصنا حصينا لمن آمن ودخل فيه وبعد ذلك حسابى عند ربى أنا صادق أم لا!! أوليس فى الإسلام ما يعيذنى قال بلى ثم كتب إلى العامل وإلى العمال لا تأخذوا الجزية ممن أسلم إن كان عليه جزية تسقط والجزية فى المستقبل لا تؤخذ منه أليس فى الإسلام ما يعيذنى فأنت تقول لعلك يعنى تعوذت وأسلمت متعوذا من أجل أن تسقط عنك الجزية مستجيرا بالإسلام لإسقاط الجزية التى وجبت قال أليس فى الإسلام ما يعيذنى قال بلى صدقت الإسلام يعيذك فكتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية ممن أسلم ثبت فى طبقات ابن سعد وغيره انظروا طبقات الإمام ابن سعد فى الجزء الخامس صفحة ست وخمسين وثلاثمائة عن سيدنا خامس الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين عمر بن عبد العزيز أنه يكتب إلى عماله ويقول إن أسلم الكتابى إن أسلم والجزية فى كفة الميزان فلا تؤخذ منه إن الله بعث محمدا عليه الصلاة والسلام هاديا ولم يبعثه جابيا (إن أسلم والجزية فى كفة الميزان) وضعت لوزنها من أجل ضبط تقديرها مقدارها فهو فى هذه الحال قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام صرت أخا لنا لا يجوز أن نذلك بهذه الجزية فصرت معصوم الدم بكلمة التوحيد لا بمبلغ يعنى تذل به وتدخل فى رعايتنا انتهى خذ مالك وأنت أخ لنا بعد ذلك إخوتى الكرام هذه الرابطة الحقة والجنسية العظيمةالتى كما قلت توحد بين البشر قاطبة ولا يوجد رابطة على وجه الأرض توحد بين البشرية كما هو الحال فى الرابطة الإسلامية هناك روابط هزيلة رديئة جاهلية كما ذكرت فى الموعظة الماضية وأكمل الكلام على ذلك فى هذه الموعظة عليها وعلى ما بعدها من الروابط الخبيثة المنتنة أولها قلت الرابطة الوطنية

ويراد بها كما تقدم معنا إخوتى الكرام استواء أناس فى الحقوق لجريان قوانين مشتركة عليهم يستوون فى الحقوق وبعد ذلك قوانين مشتركة تجرى عليهم أيضا يعيشون تحت قوانين مشتركة تحت نظام ويتساوون فى الحقوق فى ذلك المكان بقعة لها نظام معين كل من فيها يعنى يستوى فى ذلك المكان فى العيش والمصالح هذه كما قلت إخوتى الكرام وهى الرابطة الوطنية هى أعلى الروابط عند العالم المتمدن المتحضر وهى الآن الروابط الموجودة الجاهلية بين البشرية, الرابطة الوطنية يعيشون تحت قوانين مشتركة ويدَّعون أنهم يتساوَون فى حقوق متماثلة, هذه الربطة إخوتى الكرام التى هى رابطة ردية وطنية تقدم معنا ليس فى وسعها أن توحد بين القلوب هذه لا سلطان لها على القلوب على الإطلاق بل أيضا ليس فى وسعها أن تحقق العدل على سبيل التمام والكمال فالعدل غير مضمون فيها مهما وُجد فيها من نزاهة ويعنى مساواة مهما وُجد فالبرلمان الذى يعنى ينوب الأمة ويسن القوانين فيه ميمنة وميسرة وقلة وكثرة على حسب ما يحصل فى المجالس فهل الذين لهم اتجاه معين وكثرة فى البرلمان يسنون ما يسنون من قوانين لصالحهم أو لصالح غيرهم!! حتما لصالحهم أول ما ينظرون إلى مصالحهم ومصالح جماعتهم ثم بعد ذلك فتات موائدهم هذا يرسل إلى الرعية, هذا فى كافة الأنظمة الوطنية لأنه هناك مصارعات على الحياة فى هذه الأوقات, الذين هم فى البرلمان اتجاهات فالذين هم من هذا الاتجاه يحاولون أن يشرعوا من القوانين ما ينفع إخوانهم وأولئك كذلك وأولئك كذلك هذا كما قلت مهما كان فيها من نزاهة مهما كان فلا زال أيضا فيها تحيز ,العدل غير مضمون والتأليف بين القلوب هذا لا يمكن أن يحصل بحال من الأحوال ثم مع هاتين المفسدتين هذه الرابطة رابطة ملعونة لأنها هى التى فرقت بين عباد الله فهى تجعل الرباط والارتباط بين أناس معينين لا علاقة لهم بالآخرين

فإذن هى رابطة عدوة للإنسانية الرابطة الوطنية أعظم عدو للإنسانية لأنها تفرق بين جنس الإنسان وبين عباد الرحمن فالذين هم فى مكان ما بينهم رباط ولهم حقوق متساوية من عداهم لو جاء سيدنا أبو بكر رضي الله عنه لا اعتبار له ولا وزن ولا شأن هذه الحقوق لا يأخذها على تعبيرهم إلا من حمل التابعية والجنسية الوطنية لمَ يا عباد الله؟ بلاد الله وهؤلاء عباد الله وكل واحد يأخذ مكانه فى كل مكان حسب كفاءته ,لا هذا لا يوجد فى الأنظمة الوطنية فمهما كما قلت بُذل فيها من إنصاف لا تؤلف بين القلوب ولن يزال فيها الظلم هذا مهما بذل فيها من إنصاف ثم بعد ذلك هى فى نهاية الأمر تفرق بين عباد الله وتجعل بعضهم لبعض عذابا ولذلك هذا ما تعيشه هذه البشرية فى هذه الأيام إخوتى الكرام عندما كانت الجنسية الإسلامية هى الجنسية الحقيقية المسلم يجوب الدنيا بلا جواز وبلا تابعية وبلا بطاقة وبلا صورة وبلا إقامة يمشى أينما يريد جوازه لا إله إلا الله محمد رسول الله ولو أراد الإنسان فى هذه الأيام أن يذهب إلى أى مكان لا يستطيع على الإطلاق ولو ذهب بإجراءات وليس له يعنى كما يقال اعتبارات لا لمن يسكنون فى تلك الجهات نفوض أمرنا إلى رب الأرض والسموات وبعد ذلك التمشدق الذى تسمعونه دول شقيقة ودول صديقة هذا كله من باب المتاجرة شقيقة وصديقة هذا كله من باب المتاجرة ولا تعد الآن العدد إلا للكيد للدول التى يقال لها شقيقة قبل الصديقة وكل دولة تحترس من التى يقال عنها شقيقة قبل الصديقة!! هذا للمتاجرة بكلام لكن واقع الأمر هذه الجنسيات فرقت بين عباد الله جل وعلا الوطنيات كانت جنسية إسلامية لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام (إنما المؤمنون إخوة)

هذه الإخوة الآن ما بقيت عندنا إلا للكلام الفارغ شقيقة وصديقة, شقيقة وصديقة, فلكن شقيقك وتطرده سبحان ربى العظيم شقيقك تطارده هذا أمر عجيب حقيقة إخوتى الكرام وهذا ما نعيشه فى هذه الأيام هذه الرابطة الأولى عدوة الإنسانية الرابطة الثانية الخبيثة الردية الرابطة العرقية وهى الرابطة القومية فهذه دون الوطنية ,الوطنية هذه أعلى منها وأما تلك فيها يعنى كما يقال يعنى ضيق أكثر وهذه الرابطة العرقية الوطنية على حسب القبيلة الجاهلية أسرة صغيرة تمتد على حسب بعد ذلك المفاهيم التى يحددونها إما قبيلة كذا هؤلاء بينهم موالاة مع القبائل الأخرى معاداة أحيانا يوسعون العرب جنس العرب وهؤلاء يقولون أكراد وهؤلاء يقولون أتراك وهؤلاء ما شاكل هذا يعنى على حسب ما يوسوعون أو يضيقون من الرابطة العرقية فقد تكون أحيانا قبيلة واحدة وقد تكون بعد ذلك كما يقال يعنى قبائل تجعل لها رباطا معينا وقد يكون بعد ذلك عرق بكامله لغة عربية فمن نطق بها هذا عربى قومية عربية طيب والجنسية الإسلامية هذه دعونا منها!! خلص قومية عربية يعنى من كان عربيا على تعبيرهم من كان دمه عربيا هذا الآن له هذه الجنسية الممتازة وهو أخ لنا وبيننا وبينه يعنى على تعبيرهم صلة ومناصرة وإن كان شيطانا مريدا وإذا كان بعد ذلك ما كان إذا لم يكن عربيا فليس بيننا وبينه صلة وإن كان صديقا مقربا لا يا عباد الله هذا ضلال كما أن الرابطة الوطنية خبيثة فالرابطة القومية كذلك أيضا عدوة الإنسانية وتفرق بين البشرية وانتشرت هذه وتلك والجاهليون يدعون إلى هذه وإلى هذه وما قُضى على الدولة الإسلامية إلا بإثارة هذه الروابط الجالهلية ووصل الأمر الآن فى البلاد العربية يكتب حتى فى المدارس لو مثلوا لى موطنى وثنا لعبدت ذلك الوثن لو أنه وثن لعبدناه

ويقوم بعد ذلك الزنادقة الذين يحسبون أيضا على أنهم أحيانا من الدعاة يقومون أيضا يفترون على نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام لتقرير مفاهيم الوطنية حب الوطن من الإيمان!!! هذا من كلام الشيطان ليس من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام والمؤمن إخوتى الكرام يضحى بوطنه ويضحى بماله بل يضحى بدمه فى سبيل دينه وأما أن نجعل بعد ذلك كل شىء من أجل الوطن ويعشق الوطن ويموت فى سبيل الوطن ومن هذه العبارات والدين بعد ذلك لا وزن له ولا اعتبار وواقع الأمر كذلك دين الله يمتهن فى أرجاء الأرض ولا ناصر له وإذا اعتُدى على الوطن على شبر منه تقوم قيامة الناس سبحان ربى العظيم يعتدى على حفنة تراب تقاتلون وأنتم تهينون بعد ذلك دين الحى القيوم كيف هذا كيف هذا والإنسان كما قلت مرارا نحن ندافع عن ديننا وليس معنى أننا نعطى بلادنا لغيرنا افهموا القضية إخوتى الكرام ندافع عن بلادنا وعن أرضنا وهى بلاد الإسلام لأنها هى مركز نور الرحمن هذا لا بد منه ليس معنى هذا أننا نتازل أيضا عن بلادنا لكن شتان بين أن نجعل كما قلت الرابطة الوطنية هى محور الربط بيننا وبين أن نجعل الجنسية الإسلامية هى محور الربط بيننا فنحن لا نحب مكان ما إلا لوجود الإسلام فيه فقط وما عدا هذا فلا قيمة بأى مكان عندنا وأما دين الله يمتهن فلا نسأل فإذا اعتدى على الوطن نثور يا إخوتى هذا هو الضلال هذا هو الثبور فالأصل أننا نحن ندافع عن الوطن من أجل أنه كما قلت مكان لانتشار دين الإسلام أما أننا نمتهن الإسلام ثم ندافع عن حفنة تراب هذا كما قلت ضلال ضلال هذه رابطة ثانية أيضا رديئة وهى عرقية أو قومية وهناك رابطة أيضا خبيثة وهى رابطة المصلحة مصلحية ,على تعبير بعض الشيوخ مصلحجية رابطة المصلحة

يرتبط مع الناس على أساس الريال يوجد ريال بيننا وبينك يعنى بيننا اتفاق ووفاق وحب وسلام, الريال ذهب لا أعرفك ولا تعرفنى وأكثر الآن صلات الناس ببعضهم أيضا على حسب المنفعة وعلى حسب المصلحة أمَّل منك منفعة بشَّ فى وجهك وسلم عليك ويعنى أظهر لك ما أظهر, انتهت المصلحة إن سلمت لا يرد, يا عبد الله كنت تظهر ,المصلحة زالت أخبرنى مرة بعض الناس انظروا للهمة الدنيئة عند بعض الناس وظاهرهم من أهل الخير كل من يراه فى طريقه يحمله فى سيارته ويوصله إلى بيته إلى مكان عمله كل من يراه فقال له بعض الناس يعنى أحيانا تتأخر عن عملك وما أوجب الله عليك يوجد سيارات أجرة يعنى أراك تهتم أكثر كما يقال يعنى مما يطلب من الإنسان, لا مانع أحيانا إذا كنت فى مكان عرفت إنسانا ورأيت عليه سيم الخير أو مكان لا يتوقع وجود مواصلات فيه حملته أما كل من ترى أحدا تحمله يعنى أنت سيارة أجرة فقال له أنت تظن أننى أحملهم لله قال إذن علامَ تحملهم؟ قال يا عبد الله الحياة فيها عسر ويسر فأحملهم قد فى يوم من الأيام أحتاج إلى عمل فى دائرة إلى كذا يكون هذا الذى حملته يعمل فى ذلك المكان يقضى حاجتى إذن يعنى يحمل ويتعب احتمال فى المستقبل تطرأ له حاجة عند من حمله ويقدره ويقضى حاجته إلى هذا الحد وصلت المصلحة عندنا وفينا رابطة المصلحة رابطة المنفعة والرابطة الرابعة الخبيثة الملعونة أيضا الرابطة الكهنوتية وهى رابطة الشعور بالدين مع عزل الدين عن أعمال المكلفين يعنى تدين فقط بيننا وبين ربنا, إذا دخلنا للمسجد كل واحد يبش فى وجه الآخر ويسلم عليه ويقول حرما أو من زمزم أو ما شاكل هذا فى داخل الحرم فى داخل المسجد وإذا خرجنا من المسجد كل واحد يسب الآخر لمَ؟ قال كنا فى بيت الله فى عبادة

يا عبد الله ما عندنا كنهوت كما عند النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة عندنا دين ينظم حياتنا فى جميع شؤوننا ويربط بيننا فى جميع أحوالنا وأما إذا دخلنا المسجد تعارفنا وإذا خرجنا يعنى تخاصمنا لا ثم لا فهذا أيضا رابطة كهنوتية هذه ما لها أثر إلا فى ذلك المكان, شعور دينى يتعاطفون فيما بينهم أما بعد ذلك لا أثر لهذه الرابطة فى الحياة فليس لها نظام يربط بين عباد الرحمن بخلاف الإسلام كما قلت وحد المشاعر والأفكار وحد العقائد والأعمال فجعلهم صورة واحدة وإن تعددت الذوات واختلفت الأشكال هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه هناك توحيد ولذلك عندما تنظر إلى هذا المسلم كأنك نظرت إلى هذا المسلم عمل فكر شعور اعتقاد هذا واحد وحقيقة لذلك حصل بينهم تآلف وتحاب لتوحد أفكارهم ومشاعرهم إخوتى الكرام الرابطة الفكرية كما قلت التى لها نظام ينظم الحياة هذه هى الرابطة الحقة وهذه الرابطة الفكرية على قسمين: إما ان تكون ربانية وهى الرابطة الإسلامية والجنسية الإسلامية وإما أن تكون بشرية هذا موجود؟ نعم موجود الرابطة الشيوعية رابطة فكرية وهى أخطر الروابط والجنسيات على شريعة رب الأرض والسماوات لكنها مع ذلك هزيلة خبيثة لأنه من صنع بشر فلا تربط بين قلوبهم رباطا حقيقيا بحيث يؤثر الإنسان الشيوعى على نفسه لا يمكن هذا لأن يعنى منتهى آمالهم هذه الحياة وأما نحن فلا ثم لا, نحن هذه الحياة ما تسوى عندنا جناح بعوضة ولا قشرة بصلة ولذلك أقل ما يجب للمؤمن علينا أن نحب له من نحب لأنفسنا هذا أقل ما يجب وإذا اكتمل الإيمان نؤثره على أنفسنا ولو كنا محتاجين إلى ما نؤثره به علينا (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)

أولئك ليس عندهم ذلك, نعم الأفكار تتوحد عند الشيوعية فكرهم واحد والأعمال تتوحد لأنه عندهم نظام ينظم الحياة ثم هى رابطة عامة الرابطة الشيوعية كالرابطة الإسلامية ليس لها عرق معين ولا وطن محدد ولا صنف معين إنما هى رابطة مبدأ وقد أذن الله بزوالها وهو على شىء قدير وهى كما قلت أخبث الروابط الموجودة والتى يمكن كما قلت يعنى أن حقيقة يصبح لها انتشار ويعنى ينتمى إليها من ينتمى من الأشرار ويوجد كما قلت يعنى سبب للربط بين من ينتمى إليها الفكر واحد العمل واحد المصير واحد فى النظر إلى هذا الكون والإنسان والحياة, هذا له كما قلت عند الشيوعيين فكر واحد فيصبح بينهم قوة عندما ينتمون إلى هذا المبدأ ثم قلت ليس لها صنف معين ولا جنس معين ولا لون معين عامة لمن ينتمى إليها أذِن الله بزوالها كما قلت وهى أخطر المبادىء على الإسلام وزوالها إيذان بزوال ما هو أقل ضررا منها وهو النظام الرأسمالى النظام الغربى وإذا زالت تلك من غير حيلة منا إنما أزالها رب العالمين وهى تتهاوى الآن وجمهورياتها الواحدة تلو الأخرى تخرج وبعضها يعود إلى حظيرة ودائرة ونور الإسلام (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) فمن عداها نسأل الله أن يزيلها وأيضا من غير جهد منا ولا حيلة فنحن فى زمن فيه قحط الرجال وفى زمن انتشرت فيه العمالة بمختلف الأشكال وحقيقة لا قِبل لنا بها إنما الله جل وعلا لا يعجزه أمر فنسأله جل وعلا أن يهلكهم بالأعاصير الكبار وبالأمطار وأن يحرقهم بالنار وهو على كل شىء قدير, نيران تشب فى بلادهم أمطار تغرقهم أعاصير تدمرهم وهو على شىء قدير الله على كل شىء قدير أما نحن فحالنا كما ترون قحط الرجال وعمالة بمختلف الأشكال ونشكوا أمرنا إلى ذى العزة والجلال

إخوتى الكرام هذه هى المبادىء مبدأ كما قلت رابطة فكرية لها نظام فى الحياة إما أن تكون بشرية أو ربانية شتان شتان بين الرابطتين هناك وإن ربطت لكن فى الحقيقة أُلِّه صنف من البشر وعُبدوا من دون الله عز وجل وهناك تساوينا وصرنا عبادا لله إخوة متحابين فى دين الله ما عدا هذا كما قلت من الروابط كلها أيضا سخيف هزيل من الوطنية والعرقية القومية والمصلحية والرابطة الكهنوتية إخوتى الكرام هذه الرابطة التى مَنَّ الله بها علينا وهى رابطة الإسلام جنسية الإسلام حقيقة ينبغى أن نحمد عليها ذا الجلال والإكرام سبحانه وتعالى على الدوام ونسأل الله جل وعلا كما أنعم علينا بهذه الجنسية فى هذه الحياة أن يجمعنا إخوانا على سرر متقابلين فى نعيم الجنات مع نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين هذه جنسية عظيمة أشار الله إليها وأشاد بها فى كثير من آيات كتابه فقل جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون *واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} [آل عمران/102-103] هذه الرابطة إخوتى الكرام من جهل قدرها وتجاهل أثرها وفضلها ممن ينتمى إلى الإسلام فلا بد من رادع يردعه ليعيد إليه رشده وعقله من أراد أن يثير النعرات الجاهلية والروابط الأرضية الخبيثة الوضعية بين البشرية وينتمى إلى الإسلام لا بد من ردعه وإيقافه عند حده

ثبت فى مسند الإمام أحمد وانظروا الحديث فى المسند فى مسند أبى بن كعب رضي الله عنه وأرضاه فى الجزء الخامس صفحة ست وثلاثين مائة والحديث رواه البخارى فى الأدب المفرد ورواه الإمام النسائى فى السنن الكبرى وهو فى صحيح ابن حبان ومعجم الطبرانى الكبير ورواه الإمام ابن السنى فى كتاب عمل اليوم والليلة والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة والبغوى فى شرح السنة وإسناد الحديث صحيح عن سيدنا أبى بن كعب رضي الله عنه وأرضاه أنه كان فى مجلس معه صحابة وتابعون رضوان الحى القيوم عليهم فتكلمم بعض الناس بالروابط الجاهلية والأعراق القومية قبيلة فلان وبنو فلان ما شاكل هذا يريدوا أن يتفاضلوا على حسب العرق وعلى حسب الأقوام والقبائل وسيدنا أُبَى جالس فى المجلس فقال للمتكلم اعضض هَنَ أبيك والهنُ إخوتى الكرام هو الذكر عضو الإنسان عضو البول يقال له هَن اعضض هن أبيك اعضض متاع أبيك ذكر أبيك اعضض هن أبيك فاستغرب الحاضرون وقالوا يا أبا المنذر ما كنت فحاشا سبحان الله أنت سيد القراء وتقول لبعض المسلمين اعضض متاع أبيك اعضض هن أبيك اعضض ذكر أبيك وأنت سيد القراء تقول هذا فى المجلس قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: (من سمعتموه يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) فلا يحتاج إلى كناية من يدعو بدعوى الجاهلية ويتعزى بعزائها يريد أن يثير الجاهلية القديمة قبائل ويعنى أعراق يريد أن يثيرها فى هذه الأمة المباركة أعضوه بهن أبيه ولا تكنوا لا داعى للكناية يعنى لا تقل له اعضض متاع أبيك هذه كناية قل له اعضض ذكر أبيك اعضض هن أبيك اللفظ صريح ولا داعى للكناية ويُروى عن سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه والأثر فى مصنف ابن أبى شيبة قال: (من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه وأمصوه)

يعنى قل له اعضض متاع أبيك ومص بظر أمك وأرحنا منك ومن هذه الدعوى الخبيثة التى تنشرها بين الناس من أثار الوطنية من أثار القومية من أثار الروابط لجاهلية يبنغى أن يردع بهذا الرادع لأجل أن يقف عند حده, منَّ الله علينا بجنسية إسلامية جعلنا إخوانا متحابين جئنا بعد ذلك هذا وطنى وهذا قومى وهذا عربى دعونا من هذا إخوتى الكرام أكرمنا الله بهذه الجنسية العظيمة وهى الإسلام ولا يقبل سواها إن الدين عند الله الإسلام واستمع أيضا لهذا العلاج من نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام مع أصدق هذه الأمة لهجة سيدنا أبى ذر رضي الله عنه وأرضاه الحديث فى مسند الإمام أحمد والصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن النسائى وعليه هو فى الكتب الستة إلا سنن النسائى من رواية المعرور بن سويد وهو من التابعين الكبار ثقة حديثه مخرج فى الكتب الستة, عاش عشرين مائة سنة المعرور بن سويد يقول الحسن البصرى رضي الله عنه يقول: أدركته وعمره مائة وعشرون سنة وما فى لحيته ولا فى رأسه شعرة بيضاء مائة وعشرون سنة ولحيته سوداء وشعر رأسه أسود المعرور بن سويد رضي الله عنه وأرضاه قال: لقيت لقينا أبا ذر فى الربذة وعليه بُرد وعلى غلامه برُد فقلنا له لو أخذت البرد الذى على غلامك فلبسته لكان حُلة يعنى ثوب من قطعتين غلام يلبس قطعة وهو عبدك رقيقك وأنت تلبس قطعة لو أخذت البرد الذى على غلامك فلبسته لكان حلة والحلة ثوب من قطعتين إزار ورداء مثلا يصبح يعنى فى جمال وبهجة الثياب متناسبة أما الإزار مثلا لونه أصفر والرداء لونه أبيض وقميص مثلا وعباءة ,حقيقة يعنى لو جعل القطعتين لون واحد هذا يعنى أبهى وأجمل عند الناس تصبح حلة ثوب من قطعتين بلون واحد وفى رواية قال فإذا عليه حلة عليه منها ثوب وعلى غلامه منها ثوب حلة كما قلت من ثوبين ولبس ثوبا وغلامه لبس ثوبا منها وفى رواية فإذا عليه حلة وعلى غلامه حلة كيف سيصبح هذا؟

إذا على غلامه حلة إذن ثوب من قطعتين وعليه حلة ثوب من قطعتين وهناك برد وبرد وهنا عليه منها ثوب وعليه منها ثوب هذه الروايات الثلاثة جمع بينها الحافظ رضي الله عنه حقيقة فى الفتح فى الجزء الأول صفحة خمس وثمانين 1:12قال: كل منهما كان يلبس حلة الغلام يلبس حلة وسيدنا أبو ذر يلبس حلة لكن انتبه هاتان الحلتان فيهما حلة جديدة جميلة نفيسة وفيهما حلة قديمة بالية فسيدنا أبو ذر أخذ ثوبا من الحلة الجديدة فلبسه وثوبا من الحلة القديمة البالية فلبسه وأعطى غلامه ثوبا من الحلة الجديدة وثوبا من الحلة القديمة البالية وعليه كل منهما عليه حلة فقالوا لأبى ذر يعنى أنت الآن حقيقة أمرك عجب الثوب الذى من حلتك يلبسه هذا والثوب الذى من حلة هذا تلبسه أنت خذ الثوب الجديد يصبح عندك ثوبان بلون واحد حلة كاملة وذاك عليه حلة لكن أنت جديدة وذاك حلته قديمة لمَ لا تفعل هذا؟ أنت سيد وأنت صحابى وهذا غلام خادم عبد رقيق فاستمع لهذا الدرس الذى سمعه من نبينا عليه الصلاة والسلام فدعاه إلى ما دعاه إليه فقال ساببت رجلا فعيرته بأمه قال الحافظ ابن حجر فى الفتح رُوى أنه سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنهم وأرضاهم بلال الحبشى رضي الله عنه وأرضاه ساببت رجلا من السب وهو القطع فكأن الإنسان عندما يعنى يسب المسبوب يريد أن يقطعه وأن يسكته وأن يخرسه قال الحافظ ابن حجر وقيل سببته من السبة وهى حلقة الدبر ساببت رجلا قال سمى الفاحش من القول بالفاحش من البدن يعنى السب يقال له سب من السبة كما أن الفاحش من البدن حلقة الدبر والإنسان يستحى من إبدائها وذكرها فالسب يقال له سب من السبة لأنه فاحش من القول كالفاحش من البدن فالسابَُ يقال له ساب لأنه يريد إظهار عورة المسبوب وهناك يريد أن يقطعه وواقع الأمر من سب غيره يريد أن يسكته وأن يخرسه ويريد أن يكشف عورته وأن يفضحه وأن يهتك ستره ساببت رجلا فعيرته بأمه وهذا السب إخوتى الكرام جرى بينهما

لذلك ورد فى صحيح مسلم لما قال نبينا عليه الصلاة والسلام لسيدنا أبى ذر ساببته يا أبا ذر قال من سب الرجال سبوا أباه وأمه يعنى هو أيضا سبنى لكن أنا زدت يعنى هو لو سب وسب لحصلت مكافئة ويحتاج يعنى وعظ بغير هذا الأسلوب لكن سب وسب وهنا فى تطاول بنعرة جاهلية هذا سب وهذا سب ثم قال أبو ذر لمن أنت يابن السوداء ما قيمتك أنت تسبه وهو يسبك يعنى كل واحد جهل على الآخر لكن بقينا كما قلت ضمن معاصى لا يخلو منها البشر أما بعد ذلك تريد أن تتعالى عليه وهو مؤمن بشىء تافه لا وزن له ولا اعتبار قال ساببت رجلا فعيرته بأمه فقال النبى عليه الصلاة والسلام يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية ورد فى بعض الروايات فى صحيح البخارى وغيره قال سيدنا أبو ذر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعتى هذه من كبر السن يعنى أنا كبير السن وشيخ وللآن لا زال فىَّ خصلة من خصال الجاهلية على ساعتى هذه من كبر السن قال نعم إنك امرؤ فيك جاهلية إخوانكم خَوَلُكم ومعنى الحديث إخوتى الكرام خدمكم وهم الخَوَل إخوان لكم وإن كانوا أرقاء ومماليك فهم إخوان لكم فى دين الله المالك الملك سبحانه وتعالى إخوانكم خولكم أصل الكلام خولكم إخوان لكم فاتقوا الله فيهم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم حقيقة إخوتى الكرام صحابى جليل سيدنا أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه يزل هذه الزلة وكما قلت يعنى مفهوم جاهلى دخلنا الآن فى الأعراق القوميات المنتنة يابن السوداء إنك امرؤ فيك جاهلية وهناك قال سيدنا أُبَى اعضض متاع أبيك وهنا إنك امرؤ فيك جاهلية هذه النعمة حقيقة من لم يعطها قدرها ومن لم يعرف شرفها ومنزلتها وخرج وتجرأ عليها ينبغى أن يزجر منه قِبل أفراد الأمة بما يفطم نفسه عن الرجوع إلى إثارة تلك النعرات الخبيثة المنتنة إنك امرؤ فيك جاهلية اعضض كذا

ولذلك كان سيدنا سيدنا أبو ذر بعد ذلك لئلا يتميز على غلامه وعلى عبده وعلى رقيقه يسوى بينه وبين عبده فى كل شىء حتى اللباس لئلا يتميز على أحد ما دام الأمر فيه خطورة على ساعتى هذه من كبر السن وأنا جاهلى قال نعم إنك امرؤ فيك جاهلية وأنت كبير السن وأصدق هذه الأمة لهجة وأنت وأنت لكن فى هذا الأمر زل قدمك وقد بوَّب البخارى على هذا الحديث فى كتاب الإيمان بابا فقال المعاصى من أمر الجاهلية انتبه ولا يَكفر صاحبها بارتكابها إلا الشرك قال البخارى بقول النبى صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبى ذر: إنك امرؤ فيك جاهلية ثم ساق الحديث هذا ليس بكفر ما كفر هو وما استحل هذا لو استحل الإنسان هذا حقيقة يكفر إنما يعنى طياشة بشرية خرجت من غير كما يقال قصد وكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون لكن هذا من خصال الجاهلية المعاصى من أمر الجاهلية ولا يَكفر صاحبها بارتكابها إلا الشرك لقول النبى عليه الصلاة والسلام إنك امرؤ فيك جاهلية وقول الله عز وجل {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما} [النساء/48] {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا} [النساء/116] إخوتى الكرام هذا فيما يتعلق بهذه الجنسية التى كما قلت هى جنسية حقيقية وهذه فى الحقيقة هى تؤلف بين سائر أفراد البشرية الإنسانية هذا آخر الفروق كما قلت بين شرع الخالق والمخلوق بعد ذلك كما قلت بقى أمر نتدارسه فى المواعظ الآتية بعون الله ما حكم من خرج عن هذه الشريعة الربانية إلى الشريعة البشرية الغوية نتدارس هذا فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا اللهم إنا نسألك من كل شىء أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

011

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام انتهينا من دراسة الفروق بين شرع الخالق وشرع المخلوق وتبين لنا إخوتى الكرام أن الفارق بين الأمرين كالفارق بين الخالق وخلقه سبحانه وتعالى الفارق بين شرع الله عز وجل وشرع العباد كالفارق تماما بين السفاهة والحكمة وبين الجهل والعلم وبين الحياة والموت وبين الوجود والعدم وبين الهدى والردى ولا تستوى هذه الأمور المتقابلة (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) وفى هذه الموعظة إخوتى الكرام والتى بعدها سنتدارس أمر ضروريا ينبغى أن نعيه ألا وهو ما حكم من خرج عن حكم الله عز وجل لم يحتكم إليه ولم يحكم به ولم يلتزم بهذا الشرع فى جميع شؤون حياته ما حكمه؟ من خرج عن شرع الله عز وجل له حالة من حالات ثلاث: إما أن يعذر فيها وهى الحالة الأولى وإما أن يأثم ويوزر وإما أن يرتد ويُكَفَّر هذه ثلاثة أحوال الحالة الأولى كما قلت هو معذور خرج عن شرع العزيز الغفور لكنه معذور لمَ؟ سأوضح هذا الحالة الثانية خرج عن شرع العزيز الغفور لكنه آثم موزور مأزور من باب الإتباع مأجور ومأزور الحالة الأولى كما قلت معذور أما الحالة الثانية موزور لو كان هناك مأجور لصار الإتباع أوليس كذلك؟ مأزورات ومأجورات ارجعن مأزورات غير مأجورات

على كل حال ضبطها فى اللغة موزور من وُزِرَ إذا حمل الوزر وحُمِّلَه فهو موزور إذن موزور والحالة الثانية معذور الحالة الأولى معذور والثانية موزور والثالثة مرتد كما قلت كفور الحالة الأولى إخوتى الكرام التى يعذر فيها الإنسان ولا يكون عليه وزر فيها ومن باب أولى لا يوصف بالكفر يعنى ولا يتحمل إثما فى هذه الحالة ومن باب أولى لا يكفر هذه إخوتى الكرام لها ثلاثة أبواب والحالة الثانية لها ثلاثة أحوال والحالة الثالثة لها خمسة أحوال وعليه عندنا إحدى عشرة حالة ينبغى أن نتدارسها لمن خرج عن شرع الله عز وجل الحالة الأولى كما قلت التى يعذر فيها الإنسان لها ثلاثة أحوال ضابطها إخوتى الكرام أنه لا يقصد الإنسان معصية ذى الجلال والإكرام عندما خرج عن شريعة الرحمن ما قصد معصيته, نعم هو لم يقصد المعصية لكن قد يوجه إليه اللوم فقط دون أن يترتب عليه حكم العاصى ودون أن يكون آثما قد يتوجه إليه اللوم لوجود تقصير ما منه يمكن أن يتلافاه يمكن أن يحترس منه فهذا التقصير الذى وقع فيه يوجه إليه اللوم من أجله إنما هو ما قصد معصية ربه سبحانه وتعالى قلت هذه الحالة لها ثلاث حالات لها ثلاثة أحوال: أولها إخوتى الكرام أن يكون للإنسان عندما يخرج عن شريعة ربنا الرحمن أن يكون له تأويل فيما يمكن التأويل فيه فأخطأ فى التقدير فالله عفو سبحانه وتعالى غفور أمر يمكن أن يكون للتأويل فيه مجال فتأول كما قلت فى بداية الأمر الضابط ما قصد معصية الله عز وجل لكنه انحرف عن حكم الله وأخطأ فيما فعل ولو تعمد هذا الأمر لكان من الضالين ولو استباحه لكان من الكافرين انتبه لكن هو يرى أنه مباح يرى أنه حلال, دخل عنده تأويل فيه نعم أخطأ وما فعل الأمر الشرعى كما قلت معذور قد يُلام لأنه كان ينبغى أن يحتاط على التمام مثال هذا إخوتى الكرام وسأمثل لكل يعنى حالة من هذه الأحوال بقصة وقعت فى العصر الأول وبحديث يدل عليها وقيسوا بعد ذلك عليها ما يشبهها

مثال ذلك قصة حِبِّ رسول الله وابن حَبِّه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قصة سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه عندما قتل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام قتله بنوع تأويل هو يرى أنه قال هذه الكلمة متعوذا وأنه قالها فى وقت لا ينفعه الإيمان لأنه ادرك الآن أن حياته ذهبت فصار حاله كحال من بلغت روحه الحلقوم فآمن بالحى القيوم فإيمانه لا يقبل منه ولا ينفعه فتأول وقتل من نطق بكلمة الشهادة هو معذور, حقيقة لكن وُجِّه إليه اللوم من قِبل نبينا المبرور على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه استمعوا إلى الحديث الوارد فى ذلك رواها الإمام أحمد فى مسنده ورواه الشيخان فى الصحيحين ورواه الإمام أبو داود فى سننه والنسائى فى السنن الكبرى ورواه الإمام ابن أبى شيبة فى مصنفه والإمام ابن منده فى كتاب الإيمان ورواه البيهقى فى السنن الكبرى ورواه الإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده والبزالر فى مسنده أيضا وانظروا الحديث فى جامع الأصول فى الجزء الثامن صفحة خمس وخمسين وثلاثمائة ولفظ الحديث من رواية سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحُرَقَة وفى بعض الروايات كما سأتينا إلى الحرقات من جهينة والحرقة والحرقات قبائل من قبيلة جهينة سميت بالحرقة والحرقات لأنهم اقتتلوا فى الجاهلية مع بنى مرة بن عوف فأحرقوهم بسهامهم وسيوفهم من كثرة ضرب السهام والسيوف صار فيهم مقتلة عظيمة كأنه شب فيهم حريق فقيل لهم الحرقة والحرقات يقول سيدنا أسامة بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة إلى الحرقات كما قلت من الرواية الثانية من جهينة قال فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رضي الله عنهم أجمعين رجل منهم من جهينة فلما غَشِيناه قال لا إله إلا الله لما صرنا يعنى فوقه وشهرنا عليه السيوف لنضربه قال لا إله إلا الله

فكف عنه الأنصارى وأحسن فيما فعل وليت سيدنا أسامة كف عنه أيضا قال وطعنته برمحى وفى بعض الروايات سيأتينا يقول فلما رفعت عليه السيف قال لا إله إلا الله فطعنته برمحى والجمع بين الروايتين كما قال الحافظ ابن حجر: رفع عليه السيف ليضربه فأفلت منه وهرب فلئلا يفلت منه رماه بالرمح فقتله وإلا هو أراد فى أول الأمر أن يخرق رأسه بالسيف علاه بالسيف قال لا إله إلا الله فشرد فتبعه ورماه بالرمح فأصابه فقتله يقول فطعنته برمحى حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان متعوذا وفى رواية إنما قال ذلك خوفا من السلاح وفى رواية إنما قال ذلك ليحرز دمه فقال النبى عليه الصلاة والسلام يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله فما زال يكررها حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت قبل اليوم وفى رواية قال سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سرية وهى القطعة من الجيش تذهب للغزو فى سبيل الله عز وجل فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا منهم فقال لا إله إلا الله فطعنته برمحى فوقع فى نفسى من ذلك يعنى بعد أن قتله سيدنا أسامة هو أيضا استشكل قتله قال لعله الآن صار من عباد الله الموحدين كيف قتلته بعد أن وحد رب العالمين فذكرت ذلك للنبى الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقال لا إله إلا الله وقتلته قال قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قالها خوفا من السلاح قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟

أقالها هنا القائل هو القلب يعنى أقالها قلبه واعتقد بها ونطق بها أم لا فأنت الآن سمعت نطق اللسان لكنك تشك فى اعتقاد الجنان هلا شققت عن قلبه لتعلم أقالها القلب أيضا أم لا وهل اعتقد أيضا هذا القول فى قلبه أو هو مجرد نطق بلسانه فما زال يكررها عليه أقال لا إله إلا الله وقتلته ,أقال لا إله إلا الله وقتلته يكرر نبينا عليه الصلاة والسلام هذا الكلام على سيدنا أسامة حتى تمنيت أنى أسلمت يومئذ يعنى أسلمت فى هذه الحالة وما جرى منى سابقا ما جرى لئلا أعاتب هذه المعاتبة قال فقال سعد يعنى ابن أبى وقاص رضى الله عنه وأرضاه وأنا والله لا أقتله مسلما حتى يقتله ذو البُطَين والبطين هو سيدنا أسامة لقب له لأنه كان له بطن رضى الله عنه وأرضاه فسيدنا أسامة بعد هذا الحديث حقيقة بدأ يرتجف من رفع يده ليس سيفه على من ينطق بتوحيد ربه ولذلك هو من جملة الذين مَن اعتزلوا الفتن التى وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وسيدنا سعد تبعه قال: أنا لا أقتل أحدا حتى يقتله ذو البطين هذا أدبه النبى عليه الصلاة والسلام تأديبا عظيما فأثر ذلك التهديد فى نفسه فمَن قتله سيدنا أسامة أنا أقتله وأما إذا هو امتنع عن القتال فأنا لا أقاتل وحقيقة انتفع كما قال الإمام الذهبى فى السير فى ترجمة سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه قال انتفع سيدنا أسامة بعتاب النبى عليه الصلاة والسلام له فأحسن وجلس عن المشاركة فى الفتن التى وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعنى أسامة قال فقال رجل يعنى لسيدنا سعد: ألم يقل الله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟ فقال سعد قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة

والفتنة هى الشرك والكفر وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة فأنتم تقتتلون من أجل مُلك ومن أجل حكم ونحن قاتلنا ليكون الدين كله لله فنحن ننكف عن القتال ولا نشارك فى هذه الفتن التى تجرى بين المسلمين هذا الحديث كما قلت إخوتى الكرام من رواية سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه فعل ما فعل ما أوجب النبى عليه الصلاة والسلام عليه القصاص بل ولا الدية على المعتمد وإن بحث الإمام ابن التين فى ذلك وقال ما ذكرت الدية لكن يعنى هى معلومة, لا لم يجب عليه دية ولا قصاص من باب أولى ولا إثم عند الله وهو كما قلت خالف شرع الله لكنه معذور تأول فيما فيه مجال للتأويل هو الآن أمام قضية واقعة إنسان من المشركين سيأتينا حاله فى حديث جندب رضى الله عنه ليس من المشركين العاديين عمل فى المسلمين عملا فظيعا شنيعا كان يقتل نهم مقتلة عظيمة ينقض على هذا فيقتله وعلى هذا فيقتله يعنى قتل من الصحابة عددا فتبعه سيدنا أسامة والأنصارى رضى الله عنهم أجمعين بعد أن قتل عددا من الصحابة كما سيأتينا فى رواية جندب فلما رفع السيف عليه قال لاإله إلا الله حقيقة يوجد مجال للتأويل أنه الآن ما قالها إلا ليحرز دمه وخوفا من السيف وهو الآن أدرك أن حياته قد انتهت فإيمانه ميؤوس منه الآن لا يقبل لأنه يأس من الحياة فإذن فى مجال للتأويل ضربه حقيقة كما قلت لا إثم عليه لا ذنب عليه لا يترتب على هذا القتل أى حكم لكن مع ذلك لامَهُ نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه كان بإمكانه أن يتريث وأن يحتاط وإذا تركه سيكون ماذا؟ إذا عاد إلى الكفر يُقتل وإذا آمن فهذا الذى نريده ومن أجل هذا بُعث نبينا عليه الصلاة والسلام بُعث ليقول الناس لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فعلامَ تتسرع؟ لامه لكن كما قلت وهو معذور وهنا الآن خالف شرع العزيز الغفور وقد عاتبه نبينا عليه الصلاة والسلام عتابا شديدا

واستمع للرواية التالية رواه الإمام مسلم فى صحيحه وهكذا الإمام ابن منده فى كتاب الإيمان وانظروا كتاب الإيمان صفحة تسع ومائتين من الجزء الأول, الحديث الذى ذكرته قبله مباشرة فى كتاب الإيمان أيضا للإمام ابن منده وتقدم معنا خرَّج حديث سيدنا أسامة وهذا حديث سيدنا جندب بن عبد الله البجلى رضي الله عنهم أجمعين عن جندب بن عبد الله البجلى رضي الله عنه أنه بعث إلى عسعس بن سلامة زمن فتنة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين عسعس بن سلامة اختُلف فى صحبته قيل إنه صحابى والذى ذهب إليه الأكثر أنه تابعى وأرسل أحاديث عن النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لذلك قال الذهبى فى تجريد أسماء الصحابة فى الجزء الأول صفحة واحدة وثمانين وثلاثمائة تابعى أرسل عسعس بن سلامة وانظروا ترجمته إخوتى الكرام فى الإصابة فى الجزء الثانى صفحة ثمانين وأربعمائة ونقل عن الإمام ابن عبد البر أن حديثه مرسل وقيل له رؤيا للنبى عليه الصلاة والسلام إذا ثبتت رؤيته للنبى عليه الصلاة والسلام فهو صحابى قال شيخ الإسلام الإمام النووى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه فى شرح صحيح مسلم فى الجزء الثانى صفحة أربع ومائة وقلت إن الحديث فى صحيح مسلم قال عسعس من الأسماء المفردة التى لا يُعرف لها نظير يعنى لا يوجد اسم آخر عسعس يشابهه فى ذلك لا يوجد أحد يشابهه فى هذا الإسم, لا من الصحابة ولا من التابعين, اسمه عسعس بن سلامة أرسل إليه جندب بن عبد الله فى زمن فتنة سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين فقال جندب لعسعس اجمع لى نفرا من إخوانك حتى أحدثهم من أجل ألا يشاركوا فى الفتن التى وقعت فى أواخر عهد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فبعث عسعس رسولا إليهم أى إلى أصحابه وجمعهم

فلما اجتمعوا جاءه سيدنا جندب بن عبد الله البجلى وعليه برنس والبرنس إخوتى الكرام قَلَنسُوة طويلة كان النُّساك والزهاد والعُباد قلنسوة توضع على الرأس طويلة, كان النساك يلبسونها فى أول الإسلام قلنسوة طويلة يقال لها برنس فجاء وعليه برنس أصفر يعنى قلنسوة وطاقية صفراء فقال تحدثوا بما كنتم تتحدثون به جندب يقول لأصحاب عسعس بأى شىء كنتم تتحدثون أكملوا حديثكم حتى دار الحديث ووصل إلى جندب يتفاوضون فلما دار الحديث إليه حَسَرَ البرنس عن رأسه وقال إنى أتيتكم ولا أريد أن أحدثكم إلا عن نبيكم عليه الصلاة والسلام يعنى فقط أريد أن أروى هذا الحديث عن النبى عليه الصلاة والسلام لتنتبهوا إلى حالكم ولا تتورطوا فى الفتن فيما بينكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين وإنهم التقوا التقى الجيشان الموحدون والكافرون فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله إذا أراد أن يقتل أحدا قصده فقتله وأجهز عليه وإن رجلا من المسلمين قصد غفلتهم هذا المشرك الذى قتل ما قتل من المسلمين الصحابة الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين وإن رجلا من المسلمين قصد غفلتهم قال وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد هو أسامة تقدم معنا الحديث فى الصحيحين وغيرهما فلما رفع عليه السيف قال لاإله إلا الله فقتله سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه فجاء البشير إلى نبينا البشير النذير عليه صلوات الله وسلامه فسأله وأخبره حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع فدعاه فسأله فقال لمَ قتلته؟ فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجع فى المسلمين وقتل فلانا وفلانا وفلانا عمل فيهم مقتلة عظيمة وأوجع فيهم وفجعنا فى إخواننا وسمى له نفرا وإنى حملت عليه فلما رأى السيف قال لاإله إلا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلته قال نعم قال فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة

هذه ستكون الآن تخاصم وتحاج وتجادل عن صاحبها وأنت قتلته بعد أن وحد ربه كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ فقال سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لى ما استغفر له كما ستسمعون وكما قلت لامه من أجل أن يحذر الأمة بعد ذلك من الوقوع فى مثل هذا قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لى قال يا أسامة كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال فجعل لا يزيده على أن يقول كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ما زاد على هذا والنبى عليه الصلاة والسلام يكرر هذا على سيدنا أسامة بن زيد رضى الله عنه وأرضاه إخوتى الكرام كما قلت تأوَّل فيما فيه مجال للتأويل وأخطأ فهو معذور لكن قد يتوجه إليه اللوم دون الإثم والذنب والمعصية عليه يتوجه إليه اللوم لأنه كان بإمكانه أن يحتاط وأن يتريث لئلا يقع فيما وقع فيه قال الإمام ابن التين كما حكى ذلك عنه الحافظ فى الفتح فى الجزء الثانى عشر صفحة خمس وتسعين ومائة قال فى هذا اللوم تعليم وإبلاغ فى الموعظة حتى لا يُقدم أحد على قتل من تلفظ بكلمة التوحيد هذا حقيقة هذا اللوم الشديد هذا فيه تعليم وإبلاغ للأمة حتى يحتاطوا ولا يتساهل أحد لى قتل مَن يوحد الله عز وجل وقال الإمام القرطبى فى المُفهِم كما نقل ذلك عنه أيضا الحافظ ابن حجر فى الفتح فى تكريره ذلك كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة والإعراض عن قبول العذر زجر شديد عن الإقدام على مثل ذلك سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه كما قلت فعل ما فعل متأولا فكان يرى أنه إذا نطق الإنسان بلا إله إلا الله فى هذا الموطن لا تقبل منه لأنه يعنى يقولوها تعوذا, يقولوها خوفا من السلاح, يقولوها عندما آيس من حياته والله جل وعلا يقول فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا

فإذن حمل الأمر على ذلك عنده كما قلت مبررات لفعله هذه المبررات حقيقة أسقطت عنه الذنب والمعصية وعقوبة الله جل وعلا لكن كما قلت إنه فى فعله مخطىء وهو معذور وهذا مع أنه خرج فيه عن شرع العزيز الغفور, لا إثم عليه لما تقدم معنا من اعتبار ألا وهو تأويل فيما فيه مجال للتأويل قد يلام أحيانا إذا يعنى فرط وما احتاط فلامه نبينا عليه الصلاة والسلام دون أن يترتب على ذلك أحكام القتل الشرعى هذه الحالة الأولى إخوتى الكرام من الأحوال الثلاثة التى يعذر فيها الإنسان عندما يخالف شرع الرحمن شرع الله لا بد أن نلتزم به كما قلت إذا خرج الإنسان عنه حكما به تحكيما له ما حاله كما قلت له ثلاثة أحوال حالة يُعذر وحالة يوزر يأثم ويوزر وحالة يرتد ويكفر فالحالة الأولى التى يعذر فيها أيضا لها ثلاث حالات الحالة الأولى أن يكون متأولا فيما فيه مجال للتأويل كما حصل من سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه يدخل فى هذا يعنى أمثلة كثيرو منها ما حصل لسيدنا حاطب بن أبى بلتعة وأمر عظيم عظيم حقيقة إخوتى الكرام ولا أريد أن أذكر قصته إنما قصته صحيحة ثابتة فى المسند والكتب الستة إلا سنن الإمام ابن ماجة وهى فى غير ذلك فى دواويين السنة عندما كاتب المشركين يخبرهم أن نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يتجهز لغزوهم وفتح مكة المكرمة

حقيقة هذا الكتاب يعنى لو وصل للمشركين ونبينا الأمين عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد غزوة وَرَّى وما أعلم الناس بأمره من أجل ألا يكشف السر الحربى من أجل أن يباغت هؤلاء ولا يعد العدة لمقابلته عليه صلوات الله وسلامه وبعد أن هم نقضوا العهد وبدأوا بالخديعة والمكر إذا كان كذلك ما يبنغى أن يبلغهم الخبر فحاطب كتب ونبينا عليه الصلاة والسلام أعلمه بذلك ذو الجلال والإكرام فلما علم بذلك وأرسل سيدنا عليا والزبير والمقداد رضي الله عنهم أجمعين وقال ظعينة يوجد فى مكان كذا فى روضة خاخ إذا قابلتموها هناك معها كتاب حاطب رضى الله عنه وأرضاه وفعلا بعد أخذوا الكتاب منها وعادوا, امرأة ذاهبة إلى مكة قال له نبينا عليه الصلاة والسلام: ما حملك على هذا وهو مهاجرى بدرى رضى الله عنه وأرضاه فاعتذر وتأول فيما فعل وقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام جميع أصحابك لهم عشيرة وأنصار فى مكة إلا أنا فأنا ملصق بقريش لست منهم فخفت يعنى على أهلى وعلى أولادى فأردت أن اتخذ عندهم يدا وأنا على علم أن الله سينصرك ويؤيدك فهذا الفعل ينفعنى ولا يضرك فالنبى عليه الصلاة والسلام حتما التمس له العذر وأنه أخطأ وسيدنا عمر رضي الله عنه أن يعامل الواقعة بما تستحق فى الظاهر فقال دعنى اضرب عنقه يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد نافق وكفر قال وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم الشاهد هذا أيضا فعل منه رضى الله عنه وأرضاه عذره نبينا عليه الصلاة والسلام بنوع تأويل ولو لم يفعل هذا بتأويل لخرج من شرع الله الجليل كونه يدل المشركين على يعنى ما يبيته ويريد أن يفعله نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام هذا خروجا من دين رب العالمين كما قلت بنوع تأويل

إخوتى الكرام هكذا ما حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من فتن فيما بينهم رضى الله عنهم وأرضاهم بنوع تأويل وهم فى الجنة إخوانا على سرر متقابلين رضى الله عنهم وأرضاهم بنوع تأويل نعم لو لم يقع هذا لكان أحسن لكن وكان أمر الله قدرا مقدورا لو لم يقتل سيدنا أسامة هذا الموحد لكان أحسن, لو لم يكتب حاطب بن أبى بلتعة رضى الله عنه وأرضاه لكان أحسن لكن البشر محل الخطأ إذا ما تعمد القلب المعصية قلت الضابط فى هذه الأحوال الثلاثة أن الإنسان لا يقصد المعصية إنما يتأول فيخطىء فيقع فى المعصية فعلا لا قصدا ولا نية ولا عزيمة, هو ما أراد المعصية ولا أراد الانحراف عن شرع الله عز وجل لكنه وقع فى المعصية لكنه انحرف لكنه أخطأ ,بما أنه لم يقصد غفر له فعله, قد يوجه إليه كما قلت اللوم لأنه كان بإمكانه أن يحتاط وعنده تقصير ما ولو احتاط حقيقة لسلم من الخطأ ومن اللوم, كان بإمكان حاطب أن يقول للنبى عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه هل للأمر سعة إن أردت أن اتخذ يدا عند المشركين وأن أكتب لهم بما يعنى تنوى وتعزم عليه هل فى ذلك سعة وأنا يعنى هذا ينفعنى ولا يضرك ولا يضرنا نحن معشر المسلمين كان بإمكانه أن يسأل وأن يأتى الأمر من بابه لكنه كما قلت تأول, فهذا حال البشر بما فيه مجال للتأويل هو يعلم أن الله سينصر رسوله عليه الصلاة والسلام سواء علم المشركون أو لم يعلموا, فقال إعلامى لهم لا يضر المسلمين وأنا انتفع فكأنه صار لى عندهم مصلحة ولى عندهم يد والنبى عليه الصلاة والسلام منصور منصور رغم أنف الكبير والصغير لكن هذا كما قلت خطأ جرى منه رضى الله عنه وأرضاه هذه حالة أولى إخوتى الكرام من الحالات الثلاث التى يُعذر فيها الإنسان كما قلت ليس عليه إثم ومن باب أولى لا يكفر بالله عز وجل الحالة الثانية أن يجهل الإنسان شرع الله الجليل

وذلك الجهل دون إعراض منه أو تقصير وما أعرض عن تعلم شرع الله وما قصر فى يعنى طلب شرع الله لكن جَهِل وهذا الجهل كما قلت يعنى ليس هو من ديدنه لإعراضه عن دين ربه لأنه لا يسأل, لا يتعلم, لا, هو يسأل ويتعلم لكن فى بعض المسائل جَهِل ففعل ما فعل بناء على جهل منه فهو معذور لكن قد يوجه إليه لوم وقد لا يوجه على حسب حاله على حسب الواقعة التى تجرى منه مثال هذا إخوتى الكرام ما جرى من عدد من الصحابة الكرام فى أول الأمر نحو فريضة الصيام يقول ربنا الرحمن {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة/187] إلى هنا نزلت الآية ولم ينزل بقيتها وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود (من الفجر) كلمة من الفجر ورد أنه كان بين يعنى نزولها ونزول الآية سنة كاملة كما قال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر كلمة من الفجر اتركها الآن لم تنزل فى أول الأمر وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد الآية بكاملها دون كلمة من الفجر هذه نزلت بعد ذلك إذن وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود إلى هنا هذا الذى نزل فاستمع لما وقع من عدد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين روى الإمام الواحدى فى أسباب النزول والأثر رواه البغوى فى معالم التنزيل والطحاوى فى شرح معانى الآثار والبيهقى فى السنن الكبرى عن سيدنا سهل بن سعد رضى الله عنه وأرضاه والحديث إسناده صحيح قال أنزلت هذه الآية وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل من الفجر

إخوتى الكرام الحديث كما قلت رواه الواحدى فى أسباب النزول والبغوى فى معالم التنزيل والطحاوى فى شرح معانى الآثار والبيهقى فى السنن الكبرى ينبغى أن يضاف إلى ما هو أولى بالإضافة إليه من هذه الكتب الحديث فى الصحيحين أيضا فى صحيح البخارى وصحيح مسلم وهو فى سنن النسائى ورواه الطبرى أيضا فى تفسيره وهكذا الإمام ابن المنذر وابن أبى حاتم, انظروا الحديث فى جامع الأصول فى الجزء الثانى صفحة سبع وعشرين وعليه فهو فى أعلى درجات الصحة إذن أنزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أراد أحد منهم الصوم ربط أحدهم فى رجليه خيطا أبيضا وخيطا أسودا يربط فى رجله خيطين خيط أبيض خيط أسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رِئيهما فأنزل الله جل وعلا من الفجر فعلموا أنه يراد بهما سواد الليل من بياض النهار إذن فى أول الأمر يربط خيطين برجله خيط أبيض خيط أسود لا يزال يأكل حتى يتبين له رِئيهما أى منظرهما شكلهما كما قال الله جل وعلا {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا *وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا} [مريم/73-74] ورئيا منظرا حتى يتبين له رئيهما أى منظرهما هذا كما قلت إخوتى الكرام معنى رئيهما قال الإمام النووى وضُبط حتى يتبين له زيهما بالزاى أى شكلهما رئيهما زيهما وضُبط أيضا بالراء مكسورة ومفتوحة رِ ورَ وبعدها همزة وياء مشددة يصبح رِئيِّهما رَئيِّهما قال الخطابى وهذا خطأ لأن الرِئى هو التابع من الجن قال وإذا ثبتت الرواية فيراد حتى يتبين رِئيهما كما تقدم معنا رئيهما يعنى نظرهما وشكلهما على جميع الرويات رِئيهما زيهما رِئيهما رَئيهما يعنى شكلهما منظرهما حتى يتميز أحد الخيطين عن الآخر حتى يظهر سواد الخيط الأسود وبياض الخيط الأبيض

هذا كانوا يفعلونه فى أول الأمر ليس جميع الصحابة إنما جرى هذا من بعضهم كان رجال إذا أراد أحد منهم الصوم ربط فى رجله خيطا أبيضا وخيطا أسودا فلا يزال يأكل حتى يتبن له رِئيهما زيهما رِئيهما رَئيهما فأنزل الله جل وعلا بعد ذلك وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فعلموا أن الله جل وعلا أراد بذلك سواد الليل وبياض النهار. هذه حادثة حادثة أخرى ثبتت فى مسند الإمام أحمد والكتب الستة إلا سنن الإمام ابن ماجة والحديث رواه الإمام الدارمى فى سننه والإمام ابن عيينة فى تفسيره وسعيد بن منصور فى سننه والإمام ابن أبى شيبة فى مصنفه وهو فى تفسير الطبرى وابن المنذر وابن أبى حاتم رواه عبد بن حميد فى مسنده والبغوى فى معالم التنزيل والحميدى فى مسنده والطحاوى فى شرح معانى الآثار والبيهقى فى السنن الكبرى وهو كالحديث الذى قبله فى أعلى درجات الصحة فهو فى الصحيحين ذاك من رواية سهل رضى الله عنه وأرضاه عن رجال من الصحابة كانوا يفعلون وهذا من رواية عدى بن حاتم عن نفسه يقول عدى رضى الله عنه وأرضاه لما نزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر إلى تمام الآية هنا يقول عمدت إلى عقال أسود ما يعقل به البعير ويربط به يعنى إلى حبل أسود وإلى عقال أبيض عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتى وجعلت أنظر من الليل إليهما حتى يتميز أحد العقالين عن الآخر أرى العقال الأسود من العقال الأبيض فلا يستبين لى فجعلت آكل ما يتبين لى العقال الأبيض من العقال الأسود فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال النبى عليه الصلاة والسلام إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار حتى يتبين لكم الخيط الأبيض بياض النهار من الخيط الأسود سواد الليل

يعنى إذا انشق عامود الفجر ولاح النور فى الأفق ضياء الصبح هذا هو الخيط الأبيض ليس هو عقال أبيض وعقال أسود تأكل حتى يتميز لك هذا من هذا وفى رواية فى صحيح البخارى أنه أخذ عقالا أبيضا وعقالا أسودا يقول حتى كان بعض الليل فجعل سيدنا عدى ينظر إليهما فلم يستبينا فبدأ يأكل فلما أصبح ذكر ذلك للنبى عليه الصلاة والسلام وقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام جعلت تحت وسادى عقالا خيطا أبيضا وخيطا أسودا عقالا أبيضا وعقالا أسودا, فقال النبى عليه الصلاة والسلام إن وسادك لعريض أن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحت وسادتك يعنى إذا كانت هذه الوسادة ستغطى الليل والنهار حقيقة هذه عريضة هذا الذى يُقصد إن وسادك لعريض أن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحت وسادتك يعنى أنت جعلت خيطين خيطا أبيضا وخيطا أسودا عقالا أبيضا وعقالا أسودا وظننت أن المراد هو الخيط الحقيقى المعروف والحبل المعروف ليس كذلك, المراد هنا سواد الليل وبياض النهار وإذا كان وسادك سيغطى سواد الليل وبياض النهار ولا ترى يعنى هذين فوسادك عريض حقيقة يعنى سيغطى الدنيا وما عليها إن وسادك إذاً لعريض أن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحت وسادتك وفى رواية فى صحيح البخارى قال سيدنا عدى رضى الله عنه وأرضاه يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان يعنى المعروفان حبلان معروفان قال إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ,لا هما سواد الليل وبياض النهار

إخوتى الكرام فى هذين الحديثين يعنى إشكال ينبغى أن نَزِيله ثم بعد ذلك نتدارس هذا الأمر وأنه ما جرى من الصحابة من سيدنا عدى رضى الله عنهم أجمعين يُعذرون فى ذلك ولا لوم عليهم لأنهم فهموا كما قلت ما فى لغتهم من أن الخيط يطلق على الخيط على الحسى المعروف كما أنه فى لغة العرب يطلق الخيط الأسود على ظلام الليل ويطلق الخيط الأبيض على نور الفجر فلعله فى لغة بعض قبائل العرب لا يطلق هذا أو يطلق هذا الإطلاق لكن غفلوا عنه واستحضروا المعنى الثانى الشاهد جهل المراد لكن هذا الجهل دون كما تقدم معنا إعراض عن العلم هو يتعلم وكما قلت يعنى إذن جهل فى قضية خاصة ,الجهل كما يقال قد يكون له ما يبرره له فيه عذره فيه سبب يعذر الإنسان عندما جهل فى هذه القضية كما قلت عندنا فى هذين الخبرين إشكال, الإشكال هو إخوتى الكرام إسلام سيدنا عدى كان فى العام التاسع أو العاشر من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام للعام التاسع أو العاشر للهجرة فى أواخر حياة نبينا عليه الصلاة والسلام وفريضة الصيام كانت فى العام الثانى من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام وعليه هناك يعنى وقت متباعد بين ما جرى من الصحابة فى حديث سيدنا سهل وبين ما جرى من سيدنا عدى أوليس كذلك؟

أولئك عند نزول آية الصيام لم ينزل من الفجر نزلت بعد ذلك أما هنا كانت نازلة وعدى رضى الله عنه وأرضاه عَلِمَها لكن مع ذلك ما انتبه لهذه اللفظة وفهم أن المراد من الخيط الأسود الخيط الحقيقى والخيط الأبيض كذلك الخيط الحقيقى ولم ينتبه لكلمة من الفجر أما من قبله لم تنزل كلمة من الفجر فلما نزلت عرفوا أن المراد سواد الليل من بياض النهار وعليه كما قلت إخوتى الكرام فعل سيدنا عدى متأخر عن فعل الصحابة الذين ذُكروا فى حديث سيدنا سهل بن سعد فإن قيل كيف هذا وقد حصل هذا لأناس قبله أقول لعله ما بلغه حديثهم يعنى هو آمن بنبينا عليه الصلاة والسلام وفريضة الصيام نازلة من ثمانى سنين إذا آمن فى العام العاشر من الهجرة فهذه الفريضة هذه الآية تُليت عليه ففهم منها ان المراد يعنى خيطان حقيقيان فذهب إلى بيته وأحضر عقالا أبيضا وعقالا أسودا وبدأ يأكل حتى يتميز له أحدهما عن الآخر فذكر ذلك للنبى عليه الصلاة والسلام فقال له إن وسادك إذاً لعريض إنك لعريض القفا هنا إخوتى الكرام كما سيأتينا فى حديث سيدنا عدى شىء من لوم نبينا عليه الصلاة والسلام لعدى بينما فى حديث سيدنا سهل عن الصحابة ما لامهم نبينا عليه الصلاة والسلام لمَ؟ لأن أولئك حقيقة جهلوا ولم تكن الآية نازلة من الفجر فجهلهم يعنى قد يكون لهم فيه كما قلت عذر معتبر أما هنا يعنى يوجد شىء من التقصير هو لو تدبر الآية تماما لعلم أن كلمة من الفجر لا يراد منها خيط حقيقى أبيض وأسود ولذلك عرض به نبينا عليه الصلاة والسلام قال إن وسادك لعريض يعنى أنت الآن إذا كان وسادك سيسد الآن الأفق بكامله ولم يظهر سواد الليل من بياض النهار, ما أعظم هذا الوساد وقيل وهو تأويل ثانى كما قاله الإمام الخطاب إنك لعريض القفا

والقفا إخوتى الكرام المكان الذى يضعه الإنسان يعنى على من رقبته وصفحة الرقبة على الوسادة كأنه يريد أن يعنى يُعرض بأنه عنده شىء من الغباء رضى الله عنه وأرضاه وهذا التعريض من نبينا خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام يقول أنت ما تأملت يعنى المراد بشىء من يعنى عدم الفطنة التامة والأمران كما قلت أشار إليهما الخطابى رضي الله عنه وعن أئمتنا وبعض أئمتنا يعنى اعتبر الأول قال هذا إن وسادك لعريض الوساد يعنى كما قلت يراد منه الذى ينام عليه الإنسان يعنى المخدة فكأنه يقول إذا كان وسادك سَيسد الأفق بكامله وهو عريض فى ذلك تعريض بسيدنا عدى وأما فى اللفظ الثانى إنك لعريض القفا وسادك أيضا لعريض يعنى من الوساد من يتوسد على الوساد إنك إذاً ما بذلت فطنة من أجل أن تعرف المراد فصار شىء كما يقال من اللوم والتعريض فى حق سيدنا عدى لأن كلمة من الفجر كانت نازلة وهو يقول تليت علَىَّ وأنا قرأت الآية لكن ظننت أن المراد يعنى الخيط الأبيض الخيط الحقيقى المعروف العقال الذى يربط فيه البعير وهكذا الخيط الأسود رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين إخوتى الكرام هذه الحادثة التى جرت من الصحابة وكما ترون يعنى قصروا فى فريضة الصيام وأكلوا بعد طلوع الفجر بنوع تأويل ووقع عندهم جهل بشرع الله الجليل لكن دون إعراض عن شرع الله دون تقصير فى تعلُّم شرع الله تعلم الآية لكن بعد ذلك ما نزلت كلمة من الفجر, لعله كما قلت فى لغة بعض القبائل أنه لا يطلق الخيط الأبيض على نور الفجر ولا يطلق الخيط الأسود على ظلام الليل لعله, ففهم من هذين الخيطين ما هو معروف له فى لغته فقال إذن يستمر وقت الأكل والشرب, وقت الطعام, وقت الإباحة, وقت الفطر إلى أن يتبين لى رؤية هذين وهذا سيكون متى؟

يعنى فى الإسفار الكثير بحيث يقارب طلوع الشمس يعنى بعد طلوع الفجر بنصف ساعة وأزيد يرخص للإنسان أن يكون إذن حتى يتبين له هذا الخيط من هذا الخيط هذا كماقلت إخوتى الكرام أيضا خالف لكن هذه المخالفة بنوع جهل من غير إعراض وتقصير فهو أيضا معذور ولا لوم عليه عند العزيز الغفور ولا ذنب عليه عند العزيز الغفور سبحانه وتعالى ويدخل فى هذا إخوتى الكرام ما تقدم معنا الحديث الثابت فى الكتب الستة وهو فى المسند وغير ذلك من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها فى شفاعة سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه للمخزومية عندما سرقت وأراد نبينا عليه الصلاة والسلام أن يقطع يدها تقدم معنا قالوا يعنى من يكلم رسول الله عليه الصلاة والسلام فى شأنها قالوا ومن يجرؤ إلا أسامة حِب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن حِبه فلما كلم سيدنا أسامة نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال يا أسامة أتشفع فى حد من حدود الله إنما أهلك من كان قبلكم إذغ سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه سرقت لقطع محمد يدها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إخوتى الكرام قال سيدنا أسامة كما تقدم معنا بعد ذلك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام استغفر لى هنا أيضا تدخل فى هذا الأمر وتوسط وشفع ولا يجوز له أن يشفع فى حد بعد أن يرفع إلى الإمام ومن شفع فى حد بعد أن يرفع إلى الإمام يلعن الشافع والمشفِّع يعنى أيضا لو قَبِلَ الإنسان شفاعته يلعن أيضا فلا يجوز أن يشفع, الشافع يلعن الذى يقبل الشفاعة يلعن من ولى الأمر إذا رفعت إليه قضية هذا لا بد إقامة حكم الله فيها

طيب الآن هذا الذى جرى من سيدنا أسامة رضى الله عنه وأرضاه كما قلت جهل بالحكم ولا تعمد مخالفة ولا معصية وظن أن الأمر يعنى لا مانع من الشفاعة فيه إذا شفع فى ذلك فنبينا عليه الصلاة والسلام أخبره أن الشفاعة لا تنبغى فى هذه الحالة وإذا يعنى إذا قُبلت شفاعتك يصبح حالنا كحال بنى اسرائيل من له وساطة يعنى يُعفى من الحد ومن هو مسكين يُقام عليه الحد لا بد من إقامة الحد عليها وعلى غيرها إذا بلغ الأمر للإمام والمسؤول كما قلت هذا يدخل أيضا فى هذا النوع أنه بنوع جهل ما عرف الحكم فهو أيضا معذور ورحمة الله واسعة الحالة الثالثة إخوتى الكرام التى يعذر فيها الإنسان يخالف شرع الرحمن وهو أيضا معذور الحالة التى يكون الإنسان فيها مُكرها يُكره على معصية الله عز وجل فيفعل من غير اختياره وتقدم معنا فى الأحوال الثلاثة, قلت لا يقصد الإنسان المعصية ولا يريدها ولا خطرت بقلبه إنما فعل ما ظاهره المعصية دون أن يقصد المعصية هو بقلبه فهناك كما قلت تأول وهنا جهل وهنا أُلجأ وأُكره وقُسر ففعل المعصية دون أن يريدها فلا ذنب عليه ولا إثم عليه عند الله عز وجل قال الله جل وعلا {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [النحل/106] إذن إذا كفر بالله من بعد إيمانه وهذا الكفر بسبب الإكراه والقسر والاضطرار لا لوم عليه ولا ذنب عليه إنما إذا انشرح صدره بالكفر وهو أراده أحبه وقصده ومال إليه فهذا الذى عليه غضب من الله ولهم عذاب عظيم وهذه الآية إخوتى الكرام نزلت فى سيدنا عمار بن ياسر رضى الله عنه وأرضاه كما قال ذلك الحافظ ابن حجر فى الإصابة فى ترجمة سيدنا عمار قال باتفاق المفسرين باتفاق الروايات على أنها نزلت فى سيدنا عمار بن ياسر رضى الله عنه وأرضاه

وحديثه إخوتى الكرام ثابت فى المستدرك فى الجزء الثانى صفحة سبع وخمسين وثلاثمائة وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبى الحديث صحيح صحيح إن شاء الله أما أنه على شرط الشيخين ففى ذلك شىء من التساهل فى الإسناد إخوتى الكرام أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين أبو عبيدة مقبول خرَّج له أهل السنن الأربعة ولم يخرج له أحد من الشيخين المباركين البخارى ومسلم ووالده محمد بن عمار مقبول أيضا وما خرج له إلا أبو داود فى سننه ولم يخرج له صاحبا الصحيحين فقوله على شرط الشيخين ويقره الذهبى كما قلت فى ذلك شىء من التساهل لكن الأثر صحيح ثابت ورواه عبد الرزاق فى تفسيره والإمام ابن سعد فى الطبقات والطبرى فى تفسيره وهكذا الإمام ابن أبى حاتم وابن مردويه فى التفسير والبيهقى فى دلائل النبوة والإمام أبو نعيم فى حلية الأولياء والحديث إخوتى الكرام من رواية محمد بن عمار بن ياسر ولد سيدنا عمار رضي الله عنهم أجمعين قال أخذ المشركون عمار بن ياسر رضى الله عنه وأرضاه فلم يتركوه حتى سب النبى صلى الله عليه وسلم حتى سب النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقال فى آلهتهم خيرا أثنى على آلهتهم وسب النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم تركوه فلما أتى نبينا صلى الله عليه وسلم قال له نبينا صلى الله عليه وسلم يا عمار ما وراءك قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تُركت حتى نلت منك ما تركنى المشركون حتى نلت منك ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فقال النبى عليه الصلاة والسلام كيف تجد قلبك يا عمار قلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنه مطمئن بالإيمان ما عندى تردد فى ذلك فقال نبينا عليه الصلاة والسلام إن عادوا فَعُد

يعنى إذا أخذك المشركون مرة ثانية وأرادوا منك أن تذكر آلهتهم بخير وأن تسبنى سبنى واذكر آلهتهم بخير وتخلص منهم ما دام القلب مطئنا بالإيمان فانزل ربنا الرحمن هذه الآية {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [النحل/106] ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله وأما هذا فقلبه مطمئن بالإيمان رضى الله عنه وأرضاه والأثر إخوتى الكرام كما قلت رُوى عن محمد بن عمار ورواه الإمام ابن المنذر فى تفسيره وهكذا ابن إبى حاتم وابن مردويه عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين ورواه الإمام ابن سعد فى الطبقات عن ابن سيرين مرسلا إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أن عمار بن ياسر أُخذ وهو لم يدرك عمار بن ياسر ولم يحدثه بذلك فإذن الأثر مرسل وقال له نبينا عليه الصلاة والسلام إن عادوا فعد فهو من رواية محمد بن عمار ومن رواية عبد الله بن عباس ومن رواية ابن سيرين رضي الله عنهم أجمعين والأثر صحيح إخوتى الكرام سيدنا عمار قال هذا تدرون متى؟

بعد أن قُتل أبوه ياسر رضى الله عنه وأرضاه وهو أول شهيد فى الإسلام وقُتلت أمه يعنى أخذت هذه الأسرة الطيبة المباركة, الأب قُتل والأم طعنها اللعين الملعون أبو جهل بحربة فى فرجها وقتلها وعمار ينظر إلى أمه سمية رضى الله عنها وأرضاها وهى أول شهيدة فى الإسلام تطعن فى فرجها بحربة من هذا اللعين ووالده يُقتل وهو يُعذب وهم إخوتى الكرام من السبعة الذين أسلموا قبل غيرهم مع سيدنا أبى بكر رضي الله عنه أما أبو بكر فله عشيرته وهو فى منعة من قومه فمنعه قومه من إيذاء السفهاء وأما هؤلاء فكانوا من المستضعفين فصُب عليهم أليم العذاب ومعهم بلال رضى الله عنه وأرضاه, ياسر يُقتل وأمه سمية أم عمار تُقتل وهو يعذب حقيقة بشر فضعُف أمام التعذيب فى الظاهر فقال ما قال فى حق نبينا عليه الصلاة والسلام ومدح آلتهم فتركوه فذهب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وهو حزين ما وراءك قال ورائى شر ما تركونى حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال كيف تجد قلبك قال أنه مطمئن بالإيمان قال إن عادوا فعد وأنزل الله جل وعلا الآية الكريمة من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان فلا لوم على هذا ولا إثم هذا كما قلت إخوتى الكرام اضطرار وقع على الإنسان فالقلم مرفوع عنه فى هذه الحالة والمؤاخذة يعنى لا تحصل له ولذلك ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وهو فى كتب الفقه بلفظ: رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وهو بهذا اللفظ إخوتى الكرام رواه الإمام ابن عدى فى كتاب الكامل بهذا اللفظ رُفع عن أمتى يعنى له أصل لكن الرواية الصحيحة الثابتة بلفظ إن الله وضع عن أمتى تجاوز لى عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

والحديث صحيح ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام رواه ابن ماجة فى سننه والإمام ابن حبان فى صحيحه ورواه الدارقطنى فى سننه والحاكم فى مستدركه والبيهقى فى السنن الكبرى والطبرانى فى معجمه الكبير والطحاوى فى شرح معانى الآثار ورواه الإمام ابن حزم فى كتابه الإحكام فى أصول الأحكام فى الجزء الخامس صفحة ثلاث عشرة وسبعمائة وكما قلت لكم هو فى ثمانية أجزاء والطبعة التى عندى متسلسل الأرقام متسلسلة من الجزء الأول إلى الجزء الثامن فى صفحة ثلاث عشرة وسبعمائة والحديث رواه الإمام ابن أبى عاصم والإمام الضياء المقدسى أيضا وقد صحح الحديث الإمام الحاكم فى المستدرك وقال على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبى وصححه ابن حبان وصححه أئمة الإسلام منهم الإمام النووى فى الأربعين النووية فقال إسناده حسن وفى كتاب روضة الطالبين فى كتاب الطلاق قال إسناده حسن ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: إن الله وضع لى عن أمتى إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه والحديث إخوتى الكرام رُوى عن عدة من الصحابة الكرام الطيبين منهم ابن عمر وأبو ذر وأبو بكرة وأبو الدرداء وثوبان وعقبة بن عامر هؤلاء ستة ومعهم ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين سبعة رُوى عنهم هذا الحديث إن الله تعالى وضع لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه

انظروا الروايات إخوتى الكرام هذه الروايات الكلام عليها وتصحيح الحديث فى نصب الراية فى الجزء الثانى صفحة أربع وستين فى مختصره فى الدراية فى الجزء الأول صفحة خمس وسبعين ومائة وفى التلخيص الحبير فى الجزء الأول واحدة وثلاثمائة وانظروا بعض الروايات فى المجمع فى الجزء السادس صفحة خمسين ومائتين وللإمام السبكى فى طبقات الشافعية كلام على هذا الحديث فى قرابة ثلاث صفحات فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وثلاثين ومائة فى ترجمة العبد الصالح محمد بن نصر الذى توفى سنة ثمان وتسعين ومائتين للهجرة عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه فالخطأ والنسيان رُفع عنا وهكذا ما نُقسر عليه ما نُكره عليه ما نُضطر إلى فعله من غير اختيارنا ففى هذه الأحوال كما تقدم معنا نُعذر عند ربنا سبحانه وتعالى إخوتى الكرام يدخل فى يعنى فى هذه الحالة الثالثة التى هى حالة اضطرار حالة عذر قد يفعل الإنسان المعصية كما قلت ويُعذر فى فعلها فلا إثم عليه وقد يُرفع عنه اللوم أيضا لعدم موجود تقصير منه يدخل فى هذه الحالة قصة كنت ذكرتها سابقا هى من كرامات ومناقب سيدنا عبد الله بن حذافة السهمى رضى الله عنه وأرضاه كنت ذكرتها ضمن تفسير سورة الفاتحة فى غالب ظنى, انظروا هذه القصة فى الإصابة فى الجزء الثانى صفحة ست وتسعين ومائتين وفى السير فى ترجمة عبد الله بن حذافة فى الجزء الثانى أيضا صفحة أربع عشرة وخلاصة هذه المنقبة والكرامة رواها الإما البيهقى والإمام ابن عساكر فى تاريخ دمشق من طريق أبى رافع رضي الله عنهم أجمعين

أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين وجَّه وأرسل جيشا إلى قتال الروم فأُسر سيدنا عبد الله بن حذافة أسره الروم عليهم لعائن الحى القيوم الروم, النصارى أسروا سيدنا عبد الله بن حذافة رضى الله عنه وأرضاه فوضعوه فى سجن وأرادوا منه بعد ذلك أن يكفر بالنبى عليه الصلاة والسلام وأن يرتد فقابله المَلك بنفسه وقال هل لك أن تكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام ولك علىَّ أن أزوجك ابنتى وأعطيك نصف مُلكى واكفر بالنبى عليه الصلاة والسلام قال والله لو أعطيتنى مُلكك كله ومُلك العرب أيضا لما كفرت بمحمد عليه الصلاة والسلام طرفة عين فقال هذا الطاغية رئيس الروم خذوه فاصلبوه ثم قال لجنده لا توجهوا السهام إليه إنما يعنى اجعلوها تقع بجانبه ميمنة وميسرة من أجل أن يرجع ويخاف لعله بعد ذلك يراجع نفسه فيكفر بالنبى عليه الصلاة والسلام فصلبوه على شجرة وبدأوا يسددون السهام تنزل يمينا ويسارا يمينا وشمالا ثم رفعوا الضرب عنه فاستدعاه الملك قال أتكفر يعنى لا تقتل قال لا أكفر لو أعطيتنى مُلكك وملك العرب فأتوا بقدر من نحاس كبير فوضعوا فيه الماء وأوقدوا عليه النار حتى صار فى منتهى درجة الحرارة وجاؤا ببعض أسرى المسلمين فألقاهم هذا الطاغية بيده فى هذا القدر فانفصل اللحم عن العظم وعبد الله بن حذافة ينظر قال أتكفر وإلا يلقيك مع أصحابك فبكى عبد الله بن حذافة رضى الله عنه وأرضاه فالملك قال أعيدوه إلىَّ قبل أن تلقوه فى القدر يعنى لعله يراجع نفسه قال ما لك تبكى قال أبكى لأنه ليس لى إلا نفسا واحدة فإذا ألقيتمونى فى القدر سأموت مباشرة كنت أتمنى أن يكون لى أنفس وأرواح بعدد الشعر الذى فى جسمى حتى يعنى أجد عذابا كثيرا لأنال أجرا وفيرا عند الله جل وعلا أنا الآن لحظة سأموت لكن كنت أتمنى أن أموت موتات متعددة بهذه القِتلة التى تقتلنى بها

فلما رأى حاله صلابته قال هل لك أن تقبل رأسى وأن أعفو عنك وأطلق سراحك قال بشرط هذا من باب الإكراه وحصول مصلحة قال بشرط أن تطلق أسرى المسلمين لا يبقى أسير عندك وأقبل رأسك النجس ماذا نعمل هذا شرط ما يبقى أسير إلا تطلقه قال لك ذلك فقام عبد الله بن حذافة وقبل رأس طاغية الروم فأطلق أسرى المسلمين وكان ثلاثمائة وأعطاه ثلاثين ألف دينار وثلاثين وصيفة ,عبدة وثلاثين وصيفة وأعاده قال ارجع إلى بلادك سالما آمنا فلما وصل إلى سيدنا عمر وأخبره الخبر قال حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أول من يفعل ذلك فقام وقبل رأسه رضي الله عنهم أجمعين هنا إخوتى الكرام حقيقة هذا الفعل فعله من باب الاضطرار إخراج أسرى المسلمين وهو ما فعل هذا حتى لمصلحته ولذلك يعنى مصلحته مضمونة قال لا, إن تخرج الأسرى فعلت وإلا يعنى القتل أيسر علىَّ من هذا حقيقة هذا كما قلت يعنى من باب الاضطرار لتحصيل هذه المصلحة إنقاذ عباد الله فكما قلت مصلحة شرعية فعلها الإمام الذهبى علق على هذا كما ذكرت سابقا قال لعل طاغية الروم كان يضمر الإيمان فى قلبه لعل ولا يستطيع أن يظهره على لسانه وجوارحه ولذلك يعنى فعل ما فعل من أجل أن يجد مبررا لإكرام عبد الله بن حذافة فأكرمه وأعاده وأطلق الأسرى بسببه ولو فعل هذا يعنى دون هذه القصة لقاتله قومه وكشفوا إيمانه ثم قال ولعل هرقل أيضا كان يضمر الإيمان يعنى فى قلبه العلم عند الله جل وعلا وعلى كل حال يقول الإمام الذهبى إذا كان فى يعنى قلب هذا الطاغية وقلب هرقل إيمان حقيقى قد ينفعه فى يوم من الأيام عند ذى الجلال والإكرام وإما إذا لم يكن هناك إيمان إنما فعل ما فعل فقط من أجل تعظيم رسول الإسلام وأنه رسول لكن للعرب لا إليهم ولم يؤمن به على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهذا لا ينفعه مهما عمل والعلم عند الله جل وعلا

كنت ذكرت إخوتى الكرام أن الإمام البخارى بدأ بحديث إنما الأعمال بالنيات فى كتاب الوحى وختمه بحديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فى قصة يعنى وفد أبى سفيان عندما كانوا فى بلاد الشام وسألهم هرقل فكأنه يشير كما تقدم معنا إلى أنه إذا كان فى قلب هرقل إيمان سينفعه فى يوم من الأيام والعلم عند ذى الجلال والإكرام كما وضح ذلك الحافظ فى الفتح رضي الله عنهم أجمعين إخوتى الكرام كما قلت هذه الحالة الأولى من الحالات الثلاث لمن ينحرف عن حكم الله عز وجل ينحرف لا يقوم بحكم الله لا يلتزم به لأنه كما قلت معذور ما وجه العذر؟ متأول أخطأ فيما فيه مجال للتأويل جهل ولم كما قلت يعرض ولم يقصر أما أنه هو بين المسلمين ويكفر برب العالمين ويطلق زوجته ولا يصلى ولا يعرف الوضوء ولا ولا ثم تقول لى أنا جاهل ولا يتقن قراءة الفاتحة يا عبد الله لمَ لا تتعلم؟ أنت معرض لست بجاهل واضح هذا ,هذا لا بد من تمييز هذه الحالة عن الحالة التى تقابلها فإذن جهل كما قلت من غير إعراض ومن غير تقصير آية نزلت وفهموها على حسب لسانهم ولم ينزل من الفجر حقيقة لهم عذر أما يأتينا إنسان كما قلت فى هذه الأيام يفهم كلام الرحمن على حسب هواه وهذيانه ويقول أنا معذور جهلت, يا عبد الله لا يحق لك هذا والحالة الثالثة كما قلت أن يكون مُضطرا مُكرها مُلجأ إلى فعل المخالفة فالقلم مرفوع عنه رفع عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه الحالة الثانية إخوتى الكرام حالة كما تقدم معنا يأثم فيها الإنسان لكن لا يكفر بالله عز وجل عليه وزر وعمله فسق لكن لا يصل إلى الكفر

إخوتى الكرام يعنى هذه الحالة الثانية حقيقة كان فى نيتى أن ننتهى منها من أجل أن نتدارس الحالة الثالثة التى كما قلت يكفر فيها الإنسان إذا أعرض عن حكم الرحمن لم يحتكم إليه أو لم يحكم به كما تقدم معنا فى خمس حالات وسأفصلها وأدلل عليها بعون الله وتوفيقه لكن الحالة الثالثة كما قلت هذا الآن ليس بمعذور إنما هو موزور عليه وزر وهو آثم عاص للعزيز الغفور لكنه لا يكفر أذكرها سردا وأشرحها وأمثل عليها فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه أولها إخوتى الكرام أول هذه الحالات أن يتأول فيما ليس من محل التأويل أو هو ليس من التَأُوُّل, ليس هو فى هذه الرتبة فى هذه المكانة, ليس هو من أهل الاجتهاد, لس هو من أهل الفهم والاستنباط الحالة الثانية أن يجهل الحكم الشرعى لكن مع تقصير فى الطلب الحالة الثالثة أن يتعمد المخالفة طلبا لحظ عاجل دون استحلال للباطن هذه الأحوال الثلاثة يأثم فيها الإنسان لكن لا يصل إلى الكفر نتدارس هذا بعون الله وتوفيقه فى الموعظة الآتية. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

012

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام كنا نتدارس أحوال الإنسان عندما ينحرف عن شرع ربنا الرحمن تقدم معنا قبل ذلك بيان الفروق بين شرع الخالق جل وعلا وشرع المخلوق وقلت إن ذلك يحتم علينا لأن نأخذ بشرع ربنا وأن نبتعد بعد ذلك عن القوانين الوضيعة الوضعية وهذا الأخذ كما تقدم معنا واجب حتمى لا مفر لنا منه والإنسان إذا خرج عنه له كما تقدم معنا حالة من حالات ثلاثة إما أن يكون معذورا وإما أن يكون آثما موزورا وإما أن يكون جاحدا مرتدا كفورا ولا يخرج أحوال الناس عندما ينحرفون عن شريعة رب الناس عن هذه الحالات الثلاث والحالة الأولى إذا كنا من أهلها فهنيئا لنا والحالة الثانية إذا كنا من أصحابها فيرجى لنا الخير عند ربنا وأما الحالة الثالثة فنستعيذ بالله منها ومن أهلها ونسأل الله أن يحفظنا من الوقوع فيها إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين الحالة الأولى إخوتى الكرام عندما ينحرف الإنسان عن شرع ربنا الرحمن ولا يصيب حكم الله ولا يفعل ما أمر الله به قلت قد يكون معذورا وهذا كما تقدم معنا أيضا له ثلاثة أحوال:

أولها كما تقدم معنا أن يتأول فيما فيه مجال للتأويل وهو من أهل التأويل فأخطأ شرع الله الجليل وأخطأ إصابة شرع الله الجليل ففى هذه الحالة لا لوم عليه ولا ذنب عليه ولا معصية عليه وهو معذور تقدم معنا قد يوجه إليه اللوم أحيانا قد لوجود تقصير منه ما, لكن دون أن يكون عليه عقاب فى العاجل أو فى الآجل الحالة الثانية كما تقدم معنا إخوتى الكرام أن يكون جاهلا لحكم الله وهذا الجهل كما تقدم معنا ما صاحبه إعراض عن شرع الله ولا تقصير فى تعلم دين الله إنما كما قلت لا يمكن لبشر أن يحيط بشرع الله جل وعلا فطلب واجتهد وتعلم لكن أخطأ بعد ذلك الفهم وما أصاب الحكم رحمة الله واسعة يصحح له خطؤه فلا إثم عليه ولا ذنب الحالة الثالثة كما تقدم معنا أن يقسر وأن يكره عل معصية الله عز وجل ففى هذه الأحوال الثلاثة تقدم معنا لا يقصد الإنسان معصية الرحمن والشارع قد عذره فى هذه الأحوال الثلاثة فلا إثم عليه ولا ذنب عليه ولا معصية عليه وقد يوجه إليه اللوم أحيانا لوقوع تقصير منه فى الجملة والعلم عند الله جل وعلا تقدم معنا إخوتى الكرام تفصيل الكلام على هذه الأمور الثلاثة الحسان عندنا الحالة الثانية من أحوال من لم يحكم بما أنزل الرحمن أو لم يحتكم إلى شريعة ذى الجلال والإكرام الحالة الثانية كما تقدم معنا وكما ذكرت آنفا يكون الإنسان آثما موزورا انتبهوا إخوتى الكرام قد يقصد المعصية فى هذه الحالة وقد لا يقصدها لكن الشارع ما عذره هناك لم يقصد المعصية قطعا وجزما لكن الشارع عذره وسمح له فى فعله هنا له حالتان قد يقصد معصية الرحمن هو يقصدها لكن دون استحلال لها كما سيأتينا قصد المعصية غلبته شهوته وكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون حالة ثانية ما قصد المعصية

فعل فعلا لا يريد معصية الله عز وجل لكن الشارع ما أذن له فى ذلك الفعل ولا عذره ولا رخص له فى الفعل فهو آثم فى 6:10هذه الحالة الثانية التى يأثم الإنسان فيها كما قلت ويوزر أى يرتكب وزرا وإثما أيضا لها ثلاث حالات الحالة الأولى أن يتأول الإنسان فيما ليس من محل التأويل أو أن يكون هو ليس من أهل التأويل, حالة لا يصلح التأويل فيها فتأول مُنع من التأويل فيها وعليه إذا تأول فقد أخطأ وعصى الله عز وجل وإن لم يقصد المعصية وما قصد المعصية لكن ما رُخص له أن يتأول فى هذا الجانب ولا أن يجتهد هنا يوجد أمر واضح ينبغى أن يقف عنده أو كما قلت المسألة فيها مجال للتأويل لكن هو ليس من أهل التأويل فتطفل عليها وأعمل رأيه فيها فإن أصاب وإن أخطأ فعليه إثم عند الله عز وجل لأنه ليس من أهل التأويل, فى هذه المسألة مع ما قصد المعصية انحرف عن شرع الله فى هذه الحالة كما قلت اجتهد تأول فيما ليس من محل التأويل أو فيما هو من محل التأويل لكن ليس هو من أهل التأويل ما هى الدائرة التى لا يجوز أن نجتهد فيها وليست هى من محل التأويل؟ هذا الشق الأول من هذه الحالة إخوتى الكرام قلت مرارا عندنا فى ديننا مسائل عليها إجماع ومسائل فيها افتراق هذه عليها اتفاق وهذه فيها اختلاف وافتراق فما أجمع عليه أئمتنا هذا ليس من محل التأويل لا يجوز أن تبحث فيه وتعيد النظر وأن تجتهد وتقدم معنا كما قلت مرارا إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة فما فيه إجماع وقطع فالمسألة واضحة ظاهرة تأتى بعد ذلك تجتهد فيها هذا حقيقة لا يقبل وأنت فى هذا الاجتهاد لا تعذر عند الله عزوجل فعليك إثم وإن لم تقصد المعصية مثال هذا إخوتى الكرام كما سأل بعض الإخوة الكرام فى الموعظة الماضية عن موضوع اللحية وقال يجتهد الآن بعض المشايخ فيها ويقولون إنها ليست من الشرع ليست مطلوبة فى شرع الله عز وجل لمَ؟

قال يأولون ويقولون هذه عادة فعلها نبينا عليه الصلاة والسلام على حسب عادة قومه فكانوا يعفون لحاهم فأعفى النبى عليه الصلاة والسلام لحيته مجاراة لقومه وعلى حسب عادة قومه فهذا كان فاشيا بين العرب وما وُجد فيهم من يحلق لحيته لكن ليس لها منزلة فى دين الله عز وجل قلت هذا التأويل مردود ومن قاله عليه إثم عند ربنا الودود سبحانه وتعالى وليس هذا من مجال التأويل وحقيقة إخوتى الكرام هذه المسألة فاشية بين أهل الإسلام فأريد أن أنبه على وضعها باختصار دون بحث فى حكم اللحية فليس هذا كما يقال وقت البحث فى هذه المسألة لكن هل الاجتهاد فى هذه المسألة مقبول وحولها تشويش كثير, يعنى فى بلاد الشام عندنا الذى ينتشر عند العوام أن اللحية هذه يعنى شعار علماء الإسلام, العالم ينبغى أن يكون له لحية وهذا عُرف مع أنه خاطىء لكن أحسن من عُرف بعض البلاد كما هو فى مصر ليس هناك اللحية لا لعالم ولا لغيره يعنى شيوخ الأزهر الكبار إلا الذين يلتزمون بدين العزيز القهار هذا يعنى لا يدخلون فى هذه القاعدة لا فى مصر ولا فى بلاد الشام فما أريد أن يفسر الكلام خطأ يعنى لا ينسحب هذا على كل أحد لكن العُرف هناك يعنى شيوخ الأزهر يرون أن اللحية ليست مطلوبة يعنى فى شرع الله عزوجل بل يعنى أحيانا بعضهم يشتط ويزيد يقول: تركها فى هذا الزمان أولى لأن اللحية صارت عنوانا على المبتدعة والمتنطعين والإرهابيين وما شاكل هذا فنحن لئلا نتهم بأننا من ذلك الصنف نحلقها ونمشى بعد ذلك مع الجماعة ويد الله مع الجماعة

أما الصالح فيهم ممن يتأول فى هذه المسألة وهو زائغ ضال آثم عند ذى العزة والجلال يقول إنها سنة عادة وهذا يقوله كثير من مشايخ الأزهر الكبار سنة عادة ولذلك حقيقة لو دخل الإنسان إلى الأزهر مثلا إلى كلية الشريعة وأصول الدين يرى عجبا يعنى يدرس التفسير والحديث والتوحيد وليس فى وجهه شعرة توحد الله جل وعلا, طيب أنت تدرس التوحيد وتدرس الحديث وتدرس التفسير وأحيانا يأتى معك حديث النبى عليه الصلاة والسلام كما سأذكر عشر من الفطرة إعفاء اللحية وأنت فى صباح هذا اليوم اعتديت على لحيتك, لما يأتى يقول هذه سنة عادة يعنى ليست هى مطلوبة فى الشرع يعنى على سبيل الترغيب أو على سبيل الجزم ولذلك إخوتى الكرام كما قلت لا بد من بيان هذا الأمر أولا هذه المسألة أعنى إعفاء اللحية محل إجماع بين أهل الإسلام أنها مشروعة فى دين الرحمن وأنها مطلوبة ومرغب فيها ومُن يعنى اعتدى عليها فقد أثم وعصى الله عز وجل هذا إخوتى الكرام لابد من وعيه ولا بد من نشر هذا الحكم لأن كثيرا من الناس يفعل هذه المعصية دون أن يعلم أنه عاص التقيت مرة ببعض إخواننا فى بعض المساجد فى مصر يلبس خاتم ذهب فبعد أن انتهينا من الصلاة قلت يا عم هذا حرام قال حرام قلت حرام يعنى هذا لا يجوز أن يلبسه الرجال قال سبحان الله أنا ما حجيت إلا بالعافية يقول ما حججت إلا بالعافية يعنى بالصعوبة والمشقة على حسب القرعة التى تجرى هناك ثم بعد ذلك أعصى الله عز وجل فرمى الخاتم طرحه إخوتى الكرام يعلم الله يطرح الخاتم فى المسجد قلت خذ يعنى13:27للنساء أو كذا لا حرج لكن أنت لا تلبسه يقول كيف أنا ألبس شيئا حرمه الله وأنا ما حججت إلا يعنى بمشقة وكلفة إخوتى الكرام هذا لمَ؟

حقيقة لا يوجد من يعلمه بل أحيانا يرى خطيب الجمعة يلبس خاتم الذهب ويرى من يصلى الصلوات الخمس يلبس خاتم الذهب وأنا رأيت رئيس قسم العقيدة دع ما دونه رئيس قسم العقيدة وصار بعد ذلك عميدا فى كلية أصول الدين لا لحية ولا شارب يلبس خاتم الذهب وكان يدرس التوحيد فى الدراسات العليا فى مكة المكرمة صانها الله وشرفها هذا أمر عجيب حقيقة لا لحية ولا شارب ويبلس خاتم الذهب وعندما ترى يعنى ما تعلم هل هذا حقيقة إذا لو رآه الإنسان فى غير مجال عمله ماذا يعمل ما أحد يدرى يعنى كما قلت ليس عليه صفة من صفات طلبة العلم فكما قلت العُرف فى بلاد الشام أن اللحية لطلبة العلم وعلماء الإسلام أما هناك ولا يعنى حتى المشايخ لا يلتزموا بهذه اللحية فهذا أمر حقيقة فظيع منكر خبيث والحمد لله يعنى الشباب من فضل الله عادوا إلى رشدهم ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا فى جميع أحوالنا واتبعوا نبيهم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ويعنى ما قلدوا بعد ذلك ولا اتبعوا مَن يضللونهم باسم دين الله عز وجل ممن يُحسبون على أنهم دعاة فى شريعة رب الأرض والسماوات إخوتى الكرام كما قلت هذا أمر مجمع عليه ومن حلق اللحية فقد عصى هذا خلاف فيه فإذا جاء إنسان وأوَّل نقول أوَّلت فيما ليس من مجال التأويل فتأويلك من الأباطيل هذا مثلا إذا كان من أهل التأويل وإذا لم يكن من اهل التأويل كحالنا فجمع بين بليتين خالف ما أجمع عليه أئمتنا ثم هو فى الأصل لا يحق له أن يدلى بدلوه فى هذه المسألة إخوتى الكرام أهل التأويل ذهبوا 000انتهى وأما نحن ما لنا بعد ذلك إلا أن نأخذ بما قرره أئمتنا وأما أن نأتى لنجتهد من جديد فهذا ضلال بعيد فلا بد إخوتى الكرام من وعى أيضا هذه القضية فإذن هو أيضا ليس من أهل التأويل لكن لو سُلم له نقول تأولت فيما ليس من مجال التأويل

استمع مثلا لمذهب من المذاهب الأربعة وهو أول المذاهب مذهب السادة الحنفية رضوان الله عليهم أجمعين يقولون وسائر المذاهب كذلك كما فى رد المحتار على الدر المختار وهذا القول موجود أيضا فى فتح القدير لمجدى همام أيضا عليهم جميعا رحمات ذى الجلال والإكرام فى رد المحتار فى الجزء الثانى صفحة سبع عشرة وأربعمائة يقول: الأخذ من اللحية انتبه الأخذ من اللحية وهى دون القُبضة هذا ما يتكلم الآن على الحلق اسمع على التقصير الأخذ من اللحية وهى دون القبضة والقبضة أن تضع يدك إلى منتهى الذقن عند منتهى الذقن ليس فوق الذقن منتهاها فما كان داخل القبضة هذا قبضة لا يجوز أخذ شىء منه واضح هذا, ما زاد هذا الذى يرخص يعنى الأخذ منه عند الحنفية لكن انتبه الأخذ من اللحية وهى دون القبضة يعنى إذا لم تكن قبضة أقل يعنى لو وضعت يدك ما يسترسل الشعر وينزل من القبضة الأخذ من اللحية وهى دون القبضة انتبه كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فهذا حرام لم يبحه أحد ما هو؟ الأخذ من اللحية وهى دون القبضة انتبه قال وأخذ كلها هو فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم أما استأصالها هذا فعل يهود الهند يعنى فى زمنهم حقيقة ما كان يعنى يفعل هذا حتى العرب إنما يهود الهند ومجوس الأعاجم هم الذين يستأصلون أما يعنى وُجد فى زمن التابعين وأتباع التابعين شىء من التقصير بدون القبضة فبحثوا فيه قالوا حرام كما يفعله بعض المغاربة اذهب الآن للمغاربة يعنى نادرا ترى شيخا فى المغرب له لحية أضعاف ما فى مصر ليس مصر, نادرا ترى إمام مسجد له لحية وليس له لحية لا لحية ولا شارب ترى الوجه مثل المرآة!!

أمر عجيب حقيقة تراه أيضا خطيب جمعة وإماما ومفتيا وحالة عجيبة وهو بهذه الحالة فهذا كما قلت الاستئصال هذا فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم والأخذ منها دون القبضة كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فهذا حرام لم يبحه أحد هذا الحرام الذى لم يبحه أحد كما قلت مرارا صار لحية الدعاة الملتزمين فى هذا الحين يعنى إذا كان داعيا ملتزما لحيته بمقدار أُنملة أو دون فهذا إذا كان يعنى من الملتزمين وأما إذا كان من المتحللين فنسأل الله العافية والسلامة هذا الذى قرره أئمتنا إخوتى الكرام ويقول الإمام أبو شامة رفع الله مقامه, توفى سنة خمس وستين وستمائة كما نقل ذلك عنه الحافظ فى الفتح فى الجزء العاشر صفحة واحدة وخمسين ثلاثمائة يقول: حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نُقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها ويقصرونها يعنى يقول وُجد فى هذا القرن وهو القرن السادس والسابع من يحلق لحيته يقول هذا أشد مما كان عند المجوس أنهم يقصرون وسيأتينا أن المجوس كانوا يقصرون وما كانوا يستأصلون لكن يوفرون الشوارب يقول حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نُقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها وكما قلت الإمام أبو شامة صاحب كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث من الأئمة الصالحين وهو صاحب المرشد الوجيز أوليس كذلك؟ وله شرح للشاطبية من أحسن شروحها, انظروا ترجمته فى طبقات الشافعية الكبرى فى الجزء الثامن صفحة حمس وستين ومائة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إذن كما قلت هذا الأمر متفق عليه وليس هو من المسائل التى يجوز أن يُعمل أهل التأويل فيها رأيهم واجتهادهم ليتأولوا ويستنبطوا, لا هذه مسألة منتهية هذه مشروعة وهى من الواجبات على الرجال المؤمنين ينبغى أن يُعفوا لحاهم ويحرم عليهم أن يأخذوا شيئا منها إذا كانت دون القبضة

ما زاد على ذلك اختلف أئمتنا فيه كما قلت مرارا ,ما اختلف فيه أئمتنا ففيه سعة بعضهم يرى الأحسن الأخذ كما هو عند الحنفية وبعضهم يرى الأحسن الإعفاء والترك كما قرره شيخ الإسلام الإمام النووى فى شرح صحيح مسلم بقيت مسألة كما قلت ما اختلف فيه أئمتنا فيه سعة نُقل الأخذ عن سيدنا عمر وعن ابنه وعن سيدنا أبى هريرة رضي الله عنهم أجمعين كما فى فتح البارى فى الجزء العاشر صفحة خمسين وثلاثمائة مسألة كما قلت هذه مسألة مرخص فيها وفيها سعة الأخذ فيما زاد مما زاد على القبضة أما إذا كانت قبضة فهذا لا يجوز أخذ شىء منها ومن باب أولى كما قلت لا يجوز استئصالها وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام كثَّ اللحية كثير شعر اللحية فلنقتدِ به فمن رزقه الله لحية كثة عظيمة فليحمد الله, شابه خير خلق الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثبت فى صحيح مسلم انظروا الحديث فى شرح الإمام النووى على صحيح مسلم فى الجزء الخامس عشر صفحة سبع وتسعين عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية وثبت فى مسند الإمام أحمد عن سيدنا على وفى سنن النسائى عن سيدنا البراء بن عازب رضي الله عنهم أجمعين قال: كان نبينا عليه الصلاة والسلام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كث اللحية إذن هناك كثير شعر اللحية كان كث اللحية عليه صلوات الله وسلامه فلنقتدِ به ولنا فيه أسوة حسنة عليه صلوات الله وسلامه إخوتى الكرام كما قلت هذه لا افتراق فيها ولا اختلاف فيها هى من مسائل الاتفاق من مسائل الإجماع فمن أدخل كما يقال اجتهاده فيها ليتأول فقد ضل وعصى الله عز وجل

استمع لبعض الأحاديث التى وردت تأمرنا بإعفاء لحانا عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثبت فى مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك والحديث فى الكتب الستة إلا سنن ابن ماجة وهو فى أعلى درجات الصحة ورواه البيهقى وهو فى غير ذلك من دواوين السنة عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال: أحفوا الشوارب والإحفاء هو المبالغة فى القص أى قصوها قصا شبيها بالحلق أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى من أعفى يعفى إعفاء أعفوا بمعنى اتركوا ويقال اعفوا بهمزة الوصل على انه من عفا بمعنى كثر أعفى ترك عفا كثر أعفوا اتركوا اعفوا أى كثروا ووفروا كما سأتينا فى بعض الروايات وضخموا لحاكم فإذا كنت كثة فاتركوها كذلك اعفوا كثروا أعفوا اتركوها ولا تأخذوا منها شيئا والحديث إخوتى الكرام رواه الإمام مسلم فى صحيحه والبيهقى فى السنن الكبرى والطبرانى فى معاجمه الثلاثة والإمام ابن عدى فى الكامل عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال: جزوا الشوارب وأوفوا اللحى من الإفاء وهى أن تكون كاملة ليست منقوصة أوفوا هناك أعفوا هنا أوفوا جزوا الشوارب والجز القص الشديد المبارغ فيه جزوا الشوارب وأوفوا اللحى وفى رواية فى صحيح مسلم جزوا الشوارب وأرخوا اللحى والإرخاء هو التطويل أن تكون مسترخية طويلة تملأ الصدر إن كانت كذلك وهذا الحديث إخوتى الكرام رُوى عن عدة من الصحابة وهو يصل إلى درجة الاستفاضة إن لم يتواتر أما يعنى كون نبينا عليه الصلاة والسلام كان له لحية والصحابة كذلك فهذا متواتر مقطوع به معلوم من الدين بالضرورة لكن هذا الأمر كما قلت فى هذا الحديث انظروا بعض الروايات له هذه روايتان من رواية سيدنا أبى هريرة وابن عمر أوليس كذلك؟

الرواية الثانية عن سيدنا عبد بن عباس رضي الله عنهما فى معجم الطبرانى الأوسط انظروها فى المجمع فى الجزء الخامس صفحة تسع وتسعين ومائة والرواية الثالثة عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه فى مسند البزار ورواها الطحاوى فى شرح ماعنى الآثار انظروها فى المجمع فى المكان المتقدم وفى جمع الجوامه فى الجزء الأول صفحة ست وعشرين وثبت الحديث من رواية سيدنا أبى أمامة وهى رواية خامسة فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير والحديث رواه الإمام البيهقى فى السنن الكبرى وثبت الحديث أيضا من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وه سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين فى كتاب الكامل للإمام ابن عدى كما فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة ست وعشرين هذه ست ورايات عن ستة من الصحابة فيها الأمر بإعفاء اللحية عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إخوتى الكرام هذه الأحاديث انتبهوا إلى ثلاثة امور فيها الأمر الأول فيما يتعلق بلفظ الشارب وردت ألفاظ الحديث على خمسة أنحاء بخمسة أشكال: أولها أحفوا من الإحفاء وهو قلت القص الذى يشبه الحلق والثانية قصوا والثالثة جزوا والرابعة أنكهوا من أنهك انهكوا من نهك وعليه28:6قطع والإنهاك هو يعنى المبالغة أيضا فى القص مبالغة فى القص أنهكوا الشوارب انهكوا الشوارب والرواية الخامسة اللفظ الخامس خذوا من الشوارب وأما فيما يتعلق باللحية وهو الأمر الثانى انتبوا له أيضا على خمسة أنحاء وأشكال: أعفوا كما تقدم معنا من أعفا او من عفا أعفوا اعفوا أرخوا اللفط الثالث أرجؤوا وعليه جزوا الشوارب وأرجؤوا اللحى يعنى أخروها عن الجز وعن القص ولا تستعملوا فيها المقص ولا الموسى أرجؤوا الرواية الرابعة أوفوا الرواية الخامسة وفروا

وأما الأمر الثالث الذى ينبغى أن ننتبه له فى المخالفة ورد فى بعض الروايات خالفوا المشركين وفى بعض الروايات خالفوا أهل الشرك وفى رواية ثالثة خالفوا المجوس وفى رواية رابعة خالفوا أهل الكتاب وفى رواية خامسة لا تشبهوا باليهود ولا النصارى ورواية أبى أمامة التى ذكرتها إخوتى الكرام قلت إنها فى المسند ومعجم الطبرانى الكبير والسنن الكبرى للإمام البيهقى انتبوا للفظها عن سيدنا أبى أمامة رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم جمع عثنون وهى اللحية يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم جمع سبلة وهى الشارب ويطلق السبلة أيضا على الشعر الزائد سبالهم ويقصون عثانينهم جمع عثنون وهى اللحية كما فى النهاية فى غريب الحديث فى الجزؤء الثالث صفحة ثلاث وثمانين ومائة يقصون عثانينهم أهل الكتاب ويوفرون سبالهم وهكذا يفعل المجوس وأهل الشرك ونحن نخالف هؤلاء قاطبة وقال النبى عليه الصلاة والسلام خالفوا اهل الكتاب وفروا عثانينكم وقصوا سبالكم والحديث إسناده صحيح إخوتى الكرام مع الأحاديث المتقدمة وقد أخبرنا نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أن إعفاء اللحية من الفطرة من الجِبلة الطبيعية للإنسان وهذا من دين ربنا الرحمن إعفاء اللحية من الفطرة وعليه من اعتدى عليها فقد شذ وغيَّر خلقته وأطاع عدوه ولآمرنهم فلغيرن خلق الله هذا الشيطان الذى يعنى قال ذلك وتوعد العباد بأنهم سيطيعونه ولآمرنهم فلغيرن خلق الله ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث فى السنن الأربعة وسنن الدارقطنى والسنن الكبرى للإمام البيهقى ورواه الإمام ابن خزيمة فى صحيحه والطحاوى فى شرح معانى الآثار والإمام أبو عوانة فى مستخرجه فى صحيحه وإسناد الحديث صحيح والحديث صحيح صحيح وهو فى صحيح مسلم من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء عندما يضع الإنسان الماء فى أنفه ويخرج, الاستنشاق وقص الأظفار وغسل البراجم جمع بُرجمة وهى عقد الأصابع من الخلف ومن ظهر اليد هذه يجتمع فيها الأوساخ فيسن لنا أن نغسلها وأن نتعهدها لئلا يجتمع الوسخ عندها فى هذه العقد غسل البراجم والخصلة السابعة ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء يعنى الاستنجاء وهذا أطيب الطيب أن يستنجى الإنسان بالماء وأطيب الطيب الماء كما كان يقول العرب: أطيب الطيب الماء أن تزيل الروائح الكريهة عنك وأما بعد ذلك وجدت بخورا أو لم تجد هذه يعنى نافلة لكن الماء لا بد من أن تتعهد نفسك وأما طيب مع روائح منتنة لا تنفع يعنى ولا تؤثر أطيب الطيب الماء انتقاص الماء قال مصعب بن شيبة ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة, أحد رواة الحديث يقول نسيت العاشرة ,عشر من الفطرة نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة يقول لعلها المضمضة وفيما يظهر هى هى لأنه ذكر الاستنشاق فالمضمضة إذن أيضا من خصال الفطرة فى الوضوء وهكذا عندما ينظف الإنسان فمه ويتمضمض ويزيل الروائح الكريهة عشر من الفطرة الختان تقدم معنا إخوتى الكرام يعنى ما ذكر هنا حلق العانة لكن الختان ما ذكر فى هذا الحديث, فى أحاديث أخرى على كل حال نحن نريد من هذه الخصال إعفاء اللحية هذه التى نريدها وعليه إخوتى الكرام من اجتهد فى هذا الأمر كما قلت اجتهد فيما ليس من محل الاجتهاد فاجتهاده ضلال وفساد وكما قلت هذا ليس من التأويل إنما هو من التخريف والأباطيل وعليه لا يعذر عند الله الجليل فهو آثم وإن لم يقصد المعصية هذا ليس من محل الاجتهاد المسألة كما قلت عليها الاتفاق

وحقيقة إخوتى الكرام كثير من المسلمين أنا على علم قطعى بذلك يفعلون هذه المعصية دون علم منهم أنها معصية يعنى يرى أن هذه من شعار المسلمين والقضاة والمشايخ الكبار أما مثلا هو عامى يعنى يعمل فى مزرعة هل يعفى لحيته يقولون له تمشيخت صرت شيخا وهو ليس بشيخ, من العرف الجاهلى الذى نعيشه وحقيقة الناس يتبعون صنفين يتبعون أمراءهم ويتبعون علماءهم فإذا حلق هذا الصنفان لحاهم الناس يقتدون فى هذين الصنفين وحلق أيضا الأمراء للحاهم يتبع لحلق العلماء للحاهم يعنى هؤلاء هم الأصل الذين يمثلون الشريعة الغراء وهم خلفوا نبينا خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وصنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء أكملوا الأثر إخوتى الكرام صلاح الأمراء وفسادهم بصلاح العلماء وفسادهم هذا لابد من وعيه أيضا وإذا صلح العالم يعنى أصلح الله به العباد والبلاد وإذا فسد حقيقة بعد ذلك الفساد سيتوسع يعنى عندما يرى الناس خطيب الجمعة يحلق لحيته وإمام المسجد يحلق لحيته ماذا سيقولون؟ حقيقة يقولون المسألة ليست ضرورية أخبرنى بعض الإخوة كنت فى السعودية قبل وزير الأوقاف الجديد الذى قبله كان يحلق لحيته فبعض المسؤولين الكبار كنت معهم فى زيارة كلمتهم قال يا شيخ وزير الأوقاف يحلق لحيته وحقيقة ما كان له أن يحلق ولا شعرة فى وجهه توحد رب العالمين سبحانه وتعالى قلت يا عبد الله ما رأيت إلا هذا الوزير تقتدى به فى هذه المسألة ما لك وله أولا عندنا رسول الله عليه الصلاة والسلام الصحابة الكرام بعد ذلك يعنى هذا الذى كانوا عليه المذاهب الأربعة, ما أحد رخص فى ذلك ثم عندك مشايخ البلاد ما أكثرهم كل هؤلاء تعاميت عنهم وجئت فقط إلا وزير الأوقاف يحلق لحيته ستحلق أنت أيضا لحيتك

يا عبد الله قلت هذا ضلال حقيقة هذا ضلال لكن كما قلت صار مجال لأن يدخل الشيطان على قلوب العوام يقول إذا كان وزير الأوقاف يحلق لحيته فهذا الذى هو مسؤول عن الشرع فى هذه البلاد إذن هذه ليست من الدين يعنى غاية ما يقال مباحة إنها عادة من العادات الحسن من فعلها أحسن وإلا فلا حرج عليه, هذا ضلال إخوتى الكرام وكما قلت يعنى حقيقة هذا التأويل الذى هو من الخرافات والأباطيل انتشر عند كثير من الناس كنت مرة فى بعض المساجد فى مصر بعد أن صليت الظهر جاء الإمام ليصلى بنا يلبس بنطلون وقميص يعنى على آخر طراز كما يقال دخل إلى حجرة خاصة بجوار المنبر لبس الجبة الواسعة ووضع العمة لكن لا يوجد لحية على كل حال صلى بنا على هذه الحالة فلما انتهينا كنا مجموعة من الإخوة يعنى قلنا إذا سمحت على أيضا على العبارات الدارجة مولانا يعنى نجلس دقيقة بعد الصلاة دقائق نتحدث رحب ربنا وفتح صدره فقبل أن نبدأه بدأنا يعنى قبل أن نبدأ نحن لنصحه بدأنا هو بزيغه قال أنتم لمَ تقصون شواربكم ما توفرونها وله شارب مفتول ولا لحية قلنا يا عبد الله نحن جلسنا معك لنكلمك فى أمر وإذ أنت فتحت فى نفس الأمر أنت تعيب علينا قص الشارب, السنة أن نقص الشارب قال لا هذه مُثلة الذى يقص شاربه يعذر قلنا وحلق اللحية قال مفيهاش حاجة!!! قلنا كيف حلق اللحية ما فيها حاجة وقص الشارب مُثلة قال هذه علامة الرجالة الرجل له شارب أما هذه اللحية أبدا قلنا يا عبد الله رسول الله عليه الصلاة والسلام الذى هو أمامنا أَمَا كان له لحية قال نعم لكن عادة قومه وعادة قومنا الآن ما لهم لحى, اللحى هذه يعنى لا نطالب بها لكن الشوارب هذه ضرورية لأنها علامة الرجال جلسنا نبحث معه كما يقال طويلا وكثيرا لا فائدة قال أبدا اللحية ليست من الشرع والذى يدخلها فى الشرع هذا ضال هذه عادة من العادات وتغير العرف لكن الشارب هذا لا بد منه الشارب علامة الرجال

فقلت لبعض الإخوة يكفينا عند هذا الحد ما فى داعى للاسترسال أكثر من ذلك وبعد ذلك هو إذا خرج سيعمل فى مرقص أو فى سينما العلم عند الله جل وعلا ما أحد يعلم لكن ما فى داعى أن نسترسل يعنى فى البحث أكثر من هذا ما دام نبحث معه فى الأدلة يقول أبدا هذه كانت فى وقت فى عرف وزال هذا العرف إمام يعلم الله إخوتى الكرام فى مسجد كبير وصلينا وراءه وهو فى هذه الحالة ثم بعد ذلك تركنا وذهب للحجرة طرح الجبة والعمة وخرج بالسرعة كما يقال غربى فحقيقة عندما يرى العوام هذا سيقتدون به على أنها ليست من الدين ولذلك لا بد من نشر هذا وكم من معصية فى هذا الحين تفعل اقتداء بالعلماء وطوبى لمن إذا مات ماتت ذنوبه والويل لمن إذا مات بقيت ذنوبه يعنى موضوع التلفاز الذى انتشر فى البيوت إخوتى الكرم يعنى يبوء بإثمه فى الأصل علماء السوء الذين أدخلوا هذا أولا إلى بيوتهم وأمر ثانى خرجوا فيه من الجهتين هذا وهذا لما وُجد هذا الأمر الناس سيقتدون حتما وأخبرنى بعض إخواننا من الإخوة الكرام الطيبين لما كنا فى أبها لم يكن فى بيته تلفاز, لما بدأ يخرج فى الإذاعات فى التلفاز هو وفى مواعظ دينية قال له أهله الطيبين لننظر إليك ونستمع حديثك يعنى أقل شىء لنستمع إليك لو كان حراما كيف إذن تخرج فيه يقول يا عباد الله أنا من أجل دعوة قال لا يمكن أبدا بين أمرين هو يخبرنى عن نسائه إما أن تقاطعهم وإما أن تشترى لنا هذا الجهاز لننظر إليك وهم على صواب حقيقة اشترى بعد ذلك هذا الجهاز هذا غير نساء الآخر الذى ذكرت سابقا, اشترى هذا الجهاز وتورط فيه من الذى كما قلت أوقع العامة حقيقة نحن وإلا هذا كما قلت يعنى هو جهاز مفسدة وما وُضع فى بلاد المسلمين لنفعهم أبدا إنما مصيدة والمصيدة يوضع فيها قطعة جبن يوضع فيها قطعة خيار من أجل أن تمسك العصفور وأما إن لم تضع فيها شيئا ما يقترب منها العصفور وعليه عندما يعنى يحرج فيها شىء من ما يقال نافع هذا مصيدة لما هو ضار

تقدم معنا كلام الحسن بن صالح بن حى: الشيطان يفتح على الإنسان تسعة تسعين بابا من الخير ليطيعه فى باب من الشر التلفاز على العكس تسعة تسعون باب من الشر وباب من الخير هو لو كان الأمر كما قلت فيه تسع وتسعون بابا من الخير لأغلقت بباب الشر الذى ستنظر إليه فكيف والأمر بالعكس وعليه هنا مصيدة فكما قلت هذا كله يفعله العوام تقليدا لنا فلذلك إخوتى الكرام أنتم يعنى طلبة العلم اتقوا الله فى أنفسكم الذين توجهون الأمة أولا توجيه بالعمل ثم بالقول باستمرار احذروا هذا وابتعدوا عنه توجهون الأمة حقيقة يتوجهون ويقولون إذا كان حراما كيف سنعصى الله كيف نحن نصلى ونذهب بعد ذلك ننظر إلى ما حرم الله والله أمرنا أن نبعى أسرنا {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم/6] كيف بعد ذلك يعنى نزج بهم فى أتون الفساد ومحاربة رب العباد فى هذه الليالى الطويلة عندما يجلسون على هذه المسلسلات الخبيثة اللعينة الهزيلة إخوتى الكرام كما قلت لا بد من وعيه وهذا الأمر هنا فشى حقيقة فشا لفساد صنف كما قلت وهم لم يحسبون على أنهم علماء ودعاة يعنى عندما يقوم خطيب الجمعة ولحيته ما تمسك بملقط يعنى الناس بين أمرين يقولون إذا الخطيب لحيته ما تمسك بملقط إذن من عداه لا حرج عليه إذا حلقوها هذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام ودائما يعنى العالِم زلته يزل بها عالَم يقول أئمتنا: إذا توسع العالم فى المباحات توسع الناس فى المكروهات وإذا توسع العالم فى المكروهات وفعلها وقع الناس والعامة فى المحرمات وإذا وقع العالم فى الحرام كفر الناس يعنى دائما هم يتفلتون أكثر من تفلته إذا هو سيقع فى موبقة هم سيكفرون وإذا وقع فى صغيرة هم سيقعون فى كبيرة فهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه

اللحية كما قلت البحث فيها ليس من مجال التأويل وليس كما قلت غرضى أن أبحث الآن فى أدلة وجوبها وهيئتها, عقوبة حالقها إن كان فى الدنيا وإن كان فى الآخرة هذا ليس كما قلت من غرضنا إنما من باب التمثيل ومن جاء واجتهد فى هذه المسألة وإن لم يقصد المعصية فقد عصى شاء أم أبى لأن هذه المسألة ليست من مسائل التأويل هذه قطعية فلا دخل فيها لعقل أحد من الناس إخوتى الكرتم حقيقة كما قلت أنها من الفطرة وقد كان قوم سيدنا الأحنف بن قيس وهو من المخضرمين وما رأى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وتوفى سنة سبع وستين وقيل سنة اثنتين وسبعين وحديثه فى الكتب الستة وهو من أمراء جيوش سيدنا على رضي الله عنهم أجمعين انظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء الرابع صفحة ست وثمانين هو أحد من يُضرب بحلمه وسؤدده المثل وهو الذى يقول الكلمة المأثورة المحكمة: عجبت لمن يجرى فى مجرى البول مرتين ثم يتكبر خرج من أبيه ثم خرج من أمه يا عبد الله بعد ذلك تتكبر خرجت من مجرى البول مرتين وبعد ذلك تتكبر اعرف قدرك هذا الحليم الرزين الذى حلمه يعنى أثبت من الجبال الرواسى لم يكن له لحية كان كوسجا وسمى بالأحنف واسمه الضحاك لأنه فى ساقيه, فى رجليه حنف, ميل وتقوس إلى الداخل ولذلك كانت أمه عندما تلاعبه فى صغره تقول والله لولا حنف برجله وقلة أخشى عليه من نسله ما كان فى صبيان كل47:56 من قلة نسله قال كان له خصية واحدة رضى الله عنه وأرضاه الأحنف بن قيس وحنف فى رجليه تقول لولا هذا قلة أخشاها فى نسله أخشى ألا ينجب كما ينجب من له خصيتان وهذا لا يضر فى الإنجاب على الإطلاق

مرة كان بعض الأولاد عندى خصيته واحدة والثانية معلقة ما نزلت دخلت إلى بعض الأطباء قال لى لا تقلق تنزل بعد فترة وإذا احتمال ما نزلت تحب يجرى له عملية أو بيقى يعنى طبيعى ثم قال لى هتلر زعيم العالم فى زمنه كان عنده خصية واحدة قلت ما تعرفون هتلر لمَ ما تقولون الأحنف بن قيس؟ يعنى هتلر فقط هذا هو يعنى زعيم العالم يعنى هو الذى يُذكر فى هذه المناسبة له خصية واحدة قلت لمَ ما تذكرون سيدنا الأحنف بن قيس ونجهل أحوال أئمتنا وأما ذاك نحفظه على ألسنتنا قال لا تحزن زعيم العالم له خصية واحدة على كل حال هذا كما قلت المثال الثانى ضمن الحالة الأولى فيما ليس هو محل التأويل حالة الشق الثانى للحالة الأولى إذا كانت المسألة من محل التأويل وفيها مجال للتأويل لكن المتأول ليس من أهل التأويل ليس من أهل الاجتهاد فلا يحق له أن يدلى بدلوه وإذا تكلم فى هذه المسألة فهو عاص لله جل وعلا ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح والحديث رواه الطبرى فى تفسيره والبغوى فى معالم التنزيل أى فى تفسيره وفى شرح السنة وحسنه وفى إسناده الإمام عبد الأعلى بن عامر الثعلبى صدوق يهم يخرج له أهل السنن الأربعة وحديثه إن شاء الله فى درجة الحسن وقد تقدم معنا من حسنه من الترمذى والبغوى رضي الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث عن سيدنا عبد ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من قال فى القرآن بغير علم فيتبوأ مقعده من النار) ليس هو بأهل يعنى يتكلم فتكلم وفسر وأدلى بدلوه فهذا آثم أصاب أو أخطأ فإن أخطأ حصل إثمين وعقوبتين أخطأ كما قلت الصواب وخالف شرع الكريم الوهاب ولا يحق له أن يجتهد وإن أصاب عليه إثم لمَ؟ له إثم فى اجتهاده وليس من أهل الاجتهاد وإن أصاب الحق لأن هذه الإصابة ليست مقصودة وإذا أصاب مرة سيخطىء مئات المرات (من قال فى القرآن بغير علم فيتبوأ مقعده من النار)

والحديث إخوتى الكرام أيضا رواه الإمام أحمد بلفظ آخر فى المسند وهكذا الترمذى فى السنن وحسنه البغوى فى معالم التنزيل والطبرى فى تفسيره أيضا عن سيدنا عبد بن عباس رضي الله عنهم أجمعين بلفظ والحديث مرفوع إلى نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه (من قال فى القرآن برأيه فيتبوأ مقعده من النار) وفى رواية فى المسند (من كذب فى القرآن بغير علم فيتبوأ مقعده من النار) وفى رواية فى المسند (من كذب على القرآن بغير علم فيتبوأ مقعده من النار) إذن هذه الحالة الأولى يأثم فيها الإنسان ليست من محل التأويل أو أن الإنسان ليس من أهل التأويل الحالة الثانية التى تحصل فيها مخالفة والإنسان يأثم ويوزر لكن لا يكفر بالله عز وجل وهى أن يكون على جهل فيما تكلم فيه هو على جهل لكن استمع مع تقصير فى الطلب تقدم معنا هناك على جهل لكن ما أعرض ولا قصر هنا على تقصير فى الطلب فلم يُعِد العدة المطلوبة التى تؤهله لفهم شريعتنا الغالية المحبوبة جاء بعد ذلك ويجتهد ويصدر الأحكام وتكلم وجهل فحقيقة هذا مخطىء وعاص لله عز وجل ثبت فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى والحديث رواه الحاكم فى المستدرك صححه وأقره عليه الذهبى والحديث فى السنن الكبرى للإمام البيهقى ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير والإمام ابن أبى عاصم وسعيد بن منصور فى سننه والضياء فى الأحاديث الجياد المختارة ولفظ الحديث عن سيدنا بريدة بن الحصين رضى الله عنه وأرضاه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القضاة ثلاثة قاضيان فى النار وقاض فى الجنة

وهذا إخوتى الكرام ليس من باب النسبة يعنى ثلث وثلثان هذا من باب يعنى تعليق الحكم بالوصف فقد يدخل واحد من مائة الجنة وتسعة وتسعون من القضاة فى النار وقد يدخل تسعون الجنة وعشرة إلى النار هذا على حسب ما سيوجد من صفات واضح هذا من كان صفته كذا فهو فى النار يعنى ليس القضاة سيجمعون ثلثهم فى الجنة والثلثان فى النار ليس كذلك (القضاة ثلاثة قاضيان فى النار وقاض فى الجنة فأما الذى فى الجنة فرجل عرف الحق وقضى به) حقيقة هذا على هدى عرف الحق وقضى به فهو فى الجنة (أما الذى فى النار عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار) هذا أحد القاضيين (ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار) إذن عرف الحق فجار فى النار قضى على جهل فى النار مطلقة أصاب أو أخطأ عرف الحق وقضى به فهو فى الجنة فى رواية الحاكم زيادة انتبهوا لها قال الصحابة الكرام والحديث كما قلت صححه الحاكم وأقره الذهبى وقال على شرط مسلم قال الصحابة الكرام لنبينا عليه الصلاة والسلام يا رسول الله فما ذنب هذا الذى يجهل كأنهم يريدون أن يقولوا ما قصد المعصية وتقدم معنا قلت هذا الصنف الذى يعنى يوزر ويأثم قد يقصد المعصية وقد لا يقصد وفى الحالة الأولى والثانية ما قصد المعصية لكن فعله ما عذره الشارع فيه فى هذه الحالة والتى قبلها الحالة التى قبلها كما تقدم معنا ليست المسألة من محل التأويل أو هو ليس من أهل التأويل الثانية هو كما قلت جاهل يعنى لا يتكلم بعلم الحالة الثالثة هو قصد المعصية فى حالتين كما قلت من الحالة الثانية التى يأثم الإنسان فيها ما قصد المعصية وقى حالة قصد المعصية فهنا قال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فما ذنب هذا الذى يجهل فقال نبينا عليه الصلاة والسلام ذنبه ألا يكون قاضيا حتى يعلم

من الذى رخص له أن يزاول هذه المهنة وهذه الرتبة وهو لا يعلم ذنبه ألا يكون قاضيا حتى يعلم يعنى ارتكب الذنب لأنه لا يحق له أن يكون قاضيا حتى يعلم فتكون على علم وبينة وبصيرة والحديث إخوتى الكرام من رواية سيدنا بريدة ورُوى عن سيدنا عبد بن عمر رضي الله عنهما فى معجم الطبرانى الأوسط والكبير بسند رجله ثقات كما فى المجمع فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وتسعين ومائة وروى الإمام أبو يعلى نحوه ولفظ رواية سيدنا عبد بن عمر رضي الله عنهما أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثة واحد ناج وانثان فى النار قاض قضى بالهوى فهو فى النار وقاض قضى بغير علم فهو فى النار وقاض قضى بالحق فهو ناج) أى فى الجنة بفضل الله ورحمته نعم إخوتى الكرام من أعد العدة وكان أهلا للاجتهاد فهو معذور إن أخطأ بل له أيضا على اجتهاده أجر عند العزيز الغفور فخطؤه مغفور وله أجر على اجتهاده عند العزيز الغفور هذا إذا أعد العدة وهو من أهل الاجتهاد وتكلم فكما قلت هناك عذره الله عندما أخطأ بقى له أجر على اجتهاده أما إذا لم يكن من أهل الاجتهاد وتكلم فهو آثم فى الحالتين وعليه وزر الضال المضل عندما يخطىء فى اجتهاده إذا لم يكن أهلا للاجتهاد ثبت فى مسند الإمام أحمد والكتب الستة إلا سنن الترمذى والحديث رواه ابن حبان فى صحيحه والخطيب فى تاريخ بغداد والبيهقى فى السنن الكبرى عن سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند وأهل الكتب الستة أيضا وابن حبان فى صحيحه والبيهقى فى السنن الكبرى والحاكم فى المستدرك انتبه عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه ورواه الإمام الدارقطنى فى السنن أيضا عن أبى هريرة هناك عن عمرو بن العاص والحديث فى أعلى درجات الصحة فهو فى الروايتين مخرج فى الصحيحين من وراية عمرو وأبى هريرة رضي الله عنهم أجمعين عن نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال

(استفسار من أحد طلبة العلم غير مسموع) أى صحيح مسلم فى الصحيحين أوليس كذلك الول قلت فى الكتب الستة إلا سنن الترمذى والثانى فى المسند والكتب الستة كلها طيب لمَ صحيح مسلم؟ هو فى الصحيحين يعنى رواية عمرو بن العاص فى الصحيحين ورواية أبى هريرة فى الصحيحين مع أيضا كتب أخرى ولفظ الحديث عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر) كما قلت هو من أهل الاجتهاد وهذا أقل ما يحصل له إذا حكم فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أنه يحصل له أكثر من ذلك ولا منافسة بين القليل والكثير فالقليل يدخل فى الكثير ورحمة الله واسعة أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن القاضى إذا قضى واجتهد فأصاب فله عشرة أجور فى رواية له عشر حسنات وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر وفى رواية فله حسنة وفى رواية فله أجر أو أجران

والروايات فى بعضها ضعف لكن رواية صححها الإمام الهيثمى فى المجمع فيها راو ضعيف كأنه غفل عنه رضى الله عنه وأرضاه وقال رجاله رجال الصحيح فاستمعوا للرواية التى نص على تصحيحها الإمام الهيثمى فى المجمع من رواية سيدنا عقبة بن عامر رضى الله عنه وأرضاه روايته فى المسند فى الجزء الرابع صفحة خمس ومائتين وتعبت جدا لذلك حددت لكم المسند فى الجزء الرابع صفحة خمس ومائتين لأننى استقرأت مسند عقبة بن عمرو من أوله لآخره ما وجدت الحديث فيه وعُزى فى كتب أئمتنا إلى لمسند يعنى الإمام ابن حجر فى التلخيص يقول رواه الإمام أحمد فى المسند وهكذا غيره يعنى ممن عزى هذا الحديث يقول هو فى المسند من رواية عقبة بن عامر فى المجمع كما قلت عند يعنى كتاب الأحكام باب اجتهاد الحاكم قال رواه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر بسند رجاله رجال الصحيح فاستقرأت مسند عقبة من أوله لآخره وهو فى المجلد الرابع أيضا غالب ظنى يبدأ من صفحة ثلاث وأربعين ومائة غالب ظنى ما أستحضرها مع أننى يعنى حديث عهد باستقرائه فما وجدت, أعطيت لأهلى بعد ذلك الكتاب قلت استقرئى مسند عقبة, عندما أبحث بعد ذلك ألهمنى الله لعل الإمام أحمد أورده ضمن حديث عمرو بن العاص فقبل أن تنهى يعنى1:2:30المسند الذى معك ونظرت إلى مسند عمرو بن العاص فى مظان الحديث الذى أخرجه حسبما أشار يعنى المعجم المفهرِس إلى أماكن الحديث فى صفحة كما قلت لكم خمس ومائتين فى مسند عمرو ابن العاص أورد الحديث بعد حديث عمرو ابن العاص أورد حديث عقبة بن عامر لم ما أعلم؟ مع أنه من مسند عقبة, الأصل أن يورده هناك على كل حال هذا الذى فى المسند هو من مسند عقبة وأورده ضمن مسند عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين قال الإمام الهيثمى فى المجمع كما قلت لكم فى الجزء الرابع صفحة خمس وتسعين ومائة فى كتاب الأحكام باب اجتهاد الحاكم رجاله رجال الصحيح وفيه أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال لعقبة:

إن اجتهدت فأصبت فلك عشرة أجور وفى رواية الدارقطنى فلك عشر حسنات فلك عشرة أجور إن اجتهدت وأخطأت فلك أجر واحد قال الإمام الهيثمى فى المجمع رجاله رجال الصحيح أقول إن الحديث فى سنن الدار قطنى فى الجزء الرابع صفحة ثلاث ومائتين ورواه الحاكم أيضا فى المستدرك كما فى التلخيص الحبير فى الجزء الرابع صفحة تسع وتسعين ومائة وعزاه إلى الدار قطنى أيضا وقال إنه رواه الدارقطنى والحاكم عن ثلاثة من الصحابة عقبة وأبى هريرة وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين لكن انتبه فى إسناده فضالة ,فضالة هو فى إسناد عقبة فى المنسد وفى إسناد الدارقطنى وفى إسناد أيضا الحاكم ومن روى هذا الحديث فيه فرج بن فضالة وهو ضعيف حديثه مخرج فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى وهو فى إسناد المسند والإمام الهيثمى يقول رجاله رجال الصحيح!! كيف هو رجاله رجال الصحيح ولم يخرج له فى الصحيحين ولا فى أحدهما!! وكما قلت فيه أيضا ضعف ونص على ضعفه الحافظ فى التقريب وهكذا فى التلخيص الحبير فلعل الإمام الهيثمى وَهِمَ والعلم عند الله جل وعلا, يحتاج الأمر إلى يعنى أيضا بحث وتحقق من هذا الأمر ففيه فرج بن فَضالة توفى سنة سبع وسبعين ومائة وحديث كما قلت فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى انظروا إخوتى الكرام التلخيص الحبير كما قلت لكم صفحة تسع وتسعين ومائة وقد حكم على الحديث بالضعف والحديث فى المستدرك فى الجزء الرابع صفحة ثمان وثمانين قال الإمام الذهبى فى فرج بن فضالة ضعفوه أيضا وفى حديث عمرو بن العاص وحديث عقبة بن عامر جاء خصمان إلى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يختصمان فى قضية فقال النبى عليه الصلاة والسلام لعمرو اقضِ يا عمرو اقضِ بينهما وفى قصة أخرى قال يا عقبة اقضِ بينهما فقال عقبة اقضى بينهما يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وأنت موجود أنت أحق بالقضاء أنت تقضى

فقال اقضِ بينهما قال فما لى للقضاء قال إن أصبت فلك عشرة أجور لك عشر حسنات وإن أخطأت فلك أجر واحد لأنك من أهل القضاء والاجتهاد النبى عليه الصلاة والسلام يريد أن يدربه فإن اجتهد وأخطأ يصحح له قضاءه بحضور النبى عليه الصلاة والسلام وإذا أصاب الحمد لله حصل هذا الأجر العظيم وهكذا فى حديث عمرو رضي الله عنهم أجمعين الحديث كما قلت فيه ضعف لكن رُوى يعنى من طرق وله متابعات لعله يرتقى بها إلى درجة الحسن والعلم عند رب الأرض والسماوات انظروا كما قلت التلخيص الحبير من كلامه على هذا الحديث فذكر متابعة من طريق الإمام ابن نفيعة لفرج بن فضالة وكما قلت يعنى لعل الحديث يرتقى بذلك والعلم عند الله جل وعلا على كل حال قلَّ ما يحصل أجر لمن اجتهد وأخطأ وإذا اجتهد وأصاب وهو من أهل الاجتهاد فله أجران أو عشرة أجور, هذا لمن هو من أهل الاجتهاد قال الإمام ابن المنذر (إنما يؤجر الحاكم إذا أخطأ إذا كان عالما بالاجتهاد فاجتهد فأما إذا لم يكن عالما فلا) لأنه آثم واستدل بحديث نبينا عليه الصلاة والسلام القضاة ثلاثة الذى فى النار هو الذى قضى على جهل فقالوا ما ذنبه الذى يجهل قال ذنبه ألا يكون قاضيا لمَ هو يعنى تولى القضاء وليس بأهل له وليس أهلا له؟ الحالة الثالثة التى يأثم فيها الإنسان إذا خلف شرع الله الرحمن هنا يتعمد المخالفة ويريد المعصية طلبا لحظ عاجل دون استحلال للباطل فغلبته الشهوات ولم يستحل ما حرم رب الأرض والسماوات كما يقع الإنسان نسأل الله العافية فى شرب الخمر, فى زنا ,فى سماع الغناء فى فى فى, تقول لمَ؟

يقول يا عبد الله كل بنى آدم خطَّاء غلبتنى نفسى وأرجو رحمة ربى لعل الله يتوب علىَّ لعل الله يغفر لى إذا لم تكن رحمة ومغفرته للعاصى لمن ستكون من هذا الكلام لم يستحل ما حرم الله عز وجل لكن تعمد المعصية وفى الحالتين السابقتين ما تعمد المعصية إما على جهل وإما كما قلت فى غير محل التأويل هو لا يريد المعصية لكنه عاص لأن الشارع ما عذره وهنا كما قلت تعمد المعصية هو فى هذه الأحوال الثلاثة فى كلها كما قلت عاص موزور هذا إخوتى الكرام الذى يقع فى المعصية وهو يعلم أنه عاص لا شك كما قلت آثم عاص لله عزوجل هو يعلم أنه عاص وأمثلة هذا كثيرة مثلا الرشوة التى انتشرت فى هذه الأيام رشوة فالقاضى يريد رشوة الحاكم يريد رشوة والموظف يريد رشوة المسؤول يريد رشوة المُبطِل عندما يقدم بعد ذلك بقضية باطلة يغرى المسؤول ليقضى له بالباطل يعطيه رشوة كل منهما يعلم أن هذا حرام من استحل الرشوة فقد كفر هذا لا شك فيه وإذا لم يستحل فكما قلت آثم عاص لله يعنى استعجل الحياة الدنيا وآثرها على الآخرة الباقية استمع مثلا إلى عقوبة الراشى والمرتشى وكل منهما يعلم أنه عاص لله عز وجل ثبت فى مسند الإمام أحمد والحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى ورواه الحاكم فى المستدرك والبيهقى فى السنن الكبرى والإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده من رواية سيدنا عبد الله بن عمر والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند والترمذى فى السنن وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه والخطيب فى تاريخ بغداد من رواية سيدنا أبى هريرة رضي الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث عن نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والحديثان صحيحان حديث عبد الله بن عمرو وحديث سيدنا أبى هريرة رضي الله عنهم أجمعين أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (الراشى والمرتشى فى النار) كما تقدم معنا أيضا من قضى على جهل فهو فى النار الراشى والمرتشى فى النار

وتقدم معنا (من قال قى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) (الراشى والمرتشى فى النار) هذا الحديث إخوتى الكرام رُوى عن عدة من الصحابة أيضا رُوى عن أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة وعن أمنا الطيبة المباركة أم سلمة وعن سيدنا عبد الرحمن بن عوف وعن سيدنا ثوبان رضي الله عنهم أجمعين وفى حديث ثوبان زيادة ولذلك أخرجه للزيادة التى فيه وإسناده صحيح رواها الإمام أحمد فى المسند وأبو يعلى فى مسنده والطبرانى فى معجمه الكبير والبيهقى فى شعب الإيمان من رواية كما قلت سيدنا ثوبان عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الراشى والمرتشى والرائش الذى يمشى بينهما فى النار) يعنى يتوسط بين المبطل وبين المسؤول, الراشى والمرتشى والرائش الذى يمشى بينهما فى النار هذا مثل الربا يعنى لُعن آكله وكاتبه وشاهداه أوليس كذلك الآكل والموكل والكاتب والشاهدان ملعونون عندما توجد عملية الربا كل من يشارك فيها وهنا كذلك الراشى والمرتشى والرائش الذى يمشى بينهما فى النار هذا كلام نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إخوتى الكرام من باب بيان حكم يتعلق بالرشوة أما المسؤول يحرم عليه أن يأخذ شيئا مقابل قضائه أو تمشيته أمور المسلمين التى أنيطت برقبته سواء أراد أن يحق حقا أو أن بيطل باطلا أو أن يبطل حقا أو أن يحق باطلا يعنى يحرم عليه أن يأخذ بجميع الأحوال لأنه يتقاضى جُعلا ومكافئة وأجرة وراتبا من بيت مال المسلمين فلا يجوز أن يأخذ بحال من الأحوال ولو قال أنا سأقضى بالحق لكن أعطنى لا يجوز ولو قال أنا سأبطل باطلا أعطنى لا يجوز, سيغير الحق إلى باطل لا يجوز أن يأخذ من باب أولى أما الراشى فحقيقة كما قال أئمتنا إذا دفع ليتوصل إلى حقه وليتخلص من ظلم الظالمين دون أن كما قلت يعنى ليتوصل إلى ما لا يحل له أن يتوصل إليه ولن يتخلص من حق وجب عليه فهذا لا إثم عليه والإثم على الآخذ,

أحيانا يُبتلى بعض الناس ببعض المسؤولين الخبيثين لا يجرى لك مصلحتك التى ينبغى يعنى أن تحصلها مصلحة شريعة وجاءت إليه ما يجريها إلا بمقاتلة ويتعبك ويبهدلك, يؤخرك ولا ينجز عملك ولو أحيانا حتى أردت أن تسجل مولودا يعنى لا تظن المسألة يعنى أحيانا يقول الإنسان يمكن أن أتركها يعنى تذهب لتسجل مولودا رغم أنفك وإذا ما سجلته تضع غرامة خلال فترة محددة وإذا ما سجلت المولود تضع الغرامة وعندما تأتى لتسجل مرة السجل غير موجود ومرة يحتاج إلى ختم ومرة كذا يجننك وما يسجل المولود ثم أحيانا يصرح وإذا ذهبت لترفع أمره قد يكون الذى فوقه يعنى أشد خيانة منه هذا قد يقبل بشىء قليل ذاك بعد ذلك يحتاج إلى شىء كثير ونسأل الله أن يلطف بنا على كل حال فالراشى الذى يدفع كما قلت ليصل إلى حقه ليس عليه أما الآخذ فى جميع أحواله آثم ومع ذلك لا يجوز للإنسان أن يدفع إلا كما قلت سابقا إذا اضطُر وعلم أن مصلحته لا يمكن أن تُقضى وسيتعطل ولا يوجد من يعنى يجيب سؤاله لو ذهب واشتكى فهنا يفوض أمره إلى الله ويدفع هذا كما لو اعترضه قاطع طريق وأعطاه مبلغا من المال ليتخلص من ظلمه وعدوانه إخوتى الكرام من تلبس بهذه الحالة وهو موزور كما قلت فى هذه الأحوال الثلاثة فيما ليس من محل التأويل قضى على جهل, قصد المعصية, من تلبس بهذه الحالة يصح أن ننفى الإيمان عنه مع أننا كما قلنا هو عاص ليس بكافر يصح أن ننفى الإيمان عنه ويصح أن نصفه بالكفر ويصح أن نلحقه بالجاهلية فنقول هذا على الجاهلية وهذه الأمور الثلاثة مستعملة فى حديث نبينا خير البرية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ولا يجوز أن تطلق عليه لقب الإيمان وعنوان الإيمان ووصف الإيمان إلا بقيد لأن هذا اللقب لا يطلق إلا الصورة الكاملة التى هى إيمان بلا معصية

فمن عصى الله تقول مؤمن فاسق مؤمن عاصى مؤمن ظالم أما أن تقول مؤمن هذا لا ينصرف إلا من فعل الواجبات وترك المحرمات أما هذا يخوض فى الموبقات لا بد من أن تقيد إيمانه بما يشعر نقصان الإيمان فيه لأن هذا اللفظ إذا أُطلق ينصرف إلى الصورة الكاملة كما حقق ذلك أئمتنا قاطبة انظروا مثلا كلام شيخ الإسلام الإمام النووى فى تقرير هذا فى شرحه لصحيح مسلم فى أول كتاب الإيمان إخوتى الكرام ما حددت الصفحة فى أول كتاب الإيمان قرر هذا الأمر أول حديث فى كتاب الإيمان قرر ما يتعلق بهذا الأمر وأن الإنسان إذا فعل معصية لا يطلق عليه لفظ الإيمان إلا بقيد ويجوز أن تصفه بالكفر على تأويلات ستأتينا أنك تريد كفر دون كفر تريد كفر النعمة لا كفر المُنعم شابه الكفار وما شابه هذا كما سيذكر شيخ الإسلام النووى يجوز أن تنفى الإيمان عنه لأنه ما وجد فيه الإيمان الكامل يجوز أن تلحقه بالجاهلية لعلنا هذه الأمور الثلاثة ننتهى منها لنشرع بعد ذلك فى الموعظة الآتية فى الخصلة فى الحالة الثالثة التى إذا انحرف الإنسان فيها عن شرع الله يكفر ثبت فى المسند والكتب الستة وغير ذلك من دواوين السنة عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه والحديث فى المسند وصحيح البخارى وسنن النسائى ورواه الإمام عبد ارزاق فى مصنفه والإمام البزار ى مسنده والطبرانى فى معجمه الكبير والخطيب فى تاريخ بغداد عن سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين فهو من رواية صحابيين باللفظ الذى سأذكره عن سيدنا أبى هريرة وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) فنفى عنه اسم الإيمان لعدم وجود الصورة الكاملة فيه لأنه وقع فى شىء من الفسوق والغفلة حديث ثان يصفه بالكفر إذا فعل ما يفسقه ما يوزره ما يؤثمه

ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث فى الحلية فى الجزء الثانى من الحلية صفحة ست وثلاث مائة وهو صحيح صحيح فهو فى صحيح مسلم من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اثنتان بالناس هما بهم كفر الطعن فى النسب والنياحة على الميت) قال شيخ الإسلام الإمام النووى فى شرح هذا الحديث فى الجزء الثانى صفحة سبع وخمسين فى شرح صحيح مسلم قوله هما بهم كفر قال لا بد من تأويل هذا الحديث أول التأويلات ذكر أربعة تأويلات أولها قال: هما بهم كفر أى من أعمال الكفار وخصال الجاهلية هما بهم كفر أى تؤديان بهم إلى الكفر هما بهم كفر يقصد كفر النعمة وعدم الشكر لا كفر المنعم والجحود التأويل الرابع هما بهم كفر فمن استحل هاتين المعصيتين أو واحدة منهما هذه أربعة تأويلات وأنا كنت ذكرت سابقا ست تأويلات أضيف إليها هما بهم كفر هذا من باب التغليظ والزجر ولا يقصد حقيقته هما بهم كفر شابه الكفار فى هذه الخصلة وفى تلك لا فى سائر الخصال وليس له حكم الكفار الأشرار وعليه إخوتى الكرام لا بد من تأويل هذه الأحاديث التى تنفى الإيمان وما نُفى يعنى فيه الإيمان عن مرتكب الكبيرة عندما يفعل معصية لله عز وجل يقال يقصد من النفى نفى تمام الإيمان نفى كمال الإيمان وما ورد وصفه بالكفر نقول كفر عملى ليس كفر اعتقادى وهو الذى يقول عنه أئمتنا أنه كفر دون كفر وانتبهوا لأنه سيلزمنا فى المبحث الثالث ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون هذه تدخل فيها لأنه هنا الآن انحرف وعليه كفر دون كفر فى هذه الحالة إذا لم يستحل وغلبته شهوته إذن كما قلت أنه كفر دون كفر شابه الكفار فى هذه الخصلة هذا من باب التغليظ والزجر بما يخلع القلب يؤدى به إلى الكفر هذا إذا استحل والتى بعد ذلك هى كفر النعمة لا كفر المنعم

الدليل الثالث على أنه يوصف أيضا بأنه جاهلى تقدم معنا الحديث إخوتى الكرام فى منسد الإمام أحمد والكتب الستة إلا سنن النسائى وهو فى غير ذلك من دواوين السنة قول نبينا عليه الصلاة والسلام لسيدنا أبى ذر عندما عير بلالا بأمه رضى الله عنهم أجمعين قال: أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية تقدم معنا أيضا أن سيدنا أبا ذر رضى الله عنه وأرضاه قال لنبينا عليه الصلاة والسلام كما فى صحيح البخارى: على ساعتى هذه من كبر السن أنا فى هذا يعنى العمر وفى هذه الحالة وعلى كبر السن مع ذلك فىَّ خصلة من خصال الجاهلية قال: نعم إنك امرؤ فيك جاهلية على ساعتك هذه من كبر سنك عندما عيرته بأمه إخوتى الكرام هذا فيما يتعلق بالحالة الثانية التى إذا لم يحتكم الإنسان فيها إلى شرع الله ولم يحكم فى حالته شرع الله يأثم ويرتكب وزرا لكنه لا يكفر الحالة الأولى أن يأول فيما ليس هو من مجال التأويل أن يجتهد فيما ليس من أمور الاجتهاد الثانية كما تقدم معنا أن يتكلم بجهل دون قصد لمعصية الله عز وجل الثالثة أن يقصد المعصية دون استحلال لها هو فى الحالات الثلاث ما استحل ما حرم الله لكن فى الحالة الأولى والثانية ما قصد معصية الله لكن الشارع ما أذن له ولا عذره فى فعله فهو آثم والحالة الثانية هو قصد المعصية وفعله معصية فهو عاص وهو يعلم بذلك هذه الأحوال الثلاثة كما قلت الإنسان ينحرف عن شرع الله وهو فيها موزور عاص للعزيز الغفور لا يصل إلى درجة الردة والجحود والكفر الحالة الثالثة التى سيأتى الكلام عليها من لم يحتكم إلى شرع الله ولم يحكم شرع الله فهو كافر جاحد مرتد قلت لذلك خمس حالات نتدارسها فى الموعظة الآتية بتوفيق رب الأرض والسماوات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا

اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

013

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام كنا نتدارس أحوال الإنسان عندما ينحرف عن شرع الرحمن عندما يقع الإنسان فى مخالفة لشرع ذى الجلال والإكرام قلت إن هذه الأحوال لا تخرج عن حالات ثلاثة أولها أن يكون الإنسان معذورا وثانيها أن يكون آثما موزورا وثالثها أن يكون كافرا مرتدا مثبورا أما الحالة الأولى إخوتى الكرام وهى ما يُعذر فيها الإنسان عندما يقع فى مخالفة شرع الرحمن فقلت لها ثلاثة أحوال أيضا أولها أن يتأول فيما فيه مجال للتأويل وهو من أهل التأويل ثانيها أن يجهل حكم الله الجليل بشرطين اثنين لم يعرض عن التعلم ولم يقصر فى التعلم ما أعرض ولا قصر بذل ما وسعه لكنه جهل بعض الأحكام وفعلها بناء على جهله من غير إعراض عن شرع رب العباد ومن غير تقير فى تعلم شرع الله الجليل الحالة الثالثة التى يعذر فيها أن يكره ويقسر على معصية الله عز وجل فذهب منه الاختيار فى هذه الحالة فلا لوم عليه عند العزيز الغفار والحالة الثانية التى يأثم فيها الإنسان دون أن يكون كافرا بربنا الرحمن أيضا لها كما تقدم معنا ثلاثة أحوال الحالة الأولى إخوتى الكرام كما تقدم معنا أن يتأول فيما فى غير مجال التأويل وهو ليس من أهل التأويل كما تقدم معنا إيضاح هذا والحالة الثانية

أن يجهل حكم الله الجليل ففعل المعصية دون قصد للمعصية لكنه قصر أو أعرض عن شرع الله عز وجل فإذن تقصيره بسبب جهله بسبب تقصيره وإعراضه فهو ملوم عن الحى القيوم وهو آثم عند الله عز وجل والحالة الثالثة أن يقصد المعصية من غير استحلال لها ففى هذه الأحوال الثلاثة كما تقدم معنا موزور دون أن يصل إلى درجة الكفر بالعزيز الغفور الحالة الثالثة التى سنتدارسها فى هذه الموعظة بعون الله جل وعلا أن يكون الإنسان كافرا أن يكفر الإنسان عندما يخالف شرع الرحمن كنت ذكرت لكم إخوتى الكرام أن هذه الحالة أيضا لها خمسة أحوال وبالتأمل تبين لى أنها ستة وعليه عندنا ستة أحوال للحالة الثالثة وثلاث حالات لكل حالة من الحالتين المتقدمتين فصار المجموع اثنتى عشرة حالة عندنا ست حالات سنتدارسها فى هذه الموعظة بتوفيق رب الأرض والسماوات إخوتى الكرام ضابط هذه الأحوال الستة أن يفعل الإنسان معصية ذى الجلال معصية ذى العزة والجلال ليفعل المعصية قاصدا لها مع الاستحلال قصد المعصية وهو مستحل لها قصدها وهو مستحل لها انتبه وقد يصحبها جحود لشرع الكبير المتعال سبحانه وتعالى وقد يصحبها جحود لشرع العزيز الجبار أو استخفاف واحتقار قد يصحبها وقد لا يصحبها وفعل المعصية مستحلا لها دون أن يجحد حكم الله فى هذه القضية ودون أن يستخف إنما استحل المعصية أحيانا يستهزىء وأحيانا لا يستهزىء أحيانا ينكر الحكم الشرعى وأحيانا لا ينكر فهنا مستحل لهذه المعصية ويرى أنها حلال مع أنه يقول إن الله حرمها لكن إنها حلال عندى وأفعلها على أنها ليست معصية قد كما قلت يجحد وقد لا يجحد قد يستخف وقد لا يستخف إنما متى ما استحل المعصية فقد كفر بالله عز وجل وذلك كما قلت إخوتى الكرام فى ستة أحوال أولها

ألا يرى صاحب التباب صاحب المعصية حكم الكريم الوهاب حق وعدل وصواب فعل معصية وهو لا يرى أن حكم الله فى هذه القضية أو فى غيرها المقصود لا يرى أن حكم الله حق وصواب فعل معصية ولا يرى أن حكم الله حق وصواب لنفرض أنه شرب الخمر نسأل الله العافية ونظر إلى النساء أو زنى أو فعل غير ذلك من المنكرات قلنا: اتق الله إن الله جل وعلا حرم هذا قال: تحريم هذا عبس وليس من الحكمة أن يُحرم فهنا استحل المعصية ورأى أن حكم الله ليس بحق ليس بصواب ليس برشد ليس بحكمة فاستحل المعصية مع حجود حكم الله جل وعلا فى هذه القضية أى جحود صواب حكم الله وأنه ليس حكم الله فيها عدل فى هذه القضية يقول نعم إن الله حرم هذه الجريمة هذه المعصية هذه الموبقة هذه الفعلة لكن التحريم فى غير محله, التحريم خطأ, التحريم سفاهة, التحريم طياشة نسأل الله العافية ففى هذه الحالة كما قلت كفر بالله عز وجل ألا يرى صاحب التباب حكم الكريم الوهاب حق وعدل وصواب ففى هذه الحالة لا شك فى كفره وهذه الأمور التى سأذكرها إخوتى الكرام مجمع عليها يعنى ليس فيها مجال للقيل ولا للقال لا خلاف فى أن من تلبس بحالة من هذه الحالات فقد خرج من دين رب الأرض والسماوات إذن ألا يرى أن حكم الله حق وصواب فى قضية ما أو فى سائر القضايا وقد أشار الله جل وعلا إلى حال هذا الصنف فى كتابه فقال جل وعلا فى سورة النساء

{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا *وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا *فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا *أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا *وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما * فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء/60-65] ورد فى سبب نزول هذه الآية ما رواه الإمام الكلبى فى تفسيره والإمام الثعلبى فى تفسيره من طريق أبى صالح عن سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما والإسناد كما قال الحافظ فى الفتح فى الجزء الخامس صفحة سبع وثلاثين وإن كان ضعيفا لكن تقوَّى بطريق مجاهد وطريق مجاهد سيأتينا أثره مرسل صحيح بل هناك مرسل الإمام الشعبى أيضا مرسل صحيح أصح من مرسل سيدنا مجاهد رضى الله عنهم أجمعين وهناك أخبار متعددة يقوى بعضها بعض مما يدل على أن هذا الأمر واقع ثابت وهو سبب لنزول هذه الآية الكريمة وفيها إيضاح هذه القضية وهى أن من لم يرَ حكم الكريم الوهاب من لم يره عدلا وصوابا فى قضية ما فقد كفر وارتد نسأل الله العافية والسلامة وخلاصة سبب نزول الآية أثر سيدنا بعد الله بن عباس رضى الله عنهما قال: كان بين يهودى وبين رجل من المنافقين خصومة فى أمر ما فرفعا الأمر إلى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقضى نبينا عليه الصلاة والسلام لليهودى وأن الحق له فلما خرجا قال المنافق لليهودى هلم لنحتكم إلى أبى بكر رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين

قال قد احتكمنا إلى محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذا رسولكم قال نحتكم إلى أبى بكر فذهبا وعرضا عليه قصتهما وقبل أن يتكلم سيدنا أبو بكر رضى الله عنه وأرضاه قال اليهودى ذهبنا إلى النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وعرضنا عليه قصتنا فحكم بأن الحق لى فقال ما كان لابن أبى قحافة رضى الله عنه وأرضاه أن يحكم فى مسألة حكم فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام الحكم ما قال رسول الله عليه صلوات الله وسلامه فخرجا فقال المنافق لليهودى هلم لنحتكم إلى عمر رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين فذهبا وعرضا عليه المسألة فقال اليهودى يا أبا حفص ذهبنا إلى النبى عليه الصلاة والسلام فحكم بأن الحق لى وذهبنا إلى أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه فقال ما كان لابن أبى قحافة أن يحكم فى مسألة فى قضية حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه للمنافق أصحيح ما يقول خصمك اليهودى يعنى هذا وقع تقول ذهبتم قبل أن تأتوا إلىَّ إلى النبى عليه الصلاة والسلام ثم إلى أبى بكر قال نعم قال انتظرا إذا المسألة تحتاج إلى مراجعة وتثبت ويعنى تحقق من الحكم الشرعى لكن ما عندنا الآن يعنى طريقة لننفذ بها الحكم الشرعى بين يدى انتظرا ثم دخل وحمل سيفه وخرج فسله وضرب رقبة المنافق فقتله وقال هذا حكمى فيما لم يرض بحكم رسول الله عليه الصلاة والسلام تحتكمان لى هذا هو حكم فاليهودى شرد إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فتبعه سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه وعرض اليهودى الأمر على نبينا عليه الصلاة والسلام أن سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه قتل صاحبه يعنى المنافق فأنزل الله جل وعلا هذه الآيات مقررا صواب وسداد فعل سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)

وورد أيضا فى بعض الروايات أن المنافق كان يريد من اليهودى الاحتكام إلى كعب الأشرف لأنه يقبل الرشوة وهو من زعماء اليهود ولا يريد الاحتكام إلى نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام فهنا إخوتى الكرام جحد هذا الحكم الشرعى ولم يرَ أنه حق وصواب وعليه فقد كفر بالكريم الوهاب فحكم فيه سيدنا عمر بما حكم الأثر كما قلت رواه الإمام الثعلبى والكلبى وإسناده ضعيف كما قال الحافظ لكن تقوى بأثر مجاهد وقلت لأثر الشعبى وبغير ذلك من الآثار ولا ينزل إن شاء الله عند درجة الحسن والاعتبار من جملة إخوتى الكرام الآثار المقوية له وهى شواهد له ما رواه الإمام ابن أبى حاتم فى تفسيره والإمام ابن مردويه فى تفسيره أيضا كما فى الدر فى الجزء الثانى صفحة ثمانين بعد المائة من طريق عبد الله بن لهيعة رحمة الله ورضوانه عليه تقدم معنا حاله مرارا من رجال مسلم والسنن الأربعة وتوفى سنة أربع وسبعين بعد المائة وهو إمام صالح ثقة عبد فاضل لكن طرأ عليه الاختلاط فى كِبره رحمه الله وغفر لنا وله

عبد الله بن لهيعة يروى هذا الحديث عن أبى الأسود وهو من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين ويراد من أبى الأسود هنا محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن خويلد وهو يتيم سيدنا عروة بن الزبير رضى الله عنهم أجمعين ثقة فاضل حديثه فى الكتب الستة توفى سنة بضع وثلاثين بعد المائة يروى هذا الأثر أيضا عن أبى الأسود كما قلت محمد بن عبد الرحمن بن نوفل هناك عن سيدنا عبد الله بن عباس متصل وإسناده وضعيف وهنا مرسل لكن كما قلت الآثار يقوى بعضها بعضا هذا الأثر إخوتى الكرام الذى هو أثر أبى الأسود قال عنه الحافظ ابن كثير فى تفسيره فى الجزء الأول صفحة واحدة وعشرين وخمسمائة هذا حديث مرسل غريب لأن أبا الأسود تابعى فخبره مرسل بمعنى حديث سيدنا عبد الله بن عباس تماما وأن سيدنا عمر رضى الله عنه قتل فى نهاية الأمر هذا المنافق الذى رفض نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه هذا حديث مرسل غريب وروى مثل أثر سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين أيضا الإمام جحين فى تفسيره عن تابعى آخر وهو ضمرة بن حبيب الزُبيدى بضم الزاى الحمصى وهو ثقة إمام مبارك توفى سنة ثلاثين بعد المائة وحديثه فى السنن الأربعة إذن هذا أثر ثالث مرسل الأول متصل والثانى مرسل وهذا مرسل وهناك أثر رابع مرسل رواه الحكيم الترمذى عن مكحول الدمشقى بمعنى حديث سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنه بمثله, هذه أربعة آثار وهناك أيضا ثلاثة آثار بنحو حديث سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين

أولها وهو أصحها حديث الإمام الشعبى رواه الطبرى فى تفسيره وابن مردويه فى تفسيره وهكذا الإمام ابن المنذر بسند صحيح وثانيها أثر سيدنا مجاهد وإسناده صحيح كما قال الحافظ فى الفتح وأثر مجاهد فى تفسير الطبرى وعبد ابن حميد وابن أبى حاتم وتفسير الإمام ابن المنذر والأثر الثالث عن الربيع بن أنس وراه الطبرى فى تفسيره إذن رُوى الحديث من طريق متصل ومن ست طرق مرسلة أوليس كذلك فهذه الطرق يقوى بعضها بعضا فلا ينزل الحديث كما قلت عن درجة الاعتبار والاحتجاج وأن هذا من سبب نزول هذه الآيات الكريمات التى تلوتها وآخرها {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} إذن هذه الحالة الولى من الحالات الست التى يكفر فيها من خالف شرع الله عز وجل أولها ألا يرى صاحب التباب لا يرى حكم الكريم الوهاب أنه حق وصواب لا يرى هذا قال الإمام ابن القيم فى مدارج السالكين فى الجزء الأول صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة بعد أن ذكر الأثر المتقدم فى قتل سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه للمنافق الخبيث, قال الإمام ابن القيم رحمة الله ورضوانه عليه (ولقد حكم سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه على من قدَّم حكمه على نص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وقال هذا حكمى فيه ثم قال فيالله كيف لو رأى سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه ما رأينا وشاهد ما بُلينا به من تقديم رأى فلان وفلان على رأى المعصوم نبينا عليه الصلاة والسلام) ماذا كان يفعل سيدنا عمر لو شاهد ما شاهدنا ورأى ما بُلينا به وهذا فى القرن الثامن وماذا يقول الإمام ابن القيم وقبله سيدنا عمر لو شاهد عصر الظلمات الذى نعيش فيه فى هذه الأوقات ثم قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله أيضا: ولم يكن فى الصحابة أحد إذا سمع نص النبى عليه الصلاة والسلام عارضه بقياسه أو ذوقه أو وَجده أوعقله أوسياسته

فلقد أكرم الله جل وعلا أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله أو يكون فى فى زمانهم من هذا حالهم يعنى يقدم رأيه سياسته وجده ذوقه قياسه على نص النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ما كان فيهم أحد بهذه الصفة وصان الله زمانهم أن يوجد أحد فى هذه الحالة السيئة هذه الحالة الأولى إخوتى الكرام من الحالات الست الحالة الثانية أن يرى المخالف لشرع الله عزوجل أن يرى أن شرع الله عز وجل حَسَن ورشاد لكنه يفضل عليه شرع العباد ويتعامى عما فى شرعهم وقوانينهم وأنظمتهم من بلاء وفساد شرع الله جل وعلا يقول حسن وفيه رشد وخير ومصلحة لكن شرع العباد أنفع متطور يتناسب مع حياتنا الحاضرة ويتعامى عما فى شرعهم من بلايا منكرة, هناك فى الحالة الأولى جحد ما فيه من حق وصواب قال إن حكم الله فاسد إن حكم الله باطل إنه سفه وعبث وأما هنا قال حق وصواب ,فيه خير لكن هناك أنظمة أخرى تناسب الحياة الجديدة فهذا النظام أنفع من شرع الحرام فلا شك فى كفره أيضا فى هذه الحالة مع أنه يرى كما قلت أن شرع الله فيه خير وأشار الله جل وعلا إلى هذا الأمر أيضا فى كتابه فى سورة الأنعام فقال ربنا الرحمن {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين *وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين *وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون *ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام/118-121] انتبهوا إخوتى الكرام لسبب نزول هذه الآيات الكريمات

ثبت فى السن الأربعة إلا سنن الإمام ابن ماجة والحديث رواه الإمام الطبرى وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه فى تفاسيرهم ورواه الإمام البزار فى مسنده وابن أبى شيبة فى مصنفه وعبد بن حميد فى مسنده وهكذا الإمام أبو الشيخ والطبرانى فى معجمه الكبير وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه وقال هذا حديث صحيح على شرط الإمام مسلم وأقره عليه الذهبى وانظروا المستدرك الجزء الرابع صفحة ثلاث عشرة ومائة ورواه الإمام النحاس فى الناسخ والمنسوخ وانظروا الروايات الثلاثة فى السنن الثلاثة قلت فى السن الأربعة إلا سنن ابن ماجة انظروها إخوتى الكرام فى جامع الأصول فى الجزء الثانى صفحة خمس وثلاثين ومائة ولفظ الحديث عن سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما ورُوى الحديث مرسلا أيضا من أربعة طرق صحيحة ثابتة وهو أيضا صحيح ثابت كما قلت مرفوعا متصلا رُوى الحديث عن الضحاك فى تفسير عبد بن حميد وأبى الشيخ وروى أيضا عن عكرمة رواه أبو داود فى كتابه الناشخ والمنسوخ وروى عن قتادة فى أيضا عبد بن حميد وأبى الشيخ وتفسير الإمام ابن المنذر وروى عن الإمام الشعبى فى تفسير الإمام ابن أبى حاتم أربعة آثار مرسلة مع أثر سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين عن الضحاك وعكرمة وقتادة والشعبى وخلاصة هذه الآثار أن المشركين وفى رواية اليهود وفى رواية قالت فارس لمشركى قريش قوموا للنبى عليه الصلاة والسلام واجمع بين هذه الألفاظ فجرى هذا من المشركين وجرى من اليهود الملعونين وأرسل الفرس عبدة النار إلى مشركى قريش إلى إخوانهم من الكفار ليسألوا نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه هذا السؤال ليحاجوه وعلى زعمهم أنهم سيغلبونه إذا ناقشوه فى ذلك وخلاصة المناقشة والخصومة قالوا يا محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه الميتة من بهيمة الأنعام من أماتها من قتلها

قال الله هو الذى أماتها فقالوا سبحان الله يا محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ما ذبحتموه بأيديكم تأكلونه وما ذبحه ربكم تحرمونه إن هذا القياس عندكم الذى ذبحه الله وأماته لا تأكلونه وتقولون إنه نجس وأنتم ما ذبحتموه بأيديكم تأكلونه كيف هذا يعنى ذبيحتكم أعلى وأفضل وأطهر من ذبيحة الله عز وجل فأنزل الله جل وعلا {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم (طيب ما الحكم فى هذه المجادلة إذا أطعناهم وركنا إليهم) وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} انتبه هنا لا ينازع فى تحليل يعنى ذبيحة اليد يقول تلك حلال كلوها لكن ينبغى أن نأكل الميتة أيضا يعنى هذا حسن تأكلون ما ذبحتموه وتقولون أحل له الله لكن هناك بعد ذلك تشريع آخر فيه نفع وفيه خير وفيه مصلحة للإنسان فانتبهوا له وهو أكل الميتة كما تزعمون أن الله أباح لكم هذا فأيضا ينبغى أن يأكل الميتة لأن الله أماتها وقتلها إن الله حرمها علينا هذا لاننصت له هذا الآن تشريع وضعى تشريع جاهلى من أخذ به فلا شك فى كفره وضلاله (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) قال شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان فى الجزء السابع صفحة سبعين ومائة وذكر هذا إخوتى الكرام فى تفسير سورة محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه كما ذكره فى سورة فاطر الآية التى فيها (لو تذكرونى بها فى سورة فاطر أو وهمت) ذكرتها سابقا فى بعض المواعظ (وما اختلفتم فيه من شىء) فى سورة الشورى ذكر هذا فى سورة الشورى وفى سورة محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب} [الشورى/10]

بحث فى موضوع تحكيم شرع الله فى شؤون الحياة فى هاتين السورتين كما بحث أيضا فى تفسير سورة الكهف (ولا يشرك فى حكمه أحدا) (ولا تُشرك فى حكمه أحدا) على حسب قراءة عبد الله بن عامر رضى الله عنهم أجمعين على كل حال استعرض هذه الآية كما قلت فى الجزء السابع صفحة سبعين ومائة (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) أى بقولهم ما ذبحتموه بأيديكم حلال وما ذبحه الله وأماته إنه حرام فأنتم إذن أحسن من الله حكما وأحل تزكية ثم بيَّن الفتوى السماوية من رب العالمين فى الحكم بين الفريقين فقال جل وعلا: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) قال فهى فتوى سماوية من الخالق جل وعلا صرح فيها بأن متبع تشريع الشيطان المخالف لتشريع الرحمن مشرك بذى الجلال والأكرام إذن هنا كما قلت إخوتى الكرام يرى أن حكم الله حق وحسن ورشاد لكن لا مانع أن نأخذ بشىء آخر فهو أنفع وأحسن فى بعض القضايا فلا شك فى كفر من يزعم ذلك الحالة الثالثة لمن يخالف شرع الله عز وجل إذا زعم أن شرع العبيد مساو لشرع الله المجيد وللإنسان أن يأخذ منهما بما يريد أقول هذا كهذا الكل يحقق مصلحة ما قال إن شرع الله فيه خير وصلاح لكن شرع العباد فى هذه القضية أنفع واضح هذا والحالة الأولى قال شرع الله ليس فيه نفع على الإطلاق, الحالة الثانية شرع الله فيه نفع لكن شرع الله فى هذه القضية أنفع, الحالة الثالثة شرع الله هو شرع العباد مستويان لك أن تأخذ بما شئت هذا فيه نفع وهذا فيه نفع مستويان فمن زعم هذا فلا شك فى كفره وردته عن دين الإسلام مثال لهذا أيضا وقلت سأذكر مثالا لكل قضية مثال لهذا ما ذكره شيخ الإسلام الشيخ مصطفى صبرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وكنت ذكرت هذا المثال سابقا فى موضوع النكاح المدنى بدل النكاح الشرعى انظروه فى كتاب موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين على نبينا ورسله صلوات الله وسلامه فى الجزء الرابع صفحة ست وعشرين وثلاثمائة

خلاصة ما ذكره الشيخ عليه رحمة الله فى تركيا الملحدة بعد أن قُضى على الخلافة الإسلامية وغيروا النكاح من كونه إلى كونه مدنيا جعلوه مدنيا والفارق بين النكاحين النكاح الشرعى كان يعقده المأذون الشرعى أو إمام المسجد فجعلوه يتبع البلدية هناك كان يُفعل بمراسيم شرعية الآن هنا بمراسيم وضعية فالشيخ مصطفى صبرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال: هذا العقد لا يحل الزوجة لزوجها واتصاله بها سفاح لا نكاح وتقدم معنا أن بعض المفتين الشيخ لوزادا أفندى من أهل الخير والصلاح كما أثنى عليه الشيخ مصطفى صبرى استشكل هذه القضية وقال: كيف إن ائمتنا ما شترطوا فى عقد النكاح إلا الولى وحضور الشاهدين وصيغة النكاح والعقد مع أن هذا يحصل فى البلدية طيب لمَ بعد ذلك لا تحل هذه المرأة لزوجها فقال له هذا فعل على حسب القوانين الوضعية لا على حسب لا الشريعة الربانية وإن وُجدت شروط النكاح لكن ما فُعل طاعة لله عز وجل أما هناك فيوضع بمراسيم شرعية طاعة لرب البرية فهؤلاء عندما حولوه من نكاح شرعى إلى نكاح مدنى لا تحل المرأة لزوجها فقال الشيخ لوزادا أفندى طيب ما الفارق بينهما قال لا يرد هذا السؤال ,السؤال ينبغى أن نقول ما السبب للتحول من الصفة الشرعية إلى الصفة المدنية , إن النكاح الشرعى فيه صفة النكاح المدنى هم يريدون عقدا فيه عقد يريدون شهودا فيه شهود يريدون وليا فيه ولى يعنى ما سيفعلونه فى البلدية يُفعل عندنا فعلامَ إذاً ألغيت الصفة الشريعة إلى صفة قانونية وضعية مدنية قال لا يقال ما الفارق!! الذى ينبغى أن يقال ما السبب فى ذها التحول؟ السبب أننا نكره الصبغة الشريعة ولا نريد أن نربط العباد برب البرية فنقول هذا يساوى هذا ولذلك قالوا ما الفارق!!! يا عباد الله لا يصلح أن يقال ما الفارق أنتم لمَ غيرتم الصفة الشرعية لمَ؟

قال هناك حقيقة يُفعل بمراسيم شرعية ولذلك جرت العادة بين المسلمين فى أنكحتهم الشريعة أن يذكروا الله جل وعلا وإن لم يكن هذا من شروط عقد النكاح وأن يقولوا خطبة الحاجة وأن يصلوا على النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وأن يحمدوا الله على ما منَّ عليهم بأن أباح لهم ما يسعدهم فى حياتهم وينالون عليه أجرا عند ربهم سبحانه وتعالى هذا كله كما قلت صفة شرعية قال هذه الصفة الشرعية لابد منها عند عقد النكاح لأنه يصعب على ذوى الأنفة والغيرة أن يسلم واحد منهم ابنته أو أخته لتكون زواجا لرجل هذا يصعب فى منتهى الصعوبة إنما يفعل الإنسان هذا طاعة للرحمن فلا نتصرف فى أعراضنا ولا فى أموالنا ولا فى دمائنا ولا فى أمور حياتنا إلا على حسب شرع ربنا فبما أن الله شرع هذا يسهل علىَّ ابنتى أو أختى إلى من أراه صالحا وأنها تسعد عنده أما إذا لم يكن هذا كما قلت عند عقد النكاح, طيب ما بقى إلا كأنه يعنى سلعة وثمن يقابلها ومعاوضة لا ثم ثم لا ولذلك كما قال أئمتنا عقود النكاح مبنية على المسامحة والمساهلة بخلاف العقود الدنيوية عقود البيوع فمبنية على المماسكة والمشاحة هناك مفاصلة وأما هنا يا عبد الله لا ترهق نفسك وإذا أراد أن يدفع مثلا خمسة آلاف يقول لا داعى خفف عن نفسك وخيرهن أيسرهن مهورا حقيقة هذا الذى يجرى فى أنكحة المسلمين صفة شرعية المقصود ستر هذين الصنفين من الذكور والإناث وإنجاب ذرية توحد الله وتعبده فقال الشيخ مصطفى صبرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا لا يقال ما الفارق بين العقدين إنما يقال ما السبب أما تقول ما المانع من النكاح المدنى لأنه لا فارق بينه وبين النكاح الشرعى قال ما يقال هذا إنما الذى ينبغى أن يقال ما السبب فى التحول لمَ تحولتم هناك نكاح بصفة شرعية لمَ ألغيتموه وجعلتموه فى البلدية ضمن المراسيم الوضعية القانونية الجاهلية لمَ؟

لا تحل المرأة لزوجها بهذا وعليه كما قلت هذا يساوى هذا من ناحية الصورة لكن هناك كما قلت فيه مراسيم شرعية فيه أمور معنوية ذهبت عندما فعلناه على الصفة الوضعية الردية وعليه لا تحل الزوجة لزوجها بهذا النكاح ثم قال الشيخ مصطفى صبرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: إن كثرة الفروق بين شرع الخالق والمخلوق مانع للمؤمن من الاستبدال إذا كثرت الفروق لا يمكن أن يترك دينه لكثرة الفوارق بين دينه وبين القانون الوضعى كثرة الفروق مانع له من الاستبدال وقلة الفروق انتبه أمنع مانع لأنه إذا قلت الفروق إذاً لا يوجد مقتضى للتحول إذا كثرت الفروق يقول أنا إذا اتبعت الشرع الوضعى سأبتعد عن دينى ابتعادا كثيرا إذا قلت الفروق يقول إذاً ما الداعى للتحول والفروق قليلة فلنبق على شرعنا قال وأما إذا انعدمت الفروق والصورة واحدة فالأخذ بالشرع الوضعى كفر بَواح وردة ليس لها اعتبار من الاعتبارات لمَ إذن إذا كان لا يوجد فارق ولا فلا الصورة لم تركت الصبغة الشرعية وفعلت الصبغة الوضعية إذن ما فعلت هذا إلا لتقلد من غضب الله عليه وهذا هو الكفر البواح وإلا أنك تكره الصورة الشرعية التى شرعها رب البرية ما دامت هذه الصورة كهذه الصورة لم تأخذ بهذه وتلغى تلك, كثرة الفروق تمنع من أن نستبدل وأن نترك شرع الخالق إلى شرع المخلوق, قلة الفروق أمنع مانع انعدام الفروق هذا حقيقة لا يفعل هذا إلا كما قلت من ليس فى قلبه ذرة إيمان وهو كافر بالرحمن لأنه لا يوجد إذاً أى مبرر يعنى من المبرارات حتى الدنيوية فى ترك شريعة رب البرية والالتزام بالصورة الجاهلية ما دامت هذه كهذه لم تركت هذه وأخذت بهذه,

إذاً الصورة الشرعية تكرهها دل على أنه إذا ليس فى قلبك تعظيم لرب العالمين (ومن تشبه بقوم فهو منهم) كما تقدم معنا مرارا إذاً أنت لا تريد أن تترك هذا الصفة الشرعية إلا تشبها بالمظاهر الجاهلية كرهت حتى الصورة الشريعة كرهتها مع أنك تسلم أن الجوهر فى هذه القضية كالجوهر فى هذه القضية وأن هذه كهذه ولا تختلفان شيئا فى الحقائق لكن هنا صفة شرعية وهنا صفة جاهلية فآثرت هذه على هذه لما فى قبلك من كفر بالله وعدم وجود ذرة إيمان حقيقة هذا هو الفقه وهذا هو الوعى عند أئمتنا الكرام ثم ذكر الشيخ عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أن الشيخ لوزادا أفندى وافقه وقال جزاك الله خيرا هذا المعنى حقيقة ما ذهب ذهنى إليه وإلا إذا انعدمت الفروق إذاً لمَ نترك الصفة الشرعية إلى الصفة الجاهلية الوضعية ولا يغنى عنا أن نقول إن شروط النكاح وُجد فى هذا العقد لا الذى ينبغى أن نقوله لمَ تركنا الصفة الشرعية إلى هذه الصفة الردية!!! إخوتى الكرام كنت ذكرت لكم سابقا فى بعض المواعظ أن هذه الحياة حقيقة التى نعيش فيها وأن الناس يكفرون من حيث لا يشعرون وقد يفعل الإنسان الفعل لا يكفر لو لم يلاحظ المعنى الذى من أجله فعل ذلك الفعل قد يفعله وهو يعنى إما أن يكون مباح وإما خلاف الأولى فيفعله بنية خبيثة فيخرج من دين الله وهو لا يدرى كنت ذكرت لكم يجرى فى بعض الجامعات فى هذه الأوقات حفلات لكن تراث الحفلة على النظام الفرنسى تعظيما لهذه العادة الجاهلية الخبيثة ما هى؟

كل من يشرب الشاى يبقى واقفا ولا واحدا منهم يجلس يصب الشاى وهم وقوف وبيده كأسة الشاى زجاجة الشاى واليد الأخرى شىء من الحلوى أو الكيك أو ما أعلم من هنا وهناك ويأكل بهذه ويشرب بهذه ولا واحدا منهم يجلس مدة عشر دقائق على النظام الفرنسى ولو فعلوا هذا بدون تقليد الكفار فعلوه يعنى إما أنه أيسر لهم إما أنه مباح ما خطر ببالهم ذلك التقليد يعنى حقيقة خلاف الأولى ولو أكل وهو جالس لكان أهنأ له وأمرأ وأتبع للسنة وأفضل لكن ما يقال لا عصى الله فى أكله إذا أكل وهو قائم ومن باب أولى ما كفر لكن عندما قصد التشبه بمن غضب الله عليه لا شك فى أنه معه وقول النبى عليه الصلاة والسلام (من تشبه بقوم فهو منهم) قلت ينبغى أن نفهم ونعى معنى الحديث ليس من شابه من تشبه إذاً قصد التشبه بقلبه وأراده فينبغى أن يعامل على حسب ما فى قلبه, (ولا يظلم ربك أحدا) هو قصد تشبه تكلف هذا استحسانا بما عليه من غضب عليهم ربنا فإذا كان كذلك لا يحكم عليه إلا بما فى قلبه وأما لو فعل هذا دون قصد التشبه إما أنه يعنى أنفع له فى هذه الحالات أو فعله دون أن يلاحظ فعل أعداء رب الأرض والسماوات فهنا كما قلت يُعطى ذلك الحكم ما يستحقه فى شريعة الله من إباحة من كراهة من تحريم دون أن يصل إلى مكفر إلى كفر مهما كان حال تلك المعصية لكن إذا فعلها تشبها فلا يعامل إلا على حسب ما قصد من تشبه تكلف ذلك وقصده وأراده فهو منهم وتقدم معنا إخوتى الكرام أن الحديث صحيح رواه الإمام أحمد فى المسند وأبو داود فى السنن والطحاوى فى مشكل الآثار والإمام ابن عساكر فى تاريخه من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين وقلت رُوى الحديث عن عدة من الصحابة آخرين رُوى عن سيدنا عبد الله بن عمرو وعن سيدنا حذيفة وعن سيدنا أبى هريرة وهؤلاء أربعة من الصحابة كما رُوى الحديث مرسلا عن تابعيين عن الحسن وطاووس

وأكمل الروايات وأتمها رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال (بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده وجعل رزقى تحت ظل رمحى وجعل الذل والصغار على من خالف أمرى ومن تشبه بقوم فهو منهم) هذه الحالة الثالثة من الحالات التى يكفر فيها من خرج عن شريعة رب الأرض والسماوات الحالة الأولى لا يرى حقا وصوابا ورشدا وصلاحا فى حكم الله عز وجل الحالة الثانية يرى أن فيه خير وصلاح لكن يرى أن شرع العباد أفضل وأصلح وأنفع لهذا الوقت الحالة الثالثة يقول إن شرع الله المجيد وشرع العبيد مستويان خذ بأيهما شئت, الأمر فيه سعة, هنا الصفات الشرعية موجودة الشروط الشرعية فى عقد النكاح وهنا موجودة فإن شئت أن تعقد عقدا مدنيا أو تعقد عقدا شرعيا صفات موجودة شروط موجودة لا ولذلك إخوتى الكرام الذى يدل على فقه الشيخ مصطفى صبرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أول نكاح إن عقد فى البلدية قيل فيه أول نكاح لا دخل للسماء بما يجرى فى الأرض إذاً48:49هم فى أول الأمر يقولون يعنى أنتم تقولون لا ينبغى أن نعقد النكاح ما الفارق بين النكاح فى البلدية وعند المأذون الشرعى ما الفارق؟ الفارق أنتم صرحتم به فى أول عقد جرى لا دخل للسماء لما يجرى فى الأرض فهذا لا بد من وعيه, كثرة الفروق تمنعنا أن نترك شرع الخالق إلى شرع المخلوق وقلة الفروق تمنعنا أكثر وأكثر من الاستبدال فهذا عين الضلال لأنه ما دامت الفروق يسيرة إذاً لم نترك شرع الله إلى شرع العباد وانعدام الفروق قلت هذا يدل على الكفر التام وأن القلب أخبث من الشيطان ما دامت الفروق منتفية على التمام إذاًلم تركت شرع الرحمن؟ كرهت حتى الصورة الشرعية كرهتا من أجل أن تفعل الصورة الشيطانية الحالة الرابعة

أن يجزم العاصى المخالف لشرع الله عز وجل بتفضيل الشريعة الإسلامية على الشرائع على القوانين الوضعية لكن يقول لا مانع من الأخذ بالقوانين الوضعية لمصلحة لمصالح دنيوية انتبهوا إخوتى الكرام شرع الله الآن هنا يقول أعلى وأكمل من شرع العباد والحالة التى قبلها يقول مساو أوليس كذلك؟ أما هذا يقول شرع الله أعلى يقول ولا يستوى شرع الخالق مع شرع المخلوق لا يستويان شرع الله أعلى وأتم وأكمل وأفضل لكن شرع المخلوق يجوز الأخذ به من أجل مصالح دنيوية يعنى تفيدنا فى حياتنا وإن كان هذه أقل مصلحة من شرع الله لكن يعنى يجوز الأخذ به وشرع الله حكم الله أعلى وأتم وأكمل وأمثلة هذا فى الواقع المظلم الآثم الذى نعيش فيه ما أكثرها سفور المرأة إخوتى الكرام اختلاطها بالرجال فى العمل والمدارس والجامعات وغير ذلك عمل قييح لا شك الذى يمتهن حكم الله فى هذه القضية ويقول يعنى الإسلام عندما منع النساء من الاختلاط بالرجال ومنع الرجال من الاختلاط بالنساء وألزم المرأة أن تقر فى بيتها وما ينبغى أن تكون مع الرجل فى عمل وفى مدرسة وإذا خرجت تكون متحجبة من يمتهن هذا هذا لا شك فى كفره, الأمر واضح على حسب ما تقدم معنا من الحالات الثلاث لكن هنا يقول هذا الحكم هو السديد وهو الذى ينفع العبيد لكن نحن فى أحوال متطورة صار عمل المرأة ضرورة وإذا كانت ستعمل العمل ضرورة إذاً تعمل بحجابها وجلبابها كيف ستعمل؟

لا بد من أن تتخف من ملابسها وعليه لا مانع أن تسفر من أجل مصلحة دنيوية مع قولنا أن حكم الله فى هذه القضية أعلى من حكمنا وأفضل لكن يجوز الأخذ بهذا يعنى من أجل تحصيل مصلحة لا مانع أن تسفر لا مانع أن تخالط الرجال من أجل أن تحصل مصلحة لأن الأحوال تغيرت والمرأة الآن إذا ما عملت من أين ستأكل من هذه العبارات الخبيثة التى تجرى وحقيقة المرأة مضطرة إلى العمل رغم أنف لكن النظام الشيوعى الكافر الجاحد هذا بقوة الحكومة لا بد من أن تعمل وفى النظام الغربى وإن لم يلزمها النظام بالعمل لكن واقع الحياة لجميع الأشكال والاعتبارات يقسرها على العمل ما أبواها فضلا عن غيرهما يعنى إذا استغنت عن الخدمة وعن التربية هما يطردناها من البيت لتحصل الرزق ولتحصل ما تأكله الأبوان فضلا عن غيرهما فإذا النظام الغربى يلجؤها إلى العمل رغم أنفها وإن لم يوجد هذا فى النظام وبدأت الآن الأحوال العربية وإن شئت سمها غربية فى بلاد عربية حقيقة كذلك بعض الناس ممن حقيقة فيه خير وصلاح ولعله يزيد على الستين ولا يترك يعنى صلاة جماعة فى المسجد ومن الطراز القديم من أهالى هذه البلاد ابنته أخذت الثانوية يحار فيها المسكين يعنى54:4مستعد يرسلها لأمريكا يحار ماذا ستعمل كأنها ستفتح الدنيا بثانويتها بعد ذلك جاء قال سأوظفها أين ستوظفها قال كويتل وأول ما يعنى جئت حقيقة كويتل ما معنى كويتل يعنى أوتيل أو كذا ما معنى كويتل عندكم قال كويتل هذه شركة تليفونات أو كذا يعملون فيها قلت رجال معهم قال رجال نعم مختلطة قلت أعوذ بالله ستعمل مع رجال وأنت فى هذا الوقار والكمال وتسأل عن ابنتك أخذت ثانوية ستعمل مع رجال قال يا شيخ لأنها إن أرادت تدرس جامعة لتتخرج تكون مدرسة يعنى فى مرحلة طويلة هذه مباشرة تأخذ راتب وبعد ذلك حقيقة زميل العمل وتزول الحواجز كما يقال من أولها لآخرها

هذا الآن صار فى البلاد العربية المرأة بجنب الرجل مسافرة فى جميع جهات العمل فى المدرسة فى فى ويقولون ضرورة وهذه الضرورة لن تغير من الواقع شيئا فالفضيلة فضيلة والرذيلة رذيلة وهذه الضرورة مهما كانت يعنى الناس فى حاجة إليها فهى مضرة ضارة على الصنفين وعلى البلاد والعباد شاء الناس أم أبوا فالذى يأتى ويقول كما قلت سفور المرأة اختلاطها بالرجال مصلحة العمل تقتضى هذا لا بد أن تختلط يا إخوتى الكرام هو إن رأى جواز هذا فقد كفر وإن لا زال يقول بأن حكم الله أفضل وإذا اختلطت قال أنا عاصى كما هو الحال فى معاصينا الكثيرة فبقى أنه عاص لله عز وجل ولم يكفر لكن متى ما رأى إباحة هذا وجوازه وأنه لا مانع أن تكون المرأة بجنب الرجل فى العمل بجنبه فى المدرسة لا مانع أن تتخفف من ملابسها لا مانع من هذه الحياة الجاهلية التى نعيش فيها مت ما خطر هذا فى باله فقد خرج عن دين ربه هذا لا بد من وعيه وأما إذا قال هذا حرام ونفعله على أننا عصاة لذى الجلال والإكرام فيرجى له الخير والتوبة ولو بعد حين أما إذا استباح واستمرأ واستحل ورأى جواز هذا دون أن يرى فى حكم الإسلام منقصة وأو دون أن يقول إن هذا يساوى حكم الله يقول حكم الله هو الأفضل يعنى لو جلست المرأة فى البيت وتحجبت وابتعدت عن الرجل هذا أكمل نعم هو الذى قرره بنا عز وجل لكن الآن ضرورة يعنى يجوز هذا أيضا من أجل مصلحة نحصلها كفر بالله عز وجل وخِلطة الرجال بالنساء فى شرعنا من أقبح الخصال وسمة الفساق والجهال فى كل وقت وبكل حال ومن أجل موجبات57:22 إخوتى الكرام قلت مرارا إن أعظم ما يميز الحياة الإسلامية عن الحياة الغربية موضوع المرأة, أمر المرأة أعظم فارق بين الحياة الإسلامية الحياة الشرعية, حياة العفة والطهر, والحياة الغربية, حياة الفجور والعهر أعظم فارق فى الحياة موضوع المرأة

فإذا رأيت أمة من الأمم نساؤهم متسترات مصونات فاعلم أنهم على شرع رب الأرض والسماوات وإذا رأيت النساء فى الشوارع متبذلات وفى الأسواق متهتكات فاعلم أن تلك الأمة وتلك البلدة تحارب شريعة رب الأرض والسماوات هذا لا بد من وعيه أعظم ما يميز الحياة الإسلامية عن الحياة الجاهلية موضوع المرأة, عندنا المرأة عرض يصان ويبذل الحر دمه لا ماله من أجل صيانتها وحفظها والمحافظة على كرامتها وعند أولئك المرأة سلعة تبتذل وتعرض هنا وهناك لا بد إخوتى الكرام من وعى هذا وأما ما يثيره بعد ذلك دعاة الاختلاط فى هذه الأيام ويقولون أنتم تمنعون الاختلاط من أجل ألا ينتشر الفساد, لا, الاختلاط يهذب الجنسين ويضبطهما ولا بعد ذلك واحدا يعتدى على الآخر يصبح تهذيب فى الأمة وهذا باطل إخوتى الكرام قطعا وجزما, إن خروج المرأة واختلاطها بالرجال يثير الشهوات ولا بد الشهوات تزداد إثارة وسيؤدى هذا بعد ذلك إلى أمراض وفساد واعتداء بين الناس هذا لا بد منه وعندما يتعلق بهذه المرأة رجلان عداوة وبغضاء بينهما عداوة وبغضاء بين من تعلق بها وبين أهلها عداوة وبغضاء بين من تعلق بها وبين زوجها عداوة وفساد عدا بعد ذلك عن نشر الأمراض والبلايا فى الأمة هذا الذى يحصل عند خروج النساء الشهوات ستثور وسيقع الناس بعد ذلك فى المحظور وأما قولهم إن هذا يؤدى إلى إضعاف الغريزة الجنسية فيتهذب الجنسان وما يبقى إلا محادثة ومؤانسة وعلى تعبيرهم ينفس الكبت الذى فى قلوبهم بالختلاط الذى بينهم والابتسامات وما شاكل هذا دون أن يحصل اعتداء جسدى من واحد على الآخر هذا لو سُلِّم مع أنه كذب لا حقيقة له

لو سلم إخوتى الكرام لو سلم نقول هذا تمتع من الذى أحله يعنى كون المرأة تكلمها وتكلمك وتلمسها وتلمسك وتحادثها وتحادثك وتضحك معك وتضحك معها من الذى أحل هذا هذا نوع من التمتع هذا من الذى أحله وكما قلت يعنى أيضا سيوصل إلى تمتع جسدى ولا بد لكن هذا من الذى أحله هذه ناحية ,ناحية ثانية أنتم عندما تسعون فى إضعاف الغريزة الجنسية وأن الرجل ولا يثور والمرأة تحادث الرجل ولا تميل إليه, طيب أنتم أحسنتم إلى الصنفين أم أسأتم لمَ تأتون بما يقاوم الطبيعة وبما يغيرها لمَ هذا إحسان أم إساءة؟ تلذذ الرجل بالمرأة نعمة وتلذذ المرأة بالرجل نعمة أنتم جئتم قضيتم على هذه النعمة الرجل يرى المرأة ولا يتلذذ والمرأة ترى الرجل وتحادثه ولا تتلذذ يعنى هذا لو سُلم لكم أنتم أفسدتم الجنسين ولذلك حقيقة عندما حصل التمتع الجائز اعتراه بعد ذلك شىء كما يقال من الضعف الجنسى عند الصنفين فالرجل من كثرة التمتع لا يقال إن الغريزة هُذبت من كثرة التمتع بدأ لا يثيره وجه المرأة بل لا يثره فخذها بل لا يثيره أحيانا عندما تتعرى وتتجرد عن ملابسها كما هو لحال فى البلاد الغربية فيحتاج إلى بعد ذلك هيئات مفتعلة ليثار أو إلى شذوذ بعد ذلك يسلكه مع الرجال نساء مع نساء ورجال مع رجال وصور بعد ذلك فى منتهى الأشكال من أجل من أن تحرك الغريزة التى ضعفت لكثرة كما قلت الإشباع المتواصل أما أنه لم يحصل اعتداء جسدى هذا مستحيل ورضى الله عن الشيخ مصطفى صبرى عندما يقول فى كتابه موقف العقل وفى كتابه القول فى المرأة صفحة تسع وأربعين يقول ما حال دعاة الاختلاط إلا كحال القصة التى تحكى وتروى وخلاصتها أن رجلا وامرأة كانا فى سفر فقال الرجل للمرأة إذا وضلنا فى مكان كذا يوجد هناك أكمة جبل سآخذكِ وراء الجبل وأحاول ان أعتدى عليك وأن أفعل بك وأنتِ تمتنعين فيجرى بينى وبينك خصومة لا يعلم نهايتها ومداها وآثارها إلا الله قالت هوِّن على نفسك لن يحصل شىء من ذلك

قال ولمَ؟ قال لأنى لم أمتنع ولن أمانع وانتهى الأمر هذا دعاة الاختلاط يعنى هو يقول إذا خلطناهم لن يحصل اعتداء لا يا عباد الله يقول إذا حجبنا المرأة سيعتدى عليها السفهاء وعليه لرفع الاعتداء تختلط النساء بالرجال ولا يتجبن ولا تمنع1:3:54يا عبد الله هذا حالها يصبح كما فى الحكاية قالت أنا لن أمتنع هنا المشاكل تجرى والاتصالات الجسدية ما أكثرها لكن صارت طبيعية وأما فى حالة وجوب الحجاب فقد يعتدى بعض السفهاء على واحدة, قصة واحدة تقع فى بلدة كما يقال البلدة كلها تتحدث عنها وأما هنا قصص لا نهاية لها ليس فى الأيام على مر الساعات والدقائق لأنها كما قلت تقول أنا لن أمتنع ولن أمانع أما أنت تتصور تعارض وأعارض ومشكلة ونتدافع وبعد ذلك ما يعلم الآثار إلا الله يا عبد لن يحصل منى أى معارضة وهذا حال دعاة الاختلاط ودعاة قلة الحياء ودعاة الفساد فى هذه الأيام فمن إخوتى الكرام رأى جواز ذلك وإباحته فلا شك فى كفره وردته وخروجه عن دين الله عز وجل وأما مسألة العمل حقيقة إخوتى الكرام كما قلت المرأة عندنا ريحانة تشم, عرض يصان فصارت فى هذه الأيام المرأة عند الناس مشكلة يطلب لها ألف حل وكانت كما قلت عرضا يصان فصارت حَملا يثقل الإنسان وسلعة رخيصة تهان يزج بها الإنسان فى كل مجال ولعلكم تسمعون دعاة السوء فى هذه الأيام يقولون نصف المجتمع عاطل أنتم تقولون نحن فى زمن المنهجية وزمن التخصص وواقع الأمر زمن الهمجية الذى نعيش فيه زمن المنهجية والتخصص (ربنا الذى اعطى كل شىء خلقه ثم هدى) المرأة مختصة بعمل يناسبها فى داخل بيتها والرجل مختص بعمل يناسبه خارج البيت هى عندما تقوم على البيت وتربية الجيل أوليس الآن قامت بعمل ثم عندما خرجت للعمل وبعث مكانها من يعمل فى البيت وبعث من يصلها وبعث وبعث أوليس كذلك فإذاً عطلت رجلا وامرأة أو أكثر من أجل عملها

فهذا إخوتى الكرام أيضا لا بد من النظر فيه, نعم لا بد أيضا من ملاحظة أن عمل المرأة قد يكون له ضرورة فى البلاد الإسلامية بمقدار الحاجة امرأة قابلة لعمل التمريض للنساء فى فى, هذا أيضا بمقدار الحاجة وامرأة فى بنك لا يجوز للرجل أن يعمل فى بنك فكيف بامرأة واختلاط وقلة حياء, امرأة فى بريد, امرأة فى شرطة فى جميع جهات الحياة كما قال الطاغوت الذى ذكرت أمره فى الموعظة الماضية فى يوم الجمعة يقول لا زلنا يعنى المرأة نعطيها نصف ما نعطى الرجل فى الإرث لمَ المرأة تساوى الرجل فى العمل فى المدرسة وفى الشرطة وفى جميع مناحى الحياة حتى فى الشرطة يوجد شرطيات يا إخوتى الكرام1:7:10بالرجال مع أن الذين يبحثون عن الوظائف من الرجال فى جميع الديار بلا ستثناء لا يعطون فأنتم تقولون نصف الأمة عاطل, شغلوا الرجال لكن لا يقصد من هذا طاعة الله عز وجل ولا يقصد المحافظة على مصلحة البلاد إنما نشر الفساد هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه نصف الجيل عاطل هذا يقوله الآن بعض الدعاة نصف الجيل عاطل امرأة جالسة فى البيت وحقيقة المرأة إذا عملت تفقد ما تفقده من أنوثتها فتصبح بين الرجل والمرأة وهو مع ما يعبر عنه الآن يعنى أهل الوعى فى البلاد الغربية بأنه جنس ثالث لا على طبيعة المرأة ولا على طبيعة الرجل جنس ثالث حقيقة فقدت أنوثة المرأة وما أيضا صارت رجلا صار بين بين, فهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه لا بد من ضبطه فمن استباح شيئا من ذلك دون أن يفضله على شرع الله ودون أن يقول إنه مساو لحكم الله إنما يقول هذا يعنى فيه مصلحة والضرورة تقتضى هذا ويعنى الأحوال تغيرت فإذا استباح ذلك وأسجازه فقلت كفر بالله عز وجل وكما قلت لا يفضل ولا يقول إن ذلك مساو لشرع الله عز وجل ,بعض أمور نأخذها من الأوضاع الجاهلية يعنى مصلحة دنيوية أشار الله جل وعلا أيضا إلى هذا فى كتابه فى سورة نبيه محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال جل وعلا:

{إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم *ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر (انتبهوا إخوتى الكرام دون أن يقول إن هذا يساوى شرع الله ولا يفضله ودون ان نقول إن شرع الله لا خير فيه غنما نحن يعنى بعض امور من شريعة الشيطان سنأخذها فى حياتنا) ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم *فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم*ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم} [محمد/25-28] يعنى فى أمر الاختلاط سنطيعكم فقط نخلط بين النساء والرجال فى المداس فى المستشفيات فى دور العمل فى فى نخلط فقط بين الرجال والنساء هذا فى هذا الأمر نطيعكم فى بعض الأمر أما أنظمتكم يعنى بكاملها لن نأخذ بها فى بعض الأمر حكم الله عليهم بالردة والكفر فى هذا الأمر (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم) أمد لهم فى الأمانى والإضلال (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم *فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم*ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) قال شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان فى تفسير هذه الآية فى الجزء السابع صفحة تسعين وخمسمائة:

(اعلم أنه يجب على كل مسلم فى هذا الزمان تأمل هذه الآيات وتدبرها والحذر التام مما تضمنته من الوعيد الشديد) ينبغى أن يتأمل هذه الآيات وأن يتدبرها وأن يحذر حذرا تاما مما تضمنته من وعيد شديد قال لأن كثيرا ممن ينتسبون إلى الإسلام من المسلمين داخلون فيها بلا شك أى فيما تضمنته هذه الآية من الوعيد الشديد ثم وضح هذا كيف ذلك قال لا شك أن الكفار من شرقيين وغربيين هؤلاء يعنى أعداء رب العالمين وهم كفار بلا شك ومن أراد أن يطيعهم فى بعض الأمر وأن يأخذ ببعض ما هم عليه فى بعض الأمر فى شىء من الأشياء فى قضية من القضايا فقد تحقق فيه مدلول هذه الآية (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم* ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله (من اهل الكفر على اختلاف ألوانهم) سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم *فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم*ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم)

هذا أيضا إخوتى الكرام ينبغى أن نعيه وأن ننتبه له إطاعة الكفار إطاعة القوانين الوضعية إطاعة الأنظمة الشيطانية ولو فى قضية من القضايا دون أن يرى أنها تساوى شرع الله عز وجل ودون أن يعنى يرى أنها أفضل من شرع الله دون أن يحقر شرع الله إنما هو ملتزم بشرع الله عز وجل يعنى فى أكثر أموره لكن فى قضية فى قضيتين يقول أنا أخرج من أجل تغير الحياة وهذا الخروج انتبهوا إخوتى الكرام استباحه واستجازه واستحله فلا شك فى كفره وأما إذا خرج ولا زال أنه يرى أنه عاص فرحمة الله واسعة لا بد من التفريق بين الأمرين ولذلك سفور المرأة المسلمة إما أن يكون معصية وإما أن يكون كفرا فإذا خرجت سافرة وترى أنها عاصية فى زالت ضمن دائرة الإسلام لكنها عاصية وأما إذا استحلت سفورها فقد كفرت بالله عز وجل هذا لا بد من وعيه اختلاطها بالعمل ترى أنه حرام اختلاط الرجل بها يرى أنه حرام يرجى لهما الخير ولو بعد حين استحل أحد منهما ذلك فلا شك فى كفره وردته هذا لا بد من وعيه فمن استحل شيئا من ذلك دون أن يرى أنه يساوى لشرع الله دون أن يرى أنه أفضل من شرع الله دون أن يرى أن حكم الله لا يصلح واضح هذا هذه الحالة الرابعة يقول شرع الله هو الحق لكن هذه لا مانع أن نأخذ بها لتغير الحياة التى نعيش فيها فلا شك فى كفره وردته فى بعض الأمر فلننتبه لهذا إخوتى الكرام والشيخ عليه رحمة الله يقول إن كثيرا من المسلمين ينطبق عليه هذا الوصف اللعين ينتمى إلى الإسلام ويقول لمن كرهوا ما أنزل الرحمن سنطيعكم فى بعض الأمر مرة بعض العتاة من الطغاة الطواغيت فى هذه الأوقات سئل عن موضوع الخمر وأنه إذا كانت البلدة بلدة العلم والإيمان كيف يعنى يستباح فيها الخمر الذى حرمه الرحمن كيف يباح ويرخص من قبل الدولة بلدة علم وإيمان يباع فيها الخمر الذى حرمه الله فى القرآن فاستمع لجواب الشيطان قال:

هذا الخمر يباع ويرخص فى بيعه لا لأهل البلاد نحن لا نقول لأهل البلاد اشربوا ما شاء ما شاء الله على هذا المسؤول!!! ما نقول لأهل البلاد اشربوا إنما البلاد يأتى إليها من يأتى من الوافدين ممن يأتون للسياحة للنزهة للفرجة لعمل دبلوماسى شيطانى لِ لِ لِ هؤلاء يشربون الخمور فى بلادهم فنحن إذا منعنا الخمر فى بلادنا لا يأتون إلينا إذاً يعنى يرخص فيها بنية فقط أن يشربها أولئك لا ليشربها أهل البلاد يعنى هذا لو كان صادقا فيما يقول فى هذه القضية لو كان صادقا فلا شك فى ردته وكفره هذا لو كان صادقا فيما يقول فى هذه القضية سنطيعكم فى بعض الأمر يعنى نرخص فيها فى مجال مضيق من أجل أن نحصل خيرا ومغنما والله يعلم إسرارهم الحالة الخامسة إخوتى الكرام من الأحوال التى إذا خرج الإنسان فيها عن شرع ذى العزة والجلال كفر بالكبير المتعال الحالة الخامسة أن يستخف ويعاند ويستهزىء ويعارض يستخف بشرع الله ويعاند أحكام الله يستهزىء بها يعارضها يسفهها وأول من اتصف بهذا الوصف الذميم إبليس اللعين كما سيأتينا يعنى هو أول من استخف وعاند وأول من استهزأ وعارض وما أكثر الأبالسة فى هذه الأيام إخوتى الكرام عند الحالة الخامسة والحالة السادسة نقف وأتكلم عليهما فى موعظة الغد بعون الله جل وعلا وبعد أن ننتهى منهما إن شاء الله سنتدارس الآيات الثلاث وأوجهها حسب ما تقدم معنا من تفصيل فى ثلاثة أحوال لمن يخرج عن شرع ذى العزة والجلال (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (الظالمون) (الفاسقون) أختم الكلام إن شاء الله غدا على هذا الموضوع بعون الله وتوفيقه لنبدأ بعد ذلك فى المواعظ الآتية بتراجم أئمتنا الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا

اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

014

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام لا زلنا نتدارس احوال الإنسان عندما يخالف شرع الرحمن وقلت له ثلاثة أحوال حالة يعذر فيها وحالة يوزر ويأثم فيها وحالى يرتد ويكفر فيها أما الحالة الأولى التى يعذر الإنسان فيها عند وقوعه فى مخالفة شرعية قلت إخوتى الكرام هذا الحال له ثلاث حالات الحالة الأولى أن يتأول فيما فيه مجال للتأويل وهو من أهل التأويل والحالة الثانية أن يجهل حكم الله الجليل من غير إعراض ولا تقصير كما تقدم معنا تقرير هذا وبيانه والحالة الثالثة أن يكره ويقسر على معصية الله عز وجل فهى هذه الحالات الثلاث هو معذور عند رب الأرض والسماوات الحالة الثانية فيه يأثم الإنسان ويرتكب وزرا دون أن يضل إلى الكفر والردة نسأل الله العافية أولها أن يتأول فى غير مجال التأويل أو هو ليس من أهل التأويل ثانيها أن يجهل حكم الله ويقع فى مخالفة بناء على جهله لكنه أعرض وقصر أعرض عن العلم وقصر فى طلبه الحالة الثالثة أن يتعمد المعصية دون استحلال لها الحال الثالث

للإنسان الذى إذا وقع فيه كما قلت فى مخالفة يكون كافرا مرتدا قلت لذلك ست حالات تدارسنا أربعة منها ولعلنا ننتهى إن شاء الله من بقية هذه الأمور كما قلت لنشرع فى المواعظ الآتية فى ترجمة ساداتنا أئمتنا أصحاب المذاهب الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين كما هو كما قلت فى بداية دروسنا للفقه هذه المقدمة الأولى والمقدمة الثانية فى تراجم أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين إخوتى الكرام تدارسنا كما قلت أربع حالات من الحالة الثالثة للإنسان عندما يقع فى معصية الرحمن ويكفر إذا وقع فى تلك المعصية الحالة الأولى قلت ألا يرى أن شرع الله جل وعلا حق وصواب لا يرى أن شرع الله حق وصواب فعل التباب وقال غن شرع الله ليس بحق ولا صواب الحالة الثانية أن يرى أنه حق وصواب وفيه خير ورشاد لكن يقول شرع العباد فى هذه الأوقات أنفع ويحصل ملحة لنا فقد كفر بذلك الحالة الثالثة أن يقول إن شرع الله فيه خير ونفع وشرع لا يفضل عليه لكن يساويه فشرع العبيد يساوى شرع الله المجيد ولك أن تأخذ بإيهما تريد فهذا أيضا كفر وردة الحالة الرابعة أن يقول أن شرع الله خير وهدى ونفع وبركة لكن يجوز أن نأخذ بالقوانين الوضيعة الوضعية فى بعض الحالات تحقيقا لمصلحة دنيوية مع جزمنا واعتقادنا أن القوانين الوضيعة الوضعية دون شريعة رب البرية فهذا أيضا كافر عندما استباح وأجاز الخروج عن شرع الله جل وعلا هذه الأحوال تقدم معنا إخوتى الكرام مدارستها وسرد أمثلة عليها الحالة الخامسة التى يكفر فيها الإنسان عندما يقع فى مخالفة لشرع ذى الجلال والإكرام قلت إخوتى الكرام أن يستخف ويعاند ويستهزىء ويعارض إذا صدر منه هذا فمعصيته كفر وقلت أول من فعل هذه المعصية إبليس عليه لعائن ربنا العزيز الله جل وعلا امره بالسجود لأبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فامتنع ثم بعد ذلك استخف بأمر الله وعاند وعارض واستهزأ فالله جل وعلا عندما أمره أن يسجد قال:

(أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين) وهذه هى السفاهة بعينها فأنت توقن بأن الله جل وعلا ربك وهو الذى خلقك فكيف تعترض عليه وكيف تعاند وكيف تعارض فكأنك تقول أنا أعلم منك وأنت علمتنى وأنا أحكم منك وأنت الحكيم العليم وهذا كما قلت يعنى ضلال مبين وهذه سفاهة وشطط أول من سلك هذا المسلك مسلك المعاندة والمعارضة إبليس عليه لعائن ربنا العزيز ثم زاد أيضا فى الاستهزاء والاستخفاف والمعارضة لله وبالله جل وعلا فقال له: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) وقال هذا فى معرض إغاظة الله وأنه سيؤثر على الله وأنه سيغيظ الله عندما سيغوى عباده واللعين يعلم أن الله لا ينتفع بطاعات العباد ولا يتضرر بمعاصيهم ولو أن الخلق كلهم من أولهم إلى لآخرهم كفروا بالله لما تضرر رب العالمين سبحانه وتعالى وهو كما قلت ساق هذا الكلام مساق الإغاظة للرحمن كأنه سيغيظه بذلك لأغوينهم أجمعين إذن كما قلت سفاهة أمر ثان هو يعلم أيضا أن من حفظه الله ليس له سلطان عليه ولذلك عاد إليه بعد ذلك شىء من الرشد فقال: إلا عبادك منهم المخلصين فالله جل وعلا لا يتضرر بمعصية العاصى ومن قدر حفظه ليس للشيطان سلطان عليه انظر لهذه الظلمات وهذه التناقضات وهذه الاعتراضات على رب الأرض والسماوات, هذا أول من سلكه إبليس وأما قوله كما تقدم معنا أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين تقدم معنا إخوتى الكرام فساد هذه المقولة ضمن مواعظ الحديث الشريف وقلت هذا كلام باطل: فأولا كما تقدم معنا باختصار أجوبة كثيرة قلت قياس عارض النص فهو فاسد الاعتبار لا ينظر فى مضمونه وأول من قاس إبليس وما عبدتم الشمس والقمر إلا بالمقاييس قياس فاسد الاعتبار والقياس إذا صادم النص وعارضه لا ينظر فى مضمونه فالله عليم حكيم أحاط بكل شىء علما فشرعه لا يعارض ومن عارضه فهو صاحب الفساد والعناد القياس إذا صادم النص قياس فاسد لا ينظر فيه ولا يعول عليه

الأمر الثانى قلت لو ناقشنا هذه المقولة أيضا وبحثنا فى محتواها فهى أيضا فاسدة حقيقة عدا عن معارضتها للنص فمن يعنى رجح النار على الطين من؟ ومن زعم أن جوهر النار هو أفضل من جوهر الطين فى الحقيقة من؟ من زعم هذا فهو واهم إن جوهر الطين أفضل من جوهر النار فالنار طبيعتها الطياشة والتفريق والبعثرة والإحراق والطين طبيعته الرزانة والهدوء وإن أردت أن تعرف إلى آثار الطين وفوائده وثماره فانظر إلى الجنات والبساتين تضع فى الطين حبة فيخرج لك بعد ذلك يعنى ثمار وأشجارا فهذا حقيقة أثر الطين فمعدن الطين جوهر الطين أنفع من جوهر النار وإذا سلمنا تنزلا كما تقدم معنا أن جوهر النار أفضل من جوهر الطين هل يلزم أن كل مخلوق من ذلك الجوهر أعنى من النار أفضل من كل مخلوق من ذلك الجوهر أعنى من الطين لا ثم لا, فإذا افتخرت بآباء لهم نسب قلنا صدقت ولكن بأس ما ولدوا فهب أن جوهر النار أفضل من جوهر الطين هل يلزم كل مخلوق من النار أفضل من أى مخلوق من الطين لا ثم لا وعليه كما قلت قياس فاسد قياس باطل سلك كما قلت مسلك المعارضة مسلك المعاندة وهو أول من عارض وهو مع أنه منظر إلى يوم القيامة كما قال أئمتنا هو أول من مات ,أول من مات من الخليقة إبليس لأن من عصى الله فهو ميت ومن أطاعه فهو الحى (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) أول من مات إبليس لأنه عصى الله العزيز وأى معصية ,معصية العناد معصية المعارضة, معصية المشاقة والمحادة وهذا هو الضلال المبين إذن أن يستخف ويعاند وأن يستهزىء ويعارض أول من سلك هذا إبليس وله خلفاء من الإنس أبالسة الإنس منه اللعين الملعون الملحد عدو الدين أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندى الزنديق الشهير قال الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى لسان الميزان فى الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين وثلاثمائة:

أجاد الشيخ يعنى الإمام الذهبى فى حذفه من الكتاب يعنى ما ترجم له الإمام الذهبى فى الميزان واللسان وُضع على الميزان ليبين يعنى وضع التراجم التى تعرض لها الإمام الذهبى فى ميزانه ويوافق أحيانا وأحيانا يخالف أحيانا يضيف على ما ذكره الإمام الذهبى زيادة تقرير لسان الميزان أجاد الشيخ فى حذفه أى من ميزانه طيب لمَ ذكرته؟ قال وإنما أوردته لألعنه, هذا الحافظ ابن حجر يقول وإنما أوردته لألعنه, توفى إلى لعنة الله سنة ثمان وتسعين ومائتين من هجرة نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه وإنما أوردته لألعنه وتقدم معنا أصحاب الورع البارد فى هذه الأيام يتورعون عن لعن الكفار الأحياء والأموات يقول: كافر معين لا تلعنه!!! ثم يدخلون أنفسهم بين الله وبين عباده فى الاطلاع على أسرار الناس فهذا مخلص وهذا ليس بمخلص سبحان الله إذا وصل ورعك البارد أن تتورع عن لعن الكافر حيا أو ميتا جئت بعد ذلك تحكم على المؤمنين هذا مخلص وهذا مخادع, ما الذى أطلعك!! فى المكان الذى يجب عليك أن تكف لسانك ما كففت لسانك عن أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وفى المكان الذى إذا أطلقت لسانك تثاب عند ربك كففت اللسان لكن هذا أحوال خوارج هذا الزمان سَلِمَ منهم عبَّاد الصلبان وما سلم منهم أهل الإيمان كافر لا نلعنه لا حيا ولا ميتا لأن لعنة المعين لا يجوز!!! وتقدم معنا إخوتى الكرام المعتمد أن كل من استوجب ما يستحق عليه اللعن يلعن مهما كان حاله سواء من عصاة المؤمنين أو من الكافرين وقلت هذا الذى تدل عليه أحاديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وقال عنه شيخ الإسلام الإمام النووى هو الظاهر وتقدم معنا الكلام فى هذه المسألة والحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا علل من منع من لعن المعين قال: من منع أراد بالإبعاد من رحمة الله وأنه لا يناله شىء من رحمة الله فهذا يعنى تعليل من منع وأما من أجاز وظواهر النصوص تدل على ذلك

وتقدم معنا شيخ الإسلام 16:24 شيخ الحافظ ابن حجر وغيره قرروا الجواب قال أراد السب والتعيير والتحقير دون أن يمنع عنه رحمة الله الجليل وقلت هذا الذى تدل عليه أحاديث نبينا البشير النذير عليه صلوات الله وسلامه وقلت وهو المأثور عن سلفنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين الرواندى من جملة من يستهزىء بالله ويستخف ويعاند ويعارض قال الإمام الذهبى فى السير فى الجزء الرابع عشر صفحة تسع وخمسين فى ترجمته هو الملحد عدو الدين صاحب التصانيف انتبه صاحب التصانيف فى الحط على الملة يعنى ألف تصانيف لكن ليطعن فيها فى الإسلام صاحب التصانيف فى الحط على الملة وهذا خبيث وأبوه أخبث ,أبوه تهود فكان اليهود يقولون للمسلمين عندما أسلم أحمد بن إسحاق بن الرواندى إياكم أن يفسد هذا عليكم دينكم كما أفسد أبوه علينا التوراة هؤلاء زنادقة أبوه دخل فى اليهودية وأفسد والإبن دخل فى الإسلام ويريد الإسلام فاحذروه إياكم أن يفسد عليكم دينكم كما أفسد أبه علينا التوراة وحقيقة خرج الإبن أخبث من الأب هذا كحال الأب الذى كان ينبش القبور النباش ويسرق الكفن وكان الناس سيتعيذون بالله منه يدعون عليه بان يخلص الله الناس من شره فلما مات الأب جاء الإبن بدأ إذا جاء ميت ينبش عنه يأخذ كفنه ويلوط به يفعل به الفاحشة فقالوا ليته عاد النباش الأول الأب أخف وزرا وضلالا من الإبن وهذا أحمد بن يحيى الراوندى ذكره الحافظ ابن حجر ليلعنه واليهود يقولون احترسوا من هذا الولد الخبيث فأبوه كان خبيثا أفسد علينا التوراة وهذا سيفسد عليكم الإسلام ثم ختم الإمام الذهبى ترجمته فى السير قال بعد أن قال إنه كان من أذكياء العالم المعدودين: لعن الله الذكاء بلا إيمان ورضى الله عن البلادة مع التقوى وسيأتينا فى ترجمة خليفة إبليس الثانى كان ذكيا ولم يك زكيا وهذا من أذكياء العالم لكن ذكاء كالقرود استعمل ذكاءه فى الاعتراض على ربنا المعبود سبحانه وتعالى

فقال الإمام ابن الجوزى فى المنتظم فى الجزء الثالث صفحة تسع وتسعين وإلى صفحة خمس ومائة قال: إنما ذكرته ليعرف قدر كفره أى الراوندى فإنه معتمد الملاحدة الزنادقة ثم ذكر من كفره حقيقة أشياء كثيرة منها: قال كان يقول إن أنبياء الله يعنى بدءا من نبينا على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وانتهاء بأبينا آدم على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه يقول كلهم بدرجة الكهان لكن ادعوا أنهم أنبياء ورسل ذى الجلال والإكرام, هؤلاء كهان يعنى لهم شىء من الاطلاع على الغيب فخدعوا الناس فالناس استجابوا لهم بذلك حقيقة هذا الفساد وهذا الضلال يعنى يمكن أن ينقض كما قال أئمتنا يعنى بشىء يسير يقال الكاهن عندما يتكهن ,يتكهن عندما ينظر فى الإنسان وبعد أن ينظر فى شىء من المقدمات يعرف شيئا من أحوال الإنسان ثم بناء على هذا يقول شيئا مما يزعم أنه من علم الغيب فى إنسان أما أن يأتى نبى على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه ويخبر بما كان وبما سيكون ويأتى بعد ذلك بشريعة يعجز عنها يعنى البشر حقيقة هذا ليس عمل الكهانة ولا من عمل السحرة وقال هذا الخبيث أيضا الله سبحانه وتعالى يقول فى كتابه: (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) ثم هو أخبرنا فى كتابه بما ينقض هذا وألف كتابه الدامغ على زعمه ليدمغ شريعة الله المطهرة ويرد على القرآن وهو صاحب الهذيان يقول هنا الله يصف نفسه بأنه يعلم كل شىء ولا يخفى عليه خافية وقال: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم} [محمد/31] وقال {ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} [الكهف/12] وقال {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} [العنكبوت/3]

إذن آيات كثيرة {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم} [البقرة/143] فقال هذه الآيات تدل على أنه ما كان يعلم يعنى هذه الأشياء وإنما فعل ليظهر له الأمر وليعلم ما لم يكن يعلم وهذا من انطماس بصيرته وفساد عقله وعدم علمه بمراد ربه من كلامه (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم) علم ظهور ومشاهدة بعد أن علمناه علم تقدير علمه ربنا جل وعلا فى الأزل لكن هذا سيظهره بعد ذلك إلى الواقع المشهود (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) علم ظهور ومشاهدة بعد أن علمه علم تقدير سبحانه وتعالى وعلم الظهور والمشاهدة لن يختلف عن علم التقدير وليس فى ذلك طروء علم على الله جل وعلا لم يكن يعلمه سبحانه وتعالى وقال أيضا الله يقول فى كتابه: (وله أسلم من فى السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) قال والكفار أكثر من المسلمين الأبرار وهذا أيضا من فساد عقله وانتكاس بصيرته وله أسلم بمعنى استسلم وانقاد وليس المراد من الإسلام هنا الإيمان بالرحمن انقاد لله طوعا وكرها رغم أنفه ولا يستطيع أن يخرج مخلوق عن إرادة ربه سبحانه وتعالى فالإنسان جاء إلى هذه الحياة من غير اختياره وسيخرج منها على غير اختياره وجُعل فيها بصفة وشكل على غير اختياره ويجرى فيه أمر الله ولا يستطيع أن يغيره وله مشيئة لكنها مرتبطة بمشيئة ربه وينتهى سعى العباد سعى المخلوقات من العرش إلى الفرش إلى قول رب الأرض والسماوات (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما) (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن)

وله أسلم استسلم وانقاد وكل مخلوق ذليل صاغر لرب العباد وواقع الأمر ذلك (فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون) قال الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: ما سمعنا أحدا عاب الخالق وانبسط كانبساط هذا اللعين ثم بعد أن ذكر نماذج من كفره كما ذكرت وغيره قال: وكفره زاد على كفر إبليس جمع الله بينهما وزاد هذا من العذاب على إبليس وهو الراوندى الخبيث وأيضا خليفة إبليس الثانى الذى أيضا كان يعترض على الله جل وعلا ويسلك كما قلت هذه المعصية المكفرة وهى الاستهزاء والمعارضة الاستخفاف والمعاندة وهو الَمعرى الذى يطلق عليه الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عندما يذكره يقول قال خليفة إبليس المعرى وهو أحمد ابن عبد الله بن سليمان توفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة للهجرة قال الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية فى حوادث هذه السنة فى ترجمته فى الجزء الثانى عشر صفحة أربع وسبعين كان ذكيا ولم يك زكيا وقال الإمام الذهبى فى السير فى الجزء الثامن عشر صفحة ثلاث وعشرين وترجمه إلى صفحة أربعين قال بقى خمسا وأربعين سنة لا يأكل اللحم تزهدا فلسفيا وقال ما على الرجل 26:40المؤمنين والله اعلم بما خُتم له ثم قال ويظهر لى أنه متحير ولم يجزم 26:53كان هذا أيضا يعارض شريعة الله ويستخف لها ويعاند وجعل شعره فى معارضة شرع ربه سبحانه وتعالى انظر مثلا لزندقته وإلحاده وما قاله حول حد السرقة يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قُطعت فى رب دينار تناقض ما لنا إلا السكوت له وأن نعوذ بمولانا من النار يقول اليد ديتها فى شريعة الله المطهرة خمسمائة دينار ذهبى يد بخمس مئين عسجد بخمسمائة دينار عسجد من الذهب وديت ديتها ما بالها قطعت فى ربع دينار إذا سرق الإنسان بعد ذلك شيئا قيمته ربع دينار تقطع يده وديتها خمسمائة دينار تناقض يقول هذا هو التناقض نجعل دية اليد خمسمائة دينار ونقطعها بربع دينار

تناقض ما لنا إلا السكوت له وأن نعوذ بمولانا من النار يقول هذه سفاهة وهذا تناقض فى الشرع يقول نسكت ونعوذ بالله من النار فقط ولا تعترض يا أعمى البصيرة كما أعمى الله بصرك وجمعت بين عمى البصر والبصيرة الحكمة تقتضى أن تغلظ دية اليد من أجل ألا يتساهل الناس فى قطع أطراف غيرهم وأعضاء غيرهم والحكمة تقتضى أن يخفف نصاب القطع فى السرقة من أجل صيانة الأموال والحفظ وحفظ أموال العباد فهذا مقتضى الحكمة ولو جعلنا دية اليد ربع دينار لتساهل الناس فى قطع أيدى غيرهم ولو جعلنا نصاب القطع خمسمائة دينار لسرق الناس أموالا طائلة يعنى خمسمائة دينار من الذهب الدينار فى حدود أربع غرامات ونصف احسبها خمسة يعنى سيسرق كيلوين ونصف من الذهب اثنين كيلو ونصف حتى تقطع يده يعنى زيادة على المائة ألف لو سرق مائة ألف لا تقطع يده لو جعلت نصاب اليد خمسمائة دينار هذا فساد فالناس يتساهلون فى أخذ أموال العباد فالحكمة تقتضى أن يغلظ دية اليد وأن يخفف نصاب القطع فى السرقة هذه الحكمة ولذلك قال أئمتنا فى الرد عليه وبيان فساد كلامه كما قال القاضى عبد الوهاب المالكى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: عز الأمانة أغلاها صيانة المال أغلاها وأرخصها صيانة العضو فافهم حكمة البارى وقال الإمام علم الدين السخاوى عز الإمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة البارى وقال الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال: لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت تقطع فى هذا الشىء التافه الحقير وعندما كانت أمينة لها دية ثمينة هذا إخوتى الكرام كما قلت مما قاله فى معارضة شرع الله جل وعلا والاعتراض عليه فيما يتعلق بحد السرقة وقال أيضا وهو من أخبث أقواله فى معارضة ما أتى به رسل الله الكرام على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه يقول فلا تحسب مقال الرسل حقا ولكن قول زور سطروه وكان الناس فى عيش رغيد فجاؤوا بالمحال فكدروه

فى عيش رغيد فى نعمة وسعة وترف فجاؤوا بالمحال فكدروه وتقدم معنا إخوتى الكرام مرارا أن أعظم نعم الله علينا أن أرسل رسله الكرام على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام وأنزل علينا كتبه الحسان ليخرجنا من الظلام إلى النور وقلت إن شرع الله لعقولنا كالشمس لأعيننا ولولم يتكرم علينا ربنا جل وعلا برسله الكرام على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه لكان الناس أحط دركة من البهائم العجماوات ولذلك قال الإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى البداية والنهاية معارضا كلام هذا الضال الخبيث قال وقلت أنا معرضة له وانظروا البداية والنهاية فى ترجمته التى ذكرتها فى الجزء الثانى عشر أوليس كذلك صفحة أربع وسبعين قال وقلت أنا معارضة له: فلا تحسب مقال الرسل زورا ولكن قول حق بلغوه وكان الناس فى جهل عظيم فجاؤوا بالبيان فأوضحوه الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى المدارج فى الجزء الثالث صفحة ست وأربعمائة عندما ذكر كلام الشيطان المعرى خليفة إبليس عارضه أيضا بكلام محكم نفيس قال: وكان الناس فى لبس عظيم فجاؤوا بالبيان فأظهروه وكان الناس فى جهل عظيم فجاؤوا باليقين فأذهبوه وكان الناس فى كفر عظيم فجاؤوا بالرشاد فأبطلوه كانوا فى لبس زال عنهم اللبس والشك والظلمات بالبيان الذى أظهره رسل الله الكرام على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام كانوا فى جهل فجاء رسل الله الكرام باليقين فأذهبوا ذلك الجهل كانوا فى كفر عظيم فجاؤوا بالرشاد فأبطلوا ذلك الكفر وصار الناس على صراط الله المستقيم ويقول يعنى أبياتا كثيرة فى معارضة شريعة الله المطهرة فمما يقول هذا الشيطان الغرور المغرور: وما حجى لأحجار بيت كؤوس الخمر تشرب فى ذراها إذا رجع الحليم إلى حجاه تهاون بالشرائع وأزدراها :وقال وهو من أخبث ما قاله أيضا هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت هفت أى زلت وضلت الحنيفة وهم الملة الإسلامية والنصارى ما هتدت

هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ويهود حارت والمجوس مضللة المسلمون يعنى هفوا وانحرفوا والنصارى ضالون واليهود حيارى والمجوس مضللون, طيب ومن المهتدون؟ الزنادقة الملحدون هو وأمثاله ثم قال: رجلان أهل الأرض هذا عاقل لا دين فيه وهذا ديِّن لا عقل له يعنى هذا عاقل ليس عنده دين وهذا ديِّن وليس له عقل هذا حال خليفة إبليس فى اعتراضه على شرع الله العزيز ومن استخف واستهزأ وعارض شرع الله عز وجل فلا شك فى كفره دخل مرة بعض الناس على المعرى ولامه وقال لا تتكلمون علىَّ وأنت يعنى تقول هذا الكفر قال إنهم يحسدوننى قال يحسدونك على أى شىء؟ وقد تركت لهم الدنيا والآخرة أما الدنيا فأنت تركت زلاتها ومطالبها واعتزلت فى صومعتك وفى حجرتك وفى ظلماتك تركت لهم الدنيا وأما الآخرة فليس لك فيها نصيب يعنى يحسدونك على أى شىء قال والآخرة أيضا قال نعم, الآخرة خسرتها قبل الدنيا فقال ما أنا هجوت بشعرى أحدا ولو أردت أن أمدح أيضا وأتكسب لحصلت مالا طائلا قال نعم صدقت ما هجوت أحدا من البشر لكنك هجوت الله عز وجل ورسله الكرام على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام نعم ما هجوت أحدا من الناس لكن هجوت رب الناس وما استحييت من ربك ولا وقفت عند حدك هنا كما قلت معصية استهزاء معصية استخفاف وأنا أعجب لهذه العقول الخبيثة التى هى فى الأصل من صنع الله جل وعلا كيف سيعترض هذا المخلوق الضعيف على الخالق القوى الجليل سبحانه وتعالى والله من أراد أن يزن حكمة الله بعقله كمن أراد أن يبحث عن ضياء الشمس بشمعة من صنعه صنع شمعة يريد أن ينظر بها إلى الشمس يقول الشمس أين هى أنا أبحث عنها بشمعة صنعتها!!!

يا عبد الله طلع الصباح فأطفىء القنديل ما تنفع شمعتك ولا قناديلك إذا أضاءت الشمس وهنا هذا نور الله وهذه هداية الله ستزن كلام الله على حسب هوسك وإذا بعد ذلك ما راق للفساد ذهنك ستعترض على ربك هذا هو الضلال المبين أول من قال إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس هذا كما قلت إخوتى الكرام نموذج خامس حالة خامسة من الحالات التى يكفر فيها الإنسان ويخرج عن دين الرحمن الحالة السادسة وهى آخر الأحوال عندنا إخوتى الكرام أن يسلك الإنسان طريق الحيل الماكرة التى يزعم بها أنه يريد تطوير الشريعة المطهرة لتساير قوانين الكفرة الفجرة بالتأويلات الخارجة هو نوع حقيقة من الكفر وما أكثره فى هذه الأيام, هو يقول أنا لا أريد معصية إنما ما يفعله هو شر المعاصى يعنى بدل من أن تستورد القوانين الوضعية الوضيعة لتحكم فى بلاد المسلمين على أنها قوانين كفرية مستوردة يقول لا دعونا لتنطور شريعة الله المطهرة لتحتوى على تلك المواد الكافرة لكن باسم شريعة الله وقلت أول من فعل هذا الشيطان السنهورى تقدم معنا ضمن مواعظ الجمعة وقلت ما يعنى ما حاوله هو شر الحلول وأعظم المصائب التى ابتُليت بها الأمة فى هذا العصر المرذول الكفر نكسوه ثوب الإسلام فنطور شريعتنا من أجل أن تتناسب مع حياتنا ومن أجل أن نقترب مع الكفار أعدائنا فهى أحكام إسلامية دون أن نأخذها مستوردة نحن يعنى نطور شريعة الله جل وعلا هذا إخوتى الكرام ما أكثره فى هذه الأيام

استمعوا ماذا يقول السفهاء فى هذه الأيام وهذا كتبه بعض الناس له شأن كبير فى السعودية ومشرف على الأمور المالية هناك ونُشر مقاله من عدد من السنين ومشايخ البلاد هناك ردوا على ما عنده من زندقة وإلحاد عندما نشر هذا الكفر بين العباد يقول هذا الشيطان فى صحف كما قلت عام نشر هذا كلامه أيضا ورد عليه كما قلت المشايخ هناك يعنى هئية كبار العلماء حتى بينت هذا كلام ضلال وهذا كفر بواح لا يجوز أن ينشر ولا يجوز أن يعتير يقول هذا الشيطان العاتى: لا تتم حياة البشرية إلا بسياسة اقتصادية يقول ولا يمكن أن يوجد اقتصاد من غير بنوك لا تتم حياة البشرية إلا بسياسة اقتصادية ولا اقتصاد من غير بنوك ردية ولا بنوك من غير فوائد ربوية وعليه الفوائد الربوية يقول هذه ضرورية ثم قال لا تظنوا أنها محرمة فى الشريعة الإسلامية إذاً اطمئنوا هنا الإسلام لا يتعارض مع الواقع الفوائد الربوية ليست محرمة قال: لأن المحرم لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة وهو الربا الفاحش الذى تأخذ على الريال مائة ريال أو ألف ريال هذا هو الربا المحرم أما أن تأخذ بالمائة خمسة بالمائة سبعة بالمائة عشرة هذه مقابل خدمة ومقابل تيسير الأمور على الناس فهذا ليس هو الربا الذى حرمه الله فى كتابه وإن كان يسمى ربا بمعنى زيادة لكن هذا كما قلت يقول ضرورة وشريعة الإسلام تتسع له فلا حياة من غير اقتصاد ولا اقتصاد من غير بنوك ولا بنوك من غير فوائد وعليه الفوائد ضرورية وأما الربا المحرم اطمئنوا ذاك هو الربا الفاحش الذى قال الله فيه: لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون أضعافا مضاعفة قرأ المكى عبد الله بن كثير والشامى عبد بن عامر ومعه أبو جعفر أحد المدنيين يزيد بن القعقاع ويعقوب أحد البصريين أضعافا مضعفة لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة (أضعافا مضعفة) واتقوا الله لعلكم تفلحون إخوتى الكرام الربا إن قل أو كثُر محرم طيب والآية

{يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران/130] إخوتى الكرام هنا يعنى ما الجواب على هذا الإشكال الذى أثاره هذا الشيطان وأمثاله فى هذه الأيام أن الربا المحرم هو الربا الفاحش يا إخوتى الكرام هذه الآية كما تقدم معنا يعنى فى نظائرها عندنا فى كتاب ربنا ما هو محكم وما هو متشابه ما يحتمل معنى وما يحتمل عدة معانى, عندنا نحن نصوص قطعية فى تحريم الربا قل أوكثُر والنصوص فى ذلك متواترة وعندنا هذه الآية تحتمل ما فهمه هذا لعجمة قلبه لا لعجمة لسانه ولعله جمع العجمتين لكن معنى الآية ليس كما فهم معنى الآية إخوتى الكرام مسوقة لزيادة ذم هذه الصورة التى يفعلها العرب فى الجاهلية فكأن الله جل وعلا يقول لهم الربا فى أصله محرم وجريمة واعتداء من الإنسان على أخيه واستغلال له إن قل أو كثر فكيف إذا كان الربا بهذه الصورة مطلق الربا حرام وكيف إذا كان فى هذه الصورة الذى فيها استغلال تام للإنسان أضعاف مضاعفة هذا كقول الله جل وعلا: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} [النور/33] إكراه الإناث الجوارى على الزنا محرم إن أردن التحصن أو لم يردن لكن الصورة تزداد شناعة وقبحا عندما تكره الجارية على العهر وهى تريد العفة والطهر يعنى عملت جريمتين, هى طبيعتها تنفر من ذلك فأكرهتها والله حرم هذا فأيضا فعلته فجمعت بين بليتين واعتدائين هى لو كانت راغبة لا يجوز أن تسمح لها بمزاولة الزنا الذى حرمه ربنا فكيف وهى ممتنعة فإذاً الصورة سيقت بهذا الوضع لزيادة التقبيح لبيان ما حصل من رئيس المنافقين فى ذلك الحين على أن جريمته هى أشبع الجرائم يكره من تريد التحصن من تريد العفة من تريد العفاف والطهر يكرهها فإذاً مسوقة لزيادة ذم لأنها إذا رضيت فهذا جائز

وهنا كذلك يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا ثم الصورة التى يفعلونها أضعافا مضاعفة لزيادة التقبيح والتشنيع الذى كانوا يفعلونه فى جاهليتهم ولذلك يقول الإمام النسفى فى تفسيره فى الجزء الأول صفحة واحدة وخمسين ومائتين يقول: فى الآية نهى عن الربا مع التوبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه هو نهى عن الربا مطلقا ثم فى هذه الصورة أضعافا مضاعفة مع التوبيخ بما كانوا عليه من تضعيفه هذه صورة إخوتى الكرام من صور الكفر الذى نعيشه فى هذه الأيام تطوير شريعة ذى الجلال والإكرام لتناسب أحوال الناس فى هذه الأيام حسب يعنى مشابهة الكفار اللئام نطور شريعة الله المطهرة فالبنوك لا بد منها للحياة الاقصادية وبنوك من غير فوائد ربوية لا يمكن ولذلك واقع الأمر البنوك الربوية انتشرت فى جميع البلاد بلا ستثناء ونسأل الله العافية والسلامة من ذلك من جملة أيضا الأمور التى يقولها دعاة الشرور فى هذه الأيام والدعوة إلى ذلك كما قلت مكفرة يعنى من قال بشىء من ذلك فقد كفر قال الحياة لا تصلح إلا بالربا فقد كفر ومن قال إن الربا لا يحرم إلا إذا كان أضعافا مضاعفة والقليل منها ليحققوا مصلحة فقد كفر فلا بد من وعى هذا الأمر أيضا من كلامهم المعسول وهو مرذول مردود يقولون رعاية المصالح شرائع الله جاءت لرعاية المصالح ولذلك أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله فتراه يأتى بمفاسد ثابتة ويقول مصلحة العباد تتوقف عليها وهذا يوافق روح الشريعة وإن خالف نصوصا جزئية يوافق روح الشريعة , روح الشريعة تحقيق مصلحة الناس, نعم خالفنا نصوصا جزئية

هذا أمر آخر اختلاط المرأة بالرجل يخالف نصوصا جزئية لكن يوافق روح الشريعة الإسلامية وهى تنمية الاقتصاد والناس الآن فى حاجة إلى عمل روح الشريعة الإسلامية الناس يحققون المصلحة يصعب عليهم الصيام فى رمضان فلا بد من أن يفطروا وهم فى فطرهم يطيعون الرحمن لأن العمل عبادة ولذلك كما ذكرت لكم بعض الطواغيت يشرب الخمر على شاشة التلفاز فى نهار رمضان ويدعو رعيته للفطر لئلا يتأخر الاقتصاد لأنهم يعنى دولة نامية على تعبيرهم نامية أو نائمة أو ميتة العلم عند اله جل وعلا هذا إخوتى الكرام هذا التطوير كفر لكن نريد أن يطلى عليه ثوب الشريعة المطهرة وأن هذا الكفر مقدس هذا الكفر مشروع روح الشريعة وقال بعض العتاة يعنى ممن يحسبون من الدعاة أيضا وهذا قول مكفر بلا شك يقول إن تعطيل الحدود الإسلامية فى هذه الأوقات وخروج النساء سافرات وإن خالف نصوصا جزئية فقد وافق روح الشريعة الإسلامية روح الشريعة الإسلامية يوافقها تحقيق المصلحة وإن المرأة ستلزم بالحجاب وتخرج بعد ذلك من أجل اقتصاد لا يمكن والله أمرنا بالسعى والكدح للحاجة التى نحن فيها فهذه مصلحة وهكذا بعد ذلك تعطيل الحدود وهكذا وهكذا مصالح نحققها ثم نحن مع هذا نطيع الله كيف؟ قال وافقنا روح الشريعة ,روح الشريعة حافظنا عليها وإن خالفنا نصوصا جزئية هذا إخوتى الكرام هذه العبارات تسمعونها بكثرة فى هذه الأيام روح الشريعة والمصلحة وما شاكل هذا

إخوتى الكرام من الذى سيقدر المصلحة أنا أو أنت أو غيرنا من الخلق أو سيقدرها الإله الحق من الذى تقول هذا مصلحة وهذا مفسدة هذا ينبغى أن يقوله المشرع ينبغى أن يقوله العليم الحكيم سبحانه وتعالى وأما أنا وأنت وغيرى وغيرنا فقد نستحسن ما هو ضلال ولذلك كل أمة تستحسن جاهليتها التى هى عليها وترى أن المصلحة فيها وما أتى رسول من رسل الله الكرام على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه إلى قوم من الأقوام إلا عارضوه وانه خالف مصالحهم وما هم فيه مصلحة لهم وهذا جاء ليغير يعنى مصالحهم التى ألفوها واعتادوها فمن الذى سيقول هذا مصلحة وهذا مفسدة من الذى سيقول ,الذى سيقوله العزيز الغفور سبحانه وتعالى وأما ان تستباح المحرمات ضمن بعد ذلك ستار موافقة روح شريعة رب الأرض والسماوات هذا ضلال مبين الشعارات الردية فى بعض الأماكن فى بلاد الشام كتب على مدرسة ولها شأن واعتبار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وحدة حرية اشتراكية يعنى بعد هذا الكفر يوجد كفر ما بقى بعد هذا الكفر كفر فجاء ضال مُضل من الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ومن هؤلاء الذين كما قلت يطورون قال يعنى ينبغى أن تُكتب آية فوق هذا الشعار من اجل يعنى أن يكون هذا الشعار تفسير لهذه الآية وإيضاح لها {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} [الأنبياء/92] فكتب هذا ثم لما تُكلم معه يعنى كيف هذا الأمة هنا يراد منها الأمة الإسلامية والملة الإسلامية وأنت بعد ذلك يعنى أمة عربية قال استمعوا وقال هذا بدون حياء من الله جل وعلا يعنى فى جمع أمة عربية واحدة نعنى بها الأمة الإسلامية, ذات رسالة خالدة قال هى رسالة الإسلام وحدة قال الإسلام دين الوحدة حرية دين الحرية, اشتراكية قال اقصدوا بها الذكاء نقصد ونتلاعب يا نقصد ونتلاعب شعارات لها دلالات معبرات عند من قالها نحن سنقصد بالإشتراكية الذكاء وكما قال الشيطان الثانى الشاعر: والإشراكيون أنت إمامهم

سنقصد يعنى نحن هذا لها مدلول معين فهذا إخوتى الكرام كما قلت كله من باب تطوير الشريعة لتتسع لضلالات الشنيعة هذا كفر من سلكه فهو كافر وكان أئمتنا يقولون: من كان لاعبا فلا يلعبن بدينه إن أردت أن تعصى الله اعصِ وما أحد سلم من معصية نسأل الله أن يتوب علينا لكن اعصِ على أنك عاصٍ لا تعصى على انك مطيع والله ما طمع بهذا إبليس أن يعصى الله ويريد أجرا على معصيته إبليس ما طمع بهذا فنحن سنفعل المعاصى ثم ندعى أننا مطيعون للحى القيوم ما بعد هذا الجنون جنون من كان لاعبا فلا يلعبن بدينه قف عند حدك ولا داعى بعد ذلك لتطوير الشريعة لنجعلها تتسق مع الكفر وتتمشى معه فقفوا عند حدكم إخوتى الكرام حقيقة ابتلينا بصنف فى هذه الأيام يحرفون دين الإسلام وحالهم كحال اليهود اللئام عليهم لعائن ذى الجلال والإكرام والله قال فى حق اليهود {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} [البقرة/75] والتحريف إخوتى الكرام تغيير النص لفظا أو معنى شامل للأمرين إما أن يحرفه لفظا وأن يغيره يتلاعب فيه وإما أن يحرف معناه ونحن ابتلينا بهذا الصنف الذى يحرف معانى نصوص الشريعة المطهرة لتساير كما قلت الأنظمة الكافرة أنظمة الفجرة وفعل هذا كما قلت من المكفرات وقد خشى علينا نبينا عليه الصلاة والسلام وحذِر على أمته عليه الصلاة والسلام من هذا الصنف الخبيث أكثر من حذره وخشيته عليها من الدجال ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى من رواية سيدنا النواس بن سمعان رضى الله عنه وأرضاه فى حديث الدجال الطويل وفيه أن نبينا الجليل عليه صلوات الله وسلامه قال: غير الدجال أخوفنى عليكم من الدجال عندما ذكر نبينا عليه الصلاة والسلام الدجال وارتاع الصحابة وظنوه أنه فى طائفة من النخل قال عليه الصلاة والسلام غير الدجال أخوفنى عليكم من الدجال من؟

ثبت فى مسند الإمام أحمد بسند جيد من رواية سيدنا أبى ذر رضى الله عنه وأرضاه قالوا من يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: الأئمة المضلون إمام ضلالة لإمام حكم أو إمام دعوة إمام ضلالة هذا أشد خطرا على الأمة من الدجال لأنه يفسد فيها باسم الإسلام غير الدجال أخوفنى عليكم من الدجال الأئمة المضلون وهذا الحديث إخوتى الكرام أعنى حديث سيدنا أبى ذر رضى الله عنه وأرضاه بأن نبينا عليه الصلاة والسلام يخشى علينا من الأئمة المضلين أكثر من خشيته على هذه الأمة من الدجال رُوى عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين رُوى من رواية سيدنا أبى الدرداء رضى الله عنه وأرضاه فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير ومن رواية سيدنا أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه فى معجم الطبرانى الكبير ومن رواية سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه فى مسند الإمام أحمد ومن رواية سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه فى مسند أبى يعلى ومن رواية سيدنا شداد بن أوس وسيدنا ثوبان مولى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى مسند الإمام أحمد انظروا هذه الروايات فى المجمع فى الجزء الخامس صفحة تسع وثلاثين ومائتين وانظروا رواية النواس بن سمعان وكما قلت إنها فى صحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائى فى جامع الأصول فى الجزء العاشر صفحة واحدة وأربعين وثلاثمائة غير الدجال أخوفنى عليكم من الدجال أئمة مضلون يدَّعون أنهم يطورون شرع الحى القيوم ليتمشى مع الكفر الملعون نعم خشى علينا نبينا عليه الصلاة والسلام من كل منافق عليم اللسان ثبت فى صحيح ابن حبان انظروا الإحسان فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين ومائة والحديث رواه البزار والطبرانى فى معجمه الكبير كما فى المجمع فى الجزء الأول صفحة سبع وثمانين ومائة ورواه البيهقى فى شعب الإيمان من رواية سيدنا عمران بن حصين رضى الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال:

إن أخوف ما أخاف على أمتى كل منافق عليم اللسان والحديث إخوتى الكرام كما قلت رواه البزار والطبرانى وغيرهما لكن بالنسبة لإسناد البزار والطبرانى يقول الهيثمى فى المجمع رجاله رجال الصحيح ورواه ابن حبان وصححه رجاله رجال الصحيح كما فى المجمع وقال الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الأول صفحة سبع وعسرين ومائة رواته محتج بهم فى الصحيح والحديث رُوى أيضا عن عدة من الصحابة الكرام كل منافق عليم اللسان رواه الإمام أحمد فى المسند والإمام البزار وأبو يعلى من رواية سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه قال حذرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام كل منافق عليم اللسان والحديث رُوى من رواية سيدنا على وعقبة بن عامر ومعاذ بن جبل رضى الله عنهم أجمعين هذه كما قلت إخوتى الكرام حالة سادسة من تلبس بها فقد كفر بشرع الله عز وجل أن يطور شريعة الله المطهرة لتتمشى مع أنظمة الكفرة الفجرة هذا كفر زمن فعله فهو كافر مرتد هذا كما قلت فى ستة أحوال من عصى الله وخالف شرع الله جل وعلا فقد كفر بعد هذا إخوتى الكرام كما قلت يعنى هذا التفصيل الذى تقدم معنا للأحوال الثلاث للإنسان التى يكون حكم عندما يخالف شرع الرحمن إما أنه يعذر أو يأثم أو يكفر هذه الأحوال إخوتى الكرام الثلاث قلت بعد ذلك سأستعرض الآيات التى فى سورة المائدة وفيها حكم الله جل وعلا بالكفر والظلم والفسق على من لم يحكم بشرعه المطهر (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) إخوتى الكرام هذه الأوصاف الثلاثة لمن لم يحكم بشرع الله ولمن لم يحتكم إلى شرع الله جل وعلا يعنى سينزل عليها التفصيل المتقدم فانتبهوا لذلك إخوتى الكرام

الحالة الأولى تقدم معنا لا تدخل فى هذا لا يشمله الكفر ولا الفسق ولا الظلم لأن الحالة الأولى تقدم معنا ضابطها أنه ما قصد معصية الله عز وجل أوليس كذلك؟ تأول فيما فيه مجال للتأويل أو هو من أهل التأويل أخطأ من غير قصد ولا يريد المعصية, جهل كما قلت الحكم الشرعى ففعل ولا يظن أنه عاصٍ وتقدم معنا ما قصر ولا أعرض إنما فهم على حسب لغة قومه, ما فهم من النص الشرعى لكن فهمه خطأ ويصحح له الوضع والحالة الثالثة تقدم معنا أكره على المعصية ولا يريدها ولا يحبها فالحالة الأولى لا تدخل معنا فى هذه الآن فى هذه الأوصاف الثلاث الحالة الثانية حقيقة تدخل معنا والحالة الثالثة تدخل كفر دون كفر أو كفر مخرج من الملة ظلم أكبر يعتدى به الإنسان على الله جل وعلا فيكفر أو أنه يظلم نفسه فيما بينه وبين ربه دون أن يصل إلى درجة الكفر وهكذا الفسق فسق يخرج عن الشريعة جملة وفسق يبقى كما قلت فى حظيرة الإسلام لكنه عاصٍ للرحمن هذا كما قلت سنطبق هذه الأوصاف الثلاثة عليها حسبما نقل عن سلفنا فانتبهوا لذلك إخوتى الكرام أولا معنى هذه الألفاظ الكفر الكفر معناه الستر ستر الشىء معناه كفر به يقال كفَر الشىء وكفَّره إذا غطاه كفرَ السحاب السماء إذا سترها ومنع من رؤيتها ويقال كفر المتاع فى الوعاء أى غطاه وخبأه وأدخله فيه الكفر بمعنى الستر ويأتى الكفر عندنا فى شريعة الله بمعنيين اثنين بمعنى كفر المُنعم وبمعنى كفر النعمة أى عمد شكر الله عز وجل أى الذى يقابل المعصية كفر المنعم جحوده هذا يخرجه من الملة كفر النعمة عدم القيام نحوها بما يجب من طاعة وشكر لله عز وجل هذا يدخله فى دائرة الفسوق العصيان دون أن يخرجه إلى دائرة الكفران كفر أكبر كفر أصغر وهو الذى يعبر عنه أئمتنا بالكفر العملى وكفر دون كفر لا يصل إلى درجة الكفر الاعتقادية هذا معنى اللفظ الأول الكفر والظلم

معناه وضع الشىء فى غير موضعه المختص به إما بنقصان أو زيادة عليه ينقص منه يزيد عليه أو بعدوله عن وقته يعدل عنه عن وقته أو مكانه الذى ينبغى أن يوضع فيه شىء ينبغى أن يوضع فى موضع يختص به ذلك الموضع فوضعته فى غير ذلك الموضع, زدت, نقصت فى مكان آخر فى وقت آخر, هذا يقال له ظلم وضع الشىء فى غير موضعه ظلم (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) فمن تركها ظلم نفسه, من قدمها ظلم نفسه, من أخرها ظلم نفسه إلا من عذر هذا كله وضع للشىء فى غير موضعه, فى الزمن يعنى الذى ينبغى أن تفعل فيه ما فُعلت فعلها فى مكان نُهى عن فعلها فى ذلك المكان, هذا كله ظلم زاد نقص هذا كله ظلم فقس على ذلك إذاً وضع الشىء فى موضعه المختص به هذا هو العدل والظلم ألا تضع الشىء فى موضعه المختص به بحيث تزيد أو تنقص أو تنحرف به عن زمانه أو عن مكانه الذى ينبغى أن يوضع به أو يفعل فيه هذا كله ظلم إخوتى الكرام والظلم إذاً مجاوزة الحد, مجاوزة الحق ويكون أيضا ظلما يخرج من الملة (والكافرون هم الظالمون) (إن الشرك لظلم عظيم) ويكون أيضا ظلم أصغر وهو أن يقع الإنسان فى دائرة المعاصى والفسوق دون أن يكفر بالله جل وعلا ومن ذلك قول أبينا وأمنا آدم وحواء على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} [الأعراف/23] ظلم, إبليس ظالم وأبونا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه يخبر عن نفسه بأنه ظلم نفسه, هل هذا الظلم كهذا الظلم؟ لا ثم لا ذاك ظلم وكفر وهذا ظلم إنما وقع فى دائرة المخالفة يعنى التى غُفرت له وما قصد المعصية لكنه ظلم نفسه, وضع الشىء فى غير موضعه عندما ما امتثل الأمر واجتنب النهى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إذاً هذا ظلم وهذا ظلم لكن شتان ما بين الظلمين ولفظ الفسق

إخوتى الكرام معناه فى اللغة الخروج فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها ويقال للفأرة فويسق وفويسقة لأنها تخرج من جحرها وبيتها مرة بعد مرة ولا تستقر فيه مع ما فيها من الخبث والأذى والفساد فويسقة تكثر الخروج إذاً الفسق معناه الخروج فمن خرج يعنى عن شرع ربنا المعبود جملة وتفصيلا فهو فاسق ومن خرج فى بعض الأمور وعصى الله دون أن يجحد بقلبه وأن يكفر بربه فهو فاسق هذا فسق وهذا فسق (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) [الكهف/50] فسقه فسق كفر وهكذا قول الله جل وعلا فى سورة النور {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور/55] والآيات فى ذلك كثيرة وتقرير هذه الأمور إخوتى الكرام على أن الكفر يأتى بمعنى الكفر الذى يخرج من الملة وسرد النصوص على ذلك والكفر على أنه يأتى بمعنى كفر أصغر عملى كفر دون كفر وسرد النصوص على ذلك وهكذا فى الظلم والفسق يعنى يحتاج لمواعظ فهذا ليس كما قلت من مجال بحثنا فى هذا الحين, لكن الكفر يأتى كما قلت فى اللغة بهذا المعنى وله عندنا فى الشريعة المطهرة نوعان كفر أصغر, كفر أكبر ,كفر اعتقادى, كفر عملى, كفر كما قلت يخرج من الملة وكفر دون كفر وهكذا الظلم وهكذا الفسق انظر لاستعمال لفظ الفسق فى معنى المعصية يقول الله فى سورة النور فى نفس السورة التى استعمل الفسق فيها بما يدل على الكفر استعمل الفسق فيها بما يدل على المعصية {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون* إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} [النور/4-5]

والفسق هنا باتفاق أئمتنا لا يراد منه الفسق الذى يخرج من الملة إنما يحُكم على الإنسان بالفسق ترد شهادته تسقط عدالته وترد شهادته ويجلد ثمانين جلدة (فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) ولذلك إذا تاب يعنى فاجلدوهم ثمانين جلدة لا تسقط عنه بالاتفاق أوليس كذلك؟ (فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) فهل يعود إلى المذكورَينِ الأخيرين يعنى قبول الشهادة ورفع الفسق؟ أئمتنا على قولين فى ذلك قيل يرفع الفسق ولا تقبل شهادته وقيل يرفع الفسق وتقبل الشهادة, على كل حال إخوتى الكرام الشاهد أن الفسق هنا لا يراد منه الفسق الذى يخرجه من دين الله عز وجل بحيث يكون من عداد الكافرين ولوكان كذلك لما جُلد ثمانين جلدة لضُربت الرقبة إذن الفسق يأتى بهذا المعنى وبهذا المعنى والنصوص كما قلت فى ذلك كثيرة إذن عندنا الكفر يأتى بهذين المعنيين وهكذا الظلم وهكذا الفسق ,من المراد بهذه الآيات وهذه الأوصاف؟ (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (فأولئك هم الظالمون) (فأولئك هم الفاسقون) غاية ما ذكر أئمتنا فى كتب التفسير كما ذكر ذلك الإمام الطبرى فى تفسيره فى الجزء العاشر صفحة ست وأربعين وثلاثمائة إلى ثمان وخمسين وثلاثمائة فى قرابة اثنتى عشرة صفحة وهكذا الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير فى الجزء الثانى صفحة ست وتسعين وثلاثمائة والإمام ابن كثير فى تفسيره فى الجزء الثانى صفحة ستين وانظروا الآثار مجموعة فى الدر المنثور فى الجزء الثانى أيضا صفحة ست وثمانين وثلاثمائة خلاصة ما ذُكر وحاصل ما ذكر فى بيان المراد بتلك الأوصاف إذا حكم بغير شريعة الله فهو كافر ظالم فاسق خمسة أقوال: أولها المراد بذلك أهل الكتاب

هذه الآيات نازلة فيهم واقرأ الآيات واقع الأمر سياقها يدل على ذلك {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون *وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون *وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين *وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة/46-47] هذه الآيات كلها فى سياق ما ذُكر لأهل الكتاب إنها فى أهل الكتاب قول اول قول ثانى هى فيهم ويراد بها جميع الناس أى كل من اتصف بهذ الوصف على أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب والوقائع التى نزلت فيها القول الثالث كما قلت هذا فى كتب التفسير هى فيهم فى أهل الكتاب لكن تشمل المسلمين من باب أولى, انتبه هناك يقول فيهم وفى غيرهم على السواء إنما هنا يقول إذا كان أهل الكتاب يكفرون ويظلمون ويفسقون إذا لم يحكموا بالتوراة والإنجيل فنحن إذا لم نحكم بكلام الله الجليل يثبت لنا هذا الوصف من باب أولى فقد أنزل الله علينا أفضل كتبه وبعث إلينا أعظم رسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه فإذاً عدم تحكيم شريعته والاحتكام إليها كفر من باب أولى على القول الثانى يعنى فيهم وتشمل من اتصف بهذا هنا فيهم ونحن نُعَيَّرُ بذلك من باب أولى فإذا كان اليهود يكفرون إذا لم يحتكموا إلى التوراة فنحن من باب أولى نكفر إذا لم نحتكم إلى كلام رب الأرض والسماوات القول الرابع كفر دون كفر

والأقوال كلها إخوتى الكرام منقولة عن السلف وثابتة عنهم كفر دون كفر وهذا ثابت عن سيدنا عبد الله بن عباس وغيره فى تفسير الطبرى ومستدرك الحاكم بسند صحيح كالشمس مع ثبوت القول الأول بأنه أيضا كفر يخرج من الملة كما سيأتينا كفر دون كفر قال ليس بكفر ينقل عن الملة هذه فى حالة خاصة والقول الخامس الكفر للجاحد, كفر دون كفر هذا القول الرابع إخوتى الكرام القول الأول فى أهل الكتاب والثانى فيهم وفى غيرهم على السواء والثالث فيهم وفى هذه الأمة من باب أولى والقول الرابع قول سيدنا عبد الله بن عباس كفر دون كفر والظلم والفسق هو بمعناها الاصطلاحى عندنا الذى لا يخرج من الملة إنما فى حق الكفر يقول كفر دون كفر ليس بالكفر الذى ينقل عن الملة والقول الخامس الكفر فى حق الجاحد والظلم والفسق فى حق المقر مقر بحكم الله وانحرف عنه ما حكم به ولا احتكم إليه ظالم فاسق بالمعنى الاصطلاحى الذى لا يخرجه من الملة جحد حكم الله فهذا يكفر ويخرج عن الملة المباركة عن الملة الإسلامية وخلاصة الكلام إخوتى الكرام الذى يتأمل الآيات والآثار المنقولة عن السلف الكرام نعم لا يرتاب فى أنها فى أهل الكتاب لكن حكمها عام عند أولى الألباب لكن الذى يحكم أو يحتكم إلى غير شرع الكريم الوهاب له حالتان عند أهل السنة بلا ارتياب أشار إليهما الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير استمعوا إلى كلامه رضى الله عنه وأرضاه قال: (وفصل الخطاب هذا كلام الإمام ابن الجوزى بالحرف أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا له وهو يعلم أن الله أنزله كما فعلت اليهود فهو كافر ومن لم يحكم به ميلا إلى الهوى من غير حجود فهو ظالم وفاسق) وعليه الآيات تشمل كل من خرج عن حكم الله لكن له حالتان إن جحد كفر وإن أقر وانحرف ظلم وفسق

ثبت فى مستدرك الحاكم فى الجزء الثانى صفحة اثنتى عشرة وثلاثمائة بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الإمام الذهبى والأثر فى تفسير الإمام الطبرى فى الجزء العاشر صفحة خمسين وثلاثمائة ورواه الإمام ابن أبى حاتم فى تفسيره وهكذا الإمام عبد الرزاق كما فى الدر المنثور فى المكان الذى أشرت إليه آنفا عن سيدنا حذيفة رضى الله عنه وأرضاه ذُكر امامه هذه الآيات وتليت أمامه هذه الآيات, فقال قائل هذه فى أهل الكتاب ليست فينا فقال نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم كل حُلوة ولهم كل مرة كل حلو لكم وكل مر عليهم ولهم نعم الإخوة لكم يعنى هذا تضعون عليهم البلاء وأنتم تأخذون الخير والنعماء والله لتسلكن طريقهم قدر الشراك بمقدار الشراك حذو النعل بالنعل وحذو القُذة بالقذة فانتبهوا لأنفسكم ما يشملهم يشملكم وهذا الأثر إخوتى الكرام ثابت عن سيدنا حذيفة رضى الله عنه وأرضاه رُوى نظيره ومثله عن سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين فى تفسير ابن المنذر كما فى الدر المنثور قال: نعم القوم أنتم إن كان ما كان من حُلوة فهو لكم وما كان من مر فهو لأهل الكتاب إخوتى الكرام بهذا التفصيل الذى ذكرته يظهر الجمع بين تلك الأوصاف لمن انحرف عن شرع الله الجليل فانتبهوا لهذه الحالة وهذا الجمع لنأتى إلى الحالة الثانية التى يعصى الإنسان فيها ربه عندما لا يحتكم إلى شريعة الله ولا يحكم شرع الله فهو كما قلت فاسق عاص آثم ليس بكافر ولا مرتد (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون) طبق هذه الأصاف عليه كفر النعمة كفر عملى كفر دون كفر إذا كان يقر بأن شرع الله هو الحق وأن ما فعله هو سفاهة وضلال شهوته غلبته وهو معترف بذنبه منكسر لربه فأولئك هم الفاسقون الذى كما قلت بمعنى المعصيى لا يخرجه من الملة فأولئك هم الظالمون جاوز الحد

هذه الأوصاف الثلاثة تنطبق عليه كما قلت بمعناها اللغوى وبمعناها الاصطلاحى بمعناها اللغوى ستر نعمة الله بمعناها اللغوى ظلم وتجاوز الحد بمعناها اللغوى خرج من الهدى إلى الردى ومن العدل إلى الجور بمعناه الاصطلاحى عندنا كفر دون كفر والظلم والفسق بمعناه المعروف الذى لا يخرجه من الملة وإذا كان يتصف بالحالة الثانية وهى الثالثة عندنا بواحدة من الأمور الستة التى تقدمت معنا حكم بغير ما أنزل الله واحتكم إليه فعل معصية على حسب الأمور الستة أى كفر إما أنه رأى أن حكم الله ليس بحق ولا صواب فى هذه القضية وخالف أو كما تقدم معنا حق وصواب لكن قال ما نحن عليه أهدى أو قال نحن وشرع الله ما نحن عليه وشرع الله سواء ونحن بالخيار نأخذ بهذا وهذا الأمر مستويان أو قال ما نحن عليه دون شرع الله لكن يباح لنا أن أن نأخذ به أو استخف واستهزأ وعاند وعارض أو طور شريعة الله وحرف دين الله ليتمشى مع الكفر فهو كافر كافر فى هذه الأحوال طبق عليه الآيات (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكفرون) كفر جحود خرج من الملة (فأولئك هم الظالمون) (والكافرون هم الظالمون) هو ليس المراد منه المعنى الاصطلاحى الذى هو الظلم الذى لا يخرجه من الملة فأولئك هم الفاسقون المعنى العام فى لسان الشرع بمعنى الخروج من شريعة الله وعليه هو ستر الحق وظلم عندما كفر بالله عز وجل ولم يعبده ولم يلتزم بشرعه وفسق خرج من الإيمان إلى الكفر وعليه اختلفت هذه الصفات لاختلاف الاعتبارات وهذا ما قال عنه أئمتنا اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات فإذا نظرت إليه لأنه ستر الحكم الشرعى تقول عنه كافر لأنه تجاوزه ووضع الأمر فى غير موضعه تقول عنه ظالم لأنه خرج من الهدى إلى الردى تقول عنه فاسق, اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات وهو فى هذه الأحوال الثلاثة إما أن يكون الكفر فيه كما قلت كفرا أكبر يخرجه من الملة أو كفرا عمليا على حسب حاله فى معصيته لربه

إخوتى الكرام ينبغى أن نعلم فى ختام المبحث أن من استباح القوانين الجالهلية فهو كافر برب البرية وللإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا الجليل فى هذا كلام محكم جليل سأقرأه عليكم من تفسيره فى الجزء فى صفحة سبع وستين عن قول رب العالمين: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة/50] وأختم الكلام على هذه المسألة بكلامه رحمة الله ورضوانه عليه يقول: (ينكر تعالى على من خرج عن حكْم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التى وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله عز وجل كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذى وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصار فى بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم سواه فى قليل ولا كثير قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون) أى يبتغون يريدون وعن حكم الله يعدلون (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أى ومن أعدل من الله فى حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن وعلم ان الله أحكم الحاكمين وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها فإنه تعالى هو العالم بكل شىء القادر على كل شىء العادل فى كل شىء)

وقال عليه رحمة الله فى البداية والنهاية فى حوادث سنة أربع وعشرين ستمائة عند ترجمة هذا الشيطان الرجيم جنكيز خان الذى وضع للتتار الياسَق ويقال له الياسا ويأخذونها ويحتكمون إليها كما قلت فى حوادث أربع وعشرين ستمائة لأنه فى هذه السنة هلك جنكيز خان ملك التتار فى الجزء الثالث عشر صفحة ثمانى عشرة ومائة يقول: (هو الذى وضع لهم جنكيز خان الياسا التى يتحاكمون إليها ويحكمون بها وأكثرها مخالف لشرائع الله وكتبه وهو شىء اقترحه من عند نفسه وتبعوه فى ذلك) ثم ذكر مما يوجد فى الياسق

015

ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام لا زلنا نتدارس مقدمة لدروس الفقه التى سنشرع فى مدارستها بعون ربنا وتوفيقه وقلت هذه المقدمة تقوم على أمرين اثنين الأمر: الأول على تعريف علم الفقه ومنزلته ووجوب الاحتكام إلى شريعة الله جل وعلا وقد مر الكلام على هذه الأمور مفصلا فى المواعظ الماضية ووصلنا إلى الأمر الثانى من المقدمة لدروس الفقه التى سنتدارسها قلت فى ترجمة أئمتنا ساداتنا الفقاء الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين سيدنا أبو حنيفة وسيدنا مالك وسيدنا الشافعى وسيدنا أحمد رضوان الله عليهم أجمعين إخوتى الكرام قبل أن نشرع فى ترجمة موجزة لأئمتنا وقلت سأجمل ترجمة كل واحد منه فى موعظة بعون الله وتوفيقه قبل أن نشرع فى مدارسة تراجمهم المباركة رضوان الله عليهم أجمعين, ينبغى أن نعلم أننا عندما نتدارس تراجمهم وأحوالهم أن هذا ليس من باب النافلة والاستطراد إنما هو حق على العباد وعلى أهل النُّهى والرشاد أن يعرفوا أحوال أئمتنا فهم أولياء الله رضوان الله عليهم أجمعين ولذلك أثر عظيم فى نفوس المكلفين فأخبار الصالحين تقوى اليقين وتشد صلة الإنسان برب العالمين ومدارسة أخبارهم لون من ألوان الدعوة إلى دين رب العالمين

نعم إخوتى الكرام للقصة فى حد ذاتها آثار جلية على النفس البشرية ولذلك كثر ورودها فى الآيات القرآنية فى أحاديث نبينا خير البرية عليه صلوات الله وسلامه القصة إخوتى الكرام تستروح إليها النفس البشرية وتحبها وتسترسل معها وتميل إليها وهذا شعور فطرى فيها وعدا عن هذا الأمر عدا عن هذا القصة أيضا طريقة لغرس مبادىء الخير فى النفوس البشرية حيث تتغلغل المعانى الذى فى القصة تتغلغل قيم الخير تتغلغل مُثل الفضيلة فى النفس البشرية بسهولة دون قصد ودون شعور لأننى كما قلت الإنسان يميل إلى سماع القصص وإلى سماع الأخبار وهذه فطرة فيه فطره عليها العزيز القهار سبحانه وتعالى فعندما تحمل تلك القصص فى طياتها المعانى الشريفة النبيلة تتغلغل فى النفس من حيث لا يشعر الإنسان ومن حيث لا يقصد ذلك الأمر لكن عند السماع يتأثر الإنسان فتسرى تلك المعانى الجميلة النبيلة فى النفس البشرية من حيث لا يشعر ومن حيث كما قلت لا يقصد من غير شعور ولا قصد تسرى الفضيلة فى ذراته ولذلك إخوتى الكرام قرر علماؤنا رضوان الله عليهم أجمعين أن آيات القرآن دار موضوعها حول ثلاثة أمور حسان: أولها موضوع توحيد ذى الجلال والإكرام هذا النوع الأول ثانيها دار حول الأحكام ما ينبغى أن يفعله الإنسان من حلال وما يبغى أن يتركه من حرام حول ما يتعلق بسلوك الإنسان إذن توحيد للرحمن وأحكام والأمر الثالث قصص حسان القرآن من أوله لآخره يدور حول هذه الأمور الثلاثة توحيد عقائد وأحكام وقصص المراد من القصص توكيد هذين الأمرين والدعوة إليهما من حيث لا يشعر الإنسان فهى تقرر أمور التوحيد بالله المجيد وهى أيضا تثبت الأحكام الشرعية بصورة لا شعورية عندما تذكر القصص وفى طياتها توحيد الله جل وعلا وفى طيها الأحكام الشرعية التى تتعلق بها النفوس البشرية إذن القرآن الكريم عقائد توحيد الله أحكام تتعلق بأفعال وسلوك الإنسان قصص حسان وقد أشار إلى ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام

ففى مسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام مالك فى الموطأ والبخارى فى صحيحه ورواه الإمام أبو داود والنسائى فى السنن والإمام ابن الضريض فى فضائل القرآن والبيهقى فى السنن الكبرى والحديث صحيح صحيح فهو من رواية فقد رواه البخارى كما سمعتم فهو فى صحيح البخارى وفى غير ذلك من كتب الحديث فعن سيدنا أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه قال: إن رجلا من الصحابة الكرام سمع رجلا من الصحابة الكرام يقرأ فى جوف الليل سورة الإخلاص قل هو الله أحد ويكررها, هذا وِرده يقوم بها ويكررها إذا انتهى منها عاد إليها, إذا انتهى منها عاد إليها فلما أصبح جاء إلى النبى عليه الصلاة والسلام وأخبره أنه سمع بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قام ليلته أجمع بسورة الإخلاص يكررها وكأن الرجل يتقالها فقال النبى عليه الصلاة والسلام والذى نفسى بيده إنها لتعدل ثلث القرآن وفى بعض روايات الحديث من رواية سيدنا أبى سعيد الخدرى أيضا رضى الله عنه وأرضاه أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين: أيعجِز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن كل ليلة فشق عليهم ذلك وقالوا أينا يطيق ذلك يطيق ذلك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وكأنهم فهموا ثلثا من حيث الحجم يعنى ثلاثون جزءا ينبغى أن يقرأوا عشرة أجزاء شق عليهم قالوا أينا يطيق ذلك يلتزم عشرة أجزاء كل ليلة فقال نبينا عليه الصلاة والسلام: إن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن وهذا الحديث إخوتى الكرام متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام رُوى عن سيدنا أبى الدرداء وعن سيدنا أبى أيوب وعن سيدنا أبى هريرة وعن سيدنا عمر وعن ابنه سيدنا عبد الله بن عمر وعن سيدنا أنس وعن سيدنا عبد الله بن مسعود وعن سيدنا أبى بن كعب وعن سيدنا معاذ بن جبل وعن سيدنا النعمان بن قتادة هؤلاء عشرة وعن رواية أبى سعيد الخدرى, أحد عشر صحابيا يروون هذا الحديث أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن

انظروا هذه الرويات إخوتى الكرام فى جامع الأصول فى الجزء الثامن صفحة خمس وثمانين وأربعمائة وفى الدر المنثور فى الجزء السادس صفحة أربع عشرة ورأربعمائة إذن تعدل ثلث القرآن أصاب أئمتنا فى توجيه كلام نبينا عليه الصلاة والسلام أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ما المراد بهذا الثلث؟ أوجه ما قيل فى ذلك ما استظهره شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية كما فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثانى عشر صفحة أربع وثلاثين ومائة وحكاه الحافظ فى الفتح فى الجزء التاسع صفحة واحدة وستين: أنها ثلث القرآن من حيث محتوى القرآن ومن حيث موضوع القرآن ومن حيث المعانى التى عالجها ودل عليها القرآن, فالقرآن يدور على ثلاثة أمور حسان: أولها توحيد الرحمن ثانيها أحكام تتعلق بفعل الإنسان ثالثها قصص حسان والمراد من القصص تقرير وتثبيت وتوكيد ما تقدم من توحيد الله جل وعلا ومن الأحكام التى تتعلق بأعمال المكلفين إذن القصص لها شان فالله فى كتابه قص وسمى سورة بكاملها سورة القصص هذا عدا عن السور التى تسمى بسورة لقمان بسورة الكهف بسورة آل عمران بسورة مريم هذه كلها قصص لغير الأنبياء حتى قصص لغير الأنبياء على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه كما سيأتينا لقمان ليس بنبى على المعتمد, أصحاب الكهف ليسوا بأنبياء, مريم ليست بنبية, قصص ورد أخبار هؤلاء فى كلام الله عز وجل لا لقتل الوقت والتسلى إنما كما قلت للدعوة إلى الله جل وعلا وتثبيت العقائد فى القلوب انتبه من حيث لا يقصد الإنسان ولا يشعر وهى أيضا لتوكيد الأحكام والدعوة إلى الفضيلة على التمام من حيث لا يقصد الإنسان ولا يشعر لأن الإنسان طبيعته يستروح للقصة يميل إليها يحبها يتعلق بها فتذكر أخبار المتقدمين وفى ثناياها وفى طياتها توحيد رب العالمين وتقرير الأحكام فى الدين فيتغلغل ذلك فى نفوس المكلفين

وعليه عندما سنتدارس أخبار أئمتنا لتسرى تلك الفضائل التى فيهم فى نفوسنا من حيث لا نشعر ومن حيث لا نقصد وحقيقة دواء عظيم لقلوب المكلفين ذكر أصحاب الصالحين أن يتذاكروها فى كل حين أخبار الصالحين إخوتى الكرام كما قلت قص الله علينا فى سورة كاملة سورة العبد الصالح لقمان وسمى السورة باسمه وهو ليس بنبى على المعتمد عند أئمة الإسلام وقد13:20على هذا أئمتنا, قال الإمام البغوى فى معالم التنزيل فى الجزء لخامس صفحة خمس عشرة ومائتين: اتفق العلماء جميعا على أنه كان حكيما ولم يكن نبينا ولم يخالف فى ذلك إلا عكرمة مولى سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين ما خالف إلا عكرمة فزعم أنه نبى وأئمتنا ما وافقوه وردوا عليه ذلك والإمام ابن الجوزى فى زاد المسير فى الجزء السادس صفحة سبع عشرة وثلاثمائة قول حكى الواحدى بسنده أيضا عن السُدِّى والشعبى أنهما قالا إن لقمان نبى وعليه عكرمة والسدى والشعبى, عقب على ذلك الإمام ابن الجوزى بقوله ولا يعرف هذا إلا عن عكرمة أنه تفرد به لا يعرف هذا عن السدى فالسدى مع من قال إن لقمان ليس بنبى وهكذا الشعبى لا يعرف هذا القول إلا عن عكرمة وأئمتنا كما قلت إخوتى الكرام ما ارتضوا قوله وقالوا إن الله نعته بالحكمة فى كتابه فقال {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد} [لقمان/12] فإن قال قائل إن النبوة تفسر بالحكمة فيقال لا يصلح أن يفسر الأخص بالأعم فهنا الحكمة أعم من النبوة ولو أعطاه الله النبوة لنعته بوصف النبوة فكل نبى حكيم ولا عكس فأطلق الأعم وأراد الأخص هذا لا يمكن!!

لا بد من أن يذكره بنعت النبوة إذا كان نبيا وتقدم معنا أن الحكمة هى فعل ما يبنغى فى الوقت الذى ينبغى على الوجه الذى ينبغى وهى إصابة الحق علما وقولا وعملا وهى وضع الشىء المناسب فى الزمن المناسب فى المكان المناسب كما تقدم معنا ضمن المباحث القريبة فى الفروق بين شرع الخالق والمخلوق فقلت صاحَبَ شرع الخالق حكمة تامة وبينت معنى الحكمة عند هذا الفرق المعتبر من الفروق التى تقدم مدارستها إذن آتاه الله جل وعلا الحكمة قص علينا ربنا جل وعلا خبره, حقيقة عندما يستمع الإنسان قصته تسرى كما قلت الفضيلة المثل الجليلة فى نفس السامع من حيث لا يشعر {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد} [لقمان/12] ثم بعد ذلك والد يتعهد ولده {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه (انتبه) يا بني لا تشرك بالله (تقرير أمر العقيدة) إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان/13] ثم انتقل إلى أمر آخر بعد أن بين له حق الله عليه بين أعظم حقوق الخلق عليه وهو حق الوالدين (ووصينا الإنسان بوالديه) أى هذا من جملة ما ألهم الله به العبد الصالح لقمان ان يقوله لولده وقيل إنه كلام جاء على نهج الاستطراد ضمن وصية العبد الصالح لقمان وتقرير هذا يكون ضمن مواعظ التفسير إذا وصلنا إلى سورة لقمان بتوفيق ذى الجلال والإكرام, يعنى هل هذا مما قاله لقمان لولده أو كلام أُتى به على نهج الاستطراد ضمن وصية العبد الصالح لقمان للتحذير من الشرك الذى ورد فى وصية لقمان لا تشرك بالله فى بعد ذلك الوصية بالأبوين أم نهى عن الشرك؟ {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون *يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير} [لقمان/15-16] كله هذا فى أمر العقائدثم جاء بعد ذلك

{يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور*ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور *واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [لقمان/17-19] إذن هذا القصص هذه القصة جاءت لمَ؟ لتقرير وتوكيد أمر التوحيد ولتقرير وتوكيد الأحكام الشرعية العملية التى ينبغى أن يقوم بها المكلفون فى هذه الحياة عقائد وأحكام لكن ضمن قصص ما وُجِّه هذا للعباد إنما لقمان أوصى ولده بما أوصاه به يدل على هذا وهذا والقرآن كما قلت دار على هذه الأمور الثلاثة عقائد توحيد الله عز وجل أحكام عملية تتعلق بأفعال المكلفين قصص يراد منه تقرير هذين الأمرين وتوكيدهما من حيث لا يقصد الإنسان ولا يشعر حيث تسرى الفضيلة فى نفسه ويُقرر ذلك الأمران فى نفسه كما قلت من دون قصد منه ولا شعور منه بذلك إخوتى الكرام هذا العبد الصالح حقيقة أشار الله إلى ما أعطاه من حكمة وذكر بعض حِكمه فى السورة التى سماها باسمه وفى ذلك أيضا استلهاب الهمم والعزائم للبحث فى حكمة هذا العبد الصالح حسب النظر فى حياته وحقيقة أئمتنا نقلوا هذا حسب ما ورد فى الكتب السابقة وقد أُذن لنا أن نتحدث بما كان فيهم وبما صدر منهم مما لا يدل شرعنا على المنع منه وحقيقة أئمتنا المفسرون قاطبة أوردوا نماذج من حكمة هذا العبد الصالح دون هذه القصة بحيث تسرى تلك الفضائل فى النفس ضمن قصة عبد صالح يقول الحكمة وينصح عباد الله ذريته والناس أجمعين فمما أوردوا من حكمته رضى الله عنه وعن سائر الصديقين الكرام ما ثبت فى كتاب الزهد للإمام أحمد صفحة تسع وأربعين أنه قال لولده: يا بنى ما ندمت على سكوتى قط ولئن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب

ما ندمت على سكوتى قط ما مرة سكت وندمت إنما الإنسان يندم إذا تكلم ولذلك من حفظ سره وما تكلم به كان فى الخيرة فى يده إن شاء أن يتكلم وإن شاء أن يسكت هو أدرى لكن إذا باح الآن صار أمره بيد غيره وهنا كذلك ما ندمت على سكوتى قط ولئن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ورضى الله على أئمتنا عندما قالوا: إن كان يعجبك السكوت فإنه قد كان يعجب قبلك الأخيار قد كان يعجب قبلك الأبرار ولئن ندمت على سكوتك مرة فلتندمن على الكلام مرارا إن السكوت سلامة ولربما زرع الكلام عدواة وضرارا إذن هذا من حِكمه وحقيقة التقى ملجم ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه فاستمع لهذه الحكمة وضمن وصية: يا بنى ما ندمت على سكوتى قط ولئن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ومن حِكمه ما رواه الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وعشرين وأربعمائة فى كتاب التفسير فى تفسير سورة سبأ فى قصة نسج العبد الصالح نبى الله داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه للدروع وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم وأقره عليه الذهبى والحديث رواه الإمام ابن حبان فى كتاب روضة العقلاء ورواه الإمام العسكرى فى الأمثال ورواه البيهقى فى شعب الإيمان وانظروا تخريج الحديث فى شرح الإحياء فى الجزء الثالث صفحة خمس ومائة لأنه رُوى مرفوعا بسند ضعيف

قال العراقى هذا معروف عن سيدنا أنس رضى الله عنه وأرضاه من كلام العبد الصالح لقمان قال سيدنا أنس رضى الله عنه وأرضاه كان لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان مع نبى الله داود على نبينا وعليهما أفضل الصلاة وأزكى السلام فكان داود يقدر فى السرد وينسج الدروع ويُحكم صنعتها والعبد الصالح لقمان ينظر إليه وما عرف ماذا يعمل فى أول الأمر يعنى ينسج حلق الحديد مع بعضها ليكون منها درع ماذا يريد العبد الصالح داود من هذا ما عرف لقمان وعلى طريقته ما أنه ما ندم على سكوته فسكت وما تكلم فلما انتهى نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام من نسج الدرع قام ولبسه وقال: نعم الدرع للحرب فقال لقمان الصمت حكمة وقليل فاعله أردت أن أسألك فسكت فأعلمتنى دون سؤال ,الصمت حكمة وقليل فاعله والبلاء موكل بالمنطق حقيقة هذه القصة الحكيمة المحكمة عندما يسمعها الإنسان تسرى كما قلت تلك الفضائل فى نفسه من حيث لا يشعر الصمت حكمة وقليل فاعله وروى الإمام أحمد فى الزهد فى المكان المتقدم فى أخبار العبد الصالح لقمان صفحة تسع وأربعين أنه كان يقول: ضرب الوالد لولده ضرب الإستاذ لتلميذه كالسَماد للزرع ولد من غير أن يُضرب ويؤدب لا يصلح يعنى يخرج فيه بعد ذلك بذاءة وميوعة لا بد من شدة عليه من أجل مصلحته هذا كالزرع لا بد له من سماد وليس معنى الضرب أنك تضربه لتكسر عظامه لا ثم لا, يعنى لا بد حقيقة من أن يُخوف وأن يعنى يصاحب حياته رغبة ورهبة ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع وكان يقول كما روى عنه ذلك الخطيب البغدادى: يا بنى الدَّين هم بالليل وذل بالنهار

حقيقة إذا كان على الإنسان دَين يسقط رأسه فى النهار ممن يلاحقه ويطالبه ويريد أن يرفع أمره إلى القضاء من أجل أن يودعه فى السجن وأما فى الليل يتقلب على فراشه فى هم وغم كيف سيؤدى الحقوق إلى أصحابها وهل يعنى تأتية المنية قبل أداء هذه الحقوق فيلقى بها رب البرية حقيقة هم بالليل ذل بالنهار والإنسان كلما استغنى بنفسه عن غيره ولم يحتج إلا إلى ربه كان حقيقة أعز له وأسلم لنفسه فهذا أيضا من وصايا هذا العبد الصالح لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان وكان يقول كما فى شعب الإيمان للبيهقى والأثر وراه عبد الله بن سيدنا الإمام أحمد فى زوائد الزهد ورواه الإمام الصابونى فى كتاب27:16وليس عندى خبر عنه إنما هذا بواسطة الدر المنثور فى اخبار العبد الصالح لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان الدر المنثور فى تفسير سورة لقمان فى الجزء الخامس أورد هذا لكن ما حددت الصفحة على كل حال ترجعون إلى الدر المنثور فى تفسير سورة لقمان عزاه كما قلت إلى الصابونى وإلى غيره يقول: يا بنى إنى حملت الجندل والحديد والجندل هى الحجارة حملت الجندل جندل الحجارة الثقيلة والحديد فما رأيت أثقل من جار السوء والله إنه أثقل الجندل والحديد وأثقل من الجبل جار السوء نعوذ بالله منه يا نبى إنى حملت الجندل والحديد فما رأيت أثقل من جار السوء من كلامه المحكم حقيقة كما روى عنه البيهقى فى شعب الإيمان يقول ليس غنى كصحة ولا نعيم كطيب نفس

لا يوجد أنعم ممن هو طيب النفس منشرح الصدر ولا يوجد أغنى ممن يعنى معه صحته وعافيته لا غنى كصحة ولا نعيم كطيب نفس إذا كان الإنسان بصحته فيحمد ربه ولو ملك الدنيا بحذافيرها وهو سقم ومرض ماذا ينفعه لا يستطيع أن يأكل ولا كسرة خبز لا غنى كصحة وحقيقة ما أوتى الناس بعد اليقين برب العالمين أعظم من العافية أعظم من الصحة نعمة عظيمة لا غنى كصحة فاحمد الله وإذا كنت صحيحا فأنت غنى لكن الناس لا تقدر هذا الغنى فى هذه الأيام ولا يعرفون قيمة الصحة إلا عندما تزول عنهم ويصابون بالمرض ولا نعيم كطيب نفس حقيقة إذا كان الإنسان فى راحة لا هم ولا غم ولا قلق ولا حزن هذا نعيم لا يعدله نعيم, حقيقة هذه جنة الدنيا أن يكون الإنسان فى راحة وأن يعنى لا يكون فى قلق وهم وغم ونكد وتعب وتعلق بالدنيا بحيث يمسى ويصبح وهو يفكر فى حساباتها, ما بعد هذا الشقاء شقاء ما حصلت من دنياك إلا العناء والتعب هذا من كلام هذا العبد الصالح وكما روى الإمام أحمد أيضا فى الزهد فى ترجمته فى المكان الذى أشرت إليه أنه كان عبدا مملوكا وإذا كان كذلك فكما تقدم معنا لا يمكن أن يكون نبيا لأن النبى ينبغى أن يكون حرا على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه فقال له سيده مرة اذبح لى شاة وائتنى بأطيب شىء فيها فذبح شاة وأتى بقلبها ولسانها فبعد فترة قال اذبح لى شاة وائتنى بأخبث شىء فيها فذبح شاة وأتى بالقلب واللسان قال أمرك عجب أقول لك هاتِ أطيب شىء فيها تحضر القلب واللسان, هاتِ أخبث شىء فيها تحضر القلب واللسان قال: لا شىء أطيب منهما إذا طابا ولا شىء أخبث منهما إذا خبثا حقيقة القلب واللسان إذا طابا يعنى طابت الجوارح كلها وإذا خبثا خبثت الجوارح لها وهذا اللسان هو ترجمان للقلب إن الكلام لفى الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وكما قال أئمتنا الأفواه حوانيت وإذا تكلم الإنسان ظهر العطار والبيطار يعنى ماذا فى قلبك, هذا يظهر عندما تفتح فمك متى ما فتحت فمك يظهر هل فى قلبك خَبَث وخُبْث أو طهارة وطيب إذا تكلم الإنسان ظهر العطار والبيطار إذن لا يوجد شىء أخبث منهما إذا خبثا ولا يوجد شىء أطيب منهما إذا طابا كما قلت قصص ذكره ربنا فى كتابه سبحانه وتعالى ليقرر؟ أمر توحيده وليقرر بعد ذلك الأحكام الشرعية ولتتعلق بهما النفس البشرية من غير قصد ومن غير شعور نعم إخوتى الكرام الحكايات جند من جنود رب الأرض والسماوات يثبت الله بها المؤمنين والمؤمنات وهذا الكلام الحكايات جند من جنود الله مذكور عن العبد الصالح الجنيد بن محمد القواريرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كما نقل ذلك عنه أئمتنا فى كتاب قواعد التصوف صفحة تسع عشرة ومائة الحكايات جند من جنود الله يثبت الله بها من شاء من عباده قال وشاهد ذلك فى كتاب الله عز وجل (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) الحكايات جند من جنود رب الأرض والسماوات يثبت الله بها المؤمنين والمؤمنات ولذلك أَذِن لنا نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام بالحديث عن الأمم السابقة كما قلت لتقرير ما تقدم من أمر التوحيد والأحكام العملية لتسرى الفضائل فى النفس البشرية من دون قصد وشعور من الإنسان ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح البخارى والحديث رواه الإمام الترمذى والدارمى فى السنن ورواه الخطيب فى تاريخ بغداد فى كتاب الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع كما رواه أيضا فى كتاب شرف الحديث والحديث رواه أبو نعيم فى الحلية والطحاوى فى مُشكِل الآثار وهو صحيح صحيح فهو فى صحيح البخارى كما سمعتم من رواية سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ومن كذب علىَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)

(وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج) وهذا الحديث إخوتى الكرام رُوى عن عدد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين رُوى عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه فى مسند الإمام أحمد وسنن أبى داود ومسند الحميدى وصحيح ابن حبان وكتاب مشكل الآثار شرح مشكل الآثار للإمام الطحاوى وشرف أصحاب الحديث للإمام الخطيب البغدادى ورُوى من رواية سيدنا أبى سعيد الخدرى فى مسند الإمام أحمد رُوى من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين فى الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع للخطيب البغدادى وفى كتاب الزهد للإمام أحمد ورواه عبد بن حميد فى مسنده والبزار فى مسنده وعليه ومن رواية عبد الله بن عمرو ومن رواية أبى هريرة وأبى سعيد وجابر بن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين (حدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج) وهذه الجملة إخوتى الكرام تحتمل ست أمور حسان أوردها أئمتنا الكرام انظروها فى الفتح فى الجزء السادس صفحة ثمان وتسعين وأربعمائة أولها ولا حرج عليكم فى التحديث عنهم فقد كان فيهم العجائب ومن التحديث عنهم فوائد كما قلت لتقرير ما تقدم من أمر توحيد الله عز وجل والأحكام العملية (حدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج) لا حرج عليكم فى التحديث عنهم حسبما نُقل فى كتبهم حتما مما لا يدل شرعنا عل فساده وضلاله وزيغه وبطلانه وكذبه هذا لا بد من وعيه إذا ما أمر قرره شرعنا أو أشار إليه أو سكت عنه ويدخل فى دائرة الجائز الممكن الذى لا يُتصور عدمه واستحالته فلا حرج إذاً من التحديث به وإن لم يرد هذا عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إذن ولا حرج عليكم فى أن تحدثوا الثانى عكس هذا المعنى ولا حرج عليكم فى ألا تحدثوا لأن الأمر قد يفهم منه الوجوب

وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج لا حرج عليكم فى ترك التحديث إنما الأمر مما هو جائز فإن فعلتموه لا حرج عليكم وإن تركتموه فلا حرج عليكم إن فعلتموه ففيه خير وإن تركتموه ففى شريعتنا ما يغنى عنه ولا حرج عليكم فى أن تحدثوا ولا حرج عليكم فى ألا تحدثوا لأن الأمر كما قلت قد يفهم منه الإلزام والحتم والوجوب قال ولا حرج فى ترك التحديث والثالثة المراد من الحرج هنا ليس يعنى ما يتعلق بموضوع الحرج فى الدين أنه يجب أو لا يجب لا إنما المراد من الحرج ضيق الصدر وعليه لا تضيق صدوركم ولا تسترعد قلوبكم ما فى تلك القصص من أعاجيب فقد كان فيهم العجب يعنى حدثوا عنهم ولا يحصل حرج فى نفوسكم ضيق استمعان استغراب كان فيهم العجائب حقيقة كان فيهم العجائب وقد تمنى نبينا عليه صلوات الله وسلامه لو صبر كليم الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه مع العبد الصالح الخَضِر حتى يقص علينا من أمرهما العجائب والحديث إخوتى الكرام ثابت فى الصحيح تمنى لو صبر حتى يقص علينا من أمرهما العجائب وقصتهما ذكرت فى سورة الكهف إذا كان فيهم عجائب ولا حرج يعنى ما ينبغى أن يحصل فى نفوسكم حرج ضيق استغراب استبعاد استنكار عندما تنقل تلك العجائب المروية عنهم فقد كان فيهم ذلك المعنى الرابع ولا حرج على من يحكى أخبارهم إذا كان فيها ما يُستشنع للتحذير منها حدثوا عنهم وأنهم قالوا كذا وفعلوا كذا مما هو يمكن أن يقع ومما هو جائز أو مما هو ممنوع حدثوا به وحذروا منه ولا حرج عليكم عندما تقولون إن اليهود قالوا إن عُزيرا ابن الله فعندما نتحدث بهذا لا حرج علينا وإن كان هذا الخبر مستشنعا نتحدث به من أجل أن نحذر منه لا حرج علينا عندما نحكى أخبارهم لنزنها بميزان الشرع المعنى الخامس المراد من بنى إسرائيل أولاد نبى الله يعقوب على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وعليه لا مانع أن نتحدث بأخبارهم حسبما ورد فى كتاب الله عز وجل

وحسبما أشارت سورة نبى الله يوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام قال الحافظ هذا أبعد الأقوال وفيه غرابة, المراد من بنى إسرائيل أولاد نبى الله يعقوب على نبيناو عليه الصلاة والسلام ليست أخبار هذه الأمة من أولها إلى آخرها والمعنى السادس يعنى هو معنى حق نقل عن سيدنا الإمام الشافعى وغيره رضى الله عنهم أجمعين قال حدثوا بما تعلمون صدقه ولا حرج عليكم فى التحديث عنهم بما تجوزونه مما لا تعلمون صدقه ولا كذبهم, ما تعلمون أنه صدق وحق حدثوا به وهذا يعنى انشروه بينكم ثم لا لتعلمون صدقه ولا كذبه, ما يوجد عندنا دليل لا على هذا ولا على هذا لكن كما قلت هو فى دائرة الإمكان فلا حرج عليكم فى التحديث به أيضا ما علمتم صدقه حدثوا به وما لم تعلموا أنتم بالخيار شئتم أن تحدثوا وإن شئتم ألا تحدثوا الشاهد إخوتى الكرام حدثوا عن بنى إسرائيل الحكايات جند من جنود رب الأرض والسماوات يثبت الله بها المؤمنين والمؤمنات وقد حدثنا القرآن عما جرى للأنام فى غابر الزمان وتواترت بذلك الأخبار الحسان عن نبينا عليه الصلاة والسلام وكما قلت لذلك أثر بليغ فى نفس الإنسان استمعوا لحديثين من أحاديث كثيرة وردت فى الحديث عن أخبار من سبقنا الحديث الأول فى مسند الإمام أحمد والصحيحين ورواه الإمام ابن ماجة فى السنن وانظروه فى جامع الأصول فى الجزء الحادى عشر صفحة سبع وسبعين وسبعمائة عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال: إن رجلا فى الأمم السابقة فى بنى إسرائيل اشترى من رجل عقارا (اشترى رجل من رجل عقارا والمراد من العقار هنا الزرع اشترى منه دارا) فحفر فيها فخرج له جرة ذهب فجاء المشترى إلى البائع وقال أنا اشتريت منك الدار ولم اشترِ منك الذهب فهذا مالك خذه فقال البائع انا بعتك الدار بما فيها فهذا الذهب لك لا آخذه (يختصم البائع والمشترى هذا يقول خذ الذهب وذاك يقول هو لك كيف سآخذه ,

وحكم المسألة لو جرت فى شريعتنا إخوتى الكرام: لو أن الذهب يعنى لصاحب الدار وهو الذى دفنه هذا له حتما يعنى يعاد إليه ولعل ذاك لم يدفن الذهب يعنى ظاهر القصة يدل على أنه لا علم له به وأن هذا رزق ساقه الله إلى المشترى هذا كما قلت لو علم أنه لصاحب البيت هو الذى دفنه فينبغى أن يعاد إليه فى شريعتنا وإذا كان من دفين الجاهلية فهذا ركاز والركاز لمن استخرجه ففيه الخمس زكاة وبقية الأخماس له وإن كان هذا المال يعنى ليس من دفين الجاهلية إنما هو عليه علامات الإسلام ولا يُعلم صاحبه يعنى هذه عقار هذه دار تناوب عليها مسلمون والدفين عليه علامة الإسلام ليس هو من دفين الجاهلية فحكمه حكم اللقطة التى لا يعلم صاحبها فهو يمسكها عنده من أجل يعنى الأمانة والتعريف فإذا لم يأت صاحبها حكمها كما قلت حكم اللقطة ينتفع بها فإن عاد صاحبها فى مستقبل السنين هو مكلف بإعادتها لصاحبها على كل حال خذ الذهب وأنا اشتريت العقار يقول أنا بعتك العقار بما فيه والذهب لك اختصما بعد ذلك إلى قاضى ذلك الزمان يعنى انظر للرعية وانظر للقضاة فى ذلك الوقت وحقيقة الأمة إذا انحط صنف منها اعلم أن جميع الأصناف منحطة وإذا ارتقى صنف منها اعلم أن جميع الأصناف راقية ولذلك يعنى إذا نظرت إلى السوق فرأيت فيه انحطاطا فاعلم إن حال المسؤلين أشد انحطاطا وأن حال الدعاة أشد انحطاطا وأن الأمة من أولها لآخرها فى ضلال ضلال, هذا لا بد منه مترابطة ببعضها وعندما ترى الجهل فاشيا فاعلم أن حال العلماء يندى له جبين النبلاء وإذا لو كان هناك علم لحيَّتِ البلاد لكن الانحطاط كما قلت عام ولذلك عالمنا هو عالم من أجهل منه فقط ولكن إذا عُرض مع علماء سلفنا لما استطاع أن يتكلم, عالمنا عالم ممن هو أجهل منه لو وُجد الجهلة من عنده يعنى كلمتان صار من علماء الزمان فى هذه الأيام ونشكو أحوالنا إلى ربنا سبحانه وتعالى

جاريتان إخوتى الكرام انظروا46:38فى زمن الخلافة الإسلامية العباسية جاريتان تمشيان فى عهد أبى جعفر المنصور وكل واحدة تحمل قلة ماء على رأسها وتتناظران فى الأحكام الشرعية فى موضوع الاستثناء فى اليمين هل يجوز الاستثناء فى اليمين بعد اليمين بفترة؟ ولا يجوز الاستثناء إلا إذا كان متصلا متى ما حصل انفصال إلا إذا كان لسعال أو لأمر ضرورى لكن متى ما حصل انفصال بين اليمين والاستثناء ,الاستثناء لغو واليمين انعقدت هل يجوز الاستثناء فى اليمين بعد حين بعد يوم يومين وشهر وسنة يحلف ثم يرجع ويستثنى جاريتان تبحثان فى هذه القصة ذكرت هذا فى موعظة من مواعظ الجمعة السابقة فواحدة قالت: لا يجوز الاستثناء فى اليمين ينبغى أن يكون الاستثناء متصلا وإلا الاستثناء يلغى قالت: ما الدليل ما شاء الله فقيهات ويستقيان الماء كل واحدة القلة على رأسها قالت ما الدليل قالت: كلام الله الجليل أفتى بهذه القصة أفتى فى هذه المسألة فى قصة فى كتابه انظر قصة تأخذ الحكم الشرعى من قصص قالت: وفى أى سورة قالت: عندما حلف نبى الله أيوب على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن يضرب زوجته وما أخطات ولا قصرت لكن هو رضى الله عنه على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ظن أنه جرى منها تساهل فحلف أن يضربها مائة ضربة فالله جل وعلا أفتاه بحيلة شرعية ليبر فى يمينه ولئلا تعاقب زوجته فقال: {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب} [ص/44] والضغث هو الحزمة من الحشيش اليابس يعنى من أعواد مثلا السنبل القمح أو الشعير خذ مائة هذه ماذا تعمل لو ضربت بها عين إنسان لا يتأثر ليس يعنى يده فخذ بيدك ضغثا حشيشها مائة عودا واضرب به ولا تحنث الشاهد لو كان الاستثناء يعلق اليمين لقال الله له استثنِ فيمينه تصبح معلقة بعد فترة ولا يلزمه أن يبر فيها إنما قال (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) تستنبط حكما شرعيا وتقرره من قصص قرآنى هذا رقى الأمة

يقول الإمام الغزالى رحمة الله ورضوانه عليه فى الإحياء يذكر هذا إخوتى الكرام فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة يقول (أكثر أسرار القرآن معبأة فى طى القصص والأخبار فكن حريصا على استنباطها لينكشف لك فيه) أى فى القصص العجائب وانظروا شرح هذا الكلام فى إتحاف السادة المتقين للإمام الزبيدى فى الجزء التاسع صفحة ست وأربعين وستمائة إذن اختصما إلى القاضى الأمة كلها راقية حقيقة خصومة عجيبة هذا المشترى يقول أنا اشتريت العقار ولم اشترِ ذهبا والبائع يقول بعت العقار بما فيه وهذا رزق ساقه الله إليك فليأخذ جرة الذهب ولمَ يريد أن يعيدها إليه فالقاضى حقيقة بهت من هذه الخصمومة الفاضلة الشريفة فقال ألكما ولد أى لك واحد منكما ولد وقيل وُلِد وهو جمع ولد أى وِلْد بضم الواو أو كسرها مع إسكان اللام ولد لك واحد منكما ولد لكما وُلد عندكم أولاد لكما وِلْد فقالا نعم أحدهما قال ابن والآخر قال لى جارية لى غلام ولى جارية قال أنكحوا الجارية الغلام أنكحوا الغلام الجارية زوجوهما وادفعوا هذا المال إليهما وأنفقوا عليهما منه وتصدقوا يعنى أيضا تصدقوا على المساكين وهذا المال اجعلوه لهذين الولدين من هذين الأبوين المباركين لهذين الزوجين حقيقة إخوتى الكرام هذه القصة يرويها لنا نبينا عليه الصلاة والسلام إخوتى الكرام كم فى هذه القصة من معانى فضيلة والأمانة وتأدية الحقوق إلى أهلها وأن الإنسان إذا اتقى الله فى النهاية يحفظه الله أيضا ما خرج المال عنه ذهب إلى ثمرة فؤاده إلى ولده وإلى ابنته وبارك الله له فى داره ورزقهما ذرية طيبة والسعادة اكتملت من جميع الجهات وحصل بعد ذلك اتصال عن طريق المصاهرة بين هاتين الأسرتين كم فى هذه القصة من معانى عندما وُجدت الأمانة وجدت الديانة فى النفوس كم حصل لها من أثر طيب فى العاجل دون يعنى يوجه هذا على أنه افعلوا أو اتركوا قصص المعانى التى فيه تسرى فى النفس من حيث لا يشعر الإنسان

القصة الثانية خبر ثان يرويه لنا أيضا نبينا عليه الصلاة والسلام وهو فى مسند الإمام أحمد وصحيح البخارى ورواه الإمام ابن حبان فى صحيحه أيضا عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه انظروه فى جامع الأصول فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وعشرين وثلاثمائة والأثر كما قلت مرفوع متصل من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه ورواه شيخ الإسلام عبد الرزاق فى مصنفه فى الجزء الحادى عشر صفحة سبع وستين وأربعمائة عن طاووس مرسلا ولم يتصل الحديث إنما قال كان فى الأمم السابقة كذا ولفظ الحديث إخوتى الكرام عن نبينا عليه الصلاة والسلام كما قلت فى رواية البخارى وغيره والحديث متصل صحيح ثابت:

أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بنى إسرائيل سأل بعض بنى إسرائيل أن يقرضه ألف دينار رجل من بنى إسرائيل جاء إلى غنى من بنى إسرائيل أن يقرضه ألف دينار قال هلم بالكفيل ائت بالكفيل قال كفى بالله كفيلا قال صدقت قال هلم بالشهداء ما أحد يكفل الشهود المواثيق قال كفى بالله شهيدا قال صدقت فدفع إليه ألف دينار وحدد موعدا للقضاء فأخذ الألف دينار وذهب وكان بينهما بحر فركب سفينته وذهب إلى جهته لما حان موعد الوفاء جهز ذاك الدنانير وجاء إلى شاطىء البحر ليرى سفينة ليذهب إلى المُقرِض ليعيد إليه حقه وقد جعل الله كفيلا وشهيدا عليه فما تيسرت له سفينة فى ذلك الوقت فخاطب ربه وقال ربى طلب منى شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا طلب منى وكيلا فقلت كفى بالله وكيلا فأدِّ هذا المال إليه وأخذ جزع شجرة فنقره ووضع الدنانير فيه ووضع رسالة ويمم بعد ذلك البحر وطرح هذا الجزع فى البحر وذهب بعد ذلك إلى بيته لما حصل مركبا بعد ذلك حمل ألف دينار أخرى وجاء فذهب إلى صاحبه المقرض , المقرض إخوتى الكرام خرج فى اليوم الذى حُدد للوفاء ينتظر صاحبه أيضا على شاطىء البحر فى الجهة الثانية فما جاء لما صار المساء وما جاء أراد أن يعود إلى بيته وإذا بالأمواج تضرب جزع شجرة قال نأخذها من أجل يعنى أن تكون وقودا لنا جزع شجرة صاحبنا ما جاء لعذر شرعى ما اتهمه نأخذ هذا الجزع ولا نعود بلا فائدة فأخذه فلما ضربه تناثرت الدنانير فأخذ دنانيره وحمد الله وانتفع بهذ الجزع أيضا فعاد صاحبه بعد فترة واعتذر إليه أنه ما حصل مركبا وأخرج له الدنانير قال ما قصتك أخبرنى قال جَهْدت أن أجد مركبا فما تيسر لى فهذا دنانيرك قال اذهب فقد أدى الله عنك ما وضعته أوصله الله جل وعلا أدى الله عنك

فى رواية قال المستقرض قال ذاك لربى وهذا لك يعنى أنا جعلت الله كفيلا وشهيدا فأنا لا أريد أن أخفر ذمة الله ولا أريد أن أغدر مع الله أنا أعطى الحق إذا أوصله لى فبها ونعمت ذاك لربى لكن من أجل أن اتحلل أمام ربى وأن لا يكون منى تقصير نحوه فأما أنت فهذه دنانيرك قال قد أدى الله عنك يعنى يقول لولم تصل لا يضر أنا فقط من أجل أن يعلم الله عذرى دفعت الألف دينار يا اشهد أننى ما قصرت وأما حق ذاك سأعيده إليه بعد حين يا إخوتى الكرام هذه الأمثلة حقيقة ما أعظمها يقول سيدنا أبو هريرة فى القصة الأولى والثانية فلقد رأيتنا يكثر لغطنا عند رسول الله عليه الصلاة والسلام أيهما أعظم أمانة يعنى حقيقة هل البائع أو المشترى هلى المستقرض أو المقرض أيهما أعظم أمانة يعنى ذاك طرح الألف كان بإمكانه أن يقول خلص أنا لا أذهب إن وصلت وإلا أنا57:34وهذا استلم الألف ما عليه لا بينة ولا شهود بإمكانه أن يأخذ ألفا أخرى وذاك كان بإمكانه ألا يطرح حتى الألف لا يوجد كفيل ولا شهيد يا إخوتى الكرام الأمة عندما تكون فى هذا المستوى هنيئا لها هذا القصص الذى يقصه علينا نبينا عليه الصلاة والسلام كما قلت له أثر فى نفس البشر من حيث يشعرون أو لا يشعرون ولذلك إخوتى الكرام قرر أئمة الإسلام أنه عند ذكر الصالحين تنزل رحمات أرحم الراحمين ويرضى رب العالمين يقول سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنه كما فى أُسد الغابة فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وستين ومائة بسنده إلى سيدنا عبد الله بن عباس بسند الإمام ابن الأثيرفى ترجمة الخليفة الراشد سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه قال سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين: أكثروا من ذكر عمر رضى الله عنه وأرضاه أكثروا من ذكره وأخباره فإنكم إذا ذكرتم عمر فإنما تذكرون العدل وإذا ذكرتم العدل فإنما تذكرون ربكم,

هذا كلام سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما أكثروا من ذكر عمر فإنكم إذا ذكرتم عمر فإنما تذكرون العدل , العدل الذى مشى عليه فى هذه السنين الطويلة التى زادت عن العشر سنين وهو يحكم بشريعة رب العالمين والعدل الذى وُجد فى زمنه رضى الله عنه وأرضاه حقيقة يعنى عظيم عظيم الأمة الإسلامية تتسع مساختها وهو ينام بعد ذلك فى ظل شجرة خليفة المسلمين رضى الله عنه وأرضاه حقيقة اذكروا هذا العبد الصالح إذا ذكرتموه تذكرون العدل وإذا ذكرتم العدل فإنما تذكرون ربكم هذا يقوله صحابى رضى الله عنه وأرضاه وهكذا يقول العبد الصالح سيدنا سفيان بن عيينة رضى الله عنه وأرضاه: كان يُقال عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة رحمة أرحم الراحمين وهذا الأثر إخوتى الكرام عن سيدنا أبى محمد سفيان بن عيينة رواه شيخ الإسلام أبو داود فى مسائل الإمام أحمد صفحة ثلاث وثمانين ومائتين بأصح إسناد على وجه الأرض أبو داود عن شيخ الإمام أحمد عن شيخه سفيان بن عيينة هذه السلسلة أبو داود عن أحمد عن شيخه سفيان بن عيينة عند ذكر الصالحين تنزل رحمة أرحم الراحمين وأثر سفيان بن عيينة هذا مذكور فى ترجمته فى الحلية فى الجزء السابع صفحة خمس وثمانين ومائتين ورواه الإمام ابن الجوزى فى أول كتابه صفة الصفوة صفوة الصفوة فى الجزء الأول صفحة خمس وأربعين وأئمتنا تتابعوا على نسبة هذا القول إلى سيدنا سفيان بن عيينة وهو ثابت عنه انظروا المقاصد الحسنة للسخاوى عند ذكر الصالحين عند حرف العين تنزل الرحمة صفحة اثنتين وتسعين ومائتين وانظروا مختصره تمييز الطيب من الخبيث فى صفحة عشر ومائة وانظروا المصنوع فى معرفة الحديث الموضوع صفحة خمس وعشرين ومائة وانظروا الأسرار المرفوعة للشيخ على القارى صفحة خمسين وماتين وانظروا أسمى المطالب صفحة أربعين ومائة والأثر فى غير ذلك من الكتب

وقد وَهِم الإمام الغزالى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فظن أن هذا الكلام من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام فنسبه إلى نبينا عليه الصلاة والسلام على أنه حديث مرفوع فى الإحياء فى الجزء الثانى صفحة واحدة وثلاثين ومائتين قال شيخ الإسلام الإمام أبو فضل العراقى رحمة الله ورضوانه عليه ليس له أصل فى المرفوع وإنما هو من كلام أمير المؤمنين سفيان بن عيينة رضى الله عنهم أجمعين وقال الزبيدى فى شرح الإحياء عند هذا الأثر فى الجزء السادس صفحة واحدة وخمسين وثلاثمائة قال تلميذه يعنى تلميذ أبى الفضل العراقى وهو الحافظ ابن حجر وقال تلميذه بعد أن نقل كلام العراقى أنه لا أصل له فى المرفوع قال وقال تلميذه لا أستحضره مرفوعا إنما هو من كلام سفيان بن عيينة وقد نسبه إلى سفيان الثورى الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وستين ومائة قال الإمام الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين المشهور أنه من كلام سفيان بن عيينة ولا مانع أن يصدر هذا الكلام الحكيم من هذين الحكيمين الصالحين سفيان بن عيينة وسفيان الثورى رضوان الله عليهم أجمعين وكان أئمتنا يتمثلون بهذ الكلام ويقولونه عند ذكر أخبار الصالحين فالإمام أحمد كما نقله عن شيخه سفيان بن عيينة كان يقوله أحيانا دون أن ينسبه إلى شيخه كما فى مناقب الإمام أحمد للإمام ابن الجوزى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه صفحة ثلاث وسبعين ومائتين قال أبو بكر المروزى ذكرت للإمام أحمد الفضيل بن عياض وعُريِّه أى زهده فى هذه الحياة وما كان عليه من عُرى وتقشف وشدة وشظف وذكرت له فتحى الموصلى وعُريه وصبره قال فتغرغرت عينا أبى عبد الله بالدمع وقال رحمهما الله كان يقال عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة

إذن يقوله سفيان بن عيينة يقوله الثورى يتمثل به ويقوله سيدنا الإمام أحمد رضوان الله عليهم أجمعين وقد ثبت فى علوم الحديث للإمام ابن الصلاح صفحة ثمان وستين وثلاثمائة قال رُوِّينا عن أبى عمرو إسماعيل بن نجيد قال سألت أبا جعفر أحمد بن حمدان وكانا عبدين صالحين من السائل أبو عمرو إسماعيل بن نجيد سألت أبا جعفر أحمد بن حمدان: بأى نية أكتب الحديث يعنى ماذا أنوى عندما أكتب حديث النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال له أبو جعفر أحمد بن حمدان: ألستم ترْوُون ألستم ترَون ألستم تُرون هذه ثلاثة أوجه من الضبط انتبهوا لها وأبين توجيهها إن شاء الله ألستم ترْوُون ترَون تُرون أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة قلت بلى قال فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الصالحين وأكتب الحديث بهذه النية أنك ترحم عندما تكتب حديثه عليه الصلاة والسلام وعندما تذكره تتذكر حاله وما كان عليه صلوات الله وسلامه فتقتدى به وتنزل رحمة الله عليك عندما تذكر النبى عليه الصلاة والسلام: ألستم ترْوُون ترَون تُرون أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة قلت بلى قال فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الصالحين قال الشيخ على القارى فى الأسرار المرفوعة فى المكان المتقدم صفحة خمسين ومائتين إن كان تروون بواوين تروون هذا يدل على أنه حديث وأنه له أصل أنتم تروون أى كأنه فهم الشيخ على القارى عن نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام إذاً حديث وله أصل وإن كان تَرون بمعنى تعتقدون وتعلمون تُرَون بمعنى تظنون فإذاً هذا ليس بحديث إنما أنتم ترون ذلك وأنتم تظنونه وهذا حق لا شك فيه

أقول والعلم عند العزيز الغفور على الضبط الأول تروون لا دلالة فيه على انه حديث وأنه مرفوع لأنه يحتمل تروون عن غيركم من الصالحين ألستم تروون عن الصالحين أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ولا يشترط تروون عن نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يعنى على الاحتمالات الثلاث لا داعى أن يقال هذا من كلام النبى عليه الصلاة والسلام لأنه أئمتنا قالوا لم يثبت مرفوعا إنما هو من كلام العبد الصالح سفيان الثورى سفيان بن عيينة أئمتنا كانوا يقولونه وهو حق لا شك فيه قال ابن قدامة فى كتابه مختصر منهاج القاصدين صفحة اثنتى عشرة ومائة إن الإنسان إذا لاحظ أحوال السلف فى الزهد والتعبد احتقر نفسه واستصغر عبادته فيكون ذلك داعية إلى الاجتهاد ولهذه الدقيقة وبهذه الدقيقة يُعرف سر قول القائل عند ذكر الصالحين تنزل رحمة رب العالمين إذن عندما نلاحظ أحوال السلف ندرس أخبارهم هذا يدعونا إلى أن نحتقر نفوسنا أن نعلم أننا مقصرون فى عبادة ربنا هذا يدفعنا بعد ذلك إلى الجد والاجتهاد فى طاعة خالقنا قال وبذلك يعلم سر قول القائل من هو ما سماه وهو معروف عند ذكر الصالحين تنزل رحمة أرحم الراحمين وقال شيخ الإسلام الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله عند أثر سيدنا سفيان فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وستين ومائة انتبه: من قرأ فضائل الإمام مالك وفضائل الإمام الشافعى وفضائل الإمام أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين بعد فضائل الصحابة والتابعين وعُنى بها ووقف على كريم سيرهم هديهم كان له ذلك عملا زاكيا نفعنا الله بحب جميعهم هذا كله كلام الإمام ابن عبد البر قال سفيان الثورى عند ذكر الصاحين تنزل الرحمة

إذن من قرأ فضائل الإمام مالك وفضائل الإمام الشافعى وفضائل الإمام أبى حنيفة ضموا إليهم الفقيه الرابع ما ذكره الإمام ابن عبد البر وهو يرى كما فى كتابه الانتقاء فى فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء أن الإمام أحمد رضى الله عنهم أجمعين يعنى عِداده من المحدثين أقوى من عداده من الفقهاء المجتهدين ولذلك ما أورده ضمن الفقهاء فى كتابه الانتقاء بدأ بالإمام مالك فمن حقه أن يبدأ بإمام مذهبه فى الانتقاء ثم ثنى بالإمام الشافعى ولا حجر فى ذلك فهو تلميذ الإمام مالك فإنه يشيد أيضا بشيخه لأن هذا من تلاميذه ثم ختم الكتاب بترجمة سيدنا أبى حنيفة ترجمة فى منتهى الإنصاف والجودة والجمال والجلالة رضى الله عنه وعن أئمتنا وما تعرض للإمام أحمد لهذا السبب, تغلب عليه الصفة الحديثية أكثر من الصفة الفقهية رضوان الله عليهم أجمعين على كل حال إخوتى الكرام من قرأ فضائل الإمام مالك وفضائل الإمام الشافعى وفضائل الإمام أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين إذا قرأ فضائلهم بعد فضائل الصحابة والتابعين وعنى بها ووقف على كريم سيرهم وهديهم كان ذلك له عملا زاكيا انتبه لهذا الأدب نفعنا الله بحب جميعهم قال سفيان الثورى عند ذكر الصاحين تنزل رحمة أرحم الراحمين ثم ختم الفصل بكلام سيدنا أبى داود رضى الله عنه وأرضاه قال رحم الله مالكا كان إماما رحم الله الشافعى كان إماما رحم الله أبا حنيفة كان إماما هذا ختام الفصل الذى أورده فيما يتعلق بالكلام على أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين إذن حقيقة عند ذكرهم تنزل الرحمة إخوتى الكرام ما المراد بالرحمة التى تنزل عند ذكرهم؟

كنت وجهت الأثر سابقا واعترض بعض أهل السفاهة ممن همهم الاعتراض فى زمن الضلال والفساد, اعترض على هذا الأثر وقال هذا كلام كبير وما حُدد مصدر لهذا القول ما حدد مصدره يعنى هذا ينسب إلى سفيان من أين أخذ ما هو المصدر وكما ترون لم يُذكر أثر إلا ويُعزى إلى مصدره بصفحة أو بجزء وصفحة والأثر ثابت وقلت بأصح إسناد عن أبى داود عن الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة يعنى لا يوجد أعلى من هذا الإسناد أئمة فى منتهى درجات التوفيق رضى الله عنهم وأرضاهم وهم يوثقون من عداهم يروون هذا الكلام ويذكرونه ما بقى بعد هذا الثبوت ثبوت يقول ما يعلم مصدر هذا الكلام ثم قال لو سلمنا أنه قاله سفيان بن عيينة كل أحد يؤخذ من قوله ويترك فسفيان بن عيينة أخطأ والإمام أحمد أخطأ وأبو داود أخطأ, كان ماذا هم رجال ونحن رجال ونرد كلامهم لأننا على ضلالة يا رجل نسأل الله أن يعرفنا بقدر نفوسنا لنقف عن حدنا قال افرض أنه ثيت إذاً ليس موضوع ثبت أو لا ,الموضوع هى فى النهاية لن تقبل هى لو ثبت على تعبيرك لم تقبل وهو ثابت لا يقبل وقلت لكم إخوتى الكرام أهل البدع دائما يقفون نحو النصوص موقفين: الموقف الأول ينازع فى الثبوت فإذا ثبت لا يسلم المعنى يعنى يأول ويخرج النص وهذا إما يرد وإما أن يأول يا عباد الله اتقوا الله فى أنفسكم كلام حق يتناقله أئمتنا يأتى نتسفه نحن فى هذا العصر على هذا الكلام قلت معنى هذا الأثر عندما نذكر اخبار الصالحين يدل ذكرنا لهم على محبتنا إياهم أوليس كذلك؟ هذا يدعونا للاقتداء بهم هذه الحالة يحبها الله أو يكرهها؟ يحبها الله فإذا أحبها رحمنا ورضى عنا استمع لتعليل الإمام الغزالى لهذا القول فى الإحياء فى الجزء الثالث صفحة واحدة وثلاثين ومائتين وانظروا أيضا زيادة تعليق عليه فى شرح الإحياء فى الجزء السادس صفحة واحدة وخمسين وثلاثمائة يقول الغزالى رحمة الله ورضوانه عليه وعلى المسلمين أجمعين1:15:28:

الفقه وللوعى وللبصر والبصيرة ويكفى فى تغيير الطبع مجرد سماع الخير والشر فضلا عن مشاهدته يعنى طبع الإنسان يتغير لسماع خبر فضلا عن رؤية ذلك الأمر فى الخير أو فى الشر يكفى فى تغيير الطبع سماع الخبر يعنى قد تسمع خبرا خَيِّرا فتحسن حالك وقد تسمع خبرا سيئا فسوء حالك وتقتدى به ولذلك إخوتى الكرام جئنا يعنى بأن لا نذكر أخبار السوء وأن نقلد منها ما أمكن إلا من أجل التحذير ضمن ضوابط شرعية لأنه إذا انتشرت هذه الأخبار يخف وقعها على القلوب يخف فإذا خف وقعها بعد ذلك النفوس لا تستنكرها ولذلك يكون عندها قابلية لفعلها وكلما كان الإنسان بعيدا عن هذا كان أولى ولذلك يعنى فى وصف النساء على وجه الخصوص (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات) غافلة فيها صفة الغفلة صفة البلاهة وهذا حقيقة من الصفات الطيبة فى المرأة هى ليس لا تفعل الشر لا تعرفه ولا تفكر فيه ولا تعلم أنه يوجد فى الأرض الزنا واتصال محرم وغناء وقلة حياء هى لا تعلم هذا فضلا عن يعنى الامتناع عنه لا هى لا تعلم هى فقط لا تمتنع هى هذا لا يدور فى ذهنها أسباب الريبة لا تخطر على بالها هذه صفة حسنة فى الإنسان بلاهة سلامة صدر وليس المراد من البلاهة العباطة لكن حقيقة نفس سليمة سليمة لا تفكر فى هذا استمع ماذا يقول الإمام الغزالى عليه رحمة الله: ويكفى فى تغيير الطبع مجرد سماع الخير والشر فضلا عن مشاهدته وبهذه الدقيقة يعرف سر قوله صلى الله عليه وسلم عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة وقلت وَهِمَ والحديث ليس مرفوعا إنما هو من كلام سلفنا سفيان بن عيينة سفيان الثورى الإمام أحمد أئمة الإسلام كلهم يتناقلون هذا على كل حال نريد توجيه فقط هذه الجملة بأى شىء سيوجهها كيف تنزل الرحمة عندما نذكر الصالحين قال:

وإنما الرحمة دخول الجنة ولقاء الله وليس ينزل عند الذكر عين ذلك ولكن سببه يعنى سبب لقاء الله سبب دخول ينزل ما هو وهو انبعاث الرغبة من القلب وحركة الحرص عل الاقتداء بهم والاستنكاف عما هو ملابس له من القصور والتقصير ومبدأ الرحمة فعل الخير ومبدأ فعل الخير الرغبة ومبدأ الرغبة ذكر أحوال الصالحين إذن مبدأ الرحمة فعل الخير مبدأ فعل الخير الرغبة مبدأ الرغبة ذكر أحوال الصالحين فهذا معنى نزول الرحمة والمفهوم من فحوى هذا الكلام عند الفطن كالمفهوم من عكسه وهو أنه عند ذكر الفاسقين تنزل اللعنة لأن كثرة ذكرهم تهون على الطبع أمر المعاصى واللعنة هى البعد ومبدأ البعد من الله هو المعاصى والإعراض عن الله بالإقبال على الحظوظ العاجلة والشهوات الحاضرة لا على الوجه المشروع ومبدأ المعاصى سقوط ثقلها وتفاحشها عن القلب ومبدأ سقوط الثقل وقوع الأنس بها لكثرة السماع وإذا كان هذا حال ذكر الصالحين والفاسقين فما ظنلك بمشاهدتهم يعنى عندما يذكر الإنسان الصالحين تنزل الرحمة يقول المراد أسباب الرحمة لأن الذى يوصل إلى الرحمة فعل الخير ومبدأ فعل الخير الرغبة فيه ومبدأ الرغبة أن تذكر أخبار من تقتدى به فى الخير وعليه عندما تذكرهم تنزل الرحمة يعنى ينزل سبب الرحمة ماذا يوصلك إلى الرحمة هذا هو الكلام وليس معناه تنزل الرحمة يعنى عندما نذكر أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه ينزل على تعبيرهم الغيث والقطر وأنه لا داعى لصلاة الاستسقاء كما يقول هؤلاء السفهاء قال عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة يعنى ينزل المطر فلا داعى للاستسقاء وقال أنت الآن تدعو لتعطيل صلاة الاستسقاء!!! انظر للسفاهة من السفهاء فى هذه الأيام هذا هو معنى الأثر يا إخوتى هذا معنى الأثر وهكذا عند ذكر الفاسقين تنزل اللعنة أى أسباب اللعنة لأن سبب اللعنة فعل المعصية ومبدأ فعل المعصية الرغبة فيها ومبدأ الرغبة ذكر أخبار الفاسقين الذى يشجعنا على فعل الفسق كما يفعلون

وهذا إخوتى الكرام حقيقة لا بد من وعيه يقول الخبر فى أول الأمر يكفى فى تغيير الطبع مجرد سماع الخبر والشر فضلا عن مشاهدته وتقدم معنا كلام سيدنا سفيان رضى الله عنه وأرضاه ويراد منه سفيان الثورى النظر إلى وجوهكم خطيئة مكتوبة أى إلى وجوه الحكام الظلمة عندما قال هذا الكلام تقدم معنا العبد الصالح محمد بن أسلم الطوسى عندما قال لأمير زمانه علامَ تنظر وقد كان عمر بن الخطاب ينظر إلى السماء وهو وشراك نعله خير منك لعبد الله بن طاهر وهو أمير خراسان قال بلغنى عن سفيان أن النظر إلى وجوهكم خطيئة مكتوبة فالسماع له أثر فكيف بالنظر ,هذا له أثر أكثر ولذلك إخوتى الكرام عندما سنتدارس أخبار أئمتنا ساداتنا أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين سنرى حقيقة أخبارهم فى إخلاصهم لله واتباعهم لحبيبنا سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وسنر جدهم واجتهادهم فى طاعة الله واحتراسهم ومحاسبتهم لنفوسهم رضى الله عنهم وأرضاهم حقيقة هذا يدعونا للاقتداء بهم وهذا كما قلت من حقهم عينا يعنى عندما سنتدارس فقههم لا بد من أن نقف على أحوالهم نقرأ فقه من؟ لا بد حقيقة إخوتى الكرام من أن نعرف أخبار أئمتنا وأنا أذكر كانت عندنا مادة أعلام الإسلام فى الثانوية الشرعية حقيقة لها أثر كبير فى كل سنة يدرس مثلا قرابة عشرين علما من أعلام المسلمين فى مادة يعنى لها دروس كاملة منهج وكتاب حقيقة له بذلك أثر يعنى طالب العلم لا بد من أن يرى هذا الإسلام متجسدا فى صورة أناس عملوا به كأنه يرى الإسلام حيا فيرى الإمام ابن الجوزى يرى الإسلام يرى سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه يرى الإسلام يرى سيدنا أبا بكر يسمع أخبارهم يرى الإسلام ويسمع الإسلام

وهكذا عندما يسمع أخبار أئمة الإسلام أخبار أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد كأنه قرأ كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام لأن هذه الأفعال وهذه الأحوال هذه القصص التى تروى عنهم كلها مستسقاة من هدى الله وكتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه ولذلك إخوتى الكرام سنتدارس أخبارهم رضى الله عنهم وأرضاهم إخوتى الكرام أئمة الإسلام كما أنه عند ذكرهم تنزل رحمة ذى الجلال والإكرام أيضا عند ذكرهم يُذكر ربنا وعند ذكر الله يذكرون فيذكرون عند ذكر الحى القيوم ويذكر ربنا جل وعلا عندما يذكر أئمة الإسلام رضوان الله عليهم أجمعين أذكر ما يدل على ذلك على هذا الأمر من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام فى أول الموعظة الآتية ونشرع فى مدارسة فقيه الملة أول الفقهاء الأربعة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم وعن أئمة المسلمين والمسلمين أجمعين نشرع كما قلت فى هذا فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

016

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام شرعنا فى مدارسة الأمر الثانى من المقدمة التى سنتدارسها قبل البدء بدروس الفقه وقلت هذه المقدمة ستدور على أمرين اثنين: الأمر الأول مر الكلام عليه فى تعريف علم الفقه ومنزلته وفى وجوب الاحتكام إلى شريعة ذى الجلال والإكرام والأمر الثانى كما قلت فى ترجمة موجزة لأئمتنا الفقهاء الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين ,قدمت للإمر الثانى إخوتى الكرام بمقدمة فى الموعظة الماضية وهى فى منزلة ذكر الصالحين فى الدين فقلت هذا لون من ألوان الدعوة إلى رب العالمين وهذا البحث كما قلت ليس من باب النافلة والاستطراد إنما ينبغى أن يعتنى به أهل الرشاد فعدا عن حق أئمتنا علينا وعدا عن تقربنا بذلك إلى ربنا عدا عن هذين الأمرين كما قلت أن النفس البشرية تستروح إلى القصة والخبر ثم بعد ذلك عندما تسمع تسرى فيها أمور الخير التى تحتويها هذه القصة من حيث لا تشعر النفس البشرية وعليه كما قلت نحن بذلك نحصل فائدة عندما نسمع أخبار أئمتنا وهذا كما قلت نشبع به الشعور النفسى الشعور الفطرى فى نفوسنا ثم بعد ذلك نهذب أنفسنا يعنى من حيث لا نشعر عندما نعلم أحوال أئمتنا وهذا يدعونا للابتداء بهم رضوان الله عليهم

إخوتى الكرام آخر ما ذكرته فى الموعظة الماضية أنه عند ذكر الصالحين تنزل رحمات رب العالمين سبحانه وتعالى وقلت إن هذا الأثر ثابت عن أئمتنا الكرام الطيبين قاله سفيان بن عيينة وقاله سفيان الثورى وأيضا استشهد به أئمة الإسلام الإمام أحمد ومن بعده رضوان الله عليهم أجمعين وقلت أنه كلام حق ومعتبر عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة وبينت معناه ووجهت هذا القول ونقلته كلام الإمام الغزالى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى توجيهه وبيان معناه وقلت إخوتى الكرام سنبدأ فى أول الموعظة بأمر يسير تكلمة للأمر الذى تدارسناه فى الموعظة الماضية ثم ندخل فى ترجمة سيدنا إبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه هذا الأمر إخوتى الكرام الذى بقى علينا قلت كما أنه عند ذكر الصالحين تنزل رحمات رب العالمين أيضا عند ذكرهم يذكر رب العالمين سبحانه وتعالى كما أنه عند ذكر الله يُذكر أولياء الله وقد أشار إلى ذلك نبينا رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثبت فى مسند الإمام أحمد والأثر رواه أبو نعيم فى الحلية والحكيم الترمذى من رواية سيدنا عمرو بن الجموح الأنصارى رضى الله عنه وأرضاه والأثر رواه الطبرانى فى معجمه الكبير عن عمرو بن الحنق فهو عن صحابين عن عمرو بن الجموح وعن عمرو بن الحنق رضى الله عنهم أجمعين وفى إسناد الحديثين رِشدين بن سعد الإمام الصالح من بلاد مصر قال عنه الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء الأول صفحة تسع وثمانين ضعيف فيه رشدين بن سعد ضعيف وإطلاق الضعف فيه يحتاج إلى شىء من التفصيل كما قال الحافظ فى التقريب قال ضعيف ورجح أبو حاتم بن لهيعة عليه رجح ابن لهيعة عليه قال وكان أى ابن رشدين وكان رجلا صالحا فى دينه لكن فأدركته غفلة الصالحين فكان يهِم ويخطىء وقد أخرج حديثه الترمذى فى السنن والإمام ابن ماجة وتوفى سنة ثمان وثمانين بعد المائة عليه رحمة الله ورضوانه ومعنى الحديث إخوتى الكرام ثابت صحيح فى آثار كثيرة

ولفظ الحديث عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال: لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض فى الله فإذا أحب فى الله وأبغض فى الله استحق الولاية من الله صار وليا لله عز وجل استحق الولاية من الله, قال الله عز وجل وإن أوليائى من عبادى وأحبائى من خلقى الذين يذكرون بذكرى وأذكر بذكرهم فإذا ذكرت ذكروا فهم أوليائى وهم أحبابى وإذا ذكروا ذكرت وأنا سيدهم ومالكهم سبحانه وتعالى إذن يذكرون بذكرى وأذكر بذكرهم والحديث كما قلت ما فى إسناده من تُكُلم فيه إلا هذا العبد الصالح الذى أخذته غفوة الصالحين رشدين بن سعد عليه رضوان رب العالمين وهذا النعت إخوتى الكرام لأولياء الله المتقين هو المذكور أيضا فى ما أنزل على أنبياء الله السابقين على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه روى شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك فى كتاب الزهد والرقائق صفحة واحدة وسبعين والأثر فى المسند والأثر رواه الإمام أحمد فى كتاب الزهد فى صفحة أربع وسبعين وهو من أخبار أهل الكتاب السابق من أخبار نبى الله موسى على نبينا وعليه وصحبه صلوات الله وسلامه قال نبى الله على نبينا وعليه وصحبه صلوات الله وسلامه مخاطبا ربه جل وعلا: رب أخبرنى عن أهل الذين هم أهلك فقال المتحابون فىَّ الذين يعمُرون مساجدى بذكرى ويستغفرونى بالأسحار الذين إذا ذكرت ذكروا وإذا ذكروا ذكرت هم الذين يُنِيبون إلى طاعتى كما تنيب النسور إلى وكورها

يرجعون إلى طاعة الله ويلازمونها كما تلازم النسور أوكارها أو بيوتها ويَكلفَون بحبى أى يتعلقون يكلفون بحبى كما يكلف الصبى بأمه ويغضبون لمحارمى إذا انتُهكت كما يغضب الليث الحَرِب أى إذا غضب وأراد أن ينتقم يغضبون لمحارمى إذا انتهكت كما يغضب الليث الحرب يُنِيبون إلى طاعتى كما تنيب النسور إلى وكورها يكلفون بحبى كما يكلف الصبى بأمه يغضبون لمحارمى إذا انتُهكت كما يغض الليث الحَرِب الأسد إذا غضب وأراد أن ينتقم حقيقة يذكر الله إذا ذكر أولياء الله ويذكر الصالحون إذا ذكر الحى القيوم ولذلك عند ذكرهم تنزل رحمة الله جل وعلا وكما قلت إخوتى الكرام لذكرهم أثر كبير على نفوس العباد فالسعيد السعيد من وُفق لذكرهم ومحبتهم وتعلق بهم رضوان الله عليهم أجمعين ذكر الإمام ابن الجوزى فى أول كتابه صفة الصفوة فى الجزء الأول صفحة خمس وأربعين بعد الأثر المتقدم عن سيدنا سفيان بن عيينة نقل هذا الأثر عن محمد بن يونس أنه قال: ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين وقال العبد الصالح خلف بن حوشب وهو من العلماء الربانيين روى له البخارى فى صحيحه تعليقا والإمام النسائى فى خصائص سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه قال: ما رأيت للقلب أنفع من أخلاق القوم أى ذكر أخلاق القوم أخلاق الصالحين فإذا ذكرها الإنسان كما قلت يعنى تسرى معانيها فى ذراته من حيث لا يشعر إخوتى الكرام هذا كما قلت فى المقدمة للأمر الثانى من مقدمتنا فى دروس الفقه عندما نتدارس أخبار أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين كما قلت لذلك فوائد كثيرة أبدأ إخوتى الكرام بعد ذلك بمدارسة أول الفقهاء الأربعة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين

إخوتى الكرام كما وعدت فى الموعظة الماضية أن مدارستنا لكل واحد من أئمتنا ستكون فى موعظة ويعلم ربى جلست اليوم وقتا طويلا لأضغط ما يتعلق بترجمة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه يعنى ليتم الكلام عليه فى موعظة ما أظن أن الأمر سيحصل فعلى كل حال يعنى لعلنا نضاعف الأمر لتكون ترجمة كل إمام فى موعظتين لنأخذ كما يقال فكرة واضحة عن الإمام واصبروا وما صبركم إلا بالرحمن إخوتى الكرام يعنى دراستنا للفقيه الأول رضى الله عنه وأرضاه ستقوم على أربعة أمور سنتدارس أمرين فى هذه الموعظة فيما يتعلق بنسبه وطلبه هذا الأمر الأول والثانى فيما يتعلق بثناء العلماء عليه رضوان الله عليهم أجمعين , بقى بعد ذلك طريقته فى التفقه فى الدين وما اعتُرض على هذه الطريقة من قِبل الواهمين يأتينا الكلام على هذا فى الأمر الثالث والأمر الرابع أختم به ترجمته حاله مع الله عز وجل فى عبادته وزهده وورعه ومحاسبته لنفسه رضى الله عنه وعن أئمتنا أجمعين فلنأخذ الأمرين كما قلت الأُوليين فى ترجمة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه إخوتى الكرام أما فيما يتعلق بفقيه الملة وأول الأئمة وهو الإمام الأعظم فقيه العراق والمعظم فى الآفاق أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زُوطى على وزن موسى أو على وزن سَلمى زَوطى أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زُوطى بن زَوطى وزَوطى قيل لقب واسم زَوطى زُوطى اسمه النعمان وعليه أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزوبان وهو فارسى الأصل رضى الله عنه وأرضاه من الفرس رضى الله عنه وأرضاه أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن النعمان والجد النعمان أو زُوطى زَوطى قيل لقب وقيل اسم ثان له والعلم عند الله جل وعلا,

على كل حال أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن النعمان بن المرزوبان وُلد سنة ثمانين وتوفى سنة خمسين بعد المائة من هجرة نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أسلم جد وهو النعمان زُوطى زَوطى أوليس كذلك؟ أسلم جده ووُلد له ثابت وهو والد سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين ووُلد له ثابت فى عهد سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه فحمل النعمان زُوطى زَوطى ولده ثابتا إلى سيدنا على ليُبرِّك عليه ليدعو له بالبركة فقرأ عليه ودعا له ومسح عليه فنالته البركة ولذلك كان حماد ولد سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين يقول إنا لنرجو البركة التى دعا لنا بها علِى رضى الله عنهم وأرضاهم لأن والد سيدنا أبى حنيفة دعا له سيدنا علِى قرأ عليه مسح عليه وزُوطى زَوطى الذى هو النعمان أسلم ووالد سيدنا أبى حنيفة أسلم ووُلد فى الإسلام والد سيدنا أبى حنيفة وهو ثابت والإمام أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه وُلد فى عصر النور والإسلام أيضا وقد رأى سيدنا أنس بن مالك باتفاق أئمتنا لكن اختُلف فى رؤية غيره من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فقيل رأى ستة وقيل أكثر وقيل أقل وفى ذلك نزاع الذى يهمنا أنه رأى سيدنا أنس بن مالك بلا شك هذا باتفاق أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين وسيدنا أنس رضى الله عنه وأرضاه كان يسكن البصرة وبها توفى, وتوفى سنة اثنتين وتسعين أو ثلاث وتسعين من هجرة نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وعليه كان عُمْر سيدنا أبى حنيفة اثنتى عشرة أو ثلاث عشرة سنة وكان سيدنا أنس كثيرا ما يأتى إلى الكوفة فرآه سيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه قيل سمع منه وروى عنه وقيل رآه دون سماع أما الرؤيا ثابتة بيقين وعليه أبو حنيفة من التابعين وهذه منقبة عظيمة جليلة لهذا الإمام الكريم العظيم لم تثبت لغيره من الأئمة الأربعة الكرام الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين

والتابعون لهم فضل عظيم إخوتى الكرام لهم فضل عظيم فى الدين روى الإمام الترمذى فى سننه وقال هذا حديث حسن غريب والحديث رواه الإمام ابن أبى عاصم فى كتاب السنة ورواه أبو نعيم فى كتاب المعرفة معرفة الصحابة ورواه الإمام الضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة والحديث تقدم معنا ضمن مواعظ الجمعة وقلت إنه صحيح صحيح صحيح وقد حسنه الإمام الترمذى وصححه الضياء المقدسى وصححه جم غفير من أئمتنا ولفظ الحديث عن سيدنا جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تمسوا النار مسلما رآنى ولا رأى من رآنى لا تمسوا النار مسلما رآنى وهو الصحابى ولا رأى من رآنى وهو التابعى رضوان الله عليهم أجمعين وتقدم معنا إخوتى الكرام ما يتعلق بهذا الحديث وقلت لا ينزل عن درجة الحسن وتقدم أنه فى إسناده موسى بن إبراهيم الأنصارى رضى الله عنه وأرضاه وقلت إنه من أهل السنن الأربعة إلا سنن أبى داود فلم يروِ له الإمام أبو داود وتقدم معنا أنه صدوق مبارك ووُثق من قِبل جم غفير من أئمتنا وما ضعفه أحد وتقدم معنا أن تشويش المشوشين على هذا الحديث قلت إخوتى الكرام تشويش باطل ويكفى فى بطلانه أنهم هم حسنوا الحديث الذى من طريق موسى بن إبراهيم الأنصارى فى رواية أخرى وهى (فيكم من يستحضرها) أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله فالحديث مروى بنفس الإسناد من طريق موسى بن إبراهيم الأنصارى رواه الترمذى وقال هذا حديث حسن غريب كما قال عن هذا وقال لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم الأنصارى حسن غريب والحديث رواه الإمام ابن ماجة وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله أيضا من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين الحديث الثانى وافقوا الترمذى فى تحسينه والحديث الأول خالفوا الترمذى فى تحسينه لمَ؟

ما عندهم نهج مستقيم يسيرون عليه فى الدين فالإسنادان فيهما موسى بن إبراهيم وهو صدوق لا ينزل حديثه عن درجة الحسن وُثق من قِبل جم غفير من أئمتنا وما ضعفه أحد, هناك يضعف الحديث من أجل موسى بن إبراهيم لا من أجل علة أخرى وهنا انفرد بالرواية يحسن الحديث كما قلت هذا حال المعاصرين ولما كلمت بعض الإخوة الذين فعلوا هذا قال لا علم لى بذلك يحتاج الأمر إلى مراجعة مرة ثانية قلت الحديثان من طريق هذا العبد الصالح والترمذى يقول غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم وأنت هناك تحسن وهنا تضعف لمَ؟ هنا فى الحديث استغربته بعقلك بناء عليه تقول إنه ضعيف لا تمسوا النار مسلما رآنى ولا رأى من رآنى يعنى هكذا عقلك ما راق له الحديث قلت إنه ضعيف!!! يا عبد الله ما هكذا تورد الإبل حديث صحيح كما قلت والحديثان ثابتان حسنهما الإمام الترمذى والإمام الترمذى إمام هُمام يدرى ما يخرج من رأسه فإذا حسن لموسى بن إبراهيم سيلزم هذا التحسين وأما انظر لحال المتناقضين هنا يحسن له وهنا يضعفه وتقدم معنا مَن وقعوا فى هذا من المعاصرين وقلت إن كلامهم مردود عليهم كما يرد عليهم سائر شذوذهم الذى يقعون فيه فى هذا الحين وهذا مما يلزمنا باتباع أئمتنا المتقدمين وترك ما أحدثه من أحدثه من المتأخرين فى هذا الحين, الحديث صحيح وهذه كما قلت منقبة عظيمة لسيدنا أبى حنيفة فهو مسلم وهوشيخ المسلمين فى زمنه وقد رأى بعض الصحابة الكرام الطيبين فهنيئا له عند رب العالمين, لا تمسوا النار مسلما رآنى ولا رأى من رآنى إذاً هو تابعى وأبوه كما قلت وُلد فى الإسلام وجده النعمان زُوطى زَوطى أسلم ولما أيضا وُلد له ثابت كما تقدم معنا أتى به إلى سيدنا على وكان سيدنا على يداعب النعمان زَوطى زُوطى فأهدى له مرة فالوزجا وهى نوع من الحلوى فسأله ما هذا قال هذا يعنى كنا نأكله أيام النيروز والمِهرجان يعنى عند الفرس

فقال نيرزون كل يوم مَهرِجون كل يوم إذا عندكم هذا الطعام الطيب هاتوا منه بكثرة سيدنا على يقول لجد سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين نيرزون كل يوم ما دام هذا الطعام كنتم تأكلونه أيام النيروز ووقت معين يحتفلون فيه يعنى عند الفرس وهكذا المِهرجان فمَهرِجون ونيرزون وهاتوا الفالوزج يعنى على الدوام باستمرار فأحضر له كما قلت ولده ثابتا فدعا له الجد أسلم والأب ولد فى الإسلام وسيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه من التابعين الكرام كما قلت رأى سيدنا أنس بن مالك رضى الله عنهم أجمعين تحصيله للعلم وجده اجتهاده فى ذلك لا زلنا ضمن الأمر الأول فى نسبه وتحصيله ثم فى الأمر الثانى فى ثناء العلماء عليه رضوان الله عليهم أجمعين حقيقة إخوتى الكرام جَدَّ جدا واجتهد اجتهادا فى طلب العلم لا نظير أحصى أئمتنا شيوخ سيدنا أبى حنيفة فبلغوا أربعة آلاف شيخ تلقى العلم عن أربعة آلاف شيخ ممن؟

من كبار التابعين رضوان الله عليهم أجمعين يعنى كما قلت الطبقة التى هو فيها هو الآن من صغار التابعين أدرك سيدنا أنس بن مالك لكن الذين تلقى العلم عنهم هؤلاء من كبار التابعين رضوان الله عليهم أجمعين عن أربعة آلاف شيخ يتلقى العلم كما فى سائر الكتب التى ترجمت ولا أريد أن أحدد يعنى كما يقال أجزاء وصفحات فى ذلك يعنى فى الخيرات الحسان فى مناقب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان للحافظ ابن حجر الهيثمى وهو شافعى يترجم لسيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين وقد ألف كتابا قبل هذا فى تراجم سيدنا أبى حنيفة عندما جاء بعض المشايخ الكرام من القسطنطينية وأعطاه نسخة واحتفظ بنسخة ثم استعار منه بعض مَن يغفر الله لنا ولهم وأحيانا بعض الناس يعنى يستعير ولا يبالى فاستعار هذه النسخة وأهملها حتى ضاعت فحَزِن عليها الحافظ ابن حجر وما عنده إلا هى فى مناقب سيدنا أبى حنيفة فأراد أن يكتب كتابا آخر ثم عثر على كتاب سيدنا أبى حنيفة وهو عقود الجمان فى ترجمة الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمحمد بن يوسف الصالحى صاحب كتاب سبل الرشاد فى سيرة نبينا خير العباد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فاختصر المجلد الكبير وهو مطبوع أيضا فى هذا الكتاب الصغير سماه الخيرات الحسان فى مناقب الأعظم أبى حنيفة النعمان وهكذا فى الانتقاء وهكذا فى السير وهكذا فى كتب كثيرة لا تحصى فى تراجم هذا الإمام المبارك فقيه الملة رضى الله عنه وأرضاه شيوخه أربعة آلاف شيخ وقد حلت له بشارة فى بدء طلبه فَزِع منها لكنها تبشره بكل خير حاصلها كما قلت فى سائر الكتب التى ترجمته يقول: رأيت رؤيا أفزعتنى فى بدء طلبى رأيت كأنى أنبش قبر النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فأخرجت عظامه الطيبة المباركة الطاهرة عليه صلوات الله وسلامه

قال فاحتنضنتها نبشت قبره عليه صلوات الله وسلامه وأخرجت العظام واحتضنتها قال فهالنى ذلك وأفزعنى فذهبت إلى محمد بن سيرين أين هو؟ فى البصرة شد رحله من أجل أن يسأله وفى رواية عندما وصل ما استطاع أن يشافهه بالرؤيا خشية أن تكون مفزعة ومنذرة ومخيفة فلما وصل إلى البصرة كلَّف بعض إخوانه من طلبة العلم أن يسأل فقال من صاحب الرؤيا محمد بن سيرين قال يعنى سائل يسأل قال من هو قال أبو حنيفة فلان هذا طالب علم المبتدىء الذى سيكون له شأن إن شاء الله قال بشره أنه يجمع أخبار النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يجمع أخبار النبى عليه الصلاة والسلام وينشرها قال له لتنبُشن أخبار النبى عليه الصلاة والسلام ولتحيين سنته على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه. أربعة آلاف شيخ ليس فى الإمكان أن نترجم يعنى لكلهم ولا لعشرهم ولا لعشر من عشارهم سآخذ واحدا منهم فقط وهو أبرز شيوخه الذى لازمه ثمانى عشرة سنة حتى قُبض وهو سيدنا حماد بن أبى سليمان وأبو سليمان اسمه مسلم وعليه حماد بن مسلم أبو إسماعيل الكوفى فقيه صدوق إمام مبارك روى له البخارى فى الأدب المفرد والإمام مسلم فى صحيحه ورورى له أهل السنن الأربعة وتوفى سنة عشرين ومائة للهجرة يعنى قبل وفاة سيدنا أبى حنيفة بثلاثين سنة أوليس كذلك؟ لازمه ثمانى عشرة سنة احسب عشرين وعليه لازمه من سنة مائة إلى سنة مائة وعشرين أوليس كذلك يعنى لازمه الإمام أبو حنيفة عندما كان عمر أبى حنيفة عشرين سنة بقى ملازما له عشرين سنة إلى أن أكمل الأربعين عليه رضوان رب العالمين عشرين سنة يلازم شيخه حماد وما فارق حلقة حماد بن أبى سليمان له شأن عظيم انظروا ترجمته فى السير فى الجزء الخامس صفحة واحدة وثلاثين ومائتين قال عنه الذهبى هو أحد الأذكياء كان من الكرام الأسخياء هو العلامة الإمام فقيه العراق حماد بن أبى سليمان وأبو سليمان اسمه مسلم كما قلت من سخائه وجوده

كان يطعم كل يوم فى رمضان خمسمائة إنسان يفطرون عنده خمسمائة فإذا صارت ليلة العيد كسى كل واحد منهم ثوبا وأعطاه مائة درهم فمائة اضربها فى خمسمائة يعنى خمسون ألفا أوليس كذلك؟ خمسون ألفا فى ذلك الوقت خمسون ألف درهم يعنى حقيقة تشترى سوقا يعطى لك واحد ثوبا ثوب العيد كسوة العيد يعطيه إياها وبعد ذلك مصاريف العيد مهما يريد أن يتوسع مائة درهم وأيام رمضان يفطرون عنده خمسمائة وحتما الذى يفطر عنده سيرسل إلى أهله يعنى ليس هو يأتى الرجل يأكل والأسرة تبقى يعنى تتشهى فهذا حال هذا العبد الصالح من الأسخياء شيخ سيدنا أبى حنيفة وأبو حنيفة تلقى العلم والجود والسخاء والنبل والفضيلة عن هذا الإمام المبارك حماد بن أبى سليمان رضى الله عنه وعن أئمة الإسلام قال الذهبى فى السير فى ترجمة حماد وختم ترجمته بهذا الكلام صفحة ست وثلاثين ومائتين قال: أفقه الكوفة سيدنا على وابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين وما حل الكوفة أفقه منهما أفقه الكوفة علَى وابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين قال وأفقه أصحابهما أصحاب على وابن مسعود أفقه أصحابهما علقمة بن الأسود رضى الله عنهم أجمعين وأفقه أصحاب علقمة إبراهيم النَخَعى وأفقه أصحاب إبراهيم حماد بن أبى سليمان وأفقه أصحاب حماد سيدنا أبو حنيفة النعمان وأفقه أصحاب أبى حنيفة الإمام أبو يوسف قال وفى عهد أبى يوسف انتشر أصحابه فى الآفاق وتفرقوا فى الأمصار وأفقه أصحاب أبى يوسف محمد بن الحسن وأفقه أصحاب محمد بن الحسن الإمام الشافعى رضوان الله عليهم أجمعين خذ هذه السلسلة الإمام الشافعى عن محمد بن الحسن عن أبى يوسف عن سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين عن شيخ حماد بن أبى سليمان عن شيخ إبراهيم النخعى عن شيخ علقمة بن الأسود عن عبد الله بن مسعود وسيدنا على إذاً ماذا تريد أعلى من هذا الإسناد

لما اجتمع سيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه بأبى جعفر المنصور ونسأل الله الرحمة للمسلمين أجمعين لكن شتان بين سيدنا أبى حنيفة وأبى حعفر المنصور شتان شتان قال: عمن أخذت يا أبا حنيفة قال عن أصحاب علَى وأصحاب عبد الله بن مسعود وأصحاب عمر الذين أرسلهم أيضا إلى الكوفة ليفقهوا قال لقد تَثَبَّتَ حقيقة إذا أخذت العلم عن التابعين الذين تلقوا عن خليفتين راشدين سيدنا عمر وسيدنا على وعن عبد الله بن مسعود إذاً ما بعد هذا التثبت تَثَبَّتَ فعلى بينة وهدى إذا كان هو إسنادك وهؤلاء هم شيوخك رضى الله عنهم وأرضاهم إخوتى الكرام لزمه كما قلت ثمانى عشرة سنة وقد كان36:13بوالديه فى الحب والمنزلة وحفظ الود والحقوق فكان سيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه يقول كما فى الكتب التى ترجمته كما قلت وأريد أن أحدث جزءا وصفحة يعنى انظروا مثلا الخيرات الحسان صفحة اثنتين وسبعين وغير ذلك, كان يقول رضى الله عنه وأرضاه: لا صليت صلاة إلا استغفرت لوالدى وليشخى حماد بن أبى سليمان لا أصلى صلاة إلا أدعوا لوالدى ولشيخى وحقيقة وأُمرنا أن ندعو للوالدين والشيخ له حق الذى رباك وعلمك, (إن اشكر لى ولوالديك إلى المصير) قال سيدنا سفيان بن عيينة رضى الله عنه: (من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه عقيب كل صلاة فقد شكر لوالديه إن اشكر لى ولوالديك إلى المصير) فما صلى سيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه صلاة إلا دعا لوالديه ولشيخه حماد وكان يقول: ما مددت رجلى نحو بيتى شيخى حماد بن أبى سليمان وبينى وبينه سبع سكك سبعة طرق بينى وبينه لا أمد رجلى جهة بيت شيخى احتراما واجلالا له

وتقدم معنا مثل هذا الأدب عن سيدنا الإمام أحمد مع الإمام الشافعى رضوان الله عليهم أجمعين وهذا هو الأدب إخوتى الكرام وقلت ينبغى أن نجعل علمنا ملحا وأدبا دقيقا والآن انعكست بل ضيعنا العلم والملح ما بقى عندنا إلا نخالة وتراب وزجاج تأتى تقول له, يقول ما الدليل على هذا!! , هذا تنطع!! أبو حنيفة رضى الله عنه يمتنع من مد رجليه إلى جهة بيت شيخه هذا تنطع!! هاتى دليلا من الكتاب والسنة البعيد يا قليل الأدب ,الأدب يحتاج إلى دليل؟ من مشى أمام والده فقد عقه هل هذا يحتاج إلى دليل هاتى دليلا على أنه هذا من العقوق يا عبد الله ومن نادى أباه باسمه فقط عقه هذا هو القول الكريم!! ينبغى أن تخاطب والديك بقول كريم وقل لهما قولا كريما هذا هو القول الكريم أن تنادى أباك باسمه!!! أم هذه قلة أدب يا إخوتى الكرام هذا الأدب يحتاج إلى دليل!! والآن كما قلت قلة أدب نعيش فيه فى هذه الأيام حقيقة لا مثيل لقلة الأدب التى نعيشها فى هذه الأيام لا مثيل لها, تراه يأخذ المصحف يطرحه على الأرض يطرح المصحف فوق الأحذية يا عبد الله اتق الله يقول هاتى دليلا!! الأدب يحتاج إلى دليل هل هذا الآن تعظيم لكلام رب العالمين والله يقول (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) وهنا حقيقة إكرام لشيخه يدعو له عقيب كل صلاة ثم هذا الشيخ الذى لازمه ثمانى عشرة سنة لله حقيقة ينبغى أن تكون هذه الملازمة لها أثر, ما يمد رجليه إلى جهة شيخ بيته وبينهما سبع سكك كما هو فى ترجمة هذا الإمام المبارك رضوان الله عليهم أجمعين إخوتى الكرام كما قلت الإفاضة فى أحوال شيوخه الذين تلقى عنهم يعنى يحتاج بعد ذلك إلى مواعظ كثيرة فلنقتصر عند هذا المقدار

وعليه وُلد سنة ثمانين وهو من التابعين الطيبين وأبوه ولد فى الإسلام وجده أدرك سيدنا عليا رضى الله عنهم اجمعين وآمن وأسرة طيبة مباركة رضى الله عنهم وأرضاهم تلقى العلم عن شيوخ كثيرين وصلوا إلى أربعة آلاف أبرزهم شيخه حماد بن مسلم أبو إسماعيل رضى الله عنهم أجمعين الذى توفى سنة عشرين ومائة ثناء العلماء عليه عن سيدنا أبى حنيفة فقيه الملة إمام الأئمة وهو الذى يُنعت بالإمام الأعظم رضى الله عنه وأرضاه, نقل الإمام ابن عبد البر فى كتاب جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وستين ومائة وهكذا فى الانتقاء فى ترجمة الإمام الأول سيدنا الإمام مالك رضى الله عنهم وأرضاهم حسب ترتيب الانتقاء نقل عن سيدنا أبى داود رضى الله عنه وأرضاه أنه قال: رحم الله أبا حنيفة كان إماما رحم الله مالكا كان إماما رحم الله الشافعى كان إماما هذا يقوله أبو داود صاحب السنن رضى الله عنه وأرضاه رحم الله هؤلاء الأئمة كانوا أئمة والإمام إخوتى الكرام هو الفقيه المحدث الورع التقى الذى يطلق عليه إمام عند سلفنا الكرام كل واحد من هؤلاء أئمة هدى هذا يقوله سيدنا أبو داود رضى الله عنه وأرضاه وفى الانتقاء عن العبد مِسْعر بن كدام صفحة خمس وعشرين ومائة وهو ثقة ثبت فاضل فقيه إمام مسعر بن كدام حديثه فى الكتب الستة توفى سنة ثلاث وخمسين وقيل خمس وخمسين بعد المائة يعنى بعد سيدنا أبى حنيفة بثلاث سنين أو خمس سنين مسعر بن كِدام كان يقول: رحم الله أبا حنيفة كان فقيها عالما وهو من أقرانه وأصحابه ومن المعاصرين له وهو فى الكوفة مسعر بن كدام رحم الله أبا حنيفة كان فقيها عالما ومسعر بن كدام كان يسميه شعبة بالمصحف كان ينعت مسعر بأنه مصحف قالوا لأنه لا يخطىء كما أن المصحف لا خطأ فيه ما عُثر على خطأ لمسعر بن كدام يسميه شعبة وشعبة شعبه يقول مسعر هذا هو المصحف مسعر بن كدام يقول شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك رضى الله عنه وأرضاه:

من كان ملتمسا جليسا صالحا فليأت حلقة مسعر بن كدام هذا كلام أئمة الإسلام فى أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وعليه تشويش المتأخرين صرير باب أو طنين ذباب, الأئمة الجهابذة أولو الألباب يقولون هذا عمن عاصروه ورأوه وعرفوا حاله وسبروا شأنه رحم الله أبا حنيفة كان فقيها عالما انظروا ترجمة مسعر فى تهذيب التهذيب فى الجزء العاشر صفحة أربع عشرة ومائة وكلام شعبة فيه ومع ذلك من باب التعليق كلمة على الهامش لأنها ستأتينا فى ترجمة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم لما مات, غفر الله للثورى ورضى عنه غفر الله له ورضى عنه ما شهد جنازته لمَ؟ لمَ لمْ تشهد جنازته يغفر الله لنا ولك لمَ؟ يقول الصلاة ليست من الإيمان يعنى هو من المرجئة, يا عبد الله يعنى وسعوا الصدر ما بينكم وبينه خلاف إلا فض لا داعى بعد ذلك ليعنى للشدة فى غير محلها لا داعى للشدة فى غير محلها ما شهد جنازته قال: لأنه يقول الصلاة ليست من الإيمان قال الإمام الذهبى فى السير فى الميزان فى الجزء الرابع صفحة تسع وتسعين قلت: الإرجاء مذهب لجُلة من العلماء لا ينبغى التحامل على قائله وتقدم معنا ما يتعلق بالإرجاء ضمن مواعظ سنن سيدنا الإمام الترمذى الإرجاء مذهب لجلة من العلماء لا ينبغى التحامل على قائله وعندكم فى التقريب الرواة الذين هم فى الصحيحين رُوى بإرجاء يعنى إخوتى الكرام باختصار يقول: (الإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان فإن أطعت الرحمن صرت من المتقين وإن عصيته فأنت من العاصين الفاسقين) هذا حق أو باطل؟ حق

جمهور أهل السنة يجدون يقولون الإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان انتبه وعمل بالأركان طيب نأتى للتفصيل من عمل صار من المتقين ومن لم يعمل فهو من العاصين أوليس كذلك؟ هو هو التفصيل يعنى إذا لم يعمل هو من الكافرين قالوا: لا يكفر إذا لم يعمل لا يكفر إذا ما بينكم وبين القول الأول خلاف إلا فى اللفظ ولا ينبغى دائما مشاحات اصطلاحات يقع فيها مشاحات وخصومات ونزاعات فمسعر بن كدام المصحف لا يحضر الإنسان جنازته هذا حال الثورى إخوتى الكرام يعنى حقيقة غضب للرحمن لكن يعنى ينبغى للإنسان أن يتثبت وأن يضع الأمور فى مواضعها والله يغفر لنا وله بفضله ورحمته مسعر بن كدام يقول عن سيدنا أبى حنيفة النعمان: رحم الله أبا حنيفة كان فقيها عالما هذا ينقله شيخ الإسلام الإمام ابن عبد البر وغيره فى ترجمة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين أما الإمام الأعمش سليمان بن مهران وهو إمام الدنيا فى زمانه انتبه وهو شيخ سيدنا أبا حنيفة كما سيأتينا فى القراءة لأنه تلقى القراءة سيدنا أبى حنيفة عن الأعمش وعن عاصم الذى نقرأ بقراءته رضى الله عنهم أجمعين, أخذ القراءة عَرْضا عن عاصم وعن الإمام الأعمش ,الأعمش من شيوخه ومع ذلك من شيوخه وهو شيخ الدنيا فى زمانه فى الحديث عندما أراد أن يحج أرسل بعض تلاميذه لسيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين ليكتب له المناسك أبا حنيفة اكتب لى المناسك لأحج حقيقة هذا محدث لكن كيفية الحج وتركيبها هذه لا بد لها من فقيه, اكتب لى المناسك وهذا كما قلت فى سائر الكتب التى تترجم لسيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم وكان إذا سُأل عن مسألة الإمام الأعمش يقول: يحسن الجواب عليها أبو حنيفة اذهبوا إليه فذاك إنسان بُورك له فى علمه يعنى عنده علم لكن رزقه الله بركة العلم وهى الفقه يفتق هذا العلم ويستخلص منه الأحكام بُورك له فى علمه يحسن الجواب على هذا الإمام أبو حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم

وسُئل مرة عن مسألة وأبو حنيفة بجواره وسألوا الإمام الأعمش لأنه هو شيخ أبى حنيفة قل فيها يا نعمان قال تُسأل أنت وأجيب أنا, السؤال إليك موجه قال أنتم الفقهاء ونحن الصيادلة أنتم الأطباء ونحن الصيادلة هذا يحال إليه أنتم الأطباء معشر الفقهاء ونحن الصيادلة وكثيرا ما كان يقول الإمام الأعمش لأبى حنيفة هذا فإذا سأله عن مسألة وأجاب يقول من أين لك؟ يقول مما رويتم لنا أنت شيخى فى الحديث وشيخى فى القراءة أنت الذى رويت لى هذا يقول أنتم الأطباء ونحن الصيادلة وواقع الأمر سيدنا أبو حنيفة طبيب وصيدلى لأنه من المحدثين الكبار نعم ما صرف جهده للرواية كما صرف الإمام الأعمش هذا شأن آخر واضح يعنى حاله فى الرواية كحال سيدنا أبى بكر وعمر رضى الله عنهم أجمعين فسيدنا أبو بكر رضى الله عنه وأرضاه ما صرف جهده للرواية لانشغاله بأمر آخر وهكذا سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه وهكذا سيدنا أبو حنيفة فما تفرغ لنشر الحديث بالأسانيد والطرق والروايات ما أخذه بذل جهده فى اسنتباطه واستخلاص الأحكام منه وهذا أعلى من الرواية أما أنه محدث فهذا لا خلاف فيه ولا يوجد كتاب من كتب الحديث إلا ترجم لسيدنا أبى حنيفة كما سيأتينا فى تذكرة الحفاظ لطبقات الحفاظ ولا يوجد كتاب من كتب القراء إلى ترجموا لسيدنا أبى حنيفة هو من الأئمة القراء لا يوجد كتاب فى الفقه إلا ترجم لسيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه قال محدث فقيه ورع زاهد عابد ناسك لا يوجد خصلة من خصال الخير إلا وجعلها الله فيه رضى الله عنه وأرضاه, هذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام هو صيدلى لكن إذا كان فقيها فهذا أعلى من أن يقال عنه يعنى أنه طبيب أوليس كذلك؟ لأن الفقيه طبيب فأعلى من أن يقال عنه صيدلى إذا كان فقيها فهو طبيب فيقال عنه طبيب ولا يقال عنه صيدلانى مما رويتم لنا فيقول أنتم الأطباء ونحن الصيادلة

وقال الإمام ابن معين كما فى صفحة سبع وعشرين بعد المائة من كتاب الانتقاء أبو حنيفة ثقة استمع لكلام إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين رضى الله عنه وأرضاه: أبو حنيفة ثقة ما سمعت أحدا ضعفه قال يحيى بن معين هذا شعبة يكتب إليه أبو حنيفة ويأمره أن يحدث وشعبة شعبة يعنى أبو حنيفة يقول لشعبة حدث وانشر العلم ويأتمر شعبة بأمر أبى حنيفة يقول وشعبة شعبة يعنى هو أول من نشر علم الجرح والتعديل شعبة بن الحجاج رضى الله عنه وأرضاه فأبو حنيفة يكتب إلى شعبة يقول حدث وانشر العلم وأنت أهل لذلك فإذا كان هو يأمر المحدثين بالتحديث فى ذلك الحين فله شأن عظيم ثقة ما سمعت أحدا يضعفه هذا يقوله يحيى بن معين عليهم جميعا رحمات ورضوان رب العالمين وكان يقول يحيى بن معين: الفقه عندى فقه أبى حنيفة والقراءة عندى قراءة حمزة حقيقة يعنى أعلى القراء فى الكوفة حمزة بن حبيب الزيات وأعلى الفقهاء الإمام أبو حنيفة أول الفقهاء الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين يقول انتبهوا الفقه عندى فقه أبى حنيفة والقراءة عندى قراءة حمزة رضى الله عنهم وأرضاهم وقال يحيى بن معين لازلنا فى كلامه: ما رأيت مثل وكيع (وكيع بن الجراح وهو ثقة عابد حديثه فى الكتب الستة توفى سنة سبع وتسعين بعد المائة وكيع بن الجراح إمام الأئمة) يقول ما رأيت مثل وكيع وكان يفتى برأى أبى حنيفة إذا علم بمذهب ليفتى به ولا تجاوزه ما رأيت مثل وكيع وكان يفتى برأى أبى حنيفة وقيل لوكيع كما فى الخيرات الحسان فى مناقب الإمام الأعظم أبى حنيفة لنعمان صفحة ثلاث وأربعين قيل له يقول بعض الناس ويزعم بعض الناس إن أبا حنيفة يخطىء أخطأ فى مسائل ويخطىء فيها فقال وكيع بن الجراح الذى يلتزم بمذهب سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين قال: لا يقول هذا إلا من كان كالأنعام أو هو أضل سبيلا من يقول هذا , هذا يقوله من هو فى درجة الأنعام أو هو أضل منها لمَ أنت تحكم بهذا الحكم؟

استمع لهذا التوجيه وهذا التقرير وانتبهوا لهذا التوجيه الذى ليس هى من باب تعصب لفرد أو يعنى تقديس آراء فرد يا إخوتى الكرام هذا لا بد من وعيه ثمانمائة من طلبة العلم يحيطون فى مجلس أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه ثمانمائة ومعهم كبار المحدثين كبار الفقهاء كبار الزهاد كبار العباد كبار اللغوين هذا لا بد منه فقال وكيع بن الجراح رضى الله عنهم أجمعين: كيف يخطىء أبو حنيفة وحوله الفقهاء كأبى يوسف ومحمد بن الحسن وعَدَّدَ وكيف يخطىء أبو حنيفة وحوله المحدثون وعدد المحدثين وكيف يخطىء أبو حنيفة وحوله فى حلقته اللغوين علماء اللغة العربية وكيف يخطىء أبو حنيفة وعنده الزهاد وأهل الورع لو أخطأ لرده هؤلاء وهذا كما قلت إخوتى الكرام الفقه الجماعى وهذه هى المدرسة الفقهية هذا ليس رأى فردى إنسان جالس فى حجرة فى مكتبة جالس يرقع من هنا وهنا ويقول يبدو لى يظهر لى يا عبد الله ما يبدو يظهر لك ضعه فى جيبك بل ضعه تحت رجلك وأرحنا منك ليس يبدو لى ويظهر!!! يا إخوتى فى زمن التابعين رضوان الله عليهم أجمعين ثمانمائة من طلبة العلم فى عصر النور والبركة والسرور من فقهاء ومن محدثين ولغويين وزهاد وعباد وورعين هؤلاء كلهم فى هذا المجلس ينشر العلم ويقرر أخطأ فى اللغة رده فلان57:22يعنى كحالنا ما بين كسير وعُوير نسأل الله أن يتوب علينا, أخطأ فى الحديث رده فلان أخطأ فى الفقه رده فلان هؤلاء يعنى علماء الدنيا فى سائر الاختصاصات فى ذلك المجلس وفى تلك الحلقة فكيف سيخطىء نعم أبو حنيفة وغيره كلهم يخطؤون ويصيبون لكن كما يقال إذا كان الرأى فرديا أما إذا كان هنا جماعة فهذا إذا أخطأ رده ذاك وبعد التداول رجعوا إلى الصواب هذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام مسائل تطرح ويتناظرون فيها ويتباحثون ثم يُقرر الحكم الشرعى بعد ذلك ولذلك قال وكيع لا يقول هذا من كان كالأنعام أو هو أضل سبيلا لمَ؟

لأنه خطَّأ رأى الأمة برأيه أوليس كذلك؟ وهذا هو حال الأنعام السائمة أو هو من أضل منها سترد رأى الجماعة برأيك الفردى وشتان شتان ولن ترد الآن رأيك يعنى إذا ترد رأى أبى حنيفة برأيك وقال رجل ورجل لا يا عبد الله هنا الآن مجلس جمع من جمع من سائر الاختصاصات فلا يخطِّىء هذا المجلس إلا من كان فى درجة العجماوات أو هو أضل سبيلا هذا كلام وكيع ويحيى بن معين إمام الدنيا فى الحديث يقول: ما رأيت مثل وكيع وكان يفتى برأى أبى حنيفة ووكيع يقول: من قال إن أبا حنيفة أخطأ فهو كالأنعام أو أضل سبيلا هذا حقيقة الإنصاف إخوتى الكرام ووضع الأمور فى مواضعها ويأتيك سفيه فى هذه الأيام صعلوك لا يتقن أحكام الطهارة أبو حنيفة يخطىء وثلثا المذهب الحنفى خطأ ويخرف ويهرف بما لا يعرف!!! وهو لو قلت له تعالى لنقرأ فى جزء عم نتساءل عن المفردات دعنا بعد ذلك من أحكام الآيات لما عرف المفردات ولعلكم رأيتم فى امتحان معهد الأئمة أئمة وخطباء ومدرسون جاءهم سؤال عليه أربعون درجة يعنى باقى للنجاح عشر درجات أربعون درجة كلهم مفردات فقط يعنى ما معنى عسعس ما معنى طحاها مفردات من جزء عم رسب منهم يعنى ما يقارب العشرين فى الدورة يعنى المفردات ما يعرفها هذا حال الأئمة والخطباء فكيف حال من عداهم؟ لنفوض أمرنا إلى ربنا هذا مفردات فى جزء عم فقط مفردات يعنى ما طلب شرح كلمة ولا حكمها ولا كذا سؤال كامل فى المفردات ما معنى كلمة كذا ضع كلمة فقط معناها فى اللغة

يا إخوتى الكرام لا بد من أن نعرف قدرنا ولذلك من يخطىء كما قال سيدنا وكيع هو كالأنعام أو أضل سبيلا من يقول إن أبا حنيفة أخطأ فهذا ليس برأى فردى إنما هذا رأى له شأن إذا كان الآن الناس يشيدون بشأن المجامع الفقهية وأنها وأنها وما يخفى عليكم من الاجتماعات الرسمية فى هذه الأيام يعنى شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويمنع منها الفقراء والمجامع التى تجرى فى هذه الأيام قد يحرم ما هو أعلى ممن حضر لأنه يحصل فيها ترتيبات معينة على حسب الأمور الرسمية ومع ذلك يقولون هذا رأى مجمع فقهى1:1:30رأى متخصصين ورأى جماعة متعددين يعنى لا يرده فرد يقارب الإجماع رأى المجمع الفقهى هذا الآن أين المجمع الفقهى من مدرسة سيدنا أبى حنيفة ومن مجلس سيدنا أبى حنيفة هنا لا دخل للسلطان فى هذا المجلس لا من قريب ولا من بعيد واختصاصات من سائر كما قلت الأنواع ولا يريدون من ذلك الاجتماع إلا إرضاء رب الأرض والسماء هذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام فذاك الاجتماع يرد والآن المجامع الفقهية تعتبر!! هذا هو الضلال المبين وممن أثنى على سيدنا أبى حنيفة شيخ الإسلام فى زمانه وهو من تلاميذ سيدنا أبى حنيفة وهو عبد الله بن المبارك الذى اجتمعت فيه خصال الخير رضى الله عنه وأرضاه. تكلم رجل فى سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فى مجلس وحضرة سيدنا عبد الله بن المبارك رضى الله عنهم أجمعين فقال: اسكت يا هذا فلو رأيت أبا حنيفة لرأيت عقلا ونبلا وكان عبد الله بن المبارك يقول: إذا اجتمع هذان يعنى أبا حنيفة الثورى على حكم فتمسك به رضى الله عنهم أجمعين وكان يقول: لولا أن منَّ الله علىَّ بأى حنيفة وبسفيان لكنت كسائر الناس, فقيل له أيهما أفقه أبو حنيفة أو مالك ليس الآن سفيان الثورى أبو حنيفة أو مالك قال: أبو حنيفة أفقه من مالك, هذا مَن يحكم به عبد الله بن المبارك رضى الله عنهم أجمعين وكان يقول:

عُرض الدنيا بحذافيرها على أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فأعرض عنها وزهِد فيها أرادت الدولة الأموية كما سيأتينا فى آخر عهدها بواسطة يحيى بن هبيرة أن يولَّى القضاء أبو حنيفة فامتنع فى عهد الدولة العباسية أراد أبو جعفر أن يوليه القضاء فامتنع فى عهد الدولة الأموية أرادوا أن يضموا إلى القضاء شيئا آخر وهو الخَتْم والختم يعنى لا يجاز حكم بقطع رقبة وتنفيذ حد إلا أن يوقع الخليفة وهو الختم بيد سيدنا أبى حنيفة, القضاء مع توقيع عن الدولة, هذا يكون بيدك وأنت المسؤول عنه فامتنع عُرض الدنيا بحذافيرها فأعرض عنها وزهِد فيها ويقول شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك رضى الله عنهم أجمعين وكان عبد الله بن المبارك يقول: رأى أبى حنيفة عندى إذا لم أجد أثرا كالأثر يقول نحن عندنا الحجة الكتاب والسنة, طيب ما رأينا الحكم فى كتاب وسنة يقول أنا عندى رأى أبى حنيفة كأنه حديث هذا يقوله عبد الله بن المبارك رأى أبى حنيفة عندى إذا لم أجد أثرا كالأثر, استدل بكلامه وأعول عليه إذا لم أرَ نصا فى المسألة وفى حكم شرعى يقوله شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك رضى الله عنه وأرضاه قال الإمام ابن عبد البر فى الانتقاء الروايات كثيرة عن عبد الله بن المبارك فى فضائل أبى حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم يقول روايات كثيرة متعددة بألون مختلفة يثنى عليه تارة يثنى عليه من جهة الفقه ومن جهة الزهد من أنه لولا أن منَّ الله عليه بأى حنيفة لما كان له شأن رأى أبى حنيفة عند عدم وجود الأثر كالأثر يقول: الروايات عن عبد الله بن المبارك كثيرة فى فضائل أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه وهذا يقوله الإمام ابن عبد البر كما فى كتابه الانتقاء وهكذا أثنى عليه إخوتى الكرام الأئمة الثلاثة المُكمِلون للأربع ولنبدأ بأولهم بعد سيدنا أبى حنيفة سيدنا الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه قال:

الإمام مالك لم أرَ مثل أبى حنيفة ولو رأيتَ أبا حنيفة (للمخاطب للإنسان) لو رأيت أبا حنيفة لرأيت رجلا لو قال لك إن هذه السارية ذهب لقام بحجته أى من بلاغته وحسن كلامه ترتيبه وفصاحته ما رأيت مثل أبى حنيفة ولو رأيت أبا حنيفة أيها الإنسان لرأيت رجلا لو قال لك إن هذه السارية ذهب أى من ذهب لقام بحجته باستطاعته أن يعنى يدلل على صحة قوله وهذا إخوتى الكرام كما تقدم معنا من باب المبالغة فى بيان منزلة الرجل كما قال أئمتنا لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه والذى يرتد لا كرامة له مَن كان, لكن حاشا لسيدنا عبد الرزاق أن يرتد فأئمتنا يريدون أن يدللوا على مكانته وصدق لهجة رضى الله عنهم أجمعين لو ارتد ما تركنا حديثه وهنا يقول هذا الفصيح البليغ المِنطِيق الذى بُورك له فى علمه ما رأيت مثله لو أراد أن يدلل على أمر من المر لما أعجزه ذلك من فصاحته وبلاغته فإذا أراد أن يثبت لك إن هذه السارية من ذهب بإمكانه كما قلت لبيان منزلته فى الاحتجاج وقوة البيان رضى الله عنهم وأرضاهم وقال سيدنا الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه وهذا متواتر عن الإمام الشافعى: الناس فى الفقه عيال على أبى حنيفة من أراد أن يتفقه فهو عيال على أبى حنيفة ,وصلنا فى زمن العيال يردون على الأئمة الكبار عيال وهذا الشافعى لا يقوله لنا والله يا إخوتى الكرام لو وُجدنا فى زمن سلفنا لرجمنا بالحجارة لكن قليلا فى حقنا فيما نستحق يقول هذا الشافعى لمن أراد أن يتفقه يعنى يقوله لنفسه ولتلاميذه الذين ملأوا الدنيا علما يقول نحن عيال على أبى حنيفة هذا ما يقوله لنا فى هذه الأيام من أراد أن يتفقه فهو عيال أيضا على أبى حنيفة الناس فى الفقه عيال على أبى حنيفة والكلام كما قلت متواتر عن الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه قال الذهبى فى السير صفحة ثلاث وأربعمائة معلقا على كلام سيدنا الإمام الشافعى رضى الله عنهم أجمعين قلت:

الإمامة فى الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام وهذا أمر لا شك فيه هذا لا يحتاج أن يرتاب فيه إنسان هذا امر لا شك فيه هذا كلام الذهبى ثم قال وليس يصح فى الأذهان شىء إذا احتاج النهار إلى دليل يعنى إذا أردت أن تدلل على فقه أبى حنيفة كما لو أردت أن تدلل على وجود النهار عند كون الشمس طالعة فى وسط النهار هذا جنون ما بعده جنون, شمس طالعة تريد أن تأتى ببراهين على طلوع النهار وجود النهار وليس يصح فى الأذهان شىء إذا احتاج النهار إلى دليل ثم قال الذهبى وسيرته تحتمل أن تفرد فى مجلدين رضى الله عنه ورحمه إذاً الإمامة ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام هذا لا شك فيه لا نزاع فيه لا شك فيه وقال العبد الصالح يزيد بن هارون ثقة متقن عابد حديثه فى الكتب الستة توفى سنة ست ومائتين للهجرة يزيد بن هارون كما تذكرة الحفاظ فى الجزء الأول صفحة ثمان وستين ومائة قال عندما سُئل عن سفيان الثورى وعن أبى حنيفة النعمان فقال: أبو حنيفة أفقه وسفيان للحديث أحفظ وسبب إخوتى الكرام يعنى حفظ سفيان أنه تفرغ لرواية الحديث ونشره فظهر كما قلت يعنى صفة الحفظ فيه أكثر منها فى أبى حنيفة وأبو حنيفة فقيه حافظ متقن إن لم يزد على سفيان فى الحفظ لا ينقص عنه لكن ما انفرد للرواية فقط ,هذا أفقه وسفيان قال أحفظ للحديث تفرغ للحفظ وذاك تفرغ للفقه وسفيان عنده فقه وهو فقيه وإن كان فى الفقه دون سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين لكن كما قلت هذا ظهر عليه صفة الحفظ وذاك صفة الفقه هذا يقوله يزيد بن هارون عليهم جميعا رضوان الحى القيوم وقال يزيد بن هارون كما فى التذكرة ما رأيت أحدا أورع ولا أعقل من أبى حنيفة, أبو حنيفة أفقه وما رأيت أحدا أورع ولا أعقل من أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه

وقال الفقيه الرابع أوليس كذلك بعد مالك والشافعى رضى الله عنهم أجمعين الإمام أحمد كما فى الخيرات الحسان صفحة ست وأربعين قال: أبو حنيفة من أهل الورع والزهد وإيثار الآخرة على الدنيا وهو فى ذلك بالمحل الذى لا يدركه أحد ولقد ضُرب رحمه الله بالسياط لِيلِىَ القضاء فامتنع وكان سيدنا الإمام أحمد يتأسى بسيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين فى محنة خلق القرآن يقول ضُرب أبو حنيفة لِيلِىَ القضاء فامتنع إذاً أنا من باب أولى ان أصبر على الضرب لكن من أجل نعمة امتنع وأنا الآن من أجل فتنة من باب أولى ينبغى أن أصبر, صبر على الضرب ومع ذلك يريدون أن يعطوه نعمة فامتنع وأما أنا يريدون منى فتنة فمن باب أولى أن أصبر يتأسى به فإذا صبر ذاك يعنى على الرخاء وعلى البلاء من أجل الرخاء فمن باب أولى أن أصبر أيضا على الشدة من أجل البلاء أنا سينزل بى بلاء وفتنة فى دينى فهذا كان يقوله الإمام أحمد رضى الله عنهم وأرضاهم إخوتى الكرام يعنى كما قلت أئمتنا قاطبة أثنوا عليه وهو محل اتفاق فى ذلك من قِبل من عاصره وأدرك أحواله رضى الله عنه وأرضاه وتلاميذه الذين لهم شأن أيضا كانوا يثنون عليه وهم أخبر الناس بأحواله وإذا كان هو يتأدب مع شيوخه فله شأن كما تقدم معنا مع شيوخه كحماد وغيره رضى الله عنهم أجمعين فتلاميذه أيضا كانوا يقومون بمثل ذلك فيفعلون مع أبى حنيفة ما كان يفعله مع شيوخه رضى الله عنهم أجمعين هذا العبد الصالح أبو يوسف رحمة الله ورضوانه عليه أكبر تلاميذه كما فى الانتقاء صفحة أربعين ومائة كان يقول: إنى لأستغفر لوالدى ولشيخى أبى حنيفة فى دبر كل صلاة الجزاء من جنس العمل يعنى إذا كان أبو حنيفة يستغفر لشيخه مع والديه ويدعو لشيخه مع والديه سلط الله وهيأ الله التلاميذ وهيأ الله التلاميذ أيضا لمثل هذا الخُلق الكريم فكانوا أيضا يدعون لأبى حنيفة مع أبويهم فى دبر كل صلاة وكان أبو يوسف يقول:

الثورى أكثر متابعة منى لأبى حنيفة الإمام الثورى رضى الله عنه كما وقف موقفاسلبيا نحو مِسعر فعلى هذا أيضا نحو أبى حنيفة واتهمه بالإرجاء كما سيأتينا فى طريقة سيدنا أبى حنيفة فى الفقه والاستنباط وماذا وُجه إلى طريقته فأيضا موضوع الإرجاء الثورى أثاره حول سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين فأبو يوسف يقول انتبهوا الثورى أتبع لأبى حنيفة منى يعنى هو يتبعه ويقلده أكثر مما أنا أستفيد منه وآخذ وواقع الأمر إخوتى الكرام كذلك يعنى هو فى الظاهر يخالف لكن واقع لا يستغنى عن أقوال أبى حنيفة وهو أتبع لأبى حنيفة منى أنا من أكبر تلاميذه وعندكم أكبر المحدثين سيدنا البخارى أكثر الترجيحات التى رجحها فى الفقه فى صحيحه وافق فيها مذهب أبى حنيفة أكبر المحدثين شيخ أهل الحديث الترجيحات الفقهية فى الجامع الصحيح يوافق فيها الإمام أبا حنيفة انظر مثلا من باب المثال الذى خطر على بالى يعنى فى أكثر المسائل الفقهية يوافق أبا حنيفة انظر مثلا إخراج القيمة فى صدقة الفطر رأى البخارى جائز على حسب ما قرر أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه وأورد الآثار التى استنبط منها هذا أكثر ترجيحات البخارى التى مال إليها واجتهد فيها توافق مذهب أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه طيب أنتم تقولون بعد ذلك مذهب أهل الرأى طيب هذا إمام أهل الأثر وافق أبا حنيفة ولم يوافق الأئمة الآخرين الذين تزعمون أنهم أئمة أثر وهذا إمام رأى هذا كلام باطل كلهم أئمة أثر وأئمة هدى وأئمة خير واستنباط ما سيأتينا وكما قال الإمام ابن حزم ونِعْمَ ما قال أجمع الحنفية على أن الحديث الضعيف يقدم على القياس أين أذاً الرأى أن الحديث الضعيف يقدم على القياس أما بعد ذلك قياس فيما لا يوجد نص أو استنباط فى مسألة طرأت ولا بد من نظر فيها هنا يأتى أبو حنيفة ولا يستطيع أحد أن يلحق أثره وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء

استمع من باب التعجل لما سيأتى التمثيل عليه من باب التعجل امرأة حلف عليها زوجها بالطلاق ثلاثا كما فى الكتب التى ترجمت لسيدنا أبى حنيفة انظروا مثلا الخيرات الحسان صفحة تسع وسبعين قال لها إذا لم تطبخ زوجته له قدرا فيه مكوك ملح ولا ينبغى أن يظهر أثر الملح فى الطعام فهى طالق ثلاثا والمكوك صاع ونصف على حسب الحنفية أربع كيلوات ونصف يعنى تضع أربع كيلوات ونصف من الملح وعلى حسب الجمهور يعنى ثلاث كيلوات ونصف, الصاع انثين كيلو إلا ربع تضع قدرا من الطعام فيه مكوك من الملح وإذا جاء ليأكل لا يجد للملح طعما فيكم من يستنبط وأئمتنا حقيقة قالوا يعنى سرعة جواب أبى حنيفة فى ذلك أعلى من فقهه عُرضت عليه المسألة بعد أن أشكلت على الفقهاء والمرأة ستطلق إذا ما طبخت هى طالق قال ما أيسرها كيف أشكل عليكم هذا قالوا وكيف قال تضع بيضا فى القدر وتلقى عليه مكوكا وزيادة من الملح وتسلق له البيض فإذا نضج البيض يأكله وليس له طعم الملح أوليس كذلك؟ يا إخوتى الكرام هذا هو الفقه وهذا هو الاستنباط وحقيقة لو جلس إنسان يفكر قد يهتدى إلى هذا الجواب فى النهاية أن هذا الطعام لن يظهر فيه أثر الملح قد لكن هذه البديهة وهذا الجواب المحكم له شأن يقول الإمام الليث بن سعد رضى الله عنه وأرضاه وهو إمام أهل مصر الليث بن سعد ثقة ثبت فقيه إمام شهور حديثه فى الكتب الستة توفى سنة خمس وسبعين بعد المائة وتقدم معنا عبد الله بن وهب أوليس كذلك عبد الله بن وهب كان يقول لولا أن الله منَّ على بمالك والليث أوليس كذلك؟ وعبد الله بن هب الذى يقول لضللت الليث بن سعد لولا أن من الله عليه بالليث وبمالك لضل عبد الله بن وهب

على كل حال الإمام الليث بن سعد الذى له شأن عظيم رضى الله عنه كنت أسمع بأبى حنيفة هذا فى مصر وذاك فى الكوفة فاشتهيت ان أراه واتحقق من جودة ذهنه ويعنى حسن نظره رضى الله عنه وأرضاه قال فبينا أنا فى مكة رأيت الناس قد اجتمعوا على إنسان يسألونه وقالوا هذا أبو حنيفة يقول نِعْم غنيمة يعنى فى النسك رأيت أبا حنيفة فى هذه الحجة قال فاقتربت منه وهو لا يعرفنى لأسمع ماذا سيسأل وبأى شىء سيجيب فانبرى له سائل وقال يا أبا حنيفة غننى من الأغنياء الأثرياء وعندى ابن أتعبنى إذا زوجته وتكلفت المهر وخسرت يطلق فيذهب المهر وإذا سريته اشتريت له أمة يتسرى بها يعتقها يجلس معها ليلية ويعتقها طيب ما الحل ما تستقر معه زوجة هذه يطلقها يذهب المهر وتلك يعتقها يذهب ثمنها فماذا ترى من حل شرعى لهذه القضية قال خذه واذهب به إلى سوق الإماء سوق النخاسين فأى أمة أعجبته اشترها لك ثم زوجه إياها فإن طلق تعود إليك وإن أعتق لا يصح عتقه لأنها مملوكة لك انتهى ما تخسر الآن ولا ريالا وهكذا أراد أخرى أيضا زوجه المسألة سهلة والملك لا يعود إليك قال الليث بن سعد رضى الله عنه وأرضاه يعنى أُعجبت بسرعة جوابه أكثر من إعجابى بجوابه حقيقة هذا هو الذى يستحضر الفقه أمام عينيه ويجيب بجواب محكم لا خلل فيه فى شريعة الله عز وجل حقيقة هذا فقه هذا حسن نظر أما أنه يترك الحديث ويعمل رأيه أجمع الحنفية على أن ضعيف الحديث يقدم على القياس فكيف سيعمل بعد ذلك القياس عند وجود الأحاديث الصحيحة كما سيأتينا فى طريقته فى الفقه والاستنباط رضى الله عنه وأرضاه إخوتى الكرام كما قلت حقيقة حب هذا الإمام من الإسلام قال الإمام الصالح أبو معاوية الضرير وهو محمد بن خازن توفى سنة خمس وتسعين ومائة حديثه فى الكتب الستة وهو الذى دعاه هارون الرشيد إلى بيته وكان أعمى رضى الله عنه وأرضاه وبعد أن طعم صب هارون الرشيد على يديه ليغسله قال أتدرى من يصب عليك الماء

قال أمير المؤمنين هارون فقال أجلك الله يا أمير المؤمنين كما أجللت العلم وأهله أبو معاوية الضرير محمد بن خازن يقول: حب أبى حنيفة من السنة كما فى السير وغيره فى الجزء السادس صفحة واحدة وأربعمائة وقال الإمام الخُرَيْبِى اضبطوها هكذا عبد الله بن داود الهندامى الخريبى ثقة روى له البخارى وأهل السنن الأربعة وقد أمسك عن الرواية فى آخر أيامه فما استطاع البخارى أن يروى عنه مباشرة إنما روى عنه بواسطة حديثه فى صحيح البخارى لكن بواسطة وإنما أمسك لما رأى أن نية الطلاب فسدت فما بدأ يحدث فما حدث حتى مات رضى الله عنه وأرضاه عبد الله بن داود الهندامى الخريبى انظروا ترجمته فى السير فى الجزء التاسع صفحة ست وأربعين وثلاثمائة كان يقول كما فى السير: ما يقع فى أبى حنيفة إلا جاهل أو حاسد إلا جاهل والناس أعداء لما جهلوا أو يحسدوا هو شر الأوصاف شر الصفتين ما يقع فى أبى حنيفة إلا جاهل أو حاسد عبد الله بن داود الهندامى كما قلت الخريبى ثقة عابد حديثه فى صحيح البخارى ما يقع فى أبى حنيفة إلا جاهل أو حاسد وقيل له كما فى تذكرة الحفاظ فى الجزء الأول صفحة ثمان وثلاثين وثلاثمائة فى ترجمة الخريبى لا فى ترجمة أبى حنيفة قيل للخريبى يذكرون أن أبا حنيفة يرجع عن بعض أقواله يعنى أحيانا يقررون قوله ثم يرجعون قال: سبحان الله أن الفقيه إذا اتسع علمه فعل ذلك يعنى هم قرروا ما قرروا بناء على ما بلغهم من أثر ثم رأوا ما يعارض هذا من آثار أخرى مما هو أقوى أو مما هو ناسخ أو أو العلم عند الله فرجعوا عن ذاك وقالوا بهذا قال هذا شأن الفقيه إذا اتسع علمه هذا من نبل أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه

أما قال سيدنا عمر هو الخليفة الراشد الثانى فى المسألة المشتركة المُشرك ذاك على ما قضينا به وهذا على ما نقضى أوليس كذلك؟ وهو الخليفة الراشد الإنسان إذا اتسع علمه وتغير بعد ذلك حكمه كان ماذا يقول أنتم يعنى تنتقدون هذا من بنل أبى حنيفة الإنسان إذا اتسع علمه قد يرجع أحيانا عن بعض الأقوال التى رأى الجماعة عليها لوجود دليل أقوى بلغهم بعد ذلك رضى الله عنهم وأرضاهم والإمام الخريبى انظروا تذكرة الحفاظ فى المكان الذى ذكرته فى الجزء الأول صفحة ثمان وثلاثين وثلاثمائة يقول فيه سيدنا وكيع بن الجراح: النظر إلى وجهه عبادة هذا فى تذكرة الحفاظ فى ترجمة الإمام الخريبى النظر إلى وجه عبد الله بن داود الهمدانى الخريبى عبادة كما نعته الحافظ ثقة عابد من الزهاد الولياء النظر إلى وجهه عبادة وروى عنه الإمام الخريبى المرى فى التهذيب تهذيب الكمال قال: يجب على أهل الإسلام أن يدعو لأبى حنيفة النعمان فى صلاتهم للرحمن لأنه حفظ عليهم السنن والفقه

017

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام شرعنا فى مدارسة أئمة الإسلام الأئمة الفقهاء الأربعة العظام رضوان الله عليهم أجمعين وبدأت بسيدنا أبى حنيفة فقيه هذه الملة المباركة المرحومة, هذه الأمة المباركة المرحومة وهو أول الفقهاء الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين وقد حصلت فيه ثلاثة أمور حسان لم تحصل لبقية الفقهاء الكرام رضوان الله عليهم أجمعين: أولها كما تقدم معنا تابعى فاز بشرف صحبة ورؤية أصحاب النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وتقدم معنا ثبوت رؤيته لسيدنا أنس بن مالك رضى الله عنهم أجمعين الأمر الثانى إخوتى الكرام هو الذى وضع الطريقة المتبعة فى دراسة الفقه كل فقيه بعده بدءا بسيدنا الإمام مالك فمن بعده ساروا على طريقة ترتيب وتبويب سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين فى الفقه بحيث يبدأ بالعبادات بكتاب الطهارة ينتقل إلى البيوع وهكذا, هذا الترتيب الذى وضعه بهذه الصورة والشاكلة الحنفية بقيادة إمامهم سيدنا أبى حنيفة النعمان رضوان الله عليهم أجمعين

الأمر الثالث الذى امتاز به أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه هو حاله مع علماء الأمة كحال نبينا عليه الصلاة والسلام مع رسل الله الكرام فنبينا عليه الصلاة والسلام أكثر الإنبياء تابعا وسيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه أكثر العلماء تابعا من هذه الأمة, مذهبه حصل له رواج وقبول وانتشار وعمل به الصالحون الأبرار فى سائر الأقطار بحيث لم تحصل تلك النسبة لأحد من أئمة الإسلام حقيقة هذه المزايا الثلاثة امتاز بها هذا الإمام المبارك رضوان الله عليهم أجمعين قلت إخوتى الكرام سنتدارس ما يتعلق بترجمته ضمن أربعة أمور فى نسبه وطلبه العلم وهذا أمر واحد والثانى فى ثناء العلماء عليه وبيان منزلته ورتبته وفضيلته ومكانته والثالث فى طريقة تفقهه فى الدين والرابع فى عبادته لرب العالمين سبحانه وتعالى كنا نتدارس الأمر الثانى إخوتى الكرام فى بيان سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه حسبما قرر أئمة الإسلام أقرانه ومن جاء بعده رضوان الله عليهم أجمعين تقدم معنا آخر شىء تدارسناه أن حبه من السنة وأنه يجب على أهل الإسلام أن يدعو لسيدنا أبى حنيفة النعمان فى صلواتهم لأنه حفظ عليهم السنن والفقه وتقدم معنا أن هذا الكلام مأثور عن عدد من أئة الإسلام العظام الكبار الكرام منهم كما تقدم معنا أبو معاوية محمد بن خازن ومنهم الإمام أبو عبد الرحمن الخريبى ومنهم ومنهم كما تقدم معنا ووقفت عند هذا الأمر وسأكمل تقريره بعون الله وتوفيقه نعم إن حب المسلمين فرض فى الدين فكيف بحب أوليائه الصالحين فكيف بحب علمائنا وساداتنا الفقهاء المتقين لا شك إن هذا من آكد الفروض وأوجب الواجبات فهم أولياء رب الأرض والسماوات فهنيئا لمن هُدى إلى محبتهم وتعطير المجالس بذكرهم وشقاء ثم شقاء لمن حُرم من محبتهم ولمن وقع فى أعراضهم نسأل الله أن يحفظنا من ذلك بمنه وكرمه أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين,

أولياء الله حبهم فرض حبهم واجب وتقدم معنا عند ذكرهم تنزل الرحمات وإذا ذكروا ذكر رب الأرض والسماوات كما أنه إذا ذكر الله ذكروا رضوان الله عليهم أجمعين فحب أبى حنيفة من السنة وإذا أردت أن تعرف الإنسان هل هو سنى أم لا فانظر لموقفه نحو أئمتنا وفى مقدمتهم أولهم وفقيههم وأسبقهم رضى الله عنهم أجمعين سيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه قال العبد الصالح عبد العزيز بن أبى رواد كما فى الخيرات الحسان فى مناقب سيدنا أبى حنيفة النعمان صفحة ثمان وأربعين والكلام موجود فى عقود الجمان أيضا فى مناقب سيدنا أبى حنيفة النعمان الكتاب الأول كما قلت للإمام ابن حجر الهيثمى والثانى عقود الجمان للإمام الصالحى رضوان الله عليهم أجمعين يقول عبد العزيز بن أبى رواد وهو من أئمة الخير والصلاح صدوق عابد خرَّج له البخارى فى صحيحه تعليقا وأهل السنن الأربعة وانظروا ترجمته العطرة فى السير فى الجزء السابع صفحة أربع وثمانين ومائة وقال عنه الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء الأول صفحة أربع عشرة ومائتين ثقة عبد العزيز بن أبى رواد ووالده تقدم معنا هو عبد المجيد بن أبى رواد من أهل مكة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من أئمة الإسلام الكبار عبد العزيز بن أبى رواد كان يقول من أحب أبا حنيفة فهو سنى ومن أبغضه فهو مبتدع شقى من أحب أبا حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فهو سنى هذا على السنة ومن أبغضه فهو مبتدع شقى وكان يقول: بيننا وبين الناس أبى حنيفة النعمان فمن أحبه وتولاه فهو على السنة ومن أبغضه وانحرف عنه فهو على البدعة بيننا وبين الناس أبو حنيفة هذا هو الفيصل بين أهل الهدى وأهل الردى فمن أحبه هذا على السنة من أحبه من تولاه على السنة من أبغضه انحرف عنه فهو على البدعة يقول هذا كما قلت شيخ الإسلام العبد الصالح عبد العزيز بن أبى رواد رضوان الله عليهم أجمعين

حبه كما قلت من السنة من الإيمان ولذلك إخوتى الكرام الوقيعة فيه وفى أئمة الإسلام وقيعة فى الإسلام وقد تفطن سيدنا أبو زُرعة رضى الله عنه وأرضاه لعمل الزنادقة اللئام فقال إذا رأيت أحدا ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فاعلم أنه زنديق ولا دين له لمَ؟ قال لأن القرآن حق والسنة حق والذين نقلوا لنا القرآن والسنة هم الصحابة فإذا كان الناقل لا يوثق به فما قيمة المنقول ونحن إخوتى الكرام فقه ديننا يعود إلى هؤلاء الأئمة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وقلت مرارا نصوص القرآن والسنة مع فهم الصحابة انحصر ذلك فى ما عليه الفقهاء الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين فإذا جئنا ووقعنا فيهم وطعنا فيهم طعنا فى الإسلام حقيقة زندقة لكن كما يقال من وراء جدار وستار يعنى لا يريد فى الإسلام مباشرة يتوصل إلى الطعن فى الإسلام عن طريق الطعن للأئمة الإسلام بدءا بسيدنا أبى حنيفة النعمان ومن بعده من الأئمة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين إخوتى الكرام حقيقة الثناء على سيدنا أبى حنيفة النعمان من قِبل أئمة الإسلام لا يتسع للإحاطة به المقام فقد جمع الله فى هذا الإمام المبارك خصال الخير على التمام جمعت فى سيدنا أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه وأرضاه وقد أثنى عليه كما تقدم معنا المحدثون والفقهاء والقراء والزهاد والعباد والأولياء رضوان الله عليهم أجمعين قال العبد الصالح يحيى بن سعيد القطان وقوله فى تهذيب التهذيب فى الجزء العاشر صفحة خمسين وأربعمائة وهو فى السير أيضا فى الجزء السادس إخوتى الكرام فى ترجمة سيدنا أبى حنيفة فى صفحة اثنتين وأربعين وهو أيضا فى الجزء الذى ألفه الإمام الذهبى فى فضائل أبى حنيفة وصاحبيه صفحة اثنتين وثلاثين يحيى بن سعيد القطان استمع ماذا يقول: لا يُكذب اللهَ لا نكذب الله ما سمعنا أحس رأيا من أبى حنيفة وقد أخذنا بأكثر آرائه

لا نكذب الله لا نقول عليه الكذب لا نكذبه فهذا ولى من أوليائه وجعله حجة بين عباده لما من َّعليه من الفقه والفهم والحكمة لا نُكذِّب الله فيما اختاره لا نَكْذبه فنحن نتكلم حقا وهذا إمام مبارك نقتدى به ماذا عندك؟ قال ما سمعنا أحسن رأيا من أبى حنيفة هذا يقوله يحيى بن سعيد القطان وإنا وقد أخذنا بأكثر آرائه أكثر فقهه نحن نلتزم به وندين الله به, يقوله مَن إخوتى الكرام يحيى بن سعيد القطان قال عنه أئمتنا ثقة متقن حافظ إمام قدوة حديثه فى الكتب الستة توفى سنة ثمان وتسعين ومائة وقال عنه الذهبى فى السير فى الجزء التاسع صفحة خمس وسبعين هو الإمام الكبير أمير المؤمنين فى الحديث ومن مناقبه أنه كان يختم القرآن كل ليلية ولا يحدث بعد الختمة بشىء فى الصباح حتى يدعو لألف من شيوخه يسميهم بأسمائهم ثم بعد ذلك يبدأ بنشر حديث النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكان إذا جاء إلى المجلس مع أصحابه كما فى السير فى ترجمته كان بيده سُبحة يسبح بها مَن أمير المؤمنين لحديث نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقُرىء مرة سورة الدخان بحضرته فصعق قال سيدنا الإمام أحمد رضى الله عنه وأرضاه: لو أن أحدا يملك نفسه ويستطيع أن يدفع الوارد إذا ورد عليه لو لملك يحيى بن سعيد القطان نفسه يقول عليه عندما يعنى يقع هذا على مَن يقع ويصاب يعنى بصعق عندما يسمع كلام الله جل وعلا هذا ليس من باب التكلف ولو أن الإنسان يمكن أن يضبط نفسه وهذا فى وسعه لضبطه يحيى بن سعيد القطان وهذا كما قلت فى ترجمته فى كتب الجرح والتعديل لا فى كتب الأساطير يحيى بن سعيد القطان لا نَكْذب الله, لا نُكذِّب الله ما سمعنا أحسن رأيا من أبى حنيفة وإنا وقد أخذنا بأكثر آرائه يحيى بن سعيد القطان يقول هذا فى سيدنا أبى حنيفة النعمان وتوفى هذا العبد الصالح سنة ثمان وتسعين ومائة يعنى بعد سيدنا أبى حنيفة بثمان وأربعين سنة

انتبه لحال يحيى بن سعيد القطان قال الذهبى فى ترجمته قلت استمع هذا الكلام وعض عليه بالنواجذ قلت: كان متعنتا فى نقد الرجال فإذا رأيته قد وثق شيخا فاعتمد عليه إذا وثق ما بعد توثيقه توثيق انتهى يعنى هو يتشدد فى التوثيق فإذا كان يتشدد ويقول تلك الكلمة البليغة الحكيمة الجليلة العذبة الجميلة فى سيدنا أبيى حنيفة هذا مع تشدده وعليه من قال غير ذلك فهو أحد أمرين إما جاهل أو حاسد, من قال غير ذلك الكلام فى سيدنا أبى حنيفة النعمان فهو أحد رجلين جاهل بمكانته أو حاسد لنعمة الله على عباده يقول الذهبى قلت: كان متعنتا فى نقد الرجال فإذا رأيته قد وثق شيخا فاعتمد عليه أما إذا ليَّن أحدا فتأنى فى أمره حتى ترى رأى غيره فيه هذا إذا لين وهو الآن وثق أو لين؟ وثق وأبو حنيفة أعلى من يحيى بن سعيد القطان وحاشا أن نستدل على توثيق سيدنا أبى حنيفة بكلام يحيى بن سعيد القطان بل بكلام البخارى وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين حاشا إنما فقط أذكر هذا لأبين فقط أن مكانته كما قلت مُسلَّمة رضى الله عنه وأرضاه ولنعطر بعد ذلك المجلس بذكر أقوال هؤلاء الأئمة فى هذا الإمام رضى الله عنهم وأرضاهم وإلا فأبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فى غنى عن توثيق من جاء بعده يكفى شهادة الأقران له لأنه إمام الأئمة وفقيه الفقهاء رضى الله عنهم أجمعين فلا يحصل التوثيق بكلام يحيى بن القطان إنما كما قلت لبيان أن هذا الذى نُقل فى ترجمة هذا الإمام وإلا عندنا الإمام أبو حنيفة أعلى منزلة من يحيى بن سعيد القطان وممن جاء بعده من أئمة الإسلام فلا يمكن أن يُقاس به رضى الله عنهم أجمعين ولكلٍ مقام معلوم, هذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام وليس هنا سيثبت توثيق سيدنا أبى حنيفة بكلام يحيى بن سعيد القطان لا إنما هو إذا كان متعنتا ووثق عض على ذلك بالنواجذ, فلو كان فى أبى حنيفة شىء يقول يحيى بن سعيد القطان هذا الكلام!!!

وتقدم معنا كلام يحيى بن معين لأنه ثقة وما سمع فيه تجريحا وتضعيفا تقدم معنا أوليس كذلك؟ ما سمع أحدا يضعفه وعليه هذا حادث بعد ذلك لأسباب نسأل الله أن يغفر لنا وللمسلمين إنه كريم وهاب نعم إخوتى الكرام هذه مكانة سيدنا أبى حنيفة النعمان لا نَكْذب الله لا نُكذِّب الله ما سمعنا أحسن رأيا من أبى حنيفة وقد أخذنا بأكثر آرائه واستمع لشهادة المحدثين الكبار فى زمن سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم والمقارنة بين مجالسهم ومجالس سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم بإقرار ألسنتهم فاستمع لكلامهم لا كما قلت من كتب الأساطير إنما من كتب الجرح والتعديل هذا العبد الصالح زُهير بن معاوية ثقة ثبت حديثه فى الكتب الستة توفى سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين بعد المائة يعنى بعد أربع وعشرين سنة على أكثر تقدير بعد سيدنا أبى حنيفة عاصره وحضر مجالسه ويعرفه رضى الله عنهم أجمعين زُهير بن معاوية وُلد سنة مائة يعنى بعد سيدنا أبى حنيفة أيضا بعشرين سنة كما فى تقريب التهذيب وقال الذهبى وُلد سنة خمس وتسعين يعنى بعد سيدنا أبى حنيفة بخمس عشرة سنة زُهير بن معاوية حديثه فى الكتب الستة قال عنه الحافظ الذهبى فى السير فى الجزء الثامن صفحة واحدة وثمانين ومائة هو الإمام الحافظ المجود كان من أوعية العلم صاحب حفظ وإتقان استمع لمنقبة لزهير بن معاوية ثم اسمع لكلامه فى مجالس سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه ومجالس غيره

حدَّث شعيب بن حرب وقد توفى سنة سبع وتسعين ومائة حديثه فى صحيح البخارى وسنن أبى داود والنسائى ثقة عابد شعيب بن حرب قال الذهبى فى ترجمته فى السير فى الجزء التاسع صفحة ثمان وثمانين ومائة هو الإمام القدوة شيخ الإسلام شهيب بن حرب حدث بحديث رواه عن اثنين من شيوخه عن زهير بن معاوية وعن شعبة بن الحجاج أبى بسطام إمام زمانه فى الجرح والتعديل وحديث نبينا عليه الصلاة والسلام حدث عن هذين الاثنين تقدم معنا ثناء شعبة على سيدنا أبى حنيفة وأمر سيدنا أبى حنيفة لشعبة بأن يحدث كما تقدم معنا وشعبة شعبة وإذا وجدت شعبة فى حديث فاشدد يدك به, حدَّث شعيب بن حرب بحديث يرويه عن شيخيه عن زهير بن معاوية وعن شعبة فقد زهير بن معاوية على شعبة قيل له زهير بن معاوية على شعبة؟ قال زهير بن معاوية أفضل من عشرين مثل شعبة طيب ماذا يقول إذاً زهير بن معاوية فى سيدنا أبى حنيفة استمع لكلامه قال جاء رجل ليحضر مجلسه ليتلقى حديث النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أين كنت قبل أن تأتينى أين كنت؟ قال فى مجلس أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه كنت عند أبى حنيفة انتهى المجلس وجئت إليك إذا زهير بن معاوية قال: والله إن ذهابك يوما واحدا إلى مجلس أبى حنيفة أنفع لك من مجيئك إلىَّ شهرا, مجلس واحد تجلسه عند أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه أفضل من أن تأتى إلى مجلسى شهرا كاملا هذا يقوله مَن؟ من هو أفضل من شعبة بعشرين مرة زهير بن معاوية رضى الله عنهم وأرضاهم

وحقية إخوتى الكرام لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل وابتُلينا فى هذه الأيام بأهل شطط وجَور بينهم وبين سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه ما يزيد على ألف سنة ويقعون فى عرضه قاتلهم الله أنى يؤفكون وانظر لجهابذة المحدثين وكبار شيوخ أهل العلم فى زمنه يقول أنت كنت فى مجلس أبى حنيفة وجئت إلىَّ ذهابك لمجلس أبى حنيفة أنفع لك وأفضل من ان تحضر مجلسى شهرا كاملا وزهير بن معاوية هو زهير بن معاوية رضى الله عنه وأرضاه هذا إخوتى الكرام ثناء الأقران الذين شهدوا حياة سيدنا أبى حنيفة النعمان وليس بعد شهادة الأقران شهادة ولذلك ما حصل بعد ذلك من كلام سيأتينا جهل أو حسد ما وقف على حقيقة هذا الفقيه فقال ما قال وهو معذور لجهله أو حسده فكلامه يرد عليه لكن هذا كلام شيوخ المحدثين الكبار المتعنت كما تقدم معنا فى التوثيق والمتشدد يقول ما يقول فى سيدنا أبى حنيفة ,إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين يقول ما يقول فى سيدنا أبى حنيفة شعبة شعبة يقول ما يقول فى سيدنا أبى حنيفة زهير بن معاوية عبد الله بن المبارك هؤلاء كلهم رأوه وجلسوا عنده وحضروا مجالسه باستثناء سيدنا يحيى بن معين رضى الله عنهم أجمعين على كل حال إخوتى الكرام هذا حالهم فى الثناء على سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه

إخوتى الكرام كما قلت جمع الله فيه خصال الخير فهو من القرَّاء وهو من حفاظ أحاديث نبينا خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهو أول الفقهاء وهو من كبار الأولياء فماذا تريد بعد هذه الفضائل من فضائل من القراء وتُرجم فى كتب القراء راجعوا غاية النهاية للإمام أبى الخير ابن الجزرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا غاية النهاية فى طبقات القراء فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وأربعين وثلاثمائة عند حرف النون النعمان قال هو الإمام فقيه العراق المعظم فى الآفاق أخذ القراءة عرْضا عن الإمام الأعمش وعاصم الذى نقرأ بقراءته حفص عن عاصم ثم قال وأفرد أبو الفضل الخزاعى جزءا فى قراءة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه قال فى النفس شىء من ذلك الجزء انتبهوا ولو صح الإسناد إليه إلى سيدنا أبى حنيفة لكانت قراءته من أصح القراءات لكن هذا الإسناد حوله كلام الذى اتُهم به رجل الحسن بن زياد إذا وضع هذه القراءة على سيدنا أبى حنيفة وقيل إن الذى وضعها هو أبو الفضل الخزاعى والإمام أبو الخير ابن الجزرى برَّأ أبا الفضل الخزاعى وقال الذى وضع وهو الذى يمر الإسناد إليه الحسن بن زياد ونسبها إلى سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه هو من القراء هذا مجمع وأخذ عن الأعمش وعن عاصم لكن هناك جزء فى قراءته لو صح الإسناد إليه لكانت من أصح القراءات لكن الإسناد كما قلت اتُهم به أبو الفضل الخزاعى واسمه محمد بن جعفر يلقب بركن الإسلام توفى سنة ثمان وأربعمائة كما فى غاية النهاية فى طبقات القراء فى ترجمته أما الإمام الخطيب البغدادى وبعده الإمام ابن الجوزى فى المنتظم وبعدهما الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية فقد ذكره أنه توفى أعنى أبا الفضل الخزاعى سنة تسع وسبعين وثلاثمائة وفى غاية النهاية كما قلت ثمان وأربعمائة, أربعمائة وثمانية على كل حال كما فى تاريخ بغداد والمنتظم والبداية والنهاية فى حوادث سنة تسع وسبعين وثلاثمائة عُرض

هذا الجزء والذى يقال له بجزء قراءة أبى حنيفة وفيه إنما يخشى اللهُ من عباده العلماء هذه من قراءة منسوبة لسيدنا أبى حنيفة بهذا الإسناد وفيه مَلَكَ يوم الدين ملك هذا كلها لا تثبت هذه يقال عنها شاذة بإسناد موضوع (الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم* ملَكَ يوم الدين) (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماء) َ كما قلت قراءة لا تثبت موضوعة مزورة مكذوبة الذى اتهم فيه أبو الفضل الخزاعى أو الحسن بن زياد عُرضت على سيدنا الإمام الدارقطنى الجبل فى الحفظ والإتقان وخشية الرحمن فقال هذا الإسناد موضوع30:لكن أئمتنا يقولون هذا أو هذا والعلم عند الله جل وعلا على كل حال من الأئمة القراء فقيه العراق الإمام فقيه العراق المعظم فى الآفاق هو من القراء وهو من الجهابذة الكبار الناقلين لحديث نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ولذلك أوردت ترجمته ضمن طبقات الحفاظ, انظروا الكتاب فى طبقات الحافظ يوجد ترجمة سيدنا أبى حنيفة فى تذكرة الحفاظ للإمام الذهبى فى الجزء الأول صفحة ثمان وستين ومائة وقال الإمام الذهبى فى هذا المكان وهذا كلامه بالحرف هو الإمام الأعظم فقيه العراق ثم بعد أن ذكر نسبه كما تقدم معنا النعمان بن ثابت بن زُوطى زَوطى وهو ثابت كما تقدم معنا ابن المرزوبان رضى الله عنه وأرضاه قال: كان إماما ورعا عالما عاملا متعبدا كبير الشأن لا يقبل جوائز السلطان وكان يتجر ويأكل من كسبه رضى الله عنه وأرضاه ثم أورد ما أورد فى ترجمته من ثناء ونقل وعن العلماء كما نقلت بعضه فى قرابة صفحة ونصف الإمام الأعظم هذا كلام الإمام الذهبى فى تذكرة الحفاظ أى لحفاظ حديث نبينا عليه الصلاة والسلام وقال فى السير فى ترجمته فى الجزء السادس صفحة تسعين وثلاثمائة:

هو فقيه العراق عالم الآفاق استمع عُنى بطلب الآثار وهذا محل الشاهد عُنى بطلب الآثار وارتحل فى ذلك وأما الفقه والتدقيق فى الرأى وغوامضه فإليه المنتهى والناس عيال عليه فى ذلك هو عُنى بطلب الآثار وارتحل فى تحصيل أحاديث نبينا المختار عليه الصلاة والسلام أما الفقه والبحث فى الرأى وغوامض الفقه والمسائل والدقائق هذا لا يلحقه أحد إليه المنتهى والناس عيال عليه فى ذلك هذا كلام الذهبى فى السير وهكذا أورده السيوطى فى طبقات الحفاظ صفحة ثمانين من طبقات الحفاظ وقال هو فقيه العراق وإمام أصحاب الرأى ثم نقل عن سيدنا عبد الله بن المبارك شيخ الإسلام قال: ما رأيت فى الفقه مثله وتقدم معنا قال: لولا أبو حنيفة وسفيان لما كنت شيئا أوليس كذلك؟ لولا أبو حنيفة وسفيان لضعت

فى رواية: لولا أبو حنيفة وسفيان لكنت مبتدعا33:27الأهواء لولا أن منَّ الله علىَّ بهذين الرجلين الصالحين المباركين ما رأيت فى الفقه مثله ثم نقل السيوطى عن مكى بن إبراهيم ومكى ثقة ثبت حديثه فى الكتب الستة توفى سنة خمس عشرة ومائتين عن تسعين سنة عمره عندما توفى تسعون سنة يعنى احذفها من ولادته يعنى وُلد سنة مائة وخمس وعشرين أوليس كذلك؟ يعنى عاصر سيدنا أبا حنيفة خمسا وعشرين سنة مكى بن إبراهيم حج ستين حجة وتزوج ستين امرأة ,ما جمع بينهن فى وقت واحد لعله يموتن أو يحصل طلاق والعلم عند الكريم الخلاق, حج ستين حجة وتزوج ستين امرأة وجاور فى مكة المكرمة عشر سنين قال وكتبت عن سبعة عشر تابعيا ولو أعلم أنه سيحتاج إلىَّ وأن الناس سينقلون الحديث عنى لما كتبت إى عن التابعين لكن يقول أنا فرطت يعنى كنت أكثرت من الرواية عنهم ما كنت أظن أنه سيأتى يوم وأكون فيه رأيا ويخرج حديثه فى الكتب الستة مكى بن إبراهيم رضى الله عنه وأرضاه كما قلت هذا الكلام الذى سأذكره فى طبقات الحفاظ للسيوطى وانظروا ترجمة مكى بن إبراهيم فى السير فى الجزء التاسع صفحة خمسين وخمسمائة قال مكى بن إبراهيم أبو حنيفة أعلم أهل زمانه ما رأيت فى الكوفيين أورع منه رضى الله عنه وأرضاه هذا يقوله مَن مكى بن إبراهيم من كبار المحدثين حديثه فى الكتب الستة إذاً هم من القراء وتقدم معنا من الفقهاء ومن حفاظ حديث نبينا خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه هو من كبار الأولياء رضى الله عنه وأرضاه يُتبرك بذكر اسمه وتنزل الرحمة عند ذكره رضى الله عنه وأرضاه

استمع لكلام أئمتنا فى تقرير هذا الأمر قال الإمام الحاكم فى كتابه معرفة علوم الحديث صفحة أربعين مائتين فى النوع التاسع والأربعين فى معرفة هذا عنوان النوع التاسع والأربعين من أنواع علوم الحديث فى كتاب معرفة علوم الحديث للإمام الحاكم صاحب المستدرك يقول النوع التاسع والأربعون فى معرفة الأئمة الثقات المشهورين من التابعين وأتباعهم ممن يجمع حديثهم للحفظ والمذاكرة والتبرك بهم وبذكرهم من الشرق إلى الغرب يعنى سأورد فى هذا الباب أسماء رواة الآثار من التابعين وتابعيهم ممن يجمع حديثهم ويحتج به وينقل ويتبرك بهم وبذكرهم من الشرق إلى الغرب ثم أورد خيار الفقهاء المحدثين فى هذا الباب فبدأ بأنصار المسلمين بمكة المكرمة بالمدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه ولما وصل إلى الكوفة عدَّدَ مَن عدَّدَ ومن ضمنهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت إذاً هو ممن يتبرك به وبذكره وهو من العلماء الصالحين رضوان الله عليهم أجمعين هذا كلام أئمتنا إخوتى الكرام وهذا كما قلت فى كتب العلم لا فى كتب التاريخ والحكايات والقصص إذاً لا يقولن قائل من أين هذا, هذا فى كتاب معرفة علوم الحديث من علماء القرن الرابع الهجرى الإمام الحاكم رضى الله عنه وأرضاه يقول هذا الكلام فى سيدنا أبى حنيفة النعمان رضوان الله عليهم أجمعين إخوتى الكرام كما قلت لا يمكن أن أحصى فى هذا المقام عشر معشار ثناء أئمة الإسلام على سيدنا أبى حنيفة النعمان وهو فى غنىً عن ثناء من أثنى عليه إنما هذا كله كما قلت من باب استنزال الرحمة والتقرب إلى الله جل وعلا بذلك وأن هذا هو الذى شهد به أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين وأنه أعلى من أن يوثقه من بعده وأن يمدحه من جاء بعده رضى الله عنهم أجمعين

من باب الإشارة العارضة فقط إلى جم غفير أثنوا عليه ووثقوه وتبركوا بذكره رضى الله عنهم أجمعين أشار إليهم الإمام ابن عبد البر حافظ الدنيا فى زمانه توفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة للهجرة فى كتابه الانتقاء فى فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء فى ترجمة سيدنا أبى حنيفة صفحة سبع وثلاثين ومائة استمع ماذا يقول والإمام ابن عبد البر مالكى وابن حجر الهيثمى صاحب الخيرات الحسان فى مناقب سيدنا أبى حنيفة النعمان شافعى والإمام الصالحى صاحب كتاب سبل الهدى والرشاد وصاحب كتاب عقود الجمان فى مناقب سيدنا أبى حنيفة النعمان شافعى يعنى هذا من كلام كما يقال يعنى غير أهل مذهبه يعنى لو أثنى عليه الحنفية قد يأتى صعلوك فى هذا الزمان يقول هؤلاء ينتسبون إلى مذهبه حتما سيمدحونه استمع هذا أنقل لك مدحه من كلام المحدثين وكلام الفقهاء من غير الحنفية أما كلام الحنفية حقيقة وثناؤهم عليه ما ذكرته لا لأنه يوجد مَطعن فى ثنائهم لا ثم لا لكن هذا مفروغ منه واضح هذا يعنى هو ما تبع أبا حنيفة رضى الله عنه وأرضاه إلا لتقديم هذا الإمام على غيره من أئمة الإسلام دون احتقار لأحد لكن هذا يرى أن أقواله أقوى وأرجح وفيه مزايا كما قلت فى أول هذه الموعظة يعنى ثلاث خصال ما وُجدت فى إمام من الأئمة الأبرار تابعى الأمر الثانى كما تقدم معنا أول من وضع الترتيب الفقهى الثالث أكثر العلماء تابعا فحاله يشبه حال النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه بين الأنبياء حال أبى حنيفة بين العلماء كحال نبينا بين الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه من رضى فليرضَ ومن لم يرضَ فليضرب رأسه فى ألف جبل واستقرىء المسلمين فى بلاد المسلمين أبو حنيفة أكثر العلماء تابعا منذ أن وُجد مذهبه إلى هذه الساعة إلى أن تقوم الساعة هذا خصلة حقيقة ومزية يحصل له من ورائها أجور لا يعلمها إلا العزيز الغفور هذه حقيقة المزايا الثلاثة ما وجد فى إمام من الأئمة وكلهم على

العين والرأس رضوان الله عليهم أجمعين ولذلك كما قلت نقل ما يتعلق بالثناء على سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه من المحدثين ومن المالكيين ومن الشافعيين ومن الحنابلة كما تقدم معنا رضوان الله عليهم أجمعين قال الإمام ابن عبد البر فى الانتقاء صفحة سبع وثلاثين ومائة بعد أن ذكر ما ذكر من الثناء عليه كل واحد باسمه وكيع, خالد الواصل, الفضل بن موسى, عيسى بن يونس, زهير بن معاوية, عبد الرزاق, قول الشافعى ابن جريج هذا كل واحد يعدده كما قلت فى ترجمة ويذكر أقواله وبعد ذلك الأقوال لا تنتهى استمع ماذا قال وممن انتهى إلينا ثناؤه على أبى حنيفة ومدحه له عدوا كم سيعد دون أن أذكر كلام واحد منهم وكلام هؤلاء كلهم موجود فى كتب الثناء والتراجم والجرح والتعديل فى الثناء على سيدنا أبى حنيفة بعض هؤلاء تقدم معنا بعض هؤلاء تقدم كلامهم والباقى لم يتقدم وكما قلت لن أذكر كلام واحد منهم لكن عدوا وممن انتهى إلينا ثناؤه على أبى حنيفة ومدحه له عبد الحميد بن يحيى الحمانى وإذا أردت أن أترجم لكل واحد يعنى هؤلاء الأربعون هم أربعون رجلا كما تعدون بالعد يعنى كل واحد إذا ترجم فى دقيقتين نحتاج إلى ثمانين دقيقة فيزيد على الموعد المقرر لموعظتنا لذلك من أراد أن يرجع إلى تراجمهم فتراجمهم يعنى ضمن كتب التراجم موجودة بيسر وسهولة عبد الحميد بن يحيى الحمانى ومعمر بن راشد عدوا والنضر بن محمد ويونس بن أبى إسحاق وإسرائيل بن يونس وزُفَر بن الهذير وعثمان البتى وجرير بن عبد الحميد وأبو مقاتل حفص بن مسلم وأبو يوسف القاضى وسلم بن سالم ويحيى بن آدم ويزيد بن هارون وابن أبى رزمة وهو عبد العزيز بن أبى رِزْمة ثقة فقط هذا من أجل ضبط اسمه أبى رزمة خرج حديثه الإمام أبو داود والترمذى فى السنن توفى ست ومائتين وابنه أيضا يقال له ابن أبى رزمة لكن هذا قلت عبد العزيز وابنه محمد وعليه محمد بن عبد العزيز بن أبى رزمة ثقة أيضا خرج له البخارى وأهل

السنن الأربعة توفى سنة واحدة وأربعين ومائتين ووالده سنة ست ومائتين عدوا وابن أبى رزمة إذا عددت الابن مع الأب يصبح معنا اثنان يعنى العدد يصبح العدد واحدا وأربعين بإسقاط الابن العدد يكون أربعين من أئمة الإسلام وابن أبى رزمة وسعيد بن سالم القداح صار كم الآن؟ مع عد الابن أسقطوا الابن لنصل إلى أربعين وبعد ذلك الابن زيادة رضى الله عنهم وأرضاهم سعيد بن سالم القداح وشداد بن حكيم وخارجة بن مصعب وخلف بن أيوب وأبو عبد الرحمن المُقرىء ومحمد بن السائب الكلبى والحسن بن عُمارة وأبو نعيم الفضل بن ذكى والحكم بن هشام ويزيد بن زُريع وعبد الله بن داود الخُرَيبى46:50إخوتى الكرام تقدم معنا الخريبى الذى يقول إن حبه من السنة ولا يقع فيه إلا جاهل أو حاسد ومحمد بن فضيل وزكريا بن أبى زائدة وابنه يحيى بن زكريا بن أبى زائدة وزائدة بن قدامة ويحيى بن معين كم صار ثلاثون ومالك بن مغول وأبو بكر بن عياش وأبو خالد الأحمر وقيس بن الربيع وأبو عاصم النبيل وعبد الله بن موسى ومحمد بن جابر الأصمعى وشقيق البلخى وعلى بن عاصم ويحيى بن نصر استمع كل هؤلاء أثنوا عليه ومدحوه بألفاظ مختلفة هذا بعد أن ذكر من ذكر من أئمة الإسلام ونقل أقوالهم على التفصيل سيطول الأمر قال وممن انتهى إلينا ثناؤه على أبى حنيفة ومدحه له سرد أربعين أيضا من ألوف مألفة لا يعلمها إلا رب العالمين ممن أثنوا عليه ذكر أربعين منهم رضى الله عنهم وأرضاهم ولذلك كما قلت إخوتى الكرام لا يقع فيه إلا من غضب عليه الرحمن الفارق بين أهل الهدى وأهل الردى حب أبى حنيفة حبه علامة على السنة وبغضه علامة على البدع

وحقيقة سفهاء هذا الزمان أتباع الخوارج اللئام لا يتورعون من الوقوع فى سيدنا أبى حنيفة النعمان وبعضهم يقول على المنابر فى بعض البلدان مع الكفر البواح الذى نعيشه فى هذه الأيام يقول هذا أبو جيفة وليس بأبى حنيفة أيها المجيف المنتن كيف ستلقى الله بهذا الكلام النتَن النتِن أبو جيفة أبو حنيفة أبو جيفة والله يا إخوتى الكرام لو وُجد من يعظم الرحمن ويغار على حرمات الإسلام لضربوه على رأسه وأقفوه عند حده أبو حنيفة أبو جيفة وأنت يا صعلوك بعد ذلك تتطاول على أئمة الإسلام لكن هذا حالنا يلعن آخر هذه الأمة أولها فقيه تابعى تقدم معنا له بشارة من النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أن النار لا تمسه ثم بعد ذلك أبو جيفة سلم منك عتاة الأرض فى هذا الوقت وما سلم من لسانك الخبيث أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه هذا ما يتعلق بالجانب الثانى بثناء الأمة عليه رضوان الله عليهم أجمعين الجانب الثالث من جوانب ترجمة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فقهه تواتر عن سيدنا أبى حنيفة كما فى تاريخ بغداد فى الجزء الثالث عشر صفحة ثمان وستين وثلاثمائة والانتقاء للإمام ابن عبد البر صفحة اثنتين وأربعين ومائة والخيرات الحسان لابن حجر الهيثمى صفحة واحدة وأربعين وقال رُوى هذا من طرق كثيرة عن أبى حنيفة وهو فى عقود الجمان صفحة اثنتين وسبعين ومائة وغير ذلك تواتر عن سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه أنه قال: نأخذ بكتاب الله عز وجل وهذا واجب على كل مسلم وهو فريضة علينا هذه طريقة فقهه يلخصها فى هذه الكلمات المحكمة العذبة التى تدور على أربعة امور

فاستعموا إليها إخوتى الكرام نأخذ بكتاب الله عز وجل وما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فعلى الرأس والعين وفى رواية على الرأس والعينين نأخذ به هذا أيضا فريضة وما جاء عن الصحابة الكرام وانظر لميزة أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه وأرضاه فى هذا الأمر الثالث وما جاء عن الصحابة الكرام تخيرنا ولا نخرج عن أقوالهم أنا ملزم بأقوالهم وإذا أحدثت قولا يخالف قول الصحابة فهذا خلاف طريقتى وأنا انحرفت عن الهدى والشافعى مع علو مقامه وتمام اتباعه لا يرى هذا, لا يرى الأخذ بأقوال الصحابة إلا إذا أجمعوا أما ما عدا ذلك يجتهد كما اجتهدوا ولا يرى أن قول الصحابى أوجب أبو حنيفة يرى أن قول الصحابى ملزم, نعم إذا اختلفوا يتخير يرى أى الأقوال أشبه بالأصول وأقوى هنا له مجال الاجتهاد يأخذ به أما أن يخرج يعنى مثلا اختلفوا لنفرض فى مسألة فى الفرائض على قولين على ثلاثة يتخير اختلفوا فى الجد أخذ بكلام سيدنا أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه وقال الجد ينزل منزلة الأب ولا يرث أخ مهما كان شأنه مع الجد هذا قضاء سيدنا أبى حنيفة يتخير إنما يعنى أن يخرج يقول: هذه الأقوال أنا لا ألتزم بها أجتهد كما اجتهدوا لا وما جاء عن الصحابة أتخير قال فإذا آل الأمر إلى التابعى طيب هو تابعى رضى الله عنهم أجمعين إلى إبراهيم النخعى والإمام الشعبى ومحمد بن سيرين والحسن البصرى وعطاء وسعيد بن المسيب وعدد رجالا إذا آلَ إلى هؤلاء فهؤلاء رجال اجتهدوا فأجتهد كما اجتهدوا يعنى لا يلزمنى أحد بقول تابعى يقول سعيد بن المسيب قال أو الحسن البصرى قال مالى وله واضح هذا مالى وله

كان سيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه كما فى ترجمته فى سائر الكتب التى ترجمته فى الحج فجاء إنسان وسأله عن يعنى نسك من المناسك عمله فأفتاه فبعض الحاضرين شوش وقال الحسن البصرى يفتى بخلاف هذا فقال الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه أخطأ الحسن والجواب ما ذكرته وهذا الحكم الشرعى فقام بعض السفهاء وما أكثرهم قال يابن الفاعلة!!! نعيذ سيدنا أبا حنيفة رضى الله عنه وأرضاه من ذلك أنت تقول أخطأ الحسن فهجم عليه أصحابه وأرادوا يعنى أن يبطشوا به قال: دعوه دعوه ثم نكس الإمام أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه رأسه وذكر ربه وصلى على النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم رفع وقال: يا عبد الله أخطأ الحسن وأصاب عبد الله بن مسعود فيما رواه عن النبى المحمود عليه الصلاة والسلام فى هذه الحادثة وذكر له الدليل الشرعى الحسن أخطأ كان ماذا إذا أخطأ الحسن ولمَ تتهجم وهل قول الحسن ملزم؟ أقوال التابعين ليست حجة فى الفروع بإجماع أئمتنا كما قلت نحو أقوال الصحابة اختلفوا فسيدنا أبو حنيفة يقول أنا ألتزم بأقوالهم, هذه طريقته فى الفقه كتاب الله نأخذ به ما جاء فى كتاب الله نلتزم به لا خيار لنا فى ذلك وما جاء عن النبى عليه الصلاة والسلام على العين والرأس على العينين والرأس وما جاء عن الصحابة تخيرت وما جاء عن التابعين هؤلاء رجال اجتهدوا فأجتهد كما اجتهدوا رضى الله عنهم وأرضاهم إخوتى الكرام كما قلت هذا الكلام متواتر عن سيدنا أبى حنيفة النعمان وهذا الكلام كما قلت سار عليه معظم علماء الإسلام الأخذ بكتاب الله وبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام وبالاجتهاد الذى يُعنى به القياس إلحاق فرع بأصل فى الحكم لعلة جامعة بينهما هذا هو الاجتهاد ما هو الاجتهاد؟

أن تلحق النظير بالنظير وأن تبحث عن حكم الله الجليل فى الوقائع الحادثة بحيث تلحقها بما وقع ووُجد فيه نص هذا أيضا متفق عليه عند الأئمة وهو القياس وبعد ذلك أقوى الأدلة وهو إجماع الأمة هذا مفروغ منه الإجماع لا يكون إلا عن نص وهذا لا خيار للإنسان فيه إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة, هذه الأمور الأربعة ما خرج عنها الإمام كتاب الله سنة رسوله عليه الصلاة والسلام قياس وهو الاجتهاد ثم بعد ذلك الإجماع كما قلت يعد يعنى من الأدلة المتأخرة كتاب وسنة وإجماع وقياس يأتى فى الثالثة فى الذكر وهو الأولى من حيث الاحتجاج وأخرت فى الذكر يعنى تأدبا مع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فى الذكر فيقدم القرآن تقدم السنة ذكرا ,الإجماع لا يكون إلا عن نص وهو أقوى الأدلة ثم بعد ذلك القياس هذا متفق عليه عند أئمة الإسلام قاطبة اختلفوا بعد ذلك كما يقال فى جزئيات هل قول الصحابى يستدل به أم لا؟ يزيد بعد ذلك عند قول الصحابى لو روى حديثا وخالفه هل يؤخذ بفعله أو بروايته؟ فالإمام أبو حنيفة أيضا يقدم فعله الصحابى يقول يستحيل أن يترك الصحابى ما رواه إلا إذا علم أنه منسوخ وعليه ديانته تمنعه من ترك من روى فعندما يروى الحديث ويخالفه بعمله دل على أن هذا الحديث منسوخ وأما إذا كان الحديث كما تقدم معنا يحتمل ويحتمل والصحابى عمل بخلاف من فهم ممن جاء بعده ففهمه يقدم بالاتفاق لأن هذا من باب تعيين المراد من الحديث كما تقدم معنا فى حديث سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فى صحيح مسلم وغيره كان الطلاق على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر كان الطلاق طلاق الثلاث واحدة أوليس كذلك؟ على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبى بكر وسنتين من خلافة عمر ثم بعد ذلك قال سيدنا عمر رضى الله عنه: إن الناس تتابعوا, تتايعوا فى هذا الأمر أرى أن نمضيه عليهم أجيززهن عليهم فأوقع الطلاق الثلاث

تقدم معنا أن عبد الله بن عباس رواى هذا الحديث تواتر عنه أنه جعل الثلاثة ثلاثة أوليس كذلك؟ فإذاً هو ممن يقول بذلك وعليه الحديث معناه كما قلت يحتمل ويحتمل ,يحتمل كما تقدم معنا كان يطلقون واحدة وأنتم تطلقون ثلاثة كما تقدم معنا وهذا قول أبى زُرعة, بقية التخريجات التى مرت معنا فى توجيه الحديث الشاهد أن الصحابى عندما روى بيَّن لنا معنى ما روى وتعين المصير إلى قوله ولذلك تقدم معنا قول شيخنا عليه رحمة الله قال هنا عمل عبد الله بن عباس رضى الله عنه بخلاف ظاهر هذا الحديث الذى فهمه بعض الناس على حسب ما فهم قال: يتعين المصير إليه وهذا ليس مما اختلفوا فيه هل إذا روى الصحابى شيئا وخالفه العبرة بما روى أو بما رأى, بما روى أو بما عمل؟ قال هذا لا يرد هنا ذاك كما قلت فيما فيه مخالفة وظاهر الحديث صريحا أما إذا كان الحديث يحتمل ويحتمل وعمل الصحابى حدد وبين إحدى الاحتمالين المصير إلى قوله مُتعيِّن لأنه هو أعلم بما يروى به على كل حال إخوتى الكرام كما قلت بقيت جزئيات يسيرة حولها نزاع هل يحتج بمذهب الصحابى هل إذا روى الصحابى الحديث عن النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم خالفه المخالفة قد تكون من باب الذهول والنسيان؟ حتما ليست من باب التعمد والعصيان قطعا وجزما من باب الذهول والنسيان أو من باب بلوغ النسخ له عن نبينا عليه الصلاة والسلام يحتمل هذا ويحتمل هذا فمن قال احتمال النسخ قال العبرة بما رأى وعمل ومن قال ذهول ونسيان قال العبرة بما روى ونقل على كل حال هذا بقى فيه مجال للاجتهاد أما أنه يحتج بالقرآن ثم بسنة النبى عليه الصلاة والسلام بإجماع علماء الإسلام بالقياس الشرعى السوى هذا لا خلاف فيه بين أئمتنا وعليه ما سار عليه أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه هو الذى سار عليه الأئمة الثلاثة الذين جاؤا بعده رضوان الله عليهم أجمعين

القياس كما قلت الذى أخذ به سيدنا أبو حنيفة ونُسب إليه ونسب المذهب بكامله إليه فيقال للحنفية أهل الرأى يعنى أهل القياس طيب لو سألنا المالكية تأخذون بالقياس أم لا؟ إن قالوا لا ضلوا وإن قالوا نعم أقول علامَ تخصيص الحنفية بهذا وإذا سألنا الشافعية تأخذون بالقياس أم لا؟ وإذا سألنا الحنابلة تأخذون بالقياس أم لا؟ ما أحد كما قلت من أئمتنا المعتبرين إلا أخذ بالقياس وأما من ألَّف كتابا فى إبطاله كالإمام ابن حزم يغفر الله لنا وله فالإمام أبو بكر بن العربى يقول: من أنكر القياس هذا ينحط عن رتبة البشر ولذلك لا يعول على قوله فى مخالفة الإجماع لأنه ليس من عِداد بنى آدم, الذى ما عنده عقل ليقيس النظير على النظير هذا لا تعتبره من البشر يعنى عندما يأتى ويقول لا يبولن أحدكم فى الماء الدائم الذى لا يجرى ثم يغتسل منه يقول لا يبولن تقتضى المباشرة فإذا باشر البول تنجس وإذا بال فى وعاء وصبه لا يتنجس!!! يا عباد الله هذا كلام لا يقبل بحال واضح هذا ما هذا العلة واحدة ,العلة أن البول نجس سواء باشرت من عضوك إلى الماء أو بُلت فى وعاء وصببته هذا البول فى ذلك الماء فذاك يقول هنا فارق يبولن مباشرة وأما هنا لا يوجد مباشرة صار فاصل بال فى إناء وصبه طيب ما الفارق بين هذه وهذه؟ ولذلك من ألغى القياس حقيقة سيصل كما قلت إلى متناقضات عجيبة فإذاً أئمة الهدى يحتجون بالقياس فعلامَ نسبة المذهب ونسبة إمام المذهب إلى هذا إمام الرأى ومذهب أهل الرأى يعنى هل هم لا يحتجون بالآثار نعيذهم بالعزيز القهار من ذلك ولو كان أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه يرد الآثار ويقدم القياس عليها لكان شيطانا مريدا للعنه أئمتنا بدل من أن يثنوا عليه هل يعقل أن يثنى عليه أئمة الآثار من يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين وعبد الله بن المبارك وسفيان الثورى والشافعى وأئمة الإسلام وهو يرد كلام النبى عليه الصلاة والسلام!!

يا إخوتى الكرام هذا لا يخطر ببال إنسان فلا بد من وعى هذا ولذلك هذه النسبة تحتمل أمرين: إن أرادوا بها الذم فقائلها هو الكريه المذموم وإن أرادوا بها أن للحنفية شأن لا يصل إليه من بعدهم فى القياس والفهم والاستنباط فنِعم ما قالوا والأمر فى موضعه حقيقة فنعم ما قالوا فهم أهل الآثار وهم أهل الفهم والاعتبار ولا أقول إن من عداهم لا فهم ولا اعتبار عنده لا, لكن دون فهم أبى حنيفة وهذا كما تقدم معنا من أراد أن يتفقه فهو عيال على أبى حنيفة من يقول هذا؟ الشافعى الذى حمل عن محمد بن الحسن تلميذ أبى حنيفة حما بختى حمل بعير من العلم من علم سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم هذا لا بد من وعيه فإذاً هو حقيقة إذا أُريد يعنى إمام الرأى إمام القياس على أن له من جودة النظر ما ليس لغيره من البشر فالكلام فى محله وإذا أريد أنهم أئمة الرأى والقياس بمعنى يطرحون الآثار ويأخذون بعد ذلك بالآراء والقياس فهذا ضلال وانتكاس ولا يمكن أن يقول به الإمام أبو حنيفة ولا أتباعه رضوان الله عليهم أجمعين كما قلت القياس إلحاق فرع بأصل فى حكم لجامع بينهما وهذا القياس حقيقة قياس سديد رشيد وما أنكره أحد من أهل الرشد من أئمتنا نعم هناك قياس فاسد بعيد ,قياس فاسد أن تقيس الربا على البيع كما أنك تقول هنا أربح وهنا أربح كما قاس المشركون إنما البيع مثل الربا وأن تقيس الزنا على النكاح تقول هنا يحصل وهنا يحصل إيلاج وإدخال وأن تقيس الميتة التى أماتها الله على الذبيحة عندما نميتها نحن كما تقدم معنا فى منازعة المشركين للموحدين هذه أقيسة باطلة وأبو حنيفة أبعد الناس عنها استمع لمقولة لسيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه ينبغى أن تنقش على القلوب يقول كما فى السير فى الجزء السادس صفحة واحدة وأربعمائة وفى ترجمة الجزء الذى فى ترجمة أبى حنيفة للذهبى صفحة أربع وثلاثين قال أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه:

البول فى المجلس أحسن من بعض أنواع القياس يعنى لوجاء الإنسان وبال فى المسجد تغوط فى المسجد أحسن من أن يفعل ويقول ويعمل بعض الأقيسة التى يلجأ إليها المبتدعة البول فى المسجد أيسر وأحسن وأخف من بعض أنواع القياس حقيقة هذا هو القياس المذموم الذى يقول فيه من يقول الربا كالبيع فهنا معاملة بربح وهنا معاملة بربح وأحل البيع وحرم الربا ولذلك أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس, الأقيسة الفاسدة المنكرة المردودة أما القياس السديد السوى فأى حرج فيه

استمعوا إخوتى الكرام لهذا الذى جرى حول سيدنا أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه وأرضاه أثار أهل البدع أهل الضلال أهل الهذيان أثار حوله زوبعة فى حياته وأنه يأخذ بالآراء ويرد حديث نبينا خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وحاشاه من ذلك وأهل البدع ديدنهم أن يلفقوا حول أئمة الإسلام التهم من أجل التنفير عنهم فاستمع لهذه القصة المحكمة بين سيدنا أبى حنيفة وسيد جليل من آل البيت الطيبين الكرام رضوان الله عليهم أجمعين القصة إخوتى الكرام رواها الإمام الكردى فى مناقب سيدنا أبى حنيفة صفحة واحدة وعشرين ومائتين والصالحى فى عقود الجمان صفحة تسع وسبعين ومائتين والإمام ابن حجر فى الخيرات الحسان صفحة ست وسبعين عن سيدنا الإمام الباقر محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ما بعد هذا النسب نسب محمد بن على ,على بن الحسين زين العابدين ولده محمد الإمام الباقر سيدنا الحسن سيد شباب أهل الجنة ,والده سيدنا على رابع الخلفاء الراشدين يعنى الإمام الباقر محمد بن على بن الحسين رضى الله عنهم أجمعين والقصة ينقلها شيخ الإسلام عبد بن المبارك رضى الله عنهم أجمعين الإمام الباقر, يعنى هو أعلى من أن يقال عنه ثقة, أئمتنا عندما ترجموه قالوا ثقة فاضل حديثه فى الكتب الستة توفى سنة بضع عشرة ومائة رضى الله عنه وأرضاه قال عنه الذهبى فى السير فى الجزء الرابع صفحة أربعين هو السيد الجليل الإمام الباقر ومن كلامه المحكم: سلاح اللئام قبح الكلام اجتمع الإمام الباقر رضى الله عنه وأرضاه مع سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين وهو أكبر من سيدنا أبى حنيفة ومع الكبر فى السن والعمر يعنى من بيت النبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فله منزلة وله يعنى على سيدنا أبى حنيفة دالة كدالة الأب على الابن بل أعلى كدالة النبى على أمته على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

الإمام الباقر عندما اجتمع بسيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه قال له: يا إمام بلغنى أنك تخالف أحاديث جدى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال معاذ الله أن أفعل ذلك ثم قال أيها الإمام لك علىَّ من المنزلة والاحترام كما لجدك على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فاجلس فى أى مكان شئت حتى أجلس إليك, ما أكلمك وأنت واقف هذا لا يليق يعنى بمقامك, اجلس فى أى مكان شئت فجلس الإمام الباقر رضى الله عنه وأرضاه فجاء الإمام أبو حنيفة وتأدب وجلس بين يديه على ركبتيه ووضع يديه على ركبتيه وقال أيها الإمام ,الإمام أبو حنيفة يقول للإمام الباقر سألك ثلاث مسائل فقط سيظهر بها هل أرد الحديث أو أتبع الحديث قال سل قال الرجل أضعف أم المرأة من أضعف قال المرأة قال كم فرض الله للمرأة بالنسبة للرجل قال النصف لها نصف سهم الرجل أوليس كذلك؟ قال لو قلت بالقياس لأعطيت المرأة ضعف الرجل لأن الضعيف ينبغى تزيد فى نصيبه قلت بالقياس لأعطيت المرأة ضعف الرجل أعوذ بالله أن أفعل هذا أنا أسألك الآن من أضعف الرجل أو المرأة ستقول المرأة وهذا هو الحق الله جل وعلا جعل للمرأة نصف نصيب الرجل بالقياس يعنى الظاهر أننا نعطى للضعيف أثر لأنه بحاجة فلو قلت بالقياس لأعطيت المرأة ضعف الرجل يعنى أعطيتها مثل حظ الرجل كما نعطى الرجل مثل حظ الأنثيين هذه واحدة ثم قال يا إمام أيها أفضل وأعلى فى الميزان الصلاة أم الصوم قال الصلاة حقيقة عمود الإسلام وهى أفضل من الصوم قال لو قلت بالقياس لأوجبت على الحائض أن تقضى الصلاة ولا تقضى الصوم أوليس كذلك؟

أنها تقضى الفاضل وتترك المفضول نحن عندنا الآن النص بالعكس تقضى المفضول ولا تقضى الفاضل إذا أردت أن أحكم القياس أقول للمرأة اقضِ الصلاة وهذه أهم من الصوم لكن كيف سنلجأ إلى القياس القياس هذا لا يُلجأ إليه إلا عدم وجود نص إذا وُجد نص عن جدك عليه صلوات الله وسلامه وعلى آل بيته وصحبه صلوات الله سلامه من يخالف ما يخالف إلا شيطان من الذى سيخالف ثم قال يا إمام أيها أفحش البول أم المنى؟ قال البول أفحش قال لو قلت بالقياس لأوجبت الغُسل من البول لا من المنى وهذا الفقه حقيقة الذى أعطاه الله لهذا الإمام الذى أعطاه الله الحكمة يعنى حقيقة فى محله استمع إخوتى الكرام لشأن أهل الفضل فى الإسلام فقام الباقر وقبَّل جبهة أبى حنيفة وهو حقيقة سليل بيت النبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه عندما يكرم العلماء حقيقة هذا أخذه من جده خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه, تقدم معنا أن عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين أخذ بركاب زيد بن ثابت أوليس كذلك وقال دع يابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام عند موت أم زيد بن ثابت رضى الله عنهم أجمعين قال هكذا أُمرنا أن نفعل بعلمائنا فقال أرنى يدك فأخذها وقبلها زيد بن ثابت وقال هكذا أُرنا أن نفعل بآل بيت نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذه الزيادة تقدمت معنا الإمام ابن عبد البر ذكرها فى كتاب جامع بيان العلم وفضله وقال بعض أهل العلم لا يرويها تقدم معنا الكلام عليها الشاهد إكرام آل بيت النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه للعلماء هذا ليس ببعيد من بيتهم خرج الأدب والاحترام فقام الإمام الباقر على جلالة قدره وقبَّل رأس أبى حنيفة

قال هذا إذاً من قِبل السفهاء يعنى حولك حقيقة تشويش قال يا إمام أنا لو قلت بالقياس لقدمت القياس ,القياس فى هذه الأمور ينبغى أن يعمل به سبحان الله البول أفحش من المنى؟ وما أحد يغتس من البول لو قلنا بالقياس لأغتسلنا من البول والمنى يعنى هل هو طاهر أو نجس عند الحنفية الذين يقولون بنجاسته يغسل إذا رطبا ويفرك إذا كان يابسا ليس كالبول , والبول إن يبس وإن لم ييبس لا بد من غسله إذاً البول أفحش وفى بعض الكتب أنجس هذا غلط إنما أفحش كلام أبى حنيفة البول أفحش أم المنى قال البول قال لو قلت بالقياس لأوجبت الغسل منه لكن لا بد من أن نقف عند النصوص إخوتى الكرام كما قلت إن أرادوا بأهل الرأى وبأهل القياس إن أرادوا الذم فمن قال هذا هو الكريه المذموم وإن أرادوا حقيقة تفضيل الحنفية على غيرهم فى جودة النظر والغوص على الأسرار والدقائق فإلى سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه المنتهى على العين والرأس, أكرِم وأنعِم استمعوا لبعض يعنى دقة نظر سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه تقدمت معنا القصة العجيبة ولها سبب يتعلق بها فى الرجل الذى كان يزوج ابنه ويطلق يزوجه ويطلق إن زوجه حرة طلقها خسر المهر وإن زوجه أمة أعتقها وأبوه الثرى فى حيرة معه استمعوا هذه القصة لها سبب يقول فقيه الكوفة مع سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين وهو ابن شُبرمة عبد الله بن شبرمة ثقة فقيه روى له البخارى تعليقا ومسلم فى صحيحه وأهل السنن الأربعة إلا سنن الترمذى توفى سنة أربع وأربعين ومائة للهجرة انظروا ترجمته فى السير فى الجزء السادس صفحة سبع وأربعين ثلاثمائة وابن شبرمة تقدم ذكره ممن سرده الإمام ابن عبد البر ضمن الأربعين يثنون على سيدنا أبى حنيفة يقول كنت أسىء الرأى فى أبى حنيفة عبد الله بن شبرمة هذا يعنى توفى قبل سيدنا أبى حنيفة بست سنين رضى الله عنهم أجمعين

قال كنت أسىء الرأى فيه على حسب تشويش من الحاسدين لا يقع فيه إلا جاهل أو حاسد وكان ابن شبرمة يجهل قدره يقول حتى اجتمعت معه وجاء هذا الإنسان وسأله فقال يا إمام ثم ذكر له هذه القصة يا إمام أزوج ولدى إن زوجته حرة طلقها وإن زوجته امة أعتقها إن اشترت له أمة أعتقها إن زوجته حرة طلقها ويعنى تضيع الفلوس فى ذلك ماذا أعمل معه فقال خذه إلى سوق الإماء فأى جارية أعجبته اشترها أنت لك على انها أمة عندك ثم زوجه إياها فإن طلقها تعود إليك وإن أعتقها لا ينفذ عتقه فأنت المالك فقال عبد الله بن شبرمة قلت لا يستحضر هذا إلا فقيه هذا الآن حقيقة ليس بإنسان عادى عندما يقول هذا ,هذا من يستحضر الفقه وهو أمام عينيه قصة ثانية وقعت مات فى عهد سيدنا أبى حنيفة وأوصى بشىء له وجعله وصيا له وأشهد على ذلك وأبو حنيفة رضى الله عنه كان فى سفر فلما جاء أُعلم, فلان أوصى لك وجعلك وصيا على ماله ويوجد شهود على ذلك فرفع يعنى القضية عند القاضى عبد الله بن شبرمة من أجل أن يأخذ ماله من الوصية وهو الوصى على مال هذا الميت على حسب الأمانة التى جُعلت فى رقبته وكان فى سفر قال هاتى الشهود فأحضر الشهود قال عبد الله بن شبرمة عندما شهد الشهود على الوصية احلف على صدقهم قال ما أوجب الله علىَّ أن أحلف لمَ أحلف على أنهم صادقين أنا ما رأيت وأنا كنت فى سفر قال إذاً أقيستك التى تدعيها, بطل قياسك يا أبا حنيفة اخرج ليس حق وإذا ما حلفت على أنهم صادقون لا يعنى تأخذ الوصية ولا تكون وصيا قال على رِسلك أنت الآن سناظر أبا حنيفة مَن ابن شبرمة ومن غيره رضى الله عنه وأرضاه

قال يا إمام ما تقول فى أعمى شدخه إنسان على رأسه إنسان ضربه وحضر هذا الاعتداء عليه أناس فأقام دعوة فقال له القاضى هاتى الشهود فأحضر الشهود شهدوا أن فلانا ضرب هذا الأعمى وشدخ رأسه فقال القاضى للأعمى احلف على صدقهم قال ما عيه الآن أن يحلف هو يعنى حقيقة كيف سيحلف ولمََّا يعرف هؤلاء الشهود ولحالهم شهدوا هل عليه يمين؟ قال لا خُصمت قال صدقت والوصية لك وأنت الوصى لأبى حنيفة قال خُصمت مادام هذه كهذه انتهى هناك أنا كنت غائبا والأعمى الذى فقد عينيه كأنه غائب خلص شهود الشهود وسيحلفوا اليمين على صدقهم, ما له علاقة بهذه مادام يوجد شهادة أنت ستقضى بها وأنت ملزم بذلك قال صدقت خذ الوصية وأنت الوصى رضى الله عنهم وأرضاهم إخوتى الكرام عندما جرى من أبى حنيفة ما جرى قال عبد الله بن شبرمة: عجزت النساء أن تلد مثل أبى حنيفة استمعوا لهذه القصة وحقيقة تتعلق بدقة نظر وفِراسة مع تعلقها بالفقه والحكم الشرعى

القصة إخوتى الكرم أوردها الإمام الكردى فى مناقب أبى حنيفة صفحة اثنتين وعشرين ومائتين وانظروها فى عقود الجمان أيضا للإمام الصالحى خلاصتها إخوتى الكرام أن بعض الموالى قدم الكوفة فى عهد سيدنا أبى حنيفة بعض الموالى من المعتقين قدم الكوفة فى زمن سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنهم أجمعين قال وكان معه زوجة من أجمل النساء فى ذلك الوقت وهو مسكين يعنى فى الأصل كما قلت عبد معتَق محرر ما عنده عرَض ولا شأن ما معه إلا متاع يسير فى تنقله وسفره مع شىء يعنى من ماشية معه فى طريق فى مرعى ومر بالكوفة اتصل بعض العتاة من الأثرياء الأغنياء بهذه المرأة وقال لها يخببها على زوجها لا يوجد بينة أن هذا زوجك, تأتين إلىَّ وإذا صارت دعوة تقولين أنا عند هذا من زمن وهو زوجى والأصل يعنى أنت مع من تكونين إلا إذا قام لك على خلاف هذا وهو الآن غريب مسكين من الموالى من أين له البينة وعليه يُطرد وتبقين معى ويقع فساد إخوتى الكرام يعنى ما خلا عصر من الفساد وبالفعل أخذها الثرى وزوجها المسكين بقى يصيح فرفع الدعوة عند عبد الله كان ابن زين القاضى فى زمن الإمام أبى حنيفة فى هذه القضية فاستشار أبا حنيفة ماذا نفعل فى هذه القضية رجل من الموالى جاء معه غنيمات وله بيت من الشعر فى جوار الكوفة نزل ويقول إن زوجته أُخذت منه لما ذهبنا لذاك يقول هذه زوجتى معى من سنين وهذا جاء وتطافل يريد أن يأخذ الزوجة منى يعنى يمر ببلادنا ويأخذ أيضا نساءنا

طيب حقيقة لا يوجد بينة ماذا أعمل قال سيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه أنطلق أنا معك إلى رحله ويظهر الحق بإذن الله قال تفضل فذهبا إلى رحل هذا المولى عنده غنيمات وكلب معه مع هذه الغنم وهو فى هذا البيت فقال ادع بعض النساء غير زوجته إلى هذه الخيمة فلما جاءت استمع لفقه أبى حنيفة نبح الكلب وصاح وعوى قال يقول ابن زين ماذا ستفعل نساء تأتى خلا استمع لا تعجل ثم قال ادع الزوجة التى يدعى هذا المولى أنها زوجته وهو عند الغنى فدعيت فلما وصلت إلى الخيمة جاء الكلب وبصبص حولها وشمها وما عوى وبدأ يدور حولها حتى دخلت إلى الخيمة قال ورب الكعبة إنها زوجته أبو حنيفة ما عندى شك اضغطوا عليها لتُقر فضُغط عليها قالت نعم خدعنى الثرى وأنا زوجة هذا المولى المسكين هذا إخوتى الكرام النظر استمع الآن لفقه الحنفية يقول لو خلا الرجل بزوجته غلِّقت الأبواب وعهما كلب إن كان الكلب للرجل تعتبر الخلوة انتبه تعتبر الخَلوة خَلوة شرعية يترتب عليها ما يترتب على الدخول الكامل يعنى كأنه وطىء وإن لم يطأ انتهى يترتب جميع الأحكام إذا خلا بها وعندهم كلب إن كان الكلب له إذا أرخيت الستور والكلب فى الخيمة فى الحجرة الكلب لمَن؟ للزوج وما يعنى1:26:36 يقول هذه خلوة شرعية كما لو باشرها إن طلقها فلها المهر كاملا بعد ذلك وإن لم يمد يده عليها عند الحنفية وأما إذا كان الكلب لها قال فلا تحصل الخلوة الشرعية وإن أرخيت الستور وغلقت الأبواب لمَ؟

لأن الكلب سينبح على هذا الذى يريد أن يقترب من صاحبته الآن سيعوى عليه بينما عندما يكون الكلب له هو يعنى حتى الكلب فطره عندما يرى أن الزوج يعنى يريد أن يباشر زوجته ويرى أن له كرامة وأنه الآن يعنى هذا من حقه وأما الزوجة حقيقة ما علم أهل القصة والنكاح رِق فى شىء يعنى من كما يقال الوضاعة فى حق المرأة فإن كان ضمن الحلال أحله الله وإلا يعنى فى منتهى العار لكن هذه المنقصة التى فى المرأة كما قلت الكلب يدعوه أن يعوى وأن يصرخ إذا جاء الزوج ليقترب من زوجته

018

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحَزْن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام شرعنا فى مدارسة ترجمة موجزة لأئمتنا الفقهاء الأربعة الكرام أئمة الإسلام وبدأت بأولهم بسيدنا أبى حنيفة النعمان رضى الله عنه وعن سائر أهل الإسلام إخوتى الكرام مر معنا ما يتعلق بنسبه وطلبه العلم ومر معنا ما يتعلق بثناء العلماء الكرام عليه وبيان منزلته العلمية والدينية وقد أحرز الإمامة فيهما فهو المقرىء الفقيه المحدث الزاهد العابد الولى لله القوى سبحانه وتعالى وشرعنا فى مدارسة الأمر الثالث من الأمور الأربعة التى سنتدارسها فى ترجمته ألا وهو فى بيان فقهه وطريقته فى التفقه فى الدين عليه وعلى أئمتنا رضوان رب العالمين إخوتى الكرام كما قدمت سابقا منزلته فى الدين منزلة عظيمة وقد جمع له الله الكمالات وفضله ببعض الخيرات التى لم تحصل لغيره من أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين

فتقدم معنا هو تابعى وله فى ذلك أجر عظيم وهو ومدرسته الفقهية أول من وضعوا هذا الترتيب المُحكم المتقن للفقه وعلى ذلك سارت بعد ذلك سائر كتب الفقه من سائر المذاهب التى جاءت بعد هذا الإمام الأعظم المبارك رضى الله عنه وأرضاه قلت وخصه الله أيضا بأن جعله أكثر علماء هذه الأمة تابعا كما جعل الله نبينا أكثر الأنبياء تابعا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وإمامته كما تقدم معنا مُسلم بها عند أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين قبل أن أشرع فى تكميل ما بدأنا فى مدارسته فى يعنى طريقة تفقهه فى دين رب العالمين استمع لهذا الثناء العظيم من أحد العلماء الجهابذة الكرام المحدثين من أولياء الله المباركين وهو الإمام الصالح أبو بكر بن عياش المعتمد أن اسمه كنيته يعنى اسمه أبو بكر ويُكنى بذلك الكنية هى الاسم وقيل إن اسمه غير كنيته وأورد أئمتنا فى ذلك عشرة أقوال استمعوا إليها من باب العد على سبيل الاختصار قيل اسمه محمد عبد الله سالم شعبة رقبة مسلم خداج مُطرِّف حماد حبيب, هذه عشرة أسماء لأبى بكر بن عياش والمعتمد أن كنيته اسمه رضى الله عنه وأرضاه عبد صالح قانت تُوفى سنة أربع وتسعين بعد المائة وقيل ثلاث وتسعين بعد المائة يعنى بعد ثلاث أو أربع وأربعين سنة من وفاة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه أوليس كذلك؟ سنة ثلاث وتسعين أو أربع تسعين بعد المائة حديثه فى الكتب الستة كما قال الحافظ فى التقريب ثقة عابد وساء حفظه لما كبِر وكتابه صحيح رضى الله عنه وأرضاه أبو بكر بن عياش

وقول الحافظ فى الكتب الستة فى ذلك شىء من التساهل وضحه فى تهذيب التهذيب هناك رمز بأنه روى له البخارى وأهل السنن الأربعة ومق ,مق إشارة إلى أنه خرَّج له مسلم لكن فى المقدمة ولذلك لا ينطبق عليه أنه من رجال مسلم فى الصحيح وهذا هو حقيقة التمييز الدقيق لرواية هذا العبد الصالح ما روى له مسلم فى صحيحه إنما روى له فى مقدمة صحيحه ولذلك من روى له فى المقدمة الذهبى يسقط الإشارة إليه ولا يعتبره من رجال مسلم فى السير أو فى الكاشف أو فى غير ذلك ولذلك رمز له فى السير بأنه من رجال البخارى والسنن الأربعة لأن شرح شرط مسلم فى المقدمة لا ينطبق عليه شرط الصحيح وليس هو من رجال أى فى صحيحه رضى الله عنهم وأرضاهم إذاً هو من رجال البخارى والسنن الأربعة وروى له الإمام مسلم فى مقدمة صحيحه أبو بكر بن عياش من العلماء الصالحين كما قلت الربانيين رضى الله عنه وأرضاه ,عندما احتُضر كما فى الحلية فى ترجمته فى الجزء الثامن صفحة ثلاث وثلاثمائة بكت عليه أخته فقال: لا تجزعى فلقد ختمت القرآن فى هذه الزاوية ثمانية عشر ألف مرة فأرجو أن يرحمنى الله لا تجزعى ولا تخافى أنا سأقدم على رحمن رحيم على رب العالمين سبحانه وتعالى ختمت القرآن فى هذه الزاوية ثمانية عشر ألف مرة وكان يختم كل ليلة رضى الله عنه وأرضاه أبو بكر بن عياش ويحكى لنفسه كرامة أكرمه الله بها وهذه الكرامة إخوتى الكرام هى آخر شىء فى ترجمته فى تهذيب التهذيب آخر خبر هذا فى الجزء الثانى عشر صفحة أربع وثلاثين أنه ذهب مرة إلى بئر زمزم واستقى منه فكان يخرج له العسل واللبن, دلو عسل ودلو لبن من بئر زمزم والله على كل شىء قدير, عندما يستقى يخرج له الدلو امتلأ بعسل امتلأ بلبن مع ماء زمزم أبو بكر بن عياش رضى الله عنه وأرضاه ومن كلامه المحكم كما فى السير فى الجزء الثامن صفحة خمس وتسعين وأربعمائة قال:

الخلق أربعة أقسام معذور ومخبور ومجبور ومثبور أما المعذور فهم البهائم رُفع عنهم القلم وأما المخبور فنحن معشر المكلفين اختبرنا رب العالمين ليبلوكم أيكم أحسن عملا وأما المجبور فهم ملائكة الله الكرام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وأما المثبور فهو الشيطان الغرور وجنده إذاً معذور مخبور مجبور مثبور نسأل الله أن يجنبنا صفات أهل الثبور إنه عزيز غفور عبد صالح قال عنه الذهبى هو المُقرىء الفقيه المحدث شيخ الإسلام وبقية الأعلام إنما ذكرت بعض هذه النعوت فى ترجمته لنرى وزن كلامه الذى سيقوله فى فقيه هذه الملة فى فقيه هذه الأمة المباركة المرحومة كان يقول: كان أبو حنيفة النعمان أفقه أهل زمانه هذا كلام أبى بكر بن عياش أبو حنيفة النعمان أفقه أهل زمانه, نعم إخوتى الكرام هذا كما قلت كان مسلما به عند أئمتنا من فقهاء ومحدثين وزهاد وعباد رضى الله عنهم وأرضاهم أفقه أهل زمانه وتقدم معنا كلام العبد الصالح زهير بن معاوية وقال للرجل الذى أخبره أنه كان فى مجلس أبى حنيفة قال: ذهابك إلى مجلس أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فى يوم من الأيام مجلس من المجالس خير من تحضر عندى شهرا كاملا هذا أئمتنا إخوتى الكرام كانوا يقرون به ويذكرونه من باب بيان قدر هذا الإمام المبارك سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه

يروى الذهبى فى كتابه الجزء الذى ألفه فى مناقب سيدنا أبى حنيفة صحابيه أبى يوسف ومحمد بن الحسن رضى الله عنهم وأرضاهم فى صفحة تسع وعشرين ينقل عن العبد الصالح جرير بن عبد الحميد وهو من بلاد الكوفة من بلد سيدنا أبى حنيفة ونزل الرى وصار قاضيا فيها ثقة حديثه مخرج فى الكتب الستة توفى سنة ثمان وثمانين ومائة يعنى بعد سيدنا أبى حنيفة بثمان وثلاثين سنة أوليس كذلك؟ ثمان وثمانين ومائة هؤلاء كلهم عاصروه وأدركوه ورأوه وجلسوا فى جلسه جرير بن عبد الحميد يقول الذى صار قاضى الرى قال لى مغيرة بن مِقسَم وهو أيضا كوفى مغيرة بن مُقسم الأعمى رضى الله عنه وأرضاه كان يقول ما سمعت شيئا إلا حفظته وما حفظت شيئا فنسيته قال الذهبى فى ترجمته فى السير فى الجزء السادس صفحة عشرة قال والله هذا هو الحفظ ما وقع فى مسامعه شىء ما سمع شىء إلا حفظه مغيرة بن مقسم أيضا من بلاد الكوفة من بلد سيدنا أبى حنيفة ما سمع شيئا ما طرق سمعه شىء إلا حفظه وإذا حفظ شيئا لا ينساه يعنى نعتبر الكتاب مرات ومرات فيصعب علينا حفظه وما حفظناه ننساه ونفوض أمرنا إلى ربنا فاستمع لهذا الحفظ واستمع لهذه الشهادة من هذا الإمام لسيدنا أبى حنيفة النعمان رضى الله عنهم وأرضاهم هذا العبد الصالح توفى قبل سيدنا أبى حنيفة توفى سنة ست وثلاثين ومائة للهجرة قبله بأربع عشرة سنة أوصى جرير بن عبد الحميد قال جرير بن عبد الحميد قال لى مغيرة بن مقسم ,مغيرة حديثه فى الكتب الستة ذكرت لكم حديثه فى الكتب الستة ثقة متقن كما قال الحافظ فى التقريب مغيرة بن مقسم حديثه فى الكتب الستة جرير بن عبد الحميد حديثه فى الكتب الستة أيضا قال جرير بن عبد الحميد: قال لى مغيرة بن مقسم جَالِسْ أبا حنيفة رضى الله عنه وأرضاه تفقه أى تصبح فقيها جَالِسْ أبا حنيفة تفقه فوالله لو أن إبراهيم النخَعى حضر زمانه لجلسه واستفاد منه

إبراهيم النخَعى وهو إبراهيم بن يزيد النخعى الذى توفى سنة ست وتسعين وحديثه فى الكتب الستة وانظروا ترجمته الطيبة فى الجزء الرابع صفحة عشرين وخمسمائة وقلت هو يعنى يروى عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وأرضاه بواسطة جم غفير وإذا ما سَمَّ الرواة فهذا أعلى مما لو سماهم كما تقدم معنا ولذلك مراسيله يعنى فى أعلى المراسيل لأنه عندما لا يسمى أئمة ثقات أثبات كثيرون يحذفهم ويضيف الأثر إلى الصحابى رضى الله عنه وأرضاه, إبراهيم النخعى لو كان حيا لجالس أبا حنيفة واستفاد منه مَن يقوله مغيرة بن مقسم لجرير بن عبد الحميد هذا ثناء أئمتنا على فقيه ملتنا رضى الله عنه وأرضاه وقد ختم الحافظ بن حجر فى التهذيب والتهذيب ترجمة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فى الجزء العاشر صفحة اثنتين وخمسين وأربعمائة ختم ترجمته بهذه المقولة أسأل الله أن يبيض وجهه ووجهكم ووجوه المسلمين يوم الدين استمع لهذه الكلمة المباركة فى سيدنا أبى حنيفة قال بعد أن أورد ثناء العلماء عليه فيما يزيد على صفحتين قال: ومناقب الإمام أبى حنيفة النعمان كثيرة جدا فرضى الله عنه وأسكنه الفردوس آمين هذا كله كلام حازان المحدثين سيدنا الحافظ بن حجر رضى الله عنه وأرضاه ,هذا كله كلامه رضى الله عنه وأسكنه الفردوس آمين مناقب هذا الإمام كثيرة جدا فرضى الله عنه وأسكنه الفردوس آمين رضى الله عنه وأرضاه وأسأل الله أن يجمعنا معه ومع أئمتنا مع حضرة نبينا عليه الصلاة والسلام بجوار ربنا ذى الجلال والإكرام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين

إخوتى الكرام كما قلت هذه منزلة سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه وأما فقهه فتقدم معنا يُعول على كلام الله عز وجل وعلى كلام الرسول عليه الصلاة والسلام وما جاء عن نبينا عليه الصلاة والسلام فعلى العينين والرأس ثم بعد لا يخرج عن أقوال الصحابة وإذا اختلفوا يتخير وإذا صار الأمر إلى التابعين فيجتهد كما اجتهدوا رضوان الله عليهم أجمعين وقلت هذه الطريقة إخوتى الكرام هى التى سار عليها أئمة الإسلام رضوان الله عليهم أجمعين إخوتى الكرام لابد من وعى هذا أن سيدنا أبا حنيفة رضى الله عنه وأرضاه فى فقهه ما خرج عن النصوص الشرعية وتقدم معنا أن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية أوليس كذلك؟ يعنى الفقيه متى يكون فقيها عندما يعلم الأحكام الشرعية أوليس كذلك؟ التى طريقها الاجتهاد من أدلتها التفصيلية يأتى للنصوص الشرعية ويستنبط منها الأحكام الشرعية هذا هو عمل الفقيه وأما إذا كان سيستنبط أحكاما عن طريق عقول ردية فما صارت أحكاما شرعية هذه الأحكام أُخذت من النصوص الشرعية من الآيات القرآنية ومن أحاديث نبينا خبر البرية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه

ولذلك المجتهد مَن هو؟ لا يكون مجتهدا إلا بذل ما فى وسعه للوصول إلى مراد ربه على طريق القطع أو اليقين من النصوص الشرعية الواردة فى الدين نصوص شرعية أراد بعد ذلك أن يستنبط منها الحكم لا بد الآن من اجتهاد من استنباط فهنا يبذل ما فى وسعه قد يصل إلى الحكم عن طريق القطع أو عن طريق غلبة الظن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها هذا إخوتى الكرام لابد من وعيه وتقدم معنا أنه من زيادة ورعه واحتياطه واتباعه لا يتقيد بالنصوص الشريعة من الكتاب والسنة بل يتقيد بفهم خير طبقات هذه الأمة وهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فإذا اجتهدوا فلا يخرج عن اجتهادهم وهو مُلزَم بأقوالهم لكن إذا اختلفوا لابد من أن يُعمِل المجتهد اجتهاده ليصل إلى حكمه فيختار مثلا هذا القول أو هذا القول فى المسألة الشرعية عندما تتعدد أقوال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وهكذا إخوتى الكرام تقدم معنا الحديث المرسل يستدل به وهكذا الحديث الضعيف فالحديث الضعيف يُقدم على الرأى ويقدم على القياس والاستنباط إلحاق ما لم ينص عليه فمنصوص, مادام وُجد نص ضعيف يقدم على الاجتهاد وإعمال الرأى لنلتمس لهذا الأمر حكما من نصوص أخرى, لا, إذا عندنا حديث ضعيف فعلا لا نجاوزه هذا مذهب سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه هذا متفق عليه عند الحنفية يقول الإمام ابن حزم كما فى عقود الجمان صفحة سبع وسبعين ومائة والخيرات الحسان صفحة اثنتين وأربعين ومناقب سيدنا أبى حنيفة وصاحبيه الذهبى صفحة أربع وثلاثين قال الإمام ابن حزم: أجمع أصحاب أبى حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم أصحاب أبى حنيفة مجمعون أن ضعيف الحديث أولى عنده أى عند أبى حنيفة وعندهم أى عند اتباعه وأصحابه عند المذهب من القياس ضعيف الحديث أولى عنده وعندهم عند هذا المذهب من القياس هذا مجمع عليه

إذا كان الأمر كذلك إخوتى الكرام هنا أمر دقيق لابد من أن نقف عنده ولا أريد أن أتعرض له فى تراجم الأئمة الآخرين رضوان الله عليهم أجمعين فانتبهوا له: قد يقع إشكال فى إذهان الأبرار فيقولون إذا كنتم تزعمون أن جميع الأئمة يأذخون بكتاب الله وبسنة الرسول عليه الصلاة والسلام وبالإجماع وبالقياس إلحاق ما لم ينص عليه على ما هو منصوص فعلامَ وقع الاختلاف بينهم؟ هذا لابد من وعيه إخوتى الكرام وكثير من أهل السفاهة والطياشة والجنون والحماقة من أتباع الشيطان الرجيم فى هذا الحين يقولون: لو كانت المذاهب على حق لما حصل اختلاف فيها إذاً دل على أنها على باطل, إن الأصول إذا كانت واحدة علامَ يختلفون ووالله إنه شيطان من يقول هذا لكن بصورة إنسان شيطان من شياطين الإنس نعوذ بالله ومن أمثاله ولا يجد الشيطان سلاحا أمضى من هذه الشبه فى الطعن بالإسلام فانتبهوا لذلك إخوتى الكرام قد يستشكل بعض الناس وإذا كنتم تقولون الأئمة اتفقوا على هذه الأصول وأخذوا الأحكام منها فعلامَ اختلفوا؟ إخوتى الكرام الجواب عن هذا يدور على أمرين اثنين لابد من وعيهما وهما أبرز أسباب الاختلاف فى استنباط الأحكام: الأمر الأول النصوص الشرعية دِلالاتها متعددة تحتمل وتحتمل

مدلولاتها متعددة تحتمل عدة معانى هذا انتبهوا له إخوتى الكرام سبب أول من أسباب الاختلاف فى الأحكام والاستنباط دلالات متعددة نص شرعى ثابت لكن يحتمل عدة معانى هذا بعد ثبوت النص والاحتجاج به نص ثابت وسنحتج به وقد بعد ذلك يكون خلاف حول النص هذا لا أريد أن أتعرض له هل النص ثبت أم لا وهل يحتج به أم لا فهو مرسل يحتج به بعض الأئمة ولا يحتج به آخرون هو ضعيف يحتج به بعض الأئمة ولا يحتج به آخرون الآن سنفرض إذ صار فى المتفق عليه حديث صحيح ثابت ويحتج به باتفاق لكن يحتمل عدة معانى ولنفرض أن هذا الحديث سمعه الصحابة مباشرة من نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لكنه احتمل عدة معانى وعليه سيكون له عدة دلالات كل مَن يفهم دلالة معتبرة دل عليها النص فهذا حكم شرعى وله أجر عند الله القوى انتهى بمجرد ما يفهم حكما شرعيا دل عليه هذا النص وهذا الفهم على حسب لغة العرب وعلى حسب سياق الكلام يتفق مع مراد المتكلم انتهى هذا حكم شرعى أنت خالفت أنت وما رأيت فأنا أتعبد حسبما فهمت من هذا النص وأنت تتعبد حسبما فهمت وطريق الجنة ما أوسعه كلنا نسير إلى رب العالمين ورحمة الله واسعة فأنا على هدى وأنا على هدى ورحمة الله واسعة النص الشرعى هذا الأمر الأول يحتمل ويحتمل عدة دلالات الأمر الثانى تتفاوت الفهوم وتتغاير فهوم الناس ليست فى مستوى واحد ما يظهر لى قد لا يظهر لك وما يستبين لك قد يخفى علىَّ وما جعل الله أحدا من الخلق حجة على غيره إلا النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو حجة علينا ليس من حقك أن تقول إن فهمى هو المعتبر وفهمك منكر ليس من حقك هذا وإذا قلت هذا فقد جعلت العصمة لنفسك وحقرت غيرك أوليس كذلك؟

إنما أنت تقول كما قال سيدنا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه هذا رأى قلنا به وأخذناه من نصوص شرعية وهو أحسن ما عندنا فأما من كان عنده أحسن منه فليأتنا به, هذا الذى عندنا هذا استنباطنا هذا فهمنا بعد ذلك نصيب نخطىء, هذا علمه عند الله جل وعلا, نحن أخذنا هذه الأحكام من نصوص الشرع الحسان وضحت لكم كما وضحت لنا فالحمد لله خالفتم أنتم وما يظهر لكم وسنؤول إلى ربنا هذا أحسن ما عندنا من الفهم إذاً إخوتى الكرام النصوص تحتمل حملة تحتمل أكثر من معنى وسيأتينا هذا وقع فى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام وأقر وسأمثل له بمسألتين فقهيتين مسألة من المعاملات ومسألة من العبادات من مسائل لا تحصى ولا أريد الاستقصاء إنما من باب المثال وأن هؤلاء ما خرجوا عن دين الله وهؤلاء ما خرجوا عن دين الله وإذا أنصف الإنسان حقيقة لا يستطيع حتى أن يرجح بين القولين وكل من الأقوال حتى المذكورة فى هذه المسألة معتبرة ودلت عليها نصوص الشريعة المطهرة هذا عنده نص وهذا نص وهذا احتمله هذا النص وهذا احتمله هذا النص إذاً المصادر واحدة لكن دلالات النصوص تتعدد أمر ثانٍ الفهوم تتغاير تختلف قال الخطيب البغدادى فى الفقيه والمتفقه ونِعْم ما قال فى الجزء الثانى صفحة واحدة وسبعين قال: أهل العلم فى حفظه متقاربون وفى استنباط فقهه متباينون يعنى بالإمكان أن أحفظ صحيح مسلم وأن تحفظه ونتقارب فى الحفظ لكن نأتى بعد ذلك للفهم أنا فى جهة وأنت فى جهة والنصوص احتملت اوليس كذلك؟ أهل العلم فى حفظه متقاربون فى حفظ العلم متقاربون الإمام الشافعى قريب من الإمام مالك والإمام مالك قريب من أبى حنيفة وهؤلاء الأئمة أيضا قريبون من الإمام أحمد رضى الله عنهم وأرضاهم فى الحفظ متقاربون يحفظون كلام الله جل وعلا ويحفظون حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لكن فى الفهم وفى استنباط الفقه متباينون هذا عنده هذا الحديث هذا فهم منه شيئا وذاك فهم منه شيئا آخر

طيب هل جعل الله أبا حنيفة حجة على الإمام مالك لا وما جعل الله الإمام مالك حجة على الحنفية وما جعل الله الإمام الشافعى حجة على الإمام أحمد رضى الله عنهم وأرضاهم هو من أهل الاجتهاد وعنده نص يعنى الشريعة المطهرة فاعمل ما يعنى فى وسعه أعمل عقله حسبما فى وسعه واستنبط الحكم هذا حكم شرعى كيفما كان حاله سواء حكمت عليه بالصواب أو بالخطأ فإذا حكمت عليه بالصواب صواب عندك وعنده حكمت عليه بالخطأ عندك وعنده صواب وأنت لا يجوز أن تقول له ذها خطأ عندك وانت تتعبد على بدعة ولو قلت كنت أنت المبتدع لأنك ستنصب نفسك مشرعا حكما معصوما وما جعل الله ذلك لك فقف عند حدك قف عند حدك هاتان الدلالتان لابد من وعيهما النصوص تحتمل والفهوم تختلف اهل العلم فى حفظ العلم متقاربون وفى استنباطه فقهه متباينون هل لهذا مثال وقع فى زمن نبينا المبارك الميمون على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه؟ والأمثلة كثيرة وكما قلت لا أريد الاستقصاء, انظروا إلى مثال واحد مما وقع فى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام وإلى مثالين مما بين الفقهاء الأربعة رضى الله عنهم وأرضاهم فى معاملات وفى عبادات لتعلموا بعد ذلك أنها أحكام شرعية مأخوذة من النصوص الشرعية فمن عارض فى ذلك فعليه غضب رب البرية ومن جاء وقال هذا الاختلاف يدل على أنه ليس من شرع الله جل وعلا فعليه غضب الله وسخطه هذا لابد إخوتى الكرام من وعيه

الأمر الأول مثال وقع فى زمن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه حديث فى الصحيحين ورواه البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء العاشر صفحة تسع عشرة ومائة فى كتاب القضاء باب فى اجتهاد القاضى وما يسوغ للقاضى فيه أن يجتهد, فى الجزء العاشر صفحة تسع عشرة ومائة ورواه فى دلائل النبوة البيهقى فى الجزء الرابع صفحة ستة وانظروا الحديث مع الكلام عليه فى البداية والنهاية فى الجزء الرابع صفحة سبع عشرة ومائة ولفظ الحديث عن سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحدا منكم العصر إلا فى بنى قريظة وكان هذا بعد موقعة الخندق موقعة الأحزاب وكفى الله المؤمنين القتال ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا فلما عاد النبى عليه الصلاة والسلام إلى بيته جاءه جبريل كما سيأتينا فى رواية الطبرانى على نبينا وأولياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه وقال له وضعتم السلاح وضعت اللئمة إنا فى السماء لم نضع سلاحنا لا زلنا فى استنفار قال ماذا تأمرنى قال توجهوا إلى بنى قريظة هؤلاء اليهود الذين نقضوا معك العهد وهم أهل جحود وكنوت كما تقدم معنا صفوا الحساب معهم فأرسل النبى عليه الصلاة والسلام مناديا اسرعوا إلى بنى قريظة وحاصروهم لنحاسبهم على خيانتهم فخرج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين إلى بنى قريظة قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أجمعين فأدرك بعضهم العصر فى الطريق بعضهم أدرك صلاة العصر فى الطريق فانقسم هؤلاء إلى قسمين الذين أدركوا العصر فى الطريق فقال بعضهم لا نصلى حتى نصل إليهم إلى بنى قريظة كما أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام لا يصلين أحدا منكم العصر إلا فى بنى قريظة

وقال بعضهم نصلى لم يُرِدْ منا ذلك لم يُرَد منا ذلك لم يُرِدْ للمبنى للمعلوم أى لم يرد النبى عليه الصلاة والسلام تأخير الصلاة إلى بنى قريظة إنما أراد الإسراع والعجلة لم يُرِدْ لذلك الكلام لا يصلين أحدا منكم العصر إلا فى بنى قريظة ما أريد تأخير الصلاة إنما أريد العجلة والسرعة لم يُرَد منا ذلك فصلى قسم فى الطريق وقسم أخَّر الصلاة سمعت بعض الناس يتحدثون لعلهم ما وصلوا إلى بنى قريظة إلا بعد غروب الشمس يا عبد الله ليس لعلهم, قطعا وجزما ما وصلوا إليها إلا بعد غروب الشمس وما صلوا العصر إلا بعد أن غربت الشمس ودخل وقت المغرب من زمن كما ستسمعون فى رواية الطبرانى يعنى خرج وقت العصر ليتهم أخروها يعنى إلى آخر وقتها بحيث خرج الوقت المستحب ودخل وقت الكراهة, لا, خرج الوقت ودخل وقت صلاة المغرب وصلوها بعد غروب الشمس ذُكر ذلك للنبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لم يعنف أحدا لا قال لهؤلاء أخطأتم ولا لهؤلاء أخطأتم وبالمقابل ما قال لهؤلاء أصبتم ولا لهؤلاء أصبتم ولذلك ذهب بعض أئمتنا إلى أن كل مجتهد مصيب قال لأنه لو كان أحد المجتهدَين هنا على خطأ لبين النبى عليه الصلاة والسلام ذلك لأنه لا يُقر على خطأ لابد من أن يقول لا عليك لوم لكن أنت أخطأت وكان الأولى أن تفعل كذا فسكوته يدل على صواب الفريقين والعلم عند الله جل وعلا على كل حال حديث كمما قلت فى الصحيحين وغيرهما من وراية سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهم رُوى الحديث عن صحابيين آخرين روى عن أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها فى كتاب دلائل النبوة للبيهقى فى المكان المتقدم وروى الحديث فى دلائل النبوة للبيهقى فى المكان المتقدم ومعجم الطبرانى الأوسط فى الجزء السادس صفحة أربعين ومائة عن كعب بن مالك وعليه وعن ابن عمر وأمنا عائشة وكعب بن مالك رضى الله عنهم أجمعين

وفى رواية كعب قال جبريل إلى نبينا الجليل على نبينا وأنبياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه وقال يا محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وضعت اللئمة وهى لباس الحرب فقال نعم قال لكنا فى السماء ما وضعنا سلاحنا لا زلنا فى استنفار فوثب النبى عليه الصلاة والسلام فزعا فعزم على الناس ألا يصلوا العصر إلا فى بنى قريظة قال كعب بن مالك فلبسوا السلاح وانطلقوا إلى بنى قريظة فلم يأتوا بنى قريظة حتى غربت الشمس فقال بعضهم وهم فى الطريق صلوا لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتركوا الصلاة وقال بعضهم عزم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نصلى العصر إلا لابنى قريظة وإنما نحن فى عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم قال كعب بن مالك رضى الله عنهم أجمعين فصلت طائفة العصر فى الطريق انتبه إيمانا واحتسابا لا جحودا وعنادا ومخالفة للنص مؤمنين برب العالمين ويطلبون الأجر عنده وقالوا هذا الحديث معناه كذا لا نقصد مخالفة لنبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ماذا قالوا لم يُرد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن تتركوا الصلاة إنما يريد السرعة صلوا فى الطريق إيمانا واحتسابا هذا الفريق الأول قال وطائفة لم يصلوا حتى نزلوا بنى قريظة انتبه بعدما غربت الشمس فصلوها بعد غروب الشمس إيمانا واحتسابا على حسب النص التزموا أيضا به وطلبوا الأجر عند الله جل وعلا قال فذكر ذلك للنبى عليه الصلاة والسلام فلم يعنف واحدة من الطائفتين

قال الإمام الهيثمى فى المجمع رجال الطبرانى رجال الصحيح غير ابن أبى الهذيل وهو ثقة وابن أبى الهذيل هو عبد الله ابن أبى الهذيل روى له الإمام مسلم فى صحيحه والترمذى فى سننه وهكذا النسائى فعلامَ قال الهيثمى رجاله رجال الصحيح غير ابن أبى الهذيل وهو من رجال مسلم روى له مسلم فى صحيحه وعليه رجاله رجال الصحيح من أولهم إلى آخرهم روى له مسلم فى صحيحه والترمذى والنسائى فى السنن وهو ثقة كما حكم عليه بذلك الحافظ فى التقريب وانظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء الرابع صفحة سبعين ومائة وقال إنه ثقة عابد وله كلام محكم كما فى حلية الأولياء فى الجزء الرابع صفحة ثمان خمسين وثلاثمائة ينقل عن السلف الكرام الطيبين وهو تابعى عبد الله بن أبى الهذيل تابعى روى عن سيدنا على وعن سيدنا عمار وعن سيدنا أُبى بن كعب وعن سيدنا عبد الله بن مسعود وعن سيدنا خباب وعن سيدنا أبى هريرة وغيرهم رضى الله عنهم وأرضاهم تابعى يقول: أدركنا أقواما وإن أحدهم ليستحى من الله فى سواد الله يعنى أن يضع ثيابه وأن يتعرى فى سواد الليل فى ظلامه ومع ذلك أهل حياء واستحياء من رب الأرض والسموات هذا حال من يراقب الله جل وعلا أدركنا أقواما وإن أحدهم ليستحى من الله جل وعلا فى سواد الليل وهذا كما قلت من التعرى الذى هو مباح فكيف إلى النظر إلى المنكرات التى يُحارب بها رب الأرض والسماوات كما اعتاد المخلوقات فى هذه الأوقات من النظر إلى شاشة التلفاز التى هى أشنع معصية عُملت للعباد فى هذه الأيام يا إخوتى الكرام يستحى من الله أحدهم أن يتعرى فى ظلام الليل ومع أهله يستحى ولا يفعل هذا إلا يعنى بخلوة يستر نفسه عندما يريد أن يقضى حاجته ومَن يتعرى يستحى وبعد ذلك نحن يعنى على وضح كما يقال أنوار نجلس ونبارز الله فى ظلام الليل بالمعاصى نفوض أمرنا إلى ربنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين إخوتى الكرام انتبهوا لهذه الحادثة النص واحد أو متعدد؟ واحد

دلالاته مختلفة متعددة يحتمل أوليس كذلك؟ الفهوم متنوعة إذاً النص يحتمل لا تصلوا إلا فى بنى قريظة حقيقة وأخروا الصلاة عن وقتها أوليس كذلك؟ يحتمل هذا ويحتمل لا تصلوا إلا فى بنى قريظة طلبا للسرعة ولا يراد تأخير الصلاة النص يحتمل هذا ويحتمل هذا يحتمل المعنيين والفهوم تختلف ففعلا ما اتفقت على أحد المعنيين ما قالوا النص يحتمل ويحتمل لكن نحن اتفقنا على أن الاحتمال الثانى هو المراد من الحديث وهو تأخير الصلاة إلى بنى قريظة لو اتفقوا على ذلك لصار إجماعا ولا مخالف فى القضية إنما النص يحتمل والصحابة فهومهم أيضا تتنوع طيب يا رب أنت لا تكلف نفسا إلا وسعها أنت أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأنت الحكم العدل لو أردت من أصحاب نبيك على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لو أردت منهم كيفية واحدة لألهمت النبى عليه الصلاة والسلام زيادة إيضاح من أجل أن يرتفع اللبس عن الصحابة الأكياس رضوان الله عليهم أجمعين أوليس كذلك؟ لكان قال إن أدركتكم فى الطريق فلا تصلوا أخروها حقيقة هنا فقد أُخر وقتها ولو أدرككم العصر فى الطريق ولو سيخرج وقتها أخروها إلى هنا, كان بإمكانه أن يقول هذا نبينا عليه صلوات الله وسلامه والله يعلم وهو علام الغيوب أن الصحابة سيختلفون فى فهم هذا الحديث فترك نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول هذه الجملة التى تحتمل وتحتمل وأوحى بها إليه من أجل أن يشرع لنا أحكاما شرعية بعد ذلك وهى أن ما احتملته نصوص الشرع وقال به أئمتنا فهذا حكم شرعى من خالف فيه فهو ضال لابد من وعى هذا أن يأتى بعد ذلك إنسان من أين جاء هذا الخلاف شرع واحد وبعد ذلك تأتى تقول فى الصلاة يقرأ الفاتحة أو لا يقرأ أو

يا عبد الله نصوص تحتمل وهذا وارد عن نبينا عليه الصلاة والسلام فليتسع صدرك وما استبان لك أنه أتقى لله أحوط افعله لا حذر عليك بشرط أن يكون هذا ضمن ما قرره أئمتنا رضى الله عنهم وأرضاهم وأما أن تأتى بفهم جديد فى هذا العصر البعيد فهذا ضلال بعيد إنما ما احتملته النصوص وقال به أئمتنا43:16فى سعة والحمد لله الذى لم يضيق علينا, هذا الآن يقع فى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام نص واحد تلقوه بآذانهم من نبيهم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم اختلفوا فى العمل به وزيادة على ذلك نبينا عليه صلوات الله وسلامه أقر الطائفتين ولا قال للطائفة التى صلت خالفت الأمر ولا للطائفة التى أخرت ارتكبتم كبيرة00 والعصر عن وقتها ومن فاتته صلاة العصر حبط عمله وأنتم كيف فعلتم هذا لا يا إخوتى الكرام الآن هذا لا يوجد مجال لذكره لأنه كل طائفة فعلت هذا إيمانا واحتسابا تقدم معنا إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة وقلت هذا الكلام قرره شيخ الإشلام الإمام ابن قدامة فى المغنى فى الجزء الأول صفحة ثلاثة فى بدايته ونقله عنه أئمتنا منهم الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثلاثين صفحة ثمانين لا يغيبن عنكم ذلك وكلام الإمام ابن تيمية مأخوذ من كلام الإمام ابن قدامة إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة إذا احتملت النصوص الأقوال المنقولة فالحمد لله كلها أحكام شرعية قال الله جل وعلا: لا ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم وهى النيات الخالصة الذين صلوا فى الطريق ماذا أرادوا بذلك؟ تعظيم الله والذين أخروا الصلاة أرادوا؟

تعظيم الله لكن هؤلاء فهموا وهؤلاء فهموا فلا داعى للنزاع ءأنتم رأيتم أن الصلاة فى الطريق أتقى لله صلوا لكن دعونا نحن سنصلى هنا لا تنكروا علينا ولا ننكر عليكم رحمة الله واسعة ونحن رأينا أن الصلاة فى بنى قريظة أتقى لله فاتركونا ولا تعترضوا علينا وهذا الذى حصل من الصحابة ما عاب أحد على أحد وما عنف النبى عليه الصلاة والسلام أحدا وهؤلاء هم الأكياس وهؤلاء هم خير الناس الذين رُبوا على يدى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه هذا مثال إخوتى الكرام كما جرى فى زمن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه نص يحتمل معنيين فهم الصحابة منه هذين المعنيين وما اتفقوا على معنى من هذين المعنيين أقر النبى صلى الله عليه وسلم الصحابة على ذلك مثال ثانٍ اختلف فيه المذاهب الأربعة على قولين إمامان قالا بالأول أبو حنيفة وبعده مالك على قول وإمامان قالا بقول ثان الشافعى وبعده الإمام أحمد الشافعى وأحمد رضى الله عنهم وأرضاهم على قول أبو حنيفة ومالك رضى الله عنهم وأرضاهم على قول وهو فى الحديث المستفيض رُوى عن ثمانية من الصحابة كما سأبين لكم فى التخريج عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا فإن صدقا وبينا بُورك لهما فى بيعهما وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما) (البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا) حديث إخوتى الكرام النص ثابت وقلت مستفيض مروى فى الصحيحين وغيرهما كما سيتبين معنا لكن النص يحتمل أكثر من معنى وأئمتنا رضى الله عنهم وأرضاهم مفاهيمهم اختلفت نحو هذا الحديث, مع المفاهيم يوجد قرائن أخرى أيضا حول هذا الحديث تؤيد تلك المفاهيم فدعاهم أن يقولوا يعنى قولين نحو هذا الحديث وأن يقرروا حكمين شرعيين هل للمتباعين الخيار بعد الإيجاب والقبول؟

قال أبو حنيفة ومالك رضى الله عنهم أجمعين لا خيار لأحد المتباعين بعد الإيجاب والقبول بعت تقول قد اشتريت انتهى, تقول بعد ذلك أنا ما أعجبتنى السلعة ولا أدفع الثمن, يا عبد الله تم الإيجاب والقبول تم تقول لا زلنا فى المجلس وكلام النبى عليه الصلاة والسلام البيعان بالخيار حتى يفترقا إلى أن يفترقا يقول يا عبد الله هذا الآن معناه كما ستسمع عند هذين الإمامين المباركين من جملة التأويلات يعنى من باب التعجز تأويلات ثلاث من جملتها وهو أولها كما سأذكر حتى يفترقا باللسان بالأقوال لا بالأبدان يفترقا يفترقان باللسان لا بالأبدان أنا قلت بعت وأنت قلت اشتريت انتهى واضح هذا أما إذا انا قلت بعتك هذه السلعة بخمسين ريالا قبل أنت يعنى توافق ويتم القبول منك أنا رجعت وقلت ما عاد أبيعها أريد فيها مائة لا تقول أنا قبلتها بخمسين أقول أنا الآن رجعت واضح هذا لى الخيار قبل أن يحصل الإيجاب والقبول أنا لى الخيار وأنت لك الخيار لست بملزم أبيعك هذه السلعة بخمسين ريالا قد تشترى وقد لا تشتريها وإذا لم تعطِ مباشرة القبول بذلك ولم توافق أنا لى الخيار أسحب نفسى مباشرة أقول ما عاد أبيعها لا بخمسين ولا بمائة رجعت عن هذا ما أريد أن أبيعها هذه السلعة ليس من حقك الآن تتدخل متى تلزمنى بتسليم السلعة وأخذ الثمن أبيعك هذه بعتك بها بخمسين ريالا تقول قبلت اشتريت تفضل قلت لا أنا الآن بدا لى أننى لا أبيع السلعة هذه إن شئت أن أقيلك هذا موضوع آخر وإلا يجب عليك أن تسلم السلعة بعد الإيجاب والقبول هذا كما قلت قول سيدنا أبى حنيفة وسيدنا الإمام مالك قال الشافعى والإمام أحمد رضى الله عنهم أجمعين

حتى يفترقا بالأبدان, ما داما فى المجلس كل واحد منهما له الخيار بعتك هذه السلعة بخمسين ريالا قلت قبلت ونحن نتحدث وما افترق أحد منا عن الآخر, لا زلنا فى مجلس العقد وأخذ معنا المجلس ربع ساعة نصف ساعة لازلنا فى المجلس نتحدث يعنى عن أمور خارجية عن البيع والشراء عن الذهب والثياب والأكل وما شاكل هذا نتباحث عن مسائل العلم ثم بعد ذلك طرأ لى طارىء وقلت هذه السلعة أنا لست بحاجة إليها لمَ اشتريتها؟ تورطت ,قلت يا عبد الله خذها أنا رجعت عن الشراء هذا من حقك أن تقول يا عبد الله يعنى أنت لست برجل!! كيف تقول ترجع هذا لا زال بالخيار ما دمنا فى المجلس هذا عند مَن؟ عند الإمام الشافعى والإمام أحمد يقول الحديث يدل على هذا فهمان معتبران من جاء أن يقول عن واحد منهما يعنى هذيان حقيقة فقد قصر وأخطأ استمعوا إخوتى الكرام لتخريج الحديث أولا الحديث كما قلت مستفيض مروى عن ثمانية من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين: رواه الإمام أحمد فى المسند والإمام مالك فى الموطأ والبخارى فى الصحيح وهو السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أجمعين والحديث فى المسند والكتب الستة إلا سنن ابن ماجة أيضا من رواية سيدنا حكيم بن حزام رضى الله عنهم أجمعين وهو أيضا فى السنن الكبرى للإمام البيهقى وغير ذلك من رواية حكيم بن حزام الرواية الثالثة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهم أجمعين مروية فى المسند أيضا وسنن النسائى والترمذى والسنن الكبرى للإمام البيهقى الرواية الرابعة من رواية أبى برزة الأسلمى فى مسند الإمام أحمد وسنن أبى داود وابن ماجة والحديث فى سنن الدارقطنى والسنن الكبرى للإمام البيهقى ورواه الإمام أبو داود الطيالسى والإمام الطحاوى الراوية الخامسة رواية سمرة بن جندب رضى الله عنهم أجمعين فى سنن النسائى وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم

الرواية السادسة فى المسند من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه انظروها فى المجمع فى الجزء الرابع صفحة مائة والرواية السابعة فى المسند أيضا بسند رجاله رجال الصحيح عن سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما لكن بلفظ تلك الروايات كلها بألفاظ متقاربة البيعان بالخيار ما لم يفترقا وقال حتى يفترقا أما رواية عبد الله بن عباس رضى الله عنهما قال: بايع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا ثم قال له اختر هكذا البيع إخوتى الكرام يحتمل ما تقدم معنا بعد يعنى أن صار إيجاب من أحد الطرفين قبل القبض وقال اختر فإذا عندك يعنى كما تقدم معنا توجيه الحديث البيعان بالخيار إذا عندك نظر وتريد أن ترجع ارجع ولا تلزم الآن يعنى إذا أعطيت كلاما قبل حصول القبول لك الخيار بايع النبى عليه الصلاة والسلام رجلا يحتمل المعنى الثانى بعد أن تم الإيجاب والقبول كما قرر الإمام الشافعى والإمام أحمد رضى الله عنهما قال اختر ما دمنا فى مجلس العقد لك الخيار اختر هكذا البيع الرواية الثامنة من رواية عبد الله بن قيسٍ الأسلمى نحو رواية سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين فى معجم الطبرانى الكبير انظروا هذه الرواية فى المجمع أيضا والحديث إخوتى الكرام ذكر الإمام ابن عبد البر فى التمهيد طرق ست رويات بإسانيده فانظروها أيضا فى التمهيد فى الجزء الرابع عشر من صفحة سبع عشرة إلى صفحة خمس وثلاثين قرابة عشرين صفحة من رواية ستة من الصحابةالكرام وهم الستة المتقدمين ابن عمر وسمرة بن جندب وأبو برزة وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وحكيم بن حزام يعنى ما ذكر رواية ابن عباس ولا رواية عبد الله بن قيس الأسلمى وفى الاستذكار فى الجزء العشرين صفحة تسع عشرة ومائتين إلى خمس وخمسين ومائتين أفاض فى شرح هذا الحديث وبيان الأحكام الفقهية فيه فى قرابة خمس وعشرين صفحة رضى الله عنه وأرضاه البيعان بالخيار

إخوتى الكرام كما قلت الحديث واحد وثابت ويحتج به لكنه حمَّال احتمل معنيين تفرقا باللسان تفرق بالأبدان احتمل هذا وهذا فذهب إمامان مباركان أبو حنيفة وبعده الإمام مالك رضى الله عنهم وأرضاهم بأن التفرق هو التفرق باللسان بالأقوال لا بالأبدان هذا إخوتى الكرام أحد توجيهات للحديث قالوا تفرق باللسان والكلام لمَ تقولون هذا معنى الحديث قال لأن الاجتماع بالأبدان لا يؤثر فى البيع وكذا الافتراق هل يشترط لصحة البيع اجتماع الأبدان يشترط؟ يحصل البيع بكتابة أوليس كذلك؟ ولا يشترط وجود البدنين قال اجتماع الأبدان لا يؤثر فى صحة البيع وكذا الافتراق الوجود بالبدن وعدمه سواء إنما الإيجاب والقبول هو الذى يتعلق به بالحكم وثبوت البيع ثم بينوا أن التفرق يراد منه التفرق بالأقوال المستعمل هذا بكلام ذى العزة والجلال وكلام نبينا عليه الصلاة والسلام قال الله عز وجل فى كتابه (وإن يتفرقا فى حق الزوجين يغن الله كلا من سعته) طيب هنا ما المراد بالتفرق الطلاق أوليس كذلك؟ تفرق بالأقوال ترتب عليه بعد ذلك افتراق بالأبدان موضوع آخر لكن تفرق بالأقوال وقال جل وعلا {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} [آل عمران/105] بأى شىء تفرقوا بأقوالهم عقائدهم والأبدان قد تكون مع بعضها أى تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى قلوبهم متفرقة وهم فى الظاهر فى مجلس واحد هذا تفرق فلا يراد هنا التفرق بالأبدان منه حديث افتراق الأمة أن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة تقدم معنا أن الحديث متواتر وليس بمستفيض فقط قد تقدم معنا تخريجه ما المراد بتفرق الأمة تفرق الأبدان أو العقائد والأقوال والأديان يعنى هذا يقول بقول وهذا بقول وهذا يعتقد شيئا وهذا يعتقد شيئا وهنا البيعان بالخيار ما لم يفترقا وقال حتى يفترقا يحتمل التفرق بالكلام لأن وجود الأبدان لا أثر له فى صحة البيع وتفرق الأبدان لا أثر له أيضا له فى ذلك

حقيقة كلامهم معتبر وتوجيه شرعى مقرر أما بعد ذلك صحيح قطعى أو ظنى يا عبد الله تقدم معنا قلنا الاجتهاد من أوله لآخره ليقرر حكما شرعيا حسب ما فى وسعه على طريق القطع أو الظن فهنا حقيقة أمر ظنى يمكن أن يكون الأمر كذلك متى يكون هذا قطعى لو أن الأمة أجمعت على هذا المعنى لصار قطعيا ما دام هنا خلاف الأمر ظنى هذا يحتمله الحديث وهذا يحتمله الحديث والحمد لله الذى جعل فى الأمر سعة هذا الأمر الأول من توجيهات الحديث أن المراد من التفرق التفرق بالكلام باللسان لا بالأبدان هذا هو الحديث البيعان بالخيار ما لم يفترقا وقال حتى يفترقا يعنى ما دام لا يوجد تفرق بينهما بالأقوال لهما خيار إذا حصل بعد ذلك اتفاق بعت وهناك اشتريت إيجاب وقبول تم البيع هذا كما قلت يعنى معنى أول معنى ثانٍ توجيه الحديث الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه ومعه وقبله الإمام أبو حنيفة رضى الله عنهم وأرضاهم هذا المعنى الذى ذكروه إخوتى الكرام يقول الإمام مالك العمل عندنا فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه على خلاف ما فهم من فهم من أن المراد بالتفرق التفرق بالأبدان العمل عندنا على خلاف ذلك والإمام ابن عبد البر مع أنه مالكى رضى الله عنه وأرضاه ردَّ هذا وقال لا يصح دعوة إجماع أهل المدينة فى هذه المسألة لأن الاختلاف فيها أهل المدينة معلوم وأى إجماع يكون فى هذه المسألة إذا كان المخالف فيها يقول منهم المخالف فيها ابن عمر وسعيد ابن المسيب وابن شهاب الزهرى وابن أبى ذئب ثم قال وقد قال ابن أبى ذئب من قال: إن البيعين ليسا بالخيار حتى يفترقا استُتيب يقول وجاء بقول يعنى الإمام ابن أبى ذئب فيه خشونة تركت ذكره وهو محفوظ عند العلماء القول الذى فيه خشونة عندما قال فى حق سيدنا الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه قال: الإمام مالك يُستتاب عندما قال إن معنى الحديث حتى يفترقا الأقوال لا بالأفعال يُستتاب فإن تاب وإلا ضُربت رقبته

يعنى هو كفر بالله جل وعلا!!! هو على هدى وصواب وكلمة فجة غليظة ومع ذلك يلتمس له عذر رضى الله عنه وأرضاه أخذته الغيرة يعنى على فهمه الشرعى لا أقول على النص الشرعى ,النص الشرعى مع الإمام مالك كما هو مع الإمام ابن أبى ذئب لكن الغيرة على فهمه الشرعى ولكن ليس من حقه أن يرد فهم غيره أخذته الغيرة وقال كلمة يُعذر فيها وهو مخطىء فيما قال يغفر الله لنا وله ولذلك الإمام ابن عبد البر يقول جاء بقول فيه خشونة تركت ذكره وهو محفوظ عند العلماء إخوتى الكرام كما قلت الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه يقول العمل ليس عليه فى المدينة المنورة الإمام ابن عبد البر يقول لا يصح دعوى إجماع أهل المدينة يوجد من خالف من ابن عمر وسعيد بن المسيب وابن شهاب الزهرى وابن أبى ذئب الذى يبدو لى والعلم عند ربى لا يُعترض بهذا على كلام الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه فالإمام مالك يقصد بالعمل يعنى العمل المنتشر المشتهر الذى عليه أهل المدينة لا يقصد أنه لا يوجدفى هذا يعنى خلاف من بعض الأفراد منهم وإذاً لصارت المسألة قطعية ما يحق لأحد أن يخالف لا من أهل المدينة ولا من غيرهم يعنى يوجد أفراد لهم رأى فى هذا الحديث لكن الذى عليه العمل فى أسواق أهل المدينة فى بيوعهم فى شرائهم هذا يبقى الإمام ابن عمر رضى الله عنه يرى أن التفرق بالأبدان وبعده ابن شهاب الزهرى وسعيد بن المسيب وهكذا ابن أبى ذئب هؤلاء أفراد لكن العمل الذى عليه أهل المدينة على منورها صلوات الله وسلامه هو ما قرره الإمام مالك وليس يعنى لا يقصد بالعمل أنه لا مخالف فى ذلك هذا أيضا توجيه ثان للحديث يقول تفرق بالأقوال لا بالأبدان لأن العمل على خلاف هذا هناك إخوتى الكرام أيضا يعنى توجيه ثالث للحديث يقولون هذا الحديث البيعان بالخيار عارض قواعد العقود وأصولها فتقدم عليه لأنه متفق عليها والله جل وعلا يقول

يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود والعقد يتم بالإيجاب والقبول فجاء هنا حديث يستثنى يعنى الوفاء عندما يجعل الخيار لأحد المتعاقدَين بعد إيجاب وقبول يعنى فى عقد النكاح بعد أن يتم إيجاب وقبول هل لأحد التراجع لا ثم لا فى عقد الطلاق بعد أن يطلق ليس له أن يتراجع ويقول أنا سأرجع متى ما صدرت الكلمة يترتب عليها أثرها وهنا كذلك عقد يرتبط به الحكم وعليه الحديث هذا جاء مخالفا للنصوص انتبه لأى أى قاعدة عقلية لنصوص قررت وجوب الوفاء بالعقود بعد اكتمالها إيجاب وقبول وهنا علق الوفاء ولا يزال اختيار لأحد المتعاقدَين فخالف كما قلت القاعدة التى دلت عليها نصوص شرعية إذاً تقدم تلك لأنه تلك ثابتة بنصوص كثيرة فعارضها هذا وهو أمثل منها فيقدم ما هو أقوى ولا يقصد بالتفرق إذاً تفرق الأبدان الإمام ابن عبد البر رضى الله عنه وأرضاه مع أنه مالكى وانظر هذا لديانته وصلاحه وإمامته ويرى أن التفرق بالأبدان مع أنه شيخ مالكى ولا غضاضة ولا حرج إخوتى الكرام هذا دين الرحمن وليعلم بعد ذلك السفهاء فى هذه الأيام عندما يقولون موضوع تعصب وما تعصب الإنسان إذا استبان له حقيقة الديانة تلزمه أن يقول هذا فيما يظهر لى أرجح لكن ليس من حقه أن يعترض على القول الآخر استبان لك قل به فالإمام ابن عبد البر يرى أن الرماد بالحديث التفرق بالأبدان لكن حقيقة يعنى عرَّض بالمالكية والحنفية بكلام فيه خشونة كما قال هو عن كلام الإمام ابن أبى ذئب فيه خشونة والله بغفر لنا وله بفضله ورحمته استمع لعبارته قال فى التمهيد: أَكثَرَ المتأخرون من المالكيين والحنفيين من الاحتجاج بمذهبهما أكثروا من إيراد الحُجج فى بيان توجيه هذا الحديث وأن التفرق المراد منه تفرق بالأقوال أَكثَرَ المتأخرون من المالكيين والحنفيين من الاحتجاج بمذهبهما بما يطول ذكره وأكثره تشغيب لا يحصل منه شىء لازم لا منفعة له ثم قال فى الاستذكار:

واحتجاجهم بمذهبهم فى رفع ظاهر الحديث طويل أكثره تشغيب لا معنى له لأن الأصول لا يُرد بعضها ببعض يقول عندكم أصل وهو أن العقود إيجاب وقبول ولا خيار لأحد المتعاقدَين يستثنى منه عقد البيع, الأصول هذا أصل وهذا أصل لا يرد بعضها ببعض وما تقولونه شغب عندك وعندى من يرى التفرق بالأبدان الشاهد إخوتى الكرام حديث احتمل معنيين أئمتنا الكرام استمع لم ينفرد الحنفية يعنى لو أن الحنفية انفردوا لجاء معترض وقال هؤلاء أهل الرأى وأهل القياس, وافقهم شيخ الشافعية إمام أهل الأثر فى مدينة سيد البشر عليه صلوات الله وسلامه وهو الإمام مالك نجم السنن قال بهذا طيب يا إخوتى الكرام لابد إذاً من أن نتقى ربنا وأن نقف عند حدودنا نقول هذا فهم معتبر وهذا فهم معتبر كما قلت مرارا فى مواعظ سالفة أمور الخلاف التى تتعلق بالمعاملات وبالقضاء يدخل فيها ولى الأمر ليلزم الناس بعد ذلك بما يتبناه وبما يأخذ به مما اختلف فيه أئمتنا فإذا رأى ولى الأمر أنه هناك خيار خيار للمتعاقدين ما داما فى مجلس العقد فهو يلزم الحنفية والمالكية بهذا ويقول هذا قول يقرر فى دروس العلم وفى المساجد, تذكر أدلته لكن لابد من الحياة العملية من إلتزام بعد ذلك بقول فأنا أرى أنه يُعمل بمذهب الشافعى فى هذه المسألة وعليه خيار المجلس ثابت مادام المتعاقدان فى المجلس هذا له ذلك وعلى أيضا العكس لو اختار مذهب أبى حنيفة مذهب الإمام مالك رضى الله عنهم وأرضاهم وقال إذا صدر الإيجاب والقبول فلا خيار ليس من حق أحد أن يقول أنا على مذهب الشافعى وسأفسخ العقد نقول يا عبد الله الآن لا خيار لك وكونك تميل لهذا المذهب الآن يوجد تبنى لحكم كذا إن أراد بعد ذلك المتعاقد الثانى أن يفسخ من باب الرضى فهذا خير وبركة وإلا ليس من حقك أنت أن تلزمه ولا أن تغضب

هذا إخوتى الكرام مثال وكما رأيتم من الأمثلة التى هى فى المعاملات هنا اختلف الأئمة الأربعة على قولين النص كما تقدم معنا واحد لكن احتمل والفهوم اختلفت وأسباب الاختلاف كما قلت يعنى أعظمها ترد إلى هذين الأمرين احتمالات النصوص تعدد معانيها تغاير الفهوم وتباينها وكما قلت أهل العلم فى حفظه متقاربون وفى استنباط فقهه متباينون وهنا كذلك هذا الحديث حفظه أئمتنا وما غاب عن أحد ولا يأتين بعد ذلك إنسان يقول هذا الحديث ما بلغ أبا حنيفة وما بلغ الإمام مالك رواه فى الموطأ وتقدم معنا رواية ابن عمر مروية فى الموطأ والعلم على خلافه فقف عند حدك ومعناه كذا فهنا حقيقة إخوتى الكرام الذى ينظر فى هذين المعنيين لهذه الأحاديث من روايات متقدمة حقيقة يقول هذا معتبر وهذا معتبر بقى بعد ذلك الخلاف فى القضايا كما قلت يعنى الاجتماعية بين الناس العملية يأتى ولى الأمر يتبنى ليرفع الخلاف هذا له ذلك إنما هذا قول معتبر وهذا قول معتبر وليس من حق أحد أن يضلل أحد القولين أو يقول إنه فاسد, أنت بعد ذلك تميل إلى هذا أو تميل إلى هذا بناء على ما يطمئن إليه قلبك من دليل فالأمر فيه سعة ورحمة الله واسعة إخوتى الكرام الإمام ابن أبى ذئب رضى الله عنه وأرضاه من رجال الكتب الستة محمد بن عبد الرحمن ثقة فقيه فاضل توفى سنة ثمان أو تسع وخمسين بعد المائة إمام صالح من العلماء القانتين الربانيين قال الإمام أحمد رضى الله عنه وأرضاه كان يشبه بسعيد بن المسيب فقيل للإمام أحمد خلف ابن أبى ذئب مثله وتوفى قبل الإمام مالك ثمان وخمسين أوليس كذلك؟ أو تسع وخمسين قبل الإمام مالك رضى الله عنهم وأرضاهم يعنى من قرابة عشرين سنة تسع وسبعين الإمام مالك وهنا إذا كان تسع وخمسين لقرابة عشرين سنة قيل للإمام أحمد خلَّف مثله ابن أبى ذئب قال لا ثم قال كان أفضل من الإمام مالك إلا أن مالكا رحمهم الله أجمعين كان أشد تنقية للرجال منه

هذا رأى للإمام أحمد أيضا رضى الله عنه وأرضاه قال الذهبى قلت وهو أقدم لقيا للكبار من مالك ولكن مالكا أوسع دائرة فى العلم والفتيا والحديث والإتقان منه بكثير ونعته الإمام الذهبى بأنه هو الإمام شيخ الإسلام رضى الله عنه وأرضاه ومن مناقبه وفضائله وجرأته فى الحق وعدم يعنى مداهنته أن الخليفة المهدى عندما دخل إلى مسجد نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قام من قام وفى رواية ما بقى أحد إلا قام إلا الإمام ابن أبى ذئب فجاء إليه الحارس ومعه هؤلاء الحراس قم خليفة المؤمنين أمير المؤمنين الخليفة المهدى قال إنما يقوم الناس لرب العالمين وهو قاعد فقال المهدى دعوه والله لقد قفَّ كل شعرة فى جسدى وقفت من هذا الكلام إنما يقوم الناس لرب العالمين وتقدم معنا صدعه بالحق فى مجلس أبى جعفر المنصور رحمهم الله وغفر لهم الإمام ابن أبى ذئب من العلماء القانتين وقال ما قال فعلق الإمام الذهبى على كلمته بما ستسمعونه فى السير فى الجزء السابع صفحة اثنتين وأربعين ومائة قال الذهبى: قال الإمام أحمد رضى الله عنه وأرضاه بلغ ابن أبى ذئب أن الإمام مالك لم يأخذ بحديث البيعان بالخيار ولم يأخذ فى الحقيقة فيها تساهل واضح هذا لم يفهم منه ما فهم أن المراد بالخيار بالتفرق التفرق بالأبدان هو هذا الذى لم يفهمه فقال يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم قال أحمد هو أورع وأقول بالحق من الإمام مالك رضى الله عنهم وأرضاهم قال الذهبى معلقا على كلام الإمام أحمد رضى الله عنهم وأرضاهم أجمعين قلت: لو كان ورعا كما ينبغى لما قال هذا الكلام القبيح فى حق إمام عظيم وحقيقة كلام قبيح كلام فج كلام غليظ من نفس طيبة طاهرة مؤمنة صالحة قانتة وليس من شرط الولى ألا يخطىء وليس من شرط الولى إلا يغضب والله يقول فى كتابه إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون

ويقيننا ليس غلبة الظن أن ابن أبى ذئب ندم على هذه الكلمة لكن كل بنى آدم خطاء والتسرع حقيقة خطأ فهنا قلت لوكان ورعا استمع كما ينبغى!! هذا هو الورع كما ينبغى هذا لا يوجد إلا فى الأنبياء الكرام هم المعصومون ومن عداهم لا يسلم من زلة على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه لو كان ورعا كما ينبغى لما قال هذا الكلام القبيح فى حق إمام عظيم فمالك استمع للإلتماس العذر ولبيان صحة قول الإمام مالك والذهبى شافعى يعنى يرى ان التفرق تفرق بالأبدان لكن يا إخوتى لابد من إنصاف علماء الإسلام لابد وهذا فهم شرعى معدود على أنه من أحكام الشريعة لا يجوز التسفه عليه فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث استمع لعلتين: الأولى لأنه رآه منسوخا وقيل عمل به وحمل قوله حتى يتفرقا على التلفظ بالإيجاب والقبول فمالك فى هذ الحديث وفى كل حديث له أجر ولابد فإن أصاب ازداد آخر وإنما يرى السيف على من أخطأ فى اجتهاده الحرورية وهم الخوارج شر البرية الذين يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ونسبوا إلى الحرورية إلى بلدة حاروراء بظاهر الكوفة عندما اجتمعوا فيها وتعاقدوا على حرب وتكفير سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه وإنما يرى السيف على من أخطأ فى اجتهاده الحرورية وبكل حال فكلام الأقران بعضهم فى بعض لا يعول على كثير منه فلا نقصت جلالة الإمام مالك بقول لأبى ذئب فيه ولا ضعف العلماء ابن أبى ذئب بمقالته هذه خلص غضب وانفعال لا تقف يا عبد الله عندها كثيرا يعنى بشر وزل لا الإمام ابن أبى ذئب يضعف بهذه الكلمة الخشنة والإمام مالك ما نزلت مكانته ورتبته بكلام ابن أبى ذئب فيه يعنى ليس أنه كلام لغو لا أثَّر فى القائل ولا فى المقول أوليس كذلك؟ ولا ضعف العلماء ابن أبى ذئب بمقالته هذه بل هما عالما المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه فى زمانهما رضى الله عنهما هذا هو الإنصاف وهذه هى الديانة

إخوتى الكرام لابد من نعى هذا فى هذه الأيام على وجه الخصوص لأنه كثر لغط حول هذه القضايا ويأتيك بعد ذلك سفيه من السفهاء فيقول تقولون الأئمة الأربعة أصولهم واحدة لمَ اختلفوا؟ يا عبد الله لو أردنا أن نلغى مذاهبهم لتتفضلوا أنتم لتجتهدوا ستخبطون تخبيطا وتضعون من الأقوال ما يخطر على بال الخلق من خلافات فيما بينكم فاتقوا الله وقفوا عند حدكم, نص احتمل أكثر من معنى انتهى أئمتنا جاؤوا بعد ذلك التمسوا هذه المعانى لو أجمعوا على معنى من معانيه لكان حجة قاطعة عندما اختلفوا الحمد لله رحمة واسعة إثارة هذه المسائل والتشويش حولها كما قلت مرارا ما يفعله إلا من غضب الله عليه والتماس مثل هذه الزلل يأتى إنسان يقول الإمام مالك عندما خالف الحديث ابن أبى ذئب قال تضرب رقبته وهذا ينبغى أن نعمله مع من يخالف السنة ونقول لكم قال رسول الله عليه الصلاة والسلام وتقولون قال أبو بكر وعمر يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء يا عبد الله قف عند حدك إنسان انفعل وقال ذلك الكلام غاية ما يقال يعنى انفعل وأخطأ يغفر الله لنا وله

وتقدم معنا عندما قال عروة بن الزبير أوليس كذلك؟ لسيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهم أجمعين هما أعلم بالسنة منك يا عبد الله لا داعى الآن يعنى كما يقال لهذا الكلام المعسول الذى يُخدع به السامع إننا نتبع السنة ونترك ما عليه أبو بكر وعمر لا يا عبد الله هما أعلم بالسنة منك فعلها سنة وأما أنت فهمك دون فهمهم فسكت ابن عباس عند تلك المقولة وهنا كذلك فيأتى إنسان يستدل بهذا أو ينشر هذا بين المسلمين ولا ينشره بينهم إلا من غضب عليه رب العالمين ونحن إخوتى الكرام كما قلت مرارا أمام كفر بواح وردة عن دين الله جل وعلا فى هذه الأيام وإمام فسوق وانحلال بدل من أن تحارب تلك نُشغل الأمة بهذه الأشياء لعله لا يخلو بيت من بيوت المسلمين فى هذه الأيام من الجهاز اللعين أوليس كذلك؟ ألا نشغل دروسنا وتحذيرنا للمسلمين من هذا الفساد وأن من فى بيته هذا الجهاز هذا الفساد لا تقبل له صلاة ولا يقبل له صيام هذا إخوتى الكرام لابد من وعيه وكيف سيلقى الرحمن أما بعد ذلك هذا كله يترك ونأتى بعد ذلك فى هذه المشاكل والله يا إخوتى الكرام هذا الجهاز لو بُعث نبى من الأنبياء وهذا الجهاز فى البيوت لا يمكن لهذا النبى أن يؤثر ولا أن ينتفع بدعوته مادام هذا الجهاز فى البيوت فلنكن على علم بذلك هذا كله يُترك ثم بعد ذلك نأتى خلافات بين أئمة الإسلام يا إخوتى الكرام ينبغى أن نتقى الله وأن نقف عند حدودنا وهكذا بقية المفاسد التى نخوض فيها إلى آذاننا كلها تُترك وتُشغل دروس العلم بعد ذلك كلها خلافات واتباع النص وعدم اتباع المذاهب واتباعها بدعة وهو يُشغل الناس بهذيان لا وجود له يعنى كما يقال فى هذا الزمان لا وجود له ثم بعد ذلك دعوة الاجتهاد دعوة التطوير ودعوة دعوة كأنه ما شاء الله الأمة فقط لا يلزمها إلا مجتهدون ليُحكم باجتهادهم ليكون شريعة مقررة فى العالم من أوله لآخره

يا عبد الله ماذا تنفع الاجتهادات وماذا تنفع بعد ذلك وشريعة الله كلها نُحيت عن الحياة وبعد ذلك نأتى نثير هذه الخصومات بيننا وبين سلفنا تقدم معنا كلام العبد الصالح يحيى بن عمار أبى زكريا توفى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة من العلماء الربانيين القانتين انظروا ترجمته فى السير فى الجزء السابع عشر صفحة اثنتتن وثمانين وأربعمائة وكلامه فى مجموع الفتاوى فى الجزء العاشر صفحة خمس وأربعين ومائة قال: أنواع العلوم خمسة العلوم خمسة علم فيه حياة الدين وهو علم التوحيد وعلم هو قوت الدين وهو علم العظة والتذكير تقدم معنا فى أول دروس الفقه وعلم هو دواء الدين وهو علم الفقه وعلم هو داء الدين وهذا هو النزاع الذى جرى بين الناس وعلم هو هلاك الدين وهو علم الكلام والفلسفة وعلم الشعوذة والطلاسم داء الدين أن تثير النزاع الذى كان بين سلفنا الكرام الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين إخوتى الكرام هذه مسألة والمسألة الثانية كما قلت فى العبادات لابد من ذكرها أيضا على وجه الاختصار أشير إليها وأذكرها فى أول الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه والإخوة الذين يحضرون معنا كانوا فى تفسير سورة الفاتحة كنت أشرت إليها باختصار أيضا فى آخر تفسير سورة الفاتحة إخوتى الكرام اتفق أئمتنا أنه لابد من القراءة فى الصلاة هذا محل اتفاق واتفقوا على أنه إذا قرأ الفاتحة أحسن وأجزأه ذلك لكن انتبه هل تتعين الفاتحة أو لا؟ على قولين عند سيدنا أبى حنيفة رضى الله عنه وأرضاه لا تتعين ويجزىء غيرها وعند المذاهب الثلاثة تتعين القول الثانى الذى يترتب على هذا هذا الشىء الذى يتعين ولابد منه وهو القراءة من فاتحة أو منغيرها على من يلزم هل يلزم كل مصلٍ أو بعض المصلين؟ فالإمام أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه يلزم كل مصل إلا المأموم فلا يقرأ فاتحة ولا ما عداها فى جميع أحوال اقتدائه فى جهرية أو فى سرية كما تقدم معنا

والإمام مالك والإمام أحمد ورضى الله عن أئمتنا أجمعين يريان أنه لا يتعين على المأموم قراءة من باب الوجوب لكن إن جهر الإمام يُكره للمأموم أن يقرأ الفاتحة ومن باب أولى ما عداها وإن أسر فيسن له يسن أن يقرأ والقول الثالث قول الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه القراءة واجبة فى جميع الركعات والفاتحة هى ويسن ما زاد عليها سواء إن كان إماما أو مأموما أو فذا إذاً عندنا هذه الأحوال الخمسة القراءة لابد منها لكن هل تتعين الفاتحة على قولين وإذا تعينت القراءة الفاتحة أو غيرها هل هى على كل مصل على ثلاثة أقوال خمسة أقوال لا يوجد واحد منها إلا وعليه دليل أظهر وأضوأ من ضوء القنديل وأقوال معتبرة كل قول قال به إمام جليل فأنت ماذا تفعل نحو هذه الأقوال حقيقة ما تراه أحوط يطمئن قلبك إليه إن كنت تبحث فى الأدلة فلك أن تعمل به أما أن تلزم أحدا بذلك وتقول من لم يقرأ الفاتحة إذا كان مأموما صلاته باطلة أو إذا قرأ صلاته مكروهة ليس من حقك هذا وحقيقة كما قلت لكم مرارا يعلم ربى ما أمرت أحدا أو نهيته نحو هذه المسائل لا قلت اقرأ ولا لا تقرأ ولما يأتى معنا بحث أذكر حسب يعنى الأدلة التى قررها أئمتنا أحيانا أحيانا يعنى بعض الناس يسأل ما الذى تفعله أنت, أقول ما لك ولى يا عبد الله يعنى أنا لست بحجة على نفسى فضلا على غيرى هذه أقوال أئمتنا لكن من باب البيان قول كذا يعنى أراه فى حق نفسى أحوط أما أننى أدعو إليه ألزم الناس به أحمل كما يقال يعنى السلم بالعرض فى وجه الأمة إذا لم تفعلوا هذا ما صحت صلاتكم!!! يا إخوتى هذا ضلال ليس من حق أحد أن يفرض نفسه على أمة نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أدلة كلها عليها أحاديث كما ستسمعون صحيحة صريحة فى المطلوب بقى بعد ذلك أئمتنا رجحوا هذه على هذه أوهذه على هذه على حسب ما قالوه من أقوال وهم مأجورون

المواعظ

شروط قبول العمل (الموعظة الأولى) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الموعظة الأولى شروط قبول العمل الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله تعالى عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد غضبك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتي الكرام.. موعظتنا في هذه الليلة موعظة موجزة مختصرة بناءاً على رغبة إخوتي الكرام في الحي المبارك وعلى رغبة أخي الكريم إمام المسجد الشيخ محمد الصاروي تقبل الله منا ومنه والمسلمين أجمعين وهذا لا ينفي بأن دروس الشيخ بها علماً وتذكير وأن موعظتي في هذه الليلة إلا مشاركة لأخي الكريم بما يقوم به، نسأل الله أن يتقبل منا جميعاً. إخوتي الكرام: هذه الموعظة لم أذكر فيها شيئاً جديداً، كل واحد منا يعرفه ولعله أن ترجوه في سلوكه مع ربه في جميع شؤون حياته، إنما أريد أن أذكره من باب التذكير فقد أمرنا الله بذلك وأمرنا أن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر فكل ما أذكره أغلب ظني معلوم عند المسلمين أجمعين لكن كما قلت ذلك من باب التذكير فلذلك نجالس هذه اللحظات القصيرة وتحصل له فائدة التذكير وما أظن أنه سيفوت منه شئ، ونسأل الله أن يرزقنا علماً نافعا وعملاً صالحا وأن يتقبل منا بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام..

موعظة هذه الليلة تدور حول أمر كما قلت يعلمه كل أحد وينبغي أن يعظه كل أحد وهذا الأمر هو لو تأمل كل واحد منا الناس لرآهم يعملون أعملا ولا يخلوا أحد من عمل لكن يتفاوت الناس في أعمالهم فنهم من يغتنم حياته فيعمل الخيرات ومنهم من يتخبط في هذه الحياة ويبتلى بالمنكرات والقاذورات، لكن لا يخلو إنسان من عمل ولا تخلوا نفس من نية وقصد وهم وعزم، والنفوس جوالة فإما أن تجول نفس الإنسان حول العرش وإما أن تجول حول الحش وكل واحد سيعمل في هذه الحياة ولا بد فنهم من يعمل عملا صالحاً يفك رقبته من النار ومنهم من يعمل عملا خبيثا يوبقه في النار، كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، وإذ كان الأمر كذلك فقد يسأل سائل ومن حقه أن يسأل متى يكون العمل صالحا فيقبل عند الله عز وجل ويثاب عليه الإنسان.؟ ومتى يكون العمل بخلاف ذلك.؟ وحقيقة هذا الأمر إخوتي الكرام ينبغي أن يعيه كل فرد منا وهذا هو موضع موعظتنا في هذه الليلة المباركة العمل الصالح. متى يكون العمل صالحا؟ الشروط التي إذا وجدت في العمل صار صالحا وقبله الله عز وجل، أعمالنا كثيرة فلابد إذاً من شروط لهذه الأعمال لتكون صالحة عند ذي العزة والجلال. إخوتي الكرام: لا يكون العمل صالحا مقبلا عند الله عز وجل إلا إذا وجد فيه ثلاثة شروط سأوجز الكلام عليها إن شاء الله وكما قلت هي معلومة وهذا موضوع موعظتنا في هذه الليلة المباركة. الشرط الأول:

أن تصدر الأعمال من مؤمن لله جل وعلا، فلابد من الإيمان لله جل وعلا ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فمن حَرِفَ عن الإيمان فوقع في الإشراك أو الكفر بالرحمن، فمهما عمل من الأعمال الحسان ترد عليه ولا تقبل عند ذي الجلال والإكرام، وقد قرر الله هذا في كثير من آيات القرءان فقال جل وعلا: {إنه من يشرك بالله فقد حبط عمله} ، {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} وقال جل وعلا: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما} ، {ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا} . أخبرنا الله جل وعلا أن من خرج عن الإيمان فهو من أهل الخسران {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} فإذا لم يتصف الإنسان بصف الإيمان أعماله مردودة عند ذي الجلال والإكرام، فلو قدر أنه قام بصدقة أو صلة رحم أو غير ذلك من أنوع البر كل هذا سيرد عليه ولا يقبل عند الله عز وجل، كما قرر الله جل وعلا في آيات القرءان الكريم يقول الله جل وعلا في سورة الفرقان: {وَقَالَ الذَّينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيرَا، يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرَاً مَحْجُوراً، وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُوْا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} والهباء إخوتي الكرام هو الشعاع الذي يرى عند شدة حرارة الشمس هباء يتطاير عند شدة حرارة الشمس ذرات صغيرة هذه هي الهباء {هباءً مَنْثُوراً} .

والهباء هو ذرات التراب الصغيرة التي تتطاير عند وجود الرياح، والهباء هو النار إذا احترقت وصارت رماداً ثم عبثت بها الرياح فتطايرت هنا وهناك هذا هو الهباء، والهباء هو رذاذ الماء عندما يتطاير إذا صب الإنسان ماءً فيخرج منه رذاذٌ خفيفٌ هذا هو الهباء. يقول الله عن أعمال الذين لا يرجون لقاءه إذا قدموا عليه يوم القيامة {وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً} وهذا الهباء يكون متفرق متباعد بحيث لا تجتمع ذرة مع ذرة فلا ينفعهم عمل عند الله جل وعلا {هَبَاءً مَنْثُوراً} والهباء في الأصل متفرقٌ إنما ليقرر الله المعنى أتم تقرير أردفه بالكلمة التالية الأخرى {هَبَاءً مَنْثُوراً} وهذا الذي يسميه علماء البلاغة في علم البديع بالإغال والتتميم وهي أن يردف المتكلم كلامه بكلمة يزيل بها اللفظ ويقرر المعنى في النفس فيرفع عنها الوهم لتستقر في الفهم والأمر كذلك، الهباء هو الشيء المتطاير فأتبعه بهذه اللفطة {مَنْثُوراً} ليبن أنه لا يجتمع ولا يمكن أن تكون ذرة مع ذرة فجعلناه هباءً منثورا أي متفرقاً ضائعاً لا وجود له ولا ثبات ولا استقرار ولا نفعاً ولا مكاناً {وَقَدِمْنَا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} وهذا إخوتي الكرام في الآخرة والله لا يظلم أحدا، فما يجري من الكافر من حسنات في هذه الحياة من صلة رحمٍ أو صدقةٍ أو غير ذلك يكافئه الله عليها في هذه الحياة من صحةٍ وطعامٍ وهواءٍ وشربٍ وغير ذلك كما ثبت ذلك في صحيح مسلمٍ من حديث أنس رضى الله عنه [عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {إن الله لا يظلم مؤمناً حسنةً يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة} هذا كرم الله على المؤمنين أي يعطا عليها مكافئةً وجزاءً في الدنيا من صحةٍ ونعمٍ لا تحصى وحياةٍ طيبةٍ مطمئنةٍ لكن يدخر له الأجر العظيم عنده يوم الدين، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر

فيطعم بحسناته التي عمل بها في هذه الحياة الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنةٌ يجزى بها] فأعطاه الله جزاء ما عمل في هذه الحياة عندما سخر له الهواء والماء والغذاء والكساء وغير ذلك من نعمه التي لا تحصى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} إذاً أم الثوب في الآخرة يضيع وكوفئ الكافر على عمله في هذه الحياة أما في الآخرة فلا ينتفع بعمل ما دام كافراً بالله مشركاً به جل وعلا كما قال الله جل وعلا {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرمادٍ} والرماد هو الحطب إذا احترق {أعمالهم كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصفٍ لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد} وضرب الله مثلاً أي ضل أعمال الكفار في سورة النور بل مثلين فقال جل وعلا: {والذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب} هذا هو المثل الأول، أعمال الكافر في هذه الحياة يتوقع عليها نفعاً هو في ظنه ووهمه بعد الممات لا حقيقة لذلك حاله كحال من ينظر إلى السراب، وهو ما يتراء من ماءٍ لمن ينظر في شدة الحرارة عند الظهيرة في صحراء، لو نظر الإنسان إلى الصحراء إلى الأرض الممتدة الصحراء الواسعة عند الظهيرة لتراء له أنه يوجد أمواج من المياه يركب بعضها بعضا لكنه إذا اقترب من ذلك المكان الذي يخيل إليه أنه فيه ماء تبين أنه لا يوجد ماءٌ إنما هو سراب تراء له ولا حقيقة له، وهكذا عمل الكافر {الذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعةٍ} بأرض ممبسطةً، والسراب ما يتراء للناظر أنه ماءٌ عند شدة الحر وليس بماءٍ {كسراب بقيعةٍ حسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب} والمثل الثاني {أو كظلمات في بحر لجيٍ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور} .

إذاً ظلماتٌ كثيرةٌ متداخلةٌ متطابقةٌ الظلمة الأولى بحر لجيٌ عميق فلا يرى ما في قعره يرتفع على هذا البحر أمواجٌ تمنع الرؤيا فلا يمكن أن ترى سطح البحر من كثرة الأمواج فضلاً عن رؤية قعره ويعلوا هذه الأمواج سحبٌ كثيفةٌ مظلمةٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعض، وهكذا عمل الكافر ظلمةٌ في هذه الحياة ولا ينتفع به بعد الممات، إذا إخوتي الكرام الشرط الأول لقبول العمل عند الرحمن الإيمان بذي الجلال ولإكرام، نسأل الله أن يشرح صدورنا للإيمان به واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم. الشرط الثاني:

الشرط الثاني لقبول العمل ليكون صالحا وليقبل عند الله عز وجل إتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما نقوم به من أعمال، هذه الأعمال التي تصدر منا بعد أن أمنا بربنا ينبغي أن تكون حسب شرع رسولنا - صلى الله عليه وسلم - المبلغ عن الله جل وعلا سواءٌ في عقائدنا سواءٌ في عبادتنا سواءٌ في معاملاتنا سواءٌ في أخلاقنا وآدابنا سواءٌ في عقوباتنا وتأديبنا لغيرنا وحبنا وبغضنا له كل هذا ينبغي يأخذ من مشكاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن يكون على حسب شرعه وأن لا يكون للإنسان إمام في هذه الحياة إلا المصطفى عليه صلوات الله وسلامه، ونسأل الله أن يدعونا به يوم القيامة {يوم ندعو كل أناسٍ بإمامهم} نسأله أن ينادينا يوم القيامة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام ويا أتباع النبي عليه الصلاة والسلام يوم ندعو كل أناس بإمامهم، فلابد من متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع الحركات والسكنات فمن آمن بالله وعمل بعد ذلك على حسب رأيه وهواه وعرفه وعادته فعمله مردودٌ عليه، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد] وفي رواية لمسلم [من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد] عمل عملاً ليس عليه هدي النبي عليه الصلاة والسلام وهذا العمل لم يوافق شرع النبي عليه الصلاة والسلام فهو مردودٌ على فاعله سواءٌ كان من المؤمنين أو لا، وهو مردودٌ على فاعله سواءٌ أرد به الترقب الله أو لا فلا يقبل العمل عند الله إلا إذا كان موافقاً لشرع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع الحركة والسكنات فإذا عمل الإنسان عملاً ليس عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فعمله مردودٌ عليه. إخوتي الكرام..

ولا يتحقق الإيمان ولا يقبل إيمان الإنسان حتى يكون هواه تبعاً لشرع النبي عليه الصلاة والسلام، كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه الأمام أبو نعيم في كتاب الأربعين وشرط ألا يرد في كتابه إلا حديثاً صحيحاً من نقل الثقة عن الثقة والحديث رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ورواه البغاوي في شرح السنة ورواه الأمام أبو نصر المقدسي في الحجة على تاركي المحجة وإسناد الحديث في درجة الحسن من حديث عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به] وهذا المعنى الذي قرره النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إليه ربنا في كتابه فقال {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكوك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} هذا الشرط الثاني ليكون العمل صالحا وليقبل عند الله جل وعلا، إيمان بالله واتباع للنبي عليه الصلاة والسلام، إيمان بالرحمن واتباع للنبي عليه الصلاة والسلام. الشرط الثالث:

إخلاص لله جل وعلا في الأعمال التي نقوم بها، آمنا به واتبعنا شرع نبيه عليه الصلاة والسلام وأردنا بجميع أعمالنا التقرب إلى ربنا دون حظ من الحظوظ النفسية أو الدنيوية كما أشار ربنا جل وعلا إلى هذا الشرط بقوله {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} وإذا كان الإنسان من المؤمنين واتبع في عمله هدي النبي الأمين عليه الصلاة والسلام لكنه ما أراد بذلك وجه رب العالمين، أراد مراءت الناس حظاً من حظوظ الدنيا، حطاماً عاجلا فعمله لا يقبل عند أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفي إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطلٌ ما كانوا يعملون} من كان قصده وغايته في هذه الحياة أن يقوم بالطاعات ليحصل حطام الدنيا وعرضها وحظوظها من جاهٍ ومنزلةٍ وأي شيءٍ بعد ذلك من الأمور الدنيوية.

الموعظة الثانية حكم ما يدور في القلوب

حكم ما يدور في القلوب (الموعظة الثانية) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الموعظة الثانية حكم ما يدور في القلوب الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، وبيدك الملك كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب التوابين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ، عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله، أرسله اله رحمة للعالمين فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به عيوناً عميا، وآذاناً صما، وقلوباً غلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2)) ) سورة النساء: 1 (¬3)) ) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. تبين لنا في الموعظة السابقة أن القلوب ثلاثة أقسام: 1. قلب حي سليم نفسه مطمئنة راضية مرضية. 2. ويقابل ذلك قلب ثانٍ وهو قلب ميت سقيم صاحبه نفسٍ أمارة بالسوء كحال الشيطان الرجيم. 3. وهناك قسمٌ ثالث لم تكتمل الحياة في قلبه ولم تفارق الحياة قلبه. ففيه حياة ولكن فيها ضعف ونقص فهو في حالة مرض ونفس صاحب هذا القلب نفس لوامة تلومه وهي ملومة ومتلومة لا تثبت على حال، تتردد بين الخير والشر، والمعصوم من عصمه الله. إخوتي الكرام: وتقدم معنا أن ضابط النفس الطيبة الحية المطمئنة، انه يوجد فيها أمران، معرفة للحق وعمل به اكتملت القوة العلمية والقوة العملية فيه، وإذا فرط الإنسان في أحد هذين القسمين فقلبه ميت موتا لا حياة فيه، أو مريض مرضاً يفقد تمام الحياة عندما يصاب بالشبهات أو الشهوات، وقد خشي علينا نبينا صلى الله عليه وسلم الوقوع في أحد هذين المرضين، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه لا يخشى علينا إلا أحد هذين الأمرين، ففي مسند الأمام أحمد ومعاجم الطبراني الثلاثة والحديث رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى] فخشيت نبينا - صلى الله عليه وسلم - من حصيلة في هذين الأمرين شهواتٌ أو شبهاتٌ تفسدان القوة العلمية أو القوة العملية في الإنسان. إخوتي الكرام.. ¬

_ (¬1)) ) سورة الأحزاب 70، 71

وتقدم معنا في الموعظة السابقة، موقف الشيطان نحو أقسام قلوب بني الإنسان، فالشيطان لا يقترب من القلب الحي الطيب وليس له عليه سبيل ولا يقترب أيضاً من صاحب القلب الميت السقيم للإلا يضيع وقته فيه، فحال صاحب ذلك القلب كما قلت كحال الشيطان الرجيم، إنما مجال الشيطان في القلب المريض الذي لم يفقد تمام الحياة ولم تكتمل فيه الحياة، فهو يكر على ذلك القلب عندما يغفل الإنسان عن الرد وهو يفر عندما يذكر الإنسان ربه. إخوتي الكرام: وحال الشيطان الجني مع هذه القلوب الثلاثة كحال اللص الإنسي مع البيوت الموجودة في الأرض تماماً، فاللص من بني الإنسان تنقسم أمامه بيوت بني الناس إلى ثلاثة أقسام: ? بيت لا يستطيع أن يقربه مع أن له فيه مطمع والنفس تتطلع ما فيه من زينة الدنيا لكن إذا اقترب منه صرع وقتل وهذا هو بيت الأمراء فيه خيرات الدنيا شيء كثير لكن تلك البيوت قد حرست بالحرس فلا يستطيع اللص أن يقترب منها لما فيها من أهبة واستعداد، وهكذا العدو الجني الشيطان الرجيم لا يقترب من قلوب النبيين والصدقين. ? وهناك بيوت ثانية لا يقترب منها اللص الإنسي، لا لأنها فيها أهبة واستعداد وفيها مطمع، لكن لا يستطيع أن يصل إليه، لا ثم لا، ليس فيها أهبة واستعداد وهي مخلات لكل داخلٍ وخارجٍ لكم ليس فيها ما تتطلع إليه النفس في هذه الحياة وهي الخروب والبيوت المتهدمة الساقطة على عروشها التي تحولت إلى خرب ويقضي الناس فيها حوائجهم فحتماً لا يذهب اللص إليها ولا يقترب منها، وماذا يفعل فيها ولم يبقى فيها شيء وهكذا قلوب عتاد الإنس لا يقربها الشيطان الرجيم لما فيها من دنسٍ وفسادٍ وخبثٍ كحال قلب الشيطان الرجيم.

بقيت هناك بيوت ثالثة ليست بخرب وليست كبيوت الأمراء، وهي بيوت الرعية فيها شيء من الخيرات، لكن ليست فيها حرسٌ كما هو الحال نحو بيوت الأمراء فاللص الإنسي ينظر إلى هذه البيوت فإن رأى غفلة من أصحابها دخل وسرق منها وإذا أوصدت الأبواب أمام وجهه واحترس أهل البيت من قِبَلِ هذا اللص لا يستطيع أن يقترب منها، هذه البيوت في الأرض أحوالها كحال القلوب في الصدر تماما والعدو الجني حاله كحال العدو الإنسي، ونسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا. إخوتي الكرام.. هذه القلوب بأقسامها الثلاثة، القلب الحي السليم، والميت السقيم، والقلب الذي فقد تمام الحياة وكمالها ولم يصل إلى حد العطب والموت، هذه القلوب الثلاثة لا تفتر من حركة ولا تتوقف عن عمل ولابد من شيء تشغل به ولابد من خير أو شر، طاعة أو معصية من نفع أو ضر، ولذلك كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يلجأ إلى ربه في أن يثبت قلبه على الإيمان على الدوام وفي ذلك تعليم لنا. إخوتي في الإسلام.. أن نلجأ إلى ربنا بأن يثبت الإيمان في قلوبنا على الدوام، ثبت في مسند الأمام أحمد وسنن الترمذي بإسناد حسن عن شهب بن حوشب وهو من ءأمة التابعين أنه سأل أمنا أم سلمة رضي الله عنها فقال ما كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندك في بيتك (إذا جاء ليلتك فما أكثر دعاء يدعوا به نبينا عليه الصلاة والسلام) فقالت أمنا أم سلمة رضي الله عنها [كان دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -[اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك] إي والله إن القلب ما سمي قلباً إلا أنه يتقلب ولا يفتر من حركة وهو دءوب العمل في الخير أو الشر.

ثبت في الكتابين المتقدمين في المسند، وسنن الترمذي بسند صحيح عن - رضي الله عنه - قال كان يكثر النبي صلى - صلى الله عليه وسلم - من هذا الدعاء [اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك] فقلنا يا رسول - صلى الله عليه وسلم -، قد آمنا بك وصدقناك فهل تخاف علينا فقال عليه صلوات الله وسلامه وفدائه آباءنا وأمهاتنا [إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء] ، وثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عن عبد الله عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -[اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك] . إخوتي الكرام.. هذه القلوب بأقسامها الثلاثة لابد لها من حركة وعمل، إما أن تجول في الشر، وإما أن ترتع في الخير، ولذلك أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن أصدق اسم ينطبق على حقيقة الإنسان ويوافق مسماه على التمام، حارس وهمام، حارس مكتسب فاعل، فالفارق بين الحي والميت هو الفعل، وهمام، وهو الهم، لا يخلو واحداً منا من هم وخطرة وإرادة، ولا يخلو واحداً منا من كسب وسعي، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها. ثبت في مسند الأمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي، وأصل الحديث في صحيح مسلم، ولفظ الحديث في الكتب الثلاثة في المسند وسنن أبي داود والنسائي عن أبي وهب الجشمي وهو من الصحابة الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأقبحها حرب ومرة، وأصدقها حارس وهمام] أحسن الأسماء وأحبها إلى رب الأرض والسماء ما حمل اسم نبي أو دل على عبودية الله جل وعلا. اسمه محمد، أو أحمد أو يوسف أو يونس أو عبد الله أو عبد الرحمن أو عبد الرحيم أو عبد الحليم أو عبد العظيم.

وأقبح الأسماء ما دل على فتنة أو كرهٍ، حربٌ يدل على فتنة ومشاكل، ومرة، يدل على شيء تستكره النفوس وتتقذر منه وهي المرارة. وأصدق الأسماء. الأصدق يدل على مسماه وينطبق على حقيقته، حارس، أي فاعل مكتسب، لابد من كسب في الخير أو الشر، لابد، والنفس كما تقدم معنا إن لم تشغل بحق شغلت بباطل ـ وهذه النفوس والقلوب كالرحى، كالطاحون التي تفتر فإن وضعت فيها براً طحنته وأخرجت منه الطحنى دقيقاً، وإن وضعت فيها حجراً طحنته وأخرجت ترباً، وإن وضعت فيها شوكاً طحنته وأخرجت أذى وغماً وهماً، هذه النفوس لابد لها من حركة. أصدق الأسماء حارس وهمام، ولذلك قال أئمتنا الكرام هذه القلوب جوالة، فإما أن تجول حول العرش، وإما أن تجول حول الحش. إما أن تجول في الملأ الأعلى حول عرش الرحمن وتذكر ذا الجلال ولإكرام، وإما أن تطوف حول مزابل الإنسان ووساوس الشيطان. إما أن تجول حول العرش، وإما أن تجول حول الحش. إخوتي الكرام.. وإذا كانت هذه القلوب بأقسامها الثلاثة لا تفتر عن العمل وخترة وحديث وهم فينبغي على العاقل أن يقف عند قلبه وأن يتأمل ما يدور في نفسه وأن يبحث فيه هل هو له أو عليه إخوتي الكرام.. وهذا ما سنتدارسه في هذه الموعظة بإذن ربنا الرحمن، لأن أخوتي الكرام من مراقبة ما يدور في القلب ويجري في النفس فالإنسان بعمله القلبي يرتفع إلى درجة الصديقين أو يهوى إلى دركة الشيطان الرجيم، إما أن يكون في أعلى عليين أو في أسفل السافلين بعمله القلبي وأكثر. شهداء هذه الأمة أصحاب الفرش ورُبَّ قتيلٌ بين الصفين الله أعلم بنيته، هذا القلب لابد من مراقبة ما يقع فيه وهذه النفس لابد من مراقبة ما يجري فيها. إخوتي الكرام..

إنما يدور في قلوب بني الإنسان ويخطر في نفوسهم ينقسم إلى خمسة أقسام أولها المرحلة الأولى: مرحلة الهاجس، وهذا الهاجس عرفه أئمتنا الكرام بأنه الشعور بأمر من الأمور في جانب الخير أو الشرور من غير اختيار من الإنسان ثم زال هذا الشعور من غير اختيار منك، ويقال على هذا الذي يقع في قلبك ويدور في نفسك إذا خطر وزال كان خطراته على قلبك ووقوعه بغير اختيارك وزواله بغير اختيارك يقال له هاجس، هذا الهاجس تكرم الله علينا فلم يعاقبنا عليه إذا كان في جانب السيئات وأيضاً لا ثواب عليه إذا كان في جانب الحسنات. ويليه أيضاً الخاطر: وهو استمرار ذلك الشعور جانب الخير أو الشرور فترة أطول من الهاجس ثم زوال ذلك الخاطر أيضاً دون اختيار منك، فالهاجس والخاطر هجما عليك بغير اختيارك وزولهما عنك بغير اختارك إن كانا في الخير أو الشر لا تثاب عليهما ولا تعاقب عليهما والسبب في ذلك أنه ليس منك كسبٌ وسعيٌ نحوهما ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، بما أن هذا جرى منك من غير اختيارك وزال من غير اختيارك فلا تثاب عليه ولا تعاقب. المرحلة الثالثة: حديث النفس المحدث نفسه بذلك الخاطر الذي استمر في نفسه فترة أن يحدث نفسه بحسنة أو بقبحة بفعله أو بتركه دون أن يرجح فعلاً على تركٍ أو تركاً على فعلٍ، إنما حدث نفسه فيه، خطر بباله أن يبني مسجداً لله، حدث نفسه بحسن ذلك العمل ومنفعته دون أن يرحج البناء على الترك ومن باب أولى دون أن يعزم على البناء على الترك، إنما حدث نفسه ببناء المسجد وأن فيه أجراً عظيماً عند الله جل وعلا، لكن ما مال على فعله ولا عزم على فعله، هذا يقال حديث النفس أستمر ذلك الخاطر في نفسه وبذل نحوه سعياً اختيارياً فبدء يتحدث به في داخله ثم زال عنه ذلك الخاطر أيضاً لانشغاله بغيره، فهذا من كرم الله وفضله يكتب لك في الحسنات ولا يكتب عليك في السيئات. ويلي حديث النفس الهم:

وهو ترجيح الفعل على الترك ما حدث به نفسه وراء حسنة هم بفعله وكان نسبة الهم تزيد على النصف وهذا هو ترجيح الفعل على الترك، عزماً لم يصل إلى درجة التصميم، إنما إلى درجة ستين أو سبعين بالمائة 60 أو 70 % إنه سيبني ذلك المسجد فمن باب أولى يكتب له أجر الهم كما يكتب له أجر حديث النفس، وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى كتابة أجر حديث النفس والهم في الحسنات وعدم كتابة حديث النفس في السيئات في أحاديث كثيرة ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهم - أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة فإن عملها كتبها الله بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فإن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه حتى يعملها فإن عملها كتبها الله بمثلها] . وفي بعض رواية الأمام مسلم يقول الله تعالى في الحديث القدسي [إذا حدث عبدي بحسنة فلم يعملها فكتبوها له حسنة] حدث، وهناك هم، فإذا حدثت نفسك بطاعة تكتب لك، هممت بخير يكتب لك، حدثت نفسك بمعصية أو هممت بها لا تكتب عليك في جانب حديث النفس والهم، كرماً من الله وفضلا. إخوتي الكرام.. وفي بعض رواية الحديث في الصحيحين [إذا حدث نفسه وإذا هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة] ولا تعارض بين الروايتين لان من يحدث نفسه بسيئة ومن يهم بسيئة ينقسم حاله بعد ذلك في تركها إلى حالتين، إما أن يتركها غفلة عنها واشتغالاً بغيرها فلا تكتب عليه سيئة، وليس له في ذلك أجر، وإما أن يتركها خشية من الله واستحضاراً لعظمته وطرد ذلك الحديث والهم عنه بعد ذلك، بعد أن حدث نفسه بمعصية وهم بها استحضر عظمة الله وخشي الله وجاهد نفسه في ذات الله وأزال ذلك عنه الخاطر الرديء فيكتب له على همه بالسيئة حسنة عندما تركها خشية من ربه جل وعلا.

وأما المرتبة الخامسة التي تدور في القلوب وتجول في النفوس فهي مرحلة العزم: وهو التصميم الأكيد على فعل الشيء بحيث لو تمكن منه لفعله، بحيث لو لم يمنعه مانع خارجي عن نفسه لأوجد ما عزم عليه، ففي هذه الحالة يكتب على الإنسان ما عزم عليه في جانب الخير وفي جانب الشر مع أنه لم يباشره بجوارحه، فالنطفطن لما يقع في قلوبنا ما نعزم عليه من عزم على خير وجزم به كتب له، وإذا كان حديث النفس والهم يكتبان له فمن باب أولى أن يكتب العزم، وإذا عزم على شر كتب عليه كما لو فعله، لأنه لو لم يفعله، المانع عنه مانع خارجي، وقد دلت آيات القرآن وتواترت بذلك الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن العزم يؤاخذ عليه الإنسان ويكتب عليه، يكتب له في جانب الخير بلا خلاف، وهكذا يكتب عليه في الشر كما دلت على ذلك آيات القرآن وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -.

فأما الآيات فسأقتصر على آية واحدة يقرر الله فيها الأمر في سورة النور فيقول العزيز الغفور: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (¬1) إن الذين يحبون، والمحبة عمل قلبي، أحب في قلبه ومال قلبه إلى هتك ستر المسلمين وطار فرحاً عندما يهتك ستر مسلم، لم يتكلم بشفتيه ولا سعى بجوارحه، لكن إذا تُكلم على مسلم في حضرته فرح، هذا الفرح عمل قلبي ما حرك جوارحه، هذا العمل القلبي له هذه العقوبة عند الله {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (¬2) ، هذا حال من يحب أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، نعم يجب عليك أن تستر عباد الله وأن تحب سترهم في هذه الحياة فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة وثبت عن نبينا الصلاة والسلام في معجم الطبراني والأوسط من رواية جابر عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من ستر على مؤمن فكأنما أحيا موؤدة] وفي رواية [من ستر عورة فكأنما استحي موؤدة] من ستر عورة من عورات المؤمنين فكأنما استحي موؤدة، أراد بوالدها أن يقتلها فأخذها حية ورباها فله أجر عظيم عند الله وهكذا حال من يستر عباد الله، فإذا أحب الإنسان هتك الستر عن المسلمين له هذه العقوبة، أما إذا سعى بجوارحه في هتك أستارهم فله من العقوبة ما يخطر ببال كثير من الناس. ¬

_ (¬1)) ) سورة النور: 19 (¬2)) ) سورة النور: 19

ثبت في مسند البزار ومعجم الطبراني الكبير وستدرك الحاكم بإسناد لا بأس به عن حذيفة بن اليماني - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة] إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة، تكلم في عرض مؤمن أو مؤمنة حبط عمله مائة سنة بطاعات وعبادات. إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث حذيفة بن اليماني أيضاً رضى الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [لا يدخل الجنة نمام ينقل الكلام بين المسلمين ويوقع بينهم العداوة والبغضاء لا يدخل الجنة] هو إذا أحب في قلبه هتك ستر المسلمين له عذاب أليم في الدنيا والآخرة فكيف إذا سعى بلسانه، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن: قالوا من يا رسول الله: قال الذي لا يؤمن جاره بوائقه] لا يأمنون شروره وبوائله وفتنه وضره فليس عند الله من عتاد المؤمنين.

إذا عزم، إذا وصل في القلب وجل به يكتب للإنسان وعليه في جانب الخير أو الشر، وقد دلت على ذلك أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - سأقتصر على حديثين من أحاديثه الكثيرة التي تقرر هذا الأمر، الحديث الأول في الصحيحين من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار: قلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول] أي دخل القاتل النار، هذا أمره معلوم لأنه قتل مؤمناً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما بال المقتول؟ فقال عليه الصلاة والسلام [إنه كان حريصاً على قتل صاحبه] أي عزم على ذلك في قلبه لكن لم يتمكن بجوارحه، منعه مانع خارجي، إنه كان حريصاً على قتل صاحبه، وثبت في مسند الأمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح من رواية الصحابي أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [ثلاثةٌ أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فحفظوه] أما الثلاثة التي أقسم نبينا - صلى الله عليه وسلم - على صحتها ووقوعها ولابد [ما نقص مال من صدقة] فمن تصدق لا ينقص ماله بل يزيده الله أضعافاً مضاعفة، {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (¬1) [ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا] ظُلم عبد في هذه الحياة فعفى يزيده الله عزاً ورفعة [ومن فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر] إذا تعرض لسؤال الناس من غير حاجة يجعل الله فقره في قلبه ولا يأتيه إلا ما قدر له، هذه أقسم عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما الحديث الذي ينبغي أن نعيه ويتعلق بأمرنا وهو أن من عزم على الخير كتب له كأنما فعله، ومن عزم على شر كتب عليه كأنما فعله، يقول نبينا - صلى الله عليه وسلم -[وأحدثكم حديثاً فحفظوه هذه الدنيا لأربعة ¬

_ (¬1)) ) سورة سبأ: 39

نفر] أي حال هذه الدنيا مع الناس إلى أربعة أقسام والناس ينقسمون فيها إلى أربعة أقسام لا خامس لهم [رجل أتاه الله مالاً وعماً فهو يعمل في ماله بعلمه فيتقي فيه ربه ويصل به رحمه ويعلم أن لله فيه حقاً فهو في أعلى المنازل، ورجل أتاه الله علماً ولم يؤتيه مالاً فقال يا ليتني مثل فلاناً حتى أعمل بمثل عمله] قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -[فهم في الأجر سواء،] ذاك بعمله، وهذا بنيته [ورجل أتاه اله مالاً ولم يؤتيه علماً فهو يخبط في ماله فلا يتقي فيه ربه ولا يصل به رحمه ولا يعلم أن لله فيه حقاً فهو في أخبث المنازل، ورجل لم يؤتيه الله علماً ولا مالاً فقال يا ليتني مثل فلان الذي] الذي نفق ماله على المسكرات والمخدرات والاعتداء على الأعراض [يا ليتني مثل فلان أعمل بمثل عمله] قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -[فهما في الوزر سواء] لم يعمل شيئاً من المنكرات لكنه عزم عليها ولو تمكن منها لفعلها، هناك فهما في الأجر سواء، وهنا فهما في الوزر سواء. إخوتي الكرام.. لابد من مراقبة ما يدور في هذا القلب فالإنسان بإمكانه أن ينوي الخيرات وأن يحصل بذلك أعظم الدرجات عند رب الأرض والسماوات. أسال الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وأن يجعل خير أيامنا يوم لقائه، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحد ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله خير الخلق أجمعين، اللهم صلى علي محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله:

إذا كان حال القلوب كما تقدم وما يدور فيها. حاله كما فصلت وذكرت فينبغي أن نعلم أن القلوب هي أصل الأعمال، والأعمال الظاهرة مرتبطة بما يقع في القلب، فاعمل الظاهري الذي يقع منك صحته وفساده، قبوله ورده، حصول الثواب أو العقاب عليه متوقف على ما يقع في القلب من عزم ونية، فقد قرر هذا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [إنما الأعمال بالنيات] صحة وفساداً، قبولاً ورداً، ثواباً وعقاباً، [إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه] هو في الصورة مهاجر لكنه عند الله خاطبٌ أو تاجرٌ [فهجرته إلى ما هاجر إليه] . إخوتي الكرام: وإذا كان الإنسان إذا حدث نفسه بطاعة أو هم بها أو عزم عليها يكتب له أجرها فينبغي على الكيس في هذه الحياة أن يفعل بجوارحه ما استطاع من الحسنات وما يعجز عنه ينبغي أن ينويه وأن يهم به وأن يحدث نفسه به وأن يعزم عليه، فإذا عزم عليه وأتى بما في وسعه مما تتمكن منه جوارحه يكتب له أجر ما عزم عليه، فالعازم على الطاعة إذا لم يتمكن منها يكتب له أجر العامل الكامل {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} (¬1) . إخوتي الكرام: ¬

_ (¬1) سورة المطففين: 26

إن الحديث بالحسنات والهم بها والعزم عليها يسيرٌ يسير وفعلها ليس بالعسير، وإن الحديث بالسيئات ثقيل وخيم وبيل وفعلها أشنع منها وقد أشار ربنا جل وعلا إلى هذا في آخر سورة البقرة فقال: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (¬1) أنظر لدلالة الآية الكريمة على سهوله الحسنة وانتفاع العبد بها، وعلى ثقل السيئة وتضرر العبد بها، من وجهين أشار إليها ربنا جل وعلا بهذه الآية فقال {لها} تعجيلاً بالمسرة فهذا {لها} تنتفع به وتحوذه وتملكه، ثم في جانب الفعل ما كسبت ليس لها تكلف ولا ثقل ولما أتى للسيئات {عليها} تعجيلاً بالمضرة، فكأنها تحمل شيئاً يثقلها ويتعبها ويؤذيها وتتضرر به ولما أتى لجانب الفعل أتى بصيغة الافتعال {ما اكتسبت} وزيادة المبني تدل على زيادة المعنى، نعم إن الهم بالسيئة ثقيل، وهو خلاف الفطرة التي فطر الله عليها عباده، وفعل السيئة أثقل منها، {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} . أسأل الله جل وعلا أن يشرح صدورنا لطاعته ومحبته في جميع أحوالنا وأوقاتنا، إنه على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك، اللهم اجعلنا من المحبوبين عندك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك ومن المقربين لديك، الله اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وأصلح ذات بينهم ونصرهم على عدوك وعدوهم إنك على كل شيء قدير. عباد الله {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (¬2) . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 286 (¬2) سورة النحل: 90

{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (¬1) . ¬

_ (¬1) سورة العصر: 1- 3

الموعظة الثالثةحقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان (الموعظة الثالثة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الموعظة الثالثة حقيقة الإيمان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويما وهدنا صراطاً مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة هو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله وبيدك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتي الكرام.. تدارسنا في الموعظة السابقة شروط قبول العمل عند ربنا الرحمن، وقلت أن العمل لا يقبل ولا يثاب عليه إنسان إلا إذا وجد فيه ثلاثة شروط، إيمان من فاعله بربه جل وعلا، إيمان بالله جل وعلا وإخلاص لله جل وعلا، واتباع للنبي عليه الصلاة والسلام، إيمان وإخلاص ومتابعة، إذا وجدت هذه الشروط الثلاثة في العمل فهو مقبول عند الله جل وعلا، وفي هذه الليلة المباركة سنتدارس أمراً يتعلق فيما مضى ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً ألا وهو؟ ما هي الثمرة التي يجنيها الإنسان إذا حقق تلك الشروط في عمله في هذه الحياة؟ آمن بالله وأخلص له واتبع النبي عليه الصلاة والسلام، ما هي الثمرة التي يحصلها من ذلك؟ وماذا يستفيد من هذا؟ وسنتدارس بعد هذا أمراً يرتبط أيضاً بها بين الأمرين ألا هو ما هي علامة حصول تلك الثمرة في الإنسان؟ إخوتي الكرام..

إن الإنسان إذا آمن بالله في هذه الحياة وأخلص لله واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم سينال في هذه الحياة راحة وهداية وسينال بعد موته فوزاً وسعادة، أما في هذه الحياة فهو على نور من ربه ويكون في قلبه طمأنينة وفي نفسه بهجة، وفي صدره انشراح ويحصل قرة العين في هذه الحياة، ولذة لا يعدلها لذة، وسيسعد بعد ذلك بنعيم الجنات ورضوان رب الأرض والسماوات بعد الممات، وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذه الثمرة التي يحصلها من آمن بالله وأخلص له واتبع النبي عليه الصلاة والسلام، ففي مسند الأمام أحمد وصحيح مسلم من حديث العباس أن نبينا عليه الصلاة والسلام ورضى الله عن العباس وعن سائر الصحابة الكرام، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالسلام ديناً وبحمد صلى الله عليه وسلم نبيا] ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا. إخوتي الكرام:

رضي بالشيء إذا قنع به ولم يطلب سواه، وعليه من قنع بأن معبوده هو الله فلم يعبد غيراً معه، وقنع ورضي أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم إماماً له في هذه الحياة فلم يتبع غيره، وقنع ورضي بأن يكون الإسلام شريعة له في هذه الحياة، فلا يحكم شريعة ولا نظاماً في حياته غير نظام الإسلام، حقيقة إذا وجدت هذه الأمور الثلاثة في الإنسان، عبد الله وحده لا شريك له فلم يعبد غيره، واتبع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل له إماماً غيره في هذه الحياة، واحتكم إلى شريعة الإسلام في جميع شئونه في حركاته وسكناته، سيترتب على هذا ثمرة ولابد ألا وهي، أن يذوق طعم الإيمان، ذاق طعم الإيمان، وهذا الطعم هي الحلاوة التي تخالط قلب الإنسان، والشاشة التي تباشر نفسه، بحيث إذا وجدة تلك البشاشة والحلاوة في قلب الإنسان وفي نفسه ينقاد بعد ذلك طواعية لربه ولا يمكن في أن يرجع عن نور الله وعن هداه، وإنما رجع من رجع وارتد من ارتد، من ارتد، لأنه لم يصل، ولو وصل إلى هذه الحلاوة لما رجع، [ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا] سيذوق للإيمان طعماً حلاوة تتضائل بجانبها جميع الحلوات الحسية التي يلتذ بها بنو آدم. إخوتي الكرام: لكن هذا الطعم للإيمان لا يذوقه إلا من وجدت فيه هذه الأمور، معبوده ربه هو الله وحده لا شريك له، وأما إذا عبد مع الله إلهاً آخر من درهم، فتعس عبد الدرهم، وهو في شقاء ونكد وبلاء، من زوجة، تعس عبد الزوجة، من ثوب وخميصة، تعس عبد الخميصة. إذاً لابد أن يفرد الله في العبادة، ثم يفرد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، ويحتكم إلى الشريعة التي أنزلها الله على نبيه عليه الصلاة والسلام، فأفرد الله بالعبادة، وأفرد النبي عليه الصلاة والسلام بالمتابعة، وعبد الله حسب ما يحب مريداً بذلك وجه.

سيذوق، سيذوق للإيمان حلاوة ولابد، هذه الثمرة سيحصلها الإنسان عندما يلتزم في عمله بتلك الشروط الحسان الثلاثة. إيمان بالله وإخلاص له واتباع لنبيه عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام: وهذه الأمور الثلاثة التي إذا حققها الإنسان يذوق بها طعم الإيمان، إذا رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا. هذه الأمور الثلاثة بهذه الجمل الثلاثة أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقولها في الصباح وفي المساء، بل أمرنا أن قولها في جميع أوقاتنا عند سماع الأذان في اليوم خمس مرات ورتب نبينا صلى الله عليه وسلم على ذلك أجراً كثيرا ما ينبغي أن نغفل عنه ولا نضيعها.

ثبت في مسند الأمام أحمد والسنن، وهو في سنن الترمذي من رواية ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام وفي السنن الأخرى سمي الصحابي لرجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر اسمه في المسند والسنن عن ثوبان وغيره من أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث أيضاً في صحيح ابن حبان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [من قال حين يصبح وحين يمسي] من قال حين يصبح وحين يمسي [رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، كان حقاً على الله أن يرضيه] كان حقاً على الله أن يرضيه، وينال جائزة أكرم الله بها نبيه عليه الصلاة والسلام وصديق هذه الأمة أبا بكر رضى الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام. أما نبينا عليه الصلاة والسلام فالله يقول له: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} ، أما أبو بكر رضي الله عنه فيقول الله جل وعلا في سورة الليل في آخرها: {ما لأحد عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى} ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولسوف يرضى، وأنت إذا قلت هذا الدعاء في الصباح وفي المساء يرضيك الله جل وعلا في هذه الحياة وبعد الممات وتنال هذه الصفة والحديث كما قلت ثابت بإسناد صحيح [من قال حين يمسي وحين يصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، كان حقاً على الله أن يرضيه] ولفظ الحديث في سنن الترمذي كما ذكرت، في كتب أخرى بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا [من قال حين يصبح وحين يمسي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، كان حقاً على الله أن يرضيه] في الرواية الأولى نعت بصف النبوة وفي الرواية الثانية نعت بصف الرسالة.

وقد ذهب شيخ الإسلام الأمام النووي عليه رحمة الله في كتابه الأذكار إلى الجمع بين النعتين والوصفين فيقول القائل [رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا] في الصباح وفي المساء كان حقاً على الله أن يرضيه، قال شيخ الإسلام الأمام النووي (وإذا قال إحدى الصيغتين أجزئه فقد أتى بأصل الحديث) أي هذا وارد وهذا وارد، فلو قال رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبحمد صلى الله عليه وسلم نبيا نال تلك الفضيلة، ولو قال رضت بالله ربا وبالإسلام دينا وبحمد صلى الله عليه وسلم رسولا نال تلك الفضيلة، ولو جمع بينهما لكان أحسن، فهو النبي الذي أرسله الله إلى جميع العالمين عليه صلوات الله وسلامه، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين. إخوتي الكرام:

وأمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقول هذه الجملة المباركة المؤلفة من هذه الجمل الثلاث عند سماع الأذان وأخبرنا أن من قالها عند سماع الأذان يغفر الله له ذنبه. ثبت في مسند الأمام أحمد وصحيح ومسلم والحديث في السنن أيضاً من رواية سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد رسول الله عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه] هنا نعت النبي صلى الله عليه وسلم بوصف الرسالة ولم يرد نعته في هذا الرواية بوصف النبوة، رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه، وهذه الجملة تقال عندما ينطق المؤذن بالشهادتين فإذا قال المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وأتبعها بقوله أشهد أن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالإسلام دينا يغفر لك ذنبك، والحديث كما قلت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وغير ذلك، إذاً إخوتي الكرام من حقق هذا المعنى فيه ذاق للإيمان وحلاوة وهذه هي الثمرة التي يحصلها الإنسان عندما يؤمن بالله ويخلص له في هذه الحياة ويتبع نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، ذاق طعم الإيمان من رضيا بالله ربا وبالإسلام دينا بالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وهذا الطعم طعم طيب حلو، طعم تتعلق به القلوب ولا تسخطه بعد ذلك في حالة من الأحوال.

وقد ثبت وفي مسند الأمام أحمد والصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار] هذه الأمور الثلاثة تحقيق لتلك الأمور التي تقدمت معنا وينبغي أن توجد في العمل ليقبل عند الله عز وجل، أنت لا تذوق لا حلاوة الإيمان حتى يكون الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أحب إليك مما سواهما، فالله هو المعبود بالحق ولا معبود بالحق في الوجود سواه، ونبينا عليه الصلاة والسلام هو الأمام وآخر الأنبياء والمرسلين ولا إمام للبشرية سواه، ينبغي أن توحد الله بالعبادة وأن توحد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، ينبغي أن تهاجر إلى الله جل وعلا عن طريق خلع ما يعبد من دونه، وأن تهاجر إلى رسوله الله صلى الله عليه وسلم عن طريق نبذ ما يطاع من دونه، فلا معبود إلا الله ولا مطاع إلا المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حققت هذا في نفسك تذوق حلاوة الإيمان [ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما] وإذا كان الله معبودك والنبي متبوعك فينبغي أن تخلص لربك، [وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله] ليس بيننا بين أحد صلة إلا على حسب شرع الله نريد بذلك وجه الله وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وإذا تحقق هذا فيه فسيكره ما يسخط الله وسيبتعد عما يغضب الله وبالتالي يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما أن النفس البشرية تكره أن تقذف في النار، إذا وجدت هذه المعاني في نفس الإنسان سيذوق حلاوة الإيمان ولا شك. إخوتي الكرام:

من حقق تلك الأمور كما قلت حصل هداية وراحة في هذه الحياة وحصل فوزاً وسعادة بعد الممات وقد قرر ربنا هذا المعنى في كثير من الآيات فقال جل وعلا في سورة الأنعام: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن هم مهتدون} الذين آمنوا بالله وأتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما خلطوا إيمانهم بظلم، والمراد من الظلم هنا (الشرك) ، جحود الخالق أو الإشراك به، آمنوا وما خالطوا إيمانهم بشرك هؤلاء لهم جائزتان {أولئك لهم الأمن} في الحياة الآخرة عند الفزع الأكبر {لا يحزنهم الفزع الأكبر} ، {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا} مما يستقبلكم، فلكم الأمن عند ربكم. {ولا تحزنوا} على ما خلفتم ورائكم فالله وليكم على من تتركونه {ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} .

{الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن} في الآخرة {وهم مهتدون} في هذه الحياة الدنيا، فحصلوا في هذه الحياة راحة وهداية وحصلوا بعد الممات فوزاً وسعادة، ثبت في مسند الأمام أحمد والصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأتوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وجثوا على الركب وقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أينا لا يظلم نفسه وفهموا رضي الله عنهم من الظلم مطلق المعاصي، فكل إنسان يقع في شيء من الهفوات والزلات، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، قالوا أينا لا يظلم نفسه، أي أينا لا يقع في شيء من الخطأ والتقصير، فقال النبي عليه الصلاة والسلام ليس الذي تعنون أي ليس المراد من الظلم ما تفهمون مطلق المعصية والمخالفة، لا، إنما الظلم الشرك نعم هو أشنع أنوع الظلم {والكافرون هم الظالمون} ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة ألم تسمعوا لقول العبد الصالح لقمان لابنه {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} فإذا حقق الإنسان ذلك المعنى في حياته، إيمان بالله وإخلاص له واتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم له الأمن في الآخرة وله الاهتداء في الحياة الدنيا {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك له الأمن} في الحياة الآخرة {وهم مهتدون} في الحياة الدنيا، فهم في هذه الحياة في على هداية تامة، وهم بعد الممات في أمنٍ سعادة، وهذا كما قال ربنا جل وعلا في سورة طه {فمن اتبع هداي فلا يضل} في الدنيا {ولا يشقى} في الآخرة {ومن أعرض عن ذكري فإن له معشية ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى} .

ثبت في مستدرك الحاكم وتفسير ابن أبي حاتم والأثر رواه الأمام البيهقي في شعب الإيمان وإسناده صحيح كالشمس عن حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وكيف يضل من كان على هدى {فمن اتبع هداي} كيف يضل من كان على هداية تامة، كيف يضل من هداه الله إلى أقوم الأمور، وأرشده إلى أحسن السبل، {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} . إخوتي الكرام: إن المؤمن إذا حقق تلك الأمور سيذوق للإيمان طعماً طيبا، سيذوق له حلاوة حلوة، وهذه الحلاوة هي حلاوة معنوية تدركه القلوب كما أن ألسنتنا تدرك الحلاوة الحسية، وشتان شتان ما بين الحلاوتين، شتان، الحلاوة المعنوية عندنا تقدم على الحلاوة الحسية، فإذا علمت أن حبيبك، أن والدك، أن ولدك سيقدم في ساعة كذا ودعيت إلى أطيب الأطعمة تترك ذلك الطعام من أجل لقاء ذلك الحبيب، لأنه لو اشتغلت بذلك الطعام سيفوتك لقاء حبيبك، لقاء الحبيب لذة معنوية تحصلها بهجة قلب، سرور نفس، قرة عين، انشراح صدر، أما الطعام لذة حسية، نحن نقدم في هذه الحياة اللذة المعنوية عند لقاء حبيب على اللذة الحسية، فكيف بحلاوة الإيمان ورضوان الرحمن التي تؤدي بنا إلى مصاحبة نبينا عليه الصلاة والسلام في غرف الجنان، والتمتع بالنظر إلى ربنا لرحمن، كيف هذا.

والله إن ذلك يتضاءل بجانبه كل لذة وكل حلاوة حسية، وقد أشار الله جل وعلا إلى هذا المعنى فقال في سورة التوبة: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم} وعدهم جنات وفيها ما تشتهه الأنفس وتلذ الأعين، لكن أكبر من ذلك النعيم الحسي واللذة محسوسة {ورضوان من الله أكبر} ولذلك عندما يكشف الله الحجاب بينه وبين أهل الجنة ويروا نور وجه الكريم لم يعطوا شيء من النعيم ألذ عندهم من النظر إلى وجه ربنا العظيم {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} والحسنى: هي الجنة، وزيادة عليها النظر إلى نور وجه ربنا جل وعلا، والله إن هذه الحياة ما طابت إلا بمعرفة الله ومحبته، وإن الجنة ما طابت إلا بالنظر نور وجه ربنا جل وعلا ومشاهدة، إذاً إخوتي الكرام من حقق هذا المعنى لا يضل في هذه الحياة ولا يشقى بعد الممات. إخوتي الكرام:

إن المؤمن في سعادة عظيمة في هذه الحياة فأمره لا يخرج عن واحد من أمور ثلاثة: إما أن يكون في حالة يأمر فيها فيطيع أوامر سيده أوامر ربه جل وعلا، وإما في حالة ينهاه الله عنها فينتهي عما نهاه الله عنه، وإما في حالة قدره الله عليه وأمره أن يصبر عليها وأن يرضى بها فهو راض صابر. نفذ المأمور ويترك المحظور ويصبر ويرضى بالمقدور، ليس بعد هذه السعادة سعادة، وأحوال المؤمن لا تخرج عن هذه الأمور الثلاثة، وإذا حقق هذا فو الله إنه يذوق طعم الإيمان وحلاوته ويكون قرير العين مبتهج النفس مطمئن القلب، ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من رواية صهيب رضي الله عنه والحديث رواه أحمد عن سعد ابن أبي وقاص وأبو يعلى عن أنس رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له] فعل المأمور، ترك المحظور، ثم هو بعد ذلك نحو المقدور إن جاءه ما يسره شكر الله، إن جاءه ما يسوئه ويضره صبر وحمد الله، أي سعادة بعد هذه السعادة، يختلف هذا عن حال الجزوع المنوع، {إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً إلا المصلين} [عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له] . إخوتي الكرام:

إذا حقق الإنسان هذا المعنى ارتاح واهتدى في هذه الحياة وفاز وسعد بعد الممات، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يوجه أنظار الأمة إلى هذا المعنى في كثير من الأحاديث وفي عدد من المناسبات، ثبت في سنن الترمذي وابن ماجة والحديث رواه الأمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه وإسناد الحديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال [أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ قول الله {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤتيه منها، وما له في الآخرة من نصيب} ثم قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى يعني في الحديث القدسي ابن آدم تفرغ لعبادتي، إرضى بي ربا واتبع نبي عليه الصلاة والسلام وأخلص بعملك وجهي ابن آدم تفرغ لعبادتي، أملأ صدرك غناً وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك،] أبن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غناً وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤتيه منها، وما له في الآخرة من نصيب} وتقدم معنا معنى العبادة إخوتي الكرام في الموعظة السابقة وقلت هي العمل الصالح، وهي باختصار كما قلت أن يكون عملك على حسب شرع ربك وتريد به وجه الله في جميع حركاتك وسكناتك وقلت حذاري حذاري أن تقصر العمل الصالح والعبادة على مفهوم العبادة بين الناس في هذه الأيام، لا، ينبغي أن تعتقد كما أمرك الله، وأن تعبده كما أمرك الله، وأن تتعامل كما أمرك الله، وأن تخالق الناس كما أمرك الله، وأن تعاقب وتأخذ على أيدي السفهاء كما أمرك الله، ودين الله يقوم على هذا وكل هذا عبادة، أي حكم شريعة الله في جميع في شؤون حياتك يملأ الله قلبك غناً ويسد وفقرك وإلا ستشقى في هذه الحياة وستهلك بعد الممات. إخوتي الكرام:

هذا المعنى أشار إليه ربنا أيضاً في كثير من آيات كتابه فقال جل وعلا في سورة النعم وهي التي تسمى بسورة النحل وذكر الله فيها أصول النعم ومتمماتها ذكر الله فيها نعمة الهداية والإرشاد ونعمة الخلق والإيجاب يقول في هذه السورة {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} من عمل صالحاً، وهو العمل المشروع الذي تتبع فيه نبيك عليه الصلاة والسلام، فإذا عملت عملاً على غير هديه فهو ردٌ عليك، ثم حققت الشرط الثاني، إيمان بالله وإخلاص له. {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} وهذه الحياة الطيبة مصاحبك أخي المؤمن في دورك الثلاث التي تسكنها ولا تخرج عنها في الحياة الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} .

ثب هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال حياة طيبة في هذه الحياة يطمئن قلبك بذكر الله وأمرك كله خير وتنشرح نفسك وتقر عينك، وتذوق طعم الإيمان، وتخالط حلاوة الإيمان وبشاشته قلبك، فأي إذاً حياةٌ أفضل من هذه الحياة، {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} نعم في هذه الحياة يحصل المؤمن حياة طيبة ولا يحصلها غير المؤمن كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم [إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن] {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} قال الأمام الرازي عليه رحمة الله (إن المؤمن في هذه الحياة يشعر بالسعادة واللذة ولا يحصل هذا سواه ثم قرر هذا بعدة أمور فقال أولاً: المؤمن يعلم رزقه بتقدير الله وتدبيره سبحانه وتعالى فلا يزيد ولا ينقص ويعلم أن الله محسن في ذلك التقدير وذلك التدبير، {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم، هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء، سبحانه وتعالى عما يشركون} وإذا علم الإنسان هذا يرضى عن الله ويرضى بما قسم له، الأمر الثاني: المؤمن في هذه الحياة يعلم طبيعة الدنيا وتقلباتها ونتنها ومرارتها فلا يجزع على يصيبه فيها، ولا هو كما قال أئمتنا: طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفواً من الأقذار والأكدار ومكلفٌ الأيام ضد طباعها داعِ ... متطلب في الماء جذوة نار فيها فإذا أصبت بضر، بأذى، بموت حبيب، لا يضر صدر، هذه طبيعة الدنيا، هذه طبيعة الدنيا، ولذلك يلهج المؤمن بالحمد لله وترى قلبه راضياً عن الله وهو مسروراً في جميع أحواله. الأمر الثالث: يقول الإمام الرازي: غاية المؤمن في هذه الحياة، أن ينال رضوان رب الأرض والسماوات، ولذلك يكرر هذه المقولة المباركة [إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي] أصيب بضر، بنكبة، بأذى إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ويعذب ويقول أحدٌ أحد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

الأمر الرابع: المؤمن يعلم أن لذات الدنيا أن هذه اللذات لذات خسيسة زائلة منقضية، الطعام الذي نأكله يقول أئمتنا ما جاوز اللسان فهو نتان. هذه اللذة التي نتلذذ بها ما دامت في الفم تمضغ إذا ذهبت بعد اللسان إلى المعدة تتحول إلى شيء كريهٍ المنظر قبيح الرائحة، ولو أخرج الإنسان الطعام الذي من جوفه وطرحة على المائدة لعفا الناس الطعام وقاموا عنه، ما جاوز اللسان نتان، إذا كانت لذات الدنيا لذات خسيسة، لذات زائلة لا ينهمك فيها ولا يفرح بها إن أقبلت ولا يحزن عليها إن أدبرت {لكي لا تأسو على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} . المؤمن بعد ذلك وهذا خامس التعليلات لبيان طيب الحياة في المؤمنين والمؤمنات في الحياة الدنيا يعلم أن الدنيا زائلة منقضية فلا يميل إليها ولا يعانقها معانقة العشاق، إنما يأخذ منها ما يحتاجه إليه، وإذا جاءه شيء منها جعله مطية له إلى آخرته، فحقيقة هو في سعادة وفي حياة طيبة {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} فعل المأمور ـ ترك المحذور ـ صبر ورضي بالمقدور حقيقة في حياة طيبة، إذا خرج عن صراط الله المستقيم تنكد في هذه الحياة وأبى الله إلا أن يزل من عصاه عاجلاً وآجلاً.

ثبت في سنن ابن ماجة ومستدر الحاكم بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول [يا معشر المهاجرين خصال خمس أعوذ بالله أن تدركوهن، خصال خمس، لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم] سبحان الله أرادوا أن يتلذذوا بالمعاصي فنكد الله عليهم حياتهم وأشقاهم قبل مماتهم، وسلوا الأطباء عن الأمراض التي تنتج من المعاصي في هذه الأيام، مرض الإيدز الذي يحارب الآن ما سببه: معصية الرحمن، تشمع الكبد والسرطان: شرب الخمر والعكوف عليه، وذاك سببه الزنى والعهر، لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، حقيقة إن الإيمان حصناً للإنسان وإن المؤمن في حياة طيبة في هذه الحياة، ولم ينقص المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله فلم يعبدوا الله ولم يتبعوا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، أن ينتزع أملاكهم وبلادهم.

والخامس: وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم عندما انحرفوا عن شريعته تخبطوا في هذه الحياة مع الشقاء الذي سيحصلونه بعد الممات، {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} ، حياة في هذه الحياة، حياة طيبة في الدار الثانية التي يسكنها الإنسان وهي دار البرزخ، وثبت هذا عن السُدَّي وعن شريك بن عبد الله النخعي قال حياة طيبة نعيم القبر، والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وأنا أقول الحياة الثانية مترتبة على الأولى فمن لم يحيى حياة طيبة في الدنيا لن يحيى حياة طيبة في البرزخ، ولذلك كان أئمتنا يقولون في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، وجنة الدنيا محبة الله والإيمان به واتباع رسوله عليه الصلاة والسلام. والمعنى السادس: روي عن مجاهد وقتادة والحسن البصري وجمع غفير من التابعين، حياة طيبة في الآخرة ـ قال الحسن البصري: والله لا تطيب الحياة إلا في الجنة، ونعم ما قال وهذه أكمل الدور التي تحصل فيها أطيب حياة، لكن الحياة الطيبة في الجنة من يحصلها؟ الطيبون: الذين طابت حياتهم في الدنيا ونعموا في البرزخ فيسعدون بعد ذلك عند لقاء ربهم كما ثبت في المسند والصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال قال الله تعالى [أعدت لعبادي الصالحين ما لا يعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر] إن هذه الدار هي أكمل الدور وأطيب الدور، إنما من لم تطب حياته في هذه الحياة لن تطيب حياته بعد الممات، حياة طيبة في الدنيا، حياة طيبة في دار البرزخ، حياة طيبة في دار الآخرة. اخوتي الكرام..

هذه الثمرة التي يحصلها من آمن بالله وأخلص له واتبع رسوله عليه الصلاة والسلام هل لها علامة؟ حتماً لها علامة سأذكرها بإيجاز ثم أفصل الكلام على هذه العلامة في الموعظة الآتية إن شاء الله، هذه العلامة: وهي الراحة في هذه الحياة والهداية والفوز والسعادة بعد الممات، هذه اللذة هذه الطمأنينة إذا دعاها الإنسان وقال أنا في راحة وهداية وسينال فوزا وسعادة في الآخرة هذه هل هذا يصدق وهل إذا وسوس له الشيطان بذلك ليزين له عمله حال يصدقه، أم هناك علامة؟. حتماً هناك علامة. وكل شيء له علامة، فإذا تحققت هذه العلامة فيك فاعلم أنك آمنت بالله حقاً وصدقا، واتبعت نبيه عليه الصلاة والسلام حقاً وصدقا، وأخلص لله في أمورك. هذه العلامة أشار إليها نبينا عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه بن مردوية في تفسيره بسند متصل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ورواه أيضاً بن مردوية بسند مرسل برواية محمد بن كعب القرظي هو من أئمة التابعين رضي الله عنهم أجمعين، كعب القرظي صحابي وولده تابعي، هذان الأثران المتصل المرفوع والمرسل المرفوع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، الأول كما قلت من رواة عبد الله بن مسعود، والثاني من رواه محمد بن كعب القرظي رضي الله عنهم أجمعين.

يذكر عبد الله بن مسعود في أثره وفي حديثه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله جل وعلا {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله، أولئك في ضلالٍ مبين} ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -[إن النور إذا دخل القلب انشرح له الصدر] إن النور إذا دخل القلب سكنه، {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} هذا النور إذا دخل قلب الإنسان ينشرح له صدره، فقال الصحابة الكرام يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[هل لذلك الشرح من علامة؟] إذا انشرح صدر الإنسان ذاق طعم الإيمان، ذاق حلاوته، اطمئن قلبه، هل لذلك من علامة يختبر بها تلك الدعوة؟ قال عليه الصلاة والسلام: [نعم] لذلك علامة لذلك الشرح عند حصول النور في القلب، [التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله] ومن عزفت نفسه عن الدنيا، والدنيا هي باختصار كل ما شغلك عن الله، وليس معنى الدنيا أنك لا تملك مالاً، أو تسكن في بيت، لا ثم لا: كل ما شغلك عن الله فهو دنيا مذموم من مالٍ من لباسٍ من زوجةٍ من ولدٍ من عقارٍ من غير ذلك، وإذا كان هذا في يدك لا في قلبك فلا حرج عليك ولا لوم ونعما المال الصالح لرجل الصالح، كل ما شغلك عن الله مذموم فهو شؤمٌ عليك، تجافى عن دار الغرور لكن شتان بين سكنت الدنيا قلبه وجعلته مطية لها، وبين من كانت في يده وهي مطية له، شتان شتان، شتان من يعبد الدنيا وبين من تكون الدنيا عبداً عنده وخادماً له. التجافي عن دار الغرور يبتعد عنه لا يركن إليها، لا تشغله عما أمر الله به.

والإنابة إلى دار الخلود يشتاق إلى مسكنه الحقيقي: نحن خلقنا ربنا إخوتي الكرام لا لنستقر في هذه الحياة، الدار ممر ليست دار مقر، دارنا التي سنستقر فيها هي الآخرة، والدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له والإنابة إلى دار الخلود، ولاستعداد للموت قبل نزوله: وعليه إذا أردت أن تعلم هل سكن النور قلبك، وهل حصل الشرح في صدرك فاعرض نفسك على الموت، هل تحب الموت، وإذا قيل لك ستموت هذه الليلة تقول مرحباً بلقاء الله، إذا كان هذا فيك حقيقةً فقل لنفسك وبشرها وقل آمنت بالله حقاً ورضيت بنبيه عليه الصلاة والسلام إماماً صدقا، وأنا أعبد الله ولا أشرك في عباده شيئا، وإذا قيل لك ستموت هذه الليلة فقل يا عباد الله هاتوا الأطباء وابحثوا عن طريقة لعل الحياة تمتد ... إعلم أن حالتك ليست مرضية وعندما تموت {ستقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً} فيقال لك {كلا إنها كلمة هو قائلها} {أولم نعمَّركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} إخوتي الكرام: إن أعظم ما يزفه إلينا ربنا الرحمن ويتحفنا به في هذه الحياة بعد أن رضينا به ربا وبنبيه عليه الصلاة والسلام، وبالإسلام دينا، بعد أن آمنا به واتبعنا نبيه عليه الصلاة والسلام، وأخلصنا العمل له، إن أعظم ما يتحفنا به الموت، وكيف لا وهو يجسرٌ يوصل الحبيب إلى حبيبه، ولذلك ثبت في مستدرك الحاكم ومعجم الطبراني الكبير والحديث في كتاب الحلية لأبي نعيم رواه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد، وإسناد الحديث صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [تحفة المؤمن الموت] تحفة المؤمن الموت يعني الهدية العظيمة التي تأتيه من الله أن يموت، وكان بعض الصالحين يقول (والله ما مؤمن إلا الموت خير له، اقرؤوا ما شئتم {وما عند الله خيرٌ للأبرار} .

أخي الكريم: إذا كنت ستوقع جائزة من مسؤول أو شهادة ستأخذها بعد نجاحك هل تكره يوماً اليوم تتسلم فيه الشهادة، هل تكره اليوم الذي ستقابل فيه المسؤول لتنال الجائزة؟ والله لا تكره هذا، وإذا كنت عبدت الله على بصيرة وأرت بالعبادة وجهه واتبعت نبيه عليه الصلاة والسلام على ما تفر من لقاءه؟ ليعرض كل واحد منا نفسه على هذه النقطة. هل تجافى عن دار الغرور وأناب إلى دار الخلود واشتاق إليها ويردد في مجلسه اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، هل إذا نزل به الموت يرفع صوته ويهلل ويقول حبيبٌ جاء على فاقه؟ هل يقول إذا قال أهله وحزناه عند نزول الموت به يقول وقرباه وشوقاه غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه عليه صلوات الله وسلامه؟ لنعرض أنفسنا إخوتي الكرام على هذه القضية، هذا ما سأفصَّلُ الكلام فيه إن شاء الله في موضوع الموت وأن العلامة تدل على صدق الإيمان في قلبه أنه لا يجزع من الموت إذا حل به، بل يفرح بقدومه ويستبشر. قد قلت إذ مدحوا الحياة وأكثروا ... في الموت ألف فضيلة لا تعرف منها آمان عذابه بلقائه ... وفراق كل معاشرٍ لا ينصف هذه العلامة كما قلت ندارس الكلام عليها وتفصيلها في الموعظة القادمة إن شاء الله. نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا إن أحيانا أن يحيينا على الإسلام وإن أمتنا أن يتوفانا على الإيمان، ونسأله أن يجعل خير أيامنا يوم لقائه، ونسأل أن يغفر لنا ولوالدينا ولمن له حقٌ علينا ولمن علمنا وتعلمنا منا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الموعظة الرابعة أحب البقاع إلى الله المساجد

أحب البقاع إلى الله المساجد (الموعظة الرابعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الموعظة الرابعة أحب البقاع إلى الله المساجد الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، وبيدك الملك كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب التوابين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض، لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله، أرسله اله رحمة للعالمين فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيوناً عميا، وآذاناً صما، وقلوباً غلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيها رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما} . أما بعد معشر اخوة الكرام..

من المقرر عند المقرر عند عباد الله الأكياس أن الله جل وعلا خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص فهو الذي يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، ومن خواص الله تعالى في الأمكنة التي فضلها على غيرها من البقاع بيوت الله المساجد التي أمرنا الله جل وعلا برفعها ذكره فيها وتسبيحه بالغدو والآصال في تلك البيوت الجليلة المعتبرة وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الأمر وأن الله فضل المساجد على غيرها من الأماكن والبقاع. ثبت في صحيح مسلم وصحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن أحب الله البلاد الله المساجد وإن أبغض البلاد إلى الله الأسواق] إن أحب البلاد إلى الله المساجد وإن أبغض البلاد إلى الله الأسواق، والحديث رواه الأمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه والأمام أبو يعلى والبزار رحمهم الله جميعاً عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: [أي البلدان أحب إلى الله، وأي البلدان أبغض إلى الله فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا أدري حتى أسأل جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فلما جاء جبريل إلى نبينا الجليل عليهما صلوات الله وسلامه سأله أي البلدان أحب إلى الله أبغض البلدان إلى الله فقال جبريل يا محمد عليه صلوات الله وسلامه أحب البلدان إلى الله المساجد وأبغض البلدان إلى الله الأسواق] .

والحديث رواه بن حبان في صحيحه أيضا الطبراني في معجمه الكبير من رواية بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: [أي البقاع خير وأي البقاع شر فقال لا أدري حتى أسأل جبريل فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فقال لا أدري حتى أسأل ميكائيل فسأل جبريل ميكائيل فأخبره أن أحب البلاد الله وأن خير البلاد عند الله المساجد وأن أبغض البقاع عند الله وشر البقاع الأسواق] . والحديث إخوتي الكرام بطرقه الثلاث من رواية أبي هريرة وجبير بن مطعم وبن عمر رضي الله عنهم أجمعين صحيحٌ صحيح. وروي من طريق رابع وفيه شيء من الضعف، وشهد له ما تقدم رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل جبريل عن أحب البلاد إلى الله وعن أبغض البلاد إلى الله فقال لا أدري فقال سل ربك فبكى جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فقال يا محمد ومن يستطيع أن يكلمه هو يأمرنا من أمره بما شاء فأوحى ربنا إلى جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أن أحب إلى الله وخير البقاع عند الله المساجد وأن أبغض البقاع إلى الله وشرها عند الله الأسواق] وهذه الرواية الرابعة يشهد لها ما تقدم إخوتي الكرام. والجمع بين هذه الروايات [أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - سأل عن أحب البلاد إلى الله وعن أبغض البلدان عند الله وعن خير البقاع وشرها فتوقف فسأل جبريل ميكائيل فأوحى الله إليهما بأن خير البقاع وأحبها عند الله المساجد وأن شر البقاع أبغضها عند الله الأسواق فأخبر جبريل النبي عليه الصلاة والسلام بذلك] وهذا هو الذي يجمع بين الرواية الأربعة المتقدمة.

عباد الله: هذه المساجد هي خير البقاع وأحبها عند الله كما أن الأسواق هي شر البقاع، فهذه المساجد تدعوا إلى عبادة الله جل وعلا وإلى الإقبال على الآخرة والدنيا بعكس ذلك هي مأوى الشياطين وتدعوا إلى الكرون إلى الدنيا، ليست الأسواق مذمومة إذا اتقى الإنسان فيها ربه لكنها معطل غفلة، وإذا حول الإنسان السوق إلى مكان شرعي يبيع فيه ويشتري حسب شريعة الله فلا حرج، لكن على الإنسان أن يتقي الله في سوقه فلا يكوننَّ أول داخل ولا آخر خارج، إنما ينبغي أن يكون أول داخل إلى بيوت الله وآخر خارج من بيوت الله، وأما الأسواق فأمرها كما قال الله: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، وإليه النشور} والأسواق سميت بذلك لأن الأرزاق تساق إليها ولأن الناس يمشون إليها على سوقهم جمع ساق أي على أرجلهم فالأرزاق تأتي إليها من كل جهةٍ والناس يسعون إليها على سوقهم، فيقال لها الأسواق هي مواطن غفلة، وإذا ذكر الإنسان ربه في مواطن الغفلة واتقى الله له أجرٌ عظيمٌ عظيم، فذكر الله بين الغافلين كثابت عند التقاء الجيشين عند فرار الفارين، هو ثبت وأولئك فروا، وهكذا أهل السوق في غفلة، فمن ذكر الله في سوقه له أجر عظيم.

ثبت في مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم والحديث رواه الإمام الترمذي وابن ماجة وسنده صحيح كالشمس ورواه الدارمي في مسنده والإمام ابن السن في العمل اليوم الليلة، وابن أبي الدنيا وأبو نعيم وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من دخل السوق فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألفِ حسنة ومحا عنه ألف ألفِ سيئة، ورفع له ألف ألفِ درجة، وبنى له بيتاً في الجنة] والحديث صحيح إخوتي الكرام لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير إذا قال هذا الذكر في تلك البقاع التي يسيطر عليها الغفلة وتلوح فيها رايات الشياطين يكتب له ألف ألفِ حسنة، أي مليون حسنة، ويمحوا الله عنه ألف ألفِ سيئة، ويرفع له ألف ألفِ درجة، ويبني له بيتاً في الجنة. وثبت في هذا الحديث عن أزهر القرشي رضي الله عنه وأرضاه وهو من أئمة التابعين أنه عندما ذهب إلى خرسان دخل على أمير خرسان قتيبة بن مسلم الباهلي فقال جئتك بهدية: قال وما هي: فروى له هذا الحديث فكان هذا الأمير الذي هو تابعي أيضاً أدرك عمران بن حصين وأبى سعيدٍ الخدري رضي الله عنهم أجمعين كان هذا الأمير يركب كل يوم في موكبه إلى السوق وليس له حاجة فإذا وصل إلى السوق قال هذا الذكر وانصرف إلى محل إمرته، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أما نذهب إلى الأسواق إخوتي الكرام باستمرار ألا نذكر الله في تلك المواطن، فإذا دخلنا السوق فنذكر هذا الذكر الذي علمنا إياه - صلى الله عليه وسلم -.

أحب البقاع إلى الله وخير البلدان عند الله المساجد، ولا غرَّ في ذلك ولا عجب فالمساجد هي محل نور الله جل وعلا ومكان هدايته وفيها المهتدون الذين أنعم عليهم وهداهم إلى صراطه المستقيم، وقد ذكر ربنا العزيز الغفور في سورة النور بعد آية النور مكان وجود النور فقال جل وعلا: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكبٌ دريٌ يوقد من شجرة مباركة زيتونةٍ لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم * في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب} . الله نور السماوات والأرض أين يطلب ذلك النور وأين يوجد وفي أي مكان نحصل، ومن يهتدي به ومن يتنور به؟ في بيوت أذن الله أن ترفع ... فإذا أرت أن نور الله فذهب إلى بيوت الله فهي مكان نوره وهي موضع هداه، وإذا أرت أن تتعرف على عباد الله المهدين الذين هداهم الله إلى صراطه المستقيم فبحث عنهم في بيوت رب العالمين، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال، فذكر الله بعد آية النور المكان الذي يوجد فيه نوره وهداه وذكر المهتدين مبيناً أعمالهم القلبية والقالبية، السرية والجلية كما سيأتينا في تفسير الآيات الكريمة إن شاء الله. عباد الله: كيف لا تكون المساجد أحب البقاع إلى الله وخير البلدان عند الله وهي موضع نوره ومكان هداه، وفيها يجتمع عباده الذين رضي الله عنهم وهداهم إلى صراطه المستقيم، هذه المساجد وصفها الله جل وعلا بثلاثة أمور في آية النور ووصف بعد ذلك الذين هم فيها بصفات جليلة عظيمة.

أول هذه الصفات التي ينبغي أن تكون من العباد نحو بيوت الله جل وعلا ونحو المساجد، في بيوت أذن الله أن ترفع، أذن: الإذن في اللغة: الإعلام والترخيص في الشيء، رخص الله وأعلم أنه أباح للناس وجوز لهم رفع المساجد، أذن: الإذن معناه الإعلام والترخيص كما قال جل وعلا في آخر سورة النور: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفورٌ رحيم} . إذا كان المؤمنون مع رسول الله عليه صلوات الله وسلامه أو مع وليَّ الأمر المسؤول عنهم لا يجوز لواحد منهم أن يتخلف ولا أن يفارق إلا بعد أن يستأذن وأن ترخص وأن يستأذن له النبي عليه الصلاة والسلام أو وليُّ أمره المسؤول عنه، {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم} أعلمهم بالترخيص وأنك أحبت لهم الذهاب، ولكن هذا الذهاب مهما كان لضرورة ملجئة مهما كان في ذلك حرمان اجتماع بالنبي عليه الصلاة والسلام وحرمان هذا الخير العام الذي يكون عباد الرحمن وهم على خير جامعٍ إذاً هناك شيء من التقصير من المستأذن فأتبع الإذن بالاستغفار {فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفورٌ رحيم} الأذن معناه الأذن بالترخيص في الشيء. {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} رخص لهم في قتال أعدائهم بعد أن منعوا ذلك بقول الله جل وعلا {ألم تر الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} .

عباد الله: ولا يراد من الإذن هنا الترخيص وإعلام الله لعباده بأنه أجاز لهم بناء المساجد لا ثم لا. فقد قرر أئمتنا الكرام أن معنى أذن هنا بمعنى حكم وألزم، وأوجب وفرض، حكم الله وألزم عباده وفرض عليهم بناء المساجد ورفعها، فالإذن هنا بمعنى الأمر كقول الله جل وعلا: {وما أرسلنا من رسولٍ إلا ليطاع بإذن الله} بأمره وحكمه وإيجاب الله على عباده ذلك إلا ليطاع بإذن الله {في بيوت أذن الله أن ترفع} أي أمر الله برفعها، وإنما أخبر الله جل وعلا وخبر الله جل وعلا عن الأمر بالإذن لنقطة لطيفة ذكرها أئمتنا وهي أن حال المأمورين وهم عباد الله المؤمنون ينبغي أن يكون حالهم، ينبغي أن يكون حالهم المسارعة إلى بيوت الله جل وعلا إلى بناء المساجد إلى تشيدها وإقامتها ورفعها قبل أن يوجه إليهم الأمر من ربهم جل وعلا بوصفهم عباداً لله لابد لهم من مكان يجتمعون فيه يعبدون الله، ويتدارسون الغاية التي من أجلها خلقوا وأن ينصح بعضهم بعضا، إذاً هذه الغاية من المفروض في حقهم أن يقوموا بها قبل أن يأمروا بها فينبغي على المأمور أن يتوجه إلى ذلك قبل أن يصدر إليه الأمر من الآمر من الله جل وعلا، فإذا أرادوا بناء المساجد قبل أن يأمروا يكون حالهم كحال المستأذن ربه جل وعلا، ربنا هل تأذن لنا في بيت نعبدك فيه ونتناصح فيه؟ فجاء الأمر على حسب حال عباد الله كأنهم يستأذنون الله في بناء المساجد، فقال الله لهم {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر اسمه} نعم إن مناجاة الله جل وعلا تحتاج إلى استئذان وإذا أردت أن تناجيَ الكريم المنان فينبغي أن تقول له عبد ربي هل تقبلني؟ أريد أن نبنيَ مكاناً أجتمع فيه مع عباد الله لعبادته والتناصح في دينه فهل يرضيك ذلك؟ فجاء الإخبار من الله مع بشارة عظيمة {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه} . إخوتي الكرام:

وهذه البيوت هي المساجد قطعاً وجزما، وقد اقتصر كثير من المفسرين على ذلك كالإمام ابن كثير وغيره عليهم جميعاً رحمات ربنا الجليل، ولم يذكر قولاً آخر، وذكرت بعض كتب التفسير أقوال كثيرة مردها إلى أمرين. الأمر الأول: بيوت غير المساجد ذكرت في تلك الأقوال لكنها لا تتعارض مع هذا وتدخل في القول الأول، فقال عدد من المفسرين، وهذا منقول من السلف. {في بيوت أذن الله أن ترفع} في مسجد الكعبة، في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، في مسجد البيت المقدس في المسجد الأقصى {في بيوت أذن الله أن ترفع} هذه المساجد الثلاثة، بعضهم أضاف إليها مسجداً رابعاً مسجد دمشق، هذا كله لا يتعارض مع ما تقدم بل يدخل فيه، وهو من باب التفسير العام كما قال أئمتنا ببعض أفراده تمثيلاً على ما يدخل في هذا العام لا ما باب الحصر أي من البيوت التي أمر الله برفعها؟ المسجد الحرام، ومسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وبيت المقدس، ومسجد دمشق، وغير ذلك من المساجد، فهذا القول يدخل في القول الأول، إنما ذكر نوعاً خاصاً واللفظ أعم من ذلك، وهناك أقوالٌ يمكن أن تجمع في ضابط معين وهو أنه ذكر ما يتعارض مع القول الأول من حيث التفسير لكن مع ذلك إن عرضه من حيث الظاهر لا ينافيه ولا يلغيه. فقال مجاهد عليه رحمه الله {في بيوت أذن الله أن ترفع} هي بيوت النبي عليه الصلاة والسلام لقول الله جل وعلا لأمهاتنا أزواج النبي عليه وعليهم صلوات الله وسلامه {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} فهي بيوت مرفوعة حساً ومعنى ينبغي أن تكرم وأن تعظم وأن تحترم بيوت النبي عليه الصلاة والسلام وينبغي على من فيها أن يكثر من ذكر الله وقراءة القرآن.

ووسع الأمر عكرمة رحمه الله ورضا عنه فقال {في بيوت أذن الله أن ترفع} هي كل ما يبنى على وجه الأرض ينبغي أن يرفع من أجل الله وأن يذكر فيه اسم الله، وأن يسبح في تلك البيوت بالغدو والآصال. ولعله يريد بذلك أن بيوت الناس ينبغي أن تكون على غرار المساجد فيها نوراً وهدىً وذكرٌ لله وتسبيحاً له بالغدو والآصال. والتفسير الذي ينبغي أن يعتمد وأن يعول عليه فيه معنى الآية {في بيوت أذن الله أن ترفع} هي المساجد، والأمران حاصلان فيها، فهي التي أمر الله برفعها وتعظيمها حساً ومعنى كما سيأتينا، ولا يوجد مكان يحصل فيه من كثرة ذكر الله والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام كما يحصل في خير البقاع ألا وهي المساجد. {في بيوت أذن الله أن ترفع} أذن الله أن ترفع: هذا الأمر الأول أعلم وحكم وألزم وفرض وأخبر عن هذا الأمر بالإذن تنبيهاً على المأمورين ينبغي أن يسارعوا إلى تنفيذ هذا الأمر قبل أن يوجه إليهم هذا الأمر من الآمر فيكون حالهم كحال المستأذن فالله يقول أذنت لكم برفع هذه البيوت وعمارتها.

والرفع إخوتي الكرام شامل لأمرين كل منها تدل عليه الآية الكريمة {أذن الله أن ترفع} أن ترفع حساً: أي أن تبنا وأن تشيد وأن ترفع على وجه الأرض كما قال جل وعلا {ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها} ، {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} أذن الله أن ترفع وأن ترفع وأن تكون بيوت الله في الأرض كالنجوم في السماء يهتدي إليها أهل الأرض فلا تكون كالمغارات والسراديب والمناجم والمخابئ لا يهتدي الناس إليها، لا هذه بيوت لها شأن ومنزلة وعظمة. {في بيوت أذن الله أن ترفع} ينبغي يتميز بناءها عن الأبنية الأخرى وأن تكون ظاهرة للأعين على مرأى الناس {في بيوت أذن الله أن ترفع} وإذا عمِّرت هذه البيوت ورفعت فهيئاً ثم هيئاً لمن يرفعها ويبنيها ويشيدها ويقيمها، ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عثمان بن عفان ذو النورين الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه أنه عندما وسَّع مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكثر الناس الكلام فيه قام رضي الله عنه ورقى النبر وقال يا أيها الناس إنكم أكثرتم وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة] من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة.

وفي بعض الروايات: [من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة] وعثمان رضي الله عنه هو ثاني من وسَّع مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، الموسِّع الأول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما وسع المسجد لهيبة عمر وشدته في الحق رضي الله عنه وأرضاه ما تكلم المتكلم وما حرك أحدٌ شفتيه، فلما وسَّع عثمان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام كثر اللغط وأنه غيَّر معالم المسجد، وأنه زاد، وأنهُ وأنه، فقام رضي الله عنه كأنه يعتذر إليهم لحلمه ورحمته وعفوه وصفحه رضي الله عنه وأرضاه فقال إنكم أكثرتم، تكثيرون من الكلام واللغط، وتقعون في عرضي وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [من بنى مسجداً لله يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة] فماذا عمل ذو النورين إلا أن وسَّع مسجد النبي عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام: إذا قام الإنسان بهذا ببناء المساجد ورفعها حسا له هذا الأجر عند الله جل وعلا بنى الله له بيتاً في الجنة، بنى الله له مثله في الجنة، ولا يشكنَّ عليك أخي الأمر حديث النبي عليه الصلاة والسلام الذي فيه التصريح بالمثلية مع قول رب البرية: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وهنا بنى الله بيتاً في الجنة، بنى الله له مثله لما لم يقول عشر بيوت؟ إنَّ بيت الجنة وإن ساوى بيت الدنيا في الاسم فيخالفه في الحقيقة في السعة والمساحة، وفي الجودة والإتقان، فهو بيتٌ له سمى البيت لكن الفارق بين بيت الجنة والبيت الذي تبنيه وترفعه في هذه الحياة لعبادة رب الأرض والسماوات أعظم بكثير من الفارق بين بيت الأمير والفقير، فهو بيت وهذا بيت لكن ذاك بيتٌ فيه ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر ومسافته ومساحته لا يعلمها إلا الكريم الذي يبني لك هذا البيت في جنات النعيم. إخوتي الكرام:

وهذا البيت الذي يبنيه الإنسان لله يبني الله له بيتاً في الجنة سواء صغر هذا البيت في هذه الحياة أو كبر، ثبت سنن الترمذي وغيره وإسناد الحديث حسن عن أنسٍ رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [من بنى مسجداً صغيراً كان أم كبيراً بنى الله له بيتاً في الجنة] من بنى مسجداً صغيراً كان أم كبيراً بنى الله له بيتاً في الجنة، والحديث رواه الإمام أحمد والحاكم في المستدرك وابن ماجة في السنن من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والحديث رواه أيضاً الإمام أبو يعلى والبزار الطبراني في معجمه الكبير وابن حبان من رواية أبي ذر رضي الله عنه ورواه البزار من رواية بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، من رواية جابرٍ وابن عباس وأبي ذر رضوان الله عليهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من بنى بيتاً لله ولو قدر مفحس قطاطٍ بنى الله له بيتاً في الجنة] ومفحس القطاط: مكان صغير تجسم فيه وتجلس فيه وتكون فيه، فإذا بنيت بيتاً لله بحجم مكان القطاط بنى الله له بيتاً في الجنة وهذا يكون إذا شارك الإنسان بريال واحد في بناء مسجد فيكون له هذا الضمان عند الكريم الرحمان، من بنى مسجداً بيتاً لله ولو قدر مفحس قطاط بنى الله له بيتاً في الجنة. إخوتي الكرام:

ولا يشترط في الباني إلا أن يخلص النية لرب البرية في هذا البناء إذا كان من المؤمنين الموحدين ثبت في سنن النسائي وغيره عن عَمْرِ ابن عبسة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من بنى مسجداً لله ليذكر الله بنى الله له بيتاً في الجنة] من بنى بيتاً لله، حجَّ لله، صام لله، جاهد لله، فلا يقبل العمل من غير إخلاص ولا متابعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، لابد من إيمان وإخلاص ومتابعة للنبي عليه الصلاة والسلام، فعمل المساجد عمل صالحٌ، فإذا أخلص الباني لله من بنى بيتاً لله مسجداً لله يذكر فيه الله بنى الله له بيتاً في الجنة {في بيوت أذن الله أن ترفع} . إخوتي الكرام: ولا يلزم من هذا الرفع زخرفة وزركشة وألوان متعددة لا ثم لا، بل إن ذلك منهي عنه في شريعة الإسلام، ينبغي أن يكون بناءُ المساجد بدون زخرفة، والزخرفة مأخوذة من الزخرف، وهو الذهب الذي يلمع، ويطلق هذا على الألوان الزاهية التي تشتت البصر وتشغل القلب من حمرة وصفرة وألوان أخرى براقة، فما ينبغي أن يكون في هذا الرفع وهذا البناء زخرفة وزركشة فهذا مما نهينا عنه في شريعة ربنا جل وعلا، ثبت في سنن أبي داود والترمذي وسنن الإمام النسائي والحديث رواه الإمام ابن حبان في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد] حتى يتباهى الناس في المساجد: أي في زركشتها وفي تزينها وفي زخرفتها وفي وفي، لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد] فلتكن مساجد بصفة شرعية لعبادة رب البرية، وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن القوم إذا انحرفوا عن شريعة الله بزخرفة المساجد وزينوها.

ففي سنن ابن ماجة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه والحديث في إسناده شيء من الضعف لوجود جبارة ابن المغلس فيه وهو ضعيف، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم] ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم: أي زينوها وموَّهُوهَا بالألوان التي تشتت النظر وتفرق القلب، ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم، وفي صحيح البخاري معلق بصيغة الجزم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (لتزخرفنها كما زخرفتها اليهود والنصارى) أي ستتبعون آثر من قبلكم في معابدكم لعبادة ربكم فتجعلون فيها الألوان التي تشتت الأنظار وتفرق القلب فلا يجتمع حال عبادة الرب جل وعلا، (لتزخرفنها كما زخرفتها اليهود والنصارى) ، ونقل البخاري عن أنس معلقاً بصيغة الجزم أيضاً قال (يتباهون بها، ثم لا يعمرونها إلا قليلاً) ونقل البخاري عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنهم أجمعين أنه قال: (كان مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - مبنياً بلبن وسقفها من جريد النخل، فأمر عمر رضي الله عنه ببناءه وتوسعته وقال: أكِنَّ الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس) أكنَّ الناس: إما أنه يريد أن يخاطب نفسه فجرد من نفسه شخصاً آخر يخاطبه فقال: أكنَّ الناس: أي أبنيَ لهم كنَّن يقيهم من المطر ومن حر الشمس، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس، وإما أنه قال هذا لعامله الذي أمره بتوسيع مسجد النبي عليه الصلاة والسلام أكنَّ الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس.

عباد الله: تشيد المساجد له حالتان الحالة الأولى أن يكون البناء محكماً قوياً متقناً متناسباً له فرشٌ جيد يريح المصلي إذا دخل إليه ليس فيه بعثرة ليس فيه ألوانٌ تشتت النظر فهذا مشروع جائز وهذا من الرفع الذي أمرنا به وهذا الذي فعله الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، وهناك تشيدٌ منهيٌ عنه أن يكون هناك صورٌ وألوانٌ وزهورٌ وورود وغير ذلك تصبغ بها الجدران بحيث من نظر إليها تشتت ذهنه وتفرق قلبه فهذا منهي عنه ثبت في صحيح البخاري معلقاً والأثر وصله الإمام أبو داود بسند صحيح كالشمس في سننه من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام مبني بلبن وهي البن التي تصنع من الطين، مبني بلبن وكان سقفه من جريد النخل، وكان عموده من خشب النخل، فبقيَ على ذلك في عهد أبي بكر رضي الله عنه ولم يغير فيه شيء،) وثبت في سنن أبي داود أن أبي بكر رضي الله عنه غير السواري فقط عندما دخل فيها السوس ونخرت فغيرها بمثلها، غيَّر السواري التي هي الأعمدة من خشب النخل بسواري أيضاً من خشب النخل، لكنه ما زاد في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام شيئا، السواري نخرت فغيَّرها، فلما جاء عمر رضي الله عنه وكثر الناس وسَّع المسجد مسجد النبي عليه الصلاة والسلام لكن حافظ عليه كما كان بناءٌ بلبن والسام والأعمدة من خشب النخل وسقفه من جريد النخل، فلما كان عثمان رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام أجمعين وكثر الناس وفي سنن أبي داود ونخرت أيضاً السواري بواسطة السوس الذي فيها وسَّع المسجد توسعة عظيمة وغيَّر البناء الذي كان عليه فبناه بالحجارة المنقوشة في سنن أبي داود بإسناد صحيح بالحجارة المنقوشة والقصة: وهي الجس في لغة أهل الحجاز وجعل أعمدته من حجارة منقوشة وجعل سقفه من خشب الساج.

فأكثر الناس من الكلام فنبههم وحذرهم، وإنما بناءه عثمان رضي الله عنه وأرضاه بحجارة منقوشة المرتبة بأشكال حسنة ليس فيها ألوانٌ تشتت الأذهان، النقش الذي فيها إما أن تكون الحجارة مربعةً، مستطيلةً، مثلثةً، مُسَدسةً بحيث تكون الحجارة في هذا المسجد متزنة متسقة مرتبة ليس في ذلك بعثرة ولا تشويش، ليس في ذلك حرج، هذا من باب الترتيب ببيوت الله وتعظيمها، بنها بحجارة منقوشة، ليست منقوشة بألوان وزخارف، إنما هي أشكال مرتبة في هذا المسجد لا يوجد ما يفرق النظر ولا ما يشغل القلب لكن إذا نظرت رأيت ترتيباً وإحكاماً وصنعاً عجيباً بديعا هذا من التعظيم الذي أمرنا رب العالمين نحو بيوته التي ينبغي أن نبينها له في هذه الأرض {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} أن ترفع حسا، أن تشيد وأن تبنا بهذه الصفة الحسنة المكرمة فإذا دخلت إلى بيت الله فرشه مريح، إذا كانت البلاد في بحاجة إلى تكييف التكييف فيه مريح الإضاءة فيه جميلة جليلة كافية، وهكذا كل ما فيه يريح المصلي ولا داع بعد ذلك بألوانٍ ولا لإشغال أذهان المصلين. إذاً التشيد على نوعين تشيد فيه تعظيم لبيت الله وإحكام صُنْعَةٍ وإتقانها فحسنٌ لا محذور فيه، وتشيد يقصد منه زخرفة وزركشة وانشغال المصلي فهذا الذي جاءت أدلت الشرع بالنهي عنه والتحذير منه وهو الذي نهانا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح من رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [إني لم أؤمر بتشيد المساجد] أي بزخرفتها وتزينها بحيث شتت ذلك ذهن الإنسان ويفرق قلبه، {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} ترفع حسا، تبنى تتميز عن بيوت الناس وترفع معنى {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} ورفع هذه البيوت معناً أن تعظم وأن تقدر وأن تحترم وأن تصان من كل دنس وقذر حسي ومعنوي وأن يجري فيها كل فضيلة وأن تحترم في حال الدخول والخروج والمكث فيها والبقاء فيها.

{أن ترفع} ، أن ترفع عن كل نقص بحيث يكون لها قدر لا يكون لمكانٍ آخر. {في بيوت أذن الله أن ترفع} حسا ومعنى ورفع هذه البيوت معنى ينظم فيه أيضاً أمران رفعها معناً بأمرٍ محسوس، رفعها معناً بأمرٍ معنوي، أما رفعها حساً تقدم معنا أن نرفع بنائها، وأما هنا نرفع قدرها بشيء محسوس: أي نصونها عن كل قدرٍ حسي، فبيوت الله لا ينبغي لها أن يقع فيها شيء من الروائح المنتنة ولا شيء من النجسات والقذر ولا شيء من البصاق بحيث يكون عليها ويشوه منظرها ويجعل الناس يتأففون من بيوت رب العالمين، كل هذا مما نهينا عنه.

ولذلك ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام البخاري وأهل السنن الأربعة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ورواه الإمام مسلم من رواية أنسٍ رضي الله عنهم أجمعين [أن رجلاً دخل النبي مسجد النبي عليه الصلاة والسلام على عهد النبي عليه الصلاة والسلام فبال في ناحية من المسجد فزجره الصحابة ونهروه فقال النبي عليه الصلاة والسلام لا تزرموه: أي لا تقطعوا عليه بوله، إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ثم دعا بسجل من الماء فصبه على بول الأعرابي وانتهى الأمر ثم قال أيها الرجل إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والنجاسات، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن إنما هي لذكر الله والصلاة قراءة القرآن] ، إذاً تصان عن كل دنسٍ حسي هذا من باب رفع المساجد معنى ولذلك سنن ابن ماجة بإسناد قال عنه الإمام المنذرين قابلٌ لتحسين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من أخرج من المسجد أذى بنى الله له بيتاً في الجنة] جعل إخراج الأذى من المسجد يعدل عمارة المسجد، من أخرج من المسجد أذى بنى الله له بيتاً في الجنة فهذا رفعٌ وذلك رفع، هناك رفعٌ له حسا وهنا رفعٌ لها معنىً عن طريق الحس، رفع قدرها بتنظيفها من النجاسات والقاذورات الحسية، من أخرج من المسجد أذى بنى الله له بيتاً في الجنة، والحديث إخوتي الكرام أصله ثابت في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ورواه ابن خزيمة وابن ماجة في سننه من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام [افتقد امرأة سوداء كانت تقم المسجد: أي تكنس وتنظفه، فلما سأل عنها قالوا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماتت في الليل فكرهنا أن نؤذنك فأنت نائم عليه صلوات الله وسلامه، ماتت في الليل فكرهنا أن نؤذنك فقال دلوني على قبرها، فأتى على قبرها وصلى عليها عليه صلوات الله وسلامه] .

وفي رواية أبي الشيخ عن عبيد الله ابن مرزق بإسناد مرسلٍ صحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام [رأى قبراً بين المقابر قال قبر من هذا قالوا قبر أم محجن التي كانت تقم المسجد وتكنسه فقال عليه الصلاة والسلام: أفلا آذنتموني بموتها فقالوا ماتت بالليل فكرهنا أن نؤذنك فصلى عليها النبي عليه الصلاة والسلام ثم قال لها يا أم محجن، يا أم محجن، يا أم محجن، فقال الصحابة الكرام يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وهل تسمعك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام: قال ما أنتم بأسمع لما أقول منها يا أم محجن أي عملك وجدته أعظم أجراً عند الله فقالت قم المسجد] بعد موتها، قم المسجد، كنس المسجد، تنظيف المسجد، صون المسجد من القذر الحسي، هذا مما أمرنا به نحو بيوت ربنا {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} يرفع قدرها ومنزلتها بإخراج القاذورات منها وقد أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - بتنظيف المساجد، وكنسها وتطيبها.

ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربع باستثناء سنن النسائي والحديث رواه ابن حبان وابن خزيمة في صحيحه عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب [أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب] قال سفيان بن عيينة عليه رحمة الله المراد من الدور: القبائل، وإنما أطلق على القبائل لفظ الدور لأن كل قبيلة كانت تسكن في بيوتٍ متعددة بحيث تكون تلك البيوت كأنها بيت واحدٍ، فأمر إذاً أن تبنى المساجد في الدور: أي كل قبيلة تبني لنفسها مسجداً بحيث لا يشق عليها أن تذهب إلي مسجدٍ آخر يبعد عنها ففي ذلك مشقة أو ضياعٌ للجماعة، أمر أن تبنى المساجد في الدور: أي في القبائل، أي أحياء الناس وقال الإمام البغوي في الدور: أي في محال الدور، أي في الأمكنة التي توجد فيه الدور وتبنى فيها المساكن، أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وأن تطيب، إذاً {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} حسا ببناءها، {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} معنىً يرفع قدرها ومكانتها بأمرٍ حسي فتصان من كل دنسٍ وقذرٍ ونجسٍ، {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع} أن ترفع معنىً بأمرٍ معنوي فلا يجري فيها لغط ولا كلام خسيسٌ باطلٌ، ولا بذاءةٌ ولا خنا، هذه بيوت الله جل وعلا ينبغي أن يكثر فيها ذكر الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كلُ في ما فيها من دنسٍ معنوي ينفر وينبغي أن تنزه المساجد عنه.

ثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، والحديث رواه أنسٌ وجابر وروايتهم في الصحيحين، والحديث رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[من أكل بصلاً أو ثوماً، وفي بعض الروايات أو كراثاً فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم] أكل شيئاً له رائحة منتنة إذا جاء إلى هذه البيوت ما رفعها إنما وضعها وامتهناها واحتقرها، {أذن الله أن ترفع} وهكذا يقاس عليها كل ما له رائحة ممتنةٍ من دخانٍ فشا في هذه الأيام فلا يجوز لك أن تدخل بيت الله إذا شربت هذا الدخان الذي تؤذي فيه الملائكة الكرام وعباد الرحمان، [إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنوا آدم] ، رفع الصوت في بيت الله ما ينبغي أن يقع ولا أن يحصل. ثبت في صحيح البخاري عن السائب ابن يزيد رضي الله عنه قال [كنت في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فحصبني رجلٌ أي رماه بحصاة يقول فالتفت فإذا هو عمر ابن الخطاب أيام خلافته فدعاني ثم قال اتني بهذين فآتيته بهما فلما وقف عليهما قال من أين أنتما من أهل الطائف من ثقيف، قال والله لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً ترفعان صوتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] رفع الصوت يقع في بيت الله، لكن تعذران لبعدكما عن ساحة العلم وساحة الأدب والجاهل يرفق به ويعلم، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام.

وثبت في سنن النسائي بإسنادٍ صحيح أن رجلاً رفع صوته في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه ويحك أتدري أين أنت، ويحك أتدري أين أنت، من جالس الملوك يجالسهم بالأدب فكيف من يجالس ملك الملوك رب العالمين في بيته الكريم، ويحك أتدري أين أنت، فبيوت الله جل وعلا ينبغي أن تصان عن كل لهوٍ ولغوٍ، ثبت في صحيح ابن حبان من رواية أنسٍ رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [سيكون في آخر الزما أقوامٌ حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة] . والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان مرسل عن الحسن البصري رحمه الله ورضى عنه قال [سيكون في آخر الزمان أقوامٌ يتحدثون في مساجدهم بأمور دنياهم فلا تجالسوهم فليس لله فيهم حاجة] وقوله وليس لله فيهم حاجة: أي ليسوا من عباده الأخيار وبرئت منهم ذمة العزيز القهار، ليس لله فيهم حاجة، إذاً بيوت الله جل وعلا ينبغي أن ترفع أمرنا الله برفعها حساً، وينبغي أن ترفع معنىً بكل أمرٍ حسي وبكل أمرٍ معنوي بهذا أمرنا الله جل وعلا عباده {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتيَ للطائفين والعاكفين والركع السجود} ، {وإذ بوئنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئاً وطهر بيتيَ للطائفين والقائمين والركع السجود} فأذن الله جل وعلا برفع هذه البيوت ببناءها ورفعها حسا، بتعظيمها واحترامها بكل أمرٍ حسي، وبكل أمرٍ معنوي، هذا الأمر الأول الذي أمرنا به نحو بيوت ربنا جل وعلا. وأما الأمر الثاني والثالث: {ويذكر فيه اسمه يسبحه له فيها بالغدو والآصال رجال} وحال عباد الله الأخيار في بيوت العزيز الغفار يأتي الكلام عليه إن شاء الله في المواعظ الآتية إن أحيانا الله، أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أقول هذا القول وأستغفر الله.

الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلي على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، وارضى اللهم عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وفرج كروبنا، واقضي حوائجنا يا أرحم الراحمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم اغفر لآبائنا ولأمهاتنا ومشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، لمن أحسن إلينا، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، والحمد رب العالمين. عباد الله {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْي يَعِظُكُمْ لَعَلَكُمْ تَذَكَّرُونَ} .

الموعظة الخامسة ثلاث مباحث للطاعات

ثلاث مباحث للطاعات (الموعظة الخامسة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الموعظة الخامسة ثلاث مباحث للطاعات الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سَهِّل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعُنا، وانفَعنا بما علمتَنا يا أرحم الرحمين، اللهم زدنا علمنا نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتي الكرام: تقدم معنا في المواعظ السابقة أن من آمن بالله --جل وعلا-- واتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخلص في جميع أحواله لله سيذوق حلاوة الإيمان بلا شك، وهذه الحلاوة سيظهر لها أثرٌ في سلوكه وتصرفه فسيعرض عن الدار الفانية ويقبل على الدار الباقية، ويستعد للموت قبل نزوله ويكثر من ذكره ويفرح به إذا حل به. إخوتي الكرام: ولذلك كان الموتُ كما تقدم معنا تحفةً للمؤمنين. وقررت هذا بالأدلة والبراهين، وأريد أن أوضح أيضاً هذا بشيءٍ لم يتقدم ذكره -على سبيل الاختصار- إخوتي الكرام:

الموت تحفة المؤمنين، وإذا آمن الإنسان برب العالمين، واتبع النبي الأمين -عليه الصلاة والسلام- وأخلص لله في كل حين سيكثر من ذكر الموت، ويفرح به ويشتاق إليه، وإذا تعلق بهذه الحياة سيخاف من الموت ويفر منه ويعرض عنه، وهو آتيه ولابد، يقول العبد الصالح بشر الحافي بِشر بن الحارث -عليه رحمة الله- الذي توفي سنة 227هـ، وهذا الأثر عنه منقول في حلية الأولياء لأبي نعيم، وتاريخ بغداد للإمام الخطيب البغدادي -عليهم جميعاً رحمة الله- قول هذا العبد الصالح: (ما من أحدٍ يحبُ الدنيا إلا ولن يحبَ الموت) (وما من أحدٍ يزهد في الدنيا إلا أحبَّ لقاء الله) حتماً من أحب الدنيا، وتعلق بها لن يحب الموت، ومن زهد في الدنيا وأعرض عنها أحب الموت وفرح به واشتاق إليه، وأكثر من ذكره، فما حالك أنت أيها العبد الصالح بِشر بن الحارث بشر الحافي؟! ثم قال: (اللهم إنك تعلم أن الفقر أحبُّ إليَّ من الغنى، وأن الذُلّ أحبُّ إليَّ من العز، وأن الموتَ أحبُّ إليَّ من البقاء) ، وكان هذا العبد الصالح ينطق بالحِكَم، ويتحدث عن حال الأيام التي نعيش فيها -ما مضى وما نعيش فيه وما سيأتي- فيقول: ما يقطع الأمل عن أهل الغرور يقول (أمسِ ماتَ) ما مضى مات وفات (واليومُ في السياق) أي أن اليوم يحتضر، ليموت كما مات اليوم الماضي، (وغداً لم يولد) ، أمس مات واليوم في السياق وغداً لن يولد. بشر الحافي -عليه رحمة الله- من كلامه ودرره وعظيم مراقبته وعلمه بأحوال القلوب وما يجري فيها كان يقول: (إن العبد ليرائي بعمله بعد موته) . قيل كيف مات ويرائي؟! قال: يحب أن يَكثُر الخلقُ في جنازته، -إذا توفي- يتمنى هذا من أجل أن يتحدث الناس عنه بعد موته أنه شهد في جنازته جمٌ غفير، فيكتب عليه جرم الرياء بعد موته.

(إن العبد ليرائي بعد موته يحب أن يكثُر الخلقُ في جنازته) ، ومن حلم الله بنا ومغفرته لنا، أنه لم يخسف بنا الأرض، ونسأله --جل وعلا-- إذا دفنا فيها ألا يأذن للأرض بأن تلفظنا، ووالله لو أذن للأرض في حال حياتنا فوقها أن تبتلعنا لابتلعتنا، ولو أذن للأرض أن تلفظنا بعد موتنا لتقصيرنا وتفريطنا للفظتنا، وإذا سَتَرَنا فوق الأرض وتحت الأرض فنسأله أن يُتَمَ ستره علينا يوم العرض، إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام: ما من أحدٍ يحب الدنيا إلا ولا يحب الموت، وما من أحدٍ زهد في الدنيا وأعرض عنها إلا أحبَّ لقاء الله، وتمنى الموت وفرح به، ولذلك إخوتي الكرام: إذا اتصف الإنسان بهذا المسلك على وجه التمام، عبد الله، واتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخلص لله أعرض عن هذه الحياة، وتعلق بالحياة الباقية، تعلق بالدار الآخرة إذا -وجد فيه هذا- لا يفر من الموت إذا نزل به، ويموت على عز ويفرح به ولا يبالي إذا جاءه الموت على أي حال -ما دام مطيعاً لذي العزة والجلال-.

ثبت في صحيح البخاري، وسنن أبي داود، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل بعثاً عينا أي ليتفقدوا أحوال المشركين، وليرصدوا أخبارهم، أرسل بعثاً (عينا) ، وهذا البعث مؤلف من عشرة أشخاص من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت -رضي الله عنهم أجمعين- فلما وصل هذا البعث في طريقه بين -مكة وعُسفان- خرج لهم بعض القبائل من العرب من قبيلة لحيان واستنفروا له في (مائة رامٍ) وقيل في مائتين، والروايتان في الصحيح، فتبعوا هذا البعث الذين هم عشرة فلما علم عاصم بن ثابت بالأمر أراد أن يحترز في فدفدٍ من الأرض أي في مرتفعٍ وأرضٍ خَشِنةٍ (صعبةٍ وعرةٍ) ، لئلا يصل المشركون إليهم لكن المشركين وصلوا إلى ذلك الفدفدٍ ثم عرضوا على عاصم ومن معه الاستسلام، وقالوا لكم الأمان إذا استسلمتم ألا نقتل رجلاً منكم، فأما عاصم بن ثابت وهو أمير السرية فقال: ما كنت لأنزل في رعاية كافر ـ لا يمكن أن يرعاني كافر على الإطلاق، وأن أكون في ذمته، فقاتل بمن معه المشركين، فقتل في سبعة من أصحابه -رضي الله عنهم أجمعين- وبقي من العشرة ثلاثة ـ خبيب بن عدي وزيد بن الدَثِنَّه ورجلٌ ثالث من الصحابة الكرام، فعرضوا عليهم الأمان مرة ثانية بعد أن قُتل عاصم في سبعة ممن معه عرضوا على هؤلاء الثلاثة الأمان فقبلوا الأمان، فلما استوثقوا منهم، وقبضوا عليهم فَك المشركون أوتار قسيهم وربطوا هؤلاء الصحابة الكرام بهذه الأوتار، وغدروا ونقضوا عهدهم فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم، ولا أمشي معكم فحاولوا معه فأبى فقتلوه، فَلَحِق الثامن بالسبعة الذين لحقوا بجوار ربهم، بقي خبيب بن عدي وزيد بن الدَثِنَّه -رضي الله عن الصحابة أجمعين-، فأخذوا خبيباً وباعوه إلى أهل مكة إلى أولاد الحارث، وكان خبيب قد قتل الحارث في موقعة بدر فلما أُخذ خبيبٌ -رضي الله عنه- وبقي عندهم أسيراً في مكة تقول

امرأة من أهل ذلك البيت: كنت أرى عنقوداً من العنب كرأس الثور عند خبيب بن عدي يأكل منه ووالله ما في مكة حبة عنب، إنما ينزل عليه رزقٌ من السماء {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (¬1) فلما أجمعوا قتله وأخرجوه من الحرم إلى الحل إلى التنعيم ليقتلوه -سبحان الله- يريدون فتنته عن دينه ويريدون قتل مؤمن لأنه آمن بالله وبرسوله –صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لا زالوا يعظمون الحرم، فأرادوا أن يُخرجوه من ساحة الحرم ليقتلوه في الحل، فطلب منهم أن يصلي ركعتين، وهو أول من سنَّ لمن يُقتل في سبيل الله صَبْراً، -وقتل الصبر- أن يموت الإنسان في غير المعركة، أن يقبض عليه ثم بعد ذلك ينفذ فيه القتل إما عن طريق الصلب أو الشنق أو الرصاص أو السكين أو غير ذلك هذا يقال قتل الصبر - هو أول من سنَّ صلاة ركعتين لمن يُقتل صَبْراَ ثم قال: والله لولا أن تروا أن بي جزعٌ من الموت لزدت في الصلاة ثم التفت إلى المدينة المنورة كما في مغازي موسى بن عقبة وقال: اللهم بلغ رسولك مني السلام، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- يقتل الآن خبيب ثم قال وعليك السلام يا خبيب -رضي الله عنه وأرضاه- وأنشد أبياته الجميلة الحلوة الرقيقة التي تدل على تعلق المؤمن بربه فقال: ولستُ أُبَالي حين أُقْتَلُ مُسْلِماً ... على أي جَنْبٍ كان في الله مَصْرِعي وذلك في ذات الإله وإن يشأْ ... يُبَارك على أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعٍ ثم قتلوه -رضي الله عنه وأرضاه- ولا يقولن قائل -إخوتي الكرام- كيف أكرمه الله بعنقود من العنب، بقطف من عنب، ولم يكرمه بالسلامة من الأعداء؟، لو أراد الله أن يُسَلِّمَهُ لَسَلَّمَهُ وهو على كل شيءٍ قدير. لكن أراد أن يكتب له الظفر برتبة الشهادة. ¬

_ (¬1)) ) سورة البقرة: 212، وسورة النور: 38

وعاصم بن ثابت الذي قُتل وهو أمير السرية -رضي الله عنه-، عاصم الذي قتل عندما أراد المشركون بعد قتله أن يأخذوا جسده وليمثلوا به ويكون دليلاً على أنهم قتلوه أرسل الله النحل (الدَبْر) لتحميه فصارت عليه كالظله، فما استطاع مشركٌ أن يقترب من بدنه، إذ حفظه الله كرامة له وكتب له الشهادة، كرامة أيضاً له ليزيد في أجره عندما يلقى ربه -سبحانه وتعالى-، الشاهد إخوتي الكرام: أن المؤمن عندما يُعرِض عن الدنيا ويُقبل على الآخرة لا يبالي على أي جنبٍ كان في الله مصرعه، وهذا أوان لقاء الحبيب ولا أفلح من نَدِم، وإذا جاء الموتُ الرجلَ الصالح يقول: مرحباً بحبيبٍ جاء على فاقة غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه -عليه صلوات الله وسلامه-، ولما قيل لخبيب -رضي الله عنه- عند قتله هل يسرك أن محمداً عليه الصلاة والسلام مكانك وأنت في بيتك مع أهلك آمن؟ قال: يا قوم والله ما يسرني أن يَفْدِيَني محمدٌ عليه الصلاة والسلام بشوكة في قدمه، لو أوشيك بشوكة في قدمه لكان أصعب علي من قتلي، أُقتل ويسلم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. إذاً -إخوتي الكرام- الموتُ تحفة المؤمنين، وإذا أخلص الإنسان لله وآمن به واتبع رسوله –صلى الله عليه وسلم- سيفرح بالموت ويتطلع إليه ويشتاق إليه وسيكون الموت حبيباً له. إخوتي الكرام: قررت هذا بأدلة كثيرة وبينت أن ما ورد من أدلة تبين أن المؤمن يكره الموت وينفر منه، فقلت: إن هذه النفرة نفرة طبيعيةٌ جبليةٌ غريزيةٌ والمؤمن يحب الموت حباً اختيارياً شرعيا، وهذا الحب يظهر على وجه التمام والكمال كما تقدم معنا عند السياق والاحتضار عندما يبشر بلقاء العزيز الغفار فيحب لقاء الله فيحب الله لقائه.

والأحاديث التي دلت على أن المؤمن ينفر من الموت وطبيعته تكرهه ولا تميل إليه قلت: الحديث الثاني الذي رواه الإمام البخاري وغيره -عليهم جميعاً رحمة الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: [من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأُعْطِيَنَّهُ ولئن استعاذ بي لأُعِيِذَنَّهُ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه] يكره الموت كراهة طبيعية جبلية، ويحبه محبة اختياريةً شرعيةً، ويظهر هذا على التمام عند الاحتضار والسياق. تقدم معنا -إخوتي الكرام- شرح الجملة الأولى [من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب] وكنا في شرح الجملتين التاليتين للجملة الأولى [وما تقرب إلىَّ عبدي بشيء أحبَّ إلىَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه] وهاتان الجملتان هذان الأمران حولهما عدة مباحث. تدارسنا ثلاثة مباحث في الموعظة الماضية: فيما يتعلق بقول الله جل وعلا: [وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إلىَّ مما افترضته عليه] فقلت: إن الطاعات تتفاوت في الدرجات. والمبحث الثاني: أفضل الطاعات الواجبات المفروضات. والمبحث الثالث: أفضل الواجبات المفروضات توحيد رب الأرض والسماوات، هذه الأمور الثلاثة -مر الكلام عليها-.

وسأتبعها بثلاثة أخرى لازالت المباحث تتعلق بالطاعات التي تدخل في هذه الجملة [وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إلىَّ ممَّا افترضْته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه] ، أما ما يتعلق بمحبة الله لعبده، وما يترتب على هذه المحبة من آثار فتحت ذلك مبحث طويل جليل جميل يأتي في المواعظ الآتية إن أحياناً ربنا الجليل، إنما في هذه الموعظة سندارس ثلاثة أمور تتعلق بالطاعات أيضاً نكمل بها المباحث الثلاثة المتقدمة، فيصبح مجموع المباحث معنا ستةُ فيما يتعلق بالطاعات. المبحث الأول الذي سنتدارسه: الطاعةُ المتعدية أعظمُ أجراً عند الله من الطاعة القاصرة. والأمر الثاني: فعل المأمور أعظم أجراً من ترك المحظور، كما أن ترك المأمور أشنع وأخبث وأبشع من فعل المحظور، وأقرر هذا بالأدلة والبيان -إن شاء الله-. والأمر الثالث: الصلة بين النوافل والفرائض. أما المبحث الأول: وهو أن الطاعة المتعدية أفضل من الطاعة القاصرة. إخوتي الكرام: يراد بالطاعة المتعدية ما يصل أثرها إلى عباد الله -جل وعلا-، ما يصل نفعُها خيرُها إلى عباد الله ـ ويراد بالطاعة القاصرة ما بينك وبين ربك -جل وعلا-، فالطاعة المتعدية التي يصل نفعها إلى العباد أعظم أجراً من الطاعة القاصرة التي بينك وبين ربك -جل وعلا-، وقد وضح هذا نبينا –صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه الكثيرة.

ثبت في الصحيحين، والحديث في سنن الترمذي، والنسائي، وإذا كان في الصحيحين فهو في أعلى درجات الصحة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي –صلى الله عليه وسلم-[يا رسول الله أي الأعمال أحب عند الله -جل وعلا-؟ قال: إيمانٌ بالله ورسوله]-عليه الصلاة والسلام- وتقدم معنا قلنا هذا هو أعظم الأركان منزلة عند الله، شهادةُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وقبول كل عمل وكل طاعة متوقفٌ على تحقيق هذا الركن فهذا أفضل الشعب، [الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق] كما تقدم معنا -إخوتي الكرام-. [أيُّ العمل أفضل عند الله؟ إيمان بالله ورسوله -عليه الصلاة والسلام-: قلت هذا السائل: ثم ماذا؟ قال الجهاد في سبيل الله، قلت ثم ماذا؟ قال: الحج المبرور] ، قدم النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الجهاد في سبيل الله على الحج المبرور في المنزلة والأجر لأن الجهاد طاعة متعدية يصل نفعها إليك، وإلى عباد الله المسلمين، فتدفع عنهم ضُر الكافرين، وتجعلهم في حرزٍ مكينٍ أمين.

فإذاً (الجهاد طاعة متعديةٌ) (والحج طاعة قاصرةٌ) ، فالجهاد أجره أعظم من أجر الحج المبرور، إذا تعين الجهاد عليك، فهو فرضٌ أفضل من الحج إذا تعين عليك، وإذا لم يتعين الجهاد، عليك، فهو نافلة فهو أفضل من حجٍ نافلةٍ، فرض الجهاد أفضل من فرض الحج، ونافلة الجهاد أفضل من نافلة الحج، وهكذا الصيام، ولذلك شرع للمجاهد أن يفطر في رمضان وإن كان مقيماً في بلده، وقد أفتى بهذا شيخ الإسلام الإمام ابن تيمة -عليه رحمة الله- عندما كان في دمشق وغزا جيش التتار بلدة دمشق فأفطر في رمضان، وأمر المسلمين بالفطر ليتقوْوا على قتال الأعداء، قال الإمام ابن القيم: -عليه رحمة الله- في كتابه (بدائع الفوائد) ناقلاً هذا عن شيخه، بأنه: أفتى بالفطر وأفطر، قال الإمام ابن القيم: وهذا من باب قياس الأولى، فإذا شرع للمرأة المرضع الفطر وشرع للحامل أن تفطر خشية على الولدين بالنسبة للمرضع والحامل فمن باب أولى يفطر المجاهد في سبيل الله، يفطر شهر رمضان ليتقوى على قتال أولياء الشيطان. إذاً الطاعة المتعدية أجرها أعظم من الطاعة القاصرة، وقد بين لنا نبينا –صلى الله عليه وسلم- أن الجهاد ذِرْوة سنام الإسلام، وذروة الشيء أعلاه، أعلى شيء في الإسلام الجهاد في سبيل الرحمن، ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد.

والحديث رواه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم في المستدرك، وابن حبان في صحيحه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى وإسناد الحديث صحيح كالشمس عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: [كنا مع النبي –صلى الله عليه وسلم- في سفرٍ فلما اقتربت منه قلت: يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار: فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: يا معاذ لقد سألت عن عظيم وإنه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه] نسأل الله أن ييسر لنا فعل الطاعات وترك المخالفات إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين [لقد سألت عن عظيم وإنه ليسيرٌ على من يسَّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجُ البيت] ثم قال له النبي -عليه الصلاة والسلام -: [يا معاذ ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت بلى يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-[الصوم جنة] وقاية لك من كل مكروهٍ ومن الخطايا والذنوب [الصوم جُنَّة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل] في بعض نسخ الترمذي [وصلاة الرجل في جوف الليل شعارُ الصالحين، ثم تلا النبي –صلى الله عليه وسلم- {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} ، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ، {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1) . ¬

_ (¬1)) ) سورة السجدة: 15 – 17

ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام يا معاذ ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت بلى يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: قال رأس الأمر الإسلام] وهو أن تسلم لله -جل وعلا- وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا رأس الأمر وأعلى الطاعات وأفضل القربات [رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال النبي –صلى الله عليه وسلم- يا معاذ ألا أخبرك بِمَلاك (بكسر الميم وفتحها) : وهو ما يملك عليك الأمر ويجعلك تحافظ على جميع شعائر الإسلام وخصال الإيمان [ألا أخبرك بملاك ذلك؟ قلت بلى يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأخذ بلسانه وقال كفَّ عليك هذا: قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به: قال ثكلتك أمك (كلمةٌ يقصد منها التعجب والاستغراب ولا يراد منها حقيقتها) [وهل يكب الناس في النار على وجوههم] أو قال [على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم] . الشاهد إخوتي الكرام: ذروة سنامه الجهاد، طاعة متعدية، وهناك أي العمل أفضل عند الله؟ إيمان بالله ورسوله، ثم ماذا؟ الجهاد في سبيل الله، ثم ماذا؟ الحج المبرور، وقد أخبرنا نبينا –صلى الله عليه وسلم- أن الطاعة المتعدية أعظم بكثير من الطاعة القاصرة. استمعوا لهذا الحديث الذي يحثنا على مساعدة بعضنا بعضا، ثبت في معجم الطبراني، والأوسط، وقال عنه الإمام الهيثمي في المجمع: إسناده جيد.

والحديث رواه الحاكم في المستدرك وصححه وأقره عليه الذهبي، والحديث رواه البيهقي أيضاً في السنن ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان معتكفاً في مسجد النبي –صلى الله عليه وسلم-] والاعتكاف طاعةٌ قاصرةٌ بين الإنسان وبين ربه -جل وعلا-، [فجاء بعض الصحابة الكرام بعض الحاضرين جلس بجوار ابن عباس وعليه أثر الحزن والكآبة فقال له ابن عباس -رضي الله عنهما-: ما لي أراك كئيباً حزينا؟ فقال لفلانٍ عليَّ حقُ ولاءٍ] ولعله والعلم عند الله أنه كان رقيقاً فطلب من سيده أن يُعتقه مقابل مالٍ فيريد أن يدفع له أقساط الكتابة مقابل تحرير رقبته، [وليس عندي ما أعطيه] له عليَّ حقُ ولاءٍ: أي لأجل أن يحررني وليس عندي ما أعطيه، ولذلك عليه أثر الحزن والكآبة، [فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- ألا أكلمه فيك؟] أي من أجلك، ليسامحك ليعفو عنك ليسقط عنك ليتجاوز تريد أن أكلمه [قال: إن شئت] يقول هذا الرجل [فانتعل ابن عباس -رضي الله عنهما-] أي لبس نعليه وأراد أن يخرج من المسجد [فقلت له أنسيت ما أنت فيه؟] أنت معتكف في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-[قال: ما نسيت، لكن حدثني صاحب هذا القبر -عليه صلوات الله وسلامه- والعهد به قريب] : أي قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى -عليه صلوات الله وسلامه- أنه قال: [من مشى في حاجة أخيه كان خيراً من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاثة خنادق أعظم مما ما بين الخافقين] فعشر سنين كم فيها إذاً من الخنادق اليوم الواحد ثلاثة خنادق أعظم مما ما بين الخافقين، إذا اعتكفت لله يوماً واحداً يجعل بينك وبين النار ثلاثة خنادق أعظم مما بين المشرق والمغرب مما بين هذه المسافة، وأعظم مما بين السماء والأرض، ومن مشيَ في حاجة أخيه ليقضيها له ليس له أجر من اعتكف عشر سنين، إنما خيراً من اعتكاف عشر سنين، واعتكاف اليوم له هذا الأجر العظيم

عن رب العالمين. ووجه ذلك: أن الاعتكاف طاعةٌ قاصرةٌ بينك وبين ربك -جل وعلا-، وأما هنا طاعةٌ متعديةٌ، وأحب العباد إلى الله أنفعهم لعباده، فهذا يمشي في حاجة أخيه، فترك اعتكافه وخرج من أجل أن يكلم صاحب الحق من أجل أن يتجاوز أو يَؤَخّر أو يسامح هذا الإنسان، واستدل بهذا الحديث الثابت عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- والحديث في معجم الطبراني، والأوسط، وهو في المجمع، والمستدرك، وسنن البيهقي، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-. إذاً الطاعة المتعدية أعظم أثراً ومنزلةً عند الله من الطاعة القاصرة. يلتحق بهذا أمران أحب أن أنبه عليهما قبل أن أنتقل إلى الأمر الثاني، وهو أن فعل المأمور أعظم منزلةً من ترك المحظور. الأمر الأول: الذي يلتحق بالطاعة المتعدية، وهي أفضل من الطاعة القاصرة ويغفلُ عنه كثير من الناس ويظنونه أنه أمرٌ عادي- النكاح: النكاح طاعة متعدية ليس بينك وبين ربك، بينك وبين العباد: بينك وبين زوجك، أولاد، بينك وبين من تصاهرهم {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً} (¬1) في النكاح من الأجر ما لا يخطر ببال أحدٍ من الخلق إذا فعل هذا على حسب شريعة الرب -جل وعلا-. ¬

_ (¬1)) ) سورة الفرقان: 54

وتقدم معنا كلام ابن الجوزي في تلبيس إبليس وحددت لكم رقم الصفحة 297 يقول رُبَّ جماعٍ خيرٌ من عبادة ألف سنة، ما وجه ذلك؟ طاعة متعدية، بهذا الجماع خرج ولدٌ كالإمام أحمد، كأبي حنيفة، كالإمام الشافعي، كصلاح الدين، صار إنقاذ الأمة الإسلامية وهدايتها على يديه: هذا أمرٌ عظيم، رب جماعٍ خيرٌ من عبادة ألف سنة، ورحمة الله على فقهاء الحنفية عندما قرروا في كتبهم وانظروا هذا في فتح القدير للكمال بن الهمام 3/184، يقول: النكاح إذا لم يكن واجباً، أما محل الوجوب هذا متفقٌ عليه أنه صار فرضاً ينبغي أن يقوم به الإنسان، وهو إذا تاقت نفس الإنسان إليه ووجد المؤنة وخشي على نفسه من الوقوع في المحظور وهو الزنى: النكاح عليه فرضٌ إذا تركه في هذه الحال مع القدرة عليه آثمٌ عاصٍ لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، هذا بلا خلافٌ بين أئمتنا، هل محل إجماع.

الحالة الأولى: وجد الأهبة، ونفسه مشتاقةٌ، وخشيَ من الوقوع في الزنى النكاح فرض، إنما وجد الأهبة ونفسه تشتاق، ويأمن على نفسه من الوقوع في الزنى يقول أبداً لو جاء نساء الدنيا بأسرهن إليَّ وراودنني لأعرض عنهن ولا نظرت لواحدة منهن، قلبي لا يتعلق بغير ربي، نعم نفسي تميل إليها عن طريق الحلال، لا عن طريق الحرام، فهو يأمن على نفسه من المحظور، فالنكاح في هذه الحالة الثانية عند الحنفية سنةً مؤكدة، أفضل من التعلم والتعليم، بل أفضل من الجهاد في سبيل رب العالمين، قالوا لو تزوج في هذه الحالة أفضل من أن يجاهد لم؟ قالوا ذاك طاعة متعدية، وهذا طاعة متعدية، لكن التعدي في النكاح أعظم، كيف هذا؟ انظروا لهذا التعليل وهذا الفقه الذي يستنبطه فقيهٌ الملة أبو حنيفة النعمان بن ثابت -رحمه الله ورضي عنه- يقول: الإنسان إذا جاهد يحافظ على الصفة، وإذا تزوج يحافظ على الصفة والموصوف، وطاعةٌ تحافظ بها على الصفة والموصوف أعظم من طاعةٍ تحافظ بها على الصفة، ما معنى ذلك؟ أنت عندما تقاتل في سبيل الله تحافظ على عز الإسلام وبقاء الإسلام لئلا يندرس دين الرحمن، لئلا يقضيَ الكافرون على شرائع الإسلام فحافظت على الإسلام أي على هذه الصفة، لكن إذا تزوجت أنجبت مثله وحافظت على دين رب العالمين، أوجدت موصوفاً وصفةً، الإسلام فيهم وهم مسلمون، أما القتال لا يلزم منه إيمان من تقاتلهم، وإذا قاتلت أهل الذمة ورضوا أن يدخلوا في عهدك على أن يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ليس لك حقٌ بعد ذلك أن تكرههم على الدخول في الإسلام، وقد تقتلهم ويموتون على الكفر، فإذاً لا يلزم من الجهاد أن يسلم من تقاتلهم، لا يلزم، قال أئمتنا: ولو قدر إسلام من قاتل وهم بجهادنا، فعدد من يُسلم بجهادنا قليل، قليل بالنسبة لعدد من يحصل بتزاوجنا ونكاحنا، فواقع الأمر كذلك، يعني أفراد الأمة كثروا بسبب التناكح أو بسبب الجهاد في سبيل الله؟ بسبب التناكح، إذاً الزواج.

فقال الحنفية عليهم رحمة الله إذا لم يكن الجهاد فرضاً واجباً في الحالة الثانية هو أفضل من التعلم والتعليم، وأفضل من الجهاد في سبيل رب العالمين، لما؟ أنت بالنكاح تحافظ على الموصوف والصفة، وأما في الجهاد فتحافظ على الصفة، وقد يوجد الموصوف قليل، أي المسلم قد لا يوجد، وأما النكاح مضمون، تزوج مثلاً زوجة أو أربعة زوجات، وواحدة أنجبت عشراً، والأربعة أربعون، فولد له أربعون ولد، كلهم مسلمون يوحدون الحي القيوم كم لك من الأجر عند الله -جل وعلا-؟ أجل ولو يخطر ببالك رُبَّ جماعٍ خيرٌ من عبادة ألف سنةٍ، وهذا ما قرره الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في بدائع الفوائد ومال إلى رأي الحنفية0 فقال: النكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادة، ومما يروى في ترجمة العبد الصالح الأواه الإمام المبجل أحمد بن حنبل -عليه رحمة الله- أنه ذكر النكاح يوماً وحث عليه، فقال له تلميذه وصاحبه الذي تقدم معنا أبو بكر المروزي، يا إمام يذكرون عن إبراهيم بن أدهم، يعني أنه ما تزوج يريد أن يكمل الكلام، يقول: فصاح بي الإمام أحمد فقال: جئتنا ببنيات الطريق: أي بالطرق المتعرجة من الطريق العام إذا سلكتها وصلت إلى الهلاك والمهلكة، جئتنا ببنيات الطريق؟ أنظر -عافاك الله- ما كان عليه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فافعله، أما بشر الحافي، أما إبراهيم بن أدهم، أما ابن تيمية، أما الإمام النووي، أئمة أعلام، أئمة هدىً كونهم تركوا النكاح لعذرٍ عندهم يُسقط اللوم لا يوجب فضيلة، وشتان بين سقوط اللوم وبين أن نقول: إنه فضيلة، تركوا النكاح إما خشية عدم حصول القوت الحلال، خشية الاشتغال بالعيال عن رتبة الكمال، خشية عدم القيام بالحقوق الزوجية، اعتبارات كل هذه أعذار تسقط عنهم اللوم، ليس ما فعله يعتبر قدوة لنا فيه وينبغي أن نقتديَ بالإمام النووي، أو ابن تيمية، أو بشر الحافي، أو إبراهيم بن أدهم، لا نقتدي إلا بسيد الخلق -عليه صلوات الله وسلامه-،

النكاح من سنته، ومن رغب عن سنته فليس منه كما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- والحديث في الصحيحين [من رغب عن سنتي فليس مني] ومن سنته -عليه الصلاة والسلام- هذا، فغايتنا عند هؤلاء الأئمة غايتنا عندهم كما قلت: أعذار يسقط بها اللوم عنهم، ولا يقتدى بهم في ذلك. إذاً -إخوتي الكرام-: النكاح له هذه المنزلة، ولذلك قال الإمام أحمد ع-ليه رحمة الله- لو تزوج بشرٌ الحافي لتمَّ أمره، بشر الذي تقدم معنا حاله، وهو من العلماء الربانيين، لو تزوج لتمَّ أمره، وكان بشرٌ يعترف بهذا يقول: فُضِّل عليَّ الإمام أحمد بثلاث، الأولى: طلب الحلال لنفسه ولعياله وأنا طلبته لنفسي فقط، والثاني: نصب إماماً للعامة، وأما أنا فإمام نفسي، والثالثة: اتسع في النكاح فتزوج وتسرى وأما أنا قصرت فيه، الإمام أحمد فضل عليَّ بهذه الأمور الثلاثة، يقول الإمام أحمد: لو تزوج بشرٌ الحافي لتمَّ أمره وبعد أن توفي بشرٌ الحافي -عليه رحمة الله- رؤيَ في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال غفر لي ورحمني وأشرف بي على منازل الأنبياء، وقال لي: يا بشر، ما كنت أحب أن تلقاني وأنت عزبٌ، قيل له: فماذا فعل أبو نصر التمَّار؟ وتوفي بعد بشر الحافي سنة 228هـ عليهم رحمة الله. قال: رفعه الله فوقي بسبعين درجةٍ، قالوا سبحان الله كنا نرى أنك أفضل منه وأعلا؟ قال بصبره على بناته.

هذا عنده بنات فكان يصبر على لأوائهن وشدائدهن، والقيام عليهن رفعه الله فوقي بسبعين درجة، إذاً الطاعة متعديةٌ فأجرها أعظم من الطاعة المتعدية التي تتعدى كثيرا، ومن بابٍ أولى أجرها أعظم من الطاعة القاصرة من التخلي لنوافل العبادة، وما يقال في الواحدة يقال في الثانية، والثالثة والرابعة، وقد بوب الإمام البخاري في كتاب النكاح باباً يشير به إلى هذا فقال: باب كثرة النساء، ثم ساق بسنده إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لتلميذه سعيد بن جبير (هل تزوجت؟ فقال: لا، فقال: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرهُم نساء) يعني -النبي عليه الصلاة والسلام- وما اختار له إلا أكمل الأحوال، وأكمل الأحوال من أمته من يكون عنده أربع، ثم الثلاث، ثم الثنيتين، ثم الواحدة، والواحدة حالة ضرورة {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1) (خير هذه الأمة أكثرهم نساء) ، في ذلك مصالح عظيمةٌ، ستر النساء المسلمات بعد رباط قوي بين الأمة الإسلامية عن طريق المصاهرة، ولذلك قال الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر: إذا عدد الإنسان الزوجات وأراد من التعدد إنجاب الأولاد (انتبه) يقول: هذا هو الغاية في التعبد، وإذا عدد الزوجات وأراد التلذذ فمباح، يندرج تحته من التعبد ما لا يحصى، من إعفاف نفسه وإعفاف زوجه وحسن عشرته لهن، و، و، تعبد كثير يأتي تبعاً، إن قصد التلذذ مباح تحته من التعبد ما لا يحصى، وإن قصد إنجاب الأولاد فهذا هو الغاية في التعبد. فإخوتي الكرام: النكاح طاعة متعدية فينبغي أن ننظر إلى هذه الشعيرة منزلتها الشرعية التي هي يعني فيه في شريعة الله -جل وعلا- المطهرة. ¬

_ (¬1)) ) سورة النساء: 3

قال الإمام ابن تيمية -عليه رحمة الله-: ولا ينبغي للإنسان أن يترك النكاح معللاً بأنه مقيمٌ على العبادة وأنه زاهدٌ في الدنيا، يقول: فما من عبادة فعلها ينفع في الآخرة، ومعنى الزهد ترك ما يضر في الآخرة، والنكاح لا يضر في الآخرة، وهو نافع في الآخرة ففعله عبادة، وليس الزهد في ترك النكاح، فليس الزهد في ترك النكاح فمن زهد فيه ليس بزاهد، إنما هو فعل ما يضر نفسه وأعرض عما ينفعه، النكاح طاعة متعدية. والأمر الثاني: الذي سأؤنبه عليه، عبادة الذكر ويستشكلها كثير من الناس، هذه العبادة التي فُضٌلت يعني على كثير من الطاعات واستشكلها بعض الناس فقالوا: هذه العبادة كيف فضلت كثيراً من الطاعات، واقع الأمر أنها هذه العبادة كعبادة النكاح تسببت في طاعات كثيرة سأتكلم على عبادة الذكر على وجه الاختصار، ثم أتكلم على الأمر الثاني هو فعل المأمور أعظم أثراً من ترك المحظور، ثم على الأمر الثالث هو الصلة بين الفرائض والنوافل في الموعظة الآتية إن أحيانا الله. استأذنكم الآن وأسأل الله -جل وعلا- أن يجمعنا في هذه الدنيا على طاعته وفي الآخرة في دار كرامته وصل اللهم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الموعظة السادسة صفة خروج المرأة إلى بيت الله

صفة خروج المرأة إلى بيت الله الموعظة السادسة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الموعظة السادسة صفة خروج المرأة إلى بيت الله ووجوب الجماعة على الرجال دون النساء الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما، وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عميا، وآذاناً صما، وقلوباً غلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمّن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . ¬

_ (¬1) - سورة فاطر: 3 (¬2) - سورة النساء: 1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬1) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬2) . أما بعد معشر الإخوة المؤمنين: تقدم معنا أن أحب البلاد وأفضلها بيوت الله جل وعلا المساجد، ففيها نوره وهداه، أذن الله برفعها ليسبح ويذكر فيها، وقد نعت الله الرجال الذين يعمرون بيوته في هذه الحياة نعتهم بأربع خصال، هي أطيب الخلال لا تلهيهم البيوع والتجارات، ويعظمون رب الأرض والسموات، ويحسنون إلى المخلوقات، ويستعدون للقاء الله جل وعلا في جميع الحالات. {فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهِ اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ} (¬3) وهذه الخلال التي نُعِتَ بها هؤلاء الكُمَّل من الرجال ينبغي قبل أن ندخل في شرحها، وتفصيل الكلام عليها، أن نتدارس في قول الله جل وعلا رجال من إشاراتٍ معتبرة. تقدم معنا، إخوتي الكرام أن هذا اللفظ الجليل الذي نعت الله به عباده الذين يعمرون بيوته في هذه الحياة، يحتمل أمرين اثنين كل منهما مراد: الأمر الأول: رجال كاملو الرجولة، فيهم مروءةٌ وشهامةٌ، فهم الرجال حقا، وعيبٌ أن يقال لمن لم يتصف بمعاني وصفهم رجلُ. نعم، إن الرجولة كل الرجولة، أن يتذلل المخلوق لخالقه، وأن يعبد العبد ربه، وإن الوضاعة كلَّ الوضاعة أن يتذلل المخلوقٌ لمخلوقٍ مثله، وأن يعبد العباد بعضهم بعضا. ¬

_ (¬1) - آل عمران: 102 (¬2)) ) سورة الأحزاب 70، 71 (¬3) سورة النور: 36، 37

رجال: هؤلاء هم الرجال، وما عداهم أهل ضلال وخبال، فهم الأنذال هم الأنذال. وأما الدلالة الثانية في لفظ رجال، فيراد منها ما يقابل الأنوثة، فالرجال هم الذكور الذين يعمرون بيوت الله جل وعلا في هذه الحياة. ولفظ الرجال كما قال أئمتنا في أصول الفقه: إنه اسم جنسٍ جامد، وعليه فهو اسم لقبٍ، وليس له مفهوم مخالفة فلا يفيد أن النساء لسن كذلك بناءً على هذا الاصطلاح، وهذا التعبير، فالرجال اسم جنسٍ جامد وإذا كان كذلك فلا يدل على أن ما يقابل الرجال ليس لهنَّ هذا الوصف، لكن قال أئمتنا الكرام إن لفظ الرجال، وإن كان اسم جنسٍ جامد، وإن كان كذلك فما في الرجال من معنى الذكورة صالحٌ لإناطة الحكم به، والتفريق بين الرجال والنساء في ذلك، وعليه فلفظ الرجال هو صفةٌ وليس بلقب، ومفهوم الصفة معتبرٌ عند أئمتنا الكرام الشافعية والمالكية والحنابلة، وهذا المفهوم أن الرجال يسبحون في بيوت الله جل وعلا، ويذكرون الله في بيوت الله جل وعلا، يفيد أن النساء لسن كالرجال في هذا الحكم، وهذا ما دلت عليه سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة الصريحة، بأن النساء لا يطالبن بالجماعة التي طولب بها الرجال الذكور، فالجماعة لا تجب إلا على من كان ذكراً، عاقلاً، بالغاً، حراً، صحيحاً، مقيماً كما هو الحال في الجمعة تماماً، وعليه فلا تجب الجماعة على صنفين، لا تجب على ما يقابل الذكور، وهنَّ الإناث، ولا تجب على الذكر إن كان فيه عذر من مرضٍ أو سفرٍ أو غير ذلك.

رجال: أي هم رجالٌ، يسبحون الله، ويذكرونه في هذه البيوت، طولبوا بذلك على سبيل الوجوب، والنساء لسن كذلك، وهذا ما صرَّحت به سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن خزيمة وابن حبان والحديث إسناده صحيح، ونص الحافظ في الفتح على تحسين إسناده، وله شاهدٌ "من حديث عبد الله بن مسعود في صحيح ابن خزيمة، وسنن أبي داود أذكر الشاهد بعد رواية الحديث الأول الذي رواه الإمام أحمد كما قلت في مسنده، وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه عن أم حميدٍ رضي الله عنها أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -[فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معكَ: فقال -عليه الصلاة والسلام-: قد علمتُ أنكِ تحبين الصلاة معي وصلاتكِ في بيتكِ خيرٌ من صلاتكِ في حجرتكِ وصلاتكِ في حجرتكِ خيرٌ من صلاتكِ في داركِ، وصلاتكِ في داركِ خيرٌ من صلاتكِ في مسجد قومكِ، وصلاتكِ في مسجد قومكِ خيرٌ من صلاتكِ معي"، فأمرت رضي الله عنها أن يبنى لها مسجدٌ في أقصى بيت لها وأظلم فكانت تعبد الله فيه حتى ماتت رضي الله عنها وأرضاها] .

صلاتكِ في بيتك، وهو البيت الداخلي، خيرٌ من صلاتك في حجرتكِ؟ هو البيت العام كصالة وغيرها يدخلها الذكور والنساء، والصلاة في الحجرة خيرٌ من الصلاة في الدار، وفي فناءها وفي بقعتها إذا لم تجاوز المرأة سورها، والصلاة في الدار خير من الصلاة في مسجد الحي، والصلاة في مسجد الحي بالنسبة للمرأة خيرٌ من أن تشهد الصلاة جماعة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتزاماً بهذا التوجيه النبوي هذه المرأة الصالحة القانتة أمرت أن يبنى لها مصلى، في أظلم مكانٍ وأبعده من بيتها، فلزمته حتى فارقت هذه الحياة، والحديث صحيح وكما قلت حسنه الحافظ وله شاهدٌ من رواية أبي داود وصحيح ابن خزيمة عن عب الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [صلاة المرأة في بيتها خيرٌ من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها خيرٌ من صلاتها في بيتها] والمخدع بتثليث الميم كما قال أئمتنا: مِخْدَعٌ، ومُخْدَعٌ، ومَخْدَعٌ: وهو البيت الذي يكون داخل بيت، فبيت المرأة خاصٌ فيها، فإذا جعلت شيئاً فيه تستتر فيه عن غيرها يقال له مَخْدَعْ ... أخْدَعْتُ الشَّيءَ إذا خَبْيَّتُهُ وأخْفَيَّتُهُ، وهذا المخدع إذا صلت المرأة فيه خيرٌ من أن تصلي في بيتها الداخلي، وإذا صلت في بيتها فهذا خيرٌ لها من أن تصلي في دارها وفي حجرتها كما ثبت هذا عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-.

وعليه رجال: أي ذكوراً ليسوا بإناث، وهذا الأمر أعني أن المرأة لا تطالب بالجماعة ولا الجمعة ولا تكلف بالحضور إلى بيوت الله، وملازمتها لبيتها أفضل لها عند ربها تواتر عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-، الأحاديث في ذلك كثيرة ففي مسند الإمام أحمد، وسنن الدارمي، ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه ابن خزيمة، والحاكم في المستدرك، وإسناده حسن، عن أمنا أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [خير مساجد النساء قعر بيوتهنَّ] وقد ذهب أئمتنا الكرام إلى أن تفضيل الصلاة في الحرمين الشريفين وفي بيت المقدس، -نسأل الله أن ينصر المسلمين على أعدائهم في كل مكان وزمان-، إلى أن الصلاة في هذه المساجد المشرفة المباركة، تضاعف في حق الرجال، وهذا في خصوص صلاة الرجال، وأما المرأة فصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في بيت الله الحرام بالنسبة للرجل وأفضل من صلاتها في مسجد النبي عليه الصلاة السلام بالنسبة للرجل، فإذا كانت صلاتنا تضاعف في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-بألف صلاة، وفي بيت الله الحرام بمائة ألف وفي المسجد الأقصى بخمسمائة، فالمرأة تضاعف صلاتها أكثر من ذلك إذا صلت في بيتها. ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

والحديث رواه الإمام مسلم من رواية عبد الله بن عمر وأمنا ميمونة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [صلاة في مسجدي هذا خيرٌ (أفضل) من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام] قال إمام الأئمة الإمام ابن خزيمة في صحيحه: هذا الحديث محمولٌ على أن هذا في صلاة الرجال للأحاديث المتقدمة كحديث أم حميدٍ وغيرها بأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا في صلاة الرجال، فالرجل إذا صلى في مسجد الله الحرام تضاعف صلاته بمائة ألف وهكذا، أما المرأة فصلاتها في بيتها تزيد على هذا وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. إخوتي الكرام: قد يقول قائل: لما كان هذا الحال والحكم في النساء ولم يسوِّ النساء بالرجال في حضور الجمعة الجماعات، لما كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد قومها وصلاتها في مسجد قومها أفضل من صلاتها في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-أو في بيت الله الحرام، لما كان الأمر كذلك؟ والجواب عن هذا، المرأة فيها أمران معتبران من أجلهما جعل لها هذا الحكم الخاص بها مخالفة للرجل في هذا الأمر أعني حضور الجماعات والجمعات. الأمر الأول: المرأة عورة بجميع جسمها من رأسها إلى رجليها، فلا يجوز أن يُرى منها بشرةٌ، ولا شعرةٌ، ولا شيء من ظُفُر، وإذا كانت كذلك فأستر ما يكون لها عندما تكون في قعر بيتها بينها وبين ربها جل وعلا، "المرأة عورةٌ" كما ثبت هذا في سنن الترمذي بإسنادٍ حسنٍ صحيح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [المرأة عورةٌ فإذا خرجت استشرفها الشيطان] أي تَطًلَّع إليها وفرح بها واغتنم خروجها ليوسوس لها وللناس بها فهي سهمه الذي يضرب به فلا يخيب، [المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان] .

والحديث رواه ابن حبان والحاكم في المستدرك والطبراني في معجمه الكبير وهؤلاء الثلاثة زادوا في الرواية [وما عبدت المرأة ربها بمثل أن تعبده في جوف بيتها] . [المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وما عبدت المرأة ربها بمثل أن تعبده في جوف بيتها] : في قعر بيتها، وفي معجم الطبراني بإسنادٍ حسن من رواية عبد الله بن مسعود مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد في أوله ورواه أيضاً في صحيحه لكن موقوفاً على عبد الله بن مسعود وله حكم الرفع إلى نبينا المحمود عليه، صلوات الله وسلامه ولفظ الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن النساء عورة، وإن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس] : أي ليس فيها فتنةٌ وليس فيها شبهةٌ وليس فيها منكرٌ، ولا بليةٌ، [وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأسٌ فإذا خرجت استشرفها الشيطان ولا يزال يوسوس إليها فيقول إنكِ لا تمرين برجل إلا أعجبتِه وإن المرأة إذا لبست جلبابها قيل لها إلى أين يا أمة الله فتقول لأصل رحماً أو أشهد جنازة أو أصلي في مسجد، وما عبدت المرأة ربها بمثل أن تعبده في جوف بيتها] إذاً قول الله جل وعلا: {فِيهِ رِجَالٌ} ذكور، فالذين طُولبوا بهذه الجماعات وهذه الجمعات هم الذكور الذين اكتملت فيهم الذكورة وهم العقلاء الكرام الفضلاء، {رِجَالٌ} وأما المرأة فلا تطالب بذلك لهذا الاعتبار الأول الذي فيها ألا وهو أنها عورة. وأما الاعتبار الثاني:

إن هذا الخلق هو خلق الخالق جل وعلا، والله جل وعلا يعلم طبيعة خلقه ذكوراً وإناثا {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} (¬1) ويعلم الله جل وعلا أن النساء هنَّ فرع الرجال، وأن الرجال هم أصول النساء، وإذا كان الأمر كذلك فالأصل يميل إلى فرعه، ويحبه ويريده، والفرع يتعلق بأصله، ولا يستقر بدونه ولا يستريح إلا به، وعليه بين الذكور والنساء انجذابٌ وترابطٌ وميلٌ لا يوجد بين مخلوقين على وجه الأرض من التجاذب والميل كما بين الذكور والإناث. إن انجذاب الرجل إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل أعظم بكثير من انجذاب الحديد إلى المغناطيس، وهذا أشار إليه ربنا جل وعلا في كتابه بقوله في سورة الأعراف: {هُوَ الذِّي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (¬2) فلا يحصل السكن للرجل إلا بأن ينضم إلى المرأة، والمرأة فرعٌ للرجل لا تستقر إلا بأن تأوي إليه، {وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَةً وَرَحْمَةً إِنْ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لقومٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬3) وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن المرأة بعضٌ من الرجل وجزء منه، ولأجل هذا الترابط بين الصنفين ينبغي أن يحال بينهما، إلا في الاجتماع على خيرٍ وطُهر إلا في النكاح الحلال، وما عدا هذا فيستحسن ألا ترى المرأة رجلاً وألا يرى الرجل امرأة. ¬

_ (¬1) سورة الملك: 14 (¬2) سورة الأعراف: 189 (¬3) سورة الروم: 21

ثبت في كتاب الرد على الجهمية للإمام ابن منده والحديث إسناده حسن وهو في صفحة خمسين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن الله لما خلق آدم مسح ظهره (سبحانه وتعالى) فجرى من ظهره كل نسمةٍ كائنةٍ إلى يوم القيامة ثم أخذ الله ضِلَعاً من أضلاع آدم فخلق منه حواء ثم أشهدهم على أنفسهم وأخذ عليهم العهد والميثاق ألست بربكم؟ قالوا بلى] . {وَإِذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرْيَّتِهمْ وَأشْهَدَهُمْ عَلَى أنْفُسِهمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالَوا بَلَى، شَهِدْنَا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أشْرَكَ آبَائُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهمْ أفْتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} (¬1) فالمرأة إذاً بعضٌ من الرجل، وهي ضٍلَعٌ من أضلاعه وثبت في تفسير ابن أبي حاتم، وتفسير الإمام ابن المنذر وشعب الإيمان للإمام البيهقي، بسندٍ صحيحٍ، كالشمس عن حبر الأمة وبحرها، عبد الله بن عباس رضي الله عنه موقوفاً عليه، وللأثر حكم الرفع إلى نبينا -عليه الصلاة والسلام-أنه قال: [خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتُها فيه، وخُلق الرجل من الأرض فَجُعِلَت نهمته في الأرض فاحبسوا نساءكم] فاحبسوا نساءكم لأنها تتعلق بالرجل، وتتفنن في إغوائه وإغرائه وإذا كان الأمر كذلك، فالأولى ألا تشهد جمعةً ولا جماعةً وصلاتها في بيتها خيرٌ من صلاتها في بيت ربها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف 172، 173

عباد الله: وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [المرأة خلقت من ضلع] وهذا يقرر الحديث الذي رواه ابن منده، ويقرر كلام ابن عباس -رضي الله عنهم أجمعين- ففي الصحيحين وموطأ الإمام مالك وسنن الترمذي والحديث في أعلى درجات الصحة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه والحديث رواه الإمام أحمد في المسند، والنسائي في السنن، ورواه البخاري في الأدب المفرد، ورواه الإمام الدارمي من رواية أبي ذرٍ -رضي الله عنه- والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير ورواه ابن حبان والحاكم في مستدركه من رواية سمرة بن جندب من رواية أبي هريرة وأبي ذرٍ وسمُرةَ -رضي الله عنهم أجمعين- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [استوصوا بالنساء خيراً فإنهنَّ خُلِقن من ضِلَعٍ وإن أعوج شيءٍ في الضلع أعلاه فإذا ذهبتُ تِقيمُه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا] المرأة خُلِقت من ضِلَع، من ضلع آدم أصلها القصير أو الأيسر خلقت منه كما وضحت هذا رواية الإمام ابن منده في كتاب الرد على الجهمية (المرأة خلقت من ضِلَع) والفرع يَحِنَّ إلى أصله ولا يستقر بدونه، إذاً ينبغي أن نحول بين الصنفين ما أمكن، ولذلك شُرع للمرأة أن تصلي في بيتها، وندبت إلى ذلك وهذا أفضل من أن تصلي في بيت ربها في المساجد. إخوتي الكرام:

ولأجل هذه العلة التي أشار إليها نبينا - صلى الله عليه وسلم -: أن المرأة بعضٌ من الرجل، وأن الرجل مخلوقٌ في الأصل من الطين، لأجل هذه العلة استنبط إمام الفقهاء وسيد المحدثين الإمام أبو عبد الله الشافعي رحمه الله، ونوَّر قبره وقبور المسلمين أجمعين، استنبط تعليلاً لحديث نبينا -عليه الصلاة والسلام-الثابت في المسند، والحديث روي في السنن الأربعة باستثناء سنن الترمذي، فهو في سنن أبي داود، وابن ماجه، والنسائي، ورواه الإمام ابن حبان في صحيحه، وابن خزيمة في صحيحه، ورواه الحاكم في المستدرك، عن أبي السَّمْح خادم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل اسمه إياد وليس له إلا هذا الحديث، عن المصطفى عليه صلوات الله وسلامه والحديث كما قلت: صحيحٌ أن النبي -عليه الصلاة والسلام-قال: [يُغْسَلُ بولُ الجاريةِ ويُنْضَحُ بولُ الغلام] .

والحديث رواه أبو داود، وابن ماجه، ورواه الحاكم في المستدرك، وابن حبان في صحيحه، وابن خزيمة في صحيحه، عن عليٍّ أيضاً -رضي الله عنه- وروي من رواية لبابة بنت الحارث -رضي الله عنهم أجمعين-: [يغسل بول الجارية ويُرشُ بول الغلام] إذا بالت الجارية قبل أن تَطْعَم وقبل أن تأكل بولها نجسٌ، لابد من غسله، وإذا بال الغلام قبل أن يَطْعَم وقبل أن يأكل إذا كان يرضع من ثدي أمه يكفى بأن تَرُش عليه ماءً وأن تنضحَه، وهذا الذي أخذ به الشافعي، والإمام أحمد، وجماهير المحدثين، -رضوان الله عليهم أجمعين- أنه يكفي في بول الغلام قبل أن يطعم، أي قبل أن يأكل شيئاً، غير لبن أمه أن يرش، إذا بال على الشيء وعلى الثياب، الإمام الشافعي -عليه رحمة ال-له استنبط تعليلاً لهذا، كما في سنن ابن ماجه في كتاب الطهارة عندما سأله أبو اليمان المصري وقال الحافظ في التقريب: هكذا وقع في سنن ابن ماجه أبو اليمان وإنما هو أبو لقمان، وهو محمد بن عبد الله الخراساني، إمامٌ مستور، كما قال الحافظ في التقريب: أبو اليمان، أبو لقمان، فقال: أبو لقمان الخراساني للإمام الشافعي: ورد في الحديث يُغْسَل بول الجارية ويرشُ من بول الغلام، ينضح من بول الغلام والماءان ماء واحد فعلام؟ فقال له أبو عبد الله الإمام الشافعي -عليهم جميعاً رحمة الله- إن بول الغلام من الماء والطين وإن بول الجارية من اللحم والدم فهمت لقِنْتَ؟ يعني وعيت هذا؟ فقال أبو اليمان الذي هو أبو لقمان قلت: لا، وضح لي كيف يكون بول الغلام من الماء والطين وبول الجارية من اللحم والدم؟ والحديث كما قلت في سنن ابن ماجه، فقال أبو عبد الله الشافعي -عليه رحمة الله- إن الله لما خلق آدم خلق حواء من ضِلَعه القصير فصار بول الغلام من الماء والطين، لأنه يرجع إلى أبيه الذي خلق من الماء الطين وهو آدم -على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه- وصار بول الجارية من اللحم والدم لأنها خلقت من لحمٍ ودم أصلها،

وأما ذاك فخلق من ماءٍ وطين، وهذه العلة استنبطها الإمام الحبر الإمام التقي كما قلت في سنن ابن ماجه -رحم الله أئمة المسلمين أجمعين-. إذاً المرأة تميل إلى الرجل، والرجل يميل إليها، فلابد من فصلٍ بينهما ما أمكن وإذا أردت أن تتحقق، وأن تتأكد، وأن تعلم مدى تعلق كل من الصنفين بالآخر، لاسيما تعلق النساء الفرع بالرجال بالأصل، فاسمع إلى قول الله جل وعلا عندما تحدث عن النساء وأمرهنَّ بالحجاب في سورة النور فختم الآية بقوله: {وَلا يَضْرِبْنَ بَأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلىَ اللهِ جَمِيعَاً أيُّه الْمُؤْمِنُونَ لَعْلَكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬1) . وقد قرر أئمتنا الكرام عند تفسير هذه الآية، أن طبيعة كل من الصنفين، أن تتعرض للصنف الآخر، فما شعر رجل بأن امرأة تسمعه أو تراه إلا أحدث كلمةً، أو حركةً، أو همهمةً، هو في غُنيةٍ عنها، إنما من أجل أن تصل هذه الحركة إلى المرأة، وما علمت المرأة أن رجلاً يراها أو يسمعها إلا أحدثت كلمةً، أو حركةً، أو همهمةً، أو أسلوبا من الأساليب، لتصل إلى قلب الرجل هي في غُنية عن تلك الحركة والكلمة والهيئة، وهذا قول الله الذي يعلم السر وأخفى {وَلا يَضْرِبْنَ بَأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} سبحان الله عليها الجلباب والحجاب وتمشي، لكن إذا شعرت برجل، دقت الأرض برجلها لتجلب انتباهه إليها. إذا الأمر كذلك فيستحسن أن نفصل بينهما ما أمكن. {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ} اكتملت فيهم الرجولة هم أهل الشهامة والكمال، وهؤلاء الرجال ليسوا بإناثٍ ولا نساء، فالجماعة مطالب بها الذكور العقلاء. إخوتي الكرام: ¬

_ (¬1) سورة النور: 31

وقد يقول قائل: هل حصل شيءٌ من الفساد عند ذهاب النساء إلى بيوت رب العباد؟ والجواب نعم، وحصل هذا في كل عصر في الأمم الماضية، وفي هذه الأمة ولذلك نُدب النساء أن يصلين في بيوتهنَّ، وسأذكر حادثتين فقط: حادثة وقعت في الأمم السابقة، ومن أجلها حرم الله على النساء في بني إسرائيل أن يدخلن بيوته في هذه الحياة، وحادثة وقعت في هذه الأمة في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- أما الحادثة الأولى: رواها الإمام عبد الرزاق في مصنفه بإسنادٍ صحيح عن عبد الله بن مسعود، ورواها عن أمنا عائشة -رضي الله عنها- بألفاظ مختلفة أورد الأثرين إن شاء الله آنفا، والأثر رواه أيضاً الإمام الطبراني في معجمه الكبير، في مصنف عبد الرزاق، ومعجم الطبراني الكبير، ولفظ أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه وهذا له حكم الرفع، لأنه لا يدرك من قبل الرأي يقول: (كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يُصَلُون جميعاً: أي في بيوت الله مجتمعين، فكانت المرأة إذا كان لها خليل تَلْبَس القاَلِبين: تثنية قالب بفتح اللام وقيل بكسرها قَالِب، قالَب، والفتح أظهر وأوجه: وهو حذاءٌ خشبي يعرف في بلاد الشام في هذه الأيام بالقبقاب، حذاءٌ مرتفعٌ من خشب تلبسه المرأة إذا كان لها خليل كانت تلبس القالبين: أي حذاءً خشبياً مرتفعاً تَطَوَّلُ به ليراها خليلها في بيت ربها جل وعلا) هذا كان في بني إسرائيل. تطول به: يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأخِّروهنَّ من حيث أخَّرَهنَّ الله فلما عمل نساء بني إسرائيل ذلك ألقى الله عليهن الحيض.

وأثر أمنا عائشة -رضي الله عنها- وهو صحيحٌ أيضاً قالت: (كان النساء من بني إسرائيل يلبسن الأرجل من الخشب: أي يلبسن أرجلاً خشبية أي نعالاً من الخشب في أرجلهن، يلبسن الأرجل من الخشب، وكانت المرأة تذهب إلى الرجل تتشرف للرجال ـ تتطلع إليهم لأجل أن تظهر مرتفعةً بارزةً عاليةً، فلما فعلن ذلك منعن من المساجد وألقى الله عليهنَّ الحيض) وقول أمنا عائشة وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم- (وألقى الله عليهنَّ الحيض) لا ينبغي أن يستشكله أحدٌ منا، فيقول الحيض موجود قبل بني إسرائيل في النساء، فلا إشكال كما حقق هذا الإمام ابن حجر في فتح الباري عند كتاب الحيض من صحيح البخاري كيف كان بدء الحيض، وتوهم بعض العلماء، فظن أن بدء الحيض كان في بني إسرائيل، عندما فعل النساء، ما فعلن من لبس الأرجل الخشبية، فألقى الله عليهن الحيض، ليجلسن في بيوتهن فترة طويلة، ثم منعن من دخول بيوت الله، توهم بعض العلماء ذلك وليس هذا بمراد فالحيض موجودٌ قبل بني إسرائيل وقد قال الله في كتابه: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (¬1) فضحكت، وقد ذكر أئمتنا ثلاثة معاني للفظ الضحك هنا: أولها: ما رواه الطبراني بإسنادٍ صحيحٍ، عن عبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهما- ضحكت: حاضت، وزوجة خليل الرحمن إبراهيم -على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه- سارة قبل بني إسرائيل وخليل الرحمن إبراهيم -على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه- قبل بني إسرائيل {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيَّاً وَلا نَصْرَانِيَّاً} (¬2) فضحكت: أي حاضت، وهذا منقول عن عبد الله بن عباسٍ كما قلت -رضي الله عنه وأرضاه-. ضحكت: الضحك المعروف. ¬

_ (¬1) سورة هود: 71 (¬2) سورة آل عمران: 67

وثبت في مستدرك الحاكم، وتفسير ابن المنذر، بإسنادٍ صحيح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وله حكم الرفع إلى نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: [إن حواء بعد أن أخرجت من الجنة كتب الله عليها الحيض] فكانت تحيض، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أمنا عائشة -رضي الله عنها-[عندما كانت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-في حجة الوداع وجاءها الحيض وبدأت تبكي دخل عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-فقال لها: أنفستِ؟ قالت نعم: قال هذا شيءٌ كتبه الله على بنات آدم] فبنات حواء من بنات آدم فكن يحضن وأمهنَّ كانت تحيض، لكن فارقٌ بين الحيضين أنه قبل بني إسرائيل كان الحيض قليلاً قليلاً لا يزيد على يوم، فالمرأة تحيض ثم تطهر بعد ذلك، ولما عمل بنو إسرائيل لما عمل نسائهم ما عملن ابتلى الله النساء، بزيادةٍ في أيام الحيض، بحيث كانت المرأة تحيض عشرة أيامٍ، أو خمسة عشر يوماً، ثم استمر بعد ذلك في من بعدهن، إنما كانت مدة الحيض قليلة فلما فعلن ما فعلن، ليحبسهنَّ الله في البيوت كتب عليهنَّ الحيض، وسلط عليهنَّ الحيض، ثم بعد ذلك منعهنَّ من دخول المساجد. إذاً بهذين الأمرين المرأة عورةٌ. والأمر الثاني: هي بعضٌ من الرجل، فتميل إليه، ويحن عليها ويميل إليها، إذا كان الأمر كذلك لابد من الفصل بينهما، فإذا حصل اتصال حصل اختلاط، حصل قرب كل واحدٌ سيتطلع إلى الآخر، وبعد ذلك تتكدر أحوال الناس في بيوت رب الناس. هذه الحادثة الأولى في بني إسرائيل.

والحادثة الثانية جرت في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-ولا تخلوا أمة من شوائب، لكن العبرة للخط العام، الخط العام والحياة العامة في حياة نبينا -عليه الصلاة والسلام-، حياةٌ نقيةٌ طيبةٌ، ولا يعني أنه لا يوجد فيها شوائب فالناس يعيشون في الأرض فلا يعيشون في السماء، وفي حياتنا الخط العام فسادٌ واعوجاج، والخير قليلٌ يسير فالعبرةُ دائماً للخط العام، والأمور الغالبة، إنما تقع شوائب في كل عصرٍ، وفي كل مصر. ثبت في مسند الإمام أحمد، والحديث رواه أهل السنن الأربع، باستثناء أبي داود، وهو مرويٌ في صحيح ابن خزيمة، وابن حبان، ومستدرك الحاكم، وصححه الحاكم، وأقره عليه الذهبي، وصححه عددٌ من أئمتنا عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-، والذي مال إليه ابن كثير في تفسيره عند قول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} (¬1) عند هذه الآية، مال الإمام ابن كثير -عليه رحمة الله- إلى أن الأثر من رواية أبي الجوزاء، عن ابن عباسٍ موقوفاً على أبي الجوزاء، ولم يرفعه إلى ابن عباس، ورفْعهُ كما قلت صحيحٌ ثابت، ولفظ الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانت امرأة وضيئةٌ تشهد الصلاة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-في مسجده، وهذا قبل أن يفرض الحجاب فكان الصحابة الكرام يتقدمون إلى الصفوف الأولى لئلا يروها ولئلا يقتربوا منها ويقربوا منها، وكان بعض الناس يتأخر فيصلي في مؤخرة الصفوف فإذا سجد نظر إليها من تحت إبطيه) وهو في سجوده مع النبي -عليه الصلاة والسلام-فأنزل {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} . علم الله من يتقدم، ومن يتأخر، من يتقدم لئلا يقْرُب من هذه المرأة، ومن يتأخر من أجل غرض خسيسٍ خبيث، ولعله كان يفعل هذا بعض المنافقين والعلم عند رب العالمين. ¬

_ (¬1) سورة الحجر: 24

إذاً إذا حصل اقتراب بين الصنفين، يحصل ما يوجد في الطبيعة البشرية من تطلع كل صنفٍ إلى الآخر، من أجل هذين الأمرين أمر الله جل وعلا النساء أن يصلين في بيوتهنَّ، وهذا خيرٌ لهنَّ من صلاة الرجال في بيوت ربهم، فلهنَّ أجرٌ يعدل صلاة الرجال في جماعةٍ، وأزيد كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-في حديث أم حميد:، ولذلك إخوتي الكرام، عندما كثرت هذه الحوادث والسلبيات، كان بعض أئمتنا يرى منع النساء من حضور المساجد، ففي الصحيحين، وسنن الترمذي، وموطأ الإمام مالك، عن أمنا عائشة -رضي الله عنها- والحديث من رواية عَمرَة بنت عبد الرحمن، عن أمَّنا عائشة -رضي الله عنها- قالت: (لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء بعده في المساجد لمنعهنَّ من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها، فقيل لِعَمرَة بنت عبد الرحمن أمنعن؟) يعني النساء في بني إسرائيل، قالت: نعم. وتقدم معنا أنهنَّ منعن من رواية أمنا عائشة -رضي الله عنها- في مصنف عبد الرزاق بإسنادٍ صحيح، تقول: لو رأى ما أحدث النساء بعده، لمنعهنَّ من المساجد، كما منعت بنو إسرائيل نساءها. وأئمتنا قالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام-لم ير، ولم يمنع، والله يوحي إليه بكل شيء ولو كان منع النساء من حضور المساجد واجباً، وعليهنَّ إثمٌ في الحضور لو كان كذلك لأعلم الله نبيه -عليه الصلاة والسلام-بذلك، نعم تمنع من لم تحافظ على الصفة الشرعية في خروجها، ودخولها لبيت ربها كما سيأتينا. وثبت في معجم الطبراني الكبير، بسندٍ رجاله موثقون، كما قال الهيثمي في المجمع، وقال الإمام المنذري: إسناده لا بأس به، عن أبي عَمرو الشيباني قال: (رأيت عبد الله بن مسعود يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول أخرجن بيوتكنَّ خيرٌ لكنَّ) .

وصفوة المقام، وتحقيق الأمر في ذلك، أن النبي -عليه الصلاة والسلام-رخص للنساء حضور الجمعة والجماعة ولا ينبغي أن يمنعهنَّ مانعٌ من ذلك، نعم يرغبن في أن يصلين في بيوتهنَّ. ثبت في الكتب الستة، باستثناء سنن النسائي، والحديث رواه الإمام أحمد، وغيره عن سالم بن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم أجمعين- إن عبد الله بن عمر روى عن نبينا الأمين -عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه- أنه قال: [لا تمنعوا إماء الله مساجد الله] وفي بعض رواية أبي داود [وبيوتهنَّ خيرٌ لهنَّ] فقال بلال ولد عبد الله بن عمر: والله لنمنعهُنَّ وقال: واقب ولد عبد الله بن عمر إذاً يتخذنه دغلاً: أي فساداً وخديعةً ومكرا، تذهب إلى المسجد ثم تذهب إلى مكان آخر، أو تتعرض للرجال في المسجد، فأقبل عبد الله بن عمر على ولديه واقب وبلال فسَّبهما سبَّاً سيئاً، يقول سالم: ما رأيت والدي سبَّ أحداً، بمثله، ثم قال: أقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تمنعوا إيماء الله بيوت الله إذا استأذنَّكم نساؤكم إلى المسجد فلا تمنعوهنَّ، فأذنوا لهنَّ وأنت تقول لنمنعهنَّ، وأنت تقول: لا ندعهنَّ؟ فالحديث في الكتب الستة، إلا سنن النسائي فهو في الصحيحين في أعلى درجات الصحة.

فإذا استأذنت المرأة زوجها والدها وأرادت أن تذهب إلى بيت ربها، فلا ينبغي أن يمنعها مانع، لاسيما إذا كان الذهاب إلى المسجد في مناسبةٍ عامة، كصلاة العيدين فقد استُحب للنساء على لسان خاتم الأنبياء -عليه الصلاة والسلام- أن يحضُرنَ صلاتي العيدين مع المسلمين، ليشهدن الخير، ودعوة المسلمين ففي الكتب الستة وغيرها والحديث في أعلى درجات الصحة، من رواية أم عطية -رحمها الله ورضي عنها- قالت: [أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نَخرج إلى العيدين وأن نُخرج العواتق وذوات الخدور والحُيّض وأن يشهدن الخير ودعوة المسلمين] العواتق: جمع عاتق وهي المرأة الشابة التي حديثة عهدٍ بالبلوغ، وذوات الخدور التي هي مخدرة في بيتها فلا يراها أحد، والحيض يخرجن إلى المصلى وإن كنَّ حائضات، فيشهد النساء الصلاة ودعوة الخير ويعتزل الحيض المصلى لكن يكبرن بتكبير المسلمين، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين. وعليه إذا أرادت المرأة، أن تذهب إلى المسجد، من أجل أداء صلاة أو من أجل سماع موعظة، أو من أجل أن يتقوى إيمانها، وأن تشخذ عزمها برؤية أخواتها، الصالحات ورؤية عباد الله المؤمنين، عندما يصلون في بيوت رب العالمين، لهذه المعاني الشرعية، بالصفات الشرعية فلا حرج ويبقى كما قلت: بُيوتهٌنَّ خيرٌ لهنَّ. أما الصفات الشرعية، التي ينبغي أن تكون المرأة فيها إذا خرجت من بيتها إلى بيت ربها، فهي خمس صفات يأتي الكلام عليها في الموعظة الآتية إن شاء الله. أقول هذا القول واستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، خير خلق الله أجمعين، اللهم صلّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمّن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. إخوتي الكرام:

قول الله جل وعلا: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ} يفيد فائدتين، الفائدة الأولى رجالٌ كاملون، الفائدة الثانية ذكور، ولذلك قال أئمتنا خصوا بذلك لأنهم أهل الجماعات، وأهل التجارات، وهذا ما يتناسب مع ما جاء في محكم الآيات {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} وقد بينت أن الرجال هم أهل الجماعات، وبعد أن نتدارس صفة خروج المرأة إلى بيت الله، ننتقل إلى الاعتبار الثاني فالرجال هم أهل التجارات، وأما المرأة فكلما كانت قعيدة في بيتها فهذا أستر لها ولغيرها، ولذلك ذكر أئمتنا في تراجم بعض النساء الصالحات أنها ما خرجت من بيتها إلا ثلاث مرات كما هو في ترجمة المرأة الصالحة فاطمة بنت نصر العطار، التي توفيت سنة 573هـ وقد أدركها الإمام ابن الجوزي، وترجمها في المنتظم في تاريخه في حوادث سنة 573هـ، وترجمها الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث هذه السنة، والإمام ابن الجوزي شهد جنازتها فيقول: (امتلأت الأسواق والمساجد، عندما شيعت جنازتها أكثر من امتلاء الأسواق والمساجد في يوم العيد بالناس، وشهد جنازتها الصالحون والكبار -رحمها الله ورضي عنها-، يقول الإمام ابن الجوزي: حدثني أخوها أنها لم تخرج من بيتها إلا ثلاث مراتٍ لضرورةٍ) نعم إن المرأة الصالِحة، لا تخرج من بيت أبويها إلا لزوجها مرة، وإلا لأداء الحج والنُّسك في بيت الله الحرام ومسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-مرة ثانية، والخروج الأخير الذي فيه سترٌ لها ولكل مؤمن خروجٍ إلى القبر، نسأل الله أن يسترنا فوق الأرض وأن يسترنا تحت الأرض وأن يسترنا يوم العرض، إنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين. ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم استر نساءنا، وبناتنا وأخواتنا واستر المسلمات في جميع بقاع الأرض يا رب العالمين. اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا.

اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا يا رب العالمين. اللهم أغثنا غيث الإيمان في قلوبنا، وغيث المطر المبارك لأبداننا وأرضنا، وبهائمنا بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض. اللهم أدِرَّ لنا الضرع وأنبت لنا الزرع بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم عاملنا بإحسانك وجودك وامتنانك إنك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ولمشايخنا ولمن علمنا ومن تعلم منا ولمن أحسن إلينا، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات. والحمد لله رب العالمين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الذِّينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (¬1) ¬

_ (¬1) سورة العصر: 1- 3

الموعظة السابعة شروط خروج المرأة إلى بيت الله

شروط خروج المرأة إلى بيت الله الموعظة السابعة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الموعظة السابعة شروط خروج المرأة إلى بيت الله الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض، لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عميا، وآذاناً صُما، وقلوباً غلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمّن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما} . أما بعد: معشر الاخوة المؤمنين..

إن أفضل البقاع وأحبَّها إلى الله -جل وعلا-المساجد، فهي بيوته وفيها هداه ونوره، يأوي إليها الموحدون الطيبون، ويجتمع فيها المسلمون المؤمنون، {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . عباد الله: وفي قول الله -جل وعلا- {رجال} دلالتان معتبرتان: الدِلالة الأولى: هؤلاء الرجال هم العقلاء المهتدون الذين يتصفون بكل خلقٍ كريم، ومن عداهم سفيهٌ سفيهٌ في عداد المجانين. والدِلالة الثانية: هؤلاء الرجال هم ذكور، فعليهم فرضت الجمعة والجماعة، والنساء لسن كذلك في هذا الحكم. إخوتي الكرام: والدلالة الثانية تدارسناها في الموعظة السابقة، وبينتُ أن الله -جل وعلا- أوجب الجمعة والجماعة على الرجال، والنساء لسن كذلك في هذا الحكم. وغاية ما في شأنهنَّ أنه يجوز لهنَّ الحضور إلى بيت الله وصلاتهنَّ في بيتهنَّ خيرٌ لهنَّ، نعم إنَّ حضورهنَّ جائزٌ، لا سيما إذا كان في حضورهنَّ مصلحةٌ في تعلمهنَّ وشهود مواسم الخير والبركة من اجتماع المسلمين وتناصح الأخوات فيما بينهنَّ في الدين. إخوتي الكرام: وآخر ما تكلمت به في الموعظة السابقة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- رخص للنساء في حضور المساجد، وأمرنا أن نأذن لهنَّ إذا طلبن الإذن منا، والحديث وارد في المسند، والكتب الستة، باستثناء سنن النسائي من رواية عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: [لا تمنعوا إماء الله بيوت الله] إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن.

وفي بعض روايات الإمام البخاري كانت زوجة عمر -رضي الله عنها وعن زوجها وعن الصحابة أجمعين- تشهد الصلوات في المسجد [فقيل لها: كيف تخرجين إلى أداء الصلاة في المسجد وعمر يكره خروجك ويغار؟ فقالت: ما باله لا ينهاني، والله لا أنتهي حتى ينهاني، فقيل لها كيف ينهاك؟ وقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لا تمنعوا إماء الله بيوت الله] . والقائل لها هو عمر -رضي الله عنه- كما ورد ذلك في مصنف عبد الرزاق بإسنادٍ صحيحٍ عن الزهري لكنه مرسل ووصله الإمام أحمد في المسند أن عمر قال لزوجته وهي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أخوها سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم أجمعين، [قال لها عمر كيف تخرجين إلى المسجد وأنا أكره خروجك وأغار؟ قالت ما بالك لا تنهاني؟ قال كيف لا أنهاك وقد قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: لا تمنعوا إماء الله بيوت الله، قالت والله لا أنتهي حتى تنهاني] . وإنما ورد في رواية البخاري "فقيل لها" والقائل هو عمر، من باب التجريد أو من باب الالتفات كما هو مقررٌ في علم البلاغة. إخوتي الكرام: وعاتكة زوجة عمر كانت تصلي الصلوات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي عهد أبي بكر وفي عهد عمر -رضي الله عنهم أجمعين- في المسجد حتى أن زوجها عمر -رضي الله عنهما وأرضاه- عندما طُعِنَ في صلاة الفجر كانت حاضرةً في المسجد تصلي مع المسلمين. نعم لا يستطيع أحدٌ أن يمنع النساء من حقهنَّ في الذهاب إلى بيوت رب الأرض والسماء، وقد ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة والحديث في موطأ الإمام مالك وهو في أعلى درجات الصحة عن أمَّنا عائشة -رضي الله عنها- قالت:

[كان نساءٌ يشهدن الصلاة مع النبي –صلى الله عليه وسلم- فيحضرن صلاة الفجر ثم يعدن إلى بيوتهنَّ إذا انتهت الصلاة وهنَّ متلفعاتٍ مروطهنَّ ما يعرفن من الغلس] وفي بعض روايات الإمام البخاري [لا يعرف بعضهنَّ بعضا] فاجتمع ساتران وحاجزان في النساء اللاتي يشهدن صلاة الفجر مع النبي –صلى الله عليه وسلم- الساتر الأول والحاجز الأول: التلفع بالمروط والتستر من جميع الجهات، والثاني: ساتر الغلس وهو الظلمة فلا يُرى من المرأة إلا شبحها، لا يُعلم هل هي امرأة أو رجل، والمرأة عندما تكون المرأة بجوارها أيضا لا تميزها هل هي زينب أو فاطمة فلا يعرف بعضهنَّ بعضا ولا يعرفهنَّ الناظر إذا نظر إليهنَّ هل هنَّ رجالٌ أو هنَّ نساءٌ من الظلمة، ثم بعد ذلك من هذا التستر متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس. إخوتي الكرام: والمرأة إذا أرادت أن تخرج إلى بيوت الرحمن لتشهد الخير ولتتعلم الخير فينبغي عليها أن تتأدب بآداب الإسلام، وهذه الآداب كثيرة وفيرة سأوجزها في خمسة آدابٍ إن شاء الله. ? أدبٌ في لباسها. ? وأدبٌ في طيبها. ? وأدبٌ في مشيتها في طريقها. ? وأدبٌ في دخولها المسجد. ? وأدبٌ في أداء صلاتها في بيت ربها. 1. أما اللباس وهو أول ما ينبغي أن تعتنيَ به المرأة إذا أرادت أن تخرج من بيتها لبيت الله أو إلى غير ذلك، يجب أن يكون لباسها حاوياً لستة شروط، إذا خالفت شرطاً من ذلك فهي عاصيةٌ آثمةٌ، وكل من يقرها على ذلك من زوجٍ أو محرم، فهو عاصٍ آثمٍ. تعلَّموُا هذا إخوتي الكرام وبلغوه للنساء من الزوجات ومن المحارم، فكل واحدٍ منَّا لا يخلوا من صلة بامرأةٍ، إما زوجة أو محرم من أمٍ أو بنتٍ أو أختٍ أو غير ذلك، أول هذه الأمور التي ينبغي أن تكون في لباس المرأة:

أن يكون هذا اللباس ساتراً لجميع بدن المرأة من رأسها إلى قدميها، فالمرأة عورة، كما تقدم هذا في الموعظة السابقة من كلام نبينا –صلى الله عليه وسلم-، وإذا كانت عورةً، فينبغي أن تستر هذه العورة، وعندما نزلت آية الحجاب {يا أيها النبي قل لأزوجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما} تقول أمنا عائشة الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنها وعن أبيها- وعن سائر الصحابة الكرام، [يرحم الله النساء المهاجرات الأُول عندما نزلت آية الحجاب عمدن إلى أكثف مروطهن إلى أكنف مروطهن] (بالثاء وبالنون) إلى أكثف: إلى أغلظ وأسمك، إلى أكنف: إلى أستر لباس عندهنَّ، ومنه الكنيف الذي يستر ما وراءه، إلى أكثف مروطهن إلى أكنف مروطهن، والمرِط كساء من خزٍ أو حريرٍ أو غير ذلك تأتزر به المرأة، وقد تضعه على رأسها لتستر به جسمها وبدنها، عمدن إلى أكثف مروطهن: جمع مرط، [فاختمرن بها فخرجن كأنَّ على رؤوسهنَّ الغربان] فاختمرن بها فخرجن كأنَّ على رؤوسهنَّ الغِربان، وهذا الخمار الذي اختمر به نساء الصحابة الأبرار -رضوان الله عليهم أجمعين- حالته كما قال العزيز الغفار {وليضربن بخمورهن على جيوبهنَّ} كانت المرأة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا وضعت الخمار على رأسها ترده وراء ظهرها فيبدوا وجهها ويبدوا بعد ذلك فتحةُ الجيب وهو العنق فأُمرت أن تُرخيَ الخمار من رأسها على وجهها وعلى فتحة عنقها: أي أن تلقي الخمار من أمامها من أجل أن يُستر الوجه ومن أجل أن تستر فتحة الرقبة والنحر، {قل لأزوجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنَّ من جلابيبهن} والله يقول في سورة النور: {وليضربن بخمورهنَّ على جيوبهنَّ} تلقي هذا الخمار من فوق رأسها من الجهة إلى الجهة الأمامية بحيث يستر الوجه وتستر فتحة الثياب التي محلها الرقبة.

{وليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ} وهذا الأثر الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، وأبو داود عن أمَّنا عائشة -رضي الله عنها- هو وصف النساء المهاجرات، فما وصف نساء الأنصار؟ هنَّ كذلك وهذا هو وصف نساء المؤمنين من مهاجرات وأنصار ومن يأتي بعدهنَّ إلى يوم الدين. تقول أمُّنا عائشة -رضي الله عنها- وهو في المستدرك وتفسير ابن أبي حاتم وإسناد الأثر صحيح [أن صفية -رضي الله عن أمَّهاتنا أجمعين- أثنت على نساء المهاجرين أمام أمَّنا عائشة فقالت -رضي الله عنها-: في نساء المهاجرين خير،] في نساء قريش خير ولكن والله ما رأيت مثل نساء الأنصار أشدَّ إيماناً بالله وأشدَّ تصديقاً لما نزل قول الله: {وليضربن بخمورهنَّ على جيوبهنَّ} انقلب رجال الأنصار إلى نسائهم يتلون عليهنَّ هذه الآية، فوالله ما هو إلا أن قامت كل امرأةٍ إلى أكثف مُرِطْها] أي هذا الذي يأتزر به ويلبس [فشقته فاختمرت به فخرجن وهنَّ معتجرات] أي كل واحدة تَلُفُّ رأسها بهذا الثياب الثخين تعتجر به وتستر به بدنها وجسمها ووجهها، [فخرجن وهنَّ معتجرات كأنَّ على رؤوسهنَّ الغِربان من الأكثية] . إخوتي الكرام: فهذا الأمر لابد من ملاحظته عند خروج المرأةَ من بيتها إلى بيت ربها أو إلى غير ذلك من البيوت (ستر جميع البدن) ، وما يترخص به بعض الناس في هذه الأيام من كشف الوجه بتعللات باطلة فكل هذا مردودٌ مردود، وإليكم إخوتي الكرام بعض الآثار التي تبين شيمة النساء الصالحات وكيفية حجابهنَّ في العصر الأول وعليه تسير كلُّ امرأة صالحةٍ إلى قيام الساعة.

ثبت في سنن أبي داود وسنن ابن ماجه والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن الإمام البيهقي عن أمَّنا عائشة رضي الله عنها قالت [كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحج ونحن محرمات فإذا حاذان الركبانا: أي صار الرجال بجوارنا واقتربوا منَّا، سدلنا على وجوهنا فإذا جاوزونا كشفنا وجوهنا] فالنساء مع بعضهنَّ وهنَّ محرمات يكشفن وجوههنَّ، وإذا اقترب رجل منهنَّ سدلت وأرخت هذا الخمار من رأسها على وجهها، والمرأة عندما تُحرِم لا يجوز لها أن تلبس البرقع الذي يحيط بالوجه ويلتصق به لكنه يجب عليها أن تغطيَ وجهها بشيءٍ تُسدله وتُنَزِّله من رأسها على وجهها إذا اقترب رجلٌ منها وأمكن أن يراها، وهذا فِعُلُ مَنْ؟ فعل أمِّنا عائشة رضي الله عنها مع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وهو فعل النساء الصالحات مع الصحابة الكرام، وهذا الأثر يشهد له أثران ثابتان صحيحان. أولهما في المستدرك بسندٍ صحيحٍ كالشمس عن أسماء بنت أبي بكر وهي زوجة الزبير رضي الله عنهم أجمعين قالت: [كنا نغطي وجوهنا ونحن محرمات مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-] . سبحان الله زوجة الزبير بنت أبي بكر -رضي الله عنهم أجمعين- تخبر عن هذا الأمر، وأن النساء الصالحات هذا وصفهنَّ إذا التقين بالرجال، كل واحدة تغطي وجهها. وفي سنن البيهقي بإسنادٍ صحيحٍ عن فاطمة بنت المنذر وهي -تابعيةٌ أخرج حديثها أهل الكتب الستة، ثقةٌ، إمامةٌ، صالحةٌ، فاضلةٌ - تقول: كنَّ نخمِّر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عن الصحابة أجمعين رجالاً ونساء-. فهذا الأمر إخوتي الكرام، لابد من العناية به ومراعاته أن يكون الثوب ساترا لجميع البدن، فالمرأة عورةٌ كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- لا يجوز أن يُرى منها شيء من بشرتها ولا من أظفارها ولا من شعرها، هذا ما ينبغي أن تحافظ عليه المرأة إذا خرجت من بيتها.

2. الأمر الثاني: الذي ينبغي أن يكون في لباس المرأة إذا خرجت من بيتها: أن يكون الثياب لونه هادئاً، فليس فيه زينةٌ وزِركشةٌ وزخرفةٌ، وليس فيه ألوانٌ براقةٌ تجلب النظر من حمرةٍ أو صفرةٍ أو ألوانٍ زاهيةٌ، إنما الثياب تكون سوداء تكون زرقاء لا تجلب نظر الناظرين إليها، فهذا مما تؤمر به المرأة إذا خرجت من بيتها، والله يقول في كتابه: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} . والتبرج هو إظهار الزينة في الثياب أو البدن، كل هذا يَحرُم على المرأة أن تفعله إذا خرجت من بيتها، لا يجوز أن تكون الثياب مزينةً مزركشةً مزخرفةً تجذب نظر الناظرين إليها، وهذه الثياب التي ينبغي ألا تكون مزينةً هي الثياب الخارجيةِ وهي الجلباب، وما يكون تحت الجلباب فهي أدرى بحالها، أما هذا الجلبابُ، هذه العباءةُ، هذه الملحفةُ، هذه المُلاءةُ التي تلبسها المرأةُ إذا خرجت من بيتها ما ينبغي أن يكون فيها ألوانٌ تجلب النظر ولا زينةٌ ولا زخرفة.

3. والأمر الثالث: الذي ينبغي أن تراعيه المرأةُ في لباسها إذا خرجت: ينبغي أن تكون الثياب التي تلبسها، سميكةً، ثخينةً، غليظةً، قويةً، متينةً، لا تَشِّفُّ عمَّا تحتها، فلا تُرى ملابسها التي دون الجلباب والعباءة، ومن بابٍ أولى لا تكشف عن بعض أعضائها، وإذا لبست المرأة ثياباً رقيقةً وخرجت فهي كاسيةً عاريةً، وهي ملعونةٌ على لسان النبي –صلى الله عليه وسلم-. ثبت في مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: [صِنْفان من أهل النار لم أرهما: رجالٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عاريات مائلاتٌ مميلاتٌ، رؤوسهنَّ كأسنِمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا] كاسيات عاريات: أي هي تلبس ثياباً لكنها رقيقةٌ تشف عن جسمها وعن ملابسها الداخلية فهي كاسيةٌ عارية، كاسيات عاريات: تلبس ثياباً قصيرة، سترت بعض البدن وكشفت بعضه فهي كاسية عارية، هذا الصنف لا يدخل الجنة ولا يجدن ريحها وريحها يوجد من مسيرة كذا وكذا، من مسيرة خمسمائة سنةٍ. إذاً هذا الأمر ينبغي أن تعتنيَ به المرأة أن الثياب ينبغي أن تكون سميكةً غليظةً ثخينةً بحيث تكون عليها كالخيمة لا تُبدي شيئاً، ولا تشف عن ملابسها الداخلية ولا تُظهر شيئاً من أعضائها وجسمها.

4. والأمر الرابع: الذي ينبغي أن تعتني به المرأة في لباسها ينبغي أن تكون هذه الملابس الخارجية واسعةً، فضافضةً لا تحيط بجسم المرأة وتُفَصِّلُها فتبن كتفيها وخصرها وأعضاء جسمها، فماذا استفادت إذاً من جلبابها ومن عباءتها ومن حجابها؟ والجلباب شُرع للمرأة، هذا لباسٌ خارجي لا يلبس إلا خارج البيت لتستر به المرأة ملابسها التي تُحيط بجسمها وتعطي تفاصيل أشكال أعضائها، فالمرأة أمرت بالجلباب، لباسٌ واسعٌ فضفاض يسع عدداً من النساء ليس امرأة واحدةً، الأكمام واسعةً، وهكذا بعد ذلك الثوب الذي يكون على جسمها من ظهرها وبدنها واسعٌ بحيث لو دخل معها امرأةٌ وامرأةٌ وامرأة لوسع هذا الجلباب النساء اللآتي يدخلن فيه، وأما أن يكون الجلباب ضيقا إذاً لو خرجت بالملابس التي تلبسها في البيت لأغناها ذلك، هذا الجلباب شُرع من أجل أن يكون ساتراً كما قلت للملابس وللأعضاء فلا تُمثَلَ ولا تُجسَد ولا تَُشَكَّل، فكما ينبغي أن يكون اللباس ثخيناً لا يشف ينبغي أن يكون اللباس واسعاً عريضاً لا يصف، فما ينبغي أن يصف لباسها شكل أعضائها، ولا ينبغي أن يشف لباسها عن شيء من ملابسها وأعضائها.

5. والأمر الخامس: الذي ينبغي أن تعتنيَ به المرأة في لباسها إذا خرجت: ينبغي أن يكون لباسها في حال خروجها لباس النساء المسلمات الصالحات القانتات، فلا تلبس لباس امرأةٍ كافرة، ولا زي امرأةٍ كافرة وإن كانت ساترةً لبدنها وجسمها فقد نهينا عن التشبه بالكافرين والكافرات معشر الرجال والنساء من المسلمين، نهينا عن التشبه بمن غضب الله عليهم ولعنهم، ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود بسندٍ صحيحٍ من رواية عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط بسندٍ صحيحٍ من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من تشبه بقومٍ فهو منهم] ، والرواية في المسند مطوَّلة، ولفظها [بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وَحدَه، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذل والصغار على من خالف قولي، ومن تشبه بقومٍ فهو منهم] ، [وجعل الذُل والصغار على من خالف قولي] : أي خالف دين الإسلام، [ومن تشبه بقومٍ فهو منهم] ، والتشبه له حالتان: حالةٌ يقصدها الإنسان إعجاباً بمن غضب عليهم ذو الجلال والإكرام، فالتشبه بهم في هذه الحالة في طعامٍ أو لباسٍ أو مركوبٍ أو غير ذلك كفرٌ مخرجٌ من الملة، لأنه فعل هذا تعظيماً لهم واقتداءً بهم واستحساناً لأحوالهم، وحالةٌ تقع فيها المشابهةٌ من غير قصدٍ يفعلها الإنسان وفعله يشابه بعد ذلك فعل الكفرة،، فهنا لا يقصد التشبه، إنما المشابهة التي حصلت لا قيمة لها فنرجع إلى حكم الفعل بعد ذلك في شريعة الله المطهرة، فإن كان مباحاً فهو مباح، ركب سيارةً وهم يركبون سيَّارات، وإن كان مكروهاً فهو مكروه، وإن كان حراماً فهو حرام، إذا لم يقصد التشبه وفعل هذا الفعل بغض النظر عن التشبه ووافقهم في هذا الأمر فهذه الموافقة لا قيمة لها ونرجع إلى حكم الفعل في شريعة الله المطهرة، أما من قصد التشبه، واستحسن أحوالهم، واقتدى بهم فهو معهم، والله -جل وعلا- يحشر

الظالمين يوم القيامة وأزواجهم: أي أصنافهم وأشكالهم معهم في نار الجحيم، هذا الأمر الخامس الذي ينبغي أن تعتنيَ به المرأة في لباسها. 6. والأمر السادس: ينبغي أن تلبس لباساً لا يعتاد الرجال لُبسه، فينبغي أن يتميز لباس المرأة عن لباس الرجل، وأن يكون لكل منهما هيئةٌ معروفةٌ تميزه، وقد حذرنا نبينا –صلى الله عليه وسلم- من أن يلبس الرجال لبسة النساء، وأن يلبس اللنساء لبسة الرجال. ثبت في مستدرك الحاكم وسنن أبي داود بسندٍ صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم-[لعن الرجل يلبس لِبسة المرأة، ولعن المرأة أن تلبس لِبسة الرجل] وفي مسند الإمام أحمد من رواية عبد الله عمرو رضي الله عنهم أجمعين أن النبي –صلى الله عليه وسلم-[ليس منَّا من تشبه من النساء بالرجال ولا من تشبه من الرجال بالنساء] وثبت في مسند الإمام أحمد وفتح البخاري وسنن الأربعة عدا سنن النسائي من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: [لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء ومن المتشبهات من النساء بالرجال] . هذه أمورٌ ستةٌ في ثياب المرأة ينبغي على المرأة أن تعتني بها أن يكون اللباس ساترا، وأن يكون هادئاً ليس ملوناً وليس فيه زخرفة، وأن يكون سميكاً ثخيناً غليظاً، وأن يكون واسعاً فضافضاً، وألا يشبه لباس المرأة المسلمة لباس المرأة الكافرة، وألا يشبه لباس المرأة المسلمة لباس الرجل مطلقا. هذا الأمر الأول الذي ينبغي أن تعتني به المرأة إذا خرجت من بيتها في لباسها.

والأمر الثاني: طِيبُها، ينبغي أن تحذر المرأة الطِّيْب إذا خرجت من بيتها، فلا يحل لها أن تتطيب بشيءٍ له رائحة، وإذا فعلت ذلك فالويل لها ثم الويل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رخص للمرأة أن تحضر الخير ومواسم الخير في بيوت الله لكن بهذا الشرط، ومن بابٍ أولى إذا خرجت المرأة من بيتها لغير بيت ربها لزيارة محارمها وأقاربها وأصحابها ينبغي أن تحافظ على هذه الصفة بلا طيب، فالطيب تُنهى عنه المرأة إذا خرجت من بيتها. ثبت في المسند، وسنن أبي داود، وصحيح ابن خزيمة، والحديث قال عنه الإمام النووي في المجموع إسناده صحيحٌ على شرط مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: [لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهنَّ تفلات] : أي تاركات للطيب والزينة، فإذا خرجت إلى بيت الله فلتكن تَفِلة: أي ليس عليها شيء من الطيب، ليس عليها شيء من الزينة، لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن وهن تفلات.

وثبت في مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم، والحديث رواه أبو داود والإمام النسائي وهو صحيحٌ، صحيح من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: [أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء الآخرة] أيما امرأة أصابت بَخُوراً: أي تطيبت وصار لها رائحة فلا تشهد معنا صلاة العشاء الآخرة، وثبت في مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة فهو في سنن الترمذي، والنسائي، وأبي داود، أخرجه أهل السنن الأربعة باستثناء سنن ابن ماجه، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان وهو صحيحٌ صحيحٌ عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [أيما امرأة استعطرت في بيتها ثم خرجت فمرت بقومٍ] وفي رواية [بمجلسٍ] [ليجدوا ريحها فهي زانية وكل عين تراها فهي زانية] فإذاً ينبغي أن تحافظ المرأة على هذا الأدب الشرعي عندما تخرج من بيتها لبيت ربها أو لغير ذلك من البيوت، ألا يكون عليها شيء من الطيب ولا من البَخُور. الأمر الثالث: الذي ينبغي أن تعتني به المرأة عندما تخرج من بيتها إلى بيت ربها أو إلى غير ذلك من البيوت ينبغي: أن تتصف بصفة الحياء في خروجها، ثبت في مستدرك الحاكم وحلية الأولياء، والحديث رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان بإسناد صحيح من رواية عبد الله بن عمر ورواه الطبراني من رواية عبد الله ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: [الحياء والإيمان قُرِنا جميعاً، فإذا نزع أحدهما نزع الآخر] ، وعليه ينبغي أن تكون المرأة حييةً خَفِرةً في خروجها، وهذا الحياء يتمثل في عدة أمور، معظم هذه الأمور أمران بارزان أولهما: لا تمشي في وسط الطريق، إنما تمشي في حافته اليمنى أو في جانبه الأيسر، وليس للنساء وسط الطريق.

وقد ثبت في سنن أبي داود وكتاب شعب الإيمان للإمام البيهقي وإسناد الحديث حسن عن أبي أُسَيد الأنصاري -رضي الله عنه- قال سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول وقد خرج من المسجد واختلط النساء بالرجال فنادى بأعلى صوته عليه [يا معشر النساء استأخرن ليس لكنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريق عليكنَّ بحافات الطريق] يقول أبو أُسيد فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثيابها لتكاد تَعْلَقُ بالجدار من لصوقها به، يا معشر النساء استأخرن ليس لَكُنَّ أن تحققنَ الطريق: أي أن تَسِرْنَ في حُقِّهِ وفي وسطه، كما ثبت في صحيح ابن حبان وشعب الإيمان للإمام البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: [ليس للنساء وسط الطريق] . هذا الأمر الأول الذي هو عنوان حياء المرأة إذا خرجت من بيتها أن تمشيَ في جانب الطريق الأيمن أو في جانبه الأيسر، وألا تمشيَ في وسط الطريق كما يمشي الرجال، وكما هو مشيُ يعني الذين لهم هذه صفة وهم الذكور الذين يمشون في الوسط. والأمر الثاني: الذي ينبغي أن تعتني به المرأة أيضاً إذا خرجت من بيتها وهو عنوان حيائها أن تغض طرْفها، وألا تُسَرِّحَ نظرها إلى كل ذاهبٍ وآيب، ولا يجوز أن تنظر إلى أشكال الرجال وألوانهم سواء كانت في سيارة مع زوجها أو محرمها أو تمشي على رجليها فينبغي أن تغض طرفها، كما يجب على الرجل إذا رأى المرأة يغض طرفه ولا يُسَرِّحَ نظره إليها، فيجب عليها وجوباً إذا رأت الرجل أن تغض طرفها وألا تُمْعِنَ النظر فيه وإليه.

وقد ثبت في المسند، وسنن أبي داود، والحديث رواه الإمام الترمذي في سننه وبَوَّبَ عليه باب احتجاب النساء من الرجال، ورواه ابن حبان في صحيحه وإسناد الحديث صحيح عن أمِّنا أمِّ سلمة -رضي الله عنها- قالت: كنت عند ميمونة فدخل عبد الله بن أمِّ مكتوم وهو أعمى -ومن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين- فقال النبي عليه الصلاة والسلام لزوجتيه ميمونة وأمِّ سلمة رضي الله عنهما [احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله، -عليه الصلاة والسلام-: أوليس هو أعمى لا يُبْصرنا؟ قال: أفعمياوان أنتما] قال الإمام أبو بكر بن العربي -عليه رحمة الله- في عارضة الأحوذي عند شرحه لهذا الحديث في سنن الترمذي: يَحْرُم على المرأة أن تنظر إلى الرجل كما يحرم على الرجل أن ينظر إلى المرأة، وهذا أمرٌ جهله غالب الناس، فلا ينهون نساءهم عن النظر إلى الرجال ولا ينبهوهنَّ على ذلك، وأعظم من النظر اعتقاد إباحة النظر، أي أنه يباح للمرأة أن تنظر إلى الرجل، يحرم على المرأة أن تنظر إلى الرجل كما يحرم على الرجل أن ينظر إلى المرأة، والله يقول في كتابه: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} ثم قال: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ} ، وإذا كان الرجل يميل إلى المرأة فمنع عن النظر من أجل هذا، فالمرأة تميل إلى الرجل فينبغي أن تمنع، فالفتنة مشتركةٌ بين الجانبين، ولا يمكن أن تبيح شريعة الله نظر النساء إلى الرجال ثم تحرم نظر الرجال إلى النساء، فشريعة الله جاءت بالتسوية بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات، فإذا كان نظر الرجل إلى المرأة يزرع في قلبه شهوةً ويلهيه فنظر المرأة إلى الرجل كذلك، فإذا كانت العلة موجودة في الصنفين فينبغي أن يُمنع كلٌ منهما عن النظر إلى الصنف الآخر، والدليل بعد ذلك صحيحٌ صريح عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-[احتجبا منه] .

الأمر الرابع: الذي ينبغي أن تعتني به المرأة عندما تخرج لبيت ربها، ينبغي أن تقصد باب النساء في المسجد وأن تدخل منه، ولا يجوز أن تذهب إلى جهة باب الرجال، ولا أن تزاحم الرجال وتلتصق بهم وقد حث النبي –صلى الله عليه وسلم- الصحابة في أول الأمر على هذا فلما آل الأمر إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ألزم الأمة بهذا الأمر وأنه ينبغي أن يكون للرجال أبوابٌ خاصةٌ إلى المسجد وللنساء باب خاصٌ يدخلن منه ففي سنن أبي داود بسندٍ صحيحٍ عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: [لو تركنا هذا الباب للنساء] يقول نافع: فما دخل من هذا الباب ابن عمر حتى قُبض - رحمه الله ورضى عنه- وهذا الباب الآن يعرف في مسجد نبينا عليه الصلاة والسلام بباب النساء وهو الملاصق لباب جبريل -على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه-، وفي سنن أبي داود عن نافع أن عمر -رضي الله عنه-[كان ينهى أن يُدخل إلى المسجد من باب النساء] فالمرأة تذهب إلى الباب الخاص بها فتدخل إلى هذا المسجد الذي جاءت من أجل مصلحة شرعية.

وخامس الأمور: وهو آخر الآداب: إذا دخلت المرأة إلى المسجد فمع ذلك ينبغي أن تبتعد عن الرجال في المسجد، وأن تكون في مؤخرة الصفوف وفي الجانب الذي يبعد عن المسجد، فهذا أحسن لها وأفضل لصلاتها كما ثبت في المسند والحديث في صحيح مسلم، والسنن الأربعة من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول [خيرُ صفوف الرجال أولُها وشَّرها آخرهُا وخيرُ صفوف النساء آخرهُا وشَّرها أوُّلهُا] والحديث رواه الإمام الطبراني من حديث أبي أمامة وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم أجمعين- والحديث رواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله ورواية جابر مخرَّجة في سنن ابن ماجه وفي بعض ألفاظ الحديث [خير صفوف الرجال مقدمُها وشر صفوف الرجال مؤخرهُا، وخير صفوف النساء مؤخرهُا وشر صفوف النساء مُقَدَمُها] . هذه الأمور الخمسة ينبغي أن تعتني بها المرأة إذا خرجت من بيتها ما يتعلق بلباسها، ما يتعلق بطيبها، ما يتعلق بحال مشيتها، ما يتعلق بدخولها إلى بيت ربها، ما يتعلق بصلاتها عند أدائها في بيت ربها. أسال الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يسترنا وأن يستر أعراضنا وأعراض المسلمين والمسلمات إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله. الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسولُه خيرُ خلق الله أجمعين، اللهم صلِّ على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، وارضَ اللهم عن الصحابة الطيبين وعمّن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

عباد الله: إذا كان يباح للمرأة -كما تقدم معنا- أن تخرج إلى المسجد فيباح لها أن تخرج بمفردها، ويستحسن لزوجها أو لأحد محارمها أن يصحبها إلى بيت الله أو إلى المكان الذي ستذهب إليه ورُخص لها فيه، والرجل حقيقةً حارسٌ حارسكٌ للمرأة، وإذا مشى الرجل مع المرأة تنقطع نحوها أطماع الطامعين، ومما يروى أن امرأةً كانت تخرج إلى بيت الله الحرام في بلد الله الحرام في مكة المكرمة لأداء الصلاة في المسجد، فكان يتعرض لها بعض السفهاء من الأنام، فكانت تذكره بالرحمن وتقول له: اتق ذا الجلال والإكرام، نحن في اقدس وأطهر وأشرف بقعةٍ، فلا ينفك عن غيه ويسمعها كلاماً لاذعاً يجرحها ثم بعد ذلك قالت لزوجها في يومٍ من الأيام أريد أن تذهب معي إلى الصلاة، قال ولما في الأيام الماضية تذهبين بمفردك وأنا أيضاً أذهب بمفردي؟ يعني من طريق وكل واحد يذهب ويعود، قالت: أريد أن تصحبني، وكان ذاك العاتي يجلس في الطريق ينتظرها في ذهابها وإيابها، فلما مرت مع زوجها هرب وولى مسرعاً، فقالت تَعْدُو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولةً الرابض المتأسد. كان أئمتنا يقولون: نتمنى ألا يوجد فتاة على وجه الأرض إلا وسمعت هذا البيت، فإن لم تكن مزوجةً فلتتزوج وإن تكن مزوجةً وأردت أن تخرج فلتخرج مع رجل، فالرجل بالنسبة للمرأة كالكلب الأمين الوفي، وهذا من الصفات المحمودة في الكلاب التي يُشَبَّهُ بها وفاء الرجال كما قال العبد الصالح الإمام الشاطبي في حرز الأماني ووجه التهاني وقد قيل: كن كالكب يقصيه أهله ... وما يأتل في نصحهم متبدلا إن صدق الكلب ووفاءه مع أهله ومع من يكون عندهم يضرب به المثل، وهكذا الرجل حميته وغيرته، شهامته ورجولته، حرزه وحراسته للمرأة تعدل حراسة الكلب لمن يكون عندهم. تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي صولة المستأسد الرابض

المرأة إذا خرجت مع رجل تنقطع نحوها أطماع الطامعين، وإذا خرجت بمفردها يتعرض لها هذا وذاك، ولذلك يروى أيضاً في الأخبار أن امرأةً كانت تريد أن تخرج إلى بيت الله باستمرار وعندما فسد الزمان وفسد يقول لها زوجها إذا خرجت أخرج معكِ وإذا أنا لم أكن في البيت فلا تخرجين، تقول بيت الله: لا تمنعني منه، وليس من حقه أن يمنع لكن أراد أن يبين لها واقع الحياة، وأنها قد تتعرض أحياناً لمشكلة من المشكلات فلا يوجد حارسٌ ولا حافظ يحفظها، فتركها تذهب إلى بيت الله فبينما هي في الطريق مشى خلفها وضرب على عجيزتها فتأثرت غاية التأثر وتوارى ونصرف ثم عادت إلى البيت بعد ذلك فلما حانت الصلاة بعد ذلك قال ألا تذهبين؟ قالت لا أريد أن أذهب لأداء الصلاة في المسجد. قال ولما؟ قالت: كنت أذهب عندما كان الناس ناساً ولكن تغير الناس، وهو الذي فعل هذا مع أهله لكن يريد أن يبين لها أنها قد تقع في مشكلة من مثل هذا أو أكثر، فإذاً ينبغي أن تكون مع حارس، مع حافظ إذا ذهبت من أجل ألا تتعرض لمشكلةٍ تعضُ بعد ذلك أنامل يديها وأصابع رجليها من الندم. إخوتي الكرام: إن أعظم ما يميز الإسلام عن سائر الأنظمة أياً كانت من أنظمةٍ غربيةً أو شرقيةً، إن أعظم ما يميز الإسلام موضوع العِرض، موضوع الغيِرة، موضوع المرأة هي أعظم حاجز بين الحياة الإسلامية والحياة الغربية والشرقية الردية.

إن الإسلام الذي أمرنا بالمحافظة على العرض بدافع الغيرة، هذا الدافع وهو دافع الغيرة يستمد قوته كما قال أئمتنا من الروح البشرية التي يتميز بها الإنسان على سائر الحيوانات البهيمية. وإن الاختلاط والتحلل والمجون والفسوق تستمد قوتها من الشهوات الغريزية البهيمية. فالإسلام أمرنا أن نصرف الشهوة الغريزية البهيمية في مصرفٍ شرعي، وأمرنا بعد ذلك أن نحافظَ على الأعراض وأن نمتنع وأن نمنع الفساد، وأما الحياة الغربية الردية فقد ضحت بالروح الإنسانية، وبكل فضيلةٍ كريمةٍ عليةٍ من أجل الشهوات الخسيسة البهيمية، والرجل الغربي الردي منطقه في هذه الأيام يقول: إذا ضحيت بزوجتي أو ببناتي أو بمحارمي فغاية ما أضحي به عشر نسوةٍ أو مائة امرأةٍ لكني أتمتع بآلاف النساء فالمربح أكثر من الخسارة، فالمربح أكثر من الخسارة، وهذا ما يقوله كل غربيٌ عفنٌ ردي. وهذا الأمر الذي انتشر في بلاد الغرب باسم الدعوة إلى الحب والسلام، وكأن المراد من الحب والسلام حبٌ ووئام بين الجنسين على الدوام، وما الحفلات العامةُ الراقصةُ الماجنةُ التي تقام في هذه الأيام في بلاد الغرب وفي غيرها إلا حفلاتُ قرانٍ عام، وهذا الذي يفعله الغربيون عليهم لعنات الحي القيوم، هذا الذي فعلوه ويفعلونه لو لم يكن عند الغرب ما يستر سوءتهم من قوة مادية في هذه الأيام لأدى هذا الاختلاط المشين، هذا الاختلاط القبيح، هذا السفور والتحلل لعد وكفى به لعُد سواد وجهٍ في من يفعله فيهم وفي غيرهم، وإذا كان الغربيون فعلوا هذه السوءة وهذا الدنس وستروا سوءتهم قوتهم، فأيُّ قوة لنا؟ جئنا قلدناهم خسرنا الدنيا والآخرة. إخوتي الكرام:

إن أعظم ما يميز المسلمين عن غيرهم موضوع المرأة، عرضٌ يُصان، جوهرةٌ مكنونة، درةٌ مصونة. إن الأمة الإسلامية في هذه الأيام بحاجة إلى أن تُعيد البحث عن عرضها وأن تصون أعراضها. إننا نريد امرأة مقصورة، إننا نريد امرأة تَقْصُر طرفها إلا على زوجها، إننا نريد زوجاً يقصر طرفه إلا على زوجه، فبهذا تَصْلُح الحياة، ووالله إذا ضاع الحياء من الحياة فلا خير في الحياة، فلا والله ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياء. يعيش المرء ما استحيى بخيرٍ ... ويبقى العود ما بقي اللحاء اللهم ألهمنا رشدنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وأصلح أحوالنا، واجعل الجنة دارنا، ولا تجعل إلى النار مصيرنا يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسأل فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صلِّ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تُهنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا يا رب العالمين. اللهم صلِّ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمهم كما ربونا صغارا واجزهم عنا خير الجزاء فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لشيوخنا ولمن علمنا وتعلم منا وأحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} .

الموعظة الثامنة فيه رجال

فيه رجال (الموعظة الثامنة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الموعظة الثامنة فيه رجال الحمد لله نحمه ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير، اللهم لك الحمد كله، وبيدك الملك كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب التوابين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين، يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض، لا إله إلا هو فأنى تؤفكون، وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به عيوناً عميا، وآذاناً صما، وقلوباً غلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضى الله عن أصحابه الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيها رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما} . أما بعد: معشر اخوة الكرام.. تبين لنا في الموعظة السابقة أن القلوب ثلاثة أقسام: 1. قلب حي سليم نفسه مطمئنة راضية مرضية. 2. ويقابل ذلك قلب ثانٍ وهو قلب ميت سقيم صاحبه نفسٍ أمارة بالسوء كحال الشيطان الرجيم.

3. وهناك قسمٌ ثالث لم تكتمل الحياة في قلبه ولم تفارق الحياة قلبه. ففيه حياة ولكن فيها ضعف ونقص فهو في حالة مرض ونفس صاحب هذا القلب نفس لوامة تلومه وهي ملومة ومتلومة لا تثبت على حال، تتردد بين الخير والشر، والمعصوم من عصمه الله. إخوتي الكرام.. وتقدم معنا أن ضابط النفس الطيبة الحية المطمئنة، انه يوجد فيها أمران، معرفة للحق وعمل به اكتملت القوة العلمية والقوة العملية فيه، وإذا فرط الإنسان في أحد هذين القسمين فقلبه ميت موتا لا حياة فيه، أو مريض مرضاً يفقد تمام الحياة عندما يصاب بالشبهات أو الشهوات، وقد خشي علينا نبينا صلى الله عليه وسلم الوقوع في أحد هذين المرضين، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه لا يخشى علينا إلا أحد هذين الأمرين، ففي مسند الأمام أحمد ومعاجم الطبراني الثلاثة والحديث رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى] فخشيت نبينا - صلى الله عليه وسلم - من حصيلة في هذين الأمرين شهواتٌ أو شبهاتٌ تفسدان القوة العلمية أو القوة العملية في الإنسان. إخوتي الكرام.. وتقدم معنا في الموعظة السابقة، موقف الشيطان نحو أقسام قلوب بني الإنسان، فالشيطان لا يقترب من القلب الحي الطيب وليس له عليه سبيل ولا يقترب أيضاً من صاحب القلب الميت السقيم للإلا يضيع وقته فيه، فحال صاحب ذلك القلب كما قلت كحال الشيطان الرجيم، إنما مجال الشيطان في القلب المريض الذي لم يفقد تمام الحياة ولم تكتمل فيه الحياة، فهو يكر على ذلك القلب عندما يغفل الإنسان عن الرد وهو يفر عندما يذكر الإنسان ربه. إخوتي الكرام..

وحال الشيطان الجني مع هذه القلوب الثلاثة كحال اللص الإنسي مع البيوت الموجودة في الأرض تماماً، فاللص من بني الإنسان تنقسم أمامه بيوت بني الناس إلى ثلاثة أقسام، بيت لا يستطيع أن يقربه مع أن له فيه مطمع والنفس تتطلع ما فيه من زينة الدنيا لكن إذا اقترب منه صرع وقتل وهذا هو بيت الأمراء فيه خيرات الدنيا شيء كثير لكن تلك البيوت قد حرست بالحرس فلا يستطيع اللص أن يقترب منها لما فيها من أهبة واستعداد، وهكذا العدو الجني الشيطان الرجيم لا يقترب من قلوب النبيين والصدقين. وهناك بيوت ثانية لا يقترب منها اللص الإنسي، لا لأنها فيها أهبة واستعداد وفيها مطمع، لكن لا يستطيع أن يصل إليه، لا ثم لا، ليس فيها أهبة واستعداد وهي مخلات لكل داخلٍ وخارجٍ لكم ليس فيها ما تتطلع إليه النفس في هذه الحياة وهي الخروب والبيوت المتهدمة الساقطة على عروشها التي تحولت إلى خرب ويقضي الناس فيها حوائجهم فحتماً لا يذهب اللص إليها ولا يقترب منها، وماذا يفعل فيها ولم يبقى فيها شيء وهكذا قلوب عتاد الإنس لا يقربها الشيطان الرجيم لما فيها من دنسٍ وفسادٍ وخبثٍ كحال قلب الشيطان الرجيم. بقيت هناك بيوت ثالثة ليست بخرب وليست كبيوت الأمراء، وهي بيوت الرعية فيها شيء من الخيرات، لكن ليست فيها حرسٌ كما هو الحال نحو بيوت الأمراء فاللص الإنسي ينظر إلى هذه البيوت فإن رأى غفلة من أصحابها دخل وسرق منها وإذا أوصدت الأبواب أمام وجهه واحترس أهل البيت من قِبَلِ هذا اللص لا يستطيع أن يقترب منها، هذه البيوت في الأرض أحوالها كحال القلوب في الصدر تماما والعدو الجني حاله كحال العدو الإنسي، ونسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا. إخوتي الكرام..

هذه القلوب بأقسامها الثلاثة، القلب الحي السليم، والميت السقيم، والقلب الذي فقد تمام الحياة وكمالها ولم يصل إلى حد العطب والموت، هذه القلوب الثلاثة لا تفتر من حركة ولا تتوقف عن عمل ولابد من شيء تشغل به ولابد من خير أو شر، طاعة أو معصية من نفع أو ضر، ولذلك كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يلجأ إلى ربه في أن يثبت قلبه على الإيمان على الدوام وفي ذلك تعليم لنا. إخوتي في الإسلام.. أن نلجأ إلى ربنا بأن يثبت الإيمان في قلوبنا على الدوام، ثبت في مسند الأمام أحمد وسنن الترمذي بإسناد حسن عن شهب بن حوشب وهو من ءأمة التابعين أنه سأل أمنا أم سلمة رضي الله عنها فقال ما كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندك في بيتك (إذا جاء ليلتك فما أكثر دعاء يدعوا به نبينا عليه الصلاة والسلام) فقالت أمنا أم سلمة رضي الله عنها [كان دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -[اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك] إي والله إن القلب ما سمي قلباً إلا أنه يتقلب ولا يفتر من حركة وهو دءوب العمل في الخير أو الشر. ثبت في الكتابين المتقدمين في المسند، وسنن الترمذي بسند صحيح عن - رضي الله عنه - قال كان يكثر النبي صلى - صلى الله عليه وسلم - من هذا الدعاء [اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك] فقلنا يا رسول - صلى الله عليه وسلم -، قد آمنا بك وصدقناك فهل تخاف علينا فقال عليه صلوات الله وسلامه وفدائه آباءنا وأمهاتنا [إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء] ، وثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عن عبد الله عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -[اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك] . إخوتي الكرام..

هذه القلوب بأقسامها الثلاثة لابد لها من حركة وعمل، إما أن تجول في الشر، وإما أن ترتع في الخير، ولذلك أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن أصدق اسم ينطبق على حقيقة الإنسان ويوافق مسماه على التمام، حارس وهمام، حارس مكتسب فاعل، فالفارق بين الحي والميت هو الفعل، وهمام، وهو الهم، لا يخلو واحداً منا من هم وخطرة وإرادة، ولا يخلو واحداً منا من كسب وسعي، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها، ثبت في مسند الأمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي، وأصل الحديث في صحيح مسلم، ولفظ الحديث في الكتب الثلاثة في المسند وسنن أبي داود والنسائي عن أبي وهب الجشمي وهو من الصحابة الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأقبحها حرب ومرة، وأصدقها حارس وهمام] أحسن الأسماء وأحبها إلى رب الأرض والسماء ما حمل اسم نبي أو دل على عبودية الله جل وعلا. اسمه محمد، أو أحمد أو يوسف أو يونس أو عبد الله أو عبد الرحمن أو عبد الرحيم أو عبد الحليم أو عبد العظيم. وأقبح الأسماء ما دل على فتنة أو كرهٍ، حربٌ يدل على فتنة ومشاكل، ومرة، يدل على شيء تستكره النفوس وتتقذر منه وهي المرارة.

وأصدق الأسماء. الأصدق يدل على مسماه وينطبق على حقيقته، حارس، أي فاعل مكتسب، لابد من كسب في الخير أو الشر، لابد، والنفس كما تقدم معنا إن لم تشغل بحق شغلت بباطل ـ وهذه النفوس والقلوب كالرحى، كالطاحون التي تفتر فإن وضعت فيها براً طحنته وأخرجت منه الطحنى دقيقاً، وإن وضعت فيها حجراً طحنته وأخرجت ترباً، وإن وضعت فيها شوكاً طحنته وأخرجت أذى وغماً وهماً، هذه النفوس لابد لها من حركة. أصدق الأسماء حارس وهمام، ولذلك قال أئمتنا الكرام هذه القلوب جوالة، فإما أن تجول حول العرش، وإما أن تجول حول الحش إما أن تجول في الملأ الأعلى حول عرش الرحمن وتذكر ذا الجلال ولإكرام، وإما أن تطوف حول مزابل الإنسان ووساوس الشيطان، إما أن تجول حول العرش، وإما أن تجول حول الحش. إخوتي الكرام: وإذا كانت هذه القلوب بأقسامها الثلاثة لا تفتر عن العمل وخترة وحديث وهم فينبغي على العاقل أن يقف عند قلبه وأن يتأمل ما يدور في نفسه وأن يبحث فيه هل هو له أو عليه. إخوتي الكرام: وهذا ما سنتدارسه في هذه الموعظة بإذن ربنا الرحمن، لأن أخوتي الكرام من مراقبة ما يدور في القلب ويجري في النفس فالإنسان بعمله القلبي يرتفع إلى درجة الصديقين أو يهوى إلى دركة الشيطان الرجيم، إما أن يكون في أعلى عليين أو في أسفل السافلين بعمله القلبي وأكثر. شهداء هذه الأمة أصحاب الفرش ورُبَّ قتيلٌ بين الصفين الله أعلم بنيته، هذا القلب لابد من مراقبة ما يقع فيه وهذه النفس لابد من مراقبة ما يجري فيها. إخوتي الكرام..

إنما يدور في قلوب بني الإنسان ويخطر في نفوسهم ينقسم إلى خمسة أقسام أولها المرحلة الأولى: مرحلة الهاجس، وهذا الهاجس عرفه أئمتنا الكرام بأنه الشعور بأمر من الأمور في جانب الخير أو الشرور من غير اختيار من الإنسان ثم زال هذا الشعور من غير اختيار منك، ويقال على هذا الذي يقع في قلبك ويدور في نفسك إذا خطر وزال كان خطراته على قلبك ووقوعه بغير اختيارك وزواله بغير اختيارك يقال له هاجس، هذا الهاجس تكرم الله علينا فلم يعاقبنا عليه إذا كان في جانب السيئات وأيضاً لا ثواب عليه إذا كان في جانب الحسنات. ويليه أيضاً الخاطر: وهو استمرار ذلك الشعور جانب الخير أو الشرور فترة أطول من الهاجس ثم زوال ذلك الخاطر أيضاً دون اختيار منك، فالهاجس والخاطر هجما عليك بغير اختيارك وزولهما عنك بغير اختارك إن كانا في الخير أو الشر لا تثاب عليهما ولا تعاقب عليهما والسبب في ذلك أنه ليس منك كسبٌ وسعيٌ نحوهما ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، بما أن هذا جرى منك من غير اختيارك وزال من غير اختيارك فلا تثاب عليه ولا تعاقب. المرحلة الثالثة: حديث النفس المحدث نفسه بذلك الخاطر الذي استمر في نفسه فترة أن يحدث نفسه بحسنة أو بقبحة بفعله أو بتركه دون أن يرجح فعلاً على تركٍ أو تركاً على فعلٍ، إنما حدث نفسه فيه، خطر بباله أن يبني مسجداً لله، حدث نفسه بحسن ذلك العمل ومنفعته دون أن يرحج البناء على الترك ومن باب أولى دون أن يعزم على البناء على الترك، إنما حدث نفسه ببناء المسجد وأن فيه أجراً عظيماً عند الله جل وعلا، لكن ما مال على فعله ولا عزم على فعله، هذا يقال حديث النفس أستمر ذلك الخاطر في نفسه وبذل نحوه سعياً اختيارياً فبدء يتحدث به في داخله ثم زال عنه ذلك الخاطر أيضاً لانشغاله بغيره، فهذا من كرم الله وفضله يكتب لك في الحسنات ولا يكتب عليك في السيئات. ويليه حديث النفس الهم:

وهو ترجيح الفعل على الترك ما حدث به نفسه وراء حسنة هم بفعله وكان نسبة الهم تزيد على النصف وهذا هو ترجيح الفعل على الترك، عزماً لم يصل إلى درجة التصميم، إنما إلى درجة ستين أو سبعين بالمائة 60 أو 70 % إنه سيبني ذلك المسجد فمن باب أولى يكتب له أجر الهم كما يكتب له أجر حديث النفس، وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى كتابة أجر حديث النفس والهم في الحسنات وعدم كتابة حديث النفس في السيئات في أحاديث كثيرة ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهم - أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة فإن عملها كتبها الله بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فإن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه حتى يعملها فإن عملها كتبها الله بمثلها] وفي بعض رواية الأمام مسلم يقول الله تعالى في الحديث القدسي [إذا حدث عبدي بحسنة فلم يعملها فكتبوها له حسنة] حدث، وهناك هم، فإذا حدثت نفسك بطاعة تكتب لك، هممت بخير يكتب لك، حدثت نفسك بمعصية أو هممت بها لا تكتب عليك في جانب حديث النفس والهم، كرماً من الله وفضلا. إخوتي الكرام: وفي بعض رواية الحديث في الصحيحين [إذا حدث نفسه وإذا هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة] ولا تعارض بين الروايتين لان من يحدث نفسه بسيئة ومن يهم بسيئة ينقسم حاله بعد ذلك في تركها إلى حالتين، إما أن يتركها غفلة عنها واشتغالاً بغيرها فلا تكتب عليه سيئة، وليس له في ذلك أجر، وإما أن يتركها خشية من الله واستحضاراً لعظمته وطرد ذلك الحديث والهم عنه بعد ذلك، بعد أن حدث نفسه بمعصية وهم بها استحضر عظمة الله وخشي الله وجاهد نفسه في ذات الله وأزال ذلك عنه الخاطر الرديء فيكتب له على همه بالسيئة حسنة عندما تركها خشية من ربه جل وعلا.

وأما المرتبة الخامسة: التي تدور في القلوب وتجول في النفوس فهي مرحلة العزم: وهو التصميم الأكيد على فعل الشيء بحيث لو تمكن منه لفعله، بحيث لو لم يمنعه مانع خارجي عن نفسه لأوجد ما عزم عليه، ففي هذه الحالة يكتب على الإنسان ما عزم عليه في جانب الخير وفي جانب الشر مع أنه لم يباشره بجوارحه، فالنطفطن لما يقع في قلوبنا ما نعزم عليه من عزم على خير وجزم به كتب له، وإذا كان حديث النفس والهم يكتبان له فمن باب أولى أن يكتب العزم، وإذا عزم على شر كتب عليه كما لو فعله، لأنه لو لم يفعله، المانع عنه مانع خارجي، وقد دلت آيات القرآن وتواترت بذلك الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن العزم يؤاخذ عليه الإنسان ويكتب عليه، يكتب له في جانب الخير بلا خلاف، وهكذا يكتب عليه في الشر كما دلت على ذلك آيات القرآن وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -

فأما الآيات فسأقتصر على آية واحدة يقرر الله فيها الأمر في سورة النور فيقول العزيز الغفور {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون} إن الذين يحبون، والمحبة عمل قلبي، أحب في قلبه ومال قلبه إلى هتك ستر المسلمين وطار فرحاً عندما يهتك ستر مسلم، لم يتكلم بشفتيه ولا سعى بجوارحه، لكن إذا تُكلم على مسلم في حضرته فرح، هذا الفرح عمل قلبي ما حرك جوارحه، هذا العمل القلبي له هذه العقوبة عند الله {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون} ، هذا حال من يحب أن تشيع الفاحشة في المؤمنين، نعم يجب عليك أن تستر عباد الله وأن تحب سترهم في هذه الحياة فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة وثبت عن نبينا الصلاة والسلام في معجم الطبراني والأوسط من رواية جابر عقبة بن عامر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من ستر على مؤمن فكأنما أحيا موؤدة] وفي رواية [من ستر عورة فكأنما استحي موؤدة] من ستر عورة من عورات المؤمنين فكأنما استحي موؤدة، أراد بوالدها أن يقتلها فأخذها حية ورباها فله أجر عظيم عند الله وهكذا حال من يستر عباد الله، فإذا أحب الإنسان هتك الستر عن المسلمين له هذه العقوبة. أما إذا سعى بجوارحه في هتك أستارهم فله من العقوبة ما يخطر ببال كثير من الناس. ثبت في مسند البزار ومعجم الطبراني الكبير وستدرك الحاكم بإسناد لا بأس به عن حذيفة بن اليماني - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة] إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة، تكلم في عرض مؤمن أو مؤمنة حبط عمله مائة سنة بطاعات وعبادات.

إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث حذيفة بن اليماني أيضاً رضى الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [لا يدخل الجنة نمام ينقل الكلام بين المسلمين ويوقع بينهم العداوة والبغضاء لا يدخل الجنة] هو إذا أحب في قلبه هتك ستر المسلمين له عذاب أليم في الدنيا والآخرة فكيف إذا سعى بلسانه، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن: قالوا من يا رسول الله: قال الذي لا يؤمن جاره بوائقه] لا يأمنون شروره وبوائله وفتنه وضره فليس عند الله من عتاد المؤمنين.

إذا عزم، إذا وصل في القلب وجل به يكتب للإنسان وعليه في جانب الخير أو الشر، وقد دلت على ذلك أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - سأقتصر على حديثين من أحاديثه الكثيرة التي تقرر هذا الأمر، الحديث الأول في الصحيحين من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار: قلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول] أي دخل القاتل النار، هذا أمره معلوم لأنه قتل مؤمناً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فما بال المقتول؟ فقال عليه الصلاة والسلام [إنه كان حريصاً على قتل صاحبه] أي عزم على ذلك في قلبه لكن لم يتمكن بجوارحه، منعه مانع خارجي، إنه كان حريصاً على قتل صاحبه، وثبت في مسند الأمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح من رواية الصحابي أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [ثلاثةٌ أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فحفظوه] أما الثلاثة التي أقسم نبينا - صلى الله عليه وسلم - على صحتها ووقوعها ولابد [ما نقص مال من صدقة] فمن تصدق لا ينقص ماله بل يزيده الله أضعافاً مضاعفة، {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} [ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا] ظُلم عبد في هذه الحياة فعفى يزيده الله عزاً ورفعة [ومن فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر] إذا تعرض لسؤال الناس من غير حاجة يجعل الله فقره في قلبه ولا يأتيه إلا ما قدر له، هذه أقسم عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأما الحديث الذي ينبغي أن نعيه ويتعلق بأمرنا وهو أن من عزم على الخير كتب له كأنما فعله، ومن عزم على شر كتب عليه كأنما فعله، يقول نبينا - صلى الله عليه وسلم -[وأحدثكم حديثاً فحفظوه هذه الدنيا لأربعة نفر] أي حال هذه الدنيا مع الناس إلى أربعة أقسام والناس ينقسمون فيها إلى أربعة أقسام لا خامس لهم [رجل أتاه الله مالاً وعماً فهو يعمل في ماله بعلمه فيتقي فيه ربه ويصل به رحمه ويعلم أن لله فيه حقاً فهو في أعلى المنازل، ورجل أتاه الله علماً ولم يؤتيه مالاً فقال يا ليتني مثل فلاناً حتى أعمل بمثل عمله] قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -[فهم في الأجر سواء،] ذاك بعمله، وهذا بنيته [ورجل أتاه اله مالاً ولم يؤتيه علماً فهو يخبط في ماله فلا يتقي فيه ربه ولا يصل به رحمه ولا يعلم أن لله فيه حقاً فهو في أخبث المنازل، ورجل لم يؤتيه الله علماً ولا مالاً فقال يا ليتني مثل فلان الذي] الذي نفق ماله على المسكرات والمخدرات والاعتداء على الأعراض [يا ليتني مثل فلان أعمل بمثل عمله] قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -[فهما في الوزر سواء] لم يعمل شيئاً من المنكرات لكنه عزم عليها ولو تمكن منها لفعلها، هناك فهما في الأجر سواء، وهنا فهما في الوزر سواء. إخوتي الكرام: لابد من مراقبة ما يدور في هذا القلب فالإنسان بإمكانه أن ينوي الخيرات وأن يحصل بذلك أعظم الدرجات عند رب الأرض والسماوات. أسال الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا، وأن يجعل خير أيامنا يوم لقائه، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول وأستغفر الله. الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحد ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله خير الخلق أجمعين، اللهم صلى علي محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين عباد الله..

إذا كان حال القلوب كما تقدم وما يدور فيها. حاله كما فصلت وذكرت فينبغي أن نعلم أن القلوب هي أصل الأعمال، والأعمال الظاهرة مرتبطة بما يقع في القلب، فاعمل الظاهري الذي يقع منك صحته وفساده، قبوله ورده، حصول الثواب أو العقاب عليه متوقف على ما يقع في القلب من عزم ونية، فقد قرر هذا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [إنما الأعمال بالنيات] صحة وفساداً، قبولاً ورداً، ثواباً وعقاباً، [إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه] هو في الصورة مهاجر لكنه عند الله خاطبٌ أو تاجرٌ [فهجرته إلى ما هاجر إليه] . إخوتي الكرام: وإذا كان الإنسان إذا حدث نفسه بطاعة أو هم بها أو عزم عليها يكتب له أجرها فينبغي على الكيس في هذه الحياة أن يفعل بجوارحه ما استطاع من الحسنات وما يعجز عنه ينبغي أن ينويه وأن يهم به وأن يحدث نفسه به وأن يعزم عليه، فإذا عزم عليه وأتى بما في وسعه مما تتمكن منه جوارحه يكتب له أجر ما عزم عليه، فالعازم على الطاعة إذا لم يتمكن منها يكتب له أجر العامل الكامل {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} . إخوتي الكرام:

إن الحديث بالحسنات والهم بها والعزم عليها يسيرٌ يسير وفعلها ليس بالعسير، وإن الحديث بالسيئات ثقيل وخيم وبيل وفعلها أشنع منها وقد أشار ربنا جل وعلا إلى هذا في آخر سورة البقرة فقال {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} أنظر لدلالة الآية الكريمة على سهوله الحسنة وانتفاع العبد بها، وعلى ثقل السيئة وتضرر العبد بها، من وجهين أشار إليها ربنا جل وعلا بهذه الآية فقال {لها} تعجيلاً بالمسرة فهذا {لها} تنتفع به وتحوذه وتملكه، ثم في جانب الفعل ما كسبت ليس لها تكلف ولا ثقل ولما أتى للسيئات {عليها} تعجيلاً بالمضرة، فكأنها تحمل شيئاً يثقلها ويتعبها ويؤذيها وتتضرر به ولما أتى لجانب الفعل أتى بصيغة الافتعال {ما اكتسبت} وزيادة المبني تدل على زيادة المعنى، نعم إن الهم بالسيئة ثقيل، وهو خلاف الفطرة التي فطر الله عليها عباده، وفعل السيئة أثقل منها، {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} . أسأل الله جل وعلا أن يشرح صدورنا لطاعته ومحبته في جميع أحوالنا وأوقاتنا، إنه على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك، اللهم اجعلنا من المحبوبين عندك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك ومن المقربين لديك، الله اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وأصلح ذات بينهم ونصرهم على عدوك وعدوهم إنك على كل شيء قدير، عباد الله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} .

الموعظة العاشرة رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع

رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع الموعظة العاشرة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الموعظة العاشرة رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع الحمد لله، نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما، وهدانا صراطا مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عميا، وآذاناً صما، وقلوباً غلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمّن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2)) ) سورة النساء: 1 (¬3)) ) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) . أما بعد: معشر الإخوة المؤمنين.. أفضل البقاع وأحبها إلى رب الأرض والسماء المساجد، فهي بيوت الله في الأرض، وفيها نوره وهداه، وقد وصف الله الذين يعمرونها ويتواجدون فيها بأنهم رجال، ثم نعتهم بأربع خصال تدل على أنهم أهل الرشد والعقول والكمال {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وإِقَامِ الصَّلاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ} (¬2) لا يلهيهم عرض الدنيا ومتاعها، هذه الصفة الأولى يعظمون الله، فيصلون له، ويذكرونه سبحانه وتعالى، يشفقون على عباد الله، ويحسنون إليهم، فيتصدقون عليهم، ويواسونهم، ثم هم في أتم استعدادٍ ليوم الميعاد {يَخَافُونَ يَوْمَاً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والأبْصَارُ} وهذه الصفات التي نعت الله بها الرجال الذين يعمرون بيوته في هذه الحياة ينبغي أن نقف عندها، لنتصف بها، ونسأل الله أن يجعلنا من أهلها، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. الصفة الأولى: يلهي من يعمرون بيوت الله عرض الدنيا ومتاعها، لا يلهيهم ذلك ولا يشغلهم عما أوجب الله عليهم، وعن الغاية التي خلقوا من أجلها {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} وعند هذه الآية المباركة يوجد تنبيهان ينبغي أن نقف عندهما على وجه الاختصار. ¬

_ (¬1)) ) سورة الأحزاب 70، 71 (¬2)) ) سورة النور: 37

التنبيه الأول: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} فأثبت الله لهم التجارات والبيوع في هذه الحياة، وهذا من كمال رجولتهم، لئلا يحتاجوا إلى غير ربهم جل وعلا؛ فهم يزاولون البيوع والتجارات في هذه الحياة؛ لكن لا يشغلهم ذلك طرفة عين عن الحقوق والواجبات، وعن طاعة رب الأرض والسماوات، وهذا المعنى هو المعنى الحق الذي ينبغي أن تفسر به الآية، ولا يجوز أن تحمل على غير ذلك، وما ذهب إليه بعض الناس، من أن الله جل وعلا نفى التلهي والالْتِهَاءَ عن من يعمرون بيوته لعدم وجود تجارةٍ وبيعٍ عندهم؛ فهو معنىً ركيك، ينبغي أن يتنزه عنه كلام الله جل وعلا، قال الإمام الألوسي عليه رحمة الله: "إنما أثبت الله لهم البيوع والتجارات، وأخبر أن هذه البيوع، وتلك التجارات لا تلهيهم عن طاعة رب الأرض والسماوات؛ فهذا أمدح لهم وأحسن في أوصافهم، فعندهم عرض الدنيا لكن في الأيدي، ولا أثر له في القلوب، وإذا نادى منادي طاعة الله جل وعلا أسرعوا إليه ولبوه". وقال الإمام الرَّازي: "هذا المعنى الذي قاله بعض الناس فاسدٍ باطل؛ فلا يقال فلانٌ لا تلهيه تجارته ولا بيعه إلا إذا كان يزاول البيع والشراء؛ فهم يزاولون البيوع ويعملون التجارات في هذه الحياة، لكنَّ ذلك لا يشغلهم عن طاعة رب الأرض والسماوات.

الأمر الثاني: أما ما يتساءل عنه كثيرٌ من الناس، لمَ ذكر الله البيع بعد التجارة وما البيع إلا نوعٌ من التجارة؛ فالتجارة بيعٌ وشراء، وأخذٌ وإعطاء، فلم خُصَّ البيع مع أنه يدخل في ضمن التجارة؟ وهل تكون التجارة دون أن يبيع الإنسان ويشتري؟ لا، ثم لا؛ فالتجارة قائمة على أمرين؛ يشتري التاجر ما يشتريه، ثم بعد ذلك يبيعه لحصول ربحٍ فيه، فعلامَ خص الله البيع بعد التجارة وهو داخلٌ في التجارة؟ ولِمَ لَمْ يذكر الله جل وعلا الشراء بعد التجارة كما ذكر البيع؟ فالبيع يدخل في التجارة والشراء يدخل في التجارة فعلامَ ذكر الله البيع بعد التجارة دون الشراء؟ وما الحكمة من ذكر هذا الخاص بعد دخوله في لفظ التجارة؟ إنما ذكر الله البيع بعد التجارة لثلاثة أمورٍ معتبرة: (1) لأن البيع هو أدخل في الإلهاء من الشراء من ثلاثة أوجه: فالتجارة بيعٌ وشراء؛ لكنَّ التلهي والاشتغال يكون في البيع أكثر ما يكون في الشراء وذلك من ثلاثة أوجه كما قرر هذا أئمتنا العلماء: أولها: البيع في الغالب الربح فيه مضمونٌ متيقنٌ، وأما الشراء فربح فيه غيبٌ مستقبل، وذلك مظنونٌ أو مشكوكٌ فيه. التاجر عندما يبيع السلعة في الغالب حصل ربحاً، وأما عندما يشتري الأمر موقوف على المستقبل، قد يباع السلعة بربحٍ وقد تباع بخسارة، وأما البيع فهذا ربحٌ متيقنٌ؛ فلا يلهيه البيع والشراء، لا تلهيه التجارة، ثم ذكر ما هو أدخل في الإلهاء، وما ينبغي أن يُنَصَّ عليهُ لبيان قدر هؤلاء الرجال، وكمال عقولهم، وطاعتهم لربهم. هذا البيع الذي فيه الربح متيقن إذا حان وقت طاعة الله جل وعلا والإحسان إلى عباد الله، يقومون بذلك على وجه التمام، ولا يشتغلون بالبيع الذي الربح فيه - كما قلنا - حاضر متيقنٌ لا شك فيه.

الأمر الثاني: البيع في الغالب يكون مقابل إعطاء سلعة وأخذ نقد، وأما الشراء ففي الغالب أن يعطي الإنسان نقداً ويأخذ سلعة، والنفوس البشرية تتعلق بالنقد وتميل إليه أكثر من ميلها إلى السلع، إذاً البيع محبوبٌ إلى النفس أكثر من الشراء؛ من أجل أن يحصِّل الدراهم والدنانير ويملأُ جيبه من هذه الفلوس، فالتلهي في البيع أكثر من التلهي بالشراء؛ ولذلك خصه الله جل وعلا بعد التجارة بالذكر. والأمر الثالث: وهو معتبرٌ أيضا، التجارة يمكن أن تكون عن طريق الجلب، وأن يجلب الإنسان البضائع والسلع من أماكن أخرى بواسطة من يحملها له، وأما البيع فيكون عندما يُصَرِّفُها عن طريق يديه وبيديه، فالإلهاء بالبيع أكثر من التجارة التي تجلب من كل جهةٍ، ومن كل مكان، عن طريق من يحملها، ومن يُوصلها إليه. {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} إذاً عروض: الدنيا أمتعتها، زخرفها، زينتها، لا يشغلهم ذلك عما أوجبه الله عليهم. عباد الله: كيف ينتهي هؤلاء الرجال العقلاء بمتاع الدنيا وزينتها، وكلها سريعة الزوال إلى فناءٍ، لا تبقى ولا تدوم، وليس لها عند الحي القيوم أي وزنٍ وأي اعتبار، كيف يتلهى هؤلاء الرجال، الذين نُعِتُوا بأنهم رجال؟ كيف يتلهون ويشغَلَون بمتاع الدنيا وزينتها؟ والدنيا من أولها وآخرها ليس لها قدرٌ عند ربها جل وعلا.

ثبت في سنن الترمذي وسنن ابن ماجه، والحديث رواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، الطبراني في معجمه الكبير، وأبي نعيم في الحلية، البيهقي في شعب الإيمان، وإسناده صحيح من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى كافراً منها شربة ماء] سبحان ربي العظيم؟؟ الدنيا من أولها لآخرها بجميع أمتعتها وزخارفها، لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو كان لها هذا المقدار عند العزيز القهار، ما سقى الكفار في هذه الحياة شربة ماء، ولا جرعة ماء، لهوانهم على ربهم جل وعلا، لكنَّ هذه الدنيا لا وزن لها، ولا قدر لها، فيعطيها الله لمن يحب ولمن يكره، [لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضةٍ ما سقى كافر منها شربة ماء] فكيف يتلهى العقلاء بالتجارة والبيوع عن طاعة رب الأرض والسماوات؟ وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن كل ما في هذه الدنيا ملعون، إلا ما أريد به وجه الحي القيوم، فكيف يتلهى هؤلاء المؤمنون الموحدون، الذين يعكفون في بيوت الله، ويذكرون الله، كيف يتلهون ويُشْغَلون بالبيوع والتجارات؟ ثبت في سنن الترمذي، وابن ماجه، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث روي عند عدة من الصحابة الكرام روي عن عبد الله بن مسعود عن أبي الدرداء، وعن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهم أجمعين، والحديث إسناده صحيح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، وعالماً، أو متعلما] .

الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما والاه، وعالماً، أو متعلما، وفي بعض رواة الحديث [الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما أريد به وجه الله منها] وفي بعض الروايات [الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما أريد به وجه الله منها، إلا ما ابتغي به وجه الله] وفي بعض الروايات [الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا أمر بمعروفٍ، أو نهيٍ عن منكر، أو ذكر الله جل وعلا] وخلاصة الكلام كل ما في هذه الدنيا ملعون، إلا من أطاع الحيَّ القيوم، الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله، وما والاه، وعالماً، أو متعلما، فكيف يتلهى هؤلاء الأخيار بهذه الدنيا التي ليس لها قدر واعتبار عند العزيز الغفار سبحانه وتعالى. إخوتي الكرام: أخبرنا الله في كتابه في كثير من الآيات عن حقيقة هذه الدنيا، وعن أحوالها، فكيف يركن إليها من يعمرون بيوت الله، ونُعِتُوا بأنهم رجال؟ يقول الله جل وعلا في سورة الأنعام {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلْذِينَ يَتْقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ} (¬1) الحياة الدنيا في سرعة زوالها وقصر أيامها، حالها كحال من يلعب بشيءٍ ويتلهى به، سرعان ما يزول، وسرعان ما ينقضي، وهكذا الحياة الدنيا. ¬

_ (¬1)) ) سورة الأنعام: 32

والمعنى الثاني للآية الكريمة {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} ما أمرها من أولها لآخرها، وما حال من يركن إليها إلا لعبٌ ولهوٌ، كحال لاعبين عندما يلعبون هم يلعبون فسيزولون ولعبهم، لا قيمة له، ولا وزن، ولا اعتبار {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلْذِينَ يَتْقُونَ أفَلا تَعْقِلُونَ} قال أئمتنا المفسرون: في ذلك إشارة إلى أن أمور التقوى في هذه الحياة ليست من الدنيا {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلْذِينَ َيَتْقُون} اتقوا الله في هذه الحياة؛ فعظموه وأطاعوه؛ فهؤلاء ما بِاللَّهْوِ ولا باللعب. إخوتي الكرام: وإذا قرن الله بين اللعب وبين اللهو في كتابه، فيفترقان من حيث المعنى افتراقاً لطيفاً، مع أن كل منهما يدل على أن صاحب اللعب وصاحب اللهو اشتغلا بالباطل، لكن بينهما مفارقةً عندما يقترنان؛ إذا قرن اللعب باللهو، فمراد من اللعب أن الإنسان يشتغل بالباطل، وقد يفعل الحق، وقد لا يفعله، قد يقوم بالواجب، وقد لا يقوم به، وأما إذا ذكر اللهو بعده، دل على أنه اشتغل بالباطل مع إعراضه عن الحق وعدم المبالاة به، وأما اللعب فقط، فقد يلعب الإنسان ويشتغل بالباطل، ثم يقوم بالواجبات وبالحقوق، ويقوم بشيءٍ منها، ولا يلزم من ذلك أن يعرض عنها، أما اللهو فقد لهى قلبه عنه، وأعرض قلبه عن هذا الحق، بحيث اشتغل بالباطل مع نفرةٍ من الحق وكراهيةً له، وهكذا حال الحياة الدنيا

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَعِبٌ} : اشتغالٌ بأمور الباطل، {ولهو} : إعراضٌ عن الحق مع اشغال بالباطل، هذا حالها، وهذا أمرها، وهذا حال من يركن إليها، ويستقر فيها، إلا المتقين، {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتْقَوْا أفَلا تَعْقِلُونَ} وقال جل وعلا في سورة العنكبوت: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدَّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِي الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (¬1) ، {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} . ¬

_ (¬1)) ) سورة العنكبوت: 64

حيوان: أي حياة كاملةٌ تامة، من حيَّ، والأصل أن يقول: حَيَيَان قال أئمتنا قلبت الياء الثانية واواً، فصارت حيوان، حياة كاملة، وإنما أتى بصيغة فَعَلان؛ ليدل على الحياة والإطراب والبهجة والكمال والتمام، لأن ذلك يقابل السكون الذي يكون عن طريق الموت (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) ؛ أي الحياة الكاملة التي فيها بهجةٌ وحيويةٌ ونشاطٌ على وجه التمام والكمال {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (¬1) ، {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِي الْحَيَوَانُ، لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} إذاً هذه الحياة الدنيا لهو ولعب، {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنَّ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكَمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} (¬2) كما قال الله في سورة محمد، على نبينا صلوات الله وسلامه، وهكذا قَصَّ الله علينا حال الدنيا في كثيرٍ من الآيات في كتابه فقال جل وعلا في سورة الحديد: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأمْوَالِ وَالْأوْلَادِ كَمَثِلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُه ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرَّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَامَاً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬3) يتمتع بها على وجهٍ ما، ثم تنقضي وتزول، لكنَّ هذا المتاع الزائل يَغْتَرُّ به كثيرٌ من ضعاف العقول، لا يغتر بذلك الرجال الذين يذكرون الله في بيوته في هذه الحياة، {رِجَالٌ} ، {وَمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} لا يغتر بها إلا من اغتر عقله، ولم يكن رجلاً {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكَمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ ¬

_ (¬1)) ) سورة ق: 22 (¬2)) ) سورة محمد: 36 (¬3)) ) سورة الحديد: 20

زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدَّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬1) . عباد الله: ولذلك نهانا الله جل وعلا من التلهي بها، والاشتغال بها، والعكوف عليها، بحيث يشغلنا ذلك عما أوجبه الله علينا، فقال جل وعلا في سورة المنافقون: {يَا أَيَّهَا الذِّينَ آمَنُوْا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلا أَوْلَادَكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وأَنْفِقُوْا مِنْ مَا رَزَقْنَاكَمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أخَّرْتَنِي إِلى أجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ *وَلَنْ يُؤَخِّرُ اللهُ نَفْسَاً إِذَا جَاءَ أجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (¬2) وقد أخبرنا الله جل وعلا عن حال الضعفاء ضعاف العقول عن حال الأنذال في هذه الحياة، أنهم أقبلوا على اللهو واللعب، واشتغلوا بذلك عن طاعة الله جل وعلا قال الله جل وعلا في أول سورة الأنبياء - على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه -: {اقْتَربَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} (¬3) لفظ الناس من أسماء العموم، وكل ما ورد من صيغ الذم بألفاظ العموم في كلام الحي القيوم يخرج منه المهتدون، يخرج منه الصالحون، فلا يدخلون في ألفاظ الذم العامة، إنما تلك تنال العُصَاةَ والكافرين {وَالْعَصَرَ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الذِّينَ آمَنُوْا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِ وَتَوَاصَوْا بِالصَبِر} (¬4) ، {لَقَدْ خَلَقَنَا الإنْسَانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ فِي أسْفَلِ سَافِلِينَ * إِلا الذِّينَ آمَنُوْا وَعَمِلُوا ¬

_ (¬1)) ) سورة آل عمران: 185 (¬2)) ) سورة المنافقون: 9 – 11 (¬3)) ) سورة الأنبياء: 1 (¬4)) ) سورة العصر: 1- 3

الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (¬1) ، {اقْتَربَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبَّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} (¬2) . ¬

_ (¬1)) ) سورة التين: 4- 6 (¬2)) ) سورة الأنبياء: 1 – 3

سبحان ربي العظيم؟؟ لعبوا فاشتغلوا بالباطل، ثم أعرضوا بعد ذلك عن الحق، على وجه التمام والكمال، وعادوه ونفروا منه عندما اشتغلوا بالتلهي، {لاهية قلوبهم} ، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبَّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} (¬1) فجمعوا بين اللعب واللهو، اشتغلوا بالباطل، ثم أعرضوا بعد ذلك عن الحق، على وجه التمام والكمال، ليتهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم، إنما لعبوا واشتغلت قلوبهم بعد ذلك باللهو والأعراض والنُفْرَةِ عن كلام رب العباد، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبَّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وأسَرُّوا النَّجْوَى الذِّينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأنْتُمْ تُبْصِرُونَ * قَالَ رَبِي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (¬2) وأخبرنا الله جل وعلا عن مثل هذا في أول سورة الحجر فقال جل وعلا: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الذِّينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} (¬3) وذلك عندما يرون عصاة الموحدين، الذين عملوا الباطل، ومن انحرف بعد ذلك عن الحق، ولا أعرضوا عنه على وجه التمام، إنما خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، عندما يخرجون من نار الجحيم، بعد أن يعذبوا، يتمنى الكفار لو أسلموا في هذه الحياة، ونطقوا بتوحيد رب الأرض والسماوات {رُبَمَا يَوَدُّ الذِّينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِيهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (¬4) . ¬

_ (¬1)) ) سورة الأنبياء: 2، 3 (¬2)) ) سورة الأنبياء:2- 4 (¬3)) ) سورة الحجر: 1، 2 (¬4)) ) سورة الحجر: 2، 3

إذاً عباد الله: الأبرار الرجال العقلاء، أهل الكمال، الذين يوحدون الله في بيوته، ويشهدون الصلوات، ومجالس الخير في هذه البيوت، لا تلهيهم البيوع، ولا التجارات، وهذان الوصفان ينبغي أن نقف عندهما، آخذ الوصف الأول؛ ألا وهو وجود بيوعٍ وتجارات واكتساب رزق من قبل المؤمنين الذين يعبدون الله في المساجد، وأما الوصف الثاني، وهو متعلق بعدم الالتهاء من هذا المال، وعدم الانسياق معه في جميع الأحوال، يأتي الكلام عليه -إن شاء الله- في الموعظة الآتية، إن أحيانا الله. عباد الله: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (¬1) لهم تجارات، وعندهم بيوعٌ يقومون بها، فهم يعبدون الله، ثم يكدحون في هذه الحياة، وهذه من صفات الكمال فيهم، وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن طلب الرزق -في هذه الحياة عن طريق ما أحل الله- واجبٌ واجبٌ على كل مسلم، فمن فرط في ذلك، وهو مستطيع ثم تعرض لهذا أو ذاك؛ فهو عاصٍ لله جل وعلا معجم الطبراني الأوسط بإسنادٍ حسن من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه: قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [طلب الحلال فريضة على كل مسلمٍ] طلب الحلال فريضةٌ على كل مسلم، كما أن العلم ينور قلوبنا، نطلب الحلال والقوت؛ من أجل أن نغذيَ أبداننا، لئلا تكون بنا حاجةً إلى أحدٍ من خلق الله، حاجتنا إلى ربنا جل وعلا. ¬

_ (¬1)) ) سورة النور: 37

[طلب الحلال فريضة على كل مسلم] وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن خير لقمةٍ يدخلها الإنسان جوفه هي ما يكتسبه عن طريق يده، ثم بين لنا أن أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، كانوا يتصفون بهذا الوصف، فكانوا يكدحون ويعملون، ويأكلون من كسب أيدهم، ومن عمل يمينهم، ثبت في مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري، والحديث رواه الإمام ابن ماجه، وغيرهم، والحديث صحيحٌ صحيح، فهو ثابت في صحيح البخاري، من حديث المقدام بن معد كرب -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [ما أكل أحدٌ طعاماً قطُ خيراً من أن يأكل من عمل يده وإنَّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده] . نعم كان الأنبياء ينزلون إلى الأسواق، ويعملون، وليس في ذلك منقصةٌ، ولا ابتذال، إنما المنقصة والابتذال أن يكون الإنسان عالة على غيره، {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الْطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرَاً أوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إنَّ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} (¬1) وأي منقصة إذا دخل الإنسان إلى السوق، وباع واشترى، وقد كان أنبياء الله الكرام -عليهم جميعاً الصلاة والسلام- وهذا أفضل الكسب [ما أكل أحدٌ طعاماً قطُ خيراً من أن يأكل من عمل يده وإنَّ نبي الله داود -عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه- كان يأكل من عمل يده] . ¬

_ (¬1)) ) سورة الفرقان: 7، 8

فإذا كنا ندخل بيوت الله لذكر الله، وعبادة الله، فعلينا واجبٌ آخر؛ ألا وهو السعي من أجل تحصيل الرزق والإحسان إلى عباد الله بعد ذلك، فنحن ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ونحن ممن يعظمون الله، ويحسنون إلى عباد الله، ويشفقون على خلق الله، وأما أن يمد الإنسان يديه إلى غيره، فهذه النذالة، وهذا هو النقصان ولا يمكن أن يتصف المؤمن بهذا، إلا إذا وصل إلى حد الضرورة، بحيث لو لم يجد لمات، ومع ذلك فلو مات لكان عدم سؤاله أولى، لو مات وما سئل غير الله، لكان هذا خيراً له في هذه الحياة، وبعد الممات، وإذا جاع الإنسان ولم يسأل حتى مات، فلا إثم عليه، ولا حرج، نعم إذا كان عنده طعام، وما أكله حتى مات، فهو من أهل النار، أما إذا ما سئل أحداً من خلق الله وقال السؤال ذل، أنا عندما أسأل غير الله جل وعلا أضيع حق الله فقد أمرني الله أن أسأله [إذا سئلت فسأل الله] ، فكيف أصرف هذا السؤال إلى عبدٍ لا يملك لنفسه -فضلاً عن غيره- نفعاً ولا ضرا؟ ثم بعد ذلك أظلم هذا العبد، وأعتدي عليه، وأضجره، فأحب ما عند الناس من أموالهم التي اكتسبوها، وأنا عندما أحرجهم بالسؤال، وآخذ منهم هذه الأموال؛ فقد آذيتهم، وأضجرتهم، ولذلك قال الله: {وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَلَكُمْ * إِنَّ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا} (¬1) ، أي أن الله جل وعلا، ما أمرنا أن نتصدق بجميع أموالنا، وإذا بالغ في الطلب، وطلب منا أن نتصدق بجزءٍ كبير، بخل بذلك عددٌ كثير، إنما فرض الله نصيباً معلوماً، مقدراً يسيراً، فأنت كيف إذاً تضجر هؤلاء الناس، وتأخذ منهم ما جمعوه وما أخذوه، إن أعطوك عن طيب نفسٍ فبها ونعمة، وأما الإلحاح هذا، في حال حاجة النقص فكيف في عدم الحاجة؟ والأمر الثالث تذل نفسك أيها الإنسان، أنت عبدٌ للرحمن ما يرضى الله أن تتذلل إلا له، كيف تريق مال وجهك من أجل أن تأخذ من فلانٍ، أو من غيره، ولذلك [ما أكل أحدٌ طعاماً ¬

_ (¬1)) ) سورة محمد: 36، 37

قط خير من أن يأكل من عمل يده] إذا كنا نشهد بيوت الله؛ فينبغي أن يكون عندنا عزاً، وينبغي أن يكون عندنا مروءة، وينبغي أن يكون عندنا شهامة، نحن عباد الله في هذه الحياة، ليس لنا إلى غير الله حاجة. {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وإِقَامِ الصَّلاةِ وإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} (¬1) وقد أخبرنا نبينا أن الذين يحرزون المال من طريقٍ حلال، ويكون عندهم ثروةٌ طائلة ينتفعون وينفعون، فنعم ما فعلوا، ولهم أجرٌ كبيرٌ عند الله جل وعلا، ثبت في مسند الإمام أحمد، ومستدرك الحاكم، والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير والأوسط، ورواه ابن سعدٍ في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان، وإسناده صحيحٌ كالشمس من رواية عمرو بن العاص، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [نِعِمَّا المال للرجل الصالح] ، [نعم المال الصالح للرجل الصالح] ، فهؤلاء العباد لهم تجارات، ولهم بيوع، ولكن ذلك لا يشغلهم عن طاعة الله جل وعلا [نِعِمَّا المال للرجل الصالح] . ¬

_ (¬1)) ) سورة النور: 37

عباد الله: إن استغناء الإنسان عن غيره، عندما يبيع ويشتري، هذا عزٌ له في هذه الحياة، ورفعةً لقدره بعد الممات، ثبت في مستدرك الحاكم، ومعجم الطبراني الأوسط، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [أتاني جبريل فقال لي يا محمد -على نبينا صلوات الله وسلامه- عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وأن عز المؤمن استغنائه عن الناس] وأن عز المؤمن استغنائه عن الناس، فأنت أيها العبد الذي تدخل في بيت سيدك في هذه الحياة، ينبغي أن يكون لك حرفة، وينبغي أن يكون لك مهنة، ولا عار ولا منقصة إذا دخلت السوق، أو إذا ذهبت لتحتطب، أو إذا سافرت لتتاجر، فهذا نعت المؤمنين الذين يعبدون رب العالمين في هذه البيوت، {لا تُلهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (¬1) عندك بيوع، وعندك تجارات تكتسب وتنتفع وتنفع، لكنَّ هذه التجارات لا تشغلك ولا تلهيك عن الواجبات. [عز المؤمن استغنائه عن الناس] . ¬

_ (¬1)) ) سورة النور: 37

عباد الله: إن الرزق مقسوم كما يقال، وإن العمر محتوم، وإذا كان الأمر كذلك، فنحن نتعرض لنفحات الحي القيوم، نكدح في الأسواق، ونعمل في المزارع، ونزاول التجارات، ونبيع ونشتري، لكن كما قال الله: {لا تُلهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (¬1) ، إننا عندما نتعرض لتحصيل فضل الله ورزق الله، نعلم أنه لن يأتينا إلا ما قسم لنا، ولن يأتينا إلا ما تَفضَّل به ربنا علينا، فهذا المقسوم محض فضلٍ من الحي القيوم، وهذا يكسب أبداننا راحةً، فلا نلهث وراء المال، كما تلهث السباع الضارية في البرِّيَّة، ويكسب قلوبنا قناعةً، فنعلم أن ما قدر لنا سيأتينا، إنما حالنا كما قال الله: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (¬2) ، ذَلْلَّهَا ويسرها من أجل أن نمشي عليها، فلا نقاسي فيها عنتاً ولا شدةً، من أجل أن نحصل الرزق والخير والبركة {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} هذا من رزق الله، ومن فضل الله، والرزق الذي يحصله الإنسان في هذه الحياة محض فضلٍ وكرمٍ من رب الأرض والسماوات، كما قال جل وعلا في سورة الجمعة: {يَا أيَّهَا الذِّينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنَّ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ} (¬3) فالرزق الذي نحصله محض فضلٍ وكرم من الله جل وعلا، {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرَاً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬4) وهكذا أخبر الله عن الرزق في كثير من الآيات بأنه محض فضلٍ وكرم، يعطيه الله من يشاء من عباده، فقال جل وعلا: { ¬

_ (¬1)) ) سورة النور: 37 (¬2)) ) سورة الملك: 15 (¬3)) ) سورة الجمعة: 9 (¬4)) ) سورة الجمعة: 10

رَبُّكُمُ الذِّي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحَرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيِمَا} (¬1) لتبتغوا من فضله: لتحصلوا الرزق والتجارة في البر والبحر، {رَبُّكُمُ الذِّي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحَرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيِمَا} . والله جل وعلا فاوت بين عباده في أمر الرزق، لتتم مصلحة الكون، وليتم أمر الناس والعالم، فهذا غنيٌ، وذاك فقير، وهذا الغني يستعمل الفقير في عملٍ، فيعطيه عليه أجرة، وينتظم نظام الكون، ولله جل وعلا حكمة في ما خلق وقدر، كما قال جل وعلا في سورة الزخرف: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرَآنَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَينِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعَضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً سُخْرِيَّا} (¬2) أي بالتسخير والعمل، والقراء والأجرة {لِيَتَخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً سُخْرِيَّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمِّا يَجْمَعُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1)) ) سورة الإسراء: 66 (¬2)) ) سورة الزخرف: 32 (¬3)) ) سورة الزخرف: 32

ثم أخبرنا الله جل وعلا أن ذلك في هذه الحياة لا وزن له عند رب الأرض والسماوات، فقال جل وعلا: هذه الدنيا حقيرةٌ مهينة، ولو أردت أن أعطيَ الكافر ما يستحقه في هذه الحياة، لجعلت له من النعيم ما يخطر ببال أحد، لهوان الدنيا على الله جل وعلا، فقال: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمِّا يَجْمَعُونَ * وَلَوْلا أنَّ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} (¬1) أي: على الكفر، فيكفر ضعاف العقول عندما يعطى للكافر من النعيم؛ لأنه كفر {وَلَوْلا أنَّ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجْعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقْفَاً مِنْ فِضَةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلبيوتهم أبواباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفَاً وَإِنَّ كُلُ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَقِينَ} (¬2) إذاً عباد الله نحن بهذا الرزق نتعرض لطلبه، نتعرض لنفحات الله جل وعلا، ونوقن أن ما قدر لنا سيأتينا فلا ننصب ونتعب أبداننا، ولا ندخل القلق والهم إلى قلوبنا، قلوبنا فيها القناعة، وأبداننا فيه الراحة، وما قدر لنا سيأتينا، وزاولنا بعد ذلك أمور البيوع والتجارات، والرزق. ¬

_ (¬1)) ) سورة الزخرف: 32، 33 (¬2)) ) سورة 33، 35

كما أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه سيأتي الإنسان حسب ما قدر له، كما سيأتيه أجله، كما أنك لا يمكن أن تفر من أجلك، لا يمكن أن تفر من رزقك، ولذلك ثبت في مستدرك الحاكم بسندٍ صحيح، عن عبد الله ابن مسعودٍ رضي الله عنه، والحديث رواه الحاكم، وابن حبان، ورواه الإمام ابن ماجه في سننه، من رواية جابر بن عبد الله، ورواه الطبراني في معجمه الكبير، وأبو نعيم في الحلية، من رواية أبي أمامة -رضي الله عنهم أجمعين- من رواية عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، ومن رواية جابر، ومن رواية أبي أمامة، ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [إن روح القدس نفث في روعي] أي: في قلبي [أنه ليس من نفسٍ تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب] ما قدر لك سيأتيك، فخذه بعز، وخذه بطاعة الله جل وعلا، ولا داعي بعد ذلك أن تتعرض لما يسخط الله جل وعلا. [إن روح القدس نفث في روعي، أنه ليس من نفسٍ تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب] وثبت في صحيح ابن حبان، ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه أبو نعيم في الحلية، والبزار في مسنده من رواية أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله] .

وفي رواية الطبراني [إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله] فكما أنك لا تفر من أجلك، وأينما كنت سيوافيك الموت، ولو كنت في بروجٍ مشيدة، والله لو كنت في جحر ضب لجاءك ما قسم لك وما قدر لك، نعم أنت مأمورٌ بالسعي والكسب والتعرض لنفحات الله عن طريق ما أحل الله، فهذا وصف عباد الله، يبيعون ويتاجرون ويعبدون الحي القيوم [إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله] وقد جعل الله الرزق بين الحياة وبين الممات، فوسط الرزق بين الأمرين، وكما أننا لا نشك في خلقنا، ولا نشك في موتنا، ولا نشك في بعثنا، فما ينبغي أن يعترينا شك نحو رزقنا {اللهُ الذِّي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثَمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مِنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬1) وأنت الواجب عليك -كما قلت- أن تتعرض لنفحات الله، فإذا قدر لك رزقٌ كثيرٌ جاءك، إذا قدر عليك في الرزق، جاءك ما قدر لك، وأنت على الحالتين راضٍ بما قسم لك، لكن الرزق لا ينال بمعصية الله، ولا بشطارة، ولا باحتيال، ما قدر لك سيأتيك، فإما أن تأخذه من طريقٍ حلال، وإما أن تأخذه من طريقٍ حرام، ورحمة الله على من قال: كَمْ مِنْ قَوِّيٍ وَقَوِّي فِي تَقَلْبُهِ ... مُهَذَّبُ الرَّأْيَ عَنْهُ الرِّزْقَ يَنْحَرِفُ وكم من ضَعِيفٍ ضَعِيفٍ فِي تَقَلْبُهِ ... كَأَنَّهُ مِنْ خَلِيجِ الْبَحْرِ يَغْتَرِفُ هذا دَلِيلٌ على أنَّ الإلِهَ لَهُ ... فِي الْخَلْقِ سِرٌ خَفِيٌ لَيْسَ يَنْكَشِفُ إذاً هؤلاء العباد الرجال الأبرار الذين يذكرون الله في بيوته رجال {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (¬2) لا تلهيهم تجارة ولا بيع يتاجرون ويبايعون، لكن ذلك لا يشغلهم عن طاعة الحي القيوم. ¬

_ (¬1)) ) سورة الروم: 40 (¬2)) ) سورة النور: 37

عباد الله: وإذا كانت لنا تجارات وبيوع في هذه الحياة -كما قلت- نتعرض لنفحات رب الأرض والسماوات، لتحصيل هذا الرزق الذي أحله الله، هذا ينبغي أن يكون في قلبنا عند تحصيلنا قناعة، ولا داعي بعد ذلك للجشع، ولا لطمع، ولا للحرص، كم سيأتينا تفصيل هذا في الموعظة الآتية، فالقناعة الحقيقةً هي غنىً في هذه الحياة، وهي زخرٌ لك بعد الممات، والقناعة أن ترضى بما يكفيك، وأن لا تكثر من أمانيك، ما جاءك وما فيه كفاية فاحمد الله عليه، وهذا غنىً ليس بعده فقر، ثبت في مسند الإمام أحمد، والصحيحين، والحديث رواه الإمام الترمذي وابن ماجه، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وروي عن أنس، وأبي ذر -رضي الله عنهم أجمعين- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ليس الغنى عن كثر العرب إنما الغنى عنى النفس] ليس الغنى عن كثر العرب، إنما الغنى عنى النفس، فأنت إذا كان في قلبك هذه القناعة، ما جاءك يكفيك، وبعد ذلك تتفرغ لطاعة الله جل وعلا، ولا يلهيك البيع ولا التجارة عن طاعة الله جل وعلا، ورحمة الله على شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عندما ينشد، ويردد هذا كثيراً فيقول: رأيتُ القناعة ثَوبَ الغَنَى ... فَصِرْتُ بِأَذْيَالِها أَنْتَسِكُ فَأَلْبَسَنِي جَاهُهَا حُلَّةً ... يَمُرُ الزَّمَانَ وَلَنْ تُنْتَهَكُ فَصِرْتُ غَنِيَاً بِلا دِرْهَمٍ ... أَمُرُّ عَزِيزَاً كَأَنَّنِي مَلِكُ هذا حال عباد الله {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} (¬1) يكدحون في هذه الحياة، وما جاءهم رضوا به، ثم بعد ذلك تفرغوا لطاعة الله جل وعلا. أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء، أن يربينا بما قسم لنا، وأن يجعل غنانا في نفوسنا، ونسأله أن يجعل نعمته عوناً لنا على طاعته، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول وأستغفر الله. ¬

_ (¬1)) ) سورة النور: 37

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده الله ورسوله، خير خلق الله أجمعين. اللهم صلي على نبينا محمدٍ، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمّن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. عباد الله: إذا جمع الإنسان المال، وأحرزه من طريقٍ حلال، ينبغي ألا يتعلق به، وألا يحبه، كما سيأتينا، وألا يبخل به، وألا يمنع الواجب فيه، وينبغي ألا يحرص عليه، وألا يتعلق به، وألا يشغله عن طاعة الله، وينبغي أن يقنع بما قسمه الله له. هذه أمورٌ خمسةٌ، نتدارسها في الموعظة الآتية إن شاء الله، والقناعة راحة الإنسان في هذه الحياة، وسعادة له بعد الممات. وقد أخبرنا خير البريات عليه الصلاة والسلام أن من هداه الله للإسلام، وجعل في قلبه في هذه الحياة فهنيئاً له هنيئاً له، ثبت في مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم، والحديث رواه ابن ماجه، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [قد أفلح من أسلم ورُزِق كفافا وقَنَّعَهُ الله بما آتاه] ، قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه، والكفاف هو: ما كف على السؤال، وكان بمقدار الكفاية، فإذا هديت للإسلام، ورزقت رزقاً حلالا يكفك عن السؤال، وعن الاحتياج إلى الإمام ووجدت في قلبك القناعة، فهنيئاً لك يا عبد الرحمن. [قد افلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه] والحديث رواه الإمام أحمد أيضاً، والترمذي، والإمام النسائي، والحاكم في المستدرك، وابن حبان في صحيحه، عن نبينا عليه الصلاة والسلام بلفظ [طوبى] عن فضالة بن عبيد الله رضي الله عنه، عن نبينا عليه الصلاة والسلام بلفظ [طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافاً وقنع] ، طوبى لمن أسلم وكان عشه كفافاً وقنع، فهذه الأمور هي راحة لك في هذه الحياة وسعادةٌ بعد الممات.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادنا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، بفضلك ورحمتك يا أرحم الرحمين، اللهم صلي على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا، وآثرنا، ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارضَ عنا، اللهم صلي على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم إنا نعوذ بك من نفسٍ لا تشبع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن علمٍ لا ينفع، ومن دعاءٍ لا يسمع، اللهم صلي على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا يا أرحم الراحمين، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وارحمهم كما رَبَّوْنا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا، ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ} (¬1) ¬

_ (¬1)) ) سورة الإخلاص: 1 – 4

خطب وبحوث

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله الذي أكمل لنا الدين. وأتم علينا بذلك النعمة، وجعل أمتنا بفضله ورحمته خير أمة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من توحد بجلال ملكوته، وتفرد بجمال جبروته، أتقن ما صنع وأحكمه، وأحصى كل شيء وعلمه، وخلق الإنسان وعلمه، ورفع قدر العلم وعظمه، ومنعة من أسترذله وحرمة، وخص به من خلقه من كرمه، فسبحانه من إله أذهل العقول عن الوصول إلى كنه ذاته الأبدية. وأدهش الخواطر عن الإحاطة بجليل صفاته السرمدية.

وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، خاتم الأنبياء وسيد الأصفياء، وصفوة الأولياء، وإمام العلماء، وأكرم من مشى تحت أديم السماء، صل اللهم وسلم وبارك عليه في كل ساعة ولحظة وحين على دوام الأبد ما لا يدخل تحت الحصر والعدد ولا ينقطع عنه المدد، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، والصحابة الكرام الميامين، والتابعين لهم بأحسن إلى يوم الدين، صلاتا وسلاما تامين لا يعتريها انصرام، دائمين بإحسان على ممر الدهور والأيام. وبعد فإن الله سبحانه وتعالى بعث نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بجوامع الكلم وحواصر الفهم ـ واتاه ـ دون خلقه كنوز الحكم ففي الصحيحين عن أبى هريرة - رضي الله عنه - بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ((بعثت بجوامع الكلم)) فأبان الله به الحق للأمة، وكشف عنها ستر الغمة، وصانها من الزلة، ووقاها من النقمة، وحض عبادة المؤمنين سبحانه وتعالى على النفير للنفقة والتبصر في الدين فقال جل من قائل ((فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)) (¬1) ووجههم إلى إنذار بريته، كما ندب إلى ذلك أهل رسالته، ومنحهم ميراث أهل نبوته، ورضيهم للقيام بحجته، ولنيابة عنه في الإخبار بشريعته واختصهم من عبادة بخشيته فقال تبارك وتعالى ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء)) (¬2) ثم أمر جميع الخلق بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم وجعل علامة زيغهم وضلالهم ذهاب علمائهم وتنصيبهم الرؤوس عليهم من جهالهم فقال عليه الصلاة والسلام ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) (¬3) . ¬

_ (¬1) - التوبة: 122 (¬2) - فاطر: 28 (¬3) - في الصحيحين وغيرهما منة حديث عبد الله عمرو بن العاص

صدقت والله يا رسول الله، إن العصر الذي نعيشه قد نصب فيه الجهال رؤوسا، والعلماء المضلون إلا من رحم الله مفتونا، بعد أن قبض مخلصوا العلماء منا، ولم يبق إلا من إذا سألناهم بجوابهم أضلونا واغوونا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وهو حسبنا ونعم الوكيل. نسأل الله العلى القدير أن يلهمنا طريق الرشد ويبعد عنا كل فاجر وأن يكلألنا من فتن الغدايا والعشايا والهواجر وان يصلح حالنا، وأن يخلصنا له وممن قيل فيهم: إن لله عباد فطنا ... طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا ج نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحى وطنا جعلوها لجة وأتحذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا وأنا سائل أخا ألا ينسى في صالح دعوته في خلواته أن يدعوا لي ولوالدي ومشايخي وسائر المسلمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وبالله التوفيق والمستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. 13 ربع الأول 1413 10 أيلول 1992 أنس بن حامد العبد لله تعريف بهذا الكتاب لقد منا الله على بان وفقني لنيل شرف كتابه هذا الكتاب لفضيلة شيخنا المبارك أبى حمزة عبد الرحيم بن احمد الطحان. حفظة الله وأطال في طاعته بقاءه، وأناله في الحق مبتغاة، ورجاءه، أسائل ربى تبارك وتعالى أن يمهلني إلى إنهاء هذا الكتاب المبارك ليكون ذخرا للآخرة ((يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ)) (¬1)) ) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) (¬2) وأسأله تعالى أن يجعله من صالحات باقيات الأعمال وخالصات الآثار. وخالدات الحسنات إلى آخر الأعمار فإنه إذا أراد بعبد خيرا حسن عمله في الناس وأهله لخيرات هي بمنزلة العين من الرأس. وأساله سبحانه الرشاد والسداد فيما أنقل وفيما اكتب، وبالله أستعين هذا....ولقد اتبعت الخطوات التالية في إعداد هذا الكتاب. ¬

_ (¬1) - الشعراء (88) (¬2) - الشعراء (89)

اعتمدت في كتابة متن الكتاب على السماع من شيخنا وذلك بطريقتين، الأولى عن طريق أشرطة الكاسيت: التي تم تسجيل محاضرات شيخنا فيها والمتعلقة بتلك الموضوعات. والثانية: عن طريق سماعي مشافهة لتلك المحاضرات وبذلك تم تدقيق المتن ? قمت بتخريج الآيات القرآنية. وجعلتها ضمن أقواس مزدوجة هكذا ((.....)) وقمت بمراجعة تخريج الأحاديث النبوية التي خرجها شيخنا والآثار وإن كان هناك بعض إضافة ذكرتها وقمت بتخريج الأحاديث والآثار التي لم يذكر شيخنا لها تخريجا من مصادرها من الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم ونسبتها إليها وعنيت بضبط النص بشكل كامل بقدر المستطاع. وإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بنسبته إليهما أو إليه في الغالب لأن في ذلك الكفاية. وكذا الأحاديث التي خرجها شيخنا إذا كان قد نسب الحديث إلى احد الصحيحين أو لكليهما اكتفيت بذلك غالبا وجعلت الحديث في ذلك كله ضمن أقواس مفردة هكذا] ..... [والحديث الذي خرجته صدرته بكلمة. قلت. لئلا يختلط مع تخريج شيخنا ولئلا ينسب له إن كان فيه خطأ. ? هناك بعض الألفاظ والكلمات قالها شيخنا باللغة العامية أو غير العربية أحيانا تسهيلا لفهمها ولاشتهارها بين الناس بذلك اللفظ، وضعتها ضمن قوسين مزدوجين صغيرين هكذا "...." ? قمت بوضع بعض التعليقات والشروح لبعض الجمل التي قالها شيخنا والتي ربما يكون فيها بعض الغموض على قارئها وبينت مقصود شيخنا منها قمت بتقوية بعض الآراء التي ذكرها شيخنا من المسائل المهمة وذكرت على بعضها الأدلة المقررة لتلك المسألة ولحكمها ? قسمت الكتاب إلى أبواب وفصول ومباحث ومطالب لتسهيل مراجعة الموضوعات وضعتها ? هناك بعض الأحاديث والآيات ذكرها شيخنا ولم يشر إلى أنها حديث أو آية وضعتها بين الأقواس وخرجت ذلك الحديث وتلك الآية في الهامش

هناك بعض النقاط التي ذكرها شيخنا والتي تندرج تحتها نقط اصغر منها وفروع لها متعددة قمت بوضع أرقام لها فالنقطة الكبرى أطلقت عليها أولا والتي تحتها أعطيتها أرقام مثل: 3,2,1 التي تتفرع عن هذه الأرقام رمزت لها بـ أ , ب ? قمت بوضع فهرس الفبائي للأحاديث النبوية والآثار وفهرس آخر للموضوعات تسهل على قارئه الإطلاع على محتويات الكتاب واهم أبوابه وفصوله ومباحثه ومطالبه..... وبعد ... فأرجو من الله - عز وجل - أن يوفق الجميع لأحسن الانتفاع بما في هذا الكتاب وان يستفيدوا منه في الخير والرشد ويسلكوا سبيل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأفوم إلى الله على نور في كل الأمور وقد يكون هناك شيء من الخطأ في هذا العمل الذي لا يخلوا منه إنسان كائن من كان إلا من عصم الله فالمرجوا من الله أن يغفر لنا ويعفوا عنا ويلهمنا رشدنا إنه سميع قريب مجيب للدعوات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وأجمعين. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - } اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن { الباب الأول التقوى تمهيد المبحث الأول: في بيان معنى التقوى المبحث الثاني: في بيان الأمور التي تحصل بها تقوى الإنسان لربه جل وعلا المبحث الثالث: ما الطريق الذي يوصلنا إلى التقوى المبحث الرابع: منزلة التقوى المبحث الخامس: ما هي علامة قبول التقوى؟ وما هو البرهان على صدق صاحبها؟ بسم الله الرحمن الرحيم تمهيد الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعن ممن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتننا انك أنت العليم الحكيم اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا بفضلك ورحمتك يا ارحم الراحمين.

إخوتي الكرام أخرج الإمام الترمذي في سننه والإمام احمد في مسنده والإمام الحاكم في مستدركه رحمهم الله جميعا بسند صحيح عن أبى ذر جندب ابن جناده وأبى عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكل منهما أعنى لأبى ذر ولمعاذ بن جبل رضي الله عنهما] اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن (¬1) [حديث جليل من جوامع الكلم التي من الله بها على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام انه قال] أوتيت جوامع الكلم] (¬2) وفى غير الصحيحين] أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام اختصارا [ (¬3) . ¬

_ (¬1) - قلت: اخرج الحديث أيضا البزار والبيهقي والطبراني وبن عبد البر وغيرهما قال السيوطي في الجامع الصغير: رواه بن عساكر عن انس (دليل الفالحين 1/ 228) ورواه الدارمى. (¬2) - قلت: الحديث رواه أبو هريرة - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال] نصرت بالرعب على العدو وأوتيت جوامع الكلم وبينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي. قال أبو هريرة: وقد ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانتم تنتثلونها [متفق عليه وقوله: تنتثلونها: قال النووي: يعنى تستخرجون ما فيها يعنى خزائن الأرض وما فتح على المسلمين من الدنيا (شرح النووي لمسلم 5/5) (¬3) - قلت: هذا الحديث عن عمر - رضي الله عنهم - عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر] يا أيها الناس إني قد أعطيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي الكلام اختصارا ولقد أتيتكم بها ـ اى الشريعة ـ بيضاء نقيه [الحديث رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده وابن أبى حاتم وفى لفظ للطبراني: (أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارا) عن ابن عباس رضي الله عنهما

والكلام الجامع هو ما قل لفظه وكثر معناه. وهذا الحديث كذلك فهذا الحديث جمع جميع أنواع المعاملة فلا تخرج معاملة للإنسان مع غيره عن هذا الحديث فمعاملة الإنسان لغيره تنقسم إلى قسمين اثنين لا ثالث لهما إما معاملة مع الخالق جل وعلا وقد أشار إلى معاملة الإنسان مع خالقه وربه جل وعلا جملتان في هذا] اتق الله حيثما كنت [وإذا قدر أنك وقعت في شيء من التفريط والخطأ في حق الله جل وعلا] فأتبع السيئة الحسنة تمحها [تب إلى ربك جل وعلا فهو الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، هذا فيما يتعلق معاملة الإنسان مع خالقه. وأما معاملة المخلوق مع مخلوق آخر وخالق الناس بخلق حسن أن تكف عنهم الأذى وأن تبذل لهم الندى أي المعروف والإحسان ولذلك معاملة الإنسان لغيره لا تخرج عن هذين القسمين: معاملة المخلوق مع الخالق فيجب عليه أن يعظمه وان يتقيه بفعل ما أمر الله وترك ما عنه نهى الله وإذا وقع المخلوق في خطأ مع خالقه فعليه أن يصحح الطريق وأن يرجع إلى الله جل وعلى] وأتبع السيئة الحسنة تمحها [ومعاملة المخلوق مع المخلوق تكون عن طريق الشفقة والإحسان على هذا المخلوق واليه] وخالق الناس بخلق حسن [. إخوتي الكرام: والحديث ـ كما قلت ـ أشار إلى معاملة هذين الصنفين. هذين القسمين معاملة المخلوق لخالقه ومعاملة المخلوق لمخلوق مثله. ولذلك كان هذا الحديث من جوامع الكلم التي اختص بها نبينا - صلى الله عليه وسلم - وفضله ربنا بذلك على أنبياء الله ورسله على نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه.

وقد يقول قائل أن معاملة الإنسان لغيره من بنى جنسه بالمعروف تدخل في تقوى الله جل وعلا فلا يبلغ الإنسان حقيقة التقوى حتى يقوم بفعل المأمور وترك المحظور ومن ذلك معاملة الإنسان لغيره فلم أفرد نبينا - صلى الله عليه وسلم - معاملة المخلوق المخلوق في قسم مستقل وجملة مستقلة؟ لِمَ لمْ يقتصر على قوله:] اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها [ويدخل في التقوى كما قلت في معاملة الإنسان لغيرة عن طريق تحكيم شرع ربه جل وعلا في تلك المعاملة فلا تحقق التقوى إلا بذلك إنما افرد نبينا - صلى الله عليه وسلم - معاملة المخلوق عن التقوى مع أنها فرد من أفرادها وتدخل في ضمنها تتضمن معاملة المخلوق بالتي هي أحسن افردها لئلا يظن ظان أن تقوى الله - عز وجل - مجرد صلة بين الإنسان وبين ربه جل وعلا ليبتعد بنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن المفاهيم التي ضل بها الأمم السابقة كما هو الحال عند النصارى وغيرهم عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة فالله - عز وجل - عندهم لا يعرف إلا في المسجد والتدين عندهم صله بين الإنسان وبين ربه ولا دخل للشريعة في شئون الحياة لئلا يقع الناس في المحظور بين نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن أمر الإنسان لا يتم ولا يقبل الإنسان عند الله جل وعلا إلا إذا اتقى ربه ومن ضمن ذلك معاملة الإنسان لغيره على حسب شرع ربه ولذلك قال: [وخالق الناس بخلق حسن] وقد أشار ربنا جل وعلا إلى أن من ضمن التقوى ويدخل في مفهومها معاملة الإنسان لغيره بالتي هي أحسن أن يخالقهم بالحسنى يقول جل وعلا ((وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ- من هم المتقون؟ - الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء (¬1) وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ (¬2) ¬

_ (¬1) - وهذا هو بذل الندى والمعروف والإحسان إلى الغير (¬2) - وهذا هو كف الأذى ومخالقة الناس بالتي هي أحسن. تقوم على هذين الركنين أن تكف عنهم (بياض) وان تتحمل منهم الأذى وان تحسن إليهم

وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ (¬1) جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) (¬2) . ¬

_ (¬1) - اى المتقون الذين نعتهم (بياض) لعباد الله ويخالقونهم بالتي هي أحسن (بياض) الذين نعتهم أنهم يتقون الله جل وعلا واخطأوا في حقه تابوا إليه (¬2) - آل عمران:133/136

فمخالفة الناس بالحسنى هي من مفهوم التقوى ومما يدخل في عداد التقوى زاد النبي - صلى الله عليه وسلم - الجملة الثالثة أن عبادة الله لا تتم إلا إذا اتقيناه فيما بيننا وبينه واتقيناه فيما بيننا وبين خلقه جل وعلا فحكمنا شريعته جل وعلا في جميع شئون الحياة وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يركز على هذا المعنى في كثير من الأحاديث وبين أن مخالقة الناس بالتي هي أحسن ضرورية لينجوا الإنسان في الآخرة وكما قلت هذا مما يدخل في التقوى ثبت في سنن الترمذي وبن ماجه ومسند الإمام احمد وصحيح ابن حبان رحمهم الله جميعا بسند صحيح عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال عليه الصلاة والسلام [تقوى الله وحسن الخلق] وحسن الخلق هو من تقوى الله وهو من أعظم أفراده ولا يحصل للإنسان صفة التقوى إلا إذا فعل ما أمره الله وترك ما نهاه عنه فإذا كان حسن الخلق هذا مما أمرت به لكن كثيرا من الناس يظن إذا حسن صلته بينه وبين ربه قام الليل وصام النهار وآذى الجار سيدخل الجنة هيهات هيهات كما ثبت في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام [والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا من يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الذي لا يأمن جاره بوائقه [أي شروره وبلاياه واعتدائه لا يأمن شره هذا ليس عند الله من عداد المؤمنين فكيف إذا سيحصل فيه صفة التقوى إذا آذى عباد الله ولم يحسن صلته بهم على حسب ما شرع الله جل وعلا؟ أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق فقيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - وما أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال] الأجوفان الفم والفرج (¬1) [وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - ينبه على هذا المعنى أيضا في أحاديثه ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث تكملة لحديث أبى هريرة - رضي الله عنهم - المتقدم والذي خرجه البيهقى والبغوى والمنذرى وغيرهم إضافة لما ذكره شيخنا

الكثيرة ففي سنن الترمذي وغيره بسند حسن من حديث أبى حاتم المزني - رضي الله عنه - والحديث روي عن أبى هريرة وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال] إذا جاءكم- وفى رواية ولفظ -إذا أتاكم ـ من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان فيه؟ (¬1) قال:- إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنه في الأرض وفساد كبير [أعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الجملة ثلاث مرات. الشاهد: دينه وخلقه ومتى انفصل الخلق عن الدين؟ هو من الدين. وهو كما قلنا من أجزاء الدين وهو بعض من أبعاض التقوى ولا يكمل دين الإنسان ولا تحصل التقوى فيه إلا إذا قام بذلك الجزء وحسن المعاملة وصلته مع عباد الله. إذن لم أفرد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر؟ كما قلت: ليبين لنا أن التقوى وان دين الله لا يتم في حقنا إلا إذا حسنا صلتنا بيننا وبين خالقنا وحسنا صلتنا بيننا وبين المخلوقين [اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنه تمحها] . هذا خاص فيما بينك وبين ربك ثم تأتي بعد ذلك ما بينك وبين العباد [وخالق الناس بخلق حسن] . إخوتي الكرام فلنأخذ الجملة الأولى من هذا الحديث ولنبدأ بمدارستها نسأل الله جل وعلا أن يفتح علينا وان يعلمنا وان ينفعنا بما من به علينا انه ارحم الراحمين وأكرم الاكرمين. قوله صلى الله عليه وسلم [اتق الله حيثما كنت] المبحث الأول: في بيان معنى التقوى. التقوى مأخوذة من الوقاية وهى أن تجعل وقاية وحاجزا وسدا وحصنا وحائلا ومانعا بينك وبين ما يؤذيك وما تكرهه وما يضرك، ما يضرك تجعل بينك وبينه حاجزا هذا يقال له وقاية. ¬

_ (¬1) - أي فيه شيء مما لا يرغبه أهل الدنيا من فقرا ودمامة أو غير ذلك من الاعتبارات التي يتعلق بها أهل الأرض

والتقوى: أن يقي الإنسان نفسه من سخط الله وغضبه عن طريقين اثنين: بفعل ما أمر وترك ما عنه نهى وزجر سبحانه وتعالى إذن إذا اتقى الإنسان غضب الله وحذر من سخطه وفر من لعنته بواسطة فعل أوامره واجتناب نواهيه فهو متقى لله جل وعلا إذن اصل التقوى من الوقاية يقال، اتق المكروه ودفع المكروه عنه قال النابغة الذبياني في وصف امرأة من العرب ليت المسلمين في الجاهلية يتخلقون بهذا الخلق الجليل الذي كانت تقوم به أمراه في الجاهلية يقول: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه (¬1) ... فتناولته واتقتنا باليد معنى اتقتنا: يعنى من التقوى اتقتنا أي جعلت بين نظرنا ووجهها وقاية وهو اليد وهذا حقيقة ما أدركت عليه النساء في المزارع وفى القرى في بلاد الشام فعندما كان الإنسان في طهارة وعندما كانت الانسانيه في طهارة وإسلام وإحصان يمر الإنسان بالمزرعة فبمجرد ما ترى إنسانا تضع يدها على وجهها هذه هي التقوى. ¬

_ (¬1) - إنما لعب (بياض) بالخمار على رأسها فطار

قال عمر بن الخطاب لأبى بن كعب - رضي الله عنهم - أجمعين يا أبى يا أبا المنذر ما معنى التقوى؟ وأبى سيد القراء كما ثبت في المسند وسنن الترمذي بسند صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام انه قال [أقرؤكم أبى] أبى بن كعب هو اقرأ هذه ألامه لكلام الله - عز وجل - وقد ثبت في صحيح البخاري عن نبينا انه قال لأبى بن كعب [يا أبا المنذر أي آية في كتاب الله أعظم؟ فقلت- بعد أن فكر- آية الكرسي فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدري وقال ليهنك العلم أبا المنذر] أي هنيئا لك بالعلم وبهذا التوفيق ومنة الله عليك أنك اهتديت إلى المطلوب أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي. فعمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - قال لسيد القراء أبى ابن كعب ما حقيقة التقوى؟ وما معنى التقوى التي أكثر الله من ذكرها في كتابه؟ فقال أبى يا أمير المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين أما سلكت طريقا ذا شوك قال بلى قال فماذا كنت تفعل قال كنت أشمر ثيابي وأحترز قال هذه هي التقوى نشمر في طاعة الله وأحترز من معاصي الله شمر وجد في طاعة الله واحترز من سخط الله احترز وابتعد هذه هي التقوى قال الإمام ابن كثير في تفسيره عليه رحمة الله وقد اخذ ابن معتز هذا المعنى من أبى ابن كعب فنظمه في أبيات من الشعر فقال- ونعم ما قال: خلى الذنوب صغيرها ... وكبيرها ذاك التقى وصنع كماش فوق ... ارض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن ... الجبال من الحصى

إخوتى الكرام: والتقوى تضاف إلى الله جل وعلا وقد أضافها إليه وامرنا أن نتقيه في آيات كثيرة في كتابه فقال جل وعلا ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم)) (¬1) ((اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)) (¬2) في آيات كثيرة وإذا أضيفت التقوى إلى الله فالمراد منها ومعناها أن نتقى غضبه وسخطه وأن نحذره جل وعلا فلا نترك ما أمرنا به ولا نرتكب ما نهانا عنه وأحيانا تضاف التقوى إلى سبب سخط الله ولعنته وغضبه أو إلى الزمان الذي يحصل فيه ذلك وبكل من الأمرين ورد الأمر في كتاب الله جل وعلا قال الله جل وعلا ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)) (¬3) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ)) (¬4) وفى ذلك اليوم يظهر السخط والمقت واللعنة والغضب على من عصى الله بفعل ما نهاه أو ترك ما أمره به فأضيفت التقوى إلى الزمان الذي يظهر فيه سخط الله على أتم وجه وأكمله في ذلك اليوم على العصاه ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ)) وأضفيت إلى المكان الذي تحصل فيه لعنة الله وسخطه وغضبه ومقته وهو نار جهنم ((فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)) (¬5) وقد أضيفت التقوى في كتاب الله إلى هذه الأمور الثلاثة: 1. إلى الله ((اتقوا الله)) (¬6) . 2. إلى مكان سخط الله ولعنته فهي غضبه وعذابه النار يعذب بها من شاء من عباده الفجار ((فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)) . 3. إلى اليوم الزمن الذي ظهر فيه ذلك السخط ((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) . ¬

_ (¬1) - النساء: 1 (¬2) - الأحزاب: 70 (¬3) - البقرة: 281 (¬4) - لقمان: 33 (¬5) - البقرة: 24 (¬6) - البقرة: 189

هذا فيما يتعلق بمعنى التقوى وبإضافتها إلى الله جل وعلا والى الزمن الذي يحصل فيه سخط الله والمكان الذي يتجلى فيه غضب الله. المبحث الثاني في بيان الأمور التي تحصل بها تقوى الإنسان لربه جل وعلا إخوتي الكرام: للتقوى أركان أساسية ومتممات تحسينية، فإذا ذهب شيء من الأركان الأساسية خرج الإنسان عن حيز التقوى وسيناله الخوف والفزع والله جل وعلا يتخلى عنه ويكله إلى نفسة وأما الأمور التحسينية إذا وجدت في الإنسان واتصف بها ترفعه درجات عالية. وإذا فرط فقد تعرض لشيء من الخطر لكن إذا لم يتجاوزها فلا زال ضمن عباد الله المتقين.

أما الأركان الأساسية فلا تحصل التقوى في الإنسان إلا بنوعين اثنين: فعل ما أمر الله به أمر إيجاب. وترك ما نهاه الله عنه نهى تحريم إذن يفعل ما أوجبه الله عليه ويترك ما حرمه عليه. هذا من أركان التقوى الأساسية بحيث إذا فرط في شيء من ذلك لا ينال وصف المتقين ولا يدخل في عداد المتقين. ثبت في مسند الإمام احمد وصحيح مسلم عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[قال اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه اهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم] الظلم: هذا من الكبائر والشح هذا من الكبائر إذا كان البخل من الكبائر فكيف بالشح؟ والشح هو زيادة بخل وقيل: الشحيح هو الذي يبخل بمال غيره. والبخيل هو الذي بمال نفسه. يعنى هذا لا يجود ولا يؤدى ما علية ولا يريد أحدا أيضا أن يحسن إلى فقير. سبحان الله إلى هذا الحد: هو ما دفع ما عليه. هذا بخل وإذا رأى أن إنسانا دفع ما أوجبه الله عليه وساعد به محتاجا يغضب ويضيق صدره. فهذا شح فإذن أعظم من البخل. فإذا كان الأمر كذلك لا يريد أن يرى إحسانا على وجه الأرض. اتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم إما هو أعظم البخل وإما هو كما قلنا _ بخيل يبخل بمال نفسه وشحيح يبخل بمال غيره فالشح من الكبائر، والظلم من الكبائر فمن وقع في شيء من ذلك خرج عن وصف التقوى.

وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه الكثيرة إلى وجوب ترك ما حرمه الله علينا لننال وصف المتقين فمن فعل شيئا من ذلك خرج عن عداد المتقين وفي مسند الإمام احمد وسنن الترمذي وابن ماجه (¬1) عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:] من يأخذ عنى هذه الكلمات فيعمل بها أو يعلم من يعمل بها؟ فقال أبى هريرة - رضي الله عنه - أنا يا رسول الله - رضي الله عنه -[وهو حقيقة أحرص الصحابه على العلم بشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري قال: قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال [لقد ظننت ألا يسألني هذا السؤال أحد غيرك لما رأيت من حرصك يا أبى هريرة أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا اله إلا الله صدقا من قلبه – وفى رواية: خالصا من قلبه] هذا أبو هريرة - رضي الله عنه - فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما عرض هذا الأمر. من يأخذ هذه الكلمات فيعمل بها أو يعلم من يعمل بها. فقال أنا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام هو الذي جند نفسة لتلقى العلم ونشره - رضي الله عنه - وعن سائر الصحابه الكرام. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -[اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب الناس ما تحب لنفسك تكن مسلما وإياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب] صدق نبينا - صلى الله عليه وسلم - الشاهد في الجملة الأولى اتق المحارم تكن أعبد الناس ما حرمه الله عليك ابتعد عنه ولذلك كان عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - يقول ليس التقى بمن يقوم الليل ويصوم النهار ثم يخلط فيما بين ذلك ـ أي يعتدي ويطلق نظره وسمعه ولسانه وأحيانا يده إلى ما حرم الله. ¬

_ (¬1) - والحديث قال عنه الترمذي غريب لكن له شواهد كثيرة ترفعه إلى درجة الحسن كما نص على ذلك أئمة الحديث

هذا ليس بمتقى إنما المتقى من يؤدى الفرائض ويجتنب المحارم فإن فعل بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير أي من أمور التطوع أما هذه فلابد منها لينال وصف المتقين. وقالت أمنا عائشة رضي الله عنها من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن الذنوب. دائب مجتهد لكنه لا يحترس من المحارم. ماذا نفعه جده واجتهاده. وكل صلاة لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر لا تزيد صاحبها من الله إلا بعدا من سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف عن الذنوب وهنا: اتق المحارم تكن أعبد الناس. فهذا من خصال التقوى الأساسية ومن أركانها الأساسية لا بد من فعل الواجبات وترك المحرمات لينال الإنسان وصف التقوى وليكون من المتقين لله رب العالمين.

وهذا الأمر الذي وضحه نبينا - صلى الله عليه وسلم - في هذين الحديثين أشارت إليه آيات القرآن الكثيرة ففي مطلع القرآن وأول سورة فيه بعد الفاتحة وهى سورة البقرة وأول ما نزل في المدينة المنورة يقول ربنا جل وعلا في بداية السورة [ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ] (¬1) ثم ذكر نعوت المتقين وبأي شيء يحصل ذلك الوصف فيهم وكما قلنا لا بد من القيام بما أوجبه الله وترك ما نهانا عنه نهي تحريم ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ُينفِقُونَ. والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (¬2) وقال ربنا جل وعلا في سورة البقرة بعد آيات منها ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (¬3) إذا أردتم أن تكونوا من المتقين فلا بد من عبادة رب العالمين ولما اخبرنا في وسط السورة أنه شرع ما شرع لنا من الأحكام والحدود. ¬

_ (¬1) - البقرة: 2 (¬2) - البقرة:3/5 (¬3) - البقرة: 21

أخبرنا انه فعل ذلك لنقوم لهذه الأمور التي شرعها لننال وصف التقوى فإذا فرطنا في ذلك فلسنا من المتقين بقول الله جلا وعلا ((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (¬1) فإذا فرطتم في هذا وأهملتم حدود الله وما نفذتم ما شرعة الله خرجتم عن المتقين وهكذا بعد آيات تعرض الله جل وعلا لفرضية الصيام فأخبرنا انه شرع لنا هذه الفريضة ليحصل فينا وصف التقوى فمن تركها فليس من المتقين ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (¬2) وهكذا في سائر سور القرآن يخبرنا الله جل وعلا في سورة الأنعام مثلا انه انزل علينا هذا القرآن وامرنا بالالتزام بالإسلام ليحصل فينا وصف التقوى لربنا الرحمن ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (¬3) فالإنتماء إلى غير الإسلام من وطنية أو قوميه أو حزبية مهما كان شأنها خروج عن التقوى ومن دعيا إلى ذلك فهو من دعاة الجاهلية كما قال خير البرية - صلى الله عليه وسلم - ووضح أن من دعيا لغير الإسلام فهو من دعاة الجاهلية [انك امرئ فيك جاهلية] عندما عير أبو ذر بلالاً - رضي الله عنه - أجمعين بأمه [أعيرته بأمه؟ انك امرئ فيك جاهلية] (¬4) فإذن (بياض) ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ)) بدعوى الجاهلية مهما كان شأنها وطنية قومية أحزاب ردية وجدت في هذه الأوقات من دعي إلى شيء منها فهو من دعاة الجاهلية وليس من المتقين وبالتالي ليس من المؤمنين كما سيأتينا لأن الذي يساوي التقوى والإيمان ¬

_ (¬1) - البقرة: 179 (¬2) - البقرة: 183 (¬3) - الأنعام:153 (¬4) - الحديث متفق على صحته وهو من رواية أبى ذر - رضي الله عنه -

كما سيأتينا إيضاح هذا بآيات القرآن وأخبرنا الله جل وعلا انه انزل علينا هذا القرآن ليحصل لنا به وصف التقوى يقول الله جل وعلا ((وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)) (¬1) ليحصل لهم وصف التقوى لريهم جل وعلا إذن هذه أركان أساسية أن يفعل الإنسان ما أمرة الله به أمر إيجاب آو ارتكب ما نهاه الله عنه نهى تحريم وعليه فمن فرط بما أمره الله به أمر إيجاب أو ارتكب ما نهاه الله عنه نهى تحريم فليس هو عند الله من المتقين، لابد من القيام بهذين الأمرين ركنان أساسيان لحصول التقوى في الإنسان فعل الواجب وترك المحرم. ¬

_ (¬1) - (بياض) أي الكامل فيها لصبح من الراسخين فيها

نعم هناك بعد ذلك متممات كما قلنا محسنه تزيد تقوى ورسوخا في صفة التقوى وترفعك درجات عالية عند المولى جل وعلا وهى أن تفعل ما أمرك الله به أمر إيجاب وأمر استحباب وان تترك ما نهاك الله عنه نهى تحريم ونهى كراهية تنزية وان تضيف إلى ذلك ألا تنهمك في المباحان واللذائذ خشية أن تجرك إلى شيء من المفاسد والقبائح فإذن هذه متممات: فعل المستحبات ترك المكروهات. يزيد على هذين في الرتبة: عدم الانهماك في الفضول المباحات لان المباح سترة بينك وبين المكروه سترة بينك وبين الحرام، فمن توسع في المباح وقع في المكروه ومن توسع في المكروه وقع في الحرام. بعد ذلك سلسلة متصل بعضها ببعض. وبعضها يجر بعضاً وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا ففي سنن الترمذي وابن ماجة ومستدرك الحاكم وسنن والبيهقي رحمهم الله جميعا بسند صحيح عن عطية السعدي - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لا يبلغ العبد درجه المتقين ـ أي الراسخين في التقوى المتمكنين منها الذين نالوا أعلاها وأرفعها ـ] حتى يدع مالا بأس به حذرا مما به بأس [هذا كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أي يترك شيئا من المباحات خشية أن تجره إلى المكروهات ثم إلى المحرمات] حتى يدع ملا بأس به خذرا مما به بأس [وقد ثبت في صحيح البخاري في أول كتاب الإيمان في أول باب فيه وهو باب أمور الإيمان معلقا بصفة الجزم عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال] لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يترك ما حاك في الصدر [أي ما تردد في صدرك هل هو حرام أو حلال هل هو حلال أو فيه شائبة بمجرد ما تردد بين الحظر والإباحة تغلب جانب الحظر وتطلب الاحتياط ولا تفعله لأنك لو رتعت فيه لربما كان محرما وأنت لا تدرى.

وهذا الذي نقل عن ابن عمر ثبت معناه مرفوعا عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم لكن لما يكن الحديث على شرط البخاري لم يورده في صحيحة وهو عن النواس بن سمعان عندما قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -] جئت تسأل عن البر ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس وان أفتوك وأفتوك [والحديث روى أيضا في غير صحيح مسلم في المسند والدرامي عن وابصه بن معبد] البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس [ (¬1) وواقع الأمر كذلك فأولا قلبه غير مطمئن تراه يقدم رجلا ويؤخر أخرى ثم يستحى من أن يطلع عليه الناس هذا إثم] والإثم ما حاك في صدرك ما تردد في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس [ولذلك] الإثم حزاز القلوب] (¬2) ¬

_ (¬1) - قلت: نص حديث النواس في مسلم: عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال] البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس. [ونص حديث وابصة: عن وابصة بن معبد - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:] جئت تسأل عن البر؟ قلت نعم قال: استفت قلبك البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب. والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وان أفتاك الناس وأفتوك [قال ابن رجب الحنبلي في ((جامع العلوم والحكم)) صـ237: خرجة ــ أي حديث وابصة ــ الإمام أحمد والدارمي. والبزار. والطبراني. وابن حبان في صحيحة عن أبى أمامة. وقال بن رجب عن رواية ابن حبان: هذا إسناد جيد على شرط مسلم. (¬2) - قلت: هذا الأثر وارد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال] الإثم حزاز القلوب [رواه البغوي وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم صـ 237: وقد صح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال....... الحديث واحتج به أحمد اهـ..وللبيهقي:] الإثم حواز القلوب [ورجح المنذري (بياض) على ابن مسعود (الترغيب 3/37)

أي يحزها ويؤثر فيها ويغيرها بينما البر هذا يطمئن إليه القلب والنفس. الشاهد في صحيح البخاري كلام ابن عمر - رضي الله عنه - لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في صدره. وثبت في كتاب " التقوى " لابن أبى الدنيا ألف كتابا أسمة التقوى عن أبى الدرداء - رضي الله عنه - انه قال: تمام التقوى أن يدع الإنسان شيئا من الحلال خشيه الحرام. هذا التمام والكمال. وكما قلنا هذه محسنات وثبت في سنن الترمذي بسند متصل عن ميمون بن مهران وهو من أئمة التابعين رحمهم الله جميعا قال: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكة من أين مطعمة ومن أين ملبسة؟ فيقف عند هذه الدقائق وبحاسب نفسة لينال كمال التقوى وقال الحسن البصري ما زالت التقوى بأهلها حتى تركوا شيئا من المباح خشية الحرام. إذن المبحث الثاني يتلخص في أركان التقوى وفى الأمور التي تحصل بها التقوى أركان أساسية إذا ضاع شيء منها خرج الإنسان عن وصف التقوى. إن يترك واجبا أو يفعل محرما لا تحصل التقوى إلا بفعل جميع ما أوجبه الله عليك وبترك جميع ما نهاك عنه ثم بعد ذلك إن أردت أن تنال الدرجة العالية في التقوى فضم إلى الواجبات المستحبات وضم إلى ترك المحرمات ترك المكروهات وضم إلى هذين الأمرين عدم التوسع في المباحان خشية أن تجرك إلى الشوائب والمكروهات. المبحث الثالث ما الطريق الذي يوصلنا إلى التقوى؟

إخوتي الكرام: هذا المبحث هو مبحث موجز لكنه مهم. لا يمكن للإنسان أن يتقى ربه إلا إذا عرف الأمور التي يحصل بها تقوى الإنسان للعزيز الغفور. أي إذا عرف الحلال وعرف الحرام وهذا لا يكون إلا عن طريق العلم وعليه فلا يمكن للجاهل أن يتقى ربه والجاهل أن يتقى ربه يبعد عنه وهو لا يدرى، ومن عبد الله علي جهل فما يفسده أكثر مما يصلحه فلذلك لا بد من تعلم العلم النافع لتعرف كيف تتقى ربك جل وعلا، فكم من انسان يأكل الربا وهو لا يدرى الحكم فيه؟ كم؟ والتبايع بالعينة كثير من الناس يقعون فيه وهو يظن انه نوع من المبايعات ولما وقع فيه زيد بن أرقم قالت أمنا عائشة: أخبروه أن حجه وجهاده قد بطلا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب. والبيع بالعينة ما أكثر ما يفعله الناس في هذه الأيام ولربما يخرج من الصلاة ويتبايع بالعينة على باب المسجد، إن لم يجر العقد أيضا داخل المسجد بعد الصلاة، فيرتكب محظورين.

أولا: باع واشترى. لا أربح الله تجارته. ثم باع واشترى بيعا فاسدا خبيثا محرما. البيع بالعينة: أن يبيع هذه السلعة نسيئة ــ أي إلى أجل ــ بثمن معلوم أبيعك هذا الكتاب بمائة درهم إلى شهر ثم اشتريه منك نقدا حالا بثمن معلوم. أبيعك هذا الكتاب بمائة درهم إلى شهر ثم اشتريه منك حالا بثمن أقل فعاد الكتاب إلى وسآخذ فرق الثمن. أنا بعتك إياه بمائه إلى شهر واشتريته منك بخمسين نقدا إذن الكتاب عاد لي أو ليس كذلك؟ وأعطيتك خمسين وأنت ماذا سترد لي بعد شهر مائه هذه هي العينة هذه ليست ربا واضحة. هذه ربا بعد لف دوران مثل ما يفعل ألان الشركات الإسلامية. يأتي هذا المسكين يريد أن يشترى سيارة طيب إما باعدوه وإما تركوه يمشى على رجليه أو يركب حمارا يعنى لازم تسلخون جلدة باسم المعاملات الإسلامية يقولون: أي سيارة تريد من أي نوع؟ اذهب وابحث في المعارض فيذهب ويأتي ويقول حصلت سيارة بثمانين ألفا يقولون تعال نحن نشتريها لك بثمانين لكن بكم سنة ستدفع لنا الفلوس؟ يقول لسنة يقولون: إذن بتسعين ــ القيمة لسنتين إذن بمائة لثلاث سنوات إذن بمائة وعشرة على حسب ما تحدد والسيارة لا زالت في المعرض عند صاحبها. بعد ما يتفق صاحب المؤسسة الإسلامية مع المشترى على السعر يقول اشتريها وأنا ادفع الثمن والبطاقة أو الاستمارة تخرج باسم المشترى لا باسم ـ أيضا ــ الشركة الإسلامية. طيب يا عباد الله هذا بأي شريعة بحق؟ ! يقول هذا بيع وشراء إذا كان الإنسان لا يعرف ما أحل الله وما حرم يقع في الربا وهو لا يدرى. إذا كان لا يعرف ما احل الله وما حرم تخرج النساء. يقول الذي حرم الله هو الزنا. كما يقول الناس في هذا العصر الهابط. يقول الإنسان يصون فرجة. أما ينظر. يجلس يحادث يتكلم كل هذا لا حرج فيه. على تعبيرهم القلب نظيف.

إذن من الذي قلب خبيث خسيس؟ يعنى قلوب الصحابة فقط كانت قلوب فاسدة ونحن قلوبنا طاهرة: تراه يجلس ويفعل كل رذيلة تقول عبد الله اتق الله يقول أنا أصون فرجي وأحفظ عرضي. القلب نظيف. وابنته تخرج تجول ذات اليمين وذات الشمال نقول: يا عبد الله كيف تترك ابنتك وزوجتك ومحارمك تذهب هنا وهناك؟ يقول أنا أعرفها عفيفة تصون فرجها. لو قلنا صانت فرجها وأنت صنت بياض يجوز فعل هذا الأمور التي هي بياض الذي حرم الزنا حرم بياض حرم الخلوة وبياض إبداء المرأة لشيء من زينتها. وقال جل وعلا (( {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)) (¬1) ما قال احفظوا الفروج فقط. إذن عندما حفظ للبصر وحفظ للفرج إذا لم تعرف كيف تتقى الله ستتقيه؟!] النظرة سهم مسموم من سهام إبليس [ (¬2) والنظرة تزرع في القلب شهوة وكفى بها فتنة، يخرج من الصلاة وينظر إلى هذه وتلك. ماذا استفاد من صلاته؟ ما استفاد من صلاته شيئا. ¬

_ (¬1) - 30: النور (¬2) - قلت: هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعنى ربه - عز وجل -] النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه [رواه الطبراني واخرجة الحاكم من حديث حذيفة وقال: صحيح الإسناد. (الترغيب والترهيب 3/34)

آمر آخر: الإنسان عندما لا يعرف الأمور التي ينبغي أن يفعلها والأمور التي ينبغي أن يتركها وأن يقف عند حد الله وعند حدود الله وألا ينتهك محارم الله وقد يخرج من الإسلام وهو لا يدرى. أحينا عن طرق حمية الجاهلية. وأحيانا عن طريق التأويل الخاطىء الذي تعج به الحياة في هذه الأوقات] إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه القاتل فما بال المقتول؟ قال إنه كان حريصا على قتل صاحبة [ (¬1) سرح نظرك في أحوال المسلمين وانظر كيف يمدون أيديهم بغير حساب في الدم الحرام. مع انه يظن انه يصلى وأحيانا يطلق الرصاص وهو بعد ذلك يصلى على إخوانه المؤمنين كيف هذا يقول: أنا أمرت بأن أخرب هذه البلدة وأن أدمرها على من فيها باغي وفيها تقي وفيها صديق وفيها زنديق وفيها امرأة وفيها رجل فيها كبير وفيها صغير كل هذا لا تبالي به؟ يقول: أوامر! أي أوامر؟ أوامر عسكرية طيب أين أوامر رب البرية؟ إذا كان صعلوك من البشر يأمرك فتنفذ أمرة. كيف لا تنفذ أمر الله بأي شرعية تستحل قتل مؤمن وإراقة دم مؤمن بأنك أمرت!! حالنا الان كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث قي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول] يأتي على الناس زمان لا يدرى القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل [تسأل الناس لم قتلتم؟ يقولون ما ندرى. جاءت قنابل مثل المطر قتلتنا لم؟ ما ندرى وتسأل ذلك لم ألقيت القنابل يقول مأمور. مأمور لم؟] لا يحل دم امرىء مسلم يشهد ألا اله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينة المفارق للجماعة [ (¬2) ¬

_ (¬1) - في الصحيحين من حديث أبى رضي الله عنه. (¬2) - قلت: الحديث متفق على صحته من حديث عبد الله - رضي الله عنه - والحديث أخرجه أيضا الأمام احمد في مسندة والترمذي. وابن ماجة. والنسائي وأبو داود..عن عبد الله مسعود رضي الله عنهما

فكيف قتلته؟ إذا لم. إذا لم تعرف كيف ستتقى الله قد تفهم وتفسر التقوى بما خافه وخشيه علينا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ومن أجله ذكر الجملة الثالثة فقال.] وخالق الناس بخلق حسن] تظن أنك إذا صليت اتقيت الله. لا يا عبد الله ثبت في سنن أبى داود بسند صحيح كالشمس عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله ـ وضبط بالعين المهملة: إعتبط بقتله ـ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً] قال يحي الغساني: هذا كما يكون في الفتن بين المسلمين يقتل بعضهم بعضاً ثم لا يتوبون. فكيف سيتقي الله، قتل مؤمنا وهو فرح مسرور بياض عادت ـ على تعبيرهم ـ الطائرات إلى قواعدها سالمة، بعد أن دمرت بلاد المسلمين وقتلت النساء والصبيان. من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله أي قتله اعتباطاً بلا مبرر ولا سبب ولا حق، إنما أمر على زعمه فينفذ الأوامر. لا يقبل الله منه فريضة ولا نافلة.

فإخوتي الكرام: لا بد للإنسان من معرفة ما يتقى به ربه، الآن الفتن التي حصلت بين المسلمين والجماعات والأحزاب. وكل واحد يكيد للآخر باسم الإسلام أيضاً فيصل الأمر في كثير من الأحيان إلى استحلال إراقة الدماء. هذا فضلاً عن العداوة والبغضاء التي دون ذلك هذا مما خشية علينا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ففي مسند أبى يعلى ومسند البزار بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [إن مما أخشى عليكم رجلاً قرأ القرآن حتي إذا رؤيت عليه بهجته ونضارته وكان ردء الإسلام اعتزل إلي ما شاء الله ثم انقلب على جارة ورماه بالشرك وقاتله بالسيف (¬1) قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحق بالشرك الرامي أو المرمي؟ قال: بل الرامي] فإذن لا بد من معرفة خصال التقوى. ¬

_ (¬1) - كما يقع الآن بين من ينتمون إلى الأحزاب يدّعون أنها إسلامية. وقتال فيما بينهم [انقلب على جاره يرميه بالشرك ويقاتله بالسيف] .

إخوتي الكرام: عقد الله بين المؤمنين إخاءً من خرج عنه يوليه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا. فقال: ((اِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) (¬1) وكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو أخوك سواء كان في أمريكا أو بلدتك. أو كان في مجاهيل أفريقيا. وإذا لم تحزن لحزنه ولم تفرح لفرحه فلست عند الله من عداد المؤمنين. فإذا كان الأمر كذلك فكيف إذا نفرق بين المؤمنين. وكيف يستحل بعضنا دم بعض؟ فلا بد إذن من معرفة الأمور التي تحصل بها التقوى. ولا تظنوا كما ـ قلت ـ إن هذه الكلمة يسيره. هي قليلة، لابد لمعرفة التقوى، لا بد لحصول التقوى معرفة ما نتقى به ربنا من العلم الذي فرضه الله علينا أن نتعلمه. ولذلك لا بد من تعلم العلم الذي أمرنا به. جاءني بعض الإخوة الطلاب يقول لي: يا شيخ تكلمت أنت عن تعلم الأنجليزى وما شاكل هذا. وأنا مضطر لتعلمه ما رأيك؟ قلت: لا حرج في تعلم الانجليزى فقال: إذا أخذت دورات في تعلم الانجليزى علىّ حرج؟ قلت لا حرج إن شاء الله تصبح أعلم الناس في اللغة الإنجليزية لا حرج في ذلك. وإذا قصدت خيرا لعلك أن شاء الله تثاب ذلك. جاءني بعد فترة يقول يا شيخ أنا سجلت في دورة يُدَرّس فيها رجل وامرأتان واحدة متهتكة بريطانية ـ في هذه البلدة هنا والأخرى يقول مسلمة؟. يعنى ليست متهتكة. على تعبيره تغطى رأسها وكاشفة. ورجل معنا يدرسنا ـ الأستاذ ـ ثم ذهب وانفرد الآن المرآتان بتدريسنا فماذا اعمل؟ هذا حلال أم حرام؟ قلت يا عبد الله أنت كنت في تعلم إنجليزي وإذ ذهب بعد ذلك لتتلقى دين الإنجليزى!! يعنى يقول تعلم لغتهم لا تتلقى دينهم كيف تأخذ العلم عن هذه المرأة إن كانت على تعبيرك عندها شيء من الاحتشام أو متهتكة تمام التهتك كيف هذا؟ البلاء ـ يقول لي: ـ استفتيت عدداً من الناس في هذه البلدة فقالوا لا حرج هذا في سبيل العلم وتحصيل العلم. ¬

_ (¬1) - الحجرات: 10

قلت: هكذا؟ أفتوك؟ ! قال نعم لا إله إلا الله! يجلس يتلقى العلم من امرأة كاشفة عن صدرها وعن رأسها وعن وجهها، وكل حركة منها تزرع في القلب شهوة. (بياض) من اجل أن يتعلم بعد ذلك شيئا مباحاً يقع في أعظم المحظور. كيف سيتقى ربه من لا يعرف كيف سيتقيه؟ ثم يقول: عندما استفتى قالوا هذا في سبيل العلم؟ في سبيل العلم لا حرج. وأحكى لكم قصة أشنع من هذه بكثير. أخبرني بعض الإخوة. يقول لي كنت في بلاد الشام وكلمت بعض اقاربى في أنه يرسل بناته في دورة في الصيف إلى خارج البلدة التي فيها أهلها باسم الفتوة والشبيبة (..!!) يبقون شهرا هناك طلاب وطالبات ما يفصلون الذكور عن الإناث إلا في الليل فقط. مخيمات هذه للإناث وهذه للذكور والذي يفصل الطلاب عن بعضهم ليس المدربون، المدربون يدخلون إلى اى خيمة أرادوا لان هؤلاء منة غير أولى الأربة. وهؤلاء من الطوافين يطوفون أيمنا أرادوا. لا إله إلا الله!! يقول لي: أكلم بعض أقاربي وعنده بنتان كل واحدة أجمل من القمر. قلت: كيف ترسل ابنتك شهرا إلى ذلك المكان شهرا كاملاً في العراء على شاطىء البحر باسم المدرسة. رحلة مدرسية. نشاط وتوجيه مدرسي شهراً كاملاً!؟ قال له بكل برود ـ كما قال الله جل وعلا: ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ)) (¬1) إذا لم يكن عن الإنسان قلب فاسمع ماذا يقول وبكل لا مبالاة: قال: هذا في سبيل العلم العلم!. في سبيل تعلم العلم يخدش حياء المرأة أن لم يعتدي على عرضها في سبيل تعلم العلم؟ ! فإخوتي الكرام: لا بد من أن نعطى هذا الأمر ما يستحقه من العناية. التقوى لا تحصل إلا بمعرفة الأمور التي تحصل بها تقوى العزيز الغفور. عن طريق العلم النافع الذي فرض الله علينا أن نتعلمه. المبحث الرابع منزلة التقوى ¬

_ (¬1) - ق:37

إخوتي الكرام: التقوى هي وصية الله لجميع خلقه: وهى وصية بنبينا لامته قال الله جلا وعلا ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ)) (¬1) وأخبرنا الله جل وعلا في كتابه في سورة الشعراء أن كل نبي مكان يقول لقومه ((أَلَا تَتَّقُونَ)) فقال جل وعلا في السورة ((كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ} )) (¬2) ((كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ)) (¬3) . ((كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ)) (¬4) ((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ)) (¬5) ((كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ)) (¬6) وفى أول السورة عندما اخبرنا الله جلا وعلا أنه أوحى إلى نبيه ونجيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن يذهب إلى فرعون فقال له ((أَلَا تَتَّقُونَ)) (¬7) قل لهم ألا يتقوني ويوحدوني ويعبدوني ويطيعوني فيمتثلوا أوامري ويجتنبوا ما نهيتهم عنه! إذا كان كل نبي كان يطلب من أمته وقومه تقوى الله جل وعلا وهذا يوضح لنا أن التقوى هي الدعوة التي أرسل بها كل نبي فكل نبي كان يقول لقومه ((يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) (¬8) وعبادة الله جل وعلا تقوم على ركنين: أولهما اكتساب والثاني: اجتناب. الاكتساب ما هو؟ هو فعل المأمور. والاجتناب هو ترك المحظور. ¬

_ (¬1) - النساء: 131 (¬2) - الشعراء: 105، 106 (¬3) - الشعراء: 123، 124 (¬4) - الشعراء: 141، 142 (¬5) - الشعراء: 160، 161 (¬6) - الشعراء: 176، 177 (¬7) - الشعراء: 11 (¬8) - الأعراف: 59، 65، 73، هود: 50، 61، 84 المؤمنون: 23،32

إذن ((أَلَا يَتَّقُونَ)) ، ((أَلَا تَتَّقُونَ)) هذه بمعنى ((يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) هذه بمعنى ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)) (¬1) إنما قلنا التقوى فعل الأوامر واجتناب النواهي وكل نبي أمر قومه بهذا وكل نبي طلب من قومه أن يعبدوا ربهم. والعبادة تقوم على ركنين ـ كم قلنا ـ الاكتساب: وهذا هو فعل الواجبات والاجتناب: وهذا هو ترك المحرمات وعلية: وصى الله الأولين والآخرين بالتقوى وكل نبي كان يطلب من قومة أن يتقوا الله جلا وعلا. ((أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)) (¬2) نعم إن التقوى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ ما بعبد من دونه. ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة ومسند الدارمى بسند حسن عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ قول الله تعالى في آخر سورة المدثر ((أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)) (¬3) فقال النبي [قال الله تعالى أنا أهلٌ أن أتقى فمن اتقاني فلم يشرك بي شيئا فأنا أهل أن أعفر له] فالتقوى كما قلنا ـ تعنى أعبد الله ما لكم من اله غيرة وثبت في تاريخ دمشق لابن عساكر. والأثر رواه ابن عبد البر في كتاب التمهيد. ¬

_ (¬1) - النحل: 36 (¬2) - الشعراء: 106،107 (¬3) - المدثر: 56

والحديث ضعيف السند وما تقدم يشهد له ـ عن انس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندا أريد معاذ إلى اليمن - رضي الله عنه - قال له [يا معاذ اتق الله وخالق الناس بخلق حسن وإذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة ـ كما معنا في الحديث ـ فقال معاذ: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: هي اكبر الحسنات] نعم من اتقى الله فلم يجعل معه إلها ولم يجعل لله شريكاً هو أهل أن يغفر له، والذي ينبغي أن نتقيه فلا يجعل له نداً سبحانه وتعالى ولامعه شريكاً وهو يغفر لنا بفضله وكرمه ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (¬1) . وقد تواتر عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - وصيته لهذه الأمة بالتقوى والأحاديث في ذلك ـ كما قلت ـ متواترة منها: ما ثبت في المسند وسنن الترمذي وأبى داود وابن ماجة، والحديث في المستدرك ـ رحم الله أصحاب هذه الكتب أجمعين ـ بسند صحيح عن العرباض بن سارية قال. وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب وزرفت منها العيون. فقلنا يا رسول الله ـ كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال [أوصيكم بتقوى الله - عز وجل - ـ هذا أول شيء هذا كقول الله ((يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور. فأن كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالةـ وزاد النسائي: وكل ضلالة في النار] . ¬

_ (¬1) - النساء: 48

وثبت في سنن الترمذي بسند حسن عن انس - رضي الله عنه - أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد سفراً فقال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد سفراً فزودني فقال: [زودك الله التقوى،فقال زدني فقال: وغفر ذنبك. قال. زدني. قال: ووجهك للخير حيث توجهت] وهذا ما يسن أن يقوله الإنسان في حال توديعه وتشيعه المسافر: زودك الله التقوى. وغفر ذنبك ووجهك للخير حيثما توجهت. أول شيء زودك الله التقوى. هذا خير زاد كما قال الله ((وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)) (¬1) وقال جل وعلا ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)) (¬2) وثبت في مسند الإمام أحمد بسند رجاله ثقات عن أبى سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً قال له: أوصني. فقال له: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما قلت لي. أوصني. فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنا أوصيك بوصيته: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -[أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء. وعليك بالجهاد فإنه رهبانية هذه الأمة. وعليك بذكر الله والقرآن فإنهما رَوْحُكَ (¬3) ـ بفتح الراء ـ في السماء ونور لك في الأرض] وقد ورد في بعض الروايات [فإنهما نور لك في السماء وذكر لك في الأرض] . [فإنهما روحك في السماء وذكرك في الأرض] . ¬

_ (¬1) - البقرة: 197 (¬2) - الأعراف: 26 (¬3) - أي راحتك

وثبت في مسند الإمام احمد بسند حسن عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت للنبي أوصني. قال [أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته. وإذا أسأت فأحسن] وثبت في صحيح ابن حبان ومعجم الطبراني الكبير وتفسير عبد بن حميد بسند صحيح كما قال الإمام السيوطي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ذر - رضي الله عنه - أيضا [أوصيك بتقوى الله فإنها راس الأمر] نعم. إن تقوى الله هي رأس الأمر وهي رأس كل شيء وهي جماع كل خير ولا يقبل الله غيرها ولا يرحم إلا أهلها، فهو الذي يتقبل من المتقين ولا يثبت إلا عليها وهي أكرم ما أسر العباد. وهي أزين ما اظهروا. وهى أفضل ما ادخروا تكفل الله لأهلها بالنجاة مما يحذرون والرزق حيث لا يحتسبون وقال جل وعلا: ((مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا َيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)) (¬1) ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)) (¬2) . ((وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)) (¬3) قال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لأبي الدرداء - رضي الله عنه -: لم تقول الشعر؟ فقال بيتين من الشعر. يريد المرء أن يؤتي مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوي الله أفضل ما استفادا ¬

_ (¬1) - الطلاق: 2،3 (¬2) - الطلاق:4 (¬3) - الطلاق: 5

فالسعادة في هذه الحياة والفرج من الكربات مقرونة بتقوى الله جل وعلا ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)) (¬1) وقال ((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) (¬2) وأما في الآخرة لا يناله إلا أهل التقوى. قال الله جلا وعلا ((لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ)) (¬3) وقال ((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)) (¬4) فلما أخبرنا الله جل وعلا عن حقارة الدنيا. ¬

_ (¬1) - الأعراف: 96 (¬2) - الأنفال: 29 (¬3) - الزمر: 20 (¬4) - الزمر: 73

وخسة ما فيها فقال: ((وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)) (¬1) قال الله جل وعلا في آخر سورة القمر ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍفِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)) (¬2) نعم إن الإنسان إذا اتقى الله فهو ولى الله والله وليه ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) (¬3) وقال جل وعلا: ((وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) (¬4) فهم يوالون الله والله يواليهم إذا حصل منهم التقوى لربهم جل وعلا. المبحث الخامس ما هي علامة قبول التقوى؟ وما هو البرهان على صدق صاحبها؟ ¬

_ (¬1) - الزخرف: 33 ـ 35 (¬2) - القمر: 54، 55 (¬3) - يونس: 62 (¬4) الجاثية: 19

إذا قال الإنسان: أنا من المتقين. فهناك شيء يمز تقواه أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث المتقدم وهو [اتقى الله حيثما كنت] وهذه الإشارة كلمة حيثما. هي ظرف مكان. اتقى الله في كل مكان تكون فيه. تقوه الله في الجلوه أمام الناس ما أيسره على الناس كما قال الله ((يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ)) (¬1) فأمام الناس يظهر التمسك والخشوع والإخلاص. وإذا رآه الإنسان على تعبير الناس في بلاد الشام: ـ يقول انه ولى مقشّّر وإذا عاملة يراه بعد ذلك حشرة من الحشرات فلا بد إذا من تقوى الله في الخلوة خلوه وجلوه. سر وعلن. تقوى الله أيضا في العلن يسير. لكن تقوى الله في السر هنا هو الذي يميز صدقك من كذبك. والإنسان على نفسة بصيرة. إذا كنت مع الناس ومرّت امرأة تغض طرفك. هذه تقوى. وإذا كنت بمفردك لا تغض طرفك فاعلم أن الأولى نفاق مباشرة. لكن إن غضضت في تلك وفى هذه حقيقة هذه تقوى وأنت من المتقين. الإنسان على نفسه بصيرة. توفر لك أن تأخذ الحرام لكن أمام الناس ما أخذته. وإذا يتسر لك في السر أستزدت منه وتمنيت أن تحصل أضعافاً مضاعفة هذه هي الخيانة. ¬

_ (¬1) - في حق المنافقين. النساء: 18

ثبت في سنن ابن ماجة عن ثوبان - رضي الله عنه - وهو حديث يخلع القلب. عن نبينا [لأعلمن أناساً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً فقالوا: يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ صفهم لنا. جلهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا ندرى! قال: أما إنهم إخوانكم، ويأخذون بحظهم من الليل كما تأخذون لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها] فقط في الخلوة يبارزون الله بالعظائم لكن في الجلوه متقون. من يستحى منه ثلاثة أصناف لا رابع لهم: الناس. ونفسك. والله. فإذا استحييت من الناس ولم تستح من نفسك فنفسك إذن أحسن وأحقر من الناس. فعظمت الناس واحتقرت نفسك. وإذا استحييت من الناس واستحييت من نفسك وقلت: وهذا لا يناسبني لكن لم تستحي من الله في فعل العظائم بعد ذلك فجعلت الله إذن أخس الأشياء. تستحي من الناس ولا تستحي من الله!! لو أن إنساناً أراد أن يفعل معصية من خلوة بامرأة عن طريق الحرام أو غير ذلك. ودخل عليه صالح يجلّه من قومه ماذا يكون حاله؟ يستحي غاية الحياء ويفتر ويقوم ولا ينفذ شهوته. فكيف لو دخل صالحوا قومه اجمعهم عليه؟ يتمني لو بلعته الأرض. طيب أنت لا تغيب عن نظر الله طرفه عين كما قال الله جل وعلا ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)) (¬1) ولذلك أعظم واعظ وأبلغ زاجر نزل من السماء والي الأرض إعلام الله لعباده انه معهم أينما كانوا ولا تخفي عليه خافيه من أمرهم. وهذا المعني يقرره ربنا في جميع سور القرآن بحيث لا تخلو منه ورقه من ورقات المصحف. يا عبد الله إذا عصيت الله وقلت: لا يراني. كفرت. وإذا السابقة أن اله بقول للعبد إذا أغلق ستره وفعل المعصية: يا عبدي أجعلتني أهون الناظرين إليك؟ ! ولذلك قال رجل للإمام الجنيد ـ عليه رحمة الله: بم استعين على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر اله إليك أسبق من المنظور إليه. ¬

_ (¬1) - الحديد: 4

أنت عندما تريد أن تنظر لو علمت أن الله يراك قبل أن تنظر إلى المنظور إليه لا ستحييت. إخوتي الكرام: فلنستحي من الله جلا وعلا ذهبت مرة إلى بعض الإخوة الذين ابتلوا بما ابتلى به الناس في بيوتهم. نسأل الله العافية من سخطة. فلما دخلت عليه كان التلفاز شغال وفيه أشكال ألوان. أحمر وأصفر وكل يلهي ويتسبب في غضب الله ولعنته. فلنا دخلت قال لأولاده. جاء الشيخ!! لا إله إلا الله. قلت يا عبد الله من أجل عبد ضعيف لا يملك لنفسه ولا يعلم لا هو ولا أنت مصيره هل هو في الجنة أو في جهنم. من أجل عبد ضعيف استحييت وما أرادت أنني أراك تنظر إلى هذه الأشكال الخبيثة في هذا الجهاز الخبيث؟ إلا تستحلا من الله؟ ! مخلوق ضعيف دخل عليك قال: " صكوا التلفزيون" وإذا جاء هذا " صكوه " هذا شيخ!! ورب العالمين ليس به قيمة عندك؟ كيف من أجل الشيخ " تصك التلفزيون " ومن أجل الله لا " تصكه "؟! أتجعل الله أهون الناظرين إليك؟ "وهو معكم أينما كنتم". إخوتي الكرام: لا بد إذن من هذا المحك الذي يظهر المتقى من المخادع. ولذلك أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن التقوى حقيقتها ليست أشكالاً ظاهرة ليست هذه الحقيقة. هذه صور للتقوى. إنما حقيقة التقوى هي معانٍ راسخة في القلب. إذا ثبتت تخرج عنها أشكال منضبطة بفعل ما أمر وترك ما عنه نهى وزجر وحذر غنما هذا الأصل في القلب أما إذا لم يكن هذا المعني في القلب فأمام الناس تتقي وفى الغيبة لا تتقى أمام الشيخ " صكوا التلفزيون " وعند خروجه افتحوه على مصراخيه على كل شيء!! إذن هذه ليست تقوى. هذا إذن القلب خبيث ليس فيه تقوى. ولقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا. فانتبهوا لهذا المعنى. ثبت في مسند وصحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:

[لا تحاسدوا (¬1) ولا تناجشوا (¬2) ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. بحسب امرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم التقوى ههنا ـ ثم أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى صدره ثلاثاً ـ كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه] . إذن التقوى أصلها في القلب إذا وجدت تدفعك إلى تقوى الله حيثما كنت في السر والعلن. في الخلوة والجلوه. أمام الناس يستحى وعندما يختفي عنه الناس لا يبالى بالمعصية. لذلك إخونى الكرام لا بد أن توجد هذه المعاني في القلب ز هذا هو الذي يريده الله من عباده صفاء قلوبهم وطهارة سريرتهم ((لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)) (¬3) وهى النيات الخالصة التي محلها القلب. كما قال: - صلى الله عليه وسلم -[التقوى ههنا التقوى ههنا التقوى ههنا] إخوتي الكرام: كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يدعو الله أن يرزقه التقوى. كما أوصانا بذلك فلنذكر حديثين من ذلك ونختم يهما هذا المبحث. ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجة، والحديث في المسند ـ رحم الله أصحاب هذه الكتب أجمعين ـ عن عبد الله بن مسعود عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى] . ¬

_ (¬1) - الحسد: أن تتمنى زوال النعمة عن غيرك. (¬2) - النجش: أن تزيد في السلعة ولا تريد شراءها. أو أن تذكر إطراء لها ووصفاً حسناً (بياض) من أجل أخديعة المشتري. من أجل أن يشتريها بثمن أغلى مما نستحقه (¬3) - الحج: 37

وثبت في صحيح مسلم وسنين النسائي ومسند الإمام أحمد عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو فقال: [اللهم آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها] .اللهم إنا نسألك الهدي والتقى والعفاف والغنى. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن علمنا وتعلم منا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء ومنهم والأموات: وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين. الباب الثاني السيئة والحسنة الفصل الأول: السيئة تمهيد: المبحث الأول: في تعريف السيئة ولم سميت بذلك؟ المبحث الثاني: أنواع السيئات. المبحث الثالث: أجناس الذنوب وأنواعها. المبحث الرابع: أسباب الذنوب. المبحث الخامس: أقسام الناس في ترك الذنوب. المبحث السادس: أقسام الذنوب (السيئات) المبحث السابع: أثر الصغائر والكبائر والأمور المتعلقة بكل من هذين الصنفين المطلب الأول: أثر الصغائر. المطلب الثاني: أثر الكبائر. قوله - صلى الله عليه وسلم -[وأتْبع السَّيئةَ الحسَنةَ تَمْحُها] تمهيد:

هذه الجملة الشريفة من كلام نبينا - صلى الله عليه وسلم - لا زالت مرتبطة في النوع الأول من أنواع معاملة الإنسان لغيره. وهى معاملته مع ربه. فأرشدنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى واجب الله علينا وكيف ينبغي أن نتعامل معه فقال: [اتق الله حيثما كنت] لو لم يتبع نبينا لطاشت عقول المتقين. وتنكدت عليهم حياتهم في كل حين. فكيف سيلقى ابن الماء والطين رب العالمين؟ ولا يمكن أن يقوم بالتقوى على الوجه الكامل المطلوب فلا بد من وقوع زلل تفريط منه مهما احترس ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ)) (¬1) إذن لا بد من حصول شيء من الشوائب في حياة الناس عندما يتعاملون مع خالقهم جل وعلا لا بد من وجود تفريط. وتفريط كل بحسبه. فلو كان الحق الواجب علينا التقوى وإذا وقعنا بياض خلاف ذلك فلا يقبل عند المولى.. بياض. ¬

_ (¬1) - الأعراف: 201

ولذلك بشرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالجملة الثانية واخبرنا بياض ربنا جل وعلا أرحم بنا من الوالدة بولدها وهو أرحم بنا من رحمتنا بأنفسنا فإذا أخطأنا قبلنا إذا رجعنا إليه ولذلك قال أئمتنا _ كما سأبسط هذا إن شاء الله _التوبة هي بياض طريق السالكين وهى نهاية طريق السالكين , ولا يستغنى عنها المؤمن في كل حين بياض مستغفرا أو يصبح مستغفرا ويلازم الاستغفار والتوبة إلى الله جل وعلا في آناء الليل وأطراف النهار لأنه لا يخلو مخلوق من تفريط وتفريط كل بحسبه [وأتْبع السَّيئةَ الحسَنةَ تَمْحُها] وهذا كما قال الله جل وعلا ((وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ (¬1) ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينََ)) (¬2) . ¬

_ (¬1) - لا زالوا ضمن وصف التقوى وهم من المتقين مع أنهم فعلوا معصية تناهى خبثها وظلموا أنفسهم. (¬2) - آل عمران: 133- 136

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لنا في هذا الحديث: أمرتم بالتقوى وهذا حق الله عليكم، ولكن لن يخلو بياض منكم من تفريط حسب الجبلّة البشرية , والطبيعة الإنسانية فإذا وقع واحد بياض في تفريط في حق رب البرية فليتدارك ذلك بالتوبة النصوح ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)) (¬1) وهذا كما قال الله جل وعلا ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ)) (¬2) بياض الاستقامة بالاستغفار لأنه لبد من وقوع زلل منا في حق العظيم الغفار سبحانه وتعالي وهكذا أخبرنا ربنا جل وعلا في آيات كثيرة أننا عندما نتبع السيئة بالحسنة وعندما نأتي بياض المعصية بالطاعة تغفر تلك المعصية بفضل الله ورحمته ولا تخرج عن دائرة التقوى ((وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)) (¬3) وهذا كقول نبينا - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث وأتبع السيئة الحسنة تمحها. إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة، ورأس الحسنات وأعظم الطاعات التوبة والاستغفار إلى رب الأرض والسموات وكما قلت إن التوبة هي بداية طريق السالك ونهاية طريق السالك لماذا؟ لأن كل إنسان لا يخلو من تفريط وليس التفريط في خصوص فعل المنهي عنه، التفريط في عدم قيام بالمأمور كما ينبغي. فإذا صلى الإنسان صلاة وما أداها حقها أما عصى الله؟ لأنه، تقدم معني، أن التقوى فعل مأمور كما أمر وكما شرع وكما يرضي العزيز الغفور وترك المحظور كما حظر من ذلك العزيز الغفور سبحانه وتعالى. ¬

_ (¬1) - الشورى:25 (¬2) - فصلت: 6 (¬3) - هود: 114

فإذا فعلنا المأمور على غير وجه التمام إنه إذا ليس في درجة القبول صار إذا فيه خدش. صار فيه معصية ولذلك أمرنا بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله بعد فعل الطاعات العظيمة فانظر إلى شعيرة الحج وعبادة الحج وهذا الركن العظيم من أركان الإسلام الذي إذا فعله الإنسان على وجه التمام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ـ كما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ـ الله يأمرنا بالاستغفار والتوبة إليه في ذلك المنسك وعند أداء ذلك النسك بل عند أداء أعظم أركانه وهو عرفه يقول الله جل وعلا ((لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ ثُمَّ أَفِيضُواْ (¬1) مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (¬2) فكأن الله يقول: قد يقع منك شيء من التفريط في الوقوف وقد لا يكون الوقوف بالصورة المقبوله المرضية فأتبعوا وقفكم بعرفات وشهودكم جمعا في مزدلفة بالاستغفار. وهكذا اخبرنا ربنا جل وعلا انه أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر ربه وان يتوب إلية بعد الجهاد الطويل الذي قام به وبعد أن فتح الله عليه جزيرة العرب ودخل الناس في دين الله أفواجا فقال في سورة النصر ((إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ. إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)) ¬

_ (¬1) - من مزدلفة بعد أن رجعت من عرفات (¬2) - البقرة: 198، 199

ثبت في الصحيحين عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: [ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة بعد إن نزلت عليه صورة النصر إلا قال فيها: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي] ما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة إلا قال هذا الدعاء في ركوعه وفى سجوده علية صلوات الله وسلامه وقد أمر نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نتبع الصلاة ـ هي عمود الإسلام ـ بالاستغفار وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يستغفر ربه عندما ينصرف من صلاة وينتهي من السلام الثاني ففي صحيح مسلم من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: [كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاة استغفر ثلاثاً فقيل للأوزعى كيف يستغفر فقال يقول: استغفر الله استغفر الله استغفر الله ـ ثم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام] هذا أول ذكر كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يقوله عندما ينصرف من صلاتة: الاستغفار ثلاثأً سبحان الله!! هل كان إذن في حالة طاعة أو في حالة مخالفة؟ قلنا هو في حالة طاعة لكن الطاعة لا يمكن أن تقع منا كما ينبغي لجلال الله جل وعلا وجماله وكل واحد منا لا يخلو من تفريط في طاعاته فكيف بعد ذلك ارتكابه للمناهي والمحظوران. فإذا كان الأمر كذلك نتبع الطاعة بإلإستغفار: استغفر الله استغفر الله اللهم أنت السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام وهذا لن أطيل فيه كثيرا ولن أمد النفس فيه فسيأتينا إن شاء الله مدارسته في الشق الثاني من هذا الباب وهو عند الكلام على الحسنات. المبحث الأول في تعريف السيئة ولما سميت بذلك؟

السيئة سميت بذلك لأمرين لأن صاحب الفطرة السليمة والعقل السليم يستاء ويسوؤه عندما يفعل سيئة نعم بياض العاصي إذا كان عاقلا مع انه عاصي يتضايق وتضيق عليه نفسه، وقد رسم نبينا - صلى الله عليه وسلم - صورة واضحة لمؤمن وصورة واضحة لغير المؤمن ففي مسند الإمام احمد ومستدرك الحاكم وغيرهما بسند صحيح عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من سرته طاعته وساءته معصيته فهو المؤمن] فهو يفعل المعصية ـ كما قلنا ـ لا عمدا ولا قصدا لكن طبيعة البشر لا تنفك من خطأ وزلل ومن يشابه أباه فما ظلم. إذا كان أبونا على نبينا وعلية صلوات الله وسلامه آدم وقع في خطأ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى. وكان حالة بعد المعصية خيرا من حاله قبل المعصية. فإذا شابهناه في ذلك فلا لوم ولا تقصير فالمؤمن لا يقصد المعصية ولا يوطن القلب عليها. لكن طبيعة البشر والجبلة الإنسانية تقتضى أن يقع الإنسان في شيء من الهفوات والزلات فإذا كان الأمر كذلك عندما يقع فيها تضيق عليه نفسة كما قال الله تعالى في حق الثلاثة رضوان الله عليهم. كعب بن مالك ومرارة بين الربيع وهلال بن أمية ((وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ)) (¬1) لأجل المعصية التي وقعت منهم وهى نخلفهم عن الغزوة الأرض ضاقت عليهم ـ بما رحبت ـ وأنفسهم ضاقت عليهم وما عادت تتحملهم من أجل غصبهم لله على أنفسهم فإذا صاحب العقل السليم يستاء ويسوؤه فعل المعصية عندما يفعل لكن أحيانا نفسة تغلبة يتعرض للفتن فلا يثبت وبخبو نور الأيمان ويضعف في قلية فيقع فإذا فزع ((تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)) سيلوم نفسة ويرجع إلى ربه والله يقبلة وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. ¬

_ (¬1) - التوية: 118

الشاهد: سميت السيئة بسيئة لان صاحب العقل السليم والفطرة المستقيمة يسوؤه فعل المعصية ويستاء عند فعل المعصية ولذلك لا يوجد عاص إلا وهو ناقص العقل وهل يرضى أحد بقلة العقل؟ وقلت لإنسان عقلك قليل ظ؟ وأنت أحمق سخيف.. بياض كل عاص لله ناقص العقل فهو بعد أن يعصى يعلن انه عقلة ناقص. اخنق وكيف يكون ناقص العقل لأذى يستبدل الدر بالبعر. والمسك بالرحيق ومرافقة الصالحين بمجالسة الشياطين. أليس هذا بقليل العقل أحمق؟! أمكنة أن يأخذ دراً فاخذ بعراً. هذا في عداد البشر أحمق مجنون. أمكنة أن يقول سبحان الله وبحمده فيغرس له نخله في الجنة فترك هذا وشغل لسانه بغناء أو بذاء أو غيبة أو نميمة أو خنا، عندما يقع في تلك الزلة وينتهي إذا كان عنده إيمان يعلم انه ضعف عقلة وغاب عند فعل تلك المعصية فيوبخ نفسه ويعود إلى ربه جل وعلا ولذلك كل من عصى الله فهو جاهل أحمق قليل العقل قال الله جل وعلا ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) (¬1) . ¬

_ (¬1) - النساء: 17، 18

ثبت عن أبى العالية وغيرة قال: أجمع أصحاب محمد صلوات الله وسلامة علية ورضي الله عن الصحابة الكرام أجمعين ـ أن كل من عصى الله فهو جاهل وأن كل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب إذن عندما يعصى الإنسان ربه يقل عقلة وقد يخرج عن حيز العقلاء بالمرة إذا كانت المعصية فاحشة قبيحة فعندما ينتهي منها ويعود إلى رشده وصوابه يوبخ نفسه ويلوم نفسه فصاحب العقل السليم والفطرة المستقية عندما يعصى الله يستاء ويسوؤه فعل المعصية وهذا حقيقة من علامات الأيمان وليس من علامات الأيمان ألا يعصى الإنسان إنما من علامات الأيمان أن يستاء عند المعصية وألا يصّر ولذلك لا بد من التوبة والناس على قسمين تائب وظالم ولا ثالث لهما قال الله ((وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) (¬1) . من المعاصي التي تقدم ذكرها ومن غيرها قضية عامة لا تتخلف. قسم الله العباد إلى قسمين لا ثالث لهما إذن إذا عصى يتوب فإذا هو يستاء عندما يفعل المعصية. وحقيقة المعصية وإذا ما رجع الإنسان إلى ربه تميت القلب كما قال شيخ الإسلام في زمنه عبد الله بن المبارك: رأيت الذنوب تميت القلوب ... وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب ... وخير لنفسك عصيانها وهل أفسد الدين إلا ... الملوك وأحبار سوء ورهبانها فباعوا النفوس ولم يربحوا ... ولم تغل فى البيع أثمانها ج لقد رتع القوم فى جيفة ... يدن لذي العقل أنتابها ¬

_ (¬1) - الحجرات: 11

إذن كل من عصى الله جاهل قليل العقل. والإنسان لا يرضى أن يوصف بحماقة. ولذلك نفسه تضيق عليه وتضيق عليه الدنيا فيهرع إلى ربه ويتوب إليه. والله يقبل توبة التائب عندما يتوب إليه سبحانه وتعالى. ولذلك إخوتي الكرام سمي الله الكفار ووصفهم ونعت العاصين بأنه لا حياة عندهم وبأنهم موتى وقد قال أئمتنا ونعم ما قالوا: ـ أول من مات من الخليقة مخلوق خبيث خسيس مع أنه منظر إلى يوم الدين وهو الشيطان الرجيم. هذا أول من مات. حيى لكنه ميت. لأنه فقد الحياة الحقيقه الحياة الحقيقيه: أن يتصل المخلوق بخالقه وأن يأنس القلب بربه ((أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) (¬1) وإذا خرج الإنسان عن هذا فهو ميت. إسمع ماذا يقول الله جل وعلا في سورة يس ((وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ. لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)) (¬2) . ما المراد بالحياة؟ هل المراد بالحياة حياة البدن. أبدا لما قال: ((وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ)) الكافرين أحياء ينذر من كان حيا. حي القلب واعي القلب بصير القلب. فليس المراد من الحياة حياة البدن هذه يشترك فيها المؤمن والكافر. يدل على هذا قوله ((وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ. إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)) (¬3) . ¬

_ (¬1) - الرعد: 28 (¬2) - يس:69،70 (¬3) - يس: 10،11

هذا هو الحي وذلك ميت ولذلك أطلق الله لفظ الموت على الكفار فقال في سورة النمل ((إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)) (¬1) ما المراد بالموتى؟ موتى الأبدان أم موتى القلوب؟ القلوب: ((وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ ـ انتبه بأي شيء قابل الموتى ـ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ)) (¬2) إذن لا تسمع الموتى كأنه يقول. لا تسمع من كفر بآيتنا إنما تسمع من آمن فذاك لا حيات عنده وواقع الأمر كذلك. قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله ـ ونعم ما قال نور الله قبره وفى غرف الجنان أرقده: وفى الجهل قبل الموت موت ... لأهله وأبدانهم قبل القبور قبور وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور فالجاهل ميت. وما هو قبره؟ بدنه فعندنا ميت القلب. وعندنا ميت البدن، ولذلك المؤمن يخشى من موت قلبه ولا يخشى من موت بدنه وموت البدن ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ)) (¬3) وموت البدن يؤجر عليه الإنسان كما قال نبينا ـ والحديث في درجة الحسن: ـ[الموت تحفة كل مؤمن] (¬4) هذه أعظم هدية تأتى من الله لعبده المؤمن. وهى الموت. ¬

_ (¬1) - النمل:80 (¬2) - النمل: 81 (¬3) - الرحمن: 26 (¬4) - قلت: الحديث أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد (4/319) وأخرجه أبو نعيم في الحلية (8/185) والبغوي برقم 1454 (5/271) من طريق عد الرحمن بن زياد الإفريقي. قال محقق شرح السنة: وهو ضعيف. لكن ذكره المنذري في الترغيب (4/335) وقال عنه: إسناده جيد. وقال الهيثمى في المجمع (2/323) رواة الطبراني في الكبير وقال عنه: رجاله ثقات. فلعله من غير طريق الافريقى. أهـ والحديث في ذلك كله نصه: عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [تحفة المؤمن الموت]

وألف السيوطي رسالة عظيمة سماها: "بشرى الكئيب بلقاء الحبيب " ما هو الموت هذا حبيب. لا يخاف المؤمن من موت البدن هذا حبيب جاء على فاقة. إنما يخاف من موت القلب هو الذي يوجب غضب الرب، فإذن عندما يفقد الإنسان الحياة والعقل يستاء أم لا؟ يستاء. إذن سميت المعصية معصية لان صاحب العقل السليم والفطرة المستقيمة ولأن المؤمن يسوؤه فعل معصية سواء منه أو من غيره. إذا فعل معصية أو فعلت معصية يستاء ويتمعر وجهه ويغضب وتضيق عليه نفسه وكان سفيان الثوري عليه رحمة الله ـ إذا رأى معصية وما استطاع أن يغيرها لكمال إيمانه يبول الدم من شدة غضبة لربه جل وعلا هذا استياء حصل عنده واستياء وغضب لذي العزة والجلال.

2 – لأن سبب كل سوء في هذه الحياة ينزل في المخلوقات هو بشأن السيئات. وصدق الله عندما قال ((وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)) ما نزلت عقوبة من الله بخلقه وعلى عباده إلا بسبب معاصيهم ((إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)) (¬1) إذن هذه سيئة سميت بذلك لأنها أيضا هي سب العقوبات والسيئات التي تنزل بسبب معاصيهم لربهم جل وعلا ثبت في مسند الإمام احمد وسنن النسائي وابن ماجة والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن ثوبان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يريد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر] الرزق بشؤم المعصية يحرمه الإنسان. إذن سميت المعاصي سيئات لأمرين. تسوء العاقل. وهى سبب حلول السوء والعقوبات بالمخلوقات هذا فيما يتعلق بالمبحث الأول وقد ألف الإمام ابن تيمية عليه رحمه الله كتابا جليلاً صغير الحجم يقارب المائتي صفحة لكنه مملوء بالفوائد سماه: " الحسنه والسيئة " طبع على إنفراد وهو موجود ضمن مجموع الفتاوى في الجزء الرابع عشر من صفحة 229 ـ 426 والإمام ابن القيم ألف رسالة أيضاًَ وكتاباً نافعاً في حدود ثلاثمائة صفحة سماة " الجواب الكافي لمن سئل عن الدواء الشافي " وسميت في بعض الطبعات " الدواء والداء " وكله يدور حول الحسنة والسيئة. الداء هو السيئة، والدواء هو الحسنة. ¬

_ (¬1) - الرعد: 11

لا عاصم اليوم من عذاب الله إلا من رحم واحرصوا على هذين الكتابين لاسيما الكتاب الثاني للإمام ابن القيم فحقيقة فية ما يزهد الإنسان في معصية خالقه ويحببه في طاعة ربه جل وعلا وقد ذكر شناعة المعصية وأضرارها وما يترتب عليها وكيف أن صاحبها ليس له عقل ثم قال: هل يتصور من عاقل أن يعصى الله في ملكه على أرضه تحت سمائه يتغذى بنعمه وخيراته وهو تحت نظره لا تخفى عليه خافيه من أمره؟ ! هل يليق بالعاقل أن يعصى الله إذا كان هذا حاله! أنت على أرضه وتحت سمائه. تأكل من رزقة هذه الجوارح من نعمة لا تغيب عن نظره ولا تخفى عليه كيف إذن يتصور وقع المعصية منك؟. أو ليس الشكر بواجب؟ وأقل مراتب الشكر ألا تعصى المنعم بنعمة وان تقوم بهذه النعم حسبما يرضى المنعم سبحانه وتعالى. هذه السيئة التي سميت سيئة لهذين الأمرين لا تخرج عن ثلاثة أحوال: 1. إما تكون هذه السيئة سيئة بينك وبين خالقك في أمر لا يغفره الله. 2. وإما تكون بينك وبين خالقك في أمر وعد الله بالمغفرة عليه وأخبر أنه يمكن أن يغفر لمن فعله. 3. وإما أن تكون هذه السيئة في ظلم منك نحو عباد الله. سيئة مع الخالق عملتها لكن الله أخبرنا أنه لا يغفرها لصاحبها وهى الشرك. سيئة مع الخالق عملتها وهى ما دون الشرك فيما بينك وبين ربك. من غناء وشرب خمر وفطر في رمضان وتفريط في واجبات فرضها عليك الرحمن ونظر إلى حرام وغير ذلك هذا بينك وبين الله العفو فيه اقرب ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (¬1) وسيئة بينك وبين العباد ظلمتهم فالقصاص واقع لا محالة. ¬

_ (¬1) - النساء: 116

وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى تقسيم السيئة إلى هذه الأقسام الثلاثة في الحديث الذي رواة الإمام أحمد في المسند (¬1) ورواة الحاكم في المستدرك (¬2) عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [الدواوين عند الله ثلاثة ديوان لا يغفره الله منه شيئاً وديوان لا يعبأ الله به شيئاً وديوان لا يترك الله منه شيئاً وأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئاً فهو الشرك] ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) (¬3) وحقيقة: من بريء من الشرك فليهنىء نفسه تهنئة لا تنتهي حتى يلقى ربه. لكن نسأل الله ألا يكون من قال فيهم ((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ)) (¬4) . ¬

_ (¬1) - (6/240) (¬2) - (4/575) (¬3) - المائدة: 72 (¬4) - البقرة: 8

وكم من إنسان يقول أمنت بالله وباليوم الآخر والله يقول له من فوق سبع سموات كذبت؟ ويتكلم بالمكفرات. لا أقول في اليوم الواحد في المجلس الواحد مرات ثم يقول أنا مؤمن: ((وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ. لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ)) (¬1) عندما يقول في المجلس وهو متكىء على أريكته في مجالس السمر والقيل والقال: لحية فلان مثل المقشة. مثل ذنب الحمار؟ ! هذا ما حكمه؟ كفرو هو لا يدرى وعندما تقوله له الربا حرام والبنوك مؤسسات تحارب الرحمن يقول دعنا من هذا الكلام لا تصلح الحياة ولا اقتصاد ولا اقتصاد إلا ببنوك ولا بنوك إلا بربا!! كفر هو لا يدرى. يقول آمنت بالله ولا اله إلا الله.. لكنه عند الله من أهل الديوان الأول الذي لا يغفر الله منه شيئاً ولذلك إذا عصى الإنسان ربه فلا يستحل تلك المعصية ابتلي بغناء اتلي بزنا ابتلي بربا يقول أنا عاصي لله أرجو رحمة الله أما انه يأتي بتلك المعصية ويقول هذه لا شيء فيها ولا غضاضة. ودعني من هذا؟! نسأل الله العافية. وكم هذه تقال الآن في مجالس الناس؟ [وديوان لا يعبأ الله به شيئاً والعفو فيه أقرب وهو ظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم كما قال الله ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (¬2) وديوان لا يترك الله منه شيئاً والقصاص واقع فيه لا محالة وهو ظلم العباد لبعضهم بعضاً] (¬3) ¬

_ (¬1) - التوبة: 65،66 (¬2) - النساء: 116 وسيأتينا في الفصل الثاني أن هذه أعظم آيات الرجاء عند عدد من أئمتنا الأتقياء. (¬3) - والحديث إخوتي الكرام صححه الحاكم لكن تعقبه الذهبي فقال: فيه صدقة بن موسي الدقيقى ضعفوه وصدق ابن موسى الدقيقى ضعيف..وأما قو الذهبي: فيه يزيد بن (بياض) وهو مجهول. فليس (بياض) فهو لأبأس به وفد وثق كما نص على ذلك الإمام الدارقطنى وغيره لكن فيه صدفه بن موسى الدقيقى وهو ضعيف لكن الحديث له ثلاثة شواهد ترفعه إلى درجة الحسن كما أشار إلى ذلك الإمام العراقي في " المغنى عن حمل الأسفار في الأسفار " (4/16) في تخريج أحاديث الإحياء. والأحاديث موجودة في المجمع. الأول رواه البزار عن أنس - رضي الله عنه - والثاني رواه الطبراني في الأوسط عن أبى هريرة - رضي الله عنه - والثالث رواه الطبراني في الكبير والصغير عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عن أنس - رضي الله عنه -: [الدواوين عند الله ثلاثة] . تتقوي ببعضها. والحديث إن شاء الله في درجة الحسن كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام في زمنه الشيخ زين الدين عبد الرحيم العراقي في كتابه تخريج أحاديث الإحياء المسمى بـ المغنى عن حمل الأسفار في الأسفار. وهو كتاب صغير الحجم لكن ينفعك لما فيه من هذا التخريج بهذه الأحاديث التي في كتاب الإحياء.

فسيقتص الله للمظلوم من الظالم ويبلغ من عدل الله جلا وعلا أن يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء ((لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) (¬1) . المبحث الثاني أنواع السيئات اتفق أئمتنا علي أمرين في السيئات: 1. أكبر السيئات معلوم لنا. وهو الشرك بالله ((وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ)) (¬2) ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ)) (¬3) . ¬

_ (¬1) - غافر: 17 (¬2) - المائدة: 5 (¬3) - المائدة: 74

2. اتفقوا على أن أصغر السيئات مجهول. فأصغر السيئات واصغر المعاصي واقل الذنوب شأناً ما هو؟ قالوا هذا لا يعلمه أحد إلا الله. لم علمنا الأكبر ولم نعلم الأصغر؟ ليكون العباد على وجل شديد من جميع مخالفتهم لربهم المجيد خشية أن تكون تلك الصغيرة التي يرونها صغيرة هي في واقع الأمر كبيرة ((وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)) (¬1) فأصغر السيئات هذا بالإجماع لا يعلم وأكبر السيئات معلوم. وقلت إذا نجى الإنسان من الأكبر وسلم من الديوان الثالث وهو الاعتداء على أعراض الناس وأموالهم فلو علية بعد ذلك من الذنوب ما يملأ عنان السماء ويقارب مليء الأرض من الخطايا فرحمة الله أوسع من ذلك. كما ثبت في سنن الترمذي وغيره بسند صحيح عن انس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتنى غفرت لك ما كان منك ولا أبالى يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني عفرت لك. يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة] ما بقارب الأرض ما يملأها من الذنوب والموبقات. لكن ليس عنده شرك لرب الأرض والسموات يأتيه الله بقرابها مغفرة هذه الآية ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (¬2) هي أرجى آية في القرآن الكريم عند بعض سلفنا وأئمتنا الطيبين ثبت هذا في سنن الترمذي بسند حسن عن على - رضي الله عنه - انه قال [ما في القرآن آية أحب إلى منها] وثبت في كتاب الإمام الواحدى عن حفيد على بن أبى طالب على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنهم أجمعين وهو المسمى بزين العابدين. أنه قال: هذه أرجي آية في القرآن. ووجه ذلك: أن المعاملة لا تخرج عن ثلاثة أقسام: إما عدل وإما فضل وإما جور. ¬

_ (¬1) - النور: 15 (¬2) - النساء: 116

الجور لا يوجد في معاملة الخالق مع مخلوقاته [إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظّالموا] (¬1) ((وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)) (¬2) ((وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)) (¬3) بقى وصفان: عدل وفضل. الله ماذا يقول في هذه الآية؟ يقول: ((لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه)) أخرجونا من جوار الشرك. نسأل الله البراءة منه ما عداه يغفر ما دون ذلك لمن يشاء إن عذب فعدل وإن عفا ففضل إذا دارت أفعال الله بين العدل والفضل فأيهما يرجح في حقة؟ الفضل كرمة - سبحانه وتعالى - لا سيما إذا وعد الكريم حقا وإذا اطمع الكريم حقا إن عدة الكريم خير من إنجاز غيرة ولذلك نسيئه الله خير من نقد غيره. هذا يقول ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء كل واحد تتعلق نيته ورغبته ورجاؤه وأمله بأن يكون ممن يشاء له المغفرة. [الله عند ظن عبده به فليظن به ما شاء] (¬4) ¬

_ (¬1) - قلت: هذا الحديث صحيح من حديث أبى ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يريه عن ربه - عز وجل - أنه قال [يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ... ] الحديث. أخرجه مسلم والإمام أحمد في المسند والترمذي وابن ماجه وغيرهم (¬2) - الكهف: 49 (¬3) - فصلت: 46 (¬4) - قلت: هذا ثابت عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين عن ابى هريرة - رضي الله عنه - عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [قال الله - عز وجل -: أنا عند (بياض) عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني..] .ولأبي داود وابن حبان في صحيحة واللفظ لهما والترمذي (بياض) [حسن الظن من حسن العبادة] ولفظ الترمذي والحاكم: [إن حسن الظن من حسن عبادة (بياض) وعن جابر - رضي الله عنه - انه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام يقول [لا يموتن أحدكم إلا وهو (بياض) الظن بالله عز وجل] رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد والطيالسي وأبو نعيم وغيرهم (بياض) وائله بن الأسقع - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [قال الله جل وعلا (بياض) عند ظن عبدي بي إن ظن خيراً فله. وإن ظن شراً فله] رواه أحمد. (بياض) حبان في صحيحة والبيهقى وغيرهم. وفى رواية. [أنا عند ظن عبدي بي فليظن بى ما شاء] .

فالله عندما أطمعنا ما أطمعنا إلا ليحقق لنا رجاءنا وهو (بياض) الراحمين وأكرم الأكرمين. لكن كما قلت ـ إخوتي الكرام ـ المهم السلامة من الديوان الأول (بياض) وقع فيه من وقع ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) (¬1) ((وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ)) (¬2) ((فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)) (¬3) كم من إنسان في هذا الوقت (بياض) مع أخيه المؤمن يقول تعال من نثق به في دينه ليقضي لنا في مشكلتنا. يقول: ما (بياض) الشرع في هذا؟ المحكمة المدنية هي التي تقضى بيني وبينك. هذا كافر وإن صام وصلى (بياض) أنه مسلم وأولاده أولاد زنا وأولاد حرام. ولذلك في آخر الزمان من أشراط (بياض) أن يكثر الزنا وأولاد الزنا. ليس المراد يوجد مواخير للبغاء في الطرقات. لا (بياض) البيوت بعاشر الرجال فيها النساء عن طريق الحرام. أولاد الزنا وهم لا يشعرون.؟ (بياض) هذا؟ طلق ألف طلاق وهو يعاشر زوجته. ما هو الأولاد الذين يخرجون من ذلك (بياض) ؟ أولاد سفاح. كفر بالله لا أقول في اليوم في المجلس مرات ثم بعد ذلك اتصل (بياض) يأتي ولد الزنا. ليس ولد الزنا الذي لا يعرف أبوه فقط لا أولاد الزنا يكثرون بياض أكثرهم في هذه الحياة. ملأوا الدنيا. نسأل الله السلامة منهم ومن شرهم (بياض) فيما يتعلق بالمبحث الثاني: أكبر الذنوب وأشنع العيوب معلوم. وأصغر السيئات (بياض) المخالفات مجهول لم يطلع الله عليه أحد من خلقه. المبحث الثالث أجناس الذنوب وأنواعها الذنوب عندما يفعلها العصاه المذنبون تأخذ أحد أشكال أربعة لا خامس لها: ¬

_ (¬1) - المائدة: 44 (¬2) - النور: 48 (¬3) - النساء: 65

أولا: أول ذنب ـ وهذا أكثر الذنوب انتشاراً في البرية تأخذ شكل الاتصاف بالصفات البهيمية ذنب لكن صورة هذا الذنب. صفة هذا الذنب؟ صفة الحيوانات البهيمية كالحرص على شهوتي الفرج والبطن همه أن يملأ بطنه وأن يشبع غريزته من أي طريق كان. يتولد عن هذا: الحرص والبخل والشح وأكل أموالى اليتامى والسرقة.. وما شاكل هذا كل هذا من أجل إرواء شهوتي البطن والفرج. الزاني عاصي لكن شكل معصيته ما هو؟ شكل البهائم هذا لو عنده معاني الإنسانية وصفات البشرية لتنزه عن هذا فما أقبح تلك الصفات في حالة الحلال فكيف وهى في حالة الحرام وهكذا همه أن يملأ بطنه ليصبح له بعد ذلك بطن بحيث لو مدت يدك لما وصلت إلى انتفاخ بطنه كالحبلى ـ لم؟ وتراه كلما يأكل يضرب على بطنه أو بعدها همه يسعى من هنا ومن هناك من حلال أو حرام هذه صفات من؟ صفات البهائم التي أحيانا ترعى في المرعى وتأكل وتأكل وتأكل حتى تصاب بداء الزرب بعد ذلك ثم تموت. وسل الأطباء الآن عن " شهداء البطون " ما أكثرهم؟ يجلس في الليل يدكّ يدكّ يدكّ في معدته بحيث لو وضعت الطعام في قدر لتفاعل وانفجر. فكيف ستتحمله تلك المعدة؟ في وسط الليل: آه. يصبح! ماذا تريد؟ هاتوا الـ"بيبسى " والمهضمات. ما نفعت خذوه إلى الطبيب يجرى له عملية أو يموت ـ العلم عند الله. ولذلك الأمراض الأن التي انتشرت وكثرت بسبب التخليط في الأطعمة والتخمة التي انتشرت بين الناس هذه معاصي حصلت في الأمة شكلها وصفتها صفات بهيمية ولذلك ننهمك في الطعام والشراب وشهوة الجنس يقال له: تأكل كما يأكل البغل ـ مباشرة ما يقال تأكل كما تأكل الملائكة فالملائكة يتنزهون عن هذا لو كان يأكل بغل. إذن يضرب لان هذه صفات بهيمية وهو ينهمك فيها وما ينبغي أن يصل إلى تلك الخسة والى تلك الشهوانية.

صفات ذنوب سيئات معاصي أخذت شكل الاتصاف بصفات البهائم وأكثر الناس كذلك كما قال الله جل وعلا ((أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)) (¬1) أكثر الأمة ـ هذا في حال الأمة الإسلامية. دعك عن الأمة الغضبية من حال الناس في بلاد الغرب وفى بلاد الشرق من الكافرين. أولئك ما يعون في الأصل إلا بطونهم وفروجهم. ليس عندهم شيء آخر ـ الإسلامية لا يفكر إلا في البطن وفى الفرج وما عدا هذا لا يخطر على باله هذا مثل البهيمة فأذن هذا نوع أول من أنواع الذنوب. ثانياً: أقل من الأول ـ معاصي يعصى به الإنسان ربه لكنها تأخذ الاتصاف بالصفات السبعية الان حيوانات لكن حيوانات من نوع آخر. وهى حيوانات مفترسة. وهذا ما يقع من كثير من الناس من الظلم والبغي والعدوان والصيالة على الأموال وهكذا ظلم العباد وإراقة دمائهم والاعتداء على أبدانهم هذا ذنب يعصى فيه الإنسان ربه. شكله شكل صفات الحيونات المفترسة وما أكثر هذا فى الناس في هذه الأيام يسطوا علي أبدان الناس يظلمهم، يذلهم، كما يحصل من الحيوانات المفترسة، بل صار الناس في هذا الوقت يسمون حتى أولادهم بتلك الأسماء ما بين أسد وما بين ذئب وما بين فهد. وما بين وبين.. وهل في تلك الأسماء في الأصل (بياض) يعنى الإنسان يسمى نفسه باسم حيوان مفترس؟ سبحان الله العظيم؟ ! وما أعلم سيوجد في هذا الوقت فرد أم لا؟ أسماء يعنى الاسم في الأصل حيوان مفترس يسمى به الإنسان في كثير من الأحيان ينطبق الاسم على المسمى فتراه سمي بحيوان مفترس وحقيقة هو أعظم البشرية ظلماً وافتراساً وإذلالاً للعباد ولا يتقى في المؤمنين إلاً ولا ذمة. ¬

_ (¬1) - الفرقان: 44

ثالثا: بعد اجتماع الذنوب التي تأخذ شكل الاتصاف بالصفات البهيمية وشكل الاتصاف بالصفات السبعية إذا اجتمعت هاتان في الإنسان تدعوانه إلى صفة ثالثة وهى الخداع والحيل والمكر والغش والنفاق. وهذه صفات من؟ صفات الشيطان الرحيم. وهذه صفات شيطانية تأتى بعد البهيمية والسبعية. (بياض) الصفات البهيمية على أعظم وصف: خمر ومخدرات وعهر وعربدة. بعد ذلك ظلم الناس قطع رقابهم واستولى على أموالهم: يدعوه هذان الوصفات إلى حيل ومكر. كيف يضل الناس؟ وكيف يغويهم؟ وكيف يختال على أعراضهم وأموالهم لإرواء شهوة البطن والفرج. ولأجل السيطرة وغلبته.

وخذ الان من الذين اتصفوا بهذين الوصفين: أخذ أموال الأمم وظلموا الأمم خذ الدعايات المضللة في وسائل الإعلام. هذه صفات من؟ صفات الشيطان. شريعة. وسنحقق العدل. ونحكم ونحكم.. وتنظر: لا توجد شريعة إلا شريعة الغابات الظالم يعتدي على المظلوم والقوى يأكل الضعيف ثم بعد ذلك أي عدل في هذه الحياة إنما تخدير للناس. هذا كما يحصل من الشيطان عندما يقول له. إني جار لك ويزين له المعصية فلما يقع يتبرأ منه ويقول إني بريء منك هذه صفات شيطانية وحيل ومكر وخداع وقد قال بعض من ذهب إلى لعنة الله وغضبه من السباع البشرية المفترسة قال: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين! هذا يعبر عن هذا والسياسة ليس فيها دين، والذي سيدخل الدين في شئون الحياة سأقطعة وأفرمة!! سلك طريق الشيطنة بعد أن سلك طريق السبعية. بعد أن أراق من الدماء ما أراق يسلك بعد ذلك طريق الاحتيال. وقال مرة في مجلس علنى تنقله إذاعات الإعلام: الناس لا يريدون منى أن أحمل السبحة ويقولون هذه بدعة. هؤلاء الجماعة المتطرقون يأتوننا بدين جديد أنا سأقول سبحان الله مائة مرة! أيها الضال المضل تخدع الناس بهذا؟ أنت أحسن من أن تقول سبحان الله أحكم بما أنزل الله. وأما الذكر نافلة إن شئت أن تذكر وإن شئت ألا تذكر. هذه نافلة إذا ذكرت ربك تزداد درجات وإذا لم تذكره ما عليك انه شاء الله عقوبات. لكن تحكم شريعة الشيطان وستسبح الرحمن بعد ذلك! خداع للأمة هذا بعد أن سار في الصفات اليهيمية في الدرجة وصار مبررزا في الصفات السبعية. دعاه ذلك الوصفان إلى الصفات الشيطانية إلى الاحتيال والمكر والخداع والتلبيس على الناس.

رابعا: سيئات تأخذ شكل الاتصاف بالصفات الربوبية. نسأل الله العافية. وهذه أشنع الذنوب وهى أقلها بين الناس بعد أن انهمك في شهوتي البطن والفرج وظلم الناس أراق دمائهم واعتدى على أعراضهم وأذل أبدانهم واحتال عليهم ومكر بهم ماذا سيحصل حالة؟ ((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا)) (¬1) علا ماذا قال؟ قال ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) (¬2) سينازع الله في ربوبيته التكبر والتجبر والعظمة وحب المدح ولا يرتاح إلا بذلك. هذا كله من منازعة الله الربوبية. المدح لا يليق إلا لله. وأما أنت أنت خطاء جهلك أكثر من علمك أنت ينبغي أن تمح؟ المدح ما ينبغي أن يصرف إلا لله جل وعلا. ولذلك الملوك والأمراء عندما لا تستبشر نفوسهم إلا إذا مدحوا. وإذا قال لهم القائل: اتق الله تتمعر وجوههم. ولم؟ لان كل واحد يشعر في قرارة نفسه أنه فرعون الذي مضى وأنه هو رب لهذه الرعية ولذلك من لم يثن عليه بغضب عليه، لم يا عبد الله؟ !. دخل أبو مسلم الخولانى علية رحمة الله على معاوية فقال: السلام عليك أيها الأجير ـ سبحان الله صحابي خليفة المسلمين من المسلمين الطيبين المباركين - رضي الله عنه - وعن سائر الصحابة الكرام لكن هذا هو وصفة. الأمير ما هو؟ الأمير يعنى هو ربنا الأعلى أم استأجرته الرعية وعقدت معه عقداً على أن يرعاها على حسب شريعة الله؟ لا أن يستبد بأموالها ويريق دمائها ويعتدي على أعراضها. فقال الجلساء: قل السلام عليك أيها الأمير ـ فقال: السلام عليك أيها الأجير ثلاثاً: فقال معاوية: دعو أبا مسلم فإنه أدرى بما يقول. ثم قال أبو مسلم أيها الأجير إن الله استأجر على هذه الرعية فان قمت عليها بما يجب أثابك وإلا عاقبك والسلام وخرج. ¬

_ (¬1) - القصص: 4 (¬2) - النازعات: 24

فإذن حب المدح وحب العظمة. التكبر الخيلاء. إذا نزل إلى الشارع ليقطع له الشارع ما ينبغي أن يزاحمة أحد لا يمشى أحد معه.. لم؟ كان الإمام السبكي عليه رحمة الله ومعه والده ـ تاج الدين السبكى يمشى مع تقي الدين السبكى فاعترضهما كلب. فقال تاج الدين السبكي للكلب الذي مش بين يديهما أمام والده: اخسأ كلب ابن كلب فقال له والده: يا بنى قد اغتبته وأذللته والغيبة حرام والإذلال حرام فقال يا والدي أو ليس هو كلب ابن كلب قال شرط الجواب عدم التحقير. يقول: وفى هذه فائدة في انك إذا أردت أن تحزر من عاصي لا تحقره من باب النصح فلم قال يا بنى.. الطريق واسعة يسعني ويسعه. لم تزجره في الطريق كلب يمشى لم تزجره؟ هذا مشى عن كلب والحمار والبشر والبقر ولجميع الناس يعنى من الذي جعلني أتميز عليه في الطريق. إذن حب هذه الأمور هذا من منازعة المخلوق لخالقه لصفات الربوبية. وهذا النوع الرابع من أخص الذنوب وأحقرها ولذلك من يتصف به قليل ((وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)) (¬1) وقد وصل الانحطاط بالناس من زمن قديم في صرف حق الخالق إلى المخلوق إلى حالة يندى لها الجبين ذكر أئمتنا في ترجمة العبد الخاسر المخذول محمد بن هانىء الذي توفى إلى غضب الله وسخطه سنه 362 هـ وهو كما قال الإمام الذهبي: خمير سكير يدين بدين الفلاسفة. قال يمدح المعز لدين الله الفاطمي: ما شئت لا ما شاءت الأقدار واحكم فأنت الواحد القهار ¬

_ (¬1) - الحديد: 24

يخاطب مخلوقا صعلوكاً يغسل الخراءة بيده في اليوم مرتين. بهذا الوصف الذي لا يليق إلا لرب العالمين الحكم لله جل وعلا. الحكم الكوني القدري فلا يخرج عن كلماته بر ولا فاجر. و ((إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)) (¬1) وهكذا الحكم الشرعي ((وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) (¬2) وأما هذا الصعلوك المعز لدين الله الفاطمي هذا هو الذي سيحكم وهو الذي مشيئته نافذة!! أنظر لأئمتنا عندما يعظمون الخالق كيف يقولون كما قال الإمام الشافعي (¬3) : ما شئت كان وان لم أشأ ... وما شئت أن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجرى الفتى والمسن على ذا مننت وهذا ... خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن فمنهم غنى ومنهم فقير ... ومنهم قبيح ومنهم حسن ومنهم شقي ومنهم سعيد ... وكل بأعماله مرتهن وانظر هذا كيف يقول: ما شئت لا ما شاءت الأقدار واحكم فأنت الواحد القهار (بياض) كانت نهاية هذا المادح اللعين؟ سكر حتى غاب عن وعيه مع أصحابه فحملوا السكاكين وقتلوه وهو سكران. طيب هلا أنقذك الذي مشيئته نافذة؟ وهو الذي واحد قهار ويتصرف (بياض) يريد كما يريد؟ نعوذ بالله من هذا الضلال. ¬

_ (¬1) - يونس:49 (¬2) - الكهف:26 (¬3) - قال الإمام ابن عبد البر في كتابة " الانتقاء" صفحة 80: وهذا أصح شيء ثبت عن الشافعي من الشعر وهو أثبت ما (بياض) في الأيمان بالدر. أهـ.

المعصية إذا أخذت هذا الشكل هي أشنع المعاصي، ولذلك لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، والكبرياء رداء الله والعظمة إزاره فمن نازعه واحدة منهم قصمه الله ولا يبالى. والله يحشر المتكبرين يوم القيامة بصورة الذر يطؤهم الناس بأقدامهم لهوانهم (بياض) الله جلا وعلا (¬1) ويقول للمتكبر الجبار يوم القيامة ((ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)) (¬2) (بياض) كنت تعزز وترفع نفسك وتكرمها. ذق هذا العذاب الذي يهينك. ¬

_ (¬1) - قلت: هذه المعاني ثبتت عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة منها: حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [لا يدخل الجنة من كان في قلية مثقال ذرة من كبر فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً. وفعله حسناً قال: ان الله جميل يحب الجمال: الكبر بطر الحق (بياض) الناس] رواة مسلم والترمذي والحاكم وغيرهم. ومنها حديث ابى هريرة (بياض) قال رسول الله: [يقول الله - عز وجل -: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً (بياض) أدخلته النار] رواه مسلم وغيره. وفى لفظ لابن حبان في صحيحه. [فمن نازعني واحداً منهما (بياض) فى النار] وعن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يقول الله جل وعلا الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحد منهما ألقيته فى النار] رواه ابن ماجه وابن حبان (بياض) وللطبراني بنحوه عن فضالة بن عبيد. ومنها أيضأ حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال (بياض) الذل من كل مكان. يساقون إلى سجن فى جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الانيار يسقون من عصارة أهل النار طبنة الخبال] رواه النسائي والبغوى والترمذي وقال حسن صحيح وغيرهما. (¬2) - الدخان: 49

وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه يغضب غاية الغضب أي الله جل وعلا إذا نازعناه في الاسم لا في الحق فإذا (بياض) بما ويجوز أنه يتسمى إلا الله يغضب الله فكيف إذا نازعناه حق من الصفات (بياض) استأثر بها جل وعلا من العظمة والتكبر وحب المدح ـ سبحانه وتعالى ـ؟ ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [أخنع (¬1) اسم (بياض) الله جل علا رجل تسمى بملك الأملاك لا مالك إلا الله] سمي نفسة بأمير الأمراء (بياض) رئيس الرؤساء وحاكم الحكام قال سيفان بن عيينة، أن يسمى نفسة شاهنشاه (¬2) (بياض) رواية في صحيح مسلم [أغيظ رجل واخبثه عند الله رجل تسمى بملك الأملاك لا مالك (بياض) الله] (بياض) أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ـ والحديث في الصحيحين والأحاديث في ذلك متواترة (¬3) ¬

_ (¬1) - أخنع: أحقر اسم وأذله واخبثه وأبشعه. (¬2) - شاهنشاه: هنا في اللغة الفارسية. كما في شاه إيران عليه غضب الرحمن وقد أفضى إلى ما قدم. أهـ قلت: وتكتب هذه الكلمة هكذا أيضاً شاها نشاه (¬3) - قلت من تلك الأحاديث: ما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود ضى الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون] وفيهما ـ الصحيحين ـ أبضاً عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال [أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله] وثبت فى الصحيحين أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أن رسول لله - صلى الله عليه وسلم - قال ـ عندما رأى نمرقة فيها تصاوير ـ: [إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم] وفى صحيح البخاري عن أبى جحيفة - رضي الله عنه - قال [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكلة والواشمة والمستوشمة والمصور] وفى صحيح البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول يقول [من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس (بياض) فيها أبداً] وعند (بياض) مسلم عن ابن عباس: [من صور صورة فى الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ] ومنها عن ابى هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[تخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران. وأذنان تسمعان. ولسان ينطق. تقول: إني وكلّت بثلاث: بكل جبار عنيد. وكل من دعا مع الله إلها آخر. وبالمصورين] رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب. ورجاله ثقات ورواه البغوى وذكره المنذرى في الترغيب. وورد عنه الترمذي بالتذكير: يخرج عنق من النار يوم القيامة له..........يقول........الخ وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [قال الله تعالى: ومن أظلم من ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرّة. وليخلقوا حبّه وليخلقوا شعيرة] . قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح الإمام مسلم (14/81) قال أصحابنا وغيرهم من العلماء تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه (بياض) عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أوبغيرة فصنعته حرام بكل مال لأنه فيه مضاهاة لخلق الله تعالى. وسواء ما كان في ثوب أو وسادة أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها. وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام إلى أن قال: قال بذلك جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب الثوري ومالك وأبى حنيفة وغيرهم " أهـ وعليه فالنص عام ـ كما قال الإمام الزهري ـ في الرسم والنحت وما يسمى الان بتثبيت الظل. وكل ما فيه روح من حيوان أو إنسان فهو حرام. وقد بوب النووي رحمة الله في " رياض الصالحين " صفحة 47 باباً فقال: " باب تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم أو مخدة أو دينار أو وسادة وغير ذلك وتحريم اتخاذ الصورة في حائط وستر وعمامة وثوب ونحوها والأمر بإتلاف الصور ".

أن اشد الناس عذاباً يوما القيامة المصورون. وهؤلاء يضاهئون خلق الله في الصور ولا يدعون أخذ حقه وانه لا يثبت لله (بياض) وأنهم هم الخالقون. لا. لكن صوروا ما خلقه الله مما له روح. ومن نازع الله في التسمية (بياض) أخنع إنسان وأوضعه فكيف بمن نازعه حقه الذي انفرد به سبحانه وتعالى من التكبر من العظمة (بياض) المدح من من؟ كل هذا من الذنوب القاصمة المهلكة. أذن النوع الرابع ذنوب يعصى بها الإنسان ربه تأخذ شكل الاتصاف بالصفات الربوبية وهذه آخر الذنوب وحقيقة بعد أن يمر الإنسان بالمراحل الثلاثة بهيمي حيواني. سبعي مفترس صار بعد ذلك شيطان مريد ـ ماذا سيفعل؟ سينازع الله بعد ذلك في الربوبيه والألوهية ويدعى أنه من صنف أخر ممتاز له ما ليس لغيره كما هو الواقع في عتاة البشرية في كل وقت لهم ما ليس لغيرهم ويلون العباد ويفرحون بالمدح عندما يمدحون وهكذا كله من منازعة الله جل وعلا لحقه.

إخوتي الكرام: قبل أن ندخل في المبحث الرابع أحب أن أشير إلى قصة طريفة نقلها أئمتنا في ترجمة أبى الحسن على بن عيّاش ـ وهو من رجال صحيح الإمام البخاري وأخذ بحديثه أهل السنن الأربعة وهو حافظ عابد توفى سنة 219 هـ ـ. استدعى هذا العبد الصالح من بلاد الشام ليقابل الخليفة المأمون فلما دخل عليه وكان الوسيط في ذلك يحيى بن أكثم: القاضي فلما دخل على بن عياش سلم وتبسم. ثم بكى وأكثر من البكاء والنحيب. فقال الخليفة المأمون ليحي بن أكثم: أدخلت على مجنوناً يبتسم ثم يبكى! قال الإمام الذهبي علية رحمة الله في سير أعلام النبلاء. وإنما لبتسم لأنه سلم على مسلم ـ والخليفة المأمون وغيره مهما دخلوا في أمور الجور ما زالوا ضمن دائرة الإسلام لا اله إلا اله محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرنا أن نبش وان نبتسم في وجوه المسلمين لكنه نظر بعد ذلك إلى مجلس المأمون فرأى الكبر والجبروت فبكى حزناً على هذه الحالة التي أفضى إليها حال المسلمين فإذن هذا الحال كأن هذا المخلوق الضعيف بنازع الله القوى بتلك الأوصاف الجليلة الجميلة العظيمة. العظمة حب المدح. يدخل بعد ذلك إلى هذا القصر تعظيم ومدح وثناء وما شاكل هذا وحقيقة إذا كان الأمر كذلك هذا يستدعى البكاء فقال يحي بن أكثم للخليفة المأمون: يا أمير المؤمنين ما دخل عليك أحد من أهل الشام أفضل منه. هو خير أهل الشام إلا أبا المغيرة. فكيف أنت تقول أنه مجنون؟ لكن هذا البكاء ينبغي أن يكون واعظاً لك لما أنت عليه من معصية الله ومخالفته. اتصفت بأشنع الذنوب وأقبحها وأخبثها وهى ذنوب تنازع بها الله جل وعلا في الربوبية من الكبر وحب المدح والعظمة والتعالي وهذا لا يليق بمخلوق ولا يجوز لمخلوق أن يأخذه وبذلك لما دخل عليك سلم وابتسم ثم بكى وأكثر من النحيب والبكاء على بن عياش عليه وعلى أئمة المسلمين رحمة الله ورضوانه. المبحث الرابع أسباب الذنوب

السيئات والذنوب مهما كثرت وتنوعت وكانت ضمن أجناس أربعة ولها فروع كثيرة سببها فساد إحدى أمرين في الإنسان لا ثالث لهما: 1. إما فساد في قوته العلمية النظرية. 2. وإما فساد في قوته العملية الإرادية. فإذا فسدت القوى العملية النظرية يقع في الشبهات. وإذا فسدت القوة العملية الإرادية يقع في الشهوات. وهما منبع جميع الآفات. شبهة وشهوة. كل معصية لا تخرج عن أحد هذين النوعين إما شبهه سببها فساد القوى العلمية عند الإنسان أي ما عرف الحق وما عرف العلم النافع وما رزق بصيرة فتخبط فأشرك بالله - عز وجل - وعبد حجرا لا يضر ولا ينفع، وتوكل على مخلوق وعظم مخلوقاً وأثنى عليه وترك الخالق جل وعلا.. ما سبب هذا؟ فساد في القوى العلمية. هو لو علم أن هذا المخلوق لا يملك لنفسه ـ فضلاً عن غيره ـ ضراً ولا نفعاً لما عبده من دون الله لما جىء بسيد المسلمين في زمنه سعيد بن جبير تلميذ ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين إلى الحجاج الظالم المشهور سفاك الدماء قال له: لأقتلنك قتلة ما قتلت بها أحداً ـ أخبث قتلة. ثم قال له: وستوردك هذه القتلة ناراًَ تلظي. قال أيها الأمير: لو كنت كذلك ما اتخذت إلهاً غيرك. إذا كان بيدك أن تدخلني ناراً تلظي لعبدتك من دون الله. نعم بيدك أن تقطع الرقبة. كما قال السحرة لفرعون ((فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) (¬1) وهذه: القاضي والمقضي عليه الكل سيقضى عليه في النهاية ((إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)) (¬2) أين الجبابرة الذين سفكوا من الدماء ما لو جمع لسار منه نهر عظيم؟ أين هم؟ ذهبوا بعد ذلك ولحقوا من سفكوا دمائهم. تقضي هذه الحياة الدنيا وهذه حياة دنيئة قريبة الزوال لا وزن لها عند الله ولا تعدل عند الله جناح بعوضه. ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى منها كافراً جرعة ماء لهوان الكافر على الله جل وعلا. ¬

_ (¬1) - طه: 72 (¬2) - مريم: 40

إذن أنت ماذا تفعل؟ فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا أما أنك تدخلني الجنة أو أنك تدخلني جهنم. هذا ليس بيدك. لو كان بيدك أن تدخلني إحدى الدارين لعبدتك من دون الله لو كان كذلك ما اتخذت إلها غيرك. فلو علم المخلوق أن هذا الأمير وهذا الوزير وهذا المسئول من صغير أو كبير لا يملك لنفسه فضلاً عن غيره نفعاً ولا ضراً هل يلجأ إليه؟ يتوكل عليه؟ يتمسح بأعتابه ويقف عند بابه؟ وينحني له؟ لا هذا لا يصرفه إلا لله رب العالمين سبحانه وتعالى، بيده ملكوت كل شيء وبيده خزائن الأمور سبحانه وتعالى. ((مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) (¬1) . ¬

_ (¬1) - فاطر: 2

ولذلك عندما تفسد القوة العلمية القوى النظرية لا يكون عند الإنسان بصيرة وعلماً نافعاً يقع في الشبهات ويشرك برب الأرض والسموات وعندما تفسد القوى الإرادية العملية هو عرف الحق ومؤمن مهتدى وما أشرك بالله شيئاً لكن ما عنده عزيمة ما عنده ميل للحق وحب له وتصميم على فعله.. ماذا يقع؟ يقع منه غناء وزنا وأكل ربا وسرقة وغش وخيانة.. هذه كلها دافعها الشهوات أو شبهات. ولذلك جميع الآفات إما أن ترجع لسيئة فساد القوة العلمية وإما لسيئة فساد القوة العملية شبهة أو شهوة. والذي لا يتنزه عن الفساد الأول والسيئة الأولى لا يمكنه أن يتنزه عن الفساد الثاني قصعاً وجزماً ولذلك لا يمكن للإنسان أن يتطهر من مرض الشهوة إلا إذا تطهر من مرض الشبهة. وأما مرض الشبهة فقد يتطهر منه ويقع في الشهوة. لكن هل هناك إنسان يفطم نفسه عن الشهوات والمحرمات وهو ممتلىء بفساد الفكر وخبث النظر ونجاسة القلب؟ لا يمكن أبداً ذاك لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ولا يرى أن هذا حلال وأن هذا حرام. ولا يتورع عن رذيلة وإذا فسدت القوة العلمية النظرية سيتبعها آفات شهوانية. لكن أحيانا القوى العلمية تكون سليمة ولكن الإنسان ما يستطيع أن يزم نفسه بزمام التقوى فما عنده عزيمة ولا ميل للحق وحب له وإرادة على العمل به ولذلك لا يمكن للإنسان أن يتطهر من مرض الشهوة إلا إذا تطهر من مرض الشبهة. ولذلك من كان مرضه في مرض الشهوة إلا إذا تطهر من مرض الشبهة ولذلك من كان مرضه في مرض الشهوة سرعان ما يفيء ويرجع إلى الحق. ومعصية اللعين إبليس كانت من باب الشبهة. ومعصية أبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامة فكانت من باب الشهوة (بياض) معصية إبليس أن يطلب: من ربه الأنظار إلى يوم الدين ليزداد ضلالاً وعتواً ولعنة من الله جل وعلا.

وآلت معصية آدم الذي تمت واستقامت وحسنت قوته العلمية النظرية آلت معصيته الشهوانية أن يقول ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (¬1) فكانت النتيجة: ((ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)) (¬2) وصار حاله بعد التوبة خيراً من حاله قبل التوبة. وفى الغالب أكثر أمراض الشهوات سببها فساد في القوى العلمية أي وجود شبهات والإنسان حقيقة إذا ما عرف الله جل وعلا كما ينبغي وما عظم الله حق تعظيمه لا يكون عنده رادع بعد ذلك عن فعل فاحشة من الفواحش وموبقة من الموبقات. وقد أشار نبينا صلوات الله وسلامه عليه إلى هذين المرضين الخطرين. ففي مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومعاجم الطبراني الثلاثة بسند صحيح عن أبى برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى شهوات الغي في البطون والفروج هذه هي مرض الشهوة. ومضلات الهوى هي مرض الشبهة وكل منهما مرض بنص القرآن. يقول الله تعالى ((فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضاً)) (¬3) ويقول عن مرض الشهوة: ((فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)) (¬4) هنا شهوة وهناك شبهة. ¬

_ (¬1) - الأعراف: 23 (¬2) - طه:122 (¬3) - البقرة: 10 (¬4) - الأحزاب: 32

إخوتي الكرام: عند الإنسان قوتان لا تتعطلان. القوى الأولى كما قلنا علمية نظرية لابد من أن يعتقد شيئاً ولا بد من أن يمتلىء ذهنه وقلبه من أفكار ومعلومات ولا بد بعد ذلك أن تتحرك جوارحه وأن تسعى. لكن إما أن يرى الحق حقاً وأن يرزق إتباعه وأن يحببه الله فيه. وأن يرى الباطل باطلاً ويرزقه الله اجتنابه وأن يكرهه الله فيه. وإما أن ينعكس الأمر. أحد أمرين. إما أن الإنسان خٍلْوَاً خالياً من معرفة الحق والباطل لا يعتقد حقاً ولا باطلاً، وخلواً ومن عمل الحق والباطل هذا لا يتصور ولا يوجد، لابد من عمل ولا بد من اعتقاد ((فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ)) (¬1) ولذلك كان أئمتنا يقولون: القلوب طواحين. والطاحون تتحرك باستمرار لكن بعض الطواحين تطحن براً حباً نظيفاً جيداً. وبعضها تأتى تضع فيها حجر ولا تخرج لك بعد ذلك إلا بلاءً. والقلب يتحرك ولا يفتر. إما أن يتحرك بذكر الله وطاعته. وإما أن يتحرك بمعصية الله وغضبه. وكان أئمتنا يقولون: النفوس جوّالة. إما أن تجول حول العرش وإما أن تجول حول الحش (¬2) إما تكون في فضيلة وإما في رذيلة. كما قال النبي: [كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها] (¬3) لابد من كسب إما صالح وإما خبيث. وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا. ¬

_ (¬1) - يونس:32 (¬2) - وهي المزابل (¬3) - قلت: هذا الحديث مروى عن أبى مالك الاشعرى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها] رواه مسلم وأحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي

ففي سنن أبى داود والنسائي عن أبى وهب الجشمي - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأقبحها حرب ومرة وأصدقها حارث وهمام] (¬1) والحديث في درجة القبول وفى درجة الحسن إن شاء الله ويشهد لبعضه ما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن] (¬2) وورد أيضا: [تسموا بأسماء الأنبياء] عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. الشاهد إخوتي الكرام: أصدق الأسماء أو أصدق أسم ينطبق على مسماه ويدل على مسماه حارث وهمام. حارث مكتسب فاعل لكن ـ إما أن يكتسب خيرا وإما أن يكتسب شرا. إما أن يكتسب درا وإما أن يكتسب بعراً. أحد أمرين. ¬

_ (¬1) - قلت: روى الحديث أيضا الإمام البخاري في ((الأدب المفرد)) صفحة 357 والإمام أحمد في المسند (بياض) وذكره المنذري في الترغيب (بياض) وله شاهد آخر عند مسلم عن المغيره بن شعبة مرفوعاً أنهم كانوا يسمون (بياض) بأنبيائهم والصالحين (بياض) (¬2) - وله شاهد آخر عند مسلم عن المغيره بن شعبة مرفوعاً أنهم كانوا يسمون (بياض) بأنبيائهم والصالحين (بياض)

لابد من اكتساب. وهما: إما أن يجول حول العرش وإما أن يجول حول الحش. والإنسان على نفسه بصيرة وعندما يريد أن ينام ينظر كم يأتيه من خواطر. وإذ أراد الإنسان أن يعرف قيمته عند ربه فلينظر إلى خواطر نفسه بأي شيء يفكر؟ حقيقة إذا كان يفكر في كلام الله وحديث رسول عليه الصلاة والسلام وفى نعم الله عليه وفى الموت وما بعده وكيف سيلتقي بالله جل وعلا. فأكرم به من رجل طيب فكراً وسلوكاً. وإذا كان عندما يبحث في أفكاره يراها حول أغنية كذا وحول راقصة كذا وحول أمير كذا وحول اجتماع كذا.. تراه مع المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم فضلاً عن غيرهم ضراً ولا نفعاً. يفكر فيهم وقصر تفكيره عليهم ولم يجاوز هذا التفكير الحياة الدنيا وزينتها. هذا حقيقة ممن غضب الله عليه وسخط عليه. ولذلك إذا أراد الإنسان أن يعرف قدره عند ربه فلينظر إلى أفكاره والى هواجس نفسه فبعد ذلك يتحقق من حاله هل هو خبيث أو نفيس؟ والإنسان على نفسه بصيرة ـ كما قال الله جل وعلا (¬1) . ¬

_ (¬1) - قلت: الآية التي أشار إليها شيخنا في سورة القيامة ((بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)) (14) سورة القيامة

إذن اصدق الأسماء حارث وهمام، لا يخلو أحد من هم وكما قال الإمام الشافعي: صحبت الصوفية فما انتفعت منهم إلا بكلمتين: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. النفس إن لم تشغلها بحق شغلتك بباطل. الشاهد في الكلمة الثانية. فهذه النفس لا بد لها من شغل ولا بد لها من همّ ولا بد لها من حركة إما أن تشغلها بحق وإلا تشغلك بباطل. ولذلك إخوتي الكرام , عبادة الله الذكر على وجه الخصوص ما ذكرها الله وطلبها منا إلا وقرن الأمر بالإكثار. لم؟ لأمور كثيرة منها هذا الأمر وهو أن النفس لن تكون خاليه ولذلك أشغلها بذكر الله ثم هذا الذكر لا يحتاج ما تحتاجه العبادات الأخرى من الصلاة والصيام والحج من شروط واستقبال وأركان ولا يحتاج هنا على الإطلاق. يمكنك أن تذكر بلسانك وبإمكانك أن تذكر بقلبك وبإمكانك أن تجمع بينهما فإذن ((اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)) (¬1) ((وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ)) (¬2) ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ)) (¬3) وكان عليه الصلاة والسلام يذكر الله على جميع أحيانه. لِمَ؟ لأن النفس لا بد لها من عمل. لابد لها من حركة. اشغلها بحق وإلا شغلتك بباطل. وانظر الآن لأهل السيارات ينقسمون أقسام. إما أحياناً يذكر الله ويقرأ. وأحياناً بما أن الأمور تطورت عنده شريط يضعه ويسمع القرآن أو حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أو موعظة من المواعظ حقيقة يدل على تقوى وأن الإنسان يراقب خالقه. وانظر بعد ذلك للهمج الرعاع النسبة الكبيرة يضع الشريط ما كفى أن خبثه النفس يعمل ويفكر في الضلال ليزداد أيضاً ضلالاً آخر من غيره فيضع ايضاً شريط غناء شريط تمثيلية شريط ... الله عليم بالمفاسد الكثيرة التي اصطنعها الناس. لابد له من عمل وحركة وإرادة. ¬

_ (¬1) - الأحزاب: 41 (¬2) - الأحزاب: 35 (¬3) - آل عمران:191

ولذلك إخوتي الكرام: إذا كان الأمر كذلك فينبغي للإنسان أن ينتبه إلى نفسه وأن يراقب قوته العلمية النظرية والقوة الإرادية العملية. وهاتان القوتان اكتملتا في نبينا عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري وغيره: [أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية] العلم بالله: قوة علمية نظرية. الخشية: قوة إرادية عملية.

إخوتي الكرام: وعماد صلاح هذين الأمرين: أن يخشع القلب وأن يتعلق بالرب. كما في حديث النعمان ابن بشير [ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب] (¬1) وإذا فسد القلب فسد اللسان وفسدت الأذن وفسدت سائر الأركان والى هذا أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - في حديثة الذي هو في درجه الحسن ثابت عنه عليه صلوات الله وسلامه يبين لنا أن القلب إذا تعلق بفساد فلا يقبل الإنسان بعد ذلك نصحاً ولا يعي رشداً ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبى داود والأدب المفرد للبخاري عن أبى الدرداء - رضي الله عنه - ورواه الخرائطي عن أبى برزة ورواه ابن عساكر عنة عبد الله بن أنيس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [حبك الشيء يُعنى ويصيب] فالقلب إذا تعلق بشيء فأنت تبصره بمفاسد ومساوىء ذلك الشيء فلا يراه. وتنصحه وتقول له يا عبد الله شهوة خسيسة زائلة لا وزن لها ولا اعتبار فكر في الدار الآخرة.. لا يسمع. فحقيقة إذا فسد القلب فلا علاج للإنسان إلا إذا من الله على هذا الإنسان بالهداية وتطهير قلبه وقد قال الله عن صنف ممن غضب الله عليهم ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (¬2) . ¬

_ (¬1) - قلت: حديث النعمان متفق على صحته وفيه [إن الحلال بيّن وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد إستبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب] . (¬2) - المائدة: 41

إخوتي الكرام: ولذلك إذا أراد الإنسان أن يتحقق من سلامة نفسه وإذا أراد أن يعلم أنه على هدى ولا يقع في فعل الردى فليتنبه إلى أربعة أمور. كان أئمتنا عليهم رحمة الله ينبهون عليها ويرشدون طالب العلم. والسالك طريق الآخرة إلى الانتباه لها. ومن هذه الأمور تدخل عليه مداخل الشيطان ويقع بعد ذلك في شرك الشيطان وفى وسوسته أولها: الخطرات (¬1) وثانيها: اللحظات (¬2) . وثالثها: اللفظات (¬3) . ورابعها: الخطوات (¬4) . اضبط هذه الأمور أما القلب فهذا هو البداية وهو المحرك لجميع الأعضاء فانتبه. أول ما يقع في قلبك من الوساوس يكون في أول الأمر خاطر. قال الإمام ابن القيم عليه رحمه الله في كتاب " الفوائد (¬5) صفحة 31: ادفع الخطرة فإن لم تدفعها فستصير فكرة وحاربها إن لم تفعل فستصبح بعد ذلك شهوة فحارب الشهوة وقاومها فإن لم تفعل فستصبح فعلاً فافعل نقيض ذلك واترك ذلك الفعل لتبتعد عنه فإن لم تفعل فستصير بعد ذلك عادة فيصعب عليك الانتقال. ¬

_ (¬1) - هذه في القلب (¬2) - النظرات (¬3) - الكلام (¬4) - خطوات وحركة (¬5) - وهو غير كتاب " بدائع الفوائد " فهذا يقع في أربعة أجزاء في مجلدين كبيرين. "والفوائد"مجلد لطيف الحجم مجرود 300 صفحة عظيم النفع.

إذن خطرة في قلبك تبعها فكرة. بدأت تفكر. تبعها بعد ذلك شهوة. تبعها عمل وفعل تبعها عادة وديدن ومواظبة كم يصعب على الإنسان أن يترك الأمر بعد أن يعتاد عليه؟ وكم يسهل عليه أن يدفعه في البداية عندما يكون خاطراً خطر بباله! وكما سنذكر أن ما يقع في النفوس يمر بخمسة مراحل: أولا الهاجس ثم الخاطر ثم حديث النفس ثم الهمّ ثم العزم. فالأول دفعه ما أيسره ولذلك إذا خطر ببالك شيء من وساوس الشيطان فاختصر الطريق ولا داعي لمجاهدة كثيرة قل مباشرة كما قال الله ((وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (¬1) ((فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) (¬2) . استعذ بالله وانته. إذا ما فعلت هذا فينتقل الأمر لفكرك لتفكر فيه وتبحث فيه ويرسخ ما فعلت وأزلته من فكرك سيصبح شهوة راسخة في نفسك ما دفعته سيصبح عملاً في حيز الوقوع ما دفعته بنقيضه وكففت نفسك عنه سيصبح خلقاً لك لازماً وعادة ثابتة هيهات هيهات أن تقلع عن ذلك. إذن أولها الخطرات. راقب خطرات القلب من البداية. يأتي بعد الخطرات النظرات. اللحظات النظرة حقيقة أوله أسف وآخرة تلف. أول ما ينظر يتأسف فيرى لا ما كله هو قادر عليه ولا عن بعضه هو صابر فيتأسف وعندما يطلق نظره أن أملقه للأغنياء يهتم ما عنده أموال كما عندهم وإن أطلق نفسه للنساء يهتم أنه ما يستطيع أن يتصل بهن ويقع في عناء وبلاء.. أسف وآخرة تلف (¬3) . كل الحوادث مبدأها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر يسر فعلته ما ضر مهجته ... لا مرحباً بسرورعاد بالضرر والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين العلم موقوف علي الخطر ¬

_ (¬1) - فصلت: 36 (¬2) - الأعراف:200 (¬3) - أي امتحان

ولذلك كم نظرة قتلت الإنسان؟ وحزار حزار أن تقع في المخالفة. تقول: نظرة سهلة وهى من اللمم ... حقيقة هي من اللمم (¬1) ولكن أخشى أن ينقلك هذا اللمم إلى بلاء جمّ وأنت لا تدرى فهي. هذه الصغيرة ـ لو أقلعت عنها نعمة لكن لو تبعتها بعد ذلك صغائر وجرّت إلى كبائر وصار ديدناً لك ونقلتك بعد ذلك إلى استحسان المحرمات واستحلالها: المعاصي بريد الكفر. يعنى هي معصية لكن آلت إلى كفر وخروج من الدين بواسطة نظرة واحدة إخوتي الكرام: ما دام الإنسان ضمن شرع الله يخيم عليه عناية الله إذا عصى الله تخلت عناية الله عنه. فقد يقع في الكفر وقد يبقى في المعصية وقد يقلع لكن العناية الأن ابتعدت عنه كما قال علية الصلاة والسلام [لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن] (¬2) وهو الآن خرج. فإذن ماذا سيقع بعد ذلك منه؟ هل يعود أو يستحل ما فعلة فيخرج من الإيمان كلياً؟ هذا علمه عند ربى. وكم من إنسان كفر من أجل نظرة واحدة. ¬

_ (¬1) - كما سيأتينا في تعريف الكبائر والصغائر (¬2) - قلت هذا الحديث متفق على صحته من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -[لا يزنى حين الزاني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. وولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا ينتهي نهية يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن] .

خرج بعض الناس ليؤذن فلما رقى المنارة وقع نظرة على بعض البيوت فرأى امرأة حسناء فتنته. ترك ونزل (¬1) ذهب وطرق الباب وقال: القلب تعلق بك. قالت: إلى حرام لا أجيبك والى زواج لا أتزوجك فأنت مسلم وهى نصرانية. قال فماذا افعل؟: قالت فما لك إلا أن تتنصر ـ إذا إتنصرت تخطبنى من أهلي ويتم الزواج.. قال: هذا سهل. ـ التنصر سهل! ـ قالت أهلي لا يصدقون إلا إذا جئت في المساء والصليب على صدرك فإذا جئت وعليك الصليب وقلت أنا دخلت في النصرانية وتخطبني أنا بعد ذلك أظهر القبول ولعل بعد ذلك الأمر يتم فذهب وأعد نفسه واشترى الصليب وجاء بعد ذلك في المساء فعملت مع أهلها مكيدة فلما دخل ذبحوه وألقوه على مزبلة والصليب في صدره!! بواسطة نظرة (¬2) . كم نظرة فعلت في قلب صاحبها ... فعل السهام بلا قوس ولا وتر فإذن انتبه للخطرات. وانتبه للحظات. النظرات راقبها واتق الله فيها. وقد جمع الله بين هاتين المفسدتين وهذين الأمرين وأشار إليهما لنستحضر عظمته ونراقب الخطرات واللحظات فقال ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (¬3)) ) (¬4) . ¬

_ (¬1) - هذا في حق اللحظات (¬2) - طيب ماذا عندها؟ عندها ما يستحى من النظر إليه وهذه كما يقول علماؤنا: أعلى شيىء من شهوات الدنيا وهى أخسها. مبال في مبال. يعنى هذه يتعلق بها عقلاء الرجال!! سواءت تكشف ... وكما قالت المرآة الصالحة هند رضي الله عنها: ما أقبح ذلك الفعل حلالاً فكيف به حراماً؟. تترك الأذان وطاعة الرحمن من أجل امرأة؟ نسأل الله السلامة. (¬3) - في حق الخطرات (¬4) - غافر: 19

فإذا حصل في صدرك شيىء استحضر هذه الآية. لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. ((أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (¬1) ((وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (¬2) . وأما الباب الثالث الذي ينبغي أن تراقبه: اللفظات. هذا اللسان أكثر خطايا بنى آدم في ألسنتهم. وفى حديث معاذ بن جبل في سنن الترمذي وغيرة بسند صحيح. [كف عليك هذا. قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم] (¬3) هذا اللسان اتق الله فيه [من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيراً أو ليصمت] (¬4) أنتبه لهذا. إن كنت تؤمن بالله واليوم الأخر وأنك ستصير إليه حافظ على هذه الوصية. الكلام فيه خير تكلم. ما فيه خير دعك من الهزرمة والكلام الفارغ. هذا إذا لم يكن في إثم ومعصية. طبخنا وذهبنا وجئنا وعملنا وكذا ... من كلام تشغل له نفسك وغيرك ولا فائدة منه. هلا جعلت مكان هذا تسبيحاً لله جل وعلا؟ فإذا قلت سبحان الله وبحمده تغرس لك نخله في الجنة. وتجلس يوم كامل: طبخنا وذهبنا وجئنا وو.... كلام كله فارغ من الفضول. هذا إذا لم تدخل بعدها في غيبه ونميمة وقذف وبهتان وغير ذلك اللفظات لا بد من مراقبتها. ¬

_ (¬1) - هود:5 (¬2) - الملك: 13 (¬3) - قلت: الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقى والبغوى ورواه الطبراني ـ مختصراً ـ والمنذرى (الترغيب: 3/528 وما بعدها) . (¬4) - قلت: الحديث صحيح (بياض) ومسلم الترمذي وابن ماجة والدارمى ومالك في الموطأ وأحمد في المسند والبغوى والمنذرى عن أبى هريرة.

يليها بعد ذلك كما قلنا. ـ الخطوات. أين تذهب وكيف تتحرك؟ إنتبه لهذا وعثرت الإنسان إما من لسانه وإما من رجله. عثرت الرجل تبرأ على مهل كما يقول علماؤنا. لكن عثرت اللسان تدخله القبر وتوقعه في الكفر. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام والحديث في الصحيح [المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده] (¬1) قدم اللسان لم؟ ضرره أشد ودائرته أوسع. هذا يتناول الحي والميت. الميت سلم من يدك أما من لسانك ما سلم، يناول الحاضر والغائب، الغائب سلم من يدك مهما كنت سفاكا بطاشاً هرب منك، لكن ما يسلم من لسانك أينما كان وثم هذا أوسع لمن تقدر عليه ولمن لا تقدر. البد لا تستطيع أن تمدها إلا من تقدر عليه إذا كان مستضعفاً وأنت قوى. إما اللسان تجلس في بيتك وتغلق الباب عليك وتطلق لسانك مثل الإذاعة على فلان وفلان من أمير إلى وزير إلى شيخ إلى كبير ما يسلم أحد منك. لكن أمامهم ما تستطيع تشير بإصبع لأنك ما عندك قوة ولا جراه هذا اللسان دائرة أوسع. وخطرة أشنع فقدمه النبي - صلى الله عليه وسلم - عثرت اللسان وعثرن الرجل أيهما أعظم؟ اللسان جمع الله بينهما أيضاً في آية فقال ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)) (¬2) إذن أرجلهم تضبط ويمشون بسكينه وتؤدة. فلا يوجد تجبر ولا تكبر ولا ضرب للأرض ولا قطع للطريق. وإذا تجاهل كما أنهم لا يقعون في عثرت في أرجلهم لا يقعون في عثرت بألسنتهم قالوا سلاماً قولاً يسلمون من الإثم ومن الخطيئة والمعصية. ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث في صحيح (بياض) وسنن الترمذي والنسائي ومسند أحمد وغيرهم (بياض) عبد الله بن عمرو. (¬2) - الفرقان: 63

إذن هناك خطرات ولحظات: ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) (¬1) ، وهنا لفظات وخطوات ((يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)) راقب هذه الأمور الأربعة وحقيقة إذا اتقيت الله فيها وأحكمت هذه الأمور وما دخل عليك الشيطان من شيء منها فأنت إن شاء الله في حرز أمين في جوار رب العالمين. فالقلب لا يفكر بقبيح والعين لا تنظر إلى قبيح واللسان لا يتكلم بقبيح والجوارح والفعل والأرجل لا تمشى إلى قبيح؟. راقب هذه الأمور من خطوات ولحظات ولفظات وخطرات. أخوتي الكرام: هذه اللفظات ينبغي أن نتقى الله فيها. وقلت عماد كل ما تقدم القلب. لكن القلب لا يطلع عليه إلا الرب. نحن ما نطلع إلا على الظاهر إذا أردت أن تعرف صلاح الإنسان من فساده زن كلامه وانظر إلى كلامه. ولذلك كان أئمتنا يقولون: القلوب قدور ـ، لكن ماذا يوجد في القدر؟ ما تستطيع أن تعرف إلا بالمغرفة فإذا غرفت يظهر هل فيه لحم أو فيه عدس. وهنا القلوب قدور ومغارفها الألسن. فإذا تكلم تعلم ماذا في القلب. هل فيه طيب أو فيه خبيث. وأحيانا ترى الإنسان تعجب به فإذا تكلم سقط من عينك. وقلت هذا شيطان مريد وأحياناً ترى الإنسان وقد تزدريه. تقول هذا مسكين لا يؤبه به فإذا تكلم ملك قلبك. فإذن القلوب قدور لكن المغارف هي الألسن وكان أئمتنا يقولون: هذه الأفواه حوانيت لكن ماذا في داخلها؟ لا نعلم إلا إذا تحركت هذه القطعة ـ فإذا تكلم الإنسان ظهر العطار من البيطار. هل هو عطار أو بيطار؟ ! ماذا عنده من حرفه ومهنه؟ هذا يظهره اللسان. فاتق الله في لفظاتك وفى لحظاتك وفى خطراتك وفى آخر الأمور وهى خطواتك (بياض) . المبحث الخامس أقسام الناس في ترك الذنوب إخوتي الكرام: هذه المعاصي التي يقع الإنسان فبها ما هي دون الشرك. هذه طريق موصل إلى الشرك وكذلك ينبغي للإنسان أن يحذر من كل معصية صغيرة أو كبيرة. ¬

_ (¬1) - غافر: 19

وقد نقل عن العبد الصالح أبى حفص النيسابورى وهو من أئمة الهدى وكان يلقب بنور الإسلام عليهم رحمة الله من ألائمة الصالحين. والرجل توفى سنة 265 هـ (¬1) يقول: المعاصي بريد الكفر. كما أن الحمى بريد الموت (¬2) الحمى علامة الموت. والمعصية علاجة على وصول الإنسان إلى الكفر رسالة تضعها في رأس الخيمة تصل إلى مصراً والهند عن طريق البريد. ومعصية أحياناً نظرة وهى من اللمم جرتك إلى زنا وهى من الكبائر جرك إلى استحلال. أخرجك من دين الله - عز وجل - وأنت لا تدرى. والإمام بن القيم علية رحمة الله يقول جملة أيضاً طيبة في بيان أثر المعاصي تساوى هذه الجملة المنقولة عن أبى حفص النيسابورى وتعدلها. يقول (¬3) : المعاصي دهليز الشرك والدهليز هو الطريق الضيق الذي يوصل إلى بيوت. فإذن هذا سيوصلك في النهاية إلى البيت فإذا سلكته ـ هذا الدهليز الضيق. يوصلك بعد ذلك إلى بيت إلى منفذ إلى دكان.. وهذه المعاصي دهليز، وطريق ضيق سينقلك بعد ذلك إلى غاية وهى الشرك. ولذلك يجب ترك جميع المعاصي صغيرها وكبيرها والحذر من جميعها والناس في تركها ينقسمون إلى ثلاثة أقسام. 1. إما أن يترك الناس الذنوب والعيوب خشية من علام العيوب وهذه حالة المؤمنين الصادقين. وإذا تركوا المعاصي خشية من الله يثابون على ذلك وقد ثبت في الصحيحين في حديث السبعة الذين يظللون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله منهم: [ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله] ترك الذنوب خشية من علام الغيوب هذا حال الصديقين وحال المؤمنين. ¬

_ (¬1) - كما في سير (بياض) : 12/510 (¬2) - والإمام (بياض) عليهم جميعا رحمة الله يكرران هذه الجملة وهى منقولة عن هذا العبد الصالح. (¬3) - في كتابة الجواب الكافي لمن سأل عن الجواب الشافي

2. الصنف الثاني: تركها سفهللة. ما خطرت بباله أصلاً. لا تشوق إليها ولا تركها خشية من الله جلا وعلا. شرب الخمر ما خطر ببالة ما اشتهى ولا قال أنا تركته خشية لله ومنه: يقول: هذا ما أشتهيه ولا أريده. تركته خشية من الله؟ يقول: ما حصل هذا المعنى في قلبي لو كنت اشتهيه هل اشربه أم لا ما أعلم. لكن أنا الآن لا أشتهيه ولا اشربه. هذه الحالة لا ثواب ولا عقاب. لا يثاب مع انه ترك الفواحش لان التروك كلها لا يثاب الإنسان على تركها إلا إذا تركها خشية من الله جل وعلا فقد يكون سببها العجز وقد يكون سببها عدم الرغبة وقد وقد ... وليس في هذا مدح. ولذلك كل نفس إذا لم يدل على إثبات ما يضاده فلا مدح فيه ولا مدح في أن تقول: هذا الإنسان لا يزنى هذا ليس فيه مدح على الإطلاق. لا يزنى لأنه عنين لا يزنى لأنه مقطوع الذكر مجبور. لا يزنى لأنه لا يتيسر له. يدور الشوارع في الليل والنهار ولا يحصل من يجيبه إلى فاحشة. هل في هذا مدح؟ ليس في ذلك مدح إنما المدح أن تقول هذا عفيف يخاف الله جل وعلا. تصفه بالعفة. هذا حقيقة صفة ثبوتية اتصف بها أما أن تنفى عنه نقيصة. ما سبب النفي؟ هل وجود العفة أو العجز؟ أو عدم الرغبة؟ أو خشية وقع علية؟ أو أو.... (بياض) بأسرها لا يثاب الإنسان (بياض) إلا إذا (بياض) خشية الله وخوفاً منه.

3. الحالة الثالثة أن يترك المعاصي عجزاً عنها مع عزمة على فعلها وتعلقه بها ورغيته في عملها لكنها لا يتسر له. فقلنا في هذه الحالة يعاقب عليها كما لو فعلها مع انه لم يفعل. لأنه حال بينه وبين عدم الفعل مانع خارجي عن نفسة ولا يعترض بان الإنسان إذا هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب علية ـ كما ثبت في الصحيحين..... وفى رواية إذا لم يعملها كتبت له حسنه (¬1) لا يعترض بهذا لأن الهم غير العزم لأن ما يقوم في النفس ينقسم إلى خمسة أقسام: وهو الهاجس: الشعور بأمر من الأمور في جانب الخير أو الشر ثم زوال هذا. وأهمك ووقع في قلبك من غير اختيارك وزال عنك من غير اختيارك. فلا ثواب ولا عقاب. سواء كان في الحسنات أو في السيئات والخاطر: أن يبقى ذلك الشعور فترة من الوقت ثم يزول. جاء من غير اختيارك وزال من غير اختيارك فلا ثواب ولا عقاب في الحسنات وفى السيئات. ¬

_ (¬1) - قلت: أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروية عن ربه - عز وجل - قال: [قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن ذلك فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنه كاملة فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة] والرواية الأخرى قي صحيح البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [يقول الله: إذا أراد عبدى أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها. فإن عملها فاكتبوها بمثلها. وإن تركها من أجلى فاكتبوها له حسنه. وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فأكتبوها له حسنة فان عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف]

حديث النفس: إن تحدث نفسك. هذا فعل اختياري أو جاءك من غير اختيارك؟ اختياري حدثت نفسك فإن حدثت نفسك بحسنة كتبت لك وإن حدثت نفسك بسيئة لم تكتب لأنه ما وصل إلى درجة العزم الأكيد. الهمّ: ترجيح الفعل على الترك. إذا رجح فعلاً حسناً ولم يفعلها كتبت حسنة. وإذا رجح فعل السيئة ولم يفعلها لم تكتب عليه. العزم: وهو التصميم الأكيد على فعل الشيء بحيث لو لم يمنعه مانع خارجي لفعلة. يكتب في الخير وفى الشر. ففي مسند الإمام أحمد والترمذي والمستدرك بسند صحيح عن أبى كبش الأنماري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [هذه الدنيا لأربعة نفر: الأول أعطاه الله علماً ومالاً يعمل في ماله بعلمه فهو في أعلى المنازل وآخر أعطاه الله علماً ولم يعطه مالاً فقال يا ليت لي مثل فلان حتى أعمل بعملة فهما في الأجر سواء، ورجل أعطاه الله مالا ولم يؤته الله علماً فهو يخبط في ماله ولا يتقي فيه ربه فهو في أخبث المنازل ورجل لم يأته الله علما ولا مالاً فقال يا ليت لي مثل فلان حتى أعمل بعملة فهما في الوزر سواء] وهناك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة تشير إلى أن الإنسان إذا كان حريصاً على الفعل يكتب هذا الحرص في الخير أو في الشر: [إنه كان حريصاً على قتل صاحبه] (¬1) . ¬

_ (¬1) - قلت الحديث في الصحيحين عن أبى بكرة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار. قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ هذا القاتل فما بال المقتول! قال: إنه كان حريصاً عل قتل صاحبه]

((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا)) (¬1) والمحبة عمل قلبي. ما نطقوا بألسنتهم ولا حركوا شفاههم. إنما مجرد ميل قلبي وتعلق بأن يهتك ستر المؤمنين وأن تشاع الفاحشة بينهم وأن يتكلم عليهم في السوء. وإذا سمع فاحشة وتحدث الناس بها يطير فرحاً! هذا الوصف الذي في قلبه ولم يعلم به أحد من خلق الله له عليه هذه العقوبة العظيمة عند الله ((لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) (¬2) . ¬

_ (¬1) - النور: 19 (¬2) - النور: 19

ولذلك إخوتي الكرام: الحدود عندما نقيمها على العصاه نقيمها لا من باب التشفي ومن باب إرواء الغليل ومن باب أننا نفرح بأن هذا أهناه واحتقرناه. لا ثم لا ((وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)) (¬1) لأمرين: ليحصل الإنزجار والاعتبار، وليستغفروا لهذا المحدود الذي أقيم عليه الحد. لا ليشمتوا به. كما ثبت هذا عن نصر بن علقمه. نحضر هذا الزاني عندما نقيم عليه الحد وجلين خائفين مشفقين ثم بعد أن نقيم علية الحد: اللهم اغفر له اللهم تب عليه اللهم اقبله اللهم تجاوز عنه.. أما أن يقام الحد في تصفيق ولغط. نحن أجرمنا أكثر من إجرامه عندما امتهناه واحتقرناه وشمتنا به وبعد ذلك لعل كل واحد منا عنده من الكبر والعجب ما يخلده في نار جهنم. وهو لا يدرى!! وهذا وقع في زلة لا أقول أننا سنعفيه من الحدود الشرعية لكن كما قال الله بلا شماتة وبلا احتقار لهذا الإنسان ولذلك كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين [إذا زنت الأمة فليجلدها الحد ولا يثرب عليها] (¬2) لا يقول لها ما تستحي. خبيثة. منحوسة. سوداء الوجه ... من هذا. أحياناً قد يقول ملعونة! أنت عصيت أكثر منها. إذا هي زنت ماذا جرى؟ (بياض) خطأ وقد جعل الله لها مطهراً فتطهرها ثم نقول: اللهم تب عليها. اللهم احفظها في مستقبل حياتها واحفظنا لئلا نقع في مثل ما وقعت فيه. فإذن لا يجوز أن تفرح قلوبنا إذا وقع المسلمون في زلة فإذا وقعوا في زلة نسأل الله لهم أن يلهمهم رشدهم. ¬

_ (¬1) - النور: 2 (¬2) - قلت: الحديث في الصحيحين عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب. ثم لغن زنت الثالثة فليعها ول بحبل من شعر]

أما أن نشمت وأن نفرح! ((إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) . المبحث السادس أقسام الذنوب (السيئات) إخوتي الكرام: الذنوب التي هي دون الشرك ـ فالشرك تقدم حكمة معنا وقلنا أكبر الكبائر مفرغ منه لا يغفره الله وصاحبه يخلد في نار جهنم ـ تنقسم القسمين: إلى الكبائر: إلى صغائر (¬1) وهذا هو قول أهل السنة بإتفاق. ودل عليه كلام الله جل وعلا في موضعين. وقررته الأحاديث المتواترة عن نبينا عليه الصلاة والسلام. ¬

_ (¬1) - بعد هذا المبحث ـ وهو آخر المباحث سنتكلم عن أثر كل من هذين القسمين. ما حكم وأثر الكبائر في الدنيا والآخرة؟ وما حكم الصغائر والكبائر في الآخرة

أما كتاب الله: يقول الله جل وعلا: ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (¬1) والآية نص صريح لا يختلف في فهمها ومدلولها عاقلان إذا كانا ذا رشد وعقل. لان الذنوب تنقسم إلى قسمين وأن السيئات تتنوع إلى نوعين: كبائر وصغائر. هذا بنص القرآن. فإذا اجتنب الإنسان الكبائر ضمن الله له أن يغفر له الصغائر لأن هذه لا يمكن للإنسان إلا أن يلم بها ويقع (¬2) فلا تتنزه ولا تعصم نفس بشرية وطبيعية إنسانية من زلل وخطأ لكن إذا كان ضمن الصغائر رحمة الله واسعة. إذن هناك كبائر وهناك سيئات وهى الصغائر التي ليست بكبائر وهذه آية في منتهى الوضوح وتقرر هذا الأمر وتدل علية. والآية الثانية يقول الله جل وعلا ((وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)) (¬3) وقرأ حمزة والكسائى وخلف بالتوحيد)) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبِيرٌ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)) على صيغة الإفراد لا بصيغة الجمع. وبذلك قرأوا أيضاً في سورة الشورى: ¬

_ (¬1) - النساء: 31 (¬2) - كما سيأتينا في آية أخرى (¬3) النجم: 32

((وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)) (¬1) قرأوها: ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبِير)) والفارق بين القرائتين: إما أن يكون القراءتان بمعنى واحد. فكبائر الإثم والفواحش الذنوب الكبيرة التي ليست بصغائر أي التي ليست بلمم (¬2) والكبير هذا اسم جنس أي الذنب الذي هو ذنب كبير. فيدخل فيه الكبائر بأسرها. وإما أن تقول أن المراد من الكبير (¬3) خصوص معصية واحدة وهى رأس المعاصي. وهو المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبِيرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ)) قال هو الشرك. ثم بعد ذلك قال: ((إِلَّا اللَّمَمَ)) الذنوب الصغائر التي لا تخلو طبيعة بشرية منها. وآية النجم هذه نص صريح أيضاً في أن السيئات تنقسم إلى كبائر وصغائر، لكن حولها شيء من الاختلاف. والخلاف في ((اللَّمَمَ)) باستثناء اللمم من اجتناب كبائر الإثم والفواحش. وحاصل ما قيل في ذلك ثلاثة أقول: 1. أن الاستثناء متصل: والاستثناء المتصل يكون المستثنى من جنس المستثنى منه. وعليه تكون اللمم من الكبائر. فيصبح هنا معنى الآية: ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)) ما هي اللمم؟ فسرت الآية بأمرين ـ على أن المراد من الاستثناء أنه متصل ـ فقيل: اللمم كبائر. طيب والمراد منها هنا إذن؟ قالوا هذا يراد منه أمران: ¬

_ (¬1) الشورى: 37 (¬2) سيأتي (بياض) (¬3) في قراءة حمزة والكسائى وخلف وهى قراءة متواترة عن نبينا علية الصلاة والسلام.

أ – نقل عن ابن عباس وأبى هريرة وزيد بن ثابت وزيد ابن أسلم وعن حجم كبير من السلف. قال: ((إِلَّا اللَّمَمَ)) أي إلا الكبائر التي كانت منهم في الجاهلية فالله تكرم لعبادة بأنهم إذا تابوا وأنابوا واستقاموا. ما صدر منهم من ضلال في حال جاهليتهم مغفور. فإذا تذكروا لا داعي للحزن. هم يقولون نحن جرى منا كبائر وموبقات ومهلكات. فالاستثناء إذن من جنس المستثنى منه لكن يعود إلى حالة ماضية كانت في الجاهلية. كانوا يلمون بها ويفعلونها وهى الكبائر. تابوا وأنابوا إلى الله فلا يؤاخذون عليها ولا يحاسبون بها كما قال الله جل وعلا ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (¬1) إذن هذه تتحدث عن حالة الناس عندما كانوا في الجاهلية ـ عن ذنوبهم ـ فإذا آمنوا: ((قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ)) (¬2) . ¬

_ (¬1) الفرقان: 68 (¬2) الأنفال: 38

ب ـ نقل عن ابن عباس وأبى هريرة وعن مجاهد والحسن وعن جمّ غفير من التابعين أيضأً أن المراد من اللمم هنا الكبائر التي يفعلها الناس بعد إيمانهم وإسلامهم وإنابتهم إلى ربهم لكن لا يواظبون عليها. ولذلك سماها الله لمم وكبيرة جرت منه وأقلع عنها فالله تكرم علية بأنه إذا وقع في شيء من ذلك يغفر له إذا كان مسلكه العام الابتعاد عن الذنوب والآثام ((إِلَّا اللَّمَمَ)) إلا بعض كبائر يقعون فيها فتتفلت نفوسهم ويقع في جريمة من الجرائم من شرب خمر أو غير ذلك. فإذا وقع في هذا. هذا الاجتناب للكبائر الأخرى يزيل عنه هذه الكبيرة وهذا القول فيما يظهر أنه مرجوح وضعيف مع جلالة من قال به من السلف الكرام رضوان الله عليهم. والسبب أنهم جعلوا الاستثناء متصلاً وقالوا إنه يعود إلى الاجتناب ولا يعود إلى أن الاستثناء مستثنى من كبائر الإثم والفواحش. بالتقدير: يجتنبون كبائر الإثم والفواحش لكنهم لا يجتنبون اللمم. ما هي اللمم؟ كبائر لا يواظبون عليها وليست هي ديدنهم وخلقهم، إنما يفعلونها أحياناً ثم يقلعون. يجرى من الإنسان زلة في كبيرة ليس هذا مسلكه. مما أن المسلك العام له اجتناب الكبائر. 2. أن. ((إِلَّا)) بمعنى الواو. وقالوا: هذا يأتي في اللغة العربية. فيصبح المعنى: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش واللمم. يعنى يجتنب جميع الذنوب والموبقات والسيئات كبيرات وصغيرات ليكون من المحسنين. وهذا في الحقيقة فيه بُعد وتكلف.

3. والمعنى الحق ـ وهو الثالث ـ وهو الذي علية أهل السنة الكرام في أن الاستثناء هنا استثناء منقطع فهو يتعلق بالمستثنى منه يتعلق بجنسه لا بنفسه ولفظه فالله يقول: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ. الاستثناء من الذنوب العامة على وجه العموم لا من الاجتناب. الذنوب إذن تشمل كبائر وتشمل صغائر. فما عاد الاستثناء إلى الكبائر حتى نقول: إلا أي إلا بعض الكبائر لا. إنما عاد الاستثناء إلى جنس الذنوب وقلنا في حالة الاستثناء المنقطع يعود إلى المستثني منه إلي جنسه لا إلي نفسه ولفظه. هذا كقول الله جل وعلا ((لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا. إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا)) (¬1) السلام ليس من جنس اللغو. لكن اللغو كلام والسلام كلام. فكان الاستثناء المنقطع هنا عاد إلى المستثنى منه. إلى جنسه لا إلى لفظة ولا إلى نفسة فالسلام ليس بلفظ كأنه يقول: لا يسمعون كلاماً إلا سلاماً. لو قال: إلا سلاماً لكان متصلاً. لكن لما قال: لا يسمعون لغواً إلا سلاماً. لا يسمعون لغواً لكن يسمعون سلاماً. كيف حسن استثناء السلام من اللغوا. نقول: منقطع فاستثنى من جنس لا من لفظه ونفسه. وهنا كذلك فاستثنى اللمم من جنس الذنوب لا من كبائر الإثم والفواحش. إذن ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)) لكن يغفر لهم ويتجاوز عنهم إذا وقعوا في لمم فلا يضرهم ورحمة الله واسعة. هذا اللمم الذي يغفر لهم وهو استثناء منقطع اختلف فيه أيضاً أهل السنة على قولين (¬2) : 1. انه اللمم الذى لا اختيار للإنسان فيه. وفسروه بأمرين أيضاً: ¬

_ (¬1) الواقعة: 25، 26 (¬2) على القول أنه استثناء منقطع.

أقالوا: هو الهم فما دونه من مراتب النفس. وهذا منقول عن محمد بن الحنفية وسعيد بن المسيب ((يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ)) لكن يقع منهم مالا يمكن أن يبتعد عنه بشر ولا اختيار به في دفعة. من همٍ وحديث نفس وخاطر، هاجس فيرفع عنه. ب النظرة الأولى. وهذا منقول عن الحسين بن الفضل. وهذا أيضاً في الحقيقة كل من القولين مرجوح مع جلالة من قال فيه. لان النظر مرفوع عنا بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام الثابت في صحيح مسلم والمسند والسنن عن جرير بن عبد الله قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفُجَاءة (¬1) فقال: [اصرف بصرك] .وقال لعلي - رضي الله عنه - كما في المسند [لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية] . الثانية تكون عليك. فنظر الفجأة والفجاءة معفو عنا. إذن على هذا القول الأول: اللمم ما لا يكون للإنسان فيه اختيار. 2. القول الثاني وهو معتمد وهو الحق المقرر عند أئمتنا وهو الصواب إن شاء الله. أنه ما للإنسان فيه اختيار لكنه ليس من كبائر الإثم والفواحش إنما هو من السيئات المشار إليها في سورة النساء: ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) (¬2) وخير ما فسر به كلام الله أن يفسر بكلام الله. وهنا ((إِلَّا اللَّمَمَ)) إلا السيئات التي ليست كبائر. فإذن ((إِلَّا اللَّمَمَ)) أي إلا السيئات التي تلم بها النفس البشرية ولا يتنزه عنها من نظرة أحياناً وما شاكل هذا من الصغائر الأخرى فإذا وقع في ذلك وفطم نفسة عن الكبائر فتغفر له هذه الصغائر بفضل الله ورحمته وأما الأحاديث: فجنسها متواتر. منها: ¬

_ (¬1) بالضم مع المد. وإذا فتحت أقصر: الفَجأة (¬2) النساء:31

ما ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر] وفى رواية: [ما لم تفش الكبائر] إذن إذا اجتنب الإنسان الكبائر لم يفش الكبائر، هذه الطاعات هي مع اجتنابه للموبقات تغفر له الصلاة إلى الصلاة. والجمعة إلى الجمعة , ورمضان إلى رمضان. الصغائر تغفر له بفضل الله ورحمته. هذا كلام النبي علية الصلاة والسلام وكما قلت ومنها قول النبي علية الصلاة والسلام: [اجتنبوا السبع الموبقات] (¬1) ومنها قول النبي علية الصلاة والسلام [ألا أنبئكم بأكبر الكبائر] (¬2) وسيأتي الإشارة إلى بعض الأحاديث التي نصت على أن الذنوب كبائر في آخر المباحث إن شاء الله. ¬

_ (¬1) - قلت: هذا الحديث متفق على صحته من رواية أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل: [اجتنبوا السبع الموبقات: قالوا يا ر سول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا واكل مال اليتم والتولي بوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات] (¬2) - قلت: هذا الحديث متفق عل صحته من رواية أنس - رضي الله عنه - قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الكبائر قال: [الإشراك بالله وعقوق الوالدين (بياض) النفس وشهادة الزور]

ثبت في صحيح ابن حبان. والحديث في موارد الظمآن (¬1) ورواه الحاكم في مستدركه والنسائي في سننه وابن ماجة وخرجه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقى في السنن الكبرى وصححه الحاكم وأقره عليه الذهبي عن أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى - رضي الله عنهم - أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الصحابة فقال علية الصلاة والسلام: [والذي نفسي بيده والذي نفسي بيده والذي نفسي بيده]ـ زاد الحاكم في رواية النسائي: [ثم أكب (¬2) ¬

_ (¬1) - صفحة 35 (¬2) - أكب: أي أطرق * ولذلك أخرج الحديث في كتاب الزكاة في أوله.

النبي علية الصلاة والسلام ـ فأكب الصحابة رضوان الله عليهم يبكون ويقولون: ما ندرى ما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم -] قال والذي نفسي بيده ثلاثاً ثم اكب وسكت ثم رفع النبي عليه الصلاة والسلام رأسه ووجهه يتلألأ ويرى البشرى في وجهه فكان ذلك أحب إلينا من حمر النعم] أن سرى عن النبي عليه الصلاة والسلام من حاله وظهرت البشري في وجهه فقال علية الصلاة والسلام: [ما من عبد يؤدى الصلاة المتكوبة ويصوم رمضان ـ زاد النسائي*: ويخرج زكاة ماله ـ ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية حتى أنها لتصطفق أبوابها فليدخل من أيها شاء ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في رواية ابن حبان ـ ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (¬1) وقد ثبت في الصحيحين وسند أبى داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم أي بالصغائر التي أشار إليها ربنا إلا اللمم ـ مما رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا فالعينان تزينان وزناهما النظر ـ هذا من اللمم ـ واللسان يزنى وزناه الكلام والنفس تتمنى وتشتهى ـ لا زال هذا كله في اللمم ـ ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه] فإذا زنا تحقق بأنه فعل كبيرة وإلا لا زال في اللمم. فهذا شبة شيىء باللمم. كما يقول ابن عباس وقد ثبت في سنن الترمذي عن نبينا علية الصلاة والسلام أنه قال [إن تغفر اللهم تغفر جماً وأىً عبد لك لا ألّماً] أي أي عبد يخلوا من الذنوب الصغيرة والسيئات الصغيرة؟ لا يخلو من هذا أحد. ¬

_ (¬1) - النساء: 31

إخوتي الكرام: هذا الأمر الذي قرره أهل السنة الكرام ـ تنقسم السيئات إلى كبائر وصغائر ـ خالف فيه فرقتان ضالتان. المرجئة في هذا خالفوا فقالوا: ليس في الذنوب كبائر. كلها صغائر. وقبلهم غلاة الصوفية فقالوا: ليس في الذنوب صغائر كلها كبائر. هؤلاء يقولون كلها كبائر وهؤلاء يقولون كلها صغائر. فلنتكلم عن كل من الفرفتين على سبيل الإيجاز: أما المرجئة: سموا بذلك ـ إخوتي الكرام ـ لأمرين: الأمر الأول: إما من الإرجاء بمعنى التأخير ((أَرْجِهْ وَأَخَاهُ)) (¬1) أرجأ كذا: أي أخره. والمرجئة سموا بذلك لانهم يؤخرون العمل عن الإيمان. فيقولون: الإيمان هو عقد بالجنان ونطق باللسان ولا يشمل العمل بالأركان. فإذا اعتقد شهادة الحق في قلبه وأقر بلسانه هذا مؤمن كامل الإيمان. يترك المأمورات ويفعل المحظورات لا يضره عند رب الأرض والسموات. هذا خلاصة قول المرجئة وقد قال قائلهم: مت مسلماً ومن الذنوب فلا تخف حاش المهيمن أن يري تنكيداً (¬2) لورام أن يصليك نار جهنم ما كان ألهم قلبك التوحيداً لماذا اعتقدت شهادة الحق ونطقت بها. أنت كامل الإيمان. إيمانك وإيمان أبى بكر - رضي الله عنه - بل إيمانك وإيمان النبيين والملائكة سواء يقول بلسانه لا اله إلا الله محمد رسول الله علية صلوات الله وسلامة. ويعتقد موجب هذا ويعتقد بقلبه. هذا مؤمن كامل الإيمان. وعلية: ليس في الذنوب ـ إذن ـ كبائر إذا اتصف الإنسان بالتوحيد. ¬

_ (¬1) - (بياض) (¬2) - أي أن يريك عذاباً (بياض)

هذا الإرجاء بدعي والقائل به ضال ورؤوس الفرق الضالة أربعة أصناف وضم إليهم أئمتنا صنفاً خامساً لكن هذا الصنف الخامس هو أشنع وأخبث الأصناف الخمسة ولذلك اختلفوا هل يضم إليه أم لا كما قال الإمام ابن تيمية على رحمة الله في مجموع الفتاوى (¬1) وكرر هذا مواطن كثيرة يقول: أول وأقدر من تكلم في رؤوس الفرق الضالة يوسف بن أسباط وتبعة شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عليم جميعاً رحمة الله ـ وعلى ذلك بعد ذلك أهل الحق أهل الهدى ـ قال يوسف بن أسباط وعبد الله ابن المبارك أربعة: أولها الروافض وهم الشيعة ويقابلهم الخوارج. وهاتان الفرقتان متقابلتان. أما الروافض غلوا في علي وآل البيت رضي الله عن علي وعن سائر آل البيت الطيبين الطاهرين وحبهم دين بلا شك عند أهل السنة المهتدين ولا يبغض علياً أو أحداً من آل البيت إلا منافق ولا يحبهم إلا مؤمن. غلوا فيهم حتى قالوا بعصمتهم ورفعوهم إلى ما فوق درجات الأنبياء ثم ليتهم اقتصروا على هذا البلاء. كفروا سائر الصحابة على الإطلاق. علي كفر. أما أبو بكر وعمر شيطانان رجيمان!!!؟ يا عباد الله رفقاً بأنفسكم. علي على الهدى لا شك ووالله من يضلله فهو أضل من حمار أهله، لكن احفظوا قدر غيرة أيضاً. وهم لم يدخلوا في الإسلام حقيقة رغبة ولا رهبة إنما دخلوا كيداً للإسلام ومقتاً لأهله. ¬

_ (¬1) - (23/348)

الخوارج على النقيض تماماً قالوا علي كافر خارج عن الدين ـ هذا قول الخوارج والصحابة على هدى. علي ومن معه كلهم كفار. قولان متقابلان. خوارج والروافض وفرقتان متقابلتان. وهما مرجئة. والتي يقابلها القدرية. أما المرجئة فقالوا: العمل ليس من الإيمان. أما القدرية فقالوا: لو ترك العمل ـ كما سيأتي ـ وفرط في شيىء منه فهو مخلد في النيران. لو ارتكب موبقة. زنا شرب الخمر. مات على ذلك من غير توبة (¬1) مات وهو عاص على معصية من المعاصي فهو مخلد في نار جهنم هو وإبليس سواء. وإن كان يصلى ويصوم ويحج ويتصدق ويجاهد في سبيل الله فالمرجئة والقدرية متقابلان والخوراج والروافض متقابلان. فقيل ليوسف بن أسباط وعبد الله بن المبارك عليهم جميعاً رحمة الله فما تقولون في الجهمية؟ فقالوا: الجهمية ليسوا من المسلمين. يعنى أولئك ضلالهم يزيد على ضلال هؤلاء. قال الإمام ابن تيمية: وقد ذهب إلى ما ذهب إليه هاذان الإمامان بعض أصحاب الإمام احمد وبعض أهل السنة. ثم قرر أن المعتمد أن الجهمية هي الفرقة الخامسة الضالة وهؤلاء الفرق الخمسة الجهمية والروافض والخوراج والمرجئة والقدرية عن هذه الفرق تفرقت الفرق الضالة الأخرى. ¬

_ (¬1) - إذا تاب تاب الله عليه هذا محل اتفاق ز

اثنتان وسبعون فرقة (¬1) كلهم في النار إلا واحدة هي من كان على مثل ما كان علية النبي علية الصلاة والسلام وأصحابة فهذا الإرجاء هذا إرجاء بدعي إرجاء إذن إما من التأخير وهو تأخير العمل عن الإيمان وإما من الرجاء. تقول أرجيته بمعني أخرته. وأرجيته بمعنى رجيَّتُهُ أي جعلته راجياً لهذا الأمر. وسمي المرجئة مرجئة للأمرين. أخروا العلم عن الإيمان وغلبوا نصوص الوعد وألغوا نصوص الوعيد. وهذا أهل البدع والضلال في جميع العصور يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض كما جاء الوعيد وهم الخوارج والمعتزلة أخذوا بنصوص الوعيد وألغوا نصوص الوعد. المرجئة أخذوا بنصوص الوعد وألغوا نصوص الوعيد وقالوا كل ما يرد في القرآن والسنة عن نبينا علية الصلاة والسلام من أخبار بتعذيب العصاه. هذا كله للتخويف لكن لا حقيقة له ((وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا)) (¬2) ليخاف الناس لكن لن يقع عليهم شيىء من ذلك. إذا قال لا اله إلا الله واعتقد بقلبه ناج وذاك يقابلة فيقول إذا فرط في شعيرة أو ارتكب موبقة فهو هالك هذا ضلال وذاك ضلال. سمي المرجئة لأمرين الإرجاء بمعنى التأخير والإرجاء بمعنى تغليب الرجاء على الخوف وهذا حال أهل البدع ولذلك إخوتي الكرام لا بد من عبادة الله جل وعلا بأمور ثلاثة إذا لم تكن في العابد والمؤمن فهو ضال. وهى الخوف والرجاء وهما للمؤمن كالجناحين للطائر وحب الله جل وعلا: قال الأمام مكحول الدمشقي علية رحمة الله (¬3) : ¬

_ (¬1) - فرقة ضالة ردية كما سيأتينا في حديث النبي علية الصلاة والسلام. (¬2) - الإسراء:59 (¬3) - ومن أئمة التابعين وهو أفقه وأعلى من الإمام الزهري عليهم جميعاً رحمة الله. توفى سنة بضع ومائة. حديثة مخرج في الكتب السنة ثقة وفوق الثقة. قلت: توفى سنة 112 (الأعلام للزركلى: 7/284)

من عبد الله بالخوف فقط فهو حرورى أي خارجي من الذين يقولون بالوعيد لا بالوعد (¬1) ومن عبده بالرجاء فقط فهو مرجىء ومن عبده بالحب فهو زنديق ـ هذا يؤول به الأمر كغلاة الصوفية الذي يقول أنا الله والله أنا وينزل المحب نفسه منزلة محبوبة. وهذا حال الضالين يعبد بالحب فقط. بالخوف فقط، بالرجاء فقط ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو موحد صديق وصل الأمر ببعض المحبين المهوسين عندما مر على قول الله جل وعلا ((تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ)) (¬2) قال: يخوفنا الله بنار جهنم. والله لو بصقت عليها لأطفأتها سبحان الله! ستطفأ ناراً وقودها الناس والحجارة؟! هذا هو الإضلال وهذا هو الدلال في غير محلة دلال أهل الضلال. وقل: لو ضربت جهنم بطرف مرقعتي (¬3) لأطفأتها. فقط أشير إليها هكذا بطرف المرقعة تخمد. فنار جهنم نحن نخاف منها! هذا هو حال الحب وذلك حال الخوف وهذا حال الرجاء فلا بد من اجتماع الأمور. حب وخوف ورجاء والعبد سمي عبداً لأنه يحب ربه بجميع قلبه وتذلل له تذللاً تاماً. هذا معنى العبد. ((إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)) (¬4) فالمرجئة إذن سموا مرجئة لأمرين: أخروا العمل عن الإيمان وقالوا ليس منه وغلبوا نصوص الوعد على نصوص الوعيد. هذا الإرجاء بدعي ومن اتصف به فهو ضال (¬5) . ¬

_ (¬1) - وحوراء: قرية من قرى الكوفة أجتمع فيها الخوارج ويأخذ بنصوص الوعيد دون الوعد: حروى. (¬2) - الملك: 8 (¬3) - يعنى بطرف الجبّة التي يلبسها هذا الصوفي (¬4) - الأنبياء: 90 (¬5) - وسيأتينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار في أحاديثة وأخبر بعيب عن حدوث هذه الفرقة. وما وقع شيىء إلا وأشار إليه نبينا - صلى الله عليه وسلم -

أما الإرجاء: يطلق أيضاً على ثلاثة أمور أخرى: أمران سليمان سديدان لا حرج في كون الإنسان يتصف بهما لأن أهل البدع ينبذون أهل الحق بها.. وواحد في الحقيقة لا حرج فيه ولا على أصحابه لكن تركه أولى. يطلق الإرجاء على آهل السنة أهل الهدى. ومن الذي يطلق عليهم هذا؟ المعتزلة. المعتزلة يقولون عن أهل السنة إنهم مرجئة.؟ لأننا نحن لا نجزم بحال صاحب الكبيرة عند الله فلا نقول في الجنة ولا في النار. نقول: أمرة إلى الله وان شاء عذبه وان شاء غفر له إن عذب مآله الجنة يقولون أنتم مرجئة لأنكم ترجئون ـ تؤخرون ـ الحكم عن صاحب الكبيرة ولا تجزمون له بالنار (بياض) في هذا الإرجاء حرج؟ ! أكرم بهذا الإرجاء. إذا كان الإرجاء هذا معناه فنحن مرجئة كما قال (بياض) الشافعي: إن كان رفضاً حب أصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فليشهد الثقلان أنى رافضي يعنى إذا كان معنى الرافضة حب آل البيت فأنا رافضي. ليس هذا معنى الرفض ومعنى الرفض: تكفير الصحابة وطعنهم ولعنهم ولذلك أنظر ماذا يقول الشافعي: إن كان ناصبي حب أصحاب النبي فليشهد الثقلان أنى ناصبي

أنا رافضي وناصبي والناصبى: هم الذين في الأصل يعادون آل البيت ويناصبونهم العداوة والبغضاء. كما أن الروافض الذين يناصبون الصحابة العدواة والبغضاء فالشافعي علية رحمة الله ليس معنى الرفض حب آل البيت. فإذا كان معناه هذا فأنا أول الرافضة وليس معنى النصب حب الصحابة لا. معنى النصب هو الطعن في آل البيت. أما إذا كان معنى النصب حب أصحاب النبي علية الصلاة والسلام فليشهد الثقلان أنى ناصبي. وهنا كذلك. إذا كان الإرجاء هذا معناه أننا لا ننزل صاحب الكبيرة في جنة ولا نار ونقول أمره موكول إلى ربه ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءَ)) (¬1) ونحن غاية ما عندنا أننا نرجوا للمحسن الجنة ونخشى على المسىء من النار ولا نجزم لواحد منهما بإحدى الدارين. هذا لا يعلمة إلا من يعلم السر وأخفى. فكونهم يطلقون علينا لفظ الإرجاء لهذا الحكم الذي دلت عله شريعة الله المطهرة فأكرم به من لفظ. هذا الفظ خبيث يطلقة أهل البدع علينا هذا مثل ما يطلقة علينا هذا مثل ما يطلق أيضاً أهل الكلام على أهل السنة أنهم حَشوٍيّة، وحش الشيء رذالته والقبيح منه ونخالته الذي لا يسوى سيئاً وأول من أطلق هذا اللفظ الضال عمرو بن عبيد رئيس المعتزلة. على عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. فقال. كان ابن عمر حشوياً إن عمر من رذالة الناس وأما أنت أيها الضال أنت من الأكياس!! فعندما يقال لنا حشوية نقول إذا كان التمسك بكتاب الله وسنة نبيه علية الصلاة والسلام من ألفاظ الذم عنكم بهذه الصيغة فأكرم بذلك من صفة والله يقول: ((إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)) (¬2) كما انه في هذا العصر بأي شيىء يعبر عن الملتزم بدين الله؟ متزمت. ورجعى ومتعجرف. ومتشدد ومتحجر ويريد أن يعيدنا إلى القرون الأولى. متطرف. أوصولي.. ¬

_ (¬1) - النساء: 116 (¬2) - المطففين: 29

قل ما شئت أشكال ألوان تخرج في الإذاعات ووسائل الإعلام. وإرهابي أحياناً. أحياناً يخوف كما قالت بعض مدرسات علم النفس تقول: الإنسان إذا كان له لحيه ومشي في الشوارع ويراه الناس يخافون ويفزعون. هؤلاء إرهابيون، يعنى عندما يعفى اللحية إرهابي!! طيب هذه الألفاظ التي ننبز بها من قبل المبتدعة في القديم والحديث يضرنا هذا؟ لا يضرنا.. إخوتي الكرام: إذا كنت على الحق فلو قال أهل الأرض جميعاً عنك إنك ضال ماذا يضر؟ وقد قالوا عن نبي الله نوح على نبينا وعلية الصلاة والسلام ((مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ)) (¬1) ما أرسل نبي إلا ووصف بالجنون. وإذا كان الإنسان على حق فليحمد الله ولا يضيره بعد ذلك الألقاب التي تكال إلية هنا وهناك فأهل البدع وهم (بياض) المعتزلة يطلقون لفظ الإرجاء على أهل السنة فانتبه لها. إرجاء آخر: ¬

_ (¬1) - القمر: 9

يطلق على من توقف في الصحابة الكرام بعد عثمان رضي الله عنهم أجمعين. عندما اختلفوا فلا يدخل نفسه حكما بينهم. ويقول: تلك دماء صان الله أيدينا عنها فلنصن لساننا. وربهم رب كريم وهم بعد ذلك رحماء فيما بينهم ولا نتداخل فلا نخطىء ولا نصوب ولا ندخل آرائنا في هذا الحكم. وهذا حقيقة أسلم ما يكون. ما حصل من خلاف بعد الصحابة نفوض أمره إلى الله جل وعلا مع جزمنا بأنهم ما أرادوا بذلك إلا وجه الله والدار الآخرة. وكون هذه الحوادث استغلها بعض المنافقين وأزنارها في ذلك الحين نجزم بذلك أيضاً وأن الصحابة ما أرادوا إلا وجه الله ترتب على ذلك ما ترتب من فتنة نسأل الله أن يغفر لهم. فلهم حسنات كأمثال الجبال. وهم اجتهدوا فأرادوا حقاً كونه تعالى رتب على ذلك مفسدة ربنا جل وعلا غفور رحيم ويرضيهم يوم القيامة. وقد قال على - رضي الله عنه - لمحمد بن طلحة ـ أحد العشرة المبشرين بالجنة: طلحة بن عبيد الله وهكذا على ـ: أرجوا أن أكون أنا وأبوك ممن قال الله فيهم: ((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)) (¬1) فقال بعض الحاضرين كما في سنن البيهقي: ما أنصفناهم يا أمير المؤمنين. نقاتلهم ثم نقول أنهم في الجنة؟ فأخذ على حجراً لو أصابه لقتله وقال: إخسأ فإذا لم أكن أنا وطلحة من أهل هذه الآية فمن سيكون؟. ¬

_ (¬1) - الحجر: 47

وجاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين وتكلم في مجلسة مع من كان الحق مع على أو مع من خالفه. وهل معاوية أصاب أو لا..؟ فقال عمر - رضي الله عنه - ـ الخليفة الخامس الراشد أيها الرجل إن رب معاوية رب رحيم وأن خصم معاوية خصم كريم فما دخلك بينهما يا لئيم؟ تدخل نفسك بينهما لٍمَ؟ الله رحيم. وخصمه كريم. فأنت لم تدخل نفسك بينهما؟ من الذي نصبك حكماً؟ الله قال لك أحكم في هذه القضية؟ أو اختصم إليك علي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين في هذا الأمر؟ فإذا ما كلفت بهذا كيلْ أمره إلى الله جل -وعلا وهو أعلم بعباده سبحانه وتعالى فمن يتوقف في أمر الصحابة الذين اختلفوا بعد عثمان رضي الله عنهم أجمعين ولا يتكلم فيهم ولا يصوب ويخطى يقال له مرجىء. ليس في هذا الإرجاء أيضا غضاضة ولا حرج.

النوع الثالث من الإرجاء وهو (¬1) : الإرجاء الذي نسب إلى أبي حنيفة عليه رحمة الله وأصحابه وهو أن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وأما العمل فليس من الأركان الإيمان لكنه من ثمراته فإذا آمن الإنسان يكون من المتقين إذا أطاع يكون من المتقين وإذا عصى يكون من الفاسقين الخاسرين. فقال: الطاعة تنفع والمعصية تضر لكن لم يقل إن العمل من الإيمان. والذي عليه من الجمهور من السلف الإيمان اعتقاد بالجنان ونطق باللسان وعمل بالاركان والله يقول في كتابة ((وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)) (¬2) أي صلاتكم والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ـ كما في الصحيحين [الإيمان بضع وسبعون شعبة ـ فإذن خصال الإيمان هي عمل ـ أعلاها قول لا اله إلا الله وأدنها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان] إذن هذه من خصال الإيمان وجزئياته والعمل من مسمى الإيمان. نعم إن ترك العمل لا يوقع الإنسان في كفر بخلاف ترك الإقرار أو ترك الاعتقاد لكنه من أركان الإيمان. ما الخلاف بين أبى حنيفة وبين جمهور أهل السنة خلاف ـ كما قال أئمتنا في كتب التوحيد ـ صوري. يقول: أي خلاف في ظاهر اللفظ لا في الحقيقة فأبو حنيفة علية رحمة الله يقول: ركنان لا بد منهما لوجود الإيمان إعتقاد وإقرار وأما العمل. يقول: هذا ليصبح الإنسان من المتقين أو الفاسقين فقط. فإذا اتقى الله وعمل فهذا من المتقين. عصى الله هذا من الفاسقين. نقول لجمهور أهل السنة إذا اعتقد وأقر لكنه خالف في العمل ما حكمة؟ يقولون؟: مؤمن عاصي. نقول: إذا اعتقد وأقر واتقى ربه والتزم بالعمل ما حكمة؟ مؤمن تقي. فهل هناك خلاف في الحقيقة بين جمهور السلف وقول أبى حنيفة؟ لا لكن خلاف ـ كما قلنا ـ صوري لفظي. ¬

_ (¬1) - الذي كما قلنا حقيقة لا حرج فيه لكن تركه أولى (¬2) - البقرة: 143

حقيقة تركه أولى لأنه لم يسبق أبا حنيفة؟ إلى هذا القول أحد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ولا من التابعين لهم بإحسان بأن العمل ليس من مسمى الأيمان فنقول الإيمان اعتقاد وإقرار وعمل. نعم التفريط في الاعتقاد كفر والتفريط في الإقرار كفر والتفريط في العمل هذا فسوق وعصيان وليس بكفر يخرج من الملة لكن هذا من مسمى الإيمان ومن أركانه كما وضحت هذا آيات القرآن وأحاديث النبي علية الصلاة والسلام.

ولذلك: كان أئمتنا يحذرون ممن قال بقول أبى حنيفة لا لأن القول مبتدع خبيث ويؤدى إلى خلاف في الحقيقة بين هذا القول وبين أهل السنة خشية أن يتصيد بهذا القول المرجئة الحقيقيون وأن يضلوا العامة بعد ذلك وأن يقولوا لهم الإيمان قول واعتقاد وأما العمل ليس منه كما يقول أبوة حنيفة وغيرة فلئلا يتذرع ويتمسك بهذا القول إلى بدعة كانوا ينفرون منه أنظر إلى مٍسّعر بن كٍدَام علية رحمة ربنا الرحمن (¬1) قال الإمام الذهبي في ترجمته (¬2) مسعر بن كدام إمام حجة ثقة. يقول: وقطعنا فيه السليمانى بغير حجة فقال إنه مرجىء. قلت: والإرجاء مذهب لعدة من جلة العلماء لا ينبغي التحامل على قارئة. أي ارجاء؟ ارجاء أبي حنيفة ليس الإرجاء البدعي، ذاك قلنا المتصف به ضال وانتهي وقال الإمام ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة مسعر: قال شعبة كنا نسميه المصحف ـ أي نسمى مسعر بن كدام بالمصحف (¬3) لحفظة وضبطه وعدم نسيانه وخطه وكان يقرأ كل ليلة نصف المصحف. وقد عرض عليه أبو جعفر المنصور القضاء فامتنع. وقال ابن أبى حاتم. لاأبيه إذا اختلف الثوري ومسعر فقول من نقدم؟ قال نقدم قول مسعر. وقال شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عليهم جميعاً رحمة الله: من كان ملتبساً جليساً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدامن. لما توفى هذا العبد الصالح أمتنع سفيان الثوري من حضور جنازته وقال لا احضر جنازة من يقول العمل ليس من الإيمان. وهذا لم؟ تنفيراً كما قلنا من هذا القول لئلا يجر إلى الإرجاء البدعى الذي من اتصف به فهو ضال بالاتفاق. ¬

_ (¬1) - توفى سنة 555 أخرج حديثة أهل الكتب الستة (¬2) - في ميزان الاعتدال: 4/99 (¬3) - يلقب بهذا اللقب ما أشعر بمدح وذم

وهكذا محمد بن الحسن تلميذ أبى حنيفة كان يقول بهذا القول شهد على شريك القاضي في مسألة فرد شهادته فقيل: ـ كيف ترد شهادة وهو إمام المسلمين؟ قال: استحي من الله أن اقبل شهادة من يقول الصلاة ليست من الإيمان. لأن الصلاة من العمل والصلاة ليست من الإيمان. كيف أقبل شهادة من يقول هذا. والله يقول في كتابه: ((وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)) (¬1) لكن كما قلنا (بياض) ليست من الإيمان (بياض) لا حرج فيه (بياض) إذا فعلها صار تقياً وإذا تركها صار شقياً لكن يقول: الإيمان يتحقق بالاعتقاد والإقرار فبقى إرجاء صوري يخالف أهل السنة في الصورة لا في الحقيقة. ترك هذا أولى وعدم القول به أحسن وأسلم. ومن قال به نلتمس له العذر لئلا نضلله. لكن لا نصوب قوله ونقول هذا هو الحق فعياذاً بالله من ترك قول جمهور السلف ولأخذ بقول بعض المتأخرين ممن يقوله تأويل معتبر. نحن نقول هذا التأويل لنخرجه من الضلال لا لنأخذ به. أما الإرجاء الذي يطلقه علينا أهل البدع المعتزلة. قلنا: لا حرج فيه. أننا نرجىء الحكم على صاحب الكبيرة الإرجاء الذي يتطلقونه علينا إذا توقفنا في الخلاف الذي وقع في الصحابة الكرام بعد عثمان لا حرج فيه. الإرجاء الثالث لا حرج فيه المآل والحقيقة لكن تركه أولى. الإرجاء الأول الذي ذكرناه وهو الرابع إرجاء بدعي ينبغي الحذر منه. إخوتي الكرام: ¬

_ (¬1) - البقرة: 143

المرجئة أصناف كثيرون. بلغوا اثني عشر صنفاً هذا المرجئة فقط. وأما الشيعة فبعض أئمتنا يقول إن فرق الضلال كلها موجودة في الشيعة. لذلك جمعوا ما تفرق في غيرهم (بياض) كانوا مشبهة وأول من قال بالتشبيه في هذه الأمة وتمثيل الخالق بمخلوقة هشام بن الحكم الرافضي الذي كان ينطق بكفر يتنزه عنه الملحدون الزنادقة ويحدد لله الأطوال من أشبار وغير ذلك. ويصفه باللون والطعم والرائحة وغير ذلك. وكان يقول: إن جبل أبى قبيس أكبر من الله - عز وجل -. آخر الشيعة بعدد ذلك ـ وهو المذهب الذي علية الشيعة الأن ـ معطلة. كيف جمعتم بين التعطيل وبين التمثيل؟ وهذا في واد وذلك في واد!؟ وهذا في المشرق وهذا في المغرب؟ جمعوا ما تفرق في غيرهم. الأوائل ممثلة والأواخر معطلة. ينفون عن الله كل صفة وساروا على مذهب المعتزلة.

فإذن هذه الفرقة من فرق الضلال فلنسأل الله جل وعلا أن يثبت الإيمان في قلوبنا وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى أن هذه الأمة سيقع فيها الانقسام والافتراق. ففي مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم والحديث مروى في السنن الأربعة في سنن النسائي الكبرى وفى السنن الثلاثة من رواية عدة من الصحابة الكرام زادوا على العشرة. وقاربوا العشرين والحديث صحيح صحيح بل نص الإمام السيوطي على تواترة. وهكذا الشيخ الكتاني في كتابة نظم المتناثر من الحديث المتواتر. ولفظ الحديث عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار. وافترقت النصارى على ثنتين وسبعون فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعون في النار. والذي نفسي بيده ـ علية صلوات الله وسلامة ـ لتفترقن أمتي إلى ثلاث وسبعون فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار. قالوا: من هي يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ التي في الجنة ـ؟ قال الجماعة ـ وفى رواية من كان على مثل ما أنا علية اليوم وأصحابي] (¬1) ¬

_ (¬1) - والحديث إخوتي الكرام ـ كما قلت لكم صحيح. ولا عبرة بطعن ابن حزم في هذا الحديث. ففي كتابه. الفيصَل وبقاله له: الفَصّل في الملل والأهواء والنحل (3/138) يقول: هذا الحديث لا يصح من جهة الإسناد أصلاً. والشيخ الآلبانى في سلسلة الأحاديث الصحيحة في الحديث رقم 203 و204 نقل كلام الإمام ابن حزم وقال: هذا الكلام المنسوب لابن حزم ما أعلم أين ذكره ابن حزم وغالب ظني أنه في الفصل وقد قلبت الكتاب من أولة لأخره فما عثرت على كلامة (أي أن هذا الحديث لا يصح من جهة الإسناد أصلاً) . وكما قلنا لكم هو في كتاب ابن حزم..يقول ذكروا أحاديث (بياض) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أن القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة] وحديث أخر [تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة كلها في النار حاشا واحدة فهي في الجنة] والحديثان صحيحان كما سيأتينا الحديث الثاني سأذكره عما قريب: [القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة فإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن مرضوا فلا تعودوهم] قال أبو محمد (يعنى ابن حزم) : هذا حديثان لا يصحان أصلاً من طريق الإسناد. وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد فكيف من لا يقول به؟ أهـ. سبحان الله! هل يجوز رد الحديث بمثل هذا الكلام الذي يمكن أن نسمية كلاماً فارغاً؟ ولو يعطى الناس بدعواهم لأدعي أناس أموال قوم ودمائهم ولكن البينة على المدعى واليمن على من أنكر. فما هي. بينتك بأن الحديث لا يصح أصلاً من جهة الإسناد؟ من المطعون فيه؟ نناقشك هل أنت على بينة أو أنت واهم الحديث قلنا فى المسند والمستدرك والسنن الأربعة ويصححه أئمتنا أو أنت تقول: لا يصح أصلاً من جهة الإسناد. الإسناد الذي ذكر به هذا الأحاديث بل الأسانيد قلنا زادت على عشرة. من المطعون فيه في هذه الأسانيد؟ بيّن ذلك. أما: لا يصح من جهة الإسناد أصلاً. ما هكذا تورد الإبل وليس هذا هو بحث طلبة العلم. وهذا لو أردنا أن نسلم به لكل إنسان يأتي ويقول: حديث البخاري لا يصح عنى أصلاً هذا كلام باطل. ما هو السبب في عدم الصحة؟ قل: فلان فيه كذا. كما نص أئمتنا لنتبعك إن كنت على هدى وبينة وصواب. أو لننصحك ونحذرك من المخالفة إن كنت واهماً واشتبه عليك الأمر. أما: لا يصح أصلاً من جهة الإسناد هذا ليس ببحث طلبة العلم. ولا يكون البحث هكذا. وكما قلت الكلام موجود ومنقول عن ابن حزم وكل من تكلم عن هذا الحديث ذكر كلام الإمام ابن حزم. نعم لم يعزون هذا الحديث إلى الفصل لكنه موجود فيه في الجزء الثالث صفحة 138. وقد ذكر الإمام ابن تيمية علية رحمة الله في مجموع الفتاوى: 3/245 إلى 260 في شرح هذا الحديث وقد كتب علية الإمام الشاطبى في كتابة الاعتصام: 2/189 مائة صفحة متتالية.

ولذلك اخوتى الكرام ينبغي أن نسأل الله جل وعلا الثبات على السنة. لا أهل السنة في (بياض) كالمسلمين في الملل الأخرى. يعنى إذا كان الإنسان مسلماً ورأى البوذيين والهندوك والسيخ والنصارى واليهود عليهم جميعاً لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة وعلى من يعطف عليهم أو يشفق عليهم فهو مثلهم ومعهم. لا اله إلا الله. المسلمون يصابون بأعظم الفاقات ولا أقول لا يوجد من يمد يد العون إليهم. لا. لا أقول لا يوجد من يقول لعل الله يساعدهم. لا. إنما إذا طلبت من العتاة مساعدة لهم يقولون ((أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ)) (¬1) هذا فقير زده فقراً وتشريداً وعقوبة. ينزل بلاء بعد ذلك بدولة كفرية يسارع المسلمون من كل جهة لمعونة تلك الدولة الكافرة الملعونة!! هل يجوز هذا اخوتى الكرام؟ كافر عذبة الله هو يعذب المسلمين نحن ما استطعنا أن ننتقم لديننا ولا لأنفسنا فالله تولي الانتقام وعذبه نأتي لنساعدة! وقلت مرة في بعض الدروس إن بعض العتاة ممن ينتسبون إلى الإسلام قال في محاضرة إنه يأس ويحزن لما حل بالاتحاد السوفياتى ـ وهذا من سنتين ـ من نكبات عن طريق الزلازل والأعاصير (!!) لان هؤلاء إخوان له في الإنسانية؟ فقلت راداً علية: أولاً أسأل الله أن يحشرك معهم ما داموا إخواناً لك فإن شاء الله تكون معهم في الآخرة. والآمر الثاني: إذا لم يكن عندك دين أما عندك كرامة ومروءة يذبحون إخواننا في أفغانستان بل في روسيا. ما ذبحه ستالين الملعون أربعة ملايين مسلم. هذا على يد ستالين فقط. أربعة (بياض) يذبحون. وألا بلاد روسيا أليست بلاد المسلمين بلاد بخاري وغيرها. كلها جعلت دولة علمانية تقول لا اله والحياة مادة والدين خرافة والأنبياء لصوص كذابون. ولن تقوم الساعة. ¬

_ (¬1) - يسن:47

عشر سنين متتالية حرب بينهم وبين إخواننا المسلمين في أفغانستان ما نأسى ولا نأسف لما يحل بإخواننا من أسر تشرد ونساء ترمل وأطفال ضائعون يتخطفهم بعد ذلك دعاة التنصير من هنا وهناك بواسطة الحرب التي يشنها هؤلاء الكفرة على إخواننا الذين هم من دينا. وإذا بعد ذلك دولة عاتية لا تزال تجلس ـ كما يقال ـ على عرشها إذا أصيبت بشيء من الضائقة وإذا قرنت حالها بحالنا لا زلنا نحن نأكل من فتات موائدهم. يعنى خيراتنا كلها ينبغي أن تذهب بقضها وقضيضها إلى هناك! لا اله إلا الله؟ !. أهل السنة في المسلمين كأهل الإسلام في الملل الأخرى. فأنت عندما تنظر إلى الشيوعي واليهودي والنصراني والبوذي الهندوكي والسيخي.. إذا كنت مسلماً تقول: الحمد لله الذي منّ على بالإسلام. وهكذا إذا كنت سنياً تنظر إلى الفرق الإسلامية إلى الرافضة والى الخوارج والى الجهمية والى المرجئة والى الصوفية والى والى ... نقول: الحمد لله الذي هداني إلى السنة. ولذلك يقول الإمام الاوزاعى علية رحمة الله رأيت رب العزة في المنام فقال لي: أنت الذي تنشر العلم وتبلغ حديث النبي علية الصلاة والسلام ـ أي تنشر ديني ـ؟ قلت: بفضلك يا رب. ثم قلت: رب أمتني على الإسلام. قال: قال وعلى السنة. (( (هذا الكلام ورد في (تلبيس إبليس (الجزء الأول صفحة 13، 16) وحلية الأولياء (الجزء السادس صفحة 142) وتاريخ دمشق (الجزء 35 صفحة 193) والبداية والنهاية (الجزء العاشر صفحة 117)) )) .

على الإسلام وعلى السنة. ولذلك كان مجاهد تلميذ ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وشيخ المفسرين يقول: والله ما أرى أي النعمتين على أعظم أن هداني الله للإسلام أو حفظني من الأهواء. يعنى أي النعمتين أعظم ما أدرى هذه عظيمة وهذه عظيمة. وأهل السنة في الفرق الإسلامية كأهل الإسلام في الملل الأخرى ولذلك يقول أئمتنا: أهل السنة وسط في صفات الله بين فرقتين ضالتين ممثلة ومعطلة ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) رد على التمثيل ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (¬1) رد على التعطيل وإيماننا بصفات ربنا يقوم على ركنين: إقرار وإمرار فالإقرار نرد على المعطلة. وبالإمرار نرد على الممثلة. نقر ونمر. فلا نقر ونكيّف ونمثل. ولا ننفى صفات الله فنعطل. وهم في وعيد الله جل وعلا بين فرقتين ضالتين بين المرجئة والجهمية وبين القدرية والخوارج الوعيدية. فالمرجئة والجهمية يقولون لا يضر مع الإيمان معصية والخوارج والمعتزلة يقولون فاعل الكبيرة مخلد في نار جهنم وأهل السنة يقولون: مؤمن بإيمانه فاسق بعصيانه أمره موكل إلى ربه إنا شاء غفر له وان شاء عذبه مآله إلى الجنة مهما طال الأمد. وأهل السنة في أفعال الله جل وعلا بين فرقتين ضالتين بين الجبرية وبين المعتزلة القدرية. ¬

_ (¬1) - الشورى: 11

أما الجبرية فيقولون: لا اختيار لعبد وهو مجبور كالريشة في مهابّ الهوى وأما القدرية فيقولون لا تقدير لله ولا مشيئة فالعبد يفعل ما يشاء وأهل السنة يقولون: للعبد مشيئة لكن مرتبطة بمشيئة الله ((وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ)) (¬1) ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) (¬2) وأهل السنة نحو الصحابة الكرام وآل البيت الطيبين بين فرقتين ضالتين. بين الروافض والخوارج. والخوارج يكفرون عليا ًويعادون آل البيت. ومن كان مع علي. ويتولون الصحابة , والروافض على العكس يوالون علياً وآل البيت (بياض) الصحابة. ونحن نقول: (بياض) الجميع دين نتقرب بذلك إلى رب العالمين. ليس كما (بياض) يقول هؤلاء ولا هؤلاء. نحن الصحابة كما يدعى الخوارج ونحن آل البيت كما يدعى الروافض فنحن نجمع المحاسن بأسرها. وأما هم فلكل واحد عنده ضلال ونقيصة. وأهل السنة في؟ أسماء الدين والإيمان بين فرقتين ضالتين أيضاً. بين الخوارج والمعتزلة. وهذه فرقة ـ وبين المرجئة والجهمية.. وهذه فرقة أيضاً.. أما الخوارج والمعتزلة فقالوا: من فعل كبيرة زال عنه أسم الإيمان مباشرة. فالخوارج قالوا كفر والمعتزلة قالوا في منزلة بين منزلتين. وأما المرجئة والجهمية فقالوا إذا قال لا اله إلا الله محمد رسول الله علية الصلاة والسلام يفعل الكبائر كلها لا يضره لأن الإيمان عند الجهمية المعرفة فقط. وعند المرجئة ـ كما تقدم معنا ـ: إعتقاد وإقرار لا يضر بعد ذلك. ترك العمل وأهل السنة قالوا: قفوا عند حدكم ـ وسط بين فرقتين ضالتين ـ لابد من العمل فإذا فعلة صار تقياً وإذا تركة فهو مؤمن ما زال عنه اسم الإيمان، لكن لا يستحق هذا اللفظ بإطلاق فلا بد له من قيد: مؤمن عاص. مؤمن فاسق. مؤمن ظالم. مؤمن غشاش وما شاكل هذا. مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته. أمرة مفوض إلى ربه. ¬

_ (¬1) - الإنسان: 30 (¬2) - الصافات: 96

فهذه فرق متقابلة في خمسة أمور. أهل السنة فيها وسط كما أن أهل الإسلام وسط بين أهل الملل. فهم الخيار العدول ((كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ)) (¬1) خياراً عدولاً. وهكذا أهل السنة هم الوسط في فرق هذه الأمة نسأل الله أن يثبت قلوبنا على سنة نبينا علية الصلاة والسلام وأن يجعلنا من أتباعه وأصحابة وأن يجمعنا معه في جنات النعيم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. ¬

_ (¬1) - البقرة: 143

أما المرجئة الذين تقدمت الإشارة إليهم فقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى حدوث هذه الفرقة وهذا من أعلام نبوته علية صلوات الله وسلامة (¬1) روى الإمام الطبراني في معجمه الأوسط (¬2) عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة. فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ما توا فلا تشهدوهم] (¬3) ¬

_ (¬1) - والحديث ذكرته عند كلام ابن حزم وقال لا يصح أصلاً من جهة الإسناد. فانتبهوا له إخوتي الكرام. (¬2) - كما في مجمع الزوائد: (7 /205) ورجال الإسناد رجال الصحيح كما قال الهيثمى خلا هارون بن موسى الضروى وهو ثقة وهذا من رجال الترمذي والنسائي. (¬3) - وهذا الحديث رواة الإمام الترمذي وابن ماجة والآجري في الشريعة وابن أبى عاصم في كتاب السنة عن ابن عباس - رضي الله عنهم - أجمعين بلفظ [صنفان ليس لهما في الإسلام نصيب القدرية والمرجئة] والحديث بهذا اللفظ رواة الترمذي وقال: حسن. وفى بعض النسخ: حسن صحيح ورواه ابن ماجه وابن أبى عاصم في كتاب السنة عن جابر بن عبد الله ورواه الآخري في الشريعة عن أبى هريرة ورواة ابن أبى عاصم عن أبى يعلي من الصحابة وعنه رواه اسحق بن راهوية ورواه اسحق ابن راهوية في مسندة عن أبى بكر الصديق - رضي الله عنهم - أجمعين ـ كما في المطالب العالية لأبن حجر ـ ورواة البخاري في التاريخ الكبير عن معاذ بن جبل ورواه أبو نعيم في الحلية عن أنس وعلية ستة من الصحابة الكرام رووا هذا الحديث [القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة ... ] ، [صنفان ليس لهما فى الإسلام نصيب القدرية والمرجئة] هذا كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد تساهل ابن الجوزى وتشدد فأورد الحديث في كتاب " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " وحكم علية بأنه تالف..وقد رد علية أئمتنا كالإمام العلائى والعراقي وابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله وبينوا أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن نعم في رواية الترمذي على بن نزار بن حيان الأسدي أخرج حديثة الترمذي وابن ماجه وهو ـ علي ـ وأبوه ضعيفان لكن للحديث شواهد كثيرة كما تقدمت الإشارة البها من عدة طرق ولذلك نص أئمتنا على قول هذا الحديث وتحسينه.

قال الإمام أبو بكر (بياض) العربي (¬1) (بياض) النبي - صلى الله عليه وسلم - بين القدرية والمرجئة في هذا الحديث لأن كل فرقة أبطلت شيئاً أما (بياض) بطلت شيئاً وأما المرجئة فأبطلت شيئاً من دين الله. أحداهما: أبطلت الحقيقة. والأخرى: أبطلت الشريعة. وما عين علية رحمه الله ـ أي الفرقتين أبطلت الحقيقة وأي الفرقتين أبطلت الشريعة. فأي الفرقتين أبطلت الحقيقة؟ اقدحوا أذهانكم! القدرية أبطلت الحقيقة ووجه ذلك: بدعة القدرية تتعلق لأفعال الله جل وعلا، فأفعال الله جلا وعلا، تقدم معنا ـ الجبرية والقدرية على طرفي نقيض. فالقدرية يقولون. لا تقدير لله على عبادة. والمرجئة يقولون: لا اختيار للعباد فيما يفعلون. مجبرون. وأولئك يقولون مختارون ولا تقدير فإذن متقابلتان. أبطلوا الحقيقة فقالوا: الله جل وعلا ما قدر على المخلوق شيئاً. والمخلوق يفعل بإختياره هو يخلق فعل نفسه ووصل الأمر بثمامه بن أشرس من أئمة المعتزلة الضالين أنه قال: لا يجوز أن نقول إن الله خلق الكافر فقيل له: فمن خلقه؟ قال: نقول مخلوق وكفى!! لا نقول الله خلقه! لٍمَ؟ قال: لأن الكافر إنسان وكفر ولو قلنا إنه مخلوق لله للزم من هذا أن الله خلق الكفر وبالتالي بطل مذهبنا لأن الله لا يخلق الكفر ولا يخلق فعل الإنسان إنما الإنسان هو الذي يخلق فعلة ويقدره. فلئلا نقول إن فعل الكافر مخلوق لله نقول الكافر ماله خالق (!!) نعوذ بالله من هذا الضلال. إلى هذا الحد؟ ! ¬

_ (¬1) - في عارضة الاحوزى: 8/297 عند شرح هذا الحديث

وأما المرجئة أبطلت الشريعة فقالوا: الأعمال ليست من الإيمان ولا غضاضة في تركها. وقال الأمام ابن تيمية علية رحمة الله (¬1) كل من الفرقتين ـ أي القدرية والمرجئة ـ تفسد الأمر والنهى والوعد والعيد. أما المرجئة فإفسادها لذلك ظاهر فهي لا تلقى للوعيد بالاً ـ وتقول عمل ليس من الإيمان ولا غضاضة في تركه ـ ولا تلتفت للأمر ولا للنهى ـ هذا حال المرجئة ـ وأما القدرية فالقدرية تطلق على فرقتين. تطلق على قدرية مجبرة وعلى قدرية معتزلة مجوسة فالقدرية أن احتجوا بالقدر على سوء فعلهم فهم والمرجئة سواء آل قولهم إلى قول المرجئة وإذا قالوا نحن نخلق أفعال نفسنا وليس لله جل وعلا تقدير علينا في ذلك فقد قابلوا الإرجاء فكل من الفرقتين أفسدوا الأمر والنهى والوعد والعيد. ¬

_ (¬1) - مجموع الفتاوى: 8/105

وأما غلاة الصوفية (¬1) فمن قال بهذا القول فهو مبتدع ضال يقولون: ليس في الذنوب صغائر كلها كبائر. كل ما يعصى الإنسان به ربه فهو كبيرة. لٍمَ؟ قالوا للأن الذنب حجاب بين العبد وبين الرب والذنوب تسد على العبد معرفة علام الغيوب. وإذا كانت كذلك فهي كبيرة.!! ¬

_ (¬1) - الصوفية ليس حكمهم كحكم المرجئة المرجئة الذين يقولون العمل ليس من الإيمان ولا حرج ولا عضاضة في تركة على الإنسان قلنا فرقة ضالة لا خلاف في ذلك. الصوفية ليس الأمر كذلك لأن المرجئة نسبوا إلى بدعة وأما نسبة الصوفية ليست إلى بدعة. إلى لبس شيىء معين وهو الصوف ولا يصح غير هذا ونسبهم الناس إلى ذلك عندما اخشوشنوا واعرضوا عن ملذات الدنيا ولبسوا الخشن من الثياب فقال الناس: صوفية نسبة إلى حالهم فهم نسبوا إلى لبس شيىء وليس في هذا مدح ولا ذم ولذلك لا ينسحب حكم عام على كل الصوفية فيهم صديق وفيهم زنديق. وفيهم من هو من أصحاب اليمين وفيهم من هو عاص لربه ظالم لنفسه فلا بد من التفريق بين هؤلاء. فغلاة الصوفية الذين تلبسوا ببدعة ليس كلهم مبتدعون وليس كلهم مهتدون. كحال الرافضة وكحال المعتزلة وكحال المرجئة. هنا نسب = حكماً على الجميع. وقلت لكم: المرجئة اثنتا عشرة فرقة. مس مرجئة خالصة وسبع فرق يقولون بالإرجاء وبعضهم يقولون بالقدر وبعضهم يقولون بالجبر. وقد بحث أئمتنا في تلك الفرق كما ذكر أبو منصور البغدادي في كتابه: الفرق بين الفرق. في حالهم. والإمام أبو الحسن الاشعرى في مقالات الإسلاميين: 1/197 والفرق بين الفرق صفحة 202 وانظر كلام ابن حزم على فرق المرجئة 2/88 هذا فينا يتعلق بالمرجئة حكم عام وهكذا السيئة وهكذا الجهمية وهكذا القدرية أما الصوفية ليس كذلك أهـ.

نقول: هذه الشبهة لا حقيقة لها ولا وجود. فليس الذنب حجاباً عن الرب وليس الذنب يحول بين الإنسان وبين معرفة ربه. كم من؟ إنسان يفعل معصية بحكم غلبة نفسه علية لكنه متضايق من نفسه. لا أبرىء نفسي. وما فعلت هذا تهاوناً بحقك ولا جرأة عليك إنما غرني حلمك علي وقلة عقلي وسفاهتي. أسألك أن تغفر لي. أهذه المعصية حجبته عن معرفة الله؟ سدت علية باب معرفة الله لا. ولذلك ذكرت الآية في أول مبحث السيئات: ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) (¬1) والعبد يذنب الذنب يدخل به الجنة. قالوا وكيف؟ قال: لا يزال نصب عينية كلما ذكره بكي. وأنين المذنبين عند الله أفضل عند الله من تسبيح المسبحين. فهذا عندما ابتلى فتاب إلى الله أي حجاب حصل له. [كل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون] (¬2) ولا يلزم من أن الإنسان إذا وقع في معصية حجب عند الله وسدت عليه باب المعرفة. نعم المعاصي بريد الكفر أحياناً تؤول به إلى نسيان ربه وجحود إلهه. لكن أحياناً تؤول به إلى رفعة قدر عند ربه ((ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)) (¬3) وكان حال آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه بعد المعصية خيراً من حاله قبل المعصية. فهذا كلام باطل. ¬

_ (¬1) - آل عمران: 135، 136 (¬2) - فلت: هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدرامي بسند صحيح والحاكم وقال صحيح الإسناد (بياض) أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [كل بني آدم ... ] ورواه المنذرى والبغوى. (¬3) -طه: 122

ونرد على الفرقتين المرجئة والصوفية فنقول: قولكم لا يوجد في الذنوب صغائر وكبائر. أما المرجئة ألغوا الكبائر. وأما غلاة الصوفية ألغوا الصغائر هذا مصادم للنصوص الشرعية كيف تفعلون بقول الله: ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) (¬1) أأنتم أعلم أم الله؟ وكيف تفعلون بحديث رسول الله علية الصلاة والسلام (¬2) وفيه يقول النبي علية الصلاة والسلام: [الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ـ ما لم تغش الكبائر] ؟ هذا كلام النبي علية الصلاة والسلام فهل يعقل بعد ذلك أن نأخذ بتعليلاتكم العليلة ونترك شريعتنا الجليلة؟ كلامكم مصادم للنصوص وكل اجتهاد وكل قول يصادم نصاً فهو فاسد الاعتبار لا ينظر في مضمونه بغض النظر عن قائله مهما كان شأنه. الأمر الثاني: نقول: يترتب على معرفة الكبائر والصغائر أحكام في العاجل وفى الأجل. فكيف سنطبق تلك الأحكام إذا لم يكن في الذنوب صغائر ولا كبائر؟ (¬3) إخوتي الكرام: إذن هذا قول من خالف أهل السنة الكرام من قول المرجئة وقول غلاة الصوفية وقولها باطل. بأنه ليس في الذنوب صغائر وكبائر عند المرجئة أنها كلها صغائر. وعند غلاة الصوفية كلها كبائر. فائدة: ¬

_ (¬1) -النساء: 31 (¬2) -تقدم معنا وهو في صحيح مسلم وسنن الترمذي وغيرها. (¬3) - وسيأتينا إن شاء الله إليه الأحكام والآثار المترتبة على الكبائر والصغائر في الدنيا والآخرة في آخر المباحث وهو المبحث السابع.

قبل أن نحدد الكبيرة والصغيرة وننتقل إلى المبحث السابع عندنا خلاف لفظي قال به بعض أهل السنة في الإرجاء الصوري الذي قال به أبو حنيفة ومسعر بن كدام ومحمد بن الحسن فيما يتعلق بموضوع الإرجاء. هنا أيضاً في تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر عندنا خلاف صوري بين بعض أئمتنا وجمهور أهل السنة قال به أبو اسحق الاسفرائيني (¬1) ونقلة الإمام القرطبي (¬2) عن أبى إسحاق وعن أبى المعالي إمام الحرمين وعن أبى الطيب بن الباقلاني ونقلة من أبى النصر عبد الرحيم القشيرى عليهم جميعاً رحمة الله حاصله: أننا لا نقول في الذنوب صغائر. إنما نقول ذنوب ومعاصي لا نقول صغيرة وهؤلاء فعلوا هذا وقالوا هذا لئلا يتهاون الناس في المعاصي. فإذا قلنا لهم إن النظرة صغيرة والصغيرة تكفّر بالصلوات لا يبالون بالنظرة. فنقول هذه معاصي توجب غضب الله ولا نقول بعد ذلك يوجد صغائر. ¬

_ (¬1) - كما نقل عنه هذا الإمام ابن القيم في مدارج السالكين: 1/315 (¬2) - في تفسيرة: 5/159

نقول لهم: هل حكم النظرة كحكم الزنا؟ يقولون: نعوذ بالله كيف هذا؟ تلك من فعلها يقام عليه حد ويسجل عليه اسم الفسق. وأما هذه فلا حد عليها يقام ثم لا يجوز أن نطلق عليه لفظ الفسق. وهذه ليست كتلك. إذن مآل قولهم إلى قول جمهور أهل السنة لكن أرادوا ألا يكون في اللفظ شيء من تعلق بعض البطالين بفعل المعاصي. فقالوا لا نقول يوجد صغائر. نقول ذنب ومعصية لكن المعاصي تتفاوت فالزنا ليس كالنظرة. هذا معصية وهذا معصية نعم لكن هذا كبيرة وهذا صغيرة. وهم قالوا لا نقول صغيرة خشية أن يتساهل الناس في فعل المعاصي وهذا القول بما أن قائلة من أهل السنة وعندما نسأله عن مراده يقول: حكم الزنا ليس كحكم الصغيرة وليس كغلاة الصوفية يقول: الكل عندنا كبيرة أو كالمرجئة يقول: الزنا حكمه كحكم النظرة والكل صغيرة. ليس كذلك. إذا كان الأمر كذلك نقول كما قال ابن القيم هذا خلاف لفظي لا معنى له ليس تحته معنى يختلف هذا القول عن قول جمهور أهل السنة كخلاف أبى حنيفة ومن معه لجمهور أهل السنة في مسمى الإيمان. فانتبهوا لهذا لو قال قائل: إذا كانت الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر فكيف سنعرف كل ذنب ومن أي القسمين هو. هل هو كبيرة أو صغيرة؟ وهل لذلك ضابط محدد؟ نقول نعم. لذلك ضابط يميز الكبيرة عن الصغيرة. هذا الضابط نقل عن الضحاك (¬1) ونقل أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن ابن عيينه وقال به الإمام أحمد بن حنبل عليهم جميعاً رحمة الله وهو المعتمد عند أهل السنة الكرام كما قرر ذلك أئمتنا في كتب التوحيد (¬2) وهذا التفصيل موجود في كتاب السنة والسيئة للإمام ابن تيمية. وهو اختيار أبى عبيد القاسم بن سلام عليهم جميعاً رحمة الله وهو. أن الكبيرة ما وجد فيه أمرين: حد عاجل عقوبه مقدرة في الدنيا. ¬

_ (¬1) - كما في تفسير الطبرى (¬2) - كشرح الطحاويه وغير ذلك.

فكل ما علية عقوبة مقدرة في الدنيا فهذه المعصية كبيرة بكل ما علية وعيد خاص شديد في الآخرة فهو كبيرة من لعنة أو مقت أو غضب وما شاكل هذا إذن الكبيرة ما عليه عقوبه من لعنه أو غضب أو مقت. فهذا يقال له كبيرة. هذا القول هو المعتمد لأربعة أمور: أولها: القرآن يدل عليه. كلام الله الذي أخبرنا أن لذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر تشير إلى هذا التعريف فآية النساء: ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (¬1) هذه العدة الكريمة من ربنا الكريم هل يستحقها من وجب عليه حد في الدنيا؟ تكفر عنه خطيئته؟ هل يستحقها من أوعد بلعنة أو غضب أو مقت؟ ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ)) يعنى إن تجتنبوا الأمور التي ليس فيها لعنة ليس فيها غضب ليس فيها مقت ((نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) فلو زنا الإنسان هل في ذلك لعنة أم لا؟ في ذلك لعنة. لو قذف؟ في ذلك لعنة عظيمة ((إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (¬2) و [اجتنبوا السبع الموبقات ... وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات] (¬3) وقذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة. فلو قذف الإنسان هذا اجتنب كبائر ما نهى الله عنه؟ لا. ¬

_ (¬1) - النساء: 31 (¬2) - النور: 23 (¬3) - قلت: الحديث متفق على صحته. وقد تقدم صفحة 55

فتلك العٍدَة وهى تكفير السيئات لا ينالها صاحب السيئة إذا كانت سيئة عليها حد في العاجل أو وعيد شديد في الآجل ولذلك إذا اتصف بالربا ثم بعد ذلك اجتنب سائر الموبقات هل يدخل في هذه الآية ((نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) ؟ ينال هذا الوعد الكريم؟ هذا مؤذن بحرب من الله كيف سيناله هذا الوعد! وهكذا لو قتل نفساً والله يقول: ((فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) (¬1) هذا أيضا يناله هذه العدة الكريمة؟ لا إذن ما هي العدة الكريمة؟ لأي سيئة وخيمة؟ حقيقة إنسان خرج إلى الشارع فنظر. وحدث بكلام لغو ما وصل إلى حد البهتان والكذب فالكذب كبيرة. فهذه صغائر لا ينجو منها إنسان. ولو جمعت كما قال النبي علية الصلاة والسلام [إن تغفر اللهم تغفر جماً وأي عبد لك لا ألماً] (¬2) أي ما جمع من هذه اللمائم والصغائر الكثيرة. فإذن إذا لم يكن الذنب عليه مقدر في الدنيا ولا وعيد شديد في الآخرة فهو صغيرة. وإذا كان فيه أحد هذين الأمرين فهو كبيرة. وعليه: الكبائر معروفة والصغائر معروفة. قال أئمتنا: الصغيرة ما دون الحدين. يعنى حد الدنيا المقرر ووعيد الآخرة الشديد. ثانيها: ¬

_ (¬1) - النساء: 93 (¬2) - قلت: الحديث تقدم صفحة 56

استقراء الشرع يدل على هذا. كل معصية عليها عقوبة في الدنيا أو فيها وعيد شديد وعقوبة خاصة أليمة في الآخرة دل خطاب الشارع على أنها كبيرة. فنحن استقرءنا كلام النبي علية الصلاة والسلام في ذكر الكبائر فوجدنا هذين الوصفين ينطبقان على الكبائر التي صرح علية الصلاة والسلام بأنها كبيرة [اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات] هذه الأمور أما ينطبق عليها ما تقدم؟ إما وعيد في الآخرة وإما حد في الدنيا: [ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله ـ محل الإجماع ـ وعقوق الوالدين] (¬1) ليس عليه ولا فيه حد مقرر في الدنيا. لكن وعيد شديد في الآخرة فلا يرضى الإنسان ربه حتى يرضى والدية و: [رضي الله في رضي الوالدين. وسخطه في سخطهما] و [لا يدخل الجنة قاطع رحم] (¬2) ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث متفق على صحته عن أبى بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلي يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال: الإشراك بالله. وعقوق الوالدين. وكان متكئاً فجلس فقال: ألآ وقول الزور وشهادة الزور ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت] وقوله: لا يسكت: اى يستمر في قولها تهويلاً. (¬2) - قلت: هذان الحديثان ثابتان عن نبينا علية الصلاة والسلام. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[رضا الله في رضا الوالد. وسخط الله في سخط الوالد] رواة الترمذي وابن حبان في صحيحة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقة الذهبي..ورواه الطبراني من حديث أبى هريرة وفيه [طاعة الله طاعة الوالد ومعصية الله معصية الوالد] ورواه البزار من حديث عبد الله بن عمرو: [رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين وسخط الرب تبارك وتعالى في سخط الوالدين.] وفى الصحيحين عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [لا يدخل الجنة قاطع] .

والجنة عند أقدام الأمهات. كما قال خير البريات علية الصلاة والسلام في المستدرك وغيره [الزمها فإن الجنة عند رجليها] (¬1) فإذن هذا العاق. وعيد شديد في الآخرة [ألا وشهادة الزور وكان متكئاً فجلس فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت] (¬2) شهادة الزور هذه من الكبائر فإذن نحن عندما ذكرنا في الكبائر التي نص نبينا علية الصلاة والسلام على أنها كبائر وجدنا دخول ذينك التعرفين الضابطين الوصفين في الكبائر. وعيد شديد في الآخرة. حد مقدر في الدنيا. ثالثها: ¬

_ (¬1) - قلت: هذا الحديث من رواية غير واحد من الصحابة فعن طلحة ابن معاوية السلمي - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقل يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أريد الجهاد في سبيل الله قال: [آمك حيه؟ قلت نعم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الزم رجليها فثم الجنة] رواه الطبراني وعن أبى إمامة - رضي الله عنه - أن رجل قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق الوالدين علي ولدهما؟ قال: [هما جنك ونارك] رواة ابن ماجة وعن معاوية ابن جاهمة أن جاهمة جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: [هل لك من أم؟ قال: فالزمها فإن الجنة عند رجليها] رواه ابن ماجة والنسائي واللفظ له وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. ورواه الطبراني ولفظه: قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أستشيره في الجهاد فقال النبي: [ألك والدان؟ قلت: نعم. قال: إلزمهما فإن الجنة تحت رجليهما.] قال المنذري: إسناده جيد. (الترغيب والترهيب: 3/316) . (¬2) - قلت: هذا تكملة للحديث السابق (تعليق 1) وقد تقدم بنحوه صـ 55.

بهذا التعريف الذي ذكرناه وهو أن الكبيرة ما فيها وعيد في الآخرة شديد خاص وعقوبة مقدرة في الدنيا. والصغيرة ما دون الحديث. بهذا التعريف نكون قد قسمنا الذنوب بأسرها إلى قسمين لا ثالث لهما: كبائر وصغائر فكل ذنب سيدخل إما في تعريف الكبائر أو في تعريف الصغائر. أما خلاف هذا التعريف من أقوال قيلت بلغت (بياض) إلى عشرة أقوال كلها متهافتة فقيل ـ كما قال الصوفية ـ ما سد باب معرفة الله وحجب عن الله فهو كبيرة نقول: أي ذنب يسد باب معرفة الله؟ قد النظرة تسد وهى صغيرة وقد الزنا وقتل النفس لا يسد باب معرفة الله. ناهيك بالرجل الذي قتل تسعاً وتسعين وكمل المائة ثم ما سدت معاصية تلك باب معرفة الله ولا حجبته عن الله فلما دل إلى عالم بعد أن كمل بالراهب المائة قال: هل لي من توبة؟ قال وماذا عملت؟ قال: قتلت مائة نفس قال: ومن يحول بينك وبينها؟! ثم بعد ذلك تاب ومات في وسط الطريق ـ كما هو ثابت في الحديث المخرج في الصحيح ـ واختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فكان اقرب إلى الأرض الصالحة بشبر ـ بذراع ـ فناء بصدره عندما جاءه الأجل فأخذته ملائكة الرحمة. ورحمة الله واسعة. ما حجبه هذا الذنب عن الله. والذي يقول إن الكبائر مبهمة. نقول: مبهمة بالنسبة عندك وإذا خفت عليك فهي: معلومة عند غيرك والذي يقول: إن الذنوب كلها كبائر لكنها تتفاوت في القبح فالزنا كبيرة إذا قرنت زنا الإنسان بالأجنبية أيسر من زناه بزنا زوجة الجار. الزنا بزوجة الجار أيسر من الزنا بأخته. الزنا بأخته أيسر من الزنا بأمة. كل هذا كبائر لكن كل ذنب يكون أكبر من غيره من باب النسبة وأصغر من غيره من باب النسبة. والذنوب كلها كذلك يقول إذن أنت ما قلت لنا يوجد في الذنوب صغائر وكبائر وقلنا الشرع يدل على أنه يوجد في الذنوب صغائر وكبائر. فإذن هذا الضابط هو الذي يميز الذنوب إلى قسمين كبائر وصغائر. رابعها:

قلنا هو قول أهل السنة وهو المنقول كما قلنا ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن الضحاك وأبى عبيد وابن عيينه ورجحه الإمام أحمد واعتمده أهل السنة لهذه الأمور الأربعة: الكبيرة ما فيه حد وعقوبة مقدرة في الدنيا. أو وعيد شديد خاص في الآخرة. المبحث السابع أثر الكبائر والصغائر والأحكام المتعلقة بكل من هذين الصنفين (¬1) المطلب الأول: أثر الصغائر أولا: في الدنيا إخوتي الكرام الصغائر لها أثرها في الدنيا وهي ثلاثة: 1. الأثر الأول: لا تزيل صغائر والمعاصي والآثام عن مرتكبها اسم الإيمان. فلا زال يقال له: مؤمن. بلا قيد. مطلق الإيمان. اسم الإيمان بإطلاق لا يزول عنه. أي لا زال ضمن المتقين وضمن الصالحين وأن صدر منه شيء من الهفوات والتقصير مما يعد صغيرة لا يعتبر كبيرة. لازال إذن ضمن عباد الله المؤمنين الأخيار الصالحين الطيبين. هذا الأثر أول فلا يقال له مؤمن عاصي. مؤمن فاسق. مؤمن مفرط , مؤمن مسرف. مؤمن متجاوز لحدود الله.... لا يقال هذا على الإطلاق. يقال: مؤمن. مطلقاً بلا قيد. هذا فيما يتعلق بأحكام الدنيا فلا يجوز أن نزيل اسم الإيمان عن فاعل الصغيرة. أقصد باسم الإيمان الإيمان المطلق فلا يجوز أن نقيد هذا بقيد أن نقول: هذا مؤمن عاصي لورود صغيرة منه في حق الله جل وعلا. لا يجوز هذا على الإطلاق. إنما مؤمن بلا قيد. فالصغائر إذن لا تزيل الاسم المطلق في الأيمان عن مرتكبها. ¬

_ (¬1) - أي أثر الصغائر والكبائر في الدنيا والآخرة وما الأحكام التي تترتب على الصغائر بالنسبة للفاعل في الدنيا وفى الآخرة وهكذا بالأحكام التي تترتب على الكبائر بالنسبة للفاعل في الدنيا والآخرة.

2. الأثر الثاني: الصغائر إذا فعلها الإنسان في هذه الحياة تكسب قلبة ظلمة يسيرة. هي بمثابة الغبش والكدورة في القلب. هذه تجلى مباشرة بعد ذلك بفعل طاعة من الطاعات. ومن المكتوبات كما تقدم معنا ـ الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. ما لم تغشى الكبائر. تزال هذه الآثار. هذه الظلمة هذه الكدورة. إذن ما حصل ظلمة شديدة وكالثوب الأبيض إذا مرت علية رياح فيتكدر ويتغير. لكن ليس كما لو صببت علية زفتاً أو حبراً هناك ألان تلوث ويحتاج إلى جهد في إزالته. أما هنا غبار علق بك إذا نفخته يطير. وهنا بالنسبة للصغائر القلب يصبح فيه ظلمة لكن هذه الظلمة ليست شديدة. بمثابة كدورة. بمثابة غبرة تلحق بثياب الإنسان. تزول باجتناب الكبائر إذا لم يفعل الإنسان كبيرة. وتول بفعل الطاعات.

3. الأثر الثالث: ليس لصغائر عقوبات مقدرة في الحياة الدنيا. فلا يوجد صغيرة من الصغائر لها عقوبة مقدرة أو حد مقدر يجب على الإمام أن ينفذه. لا. ونحن تقدم معنا: الصغيرة ما دون الحدين. فإذن ليس على الصغائر عقوبات؟ نقول لا عليها عقوبات. لكن العقوبات التي يرتبها ولى الأمر على الصغائر ليس لها حد مقدر لا يجوز أن لا يتجاوزه أو لا يجوز أن يسقطه لا. هي موكولة لاجتهاده فإن رأى ولي الأمر أن يعزر من فعل صغيرة بما يردعه من سوط أو سوطين أو عشرة أسواط أو ما شاكل هذا. فلا حرج وإذا رأى أن يعزره بتوبيخ وتعييب فلا حرج وإذا رأى ألا يعزره وأن يقيله عثرته بالنسبة للصغيرة التي وقع فيها فلا حرج. إذن ليس عليها حد مقدر. العقوبة عليها من باب التقدير فلو قدر أن رجلاً قبل امرأة (بياض) إلى امرأة هذا كله من الصغائر. وهو اللم واطلع ولى الأمر على هذا فله إن يعزر بجلد. لكن لا يجلد مائة جلدة كالزاني البكر ويغربه سنة. ولا يجوز أن يجلده ثمانين جلدة كما هو الحد في القذف. لا. يجلده أسواط بما يعزره ويردعه و [لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله] (¬1) كما قال نبينا علية صلوات الله وسلامة. يردعة بتوبيخ. يقول له: أما تستحي! مثلك يفعل هذا؟ أنت تطارد النساء وتتبعهن من مكان إلى مكان أما تستحي؟! أما عندك نساء ومحارم؟ أما تغار على محارمك؟ من هذا الكلام. ثم يطلق سراحة بعد ذلك فإن رأى أن يجلده فله ذلك. ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث متفق على صحته. وألفاظه عند البخاري 1 عن أبى بَرْدَةَ - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [لا عقوبة فوق عشر أسواط إلا في حد من حدود الله] 2 عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عمن سمع النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا فى حد من حدود الله] 3 عن أبى بردة قال: [كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [لا يجلد فوق عشر جلدات إلا فى حد من حدود الله] .

المقصود ليس على الصغائر عقوبات مقدرة في هذه الحياة. إنما لولي الأمر أن يعزر من فعل صغيرة إذا رأى أنه لا يتردع إلا بهذا وإذا رأى أن هذه الصغيرة فشت في الأمة ولا يمكن أن يحصل ردع إلا بجلد كما لو اعتاد الشباب مطاردة النساء في الشوارع أو إذا ذهبت امرأة لحاجة ضرورية إلى سوق ترى الشباب الهابط المنحط يتبعها من هنا إلى هناك وأحياناً يسمعها كلمات. هذا كله لا يزال ضمن الصغائر وليس عليه حد مقرر إذا انتشر هذا وفشي في الأمة قد يجعل ولى الأمر لذلك رادعاً. فنقول لمحتسبين المسئولين عن إقامة الحدود والمنفذين لهذا: من وجدتموه عنده شيء من هذا هاتوه إلى، والقاضي يحكم بعد ذلك بما يعزره. وينظر إلى حاله فقد يجلده عشر جلدات. وقد يجلده دون ذلك، وقد يعفو عنه.

فالشاهد: أنه ليس في الصغائر حد مقدر لا يجوز للإمام أن يتجاوزه ولا يجوز للإمام أن يسقطه الحد المقدر ولي الأمر مكلف بتطبيقه رغم أنفه وإلا هو عاص لله ولرسوله وإذا استحل إسقاط ذلك لحد فهو كافر. فزاني محصن ثبت زناه بإعتراف أو ببينه ـ شهود ـ وجد أن يرجم. فقال نسجنه سنة. إذا استحل ولي الأمر هذا فقد كفر. وإن صام وصلي وزعم أنه مسلم. هذا حد شرعي ليس لولي الأمر إلا أن ينفذه. وهكذا إذا أتى بسارق وثبت عليه السرقة فواجب أن يقطع اليد. ولا يجوز لولي الأمر أن يقول هذا تاب وسامحناه ولعلة يصبح من الصديقين لو قدر أنه خير الأمة سرق لوجب على ولي الأمر أن يقطع يده كما قال نبينا علية الصلاة والسلام [والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد ـ علية الصلاة والسلام ـ سرقت لقطع محمد يدها ـ علية صلوات الله وسلامة] (¬1) . هذا حّد لا بد من تنفيذه لكن هناك كما قلنا الصغائر نقيل الصالحين عثراتهم ولا داعي أن نعاقبهم بما نعاقبهم به من ليس له شأن كشأنهم. ولذلك قلنا من يتوسم فيه الخير وصدر منه زله. ولى الأمر يقيله عثرته. من عليه علامات الشر ـ وهذا معلوم من حاله ـ صدر منه زلة ضمن الصغائر يقول: إذن لا بد لك من رادع وزاجر فإذن لا يزول عنه إسم الإيمان المطلق. قلبه يعترية ظلمة خفيفة ويسيرة كدورة وغبش ولا يبقى في القلب الصفاء التام يجلى القلب بعد ذلك بفعل طاعة إذا اجتنب الكبائر الأخرى. ثانياً: في الآخرة. وأما في الأجرة فالصغائر لها أثران في الآخرة: ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث متفق على صحته. وهو من حديث المرأة المخزومية المشهور. فعن عائشة رضي الله عنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال ـ لأسامة بن زيد عندما كلمة فيها ـ: [أتشفع في حد من حدود الله. ثم قام فاختطب ثم قال: وأيم الله لو أن فاطمة ـ وفى رواية والذي نفسي بيده ـ بنت محمد سرقت لقطعت يدها] .

3. الأثر الأول: تقع مغفورة بكرم الله وفضله ورحمته. وهذا بنص القرآن ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) (¬1) فمن لم يلق ربه إلا بصغائر فما عنده كبيرة من الكبائر له البشرى من الله والمغفرة. هذا وعدة الله. وقد أخبرنا نبينا علية الصلاة والسلام كما تقدم معنا ـ في حديث مسلم وغيرة عليهم رحمة الله أن الصلوات الخمس ورمضان والجمعة تكفر الصغائر إذا اجتنب الإنسان الكبائر. فإذن تقع هذه مغفورة ولا يحاسب عليها العبد يوم القيامة بفضل الله ورحمته وكرمه. 3. الأثر الثاني والأمر الثاني: لا تؤخره عن دخول الجنة. فإذا لم يلق ربه إلا بصغائر الذنوب فغفرت له ولا تمنعة من دخول الجنة. إذن سيدخل الجنة مع السابقين المقربين المقربين بكرم أرحم الراحمين. هذه أحكام الصغائر. * * * هذا كله إخوتي الكرام إذا فعل الإنسان الصغائر وما أصر عليها. أما إذا أصر فالحكم اختلف. الصغيرة إذا أصر عليها لا تكون صغيرة أنما تكون كبيرة. وقد ذكر أئمتنا بناء على أدله شرعية أن الصغائر تكبر وتنقل من ديوان الصغائر إلى ديوان الكبائر لواحد من ستة أمور: أولها: الإصرار: فهو كلما رأى امرأة يمد طرفه ونظره إليها ولا يفتأ قلبه عن هذا ولا يكف عن ذلك فترة من الزمن. فهذه المعصية صغيرة لكن بالمواظبة والاستمرار نقلتها إلى الكبيرة. وقد قال سلفنا الكرام: لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار كبيرة فعلها الإنسان وتاب إلى الله منه واستغفر. تمحى بفضل الله ورحمته لأنه تاب وأناب ومن تاب تاب الله عليه. صغيرة فعلها الإنسان وواظب عليها نقلت إلى ديوان الكبيرة لا بد لها من توبة نصوح. ¬

_ (¬1) - النساء: 31

وهذا الكلام (¬1) روى مرفوعاً عن نبينا المختار صلوات الله وسلامة عليه من رواية ابن عباس وأبى هريرة وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين. لكن الأسانيد إلى هؤلاء الصحابة تالفة لا تثبت. الحديث شديد الضعف عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -[لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار] لكن المعنى صحيح. وقد مثل أئمتنا لصغائر التي يواظب فاعلها عليها والكبائر التي يفعلها الإنسان ويقلع عنها ويستغفر منها بمثال حسي. فقالوا: لو أن إنساناً أخذ سطل كبير من الماء في أيام الشتاء وسفحه عليك مرة واحدة. يؤذيك. الأذى كبير أو صغير؟ كبير سطل كبير سفحه عليك غرقك وبدأ الماء يشر عليك من رأسك إلى رجليك والوقت بارد والماء بارد وآذاك أذى كبير. لكن بعد هذا جاء واعتذر إليك وقال: يا عبد الله سامحني وأخطأت في حقك وهذه ثياب نظيفة إلبسها وعفي الله عما سلف. تقول: عفي الله عنك. لكنه آذاك أذى كبيراً. لو قدر أنه أخذ هذا السطل بدل من أن يسفحه عليك لتكون جنايته جناية كبيرة، (بياض) قال: أنا أريد أن لا أفعل معصية كبيرة معك ولا أريد أن أسيء إليك إساءة كبيرة ماذا أعمل. أعلق السطل فوق رأسك بحيث كل دقيقة يقطر قطرة. ولو قطرة واحدة فقط لما كان لها اى تأثير. لو قطر على رأسك قطرة ومشى قد لا تشعر بها. ليست حالا كحال السطل لكن السطل الآن بكاملة سيفرغه عليك قطرات. وقد وصل الحال العتاه الذين يعملون في تعذيب المسلمين من أجهزة المخابرات الذين لا يخافون رب العالمين أنهم يحبسون المسلم في زنزانة ـ حجرة ـ يبقى قائماً فيها. وهذه الزنزانة تقطر علية كل دقيقة قطرة ماء هذا الآن في السجون التي يعذب فيها إخواننا في الله يوضع في زنزانة له لا يستطيع أن يقعد ولا يتمدد. قائم ثم فوق رأسة كل دقيقة قطرة ماء تقطر عليه. هو يشعر كأن رصاص يضربه باستمرار. حقيقة فيه أكبر أذى. هذا مثال الصغيرة التي يواظب عليها فاعلها.

والسطل مثال الكبيرة التي يقلع عنها صاحبها وحقيقة الصغيرة التي يواظب عليها صاحبها أشنع بكثير من الكبيرة التي يقلع عنها صاحبها لكن لو قيل: كبيرة يواظب عليها صاحبها. فأيهما أشنع؟ الكبيرة قطعاً. هذا لا خلاف فيه كبيرة يواظب عليها. صغيرة ويواظب عليها. الكبيرة أشنع. صغيرة يواظب عليها كبيرة فعلها وأقلع وتاب، الصغيرة أشنع. صغيرة لا يواظب عليها. وكبيرة لا يواظب عليها تاب منها. نقول: الصغيرة حالها أيسر لأن هذه في الأصل غفرت له باجتنابه للكبائر وبطاعته لله جل وعلا. وأما تلك فأمرها عظيم لا بد من توبة نصوح وأمر صاحبها مفوض إلى الله جل وعلا وهل تحققت شروط التوبة أو قبلت؟ هذا مرده إلى الله. أما الصغائر فقلنا فيها وعد كريم لأن من اجتنب الكبائر تغفر له الصغائر. لأنه لا يخلو عبد من لمم [إن تغفر اللهم تغفر جماً وأىً عبد لك لا ألّماً] (¬1) لا يخلو أحد من صغائر. ورحمة الله جل وعلا واسعة. إذن ستة أمور تكبر بها الصغائر. أولها المواظبة والمدوامة والاستمرار والإصرار فإذا فعل هذا تنقل الصغيرة إلى ديوان الكبيرة. ثانيها: الأمر الثاني الذي تكبر به الصغيرة: الاستصغار. ¬

_ (¬1) - تقدم تخريجة صـ 56

فعل معصية صغيرة، ينظر إلى النساء يكلمهن يصافحهن. يضاحكهن. لا يصل الأمر إلى حد الزنا. قلنا أتق الله يقول: لا تضيقوا رحمة الله هذه كلها صغائر لا قيمة لها ولا وزن ولا اعتبار. يا عبد الله: صغيرة لكن ينبغي إذا فعلتها يعنى أن تتأثر من حالك. وأما صغيرة تستصغرها وتستسهلها؟ !. قال بلال بن سعد (¬1) لا تنطر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى عظمة من عصيت فأنت عصيت أحكم الحاكمين ورب العالمين الجبار المنتقم سبحان وتعالى، فالذنب وإن كان صغيراً لكنه في حق الكبير الجليل الذي أغدق عليك نعمة في الليل والنهار ((وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)) (¬2) فيجوز في حقك أن تفعل ذنباً وأن تستصغره وأن تستسهله وأنه كأنه لم يجرمنك سيء! هذا ليس من علامات الإيمان. ¬

_ (¬1) - وكان لأهل الشام كالحسن البصري لأهل البصرة عليهم رحمة الله جميعاً. توفى سنة 120 هـ. (¬2) - النحل: 53

ولذلك كلما استصغر العبد ذنبه كبر عند الله وكلما استكبر العبد ذنبه واستعظمه صغر عند الله جل وعلا. وقد ثبت في صحيح البخاري (¬1) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال ـ والكلام موقوف عليه من قوله ـ يقول - رضي الله عنه -[المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل ويخاف أن يسقط عليه. والمنافق يري ذنوبه ـ وفى روايه عنه: والفاجر يرى ذنوبه ـ كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا] فانظر هنا لحال المؤمن كيف يستعظم الذنب. ويستكبره وينخلع قلبه منه ولحال الفاجر والمنافق. يرى ذنوبه ـ المؤمن ـ كأنه في أصل جبل ويخاف أن يسقط عليه. وإنما ذكر هذا التشبيه لبيان عظيم الروع الذي يحصل في قلب المؤمن. لأن من كان في أصل الجبل والجبل سينقلب عليه لا يرجى له السلامة ولا النجاة بحال من الأحوال. وليس سقف يمكن أن يهرب منه. جبل عظيم سينقلب عليه فكيف سيكون حال الروع في قلب المؤمن؟ وأما ذاك فانظر لهذا المثل كذباب وقع على أنفه. لِمَ قال: على أنفه؟ مع أن الذباب قلّ أن يقع على الأنف. إنما يقع على العين بكثرة. ثم على الفم أما الأنف قلّ أن يقع الذباب عليه؟. إشارة إلى حال الفاجر والمنافق. كأن الفاجر والمنافق لا يتذكر دينه ولا يخطر بباله كما أن الذباب لا يقع علي أنوف الناس ثم لو قدر أنه خطر الذنب بباله صال كحال الذباب إذا وقع على الأنف نادراً فيعمل الإنسان هكذا فيطير فهو لا يستحضر الذنب ويستصغره ويستسهله أصالة. ¬

_ (¬1) - قلت: ومسلم أيضاً

ثم لو قدر انه استحضره لا يحتاج لا إلى روع ولا إلى كلفة ولا إلى جهد ولا إلى خوف يعمل هكذا ويزول عنه هذا الأثر ولذلك المؤمن جمع إحساناً وشفقة والمنافق والفاجر جمع إساءة وأمناً هذا محسن مشفق وذاك مسيء آمن ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) (¬1) يفعلون ما يفعلون من طاعات وقربات ومبرات يتقربون بها إلى رب الأرض والسموات ثم مع هذا قلوبهم وجلة. وأما أولئك إن أساؤوا قالوا: سيغفر لنا. وإن عملوا الصالحات التي في الظاهر صالحة والله أعلم بحقيقتها قالوا: سيتقبل منا. ويمنون على الله بذلك. هذا حال الفاجر: إساءة وأمن. والمحسن المؤمن: إحسان وخوف. ولذلك يرى المؤمن نفسه مع ذنوبه كأنه في أصل جبل ويخاف أن يسقط عليه وأما ذاك كذباب وقع علي أنفه فقال به هكذا. فاستصغار الذنب ينقلة من ديوان الصغيرة إلى ديوان الكبيرة. ثالثها: الفرح والاستبشار: ¬

_ (¬1) - المؤمنون: 60

هو ليس استكبر الذنب. بل أخبث وأشنع. فرح به والتذ وابتهج وتمنى أن يحصل له هذا باستمرار. خرج من البيت فوقع نظره على أمريكية ملعونة يقول: هذه نعمة حصلت لي. ليس كل ما أخرج تقع عيناي على هذا المنظر لتلتذ عيناي!! سبحان الله؟ ! أما يكفيك أنك عصيت الله؟ بدأت تفرح بالمعصية؟ وهذا حقيقة عندما تفرح يغضب ربنا جل وعلا. وهذه الصغيرة عندما يقوم في قلبك هذا المعنى الخبيث الذي فيه عدم المبالاة بالله الجليل، تنقل صغيرتك من صغيرة إلى كبيرة. أما لو قدر أنه نظر بمقتضى الطبع ولا فرح ولا استبشر. نظر. أغواه الشيطان فدار مع ميول النفس. ثم بعد ذلك إما صلي وغفر له. وتأثر وقال: يا رب أنا أخطأت ورحمتك واسعة. هو أرحم الراحمين أما أنه خرج واستبشر وتمنى أن يحصل له هذا باستمرار. هذا ليس من علامات الإيمان وتقدم معنا إخوتي الكرام. قلنا ليس من شرط المؤمن ألا يقع في مخالفة فـ[كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون] (¬1) لكن من شرط المؤمن ووصف المؤمن وعلامة الإيمان أنه المؤمن إذا أخطأ يستاء ولذلك سميت سيئة. كما تقدم معنا ـ قلنا: صاحب الفطرة المستقيمة يستاء عندما يفعل السيئة وتسوؤه. فإذن إذا فعل سيئة يستاء حقيقة علامة الإيمان وتعظيم للرحمن مع أنه جرى منه ذنوب وآثام والإنسان فيه غفلة وفيه شهوة والشيطان يلم به ما بين الحين والحين. وهو معه في سجال حروب قائمة. قد أحياناً يغتر ويتغلب عليه الشيطان لكن بعد ذلك ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)) (¬2) فإذن هذا الطائف الذي حصل لهم ووقع منهم فيما وقع بعد ذلك يعود إليهم رشدهم ويتوبون الى ربهم جل وعلا. فإذن إذا وقع المؤمن في مخالفة وضاقت عليه نفسة وتألم وحزن. هذا يرجى له الخير. وأما إذا كان الأمر بالعكس. فرح والتذ وابتهج واستبشر وتمني أن يكون له هذا. ¬

_ (¬1) - تقدم بخريجة صفحة 67 (¬2) - الأعراف: 201

حقيقة هذا من علامات عدم حصول الإيمان في قلب الإنسان وأمر هذا الإنسان إلى ربه جل وعلا , ولذلك أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن [من سرته طاعته وساءته معصيته فهو مؤمن] (¬1) فإذن إذا عصى يستاء وتضيق عليه نفسه. وإذا أطاع الله يفرح ويبتهج بأن الله منّ عليه بطاعته وعبادته. فهذا علامة الإيمان عندنا نحن الآن هنا الحالة الثالثة التي تكبر بها الصغيرة العكس: فعل صغيرة ففرح واستبشر وغبط نفسه أن تيسر له هذا المكروه. نقول: الصغيرة الآن نقلت إلى كبيرة. فلابد من توبة وأمرك إلى الله جلا وعلا. رابعها: أن يتهاون الإنسان بستر الله وأن يغتر بحلم الله - سبحانه وتعالى -. فعل صغيرة فستر الله وحلم عليه وما عجل العقوبة عليه. فهذه الصغائر بعد ذلك قال: إذن يعنى أنا ما دام لا أجد لها أثراً وتزول عنى مباشرة إذن أسرح فيها وأمرح كما أريد. وظن أنه عندما لا تعجل له العقوبة كأنه يعني من المقبولين وأن هذه الصغيرة ليس لها أي تأثير أو أثر عند رب العالمين فاغتر بحلم الله وتهاون بستر الله إذا كنت عاقلاً وفعلت خطيئة وستر الله عليك فاستحي وقل يا رب سترتني وما فضحتني أعاهدك على عدم العود إلى هذا. وأما أنه سترك فتغتنم هذا؟ ! إذا كنت تسترني إذن أنا أبارزك بالمعاصي والعصيان. وإن كانت صغائر. فحقيقة الصغيرة وتكبر والكبيرة تزداد قبحاً عندما يتهاون الإنسان بستر الله ويغتر بحلم الله. ¬

_ (¬1) - الحديث صحيح رواه الترمذي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ورواه الطبراني في معجمة الأوسط عن على - رضي الله عنه - ورواه أحمد والبزار والطبراني في معجمة الكبير والحاكم في المستدرك عن أبى موسى ورواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك عن أبى أمامة - رضي الله عنهم - أجمعين

وقلنا أحمد بن يحي بن جلاد كان من أصحاب ذي النون عليهم جميعاً رحمة الله. وهو من علماء القرن الثالث الهجري توفى سنة 246 هـ وهذا كان تلميذاً له في ذلك الوقت. يقول: نظر إليَ شيخي ـ ذي النون وأنا أنظر إلى شاب نصراني وسيم ـ يتأمله وينظر إليه نظر شهوة وإعجاب ـ فقال لي: لتجدن غبها ـ أي مضرتها ـ يقول: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة! بهذه النظرة فإذن هذه المعصية التي فعلتها وأنت تتهاون بستر الله عليك وبحلم الله عنك لتجدن غبها إنتبه! والله يقول ((مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)) (¬1) ولذلك ورد في الكتب السابقة أن بعض الناس قال لله عز وجل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؟ فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان: قل له كم عاقبتك ولا تدرى! أو ليس قد حرمتك لذيذ منجاتي؟ وهذه أعظم العقوبات. ¬

_ (¬1) - النساء: 123

إخوتى الكرام: هذه الصلاة التي نصليها. والأصل هي قرة عين كما قال نبيا علية صلوات الله وسلامة (¬1) نحن عندما ندخل إلى المسجد ونكون في الصلاة التي نصليها كحال العصفور في القفص. تراه يدور. كيف ستنتهي الصلاة ليتخلص منها وليخرج من هذا المسجد وكأنه كان في سجن لماذا؟ هذه صلاة المنافقين. صلاة العادة التي ليست صلاة العبادة. إذا كانت هذه قرة عين وبها راحة الإنسان. كما قال خير الأنام علية صلوات الله وسلامة [أرحنا بها يا بلال] (¬2) ليس أرحنا منها. أرحنا بها. يحصل لنا بها راحة من عناء الدنيا ونكدها. وأي راحة أعظم من مناجاة رب العالمين وأرحم الراحمين وأكرم الأكرمين!. لو قدر أن بعض الناس تهيأ له لا أقول في الأسبوع في الشهر مرة يناجي الأمير. الملك. الزعيم. السلطان. أو ما شاكل هذا. وقيل له: مدة المنجاة نصف ساعة أكثر تقدير. وإذا أوجزت خمس دقائق أحسن. يقول: مددوها لعلها ساعة. أريد أن أستأنس وأستبشر وأفرح. هذه جلسة لا تكرر وأريد أن أعرض ما عندي. مع أنه يجالس بشراً مثله لا يملك لنفسه فضلاً عن غيرة ضراً ولا نفعاً. هذا مخلوق. بمجالسة هذا المخلوق تطير فرحاً! وتستقصر الأوقات الطويلة! وعندما تقف في مناجاة الله جل وعلا تستطيل الأوقات القصيرة! عجباً (لجد) أهل الباطل في باطلهم وعجز أهل الحق عن حقهم!؟. ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث ثابت بذلك في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي ومستدرك الحاكم والبيهقي عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب. وجعلت قرة عيني في الصلاة] (¬2) - قلت: الحديث رواه الإمام احمد والترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حَزَبَهُ أمر قال: [أرحنا بها يا بلال] .

أنا أتأمل أحياناًَ عباد السلاطين في هذه الأيام عندما يُوقَفون في الشوارع عندما يريد أن يمر مخلوق من المخلوقات. يقفون في الحر ساعتين ثلاثة وأربعة وأحياناً خمسة وستة. وتفوتهم صلاة الجمعة بل جماعة بل ... بل ... حدث ولا حرج ولا واحد منهم يستطيع أن يترك من أجل أن يمر هذا الموكب. هؤلاء أهل باطل أنظر للجد الذي عندهم. وما واحد منهم يتذمر من أجل عرض الدنيا ومتاعها.

أنت الأن صل بالناس صلاة العشاء وأقرأ فيهم بالركعة الأولى سورة الملك فقط لا تطبل ثلاثين آية. وبالثانية سورة ن والقلم. لا أقول حتى تسمع أعتراضاً بالفم. حتى تضرب بالحصى أن كان في المسجد حصى! طيب يا عباد الله أين كنتم.؟ نحن نناجى رب العالمين ماذا نفعل؟ فانظر إلى أولئك ساعات طوال من أجل أن يمر مخلوق واحياناً يكون نصراني كافر لكن المراسيم تقتضي هكذا. أخرجوا هؤلاء ليقفوا في الشوارع من اجل أن يمر هذا الموكب ساعات طوال في خدمة مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وبعد ذلك دقائق في مناجاة الله يستثقلها؟ ! حقيقة هذه أعظم عقوبة عوقب بها من يدعى أنه مؤمن موحد أو لسنا قد حرمنا لذيذ المناجاة؟ أي شيء يحصل لنا في الصلاة الأن إلا الوساوس والأوهام أي شيء؟ وساوس في كل واد مهين. وكأن أمور الدنيا ومتعابها من حلال وحرام وما فيها من حطام لا يحصل ولا يرد على بالنا وفى بالنا إلا إذا قلنا: الله أكبر. وقد قال لي مرة بعض الناس: يا شيخ والله وأنا ساجد يوسوس لي الشيطان بالزنا! هذا أليس من أعظم العقوبات؟ قلت: فتش نفسك يا عبد الله. هذه أعظم عقوبة يعاقب الله بها عبده. إذا خذل الله العبد وغضب عليه حرمه لذيذ المناجاة. القلوب ترقص طرباً بالأنس بالله جل وعلا وبالفرح بذكره ((أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) (¬1) ومن لم يجد هذا من نفسه فليجدد إيمانه، ولينظر من أي باب أتى. لا يكون كحال ذلك الغافل: كم أعصيك ولا تعاقبني. فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان قل له: كم عاقبتك وأنت لا تدرى. أو ليس قد حرمتك لذيذ المناجاة؟ فالذي يخرج ويسرح نظره هنا وهناك وأذنه تسمع منكرات هنا وهناك. ¬

_ (¬1) - الرعد:28

هذا يأتي للصلاة. كيف سيصلي؟ الله عليم بصلاته.حرم من روحها ولبها وهو لذيذ مناجاة الله جل وعلا. وما شرعت الصلاة إلا لذلك. فإذن إذا تهاون الإنسان بستر الله واغتر بحلم الله نقل الصغيرة من صغيرة إلى كبيرة. هذا أمر رابع الصغائر تصبح فيه كبائر. خامسها: أن يكشف ستر الله عنه وأن يتحدث بالمعصية بعد أن ستره الله. هناك إغتر في نفسه. وأما هنا تحدث بلسانه. وهناك عصى. سُتِر وقال: نعمة إذن أنا عند الله مدلل، معاصيَّ وذنوبي ومخالفاتي ليس لها أي أثر. الله سترني وما أطلع أحداً من خلقه علي فاغتر وتجرأ على الله جلا وعلا بسبب حلم الله وستر الله له. أما هنا زادت الوقاحة. فبدأ يتحدث ستره الله. ثم جاء يقول: يا عباد الله أنا اليوم نظرت. وأنا اليوم لمست. وأنا اليوم قبلت وأنا وأنا ... مما حرم الله، وإن كان في ديوان الصغار لكنه ينتقل إلى الكبائر. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - وبوب عليه البخاري باباً في كتاب الأدب يشير به الى هذا فقال: باب ستر المؤمن على نفسه. إذا وقعت في خطيئة فاستر نفسك فالله حيي ستير يحب الحياء والستر. ثم ساق الحديث بسنده عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحه كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه] هؤلاء لا يحصل لهم عافية من الله جلا وعلا (¬1) . ¬

_ (¬1) - وضبط: [كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجانة..] المجاهرة. المجانة. وكلها تفيد: الإظهار والكشف بعد الستر. إظهار وبيان بعد أن ستره الله. وألما المجون هذه زيادة قبح في الإنسان أنه وصف (بياض) عصى الله وهو ماجن ستره الله جل وعلا فأصبح يكسف ستر الله عنه.

سادسها: إذا كان فاعل الصغيرة يقتدي به: فصغيرته تكون كبيرة وكبيرته تزداد قبحاً وسوءاً. لأن هذا له شأن ليس كشأن العامة وأعماله عند الناس يقتدي بها وتتبع وما ضل من ضل في هذه الأيام من كثير من العوام إلا تقليداً لبعض علماء السوء الذين يفعلون المعاصي والآثام ولذلك عصى العامة التي يلوحون بها على الشريعة ويعترضون بها على دين الله فعل العلماء. هذه عصى العميان. يلوحون بها. يقول: فلان عالم يفعل كذا لو كان حراماً لما فعله. فإذا كان الإنسان يقتدي به وفعل صغيرة نقلت إلى الكبيرة. وإن كانت كبيرة تزداد قبحاً وسوءاً وقد أشار ربنا جل وعلا إلى هذا في كتابه وبين أن منزلة الإنسان إذا كبرت فينبغي أن يتنزه عن الآثام ففي حقها تكون أيضاً أكبر من كونها كبيرة وشنيعة في حق غيره. ((يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ)) (¬1) لأنه في مقابل: ((ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ)) (¬2) فإذا كان نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليهن صلوات الله وسلامه أسوة لنساء هذه الأمة في الخير فإذن لهن أجر مضاعف لأنه سيقتدي بيهن فلهن أجرهن وأجر من اقتدى بهن وإذا صارت الواحدة منهن قدوة في السوء وفى الشر وفى السيئ فلها إذن عذاب مضاعف. ولذلك قال أئمتنا العالم سفينة إذا انكسرت السفينة تغرق. وتغرق. ¬

_ (¬1) - الأحزاب:30 (¬2) - الأحزاب:31

فتغرق من فيها ولذلك إذا كنت عالماً ـ طالب علم ـ فاتق الله وحذار حذار من الصغائر لأن الصغائر سيقتدي بها العامة فتنقل إذن من صغيرة إلى كبيرة وإذا كانت كبيرة تزداد قبحاً وسوءاً ذكر الإمام ابن كثير في البداية والنهاية (¬1) في حوادث سنة 110 هـ في ترجمة العبد الصالح وهب بن منبه وفي هذه السنة مات الحسن البصري ومحمد بن سرين عليهم جميعاً رحمات رب العالمين ـ يقول: وهب بن منبه وهو من أهل الكتاب الذين آمنوا بنبينا علية الصلاة والسلام ومن علماء هذه الأمة الصالحين الطيبين يخبرنا عما في الكتب السابقة يقول: كان بعض الملوك الجبابرة في الأمم السابقة قبل الإسلام ـ ينقل هذا عما يوجد في تاريخ الأمم السابقة يكره الناس على أكل لحم الخنزير. فكان كل من أمتنع يقتله. حتى قتل أناساً كثيرين. فقال له بعد ذلك بعض المسؤولين: ستفنى الأمة بهذه الطريقة التي فعلتها فلابد من بحث عن سبب لامتناع الناس عن أكل لحم الخنزير. لنعالج هذا السبب. أما: تحضر انساناً: كل لا يأكل. نضرب رقبته. هذا ليس بعلاج للمشكلة. فقال: صدقت. فأحضروا بعض العامة وقالوا: ستأكلون الخنزير. قالوا: لا نأكل. قالوا لم؟ قالوا حرام. قالوا: ومن يقول؟ قال: العالم الفلاني هذا قدوتنا. يقول حرام فنحن إذن بناءً علي قوله لا نأكل من لحم الخنزير فقال السلطان. الأمر يسير إذا أكل العالم تأكلون؟. قالوا: نأكل هذا هو قدوتنا وهذا سفيتنا إن نجت نجونا وإن غرقت غرقنا: فقال: أخرجوه. ثم استدعى العالم. وقال: ستأكل من لحم الخنزير؟ قال: لا قال: أقطع رقبتك. قال: إقضى ما أنت قاض. كل نفس ذائقة الموت. يعني غير قطع الرقبة ماذا تملك؟ كلنا سنموت إن لم تقطع الرقبة سنموت مثل البعير على فراشنا يعنى إن قطعت الرقبة ماذا جرى! يعنى هل قطع الرقبة يخوف والله لا يخف إلا قطع القلب وغضب الرب إذا انقطع القلب عن الرب هذا الذي يخوف ليس الميت من مات بدنه. الميت من مات قلبه. ¬

_ (¬1) - 9/292

وليس المسجون من سجن بدنه. المسجون من سجن عن الله. يتخبط في هذه الحياة في الموبقات والمخالفات وإلا إذا سجن الإنسان سجنه يكون خلوه مع ربه ـ إذا سجن البدن وإذا قتل شهادة يذهب إلى رحمة أرحم الراحمين فيرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وإذا نفى من بلده يسيح ويدعو إلى الله - عز وجل -. ليس في هذا مضرة. قال أقطع الرقبة. قال: اقطع. فكان رئيس الشرطة عنده شيء من الليونة فجاء لهذا العالم ويكتم إيمانه ولا يعلم الأمير والسلطان بحاله. فقال: أنا على دينك. أذبح جدياً وأقدمه لك علي أنه خنزير فإذا أرغمك السلطان على الأكل فكل فهو جدي ـ سخلة ـ ليس يعنى بطعام حرام وأنا على دينك وإذا لم تثق فأذبح الجدي بنفسك وأحضره لي سراً أنا أحضره وأطبخه وأقدمة له ـ الذي ذبحته بيدك ـ وكل منه لتنجو من القتل. فقال: يكون خيراً فالسلطان قال: أحضروا الخنزير لا أريد أن اقتله قبل إحضاره لأنه لنقيم عليه الحجة ونقطع عذره فإذا حضر اللحم وما أكل بعد ذلك نضرب رقبته. فذهب المسئول عن الشرطة وذبح جدياً وطبخه وقدمه إلى هذا الشيخ الصالح قال السلطان كل. قال: هذه حرام لا آكله. قال: تضرب الرقبة: إقض ما أنت قاض. قال خذوه فاضربوا رقبته. فتبعه رئيس الشرطة وقال: أما قلت لك أنا على دينك وأكتم إيماني وهذا جدي حلال ذبحته وطبخته قال يا عبد الله أنا وأنت نعلم أنه جدي من الذي يُعلم الناس أنه جدي؟ الناس كلهم سيأكلون من لحم الخنزير لأنني أكلت أنا من هذا الجدي الذي هو عندهم خنزير فأنا أضل الأمة بأسرها من أجل أن أنجي نفسي! لا والله. أموت و ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)) (¬1) وماذا جرى؟ لما ذبح الحجاج ـ وقد أفضى إلي ما قدم ـ سعيد بن جبير علية رحمة الله ورضوانه أنظر للمذبوح يذكر ويترضي عنه وانظر للذابح لو أذن الله بلعنته للعناه. إنما نقول أفضى الى ما قدم. أنظر للذابح مات. وأنظر للمذبوح مات. ¬

_ (¬1) - آل عمران:185

أين الذابح والمذبوح؟ الكل الأن عند أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين و ((كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)) (¬1) بماذا تضرر سعيد بن جبير عندما ذبح؟ عندما صلب سحرة فرعون أين هم؟ عند أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين أما لحق بهم ذلك العاتي! إلحق بهم. ما مصيره؟ ((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)) (¬2) أين ملوك الأرض والجبابرة؟ الذين كانوا يفعلون ويفعلون ويبطشون؟ أين طاغوت هذا الزمن الذي كان يقول: الذي سيعمل مشكلة ـ سافرمه بمفرمه؟ ولا يمكن أن نحكم بإسلام في هذه البلاد أو غيرها؟ هو وغيره كلهم تحت التراب. وهذا الكرسي لو كان لا ينتقل من الماضين لما جاء للحاضرين وهو عما قريب سينتقل عنهم الى غيرهم ((وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)) (¬3) ولا ينفع عند الله إلا العمل الصالح. ((والْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) (¬4) والله لو تفكر الناس كلهم كما قال الإمام الشافعي علية رحمة الله ـ بهذه الآية لو سعتهم. هذه أيام منقضية في حق المؤمن وفى حق الكافر. لكن بعد ذلك ((فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)) (¬5) وأولئك: ((فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ)) (¬6) شتان شتان بين هذا وذاك شتان شتان. ولذلك كيف أضل الأمة العامة لأنجي نفسي؟ !. فإذا كنت ممن يقتدي به فاتق الله وحذار حذار من المخالفة، وصغائر الرجل الكبير كبائر وكبائر الرجل الصغير صغائر. رجل صغير تافه فعل كبيرة وكما يقال أقلع وزالت. هذا أمام الناس ليس لها شأن لأنه هو وضيع لا يقتدي به وأما ذاك إمام يقتدي به فصغيرته حقيقة كبيرة. ¬

_ (¬1) - المدثر:38 (¬2) - غافر: 46 (¬3) - آل عمران: 140 (¬4) - العصر: 1ـ3 (¬5) - الروم: 15 (¬6) - غافر: 72

ولذلك إخوتي الكرام: كثير من المعاصي والآثام في هذه الأيام تفعل لأن المركب يفعلها. (بياض) السفينة تفعلها. خذ مثلاً: جهاز التلفاز الذي ما حصل في الأمة الإسلامية مفسدة أشنع منه ولا أخبث سل المسلمين كيف تفعلونه وتدعونه في بيوتكم؟ وكيف استمرئتم واستحللتم وأبحتم لأنفسكم النظر الى النساء أشكال ألوان؟ أخبرونا! الذي يريد أن يبرىء نفسه يقول: يا شيخ هذا موجود في بيت المشايخ! فعندما يقول لك كأنه يخرس لسانك بهذا لكن هناك جواب. ليس أحد من خلق الله حجه في شريعة الله إلا النبي علية صلوات الله وسلامة. لا يقتدي بفعل أحد إلا بفعل المصطفى علية صلوات الله وسلامه. فإذا فعل هذا النبي حقيقة فعله حجة. أما فعل من عداه يعرض على شريعة الله فإن أصاب نقول أحسنت وإن أخطأ نقول أسأت. وما عندنا أحد يسلم له حاله ـ عندنا شريعة كما قال الإمام ابن الجوزي علية رحمه الله: لو رام أبو بكر - رضي الله عنه - وفداه أبى وأمي وحاشاه من ذلك ـ الخروج عنها لما أقررناه حاشاه من ذلك وهو الخليفة الراشد المتبع إنما " لو " حرف إمتناع لإمتناع لو قدر أنه خرج عن شريعة الله لما أقررناه لكن العامة لا (بياض) هذا يقولون: العلماء في بيوتهم. البنوك الربويه كيف تتعاملون بها؟ العلماء يتعاملون بها وأموالهم في البنوك الربويه. الحشيش والأفيون حتي مرة قلت لبعض الناس كيف تشربونه؟ يقول المشايخ يشربونه! الحشيش والأفيون يشربونه؟ ! يشربونه إذا كان الأمر كذلك هذه بليه.

لذلك إخوتي الكرام الأئمة المضلون حقيقة يفسدون في دين الله أفساداً عظيماً. فصغائر العالم الكبيرة كبائر وصغائر الشيخ كبائر كما أن العالم عندما يقتدي به في الخير له أجره وأجر من اتبعه. هكذا عندما يقتدي به في الشر. وطوبي لمن إذا مات ماتت ذنوبه. والويل لمن إذا مات بقيت ذنوبه ((إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ)) (¬1) (بياض) من عمل صالح أو سيء خلف عملاً سيئاً وأقتدي به هو ميت ولازالت السيئات (بياض) عليه، فله وزره ووزر من اتبعه الى يوم القيامة من غير أن ينقص ذلك من أوزار من اتبعه شيئاً (¬2) . لذلك إذا كنت طالب علم فاتق الله في نفسك وحزار حزار أن تضل الأمة. ما فيه شبهة (بياض) . الأمور المتنازع فيها والمختلف فيها خذ بالاحتياط في شأنها ولا تترخص وتتساهل. ما هو صغير ابتعد عنه لأن الناس سيفعلون هذا ويكون بعد ذلك وزره وتبعته في رقبتك. هذه ستة أمور تكبر لها الصغائر والصغائر تنتقل من ديوان الصغيرة الى ديوان الكبيرة. الإصرار والاستصغار. الفرح والاستبشار. التهاون بستر الحليم الغفار، التحدث بالمعصية بعد أن ستره الله. أن يكون ممن يقتدي به فهذه الأمور الستة إذا حصل واحد منها نحو الصغيرة نقول: نقلت الى ديوان الكبيرة فإذن لها أثار أخرى غير الآثار التي تقدمت معنا. سنبحث الأن في أثار الكبائر في الدنيا والآخرة. ¬

_ (¬1) - يسن: 12 (¬2) - قلت: هذا المعنى ثابت في صحيح مسلم وسنن الترمذي وغيرهما من حديث المنذر بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها بعده من غير ان ينقص من أجورهم شي. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان علية وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيىء]

إذن خلاصة الكلام: أثار الصغائر في الدنيا ثلاثة: لا تزيل اسم الإيمان المطلق عن صاحبها. يكتسب القلب ظلمة. خفيفة يسيرة بمثابة الغبش عليها والغبرة التي تعلق بالثياب ولا يوجد زفت ولا نفط سوداء. الأمر الثالث: ليس فيها حد مقدر. إنما العقوبة عليها من باب التعزير. وأما في الآخرة فلها أثران: مغفورة ولا تنمع من دخول الجنة. هذا كله إذا لم يصر عليها ولم تنقل الصغيرة الى ديوان الكبيرة بواحد من هذه الأمور. المطلب الثاني: أثر الكبائر أولاً: في الدنيا: للكبائر في الدنيا ثلاثة آثار أيضاً

1. الأثر الأول: يكتسب القلب بفعل الكبيرة ظلمة لكن الظلمة شديدة عظيمة. بمثابة قطعة الزفت في الثوب الأبيض وبمثابة بقعة الحبر في الثوب الأبيض. هذه واضحة سوداء. زرقاء. إزالتها تحتاج إلى كلفة وجهد وقد لا يذهب لأثر وأما تلك كما قلنا ثياب بيضاء جاءت غبار صار فيها شيء من الشوائب يمكن بنفخ تطير. أما هنا ظلمة شديدة. إذا فعل كبيرة حصل في قلبه ظلمة شديدة وأي ظلمة أعظم مما أشار إلية نبينا علية الصلاة والسلام ـ كما يأتينا ـ في الصحيحين وغيرهما: [لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن] الإيمان يخرج من قلبك ويكون كالظّلة فوق رأسك (¬1) في حال فعل هذه الكبيرة ونظائرها فماذا سيكون حال القلب؟ ظلمة نعوذ بالله من تلك وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - الى هذه الظلمة. ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة. والحديث رواه ابن حبان في صحيحة والحاكم في مستدركه وقال على شرط مسلم وأٌقره على ذلك الإمام الذهبي عن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن المؤمن إذا أذنب ذنباً ـ وفى رواية: إذا أخطأ خطيئة ـ نكت في قلبه نكته سوداء] هذا الكبيرة الذي لا يغفر إلا باجتناب الكبائر ولا بالطاعات التي أمرنا بفعلها في جميع الأوقات من مكتوبات وجمعة ورمضان. [فإن نزع وتاب واستغفر] هذا كله أحكام كبيرة التي تحتاج الى توبة واستغفار. ¬

_ (¬1) - قلت هذا جزء من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - المرفوع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[إذا زنى أحدكم خرج منه الإيمان وكان عليه كالظَّلَة. فإذا انقلع رجع إليه الإيمان] . أخرجه أبو داود والحاكم بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح: 12/52 (انظر شرح السنة للبغوى: 1/90) .

وأما تلك قلنا مكفرة مغفورة باجتنابه للكبائر [صقل قلبه] أي هذه النكته زال أثرها وعاد النور وتلألأ القلب وابتهج هذا بفضل الله ورحمته وما امتن الله علينا منه بعد أن هدانا للإسلام وأكرمنا نبينا علية الصلاة والسلام كمنته علينا بالتوبة وأننا إذا أخطأنا ورجعنا إلية يقبلنا، واتبع السيئة الحسنة تمحها [فإن زاد] أي ما ينزع ولا تاب ولا استغفر فعل كبيرة ثانية أو عاد لتلك الكبيرة [زادت] النقطة صارت بقعة كبيرة [حتى تعلو قلبه] أي تغطية وتحيط به وتكون كالغلاف له وتغلبه فلا يعي ولا يفقه. [فذلك هو الران الذي ذكر الله في كتابه ((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (¬1) ] النتيجة بعد ذلك ((كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ. ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ. ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)) (¬2) إذن تاب ونزع واستغفر بصقل القلب ويعود الى حالته والثوب إذا اتسخ وغسل كأنه لم يتوسخ أصلا غسلته وكويته ولبسته، قد يظنه الناس جديداً وهكذا حال التوبة يتوسخ الإنسان بهذه القاذورات ثم يعفر وجهه بين يدي ربه وتسيل دموعه على وجنتيه وعلى خديه ويقول يا رب أخطأت وأذنبت فاغفر. فيقول الله ـ كما في صحيح البخاري [علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب ويعاقب عليه. أشهدكم أني قد عفرت له] (¬3) ¬

_ (¬1) - المطففين:14 (¬2) - المطففين:15-17 (¬3) - قلت: الحديث متفق على صحته من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن عبداً أصاب ذنباً وربما قال أذنب ذنباً , فقال: رب أذنبت. وربما قال: أصبت. فاغفر لي. فقال ربه أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي. ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنباً أو أذنب ذنباً فقال: رب أذنبت. أو أصبت ـ أخر فاغفره؟ فقال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي..ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنباً وربما قال: أصاب ذنباً قال: قال رب أصبت أو قال أذنبت آخر فاغفره لي. فقال: أعلم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثاً فليعمل ما شاء] هذا لفظ البخاري. ولفظ مسلم: عن أبى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكى عن ربه - عز وجل - قال: [أذنب عبد ذنباً فقال. اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي ربي اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالي أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك]

وإذا غفر الله صقل القلب وعاد الى حالته. لكن إذا لم يتب وعاد زادت هذه البقعة حتى تعلوا القلب في النهاية وتحبط به وتغطية فيضرب الران بعد ذلك ((كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) . 2. تقدم معنا أن الصغائر ليس في واحدة منها حد مقدر أما هنا الكبائر فيها حد وعقوبة في العاجلة لكن العقوبة تنقسم إلى قسمين: أما عقوبة مقدرة على بعض الكبائر شرعها الله وبينها لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز تجاوزها لا زيادة ولا نقصاناً. وإما هناك كبائر شرعها جعلت العقوبة عليها موكولة لولى الأمر بما يردع الناس. فإن الكبائر عليها عقوبات لكن إما من باب الحد المقدر وإما من باب التعزير بخلاف الصغائر.

ما الضابط للكبيرة التي عليها حد مقدر؟ فالزنا فيه حد مقدر. اللواط فيه حد مقدر. شرب الخمر فيه حد مقدر. السرقة فيها حد مقدر. وهكذا بعض الذنوب. كبائر هذه كلها. أكل الخنزير فيه حد مقدر. كبيرة ليس فيه حد مقدر. أكل الميتة كبيرة ليس فيه حد مقدر. شرب البول كبيرة ليس فيه حد مقدر. التعامل بالربا كبيرة ليس فيه حد مقدر التصوير كبيرة ليس فيه حد مقدر. إذن ما الضابط بين الكبائر التي فيها حد مقدر والكبائر التي ترك الحد فيها لرأى الإمام بما يردع الناس؟ لم فرق الشارع بين الكبائر فرتب على بعضها حداً مقدراً لا بد من تنفيذه وبعضها لم يرتب حداً مقدراً الإمام له أن يعاقب بما يردع الناس وقد يسقط العقوبة عن بعض الناس ويقيله عثرته على ألا يعود؟ قد. لأن عقوبة التعزير لا يلزم الإمام. ولى الأمر. والقاضي بشيء محدد فيها على حسب ما يجتهد في دين الله بما يردع هذا الإنسان لا محاباة. فإذا رأى أنه من ذوى الهيئات ووقع في بليه التصوير في وقت من الأوقات. بكسر آله التصوير ويقول له: استحى من الله ولا داعي لأجعلك نكالاً وأن أقيم لك عقوبة أمام الناس. استحى مثلك ينبغي أن يتنزه عن هذا. فيقول: أخطأت وعثرة لا أعود إليها. أما إذا اطلع على إنسان عنده محل للتصوير والتصوير هذا كسب ويصور أشكال ألوان.. فهذا إذا قبض علية يقول أقلني عثرتي؟ ليس من الحكمة أن يقال. لا بد ألان من الأخذ على يديه بما يردع السفهاء أمثاله وهكذا لو أخذ انساناً يرابى صاحب بنك وقال: أقلني عثرتي أنا ألغى البنك هذا إذا كانت الأحكام شرعية. عمل إنسان مؤسسة لا أقول علنيه خفية. أما علنية الذي يرخص في بنك فهو كافر فكيف بمن يحمى البنوك الربوية ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) (¬1) لا يوجد ترخيص لا لبنك ولا لخمارة ولا لسينما ولا لشيء من هذا. ¬

_ (¬1) - المائدة: 44

إنما لو قدر في الدولة الإسلامية أن إنساناً تعامل بالربا عن طريق التعامل الخاص. طالب علم أطغاه الشيطان. قال الإنسان أقرضك مائه على أن تردها لي مائه وخمسين. وعلم ولي الأمر وقال تعال: أنت تتعامل بالربا! ما تستحي من الله؟ يقول: أنا أخطأت وإن شاء الله لا أعود وإقالة ذوى الهيئات عثراتهم مقبولة. إذا عفوت عنى أعاهد الله على أنني لا أعود إلى الربا بعد ذلك فقد يلقى في روع ولى الأمر أن يعفو عنه فلا حرج لأن هذه عقوبة ليست مقدرة. بخلاف السرقة لو سرق شيخ الإسلام وثبتت السرقة ليس لولى الأمر أن يعفو عنه. لا بد من قطع اليد. أما ما لا حد فيه مقدور موكول لولي الأمر بشرط ألا يحصل فيه محاباة؟ والله سيحاسبه هل فعل هذا من اجل ان هذا حقيقه بتعنيف يرتدع! أو فعل هذا من أجل محباه؟ الله سيحاسبه على أحكامه التي يحكم بها. إذن بعض الذنوب الكبائر فيها حدود مقدرة وبعض الذنوب الكبائر ليس فيها حدود مقدرة ما الضابط في هذا؟.

قال الإمام ابن تيمية (¬1) قاعدة الشريعة المطهرة في المحرمات أن ما تشتهه النفوس من المحرمات جعل فيه حداً مقدراً ليكون مع الزاجر الشرعي زاجر طبيعي. وهو العقوبة. الزاجر الشرعي: المؤمن عنده زاجر شرعي عندما يريد أن يزني وعندما يريد أن يسرق وهو خشية الله والخوف منه ونظر الله إليه ثم جهنم في الآخرة. هذا زاجر شرعي. لكن أحياناً قد تكون مقتضيات ومتطلبات هذه الجريمة قوية في نفسه وما عنده إيمان عظيم يزم نفسه بزمام التقوى والخشية من الله: يقول أزني ثم أتوب ورحمة الله واسعة. أسرق ثم أتوب. فشرع إذن عقوبة عاجله من أجل أن يستحضر الأمرين. أولاً زاجر شرعي وهو أن هذا حرام وهذا أعظم زاجر عند المؤمن لأن الذي يزجره في الأصل هو خشية الله لا الأحكام العاجلة كل واحد يمكن أن يتفلت من الأحكام الظاهرة وأن يخدع الحكام لكن هل يخدع من لا تخفى عليه خافيه في الأرض ولا في السماء؟! ¬

_ (¬1) - كما في مجموع الفتاوى 34/198 وذكرة في صفحة 214

قد إنسان أمام الناس لا يفطر في رمضان لكن من الذي يطلع على سره هل مفطر حقيقة أم لا؟ لا يعلم هذا إلا من يعلم السر وأخفى - سبحانه وتعالى - فالأصل في الزاجر عند الإنسان المؤمن: [ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله] (¬1) لا أخاف سلطاناً ولا أخاف بطشاً. وقد يكون في دول إباحية تكافىء على الزنا، تعطى جوائز. [أخاف الله] هذا حرام. هذا الزاجر الشرعي. قد يخبو وقد يقل هذا الزاجر في نفوس بعض الناس فلا بد من زاجر طبيعي وهو أن يقول: إذا زنيت مائة جلدة. وننفيك سنة وهذه بهدلة ما بعدها بهدلة. فيقول: يعنى لو لم يكن هناك حد مقدر كان ممكن أقع. لا من باب التهاون بحق الله والاجتراء عليه والاستخفاف به. لا من باب أن الله حليم ورحيم وأتوب إليه. ورحمة الله واسعة كما قال إخوة يوسف: ((اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)) (¬2) تتوبون إلى الله عزموا على التوبة قيل الذنب. والمسألة سهلة نقتله ثم نتوب. ((وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)) وهذا المؤمن ما يعصى إستخفافً بحق الله. لا يتصور هذا أبداً ولو فعل هذا لكفر. إنما أحياناً تأتى المثبطات والإغراءات الشيطان: الله حليم. ورحيم وهو غفور ورحمته واسعة. ولا تضره معصيتك ... فيفتح له باب الردى حتى يقع. ¬

_ (¬1) - قلت: هذا الحديث متفق على صحته من حديث؟ أبى هريرة - رضي الله عنه - المشهور وتمامه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل. وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد. ورجلان تحابا في الله إجتمعا عليه وتفرقا عليه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه] (¬2) - يوسف: 9

فبعد ذلك المؤمن يتذكر ويعود لكن عندما يكون هناك زاجر طبيعي مع الزاجر الشرعي يقول الإنسان لنفسه: هب أنني فعلت وأردتة أن أتوب لكن إذا أطلع على كيف سأتخلص من عقوبة الدنيا؟ فإذن أنا من الحكمة أن ابتعد. هنا زاجر شرعي وزاجر طبيعي يتألم منه الإنسان ولذلك قال الله ((وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)) (¬1) وما ذكر الله حداً! من الحدود وقال: لا تأخذكم بهما. بأصحابه رأفة إلا في حد الزنا بين المتحابين. هذا في الغالب. فيقول: هذه عشيقتي محبوبتى ووقع منها برضاها. يعنى نقيم عليها حداً! يكفى أننا نعنفها ونوبخها وكل واحد يتوب بينه وبين ربه. فالنفوس أحياناً قد تتساهل في تنفيذ هذا الحد. لو جئت بالقاتل تقول: هل هناك مجال تعفون يا عباد الله أو تتجاوزون عن القاتل وترون ألا نقيم هذا الحد؟ يقولون: لا. لا تصلح الحياة إلا بالقصاص. لا مجال للعفو. والسرقة: تريدون ألا نقطع اليد؟ يقولون: أموالنا لا يصبح أمان عليها. أما الزنا يقولون: في الأصل نساءنا مستورات إذا واحدة رضيت وذاك رضي يعنى في مجال لان يحصل حكم وصفح وعفو وستر وما شاكل هذا. ولذلك في هذه الجريمة على وجه الخصوص قال الله ((وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)) ¬

_ (¬1) - النور:2

ليحصل الاعتبار والانزجار ولندعوا لهذا المحدود بعد أن يقام عليه الحد: اللهم اغفر له وارحمه. فهو أخ لنا ما خرج من حظيرة الإيمان مهما جرى منه من معاصي وذنوب. وكل بنى آدم خطاء. إذن بعض الذنوب فيها زاجر طبيعي مع الزاجر الشرعي. وبعض الذنوب اكتفى الشارع فيها بالزاجر الشرعي لأنه لا يوجد ميل من الطبيعة إليها. فما تشتهيه النفوس جعل فيه زاجر شرعي وطبيعي. الخمر تشتهيها النفوس أم لا؟ الميتة تشتهيها النفوس؟ ما تشتهيها. كلب تشتهيه النفوس؟ نقول لإنسان كل لحم الكلب. يقول: لا آكله. نقول له: يعنى تتوب. يقول لو كان حلالً ما أكلته. ليس هو موضوع توبه. لا أريد أن أكله. فإذن هنا يختلف الأمر عن الخمر. فالخمر تشتهيها النفوس وتتعلق بها فقد يخفت الإيمان ويضعف في قلب المؤمنين فيشربونها. فلابد من زاجر طبيعي وهو جلد ثمانين جلدة أو أربعين جلدة لينزجر. وهكذا الزنا فيه كما قلنا دافع طبيعي لكل من الصنفين. فلا بد من حد. أما أكل لحم الخنزير ولحم الكلب. وما شاكل هذا. فلا بوجد اشتهاء طبيعي. النفوس لا تميل إليها. فاقتصر الشارع على الزاجر الشرعي: هذا حرام. حرام انتهى هو نفسه لا تميل إليه بخلاف ذاك.

ولذلك إخوتي الكرام: الحشيش والأفيون والمخدرات هل تشتهيها النفوس أم لا؟ المعتمد كما حقق الإمام ابن تيمية وهو عند هذا المبحث في الفتاوى عندما ذكر هذا الضابط الكبيرة التي لها حد والكبيرة التي ليس لها حد يقول: الحشيش والأفيون ـ المخدرات ـ هذه تشتهيها النفوس فحكمها حكم الخمر. الخمر حكمها حكم البول في النجاسة. وهذه حكمها حكم العذرة في النجاسة. ولذلك إذا حملت قطعة حشيش أو أفيون كما لو حملت عذره. إذن لو حملت خمراً كما لو حملت بولاً. هذا نجس وهذا نجس. وفى كل منهما الحد. وعند كلام هذا العبد الصالح أريد أن أشير إلى سفاهة أهل الأرض قاطبة في هذه الأيام. كيف اجتمعوا ـ ولا بارك الله جمعهم المنكر ـ على تحريم المخدرات من حشيش وأفيون وكيف أجمعوا على استحلال المسكرات؟ أنا أريد أن اعلم فقط. حقيقة عندما أفكر في هذه القضية يكاد الإنسان أن يذهل؟ ! جهود جبارة حتى في أمريكا ـ عليهم غضب الله ـ تبحث من أجل معالجة المخدرات وعقوبة المخدرين، ووصلت العقوبة في كثير من البلدان إلى الإعدام. طيب والخمارات؟ هذه تقدم في ثكنات الجيش. وهى في بيوت الأمراء والوزراء والملوك والرؤساء. وأما الخمارات بعد ذلك في البلدان لعلها تزيد على عدد البقالات! وفى بعضة البلدان لا يوجد بقاله إلا وفيها خمر. والناس لا يشربونه لكن مرطبات. لا يقول أعطني زجاجة بيرة أو زجاجة خمر. لكن: مثلجات! من أجل أن ينعش بدنه بالرطوبة والبرودة. سبحان الله العظيم! كيف استحلال للخمور التي هي أم الخبائث وتحريمها قطعي في كتاب الله ومن استحلها فهو كافر. ثم تحريم مشدد للمخدرات من حشيش وأفيون أو غير ذلك من المخدرات الأخرى؟؟. أنا أعجب غاية العجب لسفاهة الناس كل من الأمرين مزيل للعقول، ويخرج الإنسان عن رشدة ووعية ويجعلة يتصرف بغير وعى وإدراك. نعم اثر الخمر ـ كما قال أئمتنا ـ يختلف عن أثر الحشيش. هذا في حق الفاعل والأمة فقط. أما التحريم واحد.

الخمر من شربه يكتسب نخوة وحمية وشجاعة وغيرة، أي هذه تصبح فيه. ولذلك السكير عندما يسكر تراه يحمل السكين وأنا أبو فلان وأنا أبو فلان..! وهو؟ أشد الناس غيرة على عرضة. أما الحشيش بالعكس. شاربها يصاب بنذالة وخنوع وذل في نفسه. لكن الأمة منه في سلامة إذن ضرر الخمر على الأمة أعظم من ضررها على الشارب وضرر الحشيش والأفيون على الشارب أعظم من ضرره على الأمة بكثير. لا ذاك إذا سكر لا يوجد مُخَدَّر على وجه الأرض يحمل سكينا ويخرج إلى الشارع ولذلك إذا شرب المخدر وصببت بجواره قطرة ماء يظنها المحيط الهادي سيلقى فيه ويغرق. ويصيح ويبكى. أما ذاك السكير تراه بمجرد ما يسكر يخرج إلى الشارع وقطع الطريق ويضرب المارة الذاهبين والآيبين. فذاك يصول ويجول وهذا عنده خنوع وذل وامتهان.

ولذلك أنظر للمحشش ترى عليه أثر الذل وكأن أذناه مائلتان. كأذني الحمار. مهتل ومتمسكن وماشى؟. لأنه يفقده الغيرة فضرة في بيته. فلو اى زوجته يزنى بها لأعرض بوجهه عنها ولما قال لها ماذا تفعلين. بخلاف السكير. السكير من الذي يستطيع أن يمشى بجوار بيته ويتسمع إلى نافذة من النوافذ؟ فذاك ضرره على الأمة أشد يكون عليهم. لكن في حق نفسه ما حصل هذا الضرر من فقدان الغيرة والنخوة والمروءة. المخدرات ضررها على الشارب والمتعاطي أكثر من الضرر على الأمة لكن في كل منهما ضرر. وكل منهما محرم. وكل منهما تشتهية النفوس وكل منهما فيه الحد فكيف هذا يقال له نخب (بياض) ويقدم في حفلات الجيش سبيل! طلباً للثواب عند الشيطان! بلا ثمن والأعراس ألان لا تقام أعراس المسلمين إلا بخمور. وأما المخدرات هذه محظورة؟ نعم محظورة لكن يا إخوان القردة والخنازير تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض!!؟ الذي حرمة الله نصاً صريحاً جلياً في كتابنا استحللتموه أو ذاك ألحق به ولما بحثنا في وصفه قلنا: يأخذ حكم الخمر منعتموه! ما هذا العقل وما هذه السفاهة التي تتلبسون بها؟ وإذا كان الكفار عندهم هذا التناقض فلا عجب فأمة غضب الله عليها وقال فيهم: ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)) (¬1) لكن نحن نعجب لأنفسنا كيف نجرى وراءهم فنحل الخمر الذي حرمة الله ثم نصد أعظم وأشنع العقوبات في حق من تعاطى المخدرات؟ وواقع الأمر بعد ذلك: عتاة الأمة والجبابرة يتعاطون الأمرين المسكر والمخدر ثم بعد ذلك المخدر يمنع منه المساكين. وأما الخمر فهذا مبذول للجميع. وصار الأمر في بعض البلاد يكتب نشرة لمن يريد أن يدخلها: يسمح بإدخال لترين من المشروبات الروحية. صار الخمر مشروباً روحياً؟ ! الخمر مشروباً روحياً! ولو وجدوا معه قطعة حشيش لصلبوه. أسال الله أن يصلبهم في الدنيا والآخرة. كيف تحلون ما حرم الله وتعطون نشرة: يسمح بإدخال لترين. ¬

_ (¬1) - طه: 124

ثلاثة ممنوع حتى تشترى منة هناك وينتفعون منك. لانك قدمت للسياحة إما تدخل ثلاث لترات وتقيم ثلاث ليال كل ليله تشرب لتراً. إذن ماذا استافدوا منك؟ سيبعون زجاجة الخمر بمائة درهم لا بد من أن تحضر لترين فقط ولترين هذا مسموح به رسمياً!! فإذن قاعدة الشريعة في الكبائر التي فيها حد مقدر والتي ليس فيها حد مقدر: أن ما تشتهيه النفوس فيه عقوبة مقدرة وما لا تشتهيه النفوس اكتفى الشارع فيه بالزاجر الشارع وما جعل معه زاجرً طبيعياً. 3. الأمر الثالث (¬1) يزول عن فاعلة الكبيرة اسم الإيمان المطلق ولا يزول عنه مطلق الإيمان. فلا تقول لفاعل الكبيرة مؤمن مطلقاً لكن لا نخرجه مع ذلك من الإيمان نقول: مؤمن. مقيد: مؤمن عاصي. مؤمن فاسق. مؤمن مسرف. مؤمن متجاوز لجدود الله لا نكفره ـ انتبه! ـ لكن لا نطلق عليه الاسم الكامل لأن هذا لا يحصل ولا يطلق إلا على من فعل الواجبات وترك المحرمات ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)) (¬2) أما مؤمن كذاب تقول عنه: هذا مؤمن؟ لا تقول هذا مؤمن كذاب. مؤمن عاصي. مؤمن فاسق. قيد بقيد لتبين أن إيمانه ليس على وجه التمام والكمال. إخوتي الكرام: ¬

_ (¬1) - وهو أطول الآثار وهو موضوع الإيمان وهل يبقى صاحب الكبيرة في الإيمان أو يزول عنه الإيمان؟ أقول باختصار ثم أحقق المسألة ووعيها وإدراكها ضروري جداً. (¬2) - المؤمنون:2-4 هذه الآيات في الأنفال وليست في المؤمنون

الكبائر تزيل الإيمان المطلق عن مرتكبها ولا تزيل عنه مطلق الإيمان بخلاف الصغائر فقلنا لا تزيل عنه الإيمان المطلق فمن فعل صغيرة يطلق عليه لفظ الإيمان بلا قيد ولا يخرج عنه رتبه الصلاح والاستقامة [إن تغفر اللهم تغفر جماً وأي عبد لك لا ألما] (¬1) والله وعدنا أننا إذا اجتنبا الكبائر أن يغفر لنا الصغائر ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (¬2) . فمن ارتكب صغيرة لا يزول عنه الاسم المطلق للإيمان فيقال له: مؤمن. بلا قيد. وأما من فعل كبيرة فقد زال عنه الاسم المطلق لكن ما خرج من مطلق الإيمان. الاسم المطلق هنا لا ينصرف ولا يطلق إلا علي من قام بمقتضيات الإيمان من الإقرار والاعتقاد والعمل فلم يخرم ذلك بتضييع مأمور ولا يفعل محظور ـ أي من الكبائر ـ فإذا فعل شيئاً من ذلك زال عنه الاسم المطلق ولا يجوز أن تقول عنه إنه مؤمن إلا بقيد. مؤمن عاص مؤمن فاسق. مؤمن مسرف مؤمن ظالم. مؤمن متجاوز لحدود الله مفرط. هل خرج من مطلق الإيمان وما بقى معه شيء منه بحيث دخل في حظيرة الكفران واستوجب الخلود في النيران؟ لا. مطلق الإيمان ـ كما قلنا ـ بقي معه لكن الاسم المطلق زال عنه. وبذلك قال أهل السنه الكرام: لا يطلق عليه إسم مؤمن مطلقاً إلا بقيد ولك أن تنفى الإيمان عنه على إعتبارات سنذكرها عندما تريد نفى الإيمان الكامل ولك أن تصفه بالكفر لا الكفر الذي يعنى به الخروج من الملة الذي يستوجب فاعلة الخلود في النار. إنما يقصد به الكفر العملي الذي هو كفر دون كفر. فإذن لفظ الإيمان لا يطلق عليه إلا بقيد ولك أن تنفى الإيمان عنه ولك أن تصفه بالكفر على مراعاة على انه كفر دون كفر النعمة لا كفر المنعم والجحود. ¬

_ (¬1) - تقدم صفحة 56 (¬2) - النساء: 31

إخوتي الكرام: وقد وردت النصوص عن نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه الأمور ودارت حول خمسة أوصاف وصفت بها فاعل الكبيرة. فلنذكر هذه الآثار ولنبين موقف أهل السنة الإبرار نحوها كما ذكرت علم التفضل المتقدم لنرى أن أهل السنه هم الذين آمنوا بنصوص الشرع كلها ولم يؤمنوا ببعض الكتاب ويكفروا ببعض كما هو حال أهل البدع أهل الغلو المتشردين المتطرفين المنحرفين فى الزمن القديم وفى الزمن الحديث. وفي الزمن القديم وجد الخوارج والمعتزلة الذين كفروا صاحب الكبيرة وقالوا: خرج من الإيمان واستحق الخلود في النيران ووجد المعتزلة. قالوا: خرج من الإيمان واستحق الخلود في النيران وإن لم يطلقوا عليه لفظ الكفر كالخوارج وقالوا هو في منزلة بين منزلتين ـ كما سيأتينا ـ وهكذا في هذا الزمن وحد من يكفر العصاة لا سيما وللخوارج امتداد موجود في هذا الوقت وهم الاباضيه وهكذا من يستقى من ضرعهم الآسن يكفرون أهل المعاصي ويستدلون بعمومات صدرت عن نبينا علية الصلاة والسلام. لكن لا بد من الإيمان لجميع ما صدر عنه لئلا نؤمن ببعض نصون الشرع ونكفر ببعض نصوص الشرع:. الصفة الأولى: أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المعاصي الكبيرة والآثام العظيمة تعتبر كفراً. ومن فعلها أطلق عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظ الكفر. لكن ماذا يراد منه ـ كما تقدم معنا ـ الكفر الذي هو كفر النعمة لا كفر المنعم. كفر العمل لا كفر الجحود الذي هو كفر دون كفر، كما سيأتينا إن شاء الله بعد سرد هذه النصوص ـ فمن هذه الأحاديث.

ما ثبت في مسند الإمام احمد وصحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب والنياحة على الميت] فأطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - على هاتين المعصيتين الكبيرتين لفظ الكفر. الطعن في النسب. أن تطعن في نسب غيرك. والنياحة على الميت. وكل من هاتين المعصيتين من المعاصي الكبيرة والذنوب العظيمة. فأطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهما لفظ الكفر. وفى مسند الإمام أحمد والكتب الستة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع: [لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض] فاعبر النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل المؤمن وضرب رقبته طفرا. وثبت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة باستثناء سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [سباب المسلم فسوق وقتاله كفر] هذه الصفه الأولى لفاعل الكبيرة أطلقت من نبينا - صلى الله عليه وسلم - بأنه كافر |. وكما تقدم معنا عند أهل السنة يجوز أن نطلق عليه لفظ الكفر إذا قصدنا الكفر الذي هو دون كفر أي كفر النعمة لا كفر المنعم سيأتينا ما الذي جّرنا إلى هذا التأويل والى حمل حديت نبينا - صلى الله عليه وسلم - الجليل على هذا المعني عندما ما يعارضه فلا بد من الجميع لئلا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض فنحن نؤمن بالكتاب كله. وعندما نتعارض الأحاديث في الظاهر لا بد من الجمع بينها. على حسب ما أرشد نبينا عليه الصلاة والسلام. الصفة الثانية:

نفى نبينا علية الصلاة والسلام الإيمان عن مرتكب الكبيرة. ففي مسند الإمام أحمد والكتب الستة عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن] إذن من صدر منه واحد من هذه الأمور نفى نبينا - صلى الله عليه وسلم - عنه الإيمان السرقة والانتهاب وشرب الخمر والزنا. ويلحق بذلك سائر الكبائر.

وثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - والحديث رواه البخاري أيضاً حديث أبي شريح العدوى - رضي الله عنهم - أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قالوا: من يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه] يعنى غوائله وشروره وفتنته وضره وبلاياه. فلا يأمن من جاره. لا يأمنه على عرضه ولا على ماله إن غاب وإذا قابله يحترس منه لئلا يحدث له مشكله. فنفى النبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان عمن يؤدي جيرانه وقد ورد مثل هذه شيء كثير. منه ما فى المستدرك والصحيحين أيضاً من حديث أنس - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه] جاء المتشددون المنحرفون في هذا العصر فقالوا: مفهوم الحديث أن الإنسان لم يتصف بها ليس معه ذرة إيمان. إذن ليس بمؤمن! هي أحكام شرعية أو أوامر عسكرية؟ من الذي أخبركم بهذا؟ ! [لا يؤمن أحكم] نفي عنه الأيمان الكامل وليس معنى هذا لأنه خرج من حظيرة الإيمان فمن آذى مؤمناً حتما استحق لعنه الله لكن هل كفر؟ هل يخلد في النار؟ لا ثم لا. الله يقول عن هذا فى كتابه ((وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) (¬1) وقال في حق القاتل ((فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ)) (¬2) مع انه قاتل: إذن أخ ما خرج من حظيرة الإيمان لكنه عصى الرحمن واستحق سخطه واستوجب النار التي لا يخلد فيها. إن عذبه الله فإذن ليس معنى لا يؤمن كما يقول المنحرفون في هذا الوقت. بقولون: معناه ما عنده ذرة إيمان ويرتبون بعد ذلك أحكام الكفر على البشرية جميعاً في هذه الأيام وهذا شطط ما بعده شطط. اتقوا الله في أنفسكم وفى أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. وحذار وحذار أن يسير الإنسان في الأحكام الشرعية نحو عواطفه وميوله وهواه فيضل أكثر مما يصلح. وكل أمر وكل حكم من أحكام الشرع للشيطان فيه نزعتان لا يبالى الشيطان بأيهما وقعت إما غلو وإما تقصير إفراط أو تفريط ثم يجعلك تتشدد وتكفر الناس. وأما يجعلك أيضا يتبلد شعورك فتقول: المعصية لا تضر والناس لا داعي أن ننكر عليهم رحمة اله واسعة دعوهم يسرقون ويزنون ويشربون الخمر ورحمة الله واسعة. هذا ضلال وهذا ضلال ((وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ)) . إذن الصفه الثانية التي أطلقها نبينا - صلى الله عليه وسلم - على فاعل الكبيرة ففي الإيمان عنه ونحن لا زلنا نتحدث عن أحكام الآخرة وسيأتينا ما أخبر نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن فاعل الكبيرة. ¬

_ (¬1) - الحجرات: 9، 10 (¬2) - البقرة: 178

الصفة الثالثة: أخبر نبينا علية الصلاة والسلام أن من فعل كبيرة واتصف بموبقة فهو جاهل ولا يعنى أنه خرج من الدين الإسلامي إنما ارتكب خصلة من خصال الجاهلية وهذا هو الذي قلنا كفر دون كفر. كفر جحود؟ لا ليس كفر الجحود والذي يخرج من الملة. إنما وافقة الكفار في هذه الخصلة وقلبه ممتليء إيماناً. وقد ثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود والترمذي عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: ساببت رجلاً ـ وهو بلال - رضي الله عنهم - أجمعين ـ فعيرته بأمة. قلت له: يا ابن السوداء فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -[أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية] هذا قيل لمن؟ لأبي ذر وقد قال نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما في مسند الإمام احمد وسنن الترمذي وغيرها بسند صحيح كشمس [أصدق أمتي لهجة أبو ذر. ما أظلت الغبراء ولا أقلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. أشبه عيسي بن مريم في زهده وورعه. فقال عمر بن الخطاب: أنعرف ذلك له يا رسول الله. قال نعم. تعفوا له ذلك] هو أصدق هذه الأمة لهجة. لكن عندما زل، وعندما أخطأ لا بد من أن نزن بالقسطاس المستقيم وأن نخبره بأنه في هذا الوقت هو جاهلي. ليس معناه كأبي جهل. ومعه في دار الجحيم. وإذا كان أبو ذر في هذه الخصلة كفر واستوجب النار فمن الذي سيدخل الجنة بعد ذلك من الخليقة؟ مَنْ؟ إنك فيك جاهلية.

فما كان من أبي ذر إلا أن وضع خده على الأرض وقال: والله لا أرفعه حتى بطأ بلال خدي بقدمه هذا الذي يتكبر على الناس لا بد من علاج نفسه بشيء شرعي ولا مانع بل هذا محمود ومطلوب أن يؤدب الإنسان نفسه إذا خرجت عن شريعة الله بشيء شرعي. أما بشيء غير شرعي فلا يجوز. فلو قدّر انه نظر إلى امرأة بشهوة لا يجوز أن يقلع عينه. ولو قلع عيناه فهو آثم يجوز أن يقول: يا نفس أنت تنظرين لأمنعنك طعام الغداء والعشاء. هذا لا حرج لأجل أن يضعف الشهوة في نفسه. يا نفس أنت تنظرين ثلاثة؟ أيام صيام متتابعة. وقد كان عبد الله بن وهب شيخ الإسلام في زمنه يقول. عاهدت ربى أنني كلما اغتبت أحداً صمت يوماً فما إنكفت نفسي عن الغيبة. فقلت كلما أغتاب رجلاً ـ أحداً ـ أتصدق بدرهم فامتنعت نفسي عن الغيبة لحب الدراهم. هذا علاج شرعي لا حرج فيه وهذا حقيقة علاج شرعي فوضع خده على الأرض وقال يأتي هذا العبد الأسود يطأ خدي بقدمه لأجل أن تقف النفس عند حدها: الناس من جهة التمثيل أكفاء ... أبوهم آدم والأم حواء فإن يكن لهم في أصل عنصرهم ... شيء يفاخرون به فالطين والماء ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ... على الهدي لمن استهدى أولآء وقدر كل امريء ما كان يحسنه ... والجاهلون للأهل أعداء ففز بعلم تعش حيا به أبداً ... الناس موتى وأهل العلم أحياء الكلام ينسب للإمام علي - رضي الله عنه - وعن سائر الصحابة الكرام. وقوله: وقدر كل أمريء ما كان يحسنه، حقيقة هذا من أجمل كلام قيل ومن أحسن الحكم. وقدر كل أمريء ما كان يحسنه. لا علاقة لنسبه ولا للونه ولا بشكله ولا بطوله ولا لعرضه ولا لاعتبار من الاعتبارات العرفية ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) (¬1) على حسب إحسانه يستحق جزاءً وثناءً ومدحاً ورفعة في الدنيا وفى الآخرة لا لشيء آخر إذن الشاهد إخوتي الكرام وصف بجاهلية من فعل كبيرة واتصف بأمر محظور. ¬

_ (¬1) - الحجرات: 13

الصفة الرابعة: التي أطلقها نبينا - صلى الله عليه وسلم - على من يفعل الكبائر ويقتحم الموبقات: النفاق. ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان] فهو منافق فحذار حذار ان تأتي وتقول والله يقول: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)) (¬1) لا هذا نفاق عملي ـ كما سيأتينا، ليس بنفاق إعتقادى. لكن أطلق عليه هذه الوصف إذا كذب إياك أن تقول له إنه مؤمن مطلقاً. لا يستحق هذا الاسم ألا من قام بالواجبات وترك المحرمات قل. مؤمن منافق. أيّ نفاق النفاق العملي. أي مؤمن مرتكب للكبيرة. أي مؤمن فاسق. أي مؤمن ظالم. مؤمن عاصي. وما شاكل هذا. ¬

_ (¬1) - النساء: 145

الصفة الخامسة: الوصف الخامس الذي أطلقة نبينا - صلى الله عليه وسلم - على فاعل الكبيرة. أخرجه من الإسلام وقال هذا ليس من المسلمين. ليس من جماعة المسلين. ففي مسند الإمام احمد والصحيحين من حديث أبن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوة الجاهلية] . إمراة مات زوجها أو أخوها فلطمت خدها. وهكذا الرجل أيضاً. إذا فعل. ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب. وهي فتحة للثوب. القميص. التي تكون في الصدر. هذا هو الجيب في اللغة. الفتحة التي يدخل فيها الإنسان رأسه أو رقبته يقال له جيب من الجبّ وهو القطع لكن الجيب في جيب الأصل ـ فتحة القميص التي في الصدر. فتشق الجيوب كما تفعل المرأة عندما تأخذة ثيابها وتمرطها من صدرها. ودعا بدعوى الجاهلية: يا فلان من يعيننا بعدك ومَنْ ومَنْ. وبين هذا الكلام. وبدأ ينتسب إلى الجاهلية ويتفاخر أيضاً بخصالها الذميمة. ثبت في مسند الإمام أحمد والمستدرك والسنن عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه] . ليس منا. منافق جاهلي. كافر. ليس بمؤمن. هذه خمسة أوصاف نفى عنه الإيمان. وصف الكفران. وصف بالجاهلية. وصف بالنفاق. وأخرج من عداد المسلمين. ليس منا هذا من أوصاف الملل الأخرى. لا أن من فعل هذا صار منة الكفار ومن ملتهم. هذه الأحاديث الخمسة أخوتي الكرام موقف أهل السنة نحو هذه الأوصاف ما تقدم معنا قالوا: زال عنه الاسم المطلق وبقى معه مطلق الإيمان. ليس الإيمان المطلق. مطلق الإيمان. أي ما خرج منه على وجه التمام. فلا ننفى عنه كل الإيمان. إنما نصفه بأنه مؤمن بقيد. ويجوز أن ننفى عنه الإيمان كما نفى فى النصوص الشرعية على مراعاة نفى الكمال والتمام. وزوال بعض أركانه الواجبة. لا ذهابه أصلاً.

ويجوز أن نطلق عليه لفظ الكفر على أننا نريد كفر النعمة، وشابه الكفار. لا أنه خرج من حظيرة الإيمان. هكذا فيما يتعلق بالجاهلية والجاهلية. قال أئمتنا الكرام: هذه الأحاديث وما شاكلها محمولة على واحدة من أمور خمسة: أولها: من فعل كبيرة فيه خصلة منة خصال الجاهلية. فيه خصلة من خصال الكافرين فيه خصلة من خصال المنافقين فيه خصلة من خصال من ليس بمسلم ولا مؤمن. من خصال الملل الأخرى. ليس منا فيه خصلة واحدة. أي في هذه الخصلة هو مشابه للكفار. للمنافقين. للجاهلية. لأهل الملل الدريّة. لا يعنى أنه يشابههم من جميع الوجوه وله حكمهم. إنما شابههم في خصلة واحدة. ما الدليل؟ الدليل على هذا الكلام كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبت في المسند والصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها. من إذا ائتمن خان. ومن إذا حدث كذب. ومن إذا خاصم فجر، ومن إذا عاهد غدر] فعندما يوجد فيه خصلة إذن شابه المنافقين في هذه الخصلة. وفيه خصلة من خصال النفاق وما اجتمع فيه نفاق كامل. هذا كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. إذن نقول: [لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن] هو في هذه الخصلة ليس من خصال المؤمنين أي: الزنا ليس من خصال المؤمنين [كفر بالله من اتقى من نسب] في هذه الخصلة شابة الكفار. في هذه الخصلة [قتال المسلم كفر وسبابة فسوق] . في هذه الخصلة شابه الكفار. لأن الكافر لا ينزجر عن قتل المؤمن. فهذا عندما يقتل مؤمناً شابهه وشاركه في هذه الموبقة. لكن هل هو كافر من جميع الوجوه؟ لا ثم لا. مؤمن عاص إنتبه لهذا.

إذن نقول: هذه محمولة على أنه يشابه الكفار ويشابه المنافقين. يشابه الجاهلين. يشابه أهل الملل الأخرى التي ليست على الإسلام في خصلة واحده أي في الفعل الذميم الذي فعله ووافق أولئك الكفار الملعونين - صلى الله عليه وسلم - يعنى أنه منهم وحكمه حكمهم. ثانيها: يراد بالكفر الذي أطلق على فاعل الكبيرة: كفر النعمة الذي هو كفر عملي وليس كفر اعتقادي. وهو الذي يقال له: كفر دون كفر. وهكذا نقول عن النفاق ليس هذه بنفاق الجحود والاعتقاد. أنما هذه نفاق العمل. ولذلك ثبت عن الحسن البصري. كما في سنن الترمذي يقول: النفاق نفاقان: نفاق العمل ونفاق الجحود. وهو نفاق الاعتقاد. فقول النبي علية الصلاة والسلام: آية المنافقة ثلاث. هذا من النفاق العملي. نفاق العمل لا من نفاق الاعتقاد الذي بخلد صاحبة في النار. فيما يتعلق بالكفر. هل عندنا دليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد من الكفر. الكفر الذي لا يخرج من الملة؟ نعم عندنا في ذلك دليل. وقد بّوب البخاري عليه رحمة الله في كتاب الإيمان باباً بهذا الخصوص فقال: باب كفران العشير وكفر دون كفر ثم ساق الحديث بسنده إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - والحديث عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن. فقال الصحابة رضوان الله عليه يكفرن بالله يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط] سبحانه الله العظيم! لعل هذه الوصف يتصف به أكثر الرجال في هذه الأيام إلا من رحم ربك.

الشاهد هنا: أطلق عليها لفظ الكفر يكفرن. وكفر العشير ـ وهو الزوج المعاشر ـ والإنكار إحسانه ليس كفر بالله. لذلك لما توهم الصحابة أنهن يكفرن بالله. قال: لا يرتكبن كبيرة لكن يطلق عليهن بسببها لفظ الكفر لأنهن يشابهن الكفار في هذه الخصلة. فالمؤمن يجزى بالإحسان إحساناً ((هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)) (¬1) والمؤمن يدفع الحسنة بالحسنة ويرد الجميل بالجميل. وأفعال المؤمن تدور بين عدل وفضل. وليس عنده ظلم وجور. [يا عابدي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا] (¬2) فكيف يكر الإحسان والمعروف! بزن بالقسطاس المستقيم. المؤمن يقول عن الشيطان عندما نصح فرداً من أهل الإسلام وهو أبو هريرة - رضي الله عنه - وأرشده أن يقرأ آية الكرسي ـ كما في صحيح البخاري. وإذا قرأها عندما ينام لا يقربه شيطان حتى يصبح. يقول نبينا علية الصلاة والسلام ـ وهذا منهج المؤمن ـ[صدقك وهو كذوب] (¬3) صدق. هذه صادق فيها. ¬

_ (¬1) - الرحمن: 60 (¬2) - تقدم تخريجه صفحة 35 (¬3) - قلت: الحديث صحيح أخرجه البخاري وغيرة والحديث طويل عن أبى هريرة - رضي الله عنه - وفيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكّل أبا هريرة بحفظ زكاة رمضان فأتاه آت فجعل يحثو من الطعام فأخذه وقال: لأرفعنك إلى رسول الله ونص الحديث ... فقال إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله حافظ فلا يقربك شيطان حتى تصبح. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -[صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان] .

فنزل الناس كما قال الله ((بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ)) (¬1) بميزان العدل فنقول: أحسن في كذا وأساء في كذا. أما إذا أساء معك تقول: ما رأيت منك خيراً قط؟ ! لا إله إلا الله!!؟ من القصص الطريفة وكنت أسمعها من شيوخنا عليهم جميعاً رحمة الله: أن رجلاً كان يمشى مع زوجة في الشارع. فمّر على أناس يعملون في بناء بيت من البيوت في الزمن القديم وكانوا يجمعون التراب ويصبون عليه الماء، الطين ـ وأنا أدركت هذا في حياة المتقدمين الكبار الأولين. بيوتهم كلها من طين ويضعون لها شيء من التّبن أيضاً للتماسك. وأكثرهم حتى كانوا يخلطونها بأرجلهم. ليس يعنى يوجد " كريك " ومسحات وما شاكل هذا. فمر ومعه زوجته وهم يخلطون الطين بأرجلهم. فالمرأة لما ذهبت إلى البيت! اشتهت هذا الفعل. قالت يعنى ليتني أخلط الطين برجلي. اشتهت هذا فقال لها: الأمر يسير. فذهب واشتري لها زعفران وماء الورد وبدأ يضع الزعفران في الأرض ويقول: دوسيه برجليك ويصب ماء الورد على رجليها من صبه لها. زعفران وماء ورد. وهى تخلط الزعفران برجليها لأجل أن تنفذ رغبتها. ثم في يوم من الأيام جرى بينه وبينها ملاحاة فقالت: ما رأيت منك خيراً قط؟ فقال: ولا يوم الزعفران! ولا يوم الزعفران! بقول لها تذكري ذلك المشهد. زعفران ـ يعني غالي الثمن ـ وماء ورد وأنا الذي اصب علي رجليك طول حياتك ما رأيت من خير قط. ولا يوم الزعفران؟ ولا يوم الزعفران. هذا كلام النبي علية الصلاة والسلام: [يكفرن. فقبل له يكفرن بالله. قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط] سريعة الانفعال تمشى مع انفاعلها ولا تتثبت وتسير مع عقلها ورزانتها. ¬

_ (¬1) - الإسراء:35.

[كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا قليل] (¬1) كما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم - الشاهد إخوتي الكرام: المراد من الكفر هنا كفر العمل. كفر النعمة لا كفر المنعم ولا جحوده. فإذن لفظ الكفر محمول على هذا أو على التعليل الأول خصلة من خصال الكفار. ثبت في صحيح مسلم وسنن أبى داود والنسائي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - موقوفاً عليه من كلامه؟ أنه قال: [من سرّه أن يلقي الله مؤمناً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإنهن من سنن الهدي وان الله شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدي ولو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ـ انتبه ـ ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم] هذه رواية أبى داود ورواية الإمام مسلم والنسائي: [لضللتم] . فترك الجماعة يعتبر كفراً؟ هذا بالإجماع ليس بكفر. [لكفترم] رواية أبى داود: أي اتصفتم بخصلة من خصال الكفار والفجار الذين لا يشهدون جماعة المؤمنين ولا يحضرون معهم. والجماعة إخوتي الكرام أرجح الأقوال أنها واجبة وهناك قول بسنيتها. لكن المعتمد أنها واجبة وقد بوب الإمام البخاري علية رحمة الله في صحيحة باب بشير إلى هذا فقال. باب وجوب الجماعة ثم روى أن رجلاً قال للحسن البصري عليه رحمة الله. إن أمي أمرتني أن افطر في صوم النافلة قال: أطعها. طاعة الأم واجبة. والصوم نافلة والواجب يقدم. قال. إن أمي أمرتني ألا اشهد الصلاة في جماعة قال: لا تطعها , الجماعة واجبة. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (بياض) ¬

_ (¬1) - قلت: هذا الحديث متفق علي صحته من حديث أبيب موسي الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسيا امرأة فرعون. ومريم بنت عمران وان فضل عائشة علي النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام]

ومن ناحية الجماعة من باب التنبيه: المسلمون تساهلوا فيها في هذه الأيام لا سبما في الصلاة التي [أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لا توهما ولو حبواً] (¬1) كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. أما العشاء فالناس يشتغلون في لهوهم وطعامهم ومسلسلاتهم التي ستسلسلهم في سجين. وأما في الفجر فالذي يسهر للساعة الواحدة. إذا استيقظ لصلاة الفجر هذا خرقت العادة في حقه. يعنى هذا كرامة من الله (!!) وكيف يكرم الله من يبارزه طول الليل بالمعصية؟ عندما ينام الإنسان الساعة الواحدة أو الثانية أو الثالثة كيف سيستيقظ الساعة الرابعة؟ الجسم ما أخذ حظه لذلك عندما يقول: ما أستطيع أن استيقظ. قل لأنك تفرط في الآداب الشرعية بما ينبغي أن تفعله في ليلك. نحن ننتهي من صلاة الجماعة في العشاء في الثامنة والنصف ـ مثلاً ـ التاسعة لو نام من التاسعة للثالثة ست ساعات أوليس كذلك؟ للرابعة. وإذا لم يستيقظ في الساعة الرابعة فهو والجيفة سواء. فكيف إذا لم يشهد بعد ذلك صلاة الفجر؟ لكن حقيقة إذا سهر الساعة الثانية في معصية الله ومحاربته. هذا يستحيل أن يستيقظ لصلاة الفجر. وإذا أراد أن يقول: لَمِ؟ قل له ((وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ)) (¬2) ((فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ)) (¬3) ولو أحب الله مناجاتك. لو أحبها لأيقظك. أن الئيم عن المكارم يشغل. ¬

_ (¬1) - قلت: هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي علية الصلاة والسلام: [ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء. ولو يعلمون ما فيها لا توهما ولو حيواً لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلاً يؤم الناس ثم آخذ شعلاً من نار فأحرق علي من لا يخرج إلي الصلاة بعد] (¬2) - التوبة: 46 (¬3) - التوبة: 83

إذا كنت تريد الخير ولا توفق له فاعلم أن الله يكرهك. يكرهك لَمِ؟ لأنك أنت في الأصل تكره الله أيضاً. ففتش نفسك. والجزاء من جنس العمل فكيف ستستيقظ للفجر وأنت تنام الساعة الثانية؟ هذا مستحيل لا سيما إذا كنت تنام أشكال ألوان. رأي في سهرته لعلة خمسين امرأة على اقل تقدير وهو جالس على أريكته واحدة حمراء وواحدة زرقاء وواحدة صفراء بين ملونات وغيرهم ... في وسائل الإجرام التي تسمى بوسائل الإعلام كيف سيستيقظ كيف سيستيقظ؟!! ولو سهرت على طاعة الله ممكن أن يلطف الله بك وأن يوقظك عند الفجر لأنك كنت في طاعة مع أنه إذا كنت تسهر على طاعة وتخشى؟ أن يفوتك الفجر فكما قال عمر - رضي الله عنه -[والله لأن أشهد الفجر في جماعة أحب الى من أن أقوم الليل كله. عندما تخلف تميم الداري - رضي الله عنه - عن صلاة الفجر فذهب إليه وقال أين كنت؟ قال: سهرت بقيام الليل فغلبتني عيناى وما استيقظت لصلاة الفجر. قال: لأن أشهد الفجر في جماعة أحب إلى من قيام الليل كله] (¬1) . أنت لو نمت الليل كله من أوله آخرة وصليت الفجر في جماعة لكان احب وأفضل لك عند الله جل وعلا. إذن الشاهد إخوتي الكرام هنا: لو تركتم ـ الجماعة ـ سنة نبيكم لكفرتم وفى رواية الإمام مسلم والنسائي: لضللتم أي ابتعدتم عن مسلك المهتدين واتصفتم بخصلة من خصال الكفار. وليس معنى هذا أنكم كفرتم. خرجتم من الملة ومن حظيرة الإسلام. ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث رواه الإمام مالك عن أبى بكر بن أبى حَثْمَةَ عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقد سليمان بن أبى خيثمة في صلاة الصبح وابن عمر غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين المسجد والسوق (بياض) الشفاء أم سليمان فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت له: إنه بات يصلى فغلبته عيناه (بياض) عمر له: [لأن اشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة] أهـ انظر الترغيب والترهيب للمنذرى: 1/271.

ثالثهَا: التعليل الثالث لأهل السنة يقول: إطلاق لفظ الكفر على المعاصي ونفى الإيمان عنه وأنه جاهلي. هذا سيؤدى به في نهاية الأمر والمطاف إلى الكفر الحقيقي، وبالتالي يكفر في الدنيا ويخلد في النار في الأجرة. كيف هذا؟ كل من يفعل المعصية في أول أمره يفعلها وهو وجل خائف. يتغيّر وجهه. ثم يستمرئها فيفعلها ويداوم عليها. ما دام يشعر بأنه عاصي. فيه خير وفيه إيمان. وهو من أهل الإسلام لكن قد يصل إلى حالة إذا قيل: اتق الله لا تشرب الخمر، يقول: دعنا من هذا الكلام الفارغ. الناس صعدوا إلى القمر وأنت لا زلت للآن تبحث في حكم الخمر؟ ! ماذا صار حكمة؟ كفر، وقد يكون يصلى وعنده هذه الفلسفة كما هو حال كثير من الناس عندما تعرض عليه أمراً شرعاً يقابلك بهذه الفلسفة، فيكفر وهو لا يدرى فإذن: فعل المعصية وهو وجل خائف. ثم استمرأها فصار يفعلها ويرى أنه عاص وذهب الوجل ثم بعد ذلك استحلها، فكفر. المرأة عندما تخرج سافرة وتطرح الحجاب من رأسها. أوّل ما تخرج تكاد تسقط على الأرض من حياءها كيف تركت هذا الستر الذي يصونها وترضى به ربها؟ ثم بعد فترة ترى هذا طبيعي ثم بعد فتره تقول لها: يا أمة الله استتري تحجبي. تقول. دعك من هذه القشور الأصل القلب وأما الظاهر هذا لا علامة لنا به. والمرأة إن أرادت أن تخرج سافرة أو متحجبه والمتحجبات دعك منهن هؤلاء دميمات يسترن دمامتهن بهذا الحجاب؟ ! أو تقول ما هو ألعن. تقول كل واحدة على حسب كلام بعض الناس. تفعل الأفاعيل لئلا تكشف هويتها وصورتها تستتر. يعنى ما تتحجب إلا الزانية!! لِمَ؟ قال: لأنها لو كشفت لفضحت فهي تزني وهى متحجبه!! أعوذ بالله من هذا هذه الشبه التي نعيش فيها سافرة هذه مصونه، هذه صدّيقة لكن المتحجبة هذه التي تفعل الأفاعيل فقط. لا إله إلا الله!! فإذن وصل بها الأمر إلى استحلال الكفر. بل إلى تبريره والدعوة إليه والى استحباب واستقباح الطهر والفضيلة والإسلام.

إذن ستؤوب إلى الكفر تقدم معنا: المعاصي بريد الكفر ودهليز الشرك. وقلنا: قد يفعل الإنسان المعصية في أول أمرة لكنه يكفر في نهاية أمرة ومن تأمل أحوال العصاة لاح له هذا على وجه اليقين. رابعها: تعليل (بياض) الرابع الإطلاق لفظ الكفر والنفاق والجاهلية على من يفعل كبيرة أن هذه من باب التغليظ والزجر لا من باب اتصافه بحقيقة الكفر. فمن فعل كبيرة نبينا عليه الصلاة والسلام يريد أن يحذره من الكبيرة. والشرع المطهر يريد أن يحذره من هذه الخصلة الذميمة الحقيرة. بلفظ يخلع القلب. ولا أشنع ولا أفظع ولا أشد على المؤمن من أن تقول له إنه كافر. إنه منافق. إنه ليس بمؤمن أنه جاهلي. إنه ليس من عداد المسلمين هذا حقيقة إذا قلته للمؤمن ينخلع قلبه فأنت عندما يفعل الإنسان معصية تقول يا عبد الله أنت خرجت من الإيمان لا تقصد في خروجك أنه خرج أي أنه كفر وخرج من الملة أنما خرج من الإيمان الذي ينبغي أن يتصف به هذا الإنسان على وجه التمام. هو أن يجمع مع الاعتقاد والإقرار العمل. وأن يفعل الواجبات وأن يترك المحرمات تقصد أنه خرج إذن من شيء وجب عليه على حسب إيمانه ووجب عليه إذا كان مؤمناً إذن ضاعت بعض أركان الإيمان المطلوبة الواجبة. فعندما تقول له لست بمؤمن. أ، ت كافر تقصد هذه من باب لا التغليظ والزجر. لا من باب إتصافه بحقيقة الكفر لكن ما قلت له: أنت مؤمن عاصي. قلت له لست بمؤمن وأنت كافر وأنت عندما تسأل عن التفصيل تبين إذن لم أطلعت، أطلعت لتهول عليه ولتخلع قلبه. لينزجر. ولا نقول انك أطلقت لفظاً كذباً حتى يقال إذن الشارع كذب علينا. نقول لا لكن أطلق عليه هذا اللفظ وأراد منه كفر النعمة ـ كما تقدم معنا ـ أراد منه مشابهة الكافرين في هذه الخصلة إذن لم أطلق لفظ كفر؟ إذا كان لا يقصد الكفر الحقيقي؟ لأن هذا اللفظ مستشنع عند المؤمنين. لأن هذا الفظ يقطع قلوبهم عندما تقول لإنسان. إذا زنيت تخرج من الإيمان. فيقول: ما عاد أزنى.

إذا كان الزنا يخرجني من الإيمان كيف أزنى وأخلّد في نار جهنم فإذا كان الأمر كذلك إذن يعنى لا أزنى أما لو قلت له: إذا زنيت يعنى أنت مؤمن عاصي. يقول ما دمت ضمن الإيمان رحمة الله واسعة. إذن لا حرج في الزنا. فإذن الشارع استعمل لفظاً يخلع القلب. ولا نقول هذه كذب. لا. أصل لهذا اللفظ لا هذه له أصل. وحقيقة: شابه الكفار في هذه الخصلة وليس له حكمهم فعندما تطلق عليه هذا اللفظ الذي يشابه به الكفار تفطر قلبه. ولذلك لو قال النبي عليه الصلاة والسلام لآبى ذر [أبا ذر مهلاً أخطأت وخدشت إيمانك وكيف تعّره بأمه؟ لقال: أستغفر الله يعنى يا بلال سامحني. لكن [إنك امرؤ فيك جاهلية] حقيقة هذه نحن خرجنا من الجاهلية ودخلنا في الإسلام لأجل أن ننال رضوان الله رجعنا إلى الجاهلية بعد ذلك بهذه الألفاظ المنكرة. إذن لا بد من تطهر للنفس بشيء لا تفكر فيه أو تعود إلى هذا مرة أخرى. فطهر نفسه بما طهرها به [إنك امرؤ فيك جاهلية] إذن من باب التغليظ والزجر.

ومما يقرر هذا ويدل عليه. ثبت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن..] كما تقدم معنا. أذن نفى عنه الإيمان هذه يراد منه الزجر والتغليظ لا يراد منه نفى حقيقة الإيمان. ما الدليل؟ انظر الدليل: تبت فى المسند والصحيحين من حديث أبى ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال أبو ذر يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وإن زنا وإن سرق ـ وفى رواية وان شرب الخمر أيضاً ـ؟ قال: وان زنا وان سرق وان شرب الخمر فأعاد أبو ذر - رضي الله عنه - الكلام ثلاثاً فلما أعاد الرابعة قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر على رغم أنفك يا أبا ذر] (بياض) أبو ذر - رضي الله عنه - إذا حدّث بالحديث يقول: من لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر على رغم أنف يا أبا ذر. إذن: [لا يزني الزاني حين يزنى وهو مؤمن] والمراد منه؟ تغليظ وزجر بما يقشعر منه الجلد ويتفطر له القلب. ولو كان المراد الحقيقة لما قال هنا [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنا وإن سرق وإن شرب الخمر] كيف تخبر عنه بأنه ليس عنده |إيمان ثم نقول هو من أهل الجنان؟ هذا كلام لا يستقيم. إذن تبيّن لنا أن المقصود من ذاك زجر وتغليظ ولا يقصر منه نفى الإيمان حقيقة.

خامسها: قال أهل السنة: إذا حملنا هذه الألفاظ على ظاهرها وانه استوجب الكفر المخرج من الملة والجاهلية التي تنافى الملة الحنيفيه. وليس من عداد المؤمنين وليس عنده إيمان واتصف بصفات النفاق إذا حملنا هذا على حقيقته فنحمله على المستحل. ولا شك أن من استحل شيئاً من ذلك فله الحكم الذي أطلق عليه بهذا اللفظ: [اثنتان هما في الناس كفر: الطعن في الإنسان والنياحة على الميت] (¬1) فمن استحل النياحة فهو كافر [سباب المسلم فسوق وقتاله كفر] (¬2) من استحل قتال المسلم فهو كافر. إذن واحدة من هذه الأمور الخمسة قال أئمتنا يقصد بهذه الألفاظ التي أطلقت على فاعل الكبيرة: إما أما شابه الكفار الجاهليين المنافقين. غير المسلمين في خصلة من خصالهم لا في جميع أحكامهم. الأمر الثاني: أن هذه من باب كفر النعمة لا كفر الجحود والمنعم. .الأمر الثالث: هذا سيؤدى به إلى الكفر في نهاية المطاف. الأمر الرابع: من باب التغليظ والزجر بما يتفطر له القلب الأمر الخامس: هذا على المستحل. فمن استحل شيئا من ذلك كافر. وبذلك جميع أهل السنة بين نصوص الشرع التي هي في الظاهر متعارضة. وهذا المبحث هو أجلّ مباحث الحديث الشريف وعلوم الشريعة. وهو الذي يسميه أئمتنا في مباحث علوم القرآن موهم الاختلاف والتناقض. ويسمونه في علم الحديث: مختلف الحديث وهى أحاديث في الظاهر مختلفة. مثل هنا: ¬

_ (¬1) - تقدم تخريجه صفحة 90 (¬2) - تقدم تخريجه صفحة 90

[لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن] و [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وان زنا] هذا مختلف الحديث وفى علم القرآن موهم الاختلاف والتناقض ومن آيات القرآن في ظاهرها وأحاديث في الظاهر متناقضة. لكن عندما تجمع بينهما يزول عنك التناقض وليس بين هذه الآثار أي معارضة. ف [لا يزنى الزاني وهو مؤمن] اجمعوا بينها وبين [من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وان زنا] نقول: إذا استحل ليس بمؤمن وإذا لم يستحل فهو مؤمن وسيدخل الجنة فلا تعارض بين الحديثين. نفى الإيمان عنه إذا استحل. وأخبر عنه [انه يدخل الجنة إذا لم يستحل هذا جمع. جمع ثان: لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ليس من المؤمنين في هذه (بياض) في سائر (بياض) يدخل الجنة بعد ذلك بأحد أمرين ,إما بتوبة تصدر منه. وإما بمغفرة لله إن لم يعاقبه فإن عاقبه مآله إلى الجنة. ولن يخلد أحد من أهل التوحيد في النار. هذا جمع (بياض) الحديثين. فزال التعارض. [لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن] هذا للتغليظ (بياض) عنه الإيمان لا لأنه كفر حقيقة. ما الدليل؟ [من قال لا اله إلا الله دخل الجنة] . [لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن] هذا قد يؤدى به إلى الخروج من الإيمان فهو في الزنا لم يكفر وسيدخل الجنة. وإن زنا. لكن قد يستحل باب يكفر بعد ذلك. أو أن (بياض) ـ كما قلنا ـ من باب المعصية العملية. لا من باب معصية الاعتقاد والجحود. والاستخفاف. إذن هذه أوجه خمس من أوجه الجمع بين النصوص الشرعية. فحملوا هذه الألفاظ على واحد من هذه الأمور الخمسة. وآمنو بالكتاب والسنة كلها دون التفريق بين (بياض) النصوص الشرعية. كما هو حال أهل البدع ـ وسيأتينا حاله إن شاء الله. إخوتي الكرام:

ولأجل أن ظواهر النصوص المتقدمة ـ كما تقدم معنا ـ تطلق الكفر وتنفى الإيمان وتصف الجاهلية والنفاق وأن من اتصف بشيء من تلك الكبائر ليس من عداد المسلمين. لأجل أن ظاهرها يتعارض مع نصوص أخرى ويحتج أهل البدع بظواهرها ـ أي تلك النصوص على قولهم في أن فاعل الكبيرة كافر. كان عدد من أئمتنا لا يرفعون تلك الأحاديث إلى النبي علية الصلاة والسلام بوجود المبتدعة خشية أن يتعلقوا بظواهرها ويقولوا: إذن هذا حجة لنا في أن فاعل الكبيرة كافر. وهذا من باب وضع الأمور في مواضعها؟. وإذا (بياض) ستحدث لأمر شرعي لكن الناس سيأخذونه ويستدلون به على باطلهم وضلالهم فلا تحدثهم به. لئلا يكون ذريعة إلى ضلالهم وفسادهم من باب وضع الأمر في مواضعه. فثبت في صحيح مسلم (¬1) عن جرير بن عبد الله. والحديث رواه منصور عن الشعبي عن جرير بن عبد الله البجلى - رضي الله عنه - قال: [أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتي يرجع إليهم] وفى رواية: [أيما عبد أبق من مواليه لا تقبل له صلاة حتي يرجع إلى مواليه] وفى رواية: [فقد برئت منه الذمة] . الشاهد فقط كفر. لكن له صلاة برئت منه ذمة الله. الحديث رواة منصور عن الشعبي عن جرير بن عبد الله وقفه فما رفعه إلى النبي علية الصلاة والسلام. قال منصور: قد رُوي والله مرفوعاً. ولكني أكره أن يُروَى عنى ها هنا ـ يعنى في البصرة ـ لَمِ؟ لأنها تعج بفرقتين ضالتين: الخوارج والمعتزلة لاسيما المعتزلة فيتعلقون بها بأن فاعل الكبيرة إذن ليس من المؤمنين * * * إخوتي الكرام: ما موقف أهل البدع الضالة نحو فاعل الكبيرة؟ ¬

_ (¬1) - في كتاب الإمام وهو في شرح الإمام النووي علي صحيح مسلم في الجزء الثاني صفحة سبع وخمسين

عندنا فرقة قديمة ولها كما قلنا ـ ذيول حديثة ما أكثرها في هذه الأيام. ولا نتكلم على أمر يعنى كما يقال من باب خلافات قديمة وبالية وعتيقة دعونا منها. لا. والله إن هذا معرفته في هذا الوقت للشاب المسلم ضروري ضروري ضروري. لئلا يقع في الغلو والتطرف والانحراف فيجر بعد ذلك شؤمه بلاءً على المسلمين في سبب ما يأتي به من بدع وضلال. والجماعة التي كانت تسمى بجماعة المسلمين. جماعة الحق وأطلق عليها الحكام الضالين اسم: جماعة التكفير والهجرة. كانت تتبنى هذا القول. وهو أن فاعل المعصية كافر مخلد في نار جهنم. متى ما فعل معصية. ولما بعد بعد ذلك تأملوا أحوال الحكام لا يحكمون بما أنزل الله قالوا: كفار. والرعية إذن على طريقتهم. إذن هم كفار. إذن لا يوجد على وجه الأرض مؤمن إلا نحن. فمن ليس من جماعتنا فهو كافر. ووجدت أيضاً بعد ذلك جماعة أخرى. جماعة التوقف والتبيّن. قالوا: نحن لا نسلّم الإيمان لأحد حتى يتبيّن لنا حالة الأصل في الناس أنهم كفار إلا إذا تبين لنا أنهم منا ويقولون بأقوالنا فهم مؤمنون. لأن الحياة جاهلية. وكل ما فيها جاهلي. يا أخوتي الكرام هذا ضلال ما بعده ضلال وأتكلم ـ كما قلت ـ عن خيال. جاءني مرة بعض الإخوة في بعض الأماكن فانتظروا على باب المسجد وما صلوا معي في إحدى الصلوات ـ صلاة العصر ـ ثم بعد أن خرجت قالوا لي بأن نتلكم معاً بعض الوقت قلت: خيراً إن شاء الله. لٍمَ لَمْ تصلوا معنا؟ قالوا: يا شيخ ما تعلم هل أنت مؤمن أم كافر. قلت: سبحان الله العظيم! طيّب أنا في مسجد. أأنا في كنيسة؟ ! حتى يعنى تشكّون في حالي؟ ! قال: ما نعلم هل أنت يعنى مثل الناس جاهلي أم تكفر بالمفاهيم الجاهلية؟ قلت: الله أمركم بحسن الظن أو بسوء الظن؟ يعني لم لا تقولون: لعلّ هذا صديق من أولياء الله الصالحين. وإذا كنت زنديقاً فماذا يضركم ما عليكم حسابي. لكن الله أمركم بحسن الظن أم بسوء الظن؟.

مرة كنت في بلاد الشام في حلب أصلى في بعض مساجدها جاء بعض الشيعة وكنا في صلاة المغرب. فأصلى بهم ما صلوا ورائي. صلوا فرادى. لما انتهينا قلت: إخوتي شوّشتم على أنفسكم وعلينا لم ما صليتم معنا؟ لا صليتم جماعة لأنفسكم بعد أن انتهينا ولا صليتم معنا. قال: يا شيخ نحن لا نصلى إلا وراء من علمنا عصمته. قلت: لا يوجد إلا النبي علية الصلاة والسلام. يعنى لم لا تصلون ورائي؟ أو وراء غيري؟ قال: يا شيخ نحن في الأصل شيعة من شيعة نُبَّل (¬1) ما نعلم أنت لعلك تشرب الخمر لعلك تزني لعلك تسرق. كيف نصلى وراءك؟ قلت: قولوا لعلني أقوم الليل وأتعبد وأصوم النهار وقانت ذاكر. يعنى لم تقولون هذا ولا تقولون هذا؟ يعنى لم تظنون بالناس أسوأ الظنون لمَ؟ ترون عليَّ آثار المعصية؟ السر بيني وبين ربي هو سيحاسبني وهو يعلم السر وأخفي. لكن على آثار معصية؟ قالوا لا: قلت: هذا غلط. قال: هذا مذهبنا ما عندنا جدال وى قيل ولا قال. ما نصلي إلا وراء المعصوم!! هم أضل من الشيطان الرجيم ليس معصوم. لكن ماذا تعمل؟ هذه شبههم وضلالهم. فالشاهد: كما أقوله ليس من زمن ماضي وبالى وانتهى. أفكار كما يقال حيّه يعني بالمعنيين حيّه: أي موجودة. وحيّه فيها سم مثل الحيّة. فأفكار حية حقيقية يعنى موجودة تلدغنا وكثير من المسلمين أحياناً يعني يشتطون ويذهبون إلى ذلك المسار ويكونون علينا عاراً في الدنيا وبعد ذلك يفرقون جماعتنا. ونسأل الله أن يلطف بأحوالنا أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أهل البدع وقفوا نحو هذه الأحاديث على موقفين: ¬

_ (¬1) - قرية تبعد حوالي أربعين أو خمسين كيلوا متر عن حلب.

أما الفرقة الأولى وهو الخوارج: وقلت هؤلاء لهم وجود في الزمن القديم ولا زال لهم امتداد كبير في هذا الوقت والخوارج قلنا ـ الاباضية فرقة من فرقهم ويملؤون عُمان كلهم علي هذا المسلك. أن فاعل الكبيرة كافر ويزيدون على هذا (¬1) مخلد في نار جهنم. ولو كان عنده من الحسنات أمثال الجبال. يصوم ويصلى ويجاهد ويتصدق لكن مبتلي بشرب الخمر. يقولون: هو وإبليس سواء. لا يمكن أن يرى الجنة ولا أن يشم ريحها. هذا مخلد في نار جهنم كافر. لِمَ؟ النصوص صريحة [قتاله كفر] . [لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن] . نقول: إخوتي الكرام ما ذكرتموه نعم يدل عليه نصوص شرعيه. لكن ماذا تفعلون في النصوص الأخرى؟: [من قال لا اله إلا الله دخل الجنة وان زنا وإن سرق] ماذا تفعلون بهذا؟ ماذا تفعلون بهذه الأحاديث الكثيرة التي تقدمت معنا عندما أطلق النبي علية الصلاة والسلام لفظ الكفر على نكران نعمة العشير كفر وما قال إن هذا كفر بالله لما استشكلوا أولئك قالوا: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير. إذن أنتم آمنتم ببعض النصوص وكفرتم بعضها. فاتقوا الله في أنفسكم. إطلاق لفظ الكفر علي فاعل الكبيرة هذه ضلال يدل على أن هذا ضلال: أولاً: تواترت الأحاديث عن نبينا علية الصلاة والسلام أن من ارتكب كبيرة فهو مؤمن ولم يخرج من حظيرة الإيمان. كما تقدم معنا في الحديث الذي في المسند والصحيحين وغيرهما: [من قال لا اله الا الله دخل الجنة وإن زني وإن سرق] إذن فلابد يدخل الجنة إلا مؤمن ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ)) (¬2) فحكمكم على فاعل الكبيرة بالكفر يتنافى مع النصوص المتواترة الثانية عن نبينا علية الصلاة والسلام. ¬

_ (¬1) - وهو الحكم الذي سيأتي معنا في أثر وحكم الكبيرة في الآخرة. (¬2) - المائدة:72

ثانياً: ننقض قولكم بأمر ثان وهو: لو كان فاعل الكبيرة كافراً لوجب عليه حد القتل وهو ضرب الرقبة لأن من بدل دينه وكفر يقتل. فهل نصوص الشريعة جاءت بعقوبات مقدرة للكبائر أو بقطع الرقبة؟ أمرنا ربنا أن نجلد الزاني إذا لم يكن محصناً. قال اقتلوه!؟ أمرنا أن نقطع يد السارق إذا سرق. قال اقتلوه؟ ! أمرنا أن نجلد شارب الخمر إذا شرب. أمرنا أن نجلد القاذف. قال إنه كافر اقتلوه؟! لو كان كافراً لوجب قتله. فترتيب عقوبات دون القتل على الكبائر هذا دليل على أن الكبائر ليست بكفر. ولو كانت كفراً لما كان بينها وبين الردة أي فارق ـ في العقوبة ـ لقال النبي علية الصلاة والسلام: من فعل كبيرة فاقتلوه. كما قال: [من بدل دينه فاقتلوه] (¬1) كما قال: [لا يحل دم أمرء مسلم يشهد ألا إله إلا الله وان رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني. والنفس بالنفس. والتارك لدينه المفارق للجماعة] (¬2) . فإذن ما رتب القتل على جميع الكبائر. نعم بعض الكبائر عقوبتها النقل لا من باب الكفر من باب أن هذا حد دنيوي يطهر الإنسان. فمن كفر يقتل. وهو كافر. من زنا وهو محصن يقتل وهو مؤمن. من قتل نفساً يقتل عن طريق القصاص وهو مؤمن فلو عُفي عنه فلا يلزم إقامة الحد عليه. ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث صحيح أخرجه البخاري والشافعي من حديث عكرمة أن علياً - رضي الله عنهم - أجمعين حرّق قوماً فبلغ ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا (بياض) بعذاب الله] ولقتلهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [من بدّل دينه فاقتلوه] (¬2) - قلت: الحديث صحيح متفق على صحته.

الشاهد: أنه ليس القتل عقوبة لجميع الكبائر فلوا كان كل فاعل كبيرة يعتبر كافراً لو جب قتل كل من ارتكب كبيرة. وإذا لم يكن الأمر كذلك دل على أنه معلوم من دين الله بالضرورة أن فاعل الكبيرة ليس بكافر. وقد مضى عصر النبي علية الصلاة والسلام. وعصر الصحابة وعصر التابعين ولم يقتلوا فاعل الكبيرة. مما يدل على أنه ليس بكافر. وأنه لا زال ضمن عداد المسلمين. إن قالوا: ماذا تفعلون إذن بالنصوص التي أطلقت عليه لفظ الكفر؟ نقول: هنا يأتي حال المهتدين فيجمعون بين هذه النصوص ولا يلغون بعضها ولا يعطلون بعضها كما فعلتم أنتم. فأنتم آمنتم ببعض الكتاب وكفرتم ببعضه. وهذا حال الضالين. لا يوجد مبتدع إلا ويؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض لأن أهل الهدي قالوا: هذه النصوص كلها لا بد من وضعها أمامنا لنبحث فيها ثم لنجمع بينها لنصوص كلام النبي علية الصلاة والسلام عن التعارض ولئلا نلغي بعض كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا حق وهذا حق. وهو محمول على كذا وهذا محمول على كذا. وكلام العاقل دائماً يصان عن اللغو. وأعقل العقلاء هو خاتم الأنبياء علية صلوات الله وسلامه. فكيف ناغي بعض كلامه ببعض إذا أمكن أن يجمع بين جميع كلامة عليه الصلاة والسلام!! فما خرج من شفتيه إلا حق وصدق علية صلوات الله وسلامه. هذا قول الخوارج. أما المعتزلة: المعتزلة أضل وأخبث وأنجس. أتو بقول لا يدل علية نص من نصوص وما سبقهم إليه أحد من خلق الله لا من إنس ولا من جان. لا في هذه الأمة ولا في الأمم السابقة إنما من أين أتو به؟ العلم عند الله (¬1) . ¬

_ (¬1) - الخوارج مع أن قولهم باطل لكن عندهم متمسك بالظاهر يتمسكون: قتاله كفر. (بياض) بهذا فيقولون: إذن فاعل الكبيرة كافر، تمسكوا بهذا الظاهر وألفوا النصوص الأخرى.

قالوا: فاعل الكبيرة ليس بمؤمن (¬1) خرج من الإيمان. كفر؟ قالوا: ما كفر. ليس بمؤمن وليس بكافر. هذا مثل قول ثمامة بن أشرف الذي تقدم معنا: الكافر ما خلقة الله طيب من خلقة؟ خلق نفسه؟ يقول: لا. لكن لا يجوز أن نقول خلقه الله. لم؟ يقول: الكافر هذا إنسان وكفر فلو قلنا خلقة الله للزم أن الله خلق الكفر (بياض) ما خلقهم العزيز القهار طيب من خلقهم؟ (بياض) نقول شيئا وهؤلاء نقول لهم: فاعل الكبيرة تقولون خرج من الإيمان. هل كفر؟ ـ كما قال الخوارج ـ قالوا: ما كفر. ليس بمؤمن. ما هو؟ قالوا: في منزلة بين منزلتين ليس بمؤمن وليس بكافر. هذا القول لا يوجد نص في شريعة الله يدل عليه. النصوص أما أن تصف الإنسان بالإيمان أو بالكفران. أما أنه ليس بمؤمن وليس بكافر هذه قسمة ضالة باطلة ما سبقهم إليها أحد. ¬

_ (¬1) - نحن لا زلنا نتكلم في أحكام الدنيا.

لذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله. هذا من مخترعاتهم ومن ابتداعهم الذي لم يسبقهم إليه أحد. أول ما حصلت هذه المسألة في زمن الحسن البصري عليه رحمة الله ولأجلها قيل للمعتزلة أنهم معتزلة. سئل الحسن البصري عن فاعل الكبيرة ما حكمة في الدنيا والآخرة. قال: أما في الدنيا مؤمن بإيمانه فاسق بعصيانه ـ كما نقول: مؤمن عاص ـ وأما في الآخرة فآمرة مفوض إلي ربه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وإن عذبه مآله إلى الجنة إذا ختم له بالتوحيد ـ وهذه عقيدة أهل السنة الكرام ـ فقام واصل بن عطاء الفراء وتبعه عمرو بين عبيد تلميذه وكانا من تلاميذ الحسن البصري. وكان الحسن يقول: نعم الفتى عمرو أي عمرو بن عبيد ـ لو لم يحدث (¬1) فقال واصل: أما أنا فأقول إنه ليس بمؤمن وليس بكافر فطرده الحسن البصري فذهب إلى ناحية في مسجد البصرة واعتزل الحسن البصري واجتمع إليه أتباعه أتباع الشيطان من عمرو بن عبيد وغيره. فقيل لهم معتزله. اعتزلوا الحسن البصري واعتزلوا أهل الحق واعتزلوا جماعة المسلمين عندما كونوا لأنفسهم مجلساً خاصاً فقيل لهم: المعتزلة. وكان قتادة علية رحمة الله ـ من أئمة التابعين ـ إذا دخل إلى مسجد البصرة بقول: هؤلاء المعتزلة أي اعتزلونا واعتزلوا عقيدتنا والحق الذي عندنا وأتوا بقول مبتدع: فاعل الكبيرة ليس بمؤمن وليس بكافر هذا القول باطل قلت: لم يسبقهم إليه أحد. خلاصة الكلام: ... من فعل معصية كبيرة لا يستحق اسم الإيمان بإطلاق ولا ينفي عنه مطلق الإيمان. فهو مؤمن عاص. إطلاق الكفر عليه أو نفي الإيمان عنه أو وصفه بالنفاق أو أنه من الجاهلين أو ليس من عداد المسلمين محمول على واحدة من أمور خمسة قررها أئمتنا الكرام جمعاً بين نصوص الشرع لئلا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض هذا حكم الكبيرة في الدنيا ثلاث أثار: ? تكسب القلب ظلمة شديدة لا تزول إلا بالتوبة والطاعات العظيمة. ¬

_ (¬1) - يقول أئمتنا: أحدث والله أعظم الحدث

العقوبات عليها تنقسم إلى قسمين: منها عليها عقوبات مقدرة. ومنها عقوبات مطلقة موكولة لرأى الإمام ليعزر فاعل الكبيرة بما يردعه. ? تزيل الاسم المطلق عن صاحبها في الإيمان عندما يرتكب الكبيرة ولا يزول عنه مطلق الاسم فيقال له: مؤمن. لكن بقيد العصيان والتقصير. ثانياً: في الآخرة: أما أثر الكبائر في الآخرة فالكبائر في الآخرة أثران وحكمان ,تقدم معنا أن للصغائر في الآخرة أثران أيضاً: لأول: تقع مغفورة. والثاني: لا تمنع من دخول الجنة. أما هنا: 1. الأثر الأول والحكم الأول للكبائر في الآخرة: بالنسبة للعقوبة عليها موكولة إلى الله جل وعلا. إن شاء عذب فاعل الكبيرة في الآخرة وإن شاء عفي عنه. قال الله جل وعلا ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (¬1) ما عدا الشرك تحت المشيئة. ومن يمت ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض لربه. وهذه الآية هي التي تقصم ظهور المبتدعة في القديم والحديث (¬2) . ¬

_ (¬1) - النساء:116 (¬2) - وهي أرجي آية في القرآن كما ذكرت هذا سابقاً فيم ثبت عن علي - رضي الله عنه - في سنن الترمذي وعن حفيده علي بن الحسين زين العابدين - رضي الله عنهم - أجمعين

أنظر لأهل البدع ماذا يقولون؟ يقولون: ((مَا دُونَ ذَلِكَ)) الشرك لا يغفره الله. والكبائر لا يغفرها الله!؟ طيب كيف تفعلون بهذه الآية؟ كيف تفعلون بها؟ أنظر كيف ترد عليهم رداً في منتهى الوضوح: ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) بتوبة أو بدون توبة؟ إن كان بتوبة فذكر الشرك لا فائدة له. لأن كل ذنب يغفر بالتوبة فما الداعي إذن ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) لو كان ((مَا دُونَ ذَلِكَ)) بتوبه كما يقولون أي إذا تاب ي-غفر له. لو كان بتوبه لما كان هناك فائدة لذكر الشرك. إذن ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) مما عدا الشرك إذا لم يتب منه. أما بالتوبة فالشرك وما عداه سواء ((قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ)) (¬1) طيب ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) ما دون ذلك من طاعات أو معاصي؟ معاصي. الخوارج يقولون: المعصية كفر. أو ليس كذلك؟ أنظر كيف يصبح معني الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر أن يشرك به. هذا معني الآية عندهم. لأنه ما دون ذلك قلنا من معاصي: والمعاصي عندهم ـ تقدم معنا ـ كفر. إذن كيف يصبح معنى الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر أن يشرك به. إذن هذا يبطل قولكم , إذا قلنا طاعات: أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر الطاعات. أنتم بين ثلاث احتمالات لا رابع لها إما أن تقولوا يغفر المعاصي بتوبة. نقول: ما الفائدة من ذكر الشرك؟ وإما أن تقولوا: المراد من المعاصي هنا المعاصي هنا ما دون ذلك غير الشرك بتوبة قلنا هذا بطل. لأن التوبة تشمل الشرك وسائر المعاصي إذن لا يصلح هذا التقدير. التقدير الثاني: ¬

_ (¬1) - الأنفال:38

((مَا دُونَ ذَلِكَ)) من المعاصي التي هي غير الشرك. وكل معصية عندكم تعتبر شركاً وكفراً ـ كما قررنا قولهم ـ فكيف يكون إذن ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) أي: إن الله لا يغفر الشرك ويغفر الشرك؟ هذا تناقض. وإذا قلتم ((مَا دُونَ ذَلِكَ)) هي الطاعات كيف سيغفر الله الطاعات؟ بين ثلاث احتمالات كل واحد يبطل قولكم. إذن ثبت المعني الحق وهو ((مَا دُونَ ذَلِكَ)) من المعاصي. إن شاء غفر وأن شاء عذب. مغفرته فضل وعذابه عدل ((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) (¬1) قد وضح النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا غاية الإيضاح. ففي مسند الإمام احمد والكتب الستة باستثناء سنن أبى داود عن عابدة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وحوله عصابة من أصحابة: [بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تعصوا في معروف ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم. فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو الى الله إنا شاء عاقبه وإن شاء عفي عنه. فبايعناه على ذلك] هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام. إذن من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. ومن وفي والتزم بما بايع عليه النبي عليه الصلاة والسلام، أجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً وستره الله فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. ... هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا كقول الله: ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) إخوتي الكرام: جميع الوعيدات الثانية في القرآن وفى أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام على كل معصية من المعاصي والمخالفات مقيدة بأمرين. كما دلّت على ذلك نصوص الشرع. ¬

_ (¬1) - الأنبياء: 23

الأمر الأول: عدم التوبة. كل وعيد على كل ذنب لا يقع إلا إذا لم يتب الذنب. فإذا تاب تاب الله علية الأمر الثاني: عدم مغفرة الله للمذنب: فإذن كل عقوبة على كل ذنب لا تقع إلا إذا انتفي أمران: عدم توبة العاصي , وعدم مغفرة الله له. فإذا لم يتب. ولم يغفر الله له تقع عليه العقوبة إذا تاب لا تناله العقوبة. إذا غفر الله له لا تناله العقوبة. كما ورد الآن معاني الحديث [فهو الى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه] . أنظر لأهل البدع: الأمر الأول ولا قالوا: معتبر. إذا فعل ذنباً وتاب منه لا تناله العقوبة لَمِ؟ قالوا: دلت علي هذا نصوص الشرع (¬1) طيب وإذا غفر الله له؟ قالوا: لا يجوز لله أن يغفر للعصاة لَمِ. كما أن النصوص الشرعية دلت على أن العاصي إذا تاب يتوب الله عليه دلت نصوص الشرع على أن الله له أن يغفر عن العصاه كرماً منه وفضلاً - سبحانه وتعالى - كما أن هذا دلت عليه النصوص، هذا دلت عليه النصوص. فالله يقول ((وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ)) (¬2) وهو يقول: ((وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) هذا نص وهذا نص كما أخرجت تلك الصورة من الوعيد أخرج هذه الصورة من الوعيد. وهذا هو مسلك أهل السنة: إيمان بالكتاب كله. وأهل البدع: إيمان ببعضه وكفر ببعض. نسأل الله بفضله ورحمته أن يرزقنا الإيمان الكامل إنه أرحم الراحمين وأكرم الاكرمين. ¬

_ (¬1) - وسأذكرها إن شاء الله بأن التائب تسقط عنه العقوبة (¬2) - الشورى: 25

إذن: الحكم الأول للكبيرة في الآخرة: العقوبة على صاحبها هل ستقع علية وسيعفى منها؟ الذي دلت عليه النصوص الشرعية الثانية عن خير البرية علية صلوات الله وسلامة، وقررت هذا الآيات القرآنية. بأن من مات وهو عاص لربه فأمره مفوض إلي الله. إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه. فلا يجزم بعقوبته. ولا نجزم بحصول المغفرة له. أمره مفوض إلى الله جل وعلا. هذه العقوبة التي سيوقعها الله جل وعلا بالعاصي ـ بفاعل الكبيرة ـ إذا مات ولم يتب من كبيرته. ليست على سبيل الجزم ولا على سبيل الحتم. إن شاء غفر لإن شاء عذب مغفرته فضل وعذابه عدل. وهذا الذي قرره أهل السنة الكرام فقالوا: جميع نصوص الوعيد مقيدة بقيدين اثنين: القيد الأول:

عدم التوبة من العاصي وعدم إنابة المذنب إلى ربه جل وعلا، فمن عصي الله وتاب في الحياة فلا تناله العقوبة في الآخرة. بعد الممات. لورود أدلة قطعية شرعية على أن [التائب من الذنب كمن لا ذنب له] (¬1) وأن الله يقبل التوبة عن عبادة سبحانه وتعالى. يقول الله جل وعلا ((وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (¬2) فمن تاب لا يناله الوعيد ولا يلق أثاماً ولا يضاعف له العذاب يوم القيامة ولا يخلد فيه مهاناً. مع أنه كان مشركاً، وفعل أيضاً الزنا، وقتل النفس دعا مع الله إلهاً لآخر وزنا، وقتل النفس ثم تاب الى الله جل وعلا (¬3) . ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث رواه ابن ماجه والطبراني من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [التائب من الذنب كمن لا ذنب له] ورواة الطبراني رواة الصحيح. ورواه ابن أبي الدنيا والبيهقي مرفوعاً أيضاً من حديث ابن عباس رضى الله عنهما وزا د: [والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمسهزيء بريه] راجع الترغيب والترهيب: 4/ (بياض) (¬2) - الفرقان: 68-70 (¬3) - مبحث التوبة سيأتينا، إن شاء الله ـ في المبحث الذي في الجملة الثانية (بياض) يتعلق بالحسنة.

ويقول الله جل وعلا: ((إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)) (¬1) وإذا تابوا لا ينالهم هذا الوعيد قطعاً وجزماً. قال الحسن البصري عليه رحمات ربنا جل وعلا: أنظروا إلى كرم اله قتلوا أولياءه ثم يدعوهم إلى التوبة. وهكذا يقول الله جل وعلا: ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)) (¬2) فمن تاب لا يناله الوعيد. وقد قرر أئمتنا الكرام أن التوبة مقبولة عند ذي الجلال والإكرام ما لم بصل الإنسان إلى إحدى حالتين. فإذا وصل إلى إحدى هاتين الحالتين لا تقبل منه التوبة إن كان مشركاً. ولا التوبة إن كان عاصياً. ويلق الله بالعمل الذي هو قبل هاتين الحالتين: ¬

_ (¬1) - البروج: 10 (¬2) - آل عمران: 135 - 136

الحالة الأولي: ما لم تصل الروح إلى الحلقوم. وأن يغرغر بنفسه عند احتضاره. فإذا وصلت الروح إلى الحلقوم وبدأ يغرغر بها كما يشرق الإنسان في الماء عندما يغرغر به. يكشف له الآن عن مقعده من الجنة أو من النار. ولذلك كل كافر في هذا الوقت يؤمن. قال الله جل وعلا: ((وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)) (¬1) الضمير في ((مَوْتِهِ)) يحتمل أمرين ـ كما قرر أئمتنا المفسرون ـ: الأول: يعود على المحتضر من أهل الكتاب. أي قبل أن يموت سيؤمن بعيسى وأنه عبد الله وكلمته. وليس بثالث ثلاثة. متي؟ عندما تصل روحه إلى الغرغرة ويرى مقعدة من النار. فيقول: آمنت أنك أنت الله الواحد وأن عيسي عبدك ورسولك وليس بإله معك. ولكن: ((فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ)) (¬2) والاحتمال الثاني ليس فيه شاهد على هذا المعني: ((قَبْلَ مَوْتِهِ)) أي قبل موت عيسي على نبينا وعلية صلوات الله وسلامة. فعيسى سينزل في آخر الزمان. فمن كان حياً بعد ذلك سيؤمن به. أو يعاملهم بالسيف. ¬

_ (¬1) - النساء: 159 (¬2) - ص: 3

وعلي التقدير والأول وهو محل الشاهد: كل كافر عندما تصل روحه إلى الحلقوم، وكل عاص يتوب لكن التوبة حجبت لأنه دخل في أول حالة من حالات الآخرة. وصار في دار الجزاء وانتقل من دار العمل. ولذلك قال الله جل وعلا في كتابه ((إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيما. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) (¬1) ثبت عن قتادة وأبى العالية ـ من أئمة التابعين عليهم جميعاً رحمات رب العالمين ـ قالا: أجمع أصحاب محمد علية الصلاة والسلام - رضي الله عنهم - أجمعين أن كل من عصى الله فهو جاهل. وأن كل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب. فكل عاص جاهل. وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب. وهذا المعنى قرره نبينا - صلى الله عليه وسلم - ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم وصحيح ابن حبان بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر] هذه الحالة الأولى. فمن لم يصل إني الغرغرة ولم تصل روحه إلى الحلقوم فتوبته مقبولة باتفاق. الحالة الثانية: ¬

_ (¬1) - النساء 17 - 18

إذا طلعت الشمس من مغربها، ففي هذه الحالة لا تقبل التوبة. فذاك من أشراط الساعة الكبرى. بل قيل أنه آخر أشراط الساعة. وقد اتفق أئمتنا على أن آخر أشراط الساعة أحد أمرين (¬1) : إما طلوع الشمس من مغربها. أو خروج الدابة. تخرج متكلم الناس أنهم ((كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)) (¬2) وتختم على جبين كل مؤمن ومؤمنة، وكافر وكافرة. ومنافق ومنافقة. فتطلع الشمس من مغربها وهم على هذه الحالة. فالمؤمن مؤمن والكافر كافر , وإما آن الأمر بالعكس. فتطلع الشمس من مغربها ولا تقبل التوبة فتخرج الدابة بعد ذلك فتختم الناس وتكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. فإذا طلعت الشمس من مغربها اختل نظام العالم الدنيوي وآذنت هذه الدنيا بالزوال (بياض) والانتقال. وصارت هي كالحامل المتم ولمن رفع لقمته إلى فيه. فقد تقوم الساعة ولا يضعها في فيه. ولا يطعمها. وإذا كان الأمر كذلك فلا تقبل التوبة. ¬

_ (¬1) - اختلفوا فقط في أي منهما يكون بعد الأخر لكن بهذين الشرطين لا شرط آخر أو علامة أخري. (¬2) - النمل: 82

وقد أشار ربنا جل وعلا إلى هذا في كتابة فقال ((هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ (¬1) يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)) (¬2) وقد قرر نبينا - صلى الله عليه وسلم - هذا في مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن أبى داود وابن ماجة عن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت وراها الناس آمنوا أجمعون ـ وفى رواية آمنو كلهم ـ ((فَيَوْمَئِذٍ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)) وثبت في المسند وصحيح مسلم من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه] وثبت في المسند أيضاً وصحيح مسلم من حديث أبى موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتي تطلع الشمس من مغربها] . ¬

_ (¬1) - وهو طلوع الشمس من مغريها. (¬2) - الأنعام:158

إذن هذا الشرط الأول لصرف الوعيد عن صاحبه. وهذا المانع الأول لدفع الوعيد عن مرتكب الكبيرة. هو عدم التوبة. فإن تاب لا يناله الوعيد بالإجماع هذا محل اتفاق بين أهل السنة وأهل البدعة. لم أخرجنا هذه الصورة من عمومات نصوص الوعيد؟ لنصوص منفصلة والشرع يكمل بعضه بعضاً. فالله يخبرنا أن من شرب الخمر كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال وهي عصارة. أهل النار (¬1) فإن تاب لا يناله الوعيد. إذن هنا أخرجنا الوعيد ومنعناه عن صاحبه بدليل منفصل مع أن النص لم يقيد بالتوبة. لأن كل وعيد أصالة بقيد بالتوبة فإذا تاب لا يناله الوعيد. ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث ثابت فى صحيح مسلم وغيرة عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [كل مسكر حرام. إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينه الخبال. قالوا. وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار]

القيد الثاني: الذي يقيد به الوعيد فإذا وجد ذلك المانع وذلك الأمر لا يقع الوعيد على فاعل الكبيرة هو: عدم مغفرة الله للعاصي. فإذا تاب العاصي لا يناله الوعيد. وإذا لم يتب وغفر الله له لا يناله الوعيد. عندكم دليل على هذا الشرط! عندنا دليل كالشرط الأول، الشرط الأول دللنا عليه بقرآن وسنة، وهنا عندنا قرآن وسنة تدل على هذا. فالمذنب إذا تاب وعفر الله له لا يناله الوعيد. المذنب إذا مات وغفر الله له لا يناله الوعيد. المذنب إذا مات وقد تاب لا يناله الوعيد. فإن تاب لا يناله الوعيد. وإن لم يتب وعفر الله له لا يناله الوعيد. قال الله جل وعلا: ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)) (¬1) ((وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا)) (¬2) ذنب واحد لا يغفر: ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ)) (¬3) وما عداه تحت المشيئة أن شاء الله غفر وان شاء (بياض) مغفرته فضل. عقابه عدل. وأفعال الله جلا وعلا تدور بين العدل والفضل. ولا دخل للجور ولا للظلم في أفعالة: [إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا] (¬4) ((وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)) (¬5) . ((وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)) (¬6) الظلم والجور لا دخل له في فعل الله جل وعلا. بقى معنا فضل وعدل. إن عذب عدل وإن غفر فضل. إذن إذا غفر الله للعاصي لا يناله الوعيد. هذا دليل يدل على أن العاصي إن غفر له لا يناله الوعيد. ¬

_ (¬1) - النساء: 48 (¬2) - النساء: 116 (¬3) - المائدة: 72 (¬4) - قلت: تقدم تخريجه صفحة 35 (¬5) - الكهف: 49 (¬6) - طه: 112

وتقدم معنا إخوتي الكرام أنه ثبت عن على - رضي الله عنه - في سنن الترمذي بسند حسن أن هذه الآية هي أرجي آية في القرآن الكريم. وهي أحب الآيات إلى هذه العبد الكريم المبارك ـ على - رضي الله عنه - ـ ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) (¬1) وقلت ثبت هذا عن حفيده على بن الحسين زين العابدين - رضي الله عنهم - أجمعين أن هذه أرجي آية في القرآن ووضحت هذا ... (¬2) إذن عندنا دليل منفصل، هنا القرآن على أن ما عدا الشرك تحت مشيئة الرحمن إن شاء عذب فعدل وأن شاء غفر ففضل. وعندنا أيضاً أحاديث متوترة عن خير الأنام علية صلوات الله وسلامة تقرر هذا المعنى الذي دلت عليه آيات القرآن. ¬

_ (¬1) - النساء: 116 (¬2) - قلت: ما أشار إليه شيخنا هنا تقدم الكلام عليه. راجع صفحة 35

ثبت في المسند والكتب الستة باستثناء سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وحوله عصابة من أصحابه [بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً وتسرقوا ولا تزنوا ولا تعصوا في معروف ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم فمن وفى منكم فأجره على الله. ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له. ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفي عنه وإن شاء عاقبه] إذن من وفى على بايع علية النبي عليه الصلاة والسلام والتزم وقام بالطاعات وترك المنهيات فأجره عند الله، وقع في زلة وهفوة تستوجب حداً. عوقب عليها في الدنيا فهذا مطهر له لأن الحدود زواجر وجوابر، تجبر الفاعل وتجبر الأمة فتطهره تاب أو لم يتب. المحدود إذا أقيم عليه الحد طَهّر. وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ عن ماعز ـ والحديث في صحيح مسلم وسنن أبى داود ـ: [إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها] بعد أن أقيم حد الرجم. فإذا أقيم عليه الحد طهّر تاب أو لم يتب. والله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده مرتين (¬1) فإذا عاقبة فى الدنيا بتريده، أو قطع رقبته، أو جلد ظهره، أو رجم بالحجارة طُهّر. تاب أو لم يتب. زواجر وجوابر، تجبر الفاعل فتقيله عثرته وتغفر زلته. وتجبر الامة. ¬

_ (¬1) - قلت: هذا الحديث ثابت عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم وصححه ووافقة الذهبي. عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [من (بياض) في الدنيا ذنباً فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده. ومن أذنب ذنباً فستره الله فهو أكرم من أن يعود في شيء قد عفا عنه] أخرج هذا الحديث أيضاً الإمام البغوي والإمام أحمد أيضاَ بمعناه حديثاً آخر..

لأن الامة إذا فعلت فيها المعاصي وما عيروها يعمهم الله بعقاب من عنده (¬1) . ¬

_ (¬1) - قلت: يؤيد كلام شيخنا هذا ما ثبت في سنن أبي داود وابن ماجة وصحيح ابن حبان. والحديث رواه الاصبهاني وغيرة عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [ما من رجل يكون فى قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه ولا يغيرون إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا] وعن أبى بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) المائدة: 160 وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده] رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح ورواه إن ماجة والنسائي وابن حبان في صحيحة. ولفظ النسائي: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن القوم إذا رأوا المنكر فلم يغيره عمهم الله بعقاب] وفي رواية لأبي داود: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب] . (انظر الترغيب والترهيب للمنذري: 3/229) .

فإزالة هذه المعصية تجبر الخلل الذي وقع في الأمة و [لحد يقام في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحاً] . [خير من أن يمطروا أربعين خريفاً] كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في سنن النسائي وغيره (¬1) . وهي زواجر تزجر الفاعل وتزجر غيره. فالفاعل إذا علم أنه إن قتل يقتل. وإن زنا يرجم ينكف عن المعصية. ولو قدر أنه وقع وأقمنا عليه الحد ينكف غيره. تزجر الفاعل وتزجر الأمة. وتطهر الفاعل وتطهر الامة. زواجر وجوابر وهي كفارات لأهلها تاب المحدود أو لم يتب. إذن الحالة الثانية: من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فى الدنيا فهو كفارة له. الحالة الثالثة: أصاب من ذلك شيئاً: زنا، شرب الخمر، سرق. سترة الله. فأمره إلى الله. إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. ¬

_ (¬1) - قالت: الحديث الأول رواة النسائي من حديث أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [لحد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحاً] وفى رواية قال أبو هريرة - رضي الله عنه -[إقامة حد في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين ليلة] هكذا رواه النسائي مرفوعاً وموقوفاً. ورواه ابن ماجة بلفظ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [حد يعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً] وروي ابن ماجة أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال [إقامة حد من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله] وروى الطبراني بإسناد حسن عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يوم من إمام عادل أفضل من عبادة سنة. وحد يقام في الأرض بحقه أربي فيها (بياض)

إخوتي الكرام: يخرج معنا في الحالة الثالثة أمر محل إجماع وهو الشرك. فلو أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله وما ظهر شركه. وما ظهر نفاقه الأكبر. وما ظهر كفره الذي يضمره فى قلبه. هذا أمره موكول الى الله أو مخلد قطعاً وجزماً فى نار جهم؟. هذا مخلد. فالشرك المستثني للنصوص الشرعية ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ)) ... فقول النبي علية الصلاة والسلام: [بايعوني علي ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تعصوا في معروف، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيدكم وأرجلكم.. ـ ثم قال في الحالة الثالثة ـ: فمن أصاب من ذلك شيئاً....] (¬1) أخرج من هذه الخمسة الشرك. فهذا لا يعغر.. وتقدم معنا: الدواوين ثلاثة: ديوان لا يغفره الله أبداً وأهله خالدون مخلدون فى نار الجحيم (بياض) : الكفار والمشركون. خرج هذا يعني ما عدا هذا الزنا. السرقة. يعصون فى معروف. ولا يطعون النبي علية الصلاة والسلام: فيقصرون فى واجبات. يأتون ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم فينسبون من الأولاد ما ليس إليهم كل هذا من الكبائر. هذا ما عدا الأمر الأول يشمله قول النبي علية الصلاة والسلام: ومن أصاب من ذلك شيئا ً ـ غير الشرك ـ فهو إلى الله إنا شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه. إذن ما عدا الشرك تحت المشيئة. إن شاء ربنا غفر ففضل. وإن شاء عذب فعدل. فلو غفر لا ينال الوعيد فاعل ذلك الذنب، إذن كل عقوبة على كل ذنب مقيدة بقيدين بشرطين: الأول عدم حصول توبة من الذنب، فمن تاب لا يناله الوعيد. الثاني: عدم مغفرة الله لذلك المذنب. فلو غفر الله له لا يناله الوعيد. لو تاب فى الدنيا لا يناله الوعيد لو مات بدون توبة وغفر الله له فى الآخرة لا يناله الوعيد. وهذه الآية ـ وكما قلت ـ هي أرجي آية فى القرآن. ¬

_ (¬1) - (بياض)

وقد كان سلفنا الكرام يولونها عناية عظيمة وغيرت من مسلكهم عندما نزلت عليهم وسمعوها من نبينا علية الصلاة والسلام ثبت في مسند أبي يعلى وكتاب الاعتقاد للإمام البيهقي. وكتاب السنة لأبن أبى عاصم. ومسند البزار بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما. والأثر رواة الإمام الطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كل واحد منهما: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر (¬1) حتي سمعنا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما تلا علينا الآية [إني إدخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] (¬2) وقال ابن عمر وابن عباس: فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا (¬3) ثم نطقنا بَعْدُ وَرَجَوْنَا. ¬

_ (¬1) - أي من مات وعلة كبيرة لا تستغفر له. (¬2) - والحديث صحيح بل يصل إلى درجة التواتر كما سأورد له روايات كثيرة وطرقاً كثيرة. (¬3) - أي كنا نمسك عن الاستغفار فبدأنا بعد ذلك نطلق لأنفسنا العنان ونستغفر لمن مات وعلية ذنوب وآثام بعد أن نزلت هذه الآية

وهذا الحديث مروي عن غير هذين الصحابين رضي الله عنهما. لكن دون ذكر تلك المقدمة: [كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر..] فالحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه وقال حسن صحيح، ورواه أبو داود في سننه. وابن خزيمة في كتاب التوحبد. ورواه الحاكم في المستدرك. وأبو نعيم في الحلية. وابن أبى عاصم فى كتاب السنة. ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد ورواه الضياء المقدسي فى " الأحاديث المختارة الجياد " والحديث صحيح عن أنس - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] . والحديث روي عن جابر بن عبد الله في سنن الترمذي بسند حسن، ورواه عنه ابن ماجه، والطيالسي في مسنده. والحاكم في المستدرك. وأبن خزيمة فى كتاب التوحيد: [شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي] . وفي الحديث: قال جعفر الصادق: قال لي والدي (¬1) .. رضي الله عن آل البيت والصحابة الكرام أجمعين. قال لي جابر [يا محمد من لم يكن من أهل الكبائر فمما تعلقه بالشفاعة!] . ¬

_ (¬1) - أي محمد الباقر والد جعفر.

إذن: من لم يكن من أهل الكبائر ـ تقدم معنا من لقي الله بالصغائر فهي مغفورة بنص القرآن. ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)) (¬1) ـ ما تعلقه بالشفاعه؟ من الذي يتعلق بها؟ أهل الكبائر. والحديث روى عن كعب بن عجرة. وروى عن أبي الدرداء. والأحاديث صحيحة. وروى عن أبي موسي الأشعري فى سنن ابن ماجة بسند صحيح بلفظ. قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -[خيّرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة. وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة ـ لأنها أعم وأشمل أترون أنها للمحسنين المتقين؟ لا. إنها للمذنبين الخطائين التلوثيين] . والحديث بهذا اللفظ رواه الإمام أحمد والبيهقي في كتاب الاعتقاد، والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما. وروى أيضاً عن صحابي ثامن. عن عوف بن مالك فى الترمذي بسند حسن - رضي الله عنهم - أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [أتاني آت من ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة. فاخترت الشفاعة فهي نائلة من مات لا يشرك بالله شيئاً] . وتقدم معنا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في صحيح البخاري وهو حديث تاسع في هذا المقام. عندما قال للنبي علية الصلاة والسلام. من أسعد الناس بشاعتك يوم القيامة؟ قال: [قد ظننت ألا يسألني عن هذا أحد قبلك يا أبا هريرة لما رأيت من حرصك. أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه. أو صدقاً من قلبه] . إذن إخوتي الكرام: إذا غفر الله للعاصي. وغفر للمذنب. وغفر للخطاء. لا يناله الوعيد. فكل وعيد مقيد بقيدين: عدم التوبة من المذنب. وعدم مغفرة الله لذلك المذنب. فإذا تاب لا يناله الوعيد. وإذا غفر الله له لا يناله الوعيد. ¬

_ (¬1) - النساء: 31

إذا غفر الله له هل يقال: أخلف الله وعيده؟ هل يقال: إن هذا يعتبر كذباً في أحكامه وأخباره؟ لا لَمٍ؟ لأننا قلنا هو أصالة مقيد بعدم المغفرة. وما قال: أنا سأعاقبه حتي نقول: إذا لم يعاقبه فقد ألخلف وعيده. والله ((لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)) (¬1) في حق الوعد والوعيد لكننا نقول: كل وعيد مقيد بقيدين: بعدم التوبة. بعدم مغفرة. فمن تاب لا يناله الوعيد لا نقول: أخلف الله وعيده. نقول: الوعيد مقيد بعدم التوبة. فإذا تاب وجد مانع لنزول الوعيد. وهو التوبة. وإذا غفر الله له وجد مانع لحلول الوعيد وهو المغفرة هذا وضحه لنا نبينا علية الصلاة والسلام ففى مسند أبي يعلي والبزار وكتاب البعث للإمام البيهقي. والحديث رواه ابن عساكر في تاريخه. والخرائطي في مكارم الأخلاق. وفيه راو ضعيف، وهو سهيل بن أبي حزم القطيعى من رجال السنن الأربعة. حكم عليه الحافظ إبن حجر في التقريبي بأنه: ضعيف. لكن الحديث يشهد له حديث أبي عبادة. فيتقوى به ويصل إلى درجة الحسن إن شاء الله. عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من وعده الله علي عمل ثواباً فهو منجزه له (¬2) ومن وعده علي عمل عقاباً فهو فيه بالخيار إن شاء عذبه وان شاء غفر له] . هذا هو الخيار. وهذا تحت مشيئته: إن شاء أن يعذب. إن شاء أن يغفر. كما أنك إذا تبت لا ينالك الوعيد، فإذا غفر الله لك لا ينالك الوعيد تقدم معنا أن الخوارج قالوا: فاعل الكبيرة كافر. وخالف في هذا المعتزلة. قالوا: فاعل الكبيرة ليس بكافر لكنه ليس بمؤمن. وهذا الوعيد الذي سيناله في الآخرة يغفر الله له أولا؟ قالوا: يستحيل أن يغفر الله له، وإذا غفر الله له فهو كذاب وتنزه عن ذلك - سبحانه وتعالى -، لا بد أن يعذبه..!!. ما هو العذاب؟ قالوا: العذاب هو الخلود في النار (¬3) . ¬

_ (¬1) - آل عمران: 9 (¬2) - لا يوجد قيد هنا (¬3) - سيأتينا هذا في موضوع لاحق

لا بد من عقوبة العاصي عند المعتزلة والخوارج. وهو الخلود في النار. أما الخوارج فقالوا كافر مخلد. وأما المعتزلة فقالوا: ليس بكافر لكنه مخلد!!. لذلك قال أئمتنا عن المعتزلة إنهم مخانيث الخوارج. لأنهم ما قالوا بقولهم. كيف تخلدون في النار من ليس بكافر؟ وهذا تدرون من يقول به أيضاً يقوله الاباضية. الشيخ أحمد الخليلي ـ وهو مفتي عُمان ـ في كتابه " الحق الدامغ " في صفحة 91. وأنا ما أعلم حقّ يدمغ حقاً. أو حق يدمغ باطلاً؟ لكن مثل هذه العناوين البارقة سبق إليها هؤلاء. تدرون من الذي ألف كتاب " الدامغ " "قبل الحق الدامغ" الذي هلك سنة 298 هـ قال الحافظ ابن حجر في اللسان: أجاد المؤلف (¬1) في حذفه. وإنما ذكرته لألعنه توفي إلى لعنة الله سنة 298 هـ ألف كتابه الدامغ يدمغ الآيات ويرد عليها. ويظهر في القرآن التناقض، أي تناقض؟ كما قال ابن الجوزى. قال: ليس في كتابه ما يعتبر شبهة وفضلاً عن أن يكون حجة لنجيب عليه. أي تناقض؟. قال: يقول الله جلا وعلا في كتابة ((ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا)) (¬2) والله يقول في كتابه ((وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)) (¬3) إذن كان يجهل الله كم لبث هؤلاء!؟ وهكذا آيات كثيرة. يقول: ((لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)) (¬4) ليظهر لنا كذا. ((فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) (¬5) يقول: هذه تتنافي مع الآيات التي يخبر الله فيها بإحاطة علمه؟ ! هذا من إنطماس قلبه وفساد عقله. ¬

_ (¬1) - يعني الذهبي الأصل في الميزان (¬2) - الكهف: 12 (¬3) - طه: 98 (¬4) - الملك: 2 (¬5) - العنكبوت: 3

العلم إخوتي الكرام عِلْمان: علم ظهور ومكاشفة. وعلم تقدير ووقوع. الله جل وعلا علم هذا قبل أن يقع لكن سيعلمه بعد ذلك كواقعة. إذن ((لِنَعْلَمَ)) لنعلم هذا واقعا ظاهراً بعد أن علمناه مقرراً في الازل. وهل يمكن أن يقع الواقع في هذه الحياة على خلاف ما في تقدير رب الأرض والسماوات؟.لا. لكن العقاب والثواب يرتبط على الواقع الظاهر الخارج لا علي ذلك التقدير. إذن ((فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا)) فليعلمن علم مشاهدة ورؤية بعد أن علمه علم تقدير في الازل أي تناقض؟ ! علي أن بعض أئمتنا قالوا: فليعلمن الله الذين صدقوا قال: المراد من ذلك: أن يعلم أولياءه ورسله وشهداؤه في خلقه حقيقة هذه الأمور، هؤلاء مؤمنون وهؤلاء كفار. وهذا فيه تكلف. لكن المعاني الأول: فلنعلمن هذا علم مشاهدة بعد أن علمناه علم تقدير. " الدامغ " ألفه أحمد بن يحي بن إسحاق الرواندي. جاء هذا الآن يؤلف لنا " الحق الدامغ " تعرض فيه لثلاثة مسائل: رؤية الله في الآخرة. وقال: هذا مستحيل وكل من يقول بها فهو ضال خبيث، فالله لا يراه المؤمنون في الجنة؟ !!! الثانية: القرآن مخلوق. وكل من قال إنه صفه لله وليس لمخلوق فهو ضال؟ !!! والثالثة: في تخليد أهل الكبائر في النار؟ !!!

هو من الاباضية، والاباضية فرقة من الخوارج، لكن الاباضية في هذه المسألة كمخانيث الخوارج ـ وهم المعتزلة ـ انظر ماذا يقول وعقيدتنا معشر الاباضية أن كل من دخل النار من عصاة الموحدين والمشركين مخلدون فيها إلى غير أمد. كما أن من دخل الجنة من عباد الله الأبرار لا يخرجون منها. ما وجه قياس هذا على هذا؟ ـ يقول: إذا الداران دار خلود. ووافقنا علي ذلك المعتزلة والخوراج على اختلاف طوائفهم. وإنما خالفنا من حيث أنهم يحكمون على كل معصية تؤدي إلى العذاب بالشرك المخرجه من الملة (¬1) فخالفوا (¬2) بذلك نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة..؟!. الخوارج خالفوا الكتاب والسنة وإجماع الأمة عندما قالوا: فاعل الكبيرة في النار لكنهم حكموا علية بالكفر. لكن نحن (¬3) نقول: مخلد في النار وليس بكافر؟ طيب ما الفارق بينكم وبينهم؟ يعنى هي تسمية فقط! أو نريد حقيقة؟ أنت أخرجه من النار وسمه ما شئت بعد ذلك. أما تقول: هو مخلد في النار. أما الخوارج يقولون: كافر. أما نحن نقول: ليس بكافر. لعنة الله علية. لكن ليس بكافر؟ في النار لا يخرج منها مع أبى جهل وإبليس لكن لا تقولون عنه كافر..!! من يقول عنه كافر خالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة؟ ! ¬

_ (¬1) - الخوارج يقولون: كفار. أما الاباضية يقولون: مؤمن لكنه مخلد في النار ... (¬2) - أي الخوارج (¬3) - أي الاباضية

وأنا أقول لهذا الشيخ: أسأل الله أن يلهمه وإيانا رشدنا: كما أنك إنفصلت عن الخوارج في هذه المسألة وأنصفت وأخبرت أن الخوارج خالفوا الكتاب والسنة وإجماع الامة ـ كما أنك تقول هذا في كتابك ـ عندما كفروا فاعل الكبيرة. فأنا أقول لك لعل الله يلهمك رشدك، ويلهمنا جميعا رشدنا فتقول: أن فاعل الكبيرة لا يخلد في النار ولا يمكن أن يسوى الله بين من وحّده وبين من جحده. يستحيل هذا قطعاً. فمآل العصاة إلى الجنة مهما طال تعذبيهم. ومن خالف هذا فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ـ كما سنذكر ـ فأنت قلت بقول المعتزلة تماماً. ولذلك تتذبذبون تارة مع الخوارج وتارة مع المعتزلة. فالاباضية في الأصل فرقة من الخوارج لكن في هذه المسألة قالوا: لا نكفر فاعل الكبيرة لكن مخلد في النار؟ من زنا ومات على المعصية إن حج ستين حجة. وتصدق بجبال من ذهب واعتكف عن بيت الله الحرام , ومات في سبيل الله بعد ذلك. مخلد في نار جهنم؟ ! يا أخوتى الكرام: الله يقول: ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)) (¬1) أنتم عكستم!! ... ويقول: ((فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)) (¬2) حسناته كلها طارت بهذا الذنب؟! ما نقول إنه أحسن بذنبه، لكن أمره إلى إلى الله إن عفا عنه؛واسع الفضل والمغفرة، إن عذبه سنة، سنتين، ثلاثة، ثلاثين وبعدها؟ يعني يقول له: أنت وأبو جهل سواء، أنت وإبليس سواء؟ مآله إلى الجنة ـ كما سيأتينا ـ بنصوص نبينا عليه الصلاة السلام المتواترة، ولا ينكرها إلا كافر طمس الله على قلبه. ولذلك عقيدتنا معشر أهل السنة في فاعل الكبيرة: أن من مات (بياض) ربه، إن شاء الله عذبه فعدل وإن شاء غفر له ففضل، إن عذب مآله إلى الجنة ولا يخلد من قال لا اله إلا الله في النار وإن لم يعمل خيرا قط (¬3) . ¬

_ (¬1) - هود: 114 (¬2) - الزلزال: 7 (¬3) - وعجمة اللسان ليست بمذمة، لكن عجمة القلب، أي عدم الفقه عن الرب، هذا هو البلاء.

هذا كتاب الدامغ، وما أكثر الان الكتب الباطلة التي تنشر في هذا الحين. الحبيب وبرقيبة في بلاد تونس في سنة1395 هـ عقد مؤتمر للمدرسين والمدرسات، وألقى كفراً بواحاً في ذلك المؤتمر، ورد علية المشايخ في ذلك الوقت برسالات وصلت إلى. وباستنكار بعد ذلك في العالم الاسلامى، إينما يقول: ثبت عندنا إن هذا القرآن متناقض. وذلك لابد لكم معشر المدرسين والمدرسات من أن تقرر وهذه إلا حقيقة في المدارس، وان تركزوا ما اقولة لكم للطلاب، لا بد من تطوير القرآن لسيما وقد أعطي الله ولاة الأمور سلطة، وجعل طاعتهم فريضة، فنحن ولاة أمور المسلمين نرشدكم إلى هذا الأمر. أولا: جعل الله للمرأة نصف الميراث وهذا شطط وسفاه وظلم، نعم هذا ما كان يصلح في عصر تسلط الرجل على المرأة، وأما في هذا الوقت، زوجتي هي التي ربت أخاها وانفقت علية حتى وصل إلى الهندسة، فهل يعقل إذا مات أبوها أن ترث نصف أخيها؟ وهي التي ربت أخاها. وهي الان اثبتت كفائة أكثر من الرجل؟. ثم يقول: إن محمداً عليه صلوات الله وسلامة ـ كان بدوياً سازجاً، التقط كثيراً من الأخبار لا صحة لها ولا ثبوت، كقصة أصحاب الكهف، خرافة لا حقيقة لها على الإطلاق. وغيرها من القصص. فأنتم معشر المدرسين والمدرسات واجبكم تطوروا القرآن في هذا الوقت ونحن نبقى ننتمى للإسلام، لكن لا بد من تطوير، لا سيما وطاعة ولى الأمر فريضة واجبة؟ !! هذا سيطور. وهذا دامغ، وذاك دامغ ... يا عبد الله: الحق واضح أنت في هذا الكتاب استدللت بأحاديث في البخاري ومسلم ولعنة الله على من لا يقبل حديث البخاري ومسلم، فلنحتكم نحن وأنت إلى ما ذكرت، وإلى ما سنذكر، ونرى كيف سيكون الجمع بينهما، ومن الذي يؤمن بالكتاب كله ومن الذي يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض.

إخواتي الكرام: هذا لابد الآن من المحاكمة، عند ذكرنا للأمر الثاني فيما يتعلق بمصير فاعل الكبيرة في الجنة في آخر الأمر إن شاء الله، إنما نحن لازلنا في الأمر الأول: العقوبة عدل، والمغفرة فضل، كل وعيد مقيد بقيدين: عدم التوبة، وعدم المغفرة. أنظروا لهذه المناظرة المحكمة التي جرت بين شيخ أهل السنة في ذلك الزمان أبى عمرو بن العلاء وهو أحد القراء السبعة قارئ البصرة ـ وبين عمرو بن عبيد المؤسس الثاني لمذهب الاعتزال، اجتمعا في مجلس، فقال، عمرو بن عبيد ليرد علي مذهب أهل السنة: إن الله وعد وعدً، وأوعد وعداً إعاداً، فهو مجز إيعاده كما هو منجز وعده. أي كما أنه لا يخلف الميعاد في الموعد. ومن وعده ثواباً سيحققة له فمن وعده عقاباً وتهدده سينزله عليه، والله لا يخلف هذا ولا هذا، لأن كل منهما من باب الخبر، والله لا يخلف الخبر وسيحققه، فسيحقق وعده ووعيده. فقال: أبو عمر بن العلاء لعمرو بن عبيد: إنك أعجمي، لا أقول انك اعجم اللسان لكنك اعجم القلب (¬1) إن خلف الوعيد كرم ولخف الوعد لؤم. ألم تسمع إلى قول الشاعر: ولا يرهب ابن العم ما (بياض) ... ولا يختشي من صولتي المتهدد وإني وإن وعدته أو أوعدته ... لمخلف إيعادى ومنجز موعدي (¬2) ¬

_ (¬1) - (¬2) - يقول: أين عمي لا يختشي مني ضرراً، ولا يخاف من الغريب لأنني أنا أحمية. أنا وراء ظهره، ثم أنا إذا جرى مني لأن عمي وعد ووعيد، بشارة وتهديد، أحقق بشارتي ووعدي، أما وعيدي أخلفة ولا أحققه، هذا منقبة أم مذمة؟ منقبة.

العرب يتمدحون بهذا، هذا حال الكرام. إذا وعد يفى، وإذا أوعد يخلف، لأن كل وعد عند الكريم مقيد بعدم المغفرة. يقول: أنا سأفعل بك وأفعل إلا إذا عفوت هنا مقيد بمشيئتي. هذا بخلاف الإنزال في هذا الحين. إذا وعدك لا يفي، وإذا أوعدك يزيد فى عقوبتك. تستدعي من قبل من لا يخالفون الله. يقولون. مجرد تحقيق. وقد نعطيك كرامة بعد ذلك. تعال لننظر ونتباحث. فتذهب. ليت الأمر يقتصر على سب وشتم. ترى ما لا يخطر ببالك. الوعيد يضاعفه الوعد يخلفه. جاء مرة بعض العتاة إلى بعض المسجونين من المؤمنين في بعض السجون ودخل عليهم بصورة طبيب لينظر إلى أحوال هؤلاء المسجونين. ووضع المعاملة لهم. وماذا عندهم من تذمر لأجل أن يفطم ألسنتهم. فيمر عليهم. مَرّ عل إنسان ومعه السماعة ـ علي أنه طبيب ـ يقول: ماذا بكم؟ كل واحد يقول: أنا سليم بالمائة مائة، لئلا يخبره , لأنهم يعرفون أساليبهم. يقول أنا مرض فيزداد في ضربه. فجاء إلى بعض الناس الذي يظهر أنه حديث عهد بالسجون. قال: مالك؟ قال: ضربوني ضربوني حتي أن أذني هذه ما بقيت أسمع بها. قال: هذه ما تسمع بها؟ قال: ما أسمع. فرقع يده وصفعة علي الثانية فأصم له الثانية؟ !! هذا الذي جاء ليعالج!! هذا حال المؤمنين. والله إن السائمة أرفع قدرا في هذه الحياة من حال المؤمنين الذين ينكبون ويعذبون يشتكي لك بصورة طبيب وهو يتظاهر بالطب. إنما لينظر هل فيهم من يتذمر؟ فضربه علي الثانية فأفقده سمعه!. ثم قال له (¬1) ألم تسمع إلى قول الأخر: إذا وعد السراء أنجز وعده ... وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه ألم تسمع إلى هذا؟ العرب يتمدحون بهذا. فرب العالمين من باب أولي إذا لم يوقع وعيده على من توعده. هل يقال: كذاب أو يقال كريم؟ كريم. لأن هذا الوعيد مقيد في الأصل بمشيئة. إن شاء غفر له. وإن شاء عاقبه ¬

_ (¬1) - قلت: أي قال أبو عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد

2 ـ الأثر الثاني من (بياض) لو قدر أنه عذب مآل إلى الجنة (بياض) فاعل الكبيرة في الآخرة (بياض) إما أن يعاقب وإما أن يغفر له. أما الجنة لا بد من أن، يدخلها قطعاً وجزماً على حسب فضل الله وكرمة. كما أخبرنا علي لسان رسلة عليهم صلوات الله وسلامة لكن ذلك الدخول قد لا يسبق بعقوبة. متي؟ إن غفر له، وقد تسبقة عقوبة. تطول ألف سنة ـ كما سيأتينا في عقوبة بعض العصاة. ـ بعد ألف سنة يخرجه الله وهو ينادي يا حنان يا منان (¬1) وإذا لم يغفر له لا بد من مطهر. والنار هي آخر المطهرات. قلبها تسع مطهرات. إذا ما طهرت لا بد من العاشر. المطهر الأول: توبة واستغفار. فإذا تاب [التائب من الذنب كمن لا ذنب له] (¬2) فإن تاب طهر نفسه. إذا لم يتب. هل عنده حسنات ماحية أم لا؟ ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)) (¬3) . [واتبع السيئة الحسنة تمحوها] ما عنده حسنات. فقير حسناته يا الله يا الله أن تقبل. وما عنده تنفل وشيء زائد فما عنده حسنات تمحو المخالفات. نأتي لمطهر ثالث: هل نزل به مصائب في هذه الحياة فـ[لا يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة حتي يمشيا علي وجه الأرض وليس عليهما خطيئة] . وكل معصية تكفر من ذنوب الإنسان [حتي الشوكة يشاكها] (¬4) . ¬

_ (¬1) - كما ثبت هذا في المسند. ومسند أبي يعلي. وسأذكره إن شاء الله (¬2) - قلت: تقدم تخريجة. صفحة 107 (¬3) - هود: 114. (¬4) - قلت: الحديث الأول عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتي يلقي الله تعالي وما عليه خطيئة] رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. والحاكم وقال: صحيح علي شرط مسلم. ووافقه الذهب. وأخرجه أحمد وغيرهم (أنظر ترغب المنذي 4/286

((مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)) (¬1) قال هذا شيء شديد ـ أبو بكر - رضي الله عنه - ـ كما ثبت في السنن. قال [يا أبا بكر ألست تمرض، ألست تنصب. ألست تتعب، ألست تصيبك اللأواء ـ المرض والحمي ـ قال: بلي، قال: فذلك مما تجزون به] (¬2) ولذلك حقيقة ـ وكلّ البلاء بالولاء، بولاية الله، من أراد الله أن يصطفيه وأن يواليه وألا يعاقبه في الآخرة , يصب علية العقوبات والشدائد والمصائب واعتداء السفهاء في هذه الحياة ليلقي الله وليس عليه خطيئة. ولو كان المؤمن في جحر ضبّ لقبض الله له من سيؤذيه ليرفع بدرجته، قال نبي الله داود علي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه: يا رب كف ألسنة الناس عني. ¬

_ (¬1) - النساء: 123 (¬2) - قلت: روى مسلم في صحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت ((مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)) بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتي النكبة ينكبها. والشوكة يشاكها] . ورواه الإمام احمد والترمذي والنسائي وابن مردويه وغيرهم. وللبخاري ومسلم. عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن حتي الهم يهمه إلا كفر به به من سيئاته] وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي قال: أخبرت أن أبا بكر قال: يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ كيف الصلاح بعد هذه الآية مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [غفر الله لك يا أبا بكر. ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء قال: بلي. قال: فهو مما تجوزن به] . والحديث رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحة. ورواه سعيد بن منصور. وأبو يعلي. والبيهقي. (أنظر الترغيب والترهيب: 4/294)

قال: هذا شيء ما ارتضيته (بياض) هم يتكلمون عليّ فمن؟ أنت؟ !. الله مع الأنس والجن في نبأ عظيم. يخلق ويعبد غيره يرزق ويشكر غيره. ولا أحد أصبر علي أذي سمعه من الله. ولذلك قال الله في الإفك: ((إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)) (¬1) سبحان الله! أمنا زوجة نبينا علية الصلاة والسلام بنت أفضل الصديقين علي وجه الأرض، وخير خلق الله بعد النبيين والمرسلين يتكلم علي عرضها. وهذا خير لنا؟ تعم خير لنا. حقيقة خير لنا. أولاً: هذه الخيرية تنال أجراً عند رب البرية، لعل الله أدخر لها مقاماً عظيماً لا تناله إلا بهذا ولذلك سيدة نساء هذه الأمة خديجة وابنتها فاطمة وأمنا عائشة. واختلف في تفضيل الواحدة منهن علي الباقي. والمعتمد أن كل واحدة أفضل من جهة من الجهات واعتبار من الاعتبارات. إذن هذه سيدة نساء هذه الأمة. ¬

_ (¬1) - النور: 11

أمر ثان: هي تكون أسوة للمسكينات في آخر الزمان سيتكلم عليهن. فعندما تقول أمي تكلم عليها. من أنا؟ إذن أصبر كما صبرت، تظهر المعادن والحقائق بعد ذلك. كيف ثبت المؤمنون وقالت أم أيوب لزوجها أبي أيوب: يا أبا أيوب أما تسمع ما يتحدث الناس عن عائشة؟ ((لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)) (¬1) قال:يا أم أيوب، قد سمعت لو كنت مكانها أكنت تزنين؟ قالت أعوذ بالله! قال: فهي خير منك وأبوها خير من أبيك وزوجها خير من زوجك. أي أنت تنزهين نفسك، كيف بعدها تقولين: أما تسمع ما يتحدث الناس..؟ سمعت لكن كما قال الله ((ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا)) (¬2) أنظر لهذه المعادن وقال الصحابه: يا رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ إن الله لم يرض لك أن يكون القذى في خفيك. ونعليك. عندما صليت وفيها أذي نزل جبريل وقال لك: في تعليك أذي فاطرحمها. فطرحهما وهو يصلي. فكيف يرضي أن يكون الاذي في لباسك. وفيمن هو لباس لك وأنت لباس له؟ ! كيف هذا؟. ¬

_ (¬1) - النور: 12 (¬2) - قلت: الأثر مروي برويات عدة كلها متقاربه. منها ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن امرأة أبي أيوب قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا: ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله تعالي عنها؟ قال: بلي. وذلك الكذب. أكنت أنت فاعلة يا أم أيوب؟ قالت لا والله. فقال: (بياض) رضي الله عتها والله خير منك وأطيب إنما هذا كذب وإفك باطل. أخرجه ابن اسحق، وابن جرير. وابن المنذر، وابن أبي حاتم. وابن مردويه. وابن عباس وروى قريباً منه الحاكم وابن عساكر أيضاً عن أفلح مولى أبي أيوب. والأثر رواه أيضاً (بياض) ابن عمر الواقدي ـ عليهم جميعاً رحمة الله ـ. (تفسير ابن كثير: 6/27،28. روح المعاني (بياض) .

أنظر لهذه المعادن كيف ظهرت مع أنها حقيقة مصيبة تتفطر منها الجبال. ثم ليظهر العفو والفضل. من الذي خاض في الإفك؟ من جملة من خاض. مسطح ابن خالة أبي بكر. يتكلم على أمة وقريبته وزوجة النبي عليه الصلاة والسلام أجتمعت النقائض. لما قال الله: ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا)) (¬1) . قالوا: عفونا وعفرنا وصفحنا. والله يعفو عنا وعنهم. (بياض) مسطح ... يحط قدر النجم من أفقه وقد جري منه الذي قد جري ... وعوقب الصديق في حقه ¬

_ (¬1) - النور: 22

حقيقة هذا خير لنا. ولذلك البلاء. [أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل] (¬1) فإذا أراد الله به خيراً طهره بمصيبة من المصائب. بمرض، باعتداء سفيه. بتهمه تنتشر عليه.. ببلاء من البلايا التي تنتشر في هذه الحياة. ما حصل له هذا يأتي البرزخ هناك مطهر: [القبر روضه من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار] (¬2) ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث عن مصعب بن سعيد عن أبية - رضي الله عنه - قال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أشد بلاءً؟. قال: [الأنبياء ثم الامثل فالامثل، يبتلي الرجل علي حسب دينه. فان كان دينه صلباً أشتد بلاؤه. وان كان في دينه رقه ابتلاه الله علي حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتي يمشي على الأرض وما عليه خطيئة] رواه ابن ماجة وابن أبى الدنيا والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لابن حبان في صحيحة من رواية العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أشد بلاءً؟ قال: [الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي الناس علي حسب دينهم. فمن ثخن دينه إشتد بلاؤه. ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه. وان الرجل ليصيبه البلاء حتي يمشي في الناس ما عليه خطيئة] ورواه ابن ماجه والدامي بلفظ آخر قريب من هذا: عن سعد قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أشد بلاءً؟ قال: [الأنبياء ثم الامثل فالامثل، يبتلي الرجل علي حسب دينه. فان كان صلباً في دينه إشتد بلاؤه، إن كان في دينه رقه هون عليه ما زال كذلك حتي يمشي علي الأرض ماله ذنب] (¬2) - قلت: هذا الحديث مروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة نجلس إلي قبر منها فقال: [ما يأتي علي هذا القبر يوم إلا وهو ينادي بصوت ذلق طلق: يا ابن ادم نسيتني. ألم تعلم أني بيت الوحدة. وبيت الغربة. وبيت الوحشة. وبيت الدود. وبيت الضيق. إلا من وسعني الله علية..ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القبر أما روضه من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار] رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد ابن (بياض) بن سويد وهو ضعيف. وهناك شاهد آخر للجملة الأخيرة في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وفيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إنما القبر روضه من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار] رواة الترمذي واللفظ له البيهقي كلاهما من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو واه عن عطية وهو العوفي عن أبي سعيد. وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفة إلا من هذا الوجه. (أنظر ترغيب المنذري: 4/238)

وقد يعذب في النار البرزح يوماً، وقد سنة، وقد إلي يوم القيامة، وقد لا يكفيه التطهير، ينتقل بعد ذلك إلي عرصات الموقف، فإذا لم تطهرة المطهرات الأخرى يدخل النار. في البرزخ هذا مطهر رابع. مطهر خامس: الدعاء من المؤمنين في هذه الحياة , أما ندعوا نحن للمؤمنين والمؤمنات؟ أما تدعوا أن ينصر الله المسلمين وان يغفر لهم؟ كل مسلم يناله من هذه الدعوة نصيب، فإذا طهر بهذه الدعوة وصلت له تلك الحسنات ونفعته، نعمة، ما طهر، مطهر سادس بعد موته: أما نصلي عليه ونشفع له وندعوا؟ ونهدي له من الحسنات ((رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)) (¬1) في الحياة وبعد الممات. كل هذا ما نفع وصله وعليه ذنوب أمثال الجبال تهامة , ما كفت المطهرات الست، مطهر سابع: أهوال يوم القيامة وشدائدها ((يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا)) (¬2) هذه كلها تخفف عن المؤمن. إن طهرت فالحمد لله. إذا ما طهر تأتي بعد ذلك شفاعة الشافعين من نبينا الأمين علية صلوات الله وسلامه، والصالحين. ما نفعته هذه الشفاعة، وذنوبه أكثر , عفو الله ورحمته، أيضاً عنده ما يستوجب العذاب. بقي المطهر العاشر لا بد منه وهو: الكير. والكير هذا حقيقة يطهر من لا يقبل التطهير ما قبل مطهراً من المطهرات التسعة يدخل إلي الكير ليطهر. إذن: إذا ادخل النار ولم يطهره مطهر من المطهرات المتقدمة، مآله إلي الجنة، فإن بياض ولدت نصوص تخبر بأنه لا يدخل الجنة، وهو يخلد في النار، كما تقدمت معنا نصوص في حالة في الدنيا نحو الإيمان اخرج من الإيمان وصف بالكفر بالنفاق، بالجاهلية ليس من عداد المسلمين وبين المعني الحق فيها جمعاً بينها وبن النصوص الأخرى، عندنا هنا نصوص أخبرتنا أن فاعل الكبيرة يخلد في النار، ولا يدخل الجنة وهذا هو ما استدل به في الظاهر الخوارج والمعتزلة الأباضية ـ الآن. ¬

_ (¬1) - لا يوجد تخريج (¬2) - لا يوجد تخريج

لكن قلنا أشجعهم وأرذلهم الخوارج ومن عداهم مخانيث لهم، أما أولئك قالوا: النصوص كفرتهم فنحت نقول كفارهم مخلدون في النار. أما المعتزلة الاباضية قالوا: لا لا نكفرهم، لكن نقول: في النار، طيب لِمَ؟ لا تفرقون بين النصوص! لا خوارج ولا سنة؟ إما هذا وإما هذا. ولذلك قلت لكم: قول المعتزلة وقول الاباضية في هذه المسألة ما سبقهم إليه مؤمن ولا كافر. لا انس ولا جن. أنهم يخلدون في النار وليسوا بكفار. كيف ستخلد الموحد في النار؟ ! فأولئك خلدون. قالوا: لأنة كافر، أما أنت تقول ليس بكافر ومخلد؟! وتقول: من قال انه كافر خالف الكتاب والسنة إجماع الأمة، كيف خالف الكتاب والسنة؟ وتقدم معنا أحاديث: [كفر بالله من انتقي من نسب] (¬1) ، [اثنتان هما في أمتي كفر] (¬2) إذا هذا خالف السنة؟ هذا اسعد بالسنة منك منة حيث الظاهر، أما أنت، أنت الذي تناقض نحو السنة فلا صرت خارجي ولا صرت سني، تذبذبت بين هؤلاء وهؤلاء، وما ثبتت قدمك لا علي حق ولا علي باطل، وإما باطل واضح، وإما حق واضح، جئت تخلط بين هذا. وقلت لا نكفره. كما قال أهل السنة لكن قلت: لا نقول يدخل الجنة. نخلده في النار. كيف تأخذ الطرف من قول الخوارج وطرف منة قول أهل السنة؟ هذا هو الضلال المبين. إن قيل لنا: وردت نصوص. النصوص ذكرها هنا، ونحن لسنا ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضة، كما هو الحال في حق فاعل الكبيرة، هل ننفي عنه الإيمان أم لا؟ ذكرنا النصوص وأولناها جميعاً بين النصوص الاخري. لئلا نلغي شطراً من كلام النبي علية الصلاة والسلام. ونحن قنا: النصوص عندما تتعارض في الظاهر لا بد من الجمع بينها. لئلا نهمل كلام النبي علية الصلاة والسلام علي حسب الهوى والتشهي. ¬

_ (¬1) - قلت: هذا الحديث تقدم خريجة. راجع صفحة 93 (¬2) - قلت: تقدم تخريج هذا الحديث. راجع صفحة 90

فإن قيل: وردت نصوص تخبر بأن فاعل الكبيرة لا يدخل الجنة. منها ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا يدخل الجنة من لا يأمن جارة بوائقه] هذا من النصوص التي موردة هنا. وفي غيره من الكتب (¬1) . وثبت في مسند الإمام أحمد (بياض) ويستدل به (¬2) ـ لا يدخل الجنة (بياض) رحم] وثبت فى المسند (بياض) وسنن أبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا يدخل الجنة صاحب مكسْ] وهم أصحاب الضرائب ـ الرسوم ـ التي فرضت علي المسلمين في هذه الأيام. وهكذا الذي يعشّرون الناس، ويأخذون منهم ضرائب الجمارك وغيرها. وثبت في المسند والمستدرك وشعب الإيمان للبيهقي بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه. والديوث. ومدمن الخمر.] وفي رواية بدل: مدمن الخمر: [رجلة النساء] . ¬

_ (¬1) - قلت: قول شيخنا " هذا من النصوص التي موردة هنا " أي في كتاب الحق الدامغ وقوله (بياض) " وفي غيرة منة الكتب " يقصد في غير كتاب الحق الدامغ، كالدامغ وغيره من (بياض) الخوارج والمعتزلة وغيرهم. (¬2) - قلت: أي صاحب كتاب الحق الدامغ

إذن هؤلاء لا يدخلون الجنة. وهذا تصريح النبي علية الصلاة والسلام فقال الاباضية والمعتزلة والخوارج: لا يدخل الجنة. لكن نقول. وردت نصوص تكفر. كفرتموه كما كفره الخوارج: قال: لا نكفره. نؤمن ببعض الكتاب ونكفر بعض، نقول، وردت نصوص تخبر بأنه مآله إلى الجنة. يقول: نلغي النصوص التي تكفر ونلغي النصوص التي تدخله الجنة. نقول. فقط مخلد في النار ولا يدخل الجنة. وهل هي علي حسب الهوى فقط؟ ! نصوص أخري وردت بأنه يخلد في النار. قال الله في كتابه ـ وهذه عمدة المؤلف هنا في البحث الذي أورده في خلود أهل الكبائر في النار (¬1) مقدمه وثلاثة فصول وخاتمةـ ((وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) (¬2) إذن إذا قتل إنسان مؤمناً متعمداً فبه هذه العقوبة ((فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ)) ماذا قال الله فيه؟: ((خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)) . ¬

_ (¬1) - قلت: قول شيخنا: المؤلف. أي مؤلف كتاب الحق الدامغ (¬2) - النساء

وثبت في المسند والكتب الستة (¬1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسَّ سُمّاً فقتل نفسه فسمّه فى يده يتحسّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تردي من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً.] إذن عندما نصوص تقول: لا يدخل الجنة، وعندنا نصوص تقول: هو مخلد في النار فماذا تفعلون بها وأنتم تقولون إنه في الجنة؟ قلنا: لا يجوز النظر بعين وإغماض الاخري. فلا بد من أن ننظر بالعين. وأن نؤمن بما ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام ورد عن نبينا علية الصلاة والسلام وتواتر أن العصاة يخرجون من النار بعد أن يدخلوها. فهذه الأحاديث إذن معناها: هذا لا يدخل الجنة ويخلد في النار إن استحل ذلك. لأنه كافر. والكافر لا يخرج إلي الجنة، ويخلد في النار. كما تقدم معنا في الدنيا يُنفي عنه الإيمان علي أحد الاعتبارات الخمسة: إن استحل ... وهنا: [لايدخل الجنة صاحب مكس] . [لا يدخل الجنة قاطع رحم] إن استحل العقوق والضرائب فهو كافر يخلد فى نار جهنم. وإذا قال أنا مخطيء. عاصي. لعل الله يغفر لي هذا له حكم آخر. سيأتي إشارة نبينا علية الصلاة والسلام إليه. ¬

_ (¬1) - وإذا كان في الكتب الستة الحديث صحيح فلا داعي لأن نقول بسند صحيح أو حسن. وماذا يقصد بالكتب الستة؟ الصحيحان والسنن الأربعة، الترمذي وأبو داود والنسائي بضاف إليها ابن ماجة. هذا اصطلاح الجمهور. وبعضهم أدخل موطأ مالك، وبعضهم أدخل الدامي. مالنا وللإصطلاحات الخاصة، لكن الكتب السنة يقصد بها: الصحيحان والسنن الأربعة.

الأمر الثاني: نقول: هو لا يدخل الجنة: ويخلد في النار إن لم يقم مانع يمنع من ذلك. والمانع توبة أو مطهر من المطهرات العشرة المتقدمة. فإذا تاب قطع رحمة ولعن والده ثم جاء وقبل رجليه ووضع رقبته تحت رجلي والدية وقال. أنا ما أرفع رقبتي حتى تستغفرا لي. فقالا: يا ولدي الله يغفر لك. وبقي بعد ذلك طول حياته يحمل حذاء والدية ويقبلهما ويدعوا لهما بعد موتهما.. يناله الوعيد؟ يا معشر الخوارج هذا في النار؟ قالوا: لا. يا معشر الاباضية في النار؟ قالوا: لا. يا معشر المعتزلة فى النار؟ قالوا: لا؟ لِمَ؟ يقولون. تاب نقول: إذن إذا وجد مانع يمنع وقوع الوعيد لا يناله الوعيد. فإذن هذا جزاؤه إذا لم يمنع من ذلك مانع. والموانع عندنا موجودة. الأمر الثالث: ذكره الإمام أبن كثير في تفسيره نقلاً عن أبي هريرة. وعن جماعة من السلف رضي الله عنهم أجمعين: قالوا: هذا جزاؤه الذي يستحقه إن جازاه الله به. وقد أخبرنا أنه لن يجازي بهذا أحداً من أهل التوحيد، فأخبره بهذا الأمر ليتقطع قلبه. كما تقدم معنا هناك قلنا [كفر بالله من انتفي من نسب] زوال الأيمان وخروجه من المله واتصافه بالكفر إنما يقصد بذلك التخويف والتغليظ بأمر يخلع منه القلب. لأن كل واحد يكره الكفر. ولا يريد أن يزول عنه الإيمان. وبالتالي ينكف عن الذنوب والآثام. وهنا كذلك. هذا جزاؤه الذي يستحقه إن جازاه الله به. لكن أخبرنا أنه لن يجازي موحداً بهذا. ولن يخلد عاصياً فى النار. ما الدليل علي ما تقولون؟

اسمعوا للأحاديث التي استدل بمن خرج الأحاديث التي استدل بها الخوارج. فإذا كان (بياض) روي البخاري ومسلم. أخرج الطبراني. روي أحمد والبزار والحاكم. روي الشيخان. [من شرب الخمر فى الدنيا يحرمها في الآخرة] وهو كناية عن حرمانه من دخول الجنة. أخرج البخاري [من استرعاه الله رعية ثم لم يلحقها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة] أحاديث.. علي العين والرأس. روي الشيخان. [من قتل نفسه بحديده..] . [لا يدخل الجنة نمام..] (¬1) أحاديث ذكرتها معزوة للبخاري ومسلم ونحن أمنا بها وذكرنها. والله لا يرد حديثا منها إلا من هو ضال. أضل من حمار. لكن تعال: إذا كنت تأخذ برواية البخاري ومسلم وأئمة أهل السنة. فاسمع لهذه الروايات وأخبرنا ماذا سنفعل بها؟ ! ¬

_ (¬1) - قلت: قول شيخنا: فإذا كان البخاري. روي البخاري ومسلم ... الخ هذا في مسار المناظرة التي يقيمها شيخنا مع مؤلف الحق الدامغ ـ غيابياً ـ وهو هنا يقول: أي بما أنك تحتج لقولك بأحاديث أئمة الحديث كالبخاري ومسلم والإمام أحمد والبزار وغيرهم. فنحن نريد ألا نخرج عن نفس المصادر التي (بياض) بالأحاديث منها ـ وهي البخاري ومسلم وغيرها.. ـ وسنأتيك بأحاديث من هذه المصادر وتكون هي الحكم بيننا.

ثبت فى الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري. وبوب عليه البخاري فى كتاب الإيمان باباً يشير به إلي تفاوت المسلمين فى العمل الصالح فقال باب تفاصيل أهل الإيمان فى الأعمال وبعضهم يخطيء وبعضهم يحس. والحديث فى صحيح مسلم أيضاً. عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ثم يقول الله ـ إذن يقول متي؟ بعد أن دخلوا النار ـ: أخرجو من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في (بياض) (¬1) شك مالك ـ فينبتون كما تنبت الحِبَّة (¬2) في (بياض) السيل أو حميل السيل (بياض) تخرج صفراء ملتوية؟] هذا حديث في الصحيحين. وصرّح بأنهم يخرجون. فإذا كنت تؤمن ما رواه البخاري ومسلم ماذا تقول فى هذا؟ نكفر به؟ أم نجمع بين هذا وذالك؟ فأي الفريقين أهدي سبيلا؟ أهل البدع يستدلون بقسم ويكفرون بقسم ـ كما قلت لكم ـ هذا حالهم فى القديم والحديث يؤمنون بعض الكتاب ويكفرون ببعض. ¬

_ (¬1) - بالقصر: الحياة وهو الماء. وبالمد الحيا الذي هو استحياء. وهو الذي يحصل فيه انقباض نفس وانكماشها. شك مالك أي اللفظين نقله عن شيوخه عن النبي علية الصلاة والسلام وتحمله عنهم. بالقصر: الحياة: أو بالمد الحيا. وقال أئمتنا: الحياة وهو الماء. وهو المناسب للمعني، فيلقون فيه لأجل أن يزول الإسوداد الذي حصل لهم. (¬2) - الحِبَّة: جمع حَبَة. والحبة هي بزور مالا يؤكل. بزور الأعشاب التي تكون في البادية الحِبَّة جمع حَبَة. كما أن الَحَبّ وهو البر جمع حَيّة فالمفرد واحد في حبة القمح وحبة البزور التي تكون في البادية والبرية. لكن الجمع يختلف. جمع الحَبَّة (القمح) حَبّ. وجمع الجَبَّة (التي هي بزور النبات الذي لا يؤكل) حِبَّة. [كما تنبت الحِبَّة] أي بزور الأعشاب التي لا يأكلها بنو آدم. السيل عندما ينحسر ويبقي الطين أما ترون كيف يخرج العشب فيه؟ من البزور التي يحملها الماء. تمتليء الأرض خضرة.

وأمنا به كل من عند ربنا. حديث آخر رواه الإمام البخاري أيضاُ في صحيحة. وبوّب عليه فى كتاب الإيمان باباً يشير به إلي هذا فقال: باب في زيادة الإيمان ونقصانه، عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [يخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير (¬1) ويخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن بُرَّه (¬2) من خير، ويخرج من النار من قال لا اله إلا الله وفي قلبه وزن ذَرَّةٍ من خير (¬3) ] الحديث في صحيح البخاري ماذا تعمل به؟. كما قلنا إذن يدخل النار لكنه لا يخلد. هذا إن دخل. ¬

_ (¬1) - انتبه للترتيب في الوزن. (¬2) - وهي: القمح. (¬3) - وصحّف أبو بسطام ـ شعبة ـ شيخ المحدثين هذا اللفظ فقال: [وزن ذُرَةٍ] لأنه لما مرَّ معه ذكر الشعير والحب ظن أن هذه ذرَة. وهي: وزن ذَرَّةٍ. والمراد من الذَرَّة ـ كما قرر أئمتنا هي أقل الموزون. وقيل: هو ما يتطاير في شعاع الشمس. فيقال له: ذر. وقيل: هو صغار النمل. وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذرة أن تضع يدك علي التراب وأن تنفخها وما تطاير فهو (بياض) .وقال أئمتنا أربعة ذرات تعدل خردلة أهـ.

وثبت في مسند الإمام أحمد (¬1) ورواة أبو يعلي (¬2) والحديث حسن شواهده: عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [يقول بعض أهل النار وينادي ويستغيث ويصرخ ألف سنة: يا حنان يا منان. فيقول الله لجبريل ـ علي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ـ ليأتي بهذا الذي ينادي من ألف سنة. فيذهب جبريل. ـ علي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ـ ليأتي بهذا الإنسان. فيري أهل النار منكبين يبكون لا يميز واحداً من آخر فيقول: يا رب ما عرفته. فيقول: هو في مكان كذا فأتني به. فيحضره جبريل إلي ربنا الجليل ـ علي جبريل وعلي نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ـ فيقول الله لهذا العبد. كيف وجدت منزلك، ومقيلك يا عبدي؟ يقول: شر منزل وشر مقيل يا رب فيقول الله: أعيدوه إليها. فيقول: يا رب ما كان هذا ظني بك. يقول. وما كان ظنك؟ يقول. ظني إذا أخرجتني ألا تعيدني، فيقول الله: دعوه] (¬3) ماذا نفعل بهذه الأحاديث ومثلها كثير؟ والأمر حقيقة يستدعي أن نذكر شيئا من الأحاديث التي تفيد التواتر في هذا وأن فاعل الكبيرة إن عذب مآله إلي الجنة , ولن يخلد احد من عصاه الموحدين في النار الجحيم. ¬

_ (¬1) - في مسند أحمد 20/23 (¬2) - كما في (بياض) :10/384 (¬3) - قلت: الحديث له شاهد عند مسلم في كتاب الأيمان عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [يًخرج أربعة من النار، قال أبو عمران ـ أحد رواة الحديث ـ: أربعة وقال ثابت ـ راو آخر ـ: رجلان. فيعرفون علي الله، ثم يؤمر بهم الي النار، فيلتفت أحدهم فيقول: أي رب لقد كنت أرجو إذا أخرجتني منها ألا تعيدني فيها، قال فينجيه الله منها.] وله شاهد أيضاً عند الترمذي والبغوي من حديث أبي هريرة هذا الحديث. وسيأتي ذكره.

ثبت في الصحيحين وغيرها من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في حديث الشفاعه، وفيه يقول ربنا لنبينا عليه الصلاة والسلام: [ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فيقول: يا رب أمتي أمتي، فيقول: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حية من بُرَّة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلي ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً، فيقال لي: يا محمد. ـ علية الصلاة والسلام ـ ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها. فأنطلق فأفعل. ثم أعود إلي ربي فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً ـ للمرة الثالثة ـ فيقال لي: يا محمد ـ علية الصلاة والسلام ـ ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع. فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقال لي: انطلق فمن كان في قلبة أدني أدني أدني من مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل.] هذا الحديث رواه أنس - رضي الله عنه - للتابعين بعد وساطة. قال معبد بن هلال العنزي: انطلقنا إلي انس بن مالك وتشفعنا بثابت البناني (¬1) إلي انس ليحدثنا فنتهينا إلية وهو يصلي الضحي فأستأذن لنا ثابت فدخلنا علية واجلس ثابت معه علي سريره وقال له يا أبا حمزة إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك أن تحدثهم حديث الشفاعة فحدثهم بهذا الحديث يقول معبد فقلنا لو ملنا إلي الحسن فسلمنا علية وهو مستخف في دار أبي خليفة (¬2) ¬

_ (¬1) - ثابت البناني تلميذ أنس (¬2) - كان متخفياً من الحجاج في ذلك الوقت في البصرة..

فدخلنا علية فسلمنا علية قلنا أبا سعيد جئنا من عند أخيك أبا حمزة فلم نسمع بمثل حديث حدثناه في الشفاعة قال هيه ما هو؟ فحدثناه الحديث فقال هيه قلنا ماذا دنا؟ قال: قد حدثنا ـ يعني ماحدثنا إلا هذا الحديث ما له زيادة؟ قلنا ماذا دنا اقتصر إلي هنا (فقال الحسن البصري قد حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع (¬1) ولقد ترك شيء ما ادري: انسي الشيخ أم كرهه أن يحدثكم فتتكلوا؟ فقلنا له حدثنا فضحك وقال: خلق الإنسان من عجل. ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن احدثكموه قال: ثم ارجع إلي ربي ـ في الرابعة ـ فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً. فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع. فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. قال: فليس ذلك لك. أو قال الله له: ليس ذلك إليك. ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من قال لا إله إلا الله (¬2) ] أي هذه شفاعتي الأن ليست شفاعتك ـ قال فأشهد علي الحسن انه حدثنا به انه سمع انس ابن مالك أراه قال: قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع. الحديث في الصحيحين فماذا نفعل يا صاحب كتاب " الحق الدامغ "؟ نردّه؟ نرد هذا الحديث وندمغه، وهو كلام النبي علية الصلاة والسلام. ¬

_ (¬1) - بياض (¬2) - أي ما عنده الآن أدني أدني أدني ذرة من خير، مجرد: لا اله إلا الله. ثبت في مسند البزار وغيره والحديث في درجة الحسن: [من قال لا اله إلا الله نفعه يوماً من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه] . أهـ

حديث آخر: رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يمتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس إصابتهم النار بذنوبهم، أو قال: بخطاياهم، فأماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحماً إذن بالشفاعه فجيء بهم ضبائر ضبائر (¬1) ، فبثوا علي انهار الجنة، ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، فقال رجل من القوم: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان بالبادية (¬2) ] حديث آخر: في سنن الترمذي وقال: حسن صحيح. عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يعذب أناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونون فيها حمَمَاً ـ فحماً محترقاً ـ ثم تدركهم الرحمة فيخرجون منها فيطرحون علي أبواب الجنة، فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبوت كما ينبت الغثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة] (¬3) . حديث آخر: في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إن قوماً يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم حتى يدخلوا الجنة] . ولا يعذب الله وجوه الموحدين لأمرين: إما سجدوا لله في حياتهم وصلوا له، ولو قدر أنه لم يحصل. فهذه الوجوه ستري رب العالمين في النهاية، فلا يجعل الله عليها أثر مساءة ومذلة إكراماً لما سيحصل لهذه الوجوه من الكرامة، لا تتغير الوجوه (¬4) . ¬

_ (¬1) - يعني جماعات جماعات، أفواجاً أفواجاً (¬2) - يعني يعرف أحوال الزورع والحشائش والنباتات. (¬3) - قلت: الحديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه وأحمد في المسند والبغوي في " شرح السنة ". (¬4) - فدارات الوجوه تبقي بيضاء. والباقي فحماً محترقاً.

حديث آخر: في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[يخرج من النار قوم بالشفاعة كأنهم الثعارير قلنا: وما الثعارير؟ قال: الضغابيس] ما الثعابير والضغابيس؟ هي صغار القثاء ـ من فصيلة الخيار ـ إشارة إلي أن أجسامهم هزيلة ضعيفة من كثرة العذاب، وفي رواية: [إن الله يخرج ناساً من النار فيدخلهم الجنة] وفي أخري: [إن الله يخرج قوماً من النار بالشفاعه] . وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [يخرج قوم من النار بشفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيدخلون الجنة، ويسمون الجهنميين (¬1) ] (¬2) وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [يخرج من النار قوم بعد ما مسّهم منها سفْعٌ. فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة: الجهنميين] .وهذا في أول الأمر ثم يزول عنهم الاسم بعد ذلك. ¬

_ (¬1) - أي الذين كانوا في جهنم (¬2) - قلت: روي الحديث أيضاً؟ ابن ماجة والبغوي. وللإمام أجمد والبخاري والبغوي أيضاً بنحوه عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [بياض من النار بذنوب أصابوها عقوبة ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، فيقال لهم: الجهنميون.]

والأحاديث في هذا كثيرة أختمها بحديث الترمذي الذي هو حسن بشواهده. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن رجلين ممن دخلا النار يشتد صياحهما فقال الرب: أخرجوهما، فقال لهما: لأي شيء إشتد صياحكما؟ قالا: فعلنا ذلك لترحمنا. قال: فإن رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار. فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه، فيجعلها الله علية برداً وسلاماً، ويقوم الآخر فلا يلقي نفسه، فيقول له الرب تبارك وتعالي: ما منعك أن تلقي نفسك كما ألقي صاحبك؟ فيقول: رب أني لأرجو ألا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني، فيقول له الرب ـ تبارك وتعالي ـ: لك رجاؤك فيدخلان جميعاً الجنة برحمة الله] هذه الأحاديث. ماذا نعمل بها؟ أنا أريد أن أعلم: إذا كنت تؤمن بصحيح البخاري والترمذي وغيره، ماذا تعمل بهذه الأحاديث؟؟. إخوتي الكرام: أنظروا الموقف أهل السنة المهتدين، قال أهل السنة: من آتي ببدعة مكفرة. فنفي لله صفه ثابته. أو قال شيئاً بتأويل (¬1) لكن حكم عليه بالكفر، يقول المحققون من أهل السنة: مع أننا حكمنا عليه بالكفر لن يسوى الله بينه وبين الكافر الحقيقي. فهذا أتي ببدعة مكفرة. فلآجل الحكم الظاهري قلنا أنه كافر. لكن هذا سجد لله وصام وصلي. لكنه من هؤلاء الجهميه، يقول: القرآن مخلوق. الله لا يتصف بصفه، الله ما قدّر شيئاً.... من أهل البدع الذين قالوا بدعاً كثيرة وضلوا فحكم عليهم بالكفر لأجل بدعتهم المكفرة. في موضوع الخلود في النار قال أئمتنا: (بياض) نمسك , فأمرهم إلي الله. وبعضهم قال: نرجوا لهم أن يخرجون مع أننا حكمنا عليهم بالكفر. لأن ظاهر الحكم في الدنيا ينطبق عليهم أنهم كفار. ¬

_ (¬1) - الصفة ثابته ونفاها. لكن له تأويل (بياض) .

أنظر للإمام الذهبي في ترجمة العبد المخذول بشر المريسي (¬1) ـ من قضاة وأركان المعتزلة من الجهميه ـ يقول في ترجمة: هذا بشر الضلالة والشر. كما أن بشر الحافي هو بشر الهدي والخير. وهكذا أحمد بن أبي دؤاد هو أحمد الضلالة. كما أن احمد بن حنبل هو أحمد الهداية. وختم الإمام الذهبي ترجمة بشر بقوله (¬2) ومن كُفَّر ببدعة وان جلّت ليس هو مثل الكافر الأصلي ولا اليهودي والمجوس. أبا الله أن يجعل من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر وصام وصلي وحج وزكي، وإن ارتكب العظائم وضل وابتدع كمن عاند الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعبد الوثن ونبذ الشرائع وكفر. ولكن نبرأ إلي الله من البدع وأهلها. أهـ. نبرأ: لا شك فيه، لكن مع هذا من كُفَّر اعتقادنا: لن يجعل الله مآله في النهاية كنهاية الكافر الأصلي واليهودي والنصراني والمجوس ومن عاند الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعبد الوثن. كيف سيجعل الله من وحده كمن جحده وكفره؟ ّ أسال الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا وأن يرزقنا إيماناً كاملاً ويقيناً صادقاً وأن يرزقنا استقامة علي الإيمان والعمل الصالح وأن يفرج كروبنا وأن يغفر ذنوبنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام تقدم معنا أن الذنوب تنقسم إلي ثلاثة أقسام، علي بعض الاعتبارات فهي إما أن تكون في دائرة إذا وقع الإنسان فيها لا يغفر له. وهو يخلد في نار جهنم. وهذا في معصية الشرك. وإما أن تكون المعصية التي يقع فيها لا بد من وقوع المقاصة عليها والعقوبة. وهي إذا كانت بين العبد وبين العباد والمخلوقات. والأمر الثالث: إذا كانت بين العبد وربه فيما بينه وبين خالقه مما ليس بشرك. فالعفوا فيه أقرب. كما تقدم معنا. ¬

_ (¬1) - في سير أعلام النبلاء: 10/220. والَمرٍيٍٍسٍٍيٍ بالتخفيف. والبعض ينطقها: (بياض) ، وهو غلط. (¬2) - وهذا الكلام ـ خاصة طلاب العلم ـ انتبهوا له في هذا المكان وقيدوه ولا يغيب عنكم طرفة عين

وقلت أيضاً: إن الذنوب علي كثرتها وتنوعها لا تخرج عن شكل من أشكال أربعة: إما أن تأخذ شكل الاتصاف بالصفات البهيمية. أو الصفات السبعيه. أو بالصفات الشيطانية. أو أن يتصف المخلوق بما لا ينبغي له أن يتصف به من الصفات التي هي خاصة بربنا جل وعلا كالكبر وحب المدح والعظمة وغير ذلك. والآن أقول: الذنوب تنقسم ـ أيضاً ـ إلي أربعة أقسام: ذنب لا يغفره الرحمن وهو الشرك والكفر وذنب تقدم معنا أن الله جل وعلا يغفره لعبده بشرط وهو الصغائر، تغفر بشرط اجتناب الكبائر ((إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا)) (¬1) الشرك لا يغفر. والصغائر مغفورة بكرم الله إذا إجتنب الكبائر. بقي معنا نوعان من أنواع الذنوب: الكبائر والبدعة. وعلي صاحب هاتين المعصيتين سنتكلم الآن: صاحب الكبيرة وصاحب البدعة لا نخرجه من حظيرة الإسلام. ولا نحكم عليه بالخلود في النيران مهما كانت بدعته إذا لم تكن مكفرة، وفيها إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة. وهكذا في حق فاعل الكبيرة إذا لم يستحل هذه المعصية فلا نحكم علية بالكفر ولا نقول إنه مخلد في نار جهنم، ففاعل الكبيرة والمتلبس ببدعة هو لا يخرج من الإيمان في هذه الحياة. ومآله إلي نعيم الجنات بعد الممات مهما عذب في نار جهنم. ولن يخلد موحد من الموحدين (¬2) . فمن حُكِمَ عليه أيضاً بالكفر من أجل بدعته بما أنه صدر منه توحيد لله جل وعلا. وصدر منه شيء من الطاعة. لكنه ضل في بعض الجوانب. بما أنه له اسم الإسلام، نرجو له أن يدخله الله غرف الجنان في المآل. ولا يخلد في النار، كحال اليهودي والنصراني وسائر الكفار الأشرار. وعليه إخوتي الكرام: ينبغي أن نحذر أمرين إذا كنا من أهل الإيمان: الأمر الأول: ألا نكفر أهل الإسلام. الأمر الثاني: ألا نحكم لواحد منهم بالخلود في النيران. ¬

_ (¬1) - النساء: 31 (¬2) - كما سبق كلام الإمام الذهبي.

هذان الأمران ينبغي أن يكونا علي بالنا، لا سيما في هذا الزمان، لا نحكم علي مسلم بالكفر مهما فعل من المعاصي والقاذورات إذا لم يستحل. ولا نحكم علية بالخلود في النار، أمره مفوض إلي ربه جلا وعلا. ? أما الأمر الأول إخوتي الكرام: فقد ذكرت أدلته. إنما أريد أن أوضحه زيادة إيضاح هنا: الحكم علي الناس بالكفر إذا لم يستوجبوا ذلك، الحكم علي الناس بالكفر إذا فعلوا المعاصي والموبقات، كبير خطر فظيع، خذرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - منه. ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين وموطأ الإمام مالك وسنن الترمذي، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث أخرجه البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من قال لأخية يا كافر فقد باء بها أحدهما] وفي رواية [إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان قال، وإلا رجعت عليه.] أي إذا كان هذا المقول له هذه المقولة كافراً في الحقيقة فقد أخبر إذن عما ينطبق عليه الحال، وعما يتصف به الإنسان، وإذا لم يك يكن المقول له هذه المقوله كافراً يرجع شؤم هذه المقاله علي قائلها [إن كان كما قال وإلا رجعت عليه] وفي رواية البخاري عن أبي ذر - رضي الله عنه - عنه [إن كان كما قال صاحبه، وإلا ارتدت عليه إذا لم يكن صاحبه كذلك] . فإذن من قلت عنه إنه كافر، كافراً في الحقيقة فقد انطبق علية هذا الوصف، وأخبرت عن الحكم الذي ينطبق عليه ويتصف به، وإذا لم يكن الأمر كذلك ترجع علي القائل هذه الكلمة ويكون شؤمها ووزرها قبحها علية.

إخوتي الكرام: وليس في الحديث تعلق لأهل الضلال، لأن من ارتكب كبيرة فهو كافر. لأن النبي علية الصلاة والسلام أخبرنا أن الذي يقال له هذه الكلمة إذا لم تكن كافراً ترجع هذه الكلمة علية الصلاة والسلام أخبرنا أن الذي يقال له هذه الكلمة إذا لم تكن كافراً ترجع هذه الكلمة إلي القائل. وإذا رجعت إلية هو غاية ما فعل أنه فعل كبيرة، فهل يكفر بكبيرته؟ لا. تعليلنا لهذا الحديث ما عللنا الأحاديث السابقة، وجمعنا بينها وبين كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقول: من عرف من غيره الإسلام، ولم تقم عنده شبهة في تكفيره ثم استحل تكفير وأطلق عليه لفظ الكفر فهو كافر حقيقة. وأما إذا قام عنده شبهة أو لم يستحل إطلاق هذا اللفظ عليه. إنما قاله من باب المشاتمة والمسابّه , فيبقي أن هذا الأمر عاد عليه. لا لأنه كفر كفراً يخرجه من الملة، وهو كفر جحود المنعم، إنما كَفَرَ كُفْرَ النعمة وجحود النعمة كما تقدم. معنا وهو الذي يقال له كفر دون كفر. أو يُخش عليه إذا أطلق هذا الفظ علي من لا يستحقه أن يتصف بالكفر في المستقبل خشية أن يستحل هذا فيقع في الكفر، أو أن نقول رجعت عليه نقيصة قوله وشؤم قوله ومعصيته دون أن يكون كافراً خارجاً من الملة، أو أن نقول: إنه أطلق عليه هذا من باب الزجر والتغليظ بما يخلع القلب، لئلا يقع الإنسان في هذه المعصية الشنيعة الكبيرة. يوضح هذه ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ثابت بن الضحاك - صلى الله عليه وسلم - ـ وكان من أهل بيعة الشجرة رضي الله عنهم أجمعين ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لعن المؤمن كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله] . وتقدم معنا أن قتل مؤمنا ولم يستحل قتله فاعل كبيرة، وأمره مفوض إلي الله جل وعلا. أخوني الكرام: وقد حذرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - من أطلق لفظ الكفر علي من لا يستحقه. وأخبرنا أننا إذا تساهلنا بهذا سنتطاول بعد ذلك إلي شيء آخر وبالتالي سنخسر الدنيا والآخرة.

عندما نكفر فاعل الكبيرة ونحكم عليه بالكفر، ماذا سيترتب علي هذا؟ استحلال دمه. وما حصل هذا بين المسلمين في هذا الحين إلا عندما كفر بعضهم بعضاً، فأستحل بعضهم دماء بعض، وترى أحيانا بعض الأخوة المسلمين الذين يجمعهم حب واحد أحياناً في الدعوة إلي الله جل وعلا. به يختلفان في أمر، فيكفر الواحد منهما الآخر. ثم ماذا يترتب علي هذا؟ استحلال دمه. وقتله بعد ذلك..! وهذا حقيقة من أعظم الفظائع وأقبح الكبائر فإذا تساهلنا في إطلاق لفظ الكفر عل فاعل الكبيرة أو علي المبتدع (بياض) دمه وذلك أمر خطير!! ولذلك حذرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - من هذا. ففي الصحيحين وسنن أبي داود من حديث المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - قال: [قلت يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أرأيت إن لقيت مشرفاً فقاتلته وقاتلني فضرب احدي يدي فقطعها ثم لا ذمني بشجرة وقال: أسلمت لله. أأقتله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لا (¬1) . فقلت: يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ إنه قطع يدي! فقال: إن قتلته بعد أن قال أسلمت لله فأنت بمنزلته قبل أن يقول تلك الكلمة، وهو بمنزلتك قبل أن تقتله.] أي هو من أهل التوحيد ويموت إلي الجنة , لأنه يموت شيهداً، وأنت بعد ذلك –ترتكب موبقة وكبيرة. إنما يقصد ما أشار إليه الإمام الخطابي علية رحمة الله:: [أنت بمنزلته] يعني دمك حلال هدر عندما تقتله بعد أن يقول أسلمت لله، فإذا قتلته يصبح دمك هدراً ومباحاً كما كان دم هذا المشرك هدراً ومباحاً، ولا يقصد نبينا عليه الصلاة والسلام أن القاتل في هذه الحالة كافراً، إلا إذا استحل، فهذه مسألة ثانية. ¬

_ (¬1) - مع انه عندنا قرينه أنه آمن تقية من أجل أن يتخلص من ضربة السيف

فانتبة أخي المسلم كيف حذرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - من التساهل في إطلاق هذه الأحكام، لأنني عندما يقول: أسلمت له. ويقوم في ذهني وفي قلبي من المعاني التي لا يرضاها الله فأقول: لعله أسلم تقيه، لعله أسلم خوفاً من السيف.. أنا شققت عن قلبه؟؟ فأنا عندما أبقية في وقت الكفر، ولا أقبل إسلامه، هذا يدعوني إلي ضرب رقبته بعد ذلك، وهذه جناية عظيمة.

وثبت في الصحيحين أيضاً وسنن أبي داود من حديث أسامة بن زيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن حبّه رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة أجمعين. قال: [بعثنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بسرية فنذروا (¬1) فتفرقوا وانصرفوا. فلقينا واحداً منهم، فتبعناه فلما غشيته وتجليته بالسيف قال: أشهد ألا اله إلا الله. قال أسامة. فضربته فقتلته. ثم جئت إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبرته. فقال النبي علية الصلاة والسلام: من لك بلا اله إلا الله، وصار من الموحدين كيف قتلته؟ [فقلت يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: إنما قالها مخافة السلاح] وحقيقة عنده قرينة علي أنه قالها مخافة السلاح، يضاف إلي هذا عنده قرينه أخري، أنه قال هذه الكلمة إيمان المضطر، كإيمان فرعون، فصار حاله كحال المحتضر إذا وصلت روحة إلى الحلقوم علي حسب اجتهاده. أي هذا ما بقي علية إلا لحظات حتى تقطع رقبته ويموت فإذن إيمانه إيمان اضطراري ليس فيه اختيار. فلا يقبل عند العزيز الغفار، فعند أسامة - رضي الله عنه - شيء من التأويل؟. فقال النبي علية الصلاة والسلام: [أفلا شققت عن قلبه لتعلم مِنْ أجل ذلك قالها أم لا؟ ثم أعاد النبي علية الصلاة والسلام عليه: من لك بلا اله إلا الله يا إسامة.. حتى قال أسامة - رضي الله عنه -: تمنيت أنني لم أكن أسلمت إلا يومئذ لعظم معاتبته النبي علية الصلاة والسلام إياي] مع انه ـ إخوتي الكرام ـ كما قلت عنده قرينه واضحة علي انه قالها مخافة السلاح. عندنا بعد ذلك تعليل ثان علي أنه قالها في حال الاضطرار فحاله كحال فرعون فإيمانه لا يقبل. لكن هل نحن نعلم ما في القلوب؟ لا يعلم هذا إلا علام الغيوب لنا الظاهر والله يتولى السرائر: فإذا قال لا اله إلا الله كفّ عنه. ¬

_ (¬1) - أي نَذِرَ هؤلاء الناس المشركون وعلموا بأننا جئنا.

فكيف بمن يقول: لا اله إلا الله محمد رسول الله علية الصلاة والسلام. ويصوم ويصلي ويدعوا إلي الله، واختلف معه في مسألة من المسائل كفرته ثم سعيت بعد ذلك في إراقه دمه؟ ! هذا والله مما يقصم الظهور. فاحذروه أخوتي الكرام في هذه العصور التي نعيش فيها. كفوا عن أهل لا اله إلا الله. فحذار حذار أن تطلقوا عليهم لفظ الكفر. وإذا جرى منهم شيء من الوزر، فيبقي أنهم عصاه لا يستحقون ـ كما تقدم معنا ـ الاسم المطلق للإيمان. فهذا لا تصرف إلا إلي الكامل التقي، إنما لا ننفي عنهم مطلق الاسم فنقول، مؤمنون عصاه مؤمنون ـ مسرفون، أمرهم مفوض للحي القيوم، فإذن هذا الأمر يجب أن نحذره: عدم تكفير المسلمين. ? الأمر الثاني: عدم الحكم عليهم بالخلود في نار الجحيم. إخوتي الكرام: تقدم معنا حديث نبينا علية الصلاة والسلام بأن [من قال لا اله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه] والحديث رواة الإمام البزار والطبراني في الصغير والأوسط. والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من قال لا اله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه] . وتقدم معنا أن بعض العصاة يصيح في النار ألف سنة يا حنان يا منان (¬1) .... ثم تنفعه بعد ذلك هذه الكلمة ويخرجه الله من دركات النبران. فمن قال لا اله إلا الله نفعته يوماً من دهرة.. وإياك إياك أن تنصب نفسك حكماً علي العباد. فتقول: هذا في الجنة وهذا في النار. وأنت لا تعلم مصيرك إلي أي الدارين ستصير. فاتق ربك واعرف قدرك. ¬

_ (¬1) - راجع الحديث صفحة 124.

ثبت في مسند أبي داود. والحديث رواة الإمام أحمد وبوب عليه الإمام أبو داود في كتاب الأدب باباً لطيفاً يشير به إلي ما نحن بصده فقال: باب النهي عن البغي. كأنه يشير بهذا الباب إلي أن من حكم علي مؤمن بالنار فقد بغي عليه واعتدي. لأن هذا غيب لا يعلمة إلا الرب , والحديث سنده صحيح جيد كما قال الإمام زين الدين عبد الرحيم الأثري العراقي عليه رحمة الله (¬1) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين. أحدهما يذنب والأخر يجتهد في العبادة. فكان إذا مر المجتهد في العبادة علي أخيه المذنب المقصر يقول له: يا هذا اتق الله واقصر ـ وهذا واجب عليه. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح ـ فكان المسرف المقصر يقول: يا هذا خلني وربي. فإن الله ما بعثك عليّ حسيباً ولا رقيباً] وفي هذا الكلام مخطيء قطعاً لكن ما يقول لك ذاك إنه رقيب وحسيب، إنما ينصحك ويحذرك. رقيبك وحسيبك هو الله جل وعلا. وأنت لا يجوز أن تتعلل بالقدر في فعل الأوزار والمنكر كما انك لا تعلل بالقدر في البقاء علي الجوع. الجوع بقدر الله أم لا؟ ندفعه بأي شيء؟ بالطعام. بقدر الله أم لا؟ ندفع القدر بالقدر. والمعصية بقدر الله أدفعها بالتوبه والطاعة، [واتبع السيئة الحسنة تمحها] وهذا حال المؤمن. لكن أهل الأرض الحمقى إلا من رحم (بياض) أقدار الله فيما يتعلق بالدنيا (بياض) الله وأما فيما يتعلق بمعاملة الآخرة فركنوا إلي الغرور والي الشيطان الغرور، فتقول لأحدهم: كف عن المعصية، يقول: قدَّر الله عليّ. وتقول له: ابق جائعاً يقول: أمرني ربي ـ الله ـ بالسعي ّ طيب لماذا هنا لا تصبر علي القدر ودفع القدر بالقدر. وهناك تركن إليه وتتواكل وتتخاذل؟. ¬

_ (¬1) - في تخريج أحاديث الإحياء.

ولذلك أهل الحق يدفعون قدر الله بقدر الله جل وعلا طلباً لرضوان الله جلا وعلا كما قال الشيخ عبد القادر الجيلاني علية رحمة الله: كان الناس إذا وصلوا إلي بحث القدر وقفوا يقول: وأما أنا فانفتحت لي رَوْزَنَة (¬1) فنازعت أقدار الحق بالحق للحق أي تركت المعصية بما يقابلها من الطاعة طلباً لرضوان الله. والتقي هو الذي ينازع أقدار الله بأقدار الله طلياً لرضوان الله جل وعلا. [فمر عليه في يوم من الأيام فرآه في معصية فقال: يا هذا أقصر , فقال: خلني وربي. ما بعثك الله عليّ حسيباً ولا رقيباً. فقال له أخوه المجتهد: والله لا يغفر الله لك. أو قال: لا يدخلك الجنة] هذا من حقك؟ هذا ليس من حقك، أنت لست إلا له لتنزل الناس في جنة أو في النار. نعم عليك البلاغ. وأما ما عدا هذا فقف عند حدّك. ليس من حقك أن تقول: الله لن يهديك، وليس من حقك أن تقول: الله لن يغفر لك وليس من حقك أن تقول: الله لن يدخلك الجنة.. قل: يا عبد الله أخشي عليك من ناره ولعنته. أما أنك تقول: أنت من أهل اللعنة وأهل النار! من الذي أطلعك علي ما في غيب العزيز الجبار - سبحانه وتعالى -؟؟. ¬

_ (¬1) - يعني طاقة ونافذة.

يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [فإذا كان يوم القيامة أتي الله جل وعلا بهذين الأخوين المتآخين. فيقول للمقصر المسرف اذهب فادخل الجنة برحمتي. ويقول للمجتهد: أكنت بي عالماً. أو كنت علي ما في يدي خازناً ـ وفي رواية أبي داود: أو كنت علي ما في يدي قادراً (¬1) ـ اذهب فادخل النار. قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لقد قال كلمة أوبقت دنياه وأخرته] . فاتق الله في نفسك، وقف عند حدك. الله لا يغفر لك الله لا يدخلك الجنة، الله سينزلك قعر جهنم.. هذا ليس في علمك. وليس في وسعك. فلا تشتط وتنزل نفسك منزلة الله جل وعلا لتحكم علي العباد بجنة أو نار. فاحذروا وتجنبوا تكفير المسلمين، واحذروا وتجنبوا تخليد العصاة في نار الجحيم. أو الحكم عليهم بأنهم لا يدخلون جنة النعيم. ومن يمت ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض إلي ربه. لكننا نرجوا فقط للمحسن الجنة، ونخش علي المسيء من النار، ولا نجزم لهذا بذلك، ولا نجزم لهذا بتلك الدركه، إنما هنا نرجو، وهنا نخشى. ¬

_ (¬1) - أي أنت كنت بي عالم أو أنت الخازن لما في يدي والقادر علية تدخل هذا جنات النعيم وهذا الجحيم؟ أهذا في وسعك؟ أنت الخازن وأنت القادر وتتصرف في ملكي؟ !.

هذا الأمر إخوتي الكرام لا بد من أن نعيه في هذه الأيام. لا نطلق تكفيراً علي مسلم من المسلمين ولا نحكم علي واحداً منتهم بنار الجحيم، ولا يعني أننا إذن نخالط المبتدعين ونوافقهم ونكون معهم. وهكذا أيضاً العصاة، ونقول: بما أن أمرهم لا يعلمة إلا الله فلا ننكر عليهم ما هم فيه لا ثم لا. لا وحدة إلا علي التوحيد: ولا اتفاق إلا علي طاعة الله المجيد. ليس بيننا وبين أحد وحدة واجتماع إلا علي طاعة الكريم الخلاق - سبحانه وتعالى -. لكننا نحن لا نتهم ولا نظلم. فمن ظهر منه الإيمان حكمنا عليه بالإيمان ومن ظهر منه الفسوق والعصيان حكمنا عليه بذلك دون أن نتجاوز الحدود التي شرعها الرحمن فلا ظلم ولا طغيان. فالعاصي عاصي ليس بكافر، والمؤمن هو صالح، مؤمن صالح، ونحكم علي الناس حسبما يظهر منهم فلا إتهام ولا ظلم ولا عدوان، إن عصي الله نحكم عليه حسبما ظهر منه فلا داعي بعد ذلك لنبذه بأنه كافر، ولا داعي للحكم عليه بأنه من أهل النار فهذا لا يعلمة إلا العزيز الغفار، نعم نزن بالقسطاس المستقيم، لا نوالي المبتدعين، وهكذا أيضاً لا نكفرهم ونحكم عليهم بالخلود في نار الجحيم. ديننا يأمرنا ألا نُفْرِطَ وألا نُفْرِطَ يجب علينا ألا نهوّل ولا نهوّن، وأن نزن بميزان الله جل وعلا. فالعاصي عاصي والتقي تقي والمبتدع مبتدع , فهولاء ما خرجوا من حظيرة الإسلام. وأمرهم مفوض بعد ذلك إلي الرحمن أما: من ابتدع ببدعة خرج من الإسلام ويخلد في النيران، من فعل كبيرة خرج من الإسلام ويخلد في النبران....

هذا حقيقة من باب الشطط كما انه يقابله شطط آخر الذي فيه تفريط كما إن ذاك فبه إفراط ـ نقول: مبتدع أخونا ونحن منه وهو منا! وصاحب الكبيرة نؤاكلة ونباسطه ونضاحكه ولا ننكر عليه حاله لأنه قد يكون في عليين ّ هذا ضلال وذالك ضلال ولا بد من تحكم ذي العزة والجلال في جميع الأحوال نحب المؤمن بمقدار ما فيه من طاعة الله ونكرهه ونبغضه بمقدار ما فيه من معصية لله. ولا يدعونا أن نغلب أحد الجانبين علي حسب عواطفنا وأهوائنا وميولتنا الشخصية. إنما نزن الناس بالقسطاس المستقيم إذا ابتدع أبغضناه لأجل بدعته. لكنت بقي بيننا وبينه ولاية عامة , هو مؤمن ونحن مؤمنون، وإذا فعل كبيرة أبغضناه لأنه عاص. وبقي بيننا وبينه ولاية عامه فهو مؤمن ونحن مؤمنون. وأما أنه ابتدع نستحل دمه. وأنه أتي بكبيرة نستحل دمه ثم نحكم عليه بالخلود في النيران!! فهذا والله هو أعظم الشطط والخسران. لا تهويل ولا تهوين. لا اتهام ولا ظلم ولا عدوان. لا إفراط ولا تفريط. نزن بالقسطاس المستقيم. إخوتي الكرام: وينبغي؟ أن نعلمه أيضاً علم اليقين أن الحكم علي القول وعلي الفعل بأنه بدعة أو انه ضلال وكفر. لا يلزم من هذا أن يكون القائل والفاعل مبتدعاً أو ضالاً. أو كافراً. هذا لا بد من وعيه. هذا الفعل كفر. ليس كل من فعله هو كافر. وهذا الفعل بدعة ليس كل من فعلة مبتدع كيف هذا؟ هذا قرره أئمة الإسلام وشهدت له أصول الشريعة الحسان:

أولا: لا نحكم علي الإنسان أنه عصي وأنه ابتدع إلا إذا قامت عليه الحجه. ولا نحكم عليه بأنه كفر وارتد إلا إذا قامت عليه الحجة، إنسان أسلم ثم بدأ يشرب الخمر، قلنا: لم تشرب؟ قال الخمر حلال. نأخذ السيف ونضرب رقبته ونقول استحل ما حرم الله؟ هو يجهل هذا ولا بد من تعليمة وإقامة الحجة علية فكون الخمر حراماً عندنا وذاك يجهل حكمها لا يعني أنه عندما يستحلها فهو كافر. مع أننا نحن نقول: استحلال الحرام كفر. لكن بعد قيام الحجة علي المستحل. فإذن لا بد من أن يبلغه الحكم وأن يعلمة. ثانياً: لابد في حال بلوغه أن يثبت عنده من وجه معتمد. وأن تبلغه هذا بنص صحيح ثابت في كتاب الله وسنة نبيه علية الصلاة والسلام. وإذا قال أنا في شك من نقلك فما قامت علية حجتك. لا بد إذن أن تقوم عليه الحجة التي بها يقطع عذر الإنسان. وأما إذا شك في خبرك. وأنت تنتقل تحريم الخمر، وأنا لا أثق بك. لا بد الآن من إيضاح الأمر له عن طريق غيرك وغيرك ليتضح له الحق ويثبت عنده من طريق واضح. إذن قد لا يكون بلغة هذا الأمر قد يبلغه ولكن لم يثبت عنده. ثالثاً: قد يبلغة ويثبت عنده لكنه لم يفهمه علي وجه التمام، فلا بد إذن من أن يكون عنده فرصة لأجل أن يستوعب هذا الأمر، وأن يقول: فهمت، والنص ثبت عندي، وبلغني، ومع ذلك أستحل الحرام، فهو كافر.

رابعاً: إذا بلغه وثبت عنده وفهمه. لا يعتبر كافراً إذا تركه من أجل عذر قام عنده من الأعذار التي يراها عارضة لهذا الحكم، فبقي عنده شبهة، فيقول: أنا عندي ما يعارض هذا من أمور أري أنني إذا سلمت بهذا يلزم من ذلك محذور ويلزم من هذا مشكلة، ويلزم من هذا ضلال، وهذا هو حال المبتدعة، عندما (بياض) ويقول: القرآن مخلوق، تقول له: القرآن كلام الله، يقول: يلزم من هذا تعدد القدماء! كيف يكون هذا كلاماً لله جل وعلا والله يقول ((اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)) (¬1) وهو شيء من الأشياء؟ هذا الكلام ضلال لا شك فيه، ونحن نقول: الله بصفاته خالق كل شيء وكلامه صفه من صفاته. فالصفة إذن ليست مخلوقه. إنما تتبع الموصوف - سبحانه وتعالى -. لكن هو عندما يقول هذا الحجة بلغته وثبتت عنده. وفهمها لكن هو يقول: أنا عندي شبهة. حولها تدعوني لهذا التأويل الذي أقوله. فماذا نقول؟ لا نقول إنه مهتد، نقول: هذا القول ضلال. ولا نحكم عليه بالكفر وبعد ذلك أمر هذا الإنسان يفوض إلي ربه جل وعلا. وهذا المبحث إخوتي الكرام قرره الإمام ابن تيمية (¬2) عندما تكلم علي هذا المسألة يقول: وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبه لمعرفة الحق. وقد تكون عنده ولم تثبت عنده ـ أي بلغته ولم تثبت عنده ـ أو لم يتمكن من فهمها. وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ. فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان سواء كان ذلك في المسائل النظرية أو العملية. هذا الذي عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجماهير أئمة الإسلام. ثم قرر هذا بأحاديث ثبتت عن نبينا علية الصلاة والسلام. ¬

_ (¬1) - الرعد: 16 (¬2) - في خمس صفحات متتالية في مجموع الفتاوى في الجزء 23/345 ـ350 فانظروا إلية لزاماً، فهو حقيقة مما ينبغي أن ينقشة طلبة العلم في هذه الأيام علي القلوب.

ثبت في الصحاح عن النبي علية الصلاة والسلام حديث الذي قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني الله عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين. فأمر الله البر والبحر برد ما أخذ منه. وقال: ما حملك علي ما صنعت؟ قال خشيتك يا رب، فغفر الله له (¬1) . فهذا شك في قدرة الله وفي المعاد. ظن أنه لن يعود، وأنه لا يقدر الله عليه إذا فعل ذلك. وغفر الله له. وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع، ثم بعد ذلك بقول: بل نصوص الإمام أحمد صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم. وإنما كان يكفر الجهميه المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول علية الصلاة والسلام ظاهرة بيّنه. ولأن حقيقة قوله تعطيل الخالق. وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم. وأنه يدور علي التعطيل، (بياض) وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة، وتقدم معنا أخوتي الكرام في حكم فاعل الكبيرة في الدنيا وفيما يتعلق بحالة في الإيمان. قلت: أظهر القولين كما قال الإمام أبن تيمية: أن الجهمية أيضاً لا يكفرون كفراً يخرجهم من الملة. إنما أطلق عليهم هذا من باب كفر دون كفر. أي سيؤدي بهم في النهاية إلي الكفر، أو ما شاكل هذا من التعليلات التي ذكرناها. ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث في صحيح البخاري ومسلم والموطأ وشرح السنة للبغوي وغيرها. وهو مروي من غير واحد من الصحابة منهم أبو سعيد الخدري. وأبو هريرة - رضي الله عنهم - أجمعين

فإذن القول قد يكون بدعة، وقد يكون ضلالاً وكفر، ولا يحكم علي قائلة بأنه مبتدع أنه ضال، كافر، لعذر قام عنده، أما أنه ما ثبت عنده النص، ما بلغه، بلغه ولم يثبت عنده، بلغة وثبت عنده لم يفهمه وما استوعبه، بلغه وثبت عنده وفهمه لكن عنده شبهة يعذر بها ويعارض هذا، وبذل ما في وسعه للوصول إلي مراد ربه. أمره يفوض إلي الله جل وعلا. فإذن لا بد من التريث في أمة محمد علية الصلاة والسلام وفي المسلمين وألا نكفرهم، وأن نحكم عليهم بنار الجحيم. الإمام ابن تيمية كتابة " شرح حديث النزول " وهو حديث متواتر عن نبينا الرسول علية صلوات الله وسلامة، بأن الله ينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر فيقول: [من يدعوني فأستجب له. من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. حتى يطلع الفجر (¬1) ] الإمام ابن تيمية علية رحمة الله في شرح هذا الحديث (¬2) تعرض حقيقة لمسألة مهّمة ترتبط بهذا، وهي الحكم علي القول بأنه كفر وضلال وبدعة لا يلزم أن نحكم علي القائل بأنه كافر وضال ومبتدع إلا إذا ثبت عندنا أنه صاحب هوي. الإمام ابن تيمية علية رحمة الله. في هذا الكتاب تعرض للذين خاضوا في تأويل صفات الله جلا وعلا كإمام الحرمين والغزالي والفخر الرازي عليهم جميعاً رحمة الله. وقد رجعوا جميعاً إلي الهدي في نهاية أمرهم بعد أن خاضوا في الردي فترة طويلة من حياتهم، يقولون بالتأويل. ويؤولون صفات الخالق الجليل. ثم رجعوا بعد ذلك إلي الحق الذي كان علية السلف الصالح الأبرار، وهذا مما يدل إن شاء الله أن خطأهم ما كان متعمداً بسوء قصد وخبث نفس وفساد قلب، إنما بذلوا ما في وسعهم، ولما لاح لهم أن ما هم عليه ليس بهدي تركوه ورجعوا إلي جادة الصواب. ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث في صحيح البخاري ومسلم وسنن الترمذي وغيرهم من حديث أب هريرة - رضي الله عنهم - (¬2) - قي صفحة 175 وما بعدها.

يقول الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله: وأما الرازي وإن كان يقرر بعد ذلك فالغالب علي ما يقرره أنه ينقده في موضع آخر. لكن هو أحرص علي تقرير الأصول التي يحتاج إلي معرفتها من الآمدي، ولو جُمع ما تبرهن في العقل الصريح من كلام هؤلاء وهؤلاء لو جد جميع موافقاً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووحد صريح المعقول مطابقاً لصحيح المنقول ,لكن لم يعرف هؤلاء حقيقة ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام وحصل اضطراب في المعقول به فحصل نقص في معرفة السمع والعقل، وإن كان هذا النقص هو منتهي قدرة صاحبه لا يقدر علي إزالته العجز قد يكون عذراً للإنسان في أن الله لا يعذبه إذا اجتهد الاجتهاد التام هذا علي قول السلف والأئمة في أن من اتقي الله ما استطاع إذا عجز عن معرفة بعض الحق لم يعذب به. وأما من قال من الجهميه ونحوهم (بياض) العجزين. ومن قال من (بياض) ونحوهم من القدرية: إن كل مجتهد فإنه لا بد أن يعرف الحق. وأما من لم يعرفه فبتفريطه لا لعجزه. فهما قولان ضعيفان وبسببهما صارت الطوائف المختلفة من أهل القبلة يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً.

وقال قبل ذلك ـ علية رحمة الله ـ: وليس هذا ـ أي التذبذب والاضطراب في مسلك الرازي ـ تعمداً منه لنصر باطل. بل يقوله بحسب ما توقفه الأدلة العقلية في بحثة ونظره فإذا وجد في المعقول بحسب نظره ما يقدح به في كلام الفلاسفة قدح به، فإن من شأنه البحث المطلق بحسب ما يظهر له فهو يقدح في كلام هؤلاء بما يظهر له أنه قادح فيه من كلام هؤلاء وكذلك يطمع في الآخرين ومن الناس من يسيء به الظن. وهو أنه يتعمد الكلام الباطل، وليس كذلك، بل تكلم بحسب مبلغة من العلم والنظر. والبحث في كل مقام بما يظهر له. وهو متناقض في عامة ما يقوله، يقرر هنا شيئا ثم ينقضه في موضع آخر لأن المواد العقلية التي كان ينظر فيها من كلام أهل الكلام المبتدع المذموم عند السلف ومن كلام الفلاسفة الخارجين عن الملة يشتمل علي كلام باطل كلام هؤلاء وكلام هؤلاء، فيقرر كلام طائفة ثم ينقضه في موضع آخر بما ينقص به ولهذا اعترف في آخر عمره فقال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفة فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طرقة القرآن أقرأ في الإثبات: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) (¬1) ، ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)) (¬2) وأقرأ في النفي: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) (¬3) ، ((وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)) (¬4) ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. ¬

_ (¬1) - طه:5 (¬2) - فاطر: 10 (¬3) - الشورى: 11 (¬4) - طه: 110

وشيخنا علية رحمة الله في "أضواء البيان" (¬1) حكي رجوع الرازي وقبله الغزالي وقبله إمام الحرمين. وقبله الباقلاني، وقبله إمام أهل السنة في زمنه أبو الحسن الاشعري عليهم جميعاً رحمة الله إلي الحق وجادة الصواب ومسلك السلف في نهاية أمرهم مما يدل علي أن ما كان من الخطأ في قلوبهم الذي قالوا به، قالوه بحسب ما بلغهم وهم مخطؤن قطعاً، وذاك القول ضلال ممن صدر، لكن كما قلنا: لا بد من أن نفرق بين القول بالإضلال ـ علي القول ـ وبين أن نقول إن قائلة ضال كافر فلا بد من التفريق بين هذا وذاك هل بلغه؟ هل ثبت عنده؟ هل فهمه؟ هل له عذر في تركه؟ إن كان كذلك نقول: هذا القول يعتبر ضلالاً ممن صدر لكن هذه عندنا ما يمنع من إطلاق لفظ الضلال عليه. فلنتق الله ولنقف عند قدرنا. والإمام الرازي عليه رحمة الله في آخر حياته. في الوصية التي أملاها بخط يده قال: اللهم إن كنت تعلم أنني فيما قررته من العلوم أردت به نصرت الباطل أو معارضة حق (¬2) فافعل بي ما أنا أهله. وإذا كنت قررت ما قررت طلبا للحق وأخطأت فليكن عفوك ورحمتك لي حسب قصدي لا حسب حاصلي وسعي. يعني كان خطأ لكنني ما قصدته ورحمتك واسعة وأنت أرحم الراحمين. وهكذا أئمة الهدي. إخوتي الكرام: ¬

_ (¬1) - الجزء 7/470. (¬2) - هذا وهو علي فراش الموت يكتب وصيته.

هذا لا بد من وعيه في هذه الأيام. طلبه العلم في هذه الأيام يتطاولون، حقيقة جاوزوا قدرهم بمراحل وتركوا عقولهم عندما فقدوا الهادي البصير الذي يتبعون علي بصيرة ويمشون خلفه علي هدي وبيّنه، يذكر أمامهم الإمام الذهبي الذي ذهب خالص. تدرون ماذا يقول السَّقَطّة، بعض طلية العلم في معاهد عالية في هذه الأيام؟: الذهبي تالف في الاعتقاد؟ !! الذهبي تالف؟ ! يذكر ينكر النووي، شيخ الإسلام في زمنه بالا نزاع، يقال: مخرف من المخرفين.؟! يذكر الإمام ابن حجر شارح السنة، وليس بعد شرحه شرح كما قال الإمام الشوكاني عندما طلب منه أن يشرح صحيح البخاري: قال: قال علية الصلاة والسلام: [لا هجرة بعد الفتح] (¬1) أي كيف نشرح صحيح البخاري بعد أن شرحه حزام المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث ابن حجر في " فتح الباري "؟ هذا يقال عنه إنه مخرف من المخرفين؟ ! وهذا مخرف من المخرفين! وذال تالف في الاعتقاد! وهذا ضال! وذاك زائغ!. فلنتق الله في أنفسنا. إخوتي الكرام: نعم ليس عندنا أيضاً تساهل في دين الرحمن فمن جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة نكفره بلا توقف. ومن استحل ما أجمع علي تحريمه نكفره بلا توقف. ومن لمعلوم ضرورة جحد ... من ديننا يقتل كفراً ليس حد ومثل هذا من نفي لمجمع ... أو استباح كالزنا فلتسمع ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث في البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الفتح: [لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا]

فجاء وقال: الصلاة عبث ولعب ما فرضها الله، أو فرضها ولا ينبغي أن نصليها؟ فماذا نقول عنه؟ كافر بلا تردد، لا يفهم منا أننا عندما نقول أننا لا نكفر الموحدين العصاة أو الذين يتلبسون ببدع أننا نوسع الأمر. فمن بلغ في الكفر زيادة علي إبليس نتورع أيضاً نحوه ولا نكفره. ويصير حالنا كحال الورع البارد الذي قيل له: ما تقول في إبليس؟ هل هو خبيث أو طاهر نفيس؟ قال أسمع كلاماً كثيراً عنه، والله أعلم بسريرته.!! هذا ضلال. وتقدم معنا أخوتي الكرام كلام عتاة الأرض في هذه الأيام عندما يقول: القرآن فيه خرافات، القرآن متناقض القرآن لا يصلح أن يُحكم به في هذه الأوقات. عندما يقول: محمد ـ علية صلوات الله وسلامة وفداه آباؤنا وأمهاتنا ـ ساذج بدوي كان يتلقي الخرافات. عندما يقول: رئيس الدولة له حق أن يطور القرآن وأن يعدله، لأن الله أمرنا بطاعة ولا الأمور.؟! قلنا: إنه دجال كافر بلا شك ممن صدر هذا القول. فلابد من التفريق لكن نحن نقول: مؤمن عاصي يشرب الخمر، يزني، عندما تقول عندما تقول له: اتق الله يقول: سل الله لي التوبة، لعل الله يوفقني في المستقبل، تقول له: كافر لجهنم حطباً؟ اتق الله في نفسك، وهكذا مبتدع قامت عند شبهة من الشبه في بدع من البدع وحكمت علية بالضلال، قف عند حدك. لا تقول إنه خرج من دائرة الإسلام واستوجب الخلود في النيران. إخوتي الكرام (بياض) من هذين الأمرين: عدم تكفير أهل الإسلام، وعدم الحكم عليهم بالخلود في النيران، وهذا الأمر ينبغي أن نقف عنده. هنا وهناك بعض الأمور دعتني إلي الكلام عليه لإيضاح هذه المسألة. إخوتي الكرام: قابلني بعض طلبة العلم وسأل عن تكفير أهل البدع من الخوارج والاباضية. فقال: هل هم كفار؟

قلت: يا عبد الله أنت تريد أن توقعنا فيما فرننا منه، نحن نرفع أصواتنا بأننا لا نكفر أهل القبلة، ونفوض أمرهم إلي ربهم جل وعلا، وتقدم معنا: قلنا حتى من حُكم عليه بأن بدعته مكفرة ـ بكلام الإمام الذهبي ـ مع ذلك نرجو له ألا يخلد في النار وألا يكون حاله كحال اليهودي والنصراني والمجوس والوثني. فأنت تريد أن توقعنا في هذا. هذا سبب، لذلك لا بد من وضوح المسألة إخوتي الكرام. سبب ثان: جاءتني رسالة من بعض الأخوة في بعض البلاد. يسأل عدة أسئلة ويعترض علي بعض الأمور. ثم يقول: ما عقيدك، بين لنا عقيدتك؟ والرسالة عندي، وكنت ذكرت لكم أن بعض ذوي الشطط عندما كنت في أبها انتظروني علي باب المسجد وما سمحت أنفسهم أن يصلوا معنا. ولما سألتهم قالوا: لا نعلم هل أنت مؤمن أو كافر. ما استبان لنا أنك مؤمن أو كافر؟ !

وأنا أقول لهذا الأخ الذي أريد أن أقول إنه مغفل. ويكفية هذا: إن أردت أن تعرف عقيدتنا فسل أعداءنا لا تسلنا. أعداؤنا يخبرونك عن عقيدتنا. فإذا كان أعداؤنا عرفوا عقيدتنا ما هي وأنت أيها المسكين الذين تزعم أنك تتابع وتسمع ما عرفت من خلال سماع هذه المواعظ اعتقاد هذا الإنسان المسكين؟ وأنا أقول لك: إن عقيدتي وعقيدة كل مسلم: الإيمان بالله ورسوله علية الصلاة والسلام وبما جاء عنهما. وتقدم ذلك علي قول كل واحد ومع ذلك نحن نعترف لسلفنا الكرام من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم والتابعين ومن تبعهم، منزلتهم ومكانهم، فوالله لولا أن مَنَّ الله علينا بهم لما وصلنا هذا الدين. فنحن نؤمن بالله ورسوله علية الصلاة والسلام ونفهم كتاب الله وكلام رسول الله عليه الصلاة والسلام علي حسب ما فهمه سلفنا وأئمتنا ومن أراد أن يتسور علي كتاب الله وسنة رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - برأيه وعقله وهواه دون الرجوع لما فيه سلفنا من صحابة وتابعين وأئمة المسلمين فهو ضال بلا شك قطعاً ويقيناً أن خير من فهم كلام الله وكلام رسوله علية الصلاة والسلام من خوطبوا به ونزل عليهم وعملوا به، وأعظم عمل عندنا وأرجي عمل لدينا نتقرب به إلي ربنا جل وعلا حب الصحابة وحب السلف الصالح الكرام رضوان الله عليهم. هذه عقيدتنا، وهذه عقيدة المسلمين. وما عندنا أسم خاص نتسمي به من شيعة ولا صوفية. ولا خوارج ولا جهمية، كما قال الإمام مالك علية رحمة الله (¬1) . يقول: أهل السنة ليس لهم أسم خاص يعرفون به، وليس لهم لقب خاص يعرفون به، لا جهمي ولا رافضي. ولا مرجئي. إنما هم أهل سنة. ¬

_ (¬1) - كما هو موجود في ترتيب المدارك في طبقات الإمام مالك.

فأنت تسأل عن اعتقادنا؟ نبيّن لك هذا الاعتقاد. سبحان الله العظيم!! المسلم في هذه الأيام يبحث عن اعتقاده؟ أعداؤنا عرفوا اعتقادنا وبعضنا ما عرف للأن اعتقاد بعض؟ ! وكل واحد يضع حول أخيه ألف علامة إستفهام. ماذا في قلبه؟ ! سبحان الله!! وقد قال بعض الذين لهم شأن عن بعض المساكين. قال لا تغتروا به فهو صاحب فلسفة وصاحب كلام. وهو يتستر ولا ينشر الضلال الذي في قلبه؟ ! من الذي أدراك عن الضلال الذين في قلبه؟ من الذين أدراك عنه؟ نزل عليك وحي أخبرك؟ نعم نزل علية الشيطان الرجيم ((هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ. تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)) (¬1) ، ((إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)) (¬2) أنت ما دمت تصرح أن هذا في قلبه. كيف اطلع عليه أو من أين علمت أيها الإنسان؟ ! أما تتقي الله في نفسك! أما تتقي الله وقف عند حدك؟ فهذا الأمر ينبغي أن نعبه إخوتي الكرام: نخن في هذه العصور: المؤمن الذي يظهر أيمانه ـ لا صاحب الكبيرة ولا صاحب البدعة ـ وعلية في الظاهر الالتزام بهدي السلف الكرام بقول: لا تفتروا بظاهرة. وقلبه فيه وفيه؟! فكيف فيمن أظهر بدعة أو ظهر منه كبيرة؟ هذه الأحوال التي نعيش فيها. إخوتي الكرام: لابد من صفاء القلوب، والتألف بين المؤمنين. وهذا من أعظم الأمور عند رب العالمين. وهذا الذي يحقق لنا العزة في الدنيا والسعادة في الآخرة. ¬

_ (¬1) - الشعراء: 221، 222 (¬2) - النحل: 105

ثبت في سنن الترمذي، وقال: صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقه] (¬1) وفي سنن الترمذي عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم. الحسد والبعضاء وهي الحالقة. أما إني لا أقول إنها تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين] (¬2) وفي سنن الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلي يا رسول الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال: إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة] (¬3) . ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث أخرجه الترمذي ـ كما قال شيخنا ـ، وأخرجة البغوي من رواية أب هريرة أيضاُ - رضي الله عنه - وللحديث شواهد كثيرة ذكرها المنذري في ترغيبه: 3/487 وما بعدها فانظر ها. (¬2) - قلت: الحديث مروي عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - وقد أخرجة الإمام أحمد والبزار. ورواه البغوي والبيهقي والمنذري وهو في المصنف، وقال الهيثمي في المجمع والمنذري في الترغيب إسناد هـ جيد أهـ وصدر الحديث في صحيح مسلم. (¬3) - قلت: الحديث عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أخرجة أبو داود والبخاري في " الأدب المفرد " ورجاله ثقات وصحيحة الترمذي وابن حجر ورواه البغوي والمنذري وقال: إسناده جيد. ورواه ابن حبان في صحيحة

نعم إخوتي الكرام: إن الفساد الذي وقع في الأمة الإسلامية عندما تفرقوا وانقسموا ليس عليهم مسئول واحد. أمير واحد يقودهم. فحكامهم انقسموا وتفرقوا. الأمة بعد ذلك وجد فيها هذه الوطنيات المزيفة الضالة فانقسموا وتفرقوا، ثم في الوطن الواحد اتجاهات لا تحصي، هذا البلاء الذي حصل فينا والضياع الداخلي والجفوه بين قلوبنا والعداوة والبغضاء هي أخطر بكثير كثير من تداعي الأمم علينا لان تلك الأمم عندما تتداعي علينا ونحن صف واحد. بنيان مرصوص. الله معنا ((فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ. أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ. فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)) (¬1) إذا كنا نتمسك بالهدي ونحن أخوة متحابون، الله جل وعلا إذا لم يمتعنا بخذلان الكفرة وقتلهم بأيدينا فسيأتي الجيل الذي بعدنا ويحقق هذه الأمنية، وانتقام الله سيقع بهم عاجلاً أو آجلاً. وإذا منّ الله علينا وحقق عذابهم علي أيدينا ففضل وإحسان منه ((أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ)) الواجب عليك في الحالتين ((فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ)) إن الكفار بعضهم أولياء بعض. والمؤمنون بعضهم أولياء بعض. عندما نتخلى نحن عن الولاية فيما بيننا هذا حقيقة: هي قاسمة الظهور ((وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)) (¬2) فهم أولياء ونحن لبعضنا أولياء. فإذا صار بعضنا لبعض أعداء. ما هي الحالة، ستكون فتنة في لبعضنا أولياء، فإذا صار بعضنا لبعض أعداء، ما هي الحالة، ستكون فتنة في الأرض وفساد كبير. عندما يعادي بعضنا بعضاً، ماذا سينجح؟ سنتدرس بعد ذلك بين أرجل الكفرة كما هو الحاصل. ¬

_ (¬1) - الزخرف: 41: 43 (¬2) - الأنفال: 73

أما وجد في هذه الأيام من يطعن في أهل الإسلام، ويزرع حولهم التهم والبهتان.؟ ثم تأتي بعد ذلك لمفاهيم الوطنية فصارت عنده ماسخة. وكأنها مقررة في الآيات القرآنية. كيف أيها الإنسان نحو معصية أو نحو بدعة أو نحو سوء ظن منك بأخيك إتهمه وحكمت عليه وحكمت؟ ثم جئت بعد ذلك لما هو معلوم من الدين بالضرورة أنه ضلال أقررته؟ ! مَنْ الذي ينكر مفاهيم الوطنية في هذه الأيام؟ ومن الذي يقول للمسؤلين: قفوا عند حدكم واخشوا ربكم، بلاد الإسلام مفتوحة لكل من يقول لا اله إلا الله محمد رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الذي يقول هذا؟ هذا كله تركناه وجئنا بعد ذلك: احذروا هذا فعنده سبحه! واحذروا هذا يحلق لحيته! واحذروا هذا عنده معصية واحذروا هذا ففي قلبه مشاكل!.. يا عبد الله أنت تدعوا إلي كفر بواح وتتساهل في هذا. ثم تأتي بعد ذلك إلي شرائب وقعت الأمة فيها ففخمتها وفرقت بين صفوفها من أجلها! ألا دعوت للقضاء علي البلاء الذي انتشر فيها! متي وجدت حواجز بين المسلمين! أما قال الله ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) (¬1) أنت إذا ذهب إلي بيت أخيك يغلق الباب في وجهك أم يستقبلك؟ أنت إذا ذهبت إلي بيت أخيك وجلست ساعة زيارة يشتكي عليك لأنك جلست بغير إقامة وبغير كفيل!! هذا يقع في بلدان المسلمين. وفي رعايا المسلمين: ولا استنكار من أحد من خلق الله. وتراهم يجمعون بعد ذلك: الله والمسئول والوطن!! أين المسلمون؟ ! أين الموحدون! لا ذكر لهم ولا وجود. هذه المفاهيم الضالة التي انتشرت ثم أعرضنا بعد ذلك عن دين الله لما بم يتخذ بعضنا بعضاً أولياء فتوالي الكفار. ثم بعد ذلك ماذا ستكون النتيجة؟ سينتج بعد ذلك عن هذا حرب وقتل وتشريد ودمار. لآن الكفار لعضهم لبعض أولياء. وكافر فقط يحرك أصبعه الأن حتي يسمع من التأييد والموافقة ما لا يخطر ببالنا. ¬

_ (¬1) - الحجرات: 10

وانظر بعد ذلك للمسلمين فنحن تفرقنا وأولئك يد واحدة، فرقتنا أعظم من اتفاقهم، فجاءتنا الضربة منهم من يد واحدة. ونحن متفرقون. فنحن صرنا بين أرجلهم نضرب كما تضرب الكرة بين أرجل الصبيان ((إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)) الفتنة أنه سيوالي بعضنا الكفار عندما ننحرف عن موالاة المؤمنين الأبرار. الفتنة هي أننا سنسحق بالأرض ونوطأ من قبل هؤلاء الذين تآمروا وتداعوا علينا عندما تفرقنا سيصبح بعد ذلك فساد كبير، ستعلوا كلمة الكفر. وكلمة الجاهلية علي كلمة الإسلام، وعلي كلمة الشريعة الإسلامية. وهذا ما نعيشه هذه الأيام، كفانا فرقة إخوتي الكرام، أهل لا اله إلا الله اتقوا الله فيهم، الذين آمنوا بنبينا محمد علية الصلاة والسلام اتقوا الله فيهم وراقبوا رسولكم - صلى الله عليه وسلم - فيهم، فلا تكفير لموحد، ولا الحكم عليه بالخلود في النار، نعم نحب كل إنسان بمقدار ما فيه من طاعة، ونبغضه بمقدار ما فيه من معصية.

إخوتي الكرام: وهذا المسلك كان واضحاً عند أئمة الإسلام. أنظروا لهذه الجملة الجليلة التي يوردها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (¬1) فر ترجمة شيخ أهل السنة في زمانه الإمام أبي الحسن الأشعري علي بن إسماعيل الذي توفي سنة 324 هـ وقيل بقي إلي سنة 330هـ علية رحمات الله رب العالمين (¬2) يقول الإمام الذهبي في ترجمته: رأيت للإمام الأشعري كلمة أعجبتني، وهي ثابتة رواها الإمام البيهقي، قال: سمعت أبا حازم العبدري قال: سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني فأتيته، فقال: اشهد عليّ أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة لأن الكل يشترون إلي معبود واحد، وإنما هذا كلة اختلاف العبادات. أي هذه الفرق التي حصل بينها ما حصل كما قال نبينا علية الصلاة والسلام. [ستفترق إلي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة] (¬3) وهذه التي في النار ما أخرجها نبينا علية الصلاة والسلام من أمته، وهم من أهل الوعيد. ¬

_ (¬1) - 15/88 (¬2) - وقد أفصح في كتابه " مقالات الإسلاميين " في آخر الجزء الأول: 320 ـ 325 تحت عنوان بارز: مقالة أصحاب الحديث وأهل السنة، ثم بعد أن أورد مقالتهم واعتقادهم قال: وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول والية نصير وما توفيقنا إلا بالله علية توكلت واليه أينيب. وذكره إذا أيضاً في كتابه الابانه، أنه في اعتقاده علي مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه هذا الذي استغفر عليه هذا الإمام المبارك بعد أن قضي أربعين سنة علي مذهب الاعتزال والضلال ثم رأي النبي علية الصلاة والسلام في العشر الأخير من رمضان في ثلاث ليال متوالية بقول له يا أبا الحسن ذب عن سنتي ـ فعكف في بيته ونظر في أمر الاعتقاد ثم هداه الله لترك الإضلال والاعتزال والالتزام بمذهب أهل السنة والجماعة. (¬3) - سبق الحديث بتمامه وتخريجه صفحة 62

يعذبون ثم يخرجون حسبما يشاء الحي القيوم، حالهم كحال أهل الكبائر. وأن كانوا أشنع منهم واشد وأفظع والله أعلم بحقيقة أمور عبارة، ويقول: فهؤلاء عندما قالوا: استوى صفه تليق بجلاله وجماله! استواء معلوم وكيف مجهول وأولئك ضلوا وقالوا استولي، لا نكفرهم أرادوا أن ينزهوا المعبود علي حسب زعمهم، فليسوا بكفار، ولا يخلدون في النار قلت ـ الإمام الذهبي ـ وبنحو هذا أدين وكذا كان شيخنا الإمام ابن تيمية في أواخر أيّامه يقول: أنا لا أكفر أحداً من الأمة ـ أي من امة محمد علية الصلاة والسلام ـ ويقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [لا يحافظ علي الوضوء إلا مؤمن] (¬1) فمن لا زم الصلوات بوضوء فهو مؤمن. هذا اعتقاد أبي الحسن الأشعري وبنحوا هذا يدين الإمام الذهبي. وهذا هو الذي كان يقوله شيخه شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليهم جميعاً رحمات ربنا الرحمن. ¬

_ (¬1) - قلت: الحديث عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ ـ وفي لفظ ولن يحافظ ـ علي الوضوء إلا مؤمن] أخرجه الإمام أحمد في المسند والإمام مالك في الموطأ. وابن ماجه بإسناد صحيح. الدرامي، والبيهقي وابن حبان في صحيحة، والحاكم في المستدرك وقال: صحيح علي شرطهما ولا علة له سوي وهم أبي بلال الأشعري، أهـ. أخرجه أبضاَ البغوي والمنذري في الترغيب والترهيب.

وقال الإمام الذهبي فر ترجمته الإمام أبي الحسن الأشعري (¬1) : قلت: رأيت لأبي الحسن تواليف ـ أي تأليف ـ في الأصول يذكر فيها قواعد مذهب السلف في الصفات وقال فيها: تمر كما جاءت إيماننا بصفات ربنا يقوم علي دعامتين: إقرار وإمرار نقر بالصفة كما وردت ونمرها دون بحث عن كيفيتها. ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) إمرار ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) (¬2) إقرار. يقول: ثم قال ـ أي أبو الحسن ـ: وبذلك أقول وبه أدين ولا يؤول. قلت ـ الذهبي ـ: مات ببغداد سنة 324 حط علية ـ يعني إنتقصه وتكلم فيه وذمه ـ جماعة من الحنابلة والعلماء، وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا من عصم الله ـ وهم رسل الله عليهم صلوات الله وسلامة ـ اللهم إهدنا وارحمنا فإذا أخطأ أبو الحسن وغيره وأخذ من قوله وترك. كان ماذا؟ ! والإمام إبن كثير تلميذ الحافظ إبن تيمية عليهم جميعاً رحمات رب البرية، عندما ترجمه في كتابه ((البداية والنهاية)) في حوادث سنة 728 هـ قال: واعترض علية بعض الناس لوجود أخطاء عنده. قال: وإذا أخطأ الإمام ابن تيمية كان ماذا؟ وما خطؤه في جانب صوابه إلا كقطرة في بحر لجيّ وكل واحد يخطيء ويصيب، ويخذ من قوله ويترك. وتكفل الله لنا بأن من بذل ما في وسعه للوصول إلي مرضاة ربة وأخطأ يغفر الله له خطأه وثييبه علي اجتهاده ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. لا نكفر أحداً من أهل القبلة ولا نحكم عليه بنار. إخوتي الكرام: ¬

_ (¬1) - سير أعلام النبلاء: 15/88 (¬2) - الشوري: 11

وهذا المسلك كان واضحاً عند أئمتنا الأبرار، يقررونه في كتبهم ومصنفاتهم، فالإمام الذهب أيضاً في سير أعلام النبلاء (¬1) في ترجمة شيخ الإسلام أبي العباس محمد بن إسحق السّراج، وكان يقال له: إنه سّراج، وهو سراج الإسلام. ونور الإسلام ونعته الإمام الذهبي في السير بأنه: لا شيخ الإسلام (¬2) . ¬

_ (¬1) - سير إعلام النبلاء: 14/396. (¬2) - ومن فضائله وحبه لنبينا علية الصلاة والسلام أنه ضحي عن نبينا علية الصلاة والسلام باثني عشر ألف أضحية، فكان كل أسبوع يضحي أضحية ويهدي ثوابها لنبنا علية الصلاة والسلام ويجمع طلاب العلم فيأكلون منها وختم أيضاً اثني عشر ألف ختمة وأهداها لنبينا علية الصلاة والسلام وإهداء القرب من أعمال بدنية أو مالية أو مؤلفة منها ـ من بدنه ومالية ـ يصح عند أهـ السنة كما قرر هذا أئمتنا في كتب التوحيد، لكن في خصوص إهداء القرب إلي نبينا علية الصلاة والسلام بحث عند أئمتنا، فالإمام ابن أبي العز في شرح الطحاوية صفحة 411 ذكر أن من علماء الإسلام من استحب إهداء الأعمال والقرب والطاعات إلي نبنا علية الصلاة والسلام ومنهم من كره هذا، لأن السلف لم يفعلوه ولأن هذا تحصيل حاصل، فأنت وان لم تهد جميع ثواب عملك سيكتب لنبنا علية الصلاة والسلام، لأن من دل علي خير فله كمثل أجر فاعلة لكننا نقول: إذا كان الأمر كذلك فليس في الإهداء بدعة. إنما في الإهداء شيء من الأخبار عن مزيد التعلق بالنبي المختار علية صلوات الله وسلامة.أذن ما ابتدع..الإهداء حاصل إن أهدي وان لم يهي والثواب مكتوب لنبنا علية الصلاة والسلام إنما هو من باب أن يخبر أنه فرح بكتابة هذا الثواب لنبنا علية الصلاة والسلام وراض ومسرور ومبتهج، وهذا منّة عظيمة علية أن وفق لفعل الطاعات التي يكتب أجرها لخير البريات، علية صلوات الله وسلامة ايضاً فهذا عمل عظيم، والإمام ابن القيم علية رحمة الله في كتابه " الروح " تعرض لهذه المسألة في موضعين في صفحة 132 وذكر أن إهداء والقرب والطاعات إلي نبينا علية الصلاة والسلام يجوز ولم يحك خلافاً في ذلك ثم أعاد المسألة في صفحة 143، وذكر ما نقلة شارح الطحاوية من أن علماء الإسلام علي قولين في هذا منهم من استحب إهداء الأعمال إلي نبينا علية الصلاة والسلام ومنهم من كرة ذلك ورآه بدعة للأمرين المتقدمين.

يقول الإمام الذهبي عن العبد الصالح: قال هذا الإمام المبارك: من لمن يقر بأن الله يعجب ـ أي يتصف بصفة العجب. يعجب ربك من شاب ليست له صبوة ـ ويضحك وينزل كل ليله إلي السماء الدنيا فيقول: من يسألني فأعطية؟ فهو ذنديق كافر يستتاب. فأن تاب وآلا ضربت عنقه، ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. قلت ـ الإمام الذهبي ـ: لا يكفر إلا إن علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله ـ كما تقدم معنا، بلغه من وجه يثبت عنده وفهمه وليس عنده شبهه نحوه ـ فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند نسأل الله الهدي، وإن اعترف أن هذا حق لكن لا أخوض في معانية، فقد أحسن ـ هذه هي عقيدة أهل الهدي (¬1) ـ وإن آمن قال ورد أنه ينزل ويضحك ويغضب ويعجب وأول ذلك كله (¬2) أو تأول بعضه فهو طريقة معروفة. يقصد (بياض) بهذا أي هذه الطريقة سلكها بعض الناس لوجود شبهه عندهم. طريقة معروفة. وحكمها معلوم. وهو أن هذا لا يجوز وأن هذا لا ينبغي، وتقدم معنا أن الحكم علي القول بأنه لا يجوز وخطأ وضلال لا يلزم منه أن نحك علي القائل بأنه ضل لاحتمال أن يوجد عنده مانع يمنع من إطلاق ذلك الحكم عليه وقد كنت سألت شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي علية رحمة الله عن الذين خاضوا في التأويل في العصر المتقدم في القرن الثالث وما بعده من أئمة الإسلام ثم رجعوا عنه بعد ذلك. قال لي رحمه الله ونور الله قبره وقبور المسلمين أجمعين: ¬

_ (¬1) - فعقيدتهم إقرار وامرار، يعجب أي يعجب، يضحك: يضحك، ينزل: ينزل، النزول معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه، وهكذا الضحك وغير ذلك من صفات الله. (¬2) - أي اشتعل بالتأويل. فقال مثلاًَ: ينزل أي تنزل رحمنه، أو ينزل مَلَكَهُ.

نحن نجزم يقيناً أنهم ما خاضوا في التأويل ودخلوا فيه إلا لضرورات توهموها، فلما رأوا تعلق الزنادقة بظواهر هذه النصوص قالوا نحن نؤلها من أجل أن ندفع ضلالهم ولغطهم عند العامة، فنأولها بما نأولها به، ثم بعد فتره تبين لهم أن هذه الطريق عقيم، وهو طريق سقيم. فرجعوا إلي الهدي فهم عندما أولوا ما قصدوا الباطل ولا أرادوا الضلال لكننا نقول هذه الطريقة خطأ ممن صدرت، والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين، لكن يبقي من أخطأ من أئمتنا الذين شهد لهم بخير تستغفر له ونتلمس له عذراً، ونسأل الله أن يرحمه، ونقف عند هذا، لكننا لسنا بمتعهدين بإتباع قول أحد كائناً من كان [عليكم بالسواد الأعظم] و [يد الله مع الجماعة] (¬1) ¬

_ (¬1) - قلت: روي ابن ماجه وأحمد من حديث أنس بن مالك رضي - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن أمتي لا تجتمع علي ضلالة فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم] . قال الهيثمي في المجمع: في إسناده أبو خلف الاعمي واسمه حازم بن عطاء وهو ضعيف. أهـ ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة عن أبن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [ما كان الله ليجمع هذه الأمة علي الضلالة أبداً. ويد الله علي الجماعة هكذا. فعليكم بالسواد الأعظم. فإنه من شذ شذ في النار] . وروي هذا الحديث أيضاً الحاكم والبيهقي في " الأسماء " وغيرهم. وروي الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لن تجتمع أمتي علي ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يد الله علي الجماعة] .قال البيهقي في المجمع (5/221) : ورواه أي الطبراني ـ بإسنادين ـ رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولي آل طلحة وهو ثقة..أهـ وروي الترمذي عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ان الله لا يجمع أمتي أو قال: أمة محمد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ علي ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار. قال الترمذي: حديث حسن غريب. أه ـ ورواه النسائي بلفظ: عن شريح الاشجعي: [رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - علي المنبر يخطب الناس فقال إنه سيكون بعدي هنات وهنات فمن رأيتموه فارق الجماعة أو يرد يفرق أمر أمة محمد كائناً من كان فاقتلوه فإن يد الله علي الجماعة فإن الشيطان مع من فارق الجماعة يركض] . وروي الطبراني عن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يد الله عز وجل علي الجماعة فإذا شذ الشاذ منهم إختطفه الشيطان كما يختطف الذئب الشاة من الغنم] قال الهيثمي: وفيه عبد الاعلي بن أبي المساور وهو ضعيف أهـ. وروي الطبراني أيضاً عن عرفجة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [يد الله مع الجماعة والشيطان مع من خالف يركض] ورجاله ثقات (انظر مجمع الزوائد 5/224)

ونتبع ما كان عليه السلف الصالح من صحابة وتابعين عليه رضوان الله أجمعين. إذن: من علم وعاند، حقيقة هذا جاحد وصاحب هوي. كافر زنديق ـ كما قال الإمام السّراج ـ نسأل الله العافية، من علم ولآمن وقال: لا أخوض في معناه، فقد أحسن، فهذا فوّض؟، من آمن ثم أوّله كله أو بعضه طريقة معروفه، ومعروف حكمها، وأن هذا ما ينبغي أن يسلكه الإنسان، وطريقة خاطئه، ولا يلزم من أن هذه الطريقة باطلة أن نحكم علي من سلكها بوجود عذر عنده بأنه ضال كافر. إخوتي الكرام: هذا الأمر ينبغي أن يرسخ عندنا في هذه الأيام: لا نكفر أحداً مهن أهل الإسلام، ولا نتطاول علي عباد الله ,فلا نحكم علي واحد منهم بالنيران أو بالخلود فيها، نسأل الله أن يرزقنا خشيته في السر والعلن، وكلمة الحق في الرضا والغضب والقصد في الغني والفقر، وأن يجعل خير أيامنا يوم نلقاه أنه أرحم الراحمين وأكرم الاكرمين. إخوتي الكرام: وهذا الأمر لا بد من وعيه في هذه الأيام بعد أن ضاعت دولة الإسلام في هذه الأيام، وتداعي اللئام علينا من كل جانب، عدا عن كل هذا، حصل 221نا فرقة، بكفر بعضنا بعضاً ويضلل بعضنا بعضاً. ولا غرو في ذلك لأننا عندما نحن علمنا هذا الجيل إطلاق ألسنتهم فيمن سبقهم، أطلقوا ألسنتهم بعد ذلك فينا، ولذلك تشهدون في هذه الأيام الضجيج الذي تعيشه هذه الأمة. هذا يصدر كتاباً في تكفير بعض العلماء، وذلك يصدر كتاباً في الرد عليه، وأن هذا من شيوخ الإسلام. لماذا؟ لأننا نحن في أول الأمر ـ إخوتي الكرام ـ لم نتأدب بأداب الإسلام في علمنا، ولم نتق الله، وهذه الأمة حقيقة تعيش الأن بلا راع، وما مر علي الأمة الإسلامية وقت أفظع ولا أشد ولا انكي ولا أمّر من هذه الأيام التي تعيش فيها، ونسأل الله أن يلطف بأحوالنا، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام: قررت هذا , فانتبهوا له.

وُجِدَ في طلبة العلم في هذه الأيام ـ كما قلت ـ من يطلق لسانه فيقول: إن الذهبي تالف في العقيدة!!. من يطلق لسانه فيقول: أن الإمام النووي مخرف لا يعوّل عليه!!. من يطلق لسانه فيقول: أن حجر الأشعري مؤول ضال!!. ابن حجر العسقلاني مؤول ضال؟ سبحان الله! أئمة الإسلام كيف تتجرؤن عليهم هذه الجرأة؟ ولا أعني أن العصمة لهؤلاء. فإذا ثبت الخطأ عن أحد منهم فليطرح ممن صدر. لكن ينبغي أن نتقي الله نحو القائل، فالقائل إن كامن من أئمة الهدي نلتمس له عذراً ونستغفر له، وأمره موكول إلي ربه، وأن كان من أئمة الضلال المعروفين بالهوي والزيغ، فلنا بعد ذلك معه موقف أخر، نقول إنه ضال. ولا داعي ـ كما قلت ـ للتكفير ولا الحكم علية بالخلود في نار الجحيم. أما إذا كان من أهل الهدي والرشاد والاستقامة والصلاح فلا يجوز أن نقول: إنه مبتدع، وإن كان القول الذي قال به بدعة. إخوتي الكرام: قبل أن انتقل إلي مبحث الحسنة. سأقرر هذا بمثالين (¬1) ليكونا تكملة لما سبق: إخوتي الكرام: الحلف بغير الله، والقسم بغير الله حرام عند جمهور أئمة الإسلام. لما ثبت في الصحيحين وفي الكتب السنن الأربعة باستثناء سنن أبي داود، من حديث ابن عمر وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت] . وهذا الذي قرره الإمام أبو حنيفة والشافعي والإمام مالك وأتباعهم علي هذا القول. الإمام أحمد ـ رحمة الله ونور قبره ونضر وجهه، وجميعنا معه في جنات النعيم نع عباد الله المقربين ـ خالف في هذه المسألة، فهل يجوز لصعلوك في هذا الوقت ان يتهجم علي هذا الإمام المبارك؟ ¬

_ (¬1) - قلت: قول شيخنا: سأقرر هذا.. أي الذي سبق الكلام عليه من نقاط متعددة كالكلام علي أئمة الإسلام وغيرها من النقاط.

استمع إلي ما يقره الحنابلة في كتاب المغني (¬1) يقول الإمام ابن قدامة: ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق كالكعبة والأنبياء وسائر المخلوقات، ولا تجب الكفارة بالحنث فيها، هذا ظاهر كلام الخرقي. وهو قول أكثر الفقهاء، وقال أصحابنا: الحلف برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحنث فعليه الكفارة. سبحان الله الإمام احمد إمام أهل السنة يقول هذا القول؟ ! وأنالا أتردد في أن هذا القول خطأ وباطل وليرد علي من قاله، لكن هل يجرؤ واحد منا أن يقول: إن الإمام أحمد مبتدع. ضال صاحب هوي، خالف حديث النبي علية الصلاة والسلام وردّه؟؟ ! والله لأن أخر من السماء، ولأن أتلبس بكل ذنب ـ خلا الشرك ـ أيسر عليّ من أن أقول شيئاً من هذه الأقوال، وهذا الهراء. لماذا تقول أيها الإمام المبارك: يجوز الحلف برسول الله عليه الصلاة والسلام؟ وإذا حلف برسول الله عليه صلوات الله وسلامه فهذه يمين منعقدة تجب الكفارة فيها إذا حنث، لماذا تقول وقد نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحلف بغير الله؟ حلف تقول هذا من باب الهوي؟. قال: لا، عندي تعليل ـ وهذا التعليل الذي أتي به من أجله كما قلت لا نحكم علي القائل بأنه مبتدع. وإن كان هذا التعليل مردوداً عندنا ـ يقول الإمام أجمد عليه رحمة الله وهو قول الحنابلة: ¬

_ (¬1) - الجزء 11/209.

لأن الإيمان برسول الله عليه صلوات الله وسلامه أحد شرطي الشهادة. فالحلف به موجب للكفارة. الحالف باسم الله، الشهادة لها ركنان وشرطان تقوم عليها: لا اله إلا الله محمد رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ، فلا يصح إيمان إنسان حتي يؤمن بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام , فكما إن الحلف بالله يجوز ويمين منعقد فالحلف بالشطر الثاني الذي هو شرط لقبول الشهادة، وهو الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمين منعقدة فيها الكفارة إذا حنث الحالف، هل قال هذا الحكم أخذ من توراة. أو انجيل، أو من كتاب لينين. أو كار لماركس، أو من عُرْف أو من عادة جاهلية؟ !! ربط هذا بدليل شرعي، أصاب أو أخطأ؟ هذه مسألة ثانية. فاتق ربك وقف عند حدك. فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وخطؤه مغفور له ورحمة الله واسعة. والوجه الأول: أي قول الجمهور أنه لا يجوز الحلف بغير الله: قول النبي علية الصلاة والسلام: [من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت] (¬1) ولأنه حَلِفٌ بغير الله فلم يوجب الكفارة كسائر الأنبياء، ولأنه مخلوق فم يجب الكفارة بالحلف به كإبراهيم علية السلام، ولأنه ليس بمنصوص عليه، ولا في معني المنصوص، ولا يصح قياس اسم غير الله علي اسمه لعدم الشبه وانتفاء المماثله. حقيقة: قول الجمهور أقوي، بل هو الحق، وهذا ينبغي أن يطرح ويلغي، لكننا نستغفر لقائله ونترحم عليه ونترضي عنه ونقف عند حدنا، قول قاله فيما يتعلق بأمر اعتقاد. وهو أن الحلف بالمخلوق يجوز وتنعقد اليمين، وفيها الكفارة إذا حنث، هذا صادم الأدلة. ¬

_ (¬1) - سبق تخريجة في الصفحة السابقة.

ونقول: هذه العلة التي ذكرتها (¬1) ردها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله [من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت] و [من حلف بغير الله فقد أشرك] (¬2) فتعليلك إذن أنت مأجور عليه. وما قصدت بهذا التعليل، ولا بهذا الحكم معارضة النبي علية الصلاة والسلام، ولا إبطال شرعة فإذا كان الأمر كذلك نقف عند حدنا لا يلزم من أن يكون القول بدعة أن يكون القائل مبتدعاً. ولذلك ـ إخوتي الكرام ـ قلت: إن تأوبل نصوص الصفات بدعة وضلال، ولا نتوقف في هذا، فلو قيل لنا: أن الإمام الننوي ـ علية رحمات ربنا القوي ـ يؤول، هل نجرؤ علي الحكم علية بالبدعة؟ نقف. وكنت ذكرت لكم ما أجابني به شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي علية رحمة والله بأننا نجزم ونقطع بأن أولئك ما خاضوا في التأويل إلا لضرورة دعتهم لكنهم أخطأوا. هذا أمر آخر. لكن إنسان يخطيء ويصيب ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي علية صلوات الله وسلامة. لكن بما أنه من أهل الهدي فإن أخطأ فلنطرح هذا الخطأ، ولنستغفر لقائلة، ثم بعد ذلك نأخذ بما يشهد له الدليل وبما يتمشي مع الدليل، هذا المثال الأول فلنكن منه علي بال، (بياض) أما المثال الثاني: ¬

_ (¬1) - قلت: قول شيخنا: العلة التي ذكرتها.. يخاطب هنا الإمام أحمد رحمة الله (¬2) - قلت: الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما. أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: [من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك] . أخرجه الإمام أحمد في المسند. والإمام الترمذي، والنسائي. وابن ماجه، وأبو داود، والدارمي ورواه الترمذي وابن حبان بلفظ: [فقد كفر وأشرك] للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك.

فيما يتعلق بالإمام ابن قدامة (¬1) يقول الإمام الذهبي علية رحمة الله في سير أعلام النبلاء في ترجمته (¬2) قال أبو شامة (¬3) في كتابه " الذيل علي الروضتين" في صفحة 139 كان ـ أي الإمام ابن قدامه صاحب كتاب المغني ـ إماماً علماً في العلم والعمل، صنف كتباً كثيرة، لكن كلامة في العقائد علي الطريقة المشهورة عن أهل مذهبه , ـ يعني الحنابلة (¬4) ـ فسبحان من لم يوضح له الأمر فيها علي جلالته في العلم، ومعرفته بمعاني الأخبار. سبحان الله! هل صارت طريقة السلف التي التزم بها الإمام ابن قدامة طريقة فيها خفاء وطريقة مردوده حتي أنك تعظم الله وتتعجب من مسلك الإمام ابن قدامة كيف أن الله ما أظهر له الحق في أمر الاعتقاد وما أوّل كما أولت أنت؟ ّّ هذا كلام باطل. ¬

_ (¬1) - الإمام المبارك شيخ الإسلام الإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة الذي توفي سنة 620 هـ، وهوة محقق المذهب الحنبلي، وشارح نختصر الإمام الخرقي في كتابه " المغني " في مجلداته الكبيرة، وهو في هذه الطبعة أثني عشر مجلداً (¬2) - في الجزء 22 صفحه 172، بعد أن نعته بأنه شيخ الإسلام، وأن الكرامات متواترة عنه - رضي الله عنه - وأرضاه. (¬3) - الإمام أبو شامة علية رحمة الله، صاحب كتاب " إبراز المعاني من حرز الأماني " التي هي أحسن شروح الشاطبة في القراءات السبع، وصاحب كتاب " المرشد الوجيز " لقب بأبي شامة لشامة كبيرة كانت علي حاجبة الأيسر علية رحمة الله، أبو شامة وهو عبد الرحمن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي، توفي سنة 665 هـ يعني بعد الإمام ابن قدامة بقرابة خمس وأربعين سنة. (¬4) - يعني أنه لا يؤول. يقول: الاستواء معلوم، والكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وهكذا النزول والضحك والعجب والغضب والرضي والرحمة وسائر صفات الله التي يتصف بها - سبحانه وتعالى -.

أنظر لكلام الإمام الذهبي وتعليقة عليه , الذي هو ذهب خالص (¬1) يقول الإمام الذهبي قلت: هو وأمثاله متعجب منكم مع علمكم وذكائكم كيف قلتم (¬2) وكذا كل فرقة تتعجب من الاخري، ولا عجب في ذلك. طيب ما موقفك يا إمام ,أنت تلميذ الإمام ابن تيمية، وسلكت مسلك السلف في صفات رب البرية، ما موقفك نحو هذين المختلفين في هذا الأمر؟ قلا الإمام الذهبي، ولا عجب في ذلك، ونرجو لكل من بذل جهده غي تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة. أقول لكم ولا أبالغ: لو أن صغار بعض طلبة العلم الذين حملوا السّلم في العرض، وأطلقوا ألسنتهم أمتاراً، لا أشباراً ,وقف علي هذا الكلام للعن الإمام أبا شامة. قبل أن يفرغ من قراءة تعليق الذهبي للعنه!! أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم. نحو أمة نبينا محمد علية الصلاة والسلام. وخاصته نحو هذه الأمة، والله لا يرتع في أعراض العلماء الصالحين إلا من لعنه الله وغضب عليه، اعلم أخي إن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصهم معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء بالسلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (¬3) . ¬

_ (¬1) - وحذار حذار من لفظ طلية علم هذا الزمان أن الذهبي تالف في الاعتقاد؟!! احذروا هذا إخوتي الكرام. (¬2) - أي انتم تتعجبون منه، وهو وأمثاله ممن سار عليه طريقة السلف الذين يؤمنون بصفات الله جل وعلا علي الكيفية الشرعية: إقرار وامرار. ((َليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) ــ (الشورى: 11) ـ يقرون بالصفة كما ثبتت عن نبينا علية الصلاة والسلام. ويمرونها دون البحث في كنهها وكيفيتها. فالعجز عن درك الإدراك إدراك. والبحث في كنه ذات الإله إشراك. وكل ما خطر ببالك فالله غير ذلك - سبحانه وتعالى -. (¬3) - النور: 63

إن لم يكن العلماء العاملون أولياء الله فليس لله ولي في الدنيا ولا في الآخرة، فلنتق الله نحو علماء الإسلام، فإذا أخطأوا كان ماذا؟ ولا شيء علي الإطلاق، وهذا هو حال البشر: يخطيء ويصيب، لكن النية إذا كانت تريد الحق وتقصده غفر الله لنا بفضله ورحمته. إذا قصدنا الحق ولم نصب غفر الله لنا عدم إصابتنا ومنّ علينا بأجر علي قصدنا، وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام: هذا الإمام المبارك ـ اعني ابن قدامة علية رحمة الله ـ كما أنه كان يقول في آيات الصفات بمسلك وطريقة السلف، وكان أيضاً يسلك مسلك السلف الصالح في عدم الحكم بالخلود في النار علي المبتدعين الذين كُفَّروا ببدعتهم، وتقدم. وتقدم معنا كلام الإمام الذهبي (¬1) : كل من حكم عليه بكفر من أجل بدعته فنجوا أن لا يخلد في النار، وليس هو كاليهود والنصاري والمجوس وعباد الوثن.. وقرر هذا وختم ترجمته ذلك العبد ـ بشر المريسي ـ بهذا الكلام الحق. الإمام ابن قدامة علية رحمة الله جري بينه وبين بعض الحنابلة المعاصرين له شيء من الخلاف في هذه المسألة وهو الإمام محمد الخضر بن تيمية، من أجداد الإمام شيخ الإسلام احمد بن عبد الحليم بن تيمية، وهذا الذي كان معاصراً للإمام ابن قدامة توفي سنة 622 هـ (¬2) ينقل لنا حاصل الخلاف بينهما الإمام ابن رجب الحنبلي في كتابه "الذيل علي طبقات الحنابلة" (¬3) . يقول الإمام ابن رجب: ¬

_ (¬1) - الجزء10/202 عند ترجمة العبد المخذول بشر المريسي الذي هو بشر كما أن بشر الحافي هو بشر الخير، والإمام أحمد هو احمد السنة كما أن أحمد بن أبي دؤاد هو أحمد الضلال. (¬2) - يعني بعد الإمام ابن قدامة بسنتين اثنين. (¬3) - الجزء 2/154. والإمام ابن رجب توفي سنة 795 هـ

ووقع بين الشيخين أيضاً تنازع في مسألة تخليد أهل البدع المحكوم بكفرهم في النار (¬1) وكان الشيخ الموفق أبن قدامة لا يطلق عليهم الخلود (¬2) فأنكر ذلك عليه الشيخ الفخر ابن تيمية وقال: إن كلام الأصحاب مخالف لذلك، وأرسل يقول للشيخ موفق الدين ـ ولخص الإمام ابن رجب هذه الرسالة في قرابة ثلاث صفحات أقرأ المهم منها (¬3) كتاباً أوله: إخوه في الله عبد الله بن أحمد يسلم علي أخيه الإمام الكبير فخر الدين جمال الإسلام ناصر السنة أكرمة الله بما أكرم به أولياءه، وأجزل من كل خير عطاءه، وبلغه أجله ورجاءه، وأطال في طاعة الله بقاءه. سبحان الله! بينكما خلاف وهذه الألفاظ تثني بها علي من خالفك؟ هذه حال السلف ولا داعي بعد ذلك للتنابز بالألقاب والهجاء المرير، لنتعلم الأدب من مراسلات علمائنا المتقدمين: أخوة في الله. فإذا اختلفنا سيبقي قول الله يشد أزرنا ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)) (¬4) إلي أن قال: إنني لم أَنْهَ عن القول بالتخليد نافياً له، ولا عدت القول به منصراً لضده، إنما نهيت الكلام فيها من الجانبين إثباتاً أو نفياً كفاً للفتنة بالخصام فيها، وإتباعاً للسنة في السكوت عنها، إذا كانت هذه المسألة من جملة المحدثات فأشرت علي من قبل نصيحتي بالسكوت عما سكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته والأئمة المقتدي بهم من بعدهم.. ¬

_ (¬1) - أي تنازعوا: هل نخلدهم في النار أولا؟ هذا فيمن حُكرم بكفره من اجل بدعته. (¬2) - أي يتوقف. يقول بدعة مكفرة، نكفرهم. لكن الخلود نتجنبة، الحكم عليهم بأنهم مخلدون: نبتعد عنه. (¬3) - أنظر كيف تستدرك هذه الهفوة (¬4) - الحجرات: 10

إلي أن قال: واما قوله وفقه الله: أني كنت مسألة أجماع (¬1) فإنني إذا كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حزبه متبعاُ لسنته، ما أبالي من خالفني، ولا من خالف فيّ، وتركوها وعادوني من أجلها، لما أردت لها إلا لزوماً، ولا بها إلا ارتباطاً، إن وفقني الله لذلك، فإن الأمور كلها بيديه، وقلوب العباد بين أصبعيه. وأما قوله ـ أي قول هذا الأخ الناصح ـ إن هذه المسألة مما لا تخفي، وهي أن من يحكم بكفره من أجل بدعته يخلد في النار، فقد صدق وبرّ، ما هي بحمد الله عندي خفيه، بل هي مُنْجَلَيَة. مُضٍيَّة، ولكن إن ظهر عنده بسعادته تصويب الكلام فيها تقليداً للشيخ أبي الفرج ـ أي ابن الجوزي ـ وأبن الزغاوني، فقد تيقنت تصويت السكوت عن الكلام فيها (¬2) إتباعاً لسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -، ومن هو حجة علي الخلق أجمعين، ثم لخلفائة الراشدين، وسائر الصحابة والأئمة المرضيين، لا أبالي من لا مني في إتباعهم، ولا من فارقني في وفاقهم، فأنا كما قال الشاعر: أجد الملامة في هواك لذيذة ... حباً لذكرك فليلمني اللَوَمُ ¬

_ (¬1) - يقول ابن قدامة لفخر الدين محمد بن الخضر بن تيمية: تقول لي إنني كنت محل إجماع، يعني جميع العلماء يقبلون قولي، وأنا لا يخالفني احد , فلما قلت إن من يحكم بكفرهم لبدعتهم لا يخلدون في النار خالفني من خالفني وما بقيت الكلمة مجمعة عليّ (¬2) - أي أنا متيقن أن السكوت هو الواجب

فمن وافقني علي متابعتهم، وأجابني إلي مرافقتهم وموافقتهم فهو رفيقي (بياض) وصديقي، ومن خالفني في ذلك فليذهب حيث شاء، وقوله سعادته: إن (بياض) بأن لفظ التخليد لم ترد، ليس بشيء (¬1) فأقول لكن عندي أنا هو الشيء الكبير (¬2) والأمر الجليل الخطير، فأنا أوافق أئمتي في سكوتهم كموافقتي لهم في كلامهم، الأول إذا قالوا، وأسكت إذا سكتوا، ولا أسير إذا ساروا، وأقف إذا وقفوا، وأحتذي طريقهم في كل أحوالهم جهدي، ولا أنفرد عنهم خيفة الضيعة إن سرت وحدي فأما قوله , فهذا متضمن أن قول الأصحاب ـ يعني الحنابلة ـ هو الحجة القاطعة. وهذا عجب (بياض) الأصحاب علي مسألة فرعية. أكان ذلك حجه (بياض) (¬3) ويكتفي بذكرها؟ فإن كان فخر الدين يري هذا فما يحتاج في تصنيفة إلي ذكر دليل، سوي قول الأصحاب وأن كان لا يري ذلك حجة في الفروع فكيف جعلة حجه في الأصول؟ وهب أنا عذرنا العامة في تقليدهم الشيخ أبا الفرح وغيرة من غير نظر في دليل، فكيف يعذر من هو أمام يرجع إليه في ألواح العلوم؟ ¬

_ (¬1) - يعني قوله إنه لفظ التخليد لم يرده وورد في الحديث [كلها في النار الا واحدة] * ولم يقل النبي علية الصلاة والسلام أنهم مخلدون أي فرق الأهواء ـ هذا ليس بشيء أي ليس بأمر كبير. إذا ما ورد هذا فنحن نأخذ هـ من النصوص ونحكم عليهم بالخلود. (¬2) - أي قولك لم يرد لفظ التخليد، وهذا ليس بشيء فنحن إذا أطلقناه لا حرج * قلت: تقدم الحديث صفحة 62 (¬3) - أي لو أجمعوا علي فرع من فرع الشريعة هل هذا يكفي؟ لا يكفي إلا أن يجمع علماء الأمة جميعاً

ثم بعد ذلك يقول له: ثم إن اتفق الكل علي تكفيرهم (¬1) فليس التخليد من لوازمة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أطلق التكفير في مواضع لا تخليد فيها ـ وذكر حديث [سباب المسلم فسوق وقتاله كفر] (¬2) وغيره من الأحاديث كنا ذكرناها وبينا قول أهل السنة فيها ـ وقال أبو نصر التجزي، اختلف القائلون بتكفير القائل بخلق القرآن، فقال بعضهم: كفر ينقله من الملة وقال بعضهم كفر لا ينقل عن الملة، ثم أن الإمام أحمد الذي هو أشد الناسي علي أهل البدع قد كان يقول للمعتصم (¬3) يا أمير المؤمنين، ويرى طاعة الخلفاء الداعين إلي القول بخلق القرآن. وصلاة الجُمع والأعياد خلفهم. ولو سمع الإمام أحمد من يقول هذا القول (¬4) الذي لم برد عن النبي علية الصلاة والسلام. ولا عن أحد مثله لأنكره أشد الإنكار، فقد كان ينكر أقل منة هذا، ثم إن علمتم أنتم هذا أفيحل لي ولمثلي ممن لا يعلم صحة هذا القول أن يقول به؟ أما من قد أطلع علي الإسرار، وعلم ما يفعله الله علي جِلَيتِهِ فما أنكرت عليه، ولا يبقي له أن يأمرني أن لأقول بمقاله مع جهلي بما قد علمه.. الخ ¬

_ (¬1) - أي هب أن جميع العلماء حكموا علي فاعل البدعة بالكفر ومن قال بدعة مكفرة كفروه ... (¬2) - قلت: تقدم الحديث صفحة 90. (¬3) - الذي تبني بعد المأمون محنة الناس بخلق القرآن. وفي عهده ضرب الإمام أحمد فماذا كان يقول الإمام احمد لذلك الخليفة المبتدع. (¬4) - أي أن القائل بخلق القرآن كافر يخلد في النار.

وأما قولك بسعادتك (¬1) فإن قنع مني بالسكوت فهو مذهبي وسبيلي، وعليه تعويلي وقد ذكرت عليه دليلي، وإن لم يرض مني إلا أن أول مالا أعلم، وأسلك السبيل الذي غيرة أسدّ وأسلم، وأخلع عذاري في سلوك ما فيه عتاري وبسخط عليّ الباري، ففي هذا التلاقي تلاقي، وتكرير صافي أو صافي، لا يرضاه لي الأخ المصافي، ولا من يريد إنصافي، ولا من سعي في إسعافي، والتابعة ولو أنه بشر الحافي.... إلي أن قال ـابن قدامه ـ: واعلم أيها الأخ الناصح أنك قادم علي ربك ومسؤول عن مقالتك هذه، فانظر من السائل، وانظر ما أنت له قائل، فأعد للمسألة جواباً، ولا تظن أنه يقنع منك في الجواب بتقليد بعض الأصحاب.. إلي إن قال: وانتم إن كنتم أظهركم الله علي غيبه، وبرأكم من الجهل وعيبه، وأطلعكم علي ما هو صانع بخلقه فنحن قوم ضعفاء قد قنعنا بقول نبينا - صلى الله عليه وسلم - وسلوك سبيله، ولم نتجاسر علي أن تتقدم بين يدي الله ورسوله، فلا تحملوا قوتكم علي ضعفنا، ولا علمكم علي جهلنا، وهذه رسالة (بياَض) هذا القدر. هذا الأمر ينبغي أن نعيه ـ أخوتي الكرام ـ في هذه الأيام، لا يلزم من الحكم علي القول بأنه بدعة أو انه ضلال، أو أنه كفر، أن يكون من قال به ضالاً، مبتدعاً، كافراً، أحذروا أمرين: لا تطلقوا لفظ الكفر علي أخذ من أهل القبلة، علي أحد من أمة نبينا محمد علية الصلاة والسلام، ما لم يستحل ما حرم الله، ويتهزيء بشريعة الله، واياكم اياكم أن تطلقوا لفظ الخلود بالنار، الحكم بالخلود بالنار علي مبتدع إذا صدر من مهتدي، ولا يعني هذا أننا نأخذ بالخطأ إذا صدر من أمام صالح، لا ثم لا، الخطأ والبدعة ترد علي كل أحد والحجة في النصوص الشرعية لكن هذا الأمر ينبغي أن يرسخ في أذهاننا. ¬

_ (¬1) - أنظر كيف تتلافى هذه الهفوة. وتزيل تكدير الصفوة.

وأقول لكم، عندما أُدَرّسُ محاضرات التوحيد الاخواتي الطلاب، وأتكلم علي بطلان تأويل نصوص الصفات، وأن هذا ضلال وبدعة، قلَّ أن القي محاضرة حول هذا إلا ويتبعني عدد من الطلاب يقول: يا شيخ إذن الاشعرية نكفرهم؟ ! سبحان الله! يا أخي الكريم نقول: هذا القول بدعة وضلال، فما الذي أخذك بعد ذلك إلي تكفير هؤلاء العلماء الذين أخطأوا في هذا المسلك، خطأهم يرد عليهم، فنحن الأن الواجب علينا أن نحصّن أنفسنا مما لا يدل عليه شرع ربنا، أما الحكم علي غيرنا، مالك ولهذا؟ أناس أخطاوا لهم أعذار. الله يعفو عنهم، يثيبهم، يعاقبهم، لا تنصب نفسك حكماً علي عباد الله، هذا القول عندنا خطأ وباطل فمن صدر، من كبيرا وصغير، فالقسم بغير الله لا يجوز سواء قال الإمام أحمد أو الشافعي: انه يجوز أولا يجوز، عندنا نصوص شريعة نحتكم إليها. وُجِدَ بعد ذلك خطأ، الإمام أحمد معروف عندنا، إمام أهل السنة الإمام الشافعي كذلك، فإذا أخطأ في تعليل شرعي يطرح هذا الخطأ ونستغفر له وما كلفنا الله إلا بإتباع شرعية ((وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ)) (¬1) انتبهوا لهذا إخوتي الكرام في هذا الأيام، احذروا تكفير المسلمين، واحذروا الحكم عليهم بالخلود في نار الجحيم. أسأل الله أن يجعل قلوبنا وألسننا سليمة نحو امة نبينا محمد علية الصلاة والسلام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرامين، وصلي الله وسلم الله علي نبينا محمد وعلي جميع الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين. ¬

_ (¬1) - الأحزاب:25

مقدمة فى بيان منزلة العلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين عمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد إخوتى الكرام سنتدارس كما قلت فى كل أسبوع موعظتين فى علم الفقه فى يوم الأحد ويوم الإثنين نسأل الله أن يعيننا على ذلك وأن يتقبل منا بفضله ورحمته إخوتى الكرام وهذه أول موعظة فى هذا العلم المبارك سأقدم لهذا العلم مقدمة تقوم على أمرين اثنين: الأمر الأول فى بيان منزلة علم الفقه فى الدين فى شريعة رب العالمين والأمر الثانى فى تراجم أئمتنا المهتدين ساداتنا أئمة المذاهب الأربعة المتبعة سيدنا أبى حنيفة النعمان فقيه هذه الملة المباركة المرحومة الذى توفى سنة خمسين بعد المائة وهكذا سيدنا الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه أبو عبد الله الذى توفى سنة تسع وسبعين مائة والثالث سيدنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعى الذى توفى سنة أربع ومائتين والإمام الرابع الإمام المبجل سيدنا أحمد بن حنبل الذى توفى سنة إحدى وأربعين بعد المائتين ويكنى بأبى عبد الله أيضا عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه أما الأمر الأول إخوتى الكرام من هذين الأمرين كما قلت فى منزلة الفقه فى الدين فى شريعة رب العالمين فسأقدم لهذا الأمر الذى قلت كما قلت مقدمة سأقدم له مقدمة فى بيان منزلة العلم وإذا ظهرت لنا منزلة العلم أحدد منزلة علم الفقه من العلم

إخوتى الكرام أما العلم فشأنه عظيم ويكفى بيان حقيقته ما قاله الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه قال يكفى فى بيان شرف العلم أن كل أحد يحب أن ينسب إليه ولو فى أمر حقير يعنى العلم بأمر حقير لو قلت هذا يعرف ويعلم يعنى كيف يزرع الشجر كيف يبنى بيت الدجاج كيف يرتب الباب إذا وصفته نعته بالعلم حتى فى أمر حقير تراه يفرح يكفى فى شرف العلم أن كل أحد يحب أن يمدح به أن يوصف به ولو فى أمر حقير وكل أحد يحزن إذا رفع عنه هذا الوصف ولو فى أمر حقير إذا قلت هذا يجهل يعنى أمرا من الأمور الحقيرة يعنى كأنه ينكسر خاطره فكل أحد يحب أن ينسب إلى العلم وكل أحد يكره أن ينسب إلى الجهل هذا يكفى فى بيان شرف العلم كما قال الإمام الشافعى رضى الله عنه وأرضاه وقد جاءت الآيات المحكمات فى كتاب رب الأرض والسماوات والأحاديث المتواترات عن نبينا خير البريات على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والآثار الكثيرات عن سلفنا أصحاب العقول الزاكيات فى بيان منزلة العلم وشأنه أما الآيات سأقتصر منها على ثلاث: الآية الأولى التى تبين لنا منزلة العلم وفضله ومكانة العالم ورتبته يقول ربنا الرحمن فى سورة آل عمران {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [آل عمران/18] سبحانه وتعالى شهد الله أنه لاإله إلا هو حكم سبحانه وتعالى بذلك وقال هذا وبينه حكم بذلك وقاله وبينه فشهد لنفسه بالألوهية والربوبية والوحدانية سبحانه وتعالى ثم ثنى بمن شهد له بذلك والملائكة وثلث بأولى العلم من أنبياء الله المباركين على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم ومن خلفائهم ورثتهم العلماء العاملين {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} الله جل وعلا هو القائم بالقسط المقيم للعدل سبحانه وتعالى بأمره وقسمه وجزائه,

بأمره أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الفاحش والإثم والعدوان وقسمه هو الذى يرزق من يشاء سبحانه وتعالى يعز من يشاء يحيى ويميت لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه وجزائه هو الذى يثيب كل عامل على ما عمل إن خيرا فخير وغن شرا فشر {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة7-8) {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم} والآية الثانية إخوتى الكرام فى سورة الزمر وفيها يقول ربنا عز وجل {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} [الزمر/:9] حقيقة لا يستوى من هو عالم مع من هو جاهل والعالم هو الذى يخشى الله عز وجل وثمرة العلم الخشية ولذلك هم يقنتون للحى القيوم آناء الليل ساعات الليل يحذرون الآخرة ويرجون رحمة الله جل وعلا هل يستوى من هذا شأنه ومن كافر بالله؟ لا وهكذا لا يستوى العالم والجاهل {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} والآية الثالثة إخوتى الكرام فى سورة فاطر وفيها يقول الله عز وجل {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور} [فاطر/27-28] (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور)

إخوتى الكرام وجاء تركيب الآية بهذه الصيغة (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ولم يقل رب الأرض والسماء إنما العلماء يخشون الله ليفيد إفراد العلماء بالخشية من الله عز وجل فهم الخاشون للحى القيوم سبحانه وتعالى هم الخاشون لا غيرهم ولو قال إنما العلماء يخشون الله لكان فى ذلك بيان للمخشى منه وهو الله لا إفراد العلماء بالخشية من الله عز وجل إنما المقصود هنا أنهم هم الذين يخشون لا غيرهم فإذن لبيان هذا الأمر قدم الله ذاته المباركة سبحانه وتعالى اسمه المبارك المفعول به (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) فهم الذين يخشونه لا غيرهم ولو قال إنما العلماء يخشون الله فى ذلك بيان أن العلماء يخشون الله ولا يخشون أحدا غيره كما قال جل وعلا فى سورة الأحزاب (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) وليس فى تلك الآية من الوصف للعلماء كما هو فى سورة فاطر هنا نعتهم بالخشية التى هى خاصة بهم (إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور) نعم إخوتى الكرام إذا وجد العلم النافع سيتبعه عمل صالح وخشية لله عز وجل سبحانه وتعالى القوة العلمية إذا لم تتبعها قوة عملية فلا خير فيها ولا مدح لأن الإنسان سيلتحق بأهل الملة الغضبية علم من غير عمل هذا طريق اليهود عليهم لعائن ربنا المعبود كمت تقدم معنا إيضاح هذا فى مواعظ التفسير عند قول ربنا الجليل (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ولذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء علم مع عمل أنتج الخشية لله عز وجل سبحانه وتعالى وكلما كثر علم الإنسان كلما زادت خشيته من ذى الجلال والإكرام

ثبت فى المسند والصحيحين وغير ذلك من دواوين السنة والحديث فى أعلى درجات الصحة من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ترخص فيه فتنزه عنه أقوام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يتنزهون عن الشىء أفعله أما والله إنى لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية) وتقدم معنا إخوتى الكرام ضمن مواعظ التفسير أيضا أن الشىء الذى فعله نبينا صلى الله عليه وسلم وترخص عنه من ترخص فسر بعدة أمور كما ورد فى الروايات الثابتة: منها القبلة للصائم وتقدم معنا ثبت هذا فى صحيح مسلم وغيره ومنها كما تقدم معنا إدراك الفجر على النبى عليه الصلاة والسلام وهو جنب أيضا هذا مما كان يترخص فيه وينوى الصيام بعد ذلك عليه الصلاة والسلام ويطلع عليه الفجر وهو جنب أحيانا فبعض الناس يعنى تنزه عن هذا ورأى أنه إذا طلع الفجر عليه وهو جنب لا يصح صومه والأمر الثالث كما تقدم معنا من الأمور التى فعلها عليه الصلاة والسلام وسلك طريق القصد من أنه عليه صلوات الله وسلامه كان يصوم ويفطر ويصلى ويرقد ويتزوج النساء فقال من قال أين نحن من خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثم بعد ذلك بعضهم عزم على أن يقوم الليل وبعضهم على أن يصوم الدهر وبعضهم على أن لا يتزوج فقال النبى عليه الصلاة والسلام (من رغب عن سنتى فليس منى) أمر ثالث هذا وأمر رابع قلت ذكره أئمتنا ولم أقف له على دليل وهو القصر فى السفر فعل هذا عليه الصلاة والسلام والفطر فى السفر فعله عليه صلوات الله وسلامه وترخص فيه فكأن بعض الناس ما أراد أن يفطر وما أراد أن يقصر الصلاة فهذا أيضا ذكر كما قلت ضمن الأمور التنزه عنها من تنزه فقال نبينا عليه الصلاة والسلام (إنى لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية) وقلت إخوتى الكرام مرارا إن منبع الكمالات بأسرها أمران اثنان

قوة عليمة وقوة عملية وما اجتمعتا إلا فى نبينا خير البرية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ولذلك هنا العلماء نعتوا بهذا الأمر إخوتى الكرام علم لكن معه خشية علم معه خشية إنما يخشى الله من عباده العلماء ولو كان فى العلم دون التقى شرف لكان أشرف خلق الله إبليس فخاصية العلماء الخشية من رب الأرض والسماء روى الإمام الدارمى فى سننه فى المقدمة فى باب من قال العلم الخشية والأثر فى الحلية ورواه الخطيب فى كتاب الفقيه والمتفقه عن الحسن البصرى عليه رحمة الله ورضوانه أنه أفتى فى مسألة فقيل له إن الفقهاء يقولون بغير هذا فقال للسائل: ويحك وهل رأيت فقيها, إنما الفقيه الزاهد فى الدنيا الراغب فى الآخرة البصير بأمر دينه المداوم على عبادة ربه هل رأيت من تنطبق عليه هذه الصفات هذا هو الفقيه وهو الذى أشار إليه ربنا جل وعلا بقوله إنما يخشى الله من عباده العلماء وبقوله فى سورة الزمر {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب} وأما الأحاديث إخوتى الكرام التى تبين لنا شرف العلم ومكانة العالم ورتبته فكثيرة وفيرة:

منها ما رواه الإمام أحمد فى المسند والحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى ورواه الإمام ابن حبان فى صحيحه والدارمى فى سننه ورواه الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله ورواه الخطيب فى كتاب الفقيه والمتفقه كما رواه أيضا فى كتاب الرحلة فى طلب الحديث ورواه البيهقى فى المدخل فى الصفحة خمسين ومائتين ورواه البيهقى فى شعب الإيمان أيضا والفسوى فى تاريخه والحديث صحيح صحيح من رواية سيدنا أبى الدرداء رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من فى السماوات ومن الأرض والحيتان فى جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على الكواكب كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) العلم ميراث النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه كما أتى فى النص والعلماء هم وُرََََََََََََََََََََاثه ما خلف المختار غير حديثه فينا فذاك متاعه وأثاثه عليه صلوات الله وسلامه هذه الخيرات إخوتى الكرام يحصلها طالب العلم طلبه العلم فى هذه الحياة يوصله إلى نعيم الجنات الملائكة تضع أجنحتها تتواضع له, تظلله بأجنحتها ترافقه عندما يطلب العلم, يستغفر له من فى السماوات ومن الأرض حتى الحيتان فى جوف الماء وفضله على العُبَََادكفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وهو خليفة النبى عليه الصلاة والسلام ووارثه

وروى الإمام الترمذى فى سننه وقال هذا حديث حسن غريب صحيح والحديث رواه الطبرانى فى معجمه الكبير والإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله والخطيب فى كتابه الفقيه والمتفقه وهو فى غير ذلك من دواويين السنة والحديث إسناده صحيح من رواية سيدنا أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه وأرضاه قال ذكر للنبى صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم ذكر للنبى عليه الصلاة والسلام رجلان أحدهما عالم والآخر عابد فقال عليه الصلاة والسلام (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) ثم قال عليه الصلاة والسلام (إن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرض حتى النملة فى جحرها وحتى الحيتان فى البحر ليصلون على معلم الناس الخير) (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه نعم إخوتى الكرام طلب العلم وتعليمه تعلمه وتعليمه مهنة الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه مهنتهم أن يتعلموا وأن يعلموا والله يقول لنبينا عليه الصلاة والسلام (وقل رب زدنى علما) وبعثه الله عليه الصلاة والسلام معلما روى الإمام ابن ماجة فى سننه والدارمى فى سننه أيضا والحديث رواه الإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده ورواه البيهقى فى المدخل إلى السنن فى صفحة ست وثلاثمائة ورواه الخطيب فى الفقه والمتفقه والطبرانى فى معجمه الكبير ورواه الأمام ابن السنى فى كتاب رياضة المتعلمين وهكذا الإمام أبو نعيم أيضا والحديث إخوتى الكرام حكم عليه شيخ الإسلام الإمام العراقى عليه رحمة الله فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الأول صفحة سبع عشرة حكم على إسناده بالضعف وقال إسناده ضعيف وتابعه على ذلك الإمام الزبيدى فى شرح الإحياء فى الجزء الأول صفحة إحدى عشرة ومائة

والذى يظهر والعلم عند الله أن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن لشواهده وللمتابعات لمن ضُعف من رواته من ضعف له متابع والحديث له شواهد فى الحديث رجلان صالحان مباركان فيهما ضعف بسبب عدم كمال تمام الضبط أولهما العبد الصالح عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقى شيخ بلاد أفريقيا وقاضيها العلم الإمام الصالح الأمَّار بالمعروف والنهَّاء عن المنكر رضى الله عنه وأرضاه روى له البخارى فى الأدب المفرد وحديثه مخرج فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى وقد توفى سنة ست وخمسين ومائة ضعيف فى حفظه وكان صالحا وصلاحه مجمع عليه وتمام ديانته متفق عليها رضى الله عنه وأرضاه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقى والإمام أحمد رضى الله عنه تقدم معنا كان يجله ويحترمه مع أنه لم يدركه لكن يعنى لما يذكر يحتفل بذكره وبمكانته ويرى له يعنى شأنا فى الإسلام ويقول جهر بالحق أمام أبى جعفر وأبو جعفر الذى كان سيفه يسبق لسانه وجهر بالحق أمامه تقدم عندما قال له الظلم ببابك فاش جئت أشكو إليك ظلم العمال فى الأمصار النائية البعيدة فكلما اقتربت من مكانك رأيت الظلم أكثر حتى رأيت الظلم فاشيا ببابك (لا إله إلا الله) وتقدم معنا خبره مع أبى جعفر ضمن محاضرات الحديث الشريف على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه عبد صالح قانت وشيخه أيضا عبد صالح قانت اسمه أيضا عبد الرحمن هذا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وذاك عبد الرحمن بن رافع التلوقى المصرى أيضا من بلاد إفريقيا توفى سنة ثلاث عشرة بعد المائة وقيل بعدها أيضا ضعيف فى الحفظ وهو رجل صالح وخرج حديثه من خرج أحاديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم فخرج له البخارى فى الأدب المفرد وأهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه ولفظ الحديث إخوتى الكرام عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال:

مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلسين أحد المجلسين فيه أناس يدعون الله ويرغبون إليه يذكرونه يحمدونه يصلون على النبى عليه الصلاة والسلام يسألونه الجنة ويستعيذون به من النار والمجلس الثانى فيه أناس يتعلمون الفقه ويعلمونه فقال عليه الصلاة والسلام كلا المجلسين على خير كلاهما فى طاعة لله جل وعلا من يذكر ومن يتفقه كلا المجلسين على خير أما هؤلاء فيسألون الله ويرغبون إليه فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وأما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل وإنما بعثت معلما ثم أقبل عليهم عليه الصلاة والسلام وجلس معهم إنما بعثت معلما عليه صلوات الله وسلامه وقد دعا نبينا عليه الصلاة والسلام لمن يحفظ نصوص الشريعة الحسان دعا له بالنضرة والرحمة بالبهجة فى قلبه والضياء فى وجهه فى هذه الحياة وما له عند الله أعظم وأعظم مما لا يخطر ببال أحد من المخلوقات نضرة ورحمة قال نبينا صلى الله عليه وسلم (نضر الله امرأ سمع مقالتى بالتشديد والتخفيف نضَر الله امرء سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)

الحديث إخوتى الكرام رواه الإمام أحمد فى المسند والترمذى فى السنن وهكذا الإمام ابن ماجه فى سننه وابن حبان فى صحيحه من رواية سيدنا عبد الله بن مسعود ورواه الإمام الترمذى فى سننه وهكذا الإمام أبو داود والإمام ابن ماجة فى سننه أيضا وابن حبان فى صحيحه والإمام الضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة من رواية سيدنا زيد ابن ثابت ورواه الإمام أحمد فى المسند والإمام ابن ماجة فى السنن من رواية سيدنا أنس بن مالك رضى الله عنهم وأرضاهم ورُوى الحديث عن غيرهم كما سيأتينا فهو من الأحاديث المتواترة عن نبينا إمام البررة عليه صلوات الله وسلامه وفى رواية هؤلاء نضر وروى بلفظ (رحم الله امرأ سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) رواية رَحِم رواها الإمام ابن حبان فى صحيحه عن سيدنا عبد الله ابن مسعود ورواها الإمام00عن سيدنا عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت أيضا فى صحيح ابن حبان ورواها الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والإمام ابن قانع فى تراجم الصحابة وأبو نعيم والإمام ابن عساكر عن النعمان ابن بشير عن أبيه بشير عن نبينا البشير النذير على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه رحم الله امرء أيضا والحديث رواه الإمام الديلمى عن أبى هريرة أيضا رضى الله عنهم أجمعين بلفظ رحم وهناك بلفظ نضر وكما قلت إخوتى الكرام إنه من الأحاديث المتواترة كما قرر أئمتنا انظروا قطف الأزهار المتناثرة من الأحاديث المتواترة للإمام السيوطى وهو الحديث الثانى فى صفحة ثمان وعشرين من الكتاب نص على تواتره وهكذا النظم المتناثر من الحديث المتواتر للشيخ الكتانى وهو الحديث الثالث فى نظم المتناثر فى صفحة أربع وعشرين

وقد قال الإمام ابن منده روى هذا الحديث أربعة وعشرون من الصحابة والإمام السيوطى زاد فى كتابه تدريب الراوى فقال روى عن ثلاثين صحابى عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وأفرده بجزء مستقل فى كتاب مستقل وتأليف مستقل عدد من أئمتنا منهم تلميذ الإمام ابن ماجة أبو عمرو أحمد ابن محمد المدينى الأصفهانى الذى توفى سنة ثلاث وثلاثين والثلاث مائة أفرد هذا الحديث فى جزء خاص ومنهم الخطيب البغدادى ومنهم من المعاصرين أبو الفيض أحمد ابن الصديق الغمارى وسمى كتابه المسك التبت فى تواتر حديث من سمع مقالتى وتبت بلدة متاخمة للصين فى بلاد الصين لعلها فى هذه الأيام يقال فيها أجود أنواع مسك الظباء, المسك التبت فى تواتر حديث من سمع مقالتى إخوتى الكرام العلم نور ولا بد من تحصيل العلم بلفظه وبفقهه فالنصوص لا بد من أن تضبط ولا بد من أن تفهم والعلم يقوم على هذين الأمرين فمن نقل النص فهمه فقد جمع بين الحسنيين ومن نقله ولم يفهمه فينقله إلى فقيه يفهمه ويستنبط منه أحكاما كما سيأتينا المحدثون صيادلة والفقهاء أطباء لكن العلم يقوم على هذين الأمرين على حفظ النص وعلى فقهه وفهمه وإذا ضاع أحدهما وجدت الجاهلية وإذا ضاعا يعنى أظلمت الحياة الدنيوية فلا بد من بقاء النصوص المباركة ولا بد من فهمها والفقه فيها يقول شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية فى مجموع الفتاوى فى الجزء السابع عشر صفحة سبع وثلاث مائة فى تفسير سورة الإخلاص والكتاب مطبوع أيضا ما يتعلق بتفسير سورة الإخلاص فى كتاب مستقل وهذا موجود أيضا كما قلت ضمن مجموع الفتاوى

يقول عليه رحمه الله (قد تخفى آثار الرسالة فى بعض الأزمنة أو الأمكنة بحيث يصير حالهم إما أنهم لا يعرفون اللفظ أو لا يعرفون معناه يعنى الجهل يقع إما فى اللفظ فلا يعرفونه ولا يتقنونه أو لا يعرفون معناه يقرأ القرآن وحديث النبى عليه الصلاة والسلام لكن من غير فقه النص حُفظ لكن لم يفقه ولم يعلم معناه قد تخفى بعض آثار الرسالة فى بعض الأزمنة أو الأمكنة بحيث يصل حالهم إما أنهم لا يعرفون اللفظ أى النص أو لا يعرفون معناه قال فيصيرون فى جاهلية بسبب عدم الأنوار النبوية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فيقع الشرك والتفرق ولا يمكن أن يحصل يعنى شرك وتفرق إلا إذا انعدم هذين الأمرين نص موجود لا يفقه يعبد الناس الأحجار والأشجار ويختصمون فى هذه الديار هذين لا بد إخوتى الكرام من وعيها لابد إذن من نص يفقه يعمل به إذن فيصيرون فى جاهلية بسبب عدم الأنوار النبوية فيقع الشرك والتفرق فالفتن القولية والفتن العملية هى من الجاهلية وتكون بسبب خفاء الأنوار النبوية قال الإمام مالك رضى الله عنه وأرضاه (إذا قل العلم ظهر الجفاء وإذا قلت الآثار ظهرت الأهواء) قل العلم وظهر الجفاء ولذلك من بدا جفا لأنه يبعد عن أهل العلم قل العلم ظهر الجفاء وإذا قلت الآثار يوجد عند الناس علم لكن هذا العلم بدون أثر الأمر تظهر الأهواء والبدع لأن هذا العلم سيكون علما آرائيا علما عقليا لا يستند إلى العلم النبوى الحق إلى الهدى الحقيقى إذا قل العلم ظهر الجفاء إذا قلت الآثار ظهرت الأهواء ولذلك إخوتى الكرام لابد من هذين الأمرين النص نحافظ عليه ثم بعد ذلك نفهمه ونفقهه نعم من لم يستطع الفقه فلا أقل من أن ينقل هذا النص فله هذا الأجر عند الله جل وعلا (نضر الله امرأ رحم الله امرء سمع مقالتى فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع)

إخوتى الكرام لما تقدم من النصوص الحسان قرر أئمتنا الكرام أنه لا يطلب العلم إلا الرجل الشهم والأمر كما قال سيد المسلمين فى زمانه الإمام الزهرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وأثره فى الحلية وفى كتاب الفقيه والمتفقه وفى كتاب شرف أصحاب الحديث أيضا للخطيب البغدادى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه قال (العلم ذكر ولا يطلبه إلا ذكران الرجال) العلم ذكر لا يحبه إلا ذكران الرجال ويكرهه مأنثوهم والمراد إخوتى الكرام من الذكران كما وضحت هذا أيضا ضمن محاضرات التفسير قلت لفظ الرجل لفظ الذكورة يطلق أحيانا على ما يقابل الأنوثة ويطلق أحيانا على صفة الكمال فى الإنسان تقول مررت برجل رجل أبوه كما حكى ذلك سيبويه عن العرب مررت برجل رجل أبوه ,أبوه رجل قطعا إنما يقصد مررت برجل أبوه كامل الرجولة فيه صفات الشهامة والفتوة والنخوة والمروءة هنا العلم ذكر أى هذا العلم كريم لا يطلبه إلا من كان كريما من الإناث والذكور لكن بما أنه كما قلت صفة الرجولة صفة كمال من اتصف بالكمال يقال فيه يعنى صفة الرجولة أى الصفة التامة الكاملة الشهامة المروءة ,المرأة الكاملة تطلب العلم والرجل الكامل يطلب العلم ومن انحرف عن العلم فقد انحرف عن الإنسانية كما سيأتينا يعنى لما سئل سيدنا عبد الله بن المبارك رضى الله عنه وأرضاه من الناس قال العلماء حقيقة إذا خرج عن هذا الوصف خرج عن الإنسانية العلم ذكر أى العلم كريم وله شأن عظيم عند رب العالمين لا يطلبه إلا من كان كريما أى من فقد صفة يعنى دنيئة لا يطلب العلم ,من انحط عن الإنسانية لا يطلب العلم يقصد هذا, لا يقصد يعنى أنه رجولته ناقصة بمعنى ذكورته ذكوريته ناقصة لا ثم لا العلم ذكر لا يطلبه إلا ذكران الرجال لا يحبه إلا ذكران الرجال لا يرغب فيه إلا ذكران الرجال ويكرهه مأنثوهم

ويقول العبد الصالح كما فى شرف أصحاب الحديث صفحة واحد وخمسين العباس ابن محمد الخراسانى (لا يطلب العلم إلا باذل ذكر وليس يبغضه إلا المخانيس) وكما قلت هنا يريد من الذكورة أيضا صفة الشهامة والمروءة والكمال والتمام فى الإنسان والباذل إخوتى الكرام هو السيد من الإبل الذى أكمل ثمانى سنين أو تسع سنين وليس بعد هذه الرتبة رتبة باذل ذكر وليس يبغضه إلا المخانيس ومما ينسب إلى سيدنا على صهر النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والأبيات تنسب يعنى فى كثير من كتب أئمتنا فى الإحياء وشرح الإحياء والله أعلم يعنى بصحة النسبة لأنهم لم يذكروا الإسناد إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه انظروا هذه الأبيات إخوتى الكرام مثلا فى شرح الإحياء فى الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين والأبيات حكيمة محكمة إن قالها سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه فهذه من معدنه والشىء من معدنه لا يستبعد وإن لم يقلها فقالها يعنى ربانى آخر من هذه الأمة المباركة رحمة الله ورضوانه على قائلها يقول: الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء وإن يكن لهم فى أصلهم شرف يفاخرون فيه فالطين والماء ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء ووزن كل امرء ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء ففز بعلم تعش حيا به أبدا الناس موتى وأهل العلم أحياء أبيات كما قلت محكمة حكيمة إن قالها سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه فهى من الحكمة التى من الله بها عليه وإن لم يقلها فقائلها كما قلت ربانى فى هذه الأمة المباركة المرحومة إخوتى الكرام الخاصية التى يتميز بها الإنسان عن بهيم الحيوان هى العلم وقد أشار إلى ذلك ربنا الرحمن فى سورة عروس القرآن وهى سورة الرحمن (الرحمن *علم القرآن*خلق الإنسان*علمه البيان) علم القرآن من شاء من خلقه ممن رضى عليهم وأنعم عليهم

(الرحمن *علم القرآن*خلق الإنسان) تعيينا للمتعلم من الذى يتعلم القرآن صنف واحد من مخلوقات الرحمن وهى الإنسان أوليس كذلك هذا صنف هو الإنسان تعيين للمتعلم (علمه البيان) لكيفية التعلم ,البيان الذى هو النطق تخبر عما فى نفسك وتفهم بعد ذلك خطاب غيرك وهذان الأمران هما عماد تعلم القرآن فلو لم تبن عما فى نفسك ولم تفهم ما يحدث به غيرك لما استطعت أن تتعلم كلام الله عز وجل (الرحمن *علم القرآن*خلق الإنسان) تعيينا لمن يتعلم القرآن ولذلك خلقت لهذا الأمر لتتعلمه لتعمل به فإذا ضيعته فقد خرجت عن إنسانيتك (خلق الإنسان*علمه البيان) نمتاز عن بهيم الحيوان بهذا الأمر علمه البيان) ونتعلم به كلام الرحمن سبحانه وتعالى فمن ضيع هذا فبإى شىء يمتاز كما قلت عن بهيم الحيوان حقيقة إنه حى لكنه فى الحقيقة ميت ورحمة الله على الإمام ابن القيم عندما ينشد بيتين لطيفين فيما يظهر والعلم عند الله من نظم غيره وما أعرف قائله ويكررهما فى كثير من كتبه انظروا مثلا إغاثة اللهفان فى الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين ومدارج السالكين فى الجزء الثالث صفحة واحد وستين ومائتين والأبيات أيضا فى شرح الإحياء فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعمائة يقول عليه رحمة الله ورضوانه قائل هذين البيتين المحكمين: وفى الجهل قبل الموت موت لأهله وأبادنهم قبل القبور قبور وأرواحهم فى وحشة من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور وفى الجهل قبل الموت موت لأهله الجاهل ميت, ميت وخرج عن صفة الإنسانية وفى الجهل قبل الموت موت لأهله وأبادنهم قبل القبور قبور يعنى أرواحهم قبضت فى أبدانهم كما أن أبدانهم ستقبض فى القبور التى فى صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد نسأل الله حسن الخاتمة وأرواحهم فى وحشة من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور إخوتى الكرام (المرء بأصغريه بلسانه وقلبه) كا قال زُهير بن أبى سُلمى لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

يعنى بأى شىء تمتاز عن بهيم الحيوان؟ بأصغريك لسان يتكلم علمه البيان وقلب يعقل ويفهم ما عدا هذا لحم ودم موجود فيك وفى سائر الحيوانات الأخرى المرء بأصغريه بقلبه ولسانه لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم يا عبد الله إن كنت تفتخر بقوتك فالجمل أقوى منك وإن كنت تفتخر بضخامة جثتك فالفيل أضخم جثة منك وإن كنت تفتخر وتدل بكثرة أكلك فالثور أعظم أكلا منك وإن كنت تفتخر بشجاعتك فالأسود أعظم شجاعة منك وأن تفتخر بكثرة وطئك فأصغر المخلوقات وهو العصفور الدورى أكثر سفادا منك, طيب بأى شىء تفتخر يا عبد الله يعنى هذه الأمور غلبك إليها الحيوان البهيم إنما عندك بعد ذلك علمه البيان هذه التى فقدها بهيم الحيوان ولذلك الحيوان مهما أوتى من شراسة وقوة وضخامة جثة يهاب الإنسان لما ركز الله فيه من تمييز غريزى لأن هذا الإنسان له فضل عليه وأنه عنده ما يدبر به الصناعات الخفية وعنده ما يحصل به العلوم النظرية هذا صاحب عقل هذا امتاز بالبيان عنك أيها الحيوان ولذلك مهما عظم كما قلت الحيوان يهاب من الإنسان وبعد ذلك يعنى أحيانا يدخل معه فى صراع هذا موضوع آخر لكن الأصل يهاب كل من يرى الإنسان من الحيوان يهابه يحترس منه إلا بعد ذلك كما قلت إذا يعنى أداه أن يغامر فيغامر من أسود مفترسة لكن فى الأصل فى الغالب تشرد من الإنسان000 الاتصال بها إنما إن انفرد به بعد ذلك وهو بحاجة إلى أكله أكله, أما أنه يعنى هو يأتى ويخالط بنى آدم يريد أن يصارعه لا بل بنو آدم هم الذين يطاردون الحيوانات مهما عظم شأنها وهى يعنى تتكفف كما يقال شرهم وتبتعد عنهم لكن إذا اضطرت ستدافع عن نفسها يعنى الهرة تدافع عن نفسها إذا اضطرت لكن هو فى الأصل يهاب الإنسان ويخاف منه {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} [الإسراء/70]

ولذلك إخوتى الكرام لا بد من أن نحصل العلم النافع وأصله كما سيأتينا الفقه فهو أصل العلوم والتذكير حلوائها وأعمها نفع كما قال الإمام ابن الجوزى رحمة الله ورضوانه عليه كما سيأتينا فى بيان منزلة علم الفقه بعون الله وتوفيقه العلم ضرورى من خرج عنه خرج عن الإنسانية سأل سيدنا عبد الله ابن المبارك رضى الله عنه كما فى الحلية من الناس قال العلماء من خرج عن هذا الوصف ليس من بنى آدم البهيم 00 لا يوجد ما يميزه عن الحيوان البهيم من الناس قال العلماء قالوا فمن الملوك قال الزهاد حقيقة الملك والغنى أن ستغنى عن الشىء لا به الملك والأمير فقير حتى إلى أعوانه وخدامه وأما الغنى الحقيقى الغنى أن تستغنى عن الشىء لا به فهذا لا بد إخوتى الكرام من وعيه الزهاد هم الملوك قالوا فمن الغوغاء قال أعوان السلطان ,أعوان السلطان هؤلاء هم الغوغاء السفهاء الذين يبيعون دينهم بدنيا غيرهم قالوا فمن السِفلة بكسر السين وإسكان الفاء, السفلة وهم السفهاء المنحطون قال الذين يأكلون الدنيا بالدين يتاجرون بدين رب العالمين الناس هم العلماء والملوك هم الزهاد والغوغاء هم أتباع الأمراء والسفلة هم الذين يأكلون الدنيا بالدين هذا كلام سيد المسلمين فى زمانه عبد الله ابن المبارك رحمة الله ورضوانه عليه الناس هم العلماء الناس هم العلماء فمن خرج عن هذا الوصف خرج عن الإنسانية ولذلك أخوتى الكرام كان أئمتنا يوصون بطلب العلم وينبغى أن يحفظ الإنسان هذا وأن يحرص عليه حتى يغادر هذه الحياة فوظيفته أن يتعلم وأن يعمل نقل الإمام ابن الجوزى فى تلبيس إبليس صفحة تسع وعشرين وثلاثمائة عن سيدنا الإمام أحمد رحمة الله ورضوانه عليه أنه قال وكان يوصى تلاميذه وأصحابه بذلك وهى وصية للمسلمين إلى يوم الدين المحبرة إلى المقبرة دواة الحبر ينبغى أن تلازمك حتى تقبر

وفى سير أعلام النبلاء فى الجزء الرابع عشر صفحة ثمان وأربعين وثلاثمائة جاء رجل إلى العبد الصالح سهل ابن عبد الله التسترى ومعه كتاب ومحبرة فقال له إن استطعت ألا تفارقهما حتى تفارق الحياة فافعل حتى تدفن فى قبرك فافعل الكتاب والمحبرة لا تفارق هذين فقال له أبا محمد فائدة وهى كنية لسهل بن عبد الله التسترى انصحنى بنصيحة فقال له (الدنيا كلها جهل إلا ما كان علما والعلم كله حجة إلا ما كان عملا والعمل موقوف على السنة والسنة تقوم على التقوى) احفظ هذا الدنيا كلها جهل من أولها لآخرها إلا ما كان علما والعلم حجة إلا ما كان عملا والعمل ينبغى أن يكون على السنة والسنة تقوم على التقوى نعم إخوتى الكرام الدنيا كلها جهل وكلها ظلمة وكل ما فيها ملعون إلا ذكر الحى القيوم وما أريد به وجه الكريم من علم نافع وعمل صالح ثبت فى سنن الترمذى وقال هذا حديث حسن والحديث رواه الإمام ابن ماجة وحسنه شيخ الإسلام الإمام العراقى أيضا فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الأول صفحة سبع عشرة من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما ومتعلما)) والحديث إخوتى الكرام نقل عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين بألفاظ مختلفة تبين لنا إلا ذكر الله وما والاه ,ما الذى يواليه ويشاكله ويماثله من أمور الطاعة التى يراد بها وجه الله جل وعلا ففى رواية البزار عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضى الله عنه مرفوعا إلى نبينا المحمود عليه صلوات الله وسلامه أنه قال (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله عز وجل) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يمكن أن يحصل ألا بعد العلم النافع والذكر كما هو فى رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه

والحديث إخوتى الكرام رواه الطبرانى فى معجمه الكبير من رواية سيدنا أبى الدرداء عن نبينا خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله منها) والحديث رواه أبو نعيم فى الحلية والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة عن سيدنا جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان لله منها) ونقل هذا الأثر إخوتى الكرام عن كعب الأحبار موقوفا عليه من قوله فى سنن الدارمى (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا من تعلم خيرا وعلمه) هذا كلام كعب الأحبار موقوفا عليه من قوله فائدة أبا محمد الدنيا كلها جهل إلا ما كان علما والعلم كله حجة إلا ما كان عملا والعمل ينبغى أن يكون على السنة والسنة تقوم على التقوى من حصل فهذا هو حقيقة المتقى لله عز وجل وكان هذا العبد الصالح سهل بن عبد الله التستسرى يقول كما فى ترجمته فى السير فى الجزء الثالث عشر صفحة ثلاثين وثلاثمائة وأما المكان المتقدم فى الجزء الرابع عشر ذاك ليس فى ترجمته أورد ذلك الكلام ضمن ترجمة غيره ذكر كلامه سهل ابن عبد الله التسترى فى ترجمة الحلاج وبين أنه مخذول وأنه خرج عن الهدى النبوى ولم يلتزم بكلام أئمتنا أيضا ويعنى نصحهم فذكر كلام سهل فيما يتعلق بذم الحلاج أورد هذا أن ذاك خرج عن طلب العلم النافع والعمل الصالح واتبع الرأى والضلال والبدع فالأثر الأول ليس فى ترجمة سهل إنما هذا فى ترجمته كان هذا العبد الصالح سهل بن عبد الله التسترى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول الجاهل ميت والناسى نائم عله يستيقظ والعاصى سكران والمصر هالك الجاهل ميت وفى الجهل قبل الموت موت لأهله الجاهل ميت والناسى نائم عله يستيقظ والعاصى سكران والمصر نعوذ بالله منه هالك ويل للمصرين

وقيل له كما فى هذا المكان فى ترجمته إلى متى نكتب العلم؟ إلى متى حديث النبى عليه الصلاة والسلام إلى متى؟ قال حتى تموت ويصب باقى الحبر فى قبرك, المحبرة هذه والقلم لا تتركهما طرفة عين فاطلب العلم حتى تموت ثم يصب باقى الحبر فى القبر يعنى لازم هذا على الدوام إخوتى الكرام هذه منزلة العلم كما قلت وهى باختصار لا أريد أن أفيض منها أكثر من هذا نتقل بعد إلى مكانة الفقه ومنزلته وحقيقة لا يمكن أن أتكلم على هذا الأمر فى هذه الموعظة إنما أذكر مقدمة لذلك ومنزلة الفقه ومكانته فى دين الله عز وجل أتكلم عليها فى موعظة تامة فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه لكن كما يقال التمهيد لما سيأتى فى الغد بعون ربنا المجيد إخوتى الكرام العلوم علوم الشرع المطهر علوم الدين خمسة أنواع كما قرر أئمتنا الأتقياء قرر هذا أئمتنا قاطبة انظروها مثلا فى رد المحتار على الدر المختار فى الجزء الأول صفحة تسع وسبعين وفى حاشية الإمام الطحطاوى فى الجزء صفحة اثنتين وسبعين ومائتين وكما قلت هذا كلام أئمتنا قاطبة مدار أمور الدين على خمسة أمور: أولها العقائد وثانيها الأخلاق والآداب قال أئمتنا الفقهاء عندما بحثوا فى أمور الدين والأولان يعنى هذان العقائد والآداب ليسا مما نحن بصدده نحن لا نبحث فى كتب الفقه لا فى العقائد ولا فى الأخلاق والآداب المواعظ والرقائق هذه لها كتب خاصة فعندنا كتب التوحيد وعندنا كتب الرقائق الرقاق والمواعظ والأخلاق والآداب وعندنا بعد ذلك كتب الفقه فيها ثلاثة أمور من خمسة من أمور الدين:

العبادات وبها بدأ الفقهاء كما سيأتينا والحكمة من بدئهم بها والمعاملات والعقوبات أمور الدين تقوم على هذه الأمور الخمسة عقائد آداب عبادات معاملات عقوبات فنحن سنتدارس ضمن مدارستنا لعلم الفقه ثلاثة من خمسة العبادات والمعاملات والعقوبات وليس موضوع علم الفقه كما سيأتينا ما يتوهم بعض الجهال كما قال بعض الإخوة يعنى فى الموعظة الماضية وهذا الآن الفاشى بين الناس نتعلم علم الفقه لنعرف كيف نصلى!! يا عبد الله يا عبد الله اتق الله فى نفسك وإذا كنت تجهل قدر هذا العلم لا تتكلم بالجهل لكن صرنا فى زمن الجاهل هو الذى سيوجه طلبة العلم نتعلم الفقه لنعرف كيف نصلى لا يا عبد الله العلم هذا علم الفقه يبحث فى جميع شئون الحياة فى أعمال المكلفين من أولها لآخرها فى عباداتهم ومعاملاتهم لا يخرج نوع من معاملاتهم مع بعضهم إلا وهى فى الفقه ثم بعد ذلك فى العقوبات وعليه بيع وشراء نكاح وطلاق حرب وسلم جهاد فى سبيل الله جل وعلا جزية بعد ذلك إمرة يا إخوتى الكرام جميع أحكام الدين تدخل فى الفقه عندك العقائد هذه التى خرجت عن موضوع علم الفقه واضح هذا ولا نبحث نحن فيما يتعلق بأمر العقائد إلا من زاوية وهى من خرج هذا ماذا نعامله نضرب رقبته واضح هذا ضمن بحث المرتد أما بعد ذلك تفصيل العقائد هذا يؤخذ من كتب التوحيد هناك قضية مسلمة إن خرجت عنها تضرب الرقبة (ومن بدل دينه فاقتلوه)

هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه يعنى جميع شئون الحياة يبحث فيها علم الفقه الذى سنتدارسه عبادات معاملات عقوبات من خرج عن هدى الشرع المطهر له عقوبة ولا بد لكن هذه العقوبة سيأتينا إما أن تكون محددة وإما أن تكون مطلقة وهى عقوبة التعزير أوسع الحدود على الإطلاق هذه إخوتى الكرام لا بد من وعيها فندرس علم الفقه لنعرف دين الله ولنعرف الحياة الإسلامية كيف تكون وكيف ينبغى أن نوجدها أن نسعى إليها وأما ما عندنا يعنى من علم الفقه إلا الصلاة نتعلم كيف نصلى وكيف نتطهر وتبقى الأمور هذه يعنى تترك وتهجر لا ثم لا لأن واقع الأمر هجرت من الحياة هجرت فعندما تأتى فى المعاملات يأتيك مثلا الربا أوليس كذلك محرم ومن أكبر الكبائر وتبحث بعد ذلك فى ربا الفضل وربا النسيئة الآن عماد عماد المعاملات فى هذه الأوقات ومحاربة لرب الأرض والسماوات هذا لا بد إخوتى الكرام من وعيه لنتعلم كيف نصلى وكيف نتعامل نأكل الربا ليل نهار وإذا رأيناه لا تتمعر وجوهنا غضبا للعزيز القهار ثم نعرف كيف نصلى أى صلاة ستقبل منا إذا كنا نتعامل بالربا أو نرضى به أو لا ننكره ونحاربه يا إخوتى الكرام هذا لا بد من وعيه سيأتينا ضمن المعاملات فهذا لا بد من وعيه وضبطه كما قلت عندنا فى مبحث التعزير يا إخوتى هذا الحد الذى هو أوسع الحدود الإسلامية وهى عقوبة على كل معصية ليس فيها حد مقدر يعنى من حلق لحيته يعذر هذا فى الشرع المطهر من تصور يعذر من اقتنى صورة يعذر من علق صورة يعذر نعم لا يوجد لذلك حد مقدر يعنى أن تجلد مائة أو أربعين من هنا عندنا حد التعزير من سجن من جلد من من حسبما يرى ولى الأمر هذا إخوتى الكرام لا بد منه هذا كله عُطل

غناء من غنى يعذر سفيه وترد شهادته عندنا فى كتب الفقه عند مبحث العدالة وأتى بخارم للمروءة وبمفسق يسقط عدالته وترد شهادة المغنى والرقاص باتفاق أئمتنا الفقهاء هذا لا بد من وعيه لا يذهب يغنى ويرقص وجاء ليصلى قالوا ليتعلم الفقه ليعرف كيف يصلى لا يا عبد الله لنتعلم الفقه لنرى الحياة الإسلامية والحياة الجاهلية وستأتينا هذه الأبحاث إن شاء الله ضمن موضوعات الفقه بعون الله وتوفيقه فدين الله جل وعلا من أوله لآخره كما قلت يقوم على خمسة أمور ثلاثة منها هى موضوع علم الفقه ولذلك فهو أصل العلوم نعم بعد ذلك الآداب والتذكير والمواعظ حلواؤها حقيقة هذه يعنى بهجة للناس عندما تتحدث عن الرقائق الترغيب فى الخير والجنة والتخويف من النار حلواؤها ويعم نفعها أعظمها نفعا لكن لا بد من هذه الأمور وهى الأحكام العملية فى هذه الحياة الدنيوية عبادات معاملات حدود وعقوبات ثلاثة من خمسة هى موضوع علم الفقه والفقه حقيقة يعنى له شأن عظيم كما قلت ثلاثة من خمسة من أمور الدين لكن هو كما قال أئمتنا دواؤه دواء الدين علم الفقه يقول العبد الصالح يحيى ابن عمار وهو من العلماء الأبرار توفى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة يحيى ابن عمار أبو زكريا شيخ سجستا انظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء الثانى عشر صفحة اثنتين وثمانين وأربعمائة وفى هذا المكان قوله الذى سأذكرها ونقله عنه شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى الجزء العاشر صفحة خمس وأربعين ومائة وفى مجموع الفتاوى شىء من يعنى التصحيف والتحريف صححوا ما فى مجموع الفتاوى على ما فى سير أعلام النبلاء من كلام هذا العبد الصالح يحيى ابن عمار أبى زكريا شيخ سجستا كا يقول العلوم خمسة:

أولها يقول علم تحصل به حياة الدين وهو علم التوحيد حياة الدين وحقيقة لا يمكن للإنسان أن يخرج من الشرك والكفران إلا بتوحيد ذى الجلال والإكرام الحياة تحصل بلا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام والإيمان حياة الدين علم التوحيد يقول علم هو قوت الدين وهو علم الموعظة والتذكير الذى تقدم معنا يقول عنه الإمام يحيى حلواؤها هذه هى الحلوى هذا قوت وحقيقة القلوب لا بد لها من ترغيب وترهيب لأجل أن تندفع إلى الخير وتبتعد عن الشر وعلم هو دواء الدين وهو علم الفقه وحقيقة إذا ما تعلمه الإنسان سيكون عليلا وتوحيده ماذا بعد ذلك حياة لكن حياة هزيلة نعم إذا وحد الله وبعد ذلك فرط فى شىء من العبادة أو المعاملة أو ارتكب محرم الله ما كفر لكن الصحة تامة؟ صحة الدين ناقصة هذا مثل إنسان يعنى حى لكن تطعمه كل يوم نصف تمرة وتحضر له نصف كأس من الماء يشرب لا يموت لكن كما قال جلدة وعظمة ونحيف شاحب اللون لو نفخت عليه لسقط ما مات لكن هذه ليست صحة وليست قوة وليست عافية وهنا عندك حياة ما عندك صحة تداوى بها نفسك من أجل أن تطرد الأسقام إذا حياة الدين قوت الدين دواء الدين والرابع نعوذ بالله منه داء الدين وهذا ينبغى أن نحذره حقيقة يقول ذكر أخبار ما جرى من منازعات بين سلفنا الكرام رضوا الله عليهم أجمعين ما جرى بين العلماء أحيانا من يعنى شىء من الكلام فى بعضهم ما جرى من السلف من خلاف مع بعضهم ذكر هذا داء الدين والخامس وهو شرها أيضا علم إذا حصله الإنسان أهلك به دينه هلاك الدين وهو علم الكلام والفلسفة هذه علوم خمسة انتبه لها حياة الدين قوت الدين دواء الدين داء الدين هلاك الدين فنحن إذا عندنا أصل الدين ودواء الدين وثلاثة من أمور خمسة يقوم عليها دين رب العالمين سندرسها كما قلت فى علم الفقه بعون الله وتوفيقه

يقول الإمام ابن الجوزى عليه على أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه لفتة الكبد إلى نصيحة الولد وكتبها لولده فى صفحة خمس وأربعين (الفقه أصل العلوم والتذكير حلواؤها وأعمها نفعا) وإذا فقد الإنسان هذا الأصل فاستمعوا لما سيقع له من مثال واحد سأذكره أختم الموعظة به بعون الله وتوفيقه يقول الإمام ابن الجوزى فى صيد الخاطر صفحة اثنتين وسبعين ومائتين من أخبار شيخه الذى تلقى عنه وهو أبو محمد عبد الله بن أحمد الخشاب توفى سنة سبع وستين وخمسمائة للهجرة انظروا ترجمته فى المنتظم فى الجزء العاشر صفحة ثمان وسبعين ومائتين وفى السير فى الجزء العشرين صفحة ثلاث وعشرين وخمسمائة وفى الذيل على طبقات الحنابلة فهو من أئمة الحنابلة لكنه مزجى البضاعة فى الفقه يعنى هو من أتباع المذهب لكن بضاعته فى الفقه كاسدة كاسدة كاسدة كما ستسمعون حسب نقل تلميذه المبارك الميمون فى الذيل على طبقات الحنابلة فى الجزء الأول صفحة ست عشرة يقول عنه الإمام ابن الجوزى تلميذه سمع الحديث الكثير وقرأ منه ما لا يحصى وقرأ النحو واللغة العربية وانتهى إليه علمهما بل نعته الذهبى فى السير قال كان يضرب به المثل فى العربية والنحو ويقال هو فارسى زمانه يعنى أبى على الفارسى وكأبى على الفارسى هذا العبد مع مكانته سأل عن حكم رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام عند الركوع والرفع من الركوع ما حكم رفع اليدين فقال ركن من تركه بطلت صلاته قال الإمام ابن الجوزى ما دهُش الحافظون من قلة فقهه رفع اليدين ركن حقيقة يعنى ليس الفقه صناعته قرأ الحديث الكثير ومهر فى اللغة والنحو وصار إليه المنتهى فيهما لكنه مزجى البضاعة فى الفقه وصل به الأمر أن يقول رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ركن وهذا من المستحبات إخوتى الكرام ولو كبر ولم يرفع يديه فصلاته صحيحة ولعل كثيرا من العامة يرى هذا يعنى لعله لا يرى صحة الصلاة إذا لم يرفع يديه لأنه يرى الرفع فيظن أن هذا ركن

ولا بد إخوتى الكرام تمييز يعنى أفعال الصلاة عن بعضها ما هو ركن وما هو سنة ومستحب يأتينا كما قلت بيان منزلة علم الفقه وشأنه فى الموعظة الآتية بعون الله وتوفيقه اللهم صل على نبينا محمد وعلى حميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا اللهم أنا نسألك من كل خير أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربيانا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه واغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتى الكرام يسأل أخ كريم عن الأبيات المنسوبة إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه والتى قد ذكرتها آنفا الناس من جهة التمثال أكفاء أبوهم آدم والأم حواء هذه الأبيات منسوبة إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه بغير إسناد وقد ذكرت فى كتب الوعظ والإرشاد والآداب ولا يستبعد صدورها عن الفصيح المنطيق الحكيم البليغ رابع الخلفاء الراشدين عليهم جميعا رضوان رب العالمين وهذه الأبيات كما قلت إخوتى الكرام ذكرت فى إحياء علوم الدين وفى شرح الإحياء اتحاف السادة المتقين للإمام الزبيدى وقد أطال الإمام الزبيدى الكلام عليها وعلى وصف سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه بالشاعرية انظروا كلامه فى ذلك فى اتحاف السادة المتقين فى الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين وانظروه أيضا فى تاج العروس فى شرح القاموس للإمام الزبيدى أيضا فى الجزء السابع صفحة خمس وثمانين

نعم إن سيدنا عليا رضى الله عنه وأرضاه شاعر شاعر وقد قال الإمام الشعبى عليه رحمة الله كما فى الإستيعاب للإمام ابن عبد البر على هامش كتاب الإصابة فى الجزء الثالث صفحة ثلاثين ومائة قال الإمام الشعبى عليه رحمة الله كان سيدنا أبو بكر شاعرا وكان سيدنا عمر رضه الله عنهم أجمعين شاعرا وكان سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه أشعر الثلاثة إخوتى الكرام إن الأبيات المتقدمة ذكرها الإمام ابن عبد البر عليه رحمة الله فى جامع بيان العلم وفضله فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين ويوجد اختلاف بينها وبين ما هو فى إحياء علوم الدين وشرحه اتحاف السادة المتقين والمعنى واحد فى الجميع قال الإمام ابن عبد البر رضى الله عنه وأرضاه فى جامع بيان العلم وفضله كما ذكرت فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين وينسب إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه من قوله وهو مشهور من شعره سمعت غير واحد ينشده له الناس فى جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء نفس كنفس وأرواح مشاكلة وأعظم خلقت فيهم وأعضاء فإن يكن لهم من أصلهم حسب يفاخرون به فالطين والماء ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرىء ما كان يحسنه وللرجال على الأفعال أسماء وضد كل امرىء ما كان يجهله والجاهلون لأهل العلم أعداء هذا فيما يتعلق بالأبيات المنسوبة إلى سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه وأما فيما يتعلق بيت الشعر المنسوب إلى الإمام أبى الفضل العباس ابن محمد الخرسانى عليع وعلى أئمتنا رحمة ربنا فهو كما قلت أيضا فى شرف أصحاب الحديث فى صفحة واحدة وسبعين وهو ضمن ثلاثة أبيات حكيمة محكمة يقول فيها عليه رحمة الله رحلت أطلب أصل العلم مجتهدا وزينة المرء فى الدنيا الأحاديث لا يطلب العلم إلا باذل ذكر وليس يبغضه إلا المخانيس لا تعجبن بمال سوف تتركه فإنما هذه الدنيا مواريث

ولفظ الذكور وهكذا لفظ الرجولة يراد بكل منهما كما قلت التمام والكمال والشهامة والمروءة والفضل فلا يطلب العلم إلا من كان كاملا شهما فاضلا نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يفقهنا فى ديننا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يجعل علمنا حجة لنا لا علينا أنه ولينا وحسبنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الصلاة كما أرادها الله

الصلاة كما أرادها الله (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الصلاة كما أرادها الله الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم (فما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2)) ) سورة النساء: 1 (¬3)) ) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) . أما بعد: معشر الإخوة المؤمنين.. أشرف البقاع وأحبها إلي رب الأرض والسماء المساجد فهي بيوت الله فيها نوره وهداه وهي محل عباد الله المهتدين وقد نعت الذين يعمرونها بأنهم رجال ووصفهم بأربع خصال: فهم لا تلهيهم الدنيا وهم يعظمون الله جل وعلا فيذكرونه ويصلون له ويشفقون علي عباد الله ويحسنون إليهم ويتصدقون عليهم وهم يستعدون ليوم المعاد للقاء رب العباد {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (¬2) . إخوتى الكرام: كنا نتدارس الصفة الثانية أنهم يذكرون الله ويقيمون الصلاة وقد تقدم معنا ما يتعلق ببيان معنى الإقامة ولفظ الصلاة، وباختصار إقامة الصلاة يراد بها توفية الصلاة حقها علما وعملا فإقامة الشيء حقه عملا وعلما والصلاة هي الأقوال والأفعال المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة. ¬

_ (¬1)) ) سورة الأحزاب 70، 71 (¬2) سورة النور: 36، 37

عباد الله إذا أقام الإنسان الصلاة كما أراد الله جل وعلا هنيئا له ينال رضوان الله وله عهد عند الله أن يغفر له إذا أقام الصلاة وفاها حقها علما وعملا ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والحد يث رواه الإمام مالك في الموطأ وابن حبان في صحيحه ورواه البيهقي في السنن الكبرى وأبو داود الطيالسي في مسنده وهو حديث صحيح،صحيح إسناده كالشمس عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال أشهد أنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) . إذاً لابد من إقامة الصلاة أن تحسن وضوءها وأن تصليها في وقتها وأن تتمها بركوعها وسجودها وخشوعها فإذا حصل منك ما يريده الله من هذه الصلاة فقد نلت هذه الجائزة وهذا العهد عند الله جل وعلا فهو أن يغفر لك فهو خير الغافرين وهو أرحم الراحمين. لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة. فالمطلوب من الصلاة إقامتها توفيتها علما وعملا ثبت في الصحيحين والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي عن أمير المؤمنين ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه أنه دعي بوضوء فتوضأ ثم قال: رأت النبي صلي الله عليه وسلم توضأ وضوئي ثم قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من توضأ مثل وضوئي ثم قام فصلي ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء غفر له ما تقدم له من ذ نبه) .

فقد أقام الصلاة أحسن الوضوء وصلي صلاة خالصة لله ما شغله منها مشاغل جزاؤه أن يغفر الله له ما تقدم من ذنبه وإذا صلي الإنسان وما أقام الصلاة ما وفي الصلاة حقها علما وعملا فالويل له ثم الويل له إنه سارق لكنه أشنع الشراك وأخبث السارقين عند رب العالمين فإذا سرق الإنسان متاع غيره فهذا منقصة وذلك كبيرة والسارق ملعون فكيف من يسرق من صلاته التي هي عبادة لله خالصة للحي القيوم وقد وضح نبينا صلي الله عليه وسلم هذا وبين لنا أن من صلي دون إقامة للصلاة أي دون توفية الصلاة حقها علما وعملا فهو سارق ثبت الحديث بذلك في معجم الطبراني الكبير والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه وأقره عليه الذهبي وهو صحيح. صحيح من رواية أبي قتادة الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته) والحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام وروي عن جمع من الصحابة الكرام رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والطبراني في المعجم الكبير والأوسط والإمام الدارمي عن أبي هريرة رضي الله عنه. أيضا رواه الإمام أحمد في المسند وأبو يعلى في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام مالك عن معاذ بن مرة ورواه الطبراني في معاجمه الثلاثة بإسناد جيد عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أسرق السارقين من يسرق من صلاته) أشنع السارقين وأخبثهم من يسرق من صلاته التي هي عبادة لله جل وعلا. المطلوب منا نحو الصلاة أن نقيمها ليحصل بعد ذلك فائدتها في الدنيا والآخرة {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (¬1) . ¬

_ (¬1) العنكبوت: 45

إخوتي الكرام: ولإقامة الصلاة كلام طويل، طويل لا يمكن أن أتكلم عليه علي وجه التفصيل في هذه الموعظة المختصرة المباركة إنما أتكلم عن أربعة أمور هي معاقد ومجامع إقامة الصلاة وأما تفصيل ما يتعلق بالصلاة مفتاحها وهو الطهور إلي تحريمها وهو التكبير إلي تحليلها وهو التسليم وما يكون بين ذلك فلعلنا نتدارس هذا ونعود إليه بعد تفسير هذه الآية الكريمة التي نعت الله فيها الرجال الذين يعمرون بيوته في هذه الحياة بأربع خصال بعد الكلام عليها نعود إن شاء الله إلي مدارسة ما يتعلق بالصلاة من مفتاحها إلي تحليلها. إخوتي الكرام: لكي يحقق الإنسان إقامة الصلاة كما يريد ذو الجلال والإكرام ينبغي أن يعتني هذه الأمور الأربعة. أولها: أن يؤدي الصلاة في وقتها {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتا} (¬1) فرضا مؤقتا ينبغي أن تؤدي كل صلاة في وقتها فلله حق في الليل لا يقبله في النهار ولله حق في النهار لا يقبله في الليل. ونفذ ما أمرك الله كما يحب الله وكما بين الله سبحانه وتعالى فهذه الصلوات ينبغي أن تؤدى في الأوقات التي حددها لنا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه وإذا أردت أن تنال القبول عند رب الأرض والسماوات فبادر إلي أداء الصلاة في أول الأوقات فهذا أحب شيء إلي رب الأرض والسماوات. ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلي الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: أي العمل أحب إلي الله عز وجل قال: الصلاة علي وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله. يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدثني بهن رسول الله صلي الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني أعظم حقوق الله عليك بعد توحيده الصلاة وأحب شيء إلي الله تفعله في هذه الصلاة أن تؤدي الصلاة في أول وقتها. ¬

_ (¬1) النساء:103

ولذلك ثبت في سنن الترمذي وسنن أبي داود من حديث أم ثروة وهي أخت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنها وعن سائر الصحابة الكرام وهي أخته من أبيه أنها قالت سألت النبي صلي الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلي الله فقال: أحب الأعمال إلي الله الصلاة في أول وقتها فحافظ علي هذا الأمر أعني الصلاة في وقتها وبادر إلي ذلك وإياك،إياك أن تؤخر الصلاة إلي آخر الوقت أو إلي خروج الوقت فهذا مضيعة للصلاة فالله عز وجل بعد أن ذكر المنعم عليهم من عباده المخلصين في سورة مريم: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ} (¬1) . ويقول ربنا العظيم في سورة الماعون: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصلينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} (¬2) وإضاعة الصلاة والسهو عنها شامل لأمور ثلاثة كما حقق أئمتنا المفسرين وفي مقدمتهم الإمام المبارك ابن كثير في تفسيره عليه وعلي أئمتنا جميعا رحمات رب العالمين. إضاعة الصلاة والسهو عنها شامل بالترك عنها كلية وشامل لتأخيرها إلي آخر الوقت وشامل لعدم إيقاعها علي الوجه المطلوب فإذا صليتها في أول الوقت دون خشوع وإتمام لها فقد ضيعتها وقد سهوت فيها وعنها أي عن فعلها علي وجه التمام والكمال تضيع الصلاة والسهو عنها شامل في هذه الأمور الثلاثة. ¬

_ (¬1)) ) سورة مريم: 59 (¬2)) ) سورة الماعون: 4، 5

وقد ثبت في أصح الكتب بعد كتاب الله جل وعلا في صحيح البخاري في كتاب مواقيت الصلاة بابا يشير إلي هذا فقال باب تضييع ساق بسنده المتصل أصح إسناد عن الإمام الزهري أنه دخل علي أنس بن مالك رضي الله عنه يشكو الحجاج إلي عبد الملك بن مروان يقول دخلنا علي أنس بن مالك وهو يبكي فقلت له ما يبكيك يا أبا حمزة فقال: لا أعلم شيئا مما كان علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا قد ضيع إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة عملتم فيها ما عملتم أي من التأخير عن وقتها والحجاج يؤخر الصلاة إلي آخر وقتها وكان هو الذي يؤم المسلمين فذهب أنس بن مالك إلي بلاد الشام من البصرة يشكو الحجاج ويخبر الخليفة عبد الملك بن مروان بأن الحجاج غير سنة النبي صلي الله عليه وسلم وأضاع الصلاة وفي رواية الترمذي أنه قال ـ أي أنس بن مالك رضي الله عنه ما أعلم شيئا مما نحن عليه علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم إلا وقد ضيع فقال له أبو عمران الجوني وهذه الصلاة أي نحن نصلي فكيف نقول كل شيء قد ضيع منا أليس قد عملتم فيها ما عملتم أي من تأخيرها عن وقتها التي هي أحب الأوقات إلي الله جل وعلا أخرتم الصلاة عن أول الوقت أليس قد عملتم فيها ما عملتم إذا تضييع الصلاة والسهو عنها شامل لهذه الأمور الثلاثة لتركها بالكلية كتأخيرها إلي آخر الوقت لعدم إيقاعها علي الوجه المطلوب فكل من حصل صفة من هذه الصفات فله من الذم بمقدار الصفة التي فيه. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَياًّ} (¬1) ، {فَوَيْلٌ لِّلْمُصلينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} (¬2) . ¬

_ (¬1)) ) سورة مريم: 59 (¬2)) ) سورة الماعون: 4، 5

وقد أخبرنا نبينا صلي الله عليه وسلم أن من أخر الصلاة حتى خرج وقتها فقد حبط عمله ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والحديث رواه الإمام النسائي وابن ماجه من حديث بريدة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم (من ترك صلاة العصر حبط عمله) والمراد من الترك أن يؤخرها حتى يخرج وقتها. كما ثبت هذا في بعض روايات الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله) أي يوم الغيم لا تظهر الشمس فقد تغرب وأنت تظن أن النهار باق ولذلك باكروا بالصلاة لئلا تغرب الشمس عنه فاتته صلاة العصر. وقد ثبت في الكتب الستة إلا صحيح البخاري وسنن ابن ماجه فهو في صحيح مسلم والكتب الثلاثة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي عليه وسلم يقول: (تلك صلاة المنافقين، وفي بعض روايات الحديث تلك صلاة المنافقين يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان حتى إذا كانت صفراء قام فنقر أربعا حتى لا يذكر الله فيهن إلا قليلا فهي صلاة المنافق سبحان الله يصلي وهو منافق يصلي والويل له نعم ما أقام الصلاة ليس المقصود من الصلاة تأديتها إنما المقصود من الصلاة إقامتها وتقدم معنا أن لفظ الإقامة توفية الشيء علما وعملا ولذلك قال سفيان هذه الآية في سورة المائدة: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} (¬1) هي أشد آية في القرآن أخوف آية في القرآن ليسوا علي شيء ولا وزن لهم عند الرحمن وإذا ما وفوا ما أنزل الله إليهم حقه علما وعملا. ¬

_ (¬1)) ) سورة المائدة: 68

وهكذا يا أمة محمد على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه لستم على شيء حتى تقيموا القرآن وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم توفوا هذين الشيئين علما وعملا عباد الله فلابد من المحافظة على الصلاة في وقتها ليتحقق فيك شيء من إقامة الصلاة ولا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة. وأخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ثبت الحديث في المسند والصحيحين والسنن الأربعة والحديث رواه الإمام مالك في الموطأ والدارمي في المسند ورواه ابن خزيمة في صحيحه وهو في أعلى درجات الصحة من حديث ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله الوتر هو النقص والضياع أي كأنما أضاع أهله وماله أو ضاع منه أهله وماله الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر من فاتته صلاة العصر إذا أضاع الصلاة حتى خرج وقتها هذا حاله وتلك عقوبته فلابد من المحافظة على وقت الصلاة. والأمر الثاني الذي ينبغي أن نحافظ عليه يتحقق فينا أيضا شيء من إقامة الصلاة حضور القلب عند مناجاة الرب في هذه الصلاة فينبغي أن تتأمل فيما تقرأ فيما تذكر وأن يحضر قلبك وأن لا يشرد ذهنك والله جل وعلا أخبرنا أن المؤمنين فازوا بالرضوان العظيم والنعيم المقيم لصفات كريمة فيهم أولها يخشعون في صلاتهم {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (¬1) وإنما قدم هذه الصفة لأنها أصل لما عداها فإذا خشعت في صلاتك واستقامت صلاتك استقامت سائر أعمالك وإذا فسدت الصلاة فبقية الأعمال أفسد وأشنع. ¬

_ (¬1)) ) سورة المؤمنون: 1-2

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (¬1) وقد أخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم أن الإنسان إذا خشع في صلاته يتلذذ بها فتصبح هذه الصلاة قرة عين له ثبت في المسند والسنن والحديث رواه الإمام البيهقي في السنن والحاكم في المستدرك وقال: (صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة) . وهذا الحديث يرويه الكثير من الوعاظ بلفظ حبب إلي من دنياكم ثلاث وهذه الزيادة باطلة لم تثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ومع بطلانها وعدم ثبوتها هي مفسدة للمعنى فمناجاة الله عز وجل وذكره والأنس بمناجاته وحلاوة عبادته ليست من أمور الدنيا حبب ألي من الدنيا الطيب فهو غذاء للعقل والنساء ففي ذلك راحة للعقل والجسم ونشاط وصحة للبدن وإخراج ذرية تعبد رب البرية توحد الله وتجاهد في سبيله ولكن اللذة العظمى وجعلت قرة عيني في الصلاة نعم من خشع في صلاته كانت الصلاة قرة عين له. ¬

_ (¬1)) ) سورة المؤمنون: 1-2

وقد أخبرنا الصحابة الكرام عن حال نبينا صلي الله عليه وسلم عندما كان يصلي ويناجي الرحمن أن قلبه وصدره كان يخفق من خشية الرحمن وخشوعه في صلاته عند مناجاته ربه جل وعلا ثبت في الحديث في ذلك في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والحديث رواه الإمام الترمذي في الشمائل النبوية على نبينا محمد صلوات الله وسلامه ورواه أعني الحديث الإمام النسائي في السنن أيضا وهو في صحيح ابن حبان والسنن الكبرى للإمام البيهقي عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال أتيت النبي صلي الله عليه وسلم وهو يصلي فسمعت لصدره أزيزا كأزيز المرجل من البكاء أي كأزيز القدر الذي عليه الماء يغلي ويفور فكان قلب النبي صلي الله عليه وسلم يخفق في صدره فيظهر هذا الصوت منه صلوات الله عليه وسلامه فسمعت لصوته أزيزا كأزيز المرجل. وفي بعض روايات أبي داود وصحيح ابن حبان فسمعت لصدره صوتا كصوت الرحى أي كصوت الطاحون عندما تدور وتطحن البر هذا حال نبينا صلي الله عليه وسلم عندما يتلذذ بمناجاة الله وعى هذا درج الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان ولن يزال هذا الوصف في عباد الرحمن إلى لقاء ذي الجلال والإكرام.

قيل للعبد الصالح عامر بن عبد قيس وهو من أئمة التابعين أدرك الصحابة الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين قيل له إذا قمت تصلي هل تحدث نفسك في صلاتك تكلمها تبحث معها تفكر في شيء فقال أو شيء أحسن من الصلاة حتى أحدث نفسي به يوجد أحلى من الصلاة ومن مناجاة الله حتى أحدث نفسي به فقالوا إنا نحدث أنفسنا في صلاتنا قال بأي شيء يذكر الجنة والنار والحور والولدان إذا قمتم إلى الصلاة تحدثون أنفسكم بما يكون في الآخرة قالوا لا بالأهل والأولاد والأموال نحدثها بأمر الدنيا قال سبحان الله أو يفعل ذلك مسلم يقع هذا في قلبه والله لأن تختلف الأسنة في صدري أحب إلي من أن تحدث نفسي بشيء من ذلك مسلم يفعل هذا بين يدي الله والله جل وعلا ينظر لي قلوبنا وهي في كل واد تهيم نصلي صلاة لو قدمت لزبال لردها علينا وما قبلها فكيف بذي العزة والجلال من تكبيرة الإحرام إلي الإنتهاء منها بالسلام لا يعقل منها شيئا أي صلاة صليتها أي صلاة فعلتها. إخوتي الكرام: الذي حصل أن النبي صلي الله عليه وسلم قد أخبرنا أول ما سيرفع من هذه الأمة الخشوع وهذا الذي حصل ونسأل الله أن يلطف بأحوالنا وأن يذيقنا حلاوة مناجاته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ثبت في معجم الطبراني الكبير بسند حسن كما قال الهيثمي في المجمع والمنذري في الترغيب والترهيب عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع فلا ترى فيها أحدا خاشعا) نعوذ بالله من هذا.

والحديث إخوتي الكرام مرفوع في هذه الرواية وروي عن صحابيين اثنين موقوف عليهما روي عن عبادة بن الصامت وعن شداد بن أوس رضي الله عنهم أجمعين أما حديث عبادة فهو في آخر حديث أبي الدرداء الثابت في المسند وسنن الترمذي وابن ماجه ومستدرك الحاكم والحديث صحيح صححه الحاكم ووافقه عليه الذهبي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع النبي صلي الله عليه وسلم فشخص ببصره ألي السماء ثم قال هذا أوان يختلس فيه العلم أي يضيع العلم ويذهب فقال زياد بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه كيف يختلس العلم يا رسول الله وقد قرأنا القرآن وأقرأناه أولادنا ونساءنا والله لنقرأن القرآن ولنقرأن أولادنا ونساءنا فقال النبي صلي الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا زياد كنت أعدك من أفقه أهل المدينة هذه التوراة والإنجيل عند أهل الكتاب فما أغنت عنهم أي إذا ذهب الخشوع من القلب وذهب تعظيم الرب من صدر الإنسان فما ينفعه إذا قرأ القرآن أو حفظ حديث النبي صلي الله عليه وسلم هذه التوراة والإنجيل عند أهل الكتاب فما أغنت عنهم نعم إذا فقد الخشوع حرف الإنسان الكلم عن مواضعه ويشتري بآيات الله ثمنا قليلا ويتأول ويترخص ويخرج من دين الله وهو يظن أنه يعبد الله قال جبير بن نفير لما سمع هذا الحديث من أبي الدرداء فذهب إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقلت ألا تسمع ما يحدث به أخوك أبو الدرداء رضي الله عنهم أجمعين قال وما ذاك فحدثه بهذا الحديث قال صدق أبو الدرداء ألا أخبرك بأول شيء يرفع من هذه الأمة أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى أنك لتدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلا خاشعا نعوذ بالله من هذا والحديث إسناده صحيح وفي هذه الرواية موقوفا على عبادة بن الصامت وله حكم الرفع وروي عن شداد بن أوس أيضا أخرج الحديث عنه من رواية عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه وأرضاه الإمام الطبراني في معجمه الكبير والإمام البزار وابن خزيمة في صحيحه رضي الله عنهم وساق

عوف بن مالك الأشجعي الحديث كنحو رواية أبي الدرداء قال جبير بن نفير فذهب به إلى شداد وقلت ألا تسمع ما يحدث به أخوك عوف بن مالك وهناك ذهب إلى عبادة قال صدق عوف بن مالك أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع نعم سيأتي على الناس زمان كما ثبت في مستدرك الحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفا عليه وله حكم الرفع إلى نبينا صلي الله عليه وسلم سيأتي على الناس زمانا يجتمعون فيه في المسجد ليس فيه مؤمن يؤذنون ويصلون وليس فيهم من يؤمن بالحي القيوم) . والحديث ثابت في المستدرك بسند صحيح كالشمس أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى إنك لتدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلا خاشعا هذا أول ما يرفع من هذه الأمة إخوتي الكرام ولا يتعارض هذا الأثر مع الأثر المصرح فيه بأن أول ما يرفع في هذه الأمة وينقض من أحكام الإسلام الحكم بما أنزل الله وفساد جهاز الحكم لا تعارض بين الأمرين وقد أشار نبينا صلي الله عليه وسلم إلى الأمر الثاني أذكر دليله وأقرره ثم أجمع بين الأمرين إن شاء الله.

أخرج الإمام أحمد في المسند والحديث في معجم الطبراني وصحيح ابن حبان من رواية أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن فيروز الديلمي ورواية أبي أمامة في درجة الحسن عن نبينا صلي الله عليه وسلم أنه قال لتنقضن عرى الإسلام عروة،عروة فأولها نقضا الحكم وآخرها الصلاة أول ما ينقض من حيث الظاهر الحكم وآخر ما يبقى من شعائر الإسلام الصلاة لكن ليصلين أقوام ولا دين لهم فأول ما رفع الخشوع وهذا أمر بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا الله وما فساد الحكم إلا من ضياع هيبة الرب من القلب عندما لم يخشع الناس في صلاتهم ولم يعظموا الهيبة لربهم جل وعلا وأفسدوا الصلة بينهم وبين ربهم سلط عليهم الفاسدين {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (¬1) فأول ما يرفع الخشوع وهذا أمر باطني وأما هذه الصلاة أي التي هي شعيرة ظاهرة بحركات واضحة معلومة مرئية تبقى وهي آخر شعائر الإسلام بقاءاََ أما الحكم فسيضيع بعد الخشوع لكن فساد الحكم واضح ظاهر للعيان ولذلك أولها نقضاََ أي من حيث الظاهر وأما من حيث الواقع أول ما يفقد في هذه الأمة الخشوع وأنك لا ترى في المسجد خاشعا وكون الحاكم سيفسد والأمانة ستضيع. ¬

_ (¬1)) ) سورة الرعد: 11

ثبت هذا في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يحدث أصحابه فقام رجل فقال يا رسول الله متى الساعة فمضى في حديثه سمع ما قال فكره ما قاله وقال بعضهم بل لم يسمع فلما انتهى النبي صلي الله عليه وسلم من حديثه قال أين السائل عن الساعة قال ها أنا ذا يا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال وما إضاعتها يا رسول الله قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة حقيقة الأوضاع العامة ستخل وما اختلت الأوضاع العامة إلا بعد فساد القلوب وخرابها إلا بعد ظلمها وعشش الشيطان فيها فلما ضاعت هيبة الرب من القلب سلط الله من يسومهم سوء العذاب من يعاقبهم لعلهم يرجعون فسد الحكم بعد أن فسد الناس الصلة بينهم وبين أحكم الحاكمين بين رب العالمين سبحانه وتعالى. إخوتي الكرام.. لابد من الأمر الثاني ألا وهو حضور القلب بين يدي الله عز وجل صلاة في وقتها مع حضور القلب ومناجاة الله فيها الأمر الثالث الذي ينبغي به الإنسان في صلاته ليتحقق فيه وصف إقامة الصلاة إذا خشع قلبك فينبغي أن تخشع جوارحك وأن يسكن بدنك وأن لا تتحرك خلال صلاتك واضبط عينيك واضبط سائر جوارحك واضبط فمك أتدري بين يدي من أنت،أنت بين يدي رب العالمين بين يدي أحكم الحاكمين بين يدي الإله العظيم الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون أنت بين يدي من لو عذب الخليقة بأسرهم لما اعترض عليه معترض ولا منعه مانع اعلم أنت بين يدي من بين يدي الجبار بين يدي العزيز القهار فتأدب إذا كان الناس يتأدبون في مناجاة الملوك والأمراء فتأدب عند مناجاة رب الأرض والسماء حذار من حركة اليد والرجل أو نظرة عين كل هذا نهينا عنه وإذا لم يخشع الظاهر فسلام، سلام على خشوع الباطن إن خشوع الظاهر لعله يدل على خشوع الباطن أما عدم خشوع الظاهر فهذا دليل قوي على عدم خشوع الباطن حركات في الصلاة هذه ما كانت أن تفعل.

ثبت في صحيح البخاري والحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه والحديث ثبت في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة ومن رواية جابر بن سمرة رضي الله عنهم أجمعين وروي عن عدة من الصحابة الكرام عن أبي سعيد الخدري وابن عمر وهو حديث صحيح،صحيح في أعلى درجات الصحة ولفظ الحديث عن نبينا صلي الله عليه وسلم أنه قال: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم. نعم إذا كنت تصلي فما ينبغي أن ترفع النظر إلى العلي الأعلى سبحانه فهو القاهر فوق عباده وهو العلي العظيم وإذا كنت تكلم كبيرا فلا نحد النظر فيه ولا تصعد النظر إليه بل تطرق وتنظر إلى جهة السفل فكيف إذا كنت تناجي من قلت في أول صلاتك في تكبيرة الإحرام الله أكبر لا ثم لاثم بعد ذلك كما قال الإمام أحمد بن حجر عليه رحمة الله الأنوار تنزل على المصلي عندما يصلي فإذا رفعت بصرك ربما لمع هذا البصر وربما اختطف وذهب من هذه الأنوار التي تنزل عليك فإذا ليس من الأدب أن تحد النظر فيمن تكلمه وتناجيه وتخاطبه ثم هذه الأنوار بعد ذلك تفقد بصرك إذا أدمت النظر إليها ولذلك لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم وإذا تلفت الإنسان بنظره يمينا وشمالا فالويل له وقد أعرض الله عنه وما تحقق فيه وصف إقامة الصلاة. ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والحديث إخوتي الكرام صحيح رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وهو كما قلت من رواية أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول إن الله لا يزال مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض عنه انتبه لبصرك عندما تصلي البصر لا يجاوز محل السجود محل سجودك أنظر إليه خاشعا ذليلا أما أن تبعثر ذات اليمين وذات الشمال وكل ذلك دليل على عدم حضور القلب عند مناجاة الرب.

وقد ثبت في صحيح البخاري وفي مسند الإمام أحمد والنسائي وسنن أبي داود والحديث في صحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم أيضا عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الإتفات في الصلاة فقال تلك خلسة يختلسها الشيطان والخلسة هي أخذ الشيء في خفية أي أن الشيطان يوسوس لك أن تنظر يمينا أو شمالا ليسرق من صلاتك وليخرجك من وصف إقامة الصلاة فاضبط النظر ثم اضبط هذه الجوارح حذار، حذار وإياك، إياك من أن تمد يدك إلى رأسك وإلى لحيتك وإلى انفك واليد على طول الصلاة كأنها مراوح تشتغل أي صلاة هذه أما تتقي الله في نفسك عندما تناجي ربك. ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة من حديث خادم نبينا الحبيب عليه صلوات الله وسلامه أن النبي قال لا تمسح الحصى فإن كان ولابد فواحدة تسوية الحصى سبحان الله ومسح الحصى يكون عندما يسجد الإنسان على الأرض والأرض ليست مستوية أن يسويها لأجل أن يضع جبهته مع ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تمسح الحصى فإن كان لابد فواحدة وقال الحافظ ابن حجر ضبط بالرفع فواحدة تجزؤك وهي مقدار الضرورة مسحت مكان السجود لأجل أن تضع جبهتك عليه واحدة تسوية الحصى أي من أن تسوي الحصى هذا إذا كان ولابد فمسحة واحدة. وقد ثبت في صحيح ابن خزيمة بإسناد صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة فقال النبي صلي الله عليه وسلم واحدة يرخص لك واحدة وإذا كثرت الحركات في الصلاة كما ضبط ذلك أئمتنا الفقهاء رضوان الله عليهم فوصل إلى ثلاث حركات متتابعات بطلت الصلاة وأنك لم تصلي كما لو أحدث الإنسان في صلاته سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى فقال واحدة وقال لأن تدعها خير لك من مائة ناقة سود الحدق أي فإذا كنت تصلي فحذار حذار من الحركات.

إخوتي الكرام: وما يشيع في كتب الوعظ ويتناقله الوعاظ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يعبث في لحيته فقال له لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه الحديث لم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم وإسناده ضعيف تالف حكم عليه بعض أئمتنا بالوضع لوجود وضاع في إسناده نعم رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والغالب في ما ينفرد به هذا الإمام في هذا الكتاب شديد الضعف أو موضوع ما يروى في نوادر الأصول مما ليس في كتب أئمتنا التي عول عليها واعتمدت ففي إسناد الحديث الضعف نعم معناه صحيح لو خشع قلب الإنسان لخشعت جوارحه. ولذلك أثر هذا الكلام عن العبد الصالح سعيد بن المسيب عليه وعلى أئمتنا جميعا رحمة الله ثبت في سنن البيهقي معلقا عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلا يعبث في فقال له لو خشع قلبك لخشعت جوارحك ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه ورواه الإمام عبد الله بن المبارك في الزهد والرقائق عن سعيد بن المسيب ولا يثبت رفع هذا الأثر إلى نبينا صلى الله عليه وسلم لكن معناه صحيح فاضبط عينيك واضبط جوارحك واضبط فمك من التثاؤب إذا كنت تصلي فالتثاؤب مكروه في محل وقت وليس من صفات الرجال ليس من صفات أهل الجزم أن يتثاءبوا هذا من خصال الشيطان. وقد ثبت في صحيح البخاري والسنن الأربعة والحديث في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب ـ إذا لم يكن العطاس بسبب الزكام والمرض ففيه شحن للذهن وتنشيط للهمة ـ فإذا تثاءب أحدكم في صلاته فليرد ذلك ما استطاع ولا يقل ها كما يتثاءب المتثائب فإذا قال ها ضحك منه الشيطان) .

وقد نص أئمتنا الفقهاء على أن من تثاءب فخرج منه هذا اللفظ فقد بطلت صلاته أيضا لأنه كلام الناس ها يرفع صوته وهذا الصوت يشبه صوت الكلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في سنن ابن ماجه وغيره إذا تثاءب أحدكم فليرد ذلك ما استطاع ولا يعوي كالكلب نعم عندما يعوي الكلب يرفع رأسه ثم يفتح فاه ثم يصوت هذا الصوت الذي يشبه صوت الكلب هل يليق بك وأنت تناجي الرب أن تخلط في مناجاتك صوتا كصوت الكلب لا ثم لا. فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نتثاءب أحدكم فليرد ذلك ما استطاع وفي رواية فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل إلى جوفك عندما تتثاءب وتفتح فاك. إخوتي الكرام.. لابد من مراعاة هذا الأدب ألا وهو الأدب الثالث ضبط الجوارح بعد أن ضبطت القلب ثم بعد ذلك المحافظة على المواقيت وأما الأدب الرابع وهو متعلق بتعديل هيئات الصلاة وأركانها وإتمام ركوعها وسجودها فأترك الكلام عليه في أول الموعظة الآتية إن شاء الله وأسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء إن أحيانا أن يحينا على الإسلام وإن أماتنا أن يتوفانا على الإيمان وأسأله أن يجعلنا من الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله.

النظر إلى موضع السجود

النظر إلى موضع السجود (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم النظر إلى موضع السجود رقم 14 الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما، وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، (ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين) . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2)) ) سورة النساء: 1 (¬3)) ) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. خير بقاع الأرض وأحبها إلى الله جل وعلا المساجد فهي محل نور رب العالمين وهي موطن عباد الله المهتدين وقد نعت الله جل وعلا من يعمرونها ويتواجدون فيها بأنهم رجال ثم وصفهم بأربع خصال لا تلهيهم هذه الدنيا عن طاعة ذي العزة والجلال يعظمون الله جل وعلا فيذكرونه ويصلون له يشفقون على عباد الله ويُحسنون إليهم فيعطونهم قسطاً من أموالهم ثم هم على أتم الاستعداد ليوم المعاد في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يُسبح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. ¬

_ (¬1)) ) سورة الأحزاب 70، 71

إخوتي الكرام: كنا نتدارس الصفة الثانية من صفات عباد الرحمن الذين يعمرون بيوت ذي الجلال والإكرام في الأرض ألا وهي إقامة الصلاة وقد مضى الكلام على هذه الصفة في موعظتين اثنتين وقلت إن المراد من إقامة الصلاة توفية الصلاة حقها علماً وعملاً فإذا قام الإنسان بذلك قرت عينه وابتهجت نفسه وذاق للصلاة حلاوة تتضاءل بجانبها جميع الحلوات واللذائذ والمشتهيات ويستعين الإنسان بعد ذلك بهذه الصلاة على شدائد الحياة وهذا ما كان يشير إليه نبينا -صلى الله عليه وسلم- ثبت في مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود بإسناد صحيح عن بعض الأنصار والأبرار - رضي الله عنهم أجمعين- والحديث رواه الإمام الداراقطني في العلل عن بلال - رضي الله عنهم أجمعين- أن -النبي صلى الله عليه وسلم- قال: يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها أقم هذه الصلاة لنستريح فيها ولنتلذذ بها فنحن نناجي الحي القيوم عندما نصلي له أقم الصلاة أرحنا بها نعم إن الراحة تحصل بالصلاة على خلاف الكُسالى والمنافقين الذين يستريحون من الصلاة وشتان شتان بين من يستريح بها وبين من يريد أن يستريح منها فيراها كأنها ضريبة وإذا قام إليها يقوم وهو متثاقل فيريد أن يستريح منها وأن يتخلص من عناءها وكأنه ما فهم من الصلاة إلا هذه الحركات المتتابعات فهو يريد الراحة منها وحال المتقين يستريحون بها [يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها] . نعم تحصل الراحة بالصلاة فهي قرة العين كما تقدم معنا -إخوتي الكرام- وقد كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- إذا اعتراه هم ودهاه حزن يفزع إلى الصلاة ويشرع لنا ذلك لنستعين بهذه الصلاة على كل شدة في هذه الحياة ثبت في المسند أيضاً، وسنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَه أمر فزع إلى الصلاة أي نزل به أمرٌ مهم وشدة وحزن وكرب وغم فزع -عليه صلوات الله وسلامه- إلى الصلاة.

نعم إن الصلاة هي مفزع المؤمنين كيف لا وبها يناجون رب العالمين {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (¬1) وقد كان السلف الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- عندما كانوا يقيمون هذه الصلاة كما يريد ربنا -جل وعلا- وكما أمر كانوا يتلذذون بها وكانوا يتسلون بها عن كل شدة تطرأ على أبدانهم وأجسامهم أخرج أبو داود في سننه، والحديث رواه الإمام ابن حبان، وابن خزيمة في صحيحهما، ورواه الحاكم في المستدرك، ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى ودلائل النبوة على نبينا -صلوات الله وسلامه- وعلقه الإمام البخاري في صحيحه والحديث صحيح نص على تحسينه الإمام النووي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والإمام الحاكم، والذهبي -عليهم جميعاً رحمة الله-. ¬

_ (¬1)) ) سورة البقرة 45

ولفظ الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: غزونا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوته ذات الرقاع وسميت بذلك لأمور كثيرة أبرزها أمران أولهما: لف الخرق على أرجلهم فوضعوا الخرق على أرجلهم من شدة وعورة الطريق وعناء السفر فتنقبت أرجلهم فلفوا عليها الخرق وراياتهم تمزقت أيضاً وتقطعت فرقعوها غزوة ذات الرقاع يقول فلما دخل الليل قال النبي -صلى الله عليه وسلم- هل من رجل يكلئنا أي من يكلؤنا من يكلؤنا هذه الليلة، يحفظنا يحرصنا في هذه الليلة فانتدب لذلك صحابيان أنصاري عباد بن بشر، ومهاجري عمار بن ياسر -رضي الله عن الصحابة أجمعين- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذين الصحابيين المباركين عباد بن بشر، وعمار بن ياسر كونا بفم الشعب أي في هذا المنفتح والطريق بين الجبلين كونا في أوله حتى إذا جاءنا طلب من المشركين تخبروننا فهذا هو الطريق الذي يأتون منه كونا بفم الشعب وأخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة الكرام بعد ذلك مضاجعهم ليستريحوا في الليل فقال عمار بن ياسر لعبَّاد بن بشر تريد أن أكفيك أول الليل وتكفيني آخره أو أنت تكفيني أول الليل وأكفيك آخره أي نتناوب في الحراسة فقال عباد بن بشر أنا أحرس أول الليل فقام يحرس وبجواره عمار بن ياسر مضجع نائم فجاء بعض المشركين فلما نظر إلى هذا الرجل وهو عباد بن بشر وجده قائماً يصلى فعلم أنه هو ربيئة القوم أي هو حارسهم وهو الذي يحفظهم ويكلؤهم ويراقبهم ويراقب الأعداء إذا جاءوا عليهم فسدد إليه السهم فضربه بسهم وقع في صدره وعباد بن بشر يصلي وورد أنه كان يقرأ سورة الكهف -رضي الله عنهورحم الصحابة والمسلمين أجمعين- فنزع عباد بن بشر هذا السهم وما التفت ولا قطع صلاته وبدأ في صلاته فسدد إليه ذاك الرجل سهماً آخر فوقع في صدره والدماء تنزف منه -رضي الله عنه وأرضاه- فنزع هذا السهم وما قطع صلاته فسدد إليه سهماً ثالثاً فوقع في صدره فنزعه فلم اثخنته الجراح

وخشي أن يسقط على الأرض ميتاً وبعد ذلك يكشف المسلمون ولا يوجد من يحرصهم ولا من يوقظهم إذا داهمهم المشركون أيقظ عمار بن ياسر وجراحاته تنزف من صدره - رضي الله عنهم أجمعين- فقال له عمار هلا أنبهتني في أول الأمر أي عندما شعرت بهذا العدو لِمَا لم تخبرني ولِمَا لم توقظني قال عباد بن بشر كنت في سورة فكرهت أن أقطعها سبحان الله كنت في سورة أنا أناجي الله وأتلذذ بحلاوة كلامه كيف أقطعها وهذه الجراحات لا نشعر بشدائدها في صلاتنا ووالله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظه لقطع نفسي أو أنفذها إعلم يا عمار ما أيقظتك من أجلى ولا من أجل هذا المشرك لتطرده ما أيقظك إلا لأنني مؤتمن على هذا الثغر ولولا هذه الأمانة لما قطعت صلاتي حتى أُُنهي هذه السورة بتمامها أو أن أقتل وأنا في الصلاة [وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر] . الفائدة التي تحصلها من ذكر الله الفائدة التي نحصلها من صلاتنا بذكر الله عندما نذكره أكبر من كل شيء أكبر من كون الصلاة تنهانا عن الفحشاء والمنكر وأكبر من كل طاعة ومن كل لذه ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. -إخوتي الكرام- إذا أقام الإنسان الصلاة وفاها حقها علماً وعملاً نال بها الراحة وقرة العين وحصل بهجة النفس وانشراح الصدر وطمأنينة القلب عباد الله وتقدم معنا أنه لا بد لإقامة الصلاة من أمور قلت جماعها ينحصر في أربعة أمور أولها أن نؤدي الصلاة في وقتها وثانيها أن يحضر قلبنا عند أداء الصلاة لربنا وثالثها أن تسكن جوارحنا وأعضائنا الظاهرة ورابعها وهو الذي لم يتيسر الكلام عليه في الموعظة الماضية وقلت سأتكلم عليه في هذه الموعظة إن شاء الله إتمام أركانها من ركوعها وسجودها.

إخوتي الكرام: وهذا الأمر الرابع قبل أن أتكلم عليه تكلمت على الأمر الثالث وهو أن الجوارح ينبغي أن تسكن وأن تخشع كما خشع الباطن ينبغي أن يخشع الظاهر وعليه ينبغي أن تضبط عينيك وأن تضبط فمك وأن تضبط جميع جوارحك وأن تكون في سكون وخشوع وإخباتٍ لله -جل وعلا- وكنت أشرت على سبيل الإجمال أن النظر ينبغي أن يكون إلى محل السجود وقد سأل عدد من الأخوة عن هذا الأمر ولذلك أرى أن أتكلم عليه وهو يتعلق بالأمر الثالث ثم نتدارس الأمر الرابع إن شاء الله -عباد الله- إذا قام الإنسان للصلاة فينبغي ألا يُفَرِق نظره كما تقدم معنا إلى أي جهة من الجهات وينبغي أن يكون نظره موضع سجوده وقد وردت في ذلك أحاديثَ وآثارً ضعيفة تعتضد ببعضها فترتقي إلى درجة القبول بإذن الله -جل وعلا- من هذه الآثار ما رواه الإمام الطبري في تفسيره، ورواه ابن أبي حاتم، وابن المنذر، وعبد بن حميد في تفاسيرهم، رواه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن والأثر، ورواه الإمام الحازمي في الناسخ والمنسوخ، وسعيد بن منصور في السنن أيضاً عن محمد بن سيرين شيخ الإسلام والأثر مرسل وإسناده صحيح إلى محمد بن سيرين -عليهم جميعاً رحمات رب العالمين- قال: كان الصحابة الكرام ومعهم نبينا -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر إذا قاموا إلى الصلاة رفعوا رؤوسهم ونظروا فوقهم وتَلَفَّتوا يميناً وشمالاً فأنزل الله {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} يقول محمد بن سيرين في هذا الأثر فلما نزلت هذه الآية طأطأو رؤوسهم وفي رواية طأطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه ونكّس رأسه والصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين كانوا على هذا الأمر فحنَوْ رؤوسهم كما في بعض الروايات.

وهذا الأثر رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن أيضاً عن محمد بن سيرين متصلا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- فهو متصل لكن كما قال البيهقي المحفوظ هو المرسل وقال الإمام الذهبي هو الصحيح هذا الأثر الأول طأطأو رؤوسهم حنَوْ رؤوسهم نكسوا رؤوسهم ونظروا محل سجودهم، وورد في سنن البيهقي وإسناد الأثر فيه ضعف كما قال الإمام النووي في المجموع عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: [يا أنس ضع نظرك حيث تسجد] أي إلى موضع السجود هذا النظر ما ينبغي أن يزيد على ذلك وهذا الأمر نقل عن السلف الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين-.

ثبت في سنن البيهقي والأثر رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق وإسناد الأثر فيه ضعف أيضاً وكما قلت الآثار تعتضد ببعضها عن أبي قلابة -رضي الله عنه- وهو عبد الله بن زيد الجَرْمَي من أئمة التابعين توفي سنة 104هـ أخرج حديثه أهل الكتب الستة كما قال عنه الإمام الحافظ بن حجر في التقريب ثقة فاضل عابد أخرج حديثه أهل الكتب الستة إلا أبا داود فأخرج عنه في كتاب القدر لا في كتاب السنن وهو عبد صالح أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ومن مناقبه وفضائله واحتياطه وحزمه وعزمه أنه عندما أريد على القضاء في بلاد البصرة هرب وشرد إلى بلاد الشام وتوفى هناك وكان يقول ما مثل القاضي العالم إلا كمثل رجل وقع في البحر فما عسى أن يسبح ثم يغرق هذا العبد الصالح يقول حدثني عشرة من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قيامه وركوعه وسجوده وقراءته كانت كصلاة هذا الأمير يعني الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز -عليهم جميعاً رحمة الله جل وعلا- يقول الراوي عن أبي قلابة وهو سليمان بن داود الخولاني إمام ثقة حديثه في سنن أبي داود، وسنن الإمام ابن ماجه يقول سليمان بن داود الخولاني نظرت إلى صلاة عمر بن عبد العزيز وتأملتها فكان لا يجاوز بصره موضع سجوده هذا الأثر يدل على هذا الأمر وهو أن الإنسان إذا قام إلى الصلاة ينبغي ألا يجاوز هذا النظر موضع السجود وهذه الآثار كما قلت تعتضد ببعضها وتتقوى وهو أن الإنسان إذا قام إلى الصلاة ينبغي أن يكون نظره موضع سجوده.

إخوتي الكرام: وهذا الأمر الذي دلت عليه هذه الآثار وتعتضد ببعضها هو الذي أفتى بموجبه أئمتنا الأبرار هو الذي أفتى بُموجبها أي بموجب الآثار أئمتنا الأبرار -عليهم جميعاً رحمات العزيز الغفار- فهذا قتادة والأثر ثابت عنه في سنن البيهقي بإسناد صحيح أنه كان يقول الخشوع في القلب وإلباد البصر في الصلاة أي: يحصل الخشوع بهذين الأمرين أن يخشع القلب وأن يتفكر وأن يتدبر والباد البصر في الصلاة وإلباد البصر أي سكونه بحيث يكون إلى موضع السجود ولا يتجاوز ذلك فهو مستقر ثابت الخشوع في القلب والباد البصر في الصلاة وروى مثل هذا عن شيخ الإسلام محمد بن سيرين أيضاً -عليهم جميعاً رحمة الله- أنه كان إذا صلى لا يجاوز بصرُه موضع سجوده وكان يعجبه ذلك للمصلى أي إذا صلى الإنسان أن لا يجاوز بصره موضع سجوده وهذا الذي نص عليه أئمتنا الفقهاء -عليهم جميعاً رحمة الله-. كما قرر هذا شيخ الإسلام الإمام النووي في المجموع، وشيخ الإسلام الإمام ابن قدامه في المغنى وعلى هذا أيضاً كتب المذاهب الأخرى كما في الفقه الحنفي في رد المحتار على الدر المختار للإمام محمد بن عابدين -عليهم جميعاً رحمات رب العالمين- وحاصل ما ذكروه أن الإنسان ينبغي في صلاته أن يضع بصره موضع سجوده في جميع أحوال صلاته سواء كان قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو جالساً وهذا هو الذي نقل عن الإمام أحمد وقال الإمام النووي إنه أصح القولين وهناك قولٌ حكى في كتب الفقه أيضاً وهو أن هذه الآثار التي تدل على وضع البصر موضع السجود تُحمل على حاله الوقوف والقيام فإذا كان الإنسان قائماً يضع بصره موضع سجوده وأما إذا ركع فينبغي أن ينظر إلى قدميه وأما إذا سجد فينبغي أن ينظر إلى أرنبة أنفه وأما إذا جلس فينبغي أن ينظر إلى حجره بحيث لا يتجاوز نظره رؤوس أصابعه وهذه الكيفية منقوله عن شريك بن عبد الله ورجحها الإمام البغوي -عليهم جميعاً رحمة الله-.

ولا يقولن قائل ما الدليل على هذا الدليل؟ على هذا كما قال أئمتنا أن هذه الكيفية فيها قصر للنظر وإعانة على الخشوع عند أداء الصلاة لأن النظر كلما امتد وتبعثر تفرق القلب فبين العين والقلب صلة عجيبة فإذا امتدت العين إلى مكان بعيد تشوش القلب وعليه أنت إذا كنت قائماً تنظر إلى محل سجودك فإذا ركعت تنظر إلى قدميك فإذا سجدت لا يتجاوز النظر أرنبة الأنف وإذا جلست بعد ذلك تنظر إلى حجرك بحيث لا يتجاوز النظر أصابع اليدين اللتين على الفخدين إلى منتهى الركبتين وكل من القولين كما قلت إخوتي الكرام قرره أئمة الإسلام والأخذ بأيهما كان حسن إما أن تنظر إلى محل سجودك على الدوام في جميع أحوال صلاتك وإما أن تفعل هذا فانظر أيهما أخشع لقلبك فافعله ولا حرج إخوتي الكرام وكسر البصر وغضه ينبغي أن يصاحب الإنسان في جميع الأحوال سواء كان في حال الصلاة أو في غيرها من العبادات والأذكار ينبغي للإنسان ألا يَمُد نظره وألا يفرق بصره وكلما قصره كان خيرا له.

ولذلك ثبت في المستدرك والحديث رواه البيهقي في السنن وإسناد الحديث على شرط الشيخين صححه الحاكم وأقره عليه الذهبي وهو صحيح عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت عجبت للمرء المسلم عندما يدخل البيت وتعني بالبيت بيت الله الحرام الكعبة المشرفة إذا دخل الإنسان إلى داخلها عجبت للمرء المسلم عندما يدخل البيت كيف ينظر قبل السقف وهو في غير صلاة دخل إلى بيت الله دخل إلى الكعبة المشرفة فبدأ يتأملها وينظر إلى سقفها تقول عجبت للمرء المسلم إذا دخل إلى البيت كيف ينظر قبل السقف ينبغي أن يدع ذلك تعظيما لله وإجلالاً له إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما دخل البيت ما جاوز بصره موضع سجوده أي كان مطرقاً -عليه صلوات الله وسلامه- عندما دخل الكعبة المشرفة دون أن تقع صلاة إنما هذا من علامات السكينة من علامات الخشوع من علامات الأدب إذا كنت تذكر الله -جل وعلا- في غير صلاة إذا كنت تقرأ القرآن إذا كنت تصلي أيضاً فما ينبغي أن تفرق بصرك بيمين وشمال وخلفك وفوقك ينبغي أن تَقْصُر بصرك فكلما فعلت هذا كان أخشع لقلبك واتقى لربك عجبت للمرء المسلم إذا دخل البيت كيف ينظر قبل السقف ينبغي أن يدع ذلك تعظيماً لله -جل وعلا- وإجلالاً له إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما دخل البيت ما تجاوز نظره موضع سجوده.

والأثر كما قلت -إخوتي الكرام- صحيح على شرط الشيخين صححه أئمة الإسلام وقد ورد في سنن ابن ماجه ما يدل على حاله رفيعة كريمة للصحابة الكرام في صلواتهم والحديث حوله شيء من الكلام أذكره وأبين ما فيه إن شاء الله ولفظ الحديث عن أمنا أم سلمة -رضي الله عنها- وأورده الإمام ابن ماجه في كتاب الجنائز ومن العجيب أن يورد هذا الحديث في كتاب الجنائز في باب وفاة نبينا -عليه الصلاة والسلام- ودفنه مع أنه في ظاهر الأمر ليس له صلة بوفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ودفنه لكن أمنا أم سلمة -رضي الله عنها- تشير بهذا الحديث إلى تغير الناس بعد نبينا -عليه الصلاة والسلام- ولفظ الحديث عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كان الناس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قاموا إلى الصلاة لم يعدو بصر أحدهم موضع قدميه فهو يصلي مطرق الراس لا يتجاوز بصره موضع قدميه تقول فلما قُبض النبي -صلى الله عليه وسلم- واستخلف أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- صار أحدهم إذا قام للصلاة لم يعدو بصر أحدهم إذا قام يصلي موضع سجوده فتوسع الناس إلى هذا الأمر ولا زالوا ضمن المشروعية والجواز تقول فلما كان عمر واستخلف عمر -رضي الله عنه- وقبض أبو بكر - رضي الله عنهم أجمعين- صار أحدهم إذا قام يصلي لم يعدو بصرهم موضع القبلة لم يعدو بصر أحدهم موضع القبلة فتوسعوا تجاوزوا القدمين ومحل السجود لكن لا ينظرون إلا إلى جهه القبلة إلا إلى الجهه الأمامية تقول أمنا أم سلمة -رضي الله عنها- فلما قتل عمر واستُخلف عثمان ووقعت الفتنة -رضي الله عن الصحابة الكرام أجمعين- تَلَفّت الناس في صلاتهم فنظروا يميناً وشمالاً أي تغيروا عن الهدى الصالح الذي كانوا عليه.

وهذا الحديث إخوتي الكرام فيه موسى بن عبد الله انفرد الإمام ابن ماجه بالإخراج عنه فلم يروي عنه أحد من الكتب الستة موسى بن عبد الله والإمام المنذري لما ذكر الحديث في الترغيب والترهيب قال إسناده حسن وليس فيه إلا موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي ولم أقف على جرحٍ أو تعديلٍ فيه ولا يحضرني جرحٌ أو تعديل فيه وهذا الحديث عندما تعرض له أئمتنا كما فعل الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد المَنْبِجيّ الحلبي في كتابه تسلية أهل المصائب قال إسناده مقارب بفتح الراء وكسرها مقارَب مقارِب أي رجال الإسناد يقاربهم غيرهم في الحفظ وهم يقاربون غيرهم في الحفظ إسناده مقارَب إسناده مقارِب وتبعه على هذا الاصطلاح الإمام السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب فقال إسناد الحديث مقارِب إسناد الحديث مقارَب أما الإمام المنبجي فتوفي سنة 785هـ وأما الإمام السفاريني الذي جاء بعده توفي سنة 1188هـ -عليهم جميعاً رحمات رب العالمين- موسى بن عبد الله بن أبي أمية المخزومي انفرد الإمام ابن ماجه بالإخراج عنه وقد حكم عليه الحافظ بن حجر العسقلاني في التقريب بأنه مجهول لأنه لم يرو عنه إلا واحد نعم ليس فيه كما قلت توثيق ولا تجريح والحديث كما قلت يعطينا سورة واضحة لأحوال السلف الكرام في العصر الأول وكيف كانت الأحوال تتغير في كل مرحلة فهم في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لهم هذه الحالة لا يجاوز بصر أحدهم موضع قدميه في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- لا يجاوز بصر الواحد منهم موضع سجوده في عهد عمر -رضي الله عنه- لا يجاوز بصر أحدهم القبلة فلما وقعت الفتنة وتغيرت القلوب نظر الناس يميناً وشمالاً وكيف يفعل الناس في هذه الأيام من النظر إلى سائر الجهات وكل هذا كما تقدم معنا اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الإنسان. وخلاصة الكلام إخوتي الكرام:

إذا صلى الإنسان ينبغي أن ينظر موضع سجوده ولا يجوز أن يرسل نظرة زيادة عن ذلك ولا بمقدار أنمله وإذا فعل هذا فقد شوش ذهنه وتسبب في تشويش قلبه ونقص من الخشوع بمقدار ما يُطلق بصره هذا فيما يتعلق بالنظر الذي سأل عنه عدد من الأخوة الكرام وكما قلت ينبغي للإنسان أن يقصر من نظره في الصلاة وفي غيرها ذكر أئمتنا في ترجمة العبد الصالح الربيع بن خثيم وهو تابعي مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم يرى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو من شيوخ التابعين الكرام توفي سنة 65هـ حديثه مخرج في الكتب الستة الربيع بن خثيم -رضي الله عنه وأرضاه- يقول هذا العبد الصالح وكان تلميذاً لعبد الله بن مسعود كان إذا جاء إلى بيت شيخه عبد الله بن مسعود يقول أهل عبد الله بن مسعود لعبد الله بن مسعود جاء صاحبك الأعمى وما كان به عمى -رضي الله عنه وأرضاه- كان منور البصر والبصيرة لكنه كان يطرق الراس في مشينه وفي جميع أحواله ولا يُفَرِّق نظره إلى سائر الجهات فكان إذا جاء إلى بيت شيخه يقول أهل عبد الله بن مسعود لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم أجمعين- جاء صاحبك الأعمى وكان إذا قام إلى الصلاة وسجد كأنه ثوب مُلقى فكانت العصافير تأتي وتقف على ظهره وهو ساجد لربه -جل وعلا- ومع ذلك كان يقول أدركنا أناساً ما كنا بجنبهم إلا لصوصاً يعني الصحابة الكرام كنا بجنبهم إلا لصوصاً نحن كاللصوص مع الصحابة الكرام فماذا نقول في هذه الأيام نسأل الله أن يتوب علينا وأن يعفو عنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين إطلاق النظر والبصر إلى سائر الجهات وحتى توسع الناس من رجالٍ ونساء بحيث تجلس المرأة أحياناً على البلكونه على الشرفة أو تفتح النافذة لتسرح نظرها إلى هذا وذاك يا أمة الله يا عبد الله غضوا أبصاركم واقصروا أعينكم فهذا أزكى لكم.

وأما ما يتعلق بالأمر الرابع الذي ينبغي أن يحرص عليه الإنسان لتحصل فيه إقامة الصلاة على التمام المحافظة على الوقت خشوع القلب خشوع الظاهر بعد ذلك ينبغي أن توفي الأركان حقها من قيام وركوع وسجود ينبغي أن تأخذ هذه الأركان حقها من اطمئنان ومن رفع من الركوع ومن رفع من السجود وقد أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن الذي لا يؤدي هذه الأركان حقها ولا يطمئن فيها ولا يرفع ظهره وصلبه بعد ركوعه وبعد سجوده بحيث يواصل الركن الثاني بالأول دون أن يعتدل وأن يطمئن بأن هذا لا صلاة له ولا تجزئه صلاته ولو مات على هذه الحالة يموت على غير ملة نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-. ثبت في مسند الإمام أحمد، والسنن الأربعة والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، وابن خزيمة في صحيحه، ورواه الطبراني في معجمه الكبير وأبو يعلى في مسنده وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي مسعود الأنصاري البدري -رضي الله عنه وأرضاه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول [لا تجزئ صلاةٌ لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود] إذا ركعت ثم أردت ان تسجد أقم الصلب وأقم الظهر واعتدل قائما مطمئناً حتى تستوي تماماً ويحصل عندك شيء من الراحة والاطمئنان ثم تهوي إلى السجود وأما أنك ترفع بحيث لا يعتدل الارتفاع ثم تهوي إلى السجود لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع وفي السجود.

والحديث -إخوتي الكرام- روى عن عدة من الصحابة الكرام رواه الإمام أحمد أيضاً في المسند، وابن ماجه في السنن، وابن خزيمة في صحيحه، وابن حبان عن علي بن شيبان -رضي الله عنه- وأرضاه وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: [لا صلاة لرجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود] والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير عن طلق بن علي ورواه الإمام أحمد في المسند بإسناد جيد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [لا ينظر الله إلى صلاةٍ لا يقيم الرجل فيها صلبه بين ركوعه وسجوده] وفي رواية [لا ينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه في صلاته بين ركوعه وسجوده] لا ينظر الله إلى هذه الصلاة ولا إلى فاعلها ولا صلاة له ولا يقبل الله صلاته إذا لم يسوي هذه الأركان ولم يطمئن فيها على وجه التمام. وقد ثبت في معجم الطبراني الكبير، ومسند أبي يعلى، وصحيح ابن حبان من رواية أبي عبد الله الأشعري وهو يعرف بكنيته تابعي صالح قال: حدثنا أمراء الأجناد عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وشُرَحبِيل بن حسنه - رضي الله عنهم أجمعين- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: [لو مت لمت على غير ملة محمد عليه الصلاة والسلام لا تتم الركوع وتنقر السجود كما ينقر الديك الدجاج فلا تطمئن لا يتم الركوع ينقر في السجود] لو مت على هذا لمت على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم قال -النبي صلى الله عليه وسلم-: [إنما مثل من لا يتم ركوعه وينقر في سجوده كمثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين هل يغني ذلك عنه شيئاً] جائع أكل تمرة لا تملأ بطنه ولا ترد جوعته وهكذا جاء ليصلي فما أتم الركوع أنقصه ونقر في السجود هذه صلاة ناقصة ليست بتامة ولا مقبولة.

وقد ثبت في معجم الطبراني الكبير بإسناد حسن عن بلال -رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً أيضاً لا يتم ركوعه وينقر في سجوده فقال له "لو مت على هذا لمت على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-". إخوتي الكرام: قد يسأل سائل فيقول ما الأمور التي يستعين الإنسان بها على إقامة الصلاة كما بينا أن يحافظ عليها في وقتها أن يحضر قلبه في صلاته أن يخشع ظاهره أن يتم بعد ذلك أركانها كما شرع الله وكما يحب والجواب أن ذلك يحصل بأمرين اثنين. أولهما: قوة المقتضى وثانيهما انتفاء المانع أيها العبد المؤمن أيها المصلي أيها المسلم إذا علمت أن الله خلقك سبحانه وتعالى وأحسن إليك فما بكم من نعمة فمن الله واستحضرت تقصيرك نحو ربك -جل وعلا- إذا استحضرت هذه المعاني في بداية صلاتك إنك مخلوق لخالق وهو الله -جل وعلا- والله أحسن إليك بنعم لا تحصى وأنت مقصراً نحوه صلاتك حقيقة ستكون بين خوف ورجاء بين رغبة ورهبة ترغب فيها إلى الله وترهب منه مما عندك من تقصير فأنت بين حالتين في صلاتك إما أن تعبد الله بعد ذلك كأنه يراك وإما أن تعبد الله كأنك تراه أن تستحضر أحد الأمرين أعبد الله كأنك تراه فإذا لم يكن هذا وما وصلت إلى هذا المقام فلا أقل من استحضار. الأمر الثاني ألا وهو أنه يراك سبحانه وتعالى ويراك وأنت عبده ومحسن إليه وأنت مقصر معه فاستحي منه في صلاتك وأحضر قلبك واخشع لربك -جل وعلا- هذا الأمر إذا استحضره الإنسان قوة المقتضى أي المقتضى للخشوع وحضور القلب أيها المصلي أتعلم أنك في صلاتك تقرأ أعظم سورة أنزلها الله -جل وعلا- على أنبيائه ورسله -عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه- ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها لا يوجد سورة تعدل هذه السورة ألا وهي سورة الفاتحة.

وقد ثبت هذا عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- في مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري ورواه أهل السنن الأربعة إلا الإمام الترمذي من حديث أبي سعيد بن المعلى، وثبت أيضاً في المسند، والترمذي، والنسائي، وصحيح ابن خزيمة، والمستدرك، وموطأ الإمام مالك من حديث أبي هريرة - رضي الله عنهم أجمعين-. وللحديثين قصة وفيه يقول -النبي صلى الله عليه وسلم-[ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها أم الكتاب فاتحة القرآن هي السبع المثاني وهي القرآن العظيم الذي أوتيته] يا عبد الله عندما تقرأ هذه السورة وتصل إلى قول الله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} التي هي بينك وبين رب العالمين هذه الآية كما قال أئمتنا سائر كتب الله -جل وعلا- شرح لها فالقرآن تضمن الكتب السماوية بأسرها ومضمون القرآن كما يقول أئمتنا الكرام في حزب المفصل الذي يبتدأ من سورة ق إلى نهاية القرآن ومضمون هذا الحزب في سورة الفاتحة وسورة الفاتحة مضمون في هاتين الجملتين إياك نعبد وإياك نستعين عبادة لله على الدوام واستعانة بذي الجلال والإكرام حب له على التمام تذلل له على الدوام وهذان ركنا لعبادة إياك نعبد ثم استعانة به في كل زمان ومكان. استحضر هذا أيها المصلي عندما تقرأ هذه الآية ينبغي أن ينخلع القلب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وأما أن تقول إياك نعبد وأنت تعبد الريال. وأنت تعبد المرأة وأنت تعبد الهوى وأنت تعبد الشهوة وذهنك غاب عما تناجي به ربك فهذا حقيقة مما ينبغي أن يستحي منه الإنسان إياك نعبد.

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} كن على علم بذلك أيها الإنسان عندما تصلي ثم بعد ذلك ينبغي أن تصرف الموانع عنك إذا وجد المقتضى فلا بد من انتفاء المانع والموانع كنت أشرت إليها سابقاً ينبغي أن تحصن أربعة أمور الخطرات والنظرات فما ينبغي في غير الصلاة أن يدخل قلبك وسوسة ولا أن تُشغله بما لا ينفع من أخطار رديئة فهذا سيعرض عليك في صلاتك وما ينبغي في غير الصلاة أن تُطلق بصرك هنا وهناك فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور أضبط الخطرات واللحظات ثم اضبط بعد ذلك الخُطوات واللفظات {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاما} (¬1) . ¬

_ (¬1)) ) سورة الفرقان: 63

ومن ضبط هذه الأمور الأربعة فهو صديقٌ صديق لا يخطر في قلبه إلا حق يرضاه الله ولا ينظر إلا إلى حلال أحله الله ولا يمشي إلا لمباح أحله وشرعه الله وبعد ذلك لا يتكلم إلا بما يحب الله حقيقة إذا حصنت نفسك خارج الصلاة ستتلذذ في الصلاة وأما هذه المنافذ مفتوحة والشياطين تدخل فيها من كل جهة ثم بعد ذلك إذا صليت تقول لا أجد حلاوة الصلاة يا عبد الله ألا سددت منافذ الشيطان خارج الصلاة أضبط خطراتك ولحظاتك وخطواتك ولفظاتك فإذا ضبطت هذا وقمت تصلي واستحضرت المعنى الأول قوة المقتضى من خلق الله لك وإحسانه إليك وتقصيرك في حقه حقيقة شتخشع في صلاتك وستعيش في الصلاة ما بين رغبة ورهبة ما بين خوف ورجاء وإذا لم يحصل هذا فيك فكم من إنسان -إخوتي الكرام- يصلي ولا يُحَصِّل من صلاته إلا جزءاً يسيراً كما ثبت في مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، والنسائي والحديث رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنهم أجمعين- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال إن العبد ليصلي الصلاة وما يكتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها إلا سدسها إلا سبعها إلا ثمنها إلا تسعها حتى بلغ إلا عشرها سبحان الله كتب له واحد من عشرة هذا إن كتب له وقد أحيانا لا يكتب له شيء من صلاة وقد يرتكب وزراً وكم من إنسان يصلي ويتحمل بصلاته خطايا ما لو وزعت على أهل مدينته وحيّه وبلدته لأهلكتهم وهو يصلي وحقيقة إذا كان الإنسان يصلي وذهنه يرتع في كل نقيصة ورذيلة ما حال يسيء الأدب مع رب العالمين في حضرة مناجاته سبحانه وتعالى. ولذلك -إخوتي الكرام- لابد من استحضار هذا من سد منافذ الشيطان الأربعة ثم استحضار بعد ذلك إحسان الله إلينا وتقصيرنا في حقنا لعل الله يمن علينا إذا استحضرنا ذلك بحلاوة مناجاته عند صلاتنا له. نسأل الله أن يرزقنا حلاوة الإيمان وخشية على الدوام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول واستغفر الله.

الحمد لله رب العالمين..

النكاح الشرعي والنكاح المدني

تلخيص النكاح الشرعي والنكاح المدني 1. ذكر الشيخ الآيات التى تدل على ارتفاق كلا من الزوجين بصاحبه. 2. الرد على الإمام الرازى لقوله أن النساء خلقن كخلقة الدواب والنبات والجماد. 3. ذكر الشيخ الأقوال عند تعارض رواية المرأة مع رواية الرجل. 4. الرد على قول الحسن البصرى وقتادة فى قولهما أن العقيقة تشرع للذكر ولا تشرع للأنثى. 5. شرح الآية الثالثة التى تدل على ارتفاق الزوجين وهو {وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا} . 6. شروط الكفاءة بين الزوجين. 7. الفروق بين النكاح الشرعى بصبغته الشرعية والنكاح المدنى بدونها.

النفقة المستحبة

النفقة المستحبة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم النفقة المستحبة 18 الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيماً وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيد الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صما وقلوباً غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2) سورة النساء: 1 (¬3) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. أشرف بقاع الأرض وأحبها إلى ذي الجلال والإكرام المساجد فهي بيوت الله وفيها نوره وهداه وإليها يأوي الموحدون المؤمنون المهتدون وقد نعتهم الله بأنهم رجال ووصفهم لأربع خصال لا تلهيهم البيوع والتجارات ويعظمون رب الأرض والسموات فيذكرونه ويصلون له ويشفقون على عباد الله والمخلوقات فيحسنون إليهم ويتصدقون عليهم ثم بعد ذلك يبذلون ما في وسعهم استعداداً للقاء ربهم {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (¬2) . وكنا إخوتي الكرام نتدارس صفتهم الثالثة ألا وهي الإحسان إلى عباد الله ومساعدة خلق الله عن طريق إخراج الزكاة الواجبة والمندوبة وتقدم معنا الكلام إخوتي الكرام على ما يتعلق بالزكاة الواجبة ثم بعد ذلك تكلمت على النفقة الواجبة ووعدت أن نتدارس في هذه الموعظة ما يتعلق بالنفقة المستحبة التي هي من باب التطوع وفاعلها يحصل عظيم الأجور عند العزيز الغفار. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 70، 71 (¬2) سورة النور: 36، 37

عباد الله: تقدم معنا أن النفقة الواجبة تشمل إخراج الزكاة وتشمل الحقوق الطارئة المتعينة على الإنسان غير الزكاة كما أنها تشمل النفقة على النفس والأهل والأولاد والوالدين ومن يلزمك أن تنفق عليهم. عباد الله وتقدم معنا أن النفقة بهذه الأقسام الثلاثة نفقة واجبة وفيها أجرٌ عظيم عظيمٌ كما بينت هذا بما ثبت عن نبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه وقبل أن انتقل إلى النفقة المستحبة التي هي من باب التطوع والسنة وفاعلها يحصل أعظم الأجر قبل ذلك أحب أن أبين أمراً يسيراً يتعلق بالنفقة الواجبة ألا وهو أن كثيراً من الناس يحجمون عن الزواج ويقللون من الأولاد خشية من النفقة عليهم وخشية من رزقهم وكل هذا ضلال وعار ينبغي أن يتنزه عنه المؤمنون وأن يربطوا قلوبهم بالحي القيوم عندما تنفق على عيالك تحصل أجراً عظيما عظيماً يتضائل بجانبه كل أجر على كل نفقة إن أعظم نفقة تنفقها على عيالك تلك عليها أجر عظيمٌ عظيم يفوق سائر أجور النفقات وقد أخبرنا عن ذلك خير البريات عليه صلوات الله وسلامه. ففي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ديناراً أنفقتَهُ في سبيل الله وديناراً أنفقته في رقبة ودينارأً تصدقت به على مسكين وديناراً أنفقته على أهلك أعظمها أجراً عند الله الدينار الذي أنفقته على أهلك " أعظمها أجراً عند الله الذي أنفقته على أهلك نعم هذه نفقة واجبة متعينة لكن منّ الله علينا أيضاً عليها بالأجور العظام فهي واجبة علينا ويثيبنا عليها سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام: طيبوا نفساً بما تنفقونه على أنفسكم وعلى أهليكم وأولادكم ووالديكم فلكم بذل أجرٌ عظيمٌ عظيم هو أعظم النفقة عند رب العالمين وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم أيضاً والحديث أخرجه الإمام النسائي والترمذي وابن ماجه في سننهم وهو حديث صحيحٌ صحيح عن ثوبان رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: أفضل دينار أنفقته على عيالك ودينار أنفقته على فرسك في سبيل الله ودينار أنفقته على أصحابك في سبيل الله قال أبو قلابة: بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعيال ثم قال أبو قلابة رضي الله عنه وأرضاه: وأي رجل أعظم من رجل ينفق على أولادٍ له صغار يعفهم الله به ويغنيهم ويرحمهم. فأضل دينار تنفقه على أهلك، دينار تنفقه على فرسك في سبيل الله، دينار تنفق على أصحابك في سبيل الله. إخوتي الكرام..

النفقة الواجبة بأقسامها مع أنها واجبة علينا نثاب عليها عند ربنا جل وعلا. وأما النفقة المستحبة التي هي نفقة التطوع هي خلاف النفقات المتقدمة، من صدقات على المساكين ومن هدية للأحباب وللأخوة في الدين، ومن إطعام لعباد الله أجمعين من تقديم طعام وثياب لهم فيما لا يجب عليك ولا يتعين وكل هذا من باب أعمال البر والنفقات المستحبة التي طولبنا بها وهذه طاعات عظيمة لأنك تعبد الله بها ونفعها يتعدى إلى غيرك فهي طاعة متعدية أعظم أجراً من الطاعة التي بينك وبين ربك وقد أشار إلى هذا سلفنا الكرام ففي مستدرك الحاكم والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه وإسناده صحيح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ذُكِر لي أن الأعمال تتباهى عند الله جل وعلا فتقول الصدقة أنا أفضلكم الأعمال تتباهى عند ذي العزة والجلال فتتكلم الصدقة وتقول: أنا أفضل الطاعات. وأنا أعظم القربات فأنا طاعة متعدية فعلها الإنسان طاعة لله ونفع بها عباد الله، ودين الله يقوم على تعظيم الله وعلى الشفقة على خلق الله وقد حصل هذا من الصدقة التي اطلعت بها وتقربت بها إليه وأحسنت إلى عباد الله وساعدتهم فتقول الصدقة أنا أفضلكم وهذا الأثر إخوتي الكرام الثابت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه له حكم الرفع إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه فمثله لا يقال من قبل الرأي لا سيما وقد قال: ذُكر لي أن الأعمال تتباهى عند الله فتقول الصدقة أنا أفضلكم وهذه الأفضلية التي تكون للصدقة من وجوه كثيرة أولها:

1. إن من يتصدق في سبيل الله ويحسن مع عباد الله بالنفقات التي لا تجب عليه من صدقة وإطعام لعباد الله وهدية لخلق الله وغير ذلك أنه عندما يفعل هذا يحصن نفسه في كل يوم تتصدق فيه فقد حصنت نفسك بحصن حصين من البلايا الطارئة والرزايا المفاجئة كما أخبرنا عن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ففي معجم الطبراني الأوسط من حديث علي رضي الله عنه والأثر رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الروايتين من رواية علي وأنس ومرفوعاً أيضاً على أنس رجح شيخ الإسلام الإمام البيهقي أن الأثر مرفوع على أنس وهذا ما ذهب إليه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب عليهم جميعاً رحمات ربنا القريب المجيب. الأثر من كلام أنس لكن هذا أيضاً إذا ثبت عن أنس وهو ثابت كما قرر الإمام البيهقي وبعده الإمام المنذري فثابت إذن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومثله لا يقال من قبل الرأي كما ستعلمون يقول أنس رضي الله عنه باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها (باكروا بالصدقة) أي إذا أصبحت عجِّل بالصدقة والإحسان إلى عباد الله فإذا فعلت هذا لا يصل إليك بلاء أنت عملت صدقة إذا جاء البلاء لا يمكن أن يتجاوز الصدقة ولا يمكن أن يخرقها ليصل إليك فأنت في حصن حصين وأنت في جُنة قوية محكمة متينة باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها نعم لا يتخطى البلاء صدقة بحيث يصل إلى المتصدق. فإذا أردت أن تحصن نفسك علىالدوام فأكثر من الصدقات إلى عباد الرحمن لا سيما في البكور من كل يوم يتصدق ولو شيئا قليلاً فهو حصنٌ لك وجُنة من بلاء طارئ يطرأ على عباد الله. وإذا طرأ ذلك البلاء ونزل ولم تكن متصدقاً فأسرع إلى معالجة نفسك ومداواتها بالصدقة فما وجد مثل الصدقة دافعاً للبلاء قبل حلوله وبعد حلوله.

إن الصدقة تدفع البلاء فلا يحل عليك وإن الصدقة تدفع البلاءة فإذا أصابك البلاء وأردت أن يزول عنك فأكثر من الصدقة وأكثر من مساعدة عباد الله ولو درى العباد هذا الأمر لكفاهم ذلك عن شراء أدوية كثيرة وفيرة قد تضر ولا تنفع ولداووا أنفسهم بالصدقات التي يتقربون بها إلى ربهم جل وعلا ويساعدون بها عباد الله والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه. وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر والحديث من درجة القبول ولا ينزل عن درجة الحسن رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في معجمه الكبير وأبو الشيخ في كتاب الثواب من رواية أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه والأثر رواه الطبراني أيضاً في معجمه الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وروى عن عدة من الصحابة الكرام ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وثبت عن أنس ابن مالك وعن العرباص بن سارية وعن عبادة بن الصامت وعن سمرة بن جندب وعن الحسن البصري في جميع الروايات مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم والروايات يعتضد بعضها ببعض فتتقوى أنه قال عليه الصلاة والسلام " داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وأعدوا للبلاء الدعاء " داووا مرضاكم بالصدقة إذا وجد لك مريض فأكثر من الصدقة على العبيد، داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وأعدوا للبلاء الدعاء – أكثروا من الدعاء لئلا ينزل البلاء وليرفع إذا نزل والحديث كما قلت إخوتي الكرام لا ينزل عن درجة الحسن لتعدد مخارجه وكثرة طرقه وشواهده إذن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة أنا أفضلكم وأي فضيلة أعظم من أن البلاء يُدفع عنك فلا يصل إليك إذا تصدقت في هذه الحياة وإذا وصلك بلاء ولم تتصدق وأردت أن يزول عنك فتصدق والله خير معين وهو خير ضمين سبحانه وتعالى.

الأمر الثاني: الذي يقرر أفضلية الصدقة وخيرتها ويحق لها أن تقول أمام ربها عندما تتفاخر الأعمال الصالحة: أنا أفضلكم. هذه الصدقة تمحو عنك الخطايا وتزل عنك الذنوب والرزايا إذا أخطأ الإنسان وما اكثر الأخطاء التي يرتكبها في الليل وفي النهار وفي الصباح وفي المساء. هذه الصدقة تمحو الخطايا وتزيلها برحمة الله وكرمه وجوده وعفوه. وقد ثبت في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه. والأثر رواه البيهقي في شعب الإيمان موقوفاً على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ قريب من لفظ أبي ذر في صحيح ابن حبان وقد ذهب شيخ الإسلام الإمام ابن حجر عليه رحمة الله إلى أن الأثر رواه مغيث بن موسى وهو من الرواة عن كعب الأحبار وهم من أئمة التابعين الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين.

والرواية الأولى كما قلت عن أبس ذر في صحيح ابن حبان وهو صحيح على حسب ما يراه هذا الحافظ الإمام وقد ذكر تصحيحه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب ولم يعترض عليه وهكذا فعل الحافظ الهيثمي من الزواجر عن اقتراف الكبائر فذكر تصحيح ابن حبان للحديث ولم يعترض عليه وإذا كان حوله كلام له شواهد كثيرة حسانٌ حسان كما يأتينا ولفظ الحديث عن أبي ذر عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: "تعبّد عابد من بين إسرائيل ستين سنة في صومعته فلما أمطرت السماء واخضرت الأرض قال: لو خرجت من صومعتي حتى أتعبد الله على هذه الخضرة فخرج فتعرضت له بغى فلم تزل تكلمه ويكلمها حتى غشيها ووقع عليها ثم لما صحا وتفكر فيما فعل وندم على نفسه أغمي عليه من حسرته ثم بعد ذلك ذهب إلى بركة وبدأ يستحم بها ليسقط عندما حصل فيه من جنابة فجاءه مسكين ومع هذا العابد رغيف أو رغيفان فأعطاه هذا الرغيف أو هذين الرغيفين، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: "وُضعت عبارة ستين سنة في الميزان وهذه الزِّنْية فَرَجَحت بها " وهذه الزينة فرجحت بها أي كِفّة السيئات رجحت {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} (¬1) (خرجت بها ثم أُتِيَ بالرغيف أو الرغيفين فوضعا في كفة حسناته فرجحت فغفر الله له) الصدقة تمحو الخطايا، تزيل الذنوب بفضل الله وكرم علام الغيوب وهذا الأثر إخوتي الكرام كما قدمت الكلام عليه في صحيح ابن حبان وغيره وانظروه في موارد الضمآن في ص210 وفي الكتب التي أشرت إليها إنما أريد أن أقول معنى الحديث صحيح وأن الصدقة تمحو الخطايا هذا ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة منها ما يثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه والحديث رواه الحاكم في مستدركه والدارمي في مسنده وأبو نعيم في الحلية من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ويحفظه الأولاد الصغار في المرحلة الابتدائية في الأربعين ¬

_ (¬1)) ) سورة الإسراء: 32

النووية على مؤلفها رحمات رب البرية عندما قال معاذ رضي الله عنه للنبي عليه الصلاة والسلام أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار قال: " لقد سألت عن عظيم وأنه يسير على من يسّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت – أي إن استطعت إليه سبيلا – ثم قال النبي صلى الله علية وسلم يا معاذ ألا أدلك على أبواب الخير قلت بلا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نبينا عليه الصلاة والسلام الصوم جُنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار (الصوم جُنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا نبينا عليه الصلاة والسلام {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1) . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم يا معاذ: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذرة سنامه؟ قلت بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذرة سنامه الجهاد، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم يا معاذ ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ (بما يملك عليك أمر نفسك ويعينك على طاعة ربك) فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه وقال: يا معاذ كف عنك هذا فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لمؤاخذون لما نتكلم به؟! قال ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟! ¬

_ (¬1)) ) سورة السجدة: 15- 17

الشاهد – أخوتي الكرام: والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وهذا المعنى متواتر عن نبينا المختار صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد والحديث رواه الحاكم في المستدرك وأبو يعلى في مسنده وسنده صحيح كالشمس من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ورواه ابن حبان من رواية كعب بن عُجرة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للكعب في رواية جابر وفي رواية كعب بن عُجرة: (يا كعب بن عُجرة، يا كعب بن عُجرة الصلاة قربان تتقرب بها إلى الله – الصلاة قربان والصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار) وفي رواية ابن حبان (والصدقة تذهب بالخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا) والجليد هو قطع الثلج على البلاط الأملس إذا سطعت عليه حرارة الشمس يذوب ويتلاشى ويمشي ولا يبقى متماسكاً وهكذا الصدقة تُذهب الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا. إذا إخوتي الكرام الصدقة..تمحوا الخطايا تكفر الذنوب تستر العيوب ولذلك يحق لها أن تقول أمام علام الغيوب أمام الطاعات عندما تفتخر فتقول الصدقة: أنا أفضلكم. من أفضلية الصدقة إخوتي الكرام أيضاً الصدقة المندوبة المستحبة.

2. أن الإنسان يستظل بظلها في عرصات الموقف عندما يُحشر الناس حفاة عراة، وتدنوا الشمس من رؤوسهم ويلجمهم العرق صدقتُك في ذلك الوقت تظلك إحسانك إلى عباد الله إطعامك لخلق الله مساعدتهم بما استطعت فيما لا يجب عليك. يكون كالمضلة عليك من حر ذلك اليوم {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (¬1) وقد ثبت الحديث بذلك وهو صحيح كالشمس ع نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وابن خزيمة في صحيحه وكما قلت أنه صحيح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس ". ¬

_ (¬1)) ) سورة الشعراء: 88، 89

في ذلك الموقف العصيب الرهيب يكون لهذه الصدقة ظلال وتستظل بظلالها حتى يفرغ أهل الموقف من الحساب (المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة حتى يُقضى بين الناس) قال يزيد بن أبي حبيب الراوي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني وهو الراوي عن عقبة بن عامر رضي الله عنهم أجمعين قال يزيد فكان أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني وهو من أئمة التابعين الطيبين روى عن عدة من الصحابة الكرام الصادقين وتوفي سنة 90هـ وحديثه في الكتب الستة وهو عالم مصر، وفقيهها وصالحها وعابدها وزاهدها في زمانه أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني يقول يزيد بن أبي حبيب فكان مرثد لا يخطؤه يوم إلا تصدق فيه ولو بكعكة ولو ببصلة، وفي رواية ابن خزيمة يقول يزيد فكان مرثد أبو الخير لا يخطؤه يوم إلا تصدق وكان يأتي إلى المسجد في الصباح وفي جيبه فلوس أو خبز أو قمح أو بصل فقلت له: أبا الخير ماذا تصنع بالبصل تحمله في جيبك ينتن ثيابك؟! قال: والله ما في البيت غيره وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس " فما في البيت إلا بصل فأخرجت بصلة لأتصدق بها حتى تكون ظلا لي يوم القيامة. وإذا وجد فلوساً تصدق، وإذا وجد خبزاً تصدق، وإذا قدر أنه لم يُحصِّل إلا البصل، يحمل في جيبه البصل وهو من أئمة التابعين الأبرار وشيخ المسلمين في تلك الديار في زمنه يحمل البصل من أجل أن يتصدق به في كل يوم بما تيسر لكون في ظل صدقته عند الله جل وعلا. إخوتي الكرام..

يحق للصدقة أن تقول إذن إذا افتخرت الأعمال أمام ذي العزة والجلال: أنا أفضلكم، لا يوجد عمل في ذلك في ذلك اليوم إلا الصدقة؟! نعم يوجد أعمال أخرى سيأتينا الإشارة إليها تضلك في ظل العرش، أما عمل بنفسه يكون ظلا لك فهذا خاص بالصدقة وعليه إذا تصدقت واتصفت بالأعمال الأخرى حصّلت ظلين: ظلا تحت عرش الرحمن وظلا بهذه الصدقة عندما تظلك في ذلك اليوم. إخوتي الكرام: ويحق للصدقة أن تقول: أنا خيركم، وأنا أفضلكم فالأفضلية أيضاً تظهر بالوجه الرابع.

3. الصدقة تقيك من نار جهنم وتحفظك من لهيبها وتكون حصناً حصيناً لك من دخولها كما أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم والحديث إخوتي الكرام في المسند ورواه الشيخان في الصحيحين وهو في سنن الترمذي وابن ماجه من رواية عدي بن حاتم رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله يوم القيامة ليس بيننا وبينه ترجمان (ليس هناك مترجم ولا واسطة كل واحد من الخليفة سيقف أمام ربه ليكلمه) قال عليه الصلاة والسلام (فينظر – أي هذا الذي سيكلمه الله أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وعمل وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وعمل وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة – فاتقوا النار ولو بشق تمرة) تصدق بما استطعت لتكون هذه الصدقة وقاية لك من النار ولو بشق تمرة (فمن لم يجد فبكلمة طيبة) فاتقوا النار ولو بشق تمرة.

وقد تواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن الصدقة تمنع من دخول النار وتقي صاحبها من ذلك العار الذي سيحصِّله أهل الأوزار في دار القرار ففي مسند الإمام أحمد وحلية الأولياء لأبي نعيم والحديث صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليقي أحدكم وجه من النار ولو بشق تمرة " ليتق أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة والحديث رواه الإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنا النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يا عائشة "استتري من النار ولو بشق تمرة " (استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسُد من الجائع مسدّها من الشبعان) استتري من النار ولو بشق تمرة وهذا المعنى كما قلت ثابت متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام رواه عدة من أصحابه الكرام منهم البزار في مسنده والإمام الطبري في معجمه الأوسط عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اتقوا النار ولو بشق تمرة" والأحاديث في ذلك كثيرة وفيرة إخوتي الكرام.

نعم..إن الإنسان يقي نفسه عندما يتصدق وكل على حسب استطاعته وكما قال أئمتنا سابقاً الجود بالموجود وإذا لم تجد إلا تمرة وشققتها قسمين فأخذت قسماً وتصدقت بالباقي فأجركم عظيمٌ عظيم عند ربك الكريم وقد ثبت في سنن النسائي من رواية أبي ذر رضي الله عنه والأثر رواه النسائي أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن خزيمة في صحيحه من رواية أبي هريرة كما قلت والحديث عن أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سبق درهم مائة ألف درهم –سبق درهم مائة ألف درهم " قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! يتصدق بدرهم ويزيد أجره عند الله على من يتصدق بمائة ألف درهم؟! والحديث صحيحٌ صحيح فقال عليه الصلاة والسلام "رجل يملك درهمين عنده درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به ورجل أخذ من عُرض ماله لف درهم فتصدق به" من عُرض ماله: يعني من ناحية ماله من جانب ماله أموال مكدسة فخذ من جانبها مائة ألف ذاك عندما أخرج الدرهم أخرج نصف ما يملك وهذا عندما أخرج مائة ألف درهم أخرج طرفاً يسيراً من طرف ما يملك يقول نبينا عليه الصلاة والسلام "سبق درهم مائة ألف درهم " الجود بالموجود وثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه البزار في مسنده عن علي رضي الله عنه وإسناد الحديث ثقات أثبات وليس فيه من تُكلِّم فيه إلا الحارث الأعور وقد ضعفه أئمتنا وأخرج حديثه أهل السنن الأربعة ونقيم عليه شيء من التشبع كان فيه وهو من أصحاب علي رضي الله عنه وأرضاه وتشيّعُهُ أنه يفضل علياً على سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين الحارث الأعور المعتمد في أمره أنه ضعيف.

لكن الحديث له شواهد ولفظ الحديث عن علي رضي الله عنه وأرضاه قال: جاء ثلاثة نفرإلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم يا رسول الله كانت عندي مائة دينار فتصدقت منها بعشرة دنانير وقال الآخر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عندي عشرة دنانير فتصدقت منها بدينار وقال الثالث: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندي دينار واحد فتصدقت بعُشره فقال عليه الصلاة والسلام "كلكم في الأجر سواء كلكم تصدق بعُشر ماله " نعم..يتصدق الإنسان بنصف تمرة متى؟! عندما لا يملك إلا تمرة وإما إذا كانت عنده أطنان التمر ثم بعد ذلك تصدق بتمرة أو بنصف تمرة فبئس ما قدمه لنفسه {لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (¬1) . إذن إخوتي الكرام ... الجود بالموجود لكن الصدقة لها هذا الأجر الكريم عند ربنا المعبود: 1. لا يتخطاها البلاء. 2. تكفر الذنوب والخطايا. 3. تستظل بظلها يوم القيامة. 4. تمنعك هذه الصدقة بعد ذلك من دخول نار جهنم. إخوتي الكرام.. ¬

_ (¬1)) ) سورة آل عمران: 92

هذا المال الذي منَّ الله به علينا لا ينتفع الإنسان به إلا إذا أخرجه وقدمه بين يديه. وقد ثبت ف مستدرك الحاكم بسند صحيح قال الحاكم أبو عبد الله إسناد الحديث على شرط الشيخين ولا أعلم له علة وأقره على ذلك الإمام الذهبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الأختلاء ثلاثة، أصحابك ثلاثة لا يخرجون عن ذلك. فخليل يقول لك أنا معك ما دمت حياً فإذا مِتّ، فأذا مُتّ فارقتك وخليل يقول لك أنا لك ما أنفقت وإذا لم تنفق فلست لك وخليل يقول لك أنا معك أينما ذهبت إذا دخلت أو خرجت. قال نبينا عليه الصلاة والسلام " أما الخليل الذي معك ويفارقك إذا مُتّ –ذا مِتّ فهم أهلك وأصحابك وعشيرتك (يصاحبونك في هذه الحياة ويشيعونك إلى قبرك ثم يعودون) . (وأما الخليل الذي تنتفع به إذا أنفقته ولا يكون لك إذا لم تنفقه فهو مالك) أنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فالمال لك يقول لك المال: إن أنفقتني فأنا لك وإن لا فلست لك وأما الذي يصاحبك من جميع أحوالك من دخولك وخروجك: عملك. قال نبينا عليه الصلاة والسلام (فيقول الإنسان بعد موته لعمله: لقد كنت أهون الثلاثة عليّ) أنت الخليل الملازم لكن ما تقيت الله من خُلتك ولا في صحتك (كنت أهون الثلاثة علي) أنت ستصاحبني في حِلِّي وترحالي في حياتي وبعد مماتي في الدنيا وفي الآخرة ثم ما أحسنت عشرتك. أما المال الذي سيكون لي إذا أنفقته ويكون لغيري إذا كنزته فقد اعتنيت به والأهل والعشيرة كذلك فارقوني عند الموت واعتنيت بهم وأما هذا الصاحب الذي لا يفارقني " كنت أهون الثلاثة علي" ما تمنيت بك وهناك يتحسر الإنسان ولكن ليس ذلك الوقت تنفع فيه الحسرة.

إذن.. لابد إخوتي الكرام من إنفاق هذا المال لينفعك عند ذي العزة والجلال وهذا الحديث الثابت كما قلت في المستدرك وغيره أصله في الصحيحين من رواية أنس أيضاً رضي الله عنه وأرضاه هو في الصحيحين وسنن النسائي والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يتبع الميت ثلاثة: مالُه وأهلُه وعملُه فيرجع إثنان ويبقى واحد يرجع ماله وأهله ويبقى عمله " هذا الذي سيصاحبك في كل وقت. إخوتي الكرام فلا بد من إخراج المال إخراج المال تقرباً إلى ذي العزة والجلال صدقة على المسكين أمر طيب إطعام لعباد الله ولأحباب الله ولعباد الله والمساكين ولغيرهم كل هذا أيضاً عمل طيب يقوم به الإنسان عندما يطعم عندما يقدم شراباً عندما يقدم لباساً كل هذا من أنواع النفقات المستحبة التي تشرع للإنسان وينبغي أن يقوم بها. وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن عظيم الأجر الذي يحصله من يطعم عباد الله ومن يسقي عباد الله ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وقال حسن صحيح والحديث رواه ابن حبان في صحيحه ورواه الإمام الدارمي في مسنده من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " اعبدوا الرحمن.. أطعموا الطعام..صلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام.

والحديث رواه الإمام أحمد أيضاً في المسند والترمذي في السنن وابن ماجه في السنن أيضاً ورواه الحاكم في المستدرك والإمام الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه -أي أسرعوا إلى لقائه – يقول فذهبت فلما استثبتُ منه نظرت إلى وجهه فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب عليه صلوات الله وسلامه لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهية تنبئك بالخبر ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام " أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصِلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " إطعام الطعام إلى عباد الرحمن من أسباب دخول الجنة بسلام. والأحاديث إخوتي الكرام في ذلك كثيرة وفيرة منها ما ثبت في مستدرك الحاكم ومعجم الطبراني الكبير من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ألا وأن في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها " فقال أبو مالك الأشعري رضي الله عنه وأرضاه: لمن أعدها الله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وقال بالليل والناس نيام " والحديث رواه ابن حبان عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه بتغيير أطاب بأفشى قال من؟ قال لمن أفشى السلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام إذن إطعام الطعام له أجرٌ كبير عند ذي الجلال والإكرام.

ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان والحديث رواه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبئني عن أمر إذا عملته دخلت الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة " أفشي السلام وأطعم الطعام وصِل الأرحام وصلي بالليل والناس نيام وادخل الجنة بسلام " أي بعد ذلك. والأحاديث في ذلك كثيرة ولذلك كان سلفنا الكرام يتسابقون على هذه المكرمة أعني إطعام الطعام، تقرباً إلى ذي الجلال والإكرام. أخرج الإمام أحمد في المسند بسند حسن وأبويعلى في مسنده والأثر في كتاب الأحاديث الجياد المختارة الصحيحة للإمام الضياء المقدسي وأصل الحديث في مستدرك الحاكم عن صهيب رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب قال لصهيب رضي الله عنهم أجمعين يا صهيب أي رجل أنت لولا ثلاث فيك؟! قال صهيب: وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تكنّيت وليس لك ولد، وانتسبت إلى العرب وأنت من الروم، ولك إسراف في الطعام. وفي رواية المستدرك: ما جاءك شيء إلا أنفقته فقال: يا أمير المؤمنين أما منيتي فقد كناّني رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى – هذه كنية النبي صلى الله عليه وسلم لي – وأما انتسابي للعرب فأنا من قبيلة النمر بن قاسم من العرب سباني الروم وأنا صغير أعقل أهلي وقومي والله لو كان أصلي روثة لانتسبت إليها قال: صدقت قال: وأما قولك أني أسرف في الطعام فقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خياركم من أطعم الطعام " زاد الإمام أحمد في المسند (ورد السلام) خياركم من أطعم الطعام ورد السلام. ولذلك أُثِر عن علي رضي الله عنه كما في كتاب الثواب لأبي الشيخ وإسناد الأثر حسن لولا وجود ليث ابن أبي سليم فيه.

وهو كما قال أئمتنا صدوق لكن طرأ عليه الاختلاط وقد أخرج حديثه البخاري في صحيحه معلقاً والإمام مسلم في صحيحه وهو من رجال أهل السنن الأربعة. عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: "لأن أجمع إخواني على صاعٍ أو صاعين من طعام أحبُّ إليّ من أن أدخل سوقكم فأشتري عبداً فأعتقه في سبيل الله" إطعام الطعام له هذا الأجر العظيم عند ذي الجلال والإكرام وهذا سَقْيُ الماء إخوتي الكرام فقد سقى رجل كلباً فشكر الله سعيه فغفر له وفي كل كبدٍ رطبة أجر. ثبت الحديث بذلك في المسند والصحيحين والحديث رواه البخاري في الأدب والمفرد وأبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئر فنزل فيها فشرب فلما خرج رأى كلباً يلهث يكاد أن يأكل الثرى من شدة العطش فقال لقد بلغ بهذا الكلب من العطش مثلُ الذي بلغ بي فنزل البئر ثانية وملأ خفيه بالماء ثم رقى وسقى الكلب فشكر الله له فغفر الله له قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإن لنا في البهائم لأجراً؟! قال: (في كل كبد رطبة أجر) والحديث أيضا ثابت في المسند والصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينما كلب يطيف بركية- أي يدور حول بئر – لا يستطيع أن يشرب منها فلقيته بغي من بغايا بني إسرائيل نسأل الله العافية فنزعت موقها – يعني خفها – ثم استقت بهذا الموق لهذا الكلب فسقته إياه فغفر الله لها به) أي بهذه السقيا بغي من بغايا نبي إسرائيل عندما سقت هذا الماء وتصدقت على خلق الله فغفر الله لها غفر الله وزرها وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

وإليكم هذه القصة إخوتي الكرام التي تتعلق بسقي الماء القصة ينقلها شيخ الإسلام الإمام البيهقي في كتاب شعب الإيمان والبيهقي توفي سنة 458هـ ينقلها عن شيخ الإسلام في زمنه عبد الله بن المبارك الذي توفي سنة 181هـ حاصلها أن رجلاً جاء إلى شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك فقال له خرجت فرحة في ركبتي بقي لها سبع سنين وقد عالجتها بأنواع العلاجات فما برأت ولا شفيت وهي تنزف بالدم والماء والقيح والصديد فأريد أن ترشدني إلى أمر يكتب الله لي به العافية. فقال له شيخ الإسلام: ابحث عن مكان يحتاج الناس فيه إلى ماء واحفر فيه بئراً وأنا أرجو من الله إذا استقى الناس من ذلك البئر أن يجف سيلان قرحتك وأن تبرأ بإذن الله جل وعلا وفعلاً الرجل بحث عن مكان يحتاج الناس فيه إلى بئر، فحفر بئراً فلما خرج الماء واستقى الناس منه برأت قرحته بإذن الله داووا مرضاكم بالصدقة.

قال الإمام البيهقي: وقد جرى مثل هذا لشيخنا أبي عبد الله الحاكم الذي توفي سنة 430هـ وهو من شيوخ البيهقي وهو صاحب المستدرك عليهم جميعاً رحمة الله يقول جرى مقل هذا لشيخنا أبي عبد الله الحاكم خرج في وجهه قروح فشوهت وجهه وبقي فيه ذلك قرابة سنة ثم جاء إلى شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني الذي توفي سنة 449هـ وهو من العلماء الربانيين الذين يستقى بهم وينزل غيث السماء عند ذكر اسمهم عليهم جميعاً رحمات الله وهو صاحب كتاب عقيدة السلف وأهل السنة مطبوعة ضمن الرسائل المنيرة فجاء الإمام الحاكم إلى هذا الشيخ العَلَم الهمام فقال: أبا عثمان أريد أن تدعو لي في مجلس وعظك وقد وعظ هذا الرجل وحضر الأئمة الكبار وعظه وعمره تسع سنين واستمر في الوعظ سبعين سنة حتى لقي رب العالمين أبو عثمان الصابوني قال أريد أن تدعو لي في مجلس وعظك وأن يُؤمِّن الناس لعل الله يُذهب عني هذه القروح فاجتهد أبو عثمان في الدعاء وأمّن الحاضرون وكثر البكاء فلما انصرفوا جاءت امرأة في اليوم الثاني إلى أبي عثمان وقالت رأيت النبي عليه الصلاة والسلام فقال لي: أبلِغي أبا عثمان أن يخبر الحاكم أن يوسِّع على المسلمين في الماء. فأخبرت أبا عثمان الصابوني بهذا فأعلم الإمام الحاكم بذلك فعمل مباشرةً سقياً عند داره قال أئمتنا فلما خرج الماء منها واستقوا منها يقول البيهقي وهو يدرك هذا بعينه: ما مضى أسبوع حتى ذهبت القروح من وجه أبي عبد الله الحاكم وصار وجهه أنضر وجه وأحسنه وأبهاه (داووا مرضاكم بالصدقة) . هذه الصدقات إخوتي الكرام لها أجور عظيمة حسان يتعلق بها أمران أذكرهما على سبيل الإيجاز في الموعظة في الخطبة الثانية ن شاء الله أقول هذا القول واستغفر الله.

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. إخوتي الكرام.. يتعلق بالصدقة أمران لا بد من العناية بهما: الأمر الأول: يستحب للإنسان إذا تصدق أن يخفي صدقته ما أمكن فهذا أعظم لأجره عند ربه وقد ثبت في معجم الطبراني الكبير من حديث أبي أمامة رضي الله عنه والحديث رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن أمنا أم سلمة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " صنائع المعروف تقي من مصارع السوء وصلة الرحم تزيد في العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب" وتقدم معنا أن مطلق الصدقة يطفئ غضب الرب وعليه صدقة السر تزيد في إطفاء غضب الرب وإذهاب عقوبته ونعمته وفقته وسخطه لعظيم الأجر الذي فيها. والحديث إخوتي الكرام إسناده حين وهو ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم (صدقة السر تطفئ غضب الرب) وقد كان سلفنا يتبارون في صدقة السر. يذكر أئمتنا كما يوجد في سير أعلام النبلاء في ترجمة شيخ الإسلام الإمام الرباني أبي عمرو إسماعيل بن نُجير الذي توفي سنة 365هـ وانظروا ترجمته إخوتي الكرام في الجزء 16/146 من سير أعلام النبلاء وكما قلت هو من العلماء الربانيين وشيخ الإسلام ومحدث خراسان في زمنه ونعته الإمام الذهبي بأنه كان صوفياً وكان كبير القوم من أئمة الهدى والصلاح والسداد والرشاد.

يقول هذا الإمام المبارك يقول الذهبي في ترجمته ومن محاسنه أن شيخه يعني به أبا عثمان الحيري الذي توفي سنة 298هـ احتاج إلى مبلغ من المال من أجل تحصين الثقور من الأعداء فحثّ الناس على الصدقة فأبطؤوا فجاء في المجلس الثاني ابن نُجيد – إسماعيل بن نُجيد أبو عمرو بألفي درهم في صرة ووضعها بين يدي أبي عثمان دون أن يشعر أحد بذلك فشكر أبو عثمان هذا المتصدق ونوّه به في مجلس وعظه وقال: أبطأتم عن الصدقة وقد قام بعبء الجماعة هذا العبد الصالح ابن نُجيد فاعترض شيخه وقام من المجلس وقال يا إمام كنت أخذت هذه الفلوس من أمّي وهي كارهة وتريد أن تعيدها إليّ فقال خذ هذا الكيس بحاله. فأخذ هذا الكيس حتى انفض الناس دخل إلى شيخه وقبّل يديه وقال أيها الشيخ علام فضحتني بين الناس؟ ! أمر عملته لله لا أريد أن يطلع عليه أحد هذه الفلوس تعاد مرة لتحصين الثغور ولا أريد أن يعلم بهذا أحد من خلق الله هذا الصوفي الزاهد العابد الورع القانت كان يقول: كل حال وإن جل لا يُبنى على علم ضرره على صاحبه أكثر من نفعه – نعم من عَبَدَ الله على جهل ودعا على جهل فما يفسده أكثر مما يحصله وكان هذا العابد القانت يقول: لا تثبتُ قدم الإنسان في العبودية حتى يعلم أن جميع أعماله كلها رياء وأن جميع أمواله كلها دعاوى أحواله دعاوى أعماله رياء نعم من لم يتهم نفسه بالرياء فهو مراءٍ ومن لم يتهم نفسه بالنفاق فهو منافق ما أمن النفاق إلا منافق وما برّأ نفسه من الرياء إلا مرائي أما الأمر الثاني: ألا وهو المتعلق بالصدقات على الأقرباء والأرحام أترك هذه للموعظة الآتية عند شهر رمضان فهو شهر الصدقة والإحسان. الدعاء..

تحذير التائب من الذكر بضمير الغائب

تحذير التائب من الذكر بضمير الغائب (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تحذير التائب من الذكر بضمير الغائب الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2) سورة النساء: 1 (¬3) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. لازلنا نتدارس منزلة عبادة الذكر في الإسلام وما جرى نحو هذه العبادة من ابتداع من قبل المتأخرين من أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام: تقدم معنا أن عبادة الذكر هي أفضل الطاعات بعد أداء الواجبات، وهذه العبادة غيرها المبتدعون المخرفون في العصور المتأخرة وتغييرهم دار على أمرين اثنين: أما أنهم أحدثوا عبادة زعموا أنهم بها يذكرون ربهم كالقصائد والأشعار التي أحدثت في هذه الأمة من قبل الصوفية، ومن قبل من يزعمون الجهاد في هذه الأيام وعلقوا عليها وأعرضوا عن كلام ذي الجلال والإكرام. وأما أنم جاءوا إلى صيغ الأذكار الشرعية فتلاعبوا في تغييرها وغيَّروا الكيفية. وكنا نتدارس الأمر الثاني من أحوالهم في الموعظة الماضية وسأكمل الحديث عليه في هذه الموعظة بإذن الله جل وعلا، وكما هي عادتنا قبل أن نبدأ في إزهاق الباطل ودمغه ودحضه يحسن بنا بل يجب علينا أن نتدارس منزلة الحق ومكانته وفضيلته لتتعلق القلوب به وليسكن في الصدر ثم بعد ذلك نرد الباطل وندحضه. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب 70، 71

إخوتي الكرام: تقدم معنا منزلة الذكر في الإسلام وقلتُ إن صيغ الأذكار تتفاوت عند ذي الجلال والإكرام فأعظمها كلمة التوحيد لا إله إلا الله فهذه هي أفضل ذكر يذكرها العبد ربه جل وعلا، وكنت ذكرت في الموعظة السابقة شيء من فضائل الذكر من هذه الكلمة، وكما قلت لن أتحدث عن أحكامها العظام ولا عن جميع فضائلها الحسان ولا على ما يترتب عليها من خيرات في العاجل والآجل، وإنما سأتكلم على جزئية يسيرة، ألا وهو الأجر الذي يعطيه الله لمن يذكره في هذه الصيغة فقط دون ما يترتب عليها من أحكام، فبهذه الكلمة ينجو الإنسان من النيران، بهذه الكلمة يستوجب الإنسان الشفاعة من النبي عليه الصلاة والسلام، بهذه الكلمة يدخل غرف الجنان، بهذه الكلمة يتمتع بالحور الحسان، بهذه الكلمة يعصم دمه في هذه الحياة فيصبح من أولياء الرحمن، لمن أتكلم هذه الآثار الحسان، وإنما أتكلم عن الأجر الذي يعطيه الله لمن يقول لا إله إلا الله، وقد ذكرت كثيراً من الأجور التي يمن بها العزيز الغفور على من يذكره بهذه الصيغة في الموعظة الماضية، وسأزيد ذلك تقريراً في نفس الموضوع دون أن أنتقل إلى جزئيه أخرى. إخوتي الكرام.. من ذكر الله بهذه الصيغة فله من الأجر من الله ما لا يخطر ببال أحد. ثبت في معجم الطبراني الكبير بسند حسن من رواية أم سلمة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم -.. قال [من قال لا إله إلا الله كتب له كذا وكذا حسنة] أي كتب من الحسنات ما لا يحيط به المخلوقات، والكريم إذا أطلعه الجزاء فلا يعلمه إلا هو فهو الكريم وهو رب الأرض والسماء، ومن قال هذه الصيغة وأكثر من قولها وواظب عليها بالليل والنهار فله أجر كبير عند ربنا الجليل.

ثبت في سنن الترمذي، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب، والحديث في إسناده الضحاك بن حمرة الاملوكي الواسطي وفيه ضعف وقد حسن الإمام الترمذي حديثه لعل ذلك لشواهده، ولفظ الحديث من رواية عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من هلل الله بالغداة مائة مرة وبالعشي مائة مرة كان كمن اعتق مائة نفس من ولد إسماعيل] . وتقدم معنا في الموعظة الماضية ما للمعتق من أجر عند الله جل وعلا، فمن اعتق رقبة واحدة في هذه الحياة اعتقه الله من النار وأوجب دار كرامته، أوجب له الجنة بفضله ورحمته، وهنا إذا هللت الله بالغداة مائة وبالعشي مائة فلك هذا الأجر عند الله كأنك أعتقت في ذلك اليوم مائة نفس من خيار أنواع الرقيق، من العرب إذا استرقوا من ولد إسماعيل. نعم إخوتي الكرام: إن هذه الكلمة لها أثر عظيم عند ذي الجلال والإكرام. ثبت في سنن البزار ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه الإمام النسائي في كتابه (عمل اليوم والليلة) وابن أبي الدنيا، وإسناد الأثر صحيح من رواية سيدنا عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للصحابة الكرام [أما يستطيع أحدكم أن يعمل كل يوم مثل أحد عملاً، قالوا وكيف نستطيع أن نعمل كل يوم مثل أحد عملا، نحن أضعف من ذلك وأعجز يا رسول الله، فقال كلكم تستطيعونه، قالوا وكيف ذاك؟ فقال لا إله إلا الله أعظم من أحد وسبحان الله أعظم من أحد، والله أكبر أعظم من أحد.

نعم لا يثقل شئ مع اسم الله جل وعلا والميزان الذي كفته تسع السماوات والأرض كما ثبت هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففي مستدرك الحاكم بسند صحيح على شرط مسلم أقره عليه الإمام الذهبي من رواية سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسعته فتقول الملائكة ربنا من يزينها هنا، من يستطيع أن يأتي بعملاً ليرجح ميزانه الذي كفته تسع السماوات والأرض، فيقول لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. إن كلمة التوحيد التي يأتي بها الموحد وهي في بطاقة صغيرة تثقل الميزان ولا يثقل شئ مع اسم الرحمن جل وعلا.

نعم إخوتي الكرام: هذه الكلمة لها هذا الأثر عند ذي الجلال والإكرام، كلمة التوحيد من قالها فقد أتى بعمل أعظم عند الله من جبل أحد، وأخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من هلل الله نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه سينال رحمته قطعاً وجزماً، والحديث بذلك في كتاب (عمل اليوم والليلة) للإمام النسائي وهو في السنن الكبرى له والحديث رواه الإمام الخطيب البغدادي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وأما الإمام النسائي فرواه من رواية يعقوب بن عاصم من رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعقوب بن عاصم من أئمة التابعين وهو ثقة إمام عدل طيب مبارك حديثه في صحيح مسلم وهو من رجال سنن النسائي وأبي داود وهنا يروي هذا العبد الصالح يعقوب عن رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [ما من عبد يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، إلا خرقت هذه الكلمة أبواب السماوات حتى تصل إلى الله جل وعلا فإذا وصلت إليه نظر الله إلى قائلها من أهل الأرض وحق لمن نظر الله إليه أن يعطيه سؤله] أو كما قال، وفي رواية الخطيب البغدادي عن أبي هريرة رضي الله عنه [ما من عبد يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، إلا صعدت إلى الله جل وعلا، هذه الكلمة لا يحجبها شيء ليس دونها حجاب تخترق الحجب وتصعد فإذا وصلت إلى الله نظر الله إلى صاحبها وحق على الله ألا ينظر إلى أحد إلا رحمه، إذا نظر الله إليك تنال سؤلك ويعطيك حاجتك، إذا نظر الله إليك رحمك أرحم الرحمين، والحديث إسناده صحيح.

وصفة النظر من الصفات التابعة لمشيئة الله جل وعلا، فهو الذي ينظر إلى من يشاء، وإذا نظر إلى إنسان فقد رضي عنه ورحمه وقد أخبرنا ربنا أنه لا ينظر إلى من غضب عليه كما ذكر الله ذلك في سورة (آل عمران) : {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم} . وقد ثبت عن أبي عمران الجويني وهو من أئمة التابعين الكبار وحديثه في الكتب الستة وهو إمام ثقة عدل، ثبت عنه في كتاب (حلية الأولياء) في الجزء الثاني صفحة أربع عشرة ومائتين 2/214 عنه قال (ما نظر الله إلى أحد إلا رحمه ولو نظر الله إلى أهل النار لرحمهم، ولكن قدر ألا ينظر إليهم) والإمام ابن تيمية قرر هذا في (مجموع الفتاوى) في الجزء الثالث عشر صفحة أربع وثلاثين ومائة 3/134 أيضاً وبيَّن أن صفة النظر تابعة لمشيئة الله جل وعلا، فهو ينظر إلى من شاء ممن رضي عنه ولا ينظر إلى من شاء ممن غضب عليه. فإذا هلل الإنسان بهذه الكلمة المباركة نظر الله إليه وإذا نظر الله إلى عبدٍ أعطاه سؤله، وإذا نظر الله إلى عبد رحمه، الذي يهلل الله يجد هذه المنزلة عنده جل وعلا يكتب له كذا وكذا من الحسنات، إذا قال هذه الصيغة مائة مرة بالغداة والعشي مائة مرة فكأنه أعتق مائة نفس من ولد إسماعيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، إذا هلل الله مرة واحدة نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه أعطاه سؤله ورحمه، فهنيئاً لمن ينظر الله إليه، وهنيئاً ثم هنيئاً لمن ضحك الله إليه.

ثبت في مسند الإمام أحمد وأبي يعلى ومعجم الطبراني الكبير والأوسط بسندٍ رجاله ثقات كما في مجموع الزوائد للإمام الهيثمي في الجزء الخامس صفحة اثنتين وتسعين ومائتين 5/292 عن نعيم بن همار رضي الله عنه وهو من الصحابة الأبرار يقال له نعيم بن هبار ويقال نعيم بن هدار وقيل غير ذلك كما في (أسد الغابة) عن نعيم بن همار أن نبينا المختار قال [إذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه] نعم هذه الصيغة بها هذه الآثار ولا فوق ذلك من هذه الآثار، إن هذه القلوب يخلق فيها الإيمان كما يخلق الثوب على الأبدان فلابد من تجديد الإيمان على الدوام ويجد ويذكر الرحمن جل وعلا. ثبت في مستدرك الحاكم ومعجم الطبراني الكبير وإسناد الحديث صحيح من رواية عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسلوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم] نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تجدد الإيمان في قلوبنا، وأن توفقنا إلى الشيء الذي يحصل به تجديد الإيمان في قلوبنا فإنك أرحم الراحمين. بأي شيء يجدد الإيمان، بذكر الرحمن سبحانه وتعالى وأوضح ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم وفي معجم الطبراني الكبير وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -[جددوا إيمانكم، قالوا بأي شيء نجدد إيماننا؟ قال قولوا لا إله إلا الله] بهذه الكلمة يحصل بها تجديد الإيمان. نعم: بها يحصل بها الدخول في الإيمان وبها يحصل بها تجديد الإيمان، بها تنجو من النيران، بها تدخل غرف الجنان، بها تستحق شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، بها تستحق رحمة ذي الجلال والإكرام.

جددوا إيمانكم ـ بأي شيء نجدد إيماننا قال قولوا لا إله إلا الله، لا إله إلا الله أفضل الأذكار وأفضل ما نطق بها أنبياء الله وقد أمرنا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بذلك ففي مسند أبي يعلى وإسناد الحديث رجاله ثقات كما قال الإمام الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا ضمام بن إسماعيل فهو ثقة، لم يخرج أحد من أصحاب الكتب الستة في كتبهم، إنما أخرج الإمام البخاري في (الأدب المفرد) وهو ثقة إمام عدل رضا، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ورواه ابن عساكر، وإسناده صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [أكثروا من قول لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها ولقنوا بها موتاكم] هي أول واجب وهي أوجب واجب هي أعظم واجب هي آخر واجب، هنيئاً لمن ختم له بكلمة التوحيد، هذه بعض فضائل الذكر بكلمة لا إله إلا الله، فإذا كان لهذه الكلمة هذه الفضائل والخيرات والبركات كما تقدم معنا أن أفضل الأذكار كلام العزيز الغفار وكما أن صيغ الأذكار تتفاوت في الثواب فهذا سور القرآن تتفاوت في الثواب وكنا نتدارس أعظم سور القرآن ثواباً ومنزلة ألا وهي سورة الإخلاص كما أن أفضل صيغ الأذكار كلمة الإخلاص، فتقدم منزلة سورة الإخلاص هذه السورة من تعلق بها، سورة وجيزة بليغة فيها صفة اله ونسبه سبحانه وتعالى هو أحد، صمد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

ثبت في الصحيحين والسنن الكبرى للإمام النسائي والحديث في كتاب (الأسماء والصفات) للإمام البيهقي وهو في أعلى درجات الصحة عن أمنا عائشة رضي الله عنها بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثاً وأمر عليهم واحداً منهم فكان يصلي بهم ويختم صلاته بقل هو الله أحد، إذا انتهى من القراءة قبل أن يركع يقرأ سورة الإخلاص، فقال له قومه، يجزئك أن تقرأ السورة الذي قرأتها أو أن تقرأ سورة الإخلاص فعلام تقرن بين السورة التي تقرأها وبين سورة الإخلاص بعد ذلك قال: ما أنا بفاعل ما تقولون ولا يمكن أن أقتصد على سورة كلما أقرأ أختم الركعة بقل هو الله أحد فإن شئتم قدموا غيري ولا مانع عندي وكانوا لا يريدون تقديم غيره فهو أميرهم وأقرأهم، قيل هو كلثوم بن الهرم من الأنصار الأبرار، كما ذكر الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) في الجزء الثاني صفحة ثماني وخمسين ومائتين 2/258 وقيل غيره، انظروا الحقيقة الكلام في بيان المراد بهذا الصحابي رضي الله عنه.

فلما عادوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -[قال سلوه لأي شيء يفعل ذلك؟ فسألوه: فعلام تختم قرأتك بقل هو الله أحد؟ فقال لأنها صفة الرحمن أنا أحبها فقال نبينا - صلى الله عليه وسلم - أخبروه بأن الله يحبه] وفي مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري ومسند الترمذي، والحديث رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى وابن الفريس في (فضائل القرآن) وهو في صحيح البخاري كما قلت فالحديث صحيح من رواية أنس بن مالك أن بعض الأنصار الأبرار كان يصلي في مسجد قباء بقومه فكان يفتتح قراءته بقل هو الله أحد، هذا يختم، وهذا يفتتح، فعتب عليه قومه إما أن تقتصر على {قل هو الله أحد} أو على السورة التي تقرأها بعدها فهذا يجزئك، فقال: ما أنا بفاعل فإن شئتم قدموا غيري كما قال ذاك وما كانوا يريدون أن يتقدم غيره لحسن قراءته ولكثرة حفظه فعرضوا هذا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فستدعاه النبي عليه الصلاة والسلام وسأله علام تفعل ذلك؟ قال: يا رسول الله إنها صفة الله وأنا أحب أن أقرأ بها فقال: حبك إياها أدخلك الجنة، وفي بعض الرواية الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال إن أخي مولع بسورة الإخلاص يكثر من قراءتها فقال بشره بالجنة. فمن أكثر من قراءتها أحبه الله، فمن أكثر منها ولهج بها له بشارة بفضل الله ورحمته أنه من أهل الجنة، هذه السورة هي صفة الله ونسب الله وعندما سأل أهل الأرض عن أنساب الله أنزل الله هذه السورة فيجب بنا أن نقرأها وأن نلهج بها ويعطينا عليها من الأجور ما لا يخطر ببال أحد من المخلوقات.

ثبت هذا في سنن الإمام أحمد وسن الترمذي، والحديث رواه الإمام البيهقي في (الأسماء والصفات) وهو في تفسير الطبري والبغوي ورواه الإمام ابن المنذر في تفسيره وأبو الشيخ في كتابه (العظمة) وبوب عليه الإمام ابن أبي عاصم في كتابه (السنة) باباً فسماه (باب نسبة الرب جل وعلا) والحديث إسناده حسن وأقره عليه الإمام الذهبي وله شواهد كثيرة ولفظ الحديث من رواية أبي المنذر أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنسب لنا ربك فأنزل الله {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (¬1) ٌ. ¬

_ (¬1) سورة الإخلاص

وقد تكرر هذا من المشركين في زمن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فكان الجواب ينزل بهذه الصورة، ثبت ذلك في معجم الطبراني الأوسط والأثر رواه الإمام الطبري في تفسيره وأبو يعلى بسنده أيضاً، كتاب (الأسماء والصفات) للإمام البيهقي ورواه ابن المنذر في تفسيره وابن الضيريس في (فضائل القرآن) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتى رجلاً أعرابياً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد صف لنا ربك، يا محمد أنسب لنا ربك، فأنزل جل وعلا سورة الإخلاص {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (¬1) ٌ وهذا الأثر حسن إسناده الإمام السيوطي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وتكرر هذا في غير هؤلاء في رواية عبد الله بن مسعود في معجم الطبراني الكبير وكتاب (العظمة) لأبي الشيخ قال، قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنسب لنا ربك فأنزل الله {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (¬2) ٌ وعلى هذا فالسورة مكية وتكرر نزولها في المدينة المنورة عندما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه البقعة المباركة فسأله اليهود كما سأله عتاة قريش عن نسبة الرب وصفة الرحمن فأنزل الله هذه السورة أيضاً. ثبت هذا أيضاً في تفسير ابن أبي حاتم، والحديث رواه البيهقي في (الأسماء والصفات) ورواه أبو الشيخ في كتابه (العظمة) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال، قالت اليهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - صف لنا ربك فأنزل الله سورة الإخلاص {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (¬3) ٌ. وثبت هذا من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه كما ورد هذا في كتاب ¬

_ (¬1) سورة الإخلاص (¬2) سورة الإخلاص (¬3) سورة الإخلاص

(العظمة) لأبي الشيخ، والأثر رواه السمرقندي في فضائل سورة الإخلاص قالت اليهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - صف لنا ربك فأنزل الله جل وعلا: {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (¬1) ٌ. فالآثار المتقدمة الثلاثة من رواية أبي بن كعب، من رواية جابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم تدل على أن السورة مكية، والاثاران الآخران من رواية ابن عباس وأنس رضي الله عنهم تدل على أن السورة مدنية، وقد ورد ما يؤيد القول الأول من رواية جماً غفيراً من التابعين وكلاً مبهم له حكم الرفع إلى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، ثبت ذلك في تفسير الطبري من رواية عكرمة وأبى العالية وأثر أبي العالية رواه الإمام الترمذي أن سورة الإخلاص نزلت عندما سأل المشركون عن نسب الحي القيوم فنزل {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (¬2) ٌ والذي يدل عل أنها مدنية نقل أيضاً عن جماً غفير من التابعين منهم قتادة في تفسير الطبري وابن المنذر والأثر رواه بن الرزاق وإسناده صحيح إلى قتادة ومنهم سعيد بن ثبت في تفسير الطبري وابن المنذر ومنهم أيضاً الضحاك بن مزاحم، ثبت ذلك في كتاب (السنن) للإمام الطبراني. ¬

_ (¬1) سورة الإخلاص (¬2) سورة الإخلاص

إذن مكية، مدنية، والجمع بين هذا ما ذهب إليه أئمتنا وهو المعتمد في هذا وقرره الإمام الزركشي في كتاب (البرهان في علوم القرآن) الجزء الأول في صفحة ثلاثين 1/30 فقال (وهذه السورة مما تكرر نزولها وقد يتكرر نزول بعض القرآن لمزيته وأهميته، تكرر نزولها لتكرر سبب النزول) فنزلت في مكة عندما سأل المشركون عن نسب الحي القيوم، فلما هاجر نبينا المعصوم عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة وسأله اليهود عن نسب ربنا جل وعلا أنزل الله السورة بعينها وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في (جواب أهل العلم والإيمان تحقيق ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن سورة الإخلاص {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن في صفحة تسعين ومائة صـ190 بيَّن أن هذه السورة مكية، مدنية نزلت في مكة جواباً للمشركين، ونزلت في المدينة جواباً لليهود.

إذن هذه لها شأن عظيم، من أحبها أحبه الله وأدخله الله الجنة، وقد كان سلفنا يلهجون بذكر الله بذكر لا إله إلا الله كما كانوا يلهجون بذكره بقراءة سورة الإخلاص {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (¬1) ٌ فما الذي حصل بعد ذلك، إنما الأمر تغير وتكدر كما تقدم معنا، أعرض الناس عن أفضل الأذكار عن كلمة التوحيد، وأعرض الناس عن أفضل الكلام عن كلام الله المجيد، وعن التقرب إليه بصفته وبهذه السورة التي فيها نسبه جل وعلا، أعرضوا عن التعبد لله بهذه الصيغ الشرعية التي لها أجور كثيرة وفيرة، فلجأوا إلى قصائد وأشعار وإلى أذكار زعموا أنها كهذه الأذكار أو أنها أعظم في المنزلة وهم أتوا صيغ الأذكار الشرعية فغيروا كيفيتها، تقدم معنا أنه ما ابتدعوه ذكر أن بالاسم المفرد الله هو، مظهراً أو مضمراً حق قيوم، قهار، غفار، يجلس ويردد أسماء من هذه الأسماء الحسنى المباركة دون أن يذكر جملة مفيدة، تقدم معنا أن هذا من الأذكار المبتدعة، وتقدم معنا أنه غلا كثير من المخرفين المتأخرين فقالوا أن لا إله إلا الله ذكر العوام وأن ذكر الله بالاسم المفرد (الله، الله) ذكر الخواص، وأن ذكر الله بالاسم المفرد (هو، هو) ذكر خواص الخواص، وتقدم معنا إخوتي الكرام تفنيد هذه الأوهام، وأن هذا من البدع التي لم يأذن بها ذو الجلال والإكرام. ¬

_ (¬1) سورة الإخلاص

فالذكر بالاسم المفرد قلت لا دليل عليه وهو مبتدع، وما ذكر نبينا ربنا بهذه الصيغ، وما دلل عليه هؤلاء من صحة كلامهم من كلام الله ومن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أدلة عقلية وكنت ذكرتها إخوتي الكرام في الموعظة الماضية وبينت ما هو ثابت في القرآن والسنة واستدلوا به لا دلالة فيه على ما قالوا وما لم يثبت وقالوا إنه يدل على قولنا فقلت إنه ليس بثابت فلا يجوز الاحتجاج به. وتقدم معنا هذا، وأما الحجج العقلية التي أتوا بها كما نقلوه عن الشبلي وغيره من أنه لا يريد أن بذكر الله بكلمة التوحيد لا إله إلا الله حتى لا يموت بين النفي والإثبات فقلت غاية ما يقال عن هذا أنه من الخطأ الذي يقدر فيه قائله وليس هو من السعي الذي يشكر عليه ولا يجوز أن يتبع في هذا إخوتي الكرام، هذا تقدم، ومن هذه الجزئية قلت سأكمل الكلام عن ذلك على ما بعدها إن شاء الله. إخوتي الكرام: إن كثيراً من الناس غلوا في هذا الذكر المبتدع، أفضل الأذكار (الله، الله) (هو، هو) ووصل الأمر ببعض الصوفية المتأخرين كما يحكى عنهم ذلك حجة الإسلام وأعجوبة الزمان الإمام الغزالي في (الأحياء) 3/18 ويكرر هذا في ص74.

والإمام المبارك الإمام الغزالي يعد أنه حكى ذلك عن الصوفية، ليته رده وأبطله، وفنده بل ظاهر كلامه أنه يقرره ويحتج به وهو باطلٌ باطل لاشك فيه يذكر هذا الإمام المبارك في المكانيين المتقدمين الفارق بين الصوفية وغيرهم وأن غيرهم يحصلون العلوم عن الطرق التعليمة، أولئك يتعلمون ويجلسون بين يدي المشايخ ويكون في حلق الذكر، وأم هؤلاء عن طريق الإلهام كيف الإلهام أيها الإمام؟ قال وطريق الصوفية أقرب وأيسر وأسلم والإنسان يحصل المطلوب بسرعة، كيف هذا قال أنه يفرغ نفسه عن مشاغل الدنيا ولا يفعله بمال ولا أهل ولا ولد، يجلس في حجرة مظلمة لا يراه أحد، وإن قدر أنه يتصور أنه يراه أحد فينبغي أن يلف رأسه بثوب أو أن يدخل رأسه في جبة أو أن يدثر بثوب ثم يجلس في هذه الحجرة المظلمة فيقول (الله، الله، الله) ولا يقرأ قرأناً ولا ينظر في تفسير ولا في حديث ولا يتدبر معنى آية أو حديث لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ويبتعد من قراءة القرآن وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن التدبر والتأمل جلس في حجرة مظلمة، ولف رأسه بثوبه وأطرقه ثم يقول (الله، الله، الله) يقول حتى بعد ذلك قالها مصورة اللفظ حتى عن لسانه، ويستقر هذا المعنى في قلبه ثم بعد ذلك أيضاً يغفل عن هذا حيث يتعلق بربه فعند ذلك يظهر له البوارق الربانية، والأنوار الرحمانية ويرى جلال كحضرة الإلهية إخوتي الكرام: يقرر هذا في هذين المكانين وكلامه أخذ قرابة صفحة ولا أريد أن أقرأه من أوله إلى آخره وهو كلام باطل لاشك فيه وليت هذا الإمام الهمام علق عليه بما يبين أن هذا الطريق فيه نسف الإسلام من أوله لآخره وفيها لبساط الشريعة وتعطيل أحكام الله جل وعلا.

فالله أمرنا أن نتعلم كتابه وحديث نبيه عليه الصلاة والسلام والعلم بالتعلم، وهؤلاء يريدون منا أن نخلو في حجرة مظلمة لتعشش الشياطين في أذهاننا ونحن نعبد الشيطان بعد ذلك ونزعم أننا نعبد الرحمن وقياس حال الأولياء على حال خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قياس في منتهى البعد والفساد والشناعة، فذاك معصوم وعند ما ينزل عليه الوحي يحاط من جميع الجهات من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا كما أخبر ربنا عن ذلك في كتابه في سورة (الجن) : {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً* إلا من ارتضى من رسولٍ فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا* ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا} . ما الصعلوق منا إذا اجلسا في حجرة مظلمة وابتعد عن القرآن وعن حديث نبينا عليه الصلاة والسلام ليتخيل في مختليه أشياء وأشياء ما العصمة لما تخيل له وما العمدة فيما ظهر له من أنوار فهو من الحضرة الإلهية لا من الشياطين الغوية، إن الإلهام لا يجوز أن يعول عليه أحد أياً كان؟ أما ما اخترعه الصوفية من أن الإلهام مصدر الأذكار هذا من وساوس الشيطان يقول علماؤنا (وينبذ الإلهام بالعراء أعني به إلهام.. الأولياء وقد رآه بعض من تصوف وعصمة النبي توجب اقتداء، النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما يلقى في روعه عندما يحدث وينزل عليه الوحي فهو معصوم فيجب علينا أن نتبعه وأن نقتفي أثره وأما هذا الولي فلا ثم لا، لذلك لخان الصالحون من الصوفية لإلهام فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة وكان الصالحون من الصوفية يقولون: دوروا مع الشرع حيث دار، لا مع الكشف (الإلهام) فإنه يخطأ.

والله ضمن لشرعه العصمة وما ضمن لأوهامنا وساوسنا العصمة، إننا إذا أردنا أن نحصل العلم الشرعي بأن نجلس في حجرة مظلمة، وأن نلف رأسنا بثوب وأن نقول بعد ذلك (الله، الله، الله) لتحصل لنا الفتوحات وتتنزل علينا الخيرات والبركات فهذا ضلال وطيٌ لبساط الشريعة من أوله إلى آخره، علق الإمام ابن الجوزي في كتابه (تبليس إبليس) صفحة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وصفحة ثاني وثمانين ومائتين صـ323 صـ282 على هذا الكلام بعبارة قاسية، ونعم ما قال قال المصنف رحمه الله وهو الإمام ابن الجوزي توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة من الهجرة 597هـ والإمام الغزالي توفي سنة خمس وخمسمائة 5005هـ سنة، بينهما اثنتان وتسعون سنة.

يقول الإمام ابن الجوزي (عزيز عليَّ أن يذكر هذا الكلام منه ففيه فإنه لا يخفى قبحه فإنه في الحقيقة طي لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة القرآن وطلب العلم وعلى هذا المذهب قرر) رأيت الفضلاء من علماء الأمصار ما سلكوا هذا الطريق، إنما اشتغلوا بالعلم أولاً وعلى ما قد رتب أبو حامد معنى الغزالي تخلو النفس بوساوسها وخيالاتها ولا يكون عندها من العلم ما يطر وذلك فيلعب بها إبليس أي ملعب غيرها الوسوسة محادثة كأن الله يحدثه ولكن الشيطان يوسوسه فيريها الوسوسة محادثة ومناجاة ولا تتكرر أنه إذا طهر القلب انصبت عليه أنوار الهدى فينظر بنور الله إلا أنه يجب تطهيره بمقتضى العلم لا بما ينافيه، ابتعد عن العلم الشرعي وسنن النبي عليه الصلاة والسلام تنصب عليه الأنوار، ما تنصب عليه إلا الظلمات والإقرار إنما عالم صالح حفظ كتاب الله ووعى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، نعم إذا طهر قلبه من التعلق بالدنيا تنصب عليه الأنوار وينظر بنور العزيز القهار، قال الإمام ابن الجوزي: ثم إن لا تنافى بيده العلم والرياضة بل العلم يعلم كيفية الرياضة ويعين على تصحيح الرياضة وإنما تلاعب الشيطان بأقوام أبعدوا العلم وأقبلوا على الرياضة بما ينهى عنه العلم والعلم بعيد عنهم، فتارة يفعلون الفعل المنهي عنه وتارة يؤثر ومر ما غيره أولى سنة، وإنما كان يفتي في هذه الحوادث العلم وقد عزلوه فنعوذ بالله من الخذلان، ثم روى عن بعض من عاصرهم من أهل الشطط والزيغ ممن دخلوا هذه الخلوات ثم بعد ذلك انسلخوا من دين رب الأرض والسماوات، فيحكى قصة عن بعض هؤلاء المخذولين أنه كان يقول: القرآن حجاب والرسول حجاب ليس إلا عبد ورب، يقول دعك من القرآن ومن النبي، إذا أجلس في حجرتك وقول (هو، هو) ، ففتتن جماعة به فأهملوا العبادات ثم اختفى مخافة القتل، هذا بعض الزنادقة الذين كانوا في القرن السادس للهجرة فماذا يقول الإمام ابن الجوزي لو أدرك زنادقة أيامنا في

هذا الزمان. إخوتي الكرام: كل من عزل العلم عن هذه الحياة فهو جاهل يحب نفسه ويعبد شيطانه وإن زعم أنه يعبد ربه وكل من يغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل لذلك لابد أن تزين بيوت المسلمين بكتب العلم الشرعي من كتاب الله وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب أئمتنا السلف ليكرر العبد النظر فيها بين الحين والحين، وأما أنه يريد تنزل عليه الفتوحات وهو بعيد عن الكتاب والسنة فيهات هيهات أن يحصل له ما يريد. إخوتي الكرام: عندما بحث أئمتنا في أنواع الأدلة فهما تعددت فهي تنقسم إلى أربعة أنواع، نوعان شرعيان سلفيان مقبولان، ونوعان مبتدعان مخترعان بدعيان مردودان، السلفيان الشرعيان هيما النصوص الشرعية من الكتاب السنة، والدليل الثاني الفطرة البشرية التي تقلدها العقول بلا تمطع ولا تكلف، والأدلة المخترعة النظر الفلسفي العقلي المتعمق فيه كما حصل من أصحاب الهذيان والدليل أنهم يعولون على أدلة الكشف والعقول ولا يقفوا على الأدلة التي جاء بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

إخوتي الكرام: هذا يتبع ما تقدم أن الذكر بالاسم المفرد أفضل الأذكار، يقدمه على كلام الله وعلى تدبره وعلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى فهمه ونجلس في حجرة مظلمة ونقول (الله، الله) ، هذا طريق المضالين وليس بطريق المهتدين واعلموا عباد الله أن الصوفية الصادقين بريئون من هذا المسلك، فهذا الشيخ الصالح شيخ العارفين سهل ابن عبد الله أبو محمد التستاري الزاهد الصوفي شيخ الصوفية المهتدين في القرن الثالث الهجري يقول (اجهدوا ألا تلقوا الله إلا ومعكم المحابر،) وقيل له إلى متى يكتب الرجل الحديث قال حتى يموت ويصب باقي حبره في قبره وكان يأتي إلى أمير المؤمنين في الحديث الإمام أبي داود شيخ أهل السنة وصاحب السنن فيقول له لي إليك حاجة، فيقول أبو داود وما هي؟ فيقول سهل: حتى تقول قضيتها مع الإمكان فيقول سهل: أخرج لي لسانك التي حدثت به أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبله فأخرج أبو داود لسانه فقبله وهو القائل كما في (الحلية) وكتاب (الزهد) للإمام البيهقي (لا معين إلا الله ولا دليل إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) انظروا هذا وغيره من ترجمته العطرة في (سير أعلام النبلاء) صفحة ثلاثين وثلاثمائة صـ330 وما بعدها، وسهل توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين 283هـ وقد أثنى عليه كل من ترجمه وملأ الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بكتبهم بالنقل عنه ووصفه الإمام ابن تيمية بأنه من أكابر المشايخ وأئمة الهدى ونقل عنه في (الاستقامة) الجزء الثاني صفحة خمسين ومائة 2/150 أنه قال (كل وجدٍ لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل) . إخوتي الكرام: كنت ذكرت في مواعظ سابقة قصة هذا العبد الصالح مع الإمام أبي داود فاعترض عليها بعض السفهاء وأكثروا الشغب من غير دليل ولا أدب فربنا يرزقنا الأدب معه ومع خلقه.

نعم إخوتي الكرام إن الصوفية الصالحين بريئون من أوهام المخرفين المتأخرين وقد اشتهر عن الإمام ال وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائتين 298هـ اشتهر عنه أنه قال: (علمنا مضبوط بالكتاب والسنة، فمن لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدي به) رحمة الله عليه، أين مثله كما يقول الإمام الذهبي في ترجمته. وأما الذكر بالاسم المضمر وهو ــ هو، هو، فهو أشنع من الذكر بلفظ الجلالة مظهرة الله، الله. هو، هو ــ مضمر، وهناك مظهر، ولم يرد في الشريعة ما بهذا ولا بهذا، أما هو، هو، وقيل إنه أفضل الأذكار، وأنا أعجب من الجديد على ذكر لم ينقل عن أعلم البرية - صلى الله عليه وسلم - ويعارض به ما قال به النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أفضل الأذكار وأن أفضل ما قاله هو والنبيون من قبله هو، لا إله إلا الله، وهذا يأتي ويقول هو، هو من أفضل الأذكار، وأول من أهذا الذكر المبتدع ودعا إليه الحسين بن منصور الحلاج صاحب، الضلال والاعوجاج الذي أباح العلماء دمه، فقتل سنة تسع وثلاثمائة للهجرة 3009هـ لما كان يقوم به من بدع وزندقة واسم كتابه (هو، هو) انظروا ضلالته في (سير أعلام النبلاء) في الجزء الرابع عشر صفحة أربعة عشر وثلاثمائة 14/314 فما بعدها حيث ترجمه في أربعين صفحة وتبعه على ذلك الضلال ابن عربي صاحب اللصوص والفتوحات الهلكية وهو علي بن محمد الطائي الحاكم الأندلسي توفي سنة ثماني وثلاثين وستمائة 638هـ وألف كتاب سماه (الهو) وكتبه ابن عربي مشحونة بالضلالات فإن تاب منها قبل موته فالله يقبل توبة من تاب إليه ممن يشاء من عباده، ونقلت كلام العز بن عبد السلام في دروس الترمذي رزقنا الله العلم الن الإمام الرازي غفر الله لنا وله، في أول تفسيره في الجزء الأول صفحة خمسة وأربعين ومائة 1/145 إلى صفحة اثنتين وخمسين ومائة صـ152 ذكر أحد عشر دليل في تفصيل الذكر بالاسم المفرد (هو، هو) على (الله، الله) ومن باب أولى على (لا إله إلا الله) .

إن قلب المؤمن يتفطر عندما يسمع هذا، وقال: (وإذا قرنت المكتوب بين ما أجده من اللذة في القلب من الذكر بالاسم المفرد المضمر (هو، هو) وجدت أن المكتب لا يفي بما في القلب فعلمت أنه لا يمكن للإنسان أن يحيط بأسرار هذا الذكر (هو، هو) أحد عشر دليل منها: هذا أفضل الأذكار لأنه خال عن الإشعار بالسؤال فهذا يدل على تعظيم خالص لله، فلا تقول يا الله ارحمني، يا رب توب عليَّ لكن أنت الآله (هو، هو) . الأمر الثاني: (هو، هو) هذا صيغ الغائب وأنت عندما تذكرها كأنك تذكر الله بها كأنك تقول من أنا حتى أثنى عليك ما فيك من صفات العظمة فمن أنا. أمر ثالث يقول: هذا الذكر بالفظ (هو) يوجب الدهشة والحيرة، فمطلوب للإنسان أن يدهش ويتحير في جلال الله عظمته ووجه ذلك لأن الله جل وعلا ما احتجب عنا إلا لنقصنا ولو حصل الكمال فينا لمن علينا ولأريناه كما سمين بإلكمال في الجنة فنراه بما أن النقص فينا هو الذي حجبنا عن ربنا فينبغي أن نلهج (هو، هو) لأن نقصنا هو الذي فجبنا عنه فلا ينبغي أن نذكره بما فيه من صفات الكمال والجلال، ثم قال: إن من يذكر الله بما فيه من بهذه الصيغة (هو، هو) تعترية الدهشة والدهشة مطلوبة إلى غير ذلك من الكلام في تفضيل الذكر بهو على الذكر الله، الله، عن باب أولى على كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) . وأنا أريد أن أقول مرو هذا إلى النبي عليه الصلاة والسلام لا إلى الرازي ولا إلى الغزالي ولا إلى كبير ولا إلى صغير فمن أراد أن يقول إن هذه الصيغة هي أفضل الأذكار نقول هات الدليل على ذلك من كتاب نبينا المختار عليه الصلاة والسلام، عرف الخلق الخالق على البيان وتوضيح المطلوب، فإذا كان الذكر (هو، هو) ، هذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ربه به، وهل علم أمته هذه الأذكار.

إخوتي الكرام: أذكار بدعية عكف عليه الناس في هذه الأيام يعبدون الشيطان ويعبدون أهوائهم وهم يظنون أنهم يذكرون الرحمن، ليتك إذا ذكرت الله بهذه الصيغ تخرج رأساً ترأس لا أجر ولا وزر، إنما سترتكب وزراً، لو قدر أنه لا حرج من الذكر بها فأين الثرى من الثرية، وأين البعر من الدر عندما تقول هو لا معكم به أجراً، وعندما تقول (لا إله إلا الله) لا منزلة من الله أعظم من جبل أحد، عندك عقل تميز به بين الآخرين، لو سلمنا تنزلاً أن ذكر الله باسم الله مظهراً أو مضمراً جائز لكن الفضيلة التي تحصل لك أنت ولا غيرك أن تثبت له فضيلة من الفضائل وأما هناك فقد أخبرك نبيك - صلى الله عليه وسلم - عما يكون من فضائل وأجد فعلام تذهد منها أيها الإنسان. إخوتي الكرام: لابد من اتباع نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام والسلف الذين اتبعوه بإحسان وفي جميع أحوالنا وكل خبر في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. أسأل الله ربنا أن يلهمنا رشدنا وأن يجعل هواناً تبعاً لشرع نبينا - صلى الله عليه وسلم -. أقول هذا القول واستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمد عبده ورسوله خير خلق الله، اللهم صلِ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الأبرار رضي الله عنهم أجمعين.

إخوتي الكرام: إن كلمة التوحيد لها أجرٌ جليلٌ جليل عند ربنا الكريم وقد كان نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - يذكر أصحابه بها دائماً، ذكر عند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، وفي مسند البزار، ورواه الإمام النسائي وهو في مستدرك الحاكم، ورواه الإمام الضياء المقدسي في الأحاديث، وإسناد الحديث حسن كما قال الإمام المنذري في (الترغيب والترهيب) في الجزء الثاني صفحة 415، ورجال الإسناد موثقون كما مجمع الزوائد في الجزء الأول صفحة 19، وأعاد الحديث في الجزء العاشر كتاب (الأذكار) صفحة 81. ولفظ الحديث عن يعلى بن شداد بن أوس رضي الله عنهم حدث عن أبيه شداد ابن أوس وعبادة بن الصامت حاضر يصدق فالحديث من رواية صحابيين جليلين يقول شداد بن أوس كنا مع النبي عليه الصلاة والسلام يوماً فقال عليه الصلاة والسلام [هل فيكم غريب؟] ويريد بذلك هل فيكم أحد من أهل الكتاب، دخل النبي على أصحابه في مجلس به كثيرون فقال [هل فيكم غريب؟ فقالوا لا يا رسول الله فقال: أغلقوا الباب، فأغلقوا الباب فقال: ارفعوا أيديكم فرفع الصحابة الكرام أيديهم ثم قال لهم النبي قولوا لا إله إلا الله ثم حمد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه فقال: الحمد لله اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة ثم قال للصحابة الكرام: قوموا فقد غفر الله لكم، والله لو كنا نعظم ربنا لما فترت ألسنتنا عن ذكر الله بها، من أجلها أرسل الرسل من أجلها أنزلت الكتب، من أجلها أسس الجنة والنار، ليعبد الله وحده لا شريك له، فكيف بعد ذلك أعرضت عقول الضالين عن هذا الذكر إلى أذكار ولم يأذن بها ربنا الكريم. اللهم صلي على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك، ومن المقربين لديك وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم اجعل حبك وحب رسولك - صلى الله عليه وسلم - أحب إلينا من كل شيء، أحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ. اللهم صلِ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض بفضلك ورحمتك. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {قل هو الله أحد * الله الصمد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد} (¬1) ٌ ¬

_ (¬1) سورة الإخلاص

تذكير الكرام بتوديع شهر الصيام

تذكير الكرام بتوديع شهر الصيام (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تذكير الكرام بتوديع شهر الصيام الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويما، وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة، وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عميا وآذاناً صما وقلوباً غُلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2) سورة النساء: 1 (¬3) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) أما بعد: معشر الإخوة الكرام.. لازلنا نتدارس ما يتعلق بشهر رمضان من فضائلَ وأحكام، وهذه آخر موعظة من شهر الصيام وسأذكر فيها بعض فضائل شهر رمضان بما يطرب قلوب أهل الإيمان. إخوتي الكرام: هذا شهر عظيم كريم مَنَّ الله فيه على عباده بالخير العميم، فجعل الصيام طاعة مكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، بل جعل في شهر الصيام طاعاتٍ أخرى تكفر للعبد ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقد أحصى أئمتنا الكرام الطاعات التي وردت عن خير البريات -عليه الصلاة والسلام- أنها تكفر الذنوب المتقدمات والمتأخرات فبلغت اثنتين وعشرين طاعة أحصاها حَذَاِمي المحدثين وأمير المؤمنين الإمام أبو الفضل ابن حجر العسقلاني في كتابه معرفة الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة. وفي شهر رمضان ثلاث طاعات تكفر جميع ذنوب الإنسان ما تقدم منها وما تأخر، وبإمكانه أن يحرز في شهر الصيام طاعات أخرى يضم إلى تلك الفضائل أيضا، فضيلةً تساويها إخوتي الكرام سأذكر طاعتين اثنتين فيهما تكفير الذنوب المتقدمة والمتأخرة، ثم أنتقل بعد ذلك إلى الطاعات التي مَنَّ الله بها على عباده المؤمنين والمؤمنات في شهر رمضان، وتكفر عنهم الذنوب المتقدمات والمتأخرات، الطاعة الأولى من الطاعات التي لا ارتباط لها بشهر الصيام إنما ينبغي أن يحرص الإنسان على فعلها على الدوام وإذا قام بها غفرت له جميع الذنوب والآثام ما تقدم منها وما تأخر كما ثبت ذلك عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب 70، 71

ثبت في مسند الإمام أحمد، والحديث رواه أهل السنن الأربعة، ورواه الإمام الحاكم في المستدرك، ورواه البخاري في التاريخ الكبير، ورواه الإمام ابن أبي السني في كتاب عمل اليوم والليلة -رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين-، رووا هذا الحديث عن سيدنا معاذ بن أنس الجهني وهو من أصحاب حبيبنا النبي -على نبينا وآله وصحبه صلاة الله وسلامه- عن معاذ بن أنس الجهني -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [من أكل طعاماً فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه] زاد الإمام أبو داود في روايته بسند حسن كما في الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة ورقم هذه الطاعة في هذا الكتاب الحادية والعشرون يقول الإمام ابن حجر. زاد الإمام أبو داود في روايته: [غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] ، ومن لبس ثوباً فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه] . زاد أبو داود أيضا في روايته بإسناد حسن وما تأخر، هذه طاعة أولى ونفعلها باستمرار وكثير منا يغفل عن هذا الذكر الذي له أجر عظيم عند العزيز الغفار إذا أكلت الطعام فقل الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة تتبرأ من حولك وقوتك إلى ربك جل وعلا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لا تحول لنا من حال إلى حال ولا قوة لنا على شيء من الأشياء في حال من الأحوال إلا بتقدير ذي العزة والجلال، وهكذا إذا لبست ثوبا فقل: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، والحديث إخوتي الكرام إسناده صحيح والزيادة ثابتة بإسناد حسن.

والطاعة الثانية صلاة التسبيح أيضا تغفر للإنسان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد ثبت الحديث بذلك في السنن الأربعة إلا سنن النسائي والحديث رواه الإمام الحاكم في المستدرك، وابن خزيمة في صحيحه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، وفي شعب الإيمان، كما رواه الإمام الداراقطني وألف فيه جزءاً كما سيأتينا خبر ذلك -إن شاء الله- والحديث رواه الإمام البغوي في شرح السنة، وابن أبي شيبة في مصنفه -رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين- والحديث إسناده صحيح صحيح ثابت ثبوت الشمس في رابعة النهار، عن سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لسيدنا عمه العباس -على نبينا وآل بيته أصحابه الأخيار صلوات الله وسلامه- قال له: يا عم يا عماه؟ ألا أفعل بك؟ ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أثيبك؟ ألا أحبوك؟ ألا أجيزك؟ ألا أخبرك بأمر من الأمور؟ وفيه عطية وهبة ومنحة وجائزة وفضل عظيم؛ إذا أنت قمت بهذا الأمر أعطاك الله هذه الفضيلة وهي يغفر الله لك ذنبك أوله وآخره، قديمه وحديثه، سره وعلنه، خطأه وعمده، يغفر الله لك هذه الذنوب إذا قمت أنت بهذا الأمر الذي سأخبرك به، ثم علمه نبينا -عليه الصلاة السلام- صلاة التسبيح وهي باختصار أربع ركعات؛ إن شئت أن تصلي ركعتين وتسلم، وإن شئت أن تصلي الركعات ببعضها وتقول في كل ركعة خمساً وسبعين تسبيحة بهذا اللفظ: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؛ وتوزع هذه التسبيحات على أفعال الصلاة، فإذا كبرت تكبيرة الإحرام وقلت دعاء الاستفتاح فقل، بعده: خمس عشرة مرة قبل أن تقرأ الفاتحة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ، ثم اقرأ سورة الفاتحة وسورة بعدها، وقبل أن تركع قل عشر مرات: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فهذه خمس وعشرون تسبيحة، فإذا ركعت وانتهيت من تسبيحات الركوع، زد عليها عشر مرات (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا

الله والله أكبر) فإذا نهضت إلى القيام فقل: (سمع الله لمن حمده) وانتهيت من أذكار الرفع من الركوع، ضم إليها عشر تسبيحات هذه: خمس وأربعون فإذا سجدت السجدة الأولى وانتهيت من تسبيح السجود فقل: عشر تسبيحات، ثم قل: الله أكبر واجلس بين السجدتين، فإذا انتهيت من الدعاء الوارد بين السجدتين ضم إليه عشر تسبيحات، هذه خمس وستون ثم اسجد السجدة الثانية وقل: بعد تسبيحات السجود: عشر تسبيحات هذه خمس وسبعون. افعل هذا في ركعاتك الأربع يكون مجموع التسبيحات ثلاث مائة تسبيحة، وهذه إحدى الكيفيتين المنقولة عن سيد الكونين -عليه الصلاة والسلام-. وهناك كيفية ثانية لا تختلف عن هذه إلا بأمر يسير ألا وهو أنك تقول خمس عشرة مرة بعد الانتهاء من الفاتحة والسورة قبل الركوع، وتقول بعد السجدة الثانية وقبل القيام للركعة الثانية عشر تسبيحات، ثم قم وقد أورد الإمام المنذري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا الكيفيتين في كتاب النوافل في باب الترغيب في صلاة التسبيح من كتابه الترغيب والترهيب من فعل هذه الصلاة غفر الله ذنبه كله أوله وآخره، عمده وخطأه، سره وعلنه، قديمه وحديثه، صغيره وكبيره. والحديث صححه الإمام الحاكم في المستدرك، والذهبي والمنذري في الترغيب، ونقل تصحيحه عن شيوخه وعن جم غفير من المحدثين، وإن عراق في تنزيه الشريعة، وتتابع أئمتنا على تصحيحه، بل ألفو فيه أجزاء مستقلة، ومن الذين ألفو فيها: الإمام الدارقطني ـ وتوفي سنة 385هـ ـ وبعده الخطيب البغدادي ألف كتابًا في طرقه ـ وقد توفي سنة 463هـ ـ وبعده السمعاني ألف كتابًا فيها ـ وتوفي 562هـ ـ وبعده الإمام أبو موسى المدني ـ ألف كتابًا في تصحيح صلاة التسابيح ـ توفي سنة 81هـ وبعد هؤلاء حافظ بلاد الشام ابن ناصر الدمشقي ـ توفي سنة 842هـ ـ وبعده الإمام ابن حجر العسقلاني ـ وتوفي سنة 852هـ ـ وبعده السيوطي ـ وتوفي سنة 911هـ ـ هؤلاء أئمة حفاظ كرام يؤلفون كتبًا مستقلة في هذا الحديث.

وقد قرر أئمتنا الكرام أنه مع صحة الحديث فقد عكف على فعلها علماء الإسلام، وكانوا يوصون أتباعهم والمسلمين بها على الدوام. يقول الإمام الحاكم في المستدرك: ويكفي في تصحيح حديث صلاة التسبيح فعل أئمة أتباع التابعين لها ومنهم شيخ الإسلام الإمام عبد الله بن المبارك إمام الدنيا في زمانه، وأمير العلماء في وقته الحافظ الجهبذ الغازي المحدث حديثه في الكتب الستة محتج به في جميع دواوين السنة، وقد توفي سنة 181هـ عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال: ولم يزل عمل المسلمين على ذلك من زمنهم إلى زماننا، والحاكم توفي سنة 405هـ وهكذا قال الإمام الترمذي قبله في السنن، وقد توفي الترمذي سنة 179هـ يقول: وقد رأى شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك وغيره من العلماء صلاة التسبيح، واستحبوها وفعلوها، وأوصوا أتباعهم بها هذا في سنن الترمذي، وهكذا يقول الإمام البيهقي في السنن الكبرى وقد توفي سنة 458هـ، وبعده الإمام البغوي في شرح السنة وقد توفي سنة 510هـ، هؤلاء كلهم ينقلون فعل العلماء الكرام لها وفي مقدمتهم هذا الإمام المبارك شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا-، فالحديث صحيح وعمل به علماء الشريعة المطهرة وأوصوا أتباعهم به. وهذا الحديث المروي من طريق عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال الحاكم في المستدرك في المكان المشار إليه آنفا، وقد صح من حديث عبد الله بن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أوصى بصلاة التسبيح عمه العباس أوصى ابن عمه جعفر ابن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين- وهذا ثابت كما قلت في المستدرك وإنما ذكرت صلاة التسبيح في آخر موعظة من شهر رمضان لأمرين اثنين:

الأمر الأول: الذي أدركت عليه الصالحين منذ أن نشأت قبل البلوغ أنهم يصلون صلاة التسبيح في أواخر شهر رمضان لا لأنه ورد أثر في ذلك على الخصوص بأنها تصلى في أواخر شهر رمضان لا ثم لا إنما أواخر شهر رمضان أعني العشر الأخير منه لها شأن عظيم عند الرحمن ولذلك أئمتنا كانوا يفعلون هذا في أواخر شهر رمضان فيضمون إلى خيرات هذا الشهر، هذه الطاعة العظيمة المباركة وهذا مما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان وينبغي أن يفعل الإنسان صلاة التسبيح إن استطاع في كل يوم مرة، فإن لم يستطع ففي كل أسبوع مرة، فإن لم يستطع ففي الشهر مرة، فإن لم يستطع ففي السنة مرة، فإن لم يستطع ففي العمر مرة، فإن لم يفعلها مغبون مغبون خاسر عند لقاء الحي القيوم. قال الإمام ابن عابدين في حاشيته الشهيرة -رد المحتار على الدر المختار في 2/27-: فيها ثواب لا يتناهى، ومن ثم قال بعض المحققين: لا يسمع بعظيم فضلها ثم يتركها إلا متهاون بالدين، وكثير من الناس في هذه الأيام ليس عنده خبر عنها، بل من سمع بها يكثر اللغط حولها0 -إخوتي الكرام - أردت أن أذكر نفسي وإياكم بها لنفعلها في هذا الشهر الكريم وما بقي منه إلا أيام. والأمر الثاني: أنني كنت ذكرت هذه الصلاة وفضلها في موعظة كاملة، ومن أحب أن يسمع الشريط في شأنها فلعله يزداد خيرا في التعلق بها، كنت تكلمت عليها وسمعت كثيرا من كلام الناس لاسيما في إذاعة نور على الدرب، ممن يفتون فيتجرؤون ويقولون إنها بدعة وما عندهم في ذلك إلا التقليد المحض.

نعم ذهب شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا- إلى عدم صحة حديث صلاة التسابيح، وقرر هذا في كتاب السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية 7/434 وكلامه مذكور أيضا في مجموع الفتاوى في 11/579، لكن كلامه مردود عليه مع حبنا له، وتقربنا إلى الله جل وعلا بمحبته، لكن الحق أحق أن يتبع، وهو مجتهد فيما قال، معذور ومأجور، لكن الحديث صححه من قبله ممن هو أعلى منه، ومن بعده ممن هو في درجته، أو أعلى منه، ولا يعقل بحال أن نترك كلام جمهور أئمتنا الأبرار لقول عالم من العلماء، فعنده عذره ويغفر الله لنا وله، وكنت ذكرت هذا -إخوتي الكرام- في الشريط وبينت العذر الحامل له على هذا، وبينت أنه لا يصلح أن يعل به حديث صلاة التسابيح، وأن يرد من أجل تلك العلة التي توهمها هذا الإمام، وتبعه على ذلك الإمام الشوكاني فرأى أن حديث صلاة التسبيح لا يصح في السيل الجرار وهكذا في تحفة الذاكرين، وهكذا في الفوائد المجموعة للأحاديث الموضوعة، وهو في ذلك تابع للإمام ابن تيمية، وهؤلاء الذين يفتون في نور على الدرب يتبعون هذا، أو كليهما من غير بينة وحجة. وقد قابل بعض الإخوة الكرام ممن هو معنا في هذه الموعظة بعض الشيوخ الذين يفتون في نور على الدرب، ويقولون إن الحديث لم يصح قال له إن الحديث صحيح، وفلان قد تكلم فيها بمقدار ساعتين، وكلامه موجود في شريط، قال ما عندي علم بما تقول إلا أنني أعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول إن حديثها ليس بصحيح، هذا علمه من السنة، لكن المسكين ما اطلع على حديثها في سنن الترمذي، ولا في سنن ابن ماجه، ولا في سنن أبي داود، وهي من دواوين السنة، ومن أصول الحديث، ومن باب أولى ما اطلع بعد ذلك على المستدرك وعلى غيره، ومن باب أولى ما اطلع على الكتب المفردة في شأنها، والحديث فيها لا ينزل عن درجة الصحة بحال.

لذلك ـ إخوتي الكرام ـ أردت أن أنبه على هذا الأمر خشية أن يكون بعضكم قد سمع أحيانا إذاعة نور على الدرب فظن أن صلاة التسابيح بدعة، وهي سنة ثابتة عن نبينا -على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه-. هذان أمران إذا فعلهما الإنسان يغفر الله له بهما ما تقدم من ذنبه وما تأخر، بعد هذا ندخل في فضائل هذا الشهر الكريم وما فيه من خيرات عظيمة تكفر عنا ما تقدم وما تأخر من ذنبنا. إخوتي الكرام: الصيام طاعة مكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، وقد ثبت في المسند، والصحيحين، والسنن الأربعة، والحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى، وهو في غير ذلك من دواوين السنة، ولفظ الحديث من رواية سيدنا أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه] . زاد الإمام أحمد في المسند في روايته وما تأخر، قال شيخ الإسلام الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في 2/90 وإسناد الزيادة حسن، وقال الإمام ابن حجر -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا- في فتح الباري في 4/115 وهذه الزيادة على شرط الصحيح، هذه الطاعة الأولى في شهر الصيام تكفر عنك جميع الذنوب والآثام، ما تقدم وما سيأتي في مستقبل الزمان، والطاعة الثانية التي في شهر الصيام هي: القيام. ثبت في مسند الإمام أحمد، والصحيحين، والسنن الأربعة، والحديث في موطأ الإمام مالك، وسنن الدارمي، وهو في السنن الكبرى للإمام البيهقي، والحديث في أعلى درجات الصحة من رواية سيدنا أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه] .

زاد الإمام النسائي في روايته، والإمام المروزي في روايته في كتاب قيام الليل، وهشام بن عمار في كتابه الفوائد [وما تأخر] ، وهذه الزيادة زيادة صحيحة، ثابتة كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر في كتاب الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، ورقم هذه الطاعة في كتابه (السابعة) وقرر هذا في فتح الباري، هذه طاعة ثانية تكفر الذنوب المتقدمة والمتأخرة، والثالثة ليلة القدر. ثبت في مسند الإمام أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي والحديث في السنن الكبرى للإمام البيهقي، ولفظ الحديث من رواية سيدنا أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه] . قال الحافظ ابن حجر وفي مسند الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه وأرضاه- من طريقين اثنين كل منهما حسن: [غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] . هذه ثلاث روايات عن أبي هريرة -رضي الله عنه- فيها، أن من قام بهذه الطاعات الثلاث الصيام، والقيام، وقيام ليلة القدر، من قام بها غفر له بكل واحدة ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وأما بخصوص الصيام فالروية في تاريخ بغداد لفظاً وما تأخر. إخوتي الكرام: الإنسان إذا فعل هذه الطاعات الحسان في شهر رمضان ينال هذه الجائزة عند ذي الجلال والإكرام، ويصبح كأهل بدر الكرام فهذه الفضيلة ثبتت لأهل بدر -رضي الله عنهم وأرضاهم- والله غفر لهم ما تقدم وما تأخر من ذنوبهم، والحديث ثابت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود، والترمذي من رواية سيدنا علي -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم] .

والحديث ثابت في المسند، وسنن أبي داود، ومستدرك الحاكم من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه-، وثابت في المسند، ومعجم الطبراني الكبير والأوسط من رواية سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وثابت من رواية أمير المؤمنين عمر وابنه عبد الله بن عمر ومن رواية جابر بن عبد الله ومن رواية حاطب بن أبي بلتعة فهو مروي من طريق سبعة من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم أجمعين- باللفظ المتقدم. إخوتي الكرام: وهذه المغفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، تُحمل على معنيين اثنين كما قرر ذلك حذامي المحدثين وأمير المؤمنين الحافظ ابن حجر -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا-. المعنى الأول: من عمل طاعة من هذه الطاعات الثلاث وغيرها التي يغفر للإنسان بها ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كما تقدم معنا في أول الموعظة، من عمل شيئا منها وقبلت طاعته عند الله، سيحفظ بعد تلك الطاعة من المعاصي والمخالفات والموبقات وله صك عند رب الأرض والسموات بأنه سيوافي ربه بالإيمان، ولن يحصل منه ارتداد وكفران، فإن قيل هل يلزم من هذا أن يكون معصوماً من الذنوب والأوزار؟ لا ثم لا وهذا يتضح في الجواب الثاني فإن جرى منك زلل حسبما لا تنفك عنه طبيعة البشر فذلك يقع مغفورا بفضل الله -عز وجل- إنما إذا قبلت الطاعة من هذه الطاعات التي بلغت ـ كما قلت ـ اثنتين وعشرين طاعة من فعل واحدة منها غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إذا قمت بها وقبلت عند الله جل وعلا لوجود الشروط المعتبرة فيها فقد صار لك عند الله عهد وثيق وصك محكم بأنك ستوافي ربك بالإيمان ولن يحصل منك ارتداد وكفران كما هو الحال في أهل بدر الكرام بقي الأمر الثاني إن وقع منك زلل حسبما لا تنفك عنه طبيعة البشر يقع ذلك مكفرا مغفورا بفضل الله -عز وجل- ولذلك معنى قول نبينا -عليه الصلاة والسلام- لأهل بدر -رضي الله عنهم وأرضاهم وجزاهم الله عن الإسلام وعنا خير الجزاء وملأ قبورهم نورا وقلوبهم بهجة وسرورا-.

فإن قال قائل إذا فعلنا شيئا من تلك الطاعات فهل معنى ذلك أننا صرنا كأهل بدر ومن عدادهم؟ لا ثم لا، فإن قال لم يا عبد الله؟ أقول هذه الجائزة التي وعد بها أهل بدر مقطوع بها لكل فرد منهم وأما نحن فما الذي يدرينا أن الطاعة قبلت منا وما ضربت بها وجوهنا فنحن نأمل ونرجوا من ربنا أن يلحقنا بساداتنا أهل بدر الكرام وأن يقبل طاعاتنا مع ما فيها من نقصان فهو الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى لكن لا يمكن لواحد منا أن يقطع لنفسه بذلك نؤمل فضل الله ونرجو عفوه وأن يقبل منا ما وعدنا عليه أنه يكفر ما تقدم من ذنبنا وما تأخر. وهذا المعنى –إخواتي الكرام- الذي ذكرته هو الذي قرره أئمتنا هو المعنى الحق المراد من حديث فضل أهل بدر ومن الطاعات التي ذكرتها وأن من قام بها غفرت له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر هذا المعنى الذي يدور على أمرين اثنين هو المراد ولما خفي هذا عن كثير من العلماء واستشكلوا ظاهر الحديث قالوا أقوالا مردودة منهم: الحافظ الإمام ابن الجوزي كما نقل عنه ذلك الإمام ابن القيم في كتابه الفوائد من صفحة 14 إلى 17 يقول الإمام ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر صفحة 330 [اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم] .

يقول غفرت لكم أي ما تقدم وليس في ذلك دلالة على مغفرة الذنوب المتأخرة وليس في قوله اعملوا ما شئتم أن هذا سيعمل في المستقبل لأن هذا يكون من باب الإطلاق في الذنوب وأنه يعمل ما شاء من العيوب وعليه مهما عملتم من عمل سابق فقد غفرته لكم بعد موقعة بدر قال ولو كان المراد اعملوا في المستقبل ما ستعملون لقال فسأغفر لكم وهذا الكلام مع جلالة من قال به وإمامته وهو شيخ الإسلام لكن الكلام مردود مردود أما قوله غفرت للماضي فنقول اعملوا للمستقبل وهو لم يقل ما عملتم غفرته لكم إنما قال اعملوا فإن قال غفرت للماضي نقول يا عبد الله هذا من باب تحقيق هذه البشارة لهم والله جل وعلا يخبر عن المستقبل بلفظ المضي للإشارة إلى تحقق حصوله كما يستعمل هذا بكثرة في كتابه سبحانه وتعالى {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} أتى ثم قال فلا تستعجلوه إذن سيأتي فلا داعي لاستعجاله لكن مجيئه لما كان حتما وجزماً ولا خلف لوعد الله فأخبر الله عن المستقبل بلفظ المضي ولهذا نظائر كثيرة وعليه فقد غفرت لكم لم يقل فسأغفر لكم -سبحانه وتعالى- للإشارة إلى تحقق المغفرة وثبوتها وأنها متيقنة مقطوع بها ثم بعد ذلك نقول للإمام ابن الجوزي -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا- أنت غفلت عن سبب ورود الحديث إن الحديث ورد بعد موقعة بدر بست سنين وقع في العام الثامن هذا الحديث وهذه البشارة ولم يبشر بها أهل بدر بعد موقعة بدر فموقعة بدر وقعت في العام الثاني للهجرة وهذه البشارة قالها نبينا -عليه الصلاة والسلام- في العام الثامن عند فتح مكة وسبب ورود الحديث أن سيدنا الصحابي المبارك حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- عندما كاتب أهل مكة يخبرهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يتجهز لفتح مكة وأراد أن يصنع يداً عندهم ليأمن على أسرته وعلى ماله وعلى أهله وما نافق في إيمانه وما تردد يقينه في صدره وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فلما أعلم الله نبيه -عليه الصلاة والسلام-

بما حصل من حاطب واستحضر الكتاب الذي أرسله مع امرأة وقد وضعته في ضفائر شعرها قال له نبينا -عليه الصلاة والسلام- ما حملك على ما صنعت فقال له: كل واحد من أصحابك له أهل وعشيرة هناك، وأما أنا فكنت ملصقا فيهم وليس لي من يحمي أهلي فأردت أن أتخذ يداً عندهم لئلا يؤذوا أهلي فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- صدقت فقال سيدنا عمر الفاروق -رضي الله عنه-: دعني أضرب عنقه يا رسول الله فقد نافق فقال يا عمر وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم - فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يبرر فعل حاطب، وأنه مغفور له، وأن هذه الزلة لا تضره لأنه شهد بدرا. والأحاديث في أهل بدر كثيرة، وفيرة، فما قاله شيخ الإسلام الإمام ابن الجوزي مردود بعيد وأبعد منه ما قاله الإمام الرازي في تفسيره في 24/192 قال معنى الحديث اعملوا ما شئتم من النوافل والفضائل والمستحبات فقد غفرت لكم، وكما قلت غفلة عن سبب ورود الحديث إنما المراد اعملوا ما شئتم، أي مهما جرى منكم من زلات وهفوات لا تنفك عنها طبيعة المخلوقات، فذلك مغفور بفضل رب الأرض والسموات، وهكذا الصيام والقيام وقيام ليلة القدر إذا وقع شيء من ذلك عند الله مقبولا غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر تحفظ من الذنوب وتلقى بالإيمان علام الغيوب، وإذا وقع منك شيء من الهفوات والزلات فيقع ذلك مكفراً بفضل رب الأرض والسموات. إخوتي الكرام: لكنَّ هذه الفضيلة كما قلت لا ينالها إلا من قبل صيامه وقيامه وقيامه لليلة القدر وأما إذا رد الصيام على الصائم وضرب به وجهه فهو لأن يعاقب أولى من أن يثاب وكل واحد منا يعرف صيامه ويعرف قيامه ويعرف تحريه لليلة القدر والإنسان على نفسه بصيرة، ونسأل الله أن يتوب علينا.

إخوتي الكرام: إن بني آدم يفرطون في جنب الحي القيوم، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، وطاعاتنا التي نقوم بها فيها من الشوائب والخلل والزلل ما لو تُقُرِّب بها إلى بشر لما قبلها فكيف نتقرب بها إلى الله -عز وجل- ولذلك نهانا نبينا -عليه الصلاة والسلام- أن نقول صمنا رمضان كله، وأن نقول قمنا رمضان كله سبحانك ربنا ما أفطرنا في يوم من أيام هذا الشهر الكريم ومع ذلك تأمر نبيك -عليه الصلاة والسلام- أن ينهانا عن ادعاء الصيام إياك ثم إياك أن تقول صمت رمضان كله خشية أن يقول الله لك من فوق عرشه فوق سمواته كذبت وما قبلت منك صيام يوم من الأيام. ثبت في مسند الإمام أحمد، والحديث رواه أبو داود، والإمام الضياء المقدسي، ورواه ابن حبان في صحيحه، وابن خزيمة في صحيحه، كما رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، وهو في المسند، وسنن الترمذي، والنسائي وإسناد الحديث رجاله ثقات أثبات وما فيه إلا عنعنة سيدنا الإمام الحسن البصري -عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا- ومعنى الحديث صحيح ثابت ولفظ الحديث من رواية أبي بكرة -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [لا يقولَن أحدُكم صمت رمضان كله ولا يقولَن أحدُكم قمت رمضان كله] قال أبو بكرة فلا أدري أكره التزكية أم قال لابد من رقدة أو نومة يعني ما سبب النهي كره لنا أن نزكي أنفسنا وبأي شيء نزكيها نعلم هل قبلت عند ربنا أم لا أو أنه قال لابد من رقدة وغفلة ونوم فحصل شيء من التفريط والتقصير في هذا الصيام فكيف تقول صمت رمضان كله وقمت رمضان كله وبوب عليه الإمام ابن خزيمة في صحيحه في كتاب الصيام فقال باب الزجر عن قول صمت رمضان كله وقمت رمضان كله.

إخوتي الكرام: تلك الجائزات الحسان ينالها من صام رمضان كما يحب الرحمن ومن قام كما يريد ذو الجلال والإكرام ومن وفق لليلة القدر وتقرب بها إلى الرحمن نعم إذا صدرت منك على وجه مقبول نلت تلك الجائزة عند العزيز الغفور وإلا فنسأل الله أن يتوب علينا، وأن يعفو عن تقصيرنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، ثبت في مسند الإمام أحمد، وسنن ابن ماجه، والحديث رواه الإمام النسائي في سننه، ورواه الحاكم في مستدركه، وصححه وأقره عليه الذهبي، والحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى، وفي كتاب شعب الإيمان، وإسناده صحيح صحيح من رواية سيدنا أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه-، ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير بسند لا بأس به من رواية سيدنا عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم أجمعين-، وقد صحح حديث ابن عمر الإمام الهيثمي والمنذري في الترغيب والترهيب -عليهم جميعا رحمة الله- ولفظ حديث أبي هريرة وابن عمر متقارب لفظ الحديثين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر] سبحان ربي العظيم، صام عن الطعام والشراب وما امتنعت جوارحه، عن الآثام، حكمه عند الله كحكم الكلب الجائع فإياك ثم إياك أن تقول صمت رمضان كله وإياك ثم إياك أن تتصف بالغرور وأن يغرك الغرور وأن تقول أنا غفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر والتحقت بأهل بدر الكرام لأنني صمت شهر رمضان وما تعلم ستعاقب أم تثاب على الصيام فأمِّل فضل الله وهو واسع الفضل والمغفرة وإياك من الدعوى وإياك من الاغترار وكل واحد كما قلت يعلم حاله في طاعاته والله ثم والله لو حاسبنا الله على طاعاتنا لأكبنا على وجوهنا في نار جهنم ونسأله أن يعفو عنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ثبت في مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري، والحديث في السنن الأربعة، ورواه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في السنن الكبرى من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه] . والحديث رواه الإمام الطبراني في الأوسط والصغير من رواية سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [من لم يدع الخنا والكذب فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه] . إخوتي الكرام: ولذلك أوصى نبينا -عليه الصلاة والسلام- صديقة هذه الأمة أمنا الطيبة المباركة الطاهرة المطهرة سيدتنا الفاضلة عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- أن تسأل الله العفو والمغفرة إذا وافقت ليلة القدر، إذا عفا الله عنا وتجاوز عنا فهنيئا لنا فصيامنا فيه تقصير وقيامنا فيه تقصير وحالنا في جميع طاعاتنا لا يعلمه إلا اللطيف الخبير، ثبت في سنن الترمذي وقال حديث حسن صحيح والحديث رواه الإمام ابن ماجه، والحاكم في مستدركه عن أمنا عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- أنها قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا أقول إذا وافقت ليلة القدر قال قولي الله إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا سبحان الله كأنها كانت مقصرة مفرطة. نعم هذا جميع حال العباد فإذا غفر لك زللك في صيامك وتقصيرك في قيامك فهنيئا لك، وأما الثواب فهذا محض كرم من الكريم الوهاب أما طاعاتنا التي كلفنا بها ونقوم بها لو حوسبنا على التفريط الذي فيها فنحن من أهل جهنم وبئس المصير، فإياك ثم إياك أن تبحث في الثواب إلا من باب التعويل على فضل وكرم وجود ورحمة الكريم الوهاب لكن من باب الاستحقاق لا نستحق إلا جهنم التي هي دار أهل التباب قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا يا أرحم الراحمين اللهم أدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوك يا واسع الفضل والمغفرة أقول هذا القول وأستغفر الله.

الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمَّن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إخوتي الكرام: كان سلفنا الكرام -رضوان الله عليهم- يجعلون سَنَتَهم كُلَّهَا حول شهر رمضان قبل دخول شهر رمضان بستة أشهر يلجؤن إلى الله ويضجون إليه أن يبلغهم شهر الصيام ليصوموه فإذا دخل عليهم هذا الشهر من بدايته إلى ستة أشهر أخرى يضجون إلى الله ويجأرون أن يقبل صيامهم وأن يجعلهم من المقبولين الفائزين بخيرات هذا الشهر الكريم وهذا ينقله عن سلفنا الكرام شيخ الإسلام الإمام ابن رجب الحنبلي الذي توفي سنة 795 هـ في كتابه لطائف المعارف وما يتعلق بوظيفة شهر رمضان مطبوع على انفراده في صفحة 92 قبل دخول شهر رمضان بستة أشهر يسألون الله أن يبلغهم شهر رمضان، وإذا دخل عليهم هذا الشهر الكريم ضجوا إلى ربهم من بدايته إلى ستة أشهر أخرى يسألون الله أن يكونوا في شهر رمضان من المقبولين ولا غرو في ذلك فهو سيد الشهور وأفضلها عند العزيز الغفور. عبد الله إذا لم تقبل في شهر رمضان عبد الله إذا لم يغفر لك في شهر رمضان فليت شعري متى سنقبل ومتى سيغفر لنا.

ثبت في مستدرك الحاكم بسند صحيح من رواية كعب بن عجرة، والحديث رواه الإمام ابن حبان في صحيحه من رواية مالك بن الحويرث، والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير من رواية ابن عباس والبزار من رواية عبد الله بن الحارث، وهو في سنن الترمذي، وصحيح ابن خزيمة، والسنن الكبرى للإمام البيهقي، من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- رقى المنبر فقال: عند الدرجة الأولى آمين ثم رقى الدرجة الثانية فقال: عندها آمين ثم رقى الدرجة الثالثة فقال: عندها آمين فسئل من قبل الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- رأيناك تقول شيئا لم تكن تقوله قبل ذلك يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقال: [أتاني جبريل عند الدرجة الأولى فقال: يا محمد من دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له فأبعده الله وفي رواية فأبعده الله وأسحقه وفي رواية رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له قل آمين فقلت آمين وفي الدرجة الثانية يقول جبريل لنبينا -عليه الصلاة والسلام-: [من أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يغفر له ولم يدخلاه الجنة فأبعده الله فأبعده الله وأسحقه رغم أنفه فقل آمين فقلت آمين وعند الدرجة الثالثة من ذكرت عنده فلم يصلي عليك فأبعده الله فأبعده الله وأسحقه فرغم أنفه قل آمين فقلت آمين] . إخوتي الكرام: إذا لم يغفر لنا في شهر رمضان فمتى سننال الغفران عند ربنا الرحمن. إخوتي الكرام: الشهر قارب على الانصراف وكم من قريب لنا وعزيز علينا أدرك معنا شهر رمضان في العام الماضي ولم يهيأ له أن يدرك شهر رمضان في هذا العام وما ندري هل سندرك هذا الشهر في السنة الآتية أم لا.

إخوتي الكرام: اغتنموا ما بقي من أيام شهر رمضان واعلموا أننا عما قريب سنلقى في حفرة لا أنيس لنا فيها إلا عملنا الصالح رحمة الله على العبد الصالح داود بن نصير الطائي أبي سليمان الذي توفي سنة 162هـ وهو من رجال سنن الإمام النسائي وكان سيدنا سفيان الثوري -عليهم جميعا رحمة ال-له يعظمه ويقول أبصر أمره وكان شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك يقول وهل الأمر إلا ما عليه داود يقول اًلإمام الذهبي في ترجمته لم يخلف مثله في الكوفة سبب استقامته استقامة تامة كاملة رحمة الله ورضوانه عليه- أنه مر بامرأة تزور قبر حبيب لها وتقول: مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتُنْسَى كما تَبْلى وأنت حبيب نعم يشتد حزن الأهل والأصحاب على الميت عندما يوسد التراب ويقل حزنهم كلما امتدت الأيام حتى يذهب الحزن كما أن البِلى يسري في بدن الميت على بطئ هكذا نسيان هذا الميت يكون على بطئ إخوتي الكرام: اغتنموا ما بقي من أيام شهر رمضان. اللهم ارحمنا إذا فارقنا الأصحاب اللهم ارحمنا إذا نسينا الأحباب اللهم ارحمنا إذا افترشنا التراب اللهم اجعل قبورنا نورا اللهم املأ قلوبنا بهجة وسرورا اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اللهم إنا نتوب إليك وهذه نواصينا بين يديك فإن قبلتنا فبفضل منك علينا وإن طردتنا فلا حول ولا قوة إلا بك اللهم إن أطعناك فبفضلك والمنة لك، وإن عصيناك فبعلمك وعدلك والحجة لك، اللهم إنا نسألك بحق قيام حجتك علينا وانقطاع حجتنا أن تغفر لنا يا أرحم الراحمين.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، كثيراً اللهم لنا آباء وأمهات منهم الأحياء والأموات اللهم من كان حياً من آبائنا وأمهاتنا فألهمه رشده وسدده وتب عليه واختم له بخاتمة الخير يا رب العالمين، ومن كان ميتاً من آبائنا وأمهاتنا فنسألك أن ترحمه وأن تتجاوز عنه وأن تجعل قبره روضة من رياض الجنة يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين هذا شهر الجود والكرم، نتوسل بك إليك أن تغفر لآبائنا وأمهاتنا الحيين والميتين، وأن تجزيهم عنا خير الجزاء يا رب العالمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا. اللهم اجعل هذا الشهر الكريم أوله لنا رحمة وأوسطه لنا مغفرة وآخره عتقاً لنا من النار، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، اللهم تقبل منا الصلاة والصيام والقيام اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا من عتقاء شهر رمضان اللهم، أدخلنا الجنة من باب الريان بسلام بفضلك ورحمتك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم أدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوك، يا واسع الفضل والمغفرة، سبحانك سبحانك لا نحصي ثناءا عليك تتحبب إلينا بالنعم وأنت الغني عنا، ونتبغض إليك بالمعاصي ونحن الفقراء إليك، إلهي وعزتك وعظمتك وجلالك ما عصيناك استخفافا بحقك، إنما لضعفنا وغلبة نفوسنا علينا، فارحم ضعفنا، وتب علينا يا رب العالمين، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء، نسألك في هذا الشهر الكريم أن تؤلف بين المؤمنين، وأن تنصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين، إلهي أمة نبيك عليه الصلاة والسلام لا يخفى حالها عليك، اللهم فرج عن أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. اللهم انصر أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (¬1) والحمد لله رب العالمين.. ¬

_ (¬1) ((1 سورة القدر

حكم قراءة القرآن على القبور

حكم قراءة القرآن على القبور (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم حكم قرآة القرآن على القبور الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويما، وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنة، وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها، كل في كتاب مبين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عميا وآذاناً صما وقلوباً غُلفا، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2) سورة النساء: 1 (¬3) سورة آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. تقدم معنا أن من صفات عباد الرحمن الذين يعمرون بيوت ذي الجلال والإكرام، من صفاتهم الخوف من ربهم وهذه الصفة اتصفوا بها بعد أن أحسنوا حالهم ومعاملتهم مع الله -جل وعلا- ومع عباده: فهم الذين لم تلههم البيوع والتجارات، وهم الذين عظموا رب الأرض والسموات وهم الذين أحسنوا إلى المخلوقات ومع ذلك يخشون رب الأرض والسموات حقيقة هؤلاء هم الرجال هم الرجال {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (¬2) . إخوتي الكرام: وكنا نتدارس أسباب خوف المكلفين من رب العالمين وهي على كثرتها كما تقدم معنا يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب. أولها: إجلال الله وتعظيمه. ثانيها: خشية التفريط والتقصير في حق الله الجليل. وقد تقدم الكلام على هذين السببين مفصلاً بأدلته في المواعظ الماضية والسبب الثالث: من أسباب خوف المكلفين من رب العالمين خوفهم من سوء الخاتمة. وتقدم معنا إخوتي الكرام أن لسوء الخاتمة سببين معتبرين: السبب الأول منهما: الخوف على الإيمان من الاستلاب والفقدان. فما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه إلا سلبه عند موته، نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 70، 71 (¬2)) ) سورة النور: 36، 37

والسبب الثاني: من أسباب سوء الخاتمة قلت: اغترار المكلف بالحالة الحاضرة واغتراره بما يصدر منه من طاعات ناقصة قاصرة مع الغفلة عما فيه من بليات مهلكات وتقدم معنا أن أشنع تلك البليات ثلاث بلايا ورزايا. أولها: النفاق. ثانيها: البدعة. ثالثها: الركون إلى الدنيا. وكنا نتدارس -إخوتي الكرام- ما يتعلق بالبدعة وقلت سأتكلم عليها ضمن ثلاثة أمور في تعريفها وفي النصوص المحذرة منها، وفي أقسام البدعة وسبب كون البدعة سبباً لسوء الخاتمة. إخوتي الكرام: أما الأمر الأول فقد مضى الكلام عليه وأُكمله في هذه الموعظة -إن شاء الله-، مضى الكلام عليها في الموعظة الماضية وقلت: إن حقيقة البدعة، الحدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مما لم تشهد له أدلة الشريعة الحسان مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن، وبينت هذا التعريف -إخوتي الكرام- في الموعظة الماضية وشرحته وقلت انقسم الناس نحو البدعة إلى ثلاثة أقسام: ? مهتدون صالحون عند حدود الله وقَّافُون، فما ينطبق عليه أنه بدعة حكموا عليه بذلك، وما لا ينطبق عليه أنه بدعة فاتقوا الله في أنفسهم وفي أمة نبيهم -عليه الصلاة والسلام- وحملوا أحوال الناس على الاستقامة والسداد والحسنى، ? وفريق أهل شطط متهورون ما لا يروق لأذهانهم ولا يدخل في فهمهم حكموا عليه بأنه بدعة فوسعوا دائرة البدعة ونبذوا عباد الله الصالحين بهذا اللقب المشين ? وفريق قابلهم كما قلت فرَّطوا كما أن أولئك أفرطوا فقالوا لا بدعة في الدين ولا وجود للمبتدعين وكل ما يفعله الإنسان ويرى أنه يتقرب به إلى رب العالمين فهو خير وهدى. إخوتي الكرام: ولاشك أن الفرقة الثانية التي أفرطت والفرقة الثالثة التي فرطت كل منهما على ردى، وكنا نناقش الفرقة الأولى من هاتين الفرقتين الضالتين الفرقة التي وسَّعت مفهوم البدعة، وقلت أن هذا التوسيع له حالتان. الحالة الأولى:

عندهم وهي حالة ضلال حكموا على ما شهد له الدليل، وقال به إمام جليل حكموا عليه بأنه بدعة وهذا ضلال كما تقدم معنا وَضَرَبْتُ لذلك مثالاً من الأمثلة الشرعية التي شهدت لها نصوص الشريعة الإسلامية، وقال بها بعض أئمتنا الكرام، ألا وهي هذه الكيفية، موضوع قبض الشمال باليمين ووضع اليمين على الشمال بعد الرفع من الركوع وبينت أن الدليل الشرعي يحتمل هذه الكيفية وقد قال بها بعض أئمتنا الكرام، فلا يجوز أن ندخلها في دائرة البدعة كما تقدم معنا، تقرير هذا قلت إنهم وسَّعوا البدعة أيضاً إلى ما هو أشنع من ذلك فحكموا بالبدعة على ما دل عليه دليل صحيح صريح كما تقدم معنا في صلاة التراويح فثابتة عشرون ركعة ويوتر المسلمون بثلاث كما قررت هذا بأدلته وبفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، والخليفة الراشد عليّ ابن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-، وجمهور أهل العلم جمهور أمة نبينا -عليه الصلاة والسلام- على هذا العدد في صلاة التراويح، فقد شهد لذلك دليل صحيح وقال به أئمتنا الكرام ثم وجد في هذه الأيام من ينبذ هذا الفعل بأنه بدعة والفاعل مبتدع وليس بعد هذا الضلال ضلال. إخوتي الكرام: ومما يدخل في هذا الأمر أعني في توسيع مفهوم البدعة والحكم على عباد الله بالبدعة مما يدخل في هذا مسألة سنتدارسها في هذه الموعظة وهي مسألة لها ذيول ألا وهي قراءة القرآن على القبور والمسألة يتبعها عدة مسائل يتبعها حكم التلقين بعد الدفن، ويتبعها بيان الحق في سماع الأموات وعلمهم بزيارة الأحياء وشعور الميت شعوراً أدقَ من شعور الحي، فهو يعلم ويبصر ويرى ويسمع من يزوره وما يجري حوله، وأقرر هذا بالأدلة الصحيحة الصريحة من كتاب الله ومن أحاديث رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ومما أجمع عليه سلفنا الكرام، ثم وجد من ينبذ هذا بالبدعة في هذه الأيام،

الأمر الرابع: الذي يتعلق بهذه المسألة، إهداء القربات إلى الأموات سواء كانت تلك القربات والطاعات بدنية أو مالية أو مركبة، منهما هذه المسائل الأربع. إخوتي الكرام: تتعلق بالمسألة الأولى وتتفرع عنها ألا وهي قراءة القرآن على القبور، وكما قررت في تعريف البدعة -إخوتي الكرام-، فاستحضروا التعريف ولا يغيبن عنكم طرفة عين في هذه الحياة، كل ما لم يشهد له دليل مستقيم وما لم يقل به إمام كريم فهو بدعة، وما شهد له الدليل الشرعي وقال به إمام تقي فخرج عن رسم البدعة وحدها، ومن رمى ذلك الفعل بالبدعة فهو المبتدع الخارج على أمة نبينا -عليه الصلاة والسلام-. إخوتي الكرام: لابد من ضبط هذا، وإذا أراد الإنسان أن يتكلم في هذا العصر فينبغي أن يسند كلامه إلى النصوص الشرعية وإلى علماء هذه الأمة المرضية، وأما أن يأتي ويقول: هذا الذي يظهر لي وهذه هي السنة وهذه هي السلفية فهذا قول مردود على قائله أيَّا كان. قراءة القرآن على القبور، -إخوتي الكرام- هذه المسألة استحبها علماء الإسلام ونقلت عن السلف الكرام، استحبها علماؤنا ونقلت عن سلفنا ومع هذين الأمرين ترى في هذه الأيام من يرفع لسانه على أمة نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-. فيصف قراءة القرآن على القبور بأنها بدعة، ويحكم على القارئين بأنهم مبتدعون، وهذا الأمر حقيقة مما يفطر الأكباد في هذه الأوقات، أمر نقل عن السلف الكرام من صحابة وتابعين ومن بعدهم وقرره أئمة الإسلام كما سيأتينا، يوجد في هذه الأيام أهل شطط ينبذون من فعل ذلك بأنه مبتدع مخرِّف صاحب أوهام، فمن المخرف من يخرج عن هدى السلف أو من يلتزم بهديهم؟ إذا كان هذا نقل عن السلف الصالح وقرره أئمتنا وهو مسطور مزبور في كتبنا في كتب شريعتنا فعلام بعد ذلك التشويش على الناس؟

إخوتي الكرام: وإذا كان الأمر في هذه الصورة وهو كذلك، أناس يرفعون أصواتهم بأن هذا بدعة وبتبديع من يفعل ذلك، إذا كان الأمر كذلك في هذه الأيام فلابد -إخوتي الكرام- من وعي هذه المسألة على التمام وبيان العلم فيها بشكل تام، فاستمعوا -إخوتي الكرام- هذه المسألة لها أمران: الأمر الأول: لو لم يرد دليل في هذه المسألة بخصوصها يجيز قراءة القرآن على مقابر المسلمين وبين مقابر المسلمين وعلى موتى المسلمين، لو لم يرد دليل في هذه المسألة بخصوصه في الدين لما صح أن يحكم على الفعل بأنه بدعة وأنه ضلال وأنه ذميم ووجه ذلك أن قراءة القرآن يؤمر بها الإنسان في كل زمان ومكان إلا ما نهاه عنه الشرع المطهر. فنحن نهينا أن نقرأ القرآن إذا كنا مجنبين ونهينا أن نقرأ القرآن راكعين وساجدين، والحديث ثابت بذلك في صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: [ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً وساجداً] ولا يجوز أن يقرأ القرآن في الحمامات عند انكشاف العورات والله طيب لا يذكر إلا في مكان طيب، وما عدا هذا ما ينبغي أن يمنع الإنسان من قراءة القرآن إلا إذا أتيت بدليل يمنعه فهوانا يتبع شرع مولانا ولا نحكم عقولنا في ديننا فما نهانا عنه ربنا ونبينا -عليه الصلاة والسلام- انتهينا عنه. فأنت أيها الإنسان يا من تريد أن تمنع قراءة القرآن على موتى المسلمين ما دليلك في ذلك بأن هذا منهيٌ عنه؟ كما أننا نهينا عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وحال كوننا مجنبين جنباً؟ فإذا أردت أن تمنع من قراءة القرآن على المقابر ينبغي أن تقيم الدليل على ذلك وأن يكون هذا الدليل ظاهراً بيناً واضحاً.

إخوتي الكرام: هذا الأمر كما قلت لو لم يرد في هذه المسألة دليل بخصوصه لما صح أن نمنع ولما صح أن نصف ذلك الفعل بالبدعة ولا أن نحكم على فاعله بأنه مبتدع، فإن قال قائل: إن الذي يقرأ القرآن على الأموات يقصد بذلك أن تحصل البركة لهم، ولابد من دليل على ذلك نقول -سبحان ال-له إلى هذا الحد وصل بك الانحطاط وأي حرج في قراءة القرآن على الموتى لتحصل لهم البركة؟ أي حرج أي حرج؟ إن من مقاصد إنزال القرآن أن يتبرك به الرجال والنساء والمرضى والأصحاء والأموات والأحياء ما الحرج في ذلك أو ليس هذا القرآن بكتاب مبارك؟ {وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} (¬1) {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬2) . هذا الكتاب مبارك وكما أنزل ليكون لنا هداية في هذه الحياة نتبرك به ونستشفي به من أمراضنا، ونقرأه لتحصل به البركة على موتانا، وقد كان الصحابة الكرام يفعلون هذا ويتعالجون بالقرآن. ¬

_ (¬1)) ) سورة الأنبياء: 50 (¬2)) ) سورة الأنعام: 155

والحديث الثابت في صحيح مسلم، والكتب والستة، ومسند الإمام أحمد، في الصحيحين، والسنن الأربعة، وهو من أصح الأحاديث وأعلاها رتبة، فهو في الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه وأرضاه- في قصتهم عندما ذهبوا بعثا غزاة في سرية من السرايا فمروا بطريقهم على حي من أحياء العرب وطلبوا منهم أن يضيفوهم فأبوا ضيافتهم ولم يقروهم، ثم لدغ زعيم الحي في تلك الليلة فجهد أهل القبيلة أن يعالجوه بأنواع العلاجات فما نفع ذلك فيه فأتوا إلى الصحابة الكرام-رضوان الله عليهم أجمعين- فقالوا: هل فيكم راقٍ؟ فإن سيد الحي قد لدغ، لدغه ثعبان ذات سمى وحمى هل فيكم راقٍ؟ قال أبوسعيد الخدري نعم: فينا راقٍ لكننا طلبنا منكم أن تضيفونا فما أضفتمونا. لا نرقي سيدكم إلا بِجُعْلٍ تجعلونه لنا، فاتفقوا على أن يعطوهم ثلاثين رأساً من الغنم، فذهب أبو سعيدٍ الخدري ـ -رضي الله عنه- ـ وبدأ يقرأ سورة الفاتحة ويتفل على هذا اللديغ حتى قام كأنما نشط من عقال وليس به قََلََبه، فأخذوا جُعْلهم وأرادوا أن يقتسموه بينهم فقال أبو سعيدٍ الخدري -رضي الله عنهم أجمعين-: حتى نسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن ذلك، فلما سألوه قال [وما أدراك أنها رقية اقتسموا واجعلوا لي معكم سهماً] . من أجل أن يطيب قلوبهم وأن ما أخذوه حلالٌ حلال، إذاً قرئ القرآن لتحصل البركة ويعالج هذا المريض وهكذا، يقرأ القرآن لتحصل البركة على الميت وللميت وليخفف عنه العذاب أو ليرفع عنه أو ليزيد الله في النور الذي يحصل له في قبره وهو على كل شيءٍ قدير -سبحانه وتعالى-.

القرآن شفاء بنص القرآن، يقول الله -جل وعلا-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً} (¬1) ومِن في قوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ} لبيان الجنس فالقرآن كله شفاء من سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس من القرآن وليست للتبعيض {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ} أي ننزل القرآن شفاءً للناس فليستشفوا به من أمراض قلوبهم ومن أمراض أبدانهم، {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً} . و (من) كما قلت هنا لبيان الجنس كقول الله -جل وعلا- في سورة الحج: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (¬2) (مِن) لبيان الجنس وليست تبعيضية وجميع الأوثان رجس ونجس لا خير فيها ولا طهارة ولا بركة {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} أي اجتنبوا الرجس التي هي الأوثان القذرة النجسة، وهكذا قول الله -جل وعلا- في آخر سورة الفتح {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (¬3) من لبيان الجنس لا للتبعيض، لا أن بعض المؤمنين الصالحين الذين يطيعون رب العالمين وعدوا بذلك والباقي ليس كذلك، لا ثم لا، من لبيان الجنس {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وهكذا قول الله -جل وعلا-: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً} (¬4) . ¬

_ (¬1)) ) سورة الإسراء: 82 (¬2)) ) سورة الحج: 30 (¬3)) ) سورة الفتح: 29 (¬4)) ) سورة الإسراء: 82

فإذا قرئ القرآن على الأموات لتحصل لهم البركة بعد موتهم كان ماذا؟ حققنا مقصود القرآن، ومِن مقاصد إنزاله أن يتبرك به كما قلت الرجال والنساء الأموات والأحياء، المرضى والأصحاء، نتبرك بتلاوته في جميع الأحوال. هذا الأمر الأول -إخوتي الكرام- ما ينبغي أن يغيب عن أذهاننا لو لم يرد في هذه المسألة دليل بخصوصه في شريعة ربنا، وأنه يجوز قراءة القرآن على الموتى لما صح أن نمْنَع إلا بدليل من كتاب ربنا وسنة نبينا -عليه الصلاة والسلام-.

والأمر الثاني: وهو الذي يوضح لنا حقيقة الأمر الأول نُقِلَت كما قلت هذه المسألة أعني جواز قراءة القرآن على الأموات، نقل هذا عن الصحابة الأبرار من مهاجرين وأنصار وتبعهم على ذلك أئمتنا الكرام الأخيار، فأي دليل تريده بعد ذلك يا عبد الله؟، فعل هذا المهاجرون، فعله الأنصار، قرره أئمتنا الأبرار، ماذا تريد دليلاً بعد ذلك على هذا؟ فإن قيل: من الذي فعله من المهاجرين؟ فاستمع أخي الكريم، ثبت في سنن البيهقي في كتاب الجنائز وبوب عليه الإمام البيهقي (باب قراءة القرآن عند القبر) والأثر في الجزء الرابع من سنن البيقهي صفحة 56 ورواه أيضاً الإمام الخلال في جامعه وفي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو آخر شيء في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو كتاب في حدود مائتي صفحة، هذا في صفحة تسعين ومائة وهو آخر الأبواب (باب قراءة القرآن عند القبور) والإمام الخلال هو الذي قرر مذهب الإمام أحمد وجمع نصوصه وكانت قبل ذلك مفرقةً وقد توفي هذا العبد الصالح سنة إحدى عشرة وثلاثمائة للهجرة 311هـ، يعني بعد المبجل الإمام أحمد ابن حنبل بسبعين سنة -رضوان الله عليهم أجمعين- الإمام الخلال المذهب الحنبلي من أوله لآخره يستقي منه، فهو الذي جمع نصوص الإمام أحمد وقررها -رضي الله عنهم أجمعين- ينقل هذا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن العباس بن محمد الدوري قال قلت ليحيى ابن معين هل ورد شيء في قراءة القرآن على القبور؟ وهل يجوز أن نقرأ القرآن على القبور؟ ويحيى بن معين هو قرين الإمام أحمد -رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين- فقال: يحيى بن معين حدثني مبشر الحلبي عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه قال: لبنيه إذا مت، بضم الميم أو كسرها، ووضعتموني في لحدي فقولوا -بسم الله وعلى سنة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ـ بسم الله وعلى ملة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ثم سنوا علي التراب سناً: يعني ضعوه

برفقٍ، فالميت يتأذى مما يتأذى منه الحي وشعوره أدق من شعور الحي، ثم سنوا علي التراب سناً، ضعوه برفق عندما تهيلون التراب علي، ثم سنوا علي التراب سناً واقرؤوا عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت ابن عمر يوصي بذلك ويستحبه وابن عمر شيخ الإسلام في الصحابة الكرام وهو من المهاجرين، وهذا الأثر قال عنه شيخ الإسلام الإمام النووي في الأذكار في صفحة سبع وثلاثين ومائة صـ137 إسناده حسن، وقال عنه الإمام الهيثمي في المجمع صفحة أربع وأربعين من الجزء الثالث 3/44 رجاله موثقون. وكما قلت هو في السنن الكبرى للإمام البيهقي، ورواه الخلال، وروى الإمام الطبراني أيضاً، هذا أثر عن عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهم أجمعين- بأنه أوصى بأن يفعل ذلك به واستحبه للأموات أن يقرأ عند رؤوسهم بعد دفنهم بفاتحة البقرة وخاتمتها. وهذا الفعل الذي نقل عن هذا الصحابي المهاجري -رضي الله عنهم أجمعين-، نقله الإمام الخلال في جامعه وفي كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونقله أيضاً عن الإمام الخلال الإمام ابن القيم في كتاب الروح في صفحة عشرة ص10 قال الخلال: قال الشعبي: وكان الأنصار إذا مات لهم ميت يختلفون إلى قبره فيقرأون عنده القرآن. الأنصار الأبرار -رضي الله عنهم وأرضاهم- إن مات لهم ميت يختلفون إلى قبره بعد دفنه يقرأون عنده القرآن، هذا فعل الأنصار وهذا فعل المهاجرين، وقد نقل ذلك الإمام ابن تيمية -عليه وعلى أئمتنا جميعاً رحمات رب البرية عن الصحابة- كما في مجموع الفتاوى في الجزء الرابع والعشرين صفحة ثمان وتسعين ومائتين 4/298 وقال القراءة عند الدفن ثابتة في الجملة عن الصحابة، وقد أوصى بعضهم أن يقرأ عنده سورة البقرة ثابتة في الجملة عن الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين-.

وهذا الذي فعله المهاجرون والأنصار رضوانه عليهم أجمعين، روي مرفوعاً عن نبينا المختار -عليه صلوات الله وسلامه- لكن بإسنادٍ ضعيف والأثر رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، ورواه ابن شاهين في كتاب القبور كما ذكر ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة في المغني عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: [إذا مات أحدكم فلا تحبسوه ولا تؤخروه عن قبره، فإذا دفنتموه فليقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخواتيم سورة البقرة] والحديث كما قلت في معجم الطبراني الكبير، ورواه ابن شاهين في كتاب القبور وفيه يحيى ابن عبد الله البَابْلُتيِّ وقد حكم عليه الإمام الهيثمي بأنه ضعيف، وهكذا الإمام ابن حجر في التقريب بأنه ضعيف، وقد أخرج البخاري حديثه معلقاً في صحيحه فهو من رجال البخاري، لكن ما أخرج له في الأحاديث المتصلة، وهكذا هو من رجال سنن النسائي، فحديثه مخرج في البخاري معلقاً وفي سنن النسائي يحيى بن عبد الله البَابْلُتيِّ، وهو ابن امرأة الإمام الأوزاعي -عليهم جميعاً رحمة الله-، وتوفي سنة ثمان عشرة ومائتين للهجرة 218هـ، لو لم يكن هذا في إسناد الحديث لكان الحديث صحيحاً، أوصى نبينا -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث الذي قلت إسناده ضعيف أن يقرأ عند رأس الميت بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخواتيم سورة البقرة، لكن كما تقدم معنا أشر ابن عمر ثابت وقد حسنه شيخ الإسلام الإمام النووي كما قلت في الأذكار، ونقل هذا عن الأنصار الأبرار، وروي مرفوعاً عن نبينا المختار -عليه صلوات الله وسلامه- لكن بإسنادٍ ضعيف.

هذا الأمر الذي ورد فيه هذا الدليل المنقول انتبه لأئمة الإسلام كيف تلقوه بالقبول لترى بعد ذلك من الذي يخرج عن هدى السلف؟ وهل يجوز لإنسان أن يحكم على فعل نقل عن المهاجرين والأنصار، وثبت عن الصحابة في الجملة واستحبه أئمتنا الأخيار وقرره أئمتنا في كتبهم هل يجوز أن يحكم عليه بالبدعة وعلى فاعله بأنه مبتدع؟ انتبه إلى سيد المسلمين إلى فقيه المحدثين ومحدث الفقهاء أبي عبد الله الشافعي رحمة الله ورضوانه عليه يقول في كتاب (الأم) في الجزء الأول صفحة اثنين وثمانين ومائتين 1/282 يقول هذا العبد الصالح (وأحب أن يقرأ القرآن عند القبر وأن يدعى للميت وليس في ذلك دعاء مؤقت) هذا في كتاب (الأم) وهذا الكلام الذي قرره الإمام الشافعي ينقله محقق المذهب الشافعي الإمام النووي في الأذكار وفي رياض الصالحين وفي (المجموع) وفي كتاب (الروضة) فيقول: نص الشافعي على أنه يستحب قراءة القرآن عند الدفن ووافقه جميع الأصحاب على ذلك. قالوا: (ولو قرءوا القرآن كله كان حسنا) هذا الكلام في الأذكار كما قلت في المكان المتقدم صفحة سبع وثلاثين ومائة صـ137 وهو في (المجموع) .

انظروه إخوتي الكرام في الجزء الخامس صفحة إحدى عشرة وثلاثمائة صـ 5/311 في (المجموع) وهو في (روضة الطالبين) للإمام النووي -عليه رحمة الله- في الجزء الثاني صفحة تسع وثلاثين ومائة 2/139 وهو في (رياض الصالحين) قال المعلق على (رياض الصالحين) صفحة سبع وأربعين وثلاثمائة صـ 347 (هذا الكلام الذي نقله الإمام النووي عن الشافعي قال: غريب لا أعرفه) ثم قال: أنا في شك كبير من نسبة ذلك إلى الإمام الشافعي، هذه النسبة إلى الإمام الشافعي فيها نظر) أي نظر فيها أيها المعلق؟ من الذي ينقل هذا عن الإمام الشافعي؟ ينقله محقق المذهب ألا وهو الإمام النووي في أربعة من كتبه ثم أنت تأتي تعلق على عبارته بأن هذه النسبة فيها نظر وأنت في شك كبير من نسبة ذلك إلى الإمام الشافعي،، سبحان الله سبحان الله، هلا سألت شافعياً في هذه الأيام ليرشدك إلى نص الإمام في كتاب (الأم) ؟ وأن هذا موجود في كتاب (الأم) وأن الإمام النووي عندما نقل هذا عن الإمام الشافعي لاتخرص وما افترى ولا وهم ولا أخطأ، إنما هذا هو نص المذهب وهذا كما قلت في كتاب (الأم) للإمام الشافعي فقولك: إنك في شك كبير من نسبة ذلك إليه، وهذه النسبة فيها نظر، كان الواجب عليك أن تسأل شافعياً ممن يعيش معك في هذه الحياة وأن تقول له الإمام النووي نسب هذا إلى الإمام الشافعي -عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه- فأين نص الشافعي ليقول لك: هو في (الأم) في الجزء الأول صفحة اثنتين وثمانين ومائتين 1/282 هذا الإمام الشافعي يقول: (وأحب أن يقرأ القرآن عند القبر إذا دفن الميت وأن يدعى للميت وليس في ذلك دعاء مؤقت) هذا نص كلام الإمام الشافعي في (الأم) -عليه رحمة الله ورضوانه-، وهذا الكلام الذي قرره الشافعية هو المقرر عند الحنفية.

انظروا كتبهم إخوتي الكرام كما هو في (رد المحتار على الدر المختار) في الجزء الثاني صفحة اثنتين وأربعين ومائتين 2/242 يقرر علماء الحنفية أنه إذا جاء الإنسان إلى المقابر يسلم عليهم أولاً (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) وسيأتينا صيغة السلام وصيغها ضمن مبحثنا إن شاء الله، قال الحنفية (ثم يقرأ ما تيسر من القرآن ثم يدعو، وإنما يقرأ القرآن قبل الدعاء من أجل أن تنزل البركة والرحمة في ذلك المكان قبل دعائه، ومن أجل أن يكون ذلك أرجى لقبول دعائه فيقرأ القرآن لحصول الرحمة والبركة في ذلك المكان ثم يدعو فيكون الدعاء أرجى للإجابة والقبول) ، هذا كلام الأئمة الحنفية في كتبهم. وأما السادة المالكية -رضوان الله عليهم أجمعين- فالمنقول عن الإمام مالك -رحمة الله عليه- وعلى جميع أئمتنا كما في كتبهم انظروا حاشية الدسوقي إخوتي الكرام أيضاً في الجزء الأول صفحة تسع وثمانين وثلاثمائة صـ1/389 ينقلون عن الإمام مالك (أن قراءة القرآن تكره عند القبور. وسبب كراهية الإمام مالك -عليه رحمة الله ورضوانه- هذه القراءة يقول: المقصود من زيارة القبور أن تعلم ما صار للميت وما انتهى إليه حاله وأنت عما قريب ستصير إلى مثل حاله فينبغي أن تعتبر وإذا قرأت القرآن أنت مأمور بالتفكر والتدبر والاعتبار عند قراءة القرآن فكيف ستجمع بين الأمرين؟ كيف ستجمع بين الاعتبار بحال هؤلاء الموتى وبين التدبر والاعتبار عند قراءة القرآن؟ ولذلك لا تقرأ القرآن عند القبور من أجل أن تتفكر في ما صار إليه من قبلك وعما قريب أنت ستصير إلى ما صاروا إليه) . أخي الكريم: أما تأملت أحوال الموتى جثث هامدة عندما يدخل الإنسان القبور أما تأملت أحوالهم وعما قريب ستصير إليهم كم من حبيب تزوره وهو قريب منك ولا تستطيع أن تراه ولا أن تكلمه. مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاءك لا يرجى وأنت قريب

تزيد بلىً في كل يوم وليلة ... وتُنسى كما تبلى وأنت حبيب كم من إنسان يدفن حبيبا لديه ويكثر من زيارته في أول الأمر ثم يتسلى عن حبيبه بعد ذلك، كما أن البلى يسري إليك رويداً رويدا ويأكل التراب والدود بدنك، هكذا الحب يبلى من قلوب محبيك وأنت حبيب، وتنسى كما تبلى وأنت حبيب، فإذا كان هذا هو المقصود يقول الإمام مالك - عليهم جميعاً رحمة الله -: فيمتنع الإنسان عن القراءة لا لأن القراءة لا تجوز، إنما ليعتبر بحال هؤلاء وحاله الذي سيصير إليه. ولذلك قال أئمة المالكية: (إن قرأ القرآن تسنناً فهذا لا يجوز ويمنع منه أي اعتقاد لسنية القراءة في ذلك الوقت. السنة في الزيارة كما يقول الإمام مالك: السنة أن تعتبر وإذا أردت أن تقرأ على أن هذا من شعائر الزيارة فلا ثم بعد ذلك قالوا: إن قرأ دون اعتقاد السنية فهذا جائز. وهذا أصل المذهب كما قلت، ثم جاء متأخروا المذهب كما في حاشية الدسوقي فنقل عن ابن رشد وعن أئمة المالكية المغاربة والأندلسيين أنهم أجازوا قراءة القرآن على القبور طلباً لنزول الرحمة والبركة على الأموات. قال الإمام الدسوقي وهذا كما قلت من كتب فقه المالكية، قال: (وعلى هذا عمل المسلمين شرقاً وغرباً) أي إذا زاروا المقابر يقرءون القرآن ولا ينكر بعضهم على بعض ذلك، وأما الإمام المبجل أحمد ابن حنبل - رحمة الله ورضوانه عليه - فكان يرى ما يراه الإمام مالك في أول الأمر -رضوان الله عليهم أجمعين- من أن القراءة يمنع الإنسان منها من أجل أن يتدبر ما آل إليه حال هؤلاء الناس وما سيصير إليه عما قريب ثم لما قيل له: إن ابن عمر أوصى بذلك -رضي الله عنهم أجمعين- فرجع عن قوله.

وقصة رجوع الإمام أحمد -رحمة الله ورضوانه عليه- عن هذا القول وأنه يرى أن قراءة القرآن جائزة عند القبور نقلها أتباع مذهبه قاطبة، نقلها شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة في المغني في الجزء الثاني صفحة خمس وعشرين وأربعمائة 2/425 قال (وقد رجع الإمام أحمد عن ذلك رجوعاً أبان به عن نفسه ونقلها الإمام ابن القيم في كتاب (الروح) وشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية -عليهم جميعاً رحمة ال-له في مجموع الفتاوى، واسمعوا هذه القصة في رجوع الإمام أحمد بن حنبل -رضوان الله عليهم أجمعين- عن قوله، القصة كما يرويها الإمام الخلال في جامعه وفي كتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) (باب قراءة القرآن عند القبور) أن الإمام أحمد كان مع أصحابه في زيارة لمقابر المسلمين فرأى ضريراً يقرأ على القبور فنهاه وقال: يا هذا القراءة عند القبر بدعة، فقال له تلميذه محمد بن قدامة الجوهري: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ وتقدم معنا هو الذي حدث بهذا الحديث ليحيى ابن معين أيضاً ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة، هل كتبت عنه؟ الإمام أحمد يقول لمحمد بن قدامة الجوهري: هذا ثقة، هل كتبت عنه؟ قال: نعم، حدثني مبشر الحلبي عن عبد الرحمن بن العلاء ابن اللجلاج عن أبيه أنه قال إذا مت، وذكر الأثر المتقدم ووضعتموني في اللحد فسنوا عليَّ التراب سناً وقولوا قبل ذلك: بسم الله وعلى ملة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- واقرءوا عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت ابن عمر يوصي بذلك ويستحبه) فقال الإمام أحمد -رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين- ارجع إلى الرجل فقل له يقرأ: أي إذا ثبت هذا عن شيخ المهاجرين عبد الله بن عمر رضوان الله عنهم أجمعين فما بقى كلام لي ولا لغيري، ارجع إلى الرجل فقل له يقرأ.

إخوتي الكرام: هذا هو المنقول عن الصحابة من مهاجرين وأنصار وتبعهم على ذلك أئمتنا الأبرار الأخيار فهل يصح القول بعد ذلك بأن هذا بدعة؟ لا ثم لا. والإمام ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه (الروح) تعرض لهذه المسألة - رحمة الله ورضوانه عليه - في أول الكتاب في صفحة عشرة صـ10 كما قلت يقول: (وقد ذُكِرَ عن جماعة من السلف أنهم أوصوا بأن يقرأ عند قبورهم وقت الدفن ولمن رأى بذلك قال عبد الحق يروى أن عبد الله بن عمر أمر أن يقرأ عند قبره سورة البقرة وكان الإمام أحمد ينكر ذلك أولاً حيث لم يبلغه فيه أثر ثم رجع عن ذلك وكما قلت وهذا الكلام الذي ينقله الإمام ابن القيم والذي نقله أئمتنا عن الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله.

وقال الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) : رخص فيها- يعني في القراءة على القبور - الإمام أحمد في الرواية الأخرى؛ لأنه بلغه أن ابن عمر أوصى بذلك، أن يقرأ على قبره بفاتحة البقرة وخاتمتها، وروي عن بعض الصحابة قراءة سورة البقرة، والقراءة عند الدفن مأثورة في الجملة، ويروي الإمام الخلال كما قلت في كتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وفي كتاب (الجامع) وينقل هذا عنه الإمام ابن القيم أيضاً يقول عن الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني وهو من أئمة الشافعية الكبار ومن تلاميذ الإمام الشافعي توفي سنة ستين ومائتين للهجرة 260هـ -عليهم جميعاً رحمة الله- وحديثه مخرج في صحيح البخاري، والسنن الأربعة، قال: سألت الشافعي عن القراءة عند القبر فقال لا بأس بها،، فالشافعي يقرر هذا في كتابه وينقله عنه تلاميذه وينقله الخلال عن الزعفراني، وكما قلت الخلال توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة للهجرة 311هـ والزعفراني سنة ستين ومائتين 260هـ فبين وفاتهما وقت قصير والإمام الخلال أدرك من حياة الإمام الزعفراني ستاً وعشرين 26 سنة لأنه ولد سنة أربع وثلاثين ومائتين للهجرة 234هـ والإمام الخلال توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة 311هـ ثم قال: وذكر الخلال عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرءون عنده القرآن. إخوتي الكرام: كما قلت هذه هي أقوال أئمتنا -رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين- في هذه المسألة فهل يصح بعد ذلك أن تقول: إنها بدعة وأن فاعل ذلك مبتدع؟! لا ثم لا، تحتمله الأدلة وينقل عن سلفنا ثم يوجد في هذا الحين من يبدع من يفعل ذلك ويصف هذا الفعل بالبدعة، هذا شطط نحو رسم البدعة وحدها وإدخال في البدعة ما ليس منها. كل ما احتمله الدليل، وقال به إمام جليل فقد خرج عن كونه بدعة.

إخوتي الكرام: وعند الختام ختام الكلام على هذه المسألة أقول كلمة موجزة، إن القراءة ما أوجبها أحد وما قال إنها فرض وليس في فعلها حرج، فإن فعلتها فقد أحسنت وإلا فما عليك لوم ودع الأمة في سعة، وإذا كانت نفسك لا ترتاح إلى هذا فما أحد أوجب ذلك عليك، لكن اترك أمة النبي –صلى الله عليه وسلم- في بحبوحة وسعة كما نقل عن سلفها وكما قرر أئمتها ولا تصولن عليهم ما بين الحين والحين بالتبديع والتضليل والتخريف وقد شهد لصحة فعلهم نصوص الشرع المطهر وفعل السلف الكرام وقرر ذلك أئمة الإسلام.

إخوتي الكرام: كما قلت ما أوجب ذلك أحد وما قال إنه فرض وليس أيضاً في فعله حرج ولذلك ينبغي أن تتسع صدورنا لهذا الأمر الذي قرره أئمتنا، كنت مرة في مدينة نبينا -عليه صلوات الله وسلامه- في زيارة موتى المسلمين من الصحابة فمن بعدهم -رضوان الله عليهم أجمعين- في البقيع وحضرت جنازة دفنت بعد صلاة الفجر في البقيع الطيب المبارك وبعد أن انصرف الناس وقف بعض أهل الموتى وأخرج مصحفاً يقرأ بصوت خافت لا يسمعه من بجواره فمر به بعض الناس وأنكر عليه وقال: هذه بدعة، وهذا ضلال وبدأ يتهجم عليه بالعبارات القاسية، فالرجل خاف وقال: جزاك الله خيراً ووضع المصحف في جيبه، لكنه تلقى هذا الحكم من شيوخه وهو على بينة من أمره ولم يترك ما هو عليه، لكنه لا يريد أن يدخل مع هذا المنكِِِر في جدال وقيل وقال، فبعد أن انصرف هؤلاء وهذا المنكِر وكانوا ثلاثة وقد كادوا أن يصلوا إلى باب البقيع ليخرجوا منه وقف الرجل مكانه وأخرج المصحف وبدأ يقرأ فعادوا إليه فأسمعوه من الكلام الغليظ والسب حقيقة ما لا ينبغي أن يقوله مسلم، فكيف في مدينة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكيف مع الصحابة الكرام والموتى بعد ذلك من المسلمين في هذا المكان وأنا أراقب المشهد من أوله لآخره فدخلت معهم في الكلام قلت: إخوتي لم تنكرون؟ قالوا هذا بدعة وضلال ولا يجوز أن يفعل، قلت: ومن قال إنه بدعة؟ هل عندكم دليل من كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- وكلام سلفنا في الزجر عن هذا؟ قالوا: أنت ما دليلك على الجواز؟ قلت هذا منقول عن سلفنا وفيه سعة إن شاء الله، قالوا عمن نقل؟ قلت نقل عن ابن عمر -رضي الله عنهما- والأثر ثابت عنه، قالوا: مذهب الصحابة ليس بحجة، قلت: قرره الإمام المبجل أحمد بن حنبل، وعلى هذا المذهب الحنبلي بكامله أن قراءة القرآن عند القبور جائزة، هذا في المغني، قالوا: كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا المصطفى -عليه الصلاة والسلام-، فالإمام أحمد ليس بحجة.

قلت ننتقل إلى القرن الثامن الإمام ابن تيمية الذي آلت أيضاً إليه أقوال السلف قال: إن القراءة عند القبور وقت الدفن مشروعة في الجملة ونقلت عن السلف. قالوا: ابن تيمية ليس بحجة. قلت: من الحجة؟ قالوا القرآن والسنة، قلت: على العين والرأس، نعم ما تحتكمون إليه، لا نريد الصحابة على حسب قولكم ولا أئمة الإسلام من متقدمين ومتأخرين كتاب وسنة، أنا وأنتم ما الدليل على المنع؟ هاتوا دليلاً، قالوا: قول الله في سورة (يس) {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ} (¬1) قلت: ما وجه الاستشهاد بهذه الآية وأن قراءة القرآن ممنوعة؟ قالوا: نزل القرآن لإنذار الأحياء ولا يجوز أن نقرأه على الأموات. قلت: ما رأيكم لو قرأناه على المرضى من أجل أن يحصل الشفاء لهم؟ فأجاب واحد منهم، قال: لا يجوز أن نقرأه على المرضى من أجل أن يحصل الشفاء لهم، قلت: يا عبد الله أنت خالفت القرآن والسنة الآن في هذه الفتيا أما قال الله {وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} (¬2) ؟ أما ثبت عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي ذكرته آنفاً [وما أدراك أنها رقية] وقد رقى أبو سعيد الخدري اللديغ بسورة الفاتحة، وأخذ ثلاثين رأساً من الغنم، فقال له من معه: هداك الله يجوز قراءة القرآن للرقية، قلت: يجوز أم لا؟ اثبتوا على قول، قال: يجوز، قلت: إذاً قول الله -جل وعلا-: {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ} (¬3) . ¬

_ (¬1)) ) سورة يس: 70 (¬2)) ) سورة الإسراء: 82 (¬3)) ) سورة يس: 70

نزل القرآن للإنذار ونزل للتبشير ونزل للاستشفاء به ولحصول البركة، نعم من أعظم مقاصده إنذار الأحياء ولكن ليس لذلك فقط، فلم تستدلون بالآية التي لا دليل فيها على وهمكم ? لكن قلت لهم: هذا القول سبقكم به من سبقكم من المعاصرين في هذه الأيام وأنتم ترددون كلامه تقليداً دون وعي ودون علم، ما وجه الاستدلال بهذه الآية على أنه لا يجوز قراءة القرآن على الموتى؟ ثم قلت: إخوتي الكرام اعرفوا قدركم فعل ينقل عن سلفنا ويقرره أئمتنا وكل واحد منكم يرفع صوته بين الموتى ويقول: لا يجوز، اتقوا الله في أنفسكم، فقام واحد منهم وقال كلمة لنرى إخوتي الكرام كيف ننحرف عن شريعة الله عندما لا نحكم شريعة الله في حياتنا وكم من إنسان يدعو إلى السنة وإلى السلفية وقد نبذهما وراء ظهره وكم من إنسان يدعو إلى تحكيم القرآن وقد جعل القرآن وراء ظهره، كم؟ قال لي بعد ذلك: يا عبد الله هذه بلادنا نفعل فيها ما شئنا إن أعجبك وإلا بعبارات قاسية كذا وكذا، قلت غفر الله لي ولكم جعلنا الله إخوة متحابين {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (¬1) . ثم بعد ذلك أنتم جئتم تفصلون المؤمنين إلى هذه الفواصل يا عبد الله كنا نتكلم في مسألة ولو لم تسلموا بجوازها فغاية ما تقولون: إنني مبتدع وإذا كنت مبتدعاً لازلت ضمن دائرة الإسلام وأنا مسلم وأنتم مسلمون، أما الآن انفصلنا فما بقى رباط بيننا، قلت: يا إخوتي الكرام كنا نتكلم ضمن الإسلام خرجنا الآن إلى الكفر وأنا أقول إن هذا القول الجاهلي لا يقره العاقلون الصالحون في مدينة نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام- ولا في أي مكان فالمؤمنون اخوة ونحن لا يحجز بين إخوتنا مع إخواننا شرقاً وغرباً لا حاجزً ولا حدً ولا قيدً ومن صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته. ¬

_ (¬1)) ) سورة الحجرات: 10

لكن كما قلت: انظر لمنطق الجاهلية عدم تسليم لأئمة الإسلام ثم يريد أن يرجع الأمة من أولها إلى آخرها لفهمه السقيم، ثم بعد ذلك كأنه يريد أن يخرج من حظيرة الدين، بلادنا وبلادك ونفعل وتفعل. إخوتي الكرام: لابد كما قلت من أن نعي هذا الأمر ما احتمله الدليل وقال به إمام جليل خرج من رسم البدعة وإذا لم نقل بهذا فيبدع بعضنا بعضاً ويلعن بعضنا بعضاً ويريق بعضنا دماء بعض فاتقوا الله في أنفسكم وفي أمة نبيكم -عليه الصلاة والسلام-، ويترتب على هذه المسألة، مسألة التلقين إذا مات الميت نقوم على قبره ونلقنه بما سأذكره إن شاء الله، أما مسألة التلقين فقد ورد بها حديث ضعيف وكما قال أئمتنا في الفضائل يتسامح في الأحاديث الضعيفة والحديث الضعيف شهد له شواهد صحيحه هذا الدليل الأول حديث ضعيف يتسامح به أصالة ولو شاهد. والدليل الثاني: فعل السلف في التلقين، فانتبه لهذه المسألة التي تترتب على المسألة الأولى. أما الحديث -إخوتي الكرام- فقد رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، ورواه ابن منده في كتاب (الروح) ، ورواه الإمام الخلال أيضاً عن أبي أمامة -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم قال: [إذا دفنتم الميت فقوموا عند رأسه فليقم أحدكم عند رأسه وليقل يا فلان ابن فلان فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل يا فلان ابن فلانه فإنه يجلس قاعداً ثم ليقل يا فلان ابن فلانه يقول أرشدنا رحمك الله ولكنكم لا تسمعون ثم ليقل بعد الثالثة يا عبد الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا أنك تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً وبالقرآن إماماً فإذا قيل له ذلك يقول منكر ونكير لبعضهما ماذا قعودنا عند رجلٍ قد لقن حجته فيفارقانه ويكون الله حجيجه دونهما فالله هو الذي يتولى الجواب وهو الذي يثبت الميت بعد ذلك في القبر] .

هذا الأثر إخوتي الكرام إسناده ضعيف كما قرر أئمتنا وقال الحافظ في تلخيص الحبير الجزء الثاني صفحة ثلاث وأربعين ومائة 2/143 إسناده صالح وقواه الضياء المقدسي في أحكامه وله شواهد وهذا ما قرره أئمة الإسلام كالإمام النووي، وابن القيم، وابن تيمية -عليهم جميعاً رحمة الله- ومن شواهد هذا الأثر ما سأذكره فانتبهوا له إخوتي الكرام.

الشاهد الأول: ثبت في مسند الإمام أحمد، وصحيح مسلم عن عمرو ابن العاص -رضي الله عنه وأرضاه- في حالة احتضاره عندما احتضر وكان التابعون والصحابة معه في حال السياق فبكى -رضي الله عنه- طويلاً وكثيراً ثم حول وجهه إلى الجدار وهو يبكي فقال له ولده عبد الله يا أبتاه ما يبكيك أليس قد بشرك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بكذا وكذا فأقبل على الحاضرين بوجهه وقال (إن أفضل ما نُعِد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ثم قال: كنت على أطباق ثلاثة الحالة الأولى التي كان عليها: رأيتني أشد الناس بغضاً للنبي -عليه الصلاة والسلام- وكنت أتمنى أن أتمكن منه لأقتله وهي الحالة الأولى، قال ثم جعل الله الإسلام في قلبي فجئت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقلت: يا رسول الله مد يدك ابسط يدك فلأبايعك فمد النبي -عليه الصلاة والسلام- يده، فقبضت يدي قال: مالك يا عمرو؟ قلت: يا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أريد أن أشترط. قال: تشترط ماذا؟ قلت: أشترط أن يغفر لي ما مضى من حياتي الجاهلية تزيد على عشرين سنة يقاتل النبي -عليه الصلاة والسلام- وأسلم في العام الثامن من الهجرة بعد بعثة نبينا -عليه الصلاة والسلام- بواحد وعشرين سنة، أريد أن يغفر لي قال: يا عمرو أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، وأن الحج يهدم ما قبله؟ قال عمرو بن العاص فما كان أحد أحب إلي من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وما كان أحد أحلى في عيني منه. والله ما استطعت أن أملأ عيني من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إجلالاً له ولو قيل لي صفه لما استطعت أن أصفه لأنني لم أملأ عينيَّ من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلو مت على تلك الحالة لرجوت أن أكون من أهل الجنة، هذه هي الحالة الثانية.

قال: ثم ولينا أعمالاً ما أدري حالنا فيها وهي الطبقة والحالة الثالثة التي يتصف بها عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه- ثم قال لولده وللحاضرين إذا أنا مت فلا يصحبنيّ نار ولا نائحة وإذا دفنتموني فسنوا عليَّ التراب سناً ثم أقيموا عند قبري) وهذا في صحيح مسلم قدر ما ينحر جزور ويوزع لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر بماذا أراجع به رسل ربي بعد الدفن أقل شيء تقيمون عند قبري بمقدار ذبح الجزور وتوزيع لحمها وهذا أقل ما يكون ساعة وإذا جلس الناس هذه الساعة ماذا سيفعلون؟ سيتكلمون في حديث الدنيا يقرءون القرآن ويصلون على النبي -عليه الصلاة والسلام- يسألون له التثبيت يدعون له؟ فأقيموا عند قبري بمقدار ما تنحر جزور ويوزع لحمها. قال شيخنا المبارك الشيخ محمد الأمين -عليه رحمات رب العالمين- في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن في الجزء الرابع صفحة سبع وثلاثين وأربعمائة 4/437 وهذا الأثر عن عمرو ابن العاص له حكم الرفع إلى نبينا -عليه الصلاة والسلام- فنحن نجزم ضرورة بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعلم أمته وأصحابه أن الميت يستأنس بأصحابه عندما يكونون حوله، هذا كلام عمرو، وعمرو لا يمكن أن يقول هذا من قبل رأيه إنما هذا تلقاه من النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا له حكم الرفع لا يجوز لصحابي أن يتكلم في مُغَيّب من طريق رأيه واجتهاده وتخرصه فكأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لأمته: إذا [دفن الميت اجلسوا عنه وأقيموا عنده هذا المقدار من أجل أن يستأنس بكم من أجل أن يحصل له تثبيت بحضوركم] كيف لا وإذا كنا نصلي عليه ونطلب له الشفاعة فلنواصل هذه الشفاعة بعد ذلك ورحمة الله -جل وعلا- واسعة، هذا الشاهد الأول وكما قلت هو في المسند وصحيح مسلم.

والشاهد الثاني: رواه الإمام أبو داود، والحاكم في المستدرك، والبهيقي في السنة، والبزار، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي، وقال الإمام النووي في المجموع إسناده جيد عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وأرضاه عن ذي النورين قال: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف على شفير القبر وقال [استغفروا لأخيكم وسلوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل] والحديث إسناده صحيح كالشمس وضوحاً وسطوعاً [استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل] إذاً عندما نلقن الميت فهذا من جملة تثبيته، فذاك الأثر الذي كما قلت إسناده ليس بالقائم وابن حجر يقول إسناده صالح يشهد له أثر عمرو ويشهد له حديث عثمان -رضي الله عنهم أجمعين- ونقل مثل هذا آثار كثيرة من سلفنا الكرام رواها سعيد بن منصور وغيره في سننه بأن يحصل تثبيت للميت عند جلوس الناس حوله وعند تلقينهم له لا إله إلا الله محمد رسول الله ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد -عليه الصلاة والسلام-. إخوتي الكرام: هذا الأمر كما قلت الذي نقل عن هؤلاء السلف ويشهد لذلك الحديث نقل أيضاً عن السلف الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- وقرروه واستحبوه.

الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) في الجزء الرابع والعشرين صفحة تسع وتسعين ومائتين 24/297 يقول: (وهذا التلقين فعله أبو أمامة من الصحابة وفعله واثلة بن الأصقع -رضي الله عنهم أجمعين- وغيرهما هذا كلام الإمام ابن تيمية بالحرف والتحقيق أنه جائز يجوز أن نلقن الميت وهذا ثبت عن أبي أمامة وثبت عن واثلة بن الأصقع وقال مثل هذا في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الحجيم) في صفحة ست وعشرين وثلاثين صـ 326 بأن التلقين جائز ونقل عن السلف الكرام وهذا الذي اختاره قال أكثر الحنابلة وقرره علماء الإسلام وهذا هو الموجود في المغني ونقله من القاضي أبى يعلى وأبي الخطاب، وهذا هو الذي قرره شيخ الإسلام الإمام النووي -عليهم جميعاً رحمة الله-، وهو الذي قرره الإمام ابن القيم في كتاب (الروح) فقال -رحمه الله ورضوانه عليه- في صفحة ثلاث عشرة صـ 13 قال كلاماً ينبغي أن نعيه في هذه الأيام لنرى حال من يبدع من يفعل ذلك ويتهجم على سلفنا الكرام يقول الإمام ابن القيم: ويدل على هذا أي أن الميت يستبشر بزيارة الحي ويسمعه ويسمع ما يجري حوله ما جرى عليه على الناس قديماً وإلى الآن من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة وكان عبثاً وقد سئل عنه الإمام أحمد -رحمه الله- فاستحسنه واحتج عليه بالعمل، أي: الإمام أحمد يستحسن التلقين ويقول عمل المسلمين عليه ويروى فيه حديث ضعيف ذكره الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة، وكما قلت رواه ابن منده، ورواه الخلال وغيرهم -عليهم جميعاً رحمة الله- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: [إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ثم ليقل يا فلان بن فلانة الثانية فإنه يستوي قاعداً ثم ليقل يا فلان ابن فلانة يقول أرشدنا رحمك الله ولكنكم لا تسمعون فيقول أذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله

إلا الله وأن محمد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ –صلى الله عليه وسلم- نبياً وبالقرآن إماماً فإن منكراً ونكير يتأخر كل واحد منهما ويقول انطلق بنا ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون الله حجيجه دونهما] فهذا الحديث، هذا كلام ابن القيم -عليه رحمة الله- وإن لم يثبت: أي من حيث السند فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير نكير كافٍ في العمل به، وما أجرى الله العادة قط بأن أمة طبقت مشارق الأرض ومغاربها وهي أكمل الأمم عقولاً وأوفرها معارف تطبق على مخاطبة من لا يسمع ولا يعقل وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكر بل سنة الأول للآخر ويقتدي فيه الآخر بالأول ثم ذكر الشواهد له أثر عثمان الذي تقدم معنا وأثر عمرو بن العاص -رضي الله عنهم أجمعين-. وهذا إخوتي الكرام هو الذي قرره كما قلت أئمة الإسلام يقول الإمام النووي في (المجموع) وفي (الروضة) وفي (الأذكار) هذا التلقين استحبه جماعة كثيرون من أصحابنا، قال الإمام ابن الصلاح: هو المختار وهو الذي نعمل به ثم قال: روينا فيه حديثاً وهو حديث أبي أمامة الذي تقدم معنا وليس إسناده بالقائم لكن اعتضد بشواهد ويعمل به أهل الشام قديما، قلت القائل هو الإمام النووي: وإن كان الحديث ضعيفاً فيستأنس به وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب وقد اعتضد بشواهد من الأحاديث منها حديث سلوا الله له التثبيت، ومنها وصية عمرو وهما أثران صحيحان ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يقتدي به وإلى الآن، وكما قلت هذا الذي قرره سائر أئمة الإسلام -رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين- وشيخنا المبارك كما قلت في أضواء البيان بعد أن بحث في هذه المسألة إخوتي الكرام ونقل نصوص أئمة الإسلام في قرابة ثلاث صفحات في مشروعية التلقين واستحبابه. قال وإيضاح كون الشواهد تشهد للتلقين أن حقيقة التلقين مركب من أمرين.

الأول: كون الميت يسمع ما يقال عنده. الثاني: كون الميت ينتفع بالتلقين. قال وكل من الأمرين ثابت في الجملة، أما أن الميت يسمع ما يجري حوله فهذا ثابت في الأحاديث الصحيحة ولا ينكره إلا مكابر ضال. ثبت في المسند، والصحيحين، وسنن أبي داود، والنسائي من رواية أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: [إن الميت إذا قبر وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم فيأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم محمد -عليه الصلاة والسلام-، فأما المؤمن فيقول هو عبد الله ورسوله آمنا به واتبعناه، فيقولان له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة فيراهما معاً، وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري، أقول ما قال الناس فيقولان لا دريت ولا تليت فيضربانه بمطرقة معهما بين أذنيه يصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين] والحديث كما قلت في الصحيحين، يسمع قرع النعال، والحديث رواه الإمام أحمد، وأبو داود عن البراء بن عازب [يسمع خفق نعالهم] ، ورواه الإمام أحمد أيضاً، والبزار، والطبراني في معجمه الأوسط، وفي صحيح ابن حبان أيضاً عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، ورواه الطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن ابن عباس -رضي الله عنهم أجمعين-[أن الميت يسمع خفق النعال وقرع النعال] فإذا سمع الميت قرع النعال ألا يسمع صوت الفم إذا لقناه وقلنا يا عبد الله [اذكر ما خرجت عليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله-عليه الصلاة والسلام-] ،، الذي يسمع قرع نعلك ألا يسمع صوت فمك، إنه يسمع هذا من باب أولى.

والأمر الثاني: انتفاع الميت بالتلقين، هل ينتفع؟ قال شيخنا كما قلت: كل من الأمرين ثابت في الجملة، فإذا شرع لنا نبينا -عليه الصلاة والسلام- الدعاء له بالتثبيت وقلنا إن الحديث صحيح، لماذا هذا؟ لينتفع به وليحصل الخير له، فإذا كنا نسأل الله له التثبيت وينتفع بسؤالنا فنلقنه وينتفع بتلقيننا، فكما انتفع بذلك القول ينتفع بهذا القول، وكما سمع قرع النعال يسمع صوت الفم، كل من الأمرين ثابت كما قلت في الجملة فعلام الإنكار؟ وأريد أن أعلم -إخوتي الكرام- أي بدعة تحصل لو أن الإنسان عندما يقبر وقف الحاضرون وقالوا هذا الكلام الموجز بهذا الكلام المحكم، يا عبد الله أذكر ما خرجت عليه من الدنيا أنك تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، أي بدعة في ذلك يا من تخرفون وترمون من يفعل هذا بالبدعة، أي بدعة وأي لفظ فيه محظور، ثم يا عبد الله أذكر أنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ -عليه الصلاة والسلام- نبياً وبالقرآن إماما، والله إن هذا الكلام إن لم ينفعه فلن يضره ولن يرتكب أحد من الحاضرين حرجاً، وأنا أعجب غاية العجب كيف ترك الناس هذا. إخوتي الكرام: من أثر لفظ ينتشر هنا وهناك ولا صحة له وهذا الذي قرره أئمتنا وهذا الموجود في كتب علمائنا وهذا الذي نقل عن سلفنا -رحمة الله عليهم أجمعين- إذا كان شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية قد قال بعد أن آلت إليه هذه الأقوال: هذا والتحقيق أنه جائز، يأتيك من يأتيك في هذه الأيام ويقول: وإن قال الإمام ابن تيمية إن التلقين جائز فهو بدعة، قال الإمام ابن تيمية جائز أو لم يقل لا علاقة لنا به، لم بدعة؟ ما الدليل؟ هل ورد نهي عن ذلك إخوتي الكرام؟ نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يحسن ختامنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

وأما المسألة الثالثة: التي تتعلق أيضاً بزيارة القبور، ألا وهي سماع الموتى وانتفاعهم بما يجري حولهم من خيرات وطاعات أترك الكلام عليه للموعظة الآتية لتحقيق الكلام واستعراض أدلة القرآن وأحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام- التي تقرر هذا القول. أسأل الله إن أحيانا أن يحيينا على الإسلام وإن أماتنا أن يتوفانا على الإيمان إنه رحيم رحمن ذو الجلال والإكرام. أقول هذا القول واستغفر الله،،، الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إخوتي الكرام: لوضع الأمر في نصابه وفي موضعه، ما كان بدعة -كما قلت- نقول إنه بدعة، وما ورد النهي عنه فلا يجوز لأحد أن يبيحه، لكن ما احتملته الأدلة الشرعية وقاله علماء الشريعة الإسلامية، فتأدب معهم سواء فعلت ذلك أو لم تفعل، نعم ما كان منكراً ننكره وإن فُعل من قبل من فعل وقد نلتمس عذراً للفاعل لنسقط اللوم عنه لا لنحتج بفعله، فاستمع لما يقوله أئمتنا نحو هذا الحكم الموجز (القبر لا يجوز أن يجصص ولا أن يبنى عليه ولا يجوز أن يكتب عليه وقد ثبت ذلك عن نبينا -عليه الصلاة والسلام-) فلا كلام لمتكلم بعد ذلك.

ثبت في صحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد، والسنن الأربعة، والحديث في المستدرك، وسنن البيهقي، ورواه الطحاوي في (شرح معاني الآثار) عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم-[نهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه] لا يجوز أن يجصص ولا أن يبنى ولا أن يقعد على القبر، زاد أهل السنن والحاكم في المستدرك والبيهقي والطحاوي [وأن يكتب عليه] ، لا يجوز الكتابة على القبر وما يكتب من آيات قرآن ومن مواعظ ومن أبيات أشعار كلها بدعة وضلال، فما كان بدعة فهو بدعة وما لا يدخل في رسم البدعة لابد من أن نقف عند حدنا، انتبه لكلام الحاكم في المستدرك ولتعليق أئمتنا على كلامه قال الحاكم بعد أن ذكر هذا الحديث قال (وهذه أسانيد صحيحة وليس العمل عليها فإنه لم يزل يكتب على القبور أئمة المسلمين في الشرق والغرب) كأنه يريد أن يقول هذه أحاديث وإن نهت عن الكتابة على القبر فقد كتب على قبور أئمتنا، فإذاً ليس العمل على هذه الأحاديث لا ثم لا. فاستمع لتعليق الذهبي ولكلام أئمتنا قال الذهبي (قلتُ ما قلتَ طائلاً أي ما قلتَ كلاماً معتبراً له وزن يقبل ما قلتَ طائلاً وهل فعل ذلك صحابي؟ هل هذا الفعل فعله أحد الصحابة الكرام، إنما فعل ذلك بعض التابعين ممن لم يبلغهم النهي واقتدى بهم بعض المتأخرين فإذا فعل هذا ممن لم يبلغه النهي غاية ما نقول إن شاء الله لا يعاقب لأنه لا يعلم النهي لكن هذا الفعل لا يجوز، أما أن يقال هذا، كتب على قبور أئمة المسلمين فليس العمل إذاً على ما ثبت عن نبينا الأمين -عليه الصلاة والسلام-، لا ثم لا.

وكما قلت نزل بالقسطاس المستقيم، لا بد من التفريق بين ما هو بدعة وما قال أئمتنا إنه بدعة، وهذا ما هو مقرر في كتب المذاهب الأربعة لا يكتب على القبر ولا يرفع ولا يبنى ولا يجصص وعليه إذا قال قائل كتب على قبور بعض أئمة المسلمين نقول ما قلت طائلاً إما أنه فعل هذا بغير علمه ولو قدر أنه أوصى أن يكتب شيء على قبره لعله ما علم النهي أو علمه ونسيه وذهل عنه فهو إن شاء الله معذور، لكن لا يقتدى به في هذا العمل المرذول، هذا عمل يخالف شريعة النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يعول على عمل أحد كان، فلابد من التفريق إخوتي الكرام بين ما شهد له الدليل وقال به إمام جليل وبين ما نهانا عنه نبينا الجليل عليه صلوات الله وسلامه، ثم فعل في العصور المتأخرة فلا يجوز أن نحتج بفعل المتأخرين لنلغي كلام نبينا الأمين -عليه الصلاة والسلام-، وكما قلت نزن الأمور بالقسطاس المستقيم فما ضاد السنة الثابتة ما رفعها ما رغمها ما ألغاها هو بدعة ضلال ممن صدر، نعم قد يكون لفاعله عذر عند ربه لكن نحكم على هذا الفعل بأنه بدعة وبأنه لا يجوز وبذلك كما قلت نكون من المقتصدين المعتدلين لا نُفْرِط ولا نُفَرِّط. نسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يلهمنا رشدنا وأن يجعل هوانا تبعاً لشرع نبينا -عليه الصلاة والسلام-، وأن يرزقنا كلمة الحق في الغضب والرضا، وأن يرزقنا القصد في الغنى والفقر إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلِّ الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، والحمد لله رب العالمين.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} (¬1) ¬

_ (¬1)) ) سورة الإخلاص: 1 - 4

فضل النفقة الواجبة

فضل النفقة الواجبة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان فضل النفقة الواجبة 17 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عيه ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين مشرع لنا ديننا قويماً وهدانا صراط مستقيم وأصبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتاب مبين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبياً محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيننا عمياً وأذاناً صماً وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا من أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2) سورة النساء: 1 (¬3) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) . أما بعد: معشر الأخوة المسلمين.. أحب البقاع إلى الله جل وعلا وأفضل البقاع في هذه الأرض المساجد فهي بيوت الله وفيها نوره وهداه وإليها يؤوي المؤمنون الموحدون المهتدون وقد نعت الله من يأوي إلى بيوته بأنهم رجال ثم وصفهم بأربع خصال لا تلهيهم الدنيا- ويذكرون الله ويصلون له ويشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم ثم يستعدون بعد ذلك للقاء ربهم {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (¬2) . وقد تدارسنا إخوتي الكرام الصفتين الأوليين من صفات هؤلاء الرجال أن الدنيا لا تلهيهم وأنهم بعد ذلك يصلون لله جل وعلا ويعظمونه ويعرفون حقوق الله عليهم وكنا نتدارس الصفة الثالثة ألا وهي إيتاء الزكاة وقد مضي الكلام على هذه الصفة في موعظتين اثنتين مضى الكلام على سبب اقتران الزكاة بالصلاة – في هذا الموضع وعلى فريضة الزكاة ووجوبها وعلى التحديد من عدم إخراجها. ثم تدارسنا بعد ذلك إخوتي الكرام النفقات التي أوجبها الله على أهل الإسلام من زكاة واجبة ومن نفقات على الأهل ومن حقوق واجبة طارئة تجب على الإنسان إذا تعينت. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب 70، 71 (¬2) سورة النور: 36، 37

وسنتدارس في هذه الموعظة إن شاء الله فضل النفقة الواجبة وإذا مد الله في أعمارنا نتدارس في الموعظة الآتية فضل الصدقة المندوبة ثم ننتقل بعد ذلك إلى مدارسة الصفة الرابعة من صفات هؤلاء الرجال الأبرار عباد الله إخراج النفقة الواجبة له أجرٌ عظيم – عند رب العالمين فمن فعل هذا لن يخاف مما يستقبله ولن يحزن على ما يخلفه وقد ضمن الله له أجره عنده كما قرر ربنا جل وعلا هذا في سورة البقرة فقال بعد أن حذر من الربا وزجر عنه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ} - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬1) . فمن أعطى الزكاة ودفعها كما أوجب الله وشرعها له أجرٌ عظيم عند رب العالمين فالتمرة الواحدة كما تقدم معنا يبارك له فيها وهكذا اللقمة حتى تكون أكبر من جبل أحُد {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فما يستقبله من شدائد ومكروهات فالله سيتولى أمرهم ويدخلهم نعيم الجنات ولا هم يحزنون على ما يخلفونه من مالٍ وأهل وولد فالله وكيلهم على ذلك وهو خير الحافظين سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬2) . ¬

_ (¬1)) ) سورة البقرة: 276، 277 (¬2)) ) سورة البقرة: 276، 277

وقد ذكر الله جل وعلا في مطلع هذه السورة الكريمة أعني سورة البقرة أن من صفات المتقين أنهم يخرجون الحق الواجب من أموالهم كما شرع رب العالمين {الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (¬1) . فمن صفات هؤلاء الأخيار أنهم يخرجون من أموالهم ما أوجبه عليهم العزيز الغفار {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} وهذا شامل لأمرين اثنين كما ذهب إلى ذلك شيخ المفسرين الإمام الطبري عليه رحمة الله شامل لإخراج الزكاة الواجبة وشاملٌ لإخراج النفقة الواجبة على النفس والزوجة والأولاد ويفهم من كلام الإمام ابن كثير الميل إلى هذا والآية تشمل هذا قطعاً وجزماً لكنها تدل على ما هو أوسع من هذا كما ذهب إليه الإمام القرطبي عليه رحمة الله فالآية تشمل النفقات الواجبة الثلاثة تشمل الزكاة الواجبة ذات النصب المحددة المقدرة. تشمل النفقة الواجبة على النفس والأهل والولد كما تشمل الحق الطارئ على الإنسان في حالة كما تشمل النفقة المستحبة المندوبة مغموم اللفظ شامل لجميع هذا ومما رزقناهم ينفقون من واجبات ومستحبات عبادة الله وإنما كان لإنفاق المال هذه المنزلة عند ذي العزة والجلال فله أجر عظيم عند الله ولا يخاف مما يستقبله ولا يحزن على ما يخلفه وهو من عباد الله المتقين إنما كان الأمر كذلك لأن المال محبوب محبوب إلى النفس هو محبوب ومرغوب ومن أجله كره كثيراً من الناس لقاء علاّم الغيوب وركنوا إلى هذه الحياة من أجل هذه الدريهمات وعليه. ¬

_ (¬1)) ) سورة البقرة: 1- 5

إخراج هذا المال حقيقة برهان على محبة ذي العزة والجلال فالإنسان عندما يخرج هذا المال كما شرع ربنا جل وعلا ببرهان ذلك على محبته لربه جل وعلا فلا يترك الإنسان محبوباً إلا كما هو أحب عنده لديه فإذا ترك هذا المال وهو محبوب عند النفس دل على أن محبته لله جل وعلا هي المحبة الحقيقية الكاملة وأما هذا المال فلا يتصرف فيه إلا كما يريد ذي العزة والجلال والصدقة ببرهان وفيها تزكية لنفس الإنسان ولذلك إذا أردت أن يرق قلبك وأن يخشع وأن تكون محبوب عند الله جل وعلا فأكثر من هذه الصدقة. ثبت في مسند الإمام أحمد بسند رجاله رجال الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكى إليه قسوة القلب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ضع يدك على رأس اليتيم وأطعم المسكين والحديث صحيح إخوتي الكرام إذا أرت أن يرق قلبك لا طف اليتيم وأحنو عليه واشفق عليه فضع يدك على رأسه براً ومآنسه وملاطفة وأطعم بعد ذلك المساكين إذا أرت أن يرق قلبك ضع يدك على رأس اليتيم وأطعم المسكين. نعم إخوتي الكرام: إن من يتصدق ويبذل المال في سبيل ذي العزة والجلال وكما شرع الله جل وعلا يدفع غضب الله عنه ويحصل له رضى الله جل وعلا كما ثبت في سنن الترمذي وصحيح ابن حبان والحديث حسن من رواية أنس رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء " –الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء فيذهب غضب الله عنك عندما تتصدق ويجعل لك رضاه ثم بعد ذلك تحفظ منه ميتة السوء التي تسوؤك في العاجل والآجل. الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء.

أخوتي الكرام: قد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن من أسباب دخول الجنة ومن شروط دخولها إيتاء الزكاة كما شرع الله جل وعلا وأوجب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبين هذا في المواسم العامة الجامعة لأن هذه الأمة شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام وهي إحدى دعائم الإسلام التي يقوم عليها ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وصحيح بن حبان ومستدرك الحاكم وإسناد الحديث صحيح عن أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في حجة الوداع أيها الناس اتقوا الله اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلون جنة ربكم أداء الزكاة سبب لدخول الجنة ولحصول رضوان الله أدوا زكاة أموالكم وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لمن حافظ على الزكاة وغيرها من شعائر الإسلام بأن له أجر الصديقين عند رب العالمين. ثبت في مسند البزار وصحيح بن خزيمة وصحيح ابن حبان وإسناد الحديث صحيح كالشمس من رواية عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه وأرضاه قال جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الصلوات الخمس وأخرجت الزكاة وصمت رمضان وقمته أين أنا – وممن أكون فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت من الصديقين والشهداء إذا شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ثم بعد ذلك صليت الصلوات الخمس صمت رمضان وقمته أخرجت الزكاة أنت من الصديقين والشهداء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرر هذا في أحاديثه الكثيرة فإذا سأل عليه صلوات الله وسلامه عما يدخل الجنة وعما يقرب إليها وعما يكون سببا لدخولها كان يبين عليه صلوات الله وسلامه إن إخراج الزكاة سببا لدخول الجنة.

ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، عباد الله إيتاء الزكاة وإخراجها سبب لدخول جنة الله جل وعلا وسبب لرضوان الله جل وعلا. والأحاديث في ذلك كثيرة وفيرة منها ما ثبت في سنن النسائي وابن ماجه والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان في صحيحه أيضاً والحاكم في مستدركه وإسناده الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين قالا خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته عليه صلوات الله وسلامه والذي نفسي بيده ثلاثاً ثم أطرق النبي صلى الله عليه وسلم وسكت قال أبو هريرة وأبو سعيد رضي الله عنهم أجمعين فأكب كل واحد منا يبكي حزناً على يمين رسول الله صلوات الله وسلامه ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه نرى في وجهه البشرى فقال عليه الصلاة والسلام ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية وقيل له أدخل بسلام وإذا صلى الصلوات الخمس صام رمضان إخراج زكاة ماله اجتنب بعد ذلك السبع الموبقات من الشرك بالله ومن السحر ومن قتل النفس ومن عقوق الوالدين ومن أكل مال اليتيم وأكل الربا ومن التولي يوم الزحف ومن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات.

كما ثبت التنصيص على ذلك من قوله خير البريات عليه صلوات الله وسلامه في المسند والصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين من فعل هذا فتحت له أبواب الجنة الثمانية وقيل له أدخل بسلام أخوتي الكرام هذا فيما يتعلق بإخراج الزكاة الواجبة من فضلٍ عظيم أوجبها الله علينا فيها تطهير لنا من رذيلة البخل والتعلق بهذه الدنيا فيها مواساة لعباد الله وربط بيننا وبين عباد الله جل وعلا برباط المحبة والود والوئام فيها بعد ذلك أجرٌ عظيم عظيم عند ذي العزة والإكرام فسبحانه أعطانا المال وسبحانه وشرع لنا ما يطهرنا من أرذل الخصال وما يؤلف بين قلوبنا وسبحانه كيف رتب بعد ذلك أجوراً عظيمة على إخراج هذا المال. إخوتي الكرام: وكنا أن هذا الأمر يجب للإنسان عندما يخرج الزكاة الواجبة فهذا الأمر أيضاً يجب عليه أيضاً وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في بيان الفضل العظيم الكثير لمن أخرج هذه الحقوق الطارئة إذا وجبت عليه فأجره أعظم. ماذا لم تجب وإذا لم تجب عليه فله أجر أيضاً عظيم كما سيأتينا في الموعظة الآتية عند بيان فضل النفقة المستحبة المندوبة عبادة الله مما ورد من أجر على الحقوق الطارئة التي تطرأ عليك غير الزكاة الواجبة ما ثبت في المسند والكتب للسنة عدا سنن أبي داود من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالقائم الليل والصائم النهار. أي له أجر المجاهد في سبيل الله وله أجر الذي يقوم الليل ولا يفطر وله أجر الذي يصوم النهار ولا يفطر فإذا تعينت عليك مساعدة يتيم مساعدة مسكين لك هذا الأجر العظيم عند رب العالمين وإذا لم يتعين إنما قمت به تطوع فلك هذا الأجر أيضاً وفضل الله عظيم عظيم.

وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأجر العظيم الذي يحصله من يكفل اليتيم ويحسن إلى المسكين في هذه الحياة ففي صحيح البخاري والحديث رواه الإمام أبو داود والترمذي وهو في مسند الإمام أحمد من رواية سهل بن سعد الساعدي رضي الله عن الصحابة أجمعين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين. وأشار النبي صلى الله عليه وسلم بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى وفرج بينهما عليه صلوات الله وسلامه والأحاديث في ذلك كثيرة وهذا اليتيم إذا قمت بكفالته لك هذا الأمر سواء كان يتيم لك من قرابتك وتجب نفقته عليك أو سواء كان يتيم من غير قرابتك وتجب نفقته عليك أو لا تجب لك هذا الأجر العظيم عند رب العالمين. ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه والحديث رواه الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى كافل اليتيم له أو لغيره كان هذا اليتيم مما تجب عليه نفقته وهو من قرابته كما لو كان هذا اليتيم أخٍ لك فمات أبوك وأنت قمت على كفلته ورعايته أو كان هذا اليتيم بعيدٍ عنك ليس بينك وبينه صلة نسب إنما بينكم صلة الإسلام ومساعدة في دين الرحمن كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى السبابة والتي تليها إخوتي الكرام وإذا تعينت كافله اليتيم على الإنسان وكان ضعيفاً فبذل جهداً في كاملته مع ضعفه له أجراً لا يخطر ببال أحد عند الله جل وعلا.

ثبت في مسند أبي يعلي بسند حسن من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أول من يفتح باب الجنة غير أني أرى امرأة تسابقني أرى امرأة تبادرني تريد أن تسبقني وأن تدخل قبلي فأقول لها ويحك من أنت فتقول أنا امرأة قعدت على أيتام لي سبحان الله. سبحان الله تساوي نبينا عليه الصلاة والسلام في دخول الجنة لهذا الأمر الذي قامت به أنا امرأة قعدت على أيتام لي. أنا أول من يفتح أبواب الجنة غير أني أرى امرأة تبادرني فأقول لها ويحك من أنت فتقول أنا امرأة قعدت على أيتام لي والحديث كما قلت اسناده حسن وقد روى في سنن أبي داود من رواية عوف بن مالك رضي الله عنه بإسنادٍ فيه ضعف ويشهد له الأثر المتقدم عن أبي هريرة رضي الله عنه في مسند أبي يعلي ولفظ رواية أبي داود عن عوف بن مالك رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا وامرأة سفعاء الخدين في الجنة كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى امرأة آمت من زوجها أي تأيمت ومات زوجها وهي ذات منصب وجمال فحبست نفسها على أولاداً لها صغاراً حتى ماتوا أو بانوا. ففرج عنها بزواج أو حسن حال هذه هي والنبي عليه صلوات الله وسلامه في الجنة كهاتين كما بين لنا النبي عليه الصلاة والسلام وقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرأة السفعاء الخدين أن في خديها كدرة وتغير وفيهما كُمدٌ أي ليس فيهما طراوة ولا بهجة ولا لينة لشدة العيش التي تقاسيه وتتحملها مع أولادها ولا يوجد من تتزين له فعندما تحملت شدة في هذه الحياة عوضها الله نعيم عظيم لا ينفذ بعد الممات وامرأة سفعاء الخدين عباد الله هذا أجرٌ عظيم أيضاً على النفقة الطارئة التي تجب عليك من يتيم قريب ينبغي أن تقوم به أمر من يتيم غريب ليس بينك وبينه قرابة في نسب لكن تعينت عليك مساعدته لعدم وجود من يكفله فكل هذا مما تحصل عليه هذه الأجور العظيمة عند الله جل وعلا.

وأما النفقة على الأهل من زوجة وأولاد ووالدين وغيرهما مما يجب عليك أن تنفق عليهم ففي ذلك أيضاً أجرٌ عظيم ثبت في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير والحديث إسناده حسن عن المقدام بن مسعد كرب رضي الله عنه يقول: "ما أطعمت به نفسك فهو صدقة وما أطعمت به زوجتك فهو صدقة وما أطعمت به ولدك فهو صدقة وما أطعمت به خادمك فهو صدقة". طعام واجب ينبغي أن تأكله وأن تقدمه إلى من تجب عليك نفقتهم ومع ذلك ضمن الله لنا هذا الأجر العظيم على هذه النفقة الواجبة التي نقدمها للزوجة والولد والخادم ولهذه النفس فعندما تطعم نفسك وأهلك لك صدقة عظيمة عند الله جل وعلا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن من يسعى في هذه الحياة ليُعف نفسه أو ليطعم أبويه أو لينفق على أولاده فلا ينقص أجره عن أجر المجاهد في سبيل الله جل وعلا. ثبت في معجم الطبراني الكبير والحديث في درجة الحسن عن كعب بن عجزة رضي الله عنه وأرضاه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر علينا رجل فأعجب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من جلده ونشاطه فقالوا ليت هذا يكون في سبيل الله أي ليته يخرج في القتال وفي الغزوات وفي السرايا فقال عليه الصلاة والسلام إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أولاد له صغار فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها في سبيل الله وإن كان خرج رياء وبطرا فهو في سبيل الشيطان، إذا عندما يحصل مالاً وينفق به نفقته واجبة على نفسه على عياله على والديه له أجر المجاهد في سبيل الله وله على هذه النفقة أجر عند الله جل وعلا والأحاديث في ذلك إخوتي الكرام كثيرة كثيرة فطيبوا نفساً بما تزكو وطيبُ نفس بما به تساعدون وطيب نفس بما تقدمونه إلى أهليكم وتنفقون.

ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا سعد إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك حتى ما تطعم به امرأتك حتى في أوقات المداعبة والملاعبة لوضعت في فمها حبة عنب فلك أجر عظيم عند رب العالمين: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ} (¬1) . إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك نعم إخوتي الكرام يؤجر الإنسان على ما ينفقه على أهله وهذا له أجر عظيم يفوق على أجر الصدقة النافلة عند رب العالمين لأن هذا نفقة واجبة. هذا حق واجب وأجر الواجب أكثر من أجر التطوع بكثير وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن كل ما يقدمه الإنسان إلى أهله وأولاده يؤجر عليه حتى الماء عندما يشربون. ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير ورواه البخاري في التاريخ الكبير والحديث حسن لشواهده وتعدد رواياته عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الرجل إذا سقى أهله الماء أجر إن الرجل إذا سقى أهله الماء أجر". قال العرباض بن سارية رضي الله عنه وأرضاه فذهبت إلى زوجي وسقيتها الماء وأخبرتها بما سمعته من خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه إن الرجل إذا سقى أهله الماء أجر إخوتي الكرام وقد كان السلف الصالح يدركون هذا المعنى ويعلمون أن النفقة على الأهل يؤجر عليه الإنسان فكانوا يبذلون هذا المال في النفقة على العيال تقرباً لذي العزة والجلال. ¬

_ (¬1)) ) سورة الزلزلة: 7، 8

أخرج الإمام أحمد في المسند والطبراني في معجمه الكبير والحديث رواه أبو داود والطيالسي في مسنده وأبو يعلى في مسنده أيضاً وإسناده حسن عن عمرو بن أمية الضمري وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قال مر رجل بمرط " وهو الكساء الذي تلبسه المرأة من صوف أو خز" على عثمان بن عفان أو على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين على واحد منهما فكأنه استغلاه فلم يأخذه فاشتراه عمرو بن أمية الضمرى فسأله بعد ذلك عثمان أو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين ماذا فعلت بالمرط الذي ابتعته قال تصدقت به على سُخيلة بنت عبيدة بن الحارث وهي زوجته فقال له عثمان أو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين كل ما تصنعه إلى أهلك صدقة – يعني إذا أعطيتها مرط وقدمت لها غذاء وماء هذا صدقة وأنت تقول تصدقت به على سخيلة قال نعم سمعت ذاك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عثمان أو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له قول عمرو بن أمية الضمرى يا رسول الله يقول إنك كل ما صنعته إلى أهلك أي يصنعه المؤمن مع أهله فهو صدقة فقال عليه الصلاة والسلام صدق عمرو كل ما تصنعه إلى أهلك صدقه عليهم. ما تقدمه من مرط من طعام من شراب كل هذا تُثاب عليه عند الكريم الوهاب سبحانه وتعالى- سبحان الله نفقة واجبة إذا تركتها أثمت ولعنت ومع ذلك إذا فعلتها لك هذا الأجر العظيم عند رب العالمين والحمد لله الذي هدانا للإسلام ومن علينا بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام إخوتي الكرام وإذا كان يؤجر الإنسان على هذه النفقة واجبة فإن الأجر يتضاعف عندما يكون المتفق عليهم من الضعاف كما لو كانوا حضاراً أو كانوا نباتاً فلك أجر عظيم عظيم عند رب العالمين.

ثبت في مسند الإمام أحمد ومسند البزار والحديث رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين ورواه الإمام أحمد في المسند وابن ماجه في السنن عن عقبة بن عامر رضي الله عنهم أجمعين وهذا لفظ حديث جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كن له ثلاث بنات ويؤوهن ويرحمهن ويكفلهن أوجب الله له الجنة البتة – أوجب الله له الجنة البتة أي قطعاً وجزماً ولا ترد في ذلك والله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ثلاث بنات يؤولهن يرحمهن ويكفلهن أوجب الله له الجنة البتة فقال رجلٌ واثنتان يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال واثنتان قال جابر فرأى بعض المتقدم أن لو قال واحدة واحدة لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحدة. وأنا أقول لجابر رضي الله عنه ورد ما توقعته في روايات أخرى عن نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مستدرك الحاكم بسند صحيح كالشمس صححه الحاكم وأقر عليه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كن له ثلاث بنات فصير على ضرائهن ولئوائهن أدخله الله الجنة برحمته إياهن فقال رجل واثنتان يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل وواحدة يا رسول الله قال وواحدة سبحان الله النفقة الواجبة على هذه البنت المسكينة إذا قصرت في النفقة تذم وتعاقب وتلعن وإذا أنفقت عليها وقمت بكفالتها ورعايتها وربيتها كما يريد الله ويحب هذه المرأة توجب لك الجنة بفضل الله ورحمته. إخوتي الكرام: أقول للذين يريدون أن يزجوا بالبنات والنساء في مجال الحياة في الأسواق وفي دور العمل أقول لهؤلاء اسمعوا إلى هذين الحديثين الشريفين إذا كان عندك ما تطعم به هذه المرأة فاتقي الله إننا نطعم أعراضنا لا من عرق جبيننا والله أننا نطعمه من لحومنا ونسقيه من دمائنا ولا تزج بها في الأماكن العامة لتختلط بالرجال ولتتعرض للابتذال ولتكون بعد ذلك سلعة رخيصة لكل سائم لا وزن له ولا اعتبار.

إخوتي الكرام: المرأة عندنا عرض يصان جوهرة مكنونة وعندما تنفق عليها يبارك الله لك في رزقك ويرزقك من حيث لا تحتسب ثم لك هذا الأجر العظيم عند رب العالمين أليس من العار أن تكلف ابنتك أو أختك أو زوجتك من أجل أن تعمل لأجل أن تأكل هي أو تأكل أنت أو يأكل من في البيت وبإمكانك أن تعمل وإذا كان ذاك العمل بالضوابط الشرعية فالأمر فيه هوادة أما أن تزج بها بعد ذلك في أماكن فيها اختلاط وبلاء ثم بعد ذلك تقول إنني محتاج أي حاجة أيها الإنسان إن الحر يأكل ورق الشجر ولا يعرض عرض لهذا الدنس وهذه الريبة وهذه الشبهة فينبغي إخوتي الكرام أن نعي هذه الأمور وأن نقنع بما قسمه الله لنا وأن نرضى به وأن تطيب بعد ذلك نفوسنا لما نخرجه للفقراء والمساكين عن طريق الزكاة والواجبة وبما نقدمه للمحتاجين عن طريق الحقوق الطارئة وبما ننفقه على الأهل والأولاد أسأل الله جل وعلا أن يلهمنا رشنا وأن يبصرنا بعواقب أمورنا وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.

إحساس الميت بالزائرين

إحساس الميت بالزائرين (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم إحساس الميت بالزائرين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2) سورة النساء: 1 (¬3) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) . أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين.. تقدم معنا أن من صفات الرجال الأكياس أنهم يخافون رب الناس وهم يتصفون بهذه الصفة الجليلة الكريمة مع كونهم لله، لله يتقون وإلى عباده يحسنون وتقدم معنا إخوتي الكرام أن هذه الصفة فيهم، أعني صفة الخوف من ربهم جل وعلا لها أسباب كثيرة في نفوسهم يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب. أولها: إجلال الله وتعظيمه. ثانيها: خوفهم من التفريط في حق ربهم جل وعلا فيما أمروا أو نهوا عنه. وثالث: الأسباب التي تدفعهم للخوف من ربهم جل وعلا الخوف من سوء الخاتمة. وتقدم معنا إخوتي الكرام أن لسوء الخاتمة سببان: أولها: الأمن على الإيمان من الاستلاب فما أحد أمن على إيمانه أن يسلبه إلا سلبه وذهب منه. والسبب الثاني: اغترار المرء بالحالة الحاضرة وعجبه بما يصدر منه من طاعات قاصرة ناقصة وغفلة عن ما فيه من آفات مهلكات وأبرز ذلك ثلاث بليات كما تقدم معنا. أولها: النفاق، وقد مضى الكلام عليه وعلى ما قبله. وثانيها: البدعة. وثالثها: الركون إلى الدنيا. أما البدعة وهي التي كنا نتدارسها إخوتي الكرام، قلت سنتدارسها ضمن ثلاثة مباحث. أولها: في بيان حد البدعة ورسمها وحقيقتها. وثانيها: في النصوص المحذرة منها. وثالثها: الأمور في بيان أقسام البدعة وحدها وضبطها،،، وقلت إنها باختصار حدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع عدم دلالة نصوص الشرع الحسان على ذلك الفعل المحدث وإن يزعم الإنسان بما أحدثه أنه يتقرب به إلى الرحمن هذا هو حد البدعة وهذا رسمها وهذا تعريفها.. ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب 70، 71

قلت: إخوتي الكرام،، وقد ضل نحو حقيقة البدعة صنفان من الأنام صنفان غلوا ووسعوا مفهوم البدعة ودائرتها فبدعوا عباد الله الصالحين وحكموا بالبدعة على ما شهد عليه الدليل القويم وقال به إمام من أئمة المسلمين وقابلهم فريق آخر قصروا وفرطوا وقالوا لا بدعة ولا ابتداع في الدين وكلا طرفي قصد الأمور ذميم وما من أمر شرعه الله لعباده إلا وللشيطان نحوه نزعتان، نزعة غلوٍ ونزعة تقصير لا يبالي الشيطان بأي النزعتين وقع الإنسان. وكنا إخوتي الكرام نناقش الفرقة الأولى التي غلت في مفهوم البدعة ووسعتها فحكمت بالبدعة على ما شهد له الدليل وقال به إمامٌ جليل، بل حكمت بالبدعة كما تقدم معنا على ورد فيه نص صريح عن نبينا الجليل على نبينا صلوات الله وسلامه واستعرضت بعض النماذج إخوتي الكرام مما احتمله الدليل وورد وحكم به بعض المتطرفين المتشددين الغالين في هذا الحين بأنه بدعة وابتداع في الدين ومثلت بذلك بوضع اليمين على الشمال بعد الرفع من الركوع، كما مثلت على ذلك بصلاة التراويح وأنه عشرون ركعة ويوتر الإنسان بثلاث ثم انتقلت إلى الأمر الثالث ألا وهو قراءة القرآن على الأموات عند القبور وقلت إن هذه المسألة لها ثلاثة ذيول تلقين الميت وتقرير سماع الأموات ما يجري عندهم ورؤيتهم لما يقع حولهم، وثالثها إهداء الطاعات والقربات إليهم.

إخوتي الكرام: وقد مر ما يتعلق بقراءة القرآن عند المقابر كما مر معنا تلقين الموتى وفي هذه الموعظة سنتدارس الأمر الثالث وهو الذيل الثاني للمسألة ألا وهو سماع الأموات لما يجري ويقع عندهم وحولهم وعلمهم بما يقع في ساحتهم ورؤيتهم لمن يزورهم واستبشارهم بذلك، هذه المسألة كما سيأتينا إخوتي الكرام وردت بها نصوص صريحة صحيحة ومع ذلك ترى في هذا الحين من يرفع صوته بلا حياء من رب العالمين ولا توقير لأئمة المسلمين فيرى بالابتداع والبدعة من قال الأموات يسمعون وأن الأموات يعلمون بحال الزائرين ويستبشرون بهم ويستأنسون وهذا الأمر إخوتي الكرام أمر غيبي لا دخل فيه لأي عقلٍ بشري والإنسان إذا أراد أن يتلكم في هذه القضية فإن كان مهتديا ينبغي أن يحتكم إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقد قرر نبينا عليه الصلاة والسلام سماع الأموات وعلمهم بمن يزورهم وفرحهم واستبشارهم بالزائرين في أحاديثه الكثيرة الصحيحة الوفيرة يمكن أن تجمع تلك الأحاديث إلى ثلاثة أنواع وفيها ثلاث دلالات انتبهوا لها إخوتي الكرام لنكون على بينة من أمر ديننا ولنعرف بعد ذلك من المخرف الذي يخرج من نصوص النبي عليه الصلاة والسلام ويُبَدِّعَ أئمة الإسلام أو الذي يلتزم بهذه النصوص ويحتكم إليها، إذا علمنا هذه المسألة يظهر لنا من المخرف.

إخوتي الكرام: أما الدلالة الأولى، والأمر الأول، صرح نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الأموات يسمعون وأخبرنا أن سماعهم أعظم وأدق من سماع الأحياء ووردت النصوص الصحيحة عن خاتم الأنبياء وعليه صلوات الله وسلامه ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن النسائي من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه، والحديث رواه البخاري من رواية أنس عن أبي طلحة، ورواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه والنسائي في سننه من رواية أنس عن عمر ابن الخطاب، ورواه الشيخان في صحيحيهما من رواية عبد الله بن عمر، ورواه الإمام أحمد في المسند بسندٍ رجاله ثقات عن أمنا الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله أمنا عائشة على نبينا وعليها وعلى سائر آل نبينا وصحبه صلوات الله وسلامه، ولفظ الحديث من رواية هؤلاء الصحابة الخمسة الكرام أنس وأبي طلحة وعمر وعبد الله ابن عمر وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن انتهى من موقعة بدرٍ أقام ثلاثاً وكانت هذه عادته عليه صلوات الله وسلامه إذا انتصر على قدم لا يبرح من ذلك المكان مدة ثلاثة أيام لئلا يقال ضرب وهرب كما يفعل بعض الناس وأن هذه الأيام فليست هذه الشجاعة عند أهل الإيمان، الشجاعة أن تضرب وأن تثبت وأن تتحدى أهل الأرض بعد ذلك لأنك واثق بالله والله سينصرك وكان نبينا عليه الصلاة والسلام هذه عادته في غزواته إذا مكنه الله ونصره يقيم ثلاثة أيام إذا كان بإمكان الخصم أن يعيد الكرة فنحن على استعداد، أقام ثلاثة أيام قداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه ثم ركب ناقته وتوجه إلى القتلى فوقف عليهم وقد قتل سبعون من المشركين في أول موقعة حكم الله بها وفيها بين الموحدين والكافرين فوقف عليهم وهو على ناقته المباركة على نبينا صلوات الله وسلامه فقال يا أبا جهل ابن هشام يا أمية ابن خلف يا عتبة ابن ربيعة يا شيبة ابن ربيعة هل وجدتم وما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي

حقاً فقال سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تخاطب أقواماً قد جيفوا أنى يجيبوا وكيف يسمعون تخاطب أقواماً قد جيفوا بعد ثلاثة أيام وهم على رمال حارة وفوقهم شمس محرقة تخاطب أقواماً قد جيفوا أنى يسمعوا وكيف يجيبوا فقال النبي عليه الصلاة والسلام ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يجيبون، إنهم يسمعون سماعاً أدق من سماعكم ويروني الآن رؤية أوضح من رؤيتكم لكن حيل بينهم وبين الكلام الذي يسمعه الأحياء مثلكم ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يجيبون والحديث كما قلت في الصحيحين وغيرهما من رواية خمسة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وهذا حديث صحيح صريح في أن الأموات يسمعون سماعاً يزيد على سماع الأحياء كما قرر ذلك شيخنا المبارك في (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) ووسع الكلام في هذه المسألة إلى قرابة خمس وعشرين وقال هذا نص صريح صحيح في أن الأموات يسمعون ولا معارض له فالقول بموجبه متعين وهذا الذي قرره شيخ الإسلام الإمام ابن القيم وشيخه الإمام ابن تيمية وهذا المقرر عند علماء الشريعة الإسلامية ما أنتم بأسمع لما أقول منهم إذا هذا صريح من نبينا عليه الصلاة والسلام بأنهم يسمعون ويعلمون ما يجري حولهم والحديث الثاني الذي يقرر هذه الدلالة وهي الدلالة الأولى تصريح نبينا عليه الصلاة والسلام بسماع الأموات وعلمهم بما يجري حولهم كنت أشرت إليه في الموعظة الماضية وأذكره الآن الحديث رواه الإمام أحمد أيضاً في المسند وأخرجه الشيخان في الصحيحين والإمام النسائي وأبو داود في السنن من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن من رواية البراء ابن عازب وإسناده صحيح كالشمس ورواه الإمام أحمد في المسند وابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده والطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي هريرة ورواه الطبراني في معجمه

الكبير والأوسط من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، والحديث كما قلت من أصح الأحاديث فهو في الصحيحين وغيرهما من رواية أنس والبراء ابن عازب وأبي هريرة وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إذا وضع الميت في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم] وفي رواية المسند وأبي داود من رواية البراء ابن عازب [إنه ليسمع خفق نعالهم] وقد بوب الإمام البخاري على هذا في كتاب (الجنائز) فقال (باب الميت يسمع خفق النعال) ، يسمع قرع نعالهم، يسمع خفق نعالهم، [فإذا تولى عنه أصحابه أتاه ملكان منكر ونكير فيقعدانه ويقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم] يعني محمداً على نبينا صلوات الله وسلامه [فأما المؤمن فيقول هو عبد الله ورسوله آمنا به وصدقناه فيقولان له هذا مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة فيراهما معاً، وأما الكافر أو المنافق فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقولان له لا دريت ثم يضربانه بمطرقة معهما بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين] [يسمع قرع النعال] ، [يسمع خفق النعال] سبحان ربي سبحان ذي العزة والجلال، إذا سمع الميت قرع النعال وخفق النعال ألا يسمع سماع الزائرين ألا يعلم بحالهم ويستبشر بهم عندما يزورنه بلى ثم بلى ورضي الله عن عون ابن عبد الله ابن عتبة ابن مسعود عندما نقل من عم أبيه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أثراً واستغرب منه الحاضرون فعلق عليه بما ستسمعون، والأثر رواه الإمام أحمد في (الزهد) وعبد الله ابن المبارك في كتاب (الزهد) ، و (الرقائق) أيضاً، والأثر مروي في سنن سعيد ابن منصور وفي مصنف ابن أبي شيبة ورواه أبو الشيخ أيضاً ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني في معجمه الكبير عن عون ابن عبد الله ابن عتبة ابن

مسعودٍ، وهو من أئمة التابعين توفي قبل سنة عشرين ومائة للهجرة 120هـ وحديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة، إمام ثقة عدل رضا، عون ابن عبد الله ابن عتبة ابن مسعود، نقل عن عم أبيه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، أنه قال إن الجبل لينادي الجبل كل يوم باسمه فيقول له مر بك أحدٌ ذكر الله فإن قال الجبل نعم يقول استبشر وفرح وتطاول بأنه مر عليه أحدٌ ذكر الله عز وجل،، نعم {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} (¬1) فقيل لعون ابن عبد الله ابن عتبة كيف هذا قال سبحان الله أيسمعن الزور ولا يسمعن الخير، سبحان الله أيسمعن الزور ولا يسمعن الخير: يعني هذه الجبال والجمادات، الأرض والأشجار تسمع الزور ولا تسمع الخير قالوا وكيف ذاك قال أما قرأتم قول الله جل وعلا {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِداًّ * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَداًّ * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَداًّ * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْداً} (¬2) السماوات تشقق من الكلمة بأن لله صاحبة وولد، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا، (أيسمعن الزور ولا يسمعن الخير) ، وأنا أقول هل يسمع الأموات قرع النعال وخفق الأحذية ولا يسمعون كلام الزائر السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ولا يسمعون دعاء الزائر ولا يرونه ولا يستبشرون به؟ تعالى الله عما تتوهمون وتقولون علواً كبيرا هذه الدلالة الأولى. ¬

_ (¬1)) ) سورة الإسراء: 44 (¬2)) ) سورة مريم: 88 - 95

إخوتي الكرام: وكما قلت نص صريح من نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الأموات يسمعون سماعاً يزيد على سماع الأحياء، نعم إنك لو دخلت على ساحة كبيرة واجتماع كبير وسلمت عليه لا يسمع سلامك إلا من كان بجورك وفي المقدمة، أما الأموات فإذا دخلت باب المقبرة ووصلت إلى أول قبر منها امتدت المقابر وقلت كما سيأتي معنا (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين) لا يوجد ميت في تلك البقعة إلا يسمع صوتك ويجيبك ويستبشر بك ويفرح كما سيأتينا، ووالله لو كانوا من الأحياء لما سمعوا صوتك،، نعم السلطان للروح في عالم البرزخ وليست مقيدة بكثافة الجسم وفتور الجسم فتشعر بك وتسمع سلامك ولو كانت هذه الروح في بدنها الحي بها لما سمعت سلامك عن بُعْد، [ما أنتم بأسمع لما أقول منهم] هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، هذه الدلالة الأولى إخوتي الكرام.

والدلالة الثانية: شرع لنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - زيارة القبور والزائر يقال زائر والميت يقال لما في الزيارة من فوائد وخيرات فالإنسان يعتبر في المصير الذي سيصير إليه ويدعو لإخوانه وهذان أبرز مقصود زيارة الحي للميت يعتبر ويدعو وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث رواه أبو داود والنسائي وهو صحيح صحيحٌ فهو في صحيح مسلم من رواية بريدة ابن الحصين رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة] والحديث روي في المسند والحاكم في المستدرك من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه وفي رواية أنس في المستدرك كما قلت والمسند عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فإنها ترُقُّ القلب وتُدمع العين وتذكر بالآخرة ولا تقولوا هجراً] : أي كلاماً قبيحاً، فلا داعي لنياحةٍ ولا لاستغاثة بميت ولا بطلب الحاجات منه، إنما تزور تعتبر بما إليه ستؤول ثم تدعو لهذا العبد الذي انقطع عمله بما ينفعه في موته كما أذن لنا ربنا وأمرنا به.

إذاً الزائر زائر والميت مزور، قال شيخ الإسلام الإمام ابن القيم في كتابه (الروح) صفحة خمسة إلى صفحة ثمانية ص5 إلى ص8 يقول وهذا اللفظ يعني الزيارة والزائر زائر والميت مزور يقول لا يقال إلا إذا علم المزور بزيارة الحي وسمع صوته شعر به واستأنس به، لا يصح غير هذا البته في جميع لغات الأمم، فلا يسمى الإنسان زائر لمن يزوره إلا إذا علم به المزور إلا إذا شعر به إلا إذا سمع سلامه إلا إذا علم بزيارته أما أنك أمواتاً ويقال، أنت زائر وهو مزور هذا لا يصح فلفظ الزيارة عندما أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بزيارة القبور يدل على أن المزور يعلم بحال الزائر ويسمعه ويستبشر به ويفرح بزيارته وهذا الأمر الذي استنبطه أئمتنا وردت به نصوص صحيحة صريحة كالشمس لا يخالف فيها إلا من كان مبتدعاً روى الإمام ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب والتمهيد والحديث صححه شيخ الإسلام أبو محمد عبد الحق الإشبيلي وهو صاحب كتاب (العاقبة في التذكرة في أمور الموت وأمور الآخرة) وهو صاحب كتاب (الجمع بين الصحيحين) وله كتاب في الأحكام كبرى ووسطى وصغرى وقد توفي سنة واحد وثمانين وخمسمائة للهجرة 581هـ وهو من أئمة الإسلام الربانيين أبو محمد عبد الحق الإشبيلي الأندلسي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، هذا الحديث الإمام أبو محمد عبد الحق، ونقل تصحيح عنه أئمة الإسلام وأقروه منهم شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) في الجزء الرابع والعشرين صفحة واحد وثلاثين وثلاثمائة 24/331 ومنهم الإمام ابن القيم في أول كتابه (الروح) وهكذا الإمام السيوطي في كتاب (شرح الصدور في أحوال الموتى وزيارة القبور) وهكذا الإمام القرطبي في كتاب (التذكرة في أمور الآخرة) وغيرهم، فالحديث صحيح ولفظه من رواية عبد الله ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال سمعت النبي يقول [ما من أحدٌ يمر بقبر الرجل الذي كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام] .

قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه (الروح) وهذا نص صريح في أن الميت يسمع ويعرف من زاره بل ويرد عليه سلام. نعم إخوتي الكرام: إن الميت انتقل من دار إلى دار والدار التي انتقل إليها كما سيأتينا دار البرزخ هي أدق من دار الدنيا بكثير وموازينها أضبط بكثير ولذلك يعرفه ويرد عليه السلام، أما أننا نحن لا نعي ما في تلك الدار فلعدم موافقة موازيننا لتلك الموازين، أما هو فيعلم ما يجري في البرزخ ويعلم ما يجري في الحياة الدنيا، ونحن نعلم ما يجري في الحياة الدنيا ولا نعلم ما يجري في البرزخ، فعلمه أدق من علمنا بكثير يعرفك ويرد عليك السلام.

وثبت في كتاب (دلائل النبوة) للإمام البيقهي والأثر رواه الإمام الحاكم في المستدرك بسندٍ صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف على قبر مصعب ابن عمير بعد موقعة أحد رضي الله عنهم أجمعين فبكى نبينا عليه الصلاة والسلام ثم قال [أشهد أنكم أحياء عند الله عز وجل ألا فزوروهم وسلموا عليهم والذي نفسي بيده لا يزورهم أحد ويسلم عليهم إلا ردوا عليه السلام إلى يوم القيامة] وهذا ليس خاصاً في ذلك الوقت بعد قتلهم وانتهاء موقعة أحد إنما هذا الحكم ثابت إلى يوم القيامة وقد روى الإمام الحاكم في المستدرك بإسنادٍ مدني صحيح كما قال هو ذلك رضي الله عنه وأرضاه عن عطاف ابن خالد وهو من العلماء الصالحين صدوق كما نعت بذلك في التقريب وقد أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) والإمام أبو داود في كتاب (القدر) وهو من رجال الترمذي والنسائي في السنن ينقل عطاف ابن خالد عن خالته أنها (زارت قبور الشهداء شهداء أحد فسلمت عليهم فسمعت جواباً لها ورد السلام من قبورهم يقولون لها وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، تقول فأخذتني قشعريرة فقالوا لي هؤلاء الأموات وهم في قبورهم إننا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضاً) هذا حال الموتى فأنت زائر والميت مزور وشرع لنا نبينا عليه الصلاة والسلام زيارة القبور، هل شرع لنا زيارة جماد لا يعي ولا يفقه ولا يشعر ما يدور حوله لا والله ولما رسخ هذا في أذهان الناس تركوا زيارة المقابر وانقطعت الخيرات من الأحياء نحو الأموات ولو علموا أن الأموات يستأنسون بهم عندما يزورونهم لما خلت المقابر من زائر يزورهم ويدعو لهم ليستأنسوا بهم ويفرحوا بهم عند زيارتهم لعل كثيراً من الناس لا يذهبون إلى المقابر إلا إذا مات لهم قريب أو حبيب وما عدا هذا ليس بينه وبين المقابر صلة، ثم إذا دفن والده أو ولده أو ولده كأنه انقطعت صلته به يا عبد الله أما تزوره لو كان حيا والله إن

زيارته آكد عليك إذا صار ميتاً لكن هذه المفاهيم الضالة التي وجدت في الأمة وأن الميت لا يسمع ولا يعي ولا يشعر ولا يستأنس نفرت الناس عن زيارتهم للموتى بعد موتهم. إخوتي الكرام: إن الموتى كما أنهم يشعرون بزيارتك ويسمعون سلامك ويرونك عند زيارتهم إن الأمر أدق من ذلك بكثير فأعمالك تعرض عليهم أينما كنت وهم في قبورهم لأن السلطان للروح فإذا عملت خيراً استبشروا وفرحوا وإذا عملت غير ذلك حزنوا ودعوا لك بالهداية وهم أموات في قبورهم كما أخبرنا عن ذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - ففي الإمام أحمد، والحديث في إسناده رجل لم يسم كما قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في (مجمع الزوائد) في الجزء الثاني صفحة واحد وثلاثين وثلاثمائة 2/331، والحديث من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائكم من الأموات فإن كان خيراً فرحوا واستبشروا، وإن كان غير ذلك قالوا اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا] وهذا العرض يكون على الصالحين على المقربين وأصحاب اليمين، وأما من هم في سجين فنسأل الله أن يكفينا شرهم وألا يجعلنا منهم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

وهذا الحديث إخوتي الكرام الذي هو المسند عن أنس رضي الله عنه وفي إسناده رجل لم يسم رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في معجمه الكبير والأوسط من رواية أبي أيوب الأنصاري ورواه الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده من رواية جابر ابن عبد الله والأسانيد الثلاثة لا تخلو من ضعف كما قرر أئمتنا لكنها تعتضد ببعضها وقد كان أئمة الإسلام عليهم رحمة الله ورضوانه يقررون هذا بناءاً على هذه الآثار، فهذا شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) في المجلد الرابع والعشرين صفحة واحد وثلاثين وثلاثمائة 24/331 وقد أفاض في هذا الكتاب وكرر هذا الكلام في عدد من الصفحات لكن في هذا المكان سئل عليه رحمة الله عن الأحياء وإذا زاروا الأموات هل يعلمون بزيارتهم وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره؟ فأجاب رحمه الله ورضا عنه: الحمد الله نعم قد جاءت الآثار بتلافيهم وتساءلهم وعرض أعمال الأحياء على الأموات كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري وهذا الأثر الذي نقله الإمام ابن تيمية عن شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري، وهو في كتاب (الزهد) و (الرقائق) في صفحة خمسين ومائة صـ150 وبعد أن نقله الإمام عبد الله ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري موقوفاً عليه بيَّن أنه روي مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا في رواية ابن أبي الدنيا ومعجم الطبراني الكبير والأوسط يقول الإمام ابن تيمية (كما روى ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري قال إذا قبضت نفس المؤمن تلقاها الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير في الدنيا فيقبلون عليه ويسألونه فيقول بعضهم لبعض انظروا أخاكم يستريح فإنه كان في كرب شديد قال فيقبلون عليه ويسألونه ما فعل فلان وما فعلت فلانة هل تزوجت، فإذا سأل عن الرجل قد مات قبله قال لهم إنه قد هلك فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية،

مات قبلك وما علمنا ذهب إلى سجين، قال فيعرض عليهم أعمالهم فإذا رأوا حسن فرحوا واستبشروا وقالوا اللهم هذه نعمتك على عبدك فأتمها عليه وإن رأوا سوءاً قالوا اللهم راجع بعبدك قال ابن صاعد رواه ابن سلام الطويل عن ثور ابن يزيد ورفعه إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قال الإمام ابن تيمية وأما علم الحي بالميت إذا زاره وسلم عليه ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ما من أحد يمر بقبر أخيه الذي كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام] قال ابن المبارك ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام وصححه عبد الحق صاحب الأحكام.

وأما ما أخبر الله به من حياة الشهيد ورزقه وما جاء في الحديث الصحيح من دخول أرواحهم الجنة فذهب طوائف أن ذلك مختص بهم دون الصديقين وغيرهم والصحيح الذي عليه الأئمة وجماهير أهل السنة أن الحياة والرزق ودخول الجنة ليس مختصاً بالشهيد كما دلت على ذلك النصوص الثابتة ويختص الشهيد بالذكر يعني هو الذي ينوه به من أجل حكمة سيذكرها هذا الإمام لكون الظان يظن أنه يموت فينكب عن الجهاد أي يتأخر ويبتعد فأخبر بذلك ليزول المانع من الإقدام على الجهاد والشهادة كما نهى عن الأولاد خشية الإملاق لأنه هو الواقع وإن كان قتلهم لا يجوز مع عدم خشية الإملاق وهذا كما قلت يقرره إخوتي الكرام شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية والمقرر عند أئمتنا علماء الشريعة الإسلامية وقد روى الإمام عبد الله بن المبارك في كتاب (الزهد) والأثر رواه ابن أبي الدنيا أيضاً، ورواه الإمام الأصبهاني في (الترغيب والترهيب) عن أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه قال: (إن أعمال الأحياء تعرض على الأموات فيسرون ويساءون ثم قال اللهم إني أعوذ بك من أن يخزى خالي عبد الله بن رواحة من أجلي، اللهم إني أعوذ بك أن يعرض علي خالي عبد الله ابن رواحة عمل يمقتني من أجله وهو في قبره) ، هذا أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه والأثر إخوتي الكرام رواه ابن أبي الدنيا وبن أبي شيبة في مصنفه والحكيم الترمذي من رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك أن تفضحني عند عبادة ابن الصامت وسعد بن عبادة) أي عندما تعرض أعمالي عليهما أعوذ بك أن أفتضح. إخوتي الكرام: هذا الأمر أعني أن الميت المزور يعلم بحال الزائر، هذا مقرر عند أئمتنا كما قلت، وهم يتزاورون فيما بينهم، والآثار في ذلك كثيرة صحيحة وفيرة.

روى الإمام سعد في (الطبقات) وأبو نعيم في (الحلية) أنه التقى صحابيان جليلان مباركان سلمان الفارس وعبد الله ابن سلام رضي الله عنهم أجمعين فقال أحدهما لصاحبه إذا مات أحدنا قبل الآخر فليتراء من له قال ويكون ذلك يقول عبد الله ابن سلام لسلمان ويكون ذلك؟ قال نعم إن روح المؤمن مخلاة تذهب حيث شاءت وإن روح الكافر في سجين فلما مات سلمان الفارس وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين للهجرة 32هـ وقيل ثلاث وثلاثين 33هـ وقيل ست وثلاثين 36هـ وعبد الله ابن سلام توفي سنة ثلاث وأربعين 43هـ رضوان الله عليهم أجمعين لما مات سلمان الفارس رآه عبد الله ابن سلام بعد موته مشرق الوجه بهي الصورة يتلألأ النور منه قال ما فعل الله بك يا أخي قال غفر لي ورحمني وأكرمني قال بأي شيء توصيني؟ قال عليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل ونعم الشيء التوكل ثلاث مرات. نعم إخوتي الكرام: إن هذا كان مقرراً عند الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ثبت في المسند وسنن ابن ماجة بسندٍ صحيح كالشمس عن محمد ابن المنكدر وهو من أئمة التابعين توفي سنة ثلاثين ومائة للهجرة 130هـ حديثه في الكتب الستة أنه دخل على جابر وهو يموت فقال يا جابر أقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام فإذا كان هذا هل يحتمل هذه الأمانة صحابي وهلا أنكر على محمد ابن المنكدر وقال له ما علمي وأنا سأموت ولن أجتمع بالنبي عليه الصلاة والسلام ولا بغيره وكيف تحملني هذه الأمانة (أقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام) والأثر كما قلت في المسند وسنن ابن ماجة بسند صحيح. نعم يسن للرجل إذا احتضر وكان صالحاً وحسنت ظنك وعلمت أنه من أهل الخير أن تقول له هذه المقولة: (أقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام) فإنه روحه ستلتقي بروح النبي عليه الصلاة والسلام وبالصحابة الكرام وبأهل الخير والإحسان، (أقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مني السلام) .

إخوتي الكرام: إن شعور الميت أدق من شعور الحي وقد كان هذا مقرراً عند سلفنا وعلى رأسهم الصحابة وفي مقدمتهم رضوان الله عليهم أجمعين. ثبت في مسند الإمام أحمد والأثر في المستدرك ورواه ابن سعد في (الطبقات) بسندٍ صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت لما دفن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيتي كنت أضع ثيابي وأقول ما هو إلا زوجي على نبينا صلوات الله وسلامه قالت فلما دفن أبو بكر رضي الله عنه كنت أضع ثيابي وأقول ما هو إلا زوجي وأبي فلما دفن عمر رضي الله عنه وأرضاه ما دخلت حجرتي إلا وأنا مشدودة على ثيابي وما وضعت عني ثيابي حياءً من عمر. نعم والله إنه يراها كما يراها كما لو كان حياً في حجرتها وهذه هي المعاني عند سلفنا فكانت تستحي منه كما لو كان في الحجرة حياً فلا تضع ثيابها عنده، هذا هو علم سلفنا، وهذا هو كلام أمنا رضي الله عنها وأرضاها وابتلينا بشرذمة في هذه الأيام إذا قلت لهم إن الميت يسمع ويعلم من يزوره ويشعر بحاله ويستأنس به قالوا إنك مبتدع وهذه بدعة، فهل كانت أمنا عائشة على بدعة عندما كانت تستحي من أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضوان الله عليهم أجمعين؟ اللهم ألهمنا رشدنا يا أرحم الراحمين. إخوتي الكرام: هذه دلالة ثانية،، إن الأموات يعلمون بحال الزائر ويسمعونه ويستبشرون به وعلمهم بذلك أدق وأضبط وأوسع من علم الحي بكثير.

وأما الدلالة الثالثة إخوتي الكرام: شرع لنا إذا زرنا القبور أن نسلم على الأموات بصيغة نخاطبهم بها لا نخاطب الجمادات ولا يصح مخاطبة أحد بهذه الصيغة إلا إذا كان يعي ويسمع ويشعر، نقول له السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، كما سأورد الأحاديث في ذلك السلام عليكم هذا سماع من هذا الخطاب لمن يعي ويسمع ويشعر ويجيب ولا شك في ذلك، ووالله إن كلام النبي عليه الصلاة والسلام أعلى وأجل من أن يوجه هذا الكلام منه إلى من لا يعي ولا يسمع ولا يفقه وهو أعلى حكمة من أن يقول لنا سلموا على جماد لا يشعر ولا يسمع ولا يحس ولا يرى سبحان الله جمادات نسلم عليها إنه كما قلت يسمع سماعاً أدق من سماع الأحياء ولذلك نخاطب الأموات بالصيغ التي ستأتينا. ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث في صحيح مسلم ورواه الإمام النسائي وابن ماجة ومسند أبو داود الطيالسي عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ماذا أقول إذا زرت القبور قال قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] وفي رواية ابن ماجة ومسند أبي داود الطيالسي [السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم] ورواه أبي داود الطيالسي [اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تضلنا بعدهم] هذا كله كلام النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أمنا عائشة: [السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين] خطاب يوجه إلى من يعي، من يشعر، من يسمع لمن يرى، لمن يرد [السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين] .

نعم إخوتي الكرام: إن زيارة القبور مشروعة ونخاطبهم بهذا وهي كما تشرع للرجال تشرع للنساء، والحديث صحيح وفيه نبينا عليه صلوات الله وسلامه يقول لأمنا عائشة قولي كذا وهي تدخل في عموم الترخيص فإنها تذكر بالآخرة والمرأة بحاجة أن تتذكر الآخرة كما يحتاج الرجل وهي بحاجة إلى أن يستأنس أقاربها وأن تدعو لهم كما يحصل من الرجل والأحاديث في ذلك إخوتي الكرام كثيرة صحيحة وفيرة، وهذا هو المعتمد عند مذهب الحنفية والأئمة الشافعية رضوان الله عليهم أجمعين، قالوا إن زيارة النساء للقبور مكروهة كراهة تنزيه وللمالكية ثلاثة أقوال الجواز والكراهة والتفريق بين الشابة والعجوز الكبيرة، وللإمام أحمد قولان قول بالجواز وقول بالكراهة والراجح من هذه الأقوال ما هو مقرر عند الحنفية وإلى هذا ذهب شيوخ الإسلام المتأخرون فهو الذي رجحه الإمام القرطبي وهو من المالكية والإمام الشوكاني في (نيل الأوطار) وهذا الذي ذكره الإمام أبو محمد عبد الحق في كتاب (العاقبة) وهو المقرر عند أئمتنا والأحاديث في ذلك كثيرة صحيحة وفيرة، وأما ما ورد في المسند والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة والحديث في صحيح ابن حبان وسنن البيهقي من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج فالحديث إما أن يكون منسوخاً بما تقدم كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة، وإما أن يراد من الزوارات ما قرره الإمام القرطبي وإلى هذا قال واستراح الإمام الشوكاني، إما أن يكون المراد من الزوارات صيغة مبالغة المكثرات للزيارة فالمرأة تزور أياماً ما بين الحين والحين والرجل يكثر من من الزيارة لأن هدى الإسلام في المرأة أن تكون قعيدة بيت وأنا أعجب للناس في هذه الأيام عندما رخصوا للمرأة أن تذهب إلى المدرسة ورخصوا لها أن تذهب إلى المتنزهات ورخصوا لها أن تذهب إلى البر ورخصوا لها أن

تذهب إلى السياحة ورخصوا لها أن تذهب إلى الأسواق ورخصوا لها إلى زيارة الجيران وإذا قلت لهم تزور القبور لتتذكر الآخرة قالوا هذا حرام المرأة ينبغي أن تجلس في البيت، هلا عرفتم هذا الحكم عند ذهابها إلى السوق، هلا عرفتم هذا الحكم عند ذهابها إلى المدرسة وقد تلتقي بضالات مضلات أخبث من الشيطان الرجيم، كل هذا مرخص فيه وإذا أرادت أن تزور أباها أو أخاها أو زوجها من أجل أن تستحضر ما نصير إليه وهي أولى بأن تستحضر أمور الآخرة من الرجل وأن تدعو لقريبها تمنع سبحان الله؟؟ ثم سبحان الله؟؟ وهنا أمنا عائشة رضي الله عنه والحديث كما قلت في صحيح مسلم وغيره ماذا أقول إذا زرت المقابر وما زجرها وقال إن هذا بدعة وليس من حق النساء أن يزرن [قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] وقد وردت أحاديث كثيرة فيما يقوله الزائر عندما يزور القبور منها ما في المسند أيضاً وصحيح مسلم، والحديث رواه ابن ماجة في سننه والبغوي في (شرح السنة) من رواية بريدة رضي الله عنه وأرضاه قال [كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين نسأل الله لنا ولكم العافية] هناك كما تقدم معنا [يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] وفي رواية الإمام أحمد: [أنتم فرطنا ونحن لكم تبع] وثبت أيضاً الحديث في سنن الترمذي من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على ناقته حتى إذا وصل إلى قبور المدينة توجه إليهم عليه صلوات الله وسلامه ثم قال: [السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم] وهي صيغة ثالثة أنتم سلفنا ونحن بالأثر وثبت أيضاً في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن الترمذي من رواية أبي

هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى المقبرة فقال: [السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] ثم قال فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه [وددنا لو رأينا إخوننا فقال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أو لست إخوانك يا رسول الله] عليه صلوات الله وسلامه [قال بل أنتم أصحابي وإخواني الذين يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني] يود ويتمنى نبينا عليه صلوات الله وسلامه أن يرانا ووالله إن رؤيته أحب إلى أنفسنا من كل شيء وليتنا رأيناه بأنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا عليه صلوات الله وسلامه [وددنا لو أنا رأينا إخواننا أو لسنا إخوانك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بل أنتم أصحابي وإخوني الذين يأتون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك فقال عليه الصلاة والسلام أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة] ، الغرة بياض في جبهة الفرس، والتحجيل بياض في قوامها [لو أن رجلاً عنده خيل غر محجلة بين خيل دهم بهم] أي سوداء شديدة السواد لا يخالطها لون آخر، [أما كان يعرف خيله؟ قالوا بلى قال فإن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء] يأتون ووجوههم وأعضاؤهم وأعضاء وضوئهم تتلألأ وأنا أعرفهم وأميزهم من بين سائر الأمم [فإن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ألا ليزادن رجال عن حوض كما يزاد البعير الضال فأقول هلم هلم، فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً] اللهم لا تجعلنا منهم يا أرحم الراحمين. إخوتي الكرام: هذه الألفاظ التي يقولها الزائر للمزور هل نخاطب جماداً لا يعي ولا يعقل ولا يسمع ولا يشعر؟ يتنزه كلام سيد الحكماء وخاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه أن يأمر أمته بأن يخاطبوا جماداً لا يعي ولا يشعر ولا يسمع ولا يفقه ولا يرد.

إخوتي الكرام: وختام الكلام في هذه المسألة، إن النصوص فيها كما قلت صريحة صحيحة كثيرة شهيرة وهي تتعلق في أمر غيبي فإذا كنا نؤمن بالله فينبغي أن نؤمن بالغيب وينبغي ألا نكثر الشكوك والريب، إن الاعتراض على سنة النبي عليه الصلاة والسلام ليس من علامات اتباع السلف، إنما من علامات اتباع الفلاسفة الذي كانوا يدخلون أراءهم في شرع ربهم جل وعلا ويحاكمون المنقول إلى نخريف العقول وعندنا قاعدة ذهبية ينبغي أن نعض عليها بالنواجذ ألا وهي كل ممكن ورد به السمع الصحيح يجب الإيمان ومن لم يؤمن به فهو ضال مضل كل ممكن أي أمر متصور وجوده وعدمه ورد به السمع الصحيح الذي لا ينطق عن الهوى يجب الإيمان به فسماع الميت وشعوره وإدراكه وعلمه بمن يزوره ممكن ورد به السمع فإذا كنا نؤمن بالرب فينبغي أن نؤمن بالغيب {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} (¬1) . اللهم اجعل هدانا تبعاً لشرعك بفضلك ورحمتك. أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين الطاهرين الصادقين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ¬

_ (¬1)) ) سورة آل عمران: 7

إخوتي الكرام: هذا الأمر كما قلت مقرر عند علماء الإسلام وقد بوب الإمام السيوطي عليه رحمة الله في شرح الصدور باباً يشير به إلى هذا فقال (باب زيارة القبور وعلم الموتى بمن يزورهم ورؤيتهم مقرر عند أئمة الإسلام) وسأختم الكلام على هذه المسألة بحادثة وقعت في العصر الأول وهي تتعلق بما جرى في البرزخ وأقر الحكم فيها سيد هذه الأمة بعد نبينا على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه ووافقه الصحابة الكرام دون منازع، وهذه القصة يرويها الإمام الحاكم في المستدرك والطبراني في معجمه الكبير ويرويها أبو يعلى في مسنده ويرويها الإمام ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب وإسنادها صحيح كالشمس عن ابنة ثابت ابن قيس ابن شماس رضي الله عنه وثابت ابن قيس من الصحابة الأنصار وكان خطيبهم وثبت في المستدرك وغيره في ترجمته أنه عندما قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة خطب ثابت فقال والله ليمنعنك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا فما لنا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال [الجنة] فقال ثابت ربح البيع، ثابت ابن قيس بشر بالجنة كما في الصحيحين ويرهما بما حضر قتال المرتدين في عهد إمام الصديقين أبي بكر رضي الله عنه وعن سائر الصديقين والمؤمنين سنة اثنتي عشرة للهجرة 12هـ في موقعة اليمامة في بلاد نجد وقد قتل من الصحابة في تلك الموقعة خمسمائة صحابي وقتل معهم أيضاً خمسمائة من المسلمين فالمجموع ألف نصفهم من الصحافة منهم ثابت ابن قيس وقتل من قراء القرآن جمع غفير كثير خمسمائة من الصحابة يتوفون في هذه الموقعة ولما التقى الجمعان وحصل ما حصل قال ثابت ابن قيس رضي الله عنه وأرضاه بئسما تعلمون به أقرانكم هكذا لا تقاتلون بشدة ثم أخذ ثوبين أبيضين فحنطهما وقاتل حتى قتل فكفن في ثوبيه ومعه حنوطه رضي الله عنه وأرضاه، ثابت ابن قيس ابن شماس بعد أن قتل رضي الله عنه وأرضاه مر به بعض المسلمين الضعاف الذين إيمانهم ضعيف وقد يكون بدنهم قوياً

فسرق درعه التي كانت عليه ثم ذهب ذاك إلى رحله وإلى خبائه وستره وثابت ابن قيس رضي الله عنه وأرضاه استشهد ودفن فتراءى لبعض الصحابة في تلك الموقعة ممن هم على قيد الحياة وقال يا أخي اذهب إلى خالد ابن الوليد وكان أميراً للجيش رضي الله عنه وأرضاه في قتال المرتدين فقل له إن فلاناً سرق درعي وهو في مكان كذا من الجيش وقد وضع عليه برمة وفوق البرمة رحله وعلامة درعي كذا وكذا فليأخذه خالد منه وإذا رجعت إلى المدينة فأقرأ أبا بكر رضي الله عنهم أجمعين فأقرأه مني السلام وقل له فلان وفلان من عبيدي أحرار لوجه الله وعلى كذا فيقضه عني ولي مال في مكان كذا فليأخذه وليعطيه إلى الورثة ثم قال يا عبد الله إياك أن تقول هذا حلم ولا حقيقة له، أنا ثابت ابن قيس ابن شماس أخبرك اذهب إلى خالد وأخبر أبا بكر بذلك رضي الله عنهم أجمعين فاستيقظ هذا الرجل وذهب إلى خالد فأخبره فذهب خالد بنفسه رضي الله عنه إلى المكان الذي وصف له ورفع الرجل خلفه ثم نقلت هذه الوصية إلى أبي بكر رضي الله عنه فأنفذها قال الإمام ابن عبد البر في كتاب (الاستيعاب) ما نعلم أحداً نفذت وصيته بعد موته إلا ثابت بن قيس ابن شماس.

قال الإمام ابن القيم رضي الله عنه معلقاً على هذا في كتاب (الروح) يقول وهذا من فقه الصديق وفقه خالد وفقه الصحابة أجمعين وهذا حكم بالقرائن التي تقوم مقام البينة فالمراد من البينة أن يظهر الحق بأي أمارة وأي دلالة كانت وهنا عندنا بينة كالشمس في رابعة النهار درعي في مكان كذا عند رجل في طرف من الجيش فوقه برمة وفوقه رحله وبعد ذلك فلان وفلان من عبيدي أحرار وعندي مال في مكان كذا فلتأخذه أبو بكر رضي الله عنه، البينات والدلالات تقوم مقام شاهدين، بل أكثر، وللإمام ابن القيم كتاب كبير يزيد على ثلاثمائة صفحة سماه (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية) عن طريق الحكم بالقرائن والوصول إلى حقيقة القضية بما يلابسها والظروف التي تحيط بها وهنا يقول هذا من فقهه وهنا عليه الإمام ابن القيم على هذه القصة فقال إذا علم الميت بهذه الجزئيات بدرعه وعن سرقها وماذا وضع فوقها ثم قال اذهب إلى خالد وإلى بكر رضي الله عنهم أجمعين فلأن يعلم الميت بزيارة الحي له وسلامه وبأن يشعر به ولأنه يراه من باب أولى ثم قال والسلف الكرام مجمعون على هذا.

وقد تواترت عنهم الآثار بأن الميت يرى من يزوره ويسمعه ويستبشر بزيارته وهذا الكلام يقوله الإمام ابن كثير بالحرف أيضاً فما أعلم هل اتفقت العبارتان أم أخذ الإمام ابن كثير هذا الكلام من شيخ الإسلام الإمام ابن القيم عيهم جميعاً رحمة الله يقول الإمام ابن كثير في تفسيره عند تفسير سورة الروم عند قول الحي القيوم {فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ المَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ العُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ} (¬1) ويقرر هذا في الجزء الثالث صفحة ثمان وثلاثين وأربعمائة 3/438 من تفسيره يقول نفس العبارة المتقدمة والسلف مجمعون على هذا وقد تواترت عنهم الآثار بأن الميت يشعر بمن زاره ويعلمه ويسمع سلامه ويستبشر به ويرد عليه. إخوتي الكرام: هذا ما يتعلق بهذه المسألة. وأما مسألة إهداء الطاعات والقربات إلى الأموات فأرجئ الكلام على ذلك إن شاء الله إلى الموعظة الآتية إن أحيانا الله. ¬

_ (¬1)) ) سورة الروم: 52، 53

اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن أمته منا فتوفه على الإيمان، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، اللهم كره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك ومن المقربين لديك وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اجعل حبك وحب رسولك - صلى الله عليه وسلم - أحب إلينا من كل شيء، أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا وأحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ، اللهم اجعل هوانا تبعاً لشرع نبينا بفضلك وبرحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربوّنا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} (¬1) ¬

_ (¬1)) ) سورة الإخلاص: 1 - 4

من أسباب سوء الخاتمة

من أسباب سوء الخاتمة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان ... بسم الله الرحمن الرحيم من أسباب سوء الخاتمة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين، من صفات المهتدين أنهم يخشون رب العالمين، وهم الذين يعمرون بيوت الله جل وعلا في هذه الحياة وقد نعتهم الله بأنهم رجال ووصفهم بأربع خصال: - لا تلهيهم البيوع والتجارات. - ويعظمون رب الأرض والسماوات.

- ويشفعون على المخلوقات. - ويخافون الله ويستعدون للقائه في يومٍ تشخص فيه القلوب والأبصار. {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدوِّ والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . وصفة الخوف فيهم، كنا نتدارسها، وكنا نتدارس أسباب خوفهم من ربهم وقلت إن أسباب خوف المكلفين من رب العالمين كثيرة متعددة يمكن أن نجملها في ثلاثة أسباب: أولها: إجلال الله وتعظيمه ثانيها: الخشية من التفريط في حق الله جل وعلا، وقد مضى الكلام على هذين السببين وشرعنا في مدارسة السبب الثالث ألا وهو ثالثها: خوف سوء الخاتمة، وقلت لسوء الخاتمة أسباب كثيرة أيضاً يمكن أن تجمل في أمرين اثنين. أولهما: الأمن على الإيمان من الذهاب والفقدان، فمن أمن على إيمانه سلبه عند موته. الأمر الثاني: الاغترار بالحالة الحاضرة، والعجب بما يصدر من المرء من طاعات ناقصة قاصرة، والغفلة عما في المكلف من آفات مهلكات وأبرز ذلك ثلاث بلايا مرويات. أولها: النفاق. وثانيها: البدعة. وثالثها: الركون إلى الدنيا. وقد مضى الكلام على السبب من أسباب سوء الخاتمة، كما مضى الكلام على البلية الأولى من السبب الثاني من أسباب سوء الخاتمة، ألا وهو النفاق في موعظتين ماضيتين وسنتدارس في هذه الموعظة البلية الثانية. إخوتي الكرام: وسنتدارس هذه الرزية ضمن ثلاثة أمور. أولها: تعريف البدعة. وثانيها: التحذير منها والتنفير عنها. وثالثها: أقسام البدعة. ثم أبين بعد ذلك وجه كون البدعة سبباً لسوء الخاتمة، إما بأن يختم له على الكفر، نسأل الله تعالى العافية، وإما بأن يختم للإنسان إذا تلبس بالبدعة على الزيغ والضلال. أما المبحث الأول: من هذه المباحث الثلاثة ألا وهو تعريف البدعة.

البدعة في اللغة = إخوتي الكرام، هي ما أحدث على غير مثال، شيءٌ جديد، شيءٌ حادث لا مثيل له في القديم، يقال له بدعة، هذا هو التعريف اللغوي للفظ البدعة، ما أحدث على غير مثال، أي على غير شيء يشبهه، إنما هذا مخترع جديد، سواء كان ذلك المحدث محموداً أو مذموماً يتعلق بأمر الدنيا أو بأمر الدين، فكل حادث لا مثيل له ولا شبيه، في الزمن القديم يقال له "بدعة" ولو جود هذا المعنى في لفظ البدعة، أعني الشيء الذي لا نظير له ولا مثيل، أطلق هذا اللفظ من مادة ‍‍‍" بَدَعَ " أطلق هذا اللفظ على الله جل وعلا، وأنه يتسمى بذلك سبحانه وتعالى، فهو الذي لا نظير له ولا مثيل وهو الذي يبتدئ المخلوقات من غير مثال سبق على غير مثال سبق، ولذلك سمي نفسه بأنه {بديع السماوات والأرض} . قال تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون * بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (¬1) . ونظير هذه الآية قول الله جل وعلا: {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علم، سبحانه وتعالى عما يصفون * بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولدٌ ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيءٍ وهو على بكل شيءٍ عليم * ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالقُ كل شيءٍ فاعبدوه وهو على كل شيءٍ وكيل} (¬2) . ¬

_ (¬1) - البقرة (116 – 117) . (¬2) - الأنعام (100 – 102) .

{بديع السماوات والأرض} هو المنفرد في هذا الكون في سماواته وأرضه بأنه لا مثيل له ولا شبيه، {قل هو الله أحد * الله الصمد} {هل تعلم له سميَّا} (¬1) هو المنفرد الذي لا مثال له {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير} (¬2) وهو الذي خلق السماوات والأرض على غير مثال سبق، وعلى غير صورة تقدمت، فهو المنفرد في هذا الكون فلا نظير له، وهو الخالق لهذا الكون من غير مثال سبق، وهو الذي يخلق الشيء من غير مادة، وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، إذاً فيه هذا المعنى، ألا وهو الشيء الذي لا مثيل له ولا نظير، فالله لا مثيل له لملاحظة هذا المعنى في لفظ البدعة استعملت مادة هذه الكلمة (بَدَعَ) في النبي عليه السلام قال تعالى {قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ وما أنا إلا نذير مبين} (¬3) . وقوله {قل ما كنت بدعاً من الرسل} يحتمل أمرين اثنين كل منهما مراد، قل ما كنت بدعاً بمعنى اسم المفعول: أي مُبتَدَعاً مخترعاً لا مثيل لي في هذه الحياة، فالله قد أرسل قبلي رسلاً كثيرين، وما أنا إلا حلقة في سلسلة طويلة عدد أفرادها مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، جمَّاً غفيراً كلهم أنبياء الله ورسله، ويدعونه إلى توحيده جل وعلا، فلست بشيءٍ مخترع، لست بشيءٍ حادث، لا مثيل لي، إنما أنا على شاكلة من سبقني، فنبينا - صلى الله عليه وسلم - ما هو بأول رسول إلى أهل الأرض، وقد أرسل الله قبله رسلاً كثيرين متعددين. وقد اخبرنا - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الحقيقة في الحديث الثابت في المسند والصحيحين من رواية أبي هريرة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، والحديث رواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه من رواية أبي سعيد الخدري، وراه والإمام أحمد في مسنده والترمذي في سننه من رواية أبي بن كعب رضي الله عنهم عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: ¬

_ (¬1) - مريم (65) . (¬2) - الشورى (11) (¬3) - الأحقاف (9)

[مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجلٍ بنى داراً فأجملها وأحسنها إلا موضع لبنة في زاوية من زواياها فجعل الناس يدخلون الدار ويقولون ما أجملها وموضع وما أحسنها لولا موضع هذه اللبنة، قال نبينا عليه الصلاة والسلام فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين] {قل ما كنت بدعاً من الرسل} لست بشيءٍ مخترعٍ جديد لا مثيل لي ولا نظير، تقدمني رسل كثيرون يدعون إلى عبادة الحي القيوم. والمعنى الثاني: {قل ما كنت بدعاً من الرسل} بمعنى بصيغة اسم الفاعل، قل ما كنت مُبتَدَعاً مخترعاً دعوة ما دعاها أنبياء الله ورسله قبلي، فما دعوتكم إلا لما دعا إليه أنبياء الله ورسله فالله أمرني وأمر من قبلي بتوحيده وعبادته وحده لا شريك له {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (¬1) . ففي هذه الدعوة التي بلَّغتها، لست بمبتدع، ولست بمنشئ شيئاً جديداً، إنما أنا أقرر ما أتى به أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، وهذا المعنى أيضاً الذي يحتمله الآية أشار إليه نبينا - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الثابت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [الأنبياء إخوة لعلاَّت أمهاتهم شتى ودينهم واحد] : أي هم نحو تبليغ رسالاتهم التي أمروا بتبليغها كالأخوة لأب في انتسابهم، أبوهم واحد ونسبتهم واحدة، وهكذا أنبياء الله دينهم واحد نسبتهم واحدة {إن الدين عند الله الإسلام} (¬2) . نعم تختلف بعد ذلك فروع هذه الرسالات كما يختلف الاخوة لأب في الأمهات، فالأمهات متعددة، وفروع أنبياء الله ورسله مختلفة، لكن أصل الدين واحد {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} (¬3) . ¬

_ (¬1) - الأنبياء (25) (¬2) - آل عمران (19) (¬3) - الشورى (13)

{قل ما كنت بدعاً من الرسل،} ما كنت مُبتَدَعاً مخترعاً لا مثيل لي وما كنت مُبتَدَعاً دعوة ما بلَّغها من قبلي {قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} وهكذا استعملت هذه المادة أيضاً فيما اخترعه بنو إسرائيل من عبادة لم يأذن بها ربنا الجليل، كما أشار إلى ذلك ربنا المجيد في سورة الحديد فقال جل وعلا: {ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتدٍ وكثيرٌ منهم فاسقون * ثم قفَّينا على آثارهم برسلنا وقفَّينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها * فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} (¬1) . {ورهبانيةً ابتدعوها} نُصبَت بفعل محذوف يفسره المذكور، وليست معطوفة على محمول قوله {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً ورهبانيةً} : أي ما جعل الله هذا في قلوبهم ولا شرعه لهم ولا أمرهم به، إنما جعل في قلوبهم رأفةً ورحمةً، وابتدعوا رهبانيةً ابتدعوها، أي اخترعوها وأنشأوها وما أمروا بها. {ورهبانيةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم} لكن هم اخترعوا تلك الرَّهبانية {ابتدعوها ما كتبناها عليهم} لكن هم ابتدعوا ذلك واخترعوه تقرباً إلى الله جل وعلا على حسب زعمهم، {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} لكن {ابتدعوها ابتغاء رضوان الله} ، ثم ما وفوا بما ابتدعوه وبما اخترعوه وبما قصدوه، {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون} . وهذا أظهر القولين في تفسير هذه الآية، والآية تحتمل قولاً آخر وهو أن يعود {ابتغاء رضوان الله} ، وهذا الكتب كان بعد أن ألزموا أنفسهم بهذه العبادة، فشرعها الله لهم وأجاز لهم الترهب طلباً لرضوانه، ولكن هذا بعد أن شددوا فشدَّد عليهم. ¬

_ (¬1) - الحديد (26 – 27)

روي في سنن أبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه، والأثر في إسناده سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، وقد انفرد الإمام الترمذي بإخراج حديثه، وهو مقبول كما قال عنه الحافظ في التقريب مقبول، وقد وثقه ابن حبان، ولفظ الحديث عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [لا تشدِّدوا فيشدَّدَ عليكم، فإن من قبلكم شددوا فشدّد عليهم فانظروا على أنفسهم شُدِّد عليهم ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله، بعد أن شَدَّدوا على أنفسهم عليهم وكتب ذلك عليهم] . الشاهد في الآية الكريمة إخوتي الكرام {ورهبانية ابتدعوها} : أي اخترعوها هذا هو معنى البدعة في لغة العرب ما أحدث على غير مثال سبق، سواء كان محموداً أو مذموماً في أمر الدين وفي أمر الدنيا، وأما البدعة في الاصطلاح الشرعي وهي محل بحثنا، فهي: (ما أحد في دين رب العالمين، مما يدل عليه دليل مستقيم) عبارات أئمتنا الكرام المهتدين تدور حول هذا المعنى، أحدث في دين الله تعالى لأجل أن يتقرب به الناس إلى الله، ولا يوجد دليل يدل على هذا. والإمام الغزالي رحمة الله عليه، في كتابه الإحياء عرف البدعة في عدة أماكن من كتابه بعدة تعريفات تعود إلى هذا، فقال: البدعة: ما تضاد سنة ثابتة وتراغمها: أي تقابلها وتعارضها وترفعها وتزيلها، هذا هو حد البدعة وهذا هو رسمها، ويمكن أن يقال في تعريف البدعة أيضاً بتعريف جامع فنقول: البدعة: هي الحدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان، ولا يدل على ذلك دليل من أدلة الشرع الحسان، ويزعم الإنسان بذلك الحدث التقرب به إلى الرحمن. وهذه البدعة المخترعة في الدين التي لا يشهد عليها دليل قويم، لا تكون إلا مذمومة باطلة ن والعامل بها مذموم ضالّ مبتدع، وعليها يتنزَّل ما في المسند والسنن الأربعة، إلا سنن النسائي، والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم، وسيأتينا الحديث بطوله عند التنفير من البدع والتحذير منها.

ومحل الشاهد في الحديث من رواية العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة] والحديث ثابت في المسند وصحيح مسلم وسنن ابن ماجة وسنن النسائي، من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فيما كان يقوله نبينا - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الجمعة، وسيأتينا لفظ الحديث بطوله أيضاً، ولفظ الحديث كما قلت – من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [وكل محدث بدعة وكل بدعةٍ ضلالة] زاد الإمام النسائي في سننه بإسناد صحيح [وكل ضلالة في النار] . فالمحدث في دين الله، ليتقرب به الإنسان إلى الله لا يكون إلا ضلالة بالتعريف المتقدم، ما أحدث في دين الله، فما لا يشهد له دليل، مما لا أصل له في الدين. إخوتي الكرام: نحو تعريف البدعة ينبغي أن نقف وقفة مع فرقتين اثنتين حصل في الأمة منهما بلاء وشر مستطير، أما الفرقة الأولى: فقد وسعت مفهوم البدعة لتدخل فيها ما لا ينطبق عليها، وأما الفرقة الثانية فقد ضيقت مفهوم البدعة وقالت لا بدعة في الإسلام وكل ما يفعله الإنسان ويريد به وجه الرحمن فهو مشروع من الخيرات الحسان، أما الفرقة الأولى: فقد تشدَّدت وغلت وأفرطت، وأما الفرقة الثانية: فقد قصِّرت وأجحفت وفرطت، ودين الله بين الغالي والجافي، وإذا كان الأمر كذلك فلابد إخوتي الكرام من معالجة هذه القضية ومناقضة هاتين الفرقتين اللتين تفسدان في أمة نبينا عليه الصلاة والسلام، فريق عن طريق الإفراط وفريق عن طريق التفريط. أما الفرقة الأولى التي أفرطت وأدخلت في البدعة ما لا يدخل فيها ولا ينطبق التعريف عليها، فأفرطت من وجهين اثنين: أولها: حكمت على أشياء بالبدعة وقد قام عليها الدليل وقال بها إمام جليل وما احتملته أدلته الشريعة المطهرة وقاله أئمتنا البررة لا يحكم عليه بالبدعية والتضليل إلا خبيث ضلّيل،

ثانيهما: (من الوجهين اللذين وسعا وأخطأ – كم قلت) الذي وسع هذا الفريق فيه مفهوم البدعة وأخطأ فيه، حكم على أمور بالبدعية، وقد قامت عليها نصوص صريحة شرعية. 1. في الصورة الأولى أدلة شرعية احتملت هذا الفعل فخرج عن كونه بدعة، مع احتمال الدليل له قال به عدد من أئمتنا، لكن ما راعى احتمال الدليل له ولا اعتبر أقوال أئمتنا نحوه، وبدأ يصول ويجول على أمة نبينا عليه الصلاة والسلام ويبدع الكبير والصغير، ويرد على المتقدم والمتأخر. 2. والحالة الثانية أفعال قامت الأدلة الشرعية على مشروعيتها، لكن ذلك الدليل ما قبله صاحب العقل الهزيل لما عمل حوله من قال وقيل، وقال هذا الفعل بدعة ولا بد إخوتي الكرام من التمثيل ليتضح الأمر. أما الأمر الأول، ما احتمله الدليل الشرعي وقاله أئمتنا ونقل عن سلفنا لا يحكم عليه بالبدعة، من حكم عليه بالبدعة فهو المبتدع الضال المضل، هذا إخوتي الكرام لابد عليه من تمثيل، وليوضح الأمر سأذكر صورتين اثنتين: صورة وقعت في سلفنا واحتلها الدليل الشرعي واختلفت الصحابة الكرام نحوها، لكن لما احتمل الدليل فهم كل منهم أقر كل واحد منهم صاحبه على فهمه، وقالوا نحن نريد بما نفعل وجه ربنا جل وعلا، فلا داعي أن يرد بعضنا على بعض ولا أن يضلل بعضنا على بعض. والصورة الثانية وقعت في هذه الحياة في هذه العصور المظلمة، وهي دون تلك بكثير وبدأ بعضنا ينبذ بعضاً بالبدع والضلال من أجلها، فاستمعوا إخوتي الكرام.

الصورة الأولى: ثبتت في صحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة] بعد أن انتهت موقعة الأحزاب، وكفى الله المؤمنين القتال وأرسل على المشركين ريحاً وجنوداً لم تروها، وعاد المشركون من قريش إلى مكة المكرمة وبنو قريظة من اليهود في المدينة المنورة قد نكثوا العهد وغدروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبصحبه الكرام، واتفقوا مع المشركين على الانقضاض على الدولة الإسلامية من داخلها ومن خارجها فبعد أن انتهت المعركة وذهب النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيته أتاه جبريل عليه السلام قال [وضعتم أسلحتكم؟ قال نعم، قال لكنا نحن في السماء لم نضع أسلحتنا، إن الله يأمرك أن تتوجه إلى بني قريظة، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - منادياً ينادي من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلَّينَّ العصر إلا في بني قريظة] والحديث في الصحيحين فأسرع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، إلى اليهود الملعونين ليصفوا الحساب معهم، وهم في الطريق أدركتهم صلاة العصر، فانقسمت الصحابة إلى قسمين: قسم قالوا لم يُرَدْ منا ذلك، لم يرد بقول النبي عليه الصلاة والسلام: لايصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة لم يُرَدْ منا التأخير، (لم يُرَدْ) ، (لم يُرِدْ) ضبط بصيغة المبني للمجهول والمعلوم وكل منهما صحيح، لم يُرِد’ منا النبي عليه الصلاة والسلام تأخير الصلاة بقوله، إنما أراد منا الإسراع، رد لم يُرَد من ذلك، لم يُرِد منا ذلك] وعليه ينبغي أن نصيلي العصر في الطريق، ثم نواصل سيرنا إلى بني قريظة، وقال الفريق الآخر النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة] فلا يضليها إلا في هناك، ولو صلينا بعد المغرب أو بعد العشاء هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، فصلَّى فريق منهم في الطريق، وصلَّى فريق منهم بعد غروب الشمس، عندما وصلوا بني

قريظة، فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة السلام فلم يعنِّف واحداً منهم، والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير بسند صحيح من رواية كعب بن مالك رضي الله عنه، وفيه أن الصحابة اقتسموا في الطريق، فقال فريق لم يُرد منا ذلك، إنما أريد منا الإسراع، وقال فريق آخر عزمة النبي صلى الله علية وسلم علينا، أى غرم علينا أن لانصلي إلا في بني قريظة فنحن في عزيمته، يقول كعب بن مالك: فصلى فريق منهم في الطريق، وصلى فريق منهم في بني قريظة، بعد غروب الشمس، فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام فلم يعنف واحدًا منهم. إن هذه الصورة لو وقعت في زماننا لأراق بعضنا دماء بعض من أجلها ونحن نزعم أننا نعبد ربنا، تأخير الصلاة عن وقتها من غير سبب من الكبائر، ولا سيما صلاة العصر التي إذا فاتت الإنسان فكأوتر أهله وماله وقد حبط عمله، ومع ذلك تؤخّر العصر وقوفا عند كلام نبينا عليه الصلاة والسلام [لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة] ، وأولئك يصلونها في الطريق تأويلاً لكلام النبي عليه الصلاة والسلام وفهما للمقصود من كلامه ألا وهو الإسراع، وقدا احتمل الدليل الفعلين فكل من الفعلين هدًى ولا يوصف واحد منهما بروًي.

وأنت وأهل الأرض إذا أعملوا عقولهم لا يستطيع أحد أن يقف على الراجح والمرجوح من هذا الفعلين، وفي مناظرة ومدارسة جرت لي مع بعض إخواننا، فذكرت هذا الحديث، وقلت هذا مما يدلّ على أن الحق يتعدّد على حسب مراد فاعله والله رحمته واسعة، فهنا الآن اختلفوا وكل منهم أقره النبي عليه الصلاة والسلام وما أنكر عليه، فأنت في رأيك أي الفرقتين مصيبة؛ قال: من ... (حقيقة غاب عنى قوله لغرابته) من أخر العصر وصلاها في بني قريظة أو لعله قال القول الذي يقابله أي من صلى العصر في الطريق، قلت له يا عبد الله؛ هبط عليك جبريل؟ وأخبرك بذلك أن هذا القول راجح وذاك مرجوح، نزل عليك جبريل؟ قال لا، قلت من أين تتكلم؟ أما تتقي الله في كلامك؟ يعنى ... (غير واضح) أننا نحن بدأنا نحكم على أنفسنا ثم على صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم، من أين علمت أن من صلى في الطريق أو في بني قريظة هو المصيب وذاك مخطئ، والله يغفر له خطأه ويثيب على اجتهاده، من أين علمت ونبينا صلى الله عليه وسلم عند ما عرض عليه الأمر أقر الفريقين ولم يعنف واحدا منهم. نعم أخواتي الكرام: ماذا أراد من صلى في الطريق، وماذا أراد من أخر العصر؟

في رواية كعب بن مالك يقول: (فصلى فريق في الطريق إيمانا واحتسابا وأخر فريق صلاة العصر فصلوها بعد غروب الشمس إيمانا واحتسابا) أي هم يؤمنون بالله، وبأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما ينطق عن الهوى، وقد بذلوا ما في وسعهم لفهم مراد النبي عليه الصلاة والسلام، وأرادوا بعملهم وجه الله، فمن صلى في الطريق فهو مؤمن محتسب، ومن أخر العصر وصلاها في بني قريظة فهو مؤمن محتسب، {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} (¬1) وهى النبات الخالصة صلى لأنه فهم هذا وأراد به وجه الله، وأخر الصلاة فهم هذا وأراد به وجه الله، فعلام يضلّل بعضنا بعضًا وعلام يكفر بعضنا بعضا، والأمر احتمله الدليل وإذا كنا نريد بفعلنا وجه الله الجليل فعلام الاختلاف وعلام القيل والقال؟ أخوتي الكرام: ذكر الله لنا جل وعلا في كتابه خصومة وقعت وعرضت على نبيين كريمين على نبي الله داود وعلى نبي الله سليمان على نبينا وعليهما الصلاة والسلام وقد حكم النبيان في هذه القضية، فأثنى الله عليهما، ثم أشار إلى فرية الابن على الأب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن لا يعنف ذاك، بل أثنى عليه ومدح وأثيب، يقول الله جل وعلا: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمنها سليمان وكلا آتينا حكماً وعلماً} (¬2) . ¬

_ (¬1) - الحج (37) (¬2) - الأنبياء (78)

والقصة مؤجزة مختصرة، رعت ماشية في حرث إنسان، قيل كان حبة، وقيل عنبا تدلّت عناقيده، رعته ونفشت فيه وأهلكته ليلا، ولم تبق منه شيئا، فرفعت القضية إلى نبي الله داود عليه الصلاة والسلام فقال لصاحب البستان: خذ الغنم مقابل ما أتلفته الغنم من زرعك، خذ الغنم، فعرضت القضية على نبي الله سليمان، فقال: لو كان القضاء لي لقضيت بخلاف هذا، فقال والده بأي شيءٍ تقضي يا بني؟ قال: كنت أعطي البستان لصاحب الغنم ليصلحه إلى السنة الآتية حتى إذا صار فيه الحب أو العنب أعاده صاحب الغنم لصاحب البستان وأخذ غنمه، وأعطى الغنم لصاحب البستان لينتفع بدرها وصوفها ونسلها ولبنها، فبعد ذلك إذا عاد بستانه كما كان أعاد الغنم لصاحب الغنم، فهذا ينتفع بنتاج الغنم مقابل ما فاته من نتاج وثمر بستانه، ذاك لا نضيع الغنم، فقضى داود بهذا بعد ذلك، والله أثنى على عبده سليمان، وعلى نبيه داود على نبينا وعليهما الصلاة والسلام. {ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكما وعلما} ثبت في صحيح البخاري معلقاً بصيغة الجزم عن الحسن البصري والأثر وصله الإمام ابن عبد البر في كتاب (جامع بيان العلم وفضله) والإمام أبو نعيم في حلية الأولياء عن الحسن البصري رحمة الله عليه أنه قال: (لولا هذه الآية لظننت أن القضاة هلكوا) فقد أثنى الله على سليمان بإصابته وعذر داود باجتهاده.

هذه الصورة الأولى: وقعت في السلف الأول في زمن الصحابة الكرام، لكن القلوب منورة والصدور منشرحة، والعقول زكية ذكية، فما حصل من جرَّاء هذا الخلاف أي مشكلة ردية، استمع بعد ذلك لمشاكلنا التي لا نهاية لها في عصرنا، وسأعرض نموذجاً صغيراً نحو هذه القضية، ليس فيه تأخير صلاة، إنما فيه هيئة من هيئات الصلاة المستجبات التي هي.. بإجماع.. إن تركتها عمداً لا يضرَّك وإن فعلتها فلا يضرك أيضاً فعلها على جميع الأقوال، سواء قلنا مشروعة أولاً، إن فعلتها لا تبطل صلاتك ولو لم تكن مشروعة عند من لا يقول بمشروعيتها، وإذا تركتها لا تبطل صلاتك ولا إثم عليك عند من يقول بمشروعيتها، ومع ذلك نختلف فيها ويضلل بعضنا بعضا، ونشتد في الكلام على سلفنا الكرام. هذه القضية إخوتي الكرام قضية العقد، وضع اليمين على الشمال بعد الرفع عنا لركوع، إذا رفع الإنسان من الركوع وقال: (سمع الله لمن حمده) فما الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها البدان، هل يرسلهما ويسبل يديه؟ كما هو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي رحمة الله عليهم، أو يعقدهما، كما كان يعقدهما قبل الركوع؟ فيضع اليمين على الشمال ويقبض على الشمال باليمين؟ كما كان قبل الركوع كما هو قول الإمام أحمد رحمة الله عليه، والإمام احمد خير المصلي وقال: (إن شاء عقد ووضع اليمين على الشمال، وإن شاء أرسل وأسبل يديه) لكن الحنابلة قالوا: العقد أفضل بعد الرفع من الركوع، يعني هذا قيام فيه ذكر مسنون، فيشرع فيه القبض، كما كان قبل الركوع، ولأن هذا آكد لخشوع الإنسان، والقلب هو محل الخشوع، والإنسان إذا أراد أن يحافظ على شيءٍ وضع عليه يديه، وقلبك إذا قمت ينبغي أن تضع يديك على قلبك من أجل المحافظة على خشوعك لئلا يكون في هذا القلب شيء من التسرب والوسوسة وحديث النفس، هذا مشروع وهذا مشروع، والكيفية التي ذكرها الإمام أحمد وقررها الحنابلة الكرام.

ورد الحديث محتملاً لها، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه يعني من الركوع وقال سمع الله لمن حمده ينتصب قائماً حتى يعود كل فقار إلى موضعه، كل عظم يعود إلى موضعه، قوله (إلى موضعه) هذا ينبغي أن ترسل اليدين. 1. إلى موضعه الطبيعي وعليه ينبغي أن ترسل اليدين. 2. إلى موضعه الذي كان عليه قبل الركوع فينبغي أن تعقد وأن تضع اليمين على الشمال وأن تقبض الشمال باليمين. يحتمل هذا، ويحتمل هذا، ولذلك قال الإمام أحمد عليه رحمة الله ورضوان: المصلى مخير إن شاء عقد، وإن شاء أرسل. وثبت في سنن النسائي بسند صحيح كالشمس من رواية وائل بن حجر رضي الله عنه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يصلي وهو قائم بقبض شماله بيمينه، إذا كان يضع يمينه على الشمال ويقبض باليمين على الشمال إذا كان قائماً، وهذا القيام عام، ما خصصه بالقيام الذي فيه قراءة وهو قبل الركوع، وعليه.. عموم هذا اللفظ وإطلاقه يشمل القيام الذي بعد الركوع وقبل الركوع والكيفية احتملها دليل شرعي وقال به إمام من أئمتنا، احتملها دليل وقال به إمام جليل. وهي هيئة من هيئات الصلاة مستحبة عند من قال بها، لو تركتها عند الحنابلة لا يضرك، وعند الجمهور لو فعلتها لا يضرك ولا حرج على صلاتك.. طيب.. إذا كانت المسألة في هذه السهولة علام نضخمها في هذا الوقت، وينبذ بعضنا بعضا بالبدعة والضلال، ونفرق بين أمة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -؟

أريد أن أقول لماذا يقال في هذه الأيام في التعبير عن هذه القضية فيقول: (وأما من قال، إن حديث أبي حميد رضي الله عنه يحتمل العقد والقبض بعد الركوع، فهذا قول باطل، من قال هذا هو قول باطل) ثم يقول: ولست أشك في أن هذه الكيفية أي وضع اليمين على الشمال بعد الرفع من الركوع لست أشك في أنها بدعة ضلالة، وإن قال بها الإمام أحمد، وقول الإمام أحمد بها لا يخرجها عن بدعيتها) . علام يا عبد الله؟ علام رمي كلام أئمتنا بالتبدع والتضليل وقد احتمله الدليل.. قال به إمام جليل، الأمة من أولها إلى آخرها ستحتكم إلى فهمك، ألا تتقي ربك فيما تقول: لا تشك في أنها بدعة ضلالة لو قلت: إن هذه الكيفية فيما يظهر لي أنها مرجوحة، لقلنا جزاك الله خيراً، هذا ما ظهر لك، ومع ذلك نقول: تأدب مع الأئمة وقل هذا وهذا مقرّر عند أئمتنا ولا حرج على الفاعل بكل منهما، لكن (لا تشك) هي قضية قطعية؟ ‍كأنها لا إله إلا الله محمد رسول الله، ليس هناك شك في المسألة، لا تشك يا عبد الله هذه كلها بنيت على أدلة أستنبط منها هذا الأمر، هي ظنية في القولين. ثم أقول لهذا القائل، ما الدليل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرسل يديه بعد الرفع من الركوع، لا دليل على ذلك، إذاً بقي هذا فهم من حديث، وذالك فهم من حديث، فعلام يقدَّم أحدُ الفهمين ويحكم له بالسنة والسلفية ويرد الفهم الثاني ويحكم عليه بالخطأ والبدعية، علام، هذه مسألة.. هيئة من هيئات الصلاة نختلف فيها – وكما قلت – لو أن المسألة الأولى وقعت فينا لضرب بعضنا رقاب بعض، تؤخر الصلاة عن وقتها، ولأراق دمك، بسم الله عز وجل، ولا يريق دمك إلا باسم الشيطان، سبحان ربي العظيم: هيئة من هيئات الصلاة على القول بمشروعيتها مستحبة، من أجل تتنابد الأمة بالبدعة والضلال؟ إن هذا والله حقاً من العار وهذا هو الانحطاط الذي تعيشه الأمة في هذه الأوقات.

إخوتي الكرام: لابد أن ننتبه لقضية قررها علماء الإسلام، وهذه القضية يذكرها الإمام أبن قدامة في كتابه المغني في المقدمة، وينقلها شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في مجموع فتاويه 30/80 وهي (إن اتفاق أئمتنا وإجماعهم حجة قاطعة وأما اختلاف أئمة الإسلام رحمة واسعة) . قال الإمام ابن قدامة في مقدمة المغني: (تحيا القلوب بذكرهم، وتحصل الخيرات والبركات باقتفاء آثارهم) . إجماع أئمتنا حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، قلوبنا تحيا عندما نذكرهم ونترحم عليهم، يحصل لنا السعادات والخيرات والبركات عندما نقتفي آثارهم فالإجماع حجة والأختلاف بين أئمتنا رحمة واسعة تتسع له صدورنا ونقول كل يريد وجه ربنا، وعليه إذا قبضت أو أرسلت فأنت على هدى، كما قرر أئمة الإسلام. وهذا القول أعني أئمتنا حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة هذا القول تتابع عليه أئمة الإسلام، ولا يُنكره إلا أهل البدع والضلال والهذيان، وقد قرر هذا الأمر شيخ الإسلام الإمام الخطابي (388هـ) في كتابه (أعلام الحديث) 1/220. فبعد أن نقل هذه المقولة إجماع العلماء حجة واختلافهم رحمة، قال: وهذا القول لم يطعن فيه غير رجلين، رجل مغموص عليه في دينه، ورجل معروف بالسخف والخلاعة في مذهبه. أما المغموص عليه في دينه فهو الجاحظ عمرو بن بحر والذي هلك سنة 250هـ أو 225هـ هذا الجاحظ الذي قال عنه أئمتنا كما في لسان الميزان لأبن حجر وسير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، يقول: ( ... ما جن في دينه مبتدع) قال ثعلب: (كان يكذب على الله وعلى رسوله وعلى عباده، وهو الجاحظ، يكذب على الله وعلى رسوله وعلى عباده، وختم الإمام الذهبي ترجمته بقوله: فسبحان من أضله الله على علم) . هذا المخذول يطعن في هذه المقولة ن ويقول: إن اختلاف العلماء ليس برحمة، إنما هذا بدعة، وعند الاختلاف ينبغي أن نأخذ بقولٍ ونردَّ ما عداه وأن نبدَّع المخالف.

والثاني هو إسحاق بن إبراهيم الموصلي.. صاحب كتاب الأغاني والذي هلك سنة 235هـ ولم يكتف أن أورد في كتابه الأغاني ما أورد، بل صدَّر كتابه بذم أهل الحديث، وعدم وجود العقل عندهم، عندما يروون الحديث، وهذا هو المعروف – كما قلت – بالسخف والخلاعة في مذهبه، هذان الرجلان طعنا في هذه الجملة، وجاء بعدهما صاحب الشذوذ (ابن حزم) وقال: هذه مقولة باطلة، ولو كان الاختلاف رحمة لكان الاجتماع عذاباً وهذا هو عين ما قاله الجاحظ وعين ما قاله إسحاق بن إبراهيم الموصلي وهذا كلام باطل، وقد فنده الإمام الخطابي في كتابه أعلام الحديث، فقال: إن الشيء وضده قد يجتمعان في الحكمة ويتفقان في المصلحة ن فإذا كان النهار صلاحاً ومعاشاً لا يلزم أن يكون الليل فساداً وضلالاً، وإذا كانت الحياة سبباً والنعمة لا يلزم أن يكون الموت سبباً للشفاء والنقمة، إنما الموت له حكمة، والحياة لها حكمة، والنهار له حكمة، والليل له حكمة، وإذا كان النهار مصلحة لا يلزم أن يكون الليل مفسدة، فكم لظلام الليل عندي من يد تخبّر أن المانويَّة تكذب. فالاجتماع رحمة، واختلاف الأئمة فيما يشهد له الدليل رحمة، وما أحد قال إن الاجتماع نقمة، ونحن قلنا في أول المقولة، كما قال أئمتنا: (إجماعهم جحة قاطعة – ومخالف الإجماع ضالّ- واختلافهم رحمة واسعة) . إخوتي الكرام: هذا الأمر ينبغي أن نعيه في هذه الأيام على وجه التمام، لأن الأمة بدأت تتنابز بالضلال والفسق والبدعة دون بصيرة ولا بينة، والشيطان استحوذ على قلوب الناس إلا ما رحم ربك، وأفعال نقلت عن أئمتنا واحتملها الدليل الشرعي وقررها أئمتنا، في هذا العصر تنبذ بالبدعة ويقال: لا شك في أنها بدعة ضلالة.

ولا شك في أن هذا الكلام بدعة وضلالة، قائله ينبغي أن يتقي الله وأن يسكت، وإذا لم يسكت فينبغي أن يحجر عليه وأن يسكِّت، ولا يجوز أن يقال فيما احتمله الدليل وقال به إمام جليل بأنه بدعة ضلالة، هذا النموذج الأول شيء احتمله الدليل انظر لموقف سلفنا نحوه وانظر لموقفنا. أما الموقف الثاني: شيءٌ شهد له الدليل وقام عليه ثم كثر بعد ذلك حوله القال والقيل، بسبب وجود رأي هزيل، فاستمعوا لهذا إخوتي الكرام.

صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك هي قيام لليل، ولم يكن الاجتماع عليها في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام ولا في زمن أبي بكر ولا في صدر خلافة عمر، ونبينا عليه الصلاة والسلام صلاَّها وشرعها وصلاَّها بأصحابه ثلاث ليال، ثم ترك بعد ذلك خشية أن تفرض على الأمة، والأمر كما في مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن أبي داود من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه قالت: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته، يدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن تعمله الأمة ثم يفرض بعد ذلك هذا العمل على أمته، فلما كان الناس في عهد عمر رضي الله عنه في النصف الثاني من خلافته يصلون التراويح قيام الليل في المسجد مختلفين متفرقين ويشوش بعضهم على بعض، قال عمر رضي الله عنه: أرى لو جمعناهم، ثم جمع الرجال على أبي بن كعب، كما ثبت هذا في صحيح البخاري ومصنف عبد الرزاق وشرح السنة للإمام البغوي وموطأ الإمام مالك وجمع النساء على تميم الداري رضي الله عنه كما في سعيد بن منصور، وعلى سليمان بن أبي خيثمة كما في كتاب قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي، والتوفيق بين جمع النساء على تميم وعلى سليمان، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: لعل ذلك في وقتين، يعنى أحياناً كان يصلي تميم في بعض السنوات وأحياناً سليمان بن أبي خيثمة، تميم صحابي، وأما سليمان بن أبي خيثمة فقد ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال ابن سعيد في الطبقات (له رؤية لنبينا عليه الصلاة والسلام، وقد أورده الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز أسماء الصحابة في الفصل الثاني من حرف السين ليشير إلى أنه ولد في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هناك خلاف حول صحبته، وعل كل حال هو من الصالحين الأبرار، وكان عمر رضي الله عنه يعهد إليه في خلافته بأن يتفقد أحوال السوق، سليمان بن أبي خيثمة يؤم النساء هو وتميم، وأبي بن كعب يؤم الرجال وقد

كانت الصلاة في ذلك الوقت عشرين ركعة، ويوترون بثلاث، هذا في فعل الخليفة الراشد الهادي المهدي عمر بن الخطاب، ورد هذا في موطأ الإمام مالك عن يزيد بن رومان قال: كانت الصلاة يعني صلاة القيام في رمضان ثلاثاً وعشرين ركعة على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثلاثاً وعشرين، عشرون منها التراويح، ويوترون بثلاث. وهذا الأثر وإن كان منقطعاً فيزيد بن رومان لم يدرك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وهو من التابعين الكرام (130هـ) وحديثه في الكتب الستة، إمام ثقة عدل فاضل رضي الله عنه، لكن ورد الأثر متصلاً صحيحاً ثابتاً بسندٍ كالشمس وضوحاً، وكالقمر سطوعاً، والأثر في سنن البيهقي من رواية السائب ابن يزيد وهو من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، قال: كنا ننصرف من القيام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد قارب بزوغ الفجر، وكانت الصلاة ثلاثاً وعشرين ركعة، يصلون عشرين ويوترون بثلاث، وهذا الأثر صححه الإمام النووي وصححه الإمام ابن العراقي في كتابه طرح التثريب في شرح التقريب 3/79، وصححه السيوطي وصححه جمٌ غفير من أئمتنا، يصلون التراويح عشرين ويوترون بثلاث، هذا الذي فُعل في عهد عمر رضي الله عنه، وهذا الذي عليه الجمهور، أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين أن السنة في صلاة التراويح عشرون ركعة والوتر ثلاث ركعات.

والإمام مالك أدرك العمل في عهده على خلاف ذلك، فقال بموجبه، فكان أهل المدينة في زمن الإمام مالك يصلون التراويح ستاً وثلاثين ركعة ويوترون بخمس، فمجموع صلاتهم إحدى وأربعون ركعة، وإنما كان يفعل أهل المدينة هذا بعد عمر اجتهاداً منهم، لأن أهل مكة كانوا يطوفون بعد كل ركعتين سبعة أشواط، فأراد أهل المدينة أن يحصلوا ما يقارب أهل مكة في الفضل، فكانوا بدل الطواف – فليس عندهم كعبة يطوفون حولها بالمدينة المنورة، فكانوا يضاعفون الصلاة، فبدل الطواف يصلون ركعتين، فالعشرون صارت كما قلت إلى واحدة وأربعين، وأولئك يصلون عشرين، هذا كله مقرر في كتبنا عند أئمتنا، ولا قائل بغير ذلك، وعليه صلاة التراويح عند الأئمة الأربعة الكرام البررة عشرون ويوتر بثلاث، وإما ست وثلاثون ويوتر بخمس. قال الإمام ابن العراقي، ولي الدين، في كتاب طرح التثريب في المكان المشار إليه: ولما صار والدي يعني شيخ الإسلام الحافظ الإمام عبد الرحيم ابن الحسين الأثري العراقي، شيخ الإمام ابن حجر، يقول لما صار والدي إماماً في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كان في القرن الثامن للهجرة – أحيا السنة القديمة مع المحافظة على فعل أهل المدينة، فكان في أول الليل يصلي عشرين ويوتر بثلاث ويقرأ جزءاً فيختم مرتين في رمضان، فبعد منتصف الليل يصلي ست عشرة ركعة أيضاً وخمس ركعات بعدها لأجل أن يكون مجموع الصلاتين كما كان يفعله أهل المدينة في عهد الإمام مالك رضي الله عنه وكما كان في عهد عمر رضي الله عنه، وفي أول الليل يجعل الصلاة على الكيفية التي كانت في عهد عمر عشرين ويوتر بثلاث، ثم يضم في آخر الليل بما يلتحق به ما قرره الإمام مالك محافظة على المقرر في المذاهب الأربعة، وأن لا تجزم به على نفسك، يقول عنه الإمام ابن قدامة في المغني (وهذا كالإجماع) .

ويقول عنه ولي الدين العراقي في طرح التثريب: (وهذا كالإجماع) ولإمام الترمذي في سننه (وقد توفي 275هـ أو 279هـ) يقول: (أكثر أهل العلم أن عدد صلاة التراويح.. القيام.. في شهر رمضان ما نقل عن عمر وعلي أنها عشرون ركعة ويوترون بثلاث) ، هذا أكثر أهل العلم، وأي أهل العلم؟ يعني في القرن الأول والثاني من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا موجود في دواوين السنة، أكثر أهل العلم أن صلاة التراويح عشرون ركعة ويوترون بثلاث، كما نقل عن عمر وعلي رضي الله عنهما. هذا الفعل المقرر الذي هو سنة ينبغي أن نأخذ بها، يأتيك ضالون في هذا الوقت فيقولون: صلاة التراويح السنة فيها ثمان ركعات ويوتر بثلاث، ومن زاد على ذلك فهو مبتدع، أي بدعة أيها المبتدع فيما يفعله المذاهب الأربعة؟ فعل فعله أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب وبعده علي والصحابة الكرام، وهذا الذي استمر في بلاد الإسلام إلى هذا الزمان وهو المقرر عند أئمتنا الكرام، يقال عنه في هذه الأيام هذا بدعة. ولما جرى لفظ في بعض البلاد حول صلاة التراويح، وألزموا من الجهة المسؤولة بالعشرين والإيثار بثلاث بدأ كثير من طلبة العلم يتأففون ويلعنون ويقولون أمرنا بالبدعة، العشرون بدعة ضلالة لا ينبغي نصليها في المساجد، سبحان ربي العظيم، وصلنا إلى عصر يلعن فيه الآخر الأول، والتأخر المتقدم، هذا فعل منقول عن عمر، أو ليس فعل عمر سنة؟ بلى وربي إنه سنة ثابتة.

ثبت في المسند وسنن الترمذي وابن ماجة، والحديث رواه ابن حبان والحاكم في المستدرك ورواه أبو نعيم في الحلية والحميدي في مسنده وهو في كتاب السنة لأبن أبي عاصم، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ورواه البيهقي في السنن الكبرى، والطحاوي في مشكل الأثار والدارقطني في سننه بسندٍ صحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر] ، والحديث ثبت من رواية ابن عمر ومن رواية عبد الله ابن مسعود ومن رواية أنس رضي الله عنهم أجمعين. وشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاويه في عدة أماكن من هذا الكتاب 2/272 و 23/112 و120، يقرر أن الثابت في عهد عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يصلون عشرين ركعة ويوترون بثلاث. وترى كتباً في هذه الأيام تتطاير هنا وهناك، جائزة 500 ليرة سورية لمن يثبت أن صلاة التراويح عشرون ركعة. أما ترجع عن سفاهتك وغيَّك أيها الضال المبتدع وأي إثبات تريد بعد أن فعلها هذا الخليفة الراشد، وحكى الإمام الترمذي في سنن هذا القول عن أكثر أهل العلم، وهو الذي قال به الأئمة الثلاثة، والإمام مالك يقول ست وثلاثون ويوترون بخمس، أي دليل تريد أكثر من هذا؟ أي دليل تريد؟ تريد أن يخرج النبي عليه الصلاة والسلام من قبره ليقول لنا التزموا بما فعل عمر رضي الله عنه، صلاة التراويح عشرون ركعة، تريد هذا؟ وأنت تعلم أن هذا غير ممكن – ولذلك تجادل بالباطل وتنشر رسائل هنا وهناك جائزة كذا، وصارت القضايا العلمية في هذا الهزال؟ وكأنها في سوق حراج، القضايا العلمية تبحث، من الكتب الشرعية في دواوين السنة وكتب أئمتنا الفقهاء ومن يقول: إن صلاة التراويح عشرون ركعة، من يقول عنها إنها بدعة فهو المبتدع الضال المخرف، الذي يبدّع ما كان عليه سلفنا، فانتبهوا لهذه القضية.

إخوتي الكرام: صلاة التراويح صلاَّها عمر رضي الله عنه بهذه الشاكلة وتناقلها عنه أئمتنا وقال عدد من أئمتنا هي كالإجماع، أي هذه المسألة كأنها مُجمَع عليها، ولا خلاف فيها أنها عشرون ركعة ويوترون بثلاث. وحقيقة ينبغي على مساجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بلا استثناء أن تتقيد بهذه الكيفية التي فعلها هذا الخليفة الراشد، وتضييع هذا من علامات ضياع الأمة. نعم لا يلزم أحداً بصلاة عشرين، فمن شاء أن يصلي عشرين أو أربعين أو مائة أو مائتين أو ركعتين أو أن يصلي صلاة القيام فأمره إلى الله، لكن الكيفية المعلنة ينبغي أن تكون على حسب ما هو مقرر في كتب أئمتنا، لا على حسب تخريص المخرصين في هذا الحين ولا في غيره. فلنلتزم بهذه الكيفية في المساجد الشرعية، ثم بعد ذلك أراد الناس أن يصلوا ثماني ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين، فهم وما يطيقون، وأما أن يكون هذا شعاراً لبلاد المسلمين أنهم يصلون ثمان ركعات ويوترون بثلاث وكأنما قرره أئمتنا ليس بصحيح ولا ثابت. إخوتي الكرام: لابد من ضبط هذا الأمر وأن صلاة التراويح عشرون ركعة ونوتر بثلاث، وهذا هو الذي عليه الجمهور كما قلت، والقول الثاني ست وثلاثون ونوتر بخمس كما هو قول الإمام مالك وفعل أهل المدينة هذا بعد عمر رضي الله عنه لعلة ذكرتها، فكونوا على علم بها، لكن أصل الثبوت عشرون وثلاث ركعات وتراً، كيفية شرعية واردة عمن أمرنا خير البرية - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء به وهو عمر رضي الله عنه والأمة كأنها مجمعة على ذلك، يتنابزون الضلال فيما بينهم في هذه الأيام،

يا عبد الله، إن صليت ثماني ركعات فمن يمنعك؟ لكن لم ستلزم الأمة برأيك؟ وهل تقدم رأيك على رأي أبي حنيفة ومالك والإمام أحمد؟ أو لست أنت تدعو وغيرك إلى احترام السلف؟ أي احترام لهم إذا نبذنا أقوالهم وراء ظهورنا وقلنا إن العشرين تعتبر بدعة؟ أي احترام منا لأئمتنا ولسلفنا؟ إذا كنا ننبذ أقوالهم بأنها بدعة وضلال وتخريف؟ هذا مثال، قام الدليل على اعتباره وهو فعل الخليفة الراشد يحكم عليه في هذه الأيام بأنها بدعة ضلالة.

وانظروا لفقه أئمتنا ولاجتهادهم فيه، في أمور ديننا، روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى والأثر انظروا في الجزء 5/212 أن الإمام الشافعي عندما حج وجلس في فناء زمزم وقال سلوني، لا تسألوني عن شيءٍ إلا أجبتكم عنه من كتاب الله تعالى، فقيل له: ما تقول يا أبا عبد الله في المحرم يقتل الزنبور؟ وهل عليه فدية؟ وهل يباح له أن يقتل الزنبور؟ وهي الحشرة التي تكبر النحلة وتلسع لسعاً قريباً من لسع العقرب، هل عليه حرج بقتل الزنبور؟ وهل هناك دليل على قتل الزنبور؟ هات آية من القرآن على ذلك؟ ما تقول في المحرم يقتل الزنبور هات آية؟ وأنت تقول سلوني لا تسألوني عن شيءٍ إلا أجبتكم عنه من كتاب الله تعالى، فانظر لفقه الشافعي، وانظر لسفاهة المعاصرة في هذا الحين، فقال أبو عبد الله الشافعي رحمه الله تعالى قال تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام [اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر] وقد قضى عمر بأن المحرم يقتل الزنبور ولا حرج عليه، إذاً قضاء عمر كأنها آية في كتاب الله، لأن الله أمرنا بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، ورسولنا أمرنا باتباع عمر، فما قضى به عمر دل عليه كلام الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال هذه آية من القرآن بأن الزنبور لا حرج على المحرم في قتله، والله أمرنا بطاعة النبي عليه الصلاة والسلام، في القرآن ونبينا عليه الصلاة والسلام أمرنا بطاعة هذا الخليفة الراشد رحمة الله ورضوانه عليه، وعليه عندما نطيعه فقد حققنا مدلول القرآن {وما آتاكم الرسول فخذوه} . أنظر لهذا الفقه، وانظر للسفاهة والفسق في زمننا، يرفع صوته بلا حياء، لا من الله ولا من عباد الله، بأن هذه الكيفية عشرون ركعة بدعة ضلالة، ثم بعد ذلك يشيع في الأمة بأن الأمة بدأت تصحو وتستيقظ من سباتها وبدأ المسلمون يصلون في مساجدهم ثمان ركعات ويوترون بثلاث.

والله لو كان عندنا قلوب تخشى علام الغيوب لتفطرت عندما نرى هذه المساجد بيوت ربنا في هذه الحالة، ويكفينا سفاهة وضلالة أنا خرجنا عن هدي أئمتنا، ولم نتبعهم فيما قرروه من أمور ديننا، وجاء بعد ذلك المتأخرون المتطفلون ينبذ هذه الكيفية بأنها ضلال، وأن السنة الثابتة هي كذا، وكأن الأمة الإسلامية منذ عهد عمر إلى من بعده لا تعي السنة ولا تعرفها. إخوتي الكرام: لابد من وعي هذه القضية. المثال الثاني: الذي أردت أن أذكره طويل أرجئه – إن شاء الله – أيضاً إلى أول الموعظة الثانية لأذكر هـ ولأذكر أيضاً إن شاء الله الفريق الثاني الذي هوَّن من شأن البدعة وقال: لا بدعة في الإسلام، وحولوا بعد ذلك بيوت الله إلى مراقص ينبحون فيها كما تنبح الكلاب، ويزعمون أنهم يذكرون الكريم الوهاب، وإن قلت لهم كيف تفعلون هذا؟ يقولون نذكر الله بعبادات لم ترد بها شرع الله، يحرِّفون أيضاً ذكر الله ويرقصون في بيوت الله ثم بعد ذلك يقولون: إننا نذكر الله، ولا بدعة في الإسلام، إنما نريد بذلك وجه الله. ليس من طريق المسلمين التهويل ولا التهوين ولا الإفراط ولا التفريط، إنما طريقنا صراط مستقيم، ودين الله بين الغالي والجافي. أسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يجعل هوانا تبعاً لشرع نبينا عليه الصلاة والسلام وأن يرزقنا اتباع أئمتنا، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء ولمرسلين، وسلم تسليماً كثيرا، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

عباد الله: كنت ذكرت أمثلة كثيرة في المواعظ السابقة مما ورد بها دليل شرعي صحيح صريح وكيفية ذلك الأمر ليس مما يحتله الدليل، إنما مما ورد التصريح به في الدليل، ومع ذلك يكثرون حوله اللغط والقال والقيل، ومن تلك الكيفيات التي ذكرتها أمر موجز لابد من التنبيه عليه، موضوع التبرك بالصالحين، وقلت هذا الأمر إخوتي الكرام قرره نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا كلام لمتكلم، وهذا هو المنقول عن سلفنا الكرام وعن أئمة الإسلام، وإذا كان من يدعي في هذه الأيام بأنه لابد من الرجوع إلى الكتاب والسنة وسلف الأمة فعلى الرأس والعين، ولا خير فيمن لم يلتزم بذلك، ولكن أريد أن أعلم كيف تطرح السنة باسم السنة؟ ثبت في معجم الطبراني الأوسط، والحديث انظروه في مجمع الزوائد 1/214، والحديث رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وأصله مروي مختصراً في مصنف عبد الرزاق ورجال الحديث موثقون وإسناد الحديث حسن، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين) . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث إلى المطاهر – وهي الأمكنة التي يتوضأ منها الصحابة الكرام فيؤتى بالماء الذي يتوضأ منه الصحابة ما فضل من وضوئهم، من الماء الذي توضأوا به، لأن هذه الأيدي عندما امتدت إليه لتباشر هذه العبادة الجليلة صارت لهذه الفضلة بركة ومنزلة وشأن، فيعلِّمنا نبينا عليه الصلاة والسلام هذا الأمر كان هو يقوم به ويفعله وهو المبارك الذي يتبرك به حياً وميتاً، فكان يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين.

والحديث كما قلت حديث صحيح وهو في هذه الكتب التي ذكرتها، وهكذا قرره أئمتنا، والزعم بعد ذلك بأن التبرك بالرجل الصالح عند ما نصافحه ونرجو البركة، عندما نقبل يده مثلاً نرجو البركة، عندما ... عندما ... الزعم بأن هذا شرك، سبحان ربي العظيم، عندما تقبل الحجر الأسود وتلمسه هذا شرك؟ هل أنت تعبد الرجل الصالح؟ وهل أنت تعبد الحجر الأسود؟ أم تعبد رب هذا الرجل، ورب هذا لحجر الأسود؟ إنما أنت تعظم ما عظمه الله، وتحترم ما أمرك الله باحترامه، {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} ، وإذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام يفعل هذا، فمن المعترض بعد ذلك؟ ينبغي أن تقطع رقبته أو أن يقطع لسانه. بعد أن يفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ويتناقله أئمتنا الكرام، من المعترض؟ وعلام اللغط؟ وإذا أردتم أن تقولوا شيئاً فانسبوه إلى من قال به من أئمة الإسلام، فأما أن تقول: هذا خرافة، وهذا بدعة، وهذا ضلالة، فأخبرونا من الذي قال بقولكم؟ ومن ذكر هذا الحكم الذي تذكرونه؟ فإن كان من بنيات أذهانكم فما أنتم ممن يعوّل عليه في هذا العصر الهابط، وإن كنتم تنقلون عن سلفنا فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين. إخوتي الكرام تقدم معنا هذه القضية أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه دخل على سيدنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد انتقاله إلى جوار ربه فأكب عليه وقبله عليه الصلاة والسلام، والحديث كما تقدم معنا في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري وسنن النسائي وغير ذلك، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يفعل هذا بالصالحين من الصحابة الكرام عندما يموتون. ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة إلا النسائي وقال الترمذي إسناده حسن صحيح، عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن عثمان ابن مظعون لما توفي أكب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه وقبله ثم رفع رأسه والدموع تنهمر من عينيه.

قال الشوكاني في نيل الأوطار عند هذين الحديثين في كتاب الجنائز 4/25 وفي هذا الحديث.. في فعل أبي بكر رضي الله عنه مع نبينا عليه الصلاة والسلام ثم بفعل نبينا عليه الصلاة والسلام مع عثمان بن مظعون يقول: وفي هذا الحديث جواز تقبيل الميت تعظيماً وتبركاً، ثم قال الإمام الشوكاني: وهذا اجماع لأنه لم ينتقل أن أحداً أنكر على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه. سبحان ربي العظيم، أمر يفعله نبينا عليه الصلاة والسلام نحو الماء ونحو الصحابة رضي اله عنهم أجمعين، وأمر يفعله أبو بكر رضي الله عنه مع نبينا عليه الصلاة والسلام، ويأتي أئمة الإسلام ويقولون هذا إجماع فلا منكر في هذه المسألة، ثم يأتيك تخريف المخرفين في هذا الحين فيقولون: هذا بدعة، وهذه ضلالة، سبحان ربي العظيم، لا يقنعكم كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ولا يقنعكم كلام السلف الصالح وفعلهم فمن تريدون بعد ذلك؟ أريد أن أقول كما قلت إخوني الكرام من يكثر اللغط حول هذه المسائل قل له سمِّ من قال بقولك هذا من سلفنا لينتهي القيل والقال، وليرتفع الجدال وينتهي المقال. أسال الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يجعل هواناً تبعاً لشرع نبينا عليه الصلاة والسلام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

اللهم اجعل لنا في قلوبنا نوراً وفي أسماعنا نورا وفي أبصارنا نوراً وفي آذاناً نوراً وعن أيمانناً نوراً وعن شمائلنا نوراً، ومن أمامنا نورا ومن خلفنا نوراً ومن فوقنا نوراً ومن تحتنا نوراً، اللهم اجعل لنا نوراً نمشي به إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم، اللهم رب جبريل وميكائيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحببنا فيه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه، اللهم صلِّ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينة في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك ومن المقربين لديك وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اجعل حبك وحب رسولك - صلى الله عليه وسلم - أحب إلينا من كل شيء، أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا وأولادنا، وأحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميعٌ قريب مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} .

إجلال الله وعظمته

إجلال الله وعظمته (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم إجلال الله وتعظيمه الجمعة22/4/94 ... ... ... ... ... ... ... ... 26 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون. وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاُ كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

إن المساجد هي أفضل البقاع وأحبها إلى رب الأرض والسماء ففيها نوره وهداه وإليها يأوي الموحدون والمهتدون وحقيقة حقيقة هم الرجال الذين يتصفون بأطيب الخصال لا تلهيهم البيوع والتجارات عن طاعة رب الأرض والسماوات وهم الذين يعظمون الله فيسبحونه ويصلون له وهم الذي يشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم وهم الذين يخافون من ربهم ويستعدون للقائه في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. نعم إخوتي الكرام هؤلاء هم الرجال حقا أحسنوا صلتهم بربهم عز وجل وأحسنوا صلتهم بعباد الله فعظموا الله جل وعلا والوجل منه وهذا من علامة سعادتهم كما قال العبد الصالح أبو عثمان النيسابوري وهو سعيد بن إسماعيل الذي توفي سنة 298هـ للهجرة يقول هذا العبد الصالح من علامة سعادة الإنسان أن يعمل الصالحات وأن يطيع رب الأرض والسماوات ويخاف أن يكون مردودا مطرودا ومن علامة شقاوة الإنسان أن يعمل السيئات ويرجو بعد ذلك أن يكون مقبولا. وهؤلاء العباد عظموا الله عز وجل وأحسنوا إلى عباد الله وأشفقوا عليهم ومع ذلك يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار. إخوتي الكرام وهذه الصفة الرابعة التي نعتهم الله بها في القرآن كنا نتدارسها وقلت سنتدارسها ضمن مبحثين اثنين حول الخوف وحول يوم القيامة أما الخوف فقد ذكرت أننا سنتدارسه أيضا ضمن أربعة مراحل مضى الكلام على ثلاث منها فيما يتعلق بتعريف الخوف ومنزلة الخوف في شريعة الله وثمرة الخوف وما يحصله الخائف من ربه من ثمرات طيبة في العاجل والآجل في الدنيا والآخرة وبقي علينا الأمر الرابع المتعلق بالخوف ألا وهو أسباب خوف المكلفين من رب العالمين. إخوتي الكرام إن أسباب الخوف كثيرة وفيرة وهي على تعددها أن تحصر في ثلاثة أسباب: أولها: تعظيم الله جل وعلا وإجلاله.

ثانيها: الخشية من التفريط الذي يتصف به الإنسان نحو ذي الجلال والإكرام سواء كان ذلك التفريط متعلقا بفعل الطاعات أو ارتكاب المحظورات. ثالثها: وهو الذي يقطع قلوب الصالحين والصديقين خشية سوء الخاتمة. فهذه الأمور الثلاثة تدعوا هؤلاء الرجال إلى الخوف من ذي العزة والجلال تعظيم الله جل وعلا وخشية تفريطهم في جنب ربهم جل وعلا وبعد ذلك لا يعلمون بأي شيء وسيختم لهم وهذه الأسباب الثلاثة سنتدارسها إن شاء الله في هذه الموعظة وفيما بعدها فلنتدارس في هذه الموعظة: السبب الأول منها: الخشية من التفريط الذي يتصف به الإنسان نحو ذي الجلال والإكرام سواء كان ذلك التفريط متعلقا بفعل الطاعات أو ارتكاب المحظورات. مثالتها وهو الذي يقطع قلوب الصالحين والصديقين خشية سوء الخاتمة فهذه الأمور الثلاثة تدعوا هؤلاء الرجال إلى الخوف من ذي العزة والجلال تعظيم الله جل وعلا وخشية تفريطهم في جنب ربهم جل وعلا وبعد ذلك لا يعلمون بأي شيء وسيختم لهم وهذه الأسباب الثلاثة سنتدارسها إن شاء الله في هذه الموعظة وفيما بعدها فلنتدارس في هذه الموعظة السبب الأول منها: إجلال الله وتعظيمه. نعم إخوتي الكرام هؤلاء الرجال يجلون الله جل وعلا ويعظمونه لأنه عظيم لأنه جليل وينبغي لهذا العبد الضعيف الذليل أن يجل مولاه الكبير الجليل سبحانه وتعالى لا لعله سوى ذلك فأنت فقير والله غني وأنت ضعيف والله قوي وأنت ذليل والله جليل وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن تجل الله وأن تهابه وأن تخافه وكل من استحضر هذا المعنى لا بد وأن يخاف الله عز وجل. إخوتي الكرام الخوف من الله تعظيما له وإجلال له لا من أجل ثواب ولا من أجل خشية عقاب إنما هو إله عظيم جليل ينبغي أن نجله وأن نحاف منه وحقيقة من عرف الله جل وعلا وعرف أن ما يجري في هذا الكون من عرشه إلى فرشه ما هو إلا آثار أسماء الله وصفاته آثار صفات الجمال والجلال آثار صفات البر والقهر..

"قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير. تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب". فمن استحضر صفات الكريم الوهاب وأنها هي التي تعمل في هذا الكون من عرشه إلى فرشه لابد وأن يخاف الله جل وعلا لا بد وأن يجل الله جل وعلا. لابد وأن يهاب الله سبحانه وتعالى وأن يعظمه وهذا النوع هو أعلى أنواع الخوف وقد أمرنا الله بأن نخاف نفسه وأن نخشاه حق خشيته في آيات كثيرة من القرآن فقال جل وعلى في سورة آل عمران لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله شيء إلا أن تتقوا تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير. ويحذركم الله نفسه لا طمعا في ثوابه ولا خشية من عقابه ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير. قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد نعم إن هذا الخوف هو أجل وأعلى وأرفع أنواع الخوف وقد أشار إلى هذه المرئية في خوف الله جل وعلا الخوف منه لتعظيمه وإجلاله أئمتنا الكرام كما قال العبد الصالح ذو النون المصري وهو ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض توفي سنة245هـ من العلماء الربانيين الكرام كان مستجاب الدعوة ولما توفي عليه رحمة الله أظلت الطير جنازته حتى دفن ذو النون المصري ومن كلامه العذب المحكم أنه كان يقول من تطأطأ لقط رطبا ومن تعالى لقي عطبا. من تواضع في هذه الحياة لقي رطباً والرطب يجنيها الإنسان عندما يلتقطها من الأرض ومن تعالى وشمخ بأنفه لقي عطبا.

ومن كلامه المحكم الذي تناقله أئمتنا عنه وأكثروا من ذكره ومن اللهج به وبخاصة شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية عليهم رحمات رب البرية كان يقول هذا العبد الصالح والله ما طابت الدنيا إلا بمعرفة الله وبمحبته وما طابت الآخرة إلا بمغفرة الله ورحمته وما طابت الجنة إلا برؤية الله ومشاهدته. يقول هذا العبد الصالح ذو النون مشير إلى هذه الرتبة من أنواع خوف الكلفين من رب العالمين خوفهم إجلالا له وتعظيماً يقول خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي. ويريد بذلك رحمة الله أي أن الرجال الكاملين يخشون من فراق رب العالمين ومن غصبه عليهم أضعاف أضعاف ما يخشونه من نار الجحيم خشية النار الخوف من النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي. ويحذركم الله نفسه. نعم إخوتي الكرام إن هذه الرتبة هي أجل أنواع الخوف أن تخاف من الله إجلالا له وتعظيماً له وهكذا أن تعبده لأنه إله عظيم يستحق العبادة سواء أمرك بالعبادة أولا وسواء سيثيبك على العبادة أولا وسواء نهاك عن مخالفته أولا وسواء سيعذبك على المخالفة أو لا أنت تطيعه وتعبده لأنه إله عظيم فتقوم بحقوق ربك عليك في كل حين ويحذركم الله نفسه وإذا ما أمرنا الله بعبادته هل يصلح منا أن نتخلى عنه وألا نلجأ إليه وإذا ما جعل الله في الآخرة جنة ولا نار هل يصلح منا أن نبتعد عنه: هب البعث لم تأتنا رسله ... وجاحمة النار لم تضرم أليس من الواجب المستحقَّ ... عبادة رب الورى الأكرم أليس من الواجب المستحِقِّ ... الحياء من الرب المنعم هب أنه ليس هناك بعث وليس هناك نار تضطرم يوم القيامة وتغلي وتفور أليس من حق الله علينا أن نعبده وأن نعظمه وأن نجله وأن نستحي منه. بلى وعزة ربنا وهذا المعنى قرره أئمتنا الكرام وانظروه موسعا.

إخوتي الكرام: في كتاب مفتاح السعادة ومنشور ولايتي العلم والإرادة للإمام ابن القيم 2/88 وما بعدها وانظروا في مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد السادس عشر صفحة ثلاث وخمسين ومائتين وما بعدها فهذا هو أجل أنواع الخوف وعبادة الله تعظيماً له أعلى أنواع العبادات والسبب في ذلك أن من يخاف من الله إجلالاً له أعطى الرب حقه وقام بما ينبغي أن يقوم به العبد نحو سيده. والأمر الثاني أن من عبد الله جل وعلا تعظيماً له وإجلالا له ما جعل الله وسيلة لمنفعته وشهواته ولتنعمه وللذائذه إنما عبد الله لأنه إله عظيم يستحق منا العبادة في كل حين كونه تكرم علينا بعد ذلك بجنات النعيم هذا زيادة إحسان وفضل منه كما أغدق علينا نعمة في هذه الحياة فضلا منه وكرما دون استحقاق للمخلوقات على خالقها وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. والأمر الثالث أن من عبد الله إجلالا له ومن خافه تعظيماً له لا ينقطع عن العبادة ولا يفتر عن الخوف وإن حصل مطلوبه وإن أسقط الله عنه الأمر والنهي وإن وإن فهو يقول أنا عبد وسيدي رب ولا يصلح للعبد إلا أن يخاف من الرب وأن يتذلل له سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام هذا أجل أنواع الخوف ويحذركم الله نفسه وقد أشار الله إليه في آيات القرآن وقدمه على الخوف من وعيده ومن النيران فقال جل وعلا في سورة إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم والآية تقدمت معنا في ثمرات الخوف ولكن انتبهوا لهذه الدلالة التي تطرب لها عقول الرجال يقول ذو العزة والجلال وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد نوعان من أنواع الخوف لمن خاف مقامي وتقدم معنا أن المصدر هنا إما أنه مضاف إلى الفاعل أو إلى المفعول وعلى الأمرين في ذلك دلالة على بحثنا ألا وهو أن الخوف من الله إجلالا له وتعظيما له هو أعلى أنواع الخوف ذلك لمن خاف مقامي ذلك لمن خاف قيام الله عليه بالإطلاع والمراقبة والإحاطة والقهر والسيطرة فأنت في قبضته وجميع من في هذا الكون من عرشه إلى فرشه تحت حكم الله جل وعلا ذلك لمن خاف مقامي قيام الله عليه بالمراقبة والإحاطة والقهر والسيطرة ذلك لمن خاف مقامي المصدر مضاف إلى المفعول إلى من خاف قيامه بين يدي في هذه الحياة وبعد الممات يعلم أنه فقير محتاج إلي في جميع الأوقات ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ذكر الله نوعين من الخوف قدم الخوف منه إجلالا له إلا الخوف من وعيده وعقابه وناره ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد

نعم إخوتي الكرام إن هذا النوع من أنواع الخوف هو أجل أنواع الخوف على الإطلاق ويحصل هذا النوع في نفس الإنسان عندما يعرف الإنسان الصلة الحقيقية بينه وبين ربه الرحمن فأنت فقير والله غني وأنت ضعيف والله قوي أنت ذليل والله جل وعلا جليل أنت لا تقوم بنفسك ومحتاج إلى ربك في جميع أحوالك والله هو الغني الحميد هذا أجل أنواع الخوف وكما قلت يترتب على معرفتك بنفسك ومعرفتك بربك ولذلك قال أئمتنا الكرام من عرف نفسه عرف ربه والأثر روى عن العبد الصالح يحيى بن معاذ الرازي الذي توفي سنة 258هـ وهو من العلماء الربانيين الصالحين في هذه الأمة وكان يقول: لا يزال العبد مقروناً بالتواني مادام مقيما على الأماني ومن كلامه المحكم عمل كالسراب يعني لا حقيقة له مشوب بالأخلاط والآفات عمل كالسراب وقلب من التقوى خراب وذنوب بعدد الرمل والتراب ثم تطمع بالكواعب الأتراب والنظر إلى وجهه الكريم الوهاب هيهات هيهات أنت سكرات من عبر شراب ثم يقول ما أجلّك لو بادرت أجلك ما أقوالك لو خالفت هواك.. يقول هذا العبد الصالح يحيى بن معاذ الرازي عليه وعلى جميع أئمتنا رحمات ربنا من عرف نفسه عرف ربه. وليس هذا بحديث ينسب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام كما توهم ذلك بعض الأنام وقد حقق أئمتنا الكرام هذا القول وبينوا أنه ينسب إلى هذا العبد الصالح منهم شيخ الإسلام الإمام النووي في فتاواه المشهورة. ومنهم أيضاً الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي ومنهم ابن قيم الجوزية 1/427 من مدارج السالكين ومنهم الإمام السيوطي وألف رسالة حول هذا الأثر لهذا العبد الصالح سماها القول الأشبه في بيان معنى حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه. وقد ذكر الإمام السيوطي عشرة أوجه في شرح هذا الأثر وحفظها الإمام ابن القيم عليهم جميعاً رحمة الله إلى ثلاثة معاني خلاصتها:

الأمر الأول: هو الذي يتعلق ببحثنا أن معنى هذا الأثر إما أن يكون من باب النفي أو الضدية أو الأولوية أما الضدية من عرف نفسه بصفات النقص والفقر والإحتياج عرف ربه بضد ذلك فإذا عرفت أنك فقير ضعيف محتاج ذليل عرفت أن الله جل وعلا بخلاف ذلك فمن عرف نفسه عرف ربه. ومن باب تكملة مضى الأثر على حسب المعنيين الآخرين من عرف نفسه من باب الأولوية عرف ربه أي عرف أن يتصف بحياة وعلم وقدرة ورحمة وغير ذلك من صفات الكمال التي تناسب حاله وهي محفوفة بالنقص من عرف أنه يتصف بذلك يعلم تعينا أن الله يتصف بذلك الكمال من باب أولى فالذي منحك حياة ناقصة فيه حياة كاملة والذي منحك علماً قليلا هو بكل شيء عليم والمعنى الثالث للأثر من عرف نفسه عرف ربه من باب النفي كما أنه لا يمكن أن تقف على حقيقة نفسك وإدراك كُنْهِ روحك فلن تقف على إدراك حقيقة ربك جل وعلا فالله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فإذا كنت تعجز عن إدراك حقيقة الروح ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيته من العلم إلا قليلا فأنت أعجز وأعجز عن إدراك حقيقة الرب جل وعلا ومالك إلا أن تؤمن بما أخبرنا الله جل وعلا عن صفاته وأن تُمِدّه حسب ما يليق بذاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الشاهد المعنى الأول من عرف نفسه عرف ربه عن طريق الضدية إذا علمت أنك فقير فالله هو الغني فالذي يحقق معرفة الصلة بين الخالق والمخلوق سيخاف من الخالق ويجله ويعظمه وهذا هو خوف الإجلال هذا هو خوف التعظيم لا لتفريط فيك ولا لانتظار خاتمة ستقابلك وتلاقيك لا إنما أنت تجل الله وتعظمه لأنه إله عظيم يستحق من عباده أن يجلوه وأن يخافوه وأن يهابوه وأن يعظموه في كل حين ويحذركم الله نفسه ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد.

إخوتي الكرام وإذا استحضر الإنسان ما لله من صفات حسان سيهابه ويخاف منه ويجله ويعظمه ولابد ويستحيل قطعا أن نستعرض ما لله من صفات الكمال في هذه الموعظة لكن سأشير إلى خمسة منها وهذا الصفات الخمس انتبهوا لها إخوتي الكرام وتقدم معنا أن ما في هذا الكون علوية وسفلية لا يتصرف فيه إلا صفات الله جل وعلا وكل ما يقع في هذا الكون من قبض وبسط من نعمة وضر كل هذا أثر صفات الجمال والجلال التي يتصف بها ذو العزة والجلال كل هذا أثر صفات الرحمة والقهر التي يتصف بها ربنا عز وجل الصفة الأولى في الله والتي إذا استحضرها الإنسان مع صفات الله سيخاف من الله ويجله ويعظمه لأنه يستحق ذلك صفة العلم وما أدراك ما صفة العلم يتصف بها ربنا جل وعلا فلا يخفى عليه بهذه الصفة خافية في الأرض ولا في السماء يعلم دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ومن استحضر هذا فسيخاف من الله وسيجله. وقد قرر أئمتنا في كتب التوحيد أن أعظم واعظ أنزله الله من السماء إلى الأرض وأبلغ زاجر نوّه الله به في كتبه التي أنزلها على رسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه أعظم واعظ وأبلغ زاجر إخبار الله لعباده بأنه يعلم سرهم وعنهم ولا تخفى عليه خافية منهم وهذا أعظم واعظ وأبلغ زاجر. تأمل معي آيات القرآن: "ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم".

هو مع الإثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والقليل والكثير معم بعلمه وإحاطته ومراقبته واطلاقه فلا تخفى عليه خافية من شئونهم ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور وهذا المعنى لا يخلو منه ورقة من ورقات المصحف تأمل القرآن من أوله إلى آخره لن تجد ورقة من ورقات القرآن تخلو من إخبار الله لعباده بأنه يعلم سرهم ونجواهم ولا تخفى عليه خافية منهم أينما كانوا سبحانه هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور.. هذا هو أبلغ واعظ وأعظم زاجر أنزله الله علينا لنزدجر به ولنعظم بسببه ربنا من علم أن الله عليم ولا تخفى عليه خافية من شئون عباده سيستحي من ربه ويهابه ويعظمه ويجله ولا يوجد أحد في الوجود يتصف بصفة العلم بكل شيء إلا الرب المعبود فهو بكل شيء عليم وكل من عداه يصدق عليهم قول ربنا جل وعلا وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.

العلم للرحمن جل جلاله وسواه في جهلانه يتغمغم ما للتراب وللعلوم وإنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم صفة العلم أنتقل منها إلى الصفة الثانية التي تخلع القلب وتوجب عليك هيبة الرب توجب عليك إجلال ربك والخوف منه جل وعلا تعظيماً لشأنه لا من أجل جنته ولا من أجل ناره تعظيما لشأنه فهو إله عظيم جليل ينبغي أن نهابه وأن نخاف منه في كل وقت صفة القدرة التي يتصف بها وينفذ بها ما شاء وما أراد سبحانه وتعالى لاراد الحكمة ولا معقب لقضائه هو على كل شيء قدير بكل شيء عليم على كل شيء قدير ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والعالم بأسرهم علويهم وسفليهم مشيئتهم مرتبطة بمشيئة ربهم وقد انتهى سعي الخلق والمخلوقات من عرش رب الأرض والسماوات إلى الثرى انتهى عند آيتين من كتاب الله عز وجل الآية في سورة الدهر في سورة الإنسان وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما والآية الثانية في سورة التكوير وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين. فمشيئة العباد مقيدة بمشيئة ربهم جل وعلا وإذا أشاءوا الشيء وارادوه وأذن الله لهم في مشيئته وإرادته لا يستطيعون أن ينفذوه إلا إذا أقدرهم الله على ذلك والله جل وعلا مشيئته مطلقة وقدرته كذلك ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن من استحضر هذا في صفات الله جل وعلا وأن الله يتصف به سيهابه ويخافه ويجله ويعظمه مشيئة الله جل وعلا وقدرته عامتان شاملتان لكل شيء سبحانه وتعالى.

وأما العباد فحالهم كما قال شيخ الإسلام أبو عبد الله الإمام الشافعي عليه وعلى جميع أئمتنا رحمات ربنا وهذا الكلام عنه ثابت صحيح كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن عبد البر في كتاب الانتقاء في تراجم الأئمة الثلاثة الفقهاء صفحة ثمانية في ترجمة الإمام الشافعي الذي لا يختلف فيه وهو أصح شيء عنه وأثبت ما قبل في الإيمان بالقدر وهذا الشعر نقله أئمتنا عن هذا العبد الصالح نقله الإمام البيهقي في الأسماء والصفحات وفي السنن الكبرى وفي كتاب الإعتقاد ونقله أيضاً في مجمل اعتقاد السلف عليهم جميعاً رحمة الله ونقله في كتاب البعث والقشور عن الإمام الشافعي ونقله أئمتنا خلاصة ما نقل عنه من أبيات تبين الصلة بين الخالق والمخلوق ويترتب عليها تعظيم المخلوق لخالقه وإجلاله له يقول الإمام الشافعي عليه رحمة الله: ما شئت كان وإن لم أشأ ... وما شئت إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ... ففي العلم يجري الفتى والمسن على ذا مننت وهذا خذلت ... وهذا أعنت وذا لم تعن فمنهم غني ومنهم فقير ... ومنهم قبيح ومنهم حسن ومنهم شقي ومنهم سعيد ... وكل بأعمالهم مرتهن من استحضر هذا سيهاب الله وسيجله وسيخافه قطعاً وجزما ويحذركم الله نفسه صفة القدرة وبها ينفذ الله ما شاء وما أراد فهو على كل شيء قدير كما أنه بكل شيء عليم.

والصفة الثالثة من الصفات الخمس التي سنتدارسها لتكسب قلوبنا الحياء من ربنا والخشية له جل وعلا تعظيما له صفة الغنى سبحانه عليم بكل شيء قدير على كل شيء غني عن كل شيء فما خلق العباد ليتعزز بهم من ذله ولا ليتكثر بهم من قله سبحانه لو أطاعه أهل السماوات والأرض لما زاد ذلك في ملكه شيئاً ولو عصاه أهل السماوات والأرض لما نقص ذلك من ملكه شيئاً سبحانه وتعالى هو الغني وكل من عداه فقير إليه يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز وأخص وصف في ربنا الغنى كما أن أخص وصف فيمن عداه الفقر وعلة احتياج العالم بأسره من عرشه إلى فرشه على احتياج المخلوقات إلى رب الأرض والسماوات فقرها وغنى الرب عنها فنحن الفقراء وليست علة احتياجنا إلى ربنا حدوثنا ولا إمكان حدوثنا كما قرر الفلاسفة والمتكلون لا ثم لا علة احتياج العالم إلى خالقه فقر المخلوقات وغنى رب الأرض والسماوات والفقير لا يستغني عن الغني فنحن نحتاج إليه بأكثر من عدد أنفسنا التي تتنفس بها من أجل ثبوت حياتنا الغنى عن الرب هو الغنى سبحانه وتعالى من استحضر هذه الصفة فيه سيخاف من الله جل وعلا إجلالا وتعظيماً لكن هذا المعنى لا يعرفه الفصل لذوي الفضل إلا ذو الفضل من الذي يهاب من الله عز وجل الأتقياء الأكياس الرجال الذين عظموا الله وأحسنوا إلى خلق الله ومع ذلك يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار غنى الرب جل وعلا هذا إذا استحضره الإنسان سيخاف من الله. يروي الإمام ابن القيم في مدارج السالكين عن شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله أنه أرسل له ورقة في آخر حياته وفيها مقدمة في التفسير وقد كتب على غلافها أبياتاً من الشعر يقول فيها: أنا الفقير إلى رب البريات ... أنا المسكين في مجموع حالاتي أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي ... والخير إن يأتنا من عنده يأتي ثم يقول عليه رحمة الله:

والفقر لي وصف ذات لا زم أبدا ... كما الغنى أبدا وصف له ذات وهذه الحال حال الخلق أجمعهم ... وكلهم عنده عبد له آت فمن يعني مطلبا من غير خالقه ... فهو الظلوم الجهول المشرك العاتي ... أخص وصف فينا الفقر وأخص وصف ربنا الغنى وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: أنا المكدي وابن المكدي ... وهكذا كان أبي وجدي هذا حالنا هذه صفتنا وتلك صفة ربنا وحقيقة من استحضر ضعفه وقوة الله ومن استحضر فقره وغنى الله ومن استحضر ذله وعز الله سيهاب من الله وسيخاف منه ولابد وهذا هو خوف الإجلال خوف التعظيم لا سبب آخر. والصفة الرابعة في صفات ربنا الكريم التي توجب علينا أن نجله وأن نعظمه اعترافا بحقه علينا دون شيء آخر سبحانه غني كريم بكل شيء عليم على كل شيء قدير غني عن العالمين هو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين يجب أن يجود وجوده بغير قيود ولا حدود سبحانه وتعالى من أجل ذلك خلق هذا العالم من أن يجود ويتكرم عليه. وقد أمرنا الله أن نسأله وأخبرنا أننا إذا لم نسأله فسيغضب علينا لأنه كريم كما أن العباد يغضبون من سؤالك فالله يغضب من عدم سؤالك وقارن بين الأمرين لتعلم عزة الربوبية وذله العبودية إذا سألت العباد غضبوا وضجروا وإن تركت سؤال الرب غضب عليك ومقتك وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون من عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقال ربنا جل وعلا وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا لي لعلهم يرشدون. وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه والحديث رواه الحاكم في مستدركه بسند صحيح كالشمس من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من لم يسأل الله يغضب عليه لم تتعرض لنفحات الله ولجوده ولكرمه من لم يسأل الله يغضب عليه".

من استحضر هذه المعاني في ربنا سيجله تعظيما له وحياءاً منه وإجلالا له سواء بعد ذلك أدخلك الجنة أو النار فهذا لا دخل لك فيه ولا ينبغي أن تفكر فيه إنما ينبغي أن تفكر أن تجل الله جل الله جل وعلا وإذا تكرم عليك بالجنة زيادة كرم وفضل وإذا منّ عليك بالنجاة من النار زيادة كرم وفضل أما هو إله عظيم جليل كريم له علينا حق العبادة وينبغي أن نخافه في كل حين. ويحذركم الله نفسه هذه الصفة الرابعة صفة الغنى.. وأما الصفة الخامسة صفة الجلالة والعظمة سبحانه ما أجله سبحانه ما أعظمه وعظمة الله وجلاله لا يمكن أن نوفيها عشر معشارها إذا أردنا أن نتدارسها إنما سأشير إلى شذرات من جلالة الله من عظمة الله ذكرها الله في سيده أي القرآن وأفضل آياته على الإطلاق وهي آية الكرسي. ثبت في المسند وصحيح مسلم والحديث رواه الإمام أبو داود ورواه الحاكم في المستدرك مستدركا به على الصحيحين وهو أهم فهو في صحيح مسلم من رواية أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب أي آية في كتاب الله أعظم فقال أبي بن كعب آية الكرسي يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فضرب النبي عليه الصلاة والسلام في صدره وقال ليهنك العلم أبا المنذر هنيئا لك بالتوفيق والسداد والتوفيق للعلم وإصابة الجواب ليهنك العلم أبا المنذر. الله لا إله إلا هو الحي القيوم تأمل ما في هذه الآية من إشارات إلى عظمة رب الأرض والسماوات وسنتدارس ثلاثة منها في هذه الآية الكريمة.

أولها: مطلع الآية. الله لا إله إلا هو الحي القيوم حي قيوم سبحانه وتعالى حي حياة كاملة تامة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء ليست كحياة المخلوقات ولذلك أتبعها الله جل وعلا بقوله لا تأخذه سنة ولا نوم هذه حياة ذاتية ما وجدت بعد أن كانت معدومة ولم تطرأ عليها العدم وفي حال إنصاف الله بها وهو متصف بها أزلا وأبداً لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه لا تأخذه سنة ولا نوم وهو القيوم القائم بنفسه المقيم المدبر لأمر شؤون خلقه فلا يوجد شيء في هذا الكون من عرشه إلى فرشه إلا بتدبير ربه وتقديره سبحانه وتعالى حي قيوم وهاتان الصفتان لربنا الرحمن هي أصل سائر صفاته الحسان. فصفات الله إنما أن تكون ذاتية أو فعلية فجميع الصفات الذاتية أصلها صفة الحياة وجميع الصفات الفعلية أصلها صفة القيومية وبهاتين الصفتين أشار الله إلى جميع كمالاته وصفاته الحسنى العلى الله لا إله إلا هو الحي القيوم وما ذكر الله هذين الاسمين مقترنين إلا في آية الكرسي ومطلع سورة آل عمران. ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم وفي سورة طه وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما الله لا إله إلا هو الحي القيوم. الإشارة الثانية له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه له ما في السماوات وما في الأرض خلقا وملكا وتقديرا وتدبيرا ومصيرا كل ما في هذا الكون علوية وسفلية خلقه الله يملكه الله يديره الله سيصير ويؤول إلى الله جل وعلا هو المتصرف في هذا من علم هذا وأنه إذا استحضر نفسه ضمن هذه العوالم أنه أقل من قطرة من بحر في جنب ملك الله وأقل من ذرة رمل من رمال الدنيا حقيقة يهاب من الله ويجله تعظيماً لشأنه له ما في السماوات وما في الأرض خلقا ملكا تدبيرا مصيرا وهذا العالم بأسره سيصير إلى ربه وانظر إلى الصورة التي سيصير إليها وما ذلك من دلالة على عظمة ربنا جل وعلا.

ثبت في صحيح مسلم والحديث رواه البيهقي في الأسماء والصفات ورواه الإمام البغوي في معالم التنزيل وهو في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين فهو حديث صحيح ثابت عن نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يقبضهن بيمينه وفي رواية ثم يأخذهن بيمينه فيهزهن جل وعلا فيهزهن السماوات يطوي الله السماوات يقبض الله السماوات ثم يأخذهن يقبضهن بيمينه جل وعلا ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون انظر لعظمة الرب جل وعلا وجلاله السماوات السبع في كف الرحمن كأنها خردلة يطويها جل وعلا بيمينه والأراضين السبع كذلك من استحضر هذا المعنى سيخاف من الله عز وجل ولا شك. إخوتي الكرام ما ورد في هذا الحديث الصحيح من وصف الله بيدين مباركتين يتصف بهما إحداهما يمين والأخرى شمال ثبت منا يتصف به ربنا ذو العزة والجلال كما أخبرنا نبينا الذي لا ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه دون أن ندخل في ذلك بعقولنا متوهمين أو متأولين وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.

والعجز عن درك الأدراك إدراك والبحث كنه ذات الله إشراك وإيماننا بصفات ربنا يقوم على دعامتين وكنين متينين اقرار وامرار فمن لم يقرب بالصفات لله الواحد القهار فهو ناطق عن جاحد معطل ومن لم يمر صفات الله جل وعلا فهو مشية ضال ممثل نقر بالصفة كما وردت ولا نقف عندها وقراءتها تفسيرها كما قال سلفنا ولله يدان مباركتان كما أخبر عن ذلك في محكم القرآن. بل يداه مبسوطتان ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي وإحداهما يمين والأخرى شمال بالكيفية التي يعرفها الله ولا نعرفها بالكيفية التي تليق بجلال الله وجماله ويجهلها آمنا بالله وبما جاء عن الله على مداد الله وآمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشكلن عليك أخي الكريم وصف الله في هذا الحديث باليمين والشمال ليديه المباركتين جل وعلا لا يشكلن عليك هذا مع الحديث الصحيح الثابت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي والسنن الكبرى للإمام البيهقي والأسماء والصفات له أيضا وهو حديث صحيح أيضا فهو في صحيح مسلم وغيره من رواية عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهم أجمعين قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذي يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا. فقوله وكلتا يديه يمين لا يتعارض مع ما ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين من اليمين بمعنى الخيرية والبركة والتمام والكمال فالله له يدان مباركتان يمين وشمال لكن الشمال فيه ليست كالشمال فينا جل وعلا فإذا كانت الشمال فينا أضعف من اليمين وتستعمل كما يمتهن ويستقذر فالله كامل كريم مجيد سبحانه وتعالى لا نقص في شيء من صفاته جل وعلا كلتا يديه يمين من اليمين بمعنى الخيرية والبركة.

وأما الحديث الثابت في صحيح مسلم فقد أخبرنا عن وضع وحال صفتي اليدين كما فصل ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام وأما من طعن في ذلك الحديث الذي هو في صحيح مسلم بأنه من رواية عمر بن حمزة عن عمه سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وعمر بن حمزة أخرج حديثه البخاري تعليقا في صحيحه ومسلم في صحيحه وأهل السنن الأربعة إلى سنن الإمام النسائي فمن تكلم في عمر بن حمزة في روايته عن عمه سالم بن عبد الله وهو عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر فعمر بن حمزة روى عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين من طعن في الرواية وقال إنه قالها على حسب المعروف فينا لأن الوارد في رواية المسند والصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ويقبض الله الأراضين بالأخرى ولم يذكرها بوصف الشمال فقال بعض العلماء إن رواية عمر بن حمزة قالها على حسب المعهود والمعروف في الناس فعبر عن اليد الأخرى بوصف الشمال وفتح هذا الباب على الرواة حقيقة قد يسد علينا بعد ذلك باب الرواية وسلفنا أتقى لله وعز وجل من أن يستعملوا عقولهم في صفات الله عز وجل وأن يبدلوا اللفظ بما هو معروف فينا وعليه لفظه ثابتة. لكنني كما قلت موقفنا نحوها كموقفنا في سائر صفات الله عز وجل إقرار وإمرار ليس كمثله شيء نفى للتشبيه والتمثيل وقوله جل وعلا وهو السميع البصير رد ونفي للنفي والتعطيل فلا تمثيل ولا تعطيل ليس كمثل ربنا شيء وهو السميع البصير.

والدلالة الثالثة في آية الكرسي. وسع كرسيه السماوات والأرض. إخوتي الكرام حول لفظ الكرسي وما بعده كلام طويل كان في نيتي أن أتكلم عليه في هذه الموعظة ولكنني أخشى إذا بحثت فيه ودخلت فيه أن يأخذ الكلام منا أكثر من ربع ساعة ولا أريد أن أضل عليكم إنما نقف عند هذه الدلالة لنتدارسها في الموعظة الآتية إن شاء الله وسع كرسيه السماوات والأرض أطاق واحتمل كرسي ربنا السماوات والأرض هذا الكرسي ما هو وما صلته بالعرش وماذا يترتب من ذلك من عظمة لربنا جل وعلا كما قلت أؤجل الكلام في الموعظة الآتية إن شاء الله. أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرزقنا خشيته في السر والعلن وأن يرزقنا كلمة الحق في الرضا والغضب وأن يرزقنا القصد في الغنى والفقر إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله.

الزجر عن التخنث في الشعر

الزجر عن التخنث في الشعر (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الزجر عن التخنث في الشعر الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير، اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

كنا نتدارس منزلة ذكر الرحمن في الإسلام، وقلت إن منزلة الذكر عظيمة جليلة، ومن أجل ذلك أمرنا الله جل وعلا أن نذكره على الدوام، وبينت أن فوائد الذكر كثيرة تزيد على مائة فائدة، وهذه العيادة الجليلة التي نتدارسها وذكرنا شيئاً من فضائلها فيما مضى، قلت إن المخرفين غيروها وبدلوها ووضعوا شيئاً مكانها، ألا وهو القصائد والأشعار، زعموا أنهم يتقربون بها إلى العزيز القهار. إخوتي الكرام: وسأتبع في هذه الموعظة الكلام على هذا الأمر تتميماً لما تقدم في الموعظة السابقة. إخوتي الكرام: إن الذكر كما قلت له منزلة عظيمة جليلة، وكما قلت فوائده كثيرة غزيرة، وسنتدارس في هذه الموعظة فائدة من فوائده فقط ثم نتدارس بقية خطوات البحث إن شاء الله. إن الذكر قوت للقلب وقوة له، وإن الذكر فيه صلابة للقلب وصلابة له، وإن الذكر فيه ليناً للقلب ورقة له، وأيضاً فيه صفاء للقلب وبهجة له، هو قوت القلب وقوته، وهو فيه قوة للقلب وصلابته، وهو أيضاً بهجة للقلب وصفاء له، وهو أيضاً لينة للقلب ورقة له.

إن قلب الذاكر يجمع بين هذه الصفات، يحصل له القوت بذكر الله، يحصل له القوة بذكر الله، يحصل فيه القوة والصلابة بذكر الله، يحصل له البهجة والصفاء بذكر الله، يحصل له اللين والرقة بذكر الله، ولذلك كان قلب الذاكر أطهر القلوب وأحبها عند علام الغيوب، ثبت في معجم الطبراني الكبير من رواية أبي عيينة الخولاني رضي الله عنه وأرضاه، والحديث حسنه الإمام الهيثمي وقال الإمام المنذري في (الترغيب والترهيب) إسناده جيد، والحديث روى من رواية أبي أمامة الباهلي أيضاً في (حلية الأولياء) وروي من رواية سهل بن سعد في الحكيم الترمذي، فهو من رواية أبي عيينة الخولاني، وأبي أمامة الباهلي، وسهل بن سعيد، ولفظ الحديث عن نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه أنه قال [إن لله آنية في الأرض، قالوا وما آنية الله يا رسول الله في الأرض؟ قال: قلوب عباده الصالحين وأحبها إلى الله أضاها وأرقها] وفي بعض الروايات [إن أحب الآنية إلى الله ما رق منها وصفا] . وفي بعض الروايات [أحبها وأصفاها] ، فالذي يذكر الله جل وعلا يتصف بهذه الصفات، يصبح لقلبه كما قلت القوت والقوة والشدة والصلابة والبهجة والصفاء، اللين والرقة، وقلبه أحب القلوب إلى علام الغيوب ولا غرو في ذلك ولا عجب فقد تقدم معنا أن من ذكر الله جل وعلا والله مع العبد ما دام العبد يذكر ربه سبحانه وتعالى، وإذا كان معك فستتخلق بأخلاق ربك بأخلاق حبيبك ن فتتصف باللين وتتصف بالشدة والقوة، والله عندما يكون معك، فستضع كل أمر موضعه، هذا هو حال الذكر عندما يكثر الإنسان من ذكر الرحمن سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام: وإذا حصل القلب قوته وقوته بذكر الله جل وعلا إن هذه القوة سينتشر أثرها بعد ذلك إلى هذا البدن فيكتسب البدن قوة من قوة القلب، والإنسان عندما يحضر المعركة ينتصر على عدوه بقوة قلبه ويضعف قلب عدوه، فيصبح له عاملات من عوامل النصر هو يرجو أن ينتصر عليه وأن يتمكن منه، بتأييد الله له، وذاك يتحمل أمامه وينهار فيحصل النصر بإذن العزيز القهار.

نعم إن ذكر الله قوت للقلب وقوة للبدن، وضياء ونور، وبهجة في الوجه، يذكر الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه (الوابل الصيب) في صفحة خمسة وخمسون صـ55 من حياة شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليهم جميعاً رحمات رب العالمين أنه صلى معه الفجر في بعض الأيام فجلس شيخ الإسلام يذكر الله بعد صلاة الفجر حتى انتصف النهار ثم التفت إلى تلميذه البار مثال له هذه غدوتي هذا اليوم، هذا هو طعامي وهذا هو غذائي ولولاها لسقطت قوتي ن فهذه القوة التي حصلت في القلب بذكر الرب انتشرت بعد ذلك إلى هذا البدن فقوى البدن واشتد بإذن الله جل وعلا، وهذا المعنى الذي أشار إليه هذا الإمام الهمام عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا الرحمن هو ما أشار إليه نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديثه الكثيرة الصحيحة الحسان منها ما ثبت في الصحيحين وسنن أبي داوود والنسائي من رواية سيدنا على ابن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه قال كانت فاطمة أحب أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رسول الله وقل وتزوجتها فكانت رضي الله عنها وأرضاها حتى أغير ثيابها فعلمت فاطمة رضي الله عنها وأرضاها بمجيء سبي من الفتائم إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - من العبيد من الأرقاء من الذكور والإناث من الإماء أيضاً فأرادت من علي رضي الله عنه يطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أمة تخدمها وتساعدها في أمور البيت فقال علىّ لا أكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كلميه أنت فهو رسول الله عليه الصلاة والسلام وخير خلق الله وهو أبوك فذهبت هذه البضعة المباركة سيدتنا فاطمة رضي الله عنها وأرضاها إلى بيت أمنا عائشة تسأل عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - فلم تجده فقالت سيدتنا فاطمة لأمنا عائشة إذا جاء النبي عليه الصلاة والسلام فأخبريه، فتأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المجيء إلى بيته فلما جاء أخبرته أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها فذهب بعد العشاء

مباشرة إلى بيت ابنته فاطمة فاستأذن عليه الصلاة والسلام ودخل وقد أخذ علىّ وفاطمة مضجعهما في فراش واحد فقال النبي عليه الصلاة والسلام مكانكما ثم دخل النبي عليه الصلاة والسلام بيتهما في هذا الفراش ومد رجليه الشريفتين قال عليّ رضي الله عنه توجدت يرد أصابع رجليه في صدري ثم سأل فاطمة رضي الله عنها وأرضاها عما جاء بها تسأل عنه في بيت عائشة رضي الله عنها فأخبرته أنها تطلب خادمة أمة لتساعدها في أمور البيت فقال النبي عليه الصلاة والسلام، ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم. تريدان من الخادم أن يساعدكما في أمور البيت، يقول عليّ رضي الله عنه فغمزتها وقلت لها قولي بلى، تريد لنا من هو خير من خادم فقلنا بلى يا رسول الله فقال عليه الصلاة والسلام إذا أخذتما مضجعكما تسبحا الله ثلاثاً وثلاثين وأحمداه ثلاثاً وثلاثين وكبراه أربعاً وثلاثين وهذا تمام المائة فهذا خير لكما من خادم. قال الإمام ابن تيمية كما نقل عنه هذا تلميذه ابن القيم في (والوابل الصيب) ص102 وهذا الذكر مجرب معروف من حافظ عليه عند نومه في كل ليلة أعطاه الله قوة في بدنه بحيث يستغني عن مساعدة غيره من خادم من أجير من عبد من رقيق من أمة، والإمام ابن حجر في (فتح الباري) عن شرحه لهذا الحديث في الجزء الحادي عشر صفحة خمسة وعشرون ومائتين 11/225 يقول (ولا يلزم من هذا أنه لا يتعب إن الإنسان عندما يزاول الأعمال يصاب بشيء من الإرهاق والتعب لكن الله يتعبه فلا يسأم ويتحمل ولا يصاب بفتور وإعياء عندما يحافظ على هذا الذكر عند النوم. نعم إن الذكر قوت القلب وقوة له، وإذا قوى القلب تنشط البدن فصار قوياً بإذن الله جل وعلا.

إخوتي الكرام: هذا من فوائد الذكر، قال الإمام ابن القيم في المكان المشار إليه صـ102 يقول وقد كان شيخ الإسلام يقول وقوله هذا موجود في (مجموع الفتاوى) الجزء العاشر صفحة ثلاثة وثلاثين 10/33 يقول إن الله تعالى لما خلق حملة العرش قالوا ربنا لم خلقتنا قال لتحملوا عرش قالوا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه جلالك وجمالك ووقارك فقال الله جل وعلا لحملة العرش قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الإمام ابن القيم فبهذه الكلمة المباركة أطاقت ملائكة العرش حمل عرش الرحمن جل وعلا، قال الإمام ابن القيم وهذا الكلام كنت أسمعه منه حتى وقفت على كتاب لأبن أبي الدنيا رواه عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح قال حدثتنا شيختنا أن الله لما خلق حملة العرش قال.. إلى آخر الأثر. وأنا أقول، وهذا الأثر مروي أيضاً في تفسير الإمام الطبري بنحو الرواية لمتقدمة في تفسير سورة (الحاقة) عن قول الله {ويحمل عرش ربك فوقهم يؤمئذٍ ثمانية} في الجزء التاسع والعشرين صفحة سبعة وثلاثين 29/37 روى الأثر الإمام الطبري في تفسيره عن شيخه يونس عن ابن وهب عن أبي زيد بمعنى الأثر المتقدم أن حملة العرش أطاقوا حمل عرش الله جل وعلا بكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله.

نعم أنها كلمة من كنوز الجنة كما ثبت هذا في المسند والكتب السنة من رواية أبى موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلي الله علية وسلم قال له ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله قال لا حول ولا قوة إلا بالله، لا تحول من حال إلا حال من معصية إلى طاعة ومن ذلٍ إلى عز، من فقرٍ إلى غنىً، ولا قوة لنا في هذه الحياة إلا بربنا سبحانه وتعالى، وهذه الوصية التي أوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى الأشعري أوحى بها عدداً من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، أوصى بها أيضاً أبا ذرٍ كما في المسند وسنن أبي ماجة، وصحيح ابن حبان بسندٍ صحيحٍ أيضاً قال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي ذرٍ ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قال بلى قال قل لا حول ولا قوة إلا بالله، وأوصى بها أيضاً النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة رضي الله عنهم أجمعين، كما ثبت ذلك أيضاً في مسند الإمام أحمد، والحديث في المستدرك ومسند البزار وإسناده صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعي ألا أدلك على كنز من كنوز العرش ألا أدلك على كنز من تحت العرش وهو كنز من كنوز الجنة؟ قلت بلى يا رسول الله، قال قل لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا قالها العبد قال الله أسلم عبدي لي واستسلم، وأوصى بها النبي عليه الصلاة والسلام قيس بن سعد أرسلني أبي لأقدم النبي عليه الصلاة والسلام وسعد بن عبادة سيد الخزرج من الأنصار رضي الله عنهم أجمعين فأرسل ولده قيساً ليخدم النبي عليه الصلاة والسلام قال قيس فصليت ركعتين فمر بي النبي عليه الصلاة والسلام فقال لي ألا أدلك عل باب من أبواب الجنة قلت بلى يا رسول الله، قال قل لا حول ولا قوة إلا بالله، وأوصى بها النبي عليه الصلاة والسلام أبا أيوب الأنصاري ومعاذ بن جبل وغيرهما من الصحابة، انظروا الروايات في ذلك في (الترغيب والترهيب) للإمام المنذري

في الجزء الثاني صفحة أربعة وأربعين وأربعمائة 2/444. إخوتي الكرام بهذا الجملة المباركة أطاقت الملائكة حمل عرش الرحمن، نعم إن الذكر قوت للقلب وقوة له، ولذلك يقوى البدن أيضاً، ولذلك قال الإمام المبارك ابن تيمية عندما جلس يذكر الله من صلاة الغداة إلى منتصف النهار قال هذه غدوتي، ولولاها لسقطت قوتي، وهذا الأدب العظيم، وهذه العبادة الفاضلة أعرض عنها كثير من المسلمين، فأصيبوا بوهن في قلوبهم وبضعف في أبدانهم، إن من يحضرون في صلاة الفجر قلة قليلة ومن يذكرون الله بعد صلاة الغداة حتى تطلع الشمس في بيوت رب الأرض والسموات أقل بكثير من يحضرون صلاة الفجر، وما أعلم ما أصاب الأمة في هذه الأيام، والذي يجلس في مصلاه بعد ما يؤدي صلاة الفجر في جماعة يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين له أجر عظيمٌ عظيم جليل كبير عند الله الجليل، ثبت في سنن الترمذي بسندٍ حسن من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من صلى الفجر في جماعة ثم قعد في مصلاه] يعني في المسجد [يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب له كأجر حجة وعمرة تامه، تامه، تامه] ، هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وهو في سنن الترمذي، ومروي عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير بسندٍ جيد. كما في المجمع والترغيب والترهيب من رواية أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من صلى الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان بمنزلة حجة وعمرة] انقلب بأجر حجة وعمرة، والحديث رواه الإمام الطبراني أيضاً في معجمه الأوسط وإسناده حسن من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين بمعنى الروايتين المتقدمتين أن [من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب له أجر عمرة وحجة متقبلتين] .

إخوتي الكرام: هذه بعض ... فوائد الذكر، قوة للقلب، إذا قوى القلب قوى البدن واستعان العبد بالرب سبحانه وتعالى، وإذا كان للذكر هذه الفائدة، فكما تقدم معنا أن أفضل الأذكار كلام العزيز القهار ألا وهو القرآن العظيم الذي أنزله الله علينا ليخرجنا من الظلمات إلى النور، أمرنا الله جل وعلا بتلاوته، وأمرنا بالاستماع والإصغاء إليه، وحذرنا من إهمال تلاوته وعدم سماعه، وجاءت الآيات تقرر هذا بكثرة في كتاب الله عز وجل وقد اعتبر الله عز وجل من أعظم مننه علينا أن أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليتلو علينا آيات الله وليخرجنا من الظلمات إلى النور، قال الله جل وعلا في سورة (آل عمران) {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين} وأخبرنا الله جل وعلا أنه أمر نبيه عليه الصلاة والسلام وأمر المؤمنين بتلاوة كتابه المبين فقال جل وعلا في سورة (النمل) : {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيءٍ وأمرت أن أكون من المسلمين * وأن أتلوَ القرآن} . وقال الله جل وعلا في سورة (العنكبوت) : {اتلُ ما أوحيَ إليك من الكتاب وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون} . وأخبرنا الله جل وعلا عن عظم الأجر وبركة التجارة التي يحصلها من يتلو كلام الله جل وعلا في هذه الحياة فقال تعالى في سورة (فاطر) : {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً يرجون تجارةً لن تبور} . والآيات في ذلك كثيرة، وكما أمرنا الله جل وعلا بتلاوة كلامه أمرنا بالإصغاء والاستماع إليه فقال جل وعلا في آخر سورة (الأعراف) : {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} .

وأخبرنا الله جل وعلا أن من يستمع إلى كتابه ويعمل بموجبه فهو ممن هداهم الله، وهو من أصحاب العقول النيرة الواعية فقال جل وعلا في سورة (الزمر) : {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه * أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب} . وقال ربنا سبحانه وتعالى في نفس السورة بعده بآيات في بيان منزلة كلامه وكتابه وكيف يؤثر في نفوس المستمعين فقال جل وعلا: {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثانيَ تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد} . وأخبرنا الله جل وعلا أن هذه الآثار كما تظهر على الظاهر من قشعريرة الجلد، ومن انقباض الجلد ومن انبساطه تظهر أيضاً على القلوب وتكون في القلوب، وما تأثر الظاهر إلا بعد تأثر الباطن، قال الله جل وعلا في سورة (الأنفال) : {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون} . وأخبرنا الله جل وعلا أن المؤمنين عندما يستمعون إلى آيات الذكر الحكيم يبكون ويخرون لله يسجدون فقال جل وعلا في آخر سورة (الإسراء) : {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا، إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً} . نعم هذا هو وصف المؤمنين وهو وصف النبيين صلوات الله عليهم وسلامه يقول الله جل وعلا في سورة (مريم) بعد أن ذكر أحوال النبيين والصالحين فقال: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوحٍ ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا} .

والآيات في هذا لمعنى كثيرة، أمرنا بتلاوة القرآن، وأمرنا بالاستماع إليه والإصغاء إليه، وحذرنا الله جل وعلا من الإعراض عنه وعدم سماعه وعدم تدبره فقال جل وعلا: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا} ، {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها} . وأخبرنا الله جل وعلا أن من غضب الله عليهم يعرضون عن أيِ الذكر الحكيم ويقبلون بعد ذلك على اللهو الذميم، يقول ربنا الرحمن في سورة (لقمان) : {الم * تلك آيات الكتاب الحكيم * هدىً ورحمةً للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدىً من ربهم وأولئك هم المفلحون} . ثم أخبرنا الله جل وعلا عن الصنف الخنيث الخسيس فقال: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنية وقراً فبشره بعذابٍ أليم} ونظير هذه الآية قول الله جل وعلا في أوائل سورة الجاثية: {ويلٌ لكلِ أفاكٍ أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليهم ثم يصرُ مستكبراً كأن لم يسمعها فبشره بعذابٍ مهين * من وراءهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئاً ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذابٌ عظيم} . وقد أخبرنا الله جل وعلا أن الكفار يتواصون بعدم سماع كلام العزيز الغفار فقال جل وعلا في سورة (حم فصلت) : {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} . وأخبرنا ربنا جل وعلا أن هذه الأمة إذا أعرضت عن تلاوة كتاب الله وعن سماع كلام الله وعن تدبر كلام الله، فرسولنا - صلى الله عليه وسلم - سيشكو أمره إلى الله: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا في عرصات الموقف وساحة الحساب عندما أعرضت هذه الأمة عن كلام الكريم الوهاب.

إخوتي الكرام: إن الحجة التي أنزلها الله علينا وأمرنا بتلاوتها والاستماع والإصغاء إليها وتدبرها هي كلامه وسيسألنا ربنا عن ذلك يوم القيامة كما قال في سورة (الأنعام) : {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين * ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} . والآيات إخوتي الكرام في ذلك المعنى كثيرة وفيرة كما أن ذكر الله هو أفضل العبادات، فأفضل الأذكار وأعلاها وأجلها تلاوة كلام الله جل وعلا، استماع كلام الله جل وعلا، تدبر كلام الله جل وعلا، وهذا السماع هو الذي كان عليه سلفنا الأتقياء رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين، كانوا يسمعون إلى كلام الله، كانوا يقرأون كلام الله، كانوا يتدبرون كلام الله، ما كانوا يعكفون على سماع القصائد والأشعار، ولا على سماع الأبيات، إنما يسمعون الآيات المحكمات، وقد قرر أئمتنا هذا، انظروا اخوتي الكرام كتاب (مدارج السالكين) للإمام ابن القيم صفحة خمسة وثمانين وأربعمائة صـ485 من المجلد الثالث فما بعدها من هذه الصفحة، وانظروا (مجموع الفتاوى) فقد بحث في هذه القضية في ثمانين صفحة متتالية في الجزء الحادي عشر من صفحة خمسة وثلاثين ومائة إلى صفحة عشرة وستمائة 11/135 إلى صـ610 فبين كما بين أئمتنا قاطبة أن سماع السلف الكرام كان مختصراً في سماع كلام الرحمن في تلاوة كلام ذي الجلال والإكرام، ما كانوا يعكفون على سماع القصائد والأشعار.

ثبت في طبقات الإمام ابن سعد والأثر في كتاب (الحلية) لأبي نعيم، ورواه الإمام ابن عساكر في (تاريخ دمشق) ، وابن حبان في صحيحه، وإسناده صحيح أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا إذا اجتمعوا يقول سيدنا عمر رضي الله عنهم وأرضاه للصحابي الجليل أبي موسى الأشعري يا أبا موسى ذكرنا ربنا، وفي بعض روايات طبقات الإمام ابن سعد يا أبا موسى شوقنا إلى ربنا فيقرأ القرآن وينصت له الصحابة الكرام، وهذا المسلك أخذوا من نبينا عليه الصلاة والسلام فهو الذي سن لنا استماع القرآن والإصغاء إليه، وهو الذي علمنا تلاوة القرآن فاستمع لحال النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك لتقتدي به فهو أسوتنا وقدوتنا عليه صلوات الله وسلامه ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث في الصحيحين وسنن الترمذي وسنن أبي داود والحديث في أعلى درجات الصحة من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له لقد مررت بك البارحة يا أبا موسى وأنت تقرأ القرآن لو رأيتني وقد مررت بك وأنا أستمع إلى قراءتك لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود] أي صوتاً رطباً ندياً عذباً كما كان هو الحال في صوت نبي الله داود، فأوتيت هذه العذوبة في صوتك كأنه صوت من مزامير آل داود، كأنه صوت من حنجرة نبي الله داود، فشبه الصوت هنا بالمزمار بجامع العذوبة في كل، لكن صوت المزمار حرام، وصوت الحنجرة الرطبة الندية حلال فانتبه لهذا، عذوبة هنا حلال وعذوبة هناك حرام لما يترتب عليها من آثام وضلال، وسيأتينا في بحثنا أن آلات المزامير والعازف كلها حرام، والاستماع لها فسق، والتلذذ بها كفر، واستحلالها ردة وخروج عن شريعة الله جل وعلا، ورد في تكملة الحديث في رواية الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه ومعجم الطبراني الكبير قال أبو موسى الأشعري للنبي - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله [لو علمت بكائك لحبرته لك تحبيراً] أي لو كنت أعلم أنك تسمع لزدت في

تحسن صوتي، وقد أمرنا بتحسن أصواتنا عند تلاوة كلام ربنا. وهذا المعنى ورد فيه أحاديث كثيرة من هذه الأحاديث حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة، وحديثه ثابت في المسند وصحيح مسلم وطبقات ابن سعد، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ولفظ الحديث عن بريدة رضي الله عنه أنه كان مع النبي عليه الصلاة والسلام في الليل قمراً على المسجد فإذا بأبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه يصلي ويقرأ القرآن فقام النبي عليه الصلاة والسلام ينصت لتلاوته وستعذب صوته ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام لبريدة أتراه مرائياً قلت الله ورسوله أعلم قال بل مؤمن منيب قال بريدة فلما أصبحنا غدوت على أبي موسى وأخبرته يقول النبي عليه الصلاة والسلام فقال له أبو موسى الأشعري أنت لن تزال لي صديقاً، أخبرتني بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام لبريدة يا بريدة لقد أوتي أبو موسى مزماراً من مزامير آل داود.

وروى هذا الحديث من رواية أمنا عائشة رضي الله عنه في مسند أحمد وسنن النسائي والحديث في طبقات ابن سعد أيضاً عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمع إلى أبي موسى الأشعري فقال لقد أوتي عبد الله قيس مزماراً من مزامير آل داود، والحديث رواه أبو هريرة أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى روايته الإمام أحمد في المسند والنسائي، وابن ماجة في السنن، يعني الحديث المتقدم وثبتت الرواية من رواية أنس بن مالك أيضاً رواها الإمام أبو يعلى بسندٍ حسن كما قال الإمام الهيثمي في (المجمع) ورواها مع الإمام أبي يعلى الإمام أبو يعلى في الحلية ورواها محمد ابن نصر في قيام الليل، وروى هذه الرواية أيضاً البراء بن عازب في مسند أبي يعلى، قال الإمام الهيثمي وإسناد الحديث موثقون ورويت هذه الرواية بسندٍ صحيح مرسل في معجم الطبراني الكبير وطبقات ابن سعد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمع إلى أبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود، فهذا نبينا عليه الصلاة والسلام يستمع إلى قراءة القرآن ويثني على التالي، وهكذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يطلب من الصحابة الكرام أن يقرؤوا القرآن ليسمع وليسن لنا سماع القرآن.

ثبت في المسند والحديث في الكتب الستة إلا سنن ابن ماجة وهو في مصنف ابن أي شيبة ورواه البيهقي في السنن الكبرى وفي دلائل النبوة وهو في تفسير ابن أبي حاتم ورواه عبد ابن حميد في مسنده وكما قلت هو في الكتب الستة فهو في الصحيحين وغيرهما وهو في أعلى درجات الصحة ولفظ الحديث من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه [أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له أقرأ عليّ القرآن فقال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه وأرضاه أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأ عبد الله بن مسعود سورة النساء حتى وصل إلى قول الله جل وعلا {فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} قال له النبي عليه الصلاة والسلام حسبك، يقول عبد الله بن مسعود فنظرت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فإذا عيناه تزرفان] وقراءة عبد الله بن مسعود على نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام ثابتة في غير هذه الرواية عن طريق طلب النبي منه أن يقرأ عليه، روى الحاكم في المستدرك من رواية عمرو بن حريث عن أبيه وحريث صحابي وولده عمراً صحابي كما أن ولد سعيد بن حريث صحابي، والحديث إسناده صحيح من رواية عمرو بن حريث عن أبيه حريث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله بن مسعود أقرأ عليّ القرآن فقال أأقرأ عليك وعليك أنزل قال أحب أن أسمعه من غيري فقرأ عليه صدر سورة النساء يقول حتى وصلت إلى قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} قال عبد الله بن مسعود فاستعبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي أخذته العبرة والبكاء وبدأت عيناه تزرفان بالدمع عليه صلوات الله وسلامه فقال له توقف فتوقف عبد الله بن مسعود فقال له نبينا صلوات المحمود عليه الصلاة والسلام تلكم فتكلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال رضينا بالله ربا وبالإسلام ديناً، ثم قال عليه

الصلاة والسلام وأنا رضيت لكم ما رضيه لكم ابن أم عبد، يعني عبد الله بن مسعود. إخوتي الكرام: هذا هو سماع سلفنا الكرام الطيبين يستمعون القرآن، يتلون كلام الرحمن إذا سمعوه وجلت قلوبهم، اقشعرت جلودهم، دمعت أعينهم، هذه أوصافهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فما الذي حصل بعد ذلك كما تقدم معنا أن الأمر تغير وقد ذكرت كثيراً من بدع المتأخرين من الصوفية كيف عكفوا على القصائد ولأشعار وضموا إليه الرقص وفعلوا هذا في بيوت الله عز وجل وزعموا أنهم يذكرون الله ويعبدونه بهذه العبادات المحدثة المبتدعة، خاب سعيهم وضل علمهم، وقد وضحت بدعتهم وقلت في أخر الموعظة الماضية سنتدارس بدعة جدت في هذه الأيام، وهي بدعة الأشعار الجهادية من قبل من يجاهدون بالكلام عملوا أيضاً أشعاراً وقصائد وقالوا هذه أشعار الجهاد ينبغي أن يعكف عليه العباد من أجل بعث الحماس في قلوبهم أن أشعارهم كأشعار من المتأخرين من الصوفية، وأن أشعار هاتين الفرقتين أشعار المجاهدين في ذلك الحين، وأشعار من خرفوا من الصوفية أن هذه الأشعار كالأشعار المجونية كأشعار أهل الغناء سواء بسواء.

نعم إنها قد تختلف عنها في موضوعها فلا تتعرض لفسق وخنا وبذاءة لكنها لا تختلف عنها في صيغة إلقاءها من صيغة الإلقاء تكسر وتخنث وميوعة فما الذي أباح لك هذا، من الذي أباح لك أن تتكسر، وأن تتخنث وأن تتصف بهذه الميوعة المنكرة عندما تقول هذه الأبيات من الذي أباح لك هذا، إنك إن أردف أن تقول أشعار الجهاد فقلها بكلام فصل جزل يبعث الحماس في القلوب لا يحرك بعد ذلك اللذة والطرب والركون إلى الدنيا بهذه الصيغة الماجنة من تكسر وتخنث وميوعة قال رجل لأبي معين الحسن البصري ما تقول في الغناء فقال نعم الشيء هو توصل به الأرحام ويفعل عنده المعروف ويتسلى به المكروب، ويريد رضي الله عنه وأرضاه، من الغناء الشعر الحسن الطيب الذي يقوله الإنسان فيبعث فيه الحمية والنخوة والمروءة والشهامة ليصل رحمه ليفعل المعروف ليتسلى إذا كان حزيناً فقال السائل لا أريد هذا إنما أريد الشعر قال وما الشعر أتعرف شيئاً منه؟ قال: نعم ثم انتدفع الرجل يغني يلوي شدقيه ويلوي منخريه ويكسر عينيه ويتمايل يميناً وشمالاً قال الحسن البصري سبحان الله ما كنت أظنه أنه عاقلاً يبلغ من نفسه هذا، عاقل يفعل هذا وحال الحسن البصري كحال الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل عندما قال له قائل ما تقول في الغناء يا أبا عبد الله، فقال مثل ماذا عن أي أنواع الغناء تسأل؟ قال مثل قول القائل: إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني *** وتخفى الذين عن خلقي وبالعصيان تأتيني فأخذ الإمام أحمد بلحيته وأخذ يردد البيتين إذا سمي هذا عن الناس بغناء فلا يضر، هذا كما قلت يفعل عنده المعروف يحرك الشهامة والنخوة والمروءة، أشعار الزهد.

إذن لأشعار الجهادية الذين يزعمون أحابها أنهم سيقيمون الدولة الإسلامية بتكسر وتخنث وقلة حياءٍ ورقة وميوعة، ويقول هذه أشعار الجهاد ثم بعد ذلك محذور آخر صاحبتها آلات اللهو من دفٍ ومزمارٍ وغير ذلك من الذي أباح لكم آلات اللهو يا عباد الله، إن استحلال آلات الملاهي كفر، ومن يستحل شيئاً منها مهدد بأن ينسخ قرداً أو خنزيراً كما سيأتينا في الموعظة الآتية إن شاء الله، من الذي أباح لك أن تضرب بالدف وهو الذي رخص فيه للنساء فقط، في الأفراح والعرس، فهل جعلت نفسك امرأة، وجعلت أيامك أيضاً كلها عرساً فتضرب بالدف باسم أشعار الجهاد، من الذي رخص لك هذا، ثم بعد ذلك محذور ثالث ألا وهو أن هذه الأشعار عكف عليها الأشرار في هذه الأيام الذين يدعون إقامة دولة الإسلام عكفوا عليها وتركوا كلام الله جل وعلا، أشعار جهاد على زعمهم تكسر وتخنث يصاحبها آلات محرمة يعكفون عليها ويقولون سنقيم دولة الإسلام بذلك.

كنت مرة في مكة المكرمة شرفها الله وكرمها وزادها تعظيماً وبركة مع بعض إخواننا في سيارة وهو من فتن بهؤلاء وظن أن هذا يعتبر جهاداً إذا سمعه هذه الأشرطة التي فيها أغاني الجهاد يتكسر وآلات لهو فوضع الشريط في التسجيل وهو في السيارة يقودها وأنا بجوره وبدأ اللحن وقيل أيضاً أن يخرج المغني الماجن المخنث في كلامه وقصيدته شيء من اللحن في البداية وبعد ذلك بالصيغ المعروفة، قلت يا عبد الله عندك لشريط لفلانة من الرقاصات الماجنات، قال سبحان الله تسأل لماذا؟ قلت أسألك عندك شريط لفلانة قال أعوذ بالله، أنا أقتني شريطاً لهذه المفتنة، قلت أنا أنصحك نصيحة إذا كان عندك شري لها فضعه بدل هذا الشريط لتستمع إليه، قال أعوذ بالله، أنت تستمع الغناء، قلت والله ما أستمع، لكن استماعي لفلانه أخف من استماعي لهذا الأشعار، قال وكيف، قلت يا عبد الله إذا استمعنا شريط الغناء تعرف أننا عصينا الله لعلنا نتوب بعد ذلك أما جلسنا نلحد في حرمة الله ونحارب الله ونحن نزعم أننا نجاهد في سبيل الله، يا عبد الله اتق الله في نفسك، من الذي أباح لك هذا الزمر وهذا الضرب، في هذه الأشرطة تسمعها وأنت بجوار بيت الله الحرام، من الذي أباح لك هذا؟ إخوتي الكرام: أشعار جهاد في هذه الأيام حلت محل أشعار المتأخرين من الصوفية تقال بتكسر وتخنث وميوعة يصاحبها آلات اللهو ثم بعد ذلك عكفوا عليها وأعراض عن كلام الله جل وعلا، أي جهادٍ هذا؟

إخوتي الكرام: إن جميع آلات العزف وآلات اللهو محرمة، ولا يستثنى من ذلك إلا الدف لصنف واحد وهو النساء في أيام الأفراح والعرس وما عدا هذا فلا يباح شيء من آلات اللهو لا للنساء ولا للرجال في وقت من الأوقات، فالنساء يستعملن الدف في مناسبات حددها خير البريات عليه الصلاة والسلام، كما أباح الشارع لهن أن يصفقن في الصلاة إذا سها الإمام من أجل ألا يسمع صوتهنَّ، وهنا أباح لهن هذا ولا يجوز للرجل أن يصفق ولا يجوز للرجل أن يستعمل شيئاً من آلات اللهو، وإذا استعملها فقد غير رجولته وهو من المخنثين عند أئمتنا، يقول الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) في الجزء الحادي عشر صفحة خمسة وستين وستمائة 11/665 وبالجملة فقد عرف بالأضرار من دين الإسلام أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشرع لصالح أمته وعبادهم وزهادهم أن يجمعوا على استماع الأبيات الملحة مع ضرب بالكف وضرب بالقضيب أو الدف كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته وابتاع ما جاء به من الكتاب والحكمة، لا في باطن الأرض ولا في ظاهره. ولا لعاس ولا لخاص ولكن رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على لهذه فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ولا يصفق بكفٍ، بل قد ثبت عنه أنه لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء، ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثاً، ويسمون الرجال المغنيين تخانيثاً، وهذا مشهور في كلامهم إخوتي الكرام، وأما الحديثان اللذان أشار إليهما شيخ الإسلام:

الحديث الأول: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، فهو حديث صحيح ثابت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وهو في المسند والصحيحين ومسند أبي داود وسنن النسائي وفي السنن الكبرى للإمام البيهقي من رواية سهل بن سعد، وثبت أيضاً في سنن ابن ماجة بسندٍ صحيح من رواية عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للنساء التصفيق للصلاة كما رخص للرجال في التسبيح، وهو ثابت من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين في مسند الإمام أحمد ومصنف ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إذا أنساني الشيطان شيئاً من الصلاة فليصفق النساء وليسبح الرجال] ، والحديث إسناده حسن، كما في مجمع الزوائد الجزء الرابع صفحة عشر ومائة 4/110.

وأما الحديث الثاني في لعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء فهو حديث صحيح رواه أهل الكتب الستة إلا الإمام مسلم من رواية عبد الله بن عباس، وانظروا أحاديث كثيرة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين فيها هذا المعنى في مجمع الزوائد في الجزء الثاني صفحة ثلاثة ومائة 2/103 في باب الأدب، باب في المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، فالمرأة يباح لها أن تصفق، إذا سها الإمام لتنبيهه لئلا تتكلم لأن صوت المرأة فتنة، وإذا كان صوت المرأة فتنة فما بالكم بوجهها، أنا أعجب غاية العجب كيف انعكست وانقلبت الموازين في هذه الأيام، أمرنا أن نغض طرفنا عن النساء، ونعتقد الآن مؤتمرات عن زعم المؤتمرين أنهم يبحثون في شئون المسلمين فيجلس بعد ذلك شيخ عن اليمين، وشيخ على اليسار وبينهما امرأة تدير الحلقة، تدير المناقشة سبحان ربي العظيم امرأة تكشف عن وجهها وتستقبل الجمهور والناس يستقبلونها، ثم شيخ شيعي وشيخ سني وهي بينهما في الوسط ستتوحد الأمة على النساء، سبحان ربي العظيم، امرأة تجلس لتدير ندوة، أما يوجد رجل ليدير ندوة؟ حصل قحط في الأمة، ما يوجد رجل يدير هذه الندوة، علام هذه المرأة لتدير هذه الندوة، وإذا كانت المرأة تصلي خلف النبي عليه الصلاة والسلام، وسها النبي عليه الصلاة والسلام بحضور الصحابة الكرام، فلا تقل سبحان الله لئلا تحرك قلوب الرجال فلتصفق ولتضرب بظاهر كفها اليمنى على ظاهر كفها اليسرى ولا داعي للتصفيق بعد ذلك بالراحلتين لتمنيه أنه حصل قلل في الصلاة وهي امرأة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابة الكرام وهذه امرأة شابة جميلة تجلس بين شيخين، وتقبل على الجمهور ومن يضمن لنا حال الحاضرين، لماذا هل التحلل وهذا التقلب في هذه الأيام.

إذاً المرأة في الصلاة تصفق لئلا يسمع صوتها الرجال وأبيح لها ما أبيح في أوقات خاصة، وليس من حق أحد أن يبيح وأن يمنع إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - حسب ما يبلغ عن ذي الجلال والإكرام، وأما الرجل فلم يبح له دف ولا غيره لا في عرسٍ ولا في غيره. إذاً أشعار بعد ذلك تقال فيها تصاحبها هذه المزامير، هذه الدفوف، ويقال بعد ذلك أشعار جهادية، وأما القول إخوتي الكرام بأن الموسيقى إن لم تكن مثيرة فهي حلال، فغاية ما يقال على التعليق على هذا القول ن هذا رأي بشري والرأي البشري إذ ما خالف ما ثبت عن رسولنا النبي عليه الصلاة والسلام فهو وراء الظهر، وهو تحت الرجل، وكلام النبي عليه الصلاة والسلام لا يعارض بكلام أي كان، وسيأتينا في الموعظة الآتية إن شاء الله أن جميع آلات اللهو من المزامير والمعازف كلها حرام، فالقول بعد ذلك أن الموسيقى إن لم تكن مثيرة فهي حلال، فما الدليل على هذا؟ وما الدليل على التفرقة بين الموسيقى المثيرة وغير المثيرة؟ وما الذي يؤثر في هذا ولا يؤثر في هذا؟ وقد يسمع الإنسان أشنع أنواع الموسيقى على تعبيرك ويقول لا أتأثر فهي حلال، ما الضابط لذلك؟ كل هذا كلام لم يوزن بميزان الشرع فهو كلام مردود، إن هذه الفتيا كما قلت كحال من يقول إن شرب القليل من الخمر إذا لم يؤثر في الإنسان فهو حلال، وقد قال بعض القسس عليهم غضب الله ولعنته عندما قيل لهم إن الخمر عندكم في كتابكم حرام، والله يقول في الإنجيل لا يدخل الجنة سكير ولا زانٍ فقال المراد عن السكر هو الذي يشرب صطلاً من الخمر، وأما إذا شرب زجاجة أو كأساً فلا حرج، صار حالنا أيضاً يشابه أولئك، وسيأتينا نصوص النبي عليه الصلاة والسلام في الموعظة التالية التي تحرم جميع آلات العزف والموسيقى وجميع آلات اللهو.

إذاً اخوتي الكرام: هذه الأناشيد التي فشت في هذه الأيام باسم الجهاد محذورة ممنوعة لهذه الأمور، تقال بتكسر وتخنث، يصاحبها آلات محرمة صدت الناس عن آيات الله المحكمة، فإن خلت من هذه المحذورات فهي من المباحات، بل تدخل في دائرة المستحبات إذا خلصت النيات لما فيها من شحذ للعزائم وحث على الفضائل والمكارم، وأما ما يقوله بعض الناس يقول إذاً ما البديل عن الغناء الماجن لابد من بديل؟ الجواب إن البديل ما ينبغي أن يكون بتبديل، بدلتم شرع الله الجليل باسم البديل، هنا غناء معه عزف وخنوثة وميوعة، وهناك غناء معه عزف وخنوثة وميوعة ما اختلف الموضوع. إذاً ما ميزة غنائك عن غناء أولئك، جئت تريد بديلاً فأحضرت لنا شيئاً هزيلاً، البديل أن تعود إلى ما كان عليه سلفنا الكرام عليهم رضوان الله عليهم أجمعين، ولا يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها. الأمر الثاني: أقول البديل ليسق تروكا للرأي، والأمر إذا أردنا أن نتحدث عن طريق عقولنا وآرائنا دون أن يؤخذ من شريعة ربنا إنه لن يكون له أثر نافع في حياتنا، والله لا يمحو الخبيث بالخبيث، ولا يمحو السيئ بالسيئ، إنما يمحو الخبيث بالطيب، ويمحو السيئ بالحسن، فإذا أردت بديلاً أعكف على أشعار تقال بجزل وفصل ينبعث الحماس في قلوب الناس دون أن يصاحبها لهو، ودون أن يصاحبها بعد ذلك ميوعة وخنوثة، ثم بعد ذلك إقبال على كلام الله عز وجل وسرد أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام التي تبعث في الأمة معاني الشهامة والنخوة والمروءة والنجدة.

والأمر الثالث: وأنا أقول لمن يقولون لابد من بديل، العجب لكم وعجبي لا ينتهي منكم ومتى كانوا أهل اللهو وأهل الطرب يعيشون هم الأمة تريدون أن تحركوا الأمة نحو الجهاد والكفاح ولا تريدون على زعمكم أن يشتغلوا بالتشدق والصياح فما الذي جرى منكم، تسكر وخنوثة وميوعة، فليتكم صحتم ونشدتم بغير هذه الخنوثة والميوعة، تريدون أن تحثوا الناس على الكفاح ثم جئتم بعد ذلك بهذه الأشعار تخنث وميوعة ومعها المزامير، متى كان المغني والرقاص ومن يعكف على اللهو يعيش همَّ الأمة؟ هذا حال الأمة، إن أبا سفيان كما تقدم قيل ذلك في موقفه بدر وقد أسلم بعد ذلك رضي الله عنه وأرضاه عندما انتصر المسلمون وقتل من المشركين سبعون، انظر للهم الذي يعيش، حلف أبو سفيان ألا يمس رأسه ماء حتى يثأر لأصحابه وحتى ينتقم من محمد وأصحابه وبقى ستة كاملة لا يصب على بدنه قطرة ماء حتى قاد جموع المشركين في موقعة أحد وكان ما كان، وهذا يريد أن يعيش هموم الأمة ومشاكلها يجلس بعد ذك يغني ويتخنث ويتكسر ويقول هو يعيش همَّ الأمة يا طبال ينبغي أن تبكي دماً لا دمعاً جولت بعد ذلك هذا الشعور إلى غناء والى طرب وإلى لهوٍ وتقول إنك تعيش همَّ الأمة ومشاكلها.

إخوتي الكرام: والله لا يحرك الأمة إلا كلام خالقها، فإذا أردنا من الأمة أن تتحرك إلى الكفاح والجهاد فلنسمع قول الله جل وعلا {فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} والله إن العاقل إذا تليت عليه هذه الآية يقول ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، إذا أردت أن تحرك الأمة فحركها بكلام الله عز وجل: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون* يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين *} . أقول هذا القول واستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وفرج كروبنا واقض حوائجنا يا أرحم الراحمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر الفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا من أحب الناس إليك ومن المقربين لديك وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم احسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لمن جاوره من المؤمنين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات وصل الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.. والحمد لله رب العالمين.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد *} .

توضيح الحق

توضيح الحق (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم توضيح الحق الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أما بعد إخوتي الكرام: فهذه الموعظة ستكون أمر طرأ ونسأل الله أن يحفظنا من كل شر في الدنيا والآخرة، وهذا الأمر الذي طرأ إخوتي الكرام ويتحدث به عباد الرحمن في هذه الأيام لعله بلغكم شريط من شيخين يتكلمان فيه حول بعض القضايا وأرى من باب إحقاق الحق وبيان حقيقة الأمر ونصحاً لهما ووضع الأمر في موضعه أن نتدارس هذا على وجه الاختصار في هذه الموعظة وتفصيل المباحث يأتي بعد ذلك إن شاء الله مع أن الكثير من المسائل قد مر الكلام عليها ومن أراد الحق وجده فيها لكن كثيراً من الناس يتصيدون الكلام من هنا وهناك ويضعون الشيء في غير موضعه ونسأل الله جل وعلا أن يرزقنا كلمة الحق في الرضا والغضب إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام: كما قلت كلام يتداوله الناس في مواقف حول كلام تدارسناه وذكرناه فيما مضى وهذا الكلام صدر من الشيخ الألباني ومن الشيخ أبي شقرة. وأنا في هذه الموعظة كما قلت سأبين الحق في هذا الأمر إن شاء الله.

إخوتي الكرام: تقدم معنا مراراً أن دين الله جل وعلا يقوم على أمرين اثنين تعظيم لله وشفقة على خلق الله جلً وعلا والذي يتأمل هذين الشريطين يرى أنه حقيقة حصل فيهما اعتداء على الله جلّ وعلا كما حصل فيهما ظلم لعباد الله وإذا كان الأمر كذلك فسأقرر هذا بما يدل على الأمر الأول ثم بعد ذلك اتبعه بما يدل على الأمر الثاني من حق العباد الأحياء والأموات وعليه عندنا ثلاثة عناصر حق الله وحق العباد الأموات وحق العباد الأحياء أما حق الله إخوتي الكرام أول كلمة في الشريط إذا سمعتموه يقول الشيخ الألباني أسأل الله أن يغفر لنا وله وللمسلمين أجمعين (كنت أتمنى أن يكون – ويقصدني بذلك – أن يكون مخلصاً وإن كان مخطئاً) . يعني يقول: خطأ عبد الرحيم لا شك فيه لكن كنت أتمنى أن يكون مع خطئه مخلصاً لله عز وجل في كلامه لكن لا إخلاص ولا صواب أما الأمر الثاني الذي حكمت به فلك أن تحكم على حسب اجتهادك أنني أصبت أو أخطأتُ اهتديتُ أو ضللتُ والله سيحاسبك وإليه سيؤول العباد جميعاً. أما أن تتدخل في الأمر الأول فحقيقة هذا لا ينبغي لبشر أن يتدخل فيه فما في قلوب العباد لا يعلمه إلا رب العباد فمن الذي أطلعك على قلب هذا المسكين وهل هو مخلص فيما يقول أو منافق لئيم؟ من الذي أطلعك؟ هل أطلعك الله على غيبه لتقول هذا أنت أيها الشيخ تقول: لايمكن أن يُكاشَفَ إنسان بشيء عن طريق الكراهه وتخالف بذلك أهل السنة قاطبة فأهل السنة يقولون: الكرامات تقع في المكاشفات وتقع في القدرة وتقع في الغنى فيُعلِمُ الله بعض عباده بما يخفى على بعض العباد.

وهذه مكاشفات يقررها الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله في كتابين من كتبه: في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وفي قاعدة في المعجزات والكرامات وهو المقرر عندنا في كتب التوحيد في العلم مكاشفات وفي الغنى وسيأتينا بسط هذا بأدلته والتوسع في أنواع خوارق العادات عند الأمر الثاني الذي يعرف به صدق النبي صلى الله عليه وسلم ألا وهو المعجزات وخوارق العادات فإذا أنت تقول لايمكن أن يعلم الإنسان المغيب عن طريق الكرامة يعني لو كنت ولياً لله تقول أن ما يحصل لي هذا ونسأل الله أن تكون ولياً ومن المقربين لكن أنت تنفي هذا عن كل ولي فإذا ما أطلعك الله عن هذا الأمر بسبب كرامة تحصل للصالحين فمن أين علمتَ أنه مخلص أم لا؟ ولا علاقة على الإطلاق بين الصواب وبين الإخلاص، قد يشرك الإنسان بالله ويكون مخلصاً قد يذهب ويسجد لقبر، سجوده لقبر حرام وشرك، لكن يكون مخلصاً قد قرر أئمتنا كثيراً من عباد القبور يُجابون فيما يسألون لإخلاصهم لا لاستقامة فعلهم فهم على ضلال. وهو عندما يذهب إلى القبر يذل لله وينكسر له فيقضي له حاجته سبحانه وتعالى. فإذاً لا صلة بين الإخلاص - كما قلت – وبين إصابة الحق قد يكون الإنسان مصيباً [وقد يكون] وهو مخلص أو لا نكون على حق أولا لا صله له كما قلت بالإخلاص. فعندنا إتباع وعندنا إخلاص. فإذا اتبعت أحسنت، وإذا أخلصت أحسنت، وقد يوجد إخلاص بلا إتباع وقد يوجد إتباع بلا إخلاص. فقولك: (كنت أتمنى أن يكون مخلصاً وإن كان مخطئاً) هل أطلعك الله على غيبه؟ وإذا رجعت عن قولك وقلت إن الله أطلعني عن طريق خرق العادة فليتك بينت هذا من أجل أن نكون على بينة وأسأل الله أن يلطف بأحوالنا إنه أرحم الراحمين.

أيها الشيخ الكريم: من المقرر عندنا في كتب الحديث الشريف – حديث نبينا عليه الصلاة والسلام – حديث عمر رضي الله عنه وأرضاه وهو حديث عظيم وجليل له وقع في الإسلام كبير وهو ثابت في الكتب الستة وغيرها: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ولا يطلع على ما في النيات إلا رب البريات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه وقد كان أئمتنا الكرام يستحبون بدأ أعمالهم بهذا الحديث. قال عبد الرحمن بن مهدي – كما تقدم معنا في أوائل دروس سنن الترمذي – وقد توفي سنة 198 للهجرة من صنف كتابا فليبدأ بحديث عمر وهذا ما فعله البخاري. أيها الشيخ الكريم: أول شيء مرّ معك في دراسة سنة نبينا عليه الصلاة والسلام هذا الحديث هلاّ إعتبرت به؟ قال الإمام أبو سليمان الخطابي عليه رحمة الله وقد توفي سنة 388 هـ كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون بدء أعمالهم بحديث عمر قبل كل قول وعمل، يتذكر الإنسان خشية الله ليصحح نيته ولئلا بعد ذلك يتهم غيره. إخوتي الكرام، هذا الأمر ينبغي أن نعيه وعليه ما في الشريط أنه ليس بمخلص وأنه مصلحجي وأنه، وأنه فكما قلت إن أطلعكم الله على غيبه فعلى العين والرأس وإن لم يطلعكم الله على غيبه فقد أشركتم بالله جل وعلا لأن هذا منازعة لله في ربوبيته. إخوتي الكرام أنتم تدندنون طول حياتكم حول البدع لا يجوز أن نفعلها وينبغي أن نحذر الناس منها ووصل تشددكم في أمر البدع أن من حمل سبحته قلتم عنه إنه مبتدع. وكلامكم باطل والحكم على السبحة بالبدعة بدعة وقد قرر هذا أئمتنا الكرام كما في مجموع الفتاوي للإمام ابن تيمية 22/506 قال: (إذا أحسنت النية في التسبيح بالخرز فهو حسن غير مكروه) .

الذي أريد أن أقوله إذا وصل تنطعكم وتشددكم واحتياطكم أن تقولوا إن السبحة بدعة من باب صيانة جناب التوحيد وعدم فعل شيء ليس في شرع الله على حسب اصطلاحكم. كيف بعد ذلك جئتم تمدون علمكم إلى ما في قلوب العباد؟ حقيقة هذا منازعة لله في توحيد الربوبية وتوحيد الربوبية عندنا أقر به المشركون فضاع عند الموحدين في هذه الأيام. حقيقة أمر عظيم أمر فظيع ولذلك أنا أرجو من هذا الشيخ الكريم أن يعيد النظر فيما قال وأن يخبرنا إن اطلعه الله على غيبه فنفوض أمرنا إلى الله وما لنا إلا أن نعبده سواء كنا من أهل الجنة أو من أهل النار لكن إن اطلعك الله فهذه حقيقة يعني – كما قلت – بلية في حقي وأفوض أمري إلى الله. وإذا لم يطلعك فأرجو أن يقف كل إنسان عند حده. قُلْ فلان أصاب وأخطأ، اهتدى وظل وقل ما شئت وسيحاسبك الله على ما تقول لكن لا تتدخل بين العباد وبين ربهم فهذا مخلص أو منافق؟ كِلْ سرائرهم إلى الذي يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى وأنا أقول هذا لتعلم أيها الشيخ الكريم وليعلم كل مسلم والله ما أصف نفسي بالإخلاص وما أعلم أنني أخلصت في حياتي وأنا على نفسي بصير والله الذي لا إله إلا هو ما أصف نفسي بهذا وإذا وصفت نفسي بذلك فلا شك في غروري وسفاهتي وقلة عقلي. لكن كما قلت هذا ما يتعلق بحالي مع نفسي أما أنت لا تتجرأ على قلوب العباد، فوِّض أمرهم إلى ربهم جل وعلا. إخوتي الكرام: ينبغي أن نتهم أنفسنا وأن نكون على علم بحالنا وقد تقدم معنا في ترجمة العبد الصالح هشام الدستوائي وقلت حديثه مخرج في الكتب الستة وتوفي 152هـ يقول هذا العبد الصالح: (والله ما أستطيع أن أقول إني قد ذهبت يوما قط اطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل) . فمن أنت أيها الشيخ ومن أنا ومن يوجد في هذا الزمان بجنب أولئك الأئمة الأعلام.

ما أستطيع أن أقول أني ذهبت يوماً قط اطلب الحديث أريد به وجه الله. وغالب ظني أنك وأنكم لا يخفى عليكم حال هشام الدستوائي الذي بكى من خشية الله حتى فسدت عينه والذي كان يقول عجبت للعالم كيف يضحك ثم يقول عن نفسه هذا. وكان أكثر أهل البصرة ذكراً للموت وهو الذي يقول فيه أمير المؤمنين شعبة بن الحجاج: (هشام أعلم مني وأحفظ من قتادة) وهو الذي يقول فيه أبو داود الطيالسي: (هشام الدستوائي أمير المؤمنين في الحديث) ومع ذلك يقول (لا أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل) فكوني مخلصاً أو لا فدع هذا لي بين وبين ربي. وأنت لا تتدخل بما في قلوب العباد وكل واحد ينبغي أن يتهم نفسه، وأنا على يقين أن كل واحد منا يعرف من عيوب نفسه مالا يعرفه من عيوب غيره، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. قال الإمام الذهبي معلقاً على كلام هشام الدستوائي: (قلت: والله ولا أنا –أي أنا ما أستطيع أن أقول إنني ذهبت اطلب الحديث لله في يوم قط –أبدا- لله مخلص لا يمكن أن أقول هذا. قلت والله ولا أنا فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنَبُلُوا وصاروا أئمة يُقْتَدَى بهم وطلبه قوم منهم أولا لا لله فحصلوه ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم فجرّهُمُ العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق كما قال مجاهد وغيره طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية ثم رزقه الله بعد وبعضهم يقول: (طلبنا هذا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله) فهذا أيضاً حسن ثم نشروه بنية صالحة رحمهم الله ورضي عنهم والصنف الثالث قوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا وليثني عليهم فلهم ما نَوَوا.

قال عليه الصلاة والسلام: (من غزا ولم ينو من غزوته إلا عقالا فليس له إلا ما نوى) والحديث إخوتي الكرام رواه أحمد والنسائي ورواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وترى هذا الصنف لم يستضيئوا بنور العلم ولا لهم وقع في النفوس ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل وإنما العالم من يخشى الله عز وجل. والصنف الرابع: وقوم نالوا العلم وولوا به المناصب فظلموا وتركوا التقيد بالعلم وارتكبوا الكبائر والفواحش فتباً لهم فما هؤلاء بعلماء. والصنف الخامس: وصنف لم يتق الله في علمه بل ركب الحِيَلَ وأفتى بالرخص وروى الشاذ من الأخبار وبعضهم إجترأ على الله ووضع الحديث فهتكه الله وذهب علمه وصار زادة إلى النار. وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئا كبيرا وتضلعوا منه في الجملة ما أظن ينطبق علينا وصف واحد من هؤلاء الأصناف الخمسة مع ما في الأصناف المتأخرة من سوء وقبح ثم يقول: (فخلف من بعدهم خلْفُ بان نقصهم في العلم والعمل وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر ولم يتقنوا منه سوى نذر يسير أوهموا به أنهم علماء فضلاء ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله عز وجل لأنهم ما رأوا شيخا يقتدي به في العلم فصاروا همجا رعاعاً غاية المدرس منهم أن يحصل المدرس منهم كتبا مُثمَنَةً يخزنها وينظر فيها يوماً ما فيصحف ما يورده ولا يقرره فنسأل الله النجاة والعفو كما قال بعضهم: ما أنا عالم ولا رأيت عالماً.

وهذا الوصف الأخير أيها الشيخ الكريم ما أراه إلا ينطبق إلا على علماء زماننا إلا من رحم ربك وقليل ما هم فإذا كان هذا حالنا فليتهم كل واحد منا نفسه وليقف عند حدّه إخوتي الكرام: الإخبار بأن ما في القلب يعلمه أحد من البشر وأننا نحكم على هذا بأنه مخلص أو منافق أو مرائي وأطلعنا الله على غيبة فهذا منازعة لله تعالى في الربوبية وهذا من خصائص ربوبية الله جل وعلا هو الذي يعلم السر وأخفى، وإذا كان الأمر كذلك فلنقف عند حدنا لنمسك ألسنتنا ولنتق ربنا (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) . أما فيما يتعلق بعد ذلك في المخلوق هذا فيما يتعلق بحق الله أردت أن أبدأ به لعظم موقعه وعظم حق الله علينا وأشنع شيء يقوم به الإنسان أن يشرك بالرحمن وأن يدعى خصائص الربوبية لنفسه البشرية وليس بعد هذا الظلم ظلم (إن الشرك لظلم عظيم) . وأما حق المخلوق فحقيقة المخلوقات على تعددها وتنوعها تنقسم إلى قسمين إما أحياء وإما أموات وقد اتهمت في ذينك الشريطين أنني ما سلم مني الأموات ولا الأحياء وإذا كان كذلك فحقيقة ينبغي أن نذكر واحداً من الأموات وماذا جرى مني ومنهم نحوه ثم نذكر أيضا واحدا من الأحياء واختم الموعظة بذلك أما الأموات فسأبدأ بخير الأموات وأفضلهم ألا وهو خير البريات عليه صلوات الله وسلامه وهو وإن كان ميتاً عليه الصلاة والسلام وانقطع عن الحياة فحياته أكمل حياة عند رب البريات. إخوتي الكرام:

أثاروا لغطاً وأكثروا كلاما حول حديث ذكرته عن نبينا عليه الصلاة والسلام فأعادوا ما عندهم دون الرجوع عما ذكروه ولا يلتفتون إلي ما قرره علماء الأئمة الإسلامية عليهم رحمات رب البرية. والحديث تقدم معنا إخوتي الكرام حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في البزار والمسند وحديث بكر بن عبد الله المزني الذي رواه ابن سعد ورواه كما تقدم معنا الشيخ الصالح المبارك إسماعيل بن اسحق القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام (ت 282هـ) ورواه الحارث بن أبي أسامة وابن النجار في تاريخه وغيرهما عن انس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين. ولفظ الحديث تم تفصيل الكلام عليه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال حياتي خير لكم تحدثون ويُحدَثُ لكم – تحدثون ويُحْدِثُ لكم – تحدثون وتُحْدَث لكم – أي تتكلمون وتسألون فنحدث لكم ويُحدَثُ لكم من قِبَل الله جل وعلا وتَحْدُث لكم أجوبة وبيان مادام النبي عليه الصلاة والسلام باقياً فالوحي ينزل وما انقطع وحي السماء. تحدثون ويحدث لكم ونُحْدِثُ لكم وتُحْدَثُ لكم (ومماتي خير لكم – عليه صلوات الله وسلامه- تُعْرَض عليّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) .

جرى حول هذا الحديث لغط كثير منهم وقالوا أنه ليس بثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم أنا وسعت دائرته وخرّفْتُ نحوه وكنت فصلت الكلام عليه في مباحث النبوة المشرفة على نبينا صلوات الله وسلامه وأراني مضطراً إلى أن أذكر اختصاراً ما ذكرته سابقاً فأقول: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه صحيح، صححه عدد من أئمتنا الأبرار بتصحيحهم نأخذ الأحاديث الثابتة عن نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه فيما يتعلق باعتقادنا نحو ربنا وفيما يتعلق بالأحكام التفصيلية في شريعتنا، والحديث ذكره الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد 9/24 وبوب عليه باب ما يحصل لأمته صلى الله عليه وسلم من استغفاره بعد موته وقال رواه البزار ورجاله رجال صحيح. والإمام الهيثمي ذكره أيضا في كشف الأستار عن زوائد البزار1/397 وبوب عليه بابا فقال باب ما يحصل لأمته عليه الصلاة والسلام في حياته وبعد وفاته ... هذا إمام أول من الأئمة الكرام الأبرار يصحح الحديث وهو الإمام الهيثمي ...

وبعده الإمام السيوطي عليه رحمة الله يصحح الحديث أيضا في الخصائص الكبرى 2/281 رواه البزار بسند صحيح هذا كلام الإمام السيوطي في الخصائص الكبرى وهكذا الإمام الزرقاني في شرحه على المواهب اللدنية 5/337 رواه البزار عن عبد الله بن مسعود ... وإسناده جيد. وهكذا الإمام ولي الدين ابن شيخ الإسلام عبد الرحيم الأثري ولي الدين بن عبد الرحيم العراقي في طرح التثريب شرح التقريب وبُينت قيمته الحديثية في الأحكام الفقهية في أحاديث الأحكام 3/297 يقول: إسناده جيد كم إمام صار؟ أربعة، والخامس والد ولي الدين شيخ الإسلام عبد الرحيم بن الحسين الأثري في تخريج أحاديث الإحياء 4/144 يقول ... حياتي خير لكم ومماتي خير لكم الحديث – البزار من حديث ابن مسعود ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف كأن العراقي يقول: رجال الإسناد رجال الصحيح لكن فيه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد أخرج له مسلم وأهل السنن الأربعة وت 206 هـ قال عنه الحافظ بن حجر في التقريب: صدوق يخطئ كثيرا أفرط ابن حبان فيه فقال إنه متروك. وكما قلت في صحيح مسلم والسنن الأربعة. في هذا العبد الصالح عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد. حوله كلام لكن هو من رجال مسلم. فإذا كان صدوقا حديثه في درجة الحسن لاسيما وقد اعتضد بمرسل ثابت كالشمس سطوعا وظهورا في رابعة النهار ثبت في مرسل بكر بن عبد الله المزني في كتابه فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وطبقات ابن سعد بسند صحيح بهذا اللفظ لكن هناك مرسل وهنا الإسناد متصل فلو قُدّر أن هذا الحديث فيه شيء من الضعف في رواية ابن مسعود. 10 ينجبر هذا الضعف ويتقوى ويزول بالرواية المرسلة من طريق بكر بن عبد الله المزني كما قرر أئمتنا هذا في كتب المصطلح فقالوا:

فإن يُقَلْ يُحْتَجُّ بالضعيف ... فقل إذا كان من الموصوف رواته بسوء حفظ يجبروا ... بكونه من غير وجه يُذْكَرُ ... ... يعني إن قيل لنا هل يحتج بالحديث الضعيف؟ نقول نعم متى نحتج بالحديث الضعيف إن كان رواته يوصفون بسوء حفظ نقصوا في الحفظ لكن تعددت الطرق.. وإن يكن كذب أو شذا ... فقوى الضعف لم يُجْبَرْ ذا ألا ترى المرسل حيث أسندا ... أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا ألا ترى هذا المرسل إذا جاء مسندا من طريق ضعيف أو جاء مرسلا من طريق آخر يتقوى المرسل ويصبح حسناً أوَ ليس كذلك. فإذًا عندنا حديث مرسل اسندا أي إذًا مسندا متصلا من طريق ضعيف أو جاء مرسلاً من طريق تقوى وزال ما فيه من ضعف وهذا الذي يقرره أئمتنا الكرام كما قلت هو المقرر في كتب الحديث والمصطلح. أعادوا ما في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وكنت ذكرتُ هذا وبينت ضعفه وعدم صلاحيته لما فيه. يقول هنا: إذا عرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي رواه البزار ورجاله رجال الصحيح يوهم أنه ليس فيهم من هو يتكلم فيه. وهو قال رجاله رجال الصحيح أما بعد ذلك عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد من رجال مسلم وهو حوله كلام والمعتمد في أمره كما قال الحافظ صدوق يخطئ لكن هو من رجال مسلم. -ولعل السيوطي إغتر بهذا –انظر إلى هذا التعبير السيوطي اغتر بكلام الهيثمي. يعني كأن السيوطي من جهله المقلدة – إغتر بكلام الهيثمي فقال في الخصائص الكبرى سنده صحيح – (ولهذا فإنني أقول إن الحافظ العراقي شيخ الهيثمي كان أدق في التعبير عن حقيقة إسناد البزار حيث قال عنه في تخريج الاحياء رجاله رجال الصحيح إلا عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه النسائي وابن معين فقد ضعف بعضهم قلت: أما قوله هو أو ابنه في طرح التثريب في شرح التقريب إسناده جيد فهو غير جيد عندي.

11) انتبه إلى هذا التعبير: السيوطي اغتر بكلام الهيثمي قول ولي الدين العراقي ووالده غير جيد عند الألباني (وكان يكون كذلك لو مخالفة عبد المجيد للثقات على ما سبق بيانه فهي علة الحديث وإن لم أجد من نبه عليها أو لفت النظر إليها أن يكون الحافظ ابن كثير في كلمته التي نقلتها عن كتابه البداية والله أعلم. نعم لقد صح إسناد هذا الحديث عن بكر بن عبد الله المزني مرسلاً وله عنه ثلاث طرق. إخوتي الكرام: خلاصة كلام الألباني يقول: عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد حوله كلام وانفرد بهذه الزيادة في أصل الحديث فهي شاذة. يقول: (أصل الحديث: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام قال: وقال رسول الله صل الله عليه وسلم حياتي خير لكم إلى آخر الحديث قال البزار لم نعرف آخره يروي عن عبد الله إلا من هذا الوجه ذكره ابن كثير في البداية والنهاية ثم قال فهو موجود في كشف الأستار في زوائد البزار ثم يقول بعد ذلك إتفاق جماعة من الثقات على روية الحديث عن سفيان دون آخر الحديث الذي هو حياتي خير لكم ومماتي خير لكم ثم متابعة الأعمش له على ذلك مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة لتفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بها لاسيما وهو متكلم فيه من جهة حفظه مع أنه من رجال مسلم وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون وبين بعضهم السبب في ضعفه فقال: إخوتي الكرام:

لو سلمنا أن عبد العزيز بن أبي رواد حوله كلام وزاد آخر الحديث وخالف الثقات هذه الزيادة هل يحكم عليه بالشذوذ؟ من حكم عليها بالشذوذ فهو لا يعرف معنى الشذوذ. الشذوذ هو ليس أن يزيد الراوي في الرواية إنما أن يروي ما يخالف ما رواه من هو أكثر منه أو أثبت منه. فهذا يثبت وذاك ينفي أو ذاك ينفي وهذا يثبت هذا هو الشذوذ أما أن يروي شيئا مثبوتا عنه وهو إن رواه دون أن يشاركه الحفاظ في الرواية لأخذ منه إذا كانت روايته مقبولة في درجة الحسن وانتبه لتقرير هذا من كلام أئمتنا عليهم رحمة الله يقول الإمام عبد الرحيم الأثري في ألفيته. 12) ... وذو الشذوذ ما يخالف الثقا ... فيه الملا فالشافعي حققا والحاكم الخلاف فيه مااشترط ... وللخليل مفرد الراوي فقط رَدّ ماقالا بفرد الثقة ... وكالنهي عن بيع الولاء والهبة وقول مسلم روى الزهري ... تسعين فردا كلها قوي واختار فيما لم يخالف (انتبه) ... أن من يقرب من ضبط فردُه حسن أو بلغ الضبط فصحح أو بعد ... عنه فما شذ فاطرحه ورد

يقول الإمام العراقي في شرح هذه الأبيات في البصرة والتذكرة 1/195 فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك والضبط كان ما انفرد به شاذا مردوداً وأن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره – هناك (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام وقال عليه الصلاة والسلام (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) . هل بين اللفظين تعارض؟ إنما هنا زيادة على ذلك ليس بينهما تعارض حتى تحكم بالشذوذ – يقول: وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد إن كان عدلا حافظا موثوقاً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما سبق فيما مرّ من الأمثلة وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح نعم: هو بعد ذلك بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه. يقول إذا كان ما انفرد به الراوي هو في نفسه في درجات الإتقان والضبط نحكم لإنفراده بأي شيء؟ بالصحة، وإذا كان ما انفرد به هو دون درجة الحافظ الضابط المتقن ننظر إلى حاله فإن كان يُحكم لحديثه بالحسن نحكم لإنفراده بأنه أيضا حسن. إذا استحسنا حديثه لذلك ولم نحطه إلى قِبَلِ الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر وانتهى. وعليه عندنا ماانفرد به الراوي له ثلاثة أقسام: 1. إذا كان ما انفرد به وهو ضابط حاذق ماهر حافظ متقن انفراده صحيح ولا يقال عنه شذوذ. 2. إذا نزل عن ذلك كمال عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد نستحسن حديثه كما لو روى حديثا دون أن يشاركه غيره في روايته.

3. وإذا روى من فحش غلطته ردت روايته لو روى دون رواية شارك فيها الحفاظ ويحكم عليها بالضعف. فنحكم أيضا على شذوذه هنا بالضعف هذا كلام أئمتنا فرواية عبد المجيد ... لو سلمنا أنها شاذة وهو متكلم فيه نقول هذا الشذوذ بمعنى أنه انفرد عنهم لا بمعنى أنه اثبت خلاف ما اتفق الجماعة من هم أعلا منه وأكثر ضبطا وعدلا في الرواية وعليه لا يضر فنحن إذا كنا نحسن حديثه لو لم يشاركه غيره فنحسن حديثه بهذه الزيادة وعليه استدل أن حديثه فيه ضعف – على التنزل – باتفاق المحدثين هذا الضعف يزول بالرواية المرسلة –أوليس كذلك؟ وهذا الكلام يعرض على علماء أهل الأرض قاطبة فلينظروا فيه وليعطونا رأيهم. أما بعد ذلك قوله شذوذ أي شذوذ إذا انفرد بشيء ما خالف فيه الجماعة. أي ما أثبت شيئا نفته تلك الرواية ولا نفى شيئا اثبتته تلك الرواية صار كما لو روى هذه الزيادة برواية مستقلة لم يشاركه أحد في روايتها. لِمَ نرُدُّ زيادته وهذا كلام أئمتنا وهو الذي قرره أئمتنا قاطبة إخوتي الكرام انظروه أيضا كما قلت في هذا الكتاب وانظروه في تدريب الراوي للإمام السيوطي ... تدريب الراوي ص 149 يقول: وإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمراً لم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وأن لم يوثق بحفظه ولكن لم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا، وإن بعد من ذلك كان شاذا منكرا مردودا. وهل عبد المجيد بعيد؟ أو كما قلنا صدوق إذا والحاصل إن الشاذ المردود هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في روايته من الثقة والضبط ما يُجْبَرُ به تفرده هذا الذي قرره أئمتنا في كتب المصطلح إخوتي الكرام فلو سلمنا أن رواية عبد المجيد ... فيها شيء من الضعف- لو سلمنا – لزال الضعف الذي فيها.

برواية بكر بن عبد الله المزني، فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن إما لذاته أو لغيره، وهذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أما الرواية الثالثة وهي رواية أنس رضي الله عنه فكما قلت رواها الحارث بن أبي أسامة وابن النجار وغيرهم بسند ضعيف. بسند ضعيف من قال هذا؟ أما نقلت لكم كلام الإمام العراقي: (ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف) هذا كلام من؟ العراقي. أنا قلت فيما سبق حديث أنس إسناده ضعيف وإن لم يُقوِ رواية عبد الله بن مسعود ورواية بكر بن عبد الله لإشتداد الضعف فيه – إن لم يُقَوِّ فلا يضر دعونا منه عندنا مرسل وبعد ذلك حديث إما حسن لذاته وإما لغيره. قالوا بعد ذلك أنت تقول حديث أنس ضعيف يقول وهذا خطأ وبدأ يكثر بعد ذلك من الكلام الذي ينبغي للإنسان أن يعي ما يقول وقال هذا أنا ذكرت في السلسلة أن فيه متهم وأن فيه وأن فيه. أيها الشيخ الكريم: أنت ذكرت بنفسك هذا الحكم في كتاب ضعيف الجامع الصغير وزياداته. أنت ذكرت هذا ص 405وهو آخر حديث في حرف الحاء. آخر حديث عندك في ضعيف الجامع: (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) رواه الحارث أي ابن أبي أسامة من حديث أنس- ماذا يقول عنه: (ضعيف) فعلام تعيب علينا بما تقول أنت وتكثرون من اللغظ في الأشرطة وتفتنون الأمة علام أنت هنا تقرر بخط يدك أن حديث أنس ضعيف ثم عملتم دندنة لا نهاية لها لأنني قلت إن حديث أنس ضعيف فأنت هنا تقول ضعيف هذا حكمك وأحاديث أخرى تقول موضوع وأحاديث تقول ضعيف جداً أما هذا ماذا حكمت عليه وإذا ذهلت أيها الشيخ ونسيت لكبر سنٍ فيك أسأل الله أن يحسن لك الخاتمة بفضله ورحمته وأن يجعل مأواك جنة النعيم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ولنا ذلك إذا نسيت لكبر السن فأنا أذكرك أن ترجع إلى كتابك ص 405 آخر حديث في حرف الحاء (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) رواه الحارث عن أنس. ضعيف هذا كلامك.

فإذا أنت قررت هذا الحكم فإذا عبت غيرك فسيقع العيب بعد ذلك عليك لأنك أنت أصدرت هذا الحكم عليه نعم في السلسلة فيه متهم وفيه وفيه لكن هنا حكمت عليه بخلاف ما في السلسلة فأي الحكمين منك سنأخذ به أيضا؟ على كل حال حديث أنس عندنا في هذا الموضوع لا يقدم ولا يؤخر عندنا رواية عبد الله بن مسعود فيما أرى والعلم عند ربي حسبما قرر أئمتنا انتبهوا له من عندي ولذلك هم عندما يقولون صححت وحسنت هذا افتراء عليّ لا صححت ولا حسنت نقلت التصحيح عن خمسة من الجهابذة الحفاظ وأنا أتحداكم إذا كنتم تنقلون تضعيف هذا الحديث عن حافظ قبلكم فأي الفريقين أهدى سبيلاً. من يقتدي بأئمة متقدمين من علماء القرن الثامن للهجرة ينقل كلامهم ويعوّل عليه أم من يأتي في القرن الخامس عشر للهجرة ويطرح كلام المتقدمين ويعبر عن كلام السيوطي بأنه اغتر وعن كلام ولي الدين العراقي بأن عنده غير جيد ومن هذا الكلام؟ أريد أن أعلم أي الفريقين أهدى سبيلاً.

ولذلك إخوتي الكرام ينبغي أن نتقي ربنا نحو حديث نبينا عليه الصلاة والسلام. هذا الحديث لما ذكرته سابقا علقت عليه أيضا وقلت لا يتنافى مع ما هو ثابت لنبينا عليه الصلاة والسلام حي في قبره ... وما المانع من عرض أعمال أمته عليه ليمتد نفعه إلى الأمة فهو مبارك علينا في حياته وبعد مماته عليه الصلاة والسلام أما ثبت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (أتيت ليلة أسري بي على نبي الله موسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه وهو قائم في قبره يصلي) والحديث في صحيح مسلم. وهو قائم في قبره يصلي أما تقدم معنا حديث أبي يعلى والبزار وقال عنه الهيثمي رجاله أثبات ثقات 8/211المجمع وقد صححه السيوطي في الخصائص 2/281، والإمام الزرقاني في شرح المواهب اللدنية 5/332 تقدم معنا قول النبي عليه الصلاة والسلام (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) فنبينا عليه الصلاة والسلام وهكذا أنبياء الله عز وجل لهم هذا الوصف فإذا عرض الله جل وعلا على نبينا عليه الصلاة والسلام أعمال أمته من أجل أن يحصل لهذه الأمة ما يحصل كان ماذا؟ وهذا الحديث كما قلت أُضِيفُ إلى من تقدم ذكرهم ممن صححوه صححه أيضا الإمام الزبيدي في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين 9/177 فهذا جم غفير من أئمتنا صححوا هذا الحديث واعتمدوه وقبلوه والعلم عند الله جل وعلا ولاأريد أن أفيض أكثر من هذا فيما يتعلق بالنواحي الحديثية لعلنا نكمل ما عندنا من مبحث. إخوتي الكرام: هذا الأمر لابد لنا أن نعيه قبل أن ننتقل إلى ما بعده أريد أن أقول لهذا الشيخ الكريم أموراً من باب النصح وأنا أرى أن يرسلها كل واحدٍ إليه وأن نتناصح بها فيما بيننا دوما ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا أول هذه الأمور:-

1. أيها الشيخ الكريم مع احترامي لك ينبغي أن تعلم أن أقوالك ليست مقدسة وليس عندنا أحد قوله مقدس إلا النبي عليه الصلاة والسلام وكل واحد يخطئ ويصيب وإذا أنت رضيت لنفسك أن ترد أقوال خمسة وستة من الحفاظ الكبار وأنت استسهلت هذا فأنا على يقين أننا عندما نرد قولك ينبغي أن نستسهل هذا من باب أولى. فإذا أنت تجرأت على رد كلام الحفاظ فلا ينبغي أن يضيق عطنك عندما نتجرأ على رد كلامك فأقوالك كما قلت ليست مقدسة وليست معصومة من الخطأ لذلك أصغ لنصح من ينصحك وأصِغْ بسمعك إليه فالحكمة ضالة المؤمن أني وجدها التقطها.

2. الأمر الثاني: ينبغي أن تعلم أيها الشيخ الكريم أنت ولا أريد أن أقول وأنا فمن أنا حتى أقول وأنا أنت وكبار العلماء في هذا الزمان لا تأتون قطرة من بحار علمائنا الكرام فليعرف كل منا قدره وليقف عنده يقول الإمام الذهبي عليه وعلى أئمتنا رحمة الله في تذكرة الحفاظ 2/627 بعد أن انتهى من بيان طبقات معينة وهم الذين قبضوا وتوفوا بين 250و300 يعني في المنتصف الثاني من القرن الثالث للهجرة يقول وليستمع الشيخ الكريم لهذا ولنعرف قدر علمائنا في هذه الأيام بالنسبة لعلمائنا الكرام الذين سبقونا – يقول الإمام الذهبي: ولقد كان في هذا العصر وما قاربه من أئمة الحديث النبوي خلق كثير وما ذكرنا عشرهم هنا وأكثرهم مذكورون في تاريخي تاريخ الإسلام وكذلك كان في هذا الوقت خلق من أئمة أهل الرأي والفرع وعدد من أساطين المعتزلة والشيعة وأصحاب الكلام الذين مشوا وراء المعقول وأعرضوا عما عليه السلف من التمسك بالآثار النبوية ... وظهر في الفقهاء التقليد وتناقض الإجتهاد فسبحان من له الخلق والأمر فبالله عليك أيها الشيخ إرفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشذر وهو نظر الغضب – والإحتقار الذي يكون بمؤخر العين ولا ترمقنهم بعين النقص ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلام هذا من يقوله؟ الذهبي الذي هو من علماء القرن الثامن للهجرة يعني بينه وبين عصر النبي عليه الصلاة والسلام كما بيننا وبين عصر الذهبي تماما مدة مضاعفة يقول فما فيمن سميت أحد أي ممن كانوا في هذه الفترة من سنة 250 إلى 300 للهجرة (فما فيمن سميت أحد ولله الحمد إلا وهو بصير بالدين عالم بسبيل النجاة وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال من أحمد ومن ابن المديني وأي شيء أبو زرعة وأبو داوود هؤلاء محدثون ولا يدرون ما الفقه وما أصوله ولا يدرون الرأي ولا يفقهون الرأي

ولا علم لهم بالبيان والمعاني والدقائق ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله بالدليل ولا هم من فقهاء الملة فاسكت بحلم أو انطق بعلم فالعلم النافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت هذا كلام من؟ لا نحن ولا أنت يخاطب علماء زمانه، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوي الفضل. فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه ومن تكلم بالجاه أو بالجهل أو بالشر والبأو –وهو الترفع على الأقران – فأعرض عنه وذره في غيه فعقباه إلى وبال. نسأل الله العفو والسلامة فمع مكانتك واحترامنا لك لا يمكن بحال أن نقدم قولك على قول علمائنا الذين سبقوك ينبغي أن يرسخ هذا في ذهنك وينبغي أن يرسخ هذا في ذهن كل مسلم.

3. الأمر الثالث: من باب النصيحة أيها الشيخ أريد أن ترفق بنفسك وأن تشفق على أمة نبيك عليه الصلاة والسلام أرى أن تمنع نفسك من الفتيا وألا تدخل نفسك في أمور الفقه على الإطلاق فعلم الفقه له رجاله فسلم الأمر لأصحابه وإذا سئلت عن مسألة فقهية قل سلوا الفقهاء وقد كان الإمام مالك عليه رحمة الله إذا سُئل عن القراءة قال سلوا نافعا فإنه إمام القراءة في المدينة وينبغي أن يستعان على كل صنعة بصالح أهلها وحقيقة حصل من فُتياك ومن كثرة الشذوذ الذي يقع في فتاويك حقيقة حصل ما حصل من الإضطراب في الأمة والشذوذ وألفت في ذلك الرسائل وتنابذ بألقاب السوء من أجل ذلك. خرقت الإجماع في أن الذهب المحلق لا يباح للنساء وأن النساء لا يباح لهن الذهب المحلق ومن لبست هذا فهي عاصية ووالله إنا ندافع عنك وقد قررت هذه المسألة في رأس الخيمة وقلت الإجماع انعقد على حل الذهب للنساء فقام بعض الحاضرين فقال الشيخ الألباني خالف إذاً مخالف الإجماع كافر قلت اسكت واضبط لسانك واتق ربك إنه لا يسلم بانعقاد الإجماع فله عذر مع ردنا لقوله ونلتمس له عذراً ونسأل الله لنا وله المغفرة والرحمة لكن هذه مسألة قلتها. بعد ذلك أتيت بفتيا غريبة حقيقة أن ما طال عن القبضة بدعة ينبغي قصها من اطلق هذا الحكم قبلك من خلق الله؟ من اطلق من أئمتنا الفقهاء على أن ما طال بدعة ويجب قصه ثم بعد ذلك تطلع بين الحين والحين بهذه الأقوال الشاذة التي يقع فيها الهرج والمرج وكم حصلت الردود عليك وأنت بعد ذلك تقابل الرد بردود وتتجرأ عليهم وقد ألف بعض المعاصرين وغفر الله له ولك ولي وللمسلمين أجمعين كتابا سماه قاموس شتائم الألباني.

أي التي نبذ بها العلماء الماضين والحاضرين – كتابا في هذا الأمر- فبالله عليك أيها الشيخ أرفق بنفسك وبأمة نبيك عليه الصلاة والسلام وما بذلته من جهد نسأل الله أن يثيبك عليه وأن يضاعف لك الأجر. لكن جانب الفقه إعزل نفسك عنه ومن أيام كنا نتدارس ما يتعلق بموضوع وجه المرأة وبينت كلامه وقلت لكم اشتد بعض الناس في مناظرته كما فعل الشيخ حمود بن عبد الله التويجري وتقدم معنا أنه وصف تفسير الألباني للأية ولاستنباطه بعد ذلك هذا الحكم من الشريعة أنه إلحاد ومبني على المغالطة وأنه بعد ذلك لا يقول بهذا الحكم إلا من كان اجهل الناس ثم بعد ذلك يقول فهذا القول سوء لا يصدر من أحد يتمسك بما ثبت في السنة النبوية وإنما يصدر ذلك ممن يتمسك بالتقاليد والسنن الإفرنجية إلى آخر كلامه وقلت لكم قسى عليه للتنفير من قوله لا للوضع من مكانته. وهناك كتب أخرى قست أكثر من هذا وما ذكرتها سابقا وإنما من باب أن تعلم ماذا يجري في الأمة من أجل ما تقوله من أقوال شاذة كتاب آخر نظرات في كتاب حجاب المرأة المسلمة لعبد العزيز بن خلف العبد الله من المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه يصفك حقيقة بأوصاف والله يعز علينا أن توصف بها لكن هذا هو حال الشذوذ الذي ينفرد به الإنسان وبعد ذلك يريد أن يثبت القول كيف ما كان في صفحة 12 (إن الشيخ الألباني عفا الله عنا وعنه مجبول على محبة الظهور والبروز في أسلوب المخالفات والثناء على نفسه فهو يقوم في هذه المهمة حين لا يوجد من يقوم بها كما وكما وكما) ثم بعد ذلك يقول (الغرور يدعو الألباني إلى التحدي) العناوين بارزة في هذا. قلت: هذا كله بسبب الشذوذ الذي تقوله فأنا أطلب منك أن تكفّ فيما بقي من حياتك وأسأل الله أن يمدها على طاعته وأن يحسن لنا ولك الخاتمة. أن تمسك عن الفتيا وأن تحيل على ما في المذاهب الأربعة المتبعة وان تقتصر على نشر سنة نبينا عليه الصلاة والسلام.

4. الأمر الرابع: وهذا حقيقة بحثته مع بعض الإخوة الكرام من خواص من لهم صلة بك نسأل الله أن يحفظك وأن يحفظهم ويحفظ المسلمين في مدارسة سبب ما يجري فقال إن سبب ذلك شلة حوله لا يتقون الله في صحبته وإذا كان كذلك فينبغي أن يحترس الإنسان إن الذين كانوا معك حول هذا السؤال أما ظهر لك حالهم أنهم بمظهر العامة ثم من وجّه لك السؤال من أهل هذه البلاد يسألك عن هذه المسائل من أجل إثارة فتنة أما سمعت سؤاله من بداية كلامه يا شيخُنا ثم ما ذكر كلمة صحيحة والشريط موجود وأنت تقول له قل يا شيخنا لكن ما بعدها أنكى وأمر فإذا كان هذا حاله كان الألْيق بك أن تقول له أيها الإنسان إذهب تعلم أحكام الطهارة وكيف تصلي، ولا تشتغل بإيقاع الفتنة بينك وبين العلماء وعندما جئتُ هنا كان بعض الناس يحضر فماذا أقول عنهم حقيقة نسأل الله أن يحسن ختامنا وبعد الخروج من المحاضرة قال يا شيخ إنني أؤلف كتاباً في الرد على فلان من المشايخ المشهورين في هذا الزمان ووالله الذي لا إله إلا هو لا يتقن قراءة جزء عم نظراً لا حفظاً والله الذي لا إله إلا هو ثم حضر لعله كان يظن أن أكون مطية له وكم من يحضر من أجل أغراض ثم بعد ذلك لما رأى الأمر ولى وكان أحيانا يتصل بي عدة أيام وما أعلم إن كان هو السائل يا شيخُنا يا شيخُنا. يا عبد الله بمثل هؤلاء الإنسان يتكثر. فدعك من صحبة هؤلاء وأصحب العلماء الأتقياء الذين هم في هذه الكتب واصحب رب الأرض والسماء فأرى أن تنتبه إلى من حولك ووالله إنهم فتنة وما قالوه لك في هذا الشريط وفي غيره قد يدخل الغرور على الصديقين فضلاً عن أمثالنا في هذا الحين إنك تُقَدَّمُ في كل شريط بأنك محدث العصر وفقيه الزمان وبمثل هذه العبارات.

أيها الشيخ: أترضى أن يقال هذا فيك وأنت الذي تنشر سنة النبي عليه الصلاة والسلام أما بلغك حديث الصحيحين من حديث أبي بكر وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم عندما أثنى رجل على رجل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام قال (أهلكتم الرجل قطعتم ظهر الرجل. قطعت عنق صاحبك) عبارات تقال في الإنسان. فهؤلاء لو ضبطتهم لكفيت شرهم ونسأل الله أن يكفينا شرور أنفسنا وشر كل ذي شر إنه أرحم الراحمين و ... كما لا ينبغي للإنسان أن يزل ينبغي أن يحذر من أن يُزَل ونعوذ بالله من أن نزل أو نُزَل أو نضِل أو نُضَل أو نظلِم أو نُظْلَم أو نجهل أو يُجهل علينا أيها الشيخ الكريم ولعلك أعلم مني بذلك ثبت في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي من رواية عبد الله بن سخبرة قال قام رجل يثني على بعض الخلفاء فأخذ المقداد بن الأسود رضي الله عنهم أجمعين كفا من حصى – من رمل – ورشقه بها – ونسفه بها – تعلم من الذي أُثْنِيَ عليه؟ هو عثمان بن عفان – أُثْنِيَ على عثمان في حضرة هذا العبد الصالح المقداد بن الأسود فأخذ كفا من حصى ورشق بها المثنى المادح فقال له عثمان ما شأنك؟ قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) . وأختم الكلام على هذا بتذكيرك أيها الشيخ الكريم بما جرى من أصحابك المتقدمين معك. كيف حصلت البراءة بينكم وسبّكم من كان يطريكم وما كان لله دام واتصل وما كان (لغير الله) زال وانفصل. فاعتبر بهذا الأمر أيها الشيخ الكريم في هذه الحياة قبل أن يشتد ندمك بعد الممات ولا تكن معبرا لمن حولك وقاني الله وإياك شرور أنفسنا وشر كل ذي شر إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

آخر الأمور: حقيقة أرى لك أيها الشيخ وقد أمضيت ما أمضيت وأسأل الله أن يتقبل منك أن تستعد للقاء الله وقد قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام في آخر عمره (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) والله إن المناظرات والمجادلات والقيل منا مذمومة فكيف من الشيخ الكبير الوقور نسأل الله أن يصونك من كل شائبة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. وبالختام أقول لك شئت أم أبيت وشئنا أن أبينا أنت والدنا ولا شك في ذلك ولك أمران. لا ينكرهما إلا من لا يخاف الرحمن: 1. أولهما: أنت كبير في العمر وليس منا من لم يجل كبيرنا وإذا جهلنا عليك فلسفاهة وطياشة عندنا وما ينبغي أن تشاركنا في الطياشة والسفاهة. 2. والأمر الثاني: الذي لك حق به علينا أمضيت وقتا طويلا في خدمة حديث نبينا عليه الصلاة والسلام وإذا كان الكلب الذي صحب أصحاب الكهف جعل الله له ذكرا وقدرا فذكره في كتابه فكيف بمن يعيش مع سنة نبينا عليه الصلاة والسلام فترة طويلة من الزمان ووالله الذي لا إله إلا هو ما حصل الرد عليك ولا على غيرك إلا تعظيما لدين الله ومحافظة على ما قرره العلماء الذين هم قبلك لا انتقاصا لقدرك وإن كانت العبارة قاسية ولا يراد من قسوتها الطعن في شخصك ولا في ذاتك وإنما يراد من ذلك التنفير من أقوال تنفرد بها. وقد سبقنا إلى ذلك أئمتنا الكرام وكانوا يسلكون هذا المسلك مع من يشذ في قوله. وسأذكر لك كلاماً يقوله علماؤنا الكرام في بعض علماء الاسلام الكرام لتعلم أن ما يحصل نحوك ونحو غيرك لا يراد منه إلا النصح لدين الله ولا داعي بعد ذلك للطعن بما في القلوب فلا يعلم ذلك إلا علام الغيوب.

أما الكلام الذي سأذكره إخوتي الكرام / الكلام في منتهى الشدة والقسوة نحو إمام من أئمة الإسلام لكن كما قلت إذا شذ الإنسان فلا بد من الرد على قوله بما ينفر الناس من أخذه وحقيقة أيها الشيخ عندما أطلقت مثل هذه العبارات فإن وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع بدعة مقيتة – بدعة وإن قال بها الإمام أحمد – ما قلت إنك تبدع الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه وأنت عندما ذكرت هذه العبارة التي لم تسبق إليها واطلقتها أيضاً قام بعد ذلك السفهاء الذين تأثروا بقولك فما اقتصروا على تبديع الإمام أحمد إنما بدّعوا من قبله ومن بعده عندما رأوا وتوهموا أنهم يخالفون شرع الله كما فتحت لهم الباب وقد تقدم معنا أن الحكيم الترمذي عذر ما ألف كتابه خاتم الأولياء صار هذا الكتاب بابا للزندقة التي انتسب إليها بعد ذلك وادعاها من جاء بعده من غلاة الصوفية والزنادقة. الكلام الذي سأذكره رواه الإمام أبو الخير شيخ القراء وإمام المسلمين في كتابه منجد المقرئين ومرشد الطالبين {ت 833 هـ} يقول في صفحة 62 عند بيان تواتر القراءات يقول: أما من قال إن القراءات متواترة حال اجتماع القراء لا حال افتراقهم فأبو شامة قال في المرشد الوجيز قال في الباب الخامس منه إن القراءات المنسوبة بكل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمه إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح في قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما نقل عن غيرهم ثم حكى قوله فيما يوجد شذوذ في القراءات السبع.

وأبو شامة من هو؟ هو حقيقة إمام زمانه رفع الله مقامه ت سنة665 هـ وهو عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي. انظر ماذا علق الإمام ابن الجزري على عبارة أبي شامة قال: أنظر يا أخي إلى هذا الكلام الساقط الذي خرج من غير تأمل المتناقض في غير موضع في هذه الكلمات اليسيرة أوقفت عليها شيخنا الإمام ولي الله أبا محمد بن محمد بن محمد بن محمد الجمالي رضي الله عنه فقال: ينبغي أن يعدم هذا الكتاب من الوجود ولا يظهر البتة فإنه طعن في الدين. قلت: ونحن – يشهد الله – إنا لا نقصد إسقاط الإمام أبو شامة إذ الجواد قد يعثر ولا نجهل قدره إذ الحق أحق أن يتبع ولكن نقصد التنبيه على هذه الزلة المُزلَّة ليحذر منها من لا معرفة له بأقوال الناس ولا اطلاع له على أحوال الأئمة. ثم بعد ذلك أنا من في تقرير هذا ثم قال وأنا من فرط اعتقادي فيه أكاد أجزم بأنه ليس من كلامه في شيء ربما يكون بعض الجهلة المتعصبين ألحقه بكتابه أو أنه ألف هذا الكتاب في أول أمره كما يقع لكثير من المصنفين ... إلى آخر كلامه.

وعند هذا الأمر الأول ألا وهو حق المخلوق وتكلمنا على حق أعظم المخلوقات على نبينا صلوات الله وسلامه على حق المخلوق من الموتى. عند هذا الحق أريد أن أقول أيضا. قلتم أيضا في الشريط الذي يَصُكُّ الآذان ويسمعه المسلمون في البلدان قلتم إنني بنيت على حديث عبد الله بن مسعود علالي وقصوراً فقلتُ إننا ننتفع بالنبي عليه الصلاة والسلام. بعد موته وقُلْتَ بالحرف الواحد إنني وسعت دائرة الحديث كما هو شأني في هذه الأمور وأخرى إنما قلت هذه نعمة من الله بها علينا ألا وهي استغفار نبينا عليه الصلاة والسلام لنا بعد موته وإذا لم نحظى باستغفاره صلى الله عليه وسلم في حياته ولم نحظ برؤية نور وجهه عليه الصلاة والسلام فما حرمنا الله هذه الفضيلة فمن الله علينا باستغفار النبي صلى الله عليه وسلم لنا قلت هذه نعمة ننتفع بها فكيف إذا وسعتُ دائرة الحديث وبنيت عليه علالي وقصوراً. أين العلالي والقصور؟ أليس استغفار النبي عليه الصلاة والسلام لنا نفع لنا فما العلالي وما القصور؟ هل قلت نذهب نسجد له أو لقبره الشريف عليه الصلاة والسلام.

ما هي العلالي وما هي القصور؟ ينبغي أن نراقب العزيز الغفور عندما نتكلم. إخوتي الكرام هذا الحديث مع صحته كما تقدم معنا قلت إن بعض الناس في هذه الأيام تجرأ وزعم أنه موضوع أيضا منهم الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتاب وجاءوا يركضون في صفحة 82 قال حديث حياتي خير لكم ومماتي خير لكم (حديث موضوع) ووالله هذا كلام وضيع وهذا كلام رذيل ولا يجوز أن يقال عن حديث نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام هذا حديث موضوع ثم بعد ذلك أين ردك على مثل هذا الهراء أيها الشيخ فقط جئت تنتقدني في اصطلاح أنت ذكرته فقلت إن حديث أنس ضعيف فقلتُ أنا ضعيف فجئت تقول لا إنه ليس بضعيف إنه فيه متهم يعني موضوع أنت ذكرت ذلك الإصطلاح وهذا الحديث الذي أنت لا تسلم بوضعه كيف ترضى أن يقال هذا الحكم فيه وفي صفحة 149 يتناقض مؤلف الكتاب في كتاب صغير في حديد 150 صفحة فيقول: وما ورد أنه عليه الصلاة والسلام أنه تعرض عليه أعمال أمته فيستغفر لهم فإنه لا يدخل في هذه القضية العينية فإنه كاستغفار الملائكة للمؤمنين التائبين. ويقول معلقا عليه: حديث عرض الأعمال عليه الصلاة والسلام لم يثبت بسند قوي. هناك موضوع وهنا لم يثبت بسند قوي. هذا هو الحال عند ما نريد أن نجعل الحديث يخدم الأغراض ففي ذهن الواحد منا فكرة فسنجعل الحديث يخدم فكرتنا كيفما كان وهذا لا يجوز في شريعة الرحمن. أترك الشيخ الكريم إلى المعلق الثاني بعد ذلك ولا أزال في الأمر الأول. الشيخ أبو شقرة تولى بعد ذلك الكلام فأثار الشغب والخصام حول هذا الحديث الثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقد نعت بألفاظ لعلها بمثل نعوت شيخه أو أعلى فهو الخطيب المصقع وهو أسد المنابر ومن هذا الكلام وكيف يقبل هؤلاء هذه العبارات حقيقة ما اعلم.

يقول هذا الشيخ الذي يثير الشغب حول هذا الحديث ويقول: لو سلمنا بصحته انظر ماذا يترتب عليه من محذور – أي محذور سيترتب عليه؟ - قال: سيترتب عليه إذا استغفر النبي عليه الصلاة والسلام لنا وقلنا إن الإستغفار عام في سائر الأمة وفي الأمة طائعون وعصاة وشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام استغفاره لا يرد وعليه ينبغي أن يلحق العصاة بالأتقياء بل بكبار الصحابة يعني إذا استغفر النبي عليه الصلاة والسلام لأمته استغفاره يكون مقبولا إذاً لن يدخل أحد النار وكلهم سيكونون من أهل الجنة وكلهم سيكونون في درجة الصحابة. يقول: وتعلم ما يترتب على هذا من ضلال؟!! سبحان ربي العظيم. سبحان ربي العظيم. سبحان ربي العظيم والله أيها الشيخ الكريم أنت الثاني أنا أعجب كيف نزلت لهذه الهوة السحيقة المهلكة هي التي أهلكت الجهمية عندما ردوا نصوص صفات رب الأرض والسموات بأقيستهم وآرائهم وضلالاتهم فقالوا لو أثبتنا لله الوجه واليدين وسائر صفاته جل وعلا يلزم من هذا التشبيه فنفوا وهذا هو الذي حدا ودعا الشاذين من النحاة إلى رد القراءات لأنها تتناسب مع قواعدهم النحوية وهذا الذي دعا أهل الآراء إلى نبذ الشريعة الغراء لأنها لا تتناسب مع عقولهم وهذا الذي دعا المحترفين من الصوفية إلى تأويل النصوص الشرعية بما لا يخطر ببال أحد من البرية وهذا الذي دعا أهل السياسة الوضيعة الوضعية لنبذ الشريعة المحكمة الربانية. يا عبد الله أنت ابحث في الحديث ثبت أم لا؟ إن ثبت إن فهمته أحمِد الله وإن لم تفهمه أحمد الله وقل آمنت برسول الله عليه الصلاة والسلام وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ولا تكثر الشغب حول نصوص نبينا عليه الصلاة والسلام ولا تفتح هذا الباب على الأمة وكفاها هلك تعيش فيها في تأويل الأحاديث وردها. الشغب لا تفتح بابه على حديث.

أنت ابحث في الحديث ثبت أم لا إن ثبت وفهمته أحمد الله وقل الحديث ثابت والله أعلم بكيفية استغفار النبي صلى الله عليه وسلم للأمة وماذا يترتب على هذا الإستغفار وكِل هذا إلى الله جل وعلا، ولا تُدخِل نفسك بين الله وبين رسوله عليه الصلاة والسلام ولا تُدخِل نفسك في هذه القضية وقولك إن هذا بعد ذلك سيجر إلى الغلو يقول: وهل تخريف المخرفين إلا مثل هذا الحديث هو الذي دعاهم إلى التخريف. وعندما علموا أن النبي عليه الصلاة والسلام حي في قبره ويستغفر لهم إذا دعاهم للطواف بالقبور والإستغاثة بهم و..و..وسبحان ربي العظيم. هذا الحديث هو الذي دعاهم أو جهلهم بدين الله؟ أما علم هذا الحديث سلفنا وصححوه هل كانوا يطوفون حول قبر النبي عليه الصلاة والسلام وأنت وأنا لا يستطيع أحد منا أن ينكر حياة الأنبياء في قبورهم وأنهم يصلون على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. فهل تنفي هذا أيضاً لئلا يترتب عليه أيضاً محذور؟ نعوذ بالله من هذا القول المرذول وأنا أيضاً أنصحك أيها الشيخ الكريم أن تسمع لي محاضرة ولعلك تتواضع وأسأل الله أن يرفع قدرك وهي محاضرة كانت على مرحلتين وفي كل مرحلة قاربت ثلاث ساعات أو زادت في موقف العقل البشري من الوحي الرباني أنصحك بسماع هذه المحاضرة لئلا تكثر الشغب حول نصوص النبي عليه الصلاة والسلام ...

وأقول لك ضع رأيك تحت رجلك ولا تلجأ إلى الشغب نحو سنة نبيك عليه الصلاة والسلام. فو الله ثم والله لن تؤمن بربك الكبير حتى يكون هواك تبعاً لهذا السيد الجليل عليه الصلاة والسلام وإياك إياك أن تبدي إعتراضاً على حديثه بقال أو قيل. إلزم الصمت فتح الله عليك ونوَّر بصيرتك وفهمك فاحمد الله وإلا فسأل أهل الذكر عن معناه ولا تقل يلزم ويلزم ويلزم وتريد أن تكثر الشغب في المناقشة حول هذا الحديث. ليس هذا حال أهل الحديث إنما هذا حال من يعكفون على لهو الحديث. أقول لك ما وجه الملازمة بين استغفار نبينا عليه الصلاة والسلام وبين ما ذكرته أنه إذا استغفر لنا سنكون جميعا من أهل الجنة وسنكون جميعا في درجة الصحابة ما وجه الملازمة والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم عندما استغفر لأناس من المنافقين استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله "والله لا يهدي القوم الفاسقين" آية من القرآن خفيت عليك أيها الشيخ.

الأمر الثاني: أذكرك بحديث لتعلم أن دعاء النبي عليه الصلاة والسلام يكون حسبما يشاء ربنا ويرضى ولا تدخل نفسك بين الله وبين نبيه عليه الصلاة والسلام ثبت في المسند وصحيح مسلم ورواه أبو داوود والنسائي والترمذي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث نزول القرآن على سبعة أحرف، أتاني جبريل فقال إن الله يقول لك إقرأ القرآن على حرف أن إقرأ القرآن على حرف قال أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك وفي رواية في الحديث إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف قال أسأل الله مغفرته ومعافاته فإن أمتي لا تطيق ذلك فأتاه الثانية قال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين. قال أسأل الله مغفرته ومعافاته فإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثالثة قال على ثلاثة حروف ثم أتاه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ- أي حرف قرأوا به فقد أصابوا وهي الموجودة في القراءآت العشر المتواترة عن نبينا عليه الصلاة والسلام من المدنيين والمكي والشامي والبصريين والكوفيين الأربعة. إذا أنظر لتكملة الحديث: قال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام فإن جبريل يقول لك. مده بكل ردة مسألة يعني كل رده أنت قلت أسأل الله فيها مغفرته ومعافاته وجاءك جبريل يقول إقرأ ثانية على حرف ثانٍ على ثالثٍ ورد ثلاث مرات ثم في الرابعة على سبعة يقول لك بكل مسألة تسألينها سَلْ ربك ما شئت فقلت اللهم أمتي اللهم أمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى فيه الخلق حتى إبراهيم خليل الله على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه. فقد دعا نبينا عليه الصلاة والسلام لأمته مرتين وادخر الثالثة ليوم القيامة وهل يعني هذا أننا في درجة الصحابة وأنه لن يدخل عاص في هذه الأمة النار.

ما وجه الملازمة بين هذا وذاك أيها الإنسان ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله جل وعلا فيما حكاه عن خليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه. (رب إنهن) أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فأنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم قرأ ما حكاه الله جل وعلا عن روحه وكلمته عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) . فرفع النبي عليه الصلاة والسلام حتى رؤي بياض إبطيه الشريفين ثم قال اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي وبكى عليه صلوات الله وسلامه فأتاه جبريل من قِبَلِ ربنا الجليل يبشره بأنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك فهل يعني هذا أننا سنكون في درجة أبو بكر وعمر؟ وهل يعني هذا أنه لن يدخل العاصي النار؟ ما وجه الملازمة بين هذا وذاك؟ على كل حال. أقول من اتضح له معنى الحديث فليحمد الله وإلا فليسلم الأمر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلى الله الذي جعل هذا لنبيه عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام والأحاديث في ذلك كثيرة التي تقرر مثل هذا المعنى أريد أن أنتقل إلى الأمر الثاني من الأمرين الأخيرين وهو الأمر الثالث على التفصيل إلى بعض الأحياء الذي أيضاً جرى حوله كلام وكما أخترتُ نموذجا من الأموات وبدأت بأفضلهم وأكملهم وأشرفهم عليه صلوات الله وسلامه.

هكذا في حق الأحياء أكثر هذا الشيخ أبو شقرة في شريطه ويكرر بين الحين والحين أنني أصف الشيخ الجليل عبد العزيز بن باز حفظه الله والمسلمين في خير وعافية أجمعين وتاب علينا بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين كرر بأنني أصفه بأنه صاحب تلويث وأنه لوث الدين وحقيقة عندما سمعت هذا الإنسان يعني بشر هل صدر أحياناً مني شيء من هذا وهو لا يدري أجمعت فكري مراراً فما خطر هذا ببالي. ثم زاد في الإفتراء أنني أقلد أحياناً صوت الشيخ مستهزئاً به وأرد عليه وأن أسأل الله أن يمسخني قرداً أو خنزيراً أو خنزيراً إذا خطر ببالي تقليد الشيخ فضلاً عن فعل ذلك ويعلم الله ما سمعت هذا إلا من الشريط أما أنه خطر هذا ببالي أو فعلت لا أقول فعلت ولا أقول خطر ببالي ولما تابعت كلامه وأعدت سماع الشريطين وقفت على وهمه وخطئه ولله الحمد والمنة. وكل قضية كما يقول أئمتنا من حقق النظر فيها علم أمرها كل مسألة إذا حققت النظر فيها فيها علامة صحتها أو بطلانها والإمام ابن القيم عليه رحمة الله ألف كتابا سماه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية فيذكر في صفحة 29 أن الإنسان إذا كان عنده ملكة يعرف المحق من المبطل ويعرف كيف يوصل الحق إلى صاحبه ويعرف كيف يأخذ على يد المبطل فهو عندما يتكلم في الشريط يقول: أنك تقول أن الشيخ عبد العزيز بن باز لما رد على كلام الشيخ ابن عبد الهادي ... وكنت ذكرت كلامه سابقاً في قصة وفاة شيخ الإسلام ابن تيمية وكيف دخل شيوخ المسلمين وتبركوا بهذا الإمام الصالح وقبلوه تبركا به أو ليس كذلك وتقدم معنا كلامه في صفحة 369 قلت وحضر- كما يقول الشيخ تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول محمد بن أحمد بن عبد الهادي في صفحة 369 وحضر جمع إلى القلعة فأذن لهم في الدخول وجلس جماعة قبل الغسل فقرأوا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله ثم انصرفوا.

قلت – بعد ذلك- انظر إلى هذا التعليق والتلويث ثم قرأت فمن المعلق ومن الملوث؟ إذا كان المعلق على الكتاب هو الشيخ عبد العزيز بن باز حقيقة – هو الذي وُصِفَ بذلك وإذا كان المعلق غيره فقائل هذا القول وناسبه إلى بين أمرين: إما مفترٍ على عمد ويريد أن يخدع الناس وإما لا يعلم من الذي علق على هذا الكتاب فظن أن الشيخ ابن باز هو الذي علق على هذا الكتاب وأنني الذي أحكم عليه بذلك وهو بذلك مخطئ فيما يقول ما صدر هذا وأنا قلت بعد ذلك أنظر إلى هذا التعليق والتلويث. يقول الشيخ محمد بن حامد الفقي- المعلق على الكتاب.

سبحان الله لقد كان الشيخ ابن تيمية يجاهد طوال حياته تلك البدع من قراءة القرآن على الموتى والتبرك بالموتى وآثار الصالحين ثم هؤلاء يصنعون به هذا الذي كان يكرهه والذي ما أوذي بأنواع الأذى إلا من أجل إنكاره إلى آخر كلامه. فمن الملوث؟ الملوث هو المعلق على هذا الكتاب ولذلك أيها الشيخ أيضاً أريد أن تتقي الله في عباراتك وأن تراجع كلامك وأن تتحقق وأنا أريد منك حقيقة أن تكون جريئاً في تحققك فانظر فيمن علق على الكتاب فإذا الشيخ عبد العزيز بن باز هو الذي علق على الكتاب فحقيقة كما قلت أنا الذي وصفته بذلك وبعد ذلك يصدر مني ما تريده مني أنت إن شاء الله وما يجب عليّ وإذا كنت أنت تنسب إليّ ذلك وقد لوثت سمعة الشيخ بهذه الأشرطة هنا وهناك والمؤمن مبتلى فأريد منك أن تتبع هذا بشريط آخر وأن تتوب إلى الله عز وجل وأن تقول أنا أخطأت فيما قلت إما عن جهل وتسرعت ولا أعلم من المعلق على هذا الكتاب وإما أن تقول أيضا سوّل الشيطان لي سوء فعلي لكن كُشِفْتَ والحمد لله الذي أظهر الحق والله جل وعلا يقول في كتابه في قصة نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون..

أين الدم الكذب؟ بعد أن ألقو نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه في الجب –بعدها- أخذوا سخلة وذبحوها ولطخوا قميصه بدمها ثم جاءوا إلى أبيهم وقالوا أكله الذئب فنظر يعقوب عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه إلى هذا المشهد الذي يفري الكبد وقال سبحان الله ما أحلم هذا الذئب وما أحكمه ذئب يأكل ولدي ولا يقطع قميصه؟ كيف هذا؟ ولد يؤكل وما باقي منه شيء وليس فيه خرق وجاءوا على قميصه بدم كذب وهنا يقول إنني افتريت على هذا الشيخ وطعنت فيه ووصفته بأنه ملوث والشيخ برئ من ذلك، معاذ الله أن أقول فيه هذا الكلام وليس يعني هذا أيضاً أنني لا أقول إنه أخطأ أو أصاب هذا أمر آخر وكوني كما ذكرت أنه علق على فتح الباري ورد موضوع التبرك فقلتُ إن هذا خطأ وهذا باطل ثم أتبعت هذا بأن قائل هذا من العلماء ونسأل الله أن يتوب علينا جميعاً. لكن شتان بين أن يقال ملوث ويلوث الدين وبين أن يقال رأي الشيخ الآن في رده على ابن حجر وعلى غيره قول باطل. هذا أقول ولا شك ويبقى ما قلناه سابقاُ أئمتنا المتقدمون لا يزاحمهم عندنا أحد لكن من يلزم الإنصاف نعامله إن شاء الله كذلك ونتأدب معه وهذا واجب علينا ومن يشذ ويطلق لسانه لابد أيضاً أن نعطيه عبارات من أجل أن يحذر الناس ذلك التسرع وذلك التهور. وبما أنه ثبت وهْمُ الشيخ أبي شقرة وخطؤه فيجب عليه أن يتوب منه وأن يقلع عنه واتبع الشيخ هذا الكلام فقال ما سلم منك الأموات فضلاً عن الأحياء ثم اتهمني بأنني أضلل الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة الله وأنا أعجب إخوتي الكرام غاية العجب. والله الذي لا إله إلا هو لو أذن الله لملابسي أو لدابتي أو لذرات جسمي أن تنطق لقالت إن عبد الرحيم هذا العبد المسكين يحب ابن تيمية وابن القيم أكثر من روحه التي بين جنبيه. أما بعد ذلك تعليقك على هذا بأني عدت كما كنت عليه وذكرت بيتين من الشعر أنا أعيذك بالله من حمية الجاهلية فقال:

نزل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدا لأول منزل ... يقول أنت كنت مخرف في بلاد الشام وبعد ذلك جئت إلى مكان فيه شهرة للإمام ابن تيمية وابن القيم فلبست هذا القميص ثم عدت إلى بلاد التخريف فأطلقت لسانك بالتخريف مرة ثانية فما كنت تتستر به. بشعار السلفية هذا مصلحة كما قال في أول الشريط مصلحجية وأنا أتحداك إذا قلت عن نفسي في يوم من الأيام أنني سلفي وكما قلت البارحة لا يعنيني أنني لا ألتزم بطريقة السلف. لكن السلفية التي لها مدرسة الآن خاصة وأفكار معينة ومن كان منها فهو سلفي ومن كان لا فهو ردي والله لست منها ولا أقرها وأنا قلت ليسمع هذا الشيخ وغيره الذي يقول مصلحجية في محاضرة علنية في أبها تكلمت فيها على هذا الأمر وقلت كما يفعل تجار السلفية وإذا أردت أن تتحقق جاء مشايخ من كلية الشريعة الكبار وقال يا شيخ والله الذي لا إله إلا هو ما تقوله حق ونفديك بأرواحنا لكن أهل الباطل يتعلقون بهذا الكلام ويعملون ضجيجاً فلا أريد أن تعيد هذه العبارة مرة ثانية. وإن كان يوجد من يتاجر بهذه الشعارات وما أكثرهم. وكما قلت مراراً لا نقر تخريف الصوفية ولا نقر شذوذ من يدعون أنهم سلفية. ودين الله بين الغالي والجافي. متى ادعيت في يوم من الأيام أنني سلفي؟ متى؟ لكن هل خرجت عن مسلكي الذي أنا عليه؟ هل خرجت؟ وقد قال بعض الإخوة عندما قيل له: يقول عن ابن تيمية وابن القيم ما يقول. قال: سبحان الله!

والله ما أحد حببني في هذين الشيخين إلا عبد الرحيم وأقول لما درست لما درَّستُ مادة توحيد رب البريات لأخواتي الطالبات في أبها ثلاث سنوات حصل من الخير ما لا يعلمه إلا رب الأرض والسموات ولما فصلت عن تدريسهن ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعاً كتبن رسائل متعددات لكثير من الشيوخ الكرام ووقعن عليها جميعاً بلا استثناء هذا عدا عن الرسائل المتعددة الفردية يقلن فيها إنهن ما ذقن حلاوة الإيمان ولا عرفن قيمة هذه المادة إلا بعد تدريسي لهن ولله الحمد والفضل والمنة لا إله غيره ولا رب سواه. وكما دَرَّسْتَ أخواتي الطالبات فقد درّست إخوتي الطلاب مادة توحيد الكريم الوهاب بالإضافة إلى غيرها من المواد وكان أثر مادة التوحيد يفوق غيرها في نفسي وفيهم ولله الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات. نعم كنت أقرر عقيدة أهل الحق وأحاول ربط القلب بالرب جل وعلا وأعرض عن سفاهة من جعلوا هذه المادة المباركة معبراً لتضليل المسلمين وشن حملات منكرة على مذاهب أئمتنا المهتدين جزاهم الله عنا الخير العميم في هذه الدنيا ويوم الدين فهذا يقول هذه الأبيات يقول: أنت بدأت لتخريفك تعود لأول منزل. ما الحب إلا للحبيب الأول رجعت للتخريف الذي كنت عليه وأنا أقول لك سنجتمع عند من تبلي عنده السرائر. وإذا كان شيخك في أول الأمر يقول: هو يتمنى أن أكون مخلصاً وإن كنت مخطئاً فأنت تقول ما سبب تغير عبد الرحيم عندما جاء إلى بلاد التخريف السبب أنه رجع إلى خرافاته التي كان عليها. أنا اقول لك أيها الإنسان أنت تسأل وتجيب وسنجتمع عند السميع المجيب.

لكنني أريد أن أقول لك الله هو الذي يعلم السر وأخفى يعلم الله الذي لا تخفى عليه خافية وما كان في وجهي شعرة وأنا في ثانية متوسط إعدادي وما أعلم أني كنت في ذاك الوقت كنت محتلماً أم لا كنت أقرأ في كتب الشيخين المباركين بتوجيه من ربي لا بتوجيه من أحد ولا بجهد من نفسي وأذكر أنني كنت في بعض الأماكن ومعي كتاب الحسبة وأنا في هذا السن فرآني بعض الناس فقال ما معك قلت كتاب الحسبة للإمام ابن تيمية كتاب مختصر صغير قال أعوذ بالله أنت تقرأ كتب ابن تيمية في هذا السن؟ قلت: يا رجل ما في هذه الكتب إلا نور وهدى. قال: أعوذ بالله. الحجرة التي فيها كتاب لابن تيمية أنا لا أدخلها. وأحب أن ألفت نظرك أيضاً إلى هذا الأمر فلا يغيبن عن بالك. إعلم يا عبد الله إذا كنت متقوقعاً وحصرت نفسك في مفاهيم معينة فو الله الذي لا إله إلا هو لقد تلقيت العلم عن مشايخ كرام سادة أعلام في حلب الشام. لو قدر الله أن تراهم لتقربت إلى الله جلا وعلا بخدمتهم ولحملت أحذيتهم فاعرف قدرك ولا تعرض بأولياء الله جل وعلا لئلا يكون الله خصمك ألهمك الله رشدك ووقاك شر نفسك. أيها العبد المستور. كان يقال العداوة تزيل العدالة فصارت العداوة تزيل الديانة فهل اطلعك الله على غيبه حتى صرت تستدل بهذين البيتين على ما خفى عنك. نعم إن الشعراء يقولون ما لا يفعلون وكما نعتهم بذلك الحي القيوم وهم بلا شك أخف ممن يقولون ما لا يعلمون. ألهمنا الله رشدنا في جميع أحوالنا. وأنا في جميع. وأنا في جميع ما ذكرت كنت أقرر أموراً علمية ودفاعاً عن أئمة الإسلام.

ليتكم ذكرتم بعد ذلك قضايا العلم وقلتم إنني خرفت فيها وضللت إنما جئتم بعد ذلك بهذه التحليلات الفارغات والله الموعد سبحانه وتعالى. إخوتي الكرام: يقول في هذا الشريط كنت سلفياً وتتظاهر فيها ثم بعد ذلك واحد آخر يقول يا شيخ – هذا خلال الكلام واللفظ هذا ممن يوجهون المجلس – يقول له يا شيخ أنا من خمس سنين له شهرة وكانوا يعرضون أشرطته ويبيعونها ولكن ما وقع في قلبي. يقول له الشيخ الكبير: الحمد لله لأنه كان مخرفاً.

ثم يقول واحد آخر يقول: يا شيخ: نحن تذكر جاءنا منذ ثلاث سنين أو خمسة كتاب في بدع هذا الإنسان عندما كان في تلك البلاد. قال ما أذكر قال لا. جاءنا كتاب في بدعه وأنه ضال يضل الأمة. لكن نسيت اسم المرسل ثم بعد ذلك يشتط في الكلام ويقول مسلكك في الوعظ مسلك القصاص. ثم بعد ذلك يأتي ويثني ويقول عجبت بقوة عارضتك وحسن عرضك وجمع مادتك بما يبهر العقل أريد أن أقول لكم: نحو هذه الأوصاف أنتم مجانين أو عقلاء. أما قال الله جل وعلا: (قُتِلَ الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون) خرَّاصون.. (إنكم لفي قول مختلف يُؤفَكُ عنه من أُفِكْ قتل الخراصون) قول مختلف ‍‍‍‍! كيف أعجبك قوة عارضتي وحسن عرفي وجمع مادة علمية غزيرة أعجبت بها شيئاً كثيراً ثم تقول مسلكي مسلك القصاص الذين يريدون أن يخدعوا العامة. كيف ستؤلف بين هذين المتناقضين ثم كان سلفياً وكان يتظاهر وعندكم كتب عنه بأنه مبتدع ضال من سنوات كيف توفقون بين هذه الأمور ألا تتقون الله في أحكامكم على عباد الله وكما قلت هل أطلعكم الله على غيبه أو على ما في قلوب عباده وأنا والله لا أحجر عليكم إذا قلتم أنني أخطأت بل لو زدتم وقلتم أنك ضللت في هذه المسألة وقولوا ما عندكم من أدلة وأنا إخوتي الكرام أريد أن أقول لكم لتعلموا وليعلم المسلمين في كل مكان إذا قلت قولاً من إجتهادي ونسبته إلى نفسي فأجعل في أعناقكم أمانة أحاسبكم عليها أمام الله أن تقوموا وتأخذوا الأحذية وتضربوني على رأسي حتى ألقي على الأرض. إن ذكرت حديثاً وصححته من نفسي، أو إذا ذكرت مسألة علمية من نفسي. أما في مسائل العلم فلا أخرج عما هو في المذاهب الأربعة المتبعة وأما في الحديث فلا أتكلم إلا ما يقوله أئمتنا وأحدد الأجزاء والصفحات.

لكن بعد ذلك ينسب الهوس إليّ لم؟ أنت عندما جئت تناقش في موضوع قراءة القرآن على القبور أنا نقلت كلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية وإذا كنت تناقش وسنناقش المسألة مع أنه تقدم الكلام عليها علام تنسب إليّ التخريف؟ هلا نسبته إلى الإمام ابن تيمية الذي لا شك في سلفيته عندي وعندكم؟ هلا نسبت التخريف إليه؟ وأنت نقلت القول عنه. وأن هذا قول معتبر وفعله الإمام ابن عمر وكان يفعله الأنصار وجئت بعد ذلك ترد على أيها الإنسان لم؟! وأنا حقيقة بعض الشباب الطائش في هذه البلدة في وصفي والله أنطقه بالحكمة ولكنه طائش من هذا الشباب الذي قلت لكم يريد أن يؤلف كتبا في الرد على العلماء ولا يتقن قراءة جزء عم قال: لا يغرنكم أمر هذا الإنسان هو جَمَّاعٌ فقط ليس بعالم ولافقيه ووالله إنك صدقت وكثيرا ما تجري الحكمة على ألسنة السفهاء والمجانين. ما عندي شك في هذا.

جَمَّاعٌ نعم اجمع من هنا وهناك وأعرض ما أجمعه في دروسي من أجل أن ينتفع الناس به. نعم لست بمتخرص ولست بمجتهد ولست بمتأول ولا مستنبط ووالله الذي لا إله إلا هو وهو على ما أقول شهيد ويعلم مافي القلوب لولا أن الحاجة تدعو إلى التدريس لما دَرَّسْتُ وما عندي شك أن زماننا يتحدث فيه مثلي زمان سوء ما عندي شك فيه. لكن ما أعمل وإلى الله جل وعلا أشكو ضعفي وضعف الأمة في هذه الأيام فيا أيها الإنسان أريد أن ترفق بنفسك فإن قيل وهل يجوز أن ترمي الشيخ محمد بن حامد الفقي بأنه يُلَوِّث أقول نعم كما قلت في عبارات الشيخ الألباني من قال هذا الكلام يحجر عليه أقول أيضاً هنا هذا ليس بتعليق هذا تلويث ممن صدر لأنه شتان شتان بين أن يقول الإنسان رأياً وأن يعلله وأن يأتي عليه بدليل وأن يأتي بشذوذ ما بين الحين والحين هنا وهناك شتان شتان. فالشيخ حامد فقي وقد توفي نسأل الله لنا وله الرحمة. وكما قلت نقول ما نقول تحذيراً من الأقوال الباطلة ونسأل الله للمسلمين أجمعين المغفرة والرحمة. حقيقة لما علق على كتب الإمام ابن القيم لما علق عليها وعلى غيرها من كتب أئمتنا لوثها فاستمع إلى بعض تعليقاته:

في صفحة (55) في مدارج السالكين في الجزء الأول استمع ماذا يقول: يأتي الإمام ابن القيم للإستشفاء بالقرآن فيقول: وأما تضَمُّنُها – يعني سورة الفاتحة – لشفاء الأبدان فنذكر منه ما جاءت به السنة وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة. فأما ما دلت عليه السنة في الصحيح من حديث أبي المتوكل من رواية أبي سعيد الخدري أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب فلما لم يقروهم – يعني لم يضيفوهم – فلدغ سيد الحي إلى آخر الحديث. يقول ابن القيم فقد تضمن حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغْنته عن الدواء وربما بلغت من شفاءه ما لم يبلغه الدواء. هذا حق أو باطل؟! الرقية بالقرآن حق أو باطل؟ استمعوا ماذا يقول المعلق – الشيخ حامد فقي يقول: (لم نجد في الروايات الصحيحة أن أحداً من الصحابة لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعده فعل ذلك مرة ثانية ولعله والله أعلم كان هذا الحادث بصنع الله لأولئك الصحابة الذين كانوا في حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعهم أهل الحي حقهم من الضيافة مع جوعهم وشدة حاجتهم فسلط الله الحشرة على رئيسهم فلدغته ليستخرج لهم بتلك اللدغة والرقية حقهم. أما هذا لا يجوز وما فعله أحد بعد ذلك. هذا تلويث أو تحقيق. ويقول في تعليقه على فتح المجيد عند مبحث الرقية بآيات الله والأدعية الشرعية في صفحة 28. وبعد أن أورد صاحب كتاب فتح المجيد الخلاف بين السلف في تعليق الرقية إذا كانت من التمائم لكن من آيات القرآن. أورد قولين للسلف يقول هذا المعلق: فعل ذلك إستهزاء بآيات الله ومناقضة لما جاءت به ومحادة لله ولرسوله والله أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وشفاء لما في الصدور ولا يزيد الظالمين إلا خسارا وإنه لتذكرة للمتقين وإنه لحسرة على الكافرين.

ولم ينزل ليتخذ حجباً وتمائم ولا ليتلاعب به المتأكلون الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ويقرأونه على المقابر وأمثال ذلك مما ذهب بحرمة القرآن وجرأ الرؤساء على ترك الحكم به إخوتي الكرام: ما دخل هذا بهذا؟ أن من فعل هذا واسترقى بآيات القرآن. هذا أشد أنواع الإستهزاء بآيات الله جل وعلا؟! هذا تلويث.

أنظر إلى تلويث آخر في صفحة (57) لما ذكر تأثير إصابة العين علق عليها الإمام ابن القيم يقول منكر هذا – أي الإصابة بالعين – ليس معدوداً من بني آدم إلا بالصورة والشكل. يقول المعلق: هذا باعتقاد الشيخ رحمة الله وغفر لنا وله ولو كان الأمر كما ذكر لاستطاع كل يهودي ونصراني ومشرك بل وكل عدو أن يؤذي عدد بإرسال تلك السموم التي صورها الشيخ من أشعة عينية فتقتله كمل يقتله لسع الحية ولدغ الثعبان والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ولما كان مع الشيخ أحمد شاكر – أي الشيخ حامد فقي – يحققان تهذيب السنن للإمام المنذري وعلق عليه ابن القيم واختصما وكل واحد كان يكتب اسمه على التعليقة التي يعلقها وجرى بينهما مباحثة حول دخول الجن في بدن المصروع محمد حامد فقي قال: مستحيل هذا خرافة لايمكن للجني أن يدخل بدن الإنسي وأن يصرعه فقال له الشيخ أحمد شاكر هذا موجود في الأحاديث الصحيحة قال: لايمكن. فذهب وبحث وأحضر له نص الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي على أنه يمكن والإمام ابن تيمية كان يعالج بعض هذه الحالات قال له الإمام ابن تيمية هذا (بتوعنا مش بتوعكم) لا يجوز أن تستدل أنت بكلامه هذا من جماعة السلفية فقط هذا نحن نستدل به هذا ليس من جماعتكم. أعوذ بالله. وهنا كذلك لا يأتي كلمة والله لوث الكتاب من أوله إلى آخره أنظر ماذا يقول في تعليقه على كلام الإمام ابن القيم في صفحة (58) يذكر الإمام ابن القيم أنه عندما كان في مكة المكرمة كان يستشفي بالفاتحة وبماء زمزم ثم يقول بعد ذلك كنت آخذ قدحا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء والأمر أعظم من ذلك ولكن بحسب قوة الإيمان وصحة اليقين يعلق يقول: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أو عن خلفاؤه الراشدين فعل شيء من ذلك.

تقرأ الفاتحة على ماء زمزم وتشرب في صفحة (118) يقول الإمام ابن القيم: والمستحب النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيمانا وعلماً والنظر في المصحف ووجوه العلماء الصالحين والوالدين والنظر في آيات الله المشهورة ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته. يقول المعلق: انظر. النظر والتأمل في آيات الله الكونية أوجب الواجبات إلى أن يقول بعد ذلك: أما النظر إلى المصحف ووجوه العلماء فلا أدري من أين جاء استحبابه. لم النظر إلى المصحف مستحب والنظر إلى العلماء مستحب اللهم إلا إن كان على أنه من سنن الله وآياته فيكون للإعتبار. يعني كما أنك تنظر للقرد تنظر إلى العَالِم لتعتبر هذا مخلوق وهذا مخلوق أما أن هذا نظر مستحب تنظر لترى النور والبهجة في وجهه يقول لا. ما الدليل على استحبابه؟ إهداء القرءان إلى الموتى صفحة (142) يقول الإمام ابن القيم: ما ينفع الميت: ما يهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال من الصدقة عنه والحج والصيام وقراءة القرآن الصلاة وجعل ثواب ذلك له وقد أجمع الناس على وصول الصدقة والدعاء. يعلق يقول: (ليس في قراءة القرآن للموتى إلا دعاوي ومنا مات المقلدين الذين يلقون القول على عواهنه بدون تحقيق ولا تمحيص، والقرآن إنما أنزله الله ليتدبره أولو الألباب) . ومثل هذا كثير وكثير هذا في هذا الجزء وأما بعد ذلك في الجزء الثاني نماذج ففي صفحة (485) أنظر كيف تجرأ بهذه العبارات يقول هنا الإمام ابن القيم (إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب يدخلون في قلوبكم ويخرجون من حيث لا تحتسبون عن طريق الفراسة الصادقة وإلهام الله لهم يقول المعلق (ليس هذا فراسة ولكنه علم بما في الصدور وهذا شرك في الربوبية وهي دعوى كثير من شيوخ الصوفية. وهل أشرك الإمام ابن القيم عندما أورد هذا.

يقول هنا بعد ذلك – أي الإمام ابن القيم – على فراسات الصحابة عندما دخل بعض الناس على عثمان وقال (تدخلون علي وفي أعينكم أثر الزنا) . يقول المعلق: (هذه روايات غير مستندة إلى ما يطمئن قلب المؤمن إليه وبالأخص بالنسبة إلى أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذه ليست فراسة وإنما هي معرفة غيب وأنى لعثمان أن يجزم بالزنا هذا الجزم إلا أن يكون وحيا أو دعوى علم غيب وكلها منتفى) صفحة (89) حتى الإمام ابن تيمية ما سلم منه يقول الإمام ابن تيمية حاكيا عن شيخه: (ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله أمورا عجيبة وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ووقائع فراسته تستدعي سفراً ضخما) وسأذكر كثيراً منها إن شاء الله عند مبحث خوارق العادات. يقول ابن القيم أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة 699 هـ وأن جيوش المسلمين تكسر وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام وأن ... الجيش وحدته في الأموال. وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة ثم أخبر الناس والأمراء سنة 702 هـ لما تحرك التتار وقصفوا الشام أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وسمعته يقول ذلك فلما أكثر عليه قلت لا تكثروا كتب الله في اللوح المحفوظ أنهم منهزمون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام هذا كلام من؟ ابن تيمية يحكيه تلميذه ابن القيم فإذا اطلع الله على ذلك عبدا من عباده ما الحرج؟ سيأتينا هذا خارق للعادة كرامة والله يكرم من شاء بما شاء يقول المعلق: (هل أطلع على اللوح المحفوظ ابن تيمية إطلع كيف هذا لعله كان يقصد بتلك الجرأة في القول تشجيعهم وتقوية روحهم المعنوية فإن هذا من أقوى أسباب النصر على الأعداء) . كيف يقسم ابن تيمية تلك الأيمان والأمر كما يقول حامد فقي – المعلق -

يقول بعد ذلك الإمام ابن القيم في آخر مبحث كرامات شيخه الإمام ابن تيمية يقول: (وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها وقد رأيت بعضها وأنا انتظر بقيتها وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدت والله أعلم) . هذا ينقله عن شيخه وكل هذا يعلق عليه الشيخ حامد فقي بأنه لا قيمة له واستمع إلى ما ختم به تعليقه على ما تقدم. قال: (مفاتيح الغيب عند الله جل وعلا لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى وغفر الله لنا ولإبن القيم فأين هذا من الفراسة إنما هلك من هلك بالغلو في شيوخهم عفا الله عنا وعنهم. وهذه الأقوال التي يذكرها الشيخ حامد فقي سيأتي معنا إن شاء الله مناقشتها والرد عليها بإذن الله جل وعلا. بالنسبة لقراءة آيات السكينة (ثم أنزل الله سكينتة على رسوله وعلى المؤمنين ... الأية) (لا تحزن إن الله معنا ... الأية) للإمام ابن القيم بحث طويل يقول: (سمعت شيخ الإسلام يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شياطينية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة قال فلما اشتد علي الامر قلت لأقاربي ومن حولي إقرأوا آيات السكينة قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وجلست وما بي قلبا يقول ابن القيم وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه فرأيت لها تأثيراً عظيما في سكوني وطمأنينتي.. إلى آخر بحثه) . يقول المعلق: (كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل كان من هديه ومن هدى الخلفاء الراشدين..) خذ من هذا الكلام ومن هذه التعليقات الباطلة ما لا مثيل له. الجزء الثالث – ما سلم جزء من أجزاءه من تعليقات ملوثة ص 228 تعليق يعجب الإنسان منه يقول ابن القيم (والكشف الرحماني من هذا النوع.

ومن الكرامة التي يكرم الله بها عبداً من عباده فيعلمه شيئا مغيبا مثل كشف أبي بكر لما قال لعائشة إن امرأته حامل بأنثى وكشف لعمر رضي الله عنه لما قال يا سارية الجبل وأضعاف هذا من كشف أولياء الرحمن. يقول المعلق: (كان سارية مع قواد جيش عمر في بلاد الشام في بلاد العجم فأخذت عمر وهو على المنبر سنه من النوم كوشف فيها بمجيء مكيدة دبرت لسارية وجيشه فناداه وهو نائم – نائم على أي شيء؟ على المنبر يخطب الجمعة – ناداه وهو نائم كذلك بأن يلجأ للجبل ويجعله وراء ظهره ويلزمه وروى أن سمع ذلك النداء وأطاع الأمر فسلم وسلم جيشه) .

أنا أعجب من عقلك إذا رضي أن تقول قال في نومه كيف بلغ سارية القول هي هي بقيت يعني لِمَ أوَّلت الأولى والثانية ما وجدت لها مخرجاً هذا هو التلويث الذي يفعله في هذه الكتب وهذا التلويث كما قلت اتصف به هذا الإنسان ولا بد من التحذير من تلويثه الذي لوث به كتب شيخ الإسلام وتلميذه وكتب أئمة الإسلام فلنحذر هذا وقصة عمر بن الخطاب في مناداته سارية رضي الله عنه وهو يخطب على المنبر ثابتة صحيحة قال الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة ص 474 قال شيخنا يعني الحافظ ابن حجر عليهم جميعا رحمة الله اسنادها حسن وقد رواها الإمام البيهقي في دلائل النبوة كما رواها الإمام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة الكرام وقد رواها الإمام ابن الأعراب أيضا في كتاب كرامات الأولياء وجمع طرقها الإمام القطب الحلبي في جزء مفرد وقد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي الجزء 11/278 ومثل تلويثه أيضا تلويث زهير الشاويش في تعليق على الأعلام العلية في مناقب الإمام ابن تيمية أنظر مثلا في ص 43 يقول صاحب الكتاب تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية الحافظ عمر بن على البزار توفي سنة 749 هو تلميذ الإمام ابن تيمية يعني يروي أشياء جرت له مع شيخه يقول سبحان الله ما أقصر ما كانت يعني مدة صحبتي له – يا ليتها كانت طالت والله ما مر علي إلى الآن زمان كان أحب إليّ من ذلك الحين ولا رأيتني في وقت أحسن حالا مني حينئذٍ وما كان إلا ببركة الشيخ رضي الله عنه.

البركة الآن تخريف ابن تيمية وتلاميذه مخرفون استمع للتعليق يقول (أي بتوفيق الله بالاقتداء بأحد العلماء الصالحين وأخذ العلم عنه) وفي ص 58 الفصل التاسع في ذكر بعض كراماته وفراسته بعد أن أورد نماذج كثيرة من فراسة الشيخ وكلامه يقول (الشيخ لم يكاشف بأمر مغيب ثم يُأوِّلُ بعد ذلك حقيقة إخوتي الكرام سأذكر لكم قصة فقط من هذه المكاشفات التي كان يرويها هذا الشيخ الكريم عليه رحمة الله. منها مثلا يقول حدثني الشيخ الصالح المقرئ أحمد أنه سافر إلى دمشق قال: (فاتفق أنه لما قدمت ولم يكن معي شيء من النفقة البتة وأنا لا أعرف أحداً من أهلها فجعلت أمشي في زقاق منها كالحائر فإذا بشيخ قد أقبل نحوي مسرعاً فسلم إليّ وهش في وجهي ووضع في يدي صرة فيها دراهم صالحة وقال لي أنفق هذه الآن وخلِّ خاطرك مما أنت فيه. فإن الله لا يضيعك ثم رُدَّ على أثري- يعني رجع من حيث جاء – كأنه ما جاء إلا من أجلي فدعوت له وفرحت بذلك هذه من ينقلها؟ الإمام الحافظ البزار تلميذ الإمام ابن تيمية وقلت لبعض من رأيته من الناس: من هذا الشيخ قالوا كأنك لا تعرفه؟ وكيف يعرفه وهذا أول دخوله إلى دمشق وجاء للقاء الشيخ قالوا هذا ابن تيمية له مده طويلة لم نره اجتاز بهذا الدرب – هذا الدرب الذي أنت تسلكه ما يسلكه الإمام ابن تيمية – وكان جُلَّ قصدي من سفري إلى دمشق للقائه فتحققت أن الله أظهره علي وعلى حالي فما احتجت بعدها إلى أحدٍ مدة واستدللت فيما بعد عليه وقصدت زيارته والسلام عليه فكان يُكرِمني عن حالي فأحمد الله تعالى إليه. ماذا نقول عن هذا يعني الشيخ ابن تيمية الآن بدأ يخرف؟ لا إله إلا الله ... ومثل هذا كثير.

إخوتي الكرام يقول أحمد بن سعيد سافرت إلى مصر حين كان الشيخ مقيما فيها فاتفق أني قدمتها ليلا وأنا مثقل مريض فأنزلت في بعض الأمكنة فلم ألبث أن سمعت من ينادي بإسمي وكنيتي فأجبته وأنا ضعيف فدخل إلى جماعة من أصحاب الشيخ محمد ممن كنت اجتمعت ببعضهم في دمشق فقلت كيف عرفتم بقدومي وأنا قدمت هذه الساعة فذكروا أن الشيخ أخبرنا بأنك قدمت وأنك مريض وأمرنا أن نسرع بنقلك وما رأينا أحدا جاء ولا أخبرنا بشيء هذه الكرامات كلها يعلق عليها ويقول: (كيف يقع هذا ومثل هذا ومثل هذا غيب ولا يطلع عليه إلا الرب) وماذا نعمل الآن؟ يعني نكذب الإمام البزار؟ أو نقول إن الشياطين كانوا يأتون للإمام ابن تيمية فأنا أقول إلى من يدعون الإنتساب إلى السلف أقول: أجِلُّوا علماءكم الذين تنتسبون إليهم واتقوا الله جل وعلا فيهم وإذا رأيتمونا نخرج عن أقوالهم وعن أقوال أئمة الإسلام فلكم بعد ذلك علينا كلام والله ما أحد خرج عن أقوالهم إلا أنتم قبل غيركم وأحضرتم بعد ذلك من التأويلات مالا يخطر ببال إنسان ولذلك اتقوا الله جل وعلا ربكم. واختم الكلام إخوتي الكرام بهذا التنبيه هذا الشيخ كما قلت يقول. إنك من القُصَّاصِ ثم في مستهل حديثه يقول: (كأنك تشبه حال القُصَّاص بحيث من سمع كلامك ينعقد لسانه ولا يتكلم من غرابة ما تأتي به من الكلام كما حصل للإمام أحمد بن حنبل ويحي بن معين عندما قام القاص وافترى عليهم بحضورهما فما استطاعا أن يجيباه) .

وخلاصة القصة ولا صحة لها – وأريد أن انبه هذا إلى ألا ينسب إلى الإمامين المباركين الجليلين – أحمد بن حنبل ويحيى بن معين رحمهما الله ورضي عنهما – لا ينسب إليهما ما علم لهما به – خلاصتها كما سأبين وهي موضوعة مكذوبة يقولون كان الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فجاء قاص وقال حدثني أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ثم ساق حديثا إلى نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم من طريق الشيخين أن من قال لا إله إلا الله خلق الله من هذه الكلمة طائراً له ريشة من ذهب وريشة من فضة وريشة من زبرجد وبدأ يذكر حديثا في قرابة خمس عشرة صفحة له والإمام أحمد نظر إلى يحيى ابن معين قال أنت حدّثته قال لا فيحيى بن معين قال لأحمد أنت حدثته قال لا فبعد أن انتهى هذا القاص من حديثه جلس على الباب وفرش خرقة من أجل أن يعطيه الناس القطيعات الدراهم فبعد أن انصرف الناس جئنا إليه فمد يديه كأنه ظن أننا سنعطيه – يحيى بن معين وأحمد بن حنبل فقلنا من حدثك بهذا الحديث قال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قلنا أيها الشيخ هذا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فكيف تروي عنا ونحن ما حدثناك قال سبحان الله ما يوجد على الأرض أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلا أنتما؟ أنا كتبت عن بضعة عشر رجلا كل واحد يسمى أحمد بن حنبل ويحيى ين معين. هذه القصة. إخوتي الكرام يعلم الله قرأتها من فترة طويلة طويلة ولعلني في المرحلة الثانوية في تفسير سيد قطب في أوله وقلبي ما ارتاح لها ثم بعد فترة تبين في أنها مكذوبة فهذا الإنسان يرويها ويقول أنا حالي ما الناس كحال ذلك القاص اعقد ألسنتهم وأبهرهم بكلامي فلا يتكلمون وأنا أقول لهذا الإنسان لا ينسب إلى الإمامين المباركين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين مالا علم لهما به وتنبه غاية التنبه عندما تنسب الأقوال إلى علماء الإسلام فإذا يحتاط غاية الاحتياط من ينسب الأقوال إلى السلاطين فكيف بمن ينسب الأقوال إلى أئمة المسلمين.

ولا يمكن أن يجري ذلك من الإمام أحمد ويحيى بن معين وأن يُترك ذلك الكذاب الوضَّاع ولا يكشف عنه من هو يقول الإمام الذهبي في الميزان (1/47) وفي اللسان (1/79) لسان الميزان لإبن حجر – والكلام ينقله الإمام ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (1/14) . يقول الذهبي: في إسنادها إبراهيم بن عبد الواحد البلدي وقيل البكري لا أدري من هذا أتى بحكاية أخاف أن تكون من وضعه وفي بعض النسخ أخاف ألا تكون من وضعه يعني من وضع غيره لكن هي موضوعة. فأنت تستدل بموضوع ثم تقول عمل القصاص؟ من عمل القُصَّاص؟ ثم أعجب منك تقول عمل القصاص ثم تعيب فتقول أنت أيضاً تعزو إلى الكتب ومن هنا ومن هنا وما فائدة العامة من ذلك. هل رأيتم قاصا على وجه الأرض عندما يروي حديثا يخرجه ويعزوه إلى كتاب ويحدد مكانه؟؟ وبالإضافة إلى تلك الكتب من أجل أيضا أن ترجع إليها وأن تعلم الحكم لئلا تلقي مرة ثانية كلاما دون التحقق منه.

فالكلام لا صحة له كما قلت إنما أزيدك أنظر أيضا ذلك الأثر بالسند الذي فيه ذلك – إبراهيم بن عبد الواحد – الذي يقول عنه الذهبي لا أدري من هو ذا أتى بحكاية منكرة أخاف أن تكون من وضعه انظر ذلك في الموضوعات للإمام ابن الجوزي (1/46) وأنظرها أيضا في كتاب القصاص والمذكرين للإمام ابن الجوزي أيضا ص (305) ، وأنظرها أيضا في اللآلئ المصنوعة في الأخبار الموضوعة (2/346) ، وأنظرها في كتاب الإمام السيوطي تحذير الخواص من أكاذيب القصاص ص (195) وأنظرها في كتاب المجروحين لابن حبان (1/85) وأنظرها في كتاب الباعث الحثيث في تعليق الشيخ أحمد شاكر على علوم الحديث للإمام ابن كثير ص (85) وأنظرها في الأسرار المرفوعة للإمام على القاري ص (37) وأنظرها في أول كتاب قرأت هذه القصة فيه ولم يبين أنها منكرة تفسير القرطبي (1/79) كما قلت فالقصة منكرة وأنت تستدل بها وترويها عن أئمتنا البررة وينبغي أن تتنزه عن ذلك الفعل فهذا لا يليق بعباد الله الذين يحققون ما يقولون ويتقون الحي القيوم وبالختام أيها الاخوة الكرام أسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يجمع أمة نبينا صلى الله عليه وسلم على الهدى وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. والحمد لله رب العالمين..

حديث الجفاء

حديث الجفاء للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان حديث الجفاء 769 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ أَرَادَ ابْنُ مَعْمَرٍ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ فَبَعَثَنِي إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَوْسِمِ بِمَكَّةَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّ أَخَاكَ يُرِيدُ أَنْ يُنْكِحَ ابْنَهُ فَأَحَبَّ أَنْ يُشْهِدَكَ ذَلِكَ قَالَ لَا أُرَاهُ إِلَّا أَعْرَابِيًّا جَافِيًا إِنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكَحُ أَوْ كَمَا قَالَ ثُمَّ حَدَّثَ عَنْ عُثْمَانَ مِثْلَهُ يَرْفَعُهُ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَمَيْمُونَةَ قَالَ أَبمو عِيسَى حَدِيثُ عُثْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَقُ لَا يَرَوْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُحْرِمُ قَالُوا فَإِنْ نَكَحَ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ * 2182 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتَتَنَ قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ *

6596 حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ الْقَاضِي أَبُو سَهْلٍ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ رَافِعٍ عَنِ الْفَرَزْدَقِ بْنِ حَنَانٍ الْقَاصِّ قَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ خَرَجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَيْدَةَ فِي طَرِيقِ الشَّامِ فَمَرَرْنَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِكُمَا أَعْرَابِيٌّ جَافٍ جَرِيءٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ الْهِجْرَةُ إِلَيْكَ حَيْثُمَا كُنْتَ أَمْ إِلَى أَرْضٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ لِقَوْمٍ خَاصَّةً أَمْ إِذَا مُتَّ انْقَطَعَتْ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْهِجْرَةِ قَالَ هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ فَأَنْتَ مُهَاجِرٌ وَإِنْ مُتَّ بِالْحَضْرَمَةِ قَالَ يَعْنِي أَرْضًا بِالْيَمَامَةِ قَالَ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ ثِيَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَتُنْسَجُ نَسْجًا أَمْ تُشَقَّقُ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ قَالَ فَكَأَنَّ الْقَوْمَ تَعَجَّبُوا مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ مَا تَعْجَبُونَ مِنْ جَاهِلٍ يَسْأَلُ عَالِمًا قَالَ فَسَكَتَ هُنَيَّةً ثُمَّ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ قَالَ أَنَا قَالَ لَا بَلْ تُشَقَّقُ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ *

7192 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عَقِيلُ بْنُ مَعْقِلٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَرَأَيْتُ حَلْقَةً عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُ فَقِيلَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ فَسَأَلْتُ فَقَالَ لِي مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ سَمِعْتُ حِبِّي أَوْ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا وَالْجَفَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَصْحَابِ الْوَبَرِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ * 7577 حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرَةً فَعَوَّضَهُ سِتَّ بَكَرَاتٍ فَتَسَخَّطَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ فُلَانًا أَهْدَى إِلَيَّ نَاقَةً وَهِيَ نَاقَتِي أَعْرِفُهَا كَمَا أَعْرِفُ بَعْضَ أَهْلِي ذَهَبَتْ مِنِّي يَوْمَ زَغَابَاتٍ فَعَوَّضْتُهُ سِتَّ بَكَرَاتٍ فَظَلَّ سَاخِطًا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إِلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دَوْسِيٍّ *

19717 حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ الْهُجَيْمِيُّ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْتَبٍ بِشَمْلَةٍ لَهُ وَقَدْ وَقَعَ هُدْبُهَا عَلَى قَدَمَيْهِ فَقُلْتُ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ أَوْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَفْسِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَفِيَّ جَفَاؤُهُمْ فَأَوْصِنِي فَقَالَ لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلَا تَشْتُمْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَكَ أَجْرُهُ وَعَلَيْهِ وِزْرُهُ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّ إِسْبَالَ الْإِزَارِ مِنَ الْمَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ وَلَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ أَحَدًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا * 20391 حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فِيهِ جَفَاءٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلَنَا الضَّبُعُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ ذَلِكَ أَخْوَفُ لِي عَلَيْكُمْ حِينَ تُصَبُّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا فَيَا لَيْتَ أُمَّتِي لَا يَتَحَلَّوْنَ الذَّهَبَ *

21428 حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ جَاءَ رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُغِيرَ عَلَى وَلَدِي وَمَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا الْمَالُ فَقَدِ اقْتُسِمَ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَاذْهَبْ مَعَهُ يَا بِلَالُ فَإِنْ عَرَفَ وَلَدَهُ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ قَالَ فَذَهَبَ مَعَهُ فَأَرَاهُ إِيَّاهُ فَقَالَ تَعْرِفُهُ قَالَ نَعَمْ فَدَفَعَهُ فَذَهَبَ إِلَيْهِ قَالَ سُفْيَانُ يَرَوْنَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُغَارَ عَلَيْهِ *

21429 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ رِعْيَةَ السُّحَيْمِيِّ قَالَ كَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَدِيمٍ أَحْمَرَ فَأَخَذَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَقَعَ بِهِ دَلْوَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَلَمْ يَدَعُوا لَهُ رَائِحَةً وَلَا سَارِحَةً وَلَا أَهْلًا وَلَا مَالًا إِلَّا أَخَذُوهُ وَانْفَلَتَ عُرْيَانًا عَلَى فَرَسٍ لَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرَةٌ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى ابْنَتِهِ وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ فِي بَنِي هِلَالٍ وَقَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ أَهْلُهَا وَكَانَ مَجْلِسُ الْقَوْمِ بِفِنَاءِ بَيْتِهَا فَدَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ الْبَيْتِ قَالَ فَلَمَّا رَأَتْهُ أَلْقَتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا قَالَتْ مَا لَكَ قَالَ كُلُّ الشَّرِّ نَزَلَ بِأَبِيكِ مَا تُرِكَ لَهُ رَائِحَةٌ وَلَا سَارِحَةٌ وَلَا أَهْلٌ وَلَا مَالٌ إِلَّا وَقَدْ أُخِذَ قَالَتْ دُعِيتَ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ أَيْنَ بَعْلُكِ قَالَتْ فِي الْإِبِلِ قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ مَا لَكَ قَالَ كُلُّ الشَّرِّ قَدْ نَزَلَ بِهِ مَا تُرِكَتْ لَهُ رَائِحَةٌ وَلَا سَارِحَةٌ وَلَا أَهْلٌ وَلَا مَالٌ إِلَّا وَقَدْ أُخِذَ وَأَنَا أُرِيدُ مُحَمَّدًا أُبَادِرُهُ قَبْلَ أَنْ يُقَسِّمَ أَهْلِي وَمَالِي قَالَ فَخُذْ رَاحِلَتِي بِرَحْلِهَا قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا قَالَ فَأَخَذَ قَعُودَ الرَّاعِي وَزَوَّدَهُ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ قَالَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ إِذَا غَطَّى بِهِ وَجْهَهُ خَرَجَتِ اسْتُهُ وَإِذَا غَطَّى اسْتَهُ خَرَجَ وَجْهُهُ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يُعْرَفَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَدِينَةِ فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ

ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ بِحِذَائِهِ حَيْثُ يُصَلِّي فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْسُطْ يَدَيْكَ فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَهَا فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهَا قَبَضَهَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَفَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ثَلَاثًا قَبَضَهَا إِلَيْهِ وَيَفْعَلُهُ فَلَمَّا كَانَتِ الثَّالِثَةُ قَالَ مَنْ أَنْتَ قَالَ رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ قَالَ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَضُدَهُ ثُمَّ رَفَعَهُ ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا رِعْيَةُ السُّحَيْمِيُّ الَّذِي كَتَبْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذَ كِتَابِي فَرَقَعَ بِهِ دَلْوَهُ فَأَخَذَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلِي وَمَالِي قَالَ أَمَّا مَالُكَ فَقَدْ قُسِّمَ وَأَمَّا أَهْلُكَ فَمَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ فَخَرَجَ فَإِذَا ابْنُهُ قَدْ عَرَفَ الرَّاحِلَةَ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَهَا فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَذَا ابْنِي فَقَالَ يَا بِلَالُ اخْرُجْ مَعَهُ فَسَلْهُ أَبُوكَ هَذَا فَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ فَخَرَجَ بِلَالٌ إِلَيْهِ فَقَالَ أَبُوكَ هَذَا قَالَ نَعَمْ فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا اسْتَعْبَرَ إِلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ ذَاكَ جَفَاءُ الْأَعْرَابِ *

80 وحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْمَشْرِقِ وَالْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ* 6292 حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا مُوسَى يَعْنِي ابْنَ عَلِيٍّ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عِنْدَ ذِكْرِ أَهْلِ النَّارِ كُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ * 6316 حَدَّثَنَا حَسَنٌ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنَا حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَلَا أَجِدُ قَلْبِي يَعْقِلُ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ قَلْبَكَ حُشِيَ الْإِيمَانَ وَإِنَّ الْإِيمَانَ يُعْطَى الْعَبْدَ قَبْلَ الْقُرْآنِ * 8657 حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ *

10108 حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ * 14031 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ فِي أَهْلِ الْمَشْرِقِ * 14031 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ فِي أَهْلِ الْمَشْرِقِ * 14188 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْإِيمَانُ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ * 14188 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْإِيمَانُ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ *

14188 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْإِيمَانُ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ * 14188 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ غِلَظُ الْقُلُوبِ وَالْجَفَاءُ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْإِيمَانُ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ * قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذلِكَ} القسوة: الصلابة والشدّة واليُبْس. وهي عبارة عن خلوّها من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى. قال أبو العالية وقتادة وغيرهما: المراد قلوب جميع بني إسرائيل. وقال ابن عباس: المراد قلوب ورثة القتيل؛ لأنهم حين حَيِيَ وأخبر بقاتله وعاد إلى موته أنكروا قتله، وقالوا: كَذَب؛ بعد ما رأوا هذه الآية العظمى؛ فلم يكونوا قط أعمى قلوباً، ولا أشدّ تكذيباً لنبيّهم منهم عند ذلك، لكن نفذ حكم الله بقتله. روى الترمذي عن عبد اللَّه بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي» . وفي مسند البزار عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربعة من الشقاء جمود العين وقساء القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا» . قوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} «أو» قيل: هي بمعنى الواو، كما قال: {آثِماً أَوْ كَفُوراً} (الإنسان: 24) . {عُذْراً أَوْ نُذْراً} (المرسلات: 6) . وقال الشاعر: نال الخلافة أو كانت له قدرا

أي وكانت. وقيل: هي بمعنى بل؛ كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (الصافات: 147) المعنى بل يزيدون. وقال الشاعر: بَدتْ مِثل قَرْن الشمس في رَوْنق الضحى ... وصورتِها أو أنت في العين أملح أي بل أنت. وقيل: معناها الإبهام على المخاطب؛ ومنه قول أبي الأسود الدُّؤَلِيّ: أحبّ محمداً حبًّا شديداً ... وعبّاساً وحمزة أو علِيّا فإن يك حبّهم رشداً أصِبْه ... ولستُ بمخطىء إن كان غيّا ولم يشك أبو الأسود أن حبهم رشد ظاهر، وإنما قصد الإبهام. وقد قيل لأبي الأسود حين قال ذلك: شككت! قال: كلا؛ ثم استشهد بقوله تعالى: {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} (سبأ: 24) وقال: أو كان شاكًّا من أخبر بهذا! وقيل: معناها التخيير، أي شبهوها بالحجارة تصيبوا، أو بأشد من الحجارة تصيبوا؛ وهذا كقول القائل: جالس الحسن أو ابن سيرين، وتعلّم الفقه أو الحديث أو النحو. وقيل: بل هي على بابها من الشك، ومعناها عندكم أيها المخاطبون وفي نظركم أن لو شاهدتم قسوتها لشككتم: أهي كالحجارة أو أشدّ من الحجارة؟ وقد قيل هذا المعنى في قولهجارة؟ وقد قيل هذا المعنى في قوله تعالى: {إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (الصافات: 147) . وقالت فرقة: إنما أراد الله تعالى أن فيهم مَن قلبه كالحجر، وفيهم من قلبه أشدّ من الحجر. فالمعنى: هم فرقتان. قوله تعالى: {أَوْ أَشَدُّ} «أشدّ» مرفوع بالعطف على موضع الكاف في قوله «كالحِجَارَة» ؛ لأن المعنى فهي مثل الحجارة أو أشدّ. ويجوز أو «أشدَّ» عطف على الحجارة. و {قَسْوَةً} نصب على التمييز. وقرأ أبو حَيْوَةَ «قساوة» والمعنى واحد.

قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق} معنى الانفجار. ويشقّق أصله يتشقّق، أدغمت التاء في الشين، وهذه عبارة عن العيون التي لم تَعْظُم حتى تكون أنهاراً، أو عن الحجارة التي تتشقّق وإن لم يجر ماء منفسح. وقرأ ابن مُصَرِّف «ينشقق» بالنون، وقرأ «لمّا يتفجر» «لمّا يتشقّق» بتشديد «لما» في الموضعين. وهي قراءة غير متّجهة. وقرأ مالك بن دينار «ينفجِر» بالنون وكسر الجيم. قال قتادة: عذر الحجارة ولم يعذِر شقيّ بني آدم. قال أبو حاتم: يجوز لما تتفجر بالتاء، ولا يجوز لما تتشقق بالتاء؛ لأنه إذا قال تتفجر أنّثه بتأنيث الأنهار؛ وهذا لا يكون في تشقق. قال النحاس: يجوز ما أنكره على المعنى؛ لأن المعنى وإن منها لحجارةً تتشقق؛ وأما يشقق فمحمول على لفظ ما. والشَّق واحد الشُّقوق؛ فهو في الأصل مصدر، تقول: بيد فلان ورجليه شقوق، ولا تقل: شقاق؛ إنما الشُّقاق داء يكون بالدواب، وهو تشقّق يصيب أرساغها وربما ارتفع إلى وظيفها؛ عن يعقوب. والشَّق: الصبح. و «ما» في قوله: {لَمَا يَتَفَجَّرُ} في موضع نصب؛ لأنها اسم إنّ واللام للتأكيد. «منه» على لفظ ما، ويجوز منها على المعنى؛ {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ} . وقرأ قتادة «وإنْ» في الموضعين، مخففة من الثقيلة. قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} يقول: إنّ من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم؛ لخروج الماء منها وتردّيها. قال مجاهد: ما تردّى حجر من رأس جبل، ولا تفجّر نهر من حجر، ولا خرج منه ماء إلا من خشية الله؛ نزل بذلك القرآن الكريم. ومثله عن ابن جُرَيج.

وقال بعض المتكلمين في قوله: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} : البَرَد الهابط من السحاب. وقيل: لفظة الهبوط مجاز؛ وذلك أن الحجارة لما كانت القلوب تعتبر بخلقها، وتخشع بالنظر إليها، أضيف تواضع الناظر إليها؛ كما قالت العرب: ناقة تاجرة؛ أي تبعث من يراها على شرائها. وحكى الطبريّ عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة؛ كما استعيرت الإرادة للجدار في قوله: {يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} (الكهف: 77) ، وكما قال زيد الخيل: لما أتى خبر الزبير تواضعت ... سورُ المدينة والجبالُ لخُشّعُ وذكر ابن بحر أن الضمير في قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا} راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة؛ أي من القلوب لما يخضع من خشية الله. قلت: كل ما قيل يحتمله اللفظ، والأوّل صحيح؛ فإنه لا يمتنع أن يعطى بعض الجمادات المعرفة فيعقل، كالذي. «رُوِيَ عن الجِذع الذي كان يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب، فلما تحوّل عنه حنّ» وثبت عنه أنه قال: «إن حجراً كان يسلّم عليّ في الجاهلية إني لأعرفه الآن» . وكما روي (أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «قال لي ثَبِير اهبط فإني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله» . فناداه حراء: إليّ يا رسول الله) . وفي التنزيل: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} (الأحزاب: 72) الآية. وقال: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (الحشر:21) يعني تذلُّلاً وخضوعاً، وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة «سبحان» إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} «بغافل» في موضع نصب على لغة أهل الحجاز، وعلى لغة تميم في موضع رفع. والياء توكيد. {عَمَّا تَعْمَلُونَ} أي عن عملكم حتى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا يحصيها عليكم؛ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (الزلزلة: 7 ـ 8) . ولا تحتاج «ما» إلى عائد إلا أن يجعلها بمع بمعنى الذي فيحذف العائد لطول الاسم؛ أي عن الذي تعملونه. وقرأ ابن كَثير {يعملون} بالياء؛ والمخاطبة على هذا لمحمد عليه السلام.

صلاة التسابيح

صلاة التسابيح (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم صلاة التسابيح سميت بذلك لوقوع تسبيحات فيها زائدة على التسبيحات المعروفة في الصلاة فينبغي للإنسان أن يأتي بثلاث مائة تسبيحة فيها زيادة على ما يأتي به من تسبيحات الركوع والسجود فيصلي صلاة عادية من أربع ركعات وإذا كانت الصلاة في الليل فالأحسن أن يفصل ركعتين عن ركعتين وإذا كانت في النهار فهو مخير والأولى الإتمام كما قال أئمتنا أن تكون صلاة النهار أربع ركعات بتسليمة واحدة في آخرها ثم بعد ذلك يقول ثلاثمائة تسبيحة زائدة على ما يأتي به من تسبيحات الركوع والسجود – سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله وأكبر. (ولا حول ولا قوة إلا بالله) وردت زيادة في مستدرك الحاكم في بعض أحاديثها وعليه صيغة التسبيح الزائدة (75) هذه يفرقها على ركعات الصلاة الأربعة وتفريقها يكون على كيفيتين اثنتين كل منهما ورد به حديث وأفتى بموجب هاتين الكيفيتين أئمة الإسلام: الكيفية الأولى:

ورد الحديث في سنن البيهقي كما سيأتينا في سرد روايات الحديث وأفتى بها شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهي أن يقول بعد دعاء الاستفتاح قبل قراءة الفاتحة (15) مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم يقرأ الفاتحة وسورة قبل أن يركع يقول أيضا (10) مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإذا ركع يقول تسبيحات الركوع ويزيد عليها (10) تسبيحات زائدة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإذا رفع من الركوع يقول الدعاء ثم يقول عشر مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإذا سجد قال في السجدة الأولى (10) مرات أيضا مع تسبيحات السجود فإذا رفع من السجود قال عشر مرات بين السجدتين فإذا سجد السجدة الثانية قال عشر مرات فأكمل (75) تسبيحة ويفعل في الركعة الثانية والثالثة والرابعة كما فعل في الأولى. الكيفية الثانية: أنه إذا ابتدأ الصلاة يقرأ الفاتحة وسورة وقبل الركوع يقول التسبيحات (15) مرة فإذا ركع قالها (10) مرات فإذا رفع من الركوع قالها عشر مرات فإذا سجد قالها عشر مرات فإذا رفع من السجود قالها عشر مرات فإذا سجد الثانية قالها عشر مرات فإذا رفع من السجدة الثانية قبل أن يقوم يجلس "التي هي جلسة الاستراحة" ويضم إليها عشر تسبيحات أخرى ويكون بذلك (75) تسبيحة هاتان الكيفيتان واردتان وكما قلت أفتى بموجبها أئمة الإسلام لكن ما درجه الحديث الذي ورد بصلاة التسبيح وما حكم صلاة التسبيح وهل هي سنة أو بدعة، حقيقة كثر الكلام في ذلك حولها.

وقد أفتى كثير من المشايخ الكرام في هذا العصر ببدعية صلاة التسابيح وان الحديث الوارد فيها غير صحيح أفتى كما قلت بذلك عدد من المشايخ المعاصرين لهذا الأمر وامتنع بعض من كانوا يفعلونها عن فعلها بناءً على هذه الفتيا وكثر الكلام وكان بعض المشايخ الكرام المعاصرين قد كتب بحثاً ونشر في الصحف الإسلامية ومجمله يدور حول إختلاف العلماء فمال إلى هذا القول أيضاً وهو أن صلاة التسابيح بدعة وتكلم عن أسباب الخلاف بين العلماء وموقفنا منه وذكر في السبب السادس أن يأخذ العالم بحديث ضعيف ويستدل استدلالاً ضعيفاً وهو كثير جداً فمن أمثلته ما ذهب إليه بعض العلماء من استحباب صلاة التسابيح وهو أن يصلى الإنسان ركعتين يقرأ فيهما بالفاتحة ويسبح (15) تسبيحة كذلك في الركوع والسجود إلى آخر صفتها التي لم أضبطها لأنني لا أعتقد صحتها من حيث الشرع ويرى آخرون أن صلاة التسبيح بدعة مكروهة وأن حديثها لم يصح ومن هؤلاء الإمام أحمد رحمه الله – نعم كان يقول بذلك ورجع عنه كما سيأتينا تقرير ذلك في هذا المبحث إن شاء الله –وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – إن حديثها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحقيقة من تأملها وجد أن فيها شذوذاً حتى بالنسبة للشرع إذ أن العبادة إما أن تكون نافعة للقلب ولابد لصلاح القلب منها فتكون مشروعة في كل وقت وفي كل مكان وإما أن لا تكون نافعة فلا تكون مشروعة وهذه في الحديث الذي جاء عنها يصليها الإنسان كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو في العمر مرة هذا لا نظير له في الشرع فدل على شذوذها سنداً ومتناً وأن من قال إنها كذب كشيخ الإسلام فإنه مصيب ولذا قال شيخ الإسلام أنه لم يستحبها أحد من الأئمة وإنما مثلت بها لأن السؤال عنها كثير من الرجال والنساء فأخشى أن تكون هذه البدعة أمراً مشروعاً وإنما أقول بدعة.

أقولها وإن كانت ثقيلة على بعض الناس لأننا نعتقد أن كل من دان الله سبحانه مما ليس في كتاب الله أو سنة رسوله عليه الصلاة والسلام فإنه بدعة وكون كما قلت الشيخ الكريم يذهب إلى أن الحديث لا يصح وأنها بدعة قد سبق بذلك ولا شك ولكن ليس هذا طريق البحث. وكونه يقول لا أضبطها ولا أعرفها فكيف تبحث في شيء وتصدر الحكم عليه دون الوقوف عليه من جميع أحواله والأصل أن تحيط بكيفيتها وبالأدلة الواردة فيها ثم بعد ذلك تصدر الحكم عليها. إذاً القول الذي يقول به أنها بدعة وأن الحديث فيها لا يصح سبق به وهو في ذلك مقلد غيره أما أنه بعد ذلك يقول لا تصح وأنا لا أضبطها ولا أعرفها ويحكم عليها بالشذوذ سنداً ومتناً فهذا فيه مافية وأما تعليله بعد ذلك بشذوذها بأن هذه لا نظير لها في الشرع هذا سيأتينا عليه الجواب إن شاء الله: إذن مثل هذا يقع في هذا الوقت ويسأل طلبة العلم عن هذه الصلاة بكثرة فلا بد إذن من تحقيق الكلام فيها وإليكم إن شاء الله الخبر عن صلاة التسابيح. حديث صلاة التسبيح والتسابيح

ورد في السنن رواه الإمام أبو داود في سننه وابن ماجه في سننه أيضاً والحاكم في مستدركه وأقره عليه الذهبي ورواه ابن خزيمة في صحيحه وقال في القلب من إسناده شيء ورواه البغوي في شرح السنة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ورواه الترمذي في السنن والبيهقي في السنن الكبرى والدار اقطني في السنن وابن أبي شيبة في المصنف من رواية أبي رافع رضي الله عنهم أجمعين وهذان الطريقان مع طريق ثالث سأذكره إن شاء الله عن قريب وهو طريق عبد الله بن عمر أصح طرق حديث صلاة التسبيح نعم رويت من طرق كثيرة زادت عن عشرة من الصحابة كما سيأتينا كلام الحافظ بن حجر في ذلك لكن أمثل الطرق وأقواها هو طريق ابن عباس وأبي رافع وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: يا عباس يا عماه ألا أعطيك ألا أمنحك ألا أجيزك ألا أفعل بك عشرة خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره قديمه وحديثه خطأه وعمده صغيره وكبيره سره وعلانيته عشرة خصال: أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشرا ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشرا ثم تهوي ساجداً فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل فإن لم تفعل ففي كل جمعة فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي كل عمرك مرة. وهذه رواية أبي داود عن ابن عباس.

والحديث كما قلت مروي في هذه الكتب وفي رواية الطبراني في معجمه الكبير كما في المجمع زيادة وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: فلو كانت ذنوبه كمثل زبد البحر أو مثل رمل عالج- وهي رمال متراكمة في جانب من البادية -. غفر الله له. وهذا الحديث اختلف فيه أئمتنا تبعاً لمنزلة هذا الحديث وبناءاً على اختلافهم فيه بنوا حكمهم على صلاة التسبيح فعلها هل هو مستحب أو لا فانتبهوا لما سأذكره في خطوات متتابعة إن شاء الله.

ذهب الجم الغفير من علماء المسلمين من المتقدمين والمتأخرين إلى تصحيح هذا الحديث وإلى استحباب صلاة التسابيح فمن جملة من صحح الحديث الحاكم في المستدرك وأقره عليه الذهبي 1/319 وبعد أن روى الحديث المتقدم من رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال وقد صحت الرواية أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم علم ابن عمه هذه الصلاة وهو جعفر بن أبي طالب قال الحاكم إسناد الحديث صحيح لا غبار عليه وأقره الإمام الذهبي-وقد توفي الحاكم سنة 400هـ - وجاء بعده شيخ الإسلام الإمام المنذري ففي الترغيب ذهب إلى تصحيح هذا الحديث ونقله عن جمع غفير من أئمة المسلمين والحفاظ الكبار الراسخين 1 /468 قال وقد روى هذا الحديث من طرق كثيرة ومن جماعة من الصحابة وأمثلها حديث عكرمة وقد صححه جماعة منهم الحافظ أبو بكر الآجري وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله تعالى وقال أبو بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول ليست في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا وقال مسلم ابن الحجاج رحمه الله لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا يعني إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وقال الحاكم قد صحت الرواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ابن عمه هذه الصلاة ثم بدأ يسرد بقية الروايات الواردة لصلاة التسبيح –هذا كما قلت إمام آخر من أئمتنا يحكي تصحيح صلاة التسبيح عن عدد من الحفاظ الكرام الراسخين.

وممن ذهب أيضا إلى تصحيح الحديث الإمام ابن عرّاق في كتابه تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة 2/107 وابن عراق أورد هذا في الفصل الثاني من كتاب الصلاة ولكتابة اصطلاح خاص ينبغي أن يعيه طلبة العلم فقد جعل الكتاب مقسم على كتب كتاب الصلاة، كتاب الصيام ... وكل كتاب مقسم إلى ثلاثة فصول الفصل الأول يقصد به ما رواه ابن الجوزي في الموضوعات وحكم عليه بالوضع ولم ينازع فيه فهو موضوع بالاتفاق والفصل الثاني ما رواه ابن الجوزي في الموضوعات ونوزع وخولف فيه- وهذا الإمام الحافظ توفي سنة 963هـ – فحقق الكلام هل الصواب مع ابن الجوزي أو مع المعارض والفصل الثالث أحاديث ادعى عليها الوضع ولم يذكرها ابن الجوزي في الموضوعات فذكرها وبين قيمتها. فأورد هذا في كتاب الصلاة في الفصل الثاني وبعد أن حكي كلام ابن الجوزي وأن الحديث موضوع وسرد كلامه باختصار قال تعقب بأن حديث ابن عباس أخرجه أبو داود وابن ماجة والحاكم وحديث أبي رافع أخرجه الترمذي وابن ماجة وقد رد الحفاظ على ابن الجوزي في إيراده الأحاديث الثلاثة الموضوعات.

وأورد الحافظ ابن حجر حديث ابن عباس في كتاب الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة وهو جزء صغير لطيف ضمن هذا الكتاب. ص97 يقول حديث صلاة التسبيح ثم رواه فهنا يقول ابن عراق: وأورد الحافظ ابن حجر حديث ابن عباس وقال رجال إسناده لابأس بهم وقد أساء ابن الجوزي بذكره في الموضوعات ثم بدأ الإمام ابن عراق يحقق الكلام إلى أن قال وممن صح هذا الحديث أو حسنه غير من تقدم الإمام بن مندة ألف بها كتاباً والأجري والخطيب البغدادي وأبو سعدية والسمعاني وأبو موسى وأبو الحسن بن المفضل والمنذري وبن الصلاح والنووي في تهذيب الأسماء واللغات والسبكي وآخرون. هؤلاء كلهم صححوا حديث صلاة التسابيح ثم بعد أن انتقل إلى الصفحة الثانية هو لازال يقرر تصحيح الحديث ويرد على ابن الجوزي قال وممن صحح حديثها أو حسنه غير من تقدم أيضاً الحافظ العلاني وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني والشيخ بدر الدين الزركشي فالإمام بن عراق في هذا الكتاب يرى أن الحديث صحيح وهكذا الحافظ محمد بن عبد الله بن محمد الدمشقي المعروف بابن ناصر الدين كان كشيخ دار الحديث الأشرفية في زمنه سنة 842هـ ألف جزءاً خاصاً في تصحيح أحاديث صلاة التسبيح سماه الترجيح لحديث صلاة التسبيح وختم الكتاب بقوله ينبغي لكلك ذي ميز صحيح أن لا يغفل عن صلاة التسابيح وأن يصليها ولو في عمره مرة ويجعلها ليوم فاقته ذخراً فلا ينفع إمرءاً بعد مماته إلا ما قدمه من صالح في حياته والموفق هو الله الجليل وهو حسبنا ونعم الوكيل ولما انتهى ما أمليناه قلت أبياتاً في معناه وهي:- إن أردت الثواب بالترجيح ... صل لله سبحه التسبيح إن فيها رغايباً وأجوراً ... ودواءاً لكل قلب جريح فتقرب بفعلها تعطى نيلاً ... وثواباً يجل عن التصريح مع زوال لكل ذنب قديم ... وحديث جنيته وقبيح لا تدعها فإن فيها حديثاً ... من وجوه مقارباً للصحيح والذي وهن الحديث بوضع ... قوله ذاهب مع المرجوح فتمسك بستة كيف جاءت ... عن تقاة عن الحبيب المليح ...

فالإمام محمد بن ناصر الدين الدمشقي توفي سنة 842هـ يرى أن حديث صلاة التسابيح حديث صحيح وألف في ذلك كتاباً مستقلاً تتبع طرق هذا الحديث وبين صحته وختم بهذا الشعر. ومنهم الحافظ بن حجر سنة 852هفي كتابه تعليقه على المشكاة – مشكاة المصابيح رد الاعتراضات التي وجهت لأحاديث في المشكاة بين أن حديث صلاة التسابيح لا ينزل عن الحسن 4/1779 يقول الحديث الثالث حديث صلاة التسابيح. أما ما نقله عن الإمام أحمد ففيه نظر لأن النقل عنه اختلف ولم يصرح أحد عنه بإطلاق الوضع مع هذا الحديث وقد نقل الشيخ ابن قدامه عن أبي بكر الأثرم قال سألت أحمد عن صلاة التسابيح قال لا يعجبني ليس فيها شيخ صحيح ونفض يده كالمنكر ص768 المفتي وقد روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له – الحديث رواه أبو داود والترمذي ولم يثبت أحمد الحديث المروي فيها ولم يرها مستحية – آتية لكلام ابن قدامة – وإن فعلها إنسان فلا بأس إن النوافل والفضائل لا يشترط صحة الحديث فيها قال الإمام ابن حجر قال الموفق ابن قدامة ... ..قلت وقد جاء عن أحمد أنه رجع عن ذلك أي عن القول بأنها بدعة والحديث فيها لا يصح فقال على بن سعيد النسائي سألت أحمد عن صلاة التسابيح فقال لا يصح فيها عندي شيء قلت المستمدين الربان عن أبي الجوزاء عن عبد الله بن عمر بن العاص قال من حدثك قلت مسلم بن إبراهيم قال المستمر ثقة وكأنه أعجبه. هـ. قال الحافظ بن حجر فهذا النقل عن أحمد يقتضي أنه رجع إلى استحبابها وأما ما نقل عنه غيره فهو معارض بمن قوي الخبر فيها وعمل بها وقد اتفقوا على أنه لا يعمل بالموضوع وإنما يعمل بالضعيف في الفضائل وفي الترغيب والترهيب. قال الحافظ وقد أخرج حديثها أئمة الإسلام وحفاظه أبو داود في السنن والترمذي في الجامع وابن خزيمة في صحيحه لكن قال إن ثبت الخبر والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد والدارقطني أفردها بجميع طرقها في جزء ثم فعل ذلك الخطيب البغدادي.

ثم جمع طرفها الحافظ أبو موسى في جزء سماه صلاة التسابيح وقد تحصل عندي من مجموع طرقها عن عشرة من الصحابة من طرق موصولة وعن عدة من التابعين من طرق مرسلة قال الترمذي في الجامع باب ما جاء في صلاة التسابيح فأطلق حديثاً لأنس في مطلق التسبيح في الصلاة زائداً على أحاديث ذكره في الركوع والسجود ثم قال وفي الباب عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والفضل بن عباس وأبي رافع وزاد شيخنا أبو الفضل العراقي الحافظ أنه ورد أيضاً من حديث عبد الله بن عمر هذه خمسة وزدت عليها فيما أمليته من تخريج الأحاديث الواردة في الأذكار للشيخ محي الدين النووي عن العباس بن عبد المطلب وعن علي بن أبي طالب وعن أخيه جعفر وعن ابنه عباس بن جعفر وعن أم المؤمنين أم سلمة وعن الأنصاري وهو غير مسمى وقال الحافظ إنه جابر فهؤلاء عشرة أنفس وزيادة أم سلمة والأنصاري وسوى حديث أنس الذي أخرجه الترمذي ثم ساق الحافظ هذه الروايات كلها من أخرجها ثم وأما من رواه مرسلاً فجاء عن محمد بن كعب القرضي وأبي الجوزاء ومجاهد وإسماعيل بن رافع وعروة بن روين ثم رد عنه وسلا كما روى عن بعضهم موصولاً أما حديث بن عباس.. بدأ كل حديث يخرجه عمن أخرجه أهل الكتب المصنفة ثم بعد هذه الروايات ومن روى هذه الأحاديث عن هؤلاء والصحابة الكرام قال وقد جمعت طرفة مع بيان عللها وتفصيل أحوال رواتها في جزء مفرد وقد وقع فيه مثال ما تناقص فيه المتأولان يقصد عالمان تناقضا فيه في التصحيح والتضعيف وهي الحاكم وابن الجوزي فإن الحاكم كشهور بالتساهل في التصحيح وابن الجوزي مشهور في التساهل في دعوى الوضع كل منهما روى هذا الحديث فصرح الحاكم بأنه صحح.

وصرح ابن الجوزي بأنه موضوع والحق أنه في درجة الحسن لكثرة طرقه التي يقوى بها والعلم عند الله جل وعلا هذا كلامه في آخر مشكاة المصابيح الحافظ بن حجر ممن يذهب إلى تصحيح الحديث التحسين والتصحيح في درجة واحدة لا يضر المقصود وأن الحديث ثابت يعمل به وهو حجة بلا نزاع وممن ذهب إلى تصحيح الحديث واعتباره وقبوله الإمام الزبيدي – ت سنة 1205هـ - بحيث أخذ قرابة صفحتين أذكر مختصراً من كلامه شيئاً يقول بعد أن ذكره هذا حديث صحيح غريب جيد الإسناد والمتن ثم قال أخرجه ... وعد من أخرجوه ثم رد على ابن الجوزي بالوضع وقال طريق هؤلاء ليست ضعيفة فضلاً عن أن يقال موضوعه ثم بعد أن رد على من طعن في بعض رجال الإسناد بأن طعنه في غير محله ثم قال وهذا إسناد حسن ثم بين أن الأئمة عملوا بهذا وقالوا به. وهذا سيأتينا في نهاية البحث إن شاء الله. الحفاظ بأجزاء مستقلة وصححوها منهم الدار اقطني سنة 385 هـ الخطيب سنة463 هـ أبو سعد السمعاني سنة 562 هـ أبو موسى المديني سنة 581 هـ ألف جزءاً سماه تصحيح صلاة التسابيح من الحجج الواضحة والكلام الفصيح. ومنهم الحافظ بن حجر والإمام السيوطي وألف جزء في تصحيحه وغيرهم كثير.

فإن قال لنا قائل هؤلاء صححوا ألا يوجد من ضعف بلى ونحن نكتب ما لنا وما علينا ولا نقول كما يفعله بعض الناس حديثها شاذ متنا وإسنادا وما شاكل هذا وهي بدعة ولا أعرف القارئ يكون صار عنده مجال للنظر وهل رأيك مقبول معتبراً أم مردود أما أن تعطيه الحكم ليكون مقلداً لك كيف ما كنت هذا غلط في البحث لا سيما إن كان في كتابه فشتان بين أن تسأل وتجيب وبين أن تكتب لتحقق ولينشر هذا على المسلمين وممن ضعف الإمام بن الجوزي في الموضوعات فحكم بوضعها 1/145 ذهب إلى أن الحديث موضوع ثم بعج أن روى طرقة حكم عليه بالوضع يقول هنا آخر شيء لقد اتفق علماء الحديث على تضعيف إسحاق ثم يقول قال العقيلي ليس في صلاة التسابيح حديث يثبت سنة 597هـ أبو شامة الإمام رحمة الله ورفع مقامه ذهب إلى أن صلاة التسبيح لا حديثها قال لم تصح على كثرة طرقها لم يصف منها طريق ولا تغتر بإخراجها سنن أبي داود وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة ثم في مستدرك الحاكم وسنن البيهقي وبأنه قد حقق فيها الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب جزءاً جمع فيه طرقها وتسمية من رواها من الصحابة. وقد قال إمام الأمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في صحيحه باب صلاة التسبيح إن صح الخبر فإن في القلب منه شيء وقال الحافظ أبو جعفر العقيلي ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت نعم قال هذا وأخرجها الشيخ أبو الفرج في كتابه الموضوعات وقال طرقها كلها لا تخلوا من وقف وإرسال أو ضعف رجال والله أعلم هذا أيضاً من جملة من ضعفوها أبو شامة.

ومنهم أيضاً الإمام بن تيمية في منهاج السنة النبوية 7/434 في الصيغة المحققة الجديدة، وهي مع أنها محققة لكنها أيضاً رديئة وفيها تصحيف وما أعلم ما قيمة هذا التحقيق الذي سنقرأ نموذجاً منه لتعرف بعد ذلك من حقق كيف حقق، يقول ص 434 كل صلاة فيها الأمر بتقديم عدد الآيات أو السور أو التسبيح فهي كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث – غفر الله له – إلا صلاة التسبيح فإن فيها قولين لهم وأظهر القولين أنها كذب وإن كان قد إعتقد صدقها طائفة من أهل العلم ولهذا لم يأخذها أخذ من أئمة المسلمين بل أحمد بن حنبل وأئمة الصحابة كرهوها وطعنوا في حديثها وتقدم معنا كلام الإمام أحمد بشقيه. وأما مالك والشافعي وأبو حنيفة فلم يسمعوها بالكلية من يستحبها من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما فإنما هو إختيار منهم لا نقلاً عن الأئمة وأما ابن المبارك فلم يستحب الصفة المذكورة المأثورة "ليس بصحيح قطعاً وجزماً كما سأذكر لكم الإمام ابن المبارك ما استحب إلا هذه الصفة التي ذكرها لكم بسند صحيح عنه كالشمس في رابعة النهار" التي فيها التسبيح قبل القيام – لعله يقصد قبل القراء ما معنى قبل القيام – بل استحب صفة أخرى توافق المشروع حتى لا تثبت سنة بحديث لا أصل له.

أين الكلام عن التحقيق في هذا! الإمام ابن تيمية يذهب أيضاً إلى أن الحديث لا يصح والإمام الشوكاني يرى أن الحديث لا يصح بقول في السيل الجرار 1/328 اختلق الناس في الحديث الوارد فيها حتى قال من قال من الأئمة أنه موضوع وقال جماعة أنه ضعيف لا يحل العمل به وكل من له ممارسة لكلام النبوة لا بد أن يجد في نفسه من هذا الحديث ما يجد هذه الإطلاقات لا داعي لها فلست أكثر ممارسةً لكلام النبي عليه الصلاة والسلام من هؤلاء الحفاظ الجهابذة الذين صححوا الحديث وقد جعل الله في الأمر سعة عن الوقوع فيما هو متردد بين الصحة والضعف والوضع في ذلك بملازمة ما صح فعله أو الترغيب في فعله صحة لا شك فيها ولا شبهة وهو الكثير الطيب وقرر نحو هذا أيضاً في كتابه تحفة الذاكرين ص141 لكن هناك نقل كلام الأئمة المصححين وهم أعلى منزلة منه في علم الحديث وعلم الفقه وسائر علوم الشريعة المطهرة يقول هنا صلاة التسابيح قال بن حجر رحمه الله لابأس بإسناد حديث ابن عباس وهو من شرط الحسن فإن له شواهد تقويه وقد أساء ابن الجوزي بذكره في الموضوعات قد رواه أبو داود من حديث ابن عمر بإسناد ولا بأس به والحاكم من حديث ابن عمر وقال ابن المعرى في شرح الترمذي في حديث أبي رافع إنه حديث ضعيف ليس له أصل في الصحة ولا في الحسن ثم بدأ يورد كلام العلماء يقول وقد صحح هذا الحديث أو حسنه جماعة من العلماء الحفاظ منهم من تقدم ذكره ومنهم ابن منده والخطيب وابن الصلاح والسبكي والحافظ العلائي قال السبكي صلاة التسبيح من مهمات مسائل الدين ولا تغتر بما فهم من النووي في الأذكار من ردها فإنه اقتصر على رواية الترمذي وابن ماجه ورأى قول العقيلي ليس فيها حديث يثبت صحيح ولا حسن والظن به لو إستحضر ترجيح ألو داود لحديثها وتصحيح ابن خزيمة والحاكم لما قال ذلك وقد استوفينا الكلام على صلاة التسبيح في كتابنا الموضوعات – هذا كلام الشوكاني – الذي سميناه الفوائد المجموعة في

الأحاديث الموضوعة أنظره ص38 فقرر هناك أيضاً أن الحديث لا يثبت يقول ولاشك ولا ريب أن هذه الصلاة في صفتها وهيئتها نكارة شديدة مخالفة لما جرت عليه التعليمات النبوية ليس كذلك والذوق يشهد القلب بصدق وعندي أن ابن الجوزي قد أصاب بذكره لهذا الحديث في الموضوعات. وما أحسن قال السيوطي في كتابه اللآلئ الذي جعله على موضوعات ابن الجوزي بعد ذكره لطرق هذا الحديث – هذا الكلام ليس للسيوطي هذا الكلام ينقله السيوطي عن الحافظ بن حجر وهو قول له كما سيأتينا خلال البحث انظروا هذا الكلام في التلخيص 2/7 يقول والحق أن طرقه كلها ضعيفة وأن حديث ابن عباس يقرب من الحسن إلا أنه شاذ لشده الفردية فيه وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلاة هـ- ونقله الإمام السيوطي 2/45 هؤلاء عدد من الأئمة الحفاظ الجهابذه مشايخ الإسلام يضعفون حديث صلاة التسابيح وبعضهم يجاذف كابن الجوزي فيرى أن الحديث موضوع ولا يثبت ولا يصح وإذا كان الأمر كذلك مما هو الموقف نحو هذين القولين وقف بعض أئمة الإسلام نحو هذين الموقفين موقفاً مضطربا فمرةً قبلها ومرة توقف فيها وقال لا تثبت منهم الإمام أحمد عليه رحمة الله ومنهم الإمام النووي ذاك يعرف ولكن لقوة الخلاف إضطرب قوله في هذه المسألة غاية الإضطراب. أنظر ماذا يقول هذا الإمام المبارك شيخ الإسلام 2/144 من تهذيب الأسماء واللغات يقول وأما صلاة التسبيح المعروفة فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها على خلاف العادة في غيرها وقد جاء فيها حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره وذكرها المحاملي وصاحت التتمة وغيرها من أصحابنا وهي سنة حسنة وقد أوضحتها أكمل إيضاح سأزيدها إيضاحاً في شرح المهذب إن شاء الله تعالى قالت هذا في كتابين في الأذكار وفي المجموع الذي أشار إليه.

أما في الأذكار ص158 يقول باب أذكار صلاة التسبيح ثم بعد أن أوردها يقول هذا الإمام المبارك وبلغتنا عن الإمام الحافظ أبي الحسن الداراقطي رحمه الله أنه قال أصح شيء في فضائل السور فضل قل هو الله أحد وأصح شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح وقد هذا الكلام مسنداً في كتابي طبقات الفقهاء في ترجمة أبي الحسن علي بن عمر الداراقطي ولا يلزم من هذه العبارة أن يكون حديث صلاة التسبيح صحيحاً. فإنهم يقولون هذا أصح ما جاء في الباب وإن كان ضعيفاً ومرادهم أرجحه وأقله ضعفاً قلت أو قد نص جماعة من أئمة أصحابنا على استحباب صلاة التسبيح هذه منهم أبو محمد البغوي وأبو المحاسن الروياني قال الروياني في كتابه البحر في آخر كتابه الجنائز: اعلم أن صلاة التسبيح مرغب فيها يستحب أن يعتادها المسلم في كل حين ولا يتغافل عنها قال هكذا قال عبد الله بن المبارك وجماعة من العلماء قال وقد قيل لعبد الله بن المبارك إن سها في صلاة التسبيح أيسبح في سجدتي السهو عشراً، عشراً قال لا فإنما هي ثلاثمائة تسبيحة وإنما ذكرت هذا الكلام في سجود السهو وإن كان قد تقدم لفائدة لطيفة وهي إن مثل هذا الإمام إذا حكى هذا ولم ينكره أشعر بذلك بأنه يوافقه فيكثر القائل بهذا الحكم وهذا الروياني من فضلاء أصحابنا المطليعن والله أعلم.

كأن الإمام النووي هنا وقف وما أصدر راية صراحة أما في المجوع فقد أصدر رأيه صراحة بأن الحديث ضعيف وما ينبغي أن نصلي صلاة التسبيح – سبحان الله – أنت قررت هذا بكلامك وخط يدك بأنه حين وهذه سنه مستحبة – قلت والسبب في ذلك قوة الخلاف في هذه المسألة وجلالة القائلين بعدم صحة الحديث لكن على حسب قواعد علم الحديث، الحديث صحيح كما سيأتينا من ناحية الإسناد وأما من ناحية المعنى فلا غبار عليه كما سأقرر بعد حكاية هذا القول المتوسط الذي لم يجزم بالتصحيح ولا بالرد الإمام النووي عليه رحمة الله في المجموع 4/54 تعرض لهذه كما وعد فقال المسألة الخامسة قال القاضي حسين وصاحبا التهذيب والتتمه والإمام والروياني في أواخر كتاب الجنائز من كتابه البحر يستحب صلاة التسبيح للحديث الوارد فيها وفي هذا الاستحباب نظر لأن حديثها ضعيف وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروفة فينبغي أن لا يفعل بغير حديث أي صحح وليس حديثها بثابت وهو ما رواه ابن عباس رضي الله عنه ثم روى الحديث المتقدم رواه أبو داود وابن ماجه وبن خزيمة في صحيحه وغيرهم رواه الترمذي من رواية أبي رافع بمعناه قال الترمذي روى عن النبي في صلاة التسبيح غير حديث وهو لا يصح منه كبير شيء.

قال وقد رأى بن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيه وكذا قال العقيلي ليس في صلاة التسبيح حيث يثبت وكذا ذكر أبو بكر بن العربي وآخرون أنه ليس فيها حديث صحح ولا حسن والله أعلم وختم الكلام بهذا. إذن هنا يرى أن الحديث ضعيف وأن الكيفية ما ينبغي أن تقوم بها ولا نصليها. إذن صحح وحسن وقوي وهذا هو الجم الغفير أضعف بعضهم زاد فقال موضوع قلة قليلة من علماء الإسلام فريق بعد ذلك وقف موقفين متباينين إما لعدم علمه بالحديث فلما علمه رجع وإما لأنه يعلم ويقول سأبين هذا في المجموع وهنا حسن ثم في المجموع تراجع كما قلت لقوة المخالف لكن دون أن ينقل علة في الإسناد كل هذا يقول قال العقيلي وقال ابن الجوزي: إذا درسنا الإسناد من أوله لآخره ليس في الإسناد آفة من أجلها يرد الحديث على الإطلاق إذن الصواب في هذه المسألة أخوتي الكرام أن الحديث صحيح وصلاة التسبيح سنة مستحبة يدل على هذا ثلاثة أمور:- 1. الحديث صححه أئمتنا عليهم رحمة الله وقد نص على التصحيح كما تقدم عدد من الحفاظ الجهابذة وما اعترض به على هذا الحديث جميع هذه الاعتراضات لا تثبت ولا تقوى ولا يوجد راو تكلم فيه في رجال إسناد ابن عباس إلا وأقل ما نعت بأنه صدوق حديثه في درجة الحسن. هذا أقل راوي. إذن لا يوجد من تكلم فيه بقادح بحيث ينزل عن الحسن يضاف إلى هذا طرق متعددة زادت على العشرة كما قال الحافظ. أما يقتضي ذلك تصحيح الحديث وتحسينه بلى ثم بلى ولذلك الذين نظروا في الإسناد على حسب الصناعة الحديثية وما ترددوا في تصحيح الحديث أو تحسينه. أما بعد ذلك كما قلت قد يتأمل طريقاً من الطرق فيرى فيها كلام فيقدح بناءاً على هذه الطريقة المفردة أما الحديث إذا أردت أن تبحث فيه بطرقه ليس في إسناده كلام ينزله عن درجة الحسن والعلم عند الله جل وعلا. يضاف إلى هذا كثرة الطرق التي روى بها الحديث.

2. صلاة التسبيح عمل بها التابعون ومن بعدهم وهي سنة مشهورة منتشرة في هذه الأمة فِإن قيل لما قلت عمل بها التابعون ولم تقل عمل بها الصحابة نقول الصحابة عملوها فعلمها النبي للعباس ولجعفر ولابن عباس وصحابة متعددين عملوا بها لكن الكلام الآن حول تعليم النبي عليه الصلاة والسلام لهم هل هو ثابت أم لا هذا هو الكلام فإذا ثبتت الآثار فقد عمل بها الصحابة الأبرار رضي الله عنهم. لكن نحن لنوضح هذا بجلاء ووضوح نقول هذا الفعل الذي علمه النبي عليه الصلاة والسلام للصحابة تنوقل إلى التابعين فعملوا بها وهذا ثابت بأسانيد صحيحة كالشمس من أئمتنا الأبرار الذين عملوا بصلاة التسابيح واستحبوها وكانوا يوصون بها ويعلمونها المسلمين أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي البصري ثقة توفي سنة 83هـ حديثه في الكتب الستة وقد روى عن كل من أمنا عائشة وابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم. وهو من العباد الصالحين في هذه الأمة كان يقول ما لعنت شيئاً قط ولا أكلت طعاماً ملعوناً قط ولا آذيت أحد قط ولا ماريت أحداً قط وكان يقول كما في طبقات ابن سعد لأن أصحب الخنازير أحب إلي من أصحب أهل الأهواء. كان قوياً كما يقول الذهبي في السير4/471 قوياً بالمرة حيث أنه كان يواصل أسبوعاً فلا يأكل ولا يشرب فإذا مسك ساعد الإنسان الشاب يكاد أن يكسره قال الإمام الذهبي بعد أن سرد بعض الأخبار عنه أنظر إلى هذا السيد واقتدي به. نقل الداراقطي في جزء صلاة التسبيح أنه كان يستحب صلاة التسبيح ويأمر بها. بسند صحيح.

ومن أتباع التابعين عبد العزيز بن أبي رواد وأبو رواد ميمون وقيل أيمن قال عنه الحافظ في التغريب صدوق عابد ربما وهم ورمى بالإرجاء – وبدعة الإرجاء كما سيأتينا تحمل على بدعة مقيتة وعلى بدعة لفظية لا تضر من نعت بها كما سأذكر إن شاء الله- أخرج حديثه البخاري في صحيحه تعليقاً وأهل السنن الأربعة توفي سنة 159هـ كان يقول من أراد الجنة فعليه بصلاة التسبيح وهو إمام من أئمة الإسلام الكبار نعته الذهبي بأنه شيخ الحرم المكي في زمانه. قال عنه شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك كان من أعبد الناس بقي أربعين سنه لم يرفع طرفه للسماء حياءاً من ربه جل وعلا فكان مرة يطوف حول بيت الله الحرام ورآه أبو جعفر المنصور فنخسه بإصبعه فالتفت فقال علمت أنها طعنة جبار. قال الذهبي ذهب بصره عشرين سنه ولم يعلم أهله ولا ولده به. قال الإمام أحمد كان مرجئا رجلا صالحاً قال الذهبي قلت كان كثير المحاسن لكنه كان مرجئاً. أما الإرجاء الذي نعت به فلا ضير عليه فيه إن شاء الله وإن كنا نرى أنه لو تنزه عن كذلك لكان خيراً له وأحسن.

الإرجاء معناه التأخير وهناك إرجاء بدعي القائل به ضال وهو الذي يقول: العمل ليس من الإيمان بمعنى أنك إن فعلته لاتنتفع وإن تركته لا تضرر وإذا قلت لا إله إلا الله محمد رسول الله واعتقدت هذا بقلبك فأنت من أهل الجنة والنار محرمة عليك وسيختم لك بالإيمان. وانتهى الأمر وأما العمل هذا ليس من الإيمان هذا إرجاء البدعة وحاشا أئمتنا الكرام من هذا الإرجاء – أبو حنيفة في ترجمته كان مرجئاً أي يرى أن الإيمان إقرار باللسان واعتقاد بالجنان وأما العمل يقول هذا ليس من الإيمان حتماً هذا خلاف ما عليه جمهور أهل السنة الكرام لكن خلاف لفظي أبو حنيفة يقول: إن عمل صار صديقاً وإن لم يعمل صار فاسقاً. ومعشر أهل السنة يقولون نفس هذا الكلام فما بينهم إلا خلاف في اللفظ فقط وهؤلاء الذين قالوا هذا القول حتى لا يرد عليهم شبهه أخذ بها المعتزلة والخوارج ومن فروخهم الإباضية فقالوا: إذا قلتم العمل من الإيمان فإذا تخلف العمل ينبغي أن تخرجوا العاصي من الإيمان فإن تقولوا أنه كافر كما قال الخوارج أوأن تقولوا ليس بكافر ولا مؤمن كما قال المعتزلة والاباضية تتبعوا في هذا القول المعتزلة ولم يتبعوا أصلهم وهو الخوارج فهؤلاء قالوا نقول العمل ليس من مسمى الإيمان لكن فعله قربة وتقى وتركه معصية وفسق. إذن خلاف لفظي لا يضير وهذا الذي حققه أئمتنا في كتب التوحيد. إرجاء في اللفظ وهذه مسائل القول الحق أن العمل من الإيمان لكن تخلف العمل ليس كتخلف الإقرار والاعتقاد لكن هذا قول حق شيء والذي يقول بذلك لا تقول عنه ضال.

يقول الإمام الذهبي 9/435 في السير في ترجمة عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وكأن الذهبي ما أراد أن يذكر هذه التعليقة في ترجمة الوالد عبد العزيز لجلالة قدره فجاء للولد فذكر هذه: فقال: قال: هارون بن عبد الله الحمال ما رأيت أخشع لله من وكيع وكان عبد المجيد أخشع منه قلت: خشوع وكيع مع إمامته في السنة جعلته مقدما بخلاف خشوع هذا المرجئي عفا الله عنه أعاذنا الله وإياكم من مخالفة السنة وقد كان على الإرجاء عدد كبير من علماء الأمة فهلاعدّ مذهبا وهو قولهم أنا مؤمن حقاً عند الله الساعة –يعني في هذه الساعة- مع اعترافهم أنهم لا يدرون ما يموت عليه المسلم من كفر أو إيمان وهذه قوله خفيفة وإنما الصعب من قول غلاة المرجئة: أن الإيمان هو الاعتقاد بالأفئدة وأن تارك الصلاة والزكاة وشارب الخمر وقاتل النفس والزاني وجميع هؤلاء يكونون مؤمنين كاملي الإيمان ولا يدخلون النار ولا يعذبون أبداً. (ردوا أحاديث الشفاعة المتواترة وجسروا كل قاطع طريق فاسق على الموبقات نعوذ بالله من الخذلان) . ومنهم جاء بعده شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك توفي سنة 181هـ كان يستحب صلاة التسبيح ويفعلها ويوصي أتباعه بها وهو كما نعته أئمتنا هذا كلام الحافظ في التقريب على اختصار: ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير قال الذهبي في السير في ترجمته هو الإمام شيخ الإسلام عالم زمانه وأمير الأتقياء في وقته الحافظ الغازي أحد الأعلام حديثه حجة بالإجماع. قيل له: وكان يكثر القعود في بيته وخلوته: ألا تستوحش قال كيف أستوحش ومعي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه – أي عندما يقرأ علمهم وحديثهم وسيرهم – وإذا نام رآه صلى الله عليه وسلم. ولما تبعه أهل بغداد وأهل مرو ونظر هارون إلى تبعية الناس له قال هذا هو الملك- وكان إذا دخل إلى السوق يغلق أهل السوق سوقهم ويمشون وراءه – وهذا هو الملك وأما نحن لا نجمعهم إلا بأعوان وشرطة.

وكان على غاية الأدب مع شيوخه ومع كبار العلماء في زمانه سأل عن مسألة في حضرة سفيان بن عينية وهو أعمل من شيخه لكن أنظر للأدب والتوقير قال: نهينا أن نتكلم بحضرة أكابرنا استمعوا للرد على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عندما يقول هذه الكيفية ما كان يوصي بها عبد الله بن المبارك يقول الحاكم في المستدرك 1/319 مما يستدل به على صحة هذا الحديث استعمال الأئمة من أتباع التابعين –العبارة لو صحت من التابعين – ممن بعدهم إلى عصرنا هذا، هذا كلام الحاكم توفي سنة 405هـ إياه ومواظبتهم عليه وتعليمهم الناس منهم شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه – هذا كلام الحافظ الحاكم في المستدرك وقد سأله أبو وهب محمد بن مزاحم وهو صدوق توفي سنة 209هـ وهو من رجال الإمام الترمذي سأل شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عن صلاة التسابيح فنعتها بالكيفية التي ذكرتها على أن يكون التسبيح قبل القراءة وهذا ثابت في حيث رواه هق في3/52 عن عبد الله بن عمرو مرفوعاَ. يقول الحاكم بعد أن روى هذا السؤال وهذا موجود في سنن الترمذي وسنن البيهقي وفي شرح السنة للبغوي 4/158 قال الحاكم رواة هذا الحديث عن ابن المبارك ثقاة أثبات ولا يتهم عبد الله أن يعلمه ما لم يصح عنده سنده.

الإمام الرابع أبو عثمان الحيري وهو سعيد بن إسماعيل كان يقول من أمّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة ومن أمّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة ثم تلى قول الله:"وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين" قال الإمام الذهبي معلقاً على قوله قلت: "ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " يقول الذهبي في ترجمته هو الشيخ الإمام المحدث الواعظ القدوة شيخ الإسلام الأستاذ أبو عثمان الحيري الصوفي أما كلمة الصوفي فأرجو ألا يتأثر أحد منكم بهذا الاصطلاح وسيأتينا إن شاء الله كلام على الصوفية وتحقيق الكلام فيهم بعون رب البرية ننصفهم فلا نحملهم وزر من ضل منهم ولا نبرأ من إشتط منهم وينبغي أن نزن بالقسطاس المستقيم إنما هذا كلام الإمام الذهبي شيخ الإسلام كان إذا بلغته سنة كما في الحلية وغيرها لم يعمل بها يقف حتى يعمل بها إذن متسنن إذا سنة بلغته وما عمل بها ولم يستعملها يتوقف عن كل عمل حتى ينفذ هذه السنة ويقوم بها ومن صفاته الطيبة في تاريخ بغداد 9/99 المنتظم لإبن الجوزي في 6/106 وصفة الصفوة له 4/105 وفي البداية والنهاية 11/115 في حوادث سنة298 هـ – قصة المرأة العوراء العرجاء القرعاء ومشوهة الخلق التي جاءت إليه وهو في معتكفه في المسجد وقالت أبا عثمان الله الله فيّ فإن قلبي متعلق بك قال لها وماذا تريدين يا أمة الله قالت أريد أن تتزوجني قال: ومن والدك قالت: فلان البقال. قال: يكون خيراً إذهبي. ثم خر ج من معتكفه إلى والدها وخطبها منه فذاك طار فرحاً عرجاء فرعاء عوراء مشوهة الخلق يخطبها شيخ الإسلام في زمانه فزوجه فلما دخل عليها قال: اللهم لك الحمد على ما قدرت لي.

يقول فكان أهلي يلومونني يقولون لي نزوجك ونزوجك فكنت أخالفهم وأزيد في إكرامها وبرها وهي أثقل على قلبي من الجبل – هذا ما حدث به إلا بعد أن توفيت – يقول وكنت إذا ذهبت إلى الدرس توقفني على الباب تقول أبا عثمان قلبي متعلق بك فأترك درسك من أجلي يقول: فأطيعها جبراً لخاطرها يقول: بقيت عندي ثمان عشرة سنة ثم توفيت فلما احتضر قيل له حسن ظنك بربك رحمة الله واسعة قال: أرجو أن يغفر الله لي بما جرى لي مع زوجتي.

كان يقول ما رأيت للشدائد والهموم والغموم مثل صلاة التسبيح قال الإمام الذهبي في ترجمته نقلاً عن الحاكم في كتاب تاريخ نيسابور لم يختلف مشايخنا أنه كان مجاب الدعوة وكان مجمع العباد والزهاد ولم يزل يسمع الحديث ويجل العلماء ويعظمهم قلت: " الذهبي" كان للخرسانيين مثل الجنيد للعراقيين ... والجنيد توفي قبله بسنة 297هـ، 298هـ ومن مناقبه ومن منزلته عند ربه جل وعلا مجاب الدعوة قال الحاكم لما قتل أحمد بن عبد الله السجستاني " وكان أميراً في بلاد نيسابور " الإمام حيكان " يحيى بن محمد الذهلي" ثقة حافظ من رجال ابن ماجه قتله الأمير ظلما وعسفاً وجوراً وكان حيكان من أئمتنا الصالحين يقول عنه ابن حجر في التقريب ثقة حافظ مات شهيداً مقتولاً على يد هذا الأمير الظالم. أخذ في الظلم والعسف وأمر بحربة فركزت على خشبة ثم جاء وجمع أعيان البلدة وقال ينبغي أن تصبوا عليها الدراهم والدنانير حتى لا تظهر الحربة وإلا فقد أحللت دمائكم قال فاجتمع أعيان البلدة وفرضوا على أنفسهم مبلغاً من أجل أن يحفظوا رقابهم ودماءهم ففرضوا على بعض التجار ثلاثين ألف درهم فما استطاع أن يحصل إلا ثلاثة آلاف درهم فجاء بها إلى أبي عثمان النيسابوري وقال علمت ما جرى من هذا الأمير والله ليس عندي غيرها فقال له أبو عثمان تأذن لي أن أتصرف في هذا المال كما أريد قال نعم: قال ولك نفع وأجر فتصدق أبو عثمان بها وقال ابق عندي ولا تخرج من بيتي ثم بعد ذلك بدأ في الليلة يخرج من بيته إلى المسجد ويعود يخرج إلى المسجد ويعود مراراً يذهب يصلي ويعود إلى البيت إلى أن أذن الفجر فلما أذن الفجر قال للمؤذن إذهب إلى السوق وإلى المحلة فاستمع ما الخبر فقال ما الخبر قال: إذهب واستمع فذهب وعاد قال ما سمعت شيئاً والناس كما هي قال أأقم الصلاة؟ قال لا تقم أذهب إلى السوق ثانية وتحقق ما الخبر.

ثم بعد ذلك لما ذهب المؤذن مرة ثانية قال أبو عثمان: وحققك يارب لا أقمت الصلاة مالم تفرج عن المكروبين – فعاد المؤذن مسرعاً وقال أبو عثمان ذبح الأمير غلمانه وهو سكران ذبحوه وشقوا بطنه. أنظرها في السير وينقلها عن الحاكم في تاريخ نيسابور. نعم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبر قسمه يقول أبو عثمان ما رأيت للشدائد والهموم والغموم مثل صلاة التسابيح قال الحافظ الذهبي: قلت بمثل هذا يعظم مشايخ الوقت. حقيقة إذا كان العالم على هذه الحالة بحيث يكون بينه وبين الله صلة إذا لزم أن يستعمل –كما يقال في مجلس الخيانة والغدر حق الفيتو -هنا حق الفيتو لكن في ابطال فعل المخلوق من جهة الخالق إذا لزم أن يستعمل هذا الحق يستعمله حقيقه هذا هو الشيخ. بمثل هذا يعظم مشايخ الوقت وحقك لا أقمت الصلاة مالم تفرج عن المكروبين. ثم قال للتاجر كفاك الله شره وثلاثة آلاف صدقة لك مدخرة عند الله. أخوتي الكرام: كان هذا العبد الصالح يقول: ما رأيت للشدائد والهموم والغموم مثل صلاة التسابيح وأنا أرجو وآمل إذا وصل هذا الكلام حول صلاة التسبيح إلى من يفتون أنها بدعة وأن الحديث ليس صحيح أرجو وآمل أن يحصل شيء من التراجع إذا بلغتهم هذه الحجج عن أئمتنا الكرام البررة وقد سمعت بعض المشايخ ممن هو على قيد الحياة يقول: إن حج التمتع ليس هو الأفضل بل لا يصح نسك إلا هو ولما ألف شيخنا أضواء البيان وبين أن أفضل الأنساك الثلاثة حج الإفراد رجع الشيخ عن قوله وقال أفضل الأنساك حج الإفراد.

فلعل هذه الموعظة إذا بلغت المشايخ الكرام الذين أخذوا شيئاً تقليداً لعالم متقدم دون تمحيص وأطلقوا الحكم بأنها بدعة ليست ببدعة إنما هي سنة والحديث فيها صحيح وعمل بها السلف قولهم صفة صلاة التسبيح تخالف الكيفية المعروفة للصلوات وعليه لا تثبت لأنها صفة مخالفة قلنا: هذا الكلام لا ينبغي أن يقوله عالم لان الحديث حجة بنفسه إذا صح الحديث يثبت كيفية شرعية. صلاة الكسوف هل هي على حسب الصلاة المعروفة أم على خلاف الصلاة المعروفة إذا صح الحديث انتهى. وما أحد أنكر صلاة الكسوف وعمدة من يردها. يقول تخالف الكيفية المعروفة وهذا كلام النووي وابن تيمية وهذا الشيخ في هذا الكتاب. يا عبد الله ما هكذا تورد الإبل الأصل ابحث في الحديث هل صح أم لا إذا صح فهو حجة بنفسه وإذا لم يصح دعنا منه. معروفة أو غير معروفة. صلاة الكسوف: ثبت في كتب السنة عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن فيها ركوعين في كل ركعة. عن جابر زيادة ثلاث ركوعات في كل ركعة وعليه يصبح ست ركوعات مع أربع سجدات في ركعتين. وثبت حم. م – د – ن – عن ابن عباس أربع ركوعات في كل ركعة يصبح ثمان ركوعات في أربع سجدات والحديث في صحيح مسلم وتضعيف الألباني له مرود فهو في صحيح مسلم وحبيب بن أبي ثابت مدلس وقد روى عن طاووس. نقول المدلسون في الصحيحين عرف سماعهم لاشتراط أصحاب الصحيح ذلك والحديث ثابت في م يقول ضعيف وان أخرجه مسلم. وثبت ما هو أكثر من ذلك.

حم. د. ك – هق. عن أبي بن كعب خمس ركوعات في كل ركعة يصبح عشر ركوعات في ركعتين وأربع سجدات قال 6/199 شرح مسلم. قال بكل نوع من الأنواع بعض الصحابة وقد ذهب اسحاق بن راهويه والإمام الطبراني وابن المنذر إلى جواز هذه الكيفية والكيفيات كلها ركوع واحد هو قول الحنفية ركوعان وهو قول الجمهور – ثلاث ركوعات – أربع ركوعات – خمس ركوعات في كل ركعة قال النووي: وهذا قول قوي وهذا هو محض التحقيق والورع والإخلاص لله تعالى. روايات ثابتة لما بعد ذلك تأتي وتقول شذوذ ومخالفة وضعيف وترد كيفية صلاة التسابيح وإذا كان الحديث صحيح فهو حجة بنفسه. صلاة الجنازة على كيفية الصلاة المعروفة لا إذا صح الحديث فهو حجة بنفسه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً.

الاستغاثة بغير الله

الاستغاثة بغير الله (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الاستغاثة بغير الله 7/10/94 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا.. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم”فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين". "يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاُ كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: معاشر الأخوة الكرام.. تقدم معنا البدعة شنيعة وخيمة في الإسلام وليتسبب عنها سوء خاتمة الإنسان وقد تدارسنا تعريفها فهي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن وذلك الحدث وذلك الأمر الحادث المخترع لا تشهد له نصوص الشرع الحسان.

إخوتي الكرام ولا زلنا في هذا المبحث الأول من مباحث البدعة وقلت عند هذا المبحث خل فريقان من الأنام: فريق أفرط وسع دائرة البدعة، وأدخل فيها ما ليس منها وقد مضى التحذير من هؤلاء بالمواعظ السابقة واتبعته بثلاث معالم ينبغي أن نعض عليها بالنواجذ أولها: المشرع هو الله وحده لا شريك له ولهداية الإنسان كنان: 1) شرع قديم. 2) وعقل سليم. وبينت بعد ذلك في المَعلم الثالث منزلة الاجتهاد في الإسلام. وسننتقل في هذه الموعظة إخوتي الكرام إلى الفرقة الثانية التي ضلت في تعريف البدعة حيث فركت كما أن تلك أفرطت منذ ألفت البدعة من الإسلام كُلاً أو بعضاً واخترعت في دين الله مالم يأذن به الله وزعمت أنها تتقرب بذلك إلى الله جل وعلا وسنتدارس أحوال هذه الفرقة لنحذر منها ولنُحذر الناس منها في هذه الموعظة وفي مواعظ بعدها. إخوتي الكرام سنتدارس في هذه الموعظة تحريف المحرفين من أهل هذا الصنف الثاني اللذين ألغَوا البدعة في الدين سنتدارس تحريفهم فيما يتعلق بدعاء الله عز وجل والالتجاء إليه في السراء والضراء سبحانه وتعالى ولبيان تحريفهم لا بد من منزلة هذه العبادة ومكانتها في شرع الله المطهر ثم أُتبِّعها بعد ذلك بالبدع التي حصلت نحو هذه العبادة من اللجوء إلى غير الله. إخوتي الكرام: إن الدعاء عبادة عظيمة لا ينبغي أن يصرفها الإنسان إلا لمن بيده مقادير الأمور وهو على كل شيء قدير، الذي خلقك وخلق كل شيء وهو الله العلي الكبير سبحانه وتعالى وقد أمرنا ربنا بذلك وأمرنا أن ندعوه وأن نلجأ إليه في جميع أحوالنا قال سبحانه وتعالى في سورة غافر: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم..الآية. إن الذين يستكبرون عن عبادتي عن دعائي والالتجاء إليّ والتذلل في جميع أهوالهم سيدخلون جهنم داخرين.

نعم إخوتي الكرام: إن الدعاء هو العبادة كما بين ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة والحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الأدب المفرد وهو في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وفي شرح السنة للإمام البغوي وإسناده صحيح كالشمس من رواية النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدعاء هو العبادة ثم تلاه فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ربكم إدعوني أستجب لكم..الآية. وروى في سنن الترمذي من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه وأرضاه وقال الترمذي هذا حديث غريب ويشهد له حديث النعمان بن بشير ولفظ حديث أنس رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدعاء مخ العبادة". خُلاصتها وغايتها وسيأتينا إيضاح ذلك وتحقيقه فإن كان هذا السند ضعيفاً يشهد له ما تقدم ويوضحه ما سيأتي معنا من منزلة الدعاء في شريعة رب الأرض والسماء. أمرنا الله أن ندعوه وأن نلجأ إليه سبحانه وتعالى في جميع أحوالنا فقال في سورة الأعراف الآية (55-56) ”ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين "تضرعاً" تذللن واستعانة فأنتم مربوبون للحي القيوم وخفية سراً إنه لا يحب المعدين اللذين يتجاوزن في الدعاء ويجهرون ويرفعون أصواتهم بالصياح. ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً راغبين راهبين إن رحمة الله قريب من المحسنين. والآيات في ذلك كثيرة وفيرة تحضنا على الدعاء وتأمرنا به بل أخبرنا ربنا جل وعلا أنه لولا دعائنا لربنا لما بال بنا ولعاجل عقابنا فقال جل وعلا في آخر سورة الفرقان”قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعائكم”ودعاء مصدر إما أن يكون مضاف هنا إلى الفاعل أي لولا دعائكم ربكم والتجائكم إليه في سرائركم وضرائكم لما بال بكم وعذبكم عذاباً أليماً.

"قل ما يعبء بكم ربي لولا دعائكم" لولا دعائكم الله والتجائكم إليه فإذا أعرضتم عن دعائه واستكبرتم عن عبادته فسوف يكون العذاب لازماً حالاً بكم فقد كذبتم فسوف يكون لازماً وإما أن يكون المصدر مضافاً إلى المفعول والمعينان متلازمان لا ينفعك أحدهما عن الآخر لولا دعائكم فأنتم مدعون لا داعون. لولا دعاء الله لكم لتعبدوه ولتوحدوه سبحانه وتعالى لا يعبأ بكم ربي وليس لكم عنده أي شأن لولا أنه خلقكم لعبادته وتوحيده وتعظيمه سبحانه وتعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" الآية. والأمران متلازمان لولا أن الله خلقنا لعبادته وأمرنا بتوحيده وامتثلنا وقمنا بما أراد الله منا لما بال بنا ولما كان لنا أي شأن عند سبحانه وتعالى”قل ما يعبؤا بكم ربي..”الآية لولا دعاء الله لكم لتوحدوه لولا دعاؤكم الله جل وعلا في جميع أحوالكم والتجائكم إليه في سرائكم وضرائكم”قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما”فالدعاء له شأن عظيم في شريعة الله الغراء. ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه والحديث رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء".

أعظم العبادات وأكرمها دعاء الله والالتجاء إليه في كل وقت في السراء والضراء "ليس شيءٌ أكرم على الله من الدعاء" وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن من أعرض عن هذه العبادة ولم يسأل ربه ولم يدعه فقد غضب الله عليه وسخط عليه وقد ثبت في المسند أيضاً وسنن الترمذي وابن ماجه والحديث في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري أيضاً ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه والحاكم في مستدركه والبغوي في شرح السنة والإمام البزار في مسنده وإسناده صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال”من لم يسأل الله غضب غضب عليه ومن لم يدع الله يغضب عليه كلام نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا تقرير قول ذي الجلال والإكرام "قل ما يعبؤا بكم ربي"..الآية. فأكرم شيء على الله الدعاء ومن أعرض عن هذه العبادات غضب عليه رب الأرض والسماوات. إخوتي الكرام: أمرنا ربنا جل وعلا أن نلجأ إليه في جميع أحوالنا وأن ننزل حاجاتنا به سبحانه وتعالى فهو ربنا لا إله غيره ولا رب سواه. وقد ثبت في سنن الترمذي وغيره بسند جيد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع”هذا الخيط الذي يربط به النعل سلهُ من ربك وسل كل صغيرة وكبيرة وفي سنن الترمذي عند هذه الرواية من مرسل ثابت بن أسلم البلاني عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: "ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله وحتى ملح عجينه".

نعم ينبغي أن نسأل ربنا جل وعلا جميع أمورنا وإذا سألناه فلنجزم بالسؤال ولنُلح في طلب العطاء الله كريم لا يتعاظمه شيء سبحانه وتعالى ثبت في المسند والصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم إن شئت فاعطني ولكن ليعزم في المسألة فإن الله لا مكره له، فإن الله لا مكره له لا مضاد له ولا يستطيع أحد أن يكرهه وأن يعرضن فعله فعلى تقيد أنت إجابة دعائك على المشيئة إن شئت فاعطني، قل اللهم أعطني اللهم ارزقني اللهم أغفر لي وارحمني اجزم بذلك ولا تتردد ليعزم في المسألة ولا يقل اللهم إن شئت فأعطني فإن الله لا مكره له. وثبت في الصحيحين أيضاً وفي سنن الترمذي وأبي داود والحديث في أعلى درجات الصحة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال”إذا دعا أحدكم فلا يقولن اللهم ارحمني إن شئت اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارزقني إن شئت ولكن ليعزم المسألة، ليعزم المسألة فإن الله صانع ما شاء لا مكره له، وفي رواية فإن الله يفعل ما يشاء لا مستكره له. إذاً ينبغي أن ننزل جميع حاجاتنا بربنا وأن نلتجئ إليه في جميع أمورنا سبحانه وتعالى. إخوتي الكرام:

إن الدعاء له قسمان كما قرر ذلك أئمة الإسلام: القسم الأول: دعاء عبادة وهو تعظيم الله والثناء عليه والتعلق به واللهج بذكره دون أن تطلب حاجة من حاجات الدنيا الآخرة فهذا دعاء ولكن دعاء عبادة عندما تسبح وتهلل، عندما تذكر الله عندما تصلي عندما تقوم بأي عبادة أنت داعي ولكن دعائك دعاء عبادة كما قلت والإنسان عندما يلتجئ إلى الله بعبادة الله فهو سائل كما قال أئمتنا بالحال لا بالمقال لأن من عبد ذي العزة والجلال فكان لسان حاله يقول ربي أنت سيدي وأنا عبدك وأنا عبدتك وحدك لا شريك لك فيلزم من هذا أن تتولاني وأن تجعل لي من ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا، وأن ترزقني من حيث لا أحتسب دعاء عبادة وهذا من العبادات العظيمة ومن أنواع الأدعية الجليلة الفخيمة. وقد أشار إلى هذا النوع من العبادة نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه أهل السنن الأربعة إلا سنن أبي داود والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وشرح السنة للإمام البغوي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله".

والإنسان عندما يحمد الله يدعوا ربه دعاء عبادة وكما قلت دعاء العبادة فيه دعاء المسألة لكن عن طريق الحال لا عن طريق المقال وأفضل الدعاء الحمد لله ولما سأل سيد المسلمين أبو محمد سفيان بن عيينة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عن هذا الحديث وعن ما يشبهه كيف أعتبر هذا الذكر أفضل أنواع الدعاء فانشد قول أمية بن أبي الصلت الذي يمدح فيه عبد الله بن جدعان وقد هلك في الجاهلية وتقدم معنا أنه كان يطعم الطعام وكان يصل الأرحام لكنه هلك في الجاهلية ولما سألت أمنا عائشة نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه عن عبد الله بن جدعان وأنه كان يطعم المساكين ويصل الرحم هل ينفعه ذلك عند الله فقال نبينا عليه الصلاة والسلام كما في المسند وصحيح مسلم لا إنه لم يقل يوماً ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين. وتقدم معنا هذا الحديث فيه مواعظ قريبة ماضية إذاً لما سُئل سيد المسلمين أبو محمد سفيان بن عيينة عن هذا الحديث وعما يشبهه كيف اعتبر هذا من الدعاء”أفضل الدعاء الحمد لله أنشد قول أمية بن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جدعان قال: أأذكر حاجتي ام قد كفاني ... حبائك إن شيمتك الحباءُ إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناءُ حبائك: عطائك وكرمك وجدك إن شيمتك الحباءُ، إذا جاء أحد يثني على عبد الله بن جدعان فيكفيه الثناء عن السؤال فهذا الثناء يبرر قضاء حاجته عند هذا الكريم الجواد الذي هو بشر من الخلق فكيف بالكريم الجواد، بالخالق سبحانه وتعالى وأفضل الدعاء الحمد لله وافضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله هذا دعاء كما قلت دعاء عبادة والإنسان يسأل بحاله لا بمقاله.

الدعاء الثاني: دعاء مسألة وهو أن تسأل ربك بلسانك قضاء حوائجك وأن تطلب منه الخيرات في العاجل والآجل في الدنيا وفي الآخرة هذا دعاء مسألة وقد أمرنا الله به، كما أمرنا أيضاً بدعاء العبادة سبحانه وتعالى أمرنا أن نسأله فقال جل وعلا كما في سورة النساء”ولا تتمنوا ما فضل الله به ... وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما”الآية32 وقد ثبت في سنن الترمذي ومعجم الطبراني الكبير بسند حسن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يُسئل وأعظم العبادة انتظار الفرج، وسلوا الله من فضله فإن الله كان بكل شيء عليما". إخوتي الكرام: إن الله يحب أن يسئل كما تقدم معنا من ترك له سؤاله فقد غضب الله عليه وما ذلك إلا لأن هذا السؤال، لأن هذا الدعاء هو العبادة بل مخ العبادة وروحها وغايتها وغاية العبادة تعظيم الله جل وعلا هذا حصل في الدعاء المراد من العبادة أن يتذلل المخلوق لخالقه وهذا موجود في الدعاء، إن الإنسان عندما يدع ربه يتعرض لنفحات الله فهذا الدعاء مفتاح لقضاء الحوائج والله كريم يحب أن يجود ويحب أن تعطي فبالدعاء تعظم الله وبالدعاء نتذلل لله وبالدعاء نتعرض لنفحات الله ولذلك كان الدعاء هو العبادة وكان الدعاء مخ العبادة. نعم إخوتي الكرام: إن الدعاء فيه تعظيم عظيم لربنا العظيم سبحانه وتعالى وكيف لأن من يسأل ومن يدعوا يدعُ موجود ولا يدعُ مفقود فأنت عندما تسأل الله تقر بوجوده سبحانه وتعالى وأنه هو خالق كل شيء وربه ومليكه وعندما تسأل الله تقر بغناه فالإنسان لا يسأل فقيراً معدوماً وعندما تسأل الله تقر بكرمه فالإنسان لا يسأل بخيل شحيح وعندما تسأل الله تقر بثبوت السمع له فهو يسمعك سبحانه وتعالى من سمعه الأصوات سبحانه وتعالى عندما تسأل الله تقر أيضاً برحمة الله جل وعلا ورأفته ورحمته فهو الذي يعطف عليك ويحسن إليك ويجيب سؤالك.

وعندما تسأل الله تقر بقدرة الله جل وعلا فهو قادر على أن يصرف عنك السوء وأن يجلب إليك الخيرات والبركات هو رب الأرض والسموات في الدعاء تعظيم الله في الدعاء تذلل لله هذا الدعاء مفتاح الحوائج فينبغي أن نكثر منه. إخوتي الكرام: وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن تعرف هاتين العبادتين: دعاء العبادة ودعاء المسألة لمن يستحقها وهو الله الذي بيده مقاليد كل شيء وهو الله الذي خلق كل شيء أما العبادة فلا يجوز أن يعرف لغير ربنا”فمن يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحد”إن العبادة من مقتضى الألوهية، ألوهية الله جل وعلا فإن كان الله إلهاً ينبغي أن يُعبد وحده لا شريك له وأما الدعاء والمسألة فينبغي أن تعرف إلى الله "الذي بيده مقاليد كل الأمور وهو على كل شيء قدير وهذا من مقتضى ربوبيته" إياك نعبد وإياك نستعين فنستعين بالله ونلجأ إليه بسؤالنا ودعائنا وقضاء حاجاتنا ونعبده وحده لا شريك له والدين كله تحت لفظ الدعاء من دعاء العبادة ودعاء المسألة "إياك نعبد وإياك نستعين". نعم لا نصرف سؤالنا إلى غير ربنا كما نصرف عبادتنا لغير ربنا وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من أن نعرف شيء من الدعاء إلى غير رب الأرض والسماء وأمرنا أن نلجأ إلى الله جل وعلا في جميع الأحوال في السراء والضراء. ثبت في المسند وسنن الترمذي والحديث رواه ابن حبان في المستدرك والإمام الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة ورواه الإمام الطبراني في مسنده وأبو يعلى في مسنده والحديث رواه أبي عاصم في السنة ورواه الإمام أبو نعيم في دلائل النبوة وهو صحيح وإسناده ثابت كثبوت الشمس في رابعة النهار من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا غلام إني أعلمك بكلمات ... .الحديث.

نعم إخوتي الكرام: إن المخلوق إذا أنزل حاجته لمخلوق، إن المخلوق إذا سأل مخلوق فقد خرج عن صراط الله المستقيم وسؤاله هذا له عدة أحوال: الحالة الأولى سؤال المخلوق مخلوقاً يكون تارة شركاً يخرجه من الملة وهو من الكافرين المخلدين في نار الجحيم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ويكون إذا التجأ مخلوق إلى مخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله فطلب من مخلوق أن ينزل الغيث وطلب من المخلوق أن يرزق زوجته ولداً ذكراً وطلب من المخلوق أن ينجيه من النار وطلب من المخلوق أن يؤجل عنه الموت إذا حضر وطلب، وطلب كل هذا كما قلت سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فيما هو من خصائص الله إن هذا يعتبر تركاً بالله جل وعلا. وقد أشار الله جل وعلا إلى هذا في كتابه في آخر سورة يونس فقال: "ولا تدعو من دون الله ... الآية" فإنك إذا من الظالمين: والمراد بالظلم هنا الشرك إن الشرك لظلم عظيم ولا تدعو من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ولا تدعه في كشف ضر وكرب لايمكن أن يكشفه إلا الله ولا تدعوا من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يرك بخير فلا راد لفضله ... .

وقد أشار ربنا جل وعلا إلى حماقة وتفاهة من يلجأ إلى غير الله ويدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فأخبر أن من يدعو من دون الله من الملائكة والنبيين والصالحين إن هؤلاء ينافسون في طاعة رب العالمين ولا يملك كل واحد منهم لنفسه نفعاً ولا ضراً إنما هم في قبضة رب العالمين يقول الله جل وعلا مقرراً هذه الحقيقة في سورة الإسراء”قل ادعو الذين زعمتم من دونه..الخ أولئك الذين يدعون يعبدهم الخلق من دون الحي القيوم هؤلاء الذين يعبدونهم من أهالي البشر ومن الملائكة الأطهار على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله وملائكته صلواته وسلامه هؤلاء الذين تعبدون من دون الله لصلاحهم هم يعبدون الله ويتنافسون الحضوة لديه وحصول المنزلة عنده سبحانه وتعالى "أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة..الآية". والآية نازلة في فريق من الإنس كانوا يعبدون فريق من الإنس كانوا يعبدون فريق من الجن في الجاهلية فلما بُعث نبينا خير البرية عليه صلاة الله وسلامه أمن أولئك الجن فبقي الإنس على عبادتهم فأنزل الله هذه الآية يعيرهم بمسلكهم ويذم فعلهم. كما ثبت في صحيح البخاري ومستدرك الحاكم والأثر كما قلت في صحيح البخاري وهو في تفسير الطبري وسنن سعيد بن منصور ومصنف ابن أبي شيبة وراه ابن أبي حاتم في تفسيره وابن المنذر في تفسيره وابن مردوية في تفسيره وهو في معجم الطبراني الكبير ودلائل النبوة للإمام البيهقي وكما قلت إن الحديث في صحيح البخاري فهو صحيحٌ صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: "كان ناس من الإنس يعبدون ناساً من الجن فأسلم الجن وبقي الإنس على عبادتهم فأنزل الله هذه الآية يعيرهم بها فقال أولئك الفريق يدعون ... الآية.

خلاصة الكلام أن من لجأ إلى إنسان في دفع ضر لا يقدر عليه إلا الرحمن لجأ إلى إنسان في جلب نفع لا يقدر عليه إلا الرحمن وليس هذا في وسع الإنسان فطلب منه ما ليس في وسعه ولم يجعل الله للبشر قدرة عليه من لجأ إليه في ذلك فقد أشرك بالله، لجأ إليه في مغفرة دنب في إنزال غيث في إخراجه من النار في، في..من لجأ إلى مخلوق في ذلك فقد حرف حق الخالق إلى المخلوق وأشرك بالله جل وعلا وهذا النوع الأول من أنواع سؤال المخلوق. النوع الثاني: أن يسأل المخلوق في إمكان المخلوق أن يفضي حاجته وذلك المطلوب فيما هو في وسعه ومما أقدره الله على فعله فما حكم السؤال في هذا الحالة لذلك حالتان إخوتي الكرام الحالة الأولى: أن تلجأ إلى مخلوق فيما يقدر عليه مما أمرت باللجوء إليه وأمر هو أيضاً بأن يقضي حاجتك فهذا اللجوء محمود وإن كان في ظاهرة الذل ولكنه محمود وأمرنا به وهذا يكون في حالة واحدة إذا لجأت إلى مخلوق تطلب منه نفعاً فيما يتعلق بأمر الآخرة ليرشدك إلى علم نافع تعبد به ربك على بصيره فعندما تسأل أهل الذكر عن أمور الحلال الحرام هذا السؤال قد سأل المخلوق مخلوق والسؤال ذل ولو إلى أين الطريق لكن هذا الذل ينتج عنه العز ولا خير عليك في سؤال هذا المخلوق وليس هذا من باب الذل لذلك المسؤول عندما يجيب ولا يتضرر ولا ينقص ما عنده فأنت لا تضجره ولا تلح عليه بذلك ولا تؤذيه بل إنك تنفعه عن طريق تحصيل الأجر وعن طريق تثبيت العلم في نفسه فالمال ينقص بالإنفاق والعلم يزكوا بالإنفاق وعليه لا معرة ولا مفرة عليك في هذا السؤال بل أمرنا به وهذا ما أجمع عليه أئمتنا ونص عليه ربنا في كتابه فقال سبحانه: "فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".

وثبت في المسند والسنن الأربعة ومستدرك الحاكم من رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سُئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار والحديث صحيح وروى من طريق متعددة عن عدة من الصحابة الكرام رواه الإمام ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري ورواه الحاكم عن عبد الله بن عمرو ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير وغيره من طريق عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سُئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار. هذا سؤال المخلوق مخلوقاً لا مضرة فيه عند المسؤول ولا ينقص ما عند المسؤول وأنت أمرت بهذا السؤال فهذا مما يقدر عليه المسؤول ومما أمرت به أن تفعله ولا خير عليك في فعله بل أنت تثاب على القيام به، فهذا مما يقدر عليه المخلوق ولا يتضرر به المسؤول فينبغي أن نقوم به وأن نسأل أهل الذكر كما أمرنا ربنا جل وعلا سؤال المخلوق مخلوقاً فيما يقدر عليه ولا يتضرر بالإجابة عليه ولا يتضرر بقضاء حاجته السائل ولا ينقص المسؤول ما عنده فسئل فأنت تتسبب في تحصيل الخير لك وللمسؤول وعلمه بعد ذلك يتثبت عندما يجيب مع ما يحصل له من الأجر عند الله القريب المجيب. الأمر الثاني: أن يسأل المخلوق مخلوقاً فيما يقدر عليه لكن المسؤول يتضرر لأنه سيُخرج ما عنده وما بين يديه وهذا يكون في الأمور الدنيوية فالسؤال في هذه الحالة له حالتان: 1) أن تسأل مخلوقاً مثلك عرضا من عروض الدنيا ومتاعاً من متاعها وشيء من حاجتها وأنت في غنى وفي كفاية وفي ستر وفي صيانة فهذا السؤال حرام وإن لم يكن شرك بالرحمن لكنه حرام، حرام وسيأتي يوم القيامة وليس في وجهه نزعة لحم إذا سألت وعندك ما يكفيك كما أجبر بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم.

ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وصحيح ابن حبان صحيح ابن خزيمة من رواية سهل بن الربيع الحنضلية من الأنصار الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين والحديث صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم فقال الصحابة الكرام يا رسول الله وما يغنيه ما المقدار الذي لا يجوز أن يسأل إذا كان عنده ذلك المقدار قال قدر ما يفديه ويُعشيه. فإذا ملكت غذائك وعشائك فلا يجوز أن تسأل غير الله شيء يتضرر المسؤول عنه وإذا سألت فإنما تستكثر من جمر جهنم هل تملك حياتك إلى الغد يا عبد الله؟ عندك ما يغديك، عندك ما يعشيك احمد الله، ورزق غداً سيأتي به رب الغد سبحانه وتعالى وهو رب الزمن الماضي والمستقبل والحاضر ورب كل شيء.

وثبت في الصحيح وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه نزعة لحم أي قطعة لحم يحشر يوم القيامة عظاما لا يكسى وجهه بجلد ولا بلحم من أجل أن يفتضح ويظهر قلة حياءه أمام العباد عندما أراق ماء وجهه إلى مخلوق مثله وأنزل حاجته بهذا العبد الضعيف ولم ينزل حاجته بالله الغني اللطيف سبحانه وتعالى. الحالة الثانية: أن يسأل المخلوق مخلوقاً في وسع ذلك المخلوق قضاء حاجته كما قلت والمسؤول ينقص ما عنده عندما يخرج ما بين يديه لكن السائل بحاجة فإذا ما سئل سيهلك ويتلف ويعطب فيباح له السؤال وتركه أولى ليموت ولا يسأل مخلوق فهذا أعزله في الدنيا وفي الآخرة لكن إن سأل في هذه الحالة وما عنده كسرة خبز يسد بها جوعته فهل يباح له السؤال وليس عنده ما يغديه ولا ما يعشيه لكن لو صبر حتى مات وما أراق ماء وجهه لغير ربه لكان أعز له في الدنيا والآخرة إنه إذا صبر في هذه الحالة فهو خير له لماذا لأن وصف السؤال مذموم إلا في الحالة الأولى التي تقدمت معنا أن تسأل مخلوق لا يتضرر في إعطاء سؤالك ولا ينقص ما عنده وقد أمر بأن يجيبك وقد أمرت أن تسأل فيما يتعلق بالإرشاد لأمر الآخرة وأما في أمر الدنيا فهذا في الحقيقة فيه امتهان للإنسان لا ينبغي أن يسلكه لثلاثة أمور كما قررها أئمتنا الكرام أنظروها في مدارج السالكين للإمام ابن القيم المجلد الثاني ص232 فما بعده وأنظروها في فتاوي ابن تيمية الجزء الأول ص92 فما بعده ونعم ما قالاه وهذا الذي يقرره أئمة الإسلام سؤال المخلوق مخلوقاً مع حالة الاحتياج مباح وتركه أولى لثلاثة أمور:

الأمر الأول: أنت عندما تسأل مخلوق مثلك تعتدي على حق الله جل وعلا فالله أمرنا أن نسأله وتقدم معنا ما في السؤال من معنى يدل على أنه موجود، يدل على أنه غني يدل على أنه كريم على أنه سميع على أنه رحيم على أنه سبحانه وتعالى كريم قادر هذه كلها المعاني لا يجوز أن تعرف لغير الله، فينبغي أن ينزل المخلوق حاجاته بخالقه فإذا سألت مخلوق مثلك اعتديت على حق الله جل وعلا لكن بما أنه رخص لك السؤال فلا إثم عليك لكن ترك هذا أولى. الأمر الثاني: اعتديت على هذا المسؤول من المخلوقين لأن ما يملكه المخلوق عزيز عنده ومحبوب لديه وأنت تريد أن تنزع هذا من بين يديه فقد أضجرته وآيته بسؤالك وأما أن يعطيك فيتضرر بخروج ما عنده وأما أن يعتذر فيقع في يوم العتاب وأنت أضجرت المخلوق فهذا فيه ظلم لهذا المخلوق وأنت أيضاً امتهنت نفسك ودسستها عندما سألت مخلوق لا يملك لنفسه فضلاً عن غيره نفعاً ولا ضراء فكيف لجأت إلى غير الله الذي بيده خزائن السماوات والأرض كيف لجأت إلى غير هذا الغني الكريم الوهاب سبحانه وتعالى لكن كما قلت إذا سأل في هذه الحالة إذا سأل فلا حرج إذ أن سؤال المخلوق مخلوقاً له هذه الأحوال على التفصيل تنقسم إلى أربعة أمور: الأمر الأول: أن يسأل المخلوق مخلوقاً فيما لا يقدر عليه إلا الخالق هذا شرك وخروج من حضيرة الإسلام. الأمر الثاني: أن يسأل المخلوق مخلوقاً فيما يقدر عليه المخلوق ولا يتضرر المسؤول في إجابة السائل وهذا يكون كما قلت في تعليم العلم فهذا محمود ومطلوب من السائل والمسؤول أن يشتركا في هذا الأمر. الأمر الثالث: أن يسأل المخلوق مخلوقاً مثله فيما يقدر عليه ولكنه في غنى عن سؤاله فهذا حرام وإن لم يكن شركاً بالرحمن.

الأمر الرابع: أن يسأل المخلوق مخلوقاً فيما يقدر عليه لكنه بحاجة لسؤاله فيباح له السؤال والتعفف أولى وهذا ما كان يرشد إليه نبينا صلى الله عليه وسلم ويعلمه أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. ثبت في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن الترمذي والحديث كما قلت في صحيح مسلم من رواية عوف ابن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال:”بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن ستة أو سبعة أو ثمانية وفي رواية المسند وفي صحيح مسلم ونحن سبعة أو ثمانية أو تسعة بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال في نفس المجلس ألا تبايعون؟ فقلنا قد بايعناك يا رسول الله فقال ألا تبايعون الثانية قلنا قلنا قد بايعناك يا رسول الله على ما نبايعك قال ألا تبايعون الثالثة قال فمددنا أيدينا وقلنا نبايعك يا رسول الله على ماذا قال على أن تعبدوا الله وحده لا شريك له (يقرر أمر البيعة الثانية) وأن وأسر كلما قالها حفية من أجل ينبهوا لها ولمدلولها ولأثرها وأسر كلمة فقال وأن لا تسألوا الناس شيئاً قال عوف ابن مالك فلقد رأيت أولئك النفر سقط السوط من أحدهم من يده فلا يقول لصاحبه ناولني إياه لا يقول ناولنيه. فإذا أخذ أحد ذلك السوط وناوله لمن سقط منهلا يأخذه منه حتى يضعه في الأرض فيأخذه مرة ثانية لأجل أن لا يستعين أحداً بغير الله جل وعلا وألا تسألوا الناس شيئاً.

وثبت في مسند الإمام أحمد ومستدرك أبي عبد الله الحاكم والحديث في السنن الأربعة إلا سنن الترمذي من رواية ثوبان مولى نبينا وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال من يقبل لي بواحدة أقبل له بالجنة وفي رواية من يتكفل لي بواحدة أتكفل له بالجنة ويقبل من القَبَالة والقُبالة بضم القاف وفتحها بمعنى الكفالة فعليه الرواية الأولى بمعنى الثانية من يكفل لي بخصلة أتكفل له بالجنة قال ثوبان أنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تسأل الناس شيئاً انتبه لهذه الخصلة فما سئل ثوبان أحداً بعد هذا الكلام من نبينا عليه الصلاة والسلام حتى كان إذا سقط صوته لا يقول لأقرب الناس إليه ناولنيه.

وثبت في مسند الإمام أحمد عن ابن أبي مليكة تقدم معنا حالة في مواعظ سابقة وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أدرك ثلاثين من أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ثقة. ثبت إمام عدل صالح ورع عابد توفي سنة 118هـ يقول ابن أبي مليكة كان أبو بكر رضي الله عنه على ناقته فانفلت خطام الناقة من يده فأناخ الناقة ونزل فأخذه الخطام فقال له الصحابة الكرام هلا أمرتنا يا خليفة رسول الله أن تناولك هذا الخطام قال إن حبي إن خليلي يعني نبينا صلى الله عليه وسلم أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً والأثر كما قال الإمام الهيثمي في المجمع رجاله ثقات أثبات لكن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر الصديق وأدرك غيره من الصحابة كما قلت أدرك ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت هذا المعنى في المسند بسند جيد رجاله ثقات عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن لا يسأل الناس شيئاً فكان إذا سقط السوط من يده لا يقول لصاحبه ناولنيه. إذاً فهناك جماعة بويعوا وهذا ثوبان وهذا أبو بكر وهذا أبو ذر كلهم يأخذ عليهم نبينا صلى الله عليه وسلم العهد ألا تسألوا الناس شيئاً وأن احتاجوا فالصبر أنفع للإنسان في العاجل والآجل ولو أنه مات كان ماذا لو أن إنسان نزل به الضر ثم ما سأل بعد ذلك حتى مات كان ماذا ولا شيء عليه ولا حرج. نعم إذا كان عنده طعام وامتنع عن أكله دخل النار لكن ليس عنده طعام ولا يريد أن يريق ماء وجهه ولا يريد أن يتذلل لغير ربه قال أصبر حتى أموت، نعم مافعل وهذا خير له في الدنيا والآخرة.

إخوتي الكرام: هذا هو منزلة الدعاء وهذا هو شأن هذه العبادة في الإسلام وكما قلت عند النوع الأول صرف عبادة الدعاء فيما لا يقدر عليه إلا الله إلى مخلوق صرف هذا يعتبر شركاً بعد هذا ينبغي أن نعود إلى تحريف المحرفين وهوس المهوسين في هذا الحين الذين ألغو البدعة من الدين وعبدوا الله على آرائهم وهم يعبدون أنفسهم والشياطين ويزعمون أنهم يعبدون رب العالمين يقول هذا الفريق الذي انتشر في هذا الوقت في أمكنة كثيرة إن الصالحين لهم شأن عظيم عند رب العالمين في حال حياتهم وفي حال موتهم ولا نزاع في هذا الأمر ولكن أنظر لتلبس الشيطان عليهم وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن نلجأ إليهم في قضاء الحاجات ودفع الكربات وإنجاب الأولاد وإنزال الغيث وغير ذلك سواء كانوا في حال الحياة أو في حال الممات بل تقول بعض هؤلاء السفهاء من المنحرفين إن اللجوء إلى الأموات هذا أعظم حتى من اللجوء إلى الحي لأن الميت صار لروحه سلطان مطلق ثم زوّار وما شاء لهم الشيطان وزين لهم أن يُزوّرو. وبسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا روي في الحديث وفي الأثر "إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور" وهذا بلا شك من كلام أهل الزيغ والضلال والثبور وهذا كلام كذب وزور ولم يقله رسول الله الطيب المبرور إنما الحق المزبور أن يقال إذا أعيتكم الأمور فالجأوا إلى العزيز الغفور الذي بيده مقاليد الأمور. وقال بعض هؤلاء السفهاء ممن ينسبون أنفسهم إلى الصوفية: "قال الناس يلجأون إلى الحي وأنا ألجأ إلى الميت وإذا خذلك الله ولعنك وغضب عليك كان ماذا!! وهل أنت حجة في دين الله وعلى عباده وألجأ إلى الأموات لأن هؤلاء لهم تصرف وأرواحهم سلطان مطلق وقال من ينتمي إلى هذا الأمر".

عبد القادر يا جيلاني..يا متصرف في الأكواني..أنا جيتك لا تنساني. أما الشيخ عبد القادر والله نتبرك بذكر اسمه ونتقرب إلى الله جل وعلا بحبه نسأل الله أن يشفعه فينا يوم الدين وأن يجمعنا معه وعبادة الصالحين فهو شيخ الإسلام وسنتكلم في هذا فيما بعد إنما نقول لهؤلاء الغوغاء من مخرفي الصوفية ولا أعني أن كل من ينتسب إلى التصوف كذلك ففيهم صالحون سابقون مقربون وفيهم مقتصدون ينتسب إلى التصوف كذلك ففيهم صالحون سابقون مقربون وفيهم مقتصدون ينتسب إلى التصوف كذلك ففيهم صالحون سابقون مقربون وفيهم مقتصدون على الطريق الميمون فيهم ظالم لنفسه عاصٍ لربه انتسب إليهم أناس من أهل البدع والزندقة والإلحاد فينبغي أن نضع كل واحد في موضعه. إن الشيخ عبد القادر الذي توفي سنة561هـ من سيد في الإسلام بلا نزاع.

ويكفي أن ابن قدامة يقول إن الشيخ عبد القادر يكفي طالب العلم من قصد غيره مما اجتمع عنده من العلوم وسأذكر شيء من أحوال هذا العبد الصالح لكن إذا كان هذا العبد صالحاً تقياً ولياً لا يجوز أن نجعله نداً لله ولا يجوز أن نُشرك بينه وبين الله لله حق إياك أن تصرفه إلى غيره ولأنبياء الله حق إياك أن تصرفه إلى غيرهم ولأولياء الله الصالحين حتى نعطى كل ذي حق حقه. السؤال فيما لا يقدر عليه إلا الله لا يجوز أن يُصرف إلا إلى الله أما عبد القادر يا جيلاني ... يا متصرف في الأكوان ... من الذي صرفه في الأكوان من..الله يقول لخير رسله محمد ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون. فلا بد من بيان مرحلة ومكانة الربوبية والألوهية ومنزلة النبوة ومنزلة الولاية وأن لا نصرف حق واحد من هؤلاء لغيره. أنا جيتك لا تنساني يا عبد الله هلا قلت يا رب العالمين أنا عبدك أسألك أن تفرج كربي وأن تقضي حاجتي وهكذا ما يقال أيضاً في حق الشيخ الصالح أحمد الرفاعي وهو شيخ صالح نتقرب إلى الله بحبه وقد توفي سنة578هـ بع الشيخ المبارك شيخ الإسلام عبد القادر بقرابة 16سنة وهو من شيوخ الإسلام. لكن الغلو فيه من قِبل من ينسب إليه حرام في الدين وشرك رب العالمين وعليه مايعد له هؤلاء المهوسون مدد مدد يا رفاعي ثم بعد ذلك يقول راع المدد يا أحمد..حين الطلب لبيّني ومن هذا الكلام. اتق الله أيها الإنسان الشيخ أحمد الرفاعي سيحدك ويراعي المدد ولا يغفل عنك ويلبيك حين طلبك هلا لجأت إلى الله من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. إخوتي الكرام:

لابد من وضع الأمر في موضعه فالجأوا إلى هذا العبد الصالح وإلى ذاك أو إلى غيرهم وطلب المدد منهم وطلب تفريج الكروب منهم شرك بالله وخروج من دين الله لا بد من وضع الأمر في موضعه كنت مرة في بلاد مصر فضاقت عليّ بعض الأمور فجاءني بعض أهل الزيغ والثبور وإذا رأيته تقول لعله بشرا كحافي أو سفيان الثوري قال أنا أرشدك إلى طريق الفرج قلت وما هو قال تذهب إلى قبر الحسين الذي هو في مصر وما الذي أخذ الحسين إلى مصر إذ قتل في كربلاء وأخذ رأسه إلى بلاد الشام وقيل أعيد بعد ذلك ودفن في البقيع الطاهر المبارك فما الذي أخذه إلى مصر والقاهرة كلها ما وجدت إلا في القرن الثالث الهجري ما كان هناك شيء يسمى القاهرة كل هذا مما حصل وبني بعد ذلك فما الذي أخذ سيدنا الحسين إلى هناك. وعلى التسليم بأنه هناك هل يجوز أن تطوف بقبره وأن تلجأ إليه في كشف ضرنا وقضاء حاجاتنا هل يجوز؟ قال تذهب إلى قبر الحسين وتطوف سبع سبعات يعني 49 شوط هذا لازم وتكرر في طوافك. من أمكم في حاجة فيكم جُبر ... .ومن تكونوا ناصريه ينتصر وقل لا نتهي من الأشواط إلا تقضي حاجتك. إخوتي الكرام:

المعتمد أن الذي في ذلك المكان وهو في المشهد الحسيني قبر يهودي وتلك الحارة يقال لها الآن حارة اليهود والدولة الفاطمية الملحدة المجوسية اليهودية تنبت ذلك المشهد على غير يهودي ثم قالت هذا قبر الحسين. لكن على التسليم أنه هناك هل يجوز أن نلجأ إليه في كشف الضر، هو الله رب العالمين قلت يا عبد الله قل ما حدث في مشكلة مادية لا يراد منها إلا منفعة دنيوية في موضوع شهادات ومناقشات وما شابه هذا. يا عبد الله يعني كون الإنسان لجأ إلى مخلوق من أجل قضاء هذه الحاجة الدنيوية يعني لكان ذلك مذلة فكيف بعد ذلك تلجأ إلى ميت تطلب منه تفريج هذا الكرب وتستغيث به في قضاء هذه الحاجة يا عبد الله أنت ما عندك دين يردعك تريد مني أن أشرك بالله فما كان منه إلا أن قال أنتم لا تحبون الأولياء أنتم لا تسلمون بكرامات الأولياء فقلت له والله لا يقر ويعترف بكرامات الأولياء إلا أهل السنة الكرام أما الحب فحقيقة نحبهم لكن نقصر في حبهم تقصيراً لا يعلمه إلا الله أما غنا لا نحب ولا نقر بكراماتهم هذا افتراء وليس هذا من حبهم والإقرار بكراماتهم أن نطوف بالقبر وأن نلجأ إليه في كشف الضر إن هذا لا يجوز يا عبد الله اتق الله في نفسك.

إخوتي الكرام: وقد اشتط بعض المتأخرين من الصوفية شططا لعلهم ساروا فيه شطط النصرانية إن لم يزيدوا فقالوا يوجد هناك دولة حنفية محمدية كما يوجد دولة ظاهرة إسلامية فعندنا خليفة ظاهري وهو السلطان والإمام وعندنا خليفة خفي وهو القطب والغوث وهذا القطب والغوث خليفة الله جل وعلا وإن أردت أن تذكر ما يساويه عند النصارى فهو (البابا تمن أو تمام) هذا القطب أو الغوث مسكنة مكة أو اليمن. يخرفون فكل واحد يقول ما شاء يقول وله بعد ذلك أربعة هؤلاء الأربعة هم أوتاد في كل زاوية من زوايا الأرض واحد وله بعد ذلك ثلاثون يقال لهم أبدال. يتبدلون من حال إلى حال ومن ذكورة إلى أنوثة ومن وجوده في قطر إلى وجوده في بلاد الشام إلى الصين إلى الهند في لمح البصر يتبدل إبدال ثلاثون وبعد ذلك يلي هؤلاء خمسمائة هم أفراد الدائرة هؤلاء الخمسمائة وثلاثون وأربعة هؤلاء يجتمعون في الصلوات الخمس في غار حراء ويصلي فيهم القطب الغوث الذي هو خليفة النبي صلى الله عليه وسلم خلافة كاملة فإذا حان وقت الصلاة تطاير هؤلاء من أرجاء الأرض وصلى بهم هذا القطب الغوث في غار حراء وإذا سأل العباد ربهم حاجة من الحوائج تُرفع إلى الخمسمائة فإن رأو فيها صلاحاً رفعوها إلى الثلاثين فإن رأو فيها صلاحاً رفعوها إلى السبعة فإن رأو فيها صلاحاً رفعوها إلى الأربعة فإني رأو فيها صلاحاً رفعوها إلى القطب الغوث فلا يحرك الغوث القطب رأسه حتى تقضي حاجة العباد نعوذ بالله من هذا الضلال ومن الذي نص على هذه الوسائط بيننا وبين من هو أقرب إلينا من أرواحنا التي تسري في ذراتنا سبحانه هو معنا حيثما كنا هل يحتاج إلى خمسمائة ينوبون عنه يوصلون إلى الثلاثين إلى سبعة إلى أربعة إلى الواحد. أمر العباد موقوف على هذا الواحد.

إخوتي الكرام: وهذه المصطلحات الباطلة من القطب والغوث ومن الأوتاد ومن الإبدال ومنهم أفراد الدائرة وهم الذين يسمونهم بالأفراد والنجباء كل هذا لم يرد له ذكر في شريعة ربنا شريعة الله المطهرة إلا لفظ الإبدال لكن على غير المفهوم عند هؤلاء الضُلال وسأذكر إن شاء الله ما يتعلق بلفظ البدل وما المراد منه لأنه وردت الإشارة إلى الإبدال في الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أبين هذا بعون الله في الموعظة الآتية وأُكمل خطوات البحث إن أحيانا الله نسأل الله إن أحيانا أن يُحيينا على الإسلام وإن أماتنا أن يُمتنا على الإيمان إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله. الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله خير خلقه اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. عباد الله إننا نعيش في زمن غربة نشكو فيه حالنا إلى ربنا جل وعلا إذا كان العبد الصالح شيخ الإسلام يونس بن عبيد صاحب الدعاء المستجاب الذي توفي سنة139هـ من رجال الكتب الستة.

إذا كان هذا العبد يقول والله لو أدرك الصالحين فينا لقال الصالحون الذي هم قبلنا عن الصالحين الذين في القرن الثاني لقالا ما عند هؤلاء من الخلاف يقول ولو أدركوا شرارنا لقالوا إنهم لا يؤمنون بيوم الحساب فماذا يقول يونس بن عبيد لو رأى من ينتسب إلى الصلاح منا ومن يعترف بالشر فينا إذا كان الصالح في زمانهم إذا رأي الصالح المتقدم في زمن الصحابة يقول هذا ما عنده من خلاق والشرير يقولون هذا لا يؤمن بيوم الحساب يقول هذا العبد الصالح في القرن الثاني يقول في زمن من عرف السنة إذا عرفته بها فهو غريب يجهل السنة بجهل الحق يجهل الهدى إذا عرفته به فعرفه فهو غريب لكن هذا الغريب فمن الأغرب يقول الأغرب منه الذي يدعوا إلى السنة وحقيقة من تأمل أحوال الناس وإلى الله نشكو أمورنا من تأمل أحوالنا يرى وضع الناس وأهوائهم فإذا تكلمت عن قضية من القضايا وهي حق وما راقت لذاك الإنسان يولي ويعرض وتتكلم بعد ذلك بلسانه ولا يراقب ربه وإذا تكلمت عن قضية أخرى ما راقت لصنف آخر لاختلاف المشرب عاملك كمعاملة الأول وولاي واعرض وتكلم كلاماً أشنع من كلام الأول وكأن دين الله ينبغي أن يتبع الهوى هوى فلان وفلان. وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

كنت مرة في بلاد الشام وجرى بيني وبين بعض الإخوة الكرام كلام في قضية من القضايا وظاهرة من أهل الخير وممن له شأن وكما قال يحمل الشهادات التي هي في أرفع المستويات يحكي لي قصة وقال أنا على يقين أنك لن تؤمن بها قلت وما هي قال أنا على علم أنك لن تقر بكرامات الأولياء قلت لعنة الله على من ينكر كرامات الأولياء لكن حدد لي الأمر الذي ستذكره هل هو كرامة أم افتراء. فحكى لي القصة إن لم تكن مكذوبة ففيها تأويل ثاني أذكره بعد سردها خلاصتها يقول كان بعض الناس يقود باص يسع 60 راكب وزيادة يقول وهو نازل في منحدر من جبل مرتفع إلى الوادي وما بقي في السيارة فرامل وبدأت السيارة تهوي كالريح فبدأ ينادي يا رب يا الله يا حي يا ستار قال فما أجابه قال بعد ذلك يا شيخ عبد القادر أنا في حماك يا شيخ أنا في جدارك يا شيخ عبد القادر أغثني يا شيخ عبد القادر يا سيخ عبد القادر خلصني قال فأُمسك الأوتوبيس (الباص) فوقف قال انظروا إلى كرامات الأولياء.

قلت كيف تقول هناك لجأت إلى الله فما أجابك قال نعم لا ينبغي أن يلجأ كل واحد منا إلى الله ليس لأن الله لا يجيب ولكن هناك طرق ينبغي أن نلجأ إلى الله عن طريق الطرق التي شرعها وسمعت شريط عندي وهو لبعض الضالين من بعض الأماكن المجاورة هنا وهو مسؤول عن المساجد في بعض الأماكن يقول في هذا الشريط في تفسير قول الله في بيت من بيوت الله”إذا سألك عبادي عني فإني قريب”فليستجيبوا بدعاء أوليائي فليدعوني ولا يقولون يا عبد القادر نعوذ بالله من هذا الافتراء ومن هذا الكفر الذي زاد عن كفر المشركين نعوذ بالله من هذا الظلال ومن هذا العمى وهذا قلت كيف هنا ترك الله وما أجابه الله ولجأ إلى مخلوق قال ما عندنا نحن أهلية أن نلجأ إلى الله قلت يا عبد الله المحبب بيننا وبين الله هل رحمة عبد القادر زادت على رحمة الله قال أنت لا تصدق هذه القصة قلت القصة بين أمرين لا ثالث لهما إما كذب وافتراء ومما يتناقله الناس ولا حقيقة له. وهذا هو الغالب لكن أنا اعجب لعقولهم كيف انحطت إلى هذا المستوى وعلى التسليم بأنها واقعة يا عبد الله يمكن أن يقع أنه استغاث بالله فما أجابه واستغاث بالشيخ عبد القادر فأجابه تدري من قبل أن أجيب من قِبل الشياطين. اجتمعت الشياطين وأمسكت هذا الباص لتفتن الناس بهذا الشيخ الصالح قلت وهذا له قصة جرت مع الشيخ عبد القادر عليه رحمة الله فيها ما يشبه هذا أرجئ الكلام عليه إلى الموعظة الآتية إن شاء الله.

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا اللهم لا تضلنا بعد الهدى اللهم اهلك من علينا اعتدى اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لميتنا ولمن علمنا ولمن تعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد".

الاجتهاد في الإسلام

الاجتهاد في الإسلام (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان الاجتهاد في الإسلام الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم "فما من دابة على الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين"، "يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صما وقلوباً غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً من أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلي يوم الدين.. "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد معشر إخوتي الكرام: ـ تقدم معنا أن البدعة من أسباب سوء خاتمة الإنسان وقلت إننا سنتدارس هذا المبحث الخطير ضمن ثلاثة أمور: أولها: في تعريف البدعة. وثانيها: في النصوص المحذرة من البدعة. وثالثها: في أقسام البدعة.

ولازلنا إخوتي الكرام في المبحث الأول في أول هذه الأمور الثلاثة وتقدم معنا أن البدعة هي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع الزعم بذلك إلى التقرب إلى الرحمن ولا تشهد لذلك نصوص الشرح الحسان ولا تحتمل هذا الحدث قواعد الإسلام هذا هو تعريف البدعة وتقدم معنا إخوتي الكرام أن التعريف السديد الرشيد ظل نحوه فرقتان من الإذام فرقة غلت وأفرطت ووسعت مفهوم البدعة فأدخلت فيها ما ليس منها فحكمت بالبدعة والتضليل على ما احتمله الدليل وقام به إمام جليل والفرقة الثانية فرطت وقصرت فألغت البدعة من الدين كلًا أو بعضاً والفريقان كما تقدم معنا على ضلال ودين الله بيَن الغالي والجافي.. إخوتي الكرام.. وقد ناقشنا الفرقة الأولى وبينت شططها وانحرافها وغلوها بأمثلة حكموا عليها بالبدعة وهي مقررة عندنا في الشريعة الإسلامية وكان كما قلت في الموعظة الماضية كان ينبغي أن ننتقل إلى الصنف الثاني لنتدارس أيضا تفريطه وتقصيره لنحذره لكنني قلت سأضع المعالم بعد دراسة الفرقة الأولى وانحرافها تنوعها بالرد على الفرقتين وهذه المعالم كما ذكرت في الموعظة الماضية إخوتي الكرام.. هي ثلاثة معالم.. المعلَم الأول منها: إن تشريع الشرائع من اختصاص الإله الخالق سبحانه وتعالى. وثاني هذه المعالم: إن أركان هداية الإنسان ركنان متينان شرعاً قويم وعقلٌ سليم وتقدم معنا أنه لا يتعارض عقلٌ صريح مع نقل صحيح. والمعلَم الثالث الذي ينبغي أن نعيه: منزلة الاجتهاد في الإسلام. إخوتي الكرام.. وقد تقدم الكلام على الأمرين المتقدمين الأوليين على أن الشرائع من اختصاص الله جل وعلا فهو الذي لا يشرك في حكمه أحدا وعلى موقف العقل من النقل وختمت الكلام بأن أهل السنة الكرام أسسوا دينهم على المنقول وجعلوا المعقول تبعاً وقد عكس أهل البدع في هذا الأمر فأسسوا دينهم على المعقول وجعلوا المنقول تبعاً وبينت فساد طريقتهم في الموعظة الماضية. إخوتي الكرام..

إن العقل مع النقل كالجاهل مع العالم، كالعامّي مع المفتي، ولذلك إذا توهم معارضة بين عقل الإنسان وشرع الرحمن فالواجب على الإنسان أن يطرح عقله وأن يُقدِّم شرع ربه نعم إن العقل إذا كان العقل ذكياً لا يمكن أن يتعارض مع شرع الله جل وعلا فالله قد ضمن العصمة لشرعه ووحيه ولم يضمن العصمة لعقولنا وقلت أن هذا الأمر ليس من باب ازدراء العقل واحتقاره وإنما هذا من باب حفظ العقل وضبطه لئلا يشتط الإنسان ولئلا يبتعد عن الحق والصواب. إخوتي الكرام.. نعم إن العقل مع النقل كالجاهل مع العالم وأما الميادين التي يسرح فيها العقل ويمرح ويصول ويجول والله جل وعلا ترك له حرية التقرير ليثبت ما يشاء وليقرر ما يشاء هذا يكون في المسائل المادية البحتة الخالصة كما هو الحال في علم البيولوجيا وفي علم الفلك وفي علم الكيمياء وفي علم الرياضيات وفي علم الفيزياء وفي علم الطب وفي غير ذلك من الأمور، العقل هذا معلّفٌ بأن يبحث ويجد وهو يقرر ما يتوصل إليه ولا حجر عليه في ذلك. إن الأمور المادية هي مجال بحث العقل ليقرر ما يشاء وليثبت ما شاء لكنه عندما يبحث في هذه الأشياء غاية ما عند العقل أنه يثبت المشاهدات ويستطيع أن يقف على كيفية عمل الأشياء لكن حقيقة هذه الأشياء وكننها لا يعلمها إلا الذي خلقها سبحانه وتعالى ويبقى قول الله جل وعلا لن يتخفف فينا "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" العلم للرحمن جل جلاله وسواه في جهلانه يتغمغم ما للتراب والمعلوم وإنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم نعم ابحث ما شئت في هذه الأمور المادية وقرر ما شئت فلا حضر عليك ولا حجر لكن مع ذلك أنت غاية ما تستطيع أن تثبته من مشاهدات وكيف تعمل الأشياء لكن حقيقة هذه الأشياء لا يعلمها إلا رب الأرض والسماء.

"ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" والواجب علينا عندما تبحث عقولنا في هذه الأمور المادية البحتة التي لا تتدخل فيها شرائع الله المطهرة الواجب علينا أيضاً إذا بحثنا فيها أن نبحثها بطريقة شرعية لأن هذا الكون هو خلق الله ونحن عبيد الله ولا يجوز أن نتصرف في هذا الكون إلا بمشيئة الله وبإسمه ونطلب المعونة منه في جميع أمورنا. ولذلك إذا أراد الإنسان أن يبحث في هذه الأمور المادية فليفتتح بحثه بإسم خالقها وخالقه وخالق كل شيء وكل أمر لا يبدأ فيه بإسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتراً أجذماً ممحوق البركة ثم بعد ذلك ينبغي أن تكون الطريقة التي يحصن الإنسان فيها هذه العلوم المادية ينبغي أن تكون طريقة شرعية فليس هناك اختلاط بين الرجال والنساء عندما نتلقى هذه العلوم المادية وعندما نبحث فيها فمن أشنع الأشياء في شريعتنا الغراء أن يختلط الرجال بالنساء وخِلطة النساء بالرجال في شرعنا من أقبح الخصال وسمة الفساق والجهال في كل وقت وبكل حال ومن أجل موجبات الطرد. والأمر الثالث: نفتتح هذه العلوم باسم الله بطريقة شرعية يرضاها الله والأمر الثالث نجعل هذه العلوم وسيلة لخدمة الشرع المطهر فالرياضيات وغيرها عندما ندرسها لخدمة الدين وخدمة المسلمين. والأمر الرابع: نعتبر من هذه العلوم التي نتعلمها فإذا درسنا الفلك ودرسنا الجيولوجيا، درسنا التشريح كل هذا عندما ندرسه ونقوم به ينبغي أن نعتبر بما جعل الله فيه في هذا الكون وفي هذه المخلوقات من أسرار عظيمة تدل على عظيم قدرته سبحانه وتعالى.

أخي الكريم: إذا كنت تبحث في الطب وهو علم مادي بحت تقرر بعد ذلك عما يتعلق ببدن الإنسان عن طريق التجارب التي تجريها عندما تبحث في هذا وغيره من العلوم تأمل الأسرار التي أودعها الله في بدن هذا الإنسان فإذا كنت تبحث في الطب..في طب الأسنان مثلا ما ينبغي أن تمر على الأسنان كما يقال مرور الكرام لا..ثم لا..ثم لا أنظر ما في هذه الأسنان من عبر عظيمة تدل على عظيم قدرة ذي الجلال والإكرام جعل الله جل وعلا في فم الإنسان اثنين وثلاثين ما بين سناً وضرس اثنا عشر سناً وعشرون ضرساً وهي موزعة كالآتي ثنايا أربعة اثنان في الفك الأعلى واثنان في الفك الأسفل ثنايا ثم يليها بعد ذلك الرباعيات وهي أربعة أيضاً اثنان في الفك الأعلى واثنان في الفك الأسفل يليها الأنياب وهي أربعة أيضاً اثنان في الفك الأعلى واثنان في الفك الأسفل يليها بعد ذلك الضواحك وإذا تبسم الإنسان ظهرت وهي أول الأضراس تلي الأنياب أربعة أيضاً اثنان في الفك الأعلى واثنان في الفك الأسفل يليها الطواحين وهي اثنا عشر طاحناً جعلها الله لتطحن الطعام بعد أن قطّعته الأسنان وآخر شيئاً النواجذ وهي أربعة اثنان في الفك الأعلى واثنان في الفك الأسفل تأمّل يا عبد الله ما في هذه الأسنان من عظيم العجائب التي تحار فيها الأذهان فالأسنان جعلها الله محددة تقطع كالسكاكين الحادة وشد أصولها سبحانه وتعالى والأضراس جعلها الله جل وعلا أرحاء جمع رحى أرحاء وأرحية تطحن هذا الطعام بعد أن قطعته الأسنان ثم أنظر لعظيم التركيب وبهي المنظر وجميل الصنعة في هذه الأسنان زيّن الله بها فم الإنسان جعلها منظومة مرتبة بيضاء مشرقة كأنها عقد من اللؤلؤ..

كأنها لؤلؤاً منظوم ثم أنظر يا عبد الله في هذه الأسنان عندما تطحن هذا الطعام بعد أن يُقطع أنظر إلى هذه الأسنان جعل الله جل وعلا الأسنان في الفكين جعل الفك الذي يتحرك هو الفك الأسفل ولا يوجد رحى على وجه الأرض يتحرك أسفلها ويثبت أعلاها إنما الرحى، الرحى التي تطحن هي العليا والسفلى ثابتة وهذه الرحى هذه الطاحون على العكس مما يصنعه بني آدم فالفك الأسفل هو الذي يتحرك وهو الذي يقطع الطعام ويطحنه والفك الأعلى ثابتاً لا يتحرك لأسباب عظيمة وأولها هذا أجمل بحال الإنسان عندما يأكل الطعام وثانيها: إن الفك الأعلى يكون فوقه ويكون في أعلاه أعضاءٌ خطرة شريفة جليلة لو تحرك الفك الأعلى أدى ذلك إلى وقوع خطراً عليها فيلي الفك الأعلى حاسة الشم، العين، الدماغ، السمع هذا كله يكون فوق في الفك الأعلى فلو أن الفك الأعلى يتحرك لحصل ارتجاج لهذه الأعضاء وربما تأثرت.. ألا تعتبر بهذا عندما تدرس هذه العلوم.. من الذي جعل الأسنان بهذه الكيفية ويليها الأضراس وبعد ذلك فكاً أسفل يتحرك وفك أعلى ثابت على خلاف المعروف في أرحاء وأرحية بني آدم ثم أنظر يا عبد الله إلى هذه الأسنان كيف جعل الله عليها حائطين طبقتين يغطيانها شفتان شفة سفلى وشفة عليا وانظر لحكمة الحكيم العليم شفتان لا عصب فيهما ولا عظم ليسهل إنطباقهما وانفتاحهما وليسهل مص الماء وشربه بهما هذا تقدير العزيز العليم فيا عجباً. كيف يعصي الإله أو يحمده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.

"وفي أنفسكم أفلا تبصرون" سبحانه وتعالى هو الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين فميادين العقل ومجالاته التي يسرح فيها ويمرح ويصول ويجول ميادين الأمور المادية الخالصة البحتة وكما قلت يبحث فيها ما شاء وليقرر ما شاء بعد أن يحقق هذه الأمور الأربعة ويفتتحها بإسم الله الذي خلقها وخلق كل شيء يدرسها ويجعلك بطريقة شرعية يجعلها مطية للعلوم الشرعية ولخدمة المسلمين يعتبر بما جعل الله فيها من أسرار تدل على أن موجدها إله عظيم سبحانه وتعالى. وفي أنفسكم أفلا تبصرون ولذلك إخوتي الكرام عندما جعل الشرع العقل تابعاً له جعل الله بعد ذلك للعقل ميادناً يسرح فيه ويمرح ألا وهو الأمور المادية البحتة الخالصة وأما ما يتعلق بسلوك الإنسان كما تقدم معنا من حلال وحرام وفضيلة ورذيلة وخيراً وشراً ومعروف ومنكر فمرد ذلك إلى الله سبحانه وتعالى له الحكم ولا يشرك في حكمه أحدا.. إخوتي الكرام: هذا كله يتعلق بالأمرين المتقدمين تشريع الشرائع من خصائص الله الخالق لا بد لهداية الإنسان من شرعاً قويم وعقل سليم ولا يتعارض عقلا صريح مع نقل صحيح. وأما الأمر الثالث: وهو الاجتهاد في الإسلام وإنما ذكرته إخوتي الكرام لأنه قد يقول قائل إن النصوص الشرعية لم تنص على كل جزئية وقضية في هذه الحياة وقلنا نحن إن العقل ينبغي أن يكون تابعاً للشرع فما لا نص فيه ما هو الحكم فيه وما هو الموقف نحوه يأتي معنا منزلة الاجتهاد ولا بد من البحث في هذه القضية كي نكن على علم بها.

إخوتي الكرام: الاجتهاد معناه كما قرر علماؤنا اللغويون: إفتعالا من الجهد وهو الوسعُ والطاقة ويعرف في اللغة بأنه بذل الوسع وبذل الطاقة بذل الجهد لتحصيل أمراً ما وفي الغالب لا يقال اجتهد إلا إذا بذل جهداً شاقاً مضنياً في تحصيل أمراً صعب اجتهد هذا معنى اللفظ في اللغة والاجتهاد معناه عندما في شريعة الله المطهرة بذل الجهد والوسع في النظر في الأدلة الشرعية المعتبرة للوصول إلى القطع أو الظن بحكم شرعية في شرعية الله المطهرة يبذل الإنسان جهده في الأدلة الشرعية ليقبس النظير على النظير المثيل على المثيل والشبيه على الشبيه ليصل بعد ذلك إلى قطعاً جزم أو غلبه ظن بحكم من الأحكام أن هذا الحكم ثابتاً في شريعة الرحمن يبذل الإنسان جهده وسعة جدَّه واجتهاده في النظر في أدلة الشرع المطهر ليصل إلى حكماً قطعي أو غلبه ظن بأن هذا الحكم ثابت في شريعة الله المطهرة هذا معنى الاجتهاد أن يبذل الإنسان ما في وسعه وجدَّه وطاقته بحثاً في الأدلة الشرعية المعتبرة ليصل إلى حكماً عن طريق القطع أو الظن بحكماً شرعي مقرراً في شريعة الله المطهرة. إخوتي الكرام: هذا الاجتهاد أئمتنا الكرام جعلوا الاجتهاد ثلاثة أقسام ولا بد من وعي هذا إخوتي الكرام لا سيما في هذه الأيام لنرى موقعنا وكيف نتعامل مع الكرام أئمتنا.. الاجتهاد يُطلق على صنف من المجتهدين وهو يقال له المجتهد المطلق وهو الذي يستقل لوحده في معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية هذا يقال له مجتهد مطلق ولابد من أن توجد فيه ستة شروط بعد وجود مناط التكليف فيه أعني ركني التكليف العقلي والبلوغ فإذا كان عاقلا بالغاً ينبغي أن توجد فيه ستة شروط ليكون مجتهداً مطلقا لينظر في أدلة الشرع ويستنتج منها حُكما شرعياً لواقعة من الوقائع هذا هو المجتهد المطلق وهذه هي الشروط الستة هي:

أولها: أن يحيط بالنصوص الشرعية من الآيات القرآنية وأحاديث نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام وما بني على هذين الأمرين من إجماعاً حق وقياس صدق أحاط بهذا علم النصوص علم مسائل الإجماع علم طريقة وكيفية القياس هذا شرطاً أول. الشرط الثاني: أن يعلم أقوال السلف الطيبين من صحابة ومن تابعين رضوان الله عليهم أجمعين في هذه القضية ومسائل الدين ينبغي أن يعلم بذلك لأن خير من فهم القرآن وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام عمل بعمل سلفنا الكرام من صحابة وتابعين عليهم جميعا رحمات ورضوان من رب العالمين. والأمر الثالث: الذي ينبغي أن يكون في هذا المجتهد المطلق أن يكون على إلمام واسعاً بلغة العرب فيغرف مدلول الكلام ويعلم ما يتعلق باللغة من نحواً وبلاغة وصرف. والشرط الرابع فيه: في المجتهد المطلق أن يكون على علماً تاماً بعلم الأصول وأريد بالأصول هنا الأصول الثلاثة بعلم أصول الدين وأصول الفقه وأصول الحديث أعني علم المصطلح وهذا كما قلت شرطاً رابع. الشرط الخامس: في هذا المجتهد أن يكون على فطنة وذكاء فالله جل وعلا خصّه بذلك وإذا نظر إلى اللفظ الشعري يعلم ما وراءه من دلالة شرعية معتبرة ويعرف مراد المتكلم من كلامه لما وهبه الله من ذكاء لا يوجد عند كثيراً من الناس.

والصفة السادسة: في هذا المجتهد المطلق أن يكون في المجتهد فيه صفة الطهارة والصدق والذكاء بعد أن وُجد فيه الذكاء والألمعية ينبغي أن يوجد فيه الإخلاص لرب البرية سبحانه وتعالى فإذا اجتمعت هذه الأمور الستة هذا هو المجتهد المطلق الذي كما قلت ينظر في الأدلة التفصيلية فيستنبط منها الأحكام الشرعية وهو على هدى في جميع أحواله كما سيأتينا ضمن مراحل البحث مجتهداً مطلق أحاط بالنصوص الشرعية علم بعد ذلك كما قلت أقوال السلف الكرام ليستضيء بأقوالهم وليعلم محل الإجماع لئلا يخالفه لأن مخالف الإجماع ضال علم بعد ذلك لغة العرب وكيف سيتسوّر على نصوص الشرع وهما بلغة العرب إذا كان لا يستطيع أن يفهم لغة العرب ولا يميز بين الفاعل والمفعول وهو حاله في عداد الأعاجم ثم بعد ذلك يريد أن يتسوّر على كلام الله جل وعلا..لا ثم لا وحال من أراد أن يستنبط أحكاماً شرعية من النصوص الشرعية دون أن يحيط علماً باللغة العربية حاله كما قال الإمام الواحدي يقول من أراد أن يُفسر كلام الله ويشرح حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ويستنبط الأحكام منها دون علماً بلغة العرب كحال من شهد الهيجاء بغير سلاح وكحال من راح أن يطير في الهواء بغير جناح شهد المعركة ولا سلاح عنده أراد يطير ولا جناح له وهنا أراد أن يستنبط أحكاماً شرعية من هذه النصوص الحقة الثابتة الشرعية وليس عنده علماً باللغة العربية.

والإمام الشافعي عليه رحمة الله في كتابه الرسالة أفاض في بيان هذا الشرط وبيّن أن جُمل القرآن وأحكامه لا تُفهم إذا لم يُحط الإنسان علماً بلغة العرب وأساليب إستعمالهم رحمة الله على الإمام الأصمعي عندما يقول: تعلّموا العربية فإن النصارى كفروا بسبب خطأهم في حرفاً واحداً قال الله لنبيه وروحه وكلمته عيسى على نبينا وعلى آله الصلاة والسلام " يا عيسى أنت نبياً وأنا ولّدتُك " يعني أخرجتك من بطن أمك والله جل وعلا على كل شيء قدير وكوّنه في بطن أمه دون أن يحصل إتصالاً عادي كاللهو المعروف بين البشر أنت نبي وأنا ولّدتُك قال الأصمعي فخففوها أنت نبي وأنا ولدتك يعني أنت نبي وأنت ولدي أنت نبي وأنا ولدتُك كفروا بحرفاً واحد ولذلك لابد من إدراك لغة العرب. والأمر الثالث كما قلت إخوتي الكرام: أن يحيط بعلم أصول الدين أمراً رابع بعلم أصول الدين وأصول الفقه وأصول الحديث والخامس أن يكون على ذكاء وألمعية والناس لا يستوون في هذا والله جعل للحديث رجال وجعل للفقه رجال وجعل للصنفين رجالا تحل واحداً ينبغي أن يقف عند حدِّه وإذا كان الإنسان يُعنى بالحديث وما عنده ملكة فقهية ينبغي له أن يقف عند حدِّه وإلا سيخبط بعد ذلك في دين ربه ولذلك إخوتي الكرام كان للمحدِّثين منزلة وكان للفقهاء منزلة ومنزلة الفقهاء كمنزلة الأطباء كما أن منزلة المحدثين كمنزلة الصيادلة وهذا يقول أئمة الحديث أنفسهم عندما كانوا يجتمعون مع فقهاء هذه الأمة المباركة المرحومة وما يقوله بعض الناس في هذه الأيام كيف يعلم الإنسان الحديث وهو لا يعلم الفقه وأي غربة في ذلك لو علمت الحديث لما وردت هذا الكلام فهو من لهو الحديث.

أما بلغك قول النبي عليه الصلاة والسلام "رب حامل فقه ليس بفقيه" أما بلغك قول النبي عليه الصلاة والسلام "رُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه" والحديث صحيحاً متواتر رواه الإمام أحمد في المسند والترمذي في سننه وابن ماجه في سننه وابن حِبان في صحيحه من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ورواه الإمام أبو داود في سننه والترمذي في سننه وابن ماجه في سننه أيضاً وان حبان في صحيحه ورواه الضياء المقدسي في أحاديث الجياد المختارة من رواية زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه والحاكم في مستدركه من رواية جُبير بن مُطعم والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه من رواية أنس بن مالك وروى عن أبي هريرة وغيره وقد نص أئمتنا على تواتره كما بين هذا في محاضرات الحديث. ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال " نظّر الله امرئ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرُبّ مُبلِّغاً أوعى من سامع " ورُب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" نعم قد يكون الإنسان محدثاً ويحمل الحديث وليس عنده ملكة الفقه وليس عنده درجة الاستنباط فليقف عند حدِّه. واستمعوا إخوتي الكرام: إلى ثلاث قصص وقعت في الزمان القديم بني الفقهاء والمحدِّثين رضوان الله عليهم أجمعين وكيف فيها هذه الدلالة وهي أن حامل الفقه قد لا يكون فقيهاً وأن من يحمل الحديث قد لا يكون بعد ذلك عالما بمدلوله وبمراد نبينا صلى الله عليه وسلم منه..

الحادثة الأولى: يذكرها شيخ الإسلام ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمل في 2/31 حرث بين إمامين بين شيخ الإسلام في زمنه في الحديث بلا نزاع ألا وهو الإمام الأعمش سليمان بن نهران الذي توفي سنة 147هـ والإمام الثاني فقيه هذه الأمة وهو أول فقهاء الأربعة وهو الإمام المبجل المبارك أ [وحنيفة النعمان بن ثابت رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين إجتمعا فسُئل الإمام الأعمش عن مسألة فأحال على أبي حنيفة فأجاب فيها فقال من أين لك هذا يا نعمان قال مما حدثتنا أنت ثم روى له الحديث قال أنتم الأطباء ونحن الصيادلة وأبو حنيفة يقول للأعمش أنت حدثتني بحديث يدل على هذه القضية فقال أنتم الأطباء ونحن الصيادلة وقبل هذه القصة يذكر الإمام عبد البر أيضاً في الكتاب المشار إليه في نفس الصفحة أنه جرى نظير هذه القصة مع الإمام الأعمش وتلميذ أبي حنيفة أبي يوسف يعقوب رحمة الله ورضوانه عليه وعليهم أجمعين عندما أجاب أبو يوسف قال له من أين لك هذا يايعقوب قال مما حدثتني أنت فقال والله إنني أعلم هذا الحديث قبل أن يجتمع أبواك أعلم هذا الحديث لكن هذه الدلالة مالاحت لي ولا ظهرت لي نعم إن المحدِّثين كانوا يقرّون بهذا فلابد من ملك فقيه والله يعطى الحكمة لمن يشاء سبحانه وتعالى. قصة ثانية يذكرها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء 16/440 وهي مذكورة في تذكرة الحفاظ في ترجمة العبد الصالح لسليمان الدمشقي وتوفي سنة 379هـ وهو محمد بن عبد الله ابن أحمد أبو سليمان الدمشقي إجتمع مع إمام الفقهاء الحنفية في زمنه الامام أبي جعفر الطحاوي واستعار منه كتب الحديث ونظر فيها وأُعجب فيها أبو جعفرثم قال لهم أنتم معشر المحدثين صيادلة ونحن معشر الفقهاء أطباء وهذا ما أقر به كما قلت جهابذة المحدثين.

أختم هذه القصص كما قلت بالقصة الثالثة: يرويها الإمام الرماهرمزي المتوفي سنة 360هـ في كتابه المحدث الفاصل بين الراوي والواعي في صفحة 250 وخلاصتها أن امرأة كانت تغسل الموتى من مات من نساء المسلمين فجاءت إلى مجلس أبي زكريا يحيى ابن معين إمام الجرح والتعديل في هذه الأمة وهو قرين وصاحب الإمام أحمد رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين وتوفي سنة 233هـ فجاءت هذه المرأة إلى مجلس أبي زكريا يحيى ابن معين وقالت: يا أبا زكريا هل يجوز للحائض أن تُغسِّل الموتى إذا ماتت امرأة مسلمة وهذه المُغسِّل حائض هل يجوز لها أن تغسِّلها قال: لا أدري لكن عليك بهذا الرجل ويردي به أبي ثور إبراهيم أبا خالد الذي توفي سنة 240هـ وهو من أبرز تلاميذ الإمام الشافعي ومن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين عليك بهذا الرجل ثم عودي إليّ فأخبريني فذهبت إلى أبي ثور فقالت يا أبا ثور يجوز للحائض أن تغسل الموتى قال: نعم يجوز.

قالت: وما دليلك قال: حديثان عن نبينا عليه الصلاة والسلام الحديث الأول: ثابت في المسند ورواه أهل الكتب الستة إلا سنن الإمام الترمذي وهو في موطأ الإمام مالك ومسند الدارمي وهو أيضا في السنن الكبرى للإمام البيهقي وهو حديث صحيحٌ صحيح كما قلت في صحيح مسلم وغيره وفي الكتب الستة إلا سنن الإمام الترمذي وهو في صحيح مسلم وفي صحيح البخاري ولفظ الحدي عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها " ناوليني الخمرة وهي شيء صغير بحجم الكف يظفر من خوصاً أو خرق يضع الإنسان جبهته عليه عندما يسجد في الأيام الحارة ومن المعروف أن مسجد نبينا عليه الصلاة والسلام في العصر الأول ومساجد المسلمين منها ما كانت تفرش وكانوا يُصلّون على البطحاء وعلى الحصى وإذا اشتد الحر يؤذي الجبهة غاية الأذى فكانوا أحياناً يسجدون على هذه الخَمِرة فقط ليقوا الجبهة من الحر كما قلت قطعة بحجم الكف من خويصا من خِرقا ناوليني الخُمرة فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها إنني حائض فقال عليه الصلاة والسلام: إن حيضتك ليست في يدك ولفظ الحيضة هنا بالفتح وهو المعتمد وهو الدفعة من الحيض الدم وليس المراد كما قال بعض علماء اللغة إن حيضتك وهي الحالة التي تعتري الحائض لا إن هذا الدم الذي يخرج ليس في يدك وإذا أنت مُنعت بعد ذلك من الصلاة أو الصيام لأمرا شاءه الرحمن ليس معنى هذا أنك نجسة إن حيضتك ليست في يدك".

والحديث الثاني رواه الإمام أحمد أيضا في المسند وأهل الكتب الستة الصحيحان وأهل السنن الأربعة ورواه أيضا الإمام مالك في الموطأ والإمام الدارمي في سننه والبيهقي في سننه ورواه أبو داو الطيالسي في مسنده أيضا عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكأ في حجري فكنت أرجل رأسه وأنا حائض فقال / أبو ثور/ الحيضة ليست في اليد وإذا أبيح للحائض أن تُرجل وتسرح شعر الحي فيباح لها أن تغسل بدن الميت قالت جزاك الله خيراً أبا ثور ثم ذهبت إلى أبي زكريا إمام الجرح والتعديل في هذه الأمة فقال لها ماذا قال لك هذا الرجل الإمام. قالت: يجوز لهذين الحديثين قال أحفظ كل من هذين الحديثين من كذا وكذا تطبيقا وقد بدأ يورد الطرق وهو وأصحابه لهذين الحديثين فلما انتهوا من سرد الطرق ومن يعني من استحضار حفظهم نحو هذين الحديثين قالت المرأة: فأين كنتم أيضا عندما سألتكم.. سألتكم وبدأت بكم أين كنتم تحفظون هذه الروايات ولا تستنبطون منها هذه الأحكام.

هذه منزلة الإمام الشافعي ليست منزلة يحيى ابن معين وانظر لشهادة الإمام المبجل شيخ أهل السنة في هذه الأمة الإمام أحمد رحمة الله ورضوانه عليهم وهو أخبر الناس بقرينة أبي زكريا يحيى ابن معين وهو أخبر الناس بشيخ عبد الله الإمام الشافعي رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين قيل للإمام أحمد إن ابن معين ينال هذا الشافعي ويقول إن الشافعي ليس بثقة فقال الإمام أحمد إن ابن معين لا يعرف الشافعي ولا يفقه ما يقول الشافعي لا يفهم إذا أعلم الإمام الشافعي في الفقه وابن معين لا يعي هذا ولا يدركه فهل يؤخذ بكلامه هذا الإمام العظيم المبارك قال الإمام ابن عبد البر معلقاً على هذا في جامع بيان العلم وفضله وقد سئل ابن معين عن مسألة في التيمم فلم يعرفها هذه منزلة الفقهاء ولذلك قال الإمام ابن عبد البر وما مثال من يقع في الإمام الشافعي ومالك أبي حنيفة وأحمد إلا عما قال الأعشى كنا مع صخرة يوماً ليوهنها فلن يضرها وأوهى قرنه وعلوا الوعل: إذا جاء إلى صخرة من أجل أن يُفتِّتها وضربها بقرونه لينكسر قرنه والصخر هي يا ناطح الجبل العالي ليكلمه أشفق على الرأس ولا تشفق على الجبل والله لو اجتمع أهل الحدين قاطبة على القص من الإمام الشافعي مازاده إلا رفعة وقدراً فإذا كانوا لا يعلمون الفقه فليقفوا عند حدهم فالإمام ابن معين عندما جرى عنده ماجرى وهو مقدوراً ونسأل الله أن يغفر لنا وله يقول قرينه تلميذ الإمام الشافعي الأمام أحمد يقول اعذروه فهو لا يعرف الشافعي ولا يفقه ما يقول الشافعي وعليه كلامه في هذا الإمام العظيم لا قيمة له نعم اخوتي الكرام لا بد كما قلت من فطنة لا بد من ذكاء لابد من ملكة فالله فاوت بين هذه الأمور كما فاوت بين أبدانهم فاوت بين عقولهم فينبغي أن نضع الأمر في موضعه الشرعي هناك أطباء وهناك صيادلة ولا يجوز أن تذهب إلى الصيدلي ليعالجك وليجري لك عملية جراحية فلن تُحصِّل بعد ذلك إلا السقم والموت إن هذا اختصاص الطبيب

وينبغي أن يستعان على كل صنعة بصالح أهلها. إخوتي الكرام: هذا كما قلت هو المجتهد المطلق والذي يستقل بنفسه في معرفة الأحكام الشرعية وإن أدلتها التفصيلية لأنه أحاط بالنصوص الشرعية وما بُني عليها من إجماعاً حقا وقياساً صدق لأنه أحاط بقول السلف الكرام من صحابة وتابعين رضوان الله عليهم أجمعين علم اللغة وأساليبها واستعمالاتها علم أصول الدين أصول الفقه أصول الحديث وأهداه الله الذكاء وفطنة ليعلموا ما وراء اللفظ من معنى فإذا كانت أمنا عائشة رضي الله عنها تُرجل رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض فيجوز للحائض أن تُغسّل الموتى والأمر الخامس والأمر السادس في هذا الفقيه وهو مجتهد مطلق كما قلت فيه طهارة وذكاء بعد أن كان فيه الذكاء فيه طهارة فيه صدقاً فيه ذكاء وإخلاصاً لرب الأرض والسماء هذا المجتهد المطلق.

وأول من يدخل في هذا التعريف أئمتنا الكرام سادتنا رضوان الله عليهم أجمعين الفقهاء الأربعة أولهم وفقيه هذه الأمة لا نزاع وكل من تفقه بعده عيالا عليه أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين هذا مجتهداً مطلق والمجتهد الثاني مجتهد المذهب وهو دون المجتهد المطلق فلا ينتقل بنفسه من إدراك الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية إنما أحاط علماً بنصوص إمام المذهب وفي وسعِه أن يُخرج غير المنصوص على المنصوص ولا يستطيع أن يستقل بنفسه كما قلت في استنباط حكم ولكن مأخذ إمامه وطرق استنباط الإمام أحاطها وهضمها فإذا عُرضت عليه قضية يستطيع أن يُخرَجها على أصول الإمام التي وضعها للإجتهاد والاستنباط أما ان يضع هو طريقة للإستنباط ليستنبط لا ثم لا هذا يقال له مجتهد المذهب وهو دون الأول قطعاً والنوع الثالث مجتهداً فتوى والترجيح دون الثاني فما أحاط علماً بمأخذ إمامه ولا يستطيع أن يخرّج غير المنصوص على ما نص عليه إمامه إنما هو علم بهذا المذهب ويستطيع أن يرجّح بين نصوص المذاهب إذا وجد للإمام قولان أو أكثر فعنده قدرة على الترجيح لأنه أحاط بهذا المذهب وعرف مراد الإمام هؤلاء الثلاثة هم الذي ينبغي أن يُستفتوا من قبل من عداهم.. المجتهد المطلق ومجتهد المذهب ومجتهد الفتوى والترجيح من عداهم ينطبق عليهم ما قال الله تعالى في سورة النحل "وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتُبيّن للناس ما نُزّل إليهم ولعلهم يتفكرون". ونظير هذه الآية يقول الله جل وعلا في سورة الأنبياء "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". من عندهم الفتوى كما قلت مجتهداً مطلق مجتهد المذهب..مجتهد الفتوى والترجيح.

قال الإمام ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين 4/212-215 في أربع صفحات يقرر هذا الكلام وهكذا قرر هذا سائر أئمتنا الكرام أيضاً نظير هذا القول مذكوراً في جمع الجوامع للإمام السبكي تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي عليهم جميعاً رحمة الله وفي شرحه للجلال المحلي وفي حاشية العطّار عليه انظروا 2/424-425 وخلاصة كلام الإمام ابن القيم وما في هذه الكتب من حاشية العطار وشرح الجلال للمحلّي على جمع الجوامع للإمام السبكي عليهم جميعاً رحمة الله خلاصتهم هؤلاء الثلاثة الذي هو مجتهداً مطلق ومجتهد المذهب ومجتهد الفتوى والترجيح قال الإمام ابن القيم وهكذا سائر أئمة كتب أصول الفقه مثال هؤلاء مثال ثلاث توقيعات تقع من العباد فالمفتي الذي هو مجتهداً مطلق توقيعه كتوقيع الملوك والمفتي الذي هو مجتهد المذهب توقيعه كتوقيع نواب الملوك والمفتي الذي هو مجتهد الفتوى والترجيح توقيعه أي فتواه كتوقيع نواب نوّاب الملوك الأول كما قلت كأنه ملك لكن يوقع نيابة عن الملك الحق جل وعلا نعم إن الإنسان عندما يُفتي في قضية ينوب بذلك عن رب البرية. وهذا ما أشار إليه الإمام ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين عن رب العالمين وعباده المرسلين أن عندما تُفتي وتقول هذا حلال وهذا حرام توقع عن ذي الجلال والإكرام فمن الذي يتأهل للفُتيا مجتهداً مطلق، ومجتهد المذهب، مجتهد الفتوى والترجيح " فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ".

إخوتي الكرام: الشروط المتقدمة في المجتهد المطلق وما يتبعه من مجتهد المذهب عما قلت ومجتهد الفتوى والترجيح هؤلاء كما قلت من وُجدت فيهم هذه الصفات يحق له أن يُفتوا وهؤلاء هم الذين يُسئلون وعندما يبذلون جُهداً واجتهاداً للوصول إلى حُكم الله في قضية يُثابون ويُأجرون في جميع الأحوال لوجود الشروط المتقدمة فيهم فتلك الشروط هي الحَكَم الفيصل بين الاجتهاد المقبول والاجتهاد المرذول وهي الحَكَم الفارق بين كون المجتهد يُثاب أو يُعاقب فإن وُجدت فيه يُثاب على جميع أحواله أصاب أم أخطأ كما سيأتينا وإذا لم توجد فيه يُعاقب على جميع أحواله أصاب أم أخطأ.. إن الذي يتكلم دون أن يُعد العُدّة هو على ضلال وعليه غضب ذي العزة والجلال أصاب الحُكم الشرعي أو..لا.. لا يجوز للإنسان أن يتكلم في دين الله إلا بعد أن يُعد العُدة التي تُأهله لذلك وهذا ما أشار إليه نبينا صلى الله عليه وسلم فاستمعوا لتقرير هذا إخوتي الكرام: لأننا نشهد هذه الأيام فوضى لا نهاية لها تحت ستار العود إلى الكتاب والسنة.. تحت ستار عدم التقيد بمذاهب الأئمة ثم كل واحد يعرف بما لا يعرف ويقول إنني مجتهد وضمن الله لي الأجر إن أصبت لي أجرا وإن أخطأت لي أجر أنت عليك إثم الضال المضل في جميع أحوالك فانتبهوا لذل إخوتي الكرام بإشارة نبينا عليه الصلاة والسلام لأن لا يُسند الأمر إلى غير أهله.

ثبت في المسند والحديث في السنن الأربعة إلا سنن النسائي ورواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى ورواه الإمام الطبراني في معجمه ورواه سعيد بن منصور في سننه والإمام الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة بسند صحيح كالشمس وضوحاً من رواية بريدة بن الحصيب رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يقول: " القضاة ثلاثة فقاضٍ في الجنة وقاضيان في النار " ولا يراد إخوتي الكرام من هذا الحديث نسبته بين القضاة بمعنى ثلث إلى الجنة وثلثان إلى النار..لا.. لعل نسبته من يدخلون النار من القضاة تزيد على تسعين بالمائة فليس المراد نسبة وتناسب وثلث أو ثلثان وإنما هنا وصفاً وهنا وصف فقد لا يتصف بالصنف الأول إلا واحد من مائة قد.. وقد يتصف بالوصف الأول مائة بالمائة ليس أن القضاة سيجمعون عند الله ثلثهم إلى الجنة وثلثان إلى النار..لا..ثم لا.. فاستمع لإشارة النبي عليه الصلاة والسلام بتوضيحاً لهذا الذي يدخل الجنة عندما سيقضي ولذلك كيف سيدخل النار عندما يقضي. قال عليه الصلاة والسلام "رجل عرف الحق وقضى به فهو في الجنة" عرف الحق قضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فجار أي انحرف عنه وتبع الهوى فهو في النار ورجل قضى على جهل فهو في النار ماعنده عدة القضاء ولا عنده شروط الفتية فاقتحم هذا الطريق ونصب نفسه قاضياً ومفتياً لعباد الله فضلّ وأضلّ فهو في النار أصاب أو أخطأ فهو في النار من قضى على جهل فهو في النار من عرف الحق فانحرف عنه فهو في النار عرف الحق وقضى به فهو في الجنة والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير والأوسط ورواه أبو يعلى بسند بيّن من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام بلفظ قريباً من اللفظ المتقدم ولفظ الحديث " القضاة ثلاثة.

القناعة

القناعة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم القناعة 11 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} (¬1) . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (¬3) . ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 3 (¬2)) ) سورة النساء: 1 (¬3)) ) آل عمران: 102

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (¬1) . أما بعد معشر الأخوة المؤمنين: إن أشرف البقاع في الأرض وأحبها إلى الله -جل وعلا- - المساجد، فهي بيوته، وفيها نوره وهداه، وقد نعت الله عباده الطيبين الذين يعظمونه في هذه البيوت بأنهم رجال، ثم وصفهم بأربع خصال: لا تلهيهم البيوع ولا التجارات، ويقيمون الصلاة، ويذكرون الله، ويؤتون الزكاة، ويحسنون إلى عباد الله، ثم بعد ذلك يستعدون للقاء الله، ليوم تشخص فيه الأبصار {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (¬2) . فالصفة الأولى من صفاتهم: أنهم لا يلتهون بعرض بما فيها من بيوع وتجارات، ولايشغلون بذلك عن طاعة رب الأرض والسموات، وكيف يُشغل هؤلاء الرجال، هؤلاء الأخيار الأبرار بعرض من الدنيا. حقيراً مهين لا يعدل عند الله جناح بعوضة. إن هؤلاء العباد يعلمون حق العلم أن الرزق مقسوم كما أن العمر محتوم ولا يمكن أن يزاد في شيء منهما ولا ينقص ولذلك استراحت أبدان هؤلاء الرجال وتعلقت قلوبهم بذي العزة والجلال وما قدر لهم سيأتيهم كما أشار نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى حالهم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند، والإمام الترمذي، وابن ماجه في السنن. ¬

_ (¬1)) ) سورة الأحزاب 70، 71 (¬2)) ) سورة النور: 36، 37

والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه عن الخليفة الراشد المهدي المهتدي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: [لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا] والتوكل على الله هو ثقة القلب بالرب وأن يعلم العبد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطئه لم يكن ليصيبه فهم تعلقت قلوبهم بالله -جل وعلا- وتبع ذلك راحة الأبدان فمشو في مناكب الأرض وتعرضوا لنفحات الله وفضله دون إرهاق لأبدانهم ودون غم في قلوبهم لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا تذهب في الصباح وهي جياع ضامرة البطون ثم تعود بعد ذلك في المساء إلى أوكارها وقد امتلأت بطونها من فضل ربها تغدو خماصاً وتروح بطاناً عباد الله فهؤلاء الأخيار الذين يعبدون الله في هذه المساجد في بيوت الله في أرضه هؤلاء لا تلهيهم تجارة ولا بيع وكيف يتحقق عدم الإلتهاء بما في الدنيا من البيوع والتجارات يتحقق هذا -إخوتي الكرام- بأمور كثيرة سأجملها في خمسة أمور بعد أن بينت في الموعظة الماضية إلا أن هؤلاء الأخيار لا يلتهون بعرض الدنيا ولا يشتغلون به كيف يتحقق هذا بوجود القناعة في قلوبهم ويتحقق هذا بعدم حب الدنيا والميل إليها ويتحقق هذا بعدم البخل بها بعد إحرازها وحيازتها ويتحقق هذا بعدم الحرص عليها ويتحقق هذا بعد ذلك بأمر خامس أنهم لا يلتهون ولا يشغلون بهذه الدنيا بحال من الأحوال إنما يتقربون في كل وقت إلى ذي العزة والجلال فمن اتصف بذلك فهو حقيقٌ بأن يكون من أهل هذه الآية رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع.

أما الأمر الأول وهو القناعة أحسن ما قيل -إخوتي الكرام- في بيان حد القناعة وضبطها أن ترضى بما يكفيك وأن لا تكثر من تطلعاتك وأمانيك فما قدر لك سيأتيك فإذا كنت في كفاية فاحمد الله -جل وعلا- ولا داعي للهم والحُزن والغم والقلق والتطلع إلى مالم يقدر لك وهذه الحالة حالة طيبة إذا وجدت في الإنسان كفاف وقنع به رضي به أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الحالة الحسنة الطيبة لهؤلاء العباد الأخيار في الحديث الذي رواه الإمام الترمذي في سنته ورواه ابن ماجه في سننه ورواه البخاري في الأدب المفرد والخطيب في تاريخ بغداد وإسناد الحديث حسن عن عبيد الله بن مِحْصَن ويقال عبد الله بن مِحْصَن والتصغير أصح وهو من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين-. والحديث رواه ابن حبان في صحيحة والحاكم في مستدركه والخطيب في تاريخ بغداد أيضاً عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- ورواه ابن أبي الدنيا عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم أجمعين- فالحديث من رواية عبيد الله بن محصن، ومن رواية أبي الدرداء، ومن رواية أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنهم أجمعين- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: [من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها] والحديث إسناده صحيح كالشمس من أصبح منكم آمنا في سربه أي في نفسه يقال فلان واسع السِرب أي رخى البال هادئ النفس وضبط بفتح السين والراء [من أصبح منكم آمنا في سربه] أي في مذهبه وطريقه ومسلكه آمن في نفسه آمن في طريقه عنده بعد ذلك قوت يومه وعنده صحته وعافيته فقد ملك الدنيا بأسرها [من أصبح منكم آمنا في سِربه آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها] .

نعم إذا كان يأتيك القوت والصحة والأمن ثم أصبحت أخا حُزت فلا فارقك الحزن أنت في نعمة في بدنك تأمن بعد ذلك في طريقك وفي نفسك وأنت بعد ذلك في كفاية وعندك ما يكفيك فلا تحتاج إلى أحدٍ من خلق الله إذاً ينبغي أن تشكر الله على هذه النعمة [من أصبح منكم آمنا في سِرِبه في سَرَبه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها] وهذه الحالة هي التي كان يتطلع إليها نبينا -عليه الصلاة والسلام- ويسألها الله لنفسه وأهل بيته. كما ثبت في الصحيحين والحديث في المسند، وسنن الترمذي، وابن ماجه وهو في أعلى درجات الصحة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: [اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا]-على نبينا وآل بيته والصحابة صلوات الله وسلامه- وفي رواية: [اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً] . والقوت هو مقدار الضرورة، بحيث لا تجوع ولا تفتر. والكفاف هو ما كفك عن سؤال الناس وكان بمقدار كفاتيك وحاجتك، فإذا حصلت هذا فاحمد الله، فقد كان خير خلق الله يسأل ربه هذا، فإن المال إذا زاد وكثر يؤدي إلى البطر، والحاجة إذا لم تتيسر يتشوش البال، فإذا رزقت الكفاف وكان عندك ما يكفيك فاحمد الله واقنع بما قسم الله. هي القناعة فالزمها تعش ملكا ... لو لم يكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير القطن والكفن هذا هو الأمر الأول. والأمر الثاني من صفتهم: أنهم لا يتعلقون بالدنيا لأن من أحبها صار أسيراً لها وعبداً لها وقد أخبر نبينا – صل الله عليه وسلم- عن هذا، الحقيقة أن من أحب الدنيا سيعرض عن الآخرة ففي مسند الإمام أحمد وبن حيان والحاكم والطبراني في الكبير والبزار في مسنده وإسناده حسن عن أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صل الله عليه وسلم- يقول: [من أحب دنياه أخر بآخرته من أحب آخرته أخر بدنياه] .

فآثروا ما يبقى على ما يفنى من أحب دنياه أضر آخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فأثروا ما يبقى على ما يفنى إذاً لا يحب هذه الدنيا ولا يتعلق بها ولا يميل إليها، وهذا الحديث -إخوتي الكرام- كما قلت إسناده حسن وقد كان الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- يُحَذِّرون من جاء بعدهم من التابعين من الركون إلى الدنيا والانهماك فيها. ففي مسند الإمام أحمد أيضاً، لحديث في صحيح ابن حبان، ستدرك الحاكم، عجم الطبراني الكبير، رواه بدل الإمام البزار في الرواية المتقدمة الإمام أبو داود الطيالسي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال للتابعين الذين جاءوا بعد الصحابة الطيبين فقال ما أبعد هديكم من هدى نبيكم -صلى الله عليه وسلم- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أزهد شيء في الدنيا وأنتم أحرص شيء عليها وهكذا قال العبد الصالح إبراهيم التيمي الذي توفي 92 هـ وهو من أئمة التابعين ومن أهل الخير الطيبين وكان يقول إذا كان الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يدك منه أي لا يسارع إلى تكبيرة الإحرام يقول هذا العبد الصالح للتابعين الذين عاصرهم إن من قبلكم كانوا يفرون من الدنيا وهي مقبلة عليهم ولهم من المنزلة مالهم وأنتم تقبلون عليها وهي مدبرة عنكم وعندكم من الأحداث ما عندكم فقسموا أمركم من إلى أمر من سبقكم.

إذاً الصفة الثانية من صفاتهم التي يتحقق بها عدم الإلتهاء والاشتغال أنهم لا يحبون هذه الدنيا ولا تسكن في قلوبهم إنما هي عرضٌ بين أيديهم بالإستعانة به على طاعة ربهم -جل وعلا- والصفة الثانية إذا جاءت الدنيا إليهم واكتسبوها من طريق حلال وضعوها في مصارفها الشرعية وما بخلوا بها فما يبخلون بهذا المال والله -جل وعلا- حذرنا من البخل بالمال ومن عدم إعطاء الحق من المال وأخبرنا أن فريقاً من الناس عاهدوا الله أنه إذا جاءتهم الأموال سيخرجون منها ذات اليمين وذات الشمال ثم بخلوا فأعقبهم الله نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه قال -جل وعلا- {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (¬1) فهذا المال ينبغي أن تخرج الحق الواجب منه وأن تنفق منه في سبيل الله في كل جهة ممن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك وهذا المال إذا أنفقت شيئا منه فهو الذي يبقى لك وما تتركه فلن تملكه [أنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فالمال لك] . ¬

_ (¬1)) ) التوبة: 75- 78

وقد أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الحقيقة في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام مسلم في صحيحه، والحديث في سنن الترمذي، وابن ماجه من رواية عبد الله بن الشخير -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ قول الله [ألهاكم التكاثر] ثم قال: النبي -صلى الله عليه وسلم-: [يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت أي أمضيته وقدمته بين يديك ليبقى عند ربك -جل وعلا- أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فأنت ذاهبٌ وتاركه] . وفي رواية في المسند وصحيح مسلم من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [يقول العبد مالي. مالي وهل له من ماله إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فأقنى _ أي اتخذه قنية له ومُدّخراً له عند الله -جل وعلا- ليس لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت. أمضيته ليكون بين يديك لتجده عند ربك -جلا وعلا- ليس لك من مالك إلا ما أعطيته لمن يستحقه في هذه الحياة في سبيل الله وتقرباً إليه ليكون لك قِنية مُدّخراً عند الله -جل وعلا- عباد الله فهؤلاء لا يبخلون وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ينزل ملكان في كل يومٍ تطلع فيه الشمس فيدعوان للمنفق بالخَلَف وللمسك بالتلف ثبت الحديث بذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: [ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينزل ملكان من السماء فيناديان فيقولان اللهم أعطي ممسكاً تلفا ويقول الآخر اللهم أعطي منفقاً خلفا] .

والحديث -إخوتي الكرام- رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والإمام البيهقي من رواية أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان فيقولان يا أيها الناس هلموا إلى ربكم ما قل وكفى خيرٌ مما كثير وألهى وما من يوم تغرب فيه الشمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان اللهم عجّل لمنفق خلفا وعجّل لممسك تلفا ولذلك خشي علينا نبينا -صلى الله عليه وسلم- إمساك المال والبخل به والشح به وعدم الإنفاق منه ثبت في مسند الإمام أحمد، وصحيح بن حبان، ومستدرك الحاكم، والحديث صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: [لا أخشى عليكم الفقر إنما أخشى عليكم التكاثر] أن تتكاثر في الأموال وإلا تخرجوا منها في سبيل ذي العزة والجلال لا أخشى عليكم الفقر إنما أخشى عليكم التكاثر [ولا أخشى عليكم الخطأ إنما أخشى عليكم التعمد] فهؤلاء العباد يقنعون ولا يحبون هذا المال ولا يتعلقون به ولا يبخلون به إذا صار عندهم وهم كذلك لا يحرصون عليه فالحرص على المال يذهب دين الإنسان ويجعل الإنسان عبداً لهذا المال لهذا العرض الفاني الذي لا يسوى عند الله جناح بعوضة وقد أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- عن أثر الحرص على المال وما يخلفه هذا الأثر من آثار سيئة في نفس الإنسان ففي مسند الإمام أحمد، والحديث رواه الترمذي في سننه، والإمام الدارمي في مسنده من رواية كعب بن مالك -رضي الله عنه-، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط، ورواه الإمام أبو نعيم في الحلية، وابن حبان في صحيحه من رواية أبي هريرة -رضي الله عنهم أجمعين-، وروى الحديث من عدة من الصحابة الكرام روى عن ابن عباس، وعن ابن عمر، وعن أسامة بن زيد، وعن أبي سعيد الخدري، وعن عاصم بن عدي -رضي الله عنهم أجمعين- ولفظ الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [ما

ذئبان جائعان ضاريان أرسل في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه] ومعنى الحديث إذا حَرِص الإنسان على المال وعلى الشرف وهو الجاه والمنزلة بين الناس من يجعل هذا همه في الحياة يفسد دينه أشد من إفساد الذئبين الضاريين الجائعين في زريبة الغنم ما ذئبان جائعان ضاريان أرسل في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه] ، أي الجاه والمنزلة لدينه فمن حرص على هذا يفسد دينه وقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- الحريص على المال الذي يتفانى في جمعه ويعبده سماه عبدً له.

ثبت في صحيح البخاري وسنن ابن ماجه والحديث صحيح صحيح فهو في صحيح البخاري من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، ولم يقل تعس مالك المال ولم يقل تعس جامع المال ليس في ملك المال منقصة وليس في جمع المال منقصة وليس في إحراز المال منقصة إنما المنقصة أن تكون أسيراً له أن تكون عبداً له ألا تتصرف إلا من أجل هذا المال وهذا الريال تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة وهي الثياب الحسنة المزركشة الملونة تعس بمعنى سقط بمعنى هلك بمعنى بَعُد بمعنى أصابه شر بفتح العين وكسرها وتعس تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة تعس وانتكس أي عاوده السقوط مرة بعد أخرى تعس وانتكس سقط على رأسه بعد أن يسقط في أول الأمر سقوطاً عادياً يدعوا عليه بهذه الأمور الشنيعة التي تناسب حال هذا العبد الذي جعل نفسه عرضاً لمال حقير ليس له عند الله أي وزن وتقدير تعس عبد الدينار عبد الدرهم عبد الخميصة تعس وانتكس سقط مرة بعد أخرى سقط على رأسه بعد أن سقط سقوطاً عادياً وإذا شيك فلا انتقش أي إذا دخلت شوكة في بدنه دعى عليه من قبل نبينا -عليه الصلاة والسلام- ألا يتسهل عليه إخراج هذه الشوكة بالمنقاش بالملقط الذي تُخْرَج به هذه الشوكة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش هذا عبدٌ ذليل حقير وضع نفسه عندما عبد المال من دون ذي العزة والجلال تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش وإذا دُعي عليه بألا تخرج الشوكة من بدنه إذا دخلت فيه فإن الدعاء لما هو أعظم من باب أولى أي هذا الأمر اليسير إن أصابه يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه ألا يخرج هذا الأمر اليسير من بدن عابد الدنيا وعابد المال ومحب المال وإذا وقع في ورطة أخرى فهذا من باب أولى لا يخرج منها ولا يتيسر الفرج عنه تعس وانتكس وإذا شيك فلا نتقش.

والحديث رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- بلفظ لعن عبد الدينار وعبد الدرهم. وتقدم معنا حديث: [الدنيا ملعونة ملعون كل ما فيها إلا ما كان لله منها] . فهؤلاء إذا لا يحرصون على هذا المال ولا يكونون عبيد له وقد أخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن كثيراً من أفراد هذه الأمة سيهلكهم الدرهم والدينار وسيبعدهم جمع الريال عن ذي العزة والجلال ثبت الحديث بذلك في معجم الطبراني الكبير، ومسند البزار، والحديث رواه أبو نعيم في الحلية، وإسناده صحيح جيد عن عبد الله بن مسعود، ورواه الطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن ابن موسى الأشعري -رضي الله عنهم أجمعين- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [إنما أهلك من كان قبلكم الدرهم والدينار وهما مهلكاكم] .

وفي رواية مسند البزار أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عندما كان أميراً على الكوفة من قبل عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم أجمعين- فجاءه بعض الناس فأعطاه عطائه في الشهر ألف درهم ثم قال له خذ سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: [إنما أهلك من كان قبلكم الدرهم والدينار وهما مهلكاكم] فهؤلاء العباد الذين يعمرون بيوت الله في الأرض لا تلهيهم تجارة ولا بيع. لا يلهيهم عرض الدنيا فيقنعون بما قسم الحي القيوم ولا يحبون الدنيا ولا يبخلون بها ولا يحرصون عليها وآخر الصفات فيهم، أن هذه الدنيا إذا جاءتهم لا تشغلهم عن الله -جل وعلا- في حالٍ من الأحوال ويتقربون بهذا المال إلى ذي العزة والجلال فقلوبهم مع الله وهي واثقة بأن ما قُسم لهم سيأتيهم ثبت في مسند الإمام أحمد، وسنن الترمذي، وابن ماجه، والحديث رواه الحاكم في مستدركه، وابن حبان في صحيحه، ورواه البيهقي في الزهد وإسناده صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فتلا قول الله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيب} (¬1) ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم: قال الله -عز وجل-: [ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غناً وأسُد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك] . فهذه الدنيا لا تلهيهم عن الله طرفة عين في حالٍ من الأحوال. ¬

_ (¬1)) ) الشورى: 20

والحديث رواه الحاكم في مستدركه، والإمام الطبراني في معجمه الكبير عن معقل بن يسار عن نبينا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: قال الرب عز وجل: [ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأملأ يديك رزقاً وإلا تفعل ملأت صدرك فقراً وملأت يديك شغلاً] فيتعب وهو فقير القلب، ينصب وكلما حصل عرضاً من الدنيا كلما ازداد حرصاً وجشعاً وطمعاً ومحب الدنيا كمن يشرب من البحر. كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً والغنى غنى النفس فهؤلاء العباد إذا جاءتهم هذه الدنيا لا تلهيهم عن الله -جل وعلا- وقلوبهم متعلقة بالله وإذا حلت الدنيا في أيديهم أنفقوا من جميع جهاتهم. كما ثبت في المسند والصحيحين والحديث رواه الإمام ابن ماجه في سننه من رواية أبي ذر -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: [إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا أي عن يمينه وعن شماله ومن خلفه كما وضح هذا نبينا -صلى الله عليه وسلم- والحديث روى عن ابن عباس وابن مسعود وعن أبي هريرة -رضي الله عنهم أجمعين- بزيادة الجهة الأمامية إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وأنفق من جميع جهاته فمن فعل في المال هذا الفعل فقد حقق قول الله -جل وعلا- (لا تلهيهم تجارة ولا بيع) . وخلاصة الكلام -إخوتي الكرام- هؤلاء العباد عباد الرحمن الذين يكونوا في بيوت ذي الجلال والإكرام يقنعون بما قسم لهم ولا يحبون الدنيا ولا يبخلون بها ولا يحرصون عليها وإذا جاءتهم لا تشغلهم عن الله طرفة عين وينفقون منها في جميع جهاتهم أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرزقنا من فضله وأن يجعل ذلك عوناً على طاعته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه المباركين وأرض اللهم عمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. عباد الله: إذا امتدت الحياة بالأمة الإسلامية تبتعد عن الفهم السليم الذي ينبغي أن تتحلى به في كل حين وليست المشكلة عند المسلمين في إثبات النص ووجوده والعثور عليه ومعرفته إنما المشكلة تكون في فهم ذلك النص وتدبيره ومعرفة ما يراد به وحقيقة مما يُزعج الآذان ما سمعته في كثير من البلدان وآخر السماع ما نقل لي بعض -الأخوة الكرام- من أيام أن بعض طلبة العلم يوردون شيئاً من الشبه في الفهم حول بعض أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذه الشبه تتعلق بموضوع الذهاب إلى بيت من بيوت الله لسماع موعظة ولحضور درس فقال هؤلاء المتفقهون الجدد إن هذا يكون من باب شد الرّحل.. فإذا خرج الإنسان من حي إلى حي ليصلي في ذلك الحي وليسمع هناك خطبة أو موعظة أو يحضر درساً فقد شد الرّحل إلى غير المساجد التي أمرنا بشد الرحال إليها وهذا حرم لا يجوز وأن أعجب غاية العجب أن تنعكس المفاهيم وأن تُقلب الموازين في هذا الحين في هذا العصر الذي نعيش فيه فنجعل القربة والطاعة معصية (إنا لله وإنا إليه راجعون) . إخوتي الكرام: نعم نهانا نبينا -عليه الصلاة والسلام- عن شد الرحال إلى مسجد من المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد ثبت في المسند، والحديث في الصحيحين، وسنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- فهو في الكتب الستة مع المسند إلا سنن الإمام الترمذي من رواية أبي هريرة.

والحديث في المسند، والصحيحين أيضاً، وسنن الترمذي، وابن ماجه من رواية أبي سعيد الخدري قال أبو هريرة وأبو سعيد -رضي الله عنهم أجمعين-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [لا تشد الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى] ومعنى الحديث حسبما قرر أئمتنا وما ينبغي أن يختلف اثنان في هذا الفهم لا تشد الرّحال إلى مسجد في الأرض من أجل مضاعفة الصلاة فيه وحصول الخير الكثير فيه والبركة فيه إلا لهذه المساجد الثلاثة فالمسجد الحرام الصلاة تضاعف فيه بمائة ألف ومسجد النبي عليه الصلاة والسلام بألف صلاة والمسجد الأقصى بخمس مائة صلاة والمساجد الأخرى بعد ذلك تستوي في الفضيلة فليس إذا من المشروع إذا أردت أن تصلي الظهر في مسجد حيك وتترك هذا المسجد وتشد الرحل إلى مسافة مائة كيلو أو مائتين كيلو في حيٍ آخر من أجل حضور الصلاة فقط فالصلاة في هذا المسجد تعدل الصلاة في ذلك المسجد.

هذا معنى الحديث ولا يفهم منه إلا هذا وأما أن تشد الرّحل بعد ذلك لزيارة أخ في الله في مكان من الأمكنة أو أن تشد الرحل إلى مسجد من المساجد وبيت من بيوت الله لتحضر فيه موعظةً درس علم تتلقى فيه حديثاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا من القربة والطاعة وأنت ما شددت الرّحل إلى المكان إنما شددت الرّحل لما سيكون في ذلك المكان وشتان شتان بين الأمرين أنت ما شددت الرحل من أجل تعظيم تلك البقعة وأن لها ميزة خاصة على البقعة التي بجوارك إنما شددت الرحل وركبت الدابة ووسيلة السفر من أجل أن تُحِّصل طاعة وفائدة وعلم لا يكون في جهتك فهذا قربة وكان سلفنا الكرام -رضوان الله عليهم- يتنافسون فيه وقد قص الله علينا في كتابه في سورة الكهف قصة نبي الله وكليمه -على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه- كيف ذهب مع العبد الصالح الخضر قال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} (¬1) وشد الحل إليه مع غلامه وتذود مع غلامه ويمشي مسافة بعيدة للقاء هذا العبد الصالح وبعد ذلك تبعه من أجل أن يتعلم منه وقصته طويلة مذكورة في القرآن الكريم ومع ذلك ودَّ نبينا -عليه الصلاة والسلام- لو أن نبي الله موسى -على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه- صبر ليقُص علينا من أمره مع هذا العبد الصالح العجب والعجائب والحديث ثابت في صحيح البخاري وغيره فالرحلة لأجل درس وموعظة وزيارة أخٍ وصلة رحم هذه مشروعة تثاب عليها لا يَصْلُح بحال أن تستدل بهذا الحديث على تحريمها وإذا كان من يكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- فليتبوأ مقعده من النار له هذا الجزاء فليوطن نفسه على هذه العقوبة من يُحَمِّل كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لا يحتمله وإذا لم تكن من أهل الإستدلال والنظر فقف عند حدك ولا داعي للتطاول وأنا أقول لهذا الصنف الذي كثر في بلاد المسلمين ويستدل بحديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام على ما لا ¬

_ (¬1)) ) الكهف: 66

يدل عليه أقول لمن يتشككون في هذا الأمر أرجعوا إلى كتاب من كتب أئمتنا لحافظ الدنيا في زمانه الإمام الخطيب البغدادي الذي توفي سنة 463هـ ألف كتاب سماه الرحلة في طلب الحديث ولا يقصد بالرحلة الترغيب في الرحلة فهذا معلوم من الدين بالضرورة إنما قرر في هذا الكتاب من رحل من الصحابة الكرام فمن بعدهم في طلب حديث واحد. أما أنهم رحل في طلب العلم وفي طلب أكثر من حديث فهؤلاء لا يحصون كتابا بكامله رحل عدد من سلف الكرام منهم جابر بن عبد الله وغيره -رضي الله عنهم أجمعين- كما في هذا الكتاب من أجل طلب حديث واحد يشد رحله من بلاد العراق إلى مصر من المدينة المنورة إلى مصر من أجل أن يلتقي بالصحابي الذي حمل الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ليسمعه منه مباشرة لئلا يأخذه عنه بواسطة مسافات في تلك العصور وفي ذلك تعب كثير ثم إذا سمع الحديث يَكُّر راجعاً فلا يستقر في ذلك المكان ولا لأجل تناول ضيافة حديث واحد – الرحلة في طلب الحديث. ولذلك قال أئمتنا كما هذا هو نظم الإمام زين الدين عبد الرحيم الأثري عليه رحمة الله في منظومته في قواعد علوم الحديث والمصطلح يقول: وأخلص النية في طلبك ... وجدّ وأبدأ بعوالي مصرك وما يَهمُ ثم شد الرحل ... لغيره ولا تساهل حملا واعمل بما تسمع في الفضائل ... والشيخ بجله ولا تتثاقل عليه تطويلا بحيث يضجر ... ولا تكن يمنعك التكبر أو الحيا عن طلب واحتسب ... كتم السمع فهو لئم

هذا هو ما يقرره أئمتنا وهذا هو الأدب والفهم والحكمة التي كانت عند سلفنا فيأتيك إنسان في هذه الأيام فيقول ثبت في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لا تشد الرحال إلى المساجد الثلاثة وأنتم تتمرحون من حي إلى حي لسماع موعظة أو درس فقد شددخم الرحل سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم على هذا الفهم السقيم إذا ما كان هذا الإنسان عالماً أو طالب علم ألا سكت واستحى شفاء الجاهل السؤال إلا أن يتطاول ويعد نفسه من أهل الاستدلال نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يبصرنا بعواقب أمورنا اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. الدعاء..

في بدعية الذكر بالاسم المفرد

المعتمد في بدعية الذكر بالاسم المفرد (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم المعتمد في بدعية الذكر بالاسم المفرد الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

لازلنا نتدارس شناعة البدعة في الإسلام، وأنها توجب للإنسان سوء الخاتمة، وتقدم معنا أن البدعة هي الحدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان، مع زعم التقرب بذلك الحدث إلى الرحمن، وذلك الحدث لا تشهد له نصوص الشرع الحسان. إخوتي الكرام: وقد استعرضنا نماذج من البدع التي وجدت في هذه الأيام، منها بدع حول الدعاء، حيث انحرف كثير من الناس عن الالتجاء إلى رب الأرض والسماء، والتجئوا إلى الأموات والأحياء، ومنها ما يتعلق بعبادة الذكر، حيث انحرفوا عن الأذكار الشرعية، ثم عكفوا بعد على الأشعار الصوفية أو الجهادية، وفي هذه الموعظة المباركة سنتدارس بدعة من البدع التي انتشرت أيضاً ألا وهي تغيير الأذكار الشرعية المأثورة عن نبينا خير البرية - صلى الله عليه وسلم -، أي تغيير صيغتها والتلاعب بألفاظها إلى صورة لم يأذن بها رب العالمين، ولم تنقل عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام. وكما هي عادتنا إخوتي الكرام، نفتتح الموعظة بتقرير الحق ليرسخ في الذهن وليتمكن من القلب، ثم نكر بعد ذلك على الباطل لتدمغه.

إخوتي الكرام: تقدم معنا منزلة ذكر الرحمن في الإسلام، وأن هذه العبادة هي أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه بعد أداء الفرائض والواجبات، وإذا كان لهذه العبادة أعني ذكر الله جل وعلا هذه المنزلة في الإسلام، فإن صيغها تتفاوت في الأجر والرتبة والحظوة والمنزلة، فأعلى صيغ الأذكار كلمة التوحيد، التي من أجلها خلق الله الخليقة، وأسس الجنة والنار، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، كلمة لا إله إلا الله، فهذه أفضل الأذكار، وهي أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى العزيز الغفار، وقد قرر هذا نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه، ففي مسند الإمام أحمد والكتب الستة، والحديث في (الأدب المفرد) للإمام البخاري أيضاً، ورواه الإمام أبو عيين في كتاب (الإيمان) ، وهو في أعلى درجات الصحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان] . [الإيمان بضع وستون شعبة] ولا تعارض بين الروايتين، كما قرر أئمتنا لدخول القليل في الكثير.

نعم إخوتي الكرام، أفضل الطاعات وأعلى الأذكار وأعظم الحسنات كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد من رواية أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه [أنه قال لنبينا - صلى الله عليه وسلم - أوصني فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أسأت فاعمل بعدها حسنة تمحها] قال أبو ذر يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - هي أفضل الحسنات] ، والحديث كما قال الإمام الهيثمي في المجمع رجاله ثقات لكن في إسناد الحديث شمر بن عطية الكاهلي الأسدي، وهي ثقة كما قال الهيثمي وهو من رجال الغمام النسائي في (السنة) ، والإمام الترمذي في (السنن) ، وأخرج له أبو داود في (مراسيله) ، وحكم عليه الحافظ في (التقريب) بأنه صدوق، وهذا العبد الصالح شمر بن عطية روى الحديث عن اشياخه ولم يسم أحداً منهم عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين، والحديث تشهد له نصوص كثيرة سيأتي بعضها إن شاء الله.

نعم إخوتي الكرام، أفضل الحسنات وأعلى شعب الإيمان وأفضل الطاعات وأفضل الأذكار كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وقد ثبت في سنن الإمام أحمد والسنة الأربعة إلا سنن أبي داود، والحديث في صحيح ابن حبان، والمستدرك للحاكم، وإسناده صحيح كالشمس، من رواية جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله] وقد تقدم معنا في موعظة سابقة توجيه الشق الثاني من هذا الحديث الثابت [أفضل الدعاء الحمد لله] قلت لأن الدعاء ينقسم إلى قسمين، إلى دعاء مسألة، وإلى دعاء عبادة، وهذه من صيغ دعاء العبادة، وهي من أعظم الصيغ [الحمد لله] وإذا أثنى السائل على المسؤول فقد تعرض لإجابة سؤله وإن لم يسأله حاجته كما تقدم تقرير هذا من كلام العبد الصالح ابن محمد سفيان ابن عيينة سيد المسلمين في زمانه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه قال (إذا كان مخلوق يقول لمخلوق، إذا كان أمية ابن أبي الصلت يقول لعبد الله بن جدعان عندما يصرحه أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياءك، إن شيمتك الحياء إذا آتنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرضه الشتماء) .

أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله، فأعظم الطاعات وأفضل الأذكار التي يتقرب بها المخلوق إلى خالقه، كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن أفضل كلمة خرجت من بين شفتين الطاهرتين الكريمتين ومن بين شفاه أنبياء الله ورسله منذ أن أرسل الله آدم إلى أن ختم رسله بنبينا محمد على نبينا وعل جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه أن أفضل كلمة خرجت من تلك الأفواه الطيبة المباركة من أفواه أنبياء الله ورسله هي كلمة التوحيد لا إله إلا الله، ثبت الحديث بذلك في موطأ الإمام مالك من رواية طلحة بن عبيد الله بن كريب بغير التصغير وهو ثقة من أئمة التابعين الطيبين ومن رجال صحيح مسلم وسنن أبي داود مرسلاً إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم -. والحديث رواه الإمام الترمذي في سننه من رواية عمرو بن شعيب عن أمية عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [أفضل الدعاء دعاء يوم عرفه، وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير] . إخوتي الكرام: وسأستعرض في هذه الموعظة المباركة شيئاً من الأجور التي يحصلها الذاكر لله جل وعلا بهذه الصيغة، أعني كلمة التوحيد لا إله إلا الله وسأذكر الأجور التي يحصلها الإنسان على قول هذه الصيغة إذا قالها مطلقاً دون أن يتحدد ذلك بوقت أو مكان، ودون أن أتحدث عن فضائلها الحسان وأحكامها العظام، كما سأقص شيئاً من الحديث على فضل النطق بها، من نطق هذه الكلمة مرة أو عشر مرات أو مائة أو مائتين أو أكثر دون أن يتحدد ذلك بوقت أو مكان ودون أن أبحث في بقية أحكامها الحسان، ما أجر من نطق بها؟ ما أجر من كررها؟ ما أجر من عبد الله بها، كلمة التوحيد، إخوتي الكرام لذلك أجور كثيرة وقربات وبركات، فالكلمة الواحدة من هذه الصيغة إذا قلتها تعدل عدل رقبة عند الله جل وعلا.

ثبت ذلك في سنن الإمام أحمد والحديث رواته رواه الصحيح كما قال الإمام الهيثمي في المجمع، والحديث صححه الإمام المنذري وغيرهما من أئمتنا عليهم جميعاً رحمة الله، والحديث من رواية البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من منح منحة ورق أو منحة لبنٍ أو هدى زقاق كان كعتاق رقبة ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كلي شيء قدير كان كعتق رقبة] . والورق هي القرضة والمال أي من أقرض إنساناً ومنحه مساعدة وليس المراد هنا العطية بلا مقابل، إنما عطية لتستردها فهو في حاجة فأقرضه إن أقرضته مالاً فلك عند الله أجر عتق رقبة، وسيأتينا ما في عتق الرقبة من أجور، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وهكذا من منح منحة لبنٍ فكأنه أعتق رقبة، أعطيته ناقة أو شاة أو بقرة لينتفع بدرها وتستردها بعد ذلك فلك أجر عتق رقبة، ومن هدى زقاقاً والزقاق هو الشارع والطريق، إنسان ضال تائه ضائع فسرت معه وأوصلته إلى مكان حاجته فلك عند الله أجر عتق رقبة، وهذه الأمور الثلاثة كلها فيها شفقة على المخلوق وديننا كما تقدم معنا يقوم على دعامتين، تعظيم للخالق وشفقة على المخلوق، فإذا أشفقنا على المخلوق لنا هذا الأجر العظيم عند ربنا الكريم، فماذا تحصل من أجر إذا عظمنا الخالق واثنينا عليه بما هو أهله، فمن قال مرة واحدة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كعتق رقبة.

والحديث في المسند كما قلت ورواته في الصحيح، فرجاله رجال الصحيح، والحديث صحيح، نعم رواه الإمام أحمد في رواية ثانية وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وهكذا ابن أبي شيبة، ورواه الإمام الطبراني في الكبير بلفظ عشر مرات بدل مرة [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كعتق رقبة] وسيأتينا إن شاء الله توجيه الاختلاف بين الروايات التي نقلت عن نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام من قال مرة كان كمن عتق رقبة وهذا المعنى ثبت أيضاً في معجم الطبراني الكبير بسند صحيح كما نص عليه الإمام الهيثمي والمنذري، من رواية سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مرة واحدة كان كعدل محررين] أي كمن حرر عبداً أو أمةً أو حرر عبدين أو أمتين، وفي رواية أيضاً في معجم الطبراني وإسنادها صحيح أيضاً من رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل] هذا الأجر لمن يقول هذه الصيغة مرة واحدة، وإذا قلتها أكثر من ذلك إلى عشر مرات فاستمع للأجر العظيم الذي نص عليه نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام. ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير ورواه البيهقي في كتابه (الدعوات) الكبير وهو في أعلى درجات الصحة، من رواية أبي أيوب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل] .

كان كمن أعتق أربعة أنفس من خير أنواع العبيد، من العرب إذا استرقوا، وهم من نسل هذا النبي المبارك، فكم تنال أجراً في تحريرهم إذا قلت هذه الكلمة عشر مرات لك هذا الأجر العظيم عند رب الأرض والسماوات. والحديث كما قلت في الصحيحين ورواه الإمام البخاري وابن أبي شيبة في مصنفه والنسائي في كتابه (عمل اليوم والليلة) ، رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين، عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه موقوفاً عليه من قوله أنه قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل] . وهذا الكلام له حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام قطعاً وجزماً فمثله لا يقال من قبل الرأي وعليه هو مرفوع من رواية هذين الصحابيين المباركين من رواية أبي أيوب، ومن رواية عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاهم وفي بعض روايات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال [لأن أقول عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير أحب إليَّ من أن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل] . وإذا زدت في العدد والمقدار وقلت هذه الصيغة مائة مرة فلك من الأجر الشيء الكثير كما جاء عن نبينا البشير النذير عليه صلوات الله وسلامه.

ثبت في موطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد، والحديث في الصحيحين وسنن الترمذي، وسنن ابن ماجة ورواه الإمام النسائي في (عمل اليوم والليلة) ورواه الإمام البغوي في (شرح السنن) والإمام ابن حبان في صحيحه كما رواه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه، وهو في أعلى درجات الصحة، فهو في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كان كعدل عشر رقاب وكتب له مائة حسنة ومحيت منه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا من عمل أفضل منه] . وتوجيه هذه الروايات في الأختلاف في الأجور التي يحصلها الإنسان عند النطق بهذه الكلمة فإذا قالها مرة له رقبة أو أربعة رقاب أو أجر محرر أو محررين، وهكذا إذا قالها عشر مرات له عتق أربع رقاب، فما هو الجمع بين هذه الروايات ذلك عدة أقوال أذكر ثلاثة منها باختصار، الذي مال إليه الحافظ ابن حجر في الترجيح بين هذه الروايات وهو فيما يظهر فيه بعد، والقول الثاني مال إليه الإمام القرطبي في كتابه (المفهم في شرح صحيح مسلم) وهو من أحسن الأجوبة.

وأحسن منه الجواب الثالث ألا وهو أن ذلك يختلف باختلاف حال الذاكرين، فمن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقد امتلأ قلبه بتعظيم الله جل وعلا وكأنه حاضر بين يديه كأنه أعتق بهذه الجملة الواحدة أربعة أنفس من ولد إسماعيل عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه، وإذا خف حضوره بين يدي الله خف من أجره لكنه لا ينقص عن أجر إعتاق رقبة مؤمنة، وتقدم معنا مثل هذا التوجيه في الأجور التي يحصلها الإنسان عندما يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا رواية المسند بإسناد صحيح من رواية ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة] وقلت لا تعارض بين هذا وبين الروايات الثانية الصحيحة التي أظهرت أن الله يصلي على من يصلي على نبيه عليه الصلاة والسلام، يصلي عشر مرات على من يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام واحدة، قلت هذا على حسب ما يقوم بالقلب من تعلق بالنبي عليه الصلاة والسلام وسبيل إليه ومحبة له عليه صلوات الله وسلامه وفداه أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا، والأمر هنا كذلك، والأمر هنا كذلك، وهذا كما قلت جواب الإمام أبي العباس القرطبي وهو جواب معتبر قوي، وأحسن منه فيما يظهر لي وهو الذي يفحم من كلام النووي رحمه الله أنه لا منافاة بين هذه الأجور لدخول القليل في الكثير كما يقرر هذا بكثرة في شرح صحيح مسلم والعدد لا، وعليه إذا بهذه الصيغة أجر إعتاق رقبة، لا يتنافى مع أجر محررين أو مع أجر أربعة رقاب، والعلم عند الكريم الوهاب. إخوتي الكرام: إذا قال الإنسان هذه الصيغ مرة أو عشر مرات أو مائة مرة ينال هذه الأجور، منها عتق الرقاب وأجور أخرى كثيرة تصاحبها.

وعتق الرقاب وما أدراكم ما عتق الرقاب؟ له أجر عظيم عند الكريم الوهاب سبحانه وتعالى، فمن أعتق رقبة في هذه الحياة فهي فكاكه من النار كما أخبر عن ذلك نبينا المختار عليه الصلاة والسلام. ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث في سنن الترمذي ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى وفي كتاب (الدعوات) الكبير كما رواه الإمام البغوي في شرح السنة، ورواة الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه مضواً منه من النار حتى فرجه بفرج] وثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي صحيح من رواية عمرو بن عيشة أبي نجيح رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من أعتق رقبة مؤمنة كانت فكاكه من النار] سبحان الله، إذا قلت لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير يكتب لك كعتق رقبة، كعتق محرر أو محررين كعتق أربعة رقاب، فما هذا الأجر العظيم الذي يغدقه ربنا الكريم على عباده المؤمنين، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وإذا زدت في العدد فقلت هذه الصيغة مائتين فلك أجر عظيمٌ عظيم لا يسبقك من تتقدمك ولا يدركك من لحقك إلا إذا قالوا أكثر منك، ثبت الحديث بذلك في مسند الإمام أحمد، ومعجم الطبراني الكبير ومستدرك الحاكم بإسناد صحيح من رواية عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائتي مرة لا يسبق من كان قبله ولا يدركه من يأتي بعده إلا من عمل بأفضل من عمله] نعم رواه الحاكم وضبط العج بمائة وهل هذا في طباعة المستدرك أو أن الرواية مائة ومائتين العلم عند الله جل وعلا لكن رواية رواية الإمام أحمد ورواية الطبراني العدد فيهما مائتان.

قال الإمام الهيثمي في الجمع في كتاب (الأذكار) باب التسهيل بمائة أو أكثر، وكما قلت إسناد الحديث صحيح وقد حسنه الإمام المنذري عليه رحمة الله في كتاب (الترغيب والترهيب) ، وهذه الأجور يحصلها كلام الله جل وعلا، وإذا كان في صيغ الأذكار صيغة هي أفضل الأذكار كلام الله جل وعلا أيضاً سورة هي أعظم السور عندما تتلوها ولك عليها أجر عظيم عند ربنا الكريم سبحانه وتعالى، وكما تقدم معنا الأجور المطلقة التي يحصلها الإنسان عند قراءة كلام الرحمن دون تحديد السورة منه، أجور كثيرة وتنال أجور كثيرة معنا، عنه لبعض السور إذا قرأت يزداد أجرك كما أن هناك الأذكار إذا قلتها لك أجر عند ربنا سبحانه وتعالى. إخوتي الكرام: كل حرف من القرآن تؤجر عليه بعشر حسنات ولا ينقص الأجر والثواب عن هذا الحد، كما أخبر عن ذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - والحديث في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب ورواه الإمام البخاري في (التاريخ) الكبير كما رواه الإمام الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) والحديث رواه الإمام ابن الضريس في كتابه (فضائل القرآن) ورواه الإمام البيهقي في (شعب الإيمان) وكما قلت إسناده صحيح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف] فلك على النطق بهذه الحروف الثلاثة ثلاثون حسنة وعند الله مزيد، لكن بعض السور لها أجور مضاعفة كما أن صيغ الأذكار لها منزلة وأجور مضاعفة، وأفضل السور التي تحصل عليها أجراً كبيراً عند قراءتها سورة الإخلاص.

كما أن أفضل الأذكار كلمة الإخلاص، وسورة الإخلاص هي سور الرحمن {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد *} فهذه السورة تعدل ثلث القرآن عند ربنا الرحمن، وإذا قرأتها عشر مرات بنى الله لك قصراً في الجنة وإذا زدت فالله جل وعلا أكثر وأطيب وأوسع سبحانه وتعالى، وهذه المعاني كلها ثابتة عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ثبت في مسند الإمام أحمد، والحديث في صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى وابن الضريس في فضائل القرآن من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال مر رجل على رجل في الليل وهو يصلي يقرأ سورة الإخلاص ويرددها فلما طلع الصبح جاء هذا الرجل الذي سمع رجلاً يردد سورة الإخلاص جاء ليخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عما رأى وسمع وشاهد وكأنه أي المخبر من الصحابة يتقال هذه السورة وستقل أجرها فقال النبي عليه الصلاة والسلام [والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن] وهذا المعنى متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، أجزم بذلك وأقطع به وأسأل عنه أمام الله عز وجل، وقد روى هذا المعنى عن أكثر من عشرة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين عن نبينا عليه الصلاة والسلام وفي هذه الروايات التصريح بأن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن فمن هذه الروايات رواية أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه، وهي في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم، وفي كتاب (فضائل القرآن) لأبن الضريس وفي سنن النسائي ورواها الإمام أبو عيينة في كتاب (فضائل القرآن) ومثلها رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه، وهي أيضاً في سنن الإمام أحمد وسنن الترمذي وسنن النسائي ورواها أبو عيينة في (فضائل القرآن) ، وابن الضريس في (فضائل القرآن) والبخاري في (التاريخ الكبير) ورواها البيهقي في (شعب الإيمان) ولفظ روايتي أبي الدرداء وأبي أيوب رضي الله عنهم وأرضاهم والروايتان صحيحتان ثابتتان

عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن نبينا قال للصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين [أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فقالوا يا رسول الله نحن أضعف من ذلك وأعجز فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده إن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن] فإذا جن عليك الليل فاقرأ هذه السورة مرة واحدة كأنك قرأت ثلث القرآن. وثبت في سنن الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [احشدوا حشد] أي اجتمعوا جموعاً كثيرة نفيرة ومثيرة فلما اجتمع الصحابة الكرام خرج عليهم النبي عليه الصلاة والسلام وقال سأقرأ عليكم ثلث القرآن فقرأ سورة الإخلاص ثم دخل حجرته فقال الصحابة ما ذهب النبي عليه الصلاة والسلام، ودخل حجرته إلا لأمرٍ طرأ من السماء ثم خرج النبي عليه الصلاة السلام وهم جموع لا زالوا مكانهم قال ما لكم قالوا قلت لنا ستقرأ علينا ثلث القرآن وقرأت سورة الإخلاص ثم دخلت إلى بيتك المبارك فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن] من رواية أبي سعيد وأبي الدرداء وأبي أيوب وأبي هريرة، وروى هذا المعنى من رواية عدة من الصحابة الكرام، انظروها في كتب السنة الشريفة، روى من رواية ابن أنس وأبي ابن كعب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود ومن رواية معاذ بن جبل والنعمان بن بشير ومن رواية أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنهم أجمعين، فبها هذا المعنى أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وقد اختلفت أنظار أئمتنا في توجيه المراد بهذا الحديث وابرز ما قيل في ذلك قولان: الأول: تعدل ثلث القرآن من حيث الثواب والأجر والله يختص ما يشاء بما يشاء سبحانه وتعالى، فمن قرأ سورة الإخلاص له كأجر من قرأ عشرة أجزاء من القرآن الكريم.

والثاني: هي ثلث القرآن من حيث الموضوع، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله وألف كتاباً في ذلك سماه (جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به رسول الرحمن من أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) وحاصل كلامه وكلام غيره في هذا الشأن أن القرآن من حيث الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام توحيد، وأحكام شرعية من عبادات ومعاملات وغير ذلك، قصص والقصص جاء لتقرير هذين الأمرين وتوكيدهما وإثباتهما، لتقرير التوحيد وإثبات الأحكام الشرعية، فالقرآن لما كان ينقسم إلى ثلاثة أمور توحيد، وأحكام شرعية، وقصص، سورة الإخلاص تمحصت في توحيد الخالق جل وعلا حتى ثلث القرآن من هذا الاعتبار. وأنا أقول لا مانع من الجمع بين الأمرين هي ثلث القرآن من حيث موضوعها، وهي ثلث القرآن من حيث ثوابها والأجر على قراءتها والله ذو الفضل العظيم. إخوتي الكرام: هذه السورة لها شأن عظيم من قرأها عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة، ثبت هذا في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير (وعمل اليوم والليلة) لأبن السني من رواية معاذ بن أنس الجهني ورواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام الدرامي في سننه من رواية أبي عقيل زهرة بن معين عن سعيد ين المسيب مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -[أن من قرأ سورة الإخلاص عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة] وفي رواية أبي هريرة والرواية المرسلة لسعيد بن المسيب [من قرأها عشرين مرة بني له قصران، ومن قرأها ثلاثين مرة بني له ثلاثة قصوراً فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، إذاً نستكثر قصوراً يا رسول الله. سبحان ربي العظيم وقصر في أي دار في دار باقية لا تفنى ولا تزول.

إخوتي الكرام: كم نتنافس ونشقى ونتعب وننحني في تحصيل كوخ في هذه الحياة، ثم نزهد بعد ذلك في قصور الجنات، إن هذه هي السفاهة والحماقة بعينها [إذاً نستكثر قصوراً فقال النبي عليه الصلاة والسلام الله أكثر وأطيب] وفي رواية الدارمي [الله أوسع] وملكه سبحانه وتعالى لا ينقضي ولا يحيط به إلا هو سبحانه وتعالى. إخوتي الكرام: وهذه الروايات لا تنزل عن درجة الحسن بحال. أما رواية سعيد بن المسيب فهي مع إرسالها حكم عليها الإمام ابن كثير بأن هذا المسند حسن الإسناد ومن بحث في رجال إسنادها يرى أن جميع رجال الإسناد رجال أئمة ثقات إثبات من رجال الصحيحين إلا عبداً واحداً صالحاً ولياً وهو أبو عقيل زهرة بن معين فهذا خرج له النبلاء فقط وأهل السنن الأربعة ولم يخرج له الإمام مسلم وقد توفي 135هـ قال الإمام الدارمي بعد أن روى الحديث من طريقه إلى سعيد بن المسيب في (التقريب) قال ثقة عاين ولما ترجمه الإمام الذهبي في (الكاشف) قال كان من الأولياء وتقدم معنا ما يتعلق بتعريف الإبدال والأحاديث الواردة فبهم فلا يتعين ذلك عن أذهانكم ورواية أبي هريرة رضي الله عنه فيها ضعف من حيث الإسناد ورواية معاذ بن أنس الجهني لكن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن بحال، وهذا ثابت من كلام نبينا المختار عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام: هذه هي الأجور والمقام التي يحصلها من يذكر الله بأعظم صيغ الذكر بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله، وبكلامه في السورة التي نزلها في بيان النسبة ونسبها سبحانه وتعالى وهي سورة الإخلاص. وإذا كان ال بكلمة التوحيد ويكثر من قراءة هذه السورة المباركة وهي سورة الإخلاص. ما الذي حصل بعد ذلك؟ إن الأمر تغير بانتكاس العقول وعبد الناس أنفسهم وهم يظنون أنهم يعبدون ربهم. {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا} .

{أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم سمعه وفله وجل على بحر غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} . إخوتي الكرام: حصل في هذه الأمة فرقة ضالة وثبتت فيها ثابتة حرفت وغيرت الأذكار الشرعية المأثورة عن خير البرية عليه الصلاة والسلام، وعكفوا على أذكار مبتدعة زعموا أن شريعة الله المطهرة تدل عليها ولا يشهد لذلك كتاب ولا سنة ولا قول عالم من هذه الأذكار باللفظ المفرد بكلمة (الله، الله،) ، (حي، حي) ، (قهار، قهار) (سميع، سميع) (أحد، أحد) ومنها الله بالإسم المفرد مضراً (هو، هو، هو، هو) تراهم يعكفون على هذه الصيغ (الله، الله، الله) ثم يحرفون الصيغة أيضاً بحيث يسقط الألف واللام أحياناً والهاء يبدلها إلى حا فتراهم من سرعة كلامه اح أح عندما يتكلم وبعد ذلك (هو، هو) يعوي ويمد هذه الكلمة، يا عبد الله علام هذا علام هذا؟ ألا ذكرت الله بأفضل كلمة نطق بها خير خلق الله عليه الصلاة والسلام ونطق بها أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه (لا إله إلا الله) علام هذا التكلف (حي، حي، قهار، قهار، أحد، أحد، هو، هو) علام هذا، واشتط هؤلاء ففريق قال إن هذا جائز وفريق قال هذا أفضل الأذكار، فلا إله إلا الله ذكر العوام، والله، الله بالاسم المفرد مظهراً ذكر الخواص، هو، هو بالاسم المفرد مضمراً ذكر خواص الخواص، من هؤلاء خواص الخواص؟

أنا أريد أن أعلم، إذا ما كان نبينا عليه الصلاة والسلام خير خلق الله هو خاصة الخاصة وهو أحب الخلق إلى الله، فمن هو خاصة الخاصة؟ الذي يذكر الله بهذه الصيغة هو، هو؟ وأعرف بعض الناس يجلس كل يوم قبيل الفجر فيذكر الله عشر آلاف مرة بصيغة الله، الله، وهو، هو في كل يوم صيغة فقلت يا عبد الله والله ما أشك إن شاء الله من حسب ما يبدو من حالك إنك تريد ذكر الله وعبادة الله وتحب الله على حسب ما يظهر لكم هذا لذكر المبتدع المحدث ما أعلم هل ستخرج رأساً برأسي فلا أجراً ولا ترتكب وزراً أم سترتكب وزراً بهذا، ألا قلت بدل هذا صيغة منقولة عن حبيبك عن رسولك عن نبيك عليه الصلاة والسلام، الكف عن كلمة التوحيد، على التسبيح، على التحميد، على الحوقلة، على أي صيغة من صيغ الأذكار عشر آلاف مرة قبيل الفجر كل يوم يقول هذا بقراءة ساعتين إلى ثلاث ساعات. عجباً من جد أهل الباطل وأهل البدع في باطلهم وبدعهم وعجزنا عن حقنا والذي يطنطن صباح مساء في التوحيد ما أظن أنه يقوم قبل الفجر الربع ساعة ليقول هذه الصيغة المباركة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، ألا من رحمة ربك، وانظر إلى أهل البدع وجدهم في ضلالهم وبدعهم وعجزنا وضعفنا وخورنا عن حقنا وعن الهدى الذي جاء نبينا - صلى الله عليه وسلم -. إخوتي الكرام: أذكار مبتدعة الله، ثم تغيير في الصيغة ثم هو، هو عكفوا على هذا في خاصة أنفسهم وفي بيوت ربهم وحولوا بيوت إلى مكان للذكر المبتدع من قبل أنفسهم كما حولها الصوفية إلى مكان للقصائد والأشعار والرقص مع تبرير فعلهم ووجد أيضاً في هذا الوقت من يبرر هذا النقل وله أدلة من هنا ومن هناك وغاية ما أيدوا به هذا ثلاثة أمور.

أولها: قالوا إن هذا يدل على جوازه كتاب وسنة رسول عليه الصلاة والسلام والتعليلات العقلية، أما القرآن قالوا إن الله تعالى نص على جواز الذكر بالاسم المفرد بكلمة الله في كتابه فقال جل وعلا في سورة الأنعام {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} والآية إخوتي الكرام في بدايتها {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشرٍ من شيءٍ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدىً للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباءكم قل الله} أي الله هو الذي أنزل ذلك الكتاب والكتب السماوية، قل الله أنزله، {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} ليس {قل الله} أي أذكر الله بهذه الصيغة قل (الله، الله، الله، قهار، قهار، قهار) قل الله واستمع إلى الآية {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدىً للناس تجعلونه قراطيس} والقراطيس هي الصحف المفرقة وكان أهل الكتاب عليهم لعنات الكريم الوهاب يكتبون التوراة والإنجيل في صحف مفرقة ليظهروا ما أرادوا وليكتموا ما أرادوا، فإذا التي لم يوافق أهوائهم كتموا الصحيفة التي فيها هذا الأمر، ومن أجل هذا كره من أئمتنا تجزئة القرآن وأمروا بأن يطبع كاملاً ويتبع آخره أوله من أجل ألا نتشبه بأهل الكتاب الذين كانوا يقطعون كتبهم وإذا حصل هذا من باب التيسير على النشء فلا حرج، إنما من أجل ألا نتصف بهذه الصفة، كان أئمتنا يكرهون تجزئة القرآن، {تجعلونه قراطيس} تكتبونه على أوراق متفرقة فإذا أردتم أن تستدلوا بشيء لكم أخرجتم هذه الصحيفة، وإذا الشيء فيه حجة عليكم كتمتم تلك الصحيفة وقلتم هذه الصحف ليس فيها ذلك الكلام {تبدونها وتخفون كثيراً وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباءكم} من أنزل الكتاب؟ {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يعلبون} أي الله أنزل مبدأ والخبر محذوف مقدر لا تخفي على أحد، وأئمتنا يقولون المحذوف إذا دل عليه مذكور كان في حكم الملفوظ {قل الله} .

وكان رؤية بن الحجاج عليه رحمة الله إذا سأل كيف أصبحت قال خير ما قال (الله) أي أصبحت بخير ما قال الله حرف الجر يحذفه. وأما أن تقول {قل الله} يعني أذكر الله بهذا الاسم المبارك (الله، الله، الله) فهذا من باب التلاعب بكلام الله جل وعلا، ولما مر بعض الأعراب على مؤذن يؤذن فنصب لفظ الرسالة في الآذان فقال (أشهد أن محمداً رسول الله) فوقف الأعرابي فلما انتقل المؤذن إلى الجملة الثانية (حي على الصلاة) نادى الأعرابي بأعلى صوته أيها المؤذن أمجنون أنت قف. أين الخبر (أشهد أن محمداً رسول الله) بأي شيء ستخبر عنه، صادق؟ كاذب؟ رسول الله حقاً وصدقاً؟ أخبر عنه، فجعل الرسول بدلاً من محمد أين الخبر، إنما الخبر رسول الله، فاخبر حصل بصفة الرسالة، أجزت بكلام تام القائدة يحسن السكوت عليه. لو قال الشيوعي هذه الكلمة (الله) مليار مرة لما صار من عداد الموحدين حتى يقول لا إله إلا الله، (الله، الله) ماذا تقص، الله جليل كريم أم بخلاف ذلك، الله حق أو باطل، أخبر وتكلم بلام يحسن السكوت عليه، ويفيد قائدة معلومة واضحة، أما الله، الله، الله، ثم إذا طرأ عليه تحريف فهو أشنع وأشنع فالآية لا تدل على ذلك بوجه من الوجوه.

ومرة ناقشت بعض الزائرين في بلاد مصر من الذين لهم شأن وقال هذا مذكور في كتاب الله، قلت الذكر بالاسم المفرد مذكور في كتاب الله؟ قال نعم الله هو؟ قال {فسبح باسم ربك العظيم} واسم الله، الله فتقول الله، الله وقال جل وعلا في سورة الأعلى {سبح اسم ربك الأعلى} ، {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا} ، قلت يا عبد الله سنفسر كلام الله جل وعلا على حسب أهوائنا وكما نريد أم عندنا طريق سديد لنا نبينا الحبيب عليه الصلاة والسلام، قال كما نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن أئمتنا، قلت لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} قال نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام اجعلوها في سجودكم، والحديث في المسند وسنن ابن ماجة وأبي داود والدارمي وابن مردويه في تفسيره وابن المنذر في تفسيره وإسناد الحديث صحيح كالشمس من رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه وأرضاه قال [لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} قال اجعلوها في ركوعكم] ماذا نقول في ركوعنا؟ (الله، الله) أم نقول سبحان ربي العظيم، [ولما نزلت {سبح اسم ربك الأعلى} قال نبينا عليه الصلاة والسلام اجعلوها في سجودكم] ماذا نقول في سجودنا (الله، الله) أم نقول سبحان ربي الأعلى. أما أن نذكر الله بكلمة لا تدل على شيء لا على إيمان ولا على كفران، لا على حب ولا على بغض، لا على تكريم ولا على تحقير، فهذا ليس بذكر لله الجليل سبحانه وتعالى، وأشنع من هذين المسلكية ما ذكره الإمام الرازي في تفسيره عن تفسير سورة الصمد في الجزء 32/179 قال في هذه الآية فائدة معتبرة أشير بها إلى المقامات الثلاثة.

{قل هو الله أحد} قال هو هذه للمقربين، الله لأصحاب اليقين، أحد لأصحاب الشمال، الذكر بهو يقول هذا للمقربين، قال لا تهم لا يتصورون الله بكيفية فلا يعرف كيف الله إلا الله فهم يقولون هو، هو، هو، ولا يشهدون غيره، وأما الذين شاهدوه وشاهدوا الأخيار وعظموه فهم يقولون الله، الله، الله، وأما أهل الشمال فهؤلاء الذين جعلوا التعدد لله جل وعلا، والشركاء فيقال لهم أحد. والله هذا من تفسيرات الباطنية والتلاعب بكلام رب البرية. والإمام الرازي عليه رحمة الله صاحب كتاب مفاتيح الغيب والتفسير الكبير توفي سنة 606هـ نحبه ونكن له ولأئمتنا كل احترام وتقدير لكن الحق أحق بالإتباع، وهذا الكلام لابد أن ينزه عنه كلام الله جل وعلا من باب تفكيك كلام الله والتلاعب بمدلوله. {قل هو الله أحد} تأتي تفكك هذه الجملة وتقول هو لصنف والله لصنف واحد لصنف ما هو الدليل على هذا يا عبد الله؟ إخوتي الكرام بحث شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى في الجزء 10/226 إلى صـ236 وعاد المبحث في صـ556 إلى صـ566 في هذه القضية في عشرين صفحة وبين بأن الذكر بالاسم المفرد لم ترد شريعة الله المطهرة سواء سمات مظهراً أم مضمراً فارجعوا إلى تفصيل الكلام على ذلك في هذين المكانين المشار إليهما. إخوتي الكرام: هذا ما استدل به من آيات القرآن على زعم الزاعمين أنه هناك أدلة من كلام رب العالمين تدل على جواز الذكر بالاسم المفرد وأما أدلة السنة فقد استدلوا على ذلك بأدلة كثيرة أبرزها دليلان، دليل مكذوب بإجماع أئمتنا، ودليل صحيح باتفاق أئمتنا، ولا دلالة فيه على ما يقولون.

أما الحديث المكذوب فقالوا إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقن علياً الذكر بالاسم المفرد أن يقول الله، الله، الله، الله، قال أئمتنا كما في (مجموع الفتاوى) في المكانين المشار إليهما وهذا ما قرره أئمتنا رحمة الله عليهم أجمعين، قالوا هذا حديث مكذوب باتفاق أهل العلم بالحديث لا يوجد في دواوين الإسلام. والحديث الثاني صحيح لكن لا دلالة فيه على المطلوب وقد استدل به كثير من الناس وقابلني بعضهم بهذا الدليل وقال ما تقول فيه قلت ما أقول فيه إلا كما يقول أئمتنا فاستمع. الحديث إخوتي الكرام في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ورواه الإمام الترمذي في سننه، وهو في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ورواه عبد بن حميد في مسنده ورواه أبو يعلى في مسنده والإمام أبو نعيم في حليته، (حلية الأولياء) من رواية سيدنا أنس بن مالك خادم النبي عليه الصلاة والسلام قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول [لا تقوم الساعة على رجل يقول الله، الله] بالضبطتين وسيأتي توجبها إن شاء الله.

وفي رواية [لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله، الله] إذا حصل هذا تقوم الساعة فقال الرجل هذا الحديث ثابت، يقول الله قلت يقول الله، معناها يذكر الله قال لا قلت استمع إلى رواية الحديث، الحديث رواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح أيضاً من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [لا تقوم الساعة حتى لا يقال الله، الله] والحديث رواه أبو تميم في (حلية الأولياء) في الجزء 3/35 من رواية أنس ثم نقله عن مجاهد من رواية ثلاثة من الصحابة آخرين من رواية عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين وقال رواية هؤلاء عن مجاهد مجموعه غريبة والرواية الصحيحة الثابتة عن أنس وأننا أقوله ورواية أيضاً عبد الله بن مسعود صحيحة ثابتة في المستدرك، وهذا الرواية إخوتي الكرام المراد منها ما وضحته الروايات الأخرى وهو الذي فهمه أئمتنا، الأمام النووي في صحيح مسلم في شرح صحيح مسلم في الجزء الثاني صـ178 في كتاب (الإيمان) بوب على هذا فقال (باب ذهاب الإيمان في أخر الزمان) وليس الحديث مسوقاً لأثبات الذكر بهذه الصيغة أو بغيرها، أي خروج ناس من الذين تعش الزمان عدم وجود أحد من الموحدين، وهذا يكون عند مجيء الريح اللينة الطيبة من بلاد اليمن عندما تأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة ولا يبقى إلا شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة. فإذاً هذا هو المراد من الحديث، ويدل على هذا رواية ابن حبان والحاكم في المستدرك وعن بن حميد [لا تقوم الساعة حتى لا يقول أحد لا إله إلا الله] وفي رواية [حتى لا يقال لا إله إلا الله] زاد الحاكم في بعض الروايات والخطيب البغدادي في كتاب (تاريخ بغداد) من رواية أبي هريرة أيضاً، ورواية الحاكم من رواية أنس رضي الله عنهم أجمعين [حتى لا يقال لا إله إلا الله ولا يؤمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر] والحديث ورد ما يقرر هذا المعنى له في كتاب

(تهذيب الآثار) للإمام الطبري، (وتاريخ نيسابور) للإمام الحاكم من رواية بريدة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [لا تقوم الساعة حتى لا يعبد الله في الأرض قبل مائة سنة] يبقى الناس من يأذن الله ويشركون ولا يوجد عابد لله مائة سنة ثم بعد ذلك تقوم الساعة وعليه لا يقول الله ليس المراد لا بذكر الله بهذه الصيغة إنما لا يوجد من يوحد الله ولذلك قال أئمتنا (الله، الله) إما أن تكون خبراً والمبني محذوف الله ربنا الله إلهنا، وإما أن تقول منصوب على التقدير كما تقول الأسد، الأسد، وعليه لا يقال الله، الله، أي لا يقول أحد اتقوا الله، خافوا الله، لا يقول أحد الله ربنا، أي لا يوجد مؤمن موحد في ذلك الزمن، وليس المراد من الحديث ذكر الله بهذه الصيغة (الله، الله) فكل هذا كما قلت إخوتي الكرام، استدلال على المطلوب وليس في الحديث دلالة على ذلك بوجه من الوجوه. إخوتي الكرام: هذه كما قلت أدلة تعلقوا بها من السنة، وأما أدلة عقلية فحقيقة هي كثيرة حول الذكر بالاسم المفرد المظهر (الله، الله) والاسم المضمر (هو) أذكر بعض هذه التعليلات العقلية العليلة التي ذكروهما ويقين التعليلات عندهم خاصة مني يتعلق بلفظ (هو) أذكرهما مقدمة لفضل ذكر الله بكلمة الإخلاص وسورة الإخلاص في الموعظة الآتية إن شاء الله. نقل عن بعض من يقولون بالذكر بالاسم المفرد كالشبلي وهو دلف بن جحدر أبو بكر الشبلي كان شيخ ال والصوفية في زمنه وقد توفي سنة 334هـ كان يعكف على ذكر الله بهذه الصيغة (الله، الله) فقيل له ألا تقول لا إله إلا الله، فانظر إلى التعليل البلل والفلسفة ال قال

(أخشى أن أموت بين النفي والإثبات) يعني أخشى إن قلت لا إله أموت فأكون قد كفرت، سبحان الله العظيم، وإذا حصل هذا ماذا جرى، إنما الأعمال بالنيات، أفرض لو أن لسانك أخطأ وقلت اللهم أنت عبدي وأنا ربك كما نقل صاحب الراحلة أخطأ من شدة الفرح ماذا جرى الله هو الذي يعلم ما في القلوب سبحانه وتعالى، فهل أنت تريد تنفي الألوهية عن رب البرية، حتى يلزم من ذلك محذور إذا مت بين النفي والإثبات، وهذا كلام باطل والإمام الشبلي كان يعتريه شيء أحياناً من جفاف الدماغ لشدة مجاهدته فأئمتنا قالوا ما حصل منه هو من باب الخطأ المقدور لا من باب السعي المشكور فلا يقتدى به في هذا الأمر ونلتمس له عذراً ونرد قوله وقول كل قائل إذا لم يكن القول له مستنداً من نبينا عليه الصلاة والسلام، والإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) في المكانين المشار إليهما آنفا قال (يغفر للإمام الشبلي لقوة إيمانه بربه وكثرة مجاهدته ووقوع هذا الكلام منه في حال سكره ووجده) ويراد بالسكر الهيمام الذي يعتريه عند ذكر الرحمن يغفر له لهذا، لكن هذا من باب الخطأ المقدور لا من باب السعي المشكور قال وقد وافقه على ذلك أبو يزيد البسطاسي وهو عيسى بن تيفور وتوفي سنة 261هـ وافقه على ذلك وهو على شاكلته في ذلك ثم قال (والمشايخ الذين هم أصح حالاً من هؤلاء ما كان يذكرون الله بهذه الصيغة لا مظهرةً ولا مضمرة ثم قال وإذا تنازع الناس فيتبقى رد الأمر إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم -، هل ورد عنه أم لا. إخوتي الكرام:

انظروا ترجمة الشبلي أن شئتم في (سير أعلام النبلاء) في الجزء 15/367 وقد أنصفه الإمام الذهبي ونقل شيئاً من كلامه الحسن أنه عندما سئل عن العارف الموحد الصادق فقال له صدر مشروح وقلب مجروح وجسم بين يدي الله مطروح، وهو من الكلام الحسن الذي نقل عن هذا العبد الصالح وهكذا العبد الصالح أيضاً أبو يزيد البسطاسي وأن نقل عنه ما نقل فيرد ما خالف السنة، ولا نحتكم إلا إلى سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، انظروا أيضاً إلى ترجمته في (سير أعلام النبلاء) في الجزء 13/88، ونقل من كلامه شيئاً كثيراً يعد ما نعته بأنه سلطان العافين، ومن كلامه الطيب العذب أنه كان يناجي الله جل وعلا فيقول ليس العجيب من حبي لك وأنا عبد فقير، إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير، وكان يقول لله جل وعلا هذا فرحي بك في حال خوفي منك، فكيف يكون فرحي بك إذا أمنتك، سبحان ربي العظيم، كلام حق يقوله هذا العبد الصالح ومن كلامه وحكم به الإمام الذهبي ترجمته أنه كان يقول لو حقت لي تهليله ما باليت بعدها، فاجرى من هذا وذاك من أمثالها في حال غيبوبة العقل عنهما فكما قلت خطأ مقدر إن شاء الله فاعله، ولا يجوز الإقتداء به. إخوتي الكرام: ينبغي أن نذكر الله بما اثر عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن نكثر من قول لا إله إلا الله وأخبرنا بأن من قالها وكانت آخر كلامه دخل الجنة، كما ثبت في المسند وسنن أبي داود ومستدرك الحاكم، والحديث إسناده صحيح كالشمس من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة] .

وقد أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نلقن الموتى كلمة التوحيد لا إله إلا الله وما أمرنا أن نلقنهم الله، ولا هو، لئلا يموتوا بين النفي والإثبات على زعم الزاعم والأحاديث في ذلك كثيرة وفيرة ومتواترة أيضاً أقطع وأسأل أما الله أن أحاديث تقين الميت كلمة التوحيد لا إله إلا الله متواترة منقولة عن عشرة من الصحابة الكرام أو أثرين رضي الله عنهم وأرضاهم. فمن هذه الروايات ما في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة، والحديث رواه ابن حبان والسنن الكبرى للبيهقي والمصنف لأبن أبي شيبة من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [لقنوا موتاكم لا إله إلا الله] والحديث في صحيح مسلم أيضاً وسنن بن ماجة ورواه ابن حبان والبيهقي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لقنوا موتاكم لا إله إلا الله] وروى هذا المعنى الإمام النسائي عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها والطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن مسعود والروايات كلها مرفوعة إلى نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام. وروى أيضاً حديث التلقين من رواية عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وروي من رواية حذيفة بن اليمان، وروي من رواية عروة بن مسعود الثقفي وغير هؤلاء انظروا مجمع الزوائد جزء 2/322 في كتاب (الجنائز) باب (في تلقين الميت لا إله إلا الله) . إخوتي الكرام: فلابد من العكوف على الأذكار الشرعية المنقولة عن نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام. أما هذه الأذكار المبتدعة (الله، وهو) والتغيير بعد ذلك في صيغ هاتين اللفظيين فهذا زيادة ضلال وبدع إلى ضلال وبدع والصالحون من أهل السلوك ينكرون هذا، ينقل الإمام الأخيري في منظومته التي ألفها في التصوف وقد توفي سنة 983هـ عن أئمة التصوف الصادقين إنكار هذا فيقول، وقال: وقال بعض السادة المتبعة ... في رجز بهجوية المبتدعة

ويذكرون الله بالتغيير ... وينهقون النهق كالحسير وينجون النيج كالكلاب ... طريقهم ليست على الصواب وليس فيهم من فتى مطيع ... فلعنة الله على الجميع أي من انحرف عن شريعة النبي عليه الصلاة والسلام وابتدع من البدع ما لم يأذن به الله، فيستحق هذه العقوبة عند الله. أسأل الله أن يجعل هوانا تبعاً لشرعه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين. اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام: ما تقدم معنا من أن كلمة التوحيد لا إله إلا الله وحده لا شيك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لقولها أجور كثيرة إذا قالها الإنسان مرة أو عشر مرات أو مائة مرة أو مائتين مرة في هذا دلالة واضحة على أن الأذكار الشرعية ورد لها قدر وحد عن خير البرية عليه الصلاة والسلام بما يزيد على مائة وما قاله بعض الناس في هذه الأيام أنه ما وقف على رواية فيها ذكر الله بعدد يزيد على مائة فالرواية التي تقدمت من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ترد هذا القول وتبطله ثم رتب على هذا فقال، فما يقوله بعض الناس من أنه لابد من اتخاذ سبحة لعد التسبيح بها لأنه يصعب علينا أن نعد بأصابعنا قال هذا جاء من بدعة أخرى وهي أنهم أرادوا أن يذكروا الله بعدد معين ما ورد في الشرع أخباره، وغاية ما ورد في الشرع الذكر بعدد مائة وما ورد أكثر من هذا ومائة يمكن أن ت الأصابع وعليه اتخاذ السبحة باطل وهو بدعة، وخير الكلام بأنه إلى هذا من قبل بعض السلف الكرام كإبراهيم النخعي بأن السبحة بدعة، ثم بعد ذلك قال مفاسد السبحة لا تحصى وذكر هذا في سلسلة الأحاديث الضعيفة في الجزء 1/110 وطول الكلام ولم يأت بطائل فذكر في ذلك سبع صفحات وما تقدم معنا إخوتي الكرام نص صريح من أنه ورد من الأذكار ما يقدر ما يزيد على مائة كما تقدم معنا. الأمر الثاني، القول بأن السبحة بدعة ما أعلم أحداً من سلفنا الكرام المتقدمين قال هذا ونسبة هذا إلى الإمام النخعي وهو حدد المكان سأذكر المكان وأشير إلى نسبة حقيقة فيها شيء من التخريف في المفر كما ستسمعون، وأما اتخاذ السبحة فكما قلت سابقاً هي تدخل في دائرة الإباحة فحذار أن نفتري على سنة النبي عليه الصلاة والسلام فنقول سنة ولها شأن.

وحذر أيضاً أن تقول على النبي عليه الصلاة والسلام فتقول أنها بدعة خلاف سنته وخلاف هديه اتق ربك إنا تدخل في دائرة الإباحة، وهي شكل من أشكال العد فإن عد بالحصى أو بالنوى أو بالسبحة أو بالأصابع، بأي ذلك حصل منه، أجزأ وإن كان العد بالأصابع أفضل. وهذا ما قرره أئمتنا وكنت قد بينت أن شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية قرر هذا في مجموع الفتاوى جزء 22/507 فقال والتسبيح بالخرز لا بأس به بل هو مستحب إن أحسنت النية فيه، والاستحباب لا يقصد منه أنه استحباب لدليل ثابت بالخرز إنما يقصد منه أن هذا مشروع بالجملة ولا حرج فيه وهذا ما قرره أئمتنا، انظروا في (بذل المجهود في شرح سنن أب داود) في الجزء 7/351 وانظروه أيضاً في (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) في الجزء 1/555 والإمام السيوطي ألقى رسالة في ذلك في أول المجلد الثاني 2/2 فبما سماها المنحة في السبحة، وأما أثر الإمام النخعي الذي استدل به على كراهة السبحة ولا دليل فيه كما قلت على ذلك هو موجود في المصنف 2/ 391 ونحن إخوتي الكرام عندما ننقل عن بعض سلفنا، نحن واسطة بيننا وبين القراء فينبغي أن نتقي الله أولاً في الصدق في النقل، ثم في الصدق في بيان المراد بهذا النقل وكل من انحرف عن هذين الأمرين فيتصف بصفة الخيانة عند رب الكونيين، الإمام ابن أبي شيبة في كتابه المصنف عقد بابين لذلك. الباب الأول قال (باب في عقد التسبيح وعدد الحصى) بعقد بالتسبيح وبعد أيضاً بالحصى وبعد بهما وأورد هذا في صفحتين متتاليتين عن عدد من السلف من صحابة وتابعين كانوا يعدون بالتسبيح والنوى والخرز وغير ذلك ثم قال (باب من كره عقد التسبيح) ولا يريد من ذلك اتخاذ سبحة إنما يريد عد التسبيح، فاسمعوا لما ترجم به الإمام ابن أبي شيبة والآثار التي أوردها.

الأثر الأول نقله عن إبراهيم النخعي قال كان عبد الله بن بي مسعود يكره العدد ويقول أيمن الله حسناته فما كان إذاً يكره السبحة لأجل السبحة ولا يكره العد بالأصابع لأجل الأصابع ولا يكره العد بالحصى لأجل الحصى إنما سلفنا الكرام يريدون من الذاكرين أن يكونوا على همة عظيمة، أن يذكر كل واحد منهم ربه آناء الليل وأطراف النهار وإلا يقتصر على عدد معين، ثم يقول أنت تعد حسناتك على الله جل وعلا، المقصود أذكر الله كثيراً دون أن تعد لذلك قدراً، نعم هذا همم الصحابة وأما نحن فضعفنا لا يعلمه إلا ربنا ولابد من أن ننظم أمورنا مع ربنا لئلا يلبس الشيطان علينا، فإذا أردنا أن نذكر دون عدد معين قد يأتي الواحد منا بذكر ربه عشر مرات يقول ذكرت ربك مائة ألف قم يكفيك لذلك لابد من أن نضبط الأمر لما حصل فينا ما حصل من نقص وتفلت. الأمر الثاني يورده بعد ذلك فيقول سألت بن عمر عن الرجل يذكر الله ويعقد فقال تحاسبون الله؟ فليس موضوع سبحة أو حصى أو يد، تحاسبون الله؟ يعني أنت تجلس تقول أن ذكرت الله خمسة آلاف مرة تريد أن تحاسب الله، تعدون حسناتكم. ثم آخر الآثار وهو الذي ذكره قال كان إبراهيم النخعي ينهي ابنته إن تعين العشاء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها، لم من أجل كراهية العد لئلا يمن الإنسان بحسناته ولئلا يحاسب ربه على طاعاته، وهذا ما عقد عليه الإمام ابن أبي شيبة باباً فقال (باب من كره عقد التسبيح) . وليس الكلام كما قلت في سبحة أو في عد بأصابع يد أو عد بحصى، إنما كان سلفنا يريدون من المؤمنين أن يكونوا على همة عالية وأن يستغرق الإنسان في ذكر ربه آناء الليل وأطراف النهار. اللهم صل على نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق العصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك، ومن المقربين لديك، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم اجعل حبك وحب رسولك - صلى الله عليه وسلم - أحب إلينا من كل شيء، أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا، أحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، الله أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من بركات الأرض بفضلك ورحمتك.

المساجد

المساجد (أحاديث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان المساجد البخاري: بَاب وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الثِّيَابِ: وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذًى وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ * بَاب هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ: 403 حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا * بَاب الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ وَصَلَّى ابْنُ عَوْنٍ فِي مَسْجِدٍ فِي دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمُ الْبَابُ:

461 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ رَأَيْتُ سَالِمَ ابْنَ عَبْدِاللَّهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَةِ وَسَأَلْتُ سَالِمًا فَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا وَافَقَ نَافِعًا فِي الْأَمْكِنَةِ كُلِّهَا إِلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ *

462 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَاللَّهِ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ وَفِي حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ تَحْتَ سَمُرَةٍ فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزْوٍ كَانَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَبَطَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي الشَّرْقِيَّةِ فَعَرَّسَ ثَمَّ حَتَّى يُصْبِحَ لَيْسَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِحِجَارَةٍ وَلَا عَلَى الْأَكَمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَسْجِدُ كَانَ ثَمَّ خَلِيجٌ يُصَلِّي عَبْدُاللَّهِ عِنْدَهُ فِي بَطْنِهِ كُثُبٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَّ يُصَلِّي فَدَحَا السَّيْلُ فِيهِ بِالْبَطْحَاءِ حَتَّى دَفَنَ ذَلِكَ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ عَبْدُاللَّهِ يُصَلِّي فِيهِ وَأَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَيْثُ الْمَسْجِدُ الصَّغِيرُ الَّذِي دُونَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ وَقَدْ كَانَ عَبْدُاللَّهِ يَعْلَمُ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثَمَّ عَنْ يَمِينِكَ حِينَ تَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ تُصَلِّي وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ الْيُمْنَى وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْعِرْقِ

الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءِ وَذَلِكَ الْعِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفِهِ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ دُونَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْصَرَفِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ وَقَدِ ابْتُنِيَ ثَمَّ مَسْجِدٌ فَلَمْ يَكُنْ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ كَانَ يَتْرُكُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَوَرَاءَهُ وَيُصَلِّي أَمَامَهُ إِلَى الْعِرْقِ نَفْسِهِ وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ يَرُوحُ مِنَ الرَّوْحَاءِ فَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَإِذَا أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصُّبْحِ بِسَاعَةٍ أَوْ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ عَرَّسَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْحَ وَأَنَّ عَبْدَاللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ دُونَ الرُّوَيْثَةِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَوِجَاهَ الطَّرِيقِ فِي مَكَانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ حَتَّى يُفْضِيَ مِنْ أَكَمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّوَيْثَةِ بِمِيلَيْنِ وَقَدِ انْكَسَرَ أَعْلَاهَا فَانْثَنَى فِي جَوْفِهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ وَأَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْعَرْجِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْقُبُورِ رَضَمٌ مِنْ حِجَارَةٍ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ سَلَمَاتِ الطَّرِيقِ بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلَمَاتِ كَانَ عَبْدُاللَّهِ يَرُوحُ مِنَ الْعَرْجِ بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بِالْهَاجِرَةِ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَأَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ فِي مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى ذَلِكَ الْمَسِيلُ لَاصِقٌ بِكُرَاعِ هَرْشَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ وَكَانَ عَبْدُاللَّهِ يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ هِيَ أَقْرَبُ السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ وَهِيَ أَطْوَلُهُنَّ وَأَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ فِي الْمَسِيلِ الَّذِي فِي أَدْنَى مَرِّ الظَّهْرَانِ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ يَنْزِلُ فِي بَطْنِ ذَلِكَ الْمَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلَّا رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ وَأَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوًى وَيَبِيتُ حَتَّى يُصْبِحَ يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ وَمُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ لَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ وَلَكِنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ وَأَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ الْمَسْجِدِ بِطَرَفِ الْأَكَمَةِ وَمُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الْأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ تَدَعُ مِنَ الْأَكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا ثُمَّ تُصَلِّي

مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ * بَاب فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَكَانَ الْأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً: 795 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ فِي دَارِهِمْ قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَ أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ*

843 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عَبْدِالْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ الْبَحْرَيْنِ *

1113 حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ فَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ رَضِي اللَّهم عَنْهم وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بِبَنِي سَالِمٍ وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ إِذَا جَاءَتِ الْأَمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَإِنَّ الْوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتِ الْأَمْطَارُ فَيَشُقُّ عَلَيَّ اجْتِيَازُهُ فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَفْعَلُ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرَ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ يُصْنَعُ لَهُ فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ رَسُولَ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَا فَعَلَ مَالِكٌ لَا أَرَاهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ذَاكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُلْ ذَاكَ أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لَا نَرَى وُدَّهُ وَلَا حَدِيثَهُ إِلَّا إِلَى الْمُنَافِقِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ بِأَرْضِ الرُّومِ فَأَنْكَرَهَا عَلَيَّ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا قُلْتَ قَطُّ فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي حَتَّى أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ فَقَفَلْتُ فَأَهْلَلْتُ بِحَجَّةٍ أَوْ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَتَيْتُ بَنِي سَالِمٍ فَإِذَا عِتْبَانُ شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ

أَوَّلَ مَرَّةٍ * بَاب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا قَالَ الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ يُحَدِّثُ مِثْلَ هَذَا عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ* 2653 حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ*

2656 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ أَجْرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضُمِّرَ مِنَ الْخَيْلِ مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى قَالَ عَبْدُاللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُاللَّهِ قَالَ سُفْيَانُ بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ وَبَيْنَ ثَنِيَّةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ* 2657 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ وَكَانَ أَمَدُهَا مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ سَابَقَ بِهَا قَالَ أَبمو عَبْد اللَّهِ أَمَدًا غَايَةً (فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) * 3115 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ*

4023 حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُالْمَلِكِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عَبْدِالْقَيْسِ بِجُوَاثَى يَعْنِي قَرْيَةً مِنَ الْبَحْرَيْنِ* بَاب الْهَدِيَّةِ لِلْعَرُوسِ:

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ واسْمُهُ الْجَعْدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَرَّ بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرُوسًا بِزَيْنَبَ فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ لَوْ أَهْدَيْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً فَقُلْتُ لَهَا افْعَلِي فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي إِلَيْهِ فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لِي ضَعْهَا ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَالَ ادْعُ لِي رِجَالًا سَمَّاهُمْ وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ قَالَ فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَنِي فَرَجَعْتُ فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَقُولُ لَهُمُ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ قَالَ حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ وَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ قَالَ وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ الْحُجُرَاتِ وَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ فَقُلْتُ إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ وَإِنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ وَهُوَ يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا

دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) قَالَ أَبُو عُثْمَانَ قَالَ أَنَسٌ إِنَّهُ خَدَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ* 6796 حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ لِي انْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ فَأَسْقِيَكَ فِي قَدَحٍ شَرِبَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَسَقَانِي سَوِيقًا وَأَطْعَمَنِي تَمْرًا وَصَلَّيْتُ فِي مَسْجِدِهِ*

1046 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ* بَاب الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ ذِي الحُلَيْفَةِ * بَاب فَضْلِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَزِيَارَتِهِ *

4587 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ قَالَ وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا قَالَ وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ وحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا فِيهِمْ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وحَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ إِمَامُ مَسْجِدِ دَاوُدَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ثَلَاثُ خِصَالٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي تَمِيمٍ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُمْ بَعْدُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ قِتَالًا فِي الْمَلَاحِمِ وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّجَّالَ * بَاب أَمْرِ مَنْ مَرَّ بِسِلَاحٍ فِي مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الْجَامِعَةِ لِلنَّاسِ أَنْ يُمْسِكَ بِنِصَالِهَا: بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) *

5353 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ح وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ فَتَقُولُ مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا وَتَقُولُ الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) *

80 حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَرِ وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ وَإِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَدَّثَنَا وَقَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ فَتَوَضَّأَ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ صَدَقَ أَنَا صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ قَالَ أَبمو عِيسَى وقَالَ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ مَعْدَانُ بْنُ طَلْحَةَ قَالَ أَبمو عِيسَى وَابْنُ أَبِي طَلْحَةَ أَصَحُّ قَالَ أَبمو عِيسَى وَقَدْ رَأَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ الْوُضُوءَ مِنَ الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ فِي الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وُضُوءٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ جَوَّدَ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ حُسَيْنٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَى مَعْمَرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فَأَخْطَأَ فِيهِ فَقَالَ عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَوْزَاعِيَّ وَقَالَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْدَانُ بْنُ

أَبِي طَلْحَةَ * بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ * 291 حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَأَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ قَالَ أَبمو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي ذَرٍّ قَالُوا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا قَالَ أَبمو عِيسَى حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَكَانَ عَامَّةُ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَثْبَتُ وَأَصَحُّ مُرْسَلًا * 336 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ لِبِلَالٍ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ بُكَيْرٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْتُ لِبِلَالٍ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ حَيْثُ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ كَانَ يَرُدُّ إِشَارَةً وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ عِنْدِي صَحِيحٌ لِأَنَّ قِصَّةَ حَدِيثِ صُهَيْبٍ غَيْرُ قِصَّةِ حَدِيثِ بِلَالٍ وَإِنْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَوَى عَنْهُمَا فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا *

549 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ الْبَصْرِيُّ ثِقَة حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَقَ ابْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْمَغْرِبَ فَقَامَ نَاسٌ يَتَنَفَّلُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ قَالَ أَبمو عِيسَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَمَا زَالَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَفِي الْحَدِيثِ دِلَالَةٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ *

2869 حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا قَعَدَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ قَالَ أَبمو عِيسَى هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوَى أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ *

608 أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ وَعَمْرُو بْنُ يَزِيدَ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَسْجِدِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاة فَجُعِلُوا يُنْتَظَرُونَهُ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أُوتِرُ قَال وَسُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ هَلْ بَعْدَ الْأَذَانِ وِتْرٌ قَالَ نَعَمْ وَبَعْدَ الْإِقَامَةِ وَحَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَامَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى * 835 أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودٍ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ السُّيُولَ لَتَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَأُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَكَانٍ مِنْ بَيْتِي أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَفْعَلُ فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ *

840 أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَإِنِّي لَا أَحْسَبُ مِنْكُمْ أَحَدًا إِلَّا لَهُ مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ فِي بَيْتِهِ فَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَتَرَكْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ثُمَّ يَمْشِي إِلَى صَلَاةٍ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً أَوْ يَرْفَعُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً أَوْ يُكَفِّرُ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نُقَارِبُ بَيْنَ الْخُطَا وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومٌ نِفَاقُهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ * 873 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَمْعَانَ قَالَ جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ فَقَالَ ثَلَاثٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ بِهِنَّ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ مَدًّا وَيَسْكُتُ هُنَيْهَةً وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ *

1582 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ أَنْبَأَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْفِطْرِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَلَمَّا صَلَّى قَامَ نَاسٌ يَتَنَفَّلُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ * قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) * 2907 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُسْلِمًا الْبَطِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ تَقُولُ الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ قَالَ فَنَزَلَتْ (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) * 409 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ رَأَيْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ بَصَقَ عَلَى الْبُورِيِّ ثُمَّ مَسَحَهُ بِرِجْلِهِ فَقِيلَ لَهُ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لِأَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ *

737 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ * 790 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَا تَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عِتْقًا مِنَ النَّارِ * 1403 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا رُزَيْقٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَلْهَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ *

621 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطَّبَّاعُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضِ بْنِ عَمْرٍو الْقَارِيِّ قَالَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا وَنَحْنُ عِنْدَهَا جُلُوسٌ مَرْجِعَهُ مِنَ الْعِرَاقِ لَيَالِيَ قُتِلَ عَلِيٌّ رَضِي اللَّهم عَنْهم فَقَالَتْ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ هَلْ أَنْتَ صَادِقِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ تُحَدِّثُنِي عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيٌّ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ وَمَا لِي لَا أَصْدُقُكِ قَالَتْ فَحَدِّثْنِي عَنْ قِصَّتِهِمْ قَالَ فَإِنَّ عَلِيًّا رَضِي اللَّهم عَنْهم لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ وَحَكَمَ الْحَكَمَانِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ فَنَزَلُوا بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا حَرُورَاءُ مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ وَإِنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا انْسَلَخْتَ مِنْ قَمِيصٍ أَلْبَسَكَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْمٍ سَمَّاكَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ثُمَّ انْطَلَقْتَ فَحَكَّمْتَ فِي دِينِ اللَّهِ فَلَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمَّا أَنْ بَلَغَ عَلِيًّا رَضِي اللَّهم عَنْهم مَا عَتَبُوا عَلَيْهِ وَفَارَقُوهُ عَلَيْهِ فَأَمَرَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا رَجُلٌ قَدْ حَمَلَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا أَنِ امْتَلَأَتِ الدَّارُ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ دَعَا بِمُصْحَفٍ إِمَامٍ عَظِيمٍ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَصُكُّهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ أَيُّهَا الْمُصْحَفُ حَدِّثِ النَّاسَ فَنَادَاهُ النَّاسُ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَسْأَلُ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ مِدَادٌ فِي وَرَقٍ وَنَحْنُ

نَتَكَلَّمُ بِمَا رُوِينَا مِنْهُ فَمَاذَا تُرِيدُ قَالَ أَصْحَابُكُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَرَجُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ دَمًا وَحُرْمَةً مِنِ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ وَنَقَمُوا عَلَيَّ أَنْ كَاتَبْتُ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ جَاءَنَا سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صَالَحَ قَوْمَهُ قُرَيْشًا فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ سُهَيْلٌ لَا تَكْتُبْ بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ كَيْفَ نَكْتُبُ فَقَالَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكْتُبْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُخَالِفْكَ فَكَتَبَ هَذَا مَا صَالَحَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قُرَيْشًا يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا تَوَسَّطْنَا عَسْكَرَهُمْ قَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ يَخْطُبُ النَّاسَ فَقَالَ يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ إِنَّ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ فَأَنَا

أُعَرِّفُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا يَعْرِفُهُ بِهِ هَذَا مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ وَفِي قَوْمِهِ (قَوْمٌ خَصِمُونَ) فَرُدُّوهُ إِلَى صَاحِبِهِ وَلَا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ فَقَالُوا وَاللَّهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ كِتَابَ اللَّهِ فَإِنْ جَاءَ بِحَقٍّ نَعْرِفُهُ لَنَتَّبِعَنَّهُ وَإِنْ جَاءَ بِبَاطِلٍ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ فَوَاضَعُوا عَبْدَ اللَّهِ الْكِتَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ كُلُّهُمْ تَائِبٌ فِيهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ عَلَى عَلِيٍّ الْكُوفَةَ فَبَعَثَ عَلِيٌّ رَضِي اللَّهم عَنْهم إِلَى بَقِيَّتِهِمْ فَقَالَ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِنَا وَأَمْرِ النَّاسِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ فَقِفُوا حَيْثُ شِئْتُمْ حَتَّى تَجْتَمِعَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا أَوْ تَقْطَعُوا سَبِيلًا أَوْ تَظْلِمُوا ذِمَّةً فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ فَقَدْ نَبَذْنَا إِلَيْكُمُ الْحَرْبَ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ رَضِي اللَّهم عَنْهَا يَا ابْنَ شَدَّادٍ فَقَدْ قَتَلَهُمْ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ وَسَفَكُوا الدَّمَ وَاسْتَحَلُّوا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَقَالَتْ أَاللَّهِ قَالَ أَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ كَانَ قَالَتْ فَمَا شَيْءٌ بَلَغَنِي عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَتَحَدَّثُونَهُ يَقُولُونَ ذُو الثُّدَيِّ وَذُو الثُّدَيِّ قَالَ قَدْ رَأَيْتُهُ وَقُمْتُ مَعَ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَلَيْهِ فِي الْقَتْلَى فَدَعَا النَّاسَ فَقَالَ أَتَعْرِفُونَ هَذَا فَمَا أَكْثَرَ مَنْ جَاءَ يَقُولُ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ

يُصَلِّي وَرَأَيْتُهُ فِي مَسْجِدِ بَنِي فُلَانٍ يُصَلِّي وَلَمْ يَأْتُوا فِيهِ بِثَبَتٍ يُعْرَفُ إِلَّا ذَلِكَ قَالَتْ فَمَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهم عَنْهم حِينَ قَامَ عَلَيْهِ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِرَاقِ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَتْ هَلْ سَمِعْتَ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُمَّ لَا قَالَتْ أَجَلْ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَرْحَمُ اللَّهُ عَلِيًّا رَضِي اللَّهم عَنْهم إِنَّهُ كَانَ مِنْ كَلَامِهِ لَا يَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ إِلَّا قَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَيَذْهَبُ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ وَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ *

2112 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُعَلَّى الْعَطَّارُ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْعُرَنِيُّ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ قَالَ بِئْسَمَا عَدَلْتُمْ بِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ كَلْبًا وَحِمَارًا لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَقْبَلْتُ عَلَى حِمَارٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ حَتَّى إِذَا كُنْتُ قَرِيبًا مِنْهُ مُسْتَقْبِلَهُ نَزَلْتُ عَنْهُ وَخَلَّيْتُ عَنْهُ وَدَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ فَمَا أَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ وَلَا نَهَانِي عَمَّا صَنَعْتُ وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَجَاءَتْ وَلِيدَةٌ تَخَلَّلُ الصُّفُوفَ حَتَّى عَاذَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا أَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ وَلَا نَهَاهَا عَمَّا صَنَعَتْ وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ فَخَرَجَ جَدْيٌ مِنْ بَعْضِ حُجُرَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ يَجْتَازُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَفَلَا تَقُولُونَ الْجَدْيُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ *

5727 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ أَقْبَلْتُ مِنْ مَسْجِدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءَ عَلَى بَغْلَةٍ لِي قَدْ صَلَّيْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَاشِيًا فَلَمَّا رَأَيْتُهُ نَزَلْتُ عَنْ بَغْلَتِي ثُمَّ قُلْتُ ارْكَبْ أَيْ عَمِّ قَالَ أَيِ ابْنَ أَخِي لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَرْكَبَ الدَّوَابَّ لَرَكِبْتُ وَلَكِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى يَأْتِيَ فَيُصَلِّيَ فِيهِ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَمْشِيَ إِلَيْهِ كَمَا رَأَيْتُهُ يَمْشِي قَالَ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَ وَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ *

المذاهب الأربعة

المذاهب الأربعة (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان النظرة الواعية المحكمة للمذاهب السديدة المتقنة سأتكلم عنها ضمن ثلاثة أمور: 1. معالم ضرورية لابد من الاعتناء بها تقوم على عشرة أمور. 2. ما موقفنا من مسائل الاتفاق والاقتران مما نقل عن أئمتنا الكرام. 3. بيان سبب الاقتصار على المذاهب الأربعة المتبعة عن العقول النيرة المشرقة. ... دين الله تعالى يقوم على أمرين اثنين عبادة الله جل وعلا والإخلاص له في جميع شؤون الحياة واتباع نبينا صلى الله عليه وسلم. ... وهذان الأمران مدلول كلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله إياك أريد بما تريد وتقدم أن اتباع نبينا صلى الله عليه وسلم يحصل بثلاثة أمور حسان. أولهما: التمسك بسنته على التمام. وثانيها: أن يكون التمسك حسب فهم سلفنا الكرام. وثالثها: كل علم يؤخذ ممن برَّز فيه وشهد له بالتحقيق والإتقان من قبل أصحابه والأقران تقدم هذا بأدلته، وانحرف عن هذا فرق من أهل الزيغ والضلال. وذكرت نماذج منهم ومن آرائهم وقلت ينبغي أن نحصن أنفسنا منهم ومن بلائهم وآخر ما ذكرته في الموعظة الماضية قلت هناك أمر يتعرض له المسلم في هذه الحياة في جميع الأوقات ينبغي أن نكون على حذر منه وقلت إننا في هذه الأيام نخير بين العجز والفجور وبين عرض الدنيا ومعصية الرحمن. وبين العجز والامتهان فقلت إن العاقل يختار الأمر الأول وقررت ذلك من كلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبما أنه شاء الله أن تمتد الموعظة إلى هذه الموعظة ذلك الأمر الذي قلت ينبغي أن نعتني به وهو أننا سنخير بين العجز والفجور أزيده إيضاحاً ثم الكلام على المذاهب الأربعة.

.. إن العاقل في هذه الأيام يختار العجز على الفجور في هذه الأيام القلائل وهي في حقيقة الأمر ظل زائل وقد كان أئمتنا الكرام الأفاضل رضوان الله عليهم أجمعين يحذرون كل باطل ويحترزون مما يشغلهم عن الله القوي القادر سبحانه وتعالى ولاشك أن همة العاقل يجب أن تكون منصرفة إلى التزود للآخرة من هذا الوقت الحاضر. هذا العبد الصالح القانت الإمام الرباني الزاهد حيوة بن شريح المصري وهو حيوة بن شريح بن صفوان أبو زرعة المصري ثقة ثبت فقيه زاهد كما ترجمه بهذه النعوت الموجزة الحافظ ابن حجر في كتابه الموجز التقريب وقد خرج حديثه أهل الكتب الستة وقد توفي سنة ثمان وخمسين أو تسع وخمسين بعد المائة عليه رحمة الله (وانتبهوا إخوتي الكرام إلى الفرق بينه وبين إمام رباني آخر ذاك حمصي وهذا مصري وذاك حيوة بن شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي ثقة إمام مبارك توفي سنة أربع وعشرين ومائتين روى له البخاري وحديثه في السنن الأربعة إلا سنن النسائي ويكنى بأبي العباس وعليه الفارق بينهما أمران الجد والكنية مع البلد) .

.. وحيوة بن شريح أبو زرعة المصري لم يترجم له أبو نعيم في الحلية والسبب في ذلك كما قال الإمام الذهبي في السير 6/404 وأورد ترجمة حيوة بعد ترجمة سيدنا أبي حنيفة رضوان الله عليهم أجمعين قال: لم يترجم له أبو نعيم في الحلية قال ما عرف كثيرا من صلحاء المصريين فله عذر في ذلك لبعد الأوطان وصعوبة الاتصال في ذلك الزمان وإلا لو عرفه أبو نعيم لقدم ترجمته على غيره ففيه من الصلاح والخشوع والإخبات ما ليس في كثير ممن ترجمهم في الحلية يقول الذهبي: من لم يورده ولا سائر صلحاء المصريين في الحلية لأنه ما 1) عرفهم حيوة ين شريح أبو زرعة المصري يقول في السير هو الإمام الرباني الفقيه شيخ الديار المصرية قال شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ما نعت لي أحداً إلا كانت رؤيته دون نعته إلا حيوة بن شريح فكانت رؤيته فوق نعته. هو أكثر مما وصف لي بكثير هذا يقوله عبد الله بن المبارك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وتواثرت الكرامات عن هذا العبد الصالح القانت يقول خالد بن العذر – بفتح العين وكسرها – من تلاميذ حيوة بن شريح قال: كنت في مجلسه وكنت معه على انفراد فوقع في قلبي قلت إن الشيخ في حالة رثه في حالة فقر مدقع لو دعي ربه ليغدق عليه من نعمه وفضله قال فالتفت حيوة بن شريح يمينا وشمالا فلما لم ير أحداً أخذ مدرة من الأرض ونبذها إليَّ فقلبها الله تبراً خالصا في يدي ثم قال لي ما خير في الحياة إلا للآخرة والله أعلم بما يصلح عباده قلت فماذا أفعل فيها قال: استنفقها على نفسك قال فهبته والله أن أردها إليه – بعد ذلك تقول لم لا يدعو- يا عبد الله أعلم بما يصلح عباده وهو راض بما قسمه الله له ولا تظن أن هذا لهوان من الله على هذا الإنسان لهوان هذا الإنسان على الرحمن لا ثم لا ولذلك أنظر ماذا حصل عندما أخذ هذه المدرة وقلبها الله تبراً خالصاً والكرامات كثيرة في هذا الأمر متواترة.

.. يقول الإمام ابن حجر في تهذيب التهذيب 3/70 في ترجمته: قال ابن حبان كان مستجاب الدعاء يقال كان يأخذ الحصاة فتتحول في يده إلى تمرة والذي يظهر لي أنه تصحيف والصحيح إلى تبرة كأنه يقول فهذا مشتهر معروف بين الناس. جاءه مرة كما في السير وتذكرة الحفاظ 1/185 جاءه بعض الناس بعد رؤية رآها وكان عليه دين كثير وعطاء العالم في السنة ستون دينار وهذا الرجل عليه دين ثلاثمائة دينار يعني مثل عطاء العالم في خمس سنين يقول: فنمت وأنا مغموم فسألت ربي أن يفرج عني فقيل لي إذا أردت أن تقضى حاجتك إذهب إلى حيوة بن شريح فغلست ثم ذهبت إليه فوجدت حوله دنانير مصبوبة فقال ويحك لا تأخذ إلا بمقدار دينك قال فعددت ما عليَّ فأخذته وانصرفت هذا في كتب أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين أنت سألت والله أطلعني على ذلك وهو العليم الخبير وهذه الدنانير صبت من حيث لا أحتسب قال ابن كثير معلقا على مثل هذه الحوادث 3/399 عند قوله تعالى " قال إنما أوتيته على علم عندي.. الآية". ... يقول: ما يجريه الله من خلق العوائد على يدي بعض الأولياء من قلب بعض الأعيان ذهبا أو فضة أو غير ذلك فهذا لا ينكره مسلم ولا يرده مؤمن ولكن ليس هذا من قبيل الصناعات ولكن عن مشيئة رب الأرض والسماوات واختياره وفعله كما جرى لحيوة بن شريح المصري سأله سائل وعلم حاجته ولم يكن عنده ما يعطيه فأخذ حصاة من الأرض فأجالها في يده ثم وضعها في يد السائل فقلبها الله ذهباً أحمر. هذا في تفسير ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا الجليل.

.. هذا العبد الصالح كما قلت كان يبتعد عن كل ما يشغله عن الله تعالى فإذا خيرنا بين العجز والفجور نختار العجز كما كان يختاره هذا العبد الصالح يقول شيخ الإسلام عبد الله بن وهب وتقدم حاله وهو الذي يقول: لولا مالك والليث لضل الناس وقال لولا مالك والليث وعمرو بن الحارث لما اهتدينا. عبد الله بن وهب من شيوخ الإسلام قال: كنا نأتي حيوة بن شريح فنتعلم منه الفقه فكان يقول لنا أبدلني الله بكم عمودا أقوم وراءه يقول: أسأل الله أن يبدلني بكم عمودا أقوم وراءه. قال عبد الله: فأجاب الله دعاءه وحقق أمنيته فاعتزلنا في آخر الأمر وتفرغ لعبادة الله عز وجل انظروا لحال سلفنا. ... وتقدم معنا عدد من شيوخ الإسلام امتنعوا عن التحديث وعن نشر كلام نبينا النفيس عليه الصلاة والسلام لما رأوا أن النيات تكدرت فأثروا الإشتغال بأمر الآخرة لئلا يضيع الوقت لما تكدرت النيات فكيف نحن إذا خيرنا بين العجز والفجور أولئك في طاعة لما رأوا أن غيرها أعظم منها وأنفع لقلوبهم وأصلح لشأنهم تركوا المفضول وأخذوا الفاضل ونحن كما قلت مراراً نسأل الله العافية نختار أخف الضررين في هذا الوقت فلنحذر من بيع الدين بالدنيا في هذه الأيام. ... نعم إخوتي الكرام أن همة النجباء منصرفة إلى إرضاء رب الأرض والسماء همة النجباء تنصرف إلى إرضاء رب الأرض والسماء وبذلك يتميز العقلاء عن الغوغاء وما أكثرهم في هذه الأيام: والغوغاء في الأصل يطلق على الجراد إذا ماج بعض في بعض واختلط بعضه في بعض ويراد عندنا من الغوغاء في شريعة الله المطهرة هو من يتلهى في هذه الدنيا ولا يتزود منها للممات ومن يشتغل بما لا ينفعه بعد موته فالعاقل يحترز عما لا منفعة فيه في الدنيا والآخرة.

.. روى الخطاب في العزلة بسنده عن الإمام المبارك أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد. ثقة ثبت مبارك من شيوخ الإسلام الكبار ت212 أو214هـ، السير9/480 وكان يقول ما اغتبت أحداً منذ أن عقلت وعلمت أن الغيبة حرام. ونعت بالنبل لأنه كان في مجلس شيخه شيخ المسلمين ابن جريح فجاء فيل عظيم إلى البلدة فسارع من في المجلس لرؤيته فبقي هو في مجلس شيخه قال لِمَ لَمْ تخرج؟ قال إجلالاً لك وهيبة منك واحتراما لك فقال أنت كيس نبيل فصار هذا اللقب عليه ولا يترجم إلا به. كان الإمام أحمد إذا جاءه طلبة العلم ليتلقوا منه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم أخرجوا عني عندكم أبو عاصم وتأتون إليَّ. هذا الإمام المبارك جاءه رجل كما في كتاب العزلة فقال جرى بيني وبين زوجتي مشادة فقالت لي أنت من الغوغاء فقلت لها: إن كنت من الغوغاء فأنت طالق ثلاثاً وعلى مذهبنا ومذهب أئمتنا المعتمد أن الطلاقات الثلاثة تقع إذا حنث الإنسان وهذه فتيا سيدنا أبي عاصم النبيل فقال أفتني أبا عاصم هل طلقت مني الزوجة وبانت البينونة الكبرى ماذا الأمر قال: لا بد من امتحان نتبين هل أنت من الغوغاء أم من العقلاء ثم أورد عليه ثلاثة أسئلة – طبقوها على الناس في هذه الأيام – قال له: ... هل أنت ممن يحضرون المناطحة بين الكباش والمناقرة بين الديوك؟ قال: لا. ... هل أنت ممن يحضرون السلطان إذا عرض أهل السجون وقال هذا يستحق كذا وهذا يستحق كذا وهذا أجلد من ثلاث يعرضهم ويذكر ما فعلوا؟ قال لا. ... هل أنت ممن يقف على الطريق يوم الجمعة ليرى الأمير إذا خرج موكبه ليذهب إلى الصلاة؟ قال لا. ... قال زوجتك في عصمتك بارك الله فيك وأنت ما حنثت ولست من الغوغاء.

.. رئيس محكمة للتمييز في بعض البلاد عندما سيأتي المسؤول الأكبر في ذلك المكان خرج بنفسه يضرب بالدف ويرقص في الشارع العام. إذا كان هذا رئيس محكمة التمييز التي هي أعلى المحاكم وليس بعد حكمها حكم، يخرج يطبل ويرقص في وسط الشارع من أجل العرض الحرام واستمع لكلام أبو عاصم عندما يفتي العوام. أخبرني بعض إخواننا الكرام ونعم ما عبر به في بعض البلاد وليس من عاداتهم هذا قال لي كيف نحط الناس بين عشية وضحاها قال ما كنا نألف هذا. عندما يأتي مسؤول يجتمعون للقائه وهو في قصره وهم في الساحة في منتهى الامتهان وهذا العاتي كل ربع ساعة ونصف ساعة يفتح النافذة وينظر إليهم يلوحون بأيديهم ويصيحون ويصفقون ويصرخون – هؤلاء عندهم كرامة عندهم مروءة عندهم شهامة أنتم في الشارع الشمس تطلع على رؤوسكم في منتهى البهدلة وذلك الذي في قصره يلوح بيده – دخلتم الجنة من أبوابها الثمانية هذا انحطاط الأمة وهذه هي الغوغائية التي تعيشها البشرية فالعاقل يأبى بنفسه أن يكون من هذا الصنف الخبيث الخسيس الذي يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل. ... قيل لسيد المسلمين عبد الله بن المبارك كما في السير 8/399: مَنْ الناس؟ قال: "العلماء. قيل له فمن الملوك؟ قال: الزهاد قيل له فمن السفلة؟ قال: الذين يعيشون بدينهم يأكلون بدينهم قيل له فمن الغوغاء؟ قال: أصحاب السلطان الذين يخرجون في الحفلات ... . ... نعم العقلاء يترفعون عن أوصاف الغوغاء ونحن في زمن كما قلت نخير بين العجز والفجور وقد أخبرنا نبينا المبرور صلى الله عليه وسلم أن الأمة ستنحط وتصاب بهذا الأمر فلنحصن أنفسنا ونسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا.

.. روى الإمام الطبراني في معجمه الكبير، المجمع 5/238 والأثر في معجم الطبراني الصغير 2/42، ورواه أبو نعيم في الحلية في ترجمة التابعي راوي الحديث كما سيأتيكم 5/165 يزيد ابن مرثد من العلماء العباد القانتين والحديث رواه الخطيب في تاريخ. بغداد 3/298 ولفظ الحديث من رواية سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خذوا العطاء ما دام عطاءاً " وهي الأعطيات من بيت المال وكان عطاء سيدنا حيوة بن شريح ستين ديناراً في السنة وكان إذا أخذها تصدق بها قبل أن يصل إلى بيته. ثم بعد ذلك إذا نام واستيقظ يجد الدنانير تحت الفراش فعلم قريب له بذلك فأخذ عطاءه وتصدق به فلما رجع إلى بيته قلب الفراش فما وجد شيئاً ونظر إلى البساط الذي تحت الفراش ما وجد شيئا فجاء إلى حيوة وقال: ضيعت عليّ فلوسي. قال ماذا؟ قال أنت تعطي عطاءك تراه تحت فراشك وأنا أعطيت العطاء فما رأيت شيئا قال ويحك أنا أعطي ثقة وأنت تعطي تجربة والله لا يجرب. والكرامة ثابتة في سائر الكتب التي ترجمت لسيدنا حيوة بن شريح.

.. ولفظ الحديث " خذوا العطاء ما دام عطاءاً فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه". وصار يعطى العالم من أجل أن يسكت ثم ينظرون لوزن العالم ويعطى على حسب وزنه. "ولستم بتاركيه يمنعكم الحاجة والفقر ثم قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فكونوا مع الكتاب - فكونوا مع القرآن- ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم فإن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم. قالوا يا رسول الله: فكيف نصنع قال: اصنعوا كما صنع أصحاب نبي الله عيسى نشروا بالمناشير وحملوا على الخُشُب موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله". الحديث قال عنه الإمام أبو نعيم في الحيلة غريب من حديث معاذ وقال الإمام الهيثمي في المجمع يزيد بن مرثد وهو تابعي جليل مبارك لم يسمع من معاذ والوضين بن عطاء وهو الراوي عن يزيد بن مرثد وثقة ابن حبان وغيره وضعفه جماعة وبقية رجال ثقات والذي يظهر أنه ليس في الحديث إلا علة الانقطاع كما ستسمعون وله شاهدان يتقوى بهما. أما يزيد بن مرثد فهو أبو عثمان الهمداني الصنعاني من صنعاء دمشق ثقة إمام مبارك له مراسيل لم يخرج له إلا أبو داود لكن في مراسيله لا في سننه انظروا ترجمته الطيبة في التهذيب 11/359، الحلية 5/165 قال في أول ترجمته البكاء الموجد يزيد بن مرثد. طلب ليولى القضاء في عهد الوليد بن عبد الملك فامتنع فما قبل إمتناعه فلبس فروة مقلوبه وخرج حافياً حاسراً وبيده رغيف خبز وعرق يأكله في وسط الطريق. وعلى الاصطلاح الشرعي المروءة ستضيع ولا يصلح للقضاء. فذهب الناس إلى الوليد وقالوا يا أمير المؤمنين أن يزيد بن مرثد قد اختلط عقله فأعفاه فتخلص من الإكراه على القضاء بهذه الحالة التي حصلت له مثل مسعر بن كدام تجانن حتى أعفي من القضاء.

.. في الحلية في ترجمته قال له عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ومالي أرى عينيك لا تجفان قال وما مسألتك وكما قال سلفنا ليس البكاء من كثرة الذنوب إنما البكاء من صفاء القلوب – وما مسألتك قال لعل الله ينفعني قال يا هذا لو أن الله توعدني أن يحبسني في حمام إذا عصيته فكان يحق لي أن أبكي فكيف هذا وقد توعدني أن يحبسني في نار جهنم (سنفرغ لكم أيها الثقلان) . ... وكما قال بعض السلف لو أن شرطي تهددني ما استطعت أن أنام. فقال عبد الرحمن بن يزيد هذه الحالة تعرض لك في خلواتك قال ما مسألتك. قال لعل الله ينفعني قال ياهذا والله عندما أكون مع أهلي وأريد أن أفضي إليها أبكي وتبكي إلى الصباح وعندما يوضع الطعام تعتريني هذه الحالة فإذا مددت يدي بكيت وبكت الزوجة. فتقول الزوجة يا ويحها إنها معي في نصب عظيم يزيد بن مرثد من العلماء القانتين الربانيين وهو من التابعين لكن لم يثبت سماعه من سيدنا معاذ بن جبل وسيأتينا للحديث شواهد بعون الله وتوفيقه أما الوضين بن عطاء وهو الراوي عن مرثد هو أبو عبد الله أو أبو كنانة الخزاعي الدمشقي صدوق كما حكم عليه الحافظ في التقريب صدوق سيئ الحفظ رمي بالقدر. روى الإمام أبو داود وبن ماجه والنسائي في فضائل سيدنا علي. وعليه الوضين بن عطاء إن شاء الله حديثه في درجة القبول ويزيد بن مرثد ثقة إمام مبارك لكن الحديث فقط فيه علة الانقطاع وله شاهدان. ... الأول رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق كما في جمع الجوامع 1/507 من رواية الصحابي الجليل سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه باللفظ المتقدم تماما وليس عندي تاريخ دمشق للنظر والإسناد وإنما عزاه السيوطي إلى تاريخ دمشق لابن عساكر عن ابن مسعود.

.. والشاهد الثاني: في سنن أبي داود كتاب الخراج والإمارة باب في كراهية الافتراض في آخر الزمان يعني يكون للإنسان فرض عطاء ثابت من بيت المال في آخر الزمان لأن هذا سيكون من قبل الدنس والحطام – والحديث في الحلية 10/27 أسد الغابة 6/123 رواه بسنده إلى الصحابي الجليل ذي الزوائد – قال الإمام المنذري في تهذيب السنن 4/207 له صحبة ولا يعرف اسمه معدود في أهل المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه. ولفظ حديثه: "يا أيها الناس خذوا العطاء ما دام عطاءاً فإذا تجاحفت قريش على الملك وعاد العطاء رشى جمع رشوة- تجاحفت أي أجحف بعضها ببعض وظلم بعضها بعضا وأخذت الامارة بالإكراه والغصب وظلم الأمراء. ... فالعطاء لن يكون عند ذلك تنفيذا للشريعة الغراء إنما سيكون شراء للذمم – وصار العطاء رشى على الدين فلا تأخذوه " وتكملة الحديث ألا وإن رحى الإسلام دائرة. الحديث في سنن أبي داود ضعيف الإسناد ومع هناك إنقطاع لعل كل واحد منها يتقوى بالآخر والعلم عند الله تعالى: ضعيف الإسناد رواه سليم بن مطير عن أبيه مطير بن سليم والابن سليم بن مطير لين الحديث لم يخرج إلا أبو داود كما حكم عليه الحافظ في التقريب وأما والده مطير بن سليم مجهول الحال في التقريب وخرج له أبو داود أنظر ترجمة مطير بن سليم في المغنى للذهبي 2/663 قال: قال البخاري لم يثبت حديثه. والمعنى ثابت فروى عن سيدنا عبد الله بن مسعود وسيدنا معاذ وسيدنا ذي الزوائد وفي كل طريق ما تقدم من الكلام ما عدا طريق ابن عساكر والأول فيه انقطاع والثالث فيه ضعف والمعنى ثابت.

.. والحديث "خذوا العطاء مادام عطاءاً فإذا صار رشوة على الدين فلا تأخذوه ولستم بتاركيه يمنعكم الحاجة والفقر ألا وان رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار ألا وإن الكتاب والسلطان سيفترقان فكونوا مع الكتاب ألا وإنه سيكون عليكم أمراء يقضون عليكم لأنفسهم مالا يقضون لكم فإن عصيتموهم قتلوكم وإن أطعتموهم أضلوكم قالوا فكيف نضع يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال كما صنع أصحاب نبي الله عيسى – على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب " - أي صلبوا وسمروا عليه وثبتوا وما تركوا دينهم ولا اختاروا الفجور على العجز فاختاروا العجز على الفجور كما فعل قبلهم أهل الرشد والعقول هذه الحالة التي تعرض علينا وعلى كل مسلم ولا يشترط أنه يعرض من السلطة الحاكمة لا بل يعرض عليك في كل شيء من الحياة.

.. كثير من المعاملات لا تتم إلا بدنس وعليه الإنسان سيتقيد ما يمكن إلا عن طريق بنك ربوي- يا عبد الله اختر العجز على الفجور. كثير من المعاملات ما يمتنع المسلم إلا لما يرى فيها من مخالفة رب الأرض والسموات قد يحصل مصلحة ولكن ولنفرض أحيانا أنه بعد أن يشتري بيتاً من أجل أن يسكن فيه إنسان ثم بعد ذلك يرى الدنس الذي حصل عند الأنام سيستعمل فيه ما حرم الله فيقول أنا الآن سأكون مشارك لمن يسكن في البيت إذا لا أفعل هذا. مع أنه سيحصل مغنما وعرضا. فاختار العجز على الفجور. عنده مال وبإمكانه أن ينميه ولكن كيف سيتحرك أينما تحرك سيقع في معصية الله عز وجل. فيختار العجز على الفجور. فالأمر ليس قاصرا بين الإنسان وبين السلطان. كل من في بيته تلفاز فهو غوغائي فقال بعض الأخوة إما أن يطلق وإما أن يكون التلفاز قلت والله إذا تعين الأمر فطلاق نساء الدنيا كلهن أيسر من إقتناء هذا الجهاز الملعون ويغن الله كلا من سعته. لا يا عبد الله إذا أصرت حقيقة التنازل عنها أيسر من التنازل عن الدين فالعجز أو الفجور هذا في جميع شؤون الحياة لا تظن أنه في عطاء سلطان فقط آخذ أو لا آخذ ونسأل الله العافية والثبات. في هذا الزمان الذي نعيش فيه حقيقتان يقابل الإنسان من الشدائد والصعاب عندما يختار العجز على الفجور – مع ذلك سيقابل الصعاب – فما الذي يسهل عليه أن يختار العجز على الفجور أمران هما من أعظم الأمور التي يستعين الإنسان بها على اختيار العجز على الفجور. 1. أن يتصف بصفة القناعة والقناعة كما قال أئمتنا راحة: هي القناعة فالزمها تعش ملكا ... لو لم يكن فيها إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها سوى بالقطن والكفن

.. وكثيرا ما كانت تعرض الأعطيات على سيدنا الإمام المبجل أحمد بن حنبل فيرفضها ثم يذكرها أولاده بعد سنين ويقولون عرض علينا وعرض فيقول يا أولادي لو أخذناها لنفذت هي كنا أنفقناها ونحاسب عليها قليل يكفي خير من كثير يلهي ويطغى. والإنسان في هذه الحياة مهما اشتدت به الكربات لن يموت جوعا. والقناعة ضابطها كما قال أئمتنا قلة تمنيك ورضاك بما يكفيك هذه هي القناعة لا تتمنى ولو كان لك وادياً من ذهب لأردت ثانيا ولو كان لك واديين لأردت ثالثاً. ارض بالموجود ولا تحرص على المفقود. هذه هي القناعة وهذا القليل فيه راحة وإذا جاء الكثير بدون معصية الله الجليل فلا حرج لكن إذا جاء بدنس فالسلامة لا يعدلها شيء. وهنيئا لمن رزق القناعة ثبت في حم، م، ت، جه، ك، هق، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه.." ومما ينسب للإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يقول: أمت مطامعي فأرحت نفسي ... فإن النفس ما طمعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتا ... ففي إحيائه عرض مصون إذا طمع يحل قلب عبد ... علته مهانة وعلاه هون العبد حر ما قنع والحر عبد ماطمع ... ثبت في: حم، ت، حب، ك، ابن المبارك زهد: عن فضالة بن عبيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "طوبى لمن هدى للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع" إذا اتصف الإنسان بهذا يهون عليه أن يختار العجز على الفجور.

2. الموت وهذا الأمر غاب عن بالنا وخليق بنا أن نذهب كل أسبوع في يوم من الأيام إلى المقبرة لا لنمر كما يقال مرور الكرام نسلم من وراء السور ونمشي لا بل ندخل إلى داخل المقبرة بعد الفجر والناس في نوم غفلة أو ذهبوا إلى أعمالهم واخلو مع هؤلاء الموتى قرابة ربع ساعة نصف ساعة وتأمل حالهم وابكى على نفسك ولو أمكنك أن تعلم أحوالهم وما هم فيه لقالوا لك نتمنى ليس يوماً من أيامك لكن لحظة من لحظاتك. لكن حيل بيننا وبين ما تملكه أنت ولا تقدر قيمته. فاتعظ بهذا الموت الذي هو هادم اللذات ومفرق الجماعات هو الذي ستنتقل به إلى ظلمة اللحود وإلى بيت الغربة والدود وما أقربه لنا. كم من إنسان خرج من بيته وما عاد وكم من إنسان جسمه سليم سليم ثم بعد ذلك لعله طارئة أخذ إلى المستشفى وما عاد إلى بيته كم – وكم من إنسان يفارق الحياة من غير مقدمات. فإذا القناعة ما استساغتها النفس ذكرها بالموت خذها كل أسبوع إلى المقبرة وعد ما شئت من أموات وعددهم لا يحصى تأمل هذا وإذا استحضرت هذا يهون عليك كل شيء القليل تراه كثيرا وتقول هذا يبلغنا المقيل والمصير. إذا دخل الإنسان المقبرة انقطع سعيه لا ينفعه إلا عمله ونسيه بعد ذلك أهله وأصحابه حتى الزوجة التي بينك وبين الصلة لا يعلمها إلا الله تنساك بعد دفنك وقد تتزوج عددا من الأزواج بعدك ولذلك عدد من الصالحين حصل لهم ما حصل من الزهد في الحياة والانقطاع عن المخلوقات عندما سمعوا من يخاطب بعض الأموات بهذين البيتين المحكمين: مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتُنسى كما تبلى وأنت حبيب

.. يعني لا تنسى مباشرة فكما لا تبلى مباشرة تنسى كذلك. حقيقة هذا يقطع القلب ولا نعلم هل سنموت في هذه الليلة أو في هذه الساعة في الغد علم ذلك عند رب العالمين "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" وهذا الحق الذي لا مرية فيه كأنه باطل لا صحة له وما رأينا بحق أشبه بباطل كما قال الأئمة مثل الموت حق لا يختلف فيه إثنان وكأنه باطل لا وجود له فلا بد من الاتعاظ بالموت بذكر الموت. أين أصولك فأنت ميت وابن ميت وذو نسب في الميتين عريق. وكم من إنسان جمع المليارات وتركها أوفر ما كانت. ألا نعتبر بهذا ألا يصدنا عن غينا وفجورنا وبيع ديننا بدنيانا استمع إلى هذا الحديث الذي وجهنا فيه نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر. ... ثبت في حم، جه. تاريخ البخاري وابن أبي شيبه وأبو يعلى في مسنده - هق سنن – وفي مصباح الزجاجة 3/293 قال فيه مقال وسيأتينا هذا المقال لم يؤثر فيه ونص على تحسينه أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين وما في سنن ابن ماجه يوجد تصرف من عمل المحقق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي يغفر الله لنا وله. وما له باع في العلم الشرعي فأحيانا يتصرف في العبارة بما يغير معناها قال: قال في الزوائد: إسناده ضعيف وليس كذلك إنما قال فيه مقال وشتان ما بين العبارتين وفيه مقال في بعض الرواة والمعتمد توثيقه وشتان بين هذا وبين الحكم على الحديث بالضعف. ونص على تحسينه الإمام المنذري في الترغيب 4/240 ونقل المناوي عنه التحسن في الفيض 3/163 وأقره وهو كذلك عن البراء بن عازب رضي الله عنه وأرضاه قال: كنا في جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس رسول الله على شفير القبر فبكي حتى بل الثرى ثم قال: يا إخواني لمثل هذا فأعدوا – يبكي نبينا صلى الله عليه وسلم حتى بل الثرى – أعدوا العدة لمثل هذا المصرع الذي ستستقبلونه عما قريب.

.. ومع ما في الموت من غصص وكرب فهو محبوب لأهل الفضل والأدب كيف لا وهو الذي يوصل المؤمن إلى لقاء الرب وما عند الله خير للأبرار رحمة الله على الإمام القانت منصور بن إسماعيل الشافعي الضرير توفي سنة 306 هـ السير 14/278، والعزلة ص73 وطبقات الشافعية للسبكي 3/478 يقول ونعم ما قال: قد قلت إذا مدحوا الحياة فأكثروا ... في الموت ألف فضيلة لا تعرف منها أمان عذابه بلقائه ... وفراق كل معاشر لا ينصف ... هذان الأمران: القناعة في هذه الحياة واستحضار الموت في كل حين. ... الاتصاف بهذين الأمرين يلزمنا باختيار العجز على الفجور. ... نعود إلى الكلام على المذاهب الأربعة: ... ... جرى تشويش كثير حول المذاهب الأربعة سادتنا الكرام الإمام أبي حنيفة النعماني والإمام مالك بن أنس والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه. فقيل هذه المذاهب بدعة وقيل الالتزام بها شرك في الطاعة وقيل إنها فرقت بين المسلمين وقيل من احتكم إليها لم يحتكم إلى شرع رب العالمين وقيل لا نقلدها ولا نقلد أبا بكر وعمر رضوان الله عليهم أجمعين وقيل وقيل كلام باطل هزيل ذكرت بعض من قال به في هذه الأيام ونسأل الله حسن الختام. وقلنا سنتدارس هذه المذاهب من ثلاثة أمور: 1. معالم عشرة لا بد من وعيها على التمام لنكون على بينة من المذاهب الأربعة. 2. موقف أهل الرشد والوفاق من المسائل التي حصل فيها اتفاق وافتراق. 3. سبب الاقتصار على المذاهب الأربعة المتبعة عند العقول النيرة المشرقة. ... ... المعالم العشرة التي ينبغي أن نعيها ولولا أن تكون بدعة لقلت للناس اكتبوها وعلقوها في بيوتكم وكتابتها في ورقة وتعليقها قليل في حقها ونقشها في الجبين قليل في حقها ينبغي أن تنقش في القلوب وأن يعيها كل مسلم لا سيما في هذا الزمن زمن الفتن والعيوب.

1. ليعلم من يشوشون على المذاهب الأربعة الحسان ويبهتون أتباعها بالإفك والبهتان ليعلموا مصدر الأحكام كتاب الرحمن سبحانه وتعالى وحديث نبينا عليه الصلاة والسلام وما بني عليهما من إجماع أهل الإسلام والأقيسة السوية الحسان. هذا مصدر الاحكام الشرعية عند المذاهب الأربعة واتباع المذاهب الأربعة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع ولا يكون إلا عن نص وقياس سوي سديد الحاق مسكوت بمنصوص عليه. وهذا أعني مصدر الأحكام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس حسبما فهم ونقل عن سلفنا عن أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين فإذا نقلوا الإجماع في مسألة فعلى نقلهم المعول والخروج عن ذلك ضلال ومضيعة وتقدم كلام بعض الزائغين في هذا الحين وقلت ما سبقه في هذا الإفك المبين إلا النظام وغيره من الدجاجلة الزائغين المنحرفين. مصادر الأحكام القرآن والسنة والإجماع والقياس: 2. المذاهب الأربعة الحسنة حوت تلك الأمور الحكيمة المحكمة بطريقة سوية متقنة مصدر الأحكام الأمور الأربعة ما في المذاهب الأربعة مأخوذ من الأمور الأربعة يطالب من يفتري على المذاهب الأربعة أن يأتي بحكم لم يصدر مصدره من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والإجماع والقياس السوي الرشيد ما في كتب المذاهب الأربعة حوى الأحكام التي أخذت من تلك الأصول السديدة السوية وعليه من زعم أن الاحتكام إليها ليس احتكام إلى القرآن سفيه زائغ ومن قال أنه كان حنفيا ثم اهتدى فهو مبتدع محدث ما يوجد في هذه المذاهب الأربعة إلا ما دلت عليه تلك الأصول التي هي مصدر الأحكام. 3. الالتزام بها – المذاهب الأربعة الحسان – مسلك سديد والأخذ بها عمل رشيد والتعصب لها خلق حميد وما بعد ذلك إلا الظلال البعيد.

.. ... قال الشيخ محمد بخيت المطيعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه القول الجامع في الطلاق البدعي والمتتابع ص18 قال كل مذهبه من هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم قال: يجب العمل به على من أداه إليه اجتهاده أو تبع ذلك المجتهد أو قلده كل مذهب من المذاهب يجب على المجتهد أن يتبعه وأن يأخذ به يعني فهم الإمام مالك شرع في حقه وهكذا الإمام الشافعي وباقي الأئمة. فهم المجتهد شرع في حقه عندما أمرنا الله أن نتبع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حسبما يفهم هذا المجتهد فهم فهما هو ملزم به – يعني عندما فهم بعض الصحابة رضوان الله عليهم. أنه لا يراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم – لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة – لا يراد تأخير الصلاة إنما يراد التعجل وعليه لا مانع من الصلاة في الطريق هذا حكم شرعي في حقهم وجب عليهم إتباعه يصلوا في الطريق وإلا أثموا من فهم هذا الفهم لو أخّر الصلاة أُثم لأنه الأن حكم الشرع في حقه هذا الفهم ومن خالف وقال لا نعم في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم– ولا حرج إذا أخّرنا الصلاة حتى نصل إلى بني قريظة فلو خالفوا وصلوا في الطريق أُثموا فهم المجتهد شرع في حقه وعليه هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم يجب على المجتهد أن يعمل بها لأن هذا ما أداه إليه اجتهاده ومن يجب عليه أن يعمل بها أيضا من تبع المجتهد يعمل بها أيضا. ... ... والناس بين قسمين لا ثالث لهما إما مجتهداً وإما مقلداً أو متبعاً فالمجتهد فهم هذا فريضة الله في حقه بإجماع أهل الإسلام أن يعمل ما أداه إليه اجتهاده فهم من النص هذا وهو مجتهد باتفاق علماءنا الكرام باتفاق أهل الإسلام باتفاق أهل الحل والعقد وإذا اجتهد فلا يعتبر اجتهاده باطلا ولا يعتبر سفيها عندما يجتهد يتسور على الأدلة لا عنده عدة الاجتهاد ما يؤديه إليه اجتهاده هو حكم شرعي في حقه. ننتقل إلى من بعده.

.. ... يقول الله تعالى" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " نحن لا نعلم تفاوت الأدلة ولا مراتبها وجب علينا أن نسأل أهل الاجتهاد فأفتانا الإمام أبو حنيفة بما توصل إليه أفتانا الإمام مالك بما توصل إليه وهكذا باقي الأئمة. فهذا حكم شرعي. ... ... هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم من خالف في ذلك أو افترى عليها فعليه غضب رب العالمين وهذا لا بد من وعيه واحذروا السفاهات التي تقال هنا وهناك من غير وعي عندما يقال آراء رجال قل له لا تستحي من ذي العزة والجلال الرأي الذي يبنى على الهوى وعلى الرأي المجرد وعلى الذي يؤخذ من عرف أو من مصدر غير شرعي أما هذا فهم شرعي وتقول رأي رجال فهمك إذاً رأي رجال وسنعطل النص ولا يعمل بفهمي ولا بفهمك إذاً قول النبي عليه الصلاة والسلام لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة وكل من الفريقين أخذ برأي إذاً ما عندنا شرع في هذه القضية أهملنا النص لكن لو أنصفنا نقول ما فهمتموه شرع يقبلة الله ويثيب فاعله وما فهمناه شرع يقبله الله كذلك. أما نقول رأي رجال وكل واحد نبذ الآخر بالزيغ والضلال وافترقت الأمة وتقاتلت ولا يمكن أن يجتمع على شعيرة من الشعائر هذا لا بد من وعيه. هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم فإن قيل كيف تعددت! الذي يقول هذا ينبغي أن تقطع رأسه لا بقطع لسانه. ... ... إذا وسع الله علينا أمرا وجعل الحكم الشرعي يدور بين قولين أو ثلاثة أو أربعة ما الحرج في ذلك وكل منها هدى. وما أجمع عليه أئمتنا من خرج عنه فهو ضال –وسيأتينا ضمن خطوات البحث أن إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة – والعلماء في هذه الشريعة المباركة واجتهاداتهم مع الشريعة الأم مع دين الإسلام كشرائع الأنبياء مع الإسلام العام تماما كما أن كل نبي له شريعة خاصة وكلهم يدينون بدين الحي القيوم عندنا كذلك نحن ننتمي للإسلام وعندنا أصول من خرج عنها فهو ضال كفور.

.. ... الاحتكام إلى الكتاب والسنة والإجماع والقياس. وما فيه إجماع من خرج عنه فهو ضال وما عدا ذلك نقول اختلاف أئمتنا كالاختلاف بين أنبياء الله ورسله وهل في ذلك الاختلاف منقصة؟ هم رسل الله والأصل الجامع بينهم واحد " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه "وهذا الكلام كلام خطير وحذاري أن ينسبه واحد إليَّ كلام خطير وشأنه جليل. قاله الإمام ابن قدامة في المغنى وقاله شيخ الإسلام ابن تيمية ولا أعلم خلافا له بين أئمتنا أن العلماء مع شريعة خاتم الأنبياء كالشرائع المتعددة في الديانات السابقة. كما قلت هذا شرع الله القويم وصراطه المستقيم فما فهمه الإمام الشافعي نقول عنه شرع وهدى وما فهمه الإمام شرع وهدى وما فهمه سيدنا عمر في الأمر الأول من عدم توريث الأشقاء مع الأخوة الأم في المسألة المشتركة ماذا نقول عنه؟ شرع وقضى به الإمام أبو حنيفة والأمام أحمد.

.. ... وما رجع عنه سيدنا عمر وقال نشرك الأشقاء مع الأخوة الأم وبه أخذ الإمامان مالك والشافعي هذا شرع وهذا شرع يأتي إنسان ويقول القضاء الأول هوى وآراء رجال والثاني هوى آراء رجال إذا ما عندنا حكم في هذه المسألة وهات نص في المسألة سيقول ما عندي نقول ما عندك اخرس واسكت هات نصاً شرعيا في المسألة. وكل حكم من هذين الحكمين بني على أدلة شرعية قوية بحيث يحار الناظر بين القولين في ترجيح أحد القولين عنده لاقى حقيقة الأمر هذا حكم شرعي. وهذا حكم شرعي- وتقدم دراسة المسألة موسعة في مباحث الفرائض هذه المذاهب الأربعة شرع الله القويم وصراطه المستقيم هذا كلام أئمتنا وكلام الزائغين الذي ينشر في المجلات في هذا الحين أن الاحتكام إلى المذاهب الأربعة ليس احتكاما إلى الكتاب والسنة هذا ينبغي أن يقطع لسانه وقطع اللسان في حقه قليل ينبغي أن تقطع رقبته ألا تستحي من الله مذاهب الأئمة الأربعة في جانب والكتاب والسنة في جانب آخر ثم قل له هات أنت لنا الأحكام حتى تسمع من الهذيان والتخريف مالا يخطر ببال إنسان نحن عندنا جرأة على الهدم والتضليل لكن قل له هات لنا أحكاما لا يستطيع وتراه يخرف بعد ذلك عندما يأتيك بحكم يقول هذا طيب وهذا حسن وهذا من رأيه دون أن يسنده إلى شرع ربه عز وجل. ... ... ... ... *************** المعلم الرابع من المعالم العشرة:

.. ... لا يجب على المسلم أن يلتزم مذهبا منها بعينه فكلها هدى – نعم الخروج عنها زيغ وضلال وردى وقد انحصر فيها الحق – في المذاهب الأربعة – كما نص على ذلك أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين – تقدم معنا كلام العبد الصالح يحيى بن هبيرة في الإفصاح 2/343 وكتب في هذه المسألة ما يزيد على صفحتين. وقلت لكم لما أطلعني الأخوة الكرام على هذا الكلام سجدت شكراً لله أن هذه الألفاظ التي أقولها في الأصل مقولة بنفس العبارات عن أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين أن الحق منحصر فيها وما خرج عنها هلاك ومضيعة تقدم معنا كلامه بطوله سأذكر منه محل الشاهد وهو إمام صالح قانت وتقدم معنا أنه ما وُزِّر لبني العباس مثله وهو من شيوخ الإمام ابن الجوزي.

.. ... يقول الإمام يحيى بن الهبيرة رحمه الله: اجتمعت الأمة على أن كل منها المذاهب الأربعة المتبعة يجوز العمل به لأنه مستند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وانتهى الأمر من هؤلاء المجتهدين إلى ما أراحوا فيه من بعدهم وانحصر الحق في أقاويلهم ودونت العلوم وانتهت ثم قال اتضح الحق وبان وعليه لا يشترط في هذه الأزمان صفة الاجتهاد في القاضي وعليه إذا لم تكن فيه صفة الاجتهاد لا يضره لأنه في مأمن عندما يتقيد بهذا المذهب لكن إذا لم تكن فيه صفة الاجتهاد وقل له استنبط الأحكام من الكتاب والسنة سيتلاعب أو ليس كذلك سيتلاعب بالكتاب والسنة إذا لم تكن أهلية الاجتهاد فيه يتلاعب ويصبح القضاء الشرعي يتبع الهوى.

فقال هؤلاء كفونا المؤنه وأراحونا فالالتزام بأقوالهم سلامة ونجاة وانحصر الحق في أقاويلهم ودونت العلوم وانتهت ثم قال: المجتهد كما أنه يعمل بما أداه إليه اجتهاده وهذا في حقه حكم شرعي وهكذا من تبعه ومن قلده كما قال الشيخ محمد بخيت بيومي تماما فأنت عندما تتبع المجتهد كأنك اجتهدت واستنبطت هذا الحكم لكن الفارق بينك وبينه ما هو؟ ذاك عنده أهلية الاجتهاد فاجتهد وأنت لست عندك الأهلية فتبعته فهو حكم شرعي في حقه وكذلك أنت تابع له فهو حكم شرعي قال: لأنه في معنى من أداه إليه اجتهاده أي من الأحكام عندما يتبع المجتهد كأنه هو الذي اجتهد واستنبط الأحكام نعم بعد ذلك أشار إلى أمرين لابد العناية بهما قال: ما اتفقوا عليه الالتزام به واجب وتقدم مراراً أن اتفاقهم ينزل منزلة الإجماع ودونه أيضا ينبغي أن يراعيه القاضي وهو ما عليه الأكثر ما عليه الجمهور فيفتى دائما بما عليه الأكثر فهذا أحوط وهذا أقرب إلى الحق وهذا أقرب إلى الصواب وكلها حق وصواب لكن على حسب الاستبراء للذمة وبما أن المسألة احتملت واحتملت نأخذ بما عليه الأكثر يحتمل إصابة الحق في قولهم أكثر مع أن القول الآخر صواب وحق وهدى لكن هنا يعني يوجد مجال لإطمئنان النفس أكثر وكلها أحكام شرعية هذا ما أوصى به ابن هبيرة في الإفصاح قال القاضي فقط يختار ما عليه الأكثر ليكون أحوط له في هذا الأمر. ... ... وهذا الأمر الذي قرره ابن هبيرة أشار إليه الإمام الذهبي في السير 7/117 يقول عليه رحمة الله بعد أن بحث في أمر الاجتهاد في قرابة ثلاث صفحات. ... ... يقول: لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه مع اعترافنا أن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها أن الحق على خلافهم. هذا كلام الإمام الذهبي إذاً الحق انحصر في أقوالهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

.. ... إذا لا يجب على المسلم أن يلتزم واحداً بعينه يقال إلزم هذا المذهب ويحرم عليك أن تأخذ غيره أو إذا أخذ به يقال يحرم عليك أن تتبع مذهبا آخر من هذه المذاهب الأربعة. لا ثم لا الأمر فيه سعة لكن ما ينبغي أن يترك للتشهي ولا للهوى ولا للترخص لكن لو قدر أنه التزم بمذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه ثم بعد ذلك التزم بمذهب الإمام أحمد بمذهب الإمام الشافعي لا حرج ولا ضير في ذلك على الإطلاق التزم بمذهب كما سيأتينا في خطوات البحث ووقف على قول في مذهب آخر رأي أن الأدلة في الظاهر تشهد له فقال مال قلبي إلى قبول هذا القول وأعمل به فأنت على هدى المقصود ضمن الدائرة ومتى ما خرجت عن المذاهب الأربعة هلكت وصرت في مضيعة. المعلم الخامس من المعالم العشرة:

.. ... ينبغي أن نحرص غاية الحرص على تعلم الأدلة الشرعية على الأحكام الشرعية ولذلك يستحب لنا أن نقرأ في كتب الفقه التي تعني بالأدلة على الأحكام المستنبطة من مصادرها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس _ ينبغي أن نتعلم الأدلة الشرعية. أما أن نتعلم الفقه بدون الأدلة درجة نازلة لا أقول حرام لا ثم لا لكن يا عبد الله لتزداد حجتك كما قال سيدنا الإمام الشافعي: من كتب الحديث قويت حجته فتصدر الحكم وتقرره بدليله ولذلك هؤلاء على من يشوشون على من هم خلو الأذهان ليس عنده فقه ولا سند لذلك الفقه يأتي يلبس الهذيان وإلا لو اجتمع أمام طالب علم يقول هات سمي مسألة أنت تقول الحق موجود في غير الأربعة والأربعة فيها ما فيها هات مسألة ضل فيها المذاهب الأربعة هات مسألة سيقف أمامك مبهوتاً تقابله بالمسائل الشرعية التي قررها أئمتنا وقل له هات ماذا عندك والله ليس في وسعه أن يتكلم كلمة واحدة هذيان لكن عندما يقابل أصحاب الأذهان الفارغة يصطادهم بهذا التشويش تتبعون النبي صلى الله عليه وسلم أو تتبعون أبا حنيفة رضي الله عنه – حتما على حسب فطرة الناس يقولون نتبع النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعونا من أبي حنيفة. ... ... نتبع النبي صلى الله عليه وسلم على حسب فهم من على حسب فهمك يا ضال هذا الزمان فلا بد إذاً من تعلم الأدلة. ... ... قال سيدنا الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وأرضاه كما في قواعد علوم الحديث للإمام القاسمي ص52 نقلا عن الميزان للإمام الشعراني يقول: لا يزال الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب حديث النبي صلى الله عليه وسلم فإذا طلبوا العلم من غير حديث فسدوا. أخوتي الكرام: هذا الفساد له عدة جهات وأسبابه.

أولها: من يطلب الفقه من غير حديث من غير دعائم من غير معرفة مصادر هذا الفقه هذا قد يزين له الشيطان أقوال رجال قد يلتقي بواحد من عتاة الإنس يقول ما تقوله من أحكام كله هذيان كل هذا آراء من الإنسان ما دليله يقف مبهوتاً يفسد حقيقة فإذاً قد يفسد هو يقول أنا أخترع الأحكام وما يعلم المسلم أنه لا يوجد جزئية إلا وربطت بمصدر شرعي. وعندما يقابل بهؤلاء لا يستطيع أن يجيبهم إنما عندما يعلم الحجج والبينة قل يا عبد الله الدليل كذا وأنت مخطئ فيما تقول: وتقدم معنا كلام الإمام ابن تيمية في دفاعه عن سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه تقدم مراراً قال: من اتهمه أنه يقدم القياس على النص فقد أخطأ عليه إما بظن وإما بهوى يكذب حقيقة يقول إذا كان الإمام أبو حنيفة يقدم الحديث حتى الذي فيه ضعف عند الجمهور يقدمه على القياس فيوجب نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة خلاف القياس وخلاف ما عليه الجمهور تقديما للحديث الذي ورد في ذلك وهو ضعيف كما تقدم معنا فمن قال يقدم القياس على النص أخطأ عليه أما بظن – ظن وهو واهم – أو بهوى يتحامل عليه وهكذا يقال في حق أئمة الإسلام قاطبة وهذا كلام الإمام المبارك لا يزال الناس في صلاح مادام فيهم من يطلب الحديث. فإذا طلبوا العلم من غير حديث فسدوا لأنه سيأتينا أن الفقيه إذا لم يكن صاحب حديث فهو أعرج لا يمشي مشية محكمة وهنا يقرر الأحكام ولا يسندها إلى مصادرها ودعائمها.

.. ... وقال الإمام أبو حنيفة أيضاً: لولا السنة لما فهم أحد القرآن وقال أيضاً من خرج عن السنة فقد ضل وأثر على العبد الصالح أبي عروبة – الحسين بن محمد الحراني – وكلامه في شرف أصحاب الحديث ص70 –وتوفي هذا الإمام المبارك سنة 318 هـ – كان يقول: الفقيه إذا لم يكن صاحب حديث فهو أعرج. لأن كلامه لا يسند إلى أدلة فحاله كحال الذي يختل في مشيته – وفي أوائل مدارستنا لسن الترمذي قلت عندما نتدارس حديث النبي صلى الله عليه وسلم نحصل فوائد كثيرة منها الفوز بكثرة الصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم ومنها تعلم مصادر الأحكام وأدلتها هذا لا بد أن تعيها الأمة وإلا أحكام تقطع عن مصادرها وأصولها هذا مضيعة كحال الأعرج والأمر الثالث: الفوز بالنضرة والرحمة الذين دعى بهما النبي صلى الله عليه وسلم لمن يتعلم حديثه عليه صلوات الله وسلامه. المعلم السادس من المعالم العشرة: ... ... ينبغي على طالب العلم والعالم أن يفتي بالمشهور وأن يدع ما هو شاذ مهجور ولا ينبغي للعالم أن يفتي العامة إلا بمذهبهم المقبول محافظة على صفاء العقول ودفعاً للتشويش المرزول.

.. ... إخوتي الكرام: لو قدر أن إنسان مالكي مع ناس يدينون الله بمذهب الإمام مالك. وان قضية ما دليل الإمام أبي حنيفة عنده أظهر في هذه القضية الأقوال كلها شرعية ولكن ارتاح لدليل الإمام أبي حنيفة وهذا لا حرج فيه – وهذا مطلوب من طالب العلم ولكن عند الفتيا لا يفتي الناس إلا بمذهب ذلك الإمام لئلا يصبح تشويش وهذيان ولغط وخصام ووحدة الأمة تقدم على كل شيء حكم شرعي لاح لك أنه مرجوح والثاني أرجح اعمل بما لاح لك ولكن عند الفتيا لست بمجتهد متبع للمذاهب أو مقلد: وهذا المذهب الذي يدين الله به أهل هذه المنطقة أفتى الناس به مع أنك تفعل بخلاف ذلك لا غضاضة ولا حرج لأنك استوعبت القضية ولكن هؤلاء سيعتبرون الخروج عن المذهب ضلالا وانحرافاً وزيغاً وفساداً والأمة بعد ذلك..بعضها في بعض فمصلحة الأمة ووحدتها تتقدم على كل شيء فأنت لا تفتي العامة إلا بما هو مقبول عندهم لا أقول على حسب أهوائهم لكن على حسب المذهب الذين يدينون الله تعالى به وأنت لو كنت في بلد يدينون الله بمذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه وافقهم على ذلك وأنت في فعلك يوجد ترجيحات واختيارات لكن عند الفتيا تقيد بالمذهب وهؤلاء تبعوا هدى الله المستقيم وشرعه القويم الذي هو في هذا المذهب كما هو في بقية المذاهب فأنت لئلا تصدع الصف وتشتت الشمل وتفرق الأمة وتجعل الخصام بينها فقل له الأمر فيه سعة هذا مذهب معتبر وهذا معتبر وأنت تقتدي بالإمام أبي حنيفة ولا تريد أن تقرأ الفاتحة وراء الإمام قول حق وهدى وصلاتك مقبولة –صحيحة – ومن كان حنفي المذهب فلا تجب عليه قراءة الفاتحة ولا تلزمه وتقرير المسألة ضمن مواعظ الفقه –الأمر فيه سعة احتملته الأدلة ورحمة الله واسعة –وأنت بعد ذلك عندك اطلاع انشرح صدرك لهذا أو لهذا أفعل لكن عندما يستفتيك وهو يدين الله بمذهب سيدنا أبي حنيفة قل له بالمذهب.

أما إذا قلت حديث النبي صلى الله عليه وسلم"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "وتقول هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم يا عبد الله رفقا بنفسك وهل أبو حنيفة رضي الله عن قال هذا الحكم من بيت أبيه وأمه أوأيضاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة. ... ... وتقدم أن الحديث صحيح وتقدم تخريجه: إذاً هذا دليل وذاك دليل فبقي فهوم مختلفة من مصادر ثانية من الذي رجح فهمك على فهم الإمام أبي حنيفة وأنت لو خرجت في فهمك عن المذاهب الأربعة فأنت ضال أيضاً فانتبه لهذا إنما أنت عندما تبعت ذلك المذهب على هدى لكن ما الذي رجح مذهب الإمام الشافعي على مذهب الإمام أبي حنيفة ما الذي رجحه ترجيحك يعتبر مرجحاً إنما تأتي وتقول النصوص يا عبد الله هذا ما ظهر لك والترجيح لا يمكن أن يكون نصاً إلا إذا صدر من النبي صلى الله عليه وسلم. أما ما عدا هذا أنت ترجح ولكن ليس على حسب ما هو عليه في حقيقة الأمر قد ترجح المرجوح وأنت مسكين لا تدري حقيقة الأمور لكن أنت انشرح صدرك في أن تعمل إعمل لكن بالنسبة لوحدة الأمة كما قلت لا بد من أن تراعيها وأن تتقي الله في أمة نبيه عليه الصلاة والسلام أنت على مذهب الإمام أبي حنيفة فعليك أن تفتيه بهذا المذهب إذا كانوا يدينون الله به. ... ... فانتبه لهذا الأمر لا تفتي العامة إلا بمذهبهم المقبول محافظة على صفاء العقول ودفعاً للتشويش المرزول.

.. ... وبهذا قال أئمتنا وقال من لا يشك في إمامته وديانته وبقوله يرضى أهل المذاهب المختلفة من تلاميذ شيوخ الإسلام وهو من أهل الفقه ومن أهل التراجم والسير رضي الله عنه. وهو الإمام الذهبي قال في السير 8/93 يقول: ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها وسعه علم وحسن قصد فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل ولاح له الدليل وقامت عليه الحجة فلا يقلد فيها إمامه بل يعمل بما تبرهن له ويقلد الإمام الآخر بالبرهان لا بالتشهي والغرض لكن لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه أو ليصمت فيما خفي عليه الدليل. فأنت عندما خرجت قلدت إماما آخر فما زلت على هدى ولكن للمحافظة على دين الله وعدم النزاع. ... ... بين المسلمين فهؤلاء يدينون الله بمذهب معتبر فإذا كان كذلك فلا تفتيهم إلا به ولو قدر أنك تحرجت اسكت وأحل على غيرك أما أنك تأتي وتقول يترجح عندي كذا ومذهب أبي حنيفة خطأ قد تقطع رقبتك وإذ لم تقطع عملت فتنة بين الأمة. والذين صدعوا الأمة في هذه الأيام مع تصديعها وزوال سلطانها هل استفادوا عندما صدعوها التصدع بينهم أنكى وأفضع وأشد ولا يوجد اثنان على قول وهذا الهرج والمرج وعلى تعبيركم باسم الاتباع الكتاب والسنة لا اتفقتم ولا تركتم الأمة بعد ذلك على اتفاقها مع زوال سلطانها وضياعها وهذا بلاء نعيشه في هذه الأيام. المعلم السابع: ... ... نرد الخطأ ممن صدر تقرباً إلى الله عز وجل مستضيئين بذلك بمن سبق بالعلماء الكُمَّل فلا محاباة في الدين.

.. ... لا دليل عنده إنما بناء على أدلة عامة وورد دليل خاص يقدم على قوله ولذلك علماء المذهب واتباعه قالوا هذا القول الذي نقل عن الإمام هذا القول مهجور وسيأتينا قول الإمام مالك أن المرأة تسبح إذا أخطأ الإمام ولا تصفق والحديث قال له تأويل والحديث في منتهى السداد والرشاد واستدل بالعموم من نابه شيء في صلاته فليسبح لكن عندنا روايات أخرى لا تحتمل التأويل رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء في التصفيق وللرجال في التسبيح – وفي رواية: إذا أنساني الشيطان شيئاً من صلاتي فيسبح الرجال ولتصفق النساء – وسيأتينا ضمن خطوات البحث – وهذا ينفي تأويل الإمام مالك للحديث فليصفق النساء وليسبح الرجال من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه وسيأتينا كلام أن العباس القرطبي في المفهم قال: قول الإمام مالك معارض للأثر والنظر – وهو مالكي –والجمهور بعد ذلك على هذا وانتهى الأمر والمسألة سهلة تقرر بلطف عند أتباع المذهب لكن هذا بني على حديث ولكن عارض نصوصاً أخرى واضحة وسأذكر نصوصاً أخرى تشير إلى هذا وسأذكر مسألة ذكر فيها قولان النصوص ترجح قولاً من القولين فيجب علينا أن نأخذ به في موضوع آخر البحث مثلاً جر الإزار نقل القولان كراهة التنزيه وكراهة التحريم لكن عندنا النصوص المتعاضدة ترجح التحريم وانتهى الأمر فهذا لا بد من وعيه وعندما نقول المذاهب الأربعة ليس معنى هذا أنه إذا قال الإمام إمام المذهب ثم رد عليه من علماء المذهب وبين أن هذا القول خطأ ليس معنى هذا أنه انتهى نص محكم لا ثم لا لكن سيأتينا ضمن المعالم نتروى نتأنى ولا نتهجم نحن كما قلت نستضيء بأقوال من سبقنا من المحققين الجهابذة من هذه المذاهب ومن أئمة الدين قالوا: هذا في الحقيقة لا يوجد ما يساعده لا من النظر ولا من نص وعليه النص الذي بلغ هو قال ما قال فيه وهو معذور ومأجور وأساطين المذهب قالوا هذا لا يصح فكما قلت نرد الخطأ فمن صدر تقرباً إلى الله تعالى.

المعلم الثامن: ... ... نتهم رأينا ولا نتسرع في تخطيء أئمتنا فلا بد من استكمال البحث من جميع جوانبه حسبما في وسعنا هذا لا بد من وعيه أن تتأنى وتتريث وتبحث البحث الواعي الكافي ثم بعد ذلك تقول هذا فيما يظهر لي أنه خطأ. المعلم التاسع: ... ... ... ... ... ... ... نستغفر لأئمتنا الأبرار ونلتمس لهم عند التحقق من خطئهم الأعذار وندعوا لهم آناء الليل وأطراف النهار ولتقرير هذا بمثالين ذكراً في مواعظ التفسير. الأول: حديث صحيح: عند خ، ن، دي، هق. المحلى 7/141 جامع الأصول 3/274 بوب عليه البخاري في كتاب الحج باب رفع اليدين عند الجمرة الدنيا والوسطى. عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا رمي الجمرة الأول الدنيا بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة فإذا رماها فيتقدم فيهل فيقوم فيستقبل القبلة طويلا ويدعوا ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى كذلك ثم يتقدم فيهل ويستقبل القبلة ويرفع يديه ويدعوا طويلا قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك في الفتح 3/583 – قال ابن قدامة 3/475 – لا نعلم لما تضمنه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مخالف إلا ما روى عن مالك رضي الله عنه من ترك رفع اليدين بعد رمي الجمار – وبعد رمي الكبرى لا يشرع الدعاء قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة الدنيا والوسطى إلا ما كان عن رواية محمد بن القاسم عن مالك. الدعاء متفق عليه ولكن رفع اليدين كرهه. ... ... وهذا الذي قال ابن المنذر رده ابن المُنيِّر أحمد بن محمد بن المُنيِّر – توفي سنة 683 هـ انظر شذرات الذهب /381 وهو صاحب الانتصاف لما في الكشاف.

.. ... قال ابن المُنير لو كانت سنة ثابتة لما خفي ذلك عن أهل المدينة. قال ابن حجر. وغفل رحمة الله عن أن الذي روى هذا الأثر عن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أعلم الصحابة ومن أهل المدينة هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ورواه عنه ابنه سالم وعنه أمير المؤمنين في الحديث الإمام الزهري. ثم قال: فمن علماء المدينة إن لم يكونوا هؤلاء – وانظروا مثل هذا في عمدة القارئ 10/92. مثال آخر: ذكرته في آخر مواعظ التفسير.

.. ... ثبت في المسند والحديث في الموطأ والكتب الستة إلا الترمذي وابن ماجه وعليه هو في الصحيحين وسنن أبي داود والنسائي ورواه البيهقي في السنن الكبرى وأبي داود الطيالسي والحديث في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين عن سيدنا سهل بن سعد عندما ذهب نبينا عليه الصلاة والسلام ليصلح بين بني عمرو بن عوف وجاء سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وقد أم الصحابة الكرام في أول صلاته فأكثروا في التصفيق لينتبه سيدنا أبو بكر رضي الله عنه فلما التفت ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تأخر ورجع القهقرا وتقدم النبي عليه الصلاة والسلام في نهاية الصلاة قال النبي عليه الصلاة والسلام من نابه شيء في صلاته فليسبح مالكم أكثرتم التصفيق إنما التصفيق للنساء من نابه شيء في صلاته فليسبح في التمهيد لإبن عبد البر 21/106 وفي الاستذكار 6/240 يقول: قال الإمام مالك المرأة تسبح كما يسبح الرجل واستدل بالعموم في حديث من نابه شيء في صلاته فليسبح وقوله إنما التصفيق للنساء يعني من عادة النساء ورعونتهن خارج الصلاة ولا يجوز للمرأة أن تصفق لا في الصلاة ولا في خارج الصلاة هذا عبث ولا يجوز للمرأة أن تصفق مطلقاً وإنما التصفيق للنساء – من عمل النساء ومن عمل السفيهات منهن خارج الصلاة فأنتم تصفقون في الصلاة والمرأة إذا صفقت في الصلاة نقص فيها فكيف بالرجل الذي يصفق في الصلاة والمعنى المراد: من خصائص النساء إذا لم يكن على هدى من رعونتهن وسفاهتهن يصفقن وقلما يجتمع النساء في عرس ولا يصفقن وهذا لا يجوز لا لامرأة ولا لرجل.

.. ... ورخص في الصلاة عند الجمهور لأن صوتها فتنة فهنا مصلحة شرعية لئلا يسمع صوتها وتتحرك الغرائز في نفوس الرجال منعت أن تقول سبحان الله إنما تضرب ببطن اليمنى على ظهر اليسرى أو بالظهر على الظهر أو بظهر اليمنى على بطن اليسرى أو بإصبعين ولا تصفق أيضاً بالراحتين- كيفيات منقولة عن أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين -ولا تصفق أيضاً بالراحتين لأنه ورد النهي عن التصفيح وهو الضرب بباطن الكف على ظاهر الكف الأخرى إذاً التصفيق خارج الصلاة عندما لا يلتزمن بالهدى فكيف يصفق الرجال عند مناجاة المولى هذا معنى الحديث ولعموم من نابه شيء في صلاته فليسبح – كنت تكلمت سابقاً في خطبة الجمعة عن حكم التصفيق لأن بعض الشيوخ يبيح التصفيق حتى للرجال وقال هذا يعني من أجل الحماس والمشاعر. ... ... يا إخوتي الكرام: الأحكام لا بد أن تسند إلى أدلتها أما هذا يقول لا حرج وذاك يقول حرج وذاك يسأل عن البقرة إذا أعطيت لإنسان شركة مضاربة يقول الربح والخسارة بينهما وهذا شيء طيب! بناءاً على أي مصدر وأي دليل هذه هي الأهواء والآراء وما يعيبه على أئمتنا كله مأخوذ من أدلة شرعية لكن ما راقت لهم جهلوها وهم يأتون بأهواء وهراء ويقولون نحن عندنا إتباع لا إله إلا الله. سيدنا أبو حنيفة رضوان الله عليه يعترضون عليه في انتقاض الوضوء في القهقهة في الصلاة هذا بناء على أثر ليس على رأي البشر وعندما يبيح في السفر التوضؤ بالنبيذ بناء على أثر ليس هذا على قول بشر بينما أنتم تقولون أقوالا عارية عن الدليل ومع ذلك إتباع سنة وسلفية لأنه قاله عنده الختم. هذا قول سلفي. إذا يقول التصفيق هذا من فعل النساء خارج الصلاة على جهة الذم. د ... ...

.. ... إخوتي الكرام: لا يوجد أعلى من هذا الفهم والتأويل لولا نصوص أخر ترد هذا لما قدم على فهم الإمام مالك فهم لأجل أن يصان المجتمع عن العبث في كل مكان ولكن هذا في الحقيقة يعارض الروايات الأخرى. ومن هذه الروايات. حم –خ - م –4 – هق –عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال وهذه كرواية سهل بن سعد لا دلالة فيها. ... ... وعند ابن ماجه بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء بالتصفيق وللرجال بالتسبيح في الصلاة.

.. ... وعند حم. طس-شيبة وإسناده حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا أنساني الشيطان شيئاً من صلاتي فليسبح الرجال وليصفق النساء ". إذا هناك رخص للنساء بالتصفيق وهنا وليصفق النساء. ترد تأويل الإمام مالك قال الإمام القرطبي كما نقل عنه الحافظ في الفتح 3/77. القول بمشروعية التصفيق للنساء في الصلاة هو الصحيح خبراً ونظراً – هو من ناحية الخبر هو الوارد والأمر الثاني من ناحية الاجتهاد فصوتها فتنة ونص على ذلك ابن عبد البر في الكتابين المتقدمين الاستذكار والتمهيد والحافظ ابن حجر يقول: منعت أن تقول سبحان الله لأن صوتها مظنة الفتنة فلئلا يحصل شيء من تعلق القلوب فلا تقل سبحان الله وهي مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذ الفتاوي الواسعة العريضة الباطلة التي لا تسند إلى النصوص ولا إلى اجتهادات الأئمة كما تقدم يقول يزور صديقته وزميلته في العمل لأنه ليس من الحكمة أن يعرف بعضنا بعضاً في الرخاء وينسى بعضنا بعضاً في حال الشدة لكن يستحب من عنده أن لا يذهب بنفسه وهي لا تذهب بنفسها يعني يذهب مجموعة والصديقات لزيارة صديقهن أما واحد بنفسه لا يذهب حتى لا يصبح ريبة هذا بناء على استدلال على ما في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دخل على أمنا عائشة وسألها وكانت مريضة فسألها عن حالها فقالت بخير إن اتقيت الله وأثنى عليها وقال كيف زارها – وهذا بيناه سألها من وراء حجاب وما رأى لها صورة وهذا استدلالهم والخلط عندهم.

.. ... وهذا القول الذي نقل عن الإمام مالك رضوان الله عليهم فهم بني على أثر لكن عارض بقية الآثار فيترك هذا القول والديانة تلزمنا بذلك وأساطين المذهب وعلماء المالكية قالوا المرأة تصفق وهذا هو الأصح في الأثر والنظر – انتهى فهذا يرد ومع ذلك الذي يتسفه على إمام من الأئمة هو السفيه ونحن كما قلت لو بنى هذا القول فقط على حديث سيدنا سهل وسيدنا أبي هريرة القول معتبر ولا يجوز أن تضعفه التصفيق للنساء والتسبيح للرجال على التأويل السابق لكن بقية الروايات توضح المراد وأن التصفيق في الصلاة رخص لهن لمصلحة شرعية تقدم هذا مع كونها ممنوعة من رفع صوتها لئلا يحصل في القلوب ما يحصل. المعلم العاشر وهو آخر المعالم: ... ... إياك ثم إياك أن تقول قولاً لم تسبق إليه واحذر هذا غاية الحذر وإياك ثم إياك أن تقول قولاً تخرج به عن المذاهب الأربعة فإنه هلاك ومضيعة إياك احترس. قال الميموني- الإمام المبارك عبد الملك بن عبد الحميد أبو الحسن الميموني ثقة فاضل لازم سيدنا الإمام أحمد أكثر من عشرين سنة توفي 274 هـ روى له النسائي فقط ترجمته السير 13/89 وهذا القول في السير في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل أنه قال لتلميذه الميموني إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام. ... ... فتيا الألباني سابقاً أن المرأة إذا انتهت عدتها بعد طلاق أو طلاقين وأراد أن يتزوجها بعقد جديد وزواج جديد تعود إليه من غير طلاق سبق منه عليها من إمامه في ذلك من سبقه في ذلك. قول المقبل على الفتن في موضوع شركة المضاربة - يعطي الإنسان البقرة لصاحبه ليعمل فيها مضاربة يقول الربح والخسارة بينهما- من قال أن المضارب يتحمل خسارة مع ما في هذه الشركة من محاذير عند الجمهور ولا تصح إلا عند الحنابلة بشرط تقييم البقرة وتقديرها. مع هذا لا يتحمل المضارب خسارة.

.. ... من سبقه أن القرآن ليس فيه إلا خمس سجدات من سبقه إلى أن الإجماع لا يحتج به حقيقة مسبوق بالنظام وهو خليفته في هذا الزمان لكن ما سبق إليه من قبل أهل الهدى في الإسلام من سبقك إلى أن الإجماع ليس بحجة وليس هذا ذله قالها في وقت ما كان عقله معه لا يقول باستمرار الإجماع ليس بحجة والقياس ليس بحجة إياك أن تقول قولاً ليس لك فيه إمام. إخوتي الكرام: ... ... بهذه المعالم العشرة نحوي ثلاثة أمور علم وأدب وورع. ... ... لو علمنا الأمور العشرة حوينا العلم الشرعي بأدلته وتأدبنا مع أئمتنا وصرنا في غاية الورع والاحتياط لديننا كما اتضح هذا من المعالم الخطأ يرد نستغفر للمخطئ ندعو له نلزم الأدب معه علم وأدب وورع إذا اتصفت بالمعالم العشرة هذا فيما يتعلق بالأمر الأول من الأمور الثلاثة معالم عشرة لا بد من وعيها وكما قلت لولا أن تكون بدعة لقلت للناس اكتبوها وعلقوها في الجدران حتى يتأملها عباد الرحمن على الدوام ولكن من الحيف أن تنقل على الجدران أو على جبين إنسان ينبغي أن تنقش في القلوب وأن يعلمها أولاد المسلمين ليكون هذا عقيدة فيهم تسري في دمائهم لنعرف كيف نتعامل مع أئمتنا وفقههم. الأمر الثاني: موقفنا مع مسائل الوفاق والافتراق. ... ... ما اتفق عليه أئمتنا وما اختلفوا فيه ما موقفنا نحوه نحن معشر طلبة العلم أقدم بين يدي الأمر الثاني كلاما لحبر الأمة وبحرها إمامها وعابدها وزاهدها وورعها في زمانه الإمام ابن قدامة في كتابه المغنى توفي 620 هـ. سطر مقدمة ذهبية أصفى من الذهب وأحلى من العسل في مقدمة كتابه المغنى. أنقل منها أسطراً قال بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.. ... أما بعد: فإن الله تعالى برحمته وطوله وقوته وحوله ضمن بقاء طائفة من هذه الأمة على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. وجعل السبب في بقائهم وبقاء علمائهم اقتداؤهم بأئمتهم وفقهائهم وجعل هذه الأمة مع علمائها كالأمم الخالية مع أنبيائها وأظهر في كل طبقة من فقهائها أئمة يقتدي بهم وينتهي إلى رأيهم وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأهذه مهد بهم قواعد الإسلام وأوضح بهم مشكلات الأحكام اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. تحيا القلوب بأخبارهم وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم ثم اختص منهم نفراً أعلى قدرهم ومناصبهم وأبقى ذكرهم ومذاهبهم فعلى أقوالهم مدار الأحكام وبمذاهبهم يفتي فقهاء الإسلام ثم قال: واذكر لكل إمام ما ذهب إليه تبركاً بهم وتعريفاً لمذاهبهم ... الخ

.. ... ولذلك قال أئمتنا علماء الأمة كأنبياء بني إسرائيل – وكون هذا حديثاً لا يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم. والمعنى صحيح انظروا الكلام عليه في المقاصد الحسنة ص286 قال: قال شيخنا – الحافظ بن حجر – وقبله الإمام الدميري والزركشي لا أصل له وزاد بعضهم ولا يعرف في كتاب معتبر وقال مثله في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ص135 للإمام السيوطي قال لا أصل له وفي الفتاوي الحديثية لابن حجر الهيتمي ص279 والمصنوع في معرفة الحديث الموضوع ص123 والخصائص الكبرى المعروف بكفاية الطالب اللبيب في خصائص نبينا الحبيب على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه للإمام السيوطي 2/216 وكلهم تتابعوا على أنه لا أصل له. ولا يعرف من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم إنما المعنى حق – إذاً جعل الله هذه الأمة مع علمائها كالأمم الخالية مع أبنائها الدين واحد والشرائع مختلفة وعندنا النبي صلى الله عليه وسلم واحد لكل بعد ذلك فروع مختلفة فيها سعة حالنا مع العلماء كحال الأمم السابقة مع الأنبياء – هذا الكلام لو نسب لغير هذا الإمام قد يقولون عنه مشرك والذي علق على الكتاب – ضاق عطنه فعلق على ما بعدها من أنه يتبرك بذكر كلام الأئمة. هذه الأمة مع علمائها كالأمم السابقة مع أنبيائها هذه احفظها.

قال الإمام ابن قدامة: نذكر أقوال أئمتنا وآرائهم تبركا بهم وآثر شرح مختصر الخرقي لأنه كتاب مبارك -يتبرك بهذا الكتاب الإمام ابن قدامة-. المعلق والمحقق ما راق له هذا الكلام من الإمام ابن قدامة فقال: تجاوز رحمة الله في هذا التعبير – يعني تجاوز الأحكام الشرعية – يا عبد الله هؤلاء هم الأئمة يؤخذ منهم الفقه والأدب والسكينة وما خرج عنهم عار – قال تجاوز رحمة الله في هذا التعبير لأنه لا يجوز التبرك بالصالحين – شوكة في الجلد متى ما سمعها كأنه ثعبان كبير ألقي أمامهم –لا يجوز التبرك بالصالحين لأن الصحابة لم يكونوا يفعلونه مع غير النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لا مع أبي بكر ولا غيره ولا فعله التابعون مع قادتهم في الدين هذا الكلام صحيح أو باطل – تقدم معنا بطلانه والآثار في ذلك ما أكثرها هذا عدا عن أن هذا الفعل إذا ثبت لنبينا عليه الصلاة والسلام فمن الهذيان أن تقول خاص به إلا بدليل – استمع للتمجهد الباطل يقول: والنبي عليه الصلاة والسلام له خصائص في حال حياته لا يصلح أن يشاركه فيها غيره – لا بد من دليل كما قال الله تعالى " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين "وإن لم تأتي هذه لصح أن تهب المرأة نفسها لغير النبي صلى الله عليه وسلم ويصح أن يقبلها الرجل ويصبح تزاوج بينهم –هنا قام دليل على التخصيص-خالصة لك من دون المؤمنين. فهنا من الذي خصص – قال المعلق. فلا يجوز أن يقاس على أحد من الأئمة هذا لو كان على قيد الحياة لا يجوز فكيف وهم أموات إن الأمر إذا اشتد ولا يجوز إطلاقاً – أنظر لهذا الهذيان وسفاهتنا في هذه الأيام وأيضاً علق على الإمام في قوله (كتاب مبارك) :ماذا سنقول على الكتاب مشؤوم الله أكبر.

هذا كما قلت سابقاً لما كتبت في الكتاب إنه كتاب مبارك وعلق الفتَّان في هذه الأيام ومعه صاحب الهذيان عضو كبار العلماء ويقرهم صاحب السماحة – لا يجوز أن تقول كتاب مبارك عن كتاب التوحيد كيف تقول عن هذا الكتاب إنه مبارك من سبقك إلى هذا والكتاب المبارك هو كتاب الله فقط (وهذا كتاب مبارك أنزلناه) ذكرت هناك من سبقني وهنا ابن قدامة سبقني وأئمتنا يستعملونه بكثرة- فلا يجوز أن نقول كتاب التوحيد مبارك ولا كتاب الحديث مبارك ولا كتاب الفقه مبارك ماذا نقول: إذا نقول مشؤوم! قال: لا المبارك هذا كتاب الله فقط – هذه العقول المنحطة أنا أعجب وكما يقال: "حار وبارد على سطح واحد" هنا مبارك لا يجوز وخذ بعد ذلك صاحب الجلالة صاحب الفخامة وصاحب السمو وصاحب ... بغير حساب كيف جمعت بينهما؟ تأتي بكتاب التوحيد إذا قلنا مبارك يقول: لا يجوز وتأتي بعد ذلك صاحب الجلالة تطلقها على عبادٍ الله أعلم بحالهم. أما تستحون من الله؟ لو كانت التعبيرات كلها موزونة لقيل هذا مسلكه لكن كيف سنوفق بين الأمرين. أستمع قال هذا كتاب مبارك قال هذه مبالغة منه رحمة الله هناك ماذا قال تجاوز الحد لا يجوز إطلاقاً. مبالغ ابن قدامة يغفر الله لنا وله هذا مثل الشعراء في كل واد يهيمون. لأنه ليس هناك كتاب يعتقد فيه البركة غير كتاب الله عز وجل قال تعالى: "وهذا كتاب مبارك أنزلناه". قال ولأنه معصوم من الخطأ وما عداه من الكتب فهو عرضه للخطأ والله أعلم. أنا أريد أن أعلم ماذا تفهمون من البركة؟ عندما يسمى إنسان بيننا الآن مبارك. ماذا تفهمون منه؟ تقصدون مبارك أنه هو الله هكذا تفهمون من مبارك أنه هو الله. أو رسول الله صلى الله عليه وسلم. ماذا تفهمون؟ عندما نقول هذا الكتاب فيه بركة يعني فيه خير كتاب هدى سبحان الله العظيم عندما سمى الله نفسه بأنه عليم حكيم حليم وسمى عباده بهذا. بشرناه بغلام حليم. هل يلزم أن يكون الحليم كالحليم.

اتفاق المسميين في اسم عام في حال الإطلاق لا يلزم تساويها عند الإضافة والتقييد هذا حلمه يناسبه وهذا حلمه يناسبه وهنا بركة تناسب هذا الكتاب. وبركة تناسب كتاب الكريم الوهاب هذا يعرفه كل أحد. صار من يحقون الكتب في أعلى المستويات والشهادات يقولون هذا الهراء. نحن عندنا إخوتي الكرام نرد على كل أحد قال مرة بعض السفهاء في مكة المكرمة لبعض الناس المسلمين المستضعفين. نحن طردنا الرسول عليه الصلاة والسلام تعجزونا أنتم! أنا أعجب كيف الإنسان يطلق لنفسه العنان ليرد على أئمة الإسلام ولما يأتي بعد ذلك لمعاصرين من أحياء أو مسؤولين يرتجف وينتفض رعباً ألا نتقي الله في أنفسنا؟ هذا هو التلويث لكتب أئمتنا وهذا هو التطفل والسفاهة على كتب أئمتنا وعلى تراث سلفنا رضوان الله عليهم أجمعين. هذا الكلام يحدد لنا موقفنا من إتفاق أئمتنا وافتراقهم. هذه الأمة مع علمائها كالأمم السابقة مع أنبيائها علماء هذه الأمة إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة هذه الأمة تتبرك بذكر وأخبار أئمة الإسلام فتحيا القلوب عند ذكر أخبارهم وسرد أقوالهم رضي الله عنهم وأرضاهم. وهذا الكلام الذي قاله الإمام ابن قدامة لا يظنن ظان أنه من انفراده أو من أقواله الخاصة به هذا القول لا خلاف فيه بين أئمتنا وسأقرره بقول إمام آخر عند قوله يخرس المشاغبون. اسمع ما يقوله الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي 19/117 إلى 127 كتب عشر صفحات ينبغي أن تكثروا قراءتها في كثير من الأوقات." الأصول الثابتة في الكتاب والسنة والإجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء ليس لأحد خروج عنها.

ومن دخل فيها كان من أهل الإسلام المحض وهم أهل السنة والجماعة وما تنوعوا فيه من الأقوال والأعمال المشروعة فهو بمنزلة ما تنوعت فيه الأنبياء-على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه – كعبارة الإمام ابن قدامة وزيادة من التوسعة له – قال الله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" وقال تعالى: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام"- وقال جل وعلا: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان". والتنوع قد يكون في الوجوب تارة وفي الاستحباب أخرى. ثم قال: وقد اتفق الصحابة رضي الله عنهم في مسائل تنازعوا فيها – هناك قرر عندنا أصول ثابتة من دخل فيها فهو من أهل الإسلام المحض ومن أهل السنة والجماعة وهناك أشياء وقع الخلاف فيها كحال الأنبياء السابقين ففيها سعة سيقرر الآن حالنا نحو ما اختلف فيه أئمتنا: "وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق منهم للآخر على العمل باجتهاده كمسائل في العبادات والمناكح والمواريث والعطاء والسياسة وغير ذلك.

تنازعوا فيها وقد اتفق الصحابة قاطبة على أن يقر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه وحكم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول عام في الفريضة الحمارية بعدم التشريك وهي حمارية ويمية وحجرية كما تقدم معنا ويقال لا مشتركة وصورتها أن تموت امرأة عن زوج وأم وأخوين لأم فأكثر وأخ شقيق فالزوج له النصف والأم لها السدس والاخوة لأم لهم الثلث إذا الأشقاء هل نعطيهم ميراث مع الأخوة لأم أو نسقطهم لأنهم أشقاء وسيدنا عمر في أول سنة أسقطهم. "ألحقوا لفرائض بأهلها فما بقي فالأولى رجل ذكر" ما بقي شيء سقط الأخوة الأشقاء. في العام الذي بعده وقعت نفس القصة فقال الأخوة الأشقاء وكانوا ذوي لسن يا أمير المؤمنين هب أن أبانا حماراً هب أن أبانا حجراً ملقى في اليم والله ما زادنا الأب إلا قربا نحن ندلي بقرابتين إذا لم نرث من جهتين فلا أقل من أن نرث من جهة واحدة فورث الاخوة الأشقاء مع الاخوة لأم على سبيل التشريك من جهة الأنوثة وجعلهم متساويين الذكر كالأنثى فقيل له قضيت في العام الأول بخلاف هذا قال ذاك على ما قضينا به وهذا على ما نقضي وهذا عند البيهقي في السنن 6/255 وكلام زيد بن ثابت عندما قال هبوا أن أباهم حماراً في المستدرك 4/337 بالقضاء الأول قال إمامان أبو حنيفة والإمام أحمد وبالقضاء الثاني قال إمامان والكلام له بسط وتقرير وأدلة والقضاء الأول يوافق القياس والثاني يوافق الاستحسان. وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة في التقريب بين القولين. الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية حملوا على القضاء الثاني وقالوا لا يصح ولو قوله هب أن أبانا حمارا لكانت أمهم أتانا وهذا رأي لهما وهذه في مجموع الفتاوي 31/340 وفي إهذه الموقعين 1/355 هو يذكر أقوالا لتضعيف القول الثاني وتصحيح القول الأول هنا حسب ما يرى لكن القضاءان معتبران عند الصحابة الكرام ومن بعدهم إلى لقاء الرحمن: وإن تجد زوجا وأما ورثا ... وأخوة للأم حازوا الثلثا

وأخوة أيضاً لأم وأب ... واستغرقوا المال بفرض النصب فاجعلهم كلهم لأم ... واجعل أباهم حجراً في اليم واقسم على الأخوة ثلث التركة ... فهذه المسألة المشتركة يقول هنا وهم الأئمة الذين ثبت بالنصوص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة ودل الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية كسماع الميت صوت الحي وتعذيب الميت ببكاء أهله ورؤية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت ليلة الإسراء والمعراج مع بقاء الجماعة والألفة وهذه مسائل إعتقادية وسأضبط الإختلاف الذي معنا تنوع وتضاد وما الذي يقر عليه العباد في كل منها في التنوع والتضاد أيضاً ومن خالف فهو الضال.

وعندنا صور الخلاف سته أربعة في التنوع أو إثنان في التضاد وخمسة من ستة فيها سعة وواحد فقط الضلالة فيه محققة – حتى خلاف تضاد في أمر الاعتقاد ومن باب أولى في الفروع العملية هنا تنازعوا في رؤية خير البرية عليه الصلاة والسلام لله جل وعلا هذا في ليلة الإسراء والمعراج اختلفوا والأقوال أربعة لا يقضي فيها بقول قطعي. رآه بعيني رأسه رآه بعيني قلبه بفؤاده -الوقف – نفى الرؤية -أربعة أقوال عن سلفنا الأبرار قررت في مبحث رؤية ذي الجلال وكل قول له دليل وقال به إمام جليل من السلف الكرام وإن كان يظهر لي ثبوت الرؤية بالعينين وهذه ميزة خصه الله بها وما أكثر ما خصه الله من الخصائص والمزايا وإن خالف في هذا ابن القيم وابن تيمية عليهم جميعاً رحمة الله والأمر فيه سعة ولكن هذا ما أراه أرجح الأقوال مسألة تنازع فيها السلف ولعلني ذكرت ذلك ضمن مبحث رؤية الله عز وجل وقررت عدة أمور وكأن المسؤول في كلية الشريعة قال هذا رأيك قلت رأيي غلط هذا قول سلفنا وأنا أراه فيما يبدو لي أقوى الأقوال وأرجحه بأدلة وأنا أرى فيما ذهب إليه الإمام ابن تيمية قول قال السلف ولكن مرجوح أربعة أقوال من قال بواحد منها فهو على هدى وفي رؤية المؤمنين لربهم في جنات النعيم قول واحد من خالف في ذلك فهو ضال زائغ عندنا وفاق وعندنا افتراق.

ما حصل فيه اختلاف نحن في سعة وما لا خلاف فيه من خالف فهو الضال هذه تقول رأيك هذا قول سلفنا. تنازعوا في مسائل علمية اعتقاديه مع بقاء الجماعة والألفة واستمع إلى الرسائل التي تؤلف الآن تقول (الميت لا يسمع) يا إخوتي مسائل جرى فيها الكلام من زمن هذهة تعترضون في الفتاوي 24/172 لشيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله يقول: كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله في قوله: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة ثم ما استبان لك أن تأخذ بقولي أنت على هدى وأنا على هدى –وربما اختلف قولهم في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوّة الدين نعم من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة وما أجمع عليه الأمة خلافاً لا يعذر فيه فهذا يعامل معاملة أهل البدعة – فعائشة رضي الله عنها قد خالفت ابن عباس وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم.

في أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه قالت: من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم – رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية – وجمهور الأمة على قول ابن عباس مع أنهم لا يبدعون الذين وافقوا أم المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين وكذلك أنكرت أن يكون الأموات تسمع دعاء الحي وقلت رجعت وثبت رجوعها لما قيل لها إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم والحديث في الصحيحين فقالت إنما قال إنهم ليعلمون الآن أن ما قالت لهم حق ومع هذا فلا ريب أن الموتى يسمعون خفق النعال كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا يسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام صح ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام إن غير ذلك للأحاديث وأم المؤمنين رضي الله عنها تأولت والله يرضى عنها وكذلك معاوية رضي الله عنه نقل عنه في أمر المعراج أنه كان ... ... والناس على خلاف معاوية ومثل هذا كثير وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا اخوة ولقد كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهم سيدا المسلمين يتنازعان في أشياء لا يقصدان إلا الخير وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم بني قريظة لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم العصر في الطريق فقال قوم لا نصلي إلا في بني قريظة وفاتهم العصر وقال قوم لم يرد منا تأخير الصلاة فصلوا في الطريق فلم يعب واحد من الطائفتين رواه الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وقال في 24/331 سؤال عن الأموات هل يعلمون بالأحياء إذا زاروهم وهل يعلمون بالميت إذا مات من قرابتهم أو غيره. فأجاب: الحمد لله نعم قد جاءت الآثار بتلاقيهم وتساؤلهم وعرض أعمال الحي على الأموات وأما علم الميت بالحي إذا زاره وسلم عليه ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وصححه عبد الحق صاحب الأحكام. وفي الإحياء 4/475 – أنظر تخريج الإحياء قال: رواه ابن عبد البر في التمهيد وصححه عبد الحق وقال ابن كثير في تفسير 3/438 رواه ابن عبد البر مصححا له وهكذا في شرح الصدور للإمام السيوطي ص 357 وانظر كلام ابن عبد البر في الاستذكار 2/165 والتمهيد 3/233 –20/239 وفي الفتاوي 4/298 النص الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على تأويل من تأول من أصحابه وغيرهم وليس في القرآن ما ينفي ذلك – يعني سماع الميت وعلمه بها – فإن قوله إنك لا تسمع الموتى أراد السماع المعتاد الذي ينتفع به صاحبه فإن هذا مثل ضرب للكفار وهم يسمعون الصوت ولكن لا يسمعون بفقه واتباع كما قال تعالى "ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءاً ونداءً" فهكذا الموتى الذين ضرب لهم المثل لا يجب أن ينفي عنهم السماع المعتاد جميع أنواع السماع كما لم ينفي ذلك عن الكفار بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به وأما السماع الآخر فلا ينفي عنهم – إلى آخر كلامه وقال في آخر المبحث 19/126 –127 في عشر صفحات أوردها.

قال المذاهب – للعلماء الأربعة – والطرائق – للسادة الصوفية – والسياسات – للحكام- للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله دون الأهواء ليكونوا مستمسكين بالدين الجامع الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء وهم مثابون على ابتغاء وجه الله وعبادته وحده لا شرك له وهو الدين الأصل الجامع كما يثاب الأنبياء على عبادتهم الله وحده لا شريك له ويثابون على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما يثاب كل نبي على طاعة الله في شرعه ومنهاجه. إذاً حال الأمة مع العلماء كحال الأمم السابقة مع الأنبياء إجماع علمائنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة رضوان الله عليهم أجمعين. نعم لا يجوز لأحد أن يلزم الناس بقول مما ساغ فيه الاجتهاد بل تناقش المسائل العلمية الواقعة بالأدلة الشرعية الساطعة. والحمد لله رب العالمين.. ... بسم الله الرحمن الرحيم 27/12/1996 إخوتي الكرام:

لا زلنا ضمن موضوع المواعظ العامة وقلت نتدارس بعض الأمور التي تبين لنا كيف نسير في هذه الحياة إلى ربنا ومع من ينبغي أن نسير وقدمت بمقدمة ينبغي أن يعيها كل مسلم ألا وهي: دين الله يقوم على دعامتين اثنتين عبادة الله وحده لا شريك له على الإخلاص له في جميع شؤون الحياة والدعامة الثانية: إتباع نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه وقلت هذان الأمران مدلول كلمة الإسلام – لا إله إلا الله محمد رسول الله – إياك أريد بما تريد وتقدم أن اتباعنا لنبينا صلى الله عليه وسلم يحصل بثلاثة أمور حسان لا بد من الإلتزام بها على التمام أولها التمسك بسنتة – حسبما فهم وعمل سلفنا ويؤخذ كل علم من سلفنا ممن برز فيه وشهد له فيه أقرانه بالتحقيق والاتقان فيستعان على كل حقيقة بصالح أهلها وعلى كل علم بالمحقق فيه تقدم تقرير هذا وبينت أنه انحرف عن هذا النهج السديد فرق من أهل الضلال البعيد والضلالات التي قالوا بها نحذر أنفسنا منها وذكرت في الموعظتين الماضيتين ما يتعلق بنا وبكل مؤمن في حياتنا وهو أنه في هذه الأيام يخير أهل الإيمان بين العجز وبين معصية الرحمن فليختر العاقل العجز وتقدم أن الذي يسهل علينا أن نختار العجز أمران أولهما القناعة فإذا قنعت فأنت حر لا يستعبدك أحد والثاني إذا صعبت علينا القناعة والنفس ما طاوعتنا فهي حرون فلنذكرها بالموت وبلقاء الحي القيوم وقلت يستحب أن تخرج على الدوام في كل أسبوع مرة على أقل تقدير لزيارة من سبقونا إلى لقاء ربنا ونحن على آثارهم ونسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يثبت الإيمان في قلوبنا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه وكما جمعنا في بيته ونسأله أن يجمعنا في دار كرامته مع نبينا عليه الصلاة والسلام بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. وهذه الموعظة ستكون الختام في هذه المواعظ.

وسأقدم للموعظة مقدمة نافعة من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم وكل كلامه نافع عليه صلوات الله وسلامه ولكن أحاديث جامعة يدور عليها دين الرحمن سأستعرضها على وجه الإيجاز ولا أريد أن أطيل في شرحها إنما كما قلت بما أنه سيحصل شيء من الفجوة بين هذه الموعظة وما بعدها فلتكن هذه الأحاديث أمام أعيننا. ذكر الإمام ابن عبد البر في التمهيد 9/1-2- فقال روينا وساق الأثر بالإسناد عن سيدنا أبي داود صاحب السنن روينا عن أبي داود أنه قال أصول السنن في كل فن أربعة أحاديث أولها حديث سيدنا عمر إنما الأعمال بالنيات وثانيها حديث سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنهما الحلال بين والحرام بين وثالثها حديث سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ورابعها حديث سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه وأرضاه ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس: وهذه الأحاديث الأربعة التي هي أصول السنن في كل من كما قال إمام أهل السنة الإمام أبو داود عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا المعبود نظمها بعض أئمتنا في بيتين لطيفين من والشعر كما في جامع العلوم والحكم للحافظ المبارك ابن رجب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ص6 قال وللحافظ أبي الحسن طاهر بن مفوز- وهو طاهر بن مفوز المعافري الشاطبي الأندلسي توفي سنة 484هـ ترجمته في السير 19/88 وقال الإمام الحافظ الناقد المجود تلميذ سيدنا عمر بن عبد البر تلميذه وخصيصه أكثر عنه وجود كان فهما زكيا إماما من أوعية العلم وفرسان الحديث وأهل الإتقان والتحرير مع الفضل والورع والتقوى والوقار وحسن السمت يقول: عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع من كلام خير البرية اتق الشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنية

الإمام أبو داود هذا ما لحظه من الأحاديث التي عليها دوران الإسلام. وكنت قد ذكرت في أبها كلاما لسيدنا الإمام أحمد بن حنبل رضوان الله عليه – أن الإسلام يدور على ثلاثة أحاديث وأن جميع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم محورها تدور على ثلاثة أحاديث – كلامه نقله أيضاً أئمة الإسلام نقله ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم ص6 ونقله الإمام ولي الدين العراقي في طرح التثريب شرح التقريب 2/5 – والحافظ ابن حجر في الفتح 1/11 والإمام المناوي في فيض القدير 3/425 يقول الإمام أحمد: أصول الإسلام تقوم على ثلاثة أحاديث أولها حديث سيدنا عمر رضي الله عنه – وثانيها حديث النعمان بن بشير وانفرد الإمام أحمد بحديث سيدتنا عائشة أمنا الطيبة المباركة رضي الله عنها "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ويضاف إلى الثلاثة حديث سيدنا سهل ازهد في الدنيا يحبك الله وحديث سيدنا أبو هريرة من حسن إسلام المرء. والأحاديث الثلاثة جمعها شيخ الإسلام الإمام زين الدين عبد الرحيم الأثري العراقي في بيتين من الشعر كما جمع الأربعة الإمام أبو الحسن طاهر بن مفوز. وهذان البيتان في فيض القدير في المكان السابق 3/425 يقول الإمام العراقي: أصول الإسلام ثلاث إنما ... الأعمال بالنيات وهي القصد كذا الحلال بين وكل ما ... ليس عليه أمرنا فرد ... ... ... ... ... جمع أيضاً الثلاثة في هذين البيتين المحكمين من الشعر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا. هذه الأحاديث الخمسة هي عنوان المقدمة الجامعة الخاتمة. ولا أريد أن أتوسع ولا أفصل الكلام على شرح الأحاديث إنما سأبين فقط منزلتها ودرجتها وكلمات يسيرة حولها لننتقل لموضوعنا بعون ربنا وتوفيقه.

أما الحديث الأول حديث سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه ثابت في المسند والكتب الستة رجب – خزيمة – الطيالسي –الحميدي – والحلية وتاريخ اصبهان لأبي نعيم. خط – ابن المبارك في الزهد وكذا وكيع في زهده وهناد أيضا والطحاوي في شرح معاني الآثار –هق- شرح السنة –هق زهد- وهو أول حديث في صحيح البخاري وأول حديث في شرح السنة للإمام البغوي حذا حذو الإمام البخاري وأول حديث في التقريب الذي شرحه ولي الدين العراقي في طرح التثريب والحديث في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين وغيرهما من رواية ثاني الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه إنما الأعمال بالنيات صحة وفساداً قبولا ورداً ثواباً وعقاباً على حسب النية وإنما لكل امرئ ما نوى ولذلك من قصد بهجرته وجه ربه فقد وقع أجره على الله ومن قصد بهجرته عرض الدنيا فليس بمهاجر إنما هو خاطب أو تاجر ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. الحديث قال عنه شيخ الإسلام الإمام العراقي كما في طرح التثريب 2/4 هو من افراد الصحيح ولم يصح إلا من حديث سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. ثم قال روى الحديث أيضا من طريق أربعة من الصحابة آخرين مع رواية سيدنا يصبح خمسة ولكن في رواياتهم ضعف. انظروا الروايات والكلام عليها في طرح التثريب في المكان السابق وفيض القدير 1/35 لأنه أول حديث في الجامع الصغير للإمام السيوطي.

روى من طريق سيدنا أبي سعيد وسيدنا أبي هريرة وسيدنا أنس وسيدنا علي رضي الله عنهم انظروا تخريج هذه الروايات والكلام عليها كما قلت في طرح التثريب وفي فيض القدير والحديث كما قلت غريب باعتبار مبدأه وأصله وأئمتنا أوردوه ضمن الأحاديث المتواترة كما في نظم المتناثر للشيخ الكتاني وكتب عليه أربع صفحات من 17-20 وقد يستغرب الإنسان هذا مع أن السيوطي ما عده من المتواتر في الأزهار المتناثرة ولا غرابة لأنه يريد التواتر المعنوي ومعنى حديث سيدنا عمر ثابت في مئات بل في ألوف الأحاديث أن الإنسان يرتبط عمله بنيته في أحاديث لا تحصى وعليه القدر المشترك الذي دل عليه حديث سيدنا عمر رضي الله عنه متواتر إنما الأعمال بالنيات. هذا وارد في أحاديث لا تحصى ولا تعد ان الإنسان ثياب ويعاقب على حسب نيته ولذلك أورده على أنه من المتواتر تواترا معنويا ولو جمع في الأحاديث المتواترة تواترا معنويا لبلغ لا أقول عشرة أضعاف بل مائة ضعف في ما كتبة السيوطي والشيخ الكتاني أحاديث كثيرة تواترت تواترا معنويا أسانيدها في الحقيقة افرادية لكن إذا جمعت بينها تكون متواترة معنويا القدر المشترك تواتر في أحاديث تفيد التواتر قطعا وجزما. هذا الحديث الأول. الحديث الثاني: حديث سيدنا النعمان بن بشير ثابت في حم- والكتب الستة –حب- دي-أبو نعيم في الحلية –هق- عن رواية سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وأن لكل ملك حمى ألا وأن حمى الله في أرض محارمه ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.

الحلال بين الحرام بين وما اشتبه عليك فتوقف فيه لتستبرأ لدينك وعرضك ما ظهر هل أفعله وما تيقنت تحريمه أتركه وما اشتبه عليك فتوقف فيه لتعلم حكمة الله فيه وبذلك تحتاط وتستبرئ لدينك. هذا الحديث والأحاديث التي عليها مدار الإسلام. وروى هذا الحديث من غير طريق النعمان بن بشير رضي الله عنهم أجمعين. وروى عن سيدنا عمار بن ياسر بنحو اللفظ المتقدم. روي في معجم الطبراني الكبير والأوسط. ومسند أبي يعلى والحلية لأبي نعيم. وروى عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين – طس-طص- الرامهرمزي في الأمثال. وروى عن سيدنا جابر رضي الله عنهما في ابن شاهين-خط-ابن عساكر في تاريخ دمشق وروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه –طك-تاريخ دمشق لابن عساكر – انظر الروايات مع الكلام عليها (جمع الجوامع 1/408 مجمع 4/73 1 /233) . ولفظ رواية سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما –طس-طص –وإسناد الصغير حسن كما قال في المجمع وهو لفظ الرامهرمزي في الأمثال عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال. "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك ". وبقية الروايات قريبة من رواية النعمان بن بشير رضي الله عنهم أجمعين. ورواية ابن عمر فيها شيء من الاختلاف وهو يوضح لنا معنى (وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات) معناها كما في رواية عمر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك – ما تشكك فيه وتتوقف فيه وترتاب في شأنه إلى ما لا يريبك روي في ترجمة الإمام المبجل أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه أنه وضع له سطل عند بائع لأجل أن يجعل له فيه لبنا فلما جاء الإمام قال له البائع اختلط سطلك مع السطول ما عدت أميز سطلك تعلم أين سطلك فقال هو لك – لا أريد أن آخذه – فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك والدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي قشرة بصلة ولا جناح بعوضة فإذا ترك السطل كان ماذا طلب سلامة دينه رضي الله عنه وأرضاه دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ما تتشكك فيه أتركه لأجل أن تنفي الشك عنك وهذه تفسر لنا قول النبي عليه الصلاة والسلام فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام – قد تتشكك في أمر وهو حرام فتغلب جانب الحل وهو حرام فتعصي الرحمن وأنت لا تدري كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه وعادة الملوك أنهم يحمون مكاناً ويقولون هذا المكان لا ينبغي أن يسرح فيه أحد من الأنام ما يقترب منه أحد هذا خاص بالملك من رعى حول الحمى اقترب منه يوشك أن تدخل ماشيته الحمى وإذا دخلت العقوبة فظيعة لأنه سيدخل على حمى الأمير وعلى ما حماه هذا المسؤول الكبير هو لو دخل على حمى غيره من المساكين سهلة أما هنا سيعرض نفسه لعقوبة. ألا وإن حمى الله في أرض محارمه. هذا المحارم ابتعد عنها لئلا تقع فيها. بأن تجعل بينك وبين الشبهات حاجزاً فإذا وقعت في الشبهة قد تجرك إلى الحرام المحض وقد تكون الشبهة حراما وأنت لا تدري. فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرض محارمه.

إخوتي الكرام: دع ما يريبك إلى ما يريبك. هذا منقول عن نبينا صلى الله عليه وسلم وثابت الحديث بذلك عنه عليه صلوات الله وسلامه. ينبغي للإنسان أن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ولا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس. روى-ت-جه-ك- وصححه ووافقه الذهبي –هق- عبد بن حميد -القضاعي -وابن عساكر في تاريخ دمشق-طك-الدولابي في الكنى وانظروه في الفتح 1/48 حكى تحسين الترمذي وأقره – والترغيب والترهيب وقد حسنه المنذري 2/559 وتخريج الأحياء 1/25 –2/95 والحديث لا ينزل عن الحسن عن عطية السعدي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس". قال الحافظ في الفتح 1/48 –ابن أبي الدنيا في التقوى عن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تمام التقوى أن تتقي الله عز وجل حتى تترك ما ترى أنه حلال خشية أن يكون حراما وينبغي أن يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه. وهذا لفظ حديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم حم – ت – ن – حب – ك وصححه وأقره الذهبي –هق – هق شعب –دي- الطيالسي وأبي يعلى والحديث صحيح عن سيدنا الحسن ابن سيدنا علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة. وفي رواية فإن الخير طمأنينة والشر ريبة. الخبر الصدق يطمئن له القلب وتسكن له النفس ويرتاح إليه الإنسان لا يتردد له ما في الصدر والشر والكذب حقيقة هذا خلاف فطرة الإنسان والطبيعة التي أوجده عليها ربنا الرحمن سبحانه وتعالى ولذلك الصدق طمأنينة والكذب ريبة. وهذا الحديث ثابت عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

حم عن أنس ابن مالك –طص-حط- خط -موضح أوهام الجمع والتفريق – أبو نعيم الحلية وفي تاريخ أصبهان – وأبو الشيخ – القضاعي عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه – أبي يعلى –طك. وعليه من رواية أربعة من الصحابة أيضا كما تقدم معنا في حديث الحلال بين والحرام بين عن أربعة من الصحابة أيضاً. عمار وابن عمر وجابر وابن عباس مع النعمان رضي الله عنهم أجمعين. انظروا هذه الروايات في المجمع 4/73 –10/295. والحديث هنا روى عن صحابي خامس كما في الحديث المتقدم. في طك عن وابصة بن معبد "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". ونقل عن سيدنا عمر رضي الله عنه كما في الإستذكار 21/55 قال سيدنا عمر: اتركوا الربا والريبة والرأي هذه الراآت الثلاثة إياكم والرأي فإنهم أعداء السنن اعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي. هذا ما يتعلق بالحديث الثاني. الحديث الثالث: عن أمنا عائشة رضي الله عنها وهو في خ. م. د - جه –حب – والطيالسي –قط – هق – وشرح السنة ورواه اللالكائي في شرح أصول أهل السنة – وأبي يعلى ومسند القضاعي. ورواه ابن أبي عاصم في السنة وهو في أعلى درجات الصحة عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وفي رواية م "من عمل عملا ليس عليه أمرنا رد".

وهذه الأحاديث كما قلت يدور عليها الإسلام وكلام نبينا عليه الصلاة والسلام حسبما فهم الإمام الهمام إمام أهل السنة الكرام الإمام احمد رضي الله عنه وأرضاه فالحلال بين والحرام بين وتركنا نبينا عليه الصلاة والسلام على المحجة البيضاء وما ينبغي أن نزيد منه ولا تنقص منه ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو مردود عليه فإذا التزمت بهذا ظاهراً ينبغي أن تخلص النية لله باطناً وبذلك قمت بالدين من أوله لآخره الحلال بين والحرام بين ما تشككت فيه أتركه لتعلم حكم الله فيه وهذا ينبغي أن تفعله بالكيفية الواردة دون زيادة أو نقصان وكل أمر للشيطان منه نزعتان زيادة أو نقصان لا يبالي الشيطان بأيهما وقع الإنسان من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

بقي إخلاص الجنان لذي الجلال والإكرام إنما الأعمال بالنيات. أين بعد ذلك الحديثان الآخران. في الحقيقة الحديثان الآخران في رواية سيدنا أبي داود من باب التتميم والتكميل لهذا البنيان إذا أقمت هذا على وجه التمام هناك بعد ذلك درجة الفضيلة لتكون راسخا في التقوى من أهل الأخلاق النبيلة ألا تتعرض لما لا يعنيك. وهذا ضروري لا ينبغي أن يكون عندك شيء من الفضول والثرثرة في الكلام والنظر والسماع والحركة ولا ولا. شيء نافع توجهت إليه لا منفعة فيه. أعرضت عنه فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. شيء لا يعنيك أعرض عنه يا عبد الله كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول القول وفضول الحركات هذا لا بد من وعيه فالإسلام اكتمل لا بد له من زينة وبهجة ورونق وبعد ذلك المسلم النقي التقي من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وخصلة أعلى منها وهي أن يزهد في هذا الحطام وألا يكون منه على بال من أجل أن يحصل محبة الخالق ومحبة المخلوق فازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس الدنيا جيفة وطلابها كلابها وهم يقتتلون عليها فلو تركت لهذه الجيفة سلمت منهم ولا أحد يعوي عليك والكلاب ما دامت تأكل من الجيفة كل واحد يعوي على الآخر وإذا اقترب من جهته عوى عليه وضربه. فإذا أردت أن تسلم فازهد في هذا الحطام وستزهد في شيء لا قيمة له عند الله. ولذلك الزهد زهد فيه إذا تركه احتقاراً له لأنه لا قيمة له لا تزهد فيها وهي في قلبك لا يا عبد الله ما لها قيمة عند مالكها وخالقها فكيف تكون قيمتها عندك فهذا من باب تجميل البنيان البنيان قام بفعل الحلال وترك الحرام وما اشتبه علينا توقفنا فيه وما زدنا وما نقصنا ولله أخلصنا هذا البنيان قام محكم والبنيان المقامة المحكمة تتفاوت في الثمن فهذا فيه زينه والشيء من المتاع الحسن الذي في داخله فهذا قيمته أعلى فأنت أعرض عما لا يعنيك وازهد في هذا الحطام.

هذان الحديثان يكملان الأحاديث الثلاثة حسبما فهم الإمام أبو داود رضي الله عنه وأرضاه. الحديث الرابع: حديث سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه –ت – ابن عبد البر في التمهيد عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وروى مرسلا بسند صحيح عند – ت –الموطأ – ابن أبى الدنيا في الصمت- والتمهيد 9/195 – عن سيدنا علي بن الحسين – وهو زين العابدين – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. قال في التمهيد إسناد الأثران صحيحان المرسل والمتصل لكن المرسل أشهر ورواته أكثر وروى الحديث أيضا عن صحابي ثالث وهو والد سيدنا علي بن الحسين وهو سيدنا الحسن وهو عند حم – طس –طص –طك – والتمهيد قال في المجمع 8/18 رجال الإسناد ثقات وابن عبد البر حكم على هذه الرواية بالخطأ. وقال إنما عن علي بن الحسين ما رواه عن والده عن جده الرفع خطأ. والهيثمي يقول إسناده ثقات ولعل والعلم عند الله أنه أرسله مرة وذكر من حدثه به أخرى ما الحرج في ذلك هو نقله عن والده فأحيانا أرسل وأحياناً وصل. والرفع زيادة علم زيادة ثقة وهي مقبولة كما قال العلماء. وروى الحديث عن صحابي ثالث وهي رواية رابعة عند طص عن سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه وفيها محمد بن كثير بن مروان البصري قال في المجمع إنه ضعيف 8/18 يقول: ضعيف ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة وله ترجمة في التقريب. تمييز وحكم في التقريب بأنه متروك. وحكم الهيثمي أقل وأخف من حكم الحافظ بن حجر.

وعليه من رواية أبي هريرة بسند متصل صحيح ورواية سيدنا الحسين بسند متصل رجاله ثقات وعلي بن الحسين مرسل ورجاله ثقات ومتصل عن سيدنا زيد بن ثابت بسند ضعيف. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقلت هذا شامل لكل قول أو فعل أو حركة أو سكون كل ما لا يعنيك دعه يا عبد الله ما تحصل منه فائدة كل ما يقربك من الله ولك فيه نية تقدم إليه ومالا أتركه ولذلك من هذهة خذلان العبد أن يشتغل بما لا يعنيه. يقول علم الزهاد وبركة العصر كما نعته الذهبي في السير 9/339 العبد الصالح القانت معروف الكرخي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال: لكل شيء علم –هذهة- وعلم الخذلان اشتغال العبد بما لا يعنيه بما لا ينفعه قيل وقال ولذلك يقول الإمام الحميدي صاحب كتاب الجمع بين الصحيحين – وليس شيخ البخاري – إمام علم مبارك الإمام القدوة الأثري المتقن الحافظ شيخ المحدثين أبو عبد الله محمد بن فتوح الأندلسي. تلميذ الإمام ابن حزم – يغفر الله لنا وله – هذا الإمام الحميدي توفي سنة 488. ورد في مناقبه وأخباره كما في السير في ترجمته أنه ما ذكر الدنيا قط –ما جرى ذكر الدنيا على لسانه وكان لا يفترعن طلب العلم وكان إذا جاءه النعاس ينزل في أجانة من الماء ليتبرد ليطرد عنه النعاس والكتاب في يديه يقرأ –ومرة دخل عليه بعض الناس بعد أن استأذن فما انتبه المستأذن للإمام الحميدي ظن أنه أذن له فلما دخل رأى شيئا من فخذه فبكى الإمام الحميدي وقال والله ما رآها أحد قط يقول هذا الإمام كما في السير: لقاء الناس ليس يفيد شيئا ... سوى الهذيان من قيل وقال فأقلل من لقاء الناس إلا ... لأخذ علم أو لإصلاح حال انظروا الأبيات أيضاً في العزلة للإمام الخطابي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

الإمام ابن عبد البر في التمهيد 9/199 قال: هذا الحديث – أعني حديث سيدنا أبي هريرة وحديث سيدنا علي بن الحسين رضي الله عنهم وقد صحح الطريقين وحكم على طريق علي بن الحسين بالضعف وأنها خطأ قال: هذا الحديث من الكلام الجامع للمعاني الكثيرة الجليلة في الألفاظ القليلة وهو مما لم يقله أحد قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا – يقول ما أثر عن أحد قبل نبينا عليه الصلاة والسلام. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه – ثم نقل عن أبي عبيده معمر بن المثنى عن الإمام الحسن البصري أنه قال: من هذهة إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه. انظر الاستذكار 26/120 – قال: من كلام النبوة وحكمتها وهو جامع لمعاني جمة من الخير

الحديث الخامس: وبه تتم الزينة للإنسان في الدنيا والآخرة ويكتمل عقله ورشده فأكيس الناس هم العباد وأعقلهم هم الزهاد. حديث سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه رواه ابن ماجه في السنن والحاكم- 4/313 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي فيه خالد بن عمرو القرشي وضاع – وخالد بن عمرو رواه الإمام ابن معين بالكذب ونسبه صالح جزره وغيره إلى الوضع وهو من رجال – د –جه – وهذا الكلام في التقريب. وإسناد ابن ماجه فيه خالد بن عمرو أيضا ورواه الحاكم وابن حبان لكن في روضة العقلاء ونزهة الفضلاء والكتاب نافع وما أعذبه وما أطيبه وما أحسنه ولو قرأه الإنسان ألف مرة لا يمله وهو روضة حقيقة وهو أعلى من روضة المحبين بما لا يقاس وصاحب روضة العقلاء الإمام ابن حبان صاحب الصحيح ومطبوع في قرابة ثلاثمائة وخمسون صفحة وإن أردت النزهة فاقرأ هذا الكتاب وإن أردت الروضة فالجأ إليه وأما بعد ذلك المتنزهات الموجودة فليس منلها إلا البلايا والرزايا – روضة لعقلاء ونزهة الفضلاء ص141 ورواه أبو نعيم في الحلية وتاريخ أصبهان ورواه ابن أبي حاتم في العلل ونقل عن أبيه أن الحديث باطل ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية وحكم عليه بالضعف ورواه العقيلي وابن عدي كل منهما في الضعفاء ورواه الطبراني في كبير والبيهقي في الشعب. وابن عبد البر في التمهيد 9/201 وأبو عبيد القاسم ابن سلامة في كتابة المواعظ كما في جامع العلوم والحكم ص272 وانظروا الدر المنثور3/233 الحديث من رواية سعد بن سهل رضي الله عنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: له "دلني على عمل إن عملته أجني الله وأجني الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".

الحديث كما سيأتينا حسن حسنه عدد من أئمتنا لوجود متابع لخالد بن عمرو ولوجود شواهد للحديث وممن حسنه الإمام النووي وقبله الإمام المنذري وبعدها الإمام العراقي والإمام السخاوي والإمام المناوي والإمام السيوطي وجم غفير من أئمتنا ولا ينزل عن درجة الحسن بعون ربنا للمتابعات والشواهد. فمن الشواهد 1. رواية ابن عمرو رضي الله عنهما في تاريخ ابن عساكر 1/104 من جمع الجوامع للسيوطي. 2. رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه في الحلية 8/41 وقال الإمام أبو نعيم بعد رواية الحديث ذكر أنس وهم فقد رواة الثقات الأثبات فلم يجاوزوا فيه مجاهداً يعني مرسل وانظروا الكلام على الحديث في تخريج الإحياء 3/313 –4/215 وشرح الإحياء 8/309 –9/326 – للإمام الزبيدي ونقل كلام المنذري في الترغيب 4/57 في أول كتاب الزهد. قال: قال الإمام المنذري حسن إسناده بعض مشايخنا وفيه بعد لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة – وإذا حذفت من –فطبعة الترغيب فيها مافيها – يصبح الكلام وعلى هذا الحديث لامعة أنوار النبوة – يعني أنوار النبوة مضيئة من هذا الحديث وما خرج هذا إلا من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام وما خرج هذا إلا من فمه الشريف المبارك.

قال: ولا يمنع كون راوية ضعيفا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله –لما؟ لوجود الشواهد لهذا الحديث كما قلت قال الإمام الزبيدي – وسبقه النووي في تحسين الحديث – ولا أعلم من الذي سبق الإمام المنذري ت 656 هـ والنووي ت 676 هـ هما في عصر واحد لكن بينهما عشرون سنة فمن الذي سبق؟ سبق المنذري أو ليس كذلك تلاه النووي. فكلامه وسبقه النووي ليس كذلك إنما سبقه المنذري وتابعه النووي عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه قال: وسبقه النووي والذي يميل إليه القلب تحسينه قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص52 وبالجملة فقد حسن هذا الحديث الإمام النووي في الأذكار وحسنه قبله المنذري ولم يذكره –وثم العراقي- وحسنه أيضا السخاوي وحسنه أيضا الحافظ بن حجر الهيتمي في الفتح المبين ي شرح الأربعين ص236 وقال إنه حسن لغيره وانظروا الكلام موسعا عليه في مصباح الزجاجة 3/268. والعلم عند الله تعالى: إذا أزهد فيما عند الناس يحبك الناس وازهد في الدنيا يحبك الله الزهد باختصار على ثلاث درجات: زهد فرض: وزهد فضل –وزهد فيه سلامة. زهد الفرض: أن تزهد في الحرام هذا فرض عليك أيها الإنسان. زهد السلامة: أن تزهد في الشبهات أن تدع ما يريبك إلى ما لا يريبك. أن تترك الشبهات خشية أن تقع في المحرمات. باتفاق أئمتنا لا ينال الإنسان درجة الزهد حتى يترك هذين الأمرين وحتى يتصف بزهد الفرض وزهد السلامة الحرام والشبهة لا ينال وصف الزهد حتى يترك هذين. بقي زهد الفضيلة وعليه فرض – فضل – سلامة.

وزهد الفضيلة أن تزهد في المباحات وأن لا تستكثر منها إلا بمقدار الضرورة هذا الأمر من لم يزهد فيه هل يسمى زاهدا أم لا بعد اتفاقهم أن الذي لا يزهد في الحرام والشبهات لا يسمى زاهداً لكن إذا ما زهد في المباحات واستكثر منها وقام بما يجب عليه هل يسمى زاهداً أم لا للعلماء فيه قولان هل يناله اسم الزهد أم لا. لأن الإستكثار منها ينقص من درجة الإنسان وبمقدار ما يحصل التمتع في هذه الحياة تنزل درجة الإنسان عند رب الأرض والسموات ولا يصيب أحد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجته عند الله ولو كان عليه كريما ولذلك كان عدد من أئمتنا يقولون خذ ما شئت فإنما تأخذ من كيسك يعني تتعجل نعيمك. إن أردت أن تتوسع فهناك سيضيق عليك وإن غفر لك ودخلت الجنة فلا ينال أحد من الدنيا شيئا إلا نقص من درجته عند الله ولو كان عليه كريما وتقدم تقرير هذا بأدلته في المواعظ الماضية. هذه الأحاديث الخمسة أردت أن تكون بداية هذه الموعظة وخاتمة المقدمات. نشرح في مواصلة بحثنا: 1. معالم عشرة مر ذكرها. 2. موقف أهل الرشد والوفاق نحو مسائل الاتفاق والافتراق. 3. لماذا الالتزام بالمذاهب الأربعة. -المعالم العشرة قد مر ذكرها. أما موقف أهل الرشد من مسائل الافتراق والاتفاق. مضى الكلام على مقدمة لهذا الأمر وعلمنا أن موقفنا من أئمتنا كبني إسرائيل مع أنبيائهم عليهم صلوات الله وسلامه فالأنبياء السابقون دينهم واحد وهو الإسلام وفروعهم مختلفة وعلماء هذه الأمة المرحومة دينهم واحد ونبيهم واحد ثم بعد ذلك هناك تشريعات متنوعة مختلفة دلت عليها الشريعة الأم وهي شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم وهذا الكلام كما قلت قاله إمامان من أئمتنا الكرام العظام ابن قدامة وتبعه ابن تيمية عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة وهم في اختلافهم كأنبياء الله السابقين عندما اختلفت شرائعهم وتوحدت أصولهم وهذا كفقهائنا وعلمائنا.

إخوتي الكرام: ثم بعد ذلك قلت مع جزمنا بهذا أيضاً نناقش المسائل التي وقع فيها الخلاف لكن بمنتهى الإنصاف والإئتلاف كنا نتدارس هذه القضية. وذكرت كلام الإمام ابن تيمية عليه رحمة رب البرية الذي أخذ قرابة عشر صفحات ولخصته فيما مضى 19/117 –127 – ونقلت مقتطفات منه وأن ما عليه أئمتنا هدى وسداد ولا يستطيع أحد أن يلزم غيره بقوله لكن تشرع المناظرة من أجل الوصول إلى قول واحد إن أمكن وكل واحد يقر الآخر ويسلم بأنه على هدى. شرعت المناظرات لإيضاح الحقائق الخفيات لا للتعصب للجهالات ووقوع العداوات لا ثم لا. يشرع لأهل المذاهب أن يتناظروا وتقدم مناظرة في دروس الفقه عن سيدنا أبي يوسف وسيدنا الإمام مالك رضي الله عنهم أجمعين فترك أبو يوسف قوله وهكذا الإمام محمد وهو بعد ذلك المعمول به عند الحنفية قاطبة في زكاة الخضروات ترك قوله. وفي مقدار الصاع ترك قوله. هذه مناظرة تشرع لإيضاح الحقائق الخفيات لا للتعصب للجهالات ووقوع العداوات ثم إن ظهر لك ما عندي فالحمد لله هذا ما ينبغي.

فإذا لم يظهر لك ما عندي فمن الذي جعلني حجة عليك ومن الذي جعلك حجة عليَّ فتبقى بيننا أخوة وأنت على هدى وأنا على هدى ورحمة الله تسعنا هذا لابد من وعيه ولذلك إن حصل إتفاق فهذا خير الأشياء وإن لم يحسم النزاع فلا نزاع بيننا في الإخاء وفي تقدير اجتهاد الأخلاء العلماء ثم هذه المناظرة التي تجري بيننا لا للغلبة ولا لنصرة الرأي وإن كنت أرى أنه على حق لأن ذاك أيضاً يرى أنه على حق إنما أنا فقط أتناظر معك من أجل أن يظهر الحق لنأخذ به إن أمكن ليحصل اتفاق عليه سواء عندك أو عندي استمع لديانة أئمتنا التي يعبر عنها سيدنا الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه وأثره في توالي التأسيس ص114 وطبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي 2/61 – وهذا الأثر هو آخر أثر في كتاب آداب الشافعي ومناقبه للإمام ابن أبي حاتم ص325 – وملحق به من كلام ابن حبان فيما نقله عن الإمام الشافعي عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه وقال الإمام الشافعي ما ناظرت أحد فأحببت أن يخطئ وقال: ما ناظرت أحداً على الغلبة. يعني ما ناظر أحد إلا وتمنى أن يظهر الله الحق على لسانه لأصحح خطئي وحقيقة إذا ناظرت لتستفيد أعظم ممن لو ناظرت لتفيد لأنك عندما تناظر لتستفيد تحصل فائدتين تصحح خطأك ويعظم أجرك عند الله جل وعلا وعندما تناظر لتفيد ما استفدت فائدة كنت تجهلها إنما فقط صححت خطأ الغير وتصحيح خطئك أولى من تصحيح خطأ الغير. ما ناظرت أحداً على الغلبة وما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ إنما أدعو له ليسدد ويوفق هذا كلام أئمتنا عليهم رحمة ربنا.

فالمناقشات لا مانع منها للوصول إلى قول إن أمكن فإذا لم يمكن فلا نزاع في الإخاء ولا نزاع في تقدير اجتهادات العلماء الأخلاء هذان الأمران لا نزاع فيهم على الإطلاق تنازعنا بعد ذلك في المناقشة ما وصلنا إلى قول نتفق عليه هذا يقول أنا يظهر لي هذا وذاك يقول يظهر لي هذا قل يا عبد الله نحن أخوة ودين الله يسعنا وأنت على هدى وأنا على هدى وطريق الآخرة ما أوسعه انتهينا أما خلال المناظرة يشتمني وأشتمه وكل واحد يقذف الآخر بالبهتان ويعصي الرحمن لا ثم لا. يقول سفيان الثوري رضي الله عنه كما في الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/69 إذا رأيت رجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه سبحان ربي العظيم: لنفرض أنه خرج من فمه دم ما يملأ كأسا ثم دخل يصلي لا يحق لك أن تقول يا عبد الله صلاتك باطلة على مذهب الإمام الشافعي مهما خرج منه من دم لا ينتقض الوضوء. هذا أمر اختلف فيه فلا تنهه.

فلا داعي لتضيق رحمة الله والسعة التي وسعها الله علينا. وللإمام ابن تيمية عليه رحمة ربنا في مجموع الفتاوي30/79-81 كلام محكم قويم. سئل رحمه الله عمن ولي أمرا من أمور المسلمين ومذهبه لا يجوز شركة الأبدان فهل يجوز له منع الناس. -وشركة الأبدان أن يتشارك المفلسون بأبدانهم وأعمالهم لا بأثمانهم ودراهمهم يقول: نشترك فيما بيننا ونعمل بأبداننا وما نحصله نقسمه ويقال لها شركة وجوه يعملون بوجوههم – لماذا: قد يكون هذا عنده قوة عمل وهذا عنده ثقة عند الناس فيقول أكثر من الآخر. فعندما نذهب لنأخذ العمل لثقتهم بالثاني يسندون العمل إليهما فصار الثاني له مدخل في العمل والآخر لنشاطه يسندون إليه العمل فلو كان لنشاطه فقط دون ثقة ما وثقوا أو لثقة فقط دون نشاط وقوة ما وثقوا فعندما يرون هذا سيعمل بالبدن والآخر معه أمين والريح مشاركة على هذا مثلا بناء عمارة أو غيرها. فولي الأمر ليس من مذهبه صحة شركة الأبدان هل له أن يمنع الأنام ليس من حقه تقدم معنا ولى الأمر لا يتبنى إلا في المنازعات والخصومة ما اختصم فيه الناس ويرفع إليه يتبنى فيه ما عدا هذا دع الناس في سعة لم تضيق عليهم. رحمة الله الواسعة: فأجاب شيخ الإسلام: ليس له منع الناس من مثل ذلك ولا من نظائره مما يسوغ فيه الاجتهاد وليس معه بالمنع نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا هو في معنى ذلك لا سيما وأكثر العلماء على جواز مثل ذلك وهو مما يعمل به عامة المسلمين في عامة الامصار وهذا كما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه في هذه المسائل.

ليس من حق القاضي أن ينقض قضاء غيره ولا من حق المفتي أن يعترض على فتيا غيره إذا كانت الفتيا تحتملها الأدلة ولا من حق المجتهد أن يلزم الناس باتباعه دون اتباع مجتهد آخر وهذا متفق عليه بين أئمتنا انظروه في حاشية العطارعلى جمع الجوامع 2/430 والمستصفي 2/388 وفواتح الرحموت 2/395 –وتيسير التحرير 4/234 وتنقيح الفصول للقرافي ص441 والقول الجامع في المقالات البدعي والمتتابع للشيخ محمد بخيت المطيعي عليهم جميعا رحمة الله ص18. ليس لأحد أن يلزم الناس بقوله وليس للعالم ولا المفتي أن يلزم الناس باتباعه إنما يذكر ما عنده من حجج علميه هذه وظيفته ما عدا هذا فإن اتبعوا غيرك ليس من حقك أن تلزمهم باتباعك فيما احتملته الأدلة. قال: ولهذا لما استشار الرشيد مالكا أن يحمل الناس على موطئة في مثل هذه المسائل منعه من ذلك. وتقدم معنا وقبلة المهدي وقبله أبو جعفر –استشاره ثلاثة من الخلفاء أن يحمل الناس في أمصار المسلمين عمل مذهبه قال ليس لك ذلك قال: فلو كان إلزام الناس بقول واجباً لأثم الإمام مالك. عندما يعرض عليه ولي الأمر أن يلزم الناس بقول يقول له ليس لك ذلك ونحن معشر الصعاليك في هذه الأيام لو كان لنا شأن لضربنا رقاب الناس إذا لم يلتزموا بأقوالنا وليس لنا شأن والواحد منا نكرة لا قيمة له يعوي في كل زاوية بتكفير الناس وتسفيههم والوقوع في أعراضهم لأنهم خالفوه في مسألة وأنهم يقولون بجواز التبرك. أما تستحي الله لأنهم خالفوه في صلاة التراويح هو يقول ثمانية وهم يقولون عشرون. على رسلك أيها المخرف المبتدع أيها الزائغ على رسلك. أمر احتمله الدليل عندك قول لا مانع أن تنشر قولك وأن تبرهن عليه.

12) وسنؤول إلى ربنا ليحاسب كلا على ما قال وعلى ما عمل أما أن تبدع الناس إذا لم يأخذوا بقولك فمن الذي جعلك حكما على الأمة وإماما لها وأمر الناس بعد ذلك باتباعك من؟ قال: ولهذا لما استشار الرشيد الإمام مالك رضي الله عنهم أجمعين أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل منعه من ذلك وقال أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم وصنف رجل كتابا في الإختلاف فقال أحمد لا تسمه كتاب الاختلاف ولكن سمه كتاب السنة سمه كتاب السعة. ما اختلف فيه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان هذا الكلام قرره في عدد من الأماكن في مجموع الفتاوي 14/159 يقول: النزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفضي إلى شر عظيم ولهذا صنف رجل كتابا في اختلاف الفقهاء فقال له الإمام أحمد سمه كتاب السنة هذا أيضاً في الجزء 14 ثم قال الإمام ابن تيمية 30/80 ولهذا كان بعض العلماء يقول إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة –والقائل الإمام ابن قدامة في مقدمة المغنى – ونقل هذا الكلام عن الأئمة في عدد من كتبهم انظروه في شرح الزرقاني على المواهب اللدينة وقرره بكلام جزل فصل 5/389 والحلية 5/19 نقل عن العبد الصالح طلحة بن مصرف وهو ثقة قارئ إمام مبارك فاضل وحديثه في الستة تابعي جليل توفي 112 هـ. كان يقول: لا تقولوا الاختلاف ولكن قولوا السعة. في الحلية 10/36 – في ترجمة ابي يزيد عليه رحمة الله –قال الإختلاف رحمة إلا في تجريد التوحيد ولولا اختلاف العلماء لبقيت –أي لبقيت حيرانا تائها.

قال الإمام ابن تيمية: مواصلا كلامه: كان سيدنا عمر بن عبد العزيز يقول ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجلاً كان ضالاً وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة. هذا القول رواه عنه مسدد بسند صحيح كما في المطالب العالية 3/105 قال ما يسرني باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمر النعم لأنا إن أخذنا بقول هؤلاء أصبنا وإن أخذنا بقول هؤلاء أصبنا السير 5/60 في ترجمة القاسم بن محمد قال: إختلاف الصحابة رحمة. وهذا الكلام كرره الإمام ابن تيمية في عدد من صفحات مجموع الفتاوي أنظروه 3/250 قال: إجماعهم حجة قاطعة. قال الإمام ابن تيمية وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه.

أنظروه في الباعث على إنكار البدع والحوادث للإمام أبي شامة ص20 وفي كتاب الأمر بالإتباع للإمام السيوطي ص57 وأنظروه في جامع بيان العلم وفضله في ص78 قال الإمام ابن تيمية: ولهذا قال العلماء والمصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد وليس لأحد أن يلزم الناس بإتباعه فيها ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه إذن ليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه قال: ونظائر هذه المسائل كثيرة جداً تم ختم المسألة بقوله –أنظر لهذه الديانة وهذا الورع من فقيه الملة سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنه وأرضاه قال: ولهذا كان أبو حنيفة رضي الله عنه يفتي بأن الزراعة لا تجوز (وخالفه أصحابه) ثم يفرع على القول بجوازها يعني المسائل لو اشترك اثنان مزارعه وهذا له كذا وهذا له كذا ثم جرى بينهما خلاف فما الحكم –يفرع مسائل – ويقول إن الناس لا يأخذون بقولي في المنع ولهذا صار صاحباه إلى القول بجوازها كما اختار ذلك من اختاره من أصحاب الشافعي وغيرهم إخوتي الكرام هذه هي الديانة هذا هو الورع 20/292 من مجموع الفتاوي يقول مسائل الاجتهاد التي تنازع فيها السلف والأئمة فكل منهم أقر الآخر على اجتهاده ومن كان فيها أصاب الحق فله أجران ومن كان قد اجتهد فأخطأ فله أجره وخطأه مغفور له فمن ترجح عنده أن يقلد الإمام الشافعي لم ينكر على من ترجح عنده أن يقلد الإمام مالك ومن ترجح عنده أن يقلد الإمام أحمد لم ينكر على من ترجح عنده أن يقلد الإمام الشافعي ونحو ذلك.

ونبقى في سعة وفي بحبوحة ورحمة الله واسعة وقال في 35/ (357-388) من مجموع الفتاوي ما تنازعت الأمة فيه إذا وقع فيه نزاع بين الحكام وبين آحاد الناس المسلمين من العلماء أو الجند أو العامة. لم يكن للحاكم أن يحكم فيها على من ينازعه ويلزمه بقوله ويمنعه من القول الآخر فضلا عن أن يؤذيه أو يعاقبه. فهذا سيدنا عمر رضي الله عنه لم يلزم أحداً أن يأخذ بقوله وهو: إمام الأئمة كلها وأعلمهم وأدينهم وأفضلهم فكيف يكون واحداً من الحكام خيراً من سيدنا عمر رضي الله عنه. هذا إذا كان حكم في مسألة اجتهاد تتنازعها الأدلة. ثم بعد أن ذكر أمثلة كثيرة عليها قال: فهذه الأمور الكلية ليس لحاكم من الحكام كائنا من كان ولو كان من الصحابة أن يحكم فيها بقوله على من نازعه فيقول ألزمته أن لا يفعل ولا أفتي إلا بالقول الذي يوافق مذهبي فإن كان عنده علم تكلم بما عنده وإن كان عند منازعه علم تكلم به فإن ظهر الحق في ذلك وعرف حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وجب على الجميع إتباعه وإن خفي ذلك أقر كل واحد على قوله ولم يكن لأحدهما أن يمنع الآخر إلا بلسان العلم والحجة والبيان فيقول ما عنده من العلم ثم ختم المسألة بقوله: وولى الأمر إن عرف ما جاء ما في الكتاب والسنة حكم بين الناس به وإن لم يعرفه وأمكنه أن يعلم ما يقول هذا وما يقول هذا حتى يعرف الحق حكم به وإن لم يمكنه لا هذا ولا هذا ترك المسلمين على ما هم عليه كلٌ يعبد الله على حسب اجتهاده.

وليس له أن يلزم أحداً بقبول قول غيره وإن كان حاكما وإذا خرج ولاة الأمر عن هذا فقد حكموا بغير ما أنزل الله ووقع بأسهم بينهم فكيف إذا لم يكن من ولاة الأمور ويريد أن يلزم الناس بقوله. خرج عن حكم الله وأراد أن يحكم بين الناس بغير شرعه عندما يريد أن يلزم الناس بقوله ويقول قولي دلت عليه السنة. والأقوال الأخرى دلت عليها أيضاً سنة أخذت من أدلة معتبرة فإذا ما ظهر لك دليلهم هم أيضاً ما ظهر لهم دليلك فاعذرهم كما أنهم عذروك أما أنك ستضللهم ثم هم يضللونك ويتسع الخرق على الأمة هذا ضلال مبين. وقال3/238: ولي الأمر ينفذ حكمه في الأمور المعينة دون العامة. والأمور المعينة فيما يرجع إلى فصل الخصومات وقطع المنازعات أنظروا هذا في كتاب الشيخ محمد بخيت المطيعي رحمة الله عليه (القول الجامع) ص179 قال وأما إلزام السلطان في مسائل النزاع بالتزام قولٍ بلى حجة من الكتاب والسنة فهذا لا يجوز باتفاق المسلمين ولا يفيد حكم حاكم بصحة قول دون قول في مثل ذلك إلا إذا كان معه حجة يجب الرجوع إليها فيكون كلامه قبل الولاية وبعدها سواء وهذا بمنزلة الكتب التي يصنفها في العلم وقال في 3/344: إقرار بعضهم لبعض –أي العلماء والمجتهدين فيما يختلفون فيه –فيما اجتهدوا فيه فهو مما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم –أمرا بالجماعة ونهيا عن الفرقة – إذن أمور الاختلاف تناقش كما قلت ويجري بين طلبة العلم –بين العلماء مناظرة. إن اتفق العلماء وطلبة العلم على قول فالحمد لله هذا أحسن ما يكون وإلا كما قلت أمران لا نزاع فيهما 1) الأخوة بيننا 2) أعتبر قولك وتعتبر قولي وتقول أنت على هدى ونقول أنت على هدى.

هذان أمران لا نزاع فيهما إذا تنازعنا فيهما فقد ضللنا وخرجنا عن صراط الله المستقيم هذا إخوتي الكرام لا بد من أن نعيه عند إختلاف أئمتنا إخوتي الكرام بعد هذه المقدمة التي دارت على هذين الأمرين موضوع الاختلاف الذي وقع في الأمة كنت تكلمت عليه في محاضرة في أبها " موقف الأكياس من فرقة واختلاف الناس " نلخص ما تقدم هنا من أنواع الخلاف التي تقع وما الأمر الذي فيه سعة وينبغي أن تتسع صدورنا نحوه وما الذي ما ينبغي أن نقبله بحال الإختلاف إخوتي الكرام على قسمين: 1) إختلاف تنوع له أربعة نماذج كما سأذكرها. 2) إختلاف تضاد في حالتين إختلاف التنوع بحالاته الأربعة وحالة من حالتي إختلاف التضاد خمسة أحوال من أنواع الإختلاف فيه سعة والأمة نحو هذه الأمور في رحمة واسعة. واحد فقط هو الذي فيه حرج ومن خالف فيه يضلل بلا توقف فاستمعوا للتفصيل: إختلاف التنوع ضابطة لا يلزم من إثبات قول نفي الآخر ولا يلزم صحة قول بطلان الآخر. بل هذا صحيح وهذا صحيح هذا ثابت وهذا ثابت، هذا له أربعة أنواع أولها: 1) أن تكون الأقوال كلها حق لكن في درجة واحدة ما يوجد قول يزيد على قول والأقوال لا تتفاوت في الأحقية وفي الصحة وفي الثبوت وفي السداد ومن أراد أن يفاضل بينها فقد ضل فضلا عمن أراد أن يصحح ويضعف مثال هذا: القراءات لا يوجد هنا راجح ومرجوح ومن باب أولى لا يوجد صحيح وضعيف ولا مقبول ولا مردود كلها كلام الله إذا قرأ مالك يوم الدين أو ملك يوم الدين ليس من حقك أن تقول هذه أصح ولو قلت ضللت – فكلها حق صحيح بدرجة واحدة وقلت مرارا هناك فرق بين فقه الفقهاء وقراءة القراء ففقه الفقهاء دخل فيه العقل البشري عن طريق الاجتهاد والاستنباط والنقل والترجيح والنسخ – دخل شيء من أعمال العقل –وأما قراءة القراء مبناها على السماع على النقل المتواتر وعليه كلها حق كلها صحيح فاضل.

أن يكون كل من القولين أو من الأقوال الواردة وحصل اختلاف فيها في معنى الآخر فحصل الاختلاف في العبارة لا في الحقيقة وهذا له أمثلة كثيرة مر معنا ضمن مواعظ الفقه في تفسير قول الله جل وعلا " ومن لم يحكم بما أنزل الله وأولئك هم الكافرون " –الفاسقون-الظالمون –تقدم معنا حكم من لم يحكم بما أنزل الرحمن قلت هذه المسألة كما تقدم لها ثلاثة أحوال حالة يعذر فيها الإنسان، وحالة يأثم فيها الإنسان، وحالة يكفر فيها الإنسان. إذن عذر، معصية، كفر. هذه الأحوال تجمع ما نقل عن أئمتنا الكرام ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. كفر يخرجهم من الملة كفر دون كفر قلت هذا بناءا على أحوال من لم يحكم بما أنزل الله فالأحوال التي يعذر الإنسان فيها لا تدخل لا في الكفر المخرج من الملة ولا في الكفر الذي هو دون كفر. (الكفر الأصغر) وهذه الأحوال حصرتها في إثنتي عشرة حالة لا يخرج عنها الإنسان عندما ينحرف عن شرع الرحمن. في ثلاثة يعذر. 1. أن لا يحكم بشرع الله لكنه اجتهد فأخطأ فهو من أهل الاجتهاد والتأويل فلا لوم عليه مع أنه إنحرف عن شرع الله الجليل لكن لا يكلف الله نفسا إلا وسعهاأن يجهل الحكم دون تقصير فلا حرج ولا لوم عليه – دون تقصير في التعلم فجهل الحكم ومثلت على هذا. 2. أن يُكره. ففي هذه الأحوال الثلاثة لا إثم ولا وزر وهو معذور فيما جرى منه قد يوجه إليه اللوم أحيانا لتقصيره فيما ينبغي أن يقوم به، وفي ثلاثة أخرى يأثم ولا يكفر: 1. أن يجتهد وليس هو ن أهل الاجتهاد فما قصد المعصية لكن ليس هو من أهل الاجتهاد ولا يحق له أن يتأول كحال الناس في هذه الأيام عندما يجتهدون فيضلون ويضلون وعليه إثم الضال المضل. 2. أن يجهل الحكم الشرعي فيأتي بالمخالفة دون قصد لكنه قصر في التعلم فعليه إثم. 3. أن يتعمد المعصية دون إستحلال من باب حظ النفس وإيثار الشهوة في هذه الأحوال يأثم ولا يكفر.

وفي ستة أحوال أخرى بقيت معنا يكفر ويخرج من الملة: 1. أن لا يرى صحة حكم الله –يقول هذه الأحكام ليست صحيحة باطلة. 2. أن يرى صحتها لكن يرى حكم البشر وقانون البشر أعلى منها. 3. أن يرى صحتها وأن قانون البشر اجتهاد يساويها. 4. أن يرى صحتها وأنها أحسن من حكم البشر لكن يجوز للبشر أن يأخذوا بآرائهم واجتهاداتهم مع إقراره وجزمه بأن حكم الله أعلى وأفضل -كفر-. 5. أن يستهزئ ويستخف بأحكام الله جل وعلا. 6. أن يسلك مسلك التأويل والأباطيل في تحريف شرع الله الجليل مع انتسابه للإسلام وأنه سيرعى المصلحة وسيعطل دين الله من أوله لآخره تحت روح الإسلام والمصالح التي يحافظ عليها الإسلام وعليه فهو وإن عارض كذا وكذا من النصوص وافق روح الإسلام وهي الدعوة العلمانية في هذه الأيام لكن باسم ستار الشريعة الإسلامية.

هذه أحوال ستة وعليه من قال إنه كفر مخرج من الملة وظلم أيضاً الظلم الأكبر "إن الشرك لظلم عظيم" "وفسق" الذي يخرجه من الدين – "إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه" من قال هذا في تفسير الآيات أراد الأحوال الستة التي يكفر بها الإنسان عندما ينحرف عن شرع الرحمن. ومن قال أنه كفر من دون كفر والفسق المراد منه هنا الذي هو فسق ومعصية وهكذا الظلم أراد الأحوال الثلاثة المتقدمة التي يأثم فيها الإنسان. وأما الأولى فهي لا تدخل بالاتفاق لأنه ما انحرف عن شرع الله. وفي الحالتين ما أرد المعصية وفي الحالة الثالثة أكره عليها إذن اختلف التعبير واختلف التفسير وصار الخلاف بين الأئمة للاختلاف كما قلت لأن كل منها في معنى الآخر لأن هذا القول يكمل ذاك وهذا يكمل هذا فلو قلت لمن قال إن الكفر هنا مخرج من الملة إذا لم يستحل وغلبته شهوته وفعل المعصية وهو معترف بتقصيره وذنبه يكفَّر؟ يقول لا فهذا كما قال عنه أئمتنا اختلفت العبارات لاختلاف الاعتبارات وهكذا هنا الظالمون الفاسقون الكافرون كلها بمعنى واحد كفر يراد منه ستر الشيء ظلم مجاوزة الحد فسق الخروج وعليه من حكم بغير شرع الله وهو كافر فقد كفر ستر الحق وظلم وضع الشيء في غير موضعه وفسق خرج من الإيمان للكفر ومن الهدى إلى الردى.

اختلاف عبارات لإختلاف الاعتبارات وهكذا اختلاف أئمتنا في موضوع التفسير بالرأي حرام وجائز لا اختلاف بينهما في الحقيقة هذا إختلاف فقط في العبارة لكن هم يتفقون على رأي وهو أن التفسير بالرأي إذا وافق قواعد اللغة وسياقة الكلام فهو جائز وإلا فهو حرام هو التفسير بالهوى وهكذا تفسير قول الله "وما يعلم تأويله إلا الله" هل الراسخون في العلم يعلمون التأويل أو لا يعلمون الخلاف الذي وقع كله خلاف عبارة لا أنه اختلاف في الحقيقة فمن قال أن الراسخين لا يعلمون أمرا وبالتأويل الحقيقة التي يؤول إليها الشيء، ومن أراد التفسير الظاهري فلا يوجد شيء إلا ونعلم تفسيره حسب لغة العرب التي نزل بها كلام الرب سبحانه وتعالى. النوع الثالث من أنواع خلاف التنوع: أن تختلف الأقوال وتتفاوت في القوة كما هو الحال في كثير من الاختلافات المنقولة بين أئمتنا والأدلة الشرعية عليها متفاوتة في القوة كأحاديث التشهد فالحنفية مثلا يختارون تشهد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ويقدمونه على التشهد الثاني المنقول عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين وجميعها ثابتة صحيحة. هكذا أدعية الاستفتاح هذا رجح هذا وهذا رجح هذا فريق بعد ذلك أجاز الجميع كلها أقوال حقة ومن قال بهذا لا يمنع من الثاني لكن يقول هذا نراه ارجح نراه أقوى نراه أحوط والقول الثاني إن قلته لا حرج أيضا أقوال متفاوتة في القوة تدخل ضمن اختلاف التنوع.

النوع الرابع الاختلاف للاختلاف في تحديد المراد: ما المراد من النص الشرعي اختلف أئمتنا في الحكم لاختلافهم قي بيان المراد من النص تقدم معنا قول نبينا صلى الله عليه وسلم "البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ". ما المراد بالتفرق؟ بالأقوال عند إمامين. بالأبدان عند إمامين كما قلت هنا تحديد المراد من كلام نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام. احتمله الدليل، هذا كله اختلاف وتنوع. اختلاف التضاد: ضابطه عكس اختلاف التنوع. يلزم من إثبات قول نفي الآخر، يلزم من صحة قول بطلان القول الآخر عند القائل به. هذا له حالتان: الحالة الأولى:

1. تلتحق بالأحوال الأربعة المتقدمة والإنسان يعذر فيها وهو نحوها في سعة. يكون تارة في الفروع العملية التي ليست الدلالة عليها قطعية مثلا ينتقض الوضوء بالدم السائل، لا ينتقض الوضوء، ينتقض الوضوء بمس الذكر. قولان متقابلان لكن ليس عند إمام واحد بل عند إمامين فمن قال بهذا لا يقول بهذا إنما تقابلت الأقوال في مذهبه بل هو في مذهبه لا يرى صحة صلاته ولا صحة صلاة من تبعه إذا صلى وقد خرج منه الدم وذاك يرى صحة صلاته وصحة صلاة من تبعه إذا صلى وقد خرج منه الدم. قولان تقابلا في فروع عملية ليست الدلالة عليها قطعية وليس مما أجمع عليه هنا. في المسألة نصوص متقابله ويلتحق بهذا بعض الأصول العلمية التي ليست الأدلة عليها قطعية. كالإختلاف في سماع الميت والاختلاف في رؤية النبي عليه الصلاة والسلام لربه في ليلة الإسراء والمعراج. فهذا يثبت الرؤية بالعين وهذا يقول رؤية قلبية وثالث يتوقف. الحالة اختلاف تضاد تقابلت الأقوال وفي أمر الاعتقاد ومع ذلك عذر بعضهم بعضا. ويتقدم معنا الإمام ابن خزيمة يرى أن نبينا عليه الصلاة والسلام رأى ربنا ليلة الإسراء والمعراج بعيني رأسه في كتابه التوحيد وذكر 50 صفحة يقرر فيها هذه المسألة إذا الأمر فيه سعة من أنكر من أثبت من توقف من قال إن الرؤية يراد منها رؤية قلبية خاصة هذه الأقوال فيها سعة منقولة عن سلفنا فلا حرج فيها. نوع آخر من أنواع التضاد.

2. وهو الفرع العملية التي أدلتها قطعية أو الأصول العلمية التي أدلتها قطعية. هنا الخلاف فيه حرج والمخالف يضل زائغ مثلاً المسح على الخفين هذا تواترت به الأحاديث عن نبينا سيد الكونين من أنكره – أهل الزيغ والضلال الشيعة – لذلك ذكرت المسألة ضمن كتب التوحيد لأنها مسألة قطعية مع أنها فرع عملي. غسل الرجلين في الوضوء إذا لم يكونا في خف في جورب ثخين هذا مما أجمع عليه. ذكر ضمن كتب التوحيد لأنه خالف فيه أيضاً الشيعة لا يغسلون الأرجل بل يمسحونها ولا يمسحون على الخفين. هذا الآن فرع عملي والفروع العملية أصلاً تتسع لها الصدور يقال فيما لا إجماع فيه فيما لا قطع فيه. نكاح المتعة أجمع الأئمة على تحريمه فمن خالف فيه فهو زائغ مبتدع يضلل. وقوع الطلقات الثلاث انعقد الإجماع على ذلك كما تقدم معنا فمن جاء وقال إن الثلاث واحدة نقول زائغ ضال خالف الإجماع مع أنها فروع عملية وهكذا الأصول العلمية كأمور الإعتقاد في قضايا الإيمان وما يعتقده أهل الإسلام من الإيمان بالله واليوم الآخر وبصفات الله عز وجل من عذاب القبر من نعيم مما يكون في الجنة مما يكون في جهنم كل هذا مما وردت به النصوص وأجمع أئمتنا عليه من خالف في شيء من ذلك فهو ضال. الخلاف هنا فيه حرج وعليه اختلاف التضاد هو الذي الأمة تكون في حرج فيه ونحوه ضابطة إذا كانت أدلته قطعية ويوجد إجماع من هذه الأمة الإسلامية سواء كان في الفروع العملية أو في العقائد الإسلامية. وعليه ما بين أئمتنا الإختلاف كما قلت غالبه هو أكثره من النوع الأول إختلاف تنوع وبعضه من إختلاف التضاد من القسم الأول الذي لا زلنا نحوه في سعة والأدلة فيه ليست قطعية فلماذا تضيق صدورنا ويضلل بعضنا بعضاً لماذا ورحمة الله واسعة. قبل أن أنتقل إلى الأمر الثالث " لماذا الالتزام بالمذاهب الأربعة " عندنا تنبيهان ينبغي أن ننتبه لهما: 1. مما تقدم يتبين لنا أن أبرز أسباب الاختلاف أمران:

أ. النصوص حمالة تحتمل عدة معانٍ. ب. عقول البشر متفاوتة في الفهم. فيما أن النص يحتمل وأهل الاجتهاد عقولهم متفاوتة وعندهم أهلية الاجتهاد وعندهم ما يمكنهم من الاستنباط. فإذا استنبط حكما فما يستنبطه يعتبر حكما شرعيا. 2. يترتب على هذين السببين ان كل ما يستنبطه أئمة الاجتهاد يعتبر أحكاما شرعية ما يصل إليه المجتهد يعتبر حكما شرعياً لمذهب على مذهب ولا يحكم بمذهب على مذهب وليس من حق أحد كما تقدم أن يقول للناس اتركوا مذاهبكم واتبعوا مذهبي. وإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم جرت في حياته مثل هذه المسائل وأقر الصحابة فنحن من باب أولى ينبغي أن يقر بعضنا بعضاً. استمع لهذا الحديث وهو في الصحيحين والبيهقي، من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين بعد موقعة الأحزاب قال نبينا صلى لله عليه وسلم " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة " فخرج الصحابة الكرام إلى بني قريظة ليصفوا معهم الحساب عندما نقضوا العهد مع نبينا عليه الصلاة والسلام ففي الطريق أدركتهم صلاة العصر فبعضهم قال نصلي لم يرد منا رسول الله منا ذلك وقال بعضهم نؤخر الصلاة لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال لا نصلي إلا في بني قريظة. وفعلا بعضهم أخرها وبعضهم صلاها فما عنَّف النبي منهم أحداً وفي الطبراني كما في المجمع 6/140 من رواية كعب بن مالك. وقال رجاله رجال الصحيح إلا ابن أبي الهذيل وهو ثقة وهو عبد الله بن أبي الهذيل ثقة روى له البخاري في جزء القراءة خلف الإمام كما روى له الإمام مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي في السنن وفي روايته شيء من التوضيح لرواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وأرضاهم.

وعبد الله ابن أبي الهذيل تابعي جليل هو الذي يروي عن سيدنا كعب بن مالك وقد روى عن سيدنا علي وعمار وأبي بن كعب وخباب بن الأرت أبي هريرة وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين انظروا ترجمته الطيبة في السير 4/170 رجاله رجال الصحيح إلا ابن أبي الهذيل وكنت ذكرت سابقا أن في كلام الإمام الهيثمي شيء من التسامح فهو من رجال مسلم. فالأصل أن يقول رجاله رجال الصحيح لمَ يقول إلا ابن الهذيل وقد روى له مسلم في صحيحه وعليه رجاله رجال الصحيح. من رواية سيدنا كعب بن مالك رضي الله عنه أن نبينا صلى لله عليه وسلم بعد أن رجع من غزوة الأحزاب ووضع درعه جاءه جبريل وقال وضعتم السلاح وضعتم اللأمة لكنا في السماء لم نضعها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تأمرني قال توجهوا إلى بني قريظة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة فخرج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس فاختصم الناس في الطريق فقال بعضهم صلوا لم يرد رسول الله أن تتركوا الصلاة وقال فريق آخر عزم علينا رسول الله فنحن في عزيمة رسول الله فلا إثم علينا في تأخير الصلاة قال فصلى بعضهم في الطريق وبعضهم أخرها حتى غربت الشمس فصلوها في بني قريظة فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً من الفريقين وفي رواية كعب فصلوها في الطريق إيمانا واحتساباً وصلى بعضهم بعدما غربت الشمس في بني قريظة إيمانا واحتسابا –"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ". وهي النيات الخالصة التي ينال الإنسان أجرها عند الله جل وعلا. وهنا كذلك إيمانا واحتساباً وما فعل واحد منهم ذلك عناداً ولا مخالفة لنبينا صلى الله عليه وسلم. كل من الأمرين حكم شرعي ونبينا ما عنف أحد الفريقين بل ما قال لهؤلاء أصبتم ولهؤلاء أخطأتم.

وقلت استنبط من هذا عدد من أئمة الإسلام إن كل مجتهد مصيب لأن نبينا الحبيب لا يقرعلى خطأ. ولو كان أحدهما مخطئا لقال أخطأت ولا لوم عليك ولا ذنب لكن كان السداد أن تفعل كذا. فما قال هذا إذا كل من الأمرين مصيب على هدى. الحافظ ابن عبد البر في كتابه الاستذكار 1/303 استدل بهذا الحديث وبغيره على وجوب قضاء الصلاة على من فاتته نسياناً أو عمداً وهذا هو المقرر عند المذاهب الأربعة وهناك شذوذ عند بعض الناس أن الصلاة إذا تركت عمداً لا تقضى. نرجع إلى الأمر الثالث وهو ختام بحثنا في هذه المسألة: وقبل أن ننتقل إلى هذا الأمر يوجد تعليق الإمام البغوي في شرح السنة /229 كلام محكم يتعلق بالاختلاف أحب أن أقرأه عليكم مع وجازته كلام محكم سديد: قال عليه رحمة الله: الاختلاف في الفروع بين العلماء اختلاف رحمة أراد الله أن لا يكون على المؤمنين حرج في الدين فذلك لا يوجب الهجران والقطيعة لأن هذا الاختلاف كان بين أصحاب رسول الله مع كونهم إخواناً مؤتلفين رحماء بينهم وتمسك بقول كل فريق منهم طائفة من أهل العلم بعدهم وكل في طلب الحق وسلوك سبيل الرشد مشتركون.

قال عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين ثقة عابد حديثة في صحيح مسلم والسنن الأربعة توفي سنة 120هـ قال: ما أحب أن أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لم يختلفوا فإنهم لو اجتمعوا على شيء فتركه رجل ترك السنة ولو اختلفوا وأخذ رجل بقول واحد أخذ السنة كما تقدم معنا من كلام عمر بن عبد العزيز وقاسم بن محمد وأئمة الإسلام قاطبة وهذا القول نقله الإمام السيوطي في كتابه الأمر بالإتباع وذم الابتداع ص77 وانظروه في الباعث الحثيث ص20 علق المعلق على الباعث الحثيث وهو من بعض الأخوة الجدد المتمجهدين من بلاد مصر قال: ليست الرحمة في الاختلاف: يعلق على كلام الإمام أبي شامة فيما ينقله عن أئمة الإسلام أن الاختلاف رحمة. قال: ليست الرحمة في الاختلاف وإنما الرحمة في الاجتهاد وعمل العقل والقلب في إعلاء كلمة الله وجعل كلمة الله هي العليا ولن تكن الرحمة بأي حال في الاختلاف والفرقة. يا إخوتي نحن في أعلى قمة وهؤلاء في أسفل حضيض ما دخل هذا الكلام في التعليق على كلام أئمة الإسلام. وهل جعل كلمة الله هي العليا حوله خلاف لم تعلق هذه التعليقات الفارغة الاختلاف رحمة باتفاق أئمة الأمة إلا من شذ شذ ابن حزم اجتهاداً وشذ الشاذون في هذه الأيام تقليداً أما ابن حزم مجتهد مع شذوذه وليس من الحزم أن يتبع ابن حزم لكن هؤلاء كالألباني والمقبل على الفتن والذين يعلقون على هذه الكتب يلوثونها هؤلاء شاذون تقليداً لا تظن أن واحداً منهم هو صاحب الفكرة إنما قرأ في كتاب ابن جزم في إبطال القياس وفي شيء من المحلى – وما تعثر فيه يغفر الله له-جاؤا هم وجعلوه دينا يفرقون به بين الأمة.

أما أن الاختلاف رحمة هذا لا نزاع فيه إستمع لكلام الإمام الخطابي في كتابه "أهذه الحديث" 1/118 يقول وأن هذه القضية ما خالف فيها إلا الزائغون في العصر الأول وقارن بين هذا الكلام وبين ما يقوله الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة 1/76 لتعلم أن كلامه هو كلام الزائغين الذي رده الإمام الخطابي تماما استمعوا اخوتي الكرام يقول: أما قول القائل لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً. قالها ابن جزم وتلقاها عنه المقلدون في هذا الزمن. فأما قول القائل لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذاباً لأنه ضده فهذا قول لم يصدر عن نظر وروية وقد وجدت هذا الكلام لرجلين اعترضا به على الحديث أحدهما مغموص عليه في دينه وهو عمر بن بحر"الجاحظ" انظروا ترجمته المظلمة في لسان الميزان 4/355 وفيه قال ثعلب كان كذابا على الله ورسوله وعلى الناس ليس بثقة ولا مأمون وكان من أئمة البدع وقد هلك 255هـ –هذا الأول- والثاني معروف بالسخف والخلاعة – رقاص مغني ماجن – وهو اسحق بن إبراهيم الموصلي انظروا ترجمته المظلمة في السير 11/118 وفي لسان الميزان 1/350 وقال هو المغني المشهور توفي 235هـ –كان المأمون يقول لولا اشتهاره بالغناء وقلة الحياء لوليته القضاء-لانه يميل على مذهبه من ناحية الاعتزال وخلق القرآن. هذان اعترضا على الحديث. قال إنه لما وضع كتابه في الأغاني وأمعن في تلك الأباطيل لم يرض بما تزوده من إثمها حتى صدر كتابه بذم أصحاب الحديث والحطب عليهم أي الحط من شأنهم وزعم أنهم يروون ما لا يدرون وذكر بأنهم رووا هذا الحديث. " اختلاف أمتي رحمة " وهو لا يثبت من ناحية الإسناد.

لكن المعنى ثابت من كلام سلفنا وأئمتنا ثم قال لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا ثم تكايس وتعاقل فأدخل نفسه في جملة العلماء وشاركهم في تفسيره وقال: إنما كان الإختلاف رحمة مادام رسول الله حيا بينهم فإنهم إذا اختلفوا سألوه فأجابهم وبين لهم ما اختلفوا فيه ليس فيما يختلفون بعده وزعم أنهم لا يعرفون - أي أئمة الحديث –وجوه الأحاديث ومعانيها فيتأولونها على غير جهاتها.

إذاً هو يقول هذا الحديث لو ثبت معناه-الاختلاف في زمن النبي عليه الصلاة والسلام –وهم اختلفوا في موقعه الأحزاب والذهاب إلى بني قريظة والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم لا قال لهؤلاء أصبتم ولا لهؤلاء أخطأتم هذا الكلام الذي قاله باطل ويشبه كلام الشيخ ابن باز في تعليقه على فتح الباري 2/287 في حديث البخاري والموطأ وأبي داود والأمام البيهقي وغير ذلك من دواوين السنة ومر معنا ضمن مواعظ التفسير من رواية رفاعة بن رافع رضي الله عنه وأرضاه قال كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده فقال رجل وراءه ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من المتكلم آنفاً قال أنا. قال رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها. وعند الترمذي قال فعطست فقلت ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما انصرف رسول الله عليه الصلاة والسلام من صلاته قال من المتكلم آنفا ثم أعاد ثلاثا قال أنا قال لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها. قال الحافظ ابن حجر استدل به على احداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور ويجوز للإنسان أن يحدث ذكرا وأن يقول ذكرا غير وارد في صلاته إذا لم يكن مخالفا للمأثور –يعني لو قدر أنه ركع وقال سبحان ربي العظيم ثلاثا ثم أراد أن يقول سبحان ربي الخالق – سبحان ربي الرازق –سبحان ربي الوهاب سبحان ربي الكريم.

تقول هذا ليس بوارد وأنك ابتدعت يجوز هذا من ناحية الجواز يجوز وهذا الرجل أثنى على الله بما هو أهله بصيغة لم يأخذها من النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ استدل بهذا على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مشروع إذا كان لا يخالف ما هو مشروع لا حرج إخوتي الكرام الإنسان في طوافه إذا أراد أن يقرأ القرآن لا حرج وما أُثر هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ختم بعض أئمتنا اثنتي عشرة ألف ختمة في الطواف في السير 14/535 في ترجمة الإمام الشيخ الكتاني القدوة العابد شيخ الصوفية أبو بكر محمد بن على توفي سنة 322هـ مجاورا بمكة صانها الله وشرفها قال الإمام الذهبي: كان من الأولياء وكان يقول: التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف. ختم القرآن اثنتي عشرة ألف ختمه كما في السير ما الحرج علق الشيخ ابن باز على كلام الحافظ قال فيه نظر ولو قيده الشارح بزمن النبي عليه الصلاة والسلام لكان أوجه –مثل من قال الاختلاف رحمة لكن في زمان النبي عليه الصلاة والسلام لما في زمنه رحمة وبعده عذاب وهنا يجوز أن يحدث المصلي ذكرا في الصلاة وإن لم يكن واردا يعلق لو قيده بزمن النبي عليه الصلاة والسلام –لما- قال فيه نظر ولو قيده الشارح بزمن النبي عليه الصلاة والسلام لكان أوجه لأنه في ذلك الزمن لا يقر على باطل خلاف الحال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فإن الوحي قد انقطع والشريعة قد كملت فلا يجوز أن يزاد في العبادات ما لم يرد به الشرع هذا يعدل ذلك الاختلاف رحمة قال في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وهنا يجوز أن يحدث ذكرا في الصلاة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وبعده لا يجوز لما وهل يشترط أن يعلم النبي عليه الصلاة والسلام بذلك الذكر في زمنه لو قدر أن إنسان في غير المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه أو فيها وأحدث ذكراً لم يعلم به النبي عليه الصلاة والسلام فعلى ظاهر عبارتك يجوز.

هنا اطلع على رجل أحدث ذكراً والبقية لو أحدثوا ذكرا من أين سيعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تقر يجوز في زمانه صلى الله عليه وسلم عبارتك ينبغي أن تقيدها بشرط أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم به – هذا كلام إخوتي الكرام غلط وكما قلت مرارا ما يقرره أئمتنا لا داعي للمتأخرين أن يعترضوا عليه. قال الإمام الخطابي في رده على الجاحظ والموصلي:

والجواب عما الزمانا من ذلك يقال لهما إن الشيء وضده يجتمعان في الحكمة ويتفقان في المصلحة ألا ترى أن الموت لم يكن فسادا وإن كانت الحياة صلاحا هذه نعمة وهذه نعمة ونعمة الله علينا بالموت لا تقل عن نعمته علينا بالحياة. ولم يكن السقم سفها وإن كانت الصحة حكمة ولم يكن الفقر خطأ وإن كان الغنى صوابا وكذلك الحركة والسكون والليل والنهار وما أشبهها من الأضداد وقد قال سبحانه وتعالى: "ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه" فسمى الليل رحمة فهل أوجب أن يكون النهار عذابا من قبل أنه ضده وفي هذا بيان خطأ ما ادعاه هؤلاء ولله الحمد. ثم بين فقال أما وجه الحديث ومعناه اختلاف أمتي رحمة فهو كلام عام المعنى خاص المراد إنما هو الإختلاف المذموم في إثبات الصانع ووحدانيته وهو كفر واختلاف في صفاته ومشيئته وهو بدعة وكذلك في اختلاف الروافض والخوارج في إسلام بعض الصحابة واختلاف في الحوادث من أحكام العبادات المحتملة الوجوه جعله الله يسرا وكرامة ورحمة للعلماء منهم وقد قال صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداه" والحديث رواه الحاكم في المستدرك 1/35 وقال صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي ورواه البزار بسند رجاله رجال الصحيح وهكذا الطبراني في معجمه الأوسط والصغير المجمع 8/257 ورواه البيهقي في دلائل النبوة 1/58 والرامهرمزي في الأمثال ص29 ورواه ابن عساكر وعند الرامهرمزي ضبطه ضبطاً غريبا فقال مهداة بكسر الميم وقال هكذا ضبطه ابن البرتي وهو الإمام المحدث أبو خبيب العباس ابن أحمد البرتي توفي 338هـ والرامهرمزي توفي 360هـ وقال عليه الصلاة والسلام بعثت رحمة- كما ثبت في صحيح مسلم والأدب المفرد للإمام البخاري إن الله لم يبعثني لعانا إنما بعثت رحمة – وقد بعث بالسيف وأمرنا بالقتال وسفك الدم فلا تناقض بين هذا وهذا إلى آخر كلامه في توجيه الحديث من كتابه أهذه الحديث.

آخر المبحث: قد يقول قائل: أنتم تقولون باتباع وتقليد المجتهدين وأئمة الدين فهذه حصرتم الأمر في أربعة أما كان مجتهدون قبل هؤلاء وفي زمنهم وبعدهم وجد ما وجه التخصيص. وجه التخصيص أجملها في أربعة أمور: أولها: هذه المذاهب الأربعة متواترة مقطوع بنسبتها إلى أئمة الاجتهاد باتفاق أهل الرشاد لا يخالف في ذلك أحد من العباد ومن المعلوم أن حال المقلدين من المجتهدين كحال المجتهدين مع أحاديث نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه –المجتهد يقدم المتواتر المقطوع بصحته على الآحادى لو خالفه هذا أمر لا نزاع فيه –عنده نقل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوت الشمس في رابعة النهار وعنده نقل لا تعلم صحته روى بدون إسناد ودون معرفة حال الرواة هل يعول عليه المجتهد لا إنما يعول على ما ثبت إذا حالنا مع أئمتنا كحال أئمتنا مع نبينا عليه صلوات الله وسلامه: الأقوال عندما تنسب إلى أئمتنا مقطوع بصحتها متواترة عنهم نسب للمجد ابن تيمية جد الإمام ابن تيمية ومن الذي نقل عنه نقل عنه حفيده والإمام ابن القيم ونقل عنه من نقل في هذه العصور.

هذا النقل الذي تنقلونه عنه كله لا يثبت كما تقدم هو قرر في كتابه المنتقى كما في نيل الأوطار ومعه المنتقى 6/230 بعد أن أورد آثارا في وقوع الطلقات الثلاث قال هذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة وفي المحرر قرر هذا وأنتم بعد ذلك تأتون تقولون روى وعندما يقال روى عن الأوزاعي أو الليث أئمة كرام لا نزاع في إمامتهم لكن هل تلك الأقوال مقطوع بنسبتها إليهم كما هو الحال في الإمام مالك أو الشافعي أو أحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم وأرضاهم لا ثم لا قطعا وجزما وبيننا وبين تلك الأقوال انقطاع هل تنقل تلك الأقوال بالسند الثابت إلى الأئمة إذا كان الأمر كذلك –يختلف- عندنا قول مقطوع بصحة نسبته إلى مجتهد وهناك قول لا نقطع بصحة نسبته إليه شتان بين هذا وهذا لو ثبت في كتاب ينقل بالأسانيد وهو صحيح يبقى معنى نقل أحادي والثاني نقل قطعي يقدم عليه.

فنحن نفوسنا تطمئن لهذا الاجتهاد الذي نقل إلينا عن طريق القطع وأما ذاك لو ثبت بسند أحادي فهو دون هذا في الثبوت –هذا أمر أول لا بد أن نعيه إخوتي الكرام حال المقلدين مع المجتهدين كحال المجتهدين مع الدليل المبين مع أحاديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام المقطوع به يقدم على الأحادي والثابت يقدم على مالم يثبت. وعليه إخوتي الكرام عند هذا الأمر عندنا فهم قطع بصحة إضافته إلى إمام مجتهد وعندنا فهم لم يقطع بصحة إضافته إلى إمام مجتهد أيهما تركن النفس إلى قبوله حتما ما قطع بصحته. هذا كما قلت قول مقطوع بصحة إضافته إلى هذا المذهب وهذا قال به ليس أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ملايين من المسلمين يتناقلونه من القرن الثاني إلى هذا الحين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أما هناك قول أنت تفتش في هذه الكتب وجدت قولاً لسعيد بن جبير رضي الله عنه وأرضاه ما أحد ينازع في إمامته واجتهاده لكن هل يقابل قول سعيد بن جبير الذي لا شك في إمامته وديانته وفقهه واجتهاده وفهمه ونظره وصلاحه هل يقابل قوله الذي لا نقطع بصحة إضافته إليه كقول أبي حنيفة الذي نقطع بصحة إضافة إليه يتقابلان فهنا أقوال لا أقول مستفيضة متواترة معلوم بالضرورة في ذلك المذهب إن هذه من أقول هذا المذهب وما مر على الأمة يوم إلا تقرأ تلك الكتب في مساجد المسلمين وتقرر وتدرس واجتهادات الإمام ابن حزم ما بيننا وبينها صلة إلا بعد ذلك عندما طبعت كتبه في هذه الأيام.

من الذي كان يسمع بيان حزم قبل فترة؟ حتى من تقدمنا من علمائنا ما عنده خبر عن ابن حزم إلا الترجمة أما كتاب المحلى من أوله لآخره ما طبع إلا من فترة واطلع عليه طلبة العلم أما كتب المذاهب ما خلا بقعة من بقاع الأرض من كتب المذاهب في كل وقت منذ أن وجد المذهب إلى هذا الوقت هذا مقطوع بصحة إضافته إلى أهل الاجتهاد وذاك لا يقطع بصحة إضافته إليه وهل من الديانة إذا وجدت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب من غير إسناد أن تأخذ به هل هذا من الديانة لا يا إخوتي الكرام وليس من الديانة أن تأخذ اجتهاداً عن إمام وجدناه في كتاب دون أن يثبت عندنا ذلك ثبوتا قطعياً هذا الأمر الأول انتبهوا إليه.

الأمر الثاني: تلك المذاهب التي هي مقطوع بصحة إضافتها إلى أئمتنا تتابع عليها الجهابذة بالفحص والتدقيق والتمحيص والتحقيق وحُكم بها ما يزيد على عشرة قرون فقل إحتمال وجود الخطأ فيها. أما أقوال المجتهدين الآخرين قول للإمام الأوزاعي وقول الإمام الليث بن سعد قول السعيد بن المسيب رضوان الله عليهم أجمعين لا تنزل عن أقوال أئمتنا أهل المذاهب الأربعة لكن تلك ما حصل لها تمحيص ولا تحقيق ولا تدقيق ولا تتابع المسلمون على العمل بها ولا تناقلها الجهابذة فنحن عندنا الآن أمران الأول لا نقطع بصحة إضافتها إلى هؤلاء والثاني ما غُربلت كما غُربلت هذه الأقوال لا يوجد مذهب من المذاهب الأربعة إلا وفي من ينتمي إليه فقهاء ومحدثون وأصوليون وزهاد وعباد ومن جميع الأصناف هل يعقل أن يتوارد هؤلاء وأن يتتابعوا على الخطأ والزيغ والضلال. إذا أردنا أن نقول هذا فلا عقل لنا. خذ مذهب الحنفية الذين تقولون هو آخر المذاهب من ناحية البضاعة الأثرية. انظروا لمن فيه من الجهابذة من أئمة الحديث فيه الإمام الزيلعي الذي من كتبه يستفيد الحافظ بن حجر فضلا عمن بعده وما ألف من كتب التخريج بدأً بمنار السبيل إلى غيره كله مأخوذ من نصب الراية ما في التلخيص الحبير وما في الدراية مأخوذ من نصب الراية وهو حنفي المذهب الإمام العيني كان قاضيا في زمان ابن حجر هذا على قضاء الشافعية وهذا على قضاء الحنفية وكل منها شرح صحيح البخاري في عمدة القاري وفي فتح الباري جهابذة كبار من الأئمة الأخيار ما خلا منهم وقت من كبار المحدثين. هؤلاء كلهم تتابعوا على الخطأ وعلى العمى والضلال؟ كان الواحد منهم تقطع رقبته من أجل كلمة حق كيف سكت على ما في هذه المذاهب من ضلال وبطلان.

الأمر الثالث: قبل أن أنتقل إليه. يقول الإمام أبو زرعة تلك المذاهب تتابع عليها الجهابذة يقول الإمام أبو زرعة كما في السير 13/69 والإمام أبو زرعة توفي سنة 264 هـ إمام الأئمة حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربع إلا سنن أبي داود. يقول هذا العبد الصالح: عجبت ممن يفتي في مسائل الطلاق يحفظ أقل من مائة ألف حديث قلت لكم حديث سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي ينقله بعض الناس في هذه الأيام وتقدم معنا في حجج مسلم وغيره. كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين وصدر أمر خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين. عندما يرويه قل له من رواه من خرجه لا يعلم في أي كتاب لا يدري ما معنى الحديث ما توجيهه لا يعلم ما في إلا أنه كما قال الله " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون" يقول الإمام أبو زرعة في هذا الحديث كانوا يطلقون واحدة وأنتم تطلقون ثلاثا وهذا ثابت عنه في السنن الكبرى للإمام البيهقي 7/338 قال الحافظ في الفتح بسند صحيح 9/364.

الأمر الثالث: وهذا تقطع به كل تشويش وكل لغط – المذاهب الأربعة جمعت جميع الإحتمالات المقبولة للنصوص المنقولة فلا يخرج الحق عنها كما تقدم هذا من كلام أئمتنا وكاد اتفاقهم أن يكون إجماع وعليه قال يقال لم لا نتبع من سبقهم من التابعين والصحابة الطيبين رضوان الله عليهم أجمعين ولم لا نتبع من عاصرهم ولم لا نتبع المجتهدين بعدهم لا يقال هذا –أقوال سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومن عداهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وأقوال المجتهدين في التابعين وأقوال المجتهدين المعاصرين لأئمتنا المجتهدين ومن جاء بعدهم لا تخرج عن أقوالهم لا أقول أنهم يتبعون هؤلاء الأئمة لا لكن – ما قرره سيدنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي موجود في هذه المذاهب وعليه إذا وجد قول لإمام فهو بين حالتين إما أن يكون هذا القول في أحد المذاهب الأربعة فهذا زادنا يقينا وطمأنينة نحو المذاهب الأربعة وأنها حوت الحق وإذا وجد قول لإمام يخالف ما عليه الأئمة الأربعة نقول شاذ ولا يعول عليه ولا يؤخذ به. الذين يقولون نحن ما أمرنا الله باتباع أبي حنيفة ولا اتباع مالك ولا الشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين ونحن نتبع الكتاب والسنة وبعضهم يقول أئمة الإسلام عندنا كلهم سواء نقول له أنت تكثر اللغط لم! هات لنا مسألة واحدة دل عليها دليل وقال بها إمام جليل وليست في المذاهب الأربعة لنتباحث بعد ذلك معك. الإضافة لهذه المذاهب سبب إضافة الأقوال إليها الحصول الأمر الأول فيها وهي أنها متواترة. فالإضافة إليها أقوى فإضافتك هذا القول إلى المذهب الحنفي هذا أقوى من أن تضيفه إلى صحابي لا أننا نقول إن منزلة الصحابي دون المذهب الحنفي لا ثم لا لكن هنا مقطوع بصحته وهذا المذهب عندنا يقين ما بني إلا على الكتاب والسنة واجتهادات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وتقدم معنا أبو حنيفة إذا وجد أقوالاً للصحابة يلزم بها ولا يخرج عنها.

ولذلك عندما كنت أدرس في كلية الشريعة أقول أقوال الصحابة عندما تذكر في المسألة تذكر فقط لبيان مصادر أئمتنا الكرام لا لأننا سنأخذ بها الذي يطالب به الإنسان وينبغي أن يعيه هذه المسألة لأئمة الإسلام فيها قولان أو ثلاث أو أربع فقط أما قال بهذا بعد ذلك عبد الله بن الزبير عبد الله بن عمر عبد الله بن عباس ما لنا ولهذا وعليه حال المذاهب مع أقوال أئمة الإسلام عندما نقول حوتها كحال القراء العشر مع بقية القراء. لم أضيفت القراءة إلى عامر وعاصم وحمزة والكسائي رضوان الله عليهم أجمعين.

كان في زمن نافع ملايين يقرئون بقراءته لكن عندما دونت القراءات نظر إلى أبرز إمام يقرأ بهذا الحرف فنسب الحرف إليه وعندنا في زمن أبي حنيفة ملايين يقولون بهذا الاجتهاد ووافقه أئمة قبله وبعده من صحابة وتابعين لم أضيف لمن يقول بهذا القول إلى مذهبه لأنه حصلت له شهرة لهذا المذهب حصلت شهرة وهذه الشهرة من الله لا دخل لإنسان فيها. سفيان الثوري أقواله لا تخرج عن أقوال سيدنا أبي حنيفة وعن سيدنا الإمام الشافعي أو عن سيدنا الإمام مالك رضوان الله عليهم أجمعين إذا أقواله دخلت ضمن المذاهب. سعيد بن المسيب. سعيد بن جبير أقوال أئمة الإسلام رضي الله عنهم وأرضاهم كلها في النهاية ستنتهي إلى الأقوال الأربعة ولو قدر قول خرج عن هذا يبقى من باب الشذوذ عندنا قول لسيدنا عبد الله بن عباس الذي نتبرك بذكره لا بحبه فقط بحل نكاح المتعة وهكذا قول سعيد بن المسيب يقول إن الرجل إذا طلق إمرأته ثلاثا وتزوجت غيره تحل للزوج الأول وإن لم تذق عسيلة الثاني وهذا شذوذ وخرج عن المذاهب الأربعة ما يأتينا إنسان بقول سعيد بن المسيب أعلى من الإمام الشافعي أنتم تركتم عقولكم وأخذتم بقول الشافعي وتركتم قول سعيد بن المسيب يا عبد الله هنا غربلت صفيت حققت الجهد البشري فيه خطأ عندما يكون على انفراد ولذلك هذا المذهب من الخطأ الكبير أن يضاف إلى إمام واحد على أنه هو الذي أسسه لا إنما إضافة نسبة فقط وإلا ألوف يقولون بهذا الاجتهاد.

وهذا لابد من وعيه يأتيك قائلا يقول لما لا تتبع الأوزاعي: يا عبد الله من قال لك أننا لا نتبع الأوزاعي لعنة الله على من لا يتبع أئمة الإسلام يا عبد الله فقه الأوزاعي ضمن فقه المذاهب الأربعة هات أقوال الأوزاعي لتفرقها بعد ذلك على هذا المذهب أو على هذا المذهب وإذا عندنا قول للأوزاعي خرج هات دليل عليه حتى نبين لك أنه شذوذ حتى لو كان قول صحابي خرج فنقول شذوذ سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه توفي ولا يقول بالعول شذوذ رضي الله عنه وأرضاه وليس معنى شذوذ أنه شاذ القول شاذ مهجور ما عمل به فقهاء الأمصار – قال ابن قدامة في المغنى لا نعلم اليوم قائلا بمذهب ابن عباس رضي الله عنهم وأرضاهم. فلا بد من وعي هذه القضية حتى نتبع المذاهب الأربعة لا تظن يا عبد الله أن هذا تقليدا للرجال أو لأهواء شخصية لا ثم لا. هذا اتباع لفهم شرعي مقطوع بصحة إضافته إلى أئمة المذاهب ثم صقل عن طريق اتباع المذهب وحقق ونقح وما يوجد من أقوال لا يشهد لها الدليل بينت ولذلك وجد بعد ذلك ضمن المذهب ترجيحات وخلاف لهذا القول الذي يتبناه إمام المذهب يترك أحيانا ويؤخذ بقول الاتباع. هذه أمور ثلاثة لا بد من وعيها. أمر رابع يتعلق بحالنا نحو هذه المذاهب والمجتهدين في عصرنا. أنا أعجب كما قلت مرارا لمن لا تطيب نفوسهم بإتباع أئمة الإسلام وتقليدهم ثم جمدوا بعد ذلك على تقليد فلان وفلان من المعاصرين لا أقول ممن يرجعون عن أقوالهم فقد رجعوا إنما ممن لا يضمن لهم حسن الخاتمة.

هان عليك أن تقلد الحي الذي يتراجع في كل يوم طلعت فيه الشمس عن أحاديث صححها فيضعفها وضعفها فيصححها أقوال باطلة منكرة هذا هان عليك أن تقلده وتقلد أمثاله وأقوال تتابع عليها أئمة الإسلام وحكم بها في الأمة الإسلامية ترى أن الالتزام بها من خصال المشركين تبا لذلك العقل السقيم الفاسد الذميم. مناظرة للشيخ الدجوي في مصر مع بعض المتمجهدين قال له لما لا تتبعون الإمام ابن تيمية هو شيخ الإسلام قال: والله أنا لا أتبع الإمام ابن تيمية قال لماذا قال لأنني بين حالتين إذا كنت مجتهداً يحرم علي أن أتبعه. وإذا كنت مقلداً فتقليد الإمام ابن تيمية وترك تقليد الأئمة سفاهة ما بعدها سفاهة ومضيعة. تنازع مرة شيخنا المبارك الشيخ محمد مختار الشنقيطي عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين. مع بعض الشيوخ حول الإمام ابن تيمية رضي الله عنه وأرضاه فالشيخ تعب وجهد في إقناعه بقوله ذاك يقول: ما يظهر لي لدليل وقولك مرجوح ولا أطمئن لهذا الشيخ عليه رحمة الله بعد أن رجع إلى بيته نظر في مجموع الفتاوى فوجد أن قول الإمام ابن تيمية كما قرر شيخنا عليه رحمة الله فاتصل به وقال ياشيخ القول الذي ذكرته لك موجود في الفتاوي قال خلاص أنا رجعت عن قولي. فتقول لهؤلاء إذا كنتم ستقلدون معاصرين أو أئمة مهتدين من المتقدمين ولستم من أهل الاجتهاد فتقليد المذاهب الأربعة أولى للإعتبارات التي ذكرتها. وإذا كنتم متمجهدين وهيهات هيهات فحالكم يدل على اختلاف ذلك أنتم عالة على أئمة الإسلام في فقهكم وحديثكم وعالة على المعاصرين تأخذون ما يأخذون من شذوذ بعض الشاذين المتقدمين وتنشرونها في هذا الحين. لا بد من أن نعي هذا. إن المتأخرين لا يستغنون عن تقليد المتقدمين ونعوذ بالله من مكابرة المكابرين. يوجد كلام محكم للشيخ التهانوى عليه رحمة الله في مقدم كتابه إعلاء السنن 1/81 مقدمة موجزة أحب أن تعلموها.

تكلم أولها على الإمام أبي حنيفة ودافع عنه فقال: نقض زعم بعضهم أن أبا حنيفة رضي الله عنه لوعاش حتى دون الحديث لترك كل قياس قاسه قلت فلا حاجة إذا إلى القول بأن أبا حنيفة إنما كثر القياس في مذهب لكونه في زمن قبل تدوين الحديث ولو عاش حتى دونت أحاديث الشريعة بعد رحيل الحفاظ في جميع البلاد والثغور وظفر بها لأخذ بها وترك كل قياس قاسه قلت فلا حاجة إذا في أن أبا حنيفة إنما كثر القياس في مذهبه لكونه في زمن قبل تدوين الحديث ولو عاش حتى دونت أحاديث الشريعة بعد رحيل الحفاظ في جميعها من البلاد والثغور وظفر بها لأخذ بها وترك كل قياس قاسه لأنا نقول لو ظفر بها لم يأخذ منها إلا ما كان عليه الخلفاء الأربعة وكل ما ظهر من الحديث في زمنهم لم يفته منه شيء لكونه محيطاً على علم الحجاز والمدينة والعراقيين "والبصرة والكوفه" يدل على ذلك كثرة شيوخه – تقدم أربع آلاف شيخ وكونه أعلم الناس في زمانه بشهادة الأئمة كما مر ذكره- وما عداه فشاذ أو ليس مما يجب العمل به – يعني ما يؤثر بعد ذلك من نصوص لم يأخذ منها إلا ما عمل بها الخلفاء الراشدين وعليه ما سيبلغه إما عمل له أو معارض لما عنده –وإن سلمنا أن الإمام خفي عليه بعض الأحاديث التي يجب العمل بها شرعا فنقول إن محمداً وأبا يوسف وزفر بن الهذيل وابن المبارك والحسن بن زياد وغيرهم من أصحابه فقد تأخروا إلى زمن تدوين الحديث.

ثم الطحاوي والكرخي والحاكم مؤلف الكافي وعبد الباقي بن قانع والمستغفري والزيلعي وغيرهم من حفاظ الحنفية ونقاد الحديث منهم فقد تأخروا إلى كمال التنقيب عن الحديث النبوي الشريف واطلعوا على صحيحه وسقيمه ومشهوره وآحاده فكل قياس من قياسه رأوه مخالفا للحديث تركه أصحابه كمحمد وأبو يوسف وزفر والحسن وخالفوا شيخهم في شطر مذهبه ومذهب الحنفية هو مجموع أقوال الإمام وأصحابه هؤلاء والمحدثون من الحنفية من بعدهم رجحوا في بعض المسائل قول الشافعي وفي بعضها قول مالك وفي بعضها قول أحمد. وأفتوا بما ترجح عندهم بالدليل وهذا كله هو ذهب أبي حنيفة لكونه جاريا على منواله وأصوله التي بني عليها مذهبه منها تقديمه النص ولو كان ضعيفاً على القياس فلم يبقى والحمد لله في مذهبنا قول خلاف حديث إلا وعندنا حديث آخر يؤيدنا والذي خالفناه ظاهراً فله عندنا تأويل لا نخالفه وكذلك الأئمة كلهم وأصحابه يفعلون فلا يستطيع أحد أن يدعي العمل بكل الأحاديث وإنما كل يعمل ببعضها ويترك بعضها أما لكونه ضعيفاً عنده أو مخالفاً للنص أو للخبر المشهور أو المتواتر أو لكونه شاذا أو فعلها أو منسوخاً أو مؤولاً بمعنى لا يدركه العامة ونحو ذلك. وقال: كلمة حسنة جامعة في مناقشة ذامي التقليد ومانعيه.

أما المنكرون للتقليد فلا يمكن منهم العمل – على أصلهم أصلاً لأن العمل به لا يمكن إلا بتقليد بعض العلماء في أن هذا الحديث صحيح وهذا ضعيف وهذا يجب العمل به وهذا لا يجب العمل به – وعندما يقول الألباني وغيره ضعيف كما قال الحافظ في التقريب هذا اجتهاد أو تقليد – تقليد في أعظم شيء جئت لتصحح وتضعف بناءاً على تقليد. وبعد ذلك أنظر إلى الإيهام على العامة نحن نجتهد يا عبد الله أنتم تتلاعبون أنتم لا تخرجون عن التقليد شئتم أم أبيتم عندما تأخذ قول الحافظ وحكمه على الرجل الذي اجتهد وحكم بناء على أقوال قيلت في ترجمة هذا الإمام هذا اجتهاد منك أو من الحافظ بن حجر أنت مقلد والحافظ مجتهد أنت تحرم التقليد إذا ما ينبغي أن تستدل بحديث أبدا إما أن يكون عندك سلسلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو عندك حكم على كل واحد من الرواة وبعد ذلك تدبير لا يعلمه إلا اللطيف الخبير سبحانه وتعالى يقول: لأن العمل به لا يمكن إلا بتقليد بعض العلماء في أن هذا الحديث صحيح وهذا ضعيف وهذا يجب العمل به وهذا لا يجب به العمل بل يجوز أو يستحب أو يحرم الأخذ به وهذا كما ترى كله تقليد في الأحكام فإن كون الحديث واجب الأخذ به وبالعكس أو يحرم الأخذ به من الأحكام حتما وإذا ذكر الفقهاء بحث السنة قبولها وردها والأخذ بها وتركها وأحكام الرواة في الفقر وأصوله لكونه مادة الأحكام وهؤلاء ينكرون التقليد والقياس والاجتهاد في الأحكام رأسا فكيف يقلدون المحدثون في هذه. وكيف يجعلون ظنهم واجتهادهم في تصحيح الأحاديث وتضعيفها حجة وقد بينا غير مرة أن صحة الحديث وضعفه وتوثيق الراوي وضعفه كله يدور على ذوق المحدث وظنه واجتهاده والتصحيح والتضعيف ظني- من العبارات التي أحيانا اضحك عندها – لأنها تصدر من غير أهلها لو قالها أئمتنا الإنسان حقيقة يضحك ضحك تسليم إنما هنا ضحك تعجب. العبارة هي للألباني يقول هذا الحديث اطمئن قلبي لتصحيحه وسكنت نفسي إلى ذلك.

هذا هو البحث العلمي. هذه حقيقة يقولها الجهابذة الذين حالهم كحال الصيارفة بمجرد ما تعرض عليه القطعة يعرف وزنها وإذا كانت مغشوشة نبذها إليك وقال انصرف ما تساوي هللة. قال الشيخ التهانوي. وقد بينا غير مرة أن صحة الحديث مضعفة وثقة الراوي وضعفه كله يدور على ذوق المحدث وظنه واجتهاده ولذلك نشأ الاختلاف بينهم في ذلك فهذا يضعف حديثاً وآخر يصححه وآخر يضعف رجلا وآخر يوثقه وهل هذا إلا لاختلاف الظنون فافهم ولا تعجل في الإنكار على إمام مأمون قد أذعنت الأمة لجلالته واعترفت الأئمة لعظمته وكرامته والله يتولى هداك.

ثم علق على هذا الكلام: فا ندحض قول من قال أن الله جعل خبر الصادق حجة وشهادة العدل حجة فلا يكون متبع الحجة مقلدا لان تصحيح الحديث وتضعيفه ليس من جنس الخبر المحض بل مداره على اجتهاد المحدث وظنه اخرج ابن أبي حاتم في العلل 1/10 – بسنده عن ابن مهدي قال معرفة الحديث الهام قال ابن نمير وصدق لو قلت من أين قلت لم يكن له جواب وأخرج بسنده عن أحمد بن صالح قال معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب فإن الجوهر إنما يعرفه أهله وليس للبصير فيه حجه إذا قيل له كيف قلت يعني الجيد والرديء. قال وسمعت أبي يقول معرفة الحديث كمثل فص ثمنه مائة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم من الذي يميز بينها صاحب الخبرة – قلت وكما أن المحدثين يعرفون أسانيد الحديث وألفاظه كذا الفقهاء يعرفون معانيه وهم أعرف بها من المحدثين فلا يجوز للمحدث أن ينازع الفقيه في المعاني كما لا يجوز للفقيه أن ينازع المحدث في الإسناد وسياق الحديث اللهم إلا أن يكونا جامعين للفقه والحديث كالأئمة الأربعة وأصحابهم المقتدى بهم في الإسلام. وأقول كما قال سيدنا سفيان بن عيينة التسليم للفقهاء سلامة. بعد أن أجاب بشر بن الوليد الكندي من تلاميذ سيدنا أبي يوسف رضي الله عنهم أجمعين التسليم للفقهاء سلامة وكان يقول عندما يسأل الإمام الشافعي جزاك الله خيراً أبا عبد الله لا يأتينا منك إلا كل ما نحب هذا لابد من وعيه. ثلاث تنبيهات مختصرة:

1. ينبغي أن نحذر من النقص بمعناه الكريه الذميم لا بمعناه الحسن القويم والتعصب له صورتان صورة حميدة: أن تتعصب للمذاهب وكلها حق لا نتنازل عنها ولا تخرج إلا غيرها ولو جاء واحد وقال سألتزم بهذا المذهب من أوله إلى آخره لا أخرج عنه في جزئية من جزئياته نقول جزاك الله خيراً –وتقدم طالب العلم كما قال الإمام الذهبي لا يمكن أن يثبت على مذهب سيبدو له بعض أقوال في المذاهب الأخرى لا حرج أن يأخذ بها بما أنها وافقت الأئمة الآخرين. إنما الإنسان ليس عنده أدنى معرفة ولا يميز بين الأدلة قال أنا حنبلي المذهب لا أخرج عنه يقول أنا أتبع المذهب وشهدت له الأمة بالصحة والسلامة مهما قلت له من أدلة. نقول جزاك الله خيراً هذا تعصب حميد. والتعصب الذميم: تقول أنا حنفي والمذاهب الأخرى ضعيفة باطلة ولو كان لي سلطان لألزمت الناس بمذهبي فهذا ضلال مبين وتعصب ذميم ينبغي أن تحارب هذه الصورة من التعصب. قال ابن عبد البر في التمهيد 8/367.

قال المسألة إذا كان سبيلها الاجتهاد ووقع فيها الاختلاف لم يجز لأحد القائلين فيها عيب مخالفيه ولا الطعن عليه لأن الصحابة اختلفوا وهم القدوة فلم يعب أحد منهم على صاحبة اجتهاده ولا وجد عليه في نفسه (هذا حق) ولكن أنظر للحالة المريرة التي كان يعانيها في القرن الخامس. قال وإلى الله نشكوا وهو المستعان على أمه نحن بين أظهرها تستحل الأعراض والدماء إذا خولفت فيما تجيء به من الخطأ. هذا مذموم. ووجد في العصور الماضية ومن ذلك ما رواه ابن كثير في البداية 12/75 والميزان ومعه اللسان 5/402 ترجمه المبتدع محمد بن موسى أن عبد الله البلاساغوني توفي 506هـ الحنفي التركي ولي قضاء بيت المقدس ثم قضاء الشام وله شأن في ذلك الزمان حكم عليه بالبدعة حتى أئمة الحنفية حكموا عليه بذلك ولا يقره عليه مسلم يقول: لو كان لي أمر لوضعت الجزية على أتباع الإمام الشافعي هذا ينبغي أن نحذره. الإمام القرشي في الجواهر المضيئة في تراجم السادة الحنفية 3/375 – ذكره وحكم عليه بالبدعة لهذه المقولة ونقل عن الذهبي أنه قال: أنه مبتدع لهذا القول. قال في البداية والنهاية وكان مبغضاً أيضا للمالكية. هذا تعصب خبيث ولا يخلو مذهب ممن يتعصب على عمى. لا بد من نصحه وزجره. في البداية 12/250 وفي المنتظم 10/213 ترجمة مرجان بن الخادم توفي 560هـ قال ابن الجوزي وابن كثير في ترجمته تعلم القراءات وتفقه على مذهب الإمام الشافعي وكان يتعصب على الحنابلة ويقول مقصودي قطع مذهبكم وقلع ذكركم. لما يا عبد الله ستهدم الحنابلة وتقطع ذكرهم. لما يا عبد الله

وأيضا في الحنابلة –في المنتظم وهو حنبلي 10/145 قال سأل الإمام ابن العبادي من أئمة الشافعية اسمه المظفر ازد شير يعرف بالأمير ت547 هـ طبقات الشافعية 7/300 سأل أن يعظ في جامع المنصور وهو إمام مبارك كان يتكلم بالكلام المحكم الحسن ومن كلامه الطيب يقول: أفعالكم أفعى لكم وحياتكم ما تأكلون من الحرام في حياتكم – سأل أن يعظ في جامع المنصور فأذن له وضمن له نقيب النقباء الحماية وهذا الجامع كان خاص بالحنابلة قال: فتجمع الحنابلة ومنعوه فما امتنع فرشقوه بالحجارة وتقدموا ليقتلوه فمنعهم نقيب النقباء والشرطة وتجلد حتى أنهى موعظته وكاد قلبه أن يطير. وبلغ من همج الحنابلة في ذلك الوقت أنهم نبشوا قبر شافعي دفن بينهم بعد خمس أيام كما في المنتظم 10/280 هذا يحذر ولا يجيزه أحد يؤمن بالله الحي القيوم. فإذا وجد شيء من ذلك فأئمة المذاهب من هذا براء.

وهذا التعصب الذميم موجود الآن بين جماعات المسلمين والنزاع بينهم قائم على قدم وساق نسأل الله أن يؤلف بين القلوب هذا مذموم وأشنع ما يحصل بين أهل الإسلام أن تقع بينهم العداوة والبغضاء والعدوان وديننا واحد وربنا واحد ونبينا عليه الصلاة والسلام واحد فهذه الاختلاف بيننا ما تقدم معنا من أقوال تحتملها أدله في شرع ذي العزة والجلال لكن كما قلت أخوتنا لا نزاع فيها إقرار بعضنا لبعض على ما هو عليه لا نزاع فيه أيضا فهذا التعصب الذميم لابد ان نخدره عندما ندعو إلى المذاهب. مدرستان في القرن الخامس أسستا من أجل التنافس بين الأمراء وهذا غلط مدرسة شافعية ومدرسة حنفية- هذه يشرف عليها بعض الوزراء وهذه يشرف عليها بعض الوزراء. لما أريد أن أعلم ثم حصل في كل منها ظلم وجور. المدرسة الأولى النظامية أسسها نظام الملك في عهد الخليفة القائم بأمر الله للشافعية وأراد أن يكون أبو إسحاق الشيرازي شيخا لها عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا صاحب المهذب وهو حبرزمانه إمام المسلمين فامتنع فتغيض نظام الملك على أعوانه وقال إن لم يأتي أبو إسحاق لأفعلن وأفعلن المدرسة كلها بنيت من أجله فامتنع أبو إسحاق البقعة أخذت ظلما وعمرت بالمكوس في ذلك الوقت فكيف يشهدها أبو إسحاق فامتنع فألحوا عليه فكان بعد إلحاح يحضر للدرس وما صلى فيها صلاة لله رب العالمين وفيها مسجد فبعد وفاته رؤي فقال لو أني صليت فيها صلاة لهلكت – إنما غفر الله لي لأنني نشرت العلم وأقمت الحجة.

وأما أنني اصلي في مكان أخذ ظلما وقصرا فلا ثم لا هذه المدرسة أسست سنة 459هـ والمدرسة الثانية للحنفية: أسسها شرف الملك بإيذاء مشهد سيدنا أبي حنيفة ووصل الأمر أنه نبش القبور التي بجوار قبر سيدنا أبي حنيفة وعندما نبشوا القبور خرج معهم رجل حسن الهيئة كأنه دفن الساعة يفيح منه ريح المسك والكافور فقال لهم الإمام ابن عقيل وما يدريكم أنه الإمام صاحب المذهب وقد نبشتم قبره ما يدريكم وكيف تستحلون نبش القبور لإقامة مدرسة ضاقت الأرض. هذا كله تعصب مذموم نحذره ونحذر منه. فعندما ندعو للمذاهب ونتعصب لها كلها على أنها حق لا نتعصب لمذهب على حساب مذهب آخر ونعادي المذاهب الأخرى وقلت مرارا – أئمة الإسلام عندنا كرسل الله الكرام عليهم صلوات الله وسلامه لا نفرق بين أحد من الأئمة نتقرب إلى الله بحبهم واتباعهم. الأمر الثاني:

2. تقدم من كلام الإمام الذهبي أن طالب العلم لا يمكن أن يلتزم مذهبا واحدا في جميع شؤونه لأنه عندما سيقرأ الأدلة الشرعية سيرى أحياناً أدلة ترجح بعض الأحكام التي هي في مذهب آخر تخالف مذهبه وأن الترجيح في مذهب آخر أقوى لاحرج إخوتي الكرام على طالب العلم في هذا وهذا ينبغي أن يعتني به طالب العلم أن ينظر في الأدلة ثم يرى بعد ذلك وهذه المذاهب لا تخرج ثم بعد ذلك أدلة أظهر وأحوط فالأخذ بها اسلم ولا يعني أن ذاك خطأ أو ظلال وفريضة الله عليك أن تحتاط لدينك ينبغي أن تحذر عن الخروج عنها إنما تخرج من مذهب إلى مذهب لأنه أحوط فهذا مطلوب. قال الإمام الذهبي السير 16/405 ترجمة الإمام الداراكي من أئمة الشافعية الكبار شيخ الشافعية بالعراق أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الداراكي الشافعي خالد بن خلكان كان يتهم بالاعتزال وكان ربما يختار في الفتوى – يخرج عن المذهب وله اختيار – ويقال له في ذلك فيقول ويحكم حدث فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا. والأخذ بالحديث أولى من الأخذ يقول الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهم. زاد ابن كثير في البداية 11/304 قال ومخالفتها أسهل من مخالفة الحديث قال الذهبي قلت هذا جيد لكن بشرط أن يكون قد قال بهذا الحديث إمام من نظراء هذين الإمامين مثل مالك وسفيان والأوزاعي وأن يكون الحديث ثابتا سالما من علة ومانع لا يكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثا صحيحا معارضا للآخر – لأنه يكون عنده حجة الآن وهو معارض فكيف تأخذ بذاك وتلغي هذا وأنت تابع لهذا المذهب هنا حديث صحيح خذ به – أما من أخذ بحديث وقد تنكبه أئمة الاجتهاد فلا كخبر فإن شرب الرابعة فاقتلوه. في شرب الخمر – إن شرب فاجلدوه ثم الرابعة فإن عاد فاقتلوه.

حديث صحيح رواه الإمام أحمد والسنن الأربعة إلا النسائي ورواه ابن حبان والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن عن سيدنا معاوية رضي الله عنه وقال الترمذي حديث حسن صحيح وروي عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه في المسند والسنن الأربعة إلا الترمذي وأشار إليه الترمذي وعن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص في المسند والمستدرك وشرح معاني الآثار وأشار إليه الترمذي. وروي عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه في سنن أبي داود والنسائي والمسند. وروي عن سيدنا الشريد بن سويد وشرحبيل بن أوس وجرير بن عبد الله وأبي الرمضاء البلوي كلهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين هؤلاء ثمانية من الصحابة. قال الذهبي: وكحديث لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده. الحديث في رواه البخاري ومسلم وغيرهما لا يجوز أن تأخذ بظاهر هذا الحديث أن القطع في سرقة البيضة لا وما قال بهذا أحد من أئمة الاجتهاد لا بد من أن يسرق ما قيمتة نصابا من ربع دينار فصاعدا وهذا الحديث سيق للتنفير من السرقة ولذمها فإذا سرق بيضة سيسرق دجاجة ثم شاه ثم جملا ثم سيصبح إمام السارقين والإنسان عندما يبدأ بالمعصية يبدأ من الصفر ثم يتخصص هذا هو الحديث للتنفير من السرقة. وقيل تأويلات أخرى أما أنه إذا سرق بيضة تقطع يده لا ثم لا. لا بد إذا من وعي هذا.

فإذا كان عند مذهبك حديث صحيح وحديث آخر يعارضه فالتزم بما أنت عليه لما تترك أما إذا وجدت حديثا بعد ذلك ستتعلق به وتقول الأخذ به متعين وأنا أخالف الإمام أبا حنيفة والشافعي لا يا عبد الله لا بد من أن تعي هذا الأمر وتقدم ضمن مواعظ الفقه من كلام الإمام الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي. أن بعض الشافعية وهو أبو الوليد موسى بن أبي الجارود قال أن مذهب الإمام الشافعي وقوله أفطر الحاجم والمحجوم لان الحديث صح بذلك عن نبينا المبارك الميمون عليه الصلاة والسلام وتقدم أنه روي عن ثمانية عشرة من الصحابة وعن تابعيين فقال مذهب الشافعي هذا لأنه قال إذا صح الحديث فهو مذهبي كما تقدم في مقدمة المجموع 1/64 رد عليه الشافعية قاطبة قالوا إن إمام المذهب ذكر هذا الحديث وصححه في كتبه وقال أنه منسوخ فكيف أنت بعد ذلك تنسب هذا الكلام الذي تقوله للإمام الشافعي هذا غلط فإذا هذا مطلوب منا إخوتي الكرام. لا مانع أن يعمل الإنسان بما تنشرح به نفسه ويطمئن إليه قلبه من الأدلة. بهذه الشروط إن القول الذي سينتقل إليه وافق أئمة الاجتهاد الآخرين أن دليل مذهبه دون هذا الدليل فيما ظهر له لا حرج. الأمر الثالث ونختم به:

3. ينبغي أن نعيه نحن معشر طلبة العلم. إذا نقل في المسألة قولان لأئمتنا الكرام واطلعنا على الأدلة ورأينا الاحتياط في أحد القولين ورأينا النصوص تشهد لأحد القولين فينبغي أن نأخذ بما هو أحوط وشهدت له النصوص ولا نسفه ذلك القول إنما نحن الواسطة بين العامة وربهم سبحانه وتعالى فلا داعي أن نخبرهم عن القول الذي رأيناه دون هذا في الاحتياط والقوة فنفتيهم بهذا من أجل الاحتياط وهو أقوى هذا منقول في مسائل كثيرة وكثير من طلبة العلم يترخص ويحصل بترخصه فتنة. والناس بعد ذلك لا تميز فمثلا إسبال الثوب جر الإزار بحيث يجاوز الكعبين نقل عن أئمتنا في ذلك قولان القول الأول لكراهة التحريم وهو كالحرام أو أقرب إلى الحرام أو هو بمنزلة الحرام وقول الكراهه التنزيه – لا شك أن القول بكراهة التحريم أحوط من أجل براءة الذمة والاحتياط في الدين يضاف إلى هذا ظواهر النصوص كلها تشير إلى هذا وتقرره ومن عدم الاحتياط أن نخبر العامة بذلك القول ونجعل فيه سعة وأن نترك هذا ونغفل تحذيرهم من إسبال أزرهم هذا لا بد من وعيه.

وكنت ذكرت هذه المسألة ضمن مواعظ الجمع ولا بد من التنبيه عليها. فاستمعوا لبعض الأحاديث ثم لكلام أئمتنا في هذه القضية – قابلني بعض الأخوة في مواعظ الفقه وقال كأنك أقررت بقول بأن جر الإزار وإسبال الإزار مكروه كراهة التنزيه قلت يا عبد الله القول منقول أنا لا أقررته ولا ذكرته لأحد ولا أفتيت به ولا أعلم أنني حركت به شفتي إنما عندما جرى كلام من قبل من قال قلت يا عبد الله هذا منقول لكن هناك قول آخر وهو القول بالتحريم وظواهر النصوص تدل على هذا فالأخذ به أولى ولا داعي أن نخبر الناس عن الآخر هذا ما قلته إنما قلت كراهة تنزيه فهذا باطل فكأنه قال فلان قال فاتصل بي ذاك وقلت سمعت مني قال لا قلت سمعت من الذي جرى الكلام بيني وبينه وكان الأصل أنه في مجلس خاص وقلت القولان منصوصان حتى في فتح الباري فلنأخذ بقول التحريم وظواهر النصوص تدل عليه قال نقل لي فلان قلت يا عبد الله كفا بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع نقل ذاك ونقل لك كلام خاص قيل بين اثنين من أين اطلعتم عليه إلا إذا كان عندكم أجهزة رصد وهذا الزمان أمر عجيب يحار فيه الإنسان أمر ثاني أنت قلت غير متثبت يا عبد الله لم تنشر هذه الأحكام وهذا التشويش بين عباد الرحمن وهذا يقع بكثرة –والمجالس بالأمانة. فأثرت أن أختم هذا المجلس بهذه القضية ونتبنى القول بالتحريم وظواهر النصوص تؤيده وهو أحد قولين في المسألة والأخذ به أولى وأبرأ للذمة والعلم عن الله جل وعلا. الأحاديث الواردة في جامع الأصول 10/634.

في المسند وأبي داود والنسائي في الكبرى والموطأ – والطيالسي والحميدي في مسنده والبيهقي في السنن. عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه قال سألت أبا سعيد الخدري عن الإزار فقال على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين وما كان أسفل من ذلك فهو في النار ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه يوم القيامة. هذا الحديث مروي بهذه الرواية عن عدة من الصحابة. رواه النسائي في الكبرى عن أبي هريرة. وابن عمر- مع رواية أبي سعيد. رواه في المسند والبيهقي في الشعب والضياء – عن أنس بن مالك. والطبراني في الأوسط وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ولفظ رواية أنس. الإزار إلى نصف الساق فلما رأى شدة ذلك على المسلمين قال إلى الكعبين لا خير فيما هو أسفل من ذلك الإزار إلى نصف الساق اشتد ذلك على بعض المسلمين يحتاج أحدهم إلى إطالته من أجل برد أو شيء من الآفة خموشة أو غير ذلك فيريد أن يطيل بحيث يصل إلى الكعبين لما اشتد ذلك قال إلى الكعبين لا خير فيما كان هو أسفل من ذلك رواية خامسة له عن عبد الله بن مغفل عن الطبراني في الكبير كما في المجمع 5/126 والفتح 10/257 خمس روايات إزرة المؤمن إلى نصف الساق ثم لا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين وما نزل عن ذلك فهو في النار. حديث آخر: من رواية سيدنا حذيفة رضي الله عنه وأرضاه: قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقي أو قال ساقه فقال: هذا موضع الإزار فإن أبيت فأسفل فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين وفي رواية لا حق للكعبين في الإزار – إذا أردت أن تنزل الإزار فأسفل بحيث لا يزيد عن الكعبين وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند وهو في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود والترمذي في الشمائل والطيالسي في مسنده.

رواية أخرى: عند البخاري والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أسفل الكعبين من الإزار في النار – وروى في المسند بسند رجاله ثقات عن أمنا الصديقة عائشة رضي الله عنها وأرضاها ترتيب المسند 17/294. رواية أخرى: في المسند وصحيح مسلم وأبي يعلى، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال يا عبد الله ارفع إزارك فرفعته ثم قال زد فزدت فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم إلى أين قال إلى أنصاف الساقين. حديث آخر: في المسند والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن إزاري يسترخي أحيانا يسترخي إلا أني أتعاهده فقال له عليه الصلاة والسلام إنك لست ممن يفعله خيلاء. حديث آخر: روى الإمام أحمد والسنن الأربعة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة رضي الله عنها فكيف النساء بذيولهن قال يرخين شبرا قالت إذا تنكشف أقدامهن قال يرخين ذراعاً لا يزدن. فهمت من الجر أنه مذموم مطلقا سواء من الرجال أو النساء خيلاء أو لا وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفهم وإلا سيستوي الرجل مع المرأة إذا كان الجر من غير خيلاء لا حرج فيه. وحديث أمنا أم سلمة رضي الله عنها مباشرة بدون واسطة ابن عمر رضي الله عنها في الموطأ وسنن أبي داود والنسائي قالت حين ذكر الإزار فالمرأة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ترخيه شبرا قالت إذا تنكشف أقدامهن قال يرخين ذراعاً لا يزدن عليه.

حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنه. رواه النسائي وإسناده صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا ينظر إلى مسبل وعند النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن المغيرة بن شعبة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ برداء سفيان بن سهيل فقال يا سفيان لا تسبل فإن الله لا يحب المسبلين. وكما ترون الأحاديث في ذلك مطلقة وما قيدت بشيء. وروى أبو داود في سننه – والطيالسي في مسنده والبيهقي مرفوعا وموقوفا وكلا الروايتين صحيحة ثابتة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام وعلى الرواية الموقوفة ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي قاله في الفتح فله إذا حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ليس من الله في حل ولا حرام وهذا يحتمل عدة أمور أظهرها وأوجهها أن هذا لا يؤمن بتحريم ولا بتحليل من قبل رب العالمين وعليه معنى الحديث لا يؤمن بالله وهذا أعظم ما يقال في الزجر والنهر ليس من الله في حل ولا حرام. المعنى الثاني: ليس في حل مما فعل وما أحل الله له الإسبال وليس له عند الله احترام ومكانة ومنزلة. والمعنى الثالث: لا يحله الجنة ولا يسكنه إياها ولا يحرم عليه النار. قال البيهقي عقيب هذا الحديث في الأحاديث الثابتة المطلقة في النهي عن جر الإزار دليل على كراهيته في الصلاة وغيرها.

روى أبو داود والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه والإمام أحمد والبيهقي عن بعض الأصحاب وفيه أبو جعفر المدني ورد في نعته أنه المؤذن قال الإمام المنذري إن كان هو محمد بن علي الإمام الباقر فالحديث منقطع وإلا فلا أعرفه وليس هو بالإمام الباقر لأنه نعت مدني مؤذن وما كان الإمام الباقر يؤذن رضي الله عنه وأرضاه وهذا روى له البخاري في الأدب المفرد وأهل السنن الأربعة وقال في التقريب مقبول –يقبل حديثه عند المتابعة ووجود شواهد له والإمام النووي في رياض الصالحين وهم فظن أن هذا الراوي محمد بن علي فقال صحيح على شرط مسلم على أنه من رجال مسلم وليس كذلك هو أبو جعفر المدني وليس بالباقر والمنذري عبارته أدق إن كان الباقر فالإسناد فيه انقطاع وإلا فلا أعرفه والإمام النووي يقول على شرط مسلم انظر الترغيب 3/92 ولفظ الحديث عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وبعض الصحابة. قال: بينما رجل يصلي مسبلا إزاره رآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذهب فتوضأ فتوضأ ثم جاء وصلى على حالته قال إذهب فتوضأ ثم لما جاء تفطن لنفسه وعلم أن إزاره فيه إسبال فشمره ورفعه فصلى فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم قلت له إذهب فتوضأ ثم سكت عنه فقال كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة عبد مسبل إزاره قال في المجمع 5/525 رجاله رجال الصحيح كما فهم الإمام النووي والأمر ليس كذلك.

قد يقول قائل لما أمره بالوضوء، الإسبال يورث الخيلاء والكبر وهو من صفات الشيطان والشيطان خلق من النار وتطفئ بالماء فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتوضأ لتلين طبيعته وليتذلل لربه فلما ما حصل هذا في المرة الأولى قال إذهب فتوضأ فذهب وتوضأ حصلت الليونة في المرة الثانية. والمؤمن خلق من طين ولذلك في الشتاء يرق قلبه وهكذا عندما يتوضأ يلين يستكين بذور الإيمان تقوى هو انتبه لنفسه وما أخبره نبينا عليه الصلاة والسلام عن إزاره لكن لما سأل قال كان يصلي وقد أسبل إزاره ولا يقبل الله صلاة عبد مسبل إزاره وقعت حوادث كثيرة في زمن الصحابة من أناس أسبلوا أزرهم ونجزم يقينا ما فعلوه خيلاء لكن هذا في القلب ونهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن الإسبال كيفما كان فهو مذموم محرم وقصدت الخيلاء يزداد الإثم لم تقصد لازلت آثما. ثبت في المسند والطبراني في الكبير رجاله رجال الصحيح المجمع 5/ 223. عن خريم بن فاتك والحديث رواه البخاري في التاريخ وأبن قانع والضياء في الأحاديث وابن منده في تراجم الصحابة أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال لخريم بن فانك لولا خصلتان لكنت أنت الرجل _ لولا خصلتان فيك لكنت نعم الفتى قال ما هما يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال توفيرك شعرك وإسبالك إزارك فجز شعره حتى بلغ أذنيه وقصر إزاره بعد ذلك. والرجل لا ينبغي أن يطيل شعره حتى يصل إلى ظهره هذا من خلق النساء ولا ينزل الشعر عن الكتفين.

في المسند بسند رجاله ثقات المجمع 5/124 عن عمرو الأنصاري قال بينما هو يمشي لحقه النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ بناصية رأسه ثم قال أمامه اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك فقال يا رسول الله إني أحمش الساقين فقال نبينا عليه الصلاة والسلام وقد أحسن الله كل شيء خلقه ثم ضرب النبي عليه الصلاة والسلام بأربع أصابع من أكفه اليمنى تحت ركبة عمرو وقال هذا موضع الإزار ثم رفعها ثم ضرب بأربع أصابع أخرى تحت الأربع الأول قال هذا موضع الإزار ثم رفعها الثالثة ووضعها ثالثة تحت الثانية وقال هذا موضع الإزار لا زالت مرتفعة عن الكعبين وقال لا تزد على هذا وهذا الحديث رواه الطبراني بسند رجاله ثقات عن أبي أمامه رضي الله عنه فقال لحقني عمرو بن زرارة وذكر أن القصة معه وتقدم أنها كانت مع عمرو الأنصاري وروى الإمام أحمد في المسند والطبراني في الكبير– ورواية المسند إسنادها صحيح عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره فقال إرفع إزارك اتقي الله فقال يا رسول الله إني أحنف تصطك ركبتاي –والحنف احتداب وتقوس بحيث تميلان إلى الداخل – قال إرفع إزارك فكل خلق الله حسن فرفع إزاره بعد ذلك إلى أنصاف ساقيه. هذا يدل على الإسبال بجميع الصور والأشكال ممنوع منه فإن قصد الكبر والخيلاء فهذا القصد محرم دون الإسبال وازداد البلاء بالإسبال في الفتح 10/263 قال الإمام الشافعي لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء ولغيرها خفيف لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لست ممن يفعله خيلاء قال الحافظ قوله خفيف ليس صريحا في نفي التحريم بل هو محمول على أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء فيختلف الحال فإن كان الثوب على قدر لابسه لكنه يسدله فهذا لا يظن فيه تحريم لا سيما إن كان على غير قصد كالذي وقع لسيدنا أبي بكر- ثم بين الحافظ أن المنع من الإسبال مطلقاً قد يتجه ويتقوى بعدة أمور

أولها: في ذلك إسراف والله لا يحب المسرفين وقرر هذا بأدلة وبسط الكلام في ذلك الى10/264. الثاني: فيه تشبه بالنساء فهذا من خصوصياتهن أن يرخى الإنسان إزاره بحيث ينزل عن الكعبين ترخيه شبرا إلى شبرين إلى ذراع. الثالث: قد يتعلق من يمنع أنه من أجل صيانة الثوب عن النجاسة فلا تخلوا الأرض من نجاسة. الرابع: أن الجر مظنة الخيلاء أهـ من الفتح. الخامس: قلت يكفي أنه لا يتبع في ذلك خاتم الأنبياء وربنا سبحانه وتعالى حذر من ذلك ومنع منه. والحافظ ابن حجر 10/255 نقل أثر ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يكره جر الإزار قال: يريد إن انجر إزاره بغير اختياره مع ذلك يكره هذا ثم تمادى على ذلك.

أما لو قصد هذا فهو أشنع وأخبث. قال ولم يتداركه وهذا متفق عليه وإن اختلفوا هل الكراهه فيه للتحريم أو للتنزيه ثم ختم المسألة بقول الإمام ابن العربي: الإسبال يستلزم جر الإزار وهو يستلزم الخيلاء ولو لم يقصد الخيلاء وهذا موجود في العارضة 7/238 يقول في العارضة: لا يجوز لرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول لا أتكبر فيه لأن النهي تناوله لفظا ولم يتناول علته ولا يجوز أن يتناول اللفظ حكما فيقال إني لست ممن يمتثله لأن العلة ليست فيَّ فإنه مخالفة للشريعة ودعوى لا تسلم له بل من تكبره يطيل ثوبه وإزاره فكذبه معلوم في ذلك قطعاً ونظير هذا في السير 3/233 ترجمه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين يقول: عن هلال ابن خباب عن قزعة رأيت على ابن عمر ثياباً خشنة فقلت له إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان وتقر عيناي أن أراه عليك " أهدى له ثوبا " فقال أرنيه فلمسه قال: أحرير هذا قلت لا إنه من قطن قال إني أخاف أن ألبسه أخاف أن أكون مختالاً فخورا وهذا في الحلية 1/302 قلت (الذهبي) كل لباس أوجد في المرء خيلاءاً وفخراً فتركه متعين ولو كان من غير ذهب ولا حرير فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية الصوف (ثوب واسع طويل الأكمام) بفروق أثمان أربعمائة درهم ونحوها. والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر فإن نصحته برفق كابر وقال ما في خيلاء ولا فخراً.

وهذا السيد ابن عمر يخاف ذلك على نفسه وكذلك ترى الفقيه المترف إذا لين في تفصيل فرجية تحت كعبيه وقيل له قد قال النبي صلى الله عليه وسلم " ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار " فيقول إنما قال هذا فيمن جر خيلاء وأنا لا أفعله خيلاءاً. فتراه يكابر ويبرأ نفسه الحمقاء ويعمد إلى نص مستقل عام فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء ويترخص بقول الصديق رضي الله عنه إنه يا رسول الله يسترخي إزاري فقال صلى الله عليه وسلم لست ممن يفعله خيلاء. فقلنا أبو بكر لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولا بل كان يشده فوق الكعبين ثم فيما بعد يسترخي وقد قال رسول الله صلى الله علية وسلم "إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقه لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين" وتقدم من رواية خمسة من الصحابة ومثل هذا في النهي لمن فصل سراويل مفضية إلى الكعبين ومنه طول الأكمام زائدا لأن الإسبال في الإزار والقميص والعمامة وكل منهي عنه. قال وتطويل العذبة وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس.

روى أبو داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "الإسبال في ثلاثة في الإزار والقميص والعمامة. ومن جر منها شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" جامع الأصول 10/638 قال وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس وقد يعذر الواحد منهم بالجهل والعالم لا عذر له في تركه الإنكار على الجهلة فإن خلع على رئيس خلعة سيراء من ذهب وحرير وقندس يحرمه ما ورد في النهي عن جلود السباع ولبسها. النهي عن جلود السباع ولبسها الحديث صحيح في الأربعة إلا ابن ماجه. وفي المستدرك والبيهقي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع وفي رواية عن افتراشها من رواية أبي المليح ابن أسامة ابن الهذيل عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين وروى البيهقي من رواية المقدام ابن معديكرب أنه قال لمعاوية أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس جلود السباع وعن الركوب عليها قال نعم والحديث صحيح. إذا قال الشخص يسحبها ويختال فيها ويغضب ممن لا يهنيه بهذه المحرمات خلع عليه خلعة لأنه أخذ منصبا ووظيفة في الدولة لاسيما إن كانت خلعة وزارة وظلم ونظر مكس أو ولاية شرطة فليتهيأ للمقت والذل والإهانة والضرب وفي الآخرة أشد عذابا وتنكيلا.

ومن السلامة ألا تهنئ أحد في تدريس أو إفتاء أو أي منصب فأنت لئلا تشارك تجاهل قال الذهبي: فرضي الله عن ابن عمر وأبيه وأين مثل ابن عمر في دينه وورعه وتألهه وخوفه من رجل تعرض عليه الخلافة فيأبى والقضاء من عثمان فيرده والنيابة للشام لعلي فيهرب منه فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – هذا الكلام لا بد أن نعيه إذا كان في المسألة قولان واحد منهما أحوط ويشهد له الدليل ويحجز العامة عن معصية الله الجليل فالقول به متعين هذا حق وذاك كيفما كان حاله فهو حق لكن الأحقية هنا أحوط وأثبت وأقوى وفيها براءة للذمة وما أحد قال أن جر الإزار من غير خيلاء مباح ومن باب أولى ما قال أحد أنه مستحب ومن باب أولى ما قال أحد أنه واجب وأما التقصير فكلما قصرت فهو مستحب فإذا أنت عندما تمنعهم من الإسبال ما عصيت لا زلت تحافظ عليهم وعلى دينهم وعندما ترخصت هذا سيدعوهم فالإسبال من هذهة الخيلاء والحافظ ابن حجر ختم البحث بذلك قال الخيلاء تلازم الإسبال وكونه يسبل ويقول أنا لا أختال لا يصدق وقد واحد من ملايين يكون فيه هذا الأمر والخشية من الله عز وجل ولكن الكل يسبل على أنها عادة كبر وأنه شيء محمود ينبغي أن يفعله وتراه يمتهن من يقصر الثوب فهذه بلية والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.

حياة الأنبياء في البرزخ

حياة الأنبياء في البرزخ (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم حياة الأنبياء في البرزخ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. تقدم معنا أن أسباب سوء الخاتمة كثيرة متعددة، نسأل الله تعالى حسن الخاتمة بفضله ورحمته، وقلت إن هذه الأسباب مع كثرتها وتعددها يمكن أن ترجع إلى سببين اثنين.

أولها: الأمن على الإيمان من الذهاب والفقدان، فمن أمن على إيمانه أن يسلبه سلبه عند موته، والسبب الثاني: من أسباب سوء الخاتمة اغترار الإنسان بحالته الحاضرة والغفلة عما فيه من بليات مهلكة مدمرة والعجب بما يصدر عنه من طاعات ناقصة قاصرة، والبليات التي في الإنسان وتوجب له سوء الخاتمة عند فراق هذه الدار كثيرة يمكن أن تجمل في ثلاث بلايا. 1- البلية الأولى النفاق. 2- والبلية الثانية البدعة. 3- والبلية الثالثة الركون إلى الدنيا. وقد تقدم معنا ما يتلعق بالنفاق وما قبله وشرعنا إخوتي الكرام في مدارسة ما يتعلق بالبدعة وقلت سنتدارسها ضمن ثلاث مراحل. 1 – المرحلة الأولى في تعريف البدعة. 2- المرحلة الثانية في النصوص المنفرة المحذرة من البدعة. 3- والمرحلة الثالثة في أقسام البدعة. ولازلنا نتدارس المبحث الأول من هذه المباحث الثلاثة في تعريف البدعة، وقد مضى معنا تعريف البدعة فقلت إن البدعة هي الحدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان إذا لم تشهد لذلك نصوص الشرع الحسان، مع زعم المحدث لم أحدثه بأنه يتقرب به إلى الرحمن، هذا هو حد البدعة ورسمها، وعند هذا الحد والتعريف والضابط تعرضت لأمر ينبغي أن نعيه دائماَ لا سيما في هذا الوقت، ألا وهو انحراف كثير من الناس، وفريق أيضاً قصروا وفرطوا وقالوا لا بدعة في الدين، فابتدعوا في الشرح ما لم يأذن به رب العالمين.

وكل من الفريقين على ضلال، ودين الله بين الغالي والجافي ولا إفراط ولا تفريط، وكنا نناقش بعض ما زعمه بعض الناس من أنه بدعة ولا ينطبق عليه مفهوم البدعة وحدها ورسمها، وقلت مراراً إخوتي الكرام كل ما احتمله الدليل وقال به إمامٌ جليلٌ فلا يجوز أن نحكم عليه بأنه بدعة في شرع اللطيف الخبير، وضربت لذلك أمثلة، وقلت إن أهل الشطط في هذه الأيام وسَّعوا مفهوم البدعة فما احتمله الدليل وقال به إمامٌ جليل قالوا إنه بدعة بل ما صرح به الدليل وما راق لعقلهم الهزيل قالوا إنه بدعة، وضربت لذلك أمثلة إخوتي الكرام فيما مر. وكنا نتدارس قضية من القضايا حكم عليها بالبدعة، سأكملها في هذه الموعظة. تقدم معنا إخوتي الكرام ما يتعلق بقراءة القرآن على القبور وما يتعلق بتلقين الميت، وما يتعلق بالقضية الثالثة ألا وهي أن الموتى يحسّون بما يجري حولهم ويعلمون ويشعرون بمن يزورهم ويسمعون ما يقال حولهم وعندهم، وتعرض عليهم أعمال قرابائهم بعدهم، ويتزاورون فيما بينهم. تقدم معنا تقرير هذا بأدلته وفصلت الأدلة على ذلك وأجملها في هذه الموعظة مختصرة، فقلت صرح نبينا - صلى الله عليه وسلم - بذلك كما تقدمت معنا الأحاديث وأذن فما بزيارة القبور، ولا يمكن أن نزور جماداً لا يعي ولا يسمع ولا يشعر ولا يحس، وقد صرح النبي عليه الصلاة والسلام بأن الميت يعرف من زاره ويرد عليه سلامه. والأمر الثالث: قلت ما شرع لنا من سلام نقوله على الأموات هذا يكون في حال مخاطبة من يعقل ويسمع ويدرك ويشعر، ويتنزه الشرع الحكيم أن نخاطب جماداً بهذا الألفاظ، السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين. هذه القضية إخوتي الكرام كما تقدمت معنا دلت عليها النصوص الشرعية، ووجد في هذا العصر من يقول: (إن القول بأن الموتى يسمعون ويشعرون ويحسون ويعلمون بمن زارهم " بدعة وتحريف " سبحان ربي العظيم،

إخوتي الكرام: إن المؤمنين بعد موتهم في حياة برزخية، والحياة البرزخية لا يعلم كنهها وكيفيتها إلا رب البرية، نعم نحن نثبت ما أثبتته النصوص الشرعية وردت به الآثار السلفيلة، ونفوض العلم بالكيفية إلى رب البرية جل وعلا. وتقدم معنا أن الآثار دلت على ما تقدم فينبغي أن نقول بذلك، فهذا من باب الإيمان بالغيب، وإدخال العقل في مسائل الغيب من أشنع العيب، وإن هذا تطاول على الرب جل وعلا، فإذا أخبرنا من لا ينطق عن الهوى نبينا فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا - صلى الله عليه وسلم - إذا أخبرنا بهذه القضية وأن الأموات يسمعون ويشعرون بمن يزورهم ويردِّدون عليه السلام فلا كلام لمتكلم بعد كلام نبينا عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام: وهذا الأمر إذا ثبت للمؤمنين فهو ثابت عن طريق أكمل والحياة الأفضل للنبيين ولنبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - من ذلك قسط عظيم، يتناسب بمقامه عند رب العالمين. وسنتداري في هذه الموعظة أمرين اثنين يتعلقان بهذا المبحث. الأمر الأول: فيما يتعلق بأحوال أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام في البرزخ وفي أن ما ثبت للمؤمنين يثبت لهم عن طريق الأكمل والحياة الأفضل، ثم أختم هذه الموعظة بدفع إشكال تعلق به أهل الفهم المعكوس وأكثروا بفهمهم المعكوس من الشغب حول ما ثبت من النصوص.

إخوتي الكرام: أما ما يتعلق بالقضية الأولى، فإذا كان المؤمنون كما تقدم معنا يحسُّون في حياتهم البرزخية ويشعرون بمن زارهم ويسمعون الكلام الذي يقال عندهم، وتعرض عليهم أعمال قرابائهم بعدهم، ويتزاورون فيما بينهم فإن هذا ثابت عن طريق الأكمل والأفضل والأثم والأحسن لأنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه، وقد خصهم الله تعالى بخصائص كثيرة في الحياة البرزخية كما خصهم في الحياة الدنيوية، فمن ذلك أن أبدانهم الشريفة الطاهرة الطيبة المباركة لا تفنى ولا يمكن لأرضٍ أن تأكل بدن نبي، وأما من عداهم فالأصل أن تأكل أبدانهم، وإذا أراد الله أن يكرم ولياً من أوليائه وصالحات عباده بعدم تسليط الأرض على بدنه فهو على شيءٍ قدير، أما الأنبياء، فالأرض لا تأكل أبدانهم باتفاق. وقد ثبت هذا عن من لا ينطق عن الهوى عن نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة إلا سنن الترمذي والحديث رواه ابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وإسناده صحيحٌ كالشمس، صححه شيخ الإسلام الإمام النووي وهكذا الإمام المنذري والسيوطي وغيرهم من أئمة المسلمين الجهابذة المحدثين ولفظ الحديث عن أوس بن أوس قال سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: [إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، وفيه تقوم الساعة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه.. على نبينا صلوات الله وسلامه.. فإن صلاتكم معروضة عليَّ، قالوا وكيف تعرض عليك صلواتنا يا رسول الله وقد أرمت؟] أي بليت وتفتتت عظامك وبلي جسدك الشريف، وقد أرمَّت: أي أرمَّت عظامك وبليت، وقد أرمَّت أي منك العظام وتفتتت، [قال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء] .

وقد تقد معنا إخوتي الكرام ما يتعلق بهذا الحديث من قصة وقعت في القرن السادس الهجري مع ليث الملوك وتقيهم العبد الصالح نور الدين الشهيد محمود زنكي المتوفي 569هـ، تقدم معنا قصة طريقة ضمن مباحث النبوة، خلاصتها أنه عند ما جاء ما بعض النصارى واستوطنوا المدينة المنورة وأظهروا الإسلام وهم يبطنون الكفر ثم بدؤوا بعد ذلك يحفرون من مكان قريب من جوار مسجد نبينا الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ليصلوا من تحت الأرض في سرداب إلى بدنه الطاهر المبارك فظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرؤيا لهذا الملك العادل الصالح تقي الملوك وليثهم نور الدين الشهيد وقال له يا محمود أنقذني خلّصني من هذين ويشير إلى رجلين بعلامات عرفها هذا العبد الصالح، وكان أميراً في بلاد الشام، ورأى هذه الرؤيا ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول أنقذني ثم نام وهو فزع لا يعلم المراد فرأى النبي عليه الصلاة والسلام ثانية ويقول خلصني من هذين ثم نام الثالثة وهو فزع ولا يعلم المراد فرأى النبي عليه الصلاة والسلام يقول خلصني من هذين، فجمع الشيوخ في وسط الليل وما طلع الفجر، وعرض عليهم ما رآه وقالوا: طرأ طارئ في المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه فينبغي أن تركب لتتحقق من الخبر، فما طلع الفجر ولا أذن الصبح، فركب خيله وسار الجيش معه حتى وصل إلى المدينة المنورة، وأمر بأن يحضر جميع أهل المدينة للقائه، فلم ير الصفة التي رآها في النوم في الرجلين اللذين يطلب نبينا - صلى الله عليه وسلم - من هذا الأمير الصالح أن يخلصه منها، فقال: هل بقي من أحد: قالوا: رجلان مجاوران فقيران مسكينان، قالوا: عليَّ بهما، فلما دخلا أشار إلى صاحبه، فقبض عليهما، ثم حقق معهما، وقد استأجرا داراً قرب مسجد نبينا عليه الصلاة والسلام، ويحفران من الداخل وينقلان التراب في الليل إلى البقيع، ليصلا إلى جسد نبينا الحبيب الشفيع عليه صلوات الله وسلامه، فضرب رقابهما وكرَّ

راجعاً إلى بلاد الشام، رحمة الله ورضوانه عليه، [إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء] . نعم إخوتي الكرام الأرض لا تأكل أبدانهم وخصَّهم الله بخصائص في عالم البرزخ، فهم يصلون في قبورهم ويعبدون ربهم سبحانه وتعالى، لأن أعظم نعيم يتنعم به الإنسان في كل حين ذكر رب العالمين، ولذلك يعطي الله أنبياءه التلذذ بذكره في عالم البرزخ كم يعطي ذلك من شاء وأحب من عباده، وأما من دخل الجنة فيتلذذون بذكر الله بعدد أنفاسهم، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس، فهذه أعظم لذة يتلذذ بها المتلذذون ذكر الحي القيوم، {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ، فقرة العين تكون عند مناجاة رب الكوْنين، فكيف يحرم الله أنبياءه منها؟. وقد ثبت هذا في عن نبينا عليه الصلاة والسلام ففي مسند أبي يعلى والبزار وقال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في المجمع، إسناد الحديث رجاله ثقات، والحديث رواه البيهقي في كتاب حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ورواه ابن عدي وابن عساكر والإمام أبو نعيم في تاريخ أصبهان ورواه ابن مندة، وإسناد الحديث صحيح كالشمس، من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون] . نعم كيف يحرمون هذه اللذة التي يناجون بها الحي القيوم، وفي حديث الإسرار الثابت في مسند أحمد وصحيح مسلم وسنن النسائي ورواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه فهو في صحيح مسلم من رواية أنس بن مالك أيضاً عن النبي قال: [مررت ليلة أسري بي بموسى وهو قائمٌ يصلي في قبره] على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، فأبدانهم لا تأكلها الأرض، وهم أحياء بين يدي الله تعالى، يصلون له ويعبدونه ويتلذذون بعبادته في عالم البرزخ، كما كانوا يتلذذون بعبادته في عالم الحياة الدنيا.

إخوتي الكرام: وهذا الذي يحصل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد كرم الله به بعض أوليائه وهو الفعال لما يشاء، قد أكرم الله كثيراً من الصالحين في هذه الأمة بهذا فكانوا يصلون في قبورهم وتسمع قراءة القرآن من قبورهم إذا مر الإنسان بجوارهم ثبت في كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل، والأثر رواه ابن سعد في الطبقات وابن أبي شيبة في مصنفه، والأثر رواه أبو نعيم في الحلية أيضاً ورواه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير في تهذيب الآثار والإمام الفسوي في المعرفة والتاريخ عن التابعي الجليل تلميذ أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه ألا وهو ثابت البناني من مفاتيح الخير ومن العلماء الربانيين وممن يستشفى بذكرهم وتتنوّر القلوب بطلعتهم ثابت بن أسلم البناني توفي سنة بضع وعشرين بعد المائة من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام قيل 123هـ وقيل 127هـ وأحاديثه في الكتب الستة، شيخ الإسلام ثابت بن أسلم البناني قال مرة لحميد الطويل: يا حميد أتعلم أن الله أعطى أحدا الصلاة في قبره غير الأنبياء والمرسلين؟ قال ما أعلم ما بلغني هذا، فقال ثابت بن أسلم (اللهم إني أسألك إن أعطيت أحداً من خلقك الصلاة في قبره أن تعطيني ذلك) وكان يدعو بذلك ويلهج به، فلما قبض ودفن بالبصرة ما مر أحدٌ بجوار قبره إلا سمع قراءة القرآن من قبر هذا العبد الصالح شيخ الإسلام ثابت ابن أسلم البناني.

وهذا الأمر إخوتي الكرام وقع في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام، وعرض عليه فأقره، فاستمعوا له، ثبت في سنن الترمذي والحديث رواه الإمام البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس رضي الله عنهما، والأمر اختلف حكم الترمذي عليه حسب اختلاف الطبعات التي بين أيدينا، ففي بعض الطبعات " حسنٌ غريب " وفي بعضها " غريب " وفيه يحيى بن عمرو النُكري وهو من رجال الترمذي فقط، وقد حكم عليه الحافظ ابن حجر بأنه ضعيف لكن الإمام النووي (1) (¬1) في دلائل النبوة بعد أن رواه وقال انفرد به يحيى بن عمرو النكري قال يشهد له أثر عبد الله ابن مسعود، وسأبين ما يشهد له من أثر عبد الله بن مسعود ومن غيره ما هو مرفوع إلى نبينا المحمود - صلى الله عليه وسلم - ولفظ الحديث في سنن الترمذي ودلائل النبوة للإمام البيهقي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (ضرب رجل خباءه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام على قبرٍ وهو لا يحسب لا يحسب أنه قبر، هو في سفر، فضرب خباءه: أي خيمته ليستريح، وإذا هذا الخباء قد نصب على قبر وهو لا يدري – من قبور الصحابة الذين كانوا يتوفون في بلاد المسلمين وأمصار المسلمين بين مكة والمدينة. يقول عبد الله ابن عباس فلما ضرب خباءه ونزل سمع قراءة قرآن من القبر، فأصغى وإذا بقارئ يقرأ سورة الملك {تبارك الذي بيده الملك ... } فحوَّل خباءه وأصغى واستمع له يقرأ سورة الملك بصوت واضح مفهوم، فلما ذهب إلى المدينة المنورة عرض هذا الصحابي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما حصل له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -[هي المانعة وهي المنجية تنجي من عذاب القبر] هي المانعة هي المنجية تنجيه (سورة الملك) من عذاب القبر. ¬

_ (¬1) - لعله البيهقي

والحديث كما قلت إخوتي الكرام فيه يحيى بن عمرو النكري لكن القسم المرفوع منه ثبت ما يشهد له مرفوعاً وموقوفاً ما له حكم الرفع في آثار كثيرة صحيحة ثابتة شهيرة منها ما ثبت في المسند والسنن الأربعة والحديث رواه ابن حبان والحاكم في المستدرك ورواه البيهقي في شعب الإيمان وابن الضريس في فضائل القرآن ورواه ابن مردويه في تفسيره وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجلٍ حتى غفر الله له، هي سورة الملك] وكما قلت الحديث صحيح، وثبت أيضاً مرفوعاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من رواية أخرى من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، روى ذلك الإمام الطبراني في معجمه الأوسط والصغير وإسناده صحيح كما قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في المجمع والحديث رواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة ورواه الإمام ابن مردويه في تفسيره، وهو حديث صحيح أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية خاصمت عن صاحبها حتى أدخله الله الجنة، هي سورة الملك] . فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرواية المتقدمة هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر، وهذا المعنى صحيح، ثابت عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - وأن سورة الملك لها هذه الخصيصة العظيمة الجليلة بأن من واظب على قراءتها لاسيما كما سيأتينا في كل ليلة وعمل بموجبها وفهم معناها تنجيه بفضل الله جل وعلا من عذاب القبر ويدفع عنه عذاب القبر بسببها. هذان الحديثين صحيحان مرفوعان إلى نبينا عليه الصلاة والسلام يشهدان لرواية عبد الله ابن عباس المتقدمة.

وكما قلت روي الأثر موقوفاً كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام الإمام البيهقي وروي الأثر موقوفاً عن عبد الله ابن مسعود في معجم الطبراني الكبير والأوسط وسنن النسائي وتفسير ابن مردوية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا نسميِّ سورة الملك على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام بالمانعة تمنع عذاب القبر، مَنْ قرأها في ليلة فقد أكثر وأطاب، هي المانعة تمنع عذاب القبر، والأثر بإسناده صحيح عن عبد الله بن مسعود، وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وثبت في معجم الطبراني الكبير ومستدرك الحاكم وشعب الإيمان للإمام البيهقي ودلائل النبوة له، وهو الأثر الذي ذكره بعد أثر عبد الله بن عباس وقال يشهد له، والأثر رواه ابن مردوية في تفسيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (يؤتى بالرجل في قبره من قبل رجليه: أي تأتي ملائكة العذاب لتباشر تعذيبه من قبل رجليه، فتأتي سورة الملك فتقول: إليكم عنه، فليس إليه سبيل فقد هاتان الرجلان تقومان عند قراءة سورة الملك عند قراءته في الليل، ثم تأتي الملائكة من قبل صدر هذا الإنسان المقبور، فيقال إليكم عنه فإنه كان يقرأ به: أي بصدره سورة الملك، فتأتي من قبل رأسه، وهكذا من سائر جوانبه، فيقال إليك عنه وليس لك إليه سبيل من هذه الجهة إنه كان يقرأ سورة الملك. قال عبد الله ابن مسعود، هي المانعة تمنع عذاب القبر، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطاب ... ) . إذاً هذه كرامة يمكن أن يكرم الله بها غير أنبيائه عليهم الصلاة والسلام فيكن لكثير من الصالحين أن يصلوا في قبورهم وأن يتلذذون بذكره جل وعلا.

إخوتي الكرام: وبالنسبة لسورة الملك يستحب للإنسان أن يقرأها في كل ليلة والذي أدركت عله الشيوخ الصالحين أنهم يوصون تلاميذهم وأصحابهم بقراءتها في كل ليلة وهذا كما قلت مأثورٌ عن الصحابة الكرام، وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، سورة الملك شيخ الإسلام الإمام ابن رجب الحنبلي في كتاب أهوال القبور صـ 68 (إن الله جل وعلا قد يكرم في البرزخ بعض عباده وأحبابه وأوليائه بالصلاة وقراءة القرآن وليس هذا من باب العبادة التي يثاب عليها الإنسان فالثواب قد انقطع لهذا الإنسان بواسطة عمله لأن عمله انقطع في دار التكليف، فهذا نعيم كما أنه يجعل قبورهم من رياض الجنة يتلذذون حتى يبعثون، أيضاً يجعلهم يتنعمون بالصلاة وبذكر الله جل وعلا حتى يلاقوا ربهم، فهذا من باب النعيم، لا من باب العبادة التي يقومون بها ويثابون عليها كما هو الحال في الحياة الدنيا) . هذا كما قلت إخوتي الكرام يذكره شيخ الإسلام الإمام ابن رجب الحنبلي توفي سنة 795هـ، هو من تلاميذ الإمام ابن القيم رحمه الله. إذاً الأنبياء على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه لا تأكل الأرض أبدانهم وهم أحياء في قبورهم يصلون ويعبدون الحي القيوم. نعم إخوتي الكرام: وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن سلامنا وصلاتنا عليه - صلى الله عليه وسلم - تبلغانه، يبلغه سلامنا وصلاتنا، ويرد علينا أينما صلينا عليه وسلمنا عليه صلوات الله وسلامه، والأحاديث في ذلك صحيحة كثيرة متواترة أقتصر على ثلاث منها.

ثبت في المسند وسنن أبي داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [لا تجعلوا بيوتكم قبوراً] : أي لا يقبر الإنسان في البيت الذي يسكن فيه فهذا منهي عنه، يقبر في المقبرة، ومن خصائص الأنبياء أنهم يُقبرون حيث يموتون، ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً معطلة من العبادة وقراءة القرآن، فأكثروا فيها من قراءة القرآن لئلا يكون حالكم فيها كحال الأموات الذين انقطعت أعمالهم، [لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا عليَّ حيث كنتم فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم] وهذه الصلاة إذا بلغت نبينا خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه فهو يردَّ عليها ويسلم علينا، كما أننا إذا سلمنا على الأموات يردِّدون علينا السلام فنبينا عليه الصلاة والسلام يسمعنا من باب أولى ويردَّ من بابٍ أولى. ثبت هذا في المسند أيضاً وسنن أبي داود والسنن الكبرى للإمام البيهقي وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [ما من أحدٍ من أمتي يسلم عليَّ إلا بلغتني صلاته ورددت عليه] والحديث كما قلت أيضاً إسناده صحيح، وروى الإمام الطبراني في معجمه الأوسط بسندٍ لا بأس به كما قال شيخ الإسلام الإمام المنذري في الترغيب والترهيب من رواية أنسٍ ابن مالكٍ رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من صلى عليَّ بلغتني صلاته وصلَّيت عليه وكتب الله له عشر حسنات سوى ذلك] . إذاً أيضاً هذا يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعرف من يسلم ويصلي عليه - صلى الله عليه وسلم - ويرد عليه السلام والصلاة.

نعم إخوتي الكرام وهكذا تُعرض أعمالنا على نبينا عليه الصلاة والسلام في كل يوم مرتين في الغداة والعشيِّ وتعرض الأمة على إمامها نبينا عليه الصلاة والسلام فإذا عرضت هذه الأمة وأعمالها على النبي - صلى الله عليه وسلم - في عالم البرزخ ورأى خيراً منهم حمد الله، وإن رأى سوءاً وشراً استغفر الله لهم. نعم إن بركة نبينا - صلى الله عليه وسلم - دائمة متصلة لا تنقطع لا في حياته ولا بعد موته - صلى الله عليه وسلم - وقد ثبت في مسند البزار عن عبد الله ابن مسعود والحديث صححه حفاظ جهابذة منهم: - الإمام الهيثمي - شيخ الإسلام زين الدين العراقي - ولي الدين العراقي - الإمام السيوطي - الإمام الزرقافي - الإمام الزبيدي وهو حديث صحيحٌ صحيح عن نبينا عليه صلوات الله وعليه سلامه، أنه قال: [حياتي خيركم تحدثون ويحدث لكم] ، أي تسألون وينزل الوحي بالجواب وتقع لكم حوادث ومسائل وينزل الوحي ببيان حكم الله فيها، [تُحدِثون ويُحدَثُ لكم ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم فما رأيت من خيرٍ حمدتُ الله وما رأيت من شرٍ استغفرت الله لكم] . والحديث إخوتي الكرام رُوي عن أنسٍ أيضاً في مسند الحارث بن أبي أسامة ورواه ابن عدي عن أنسٍ لكن بإسناد ضعيف ن وروي عن بكر بن عبد الله المزني وهو من التابعين الكرام توفي سنة 106هـ شيخ الإسلام ثقة ثبت رضى حديثه في الكتب الستة، عن بكر بن عبد الله المزني بسندٍ صحيح على شرط الشيخين، في كتاب طبقات الإمام ابن سعد وفي كتاب القاضي إسماعيل في فضل الصلاة على نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام، فالحديث صحيح وفيه: أن أعمال هذه الأمة تعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن رأى خيراً حمد الله عليه وإن رأى شراً استغفر الله لأمته. وقد بوَّب أئمتنا على هذا الحديث أبواباً لطيفة دقيقة ظريفة تطير القلوب فرحاً بعناوينها.

فهذا شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في مجمع الزوئد يبوب على الحديث فيقول (باب ما يحصل لأمته من استغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم لها لأمته بعد موته) . وبوَّب عليه في كتاب كشف الأستار عن زوائد الإمام البزار، قال: (باب ما يحصل للأمة بسبب النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته وموته) ، وبوَّب عليه الإمام الحافظ ابن حجر في كتاب المطالب العالية فقال: (باب بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - حياً وميتاً) . نعم إخوتي الكرام، تعرض أعمالنا على نبينا عليه الصلاة والسلام فإن رأى خيراً حمد الله وإن رأى غير ذلك استغفر الله لهذه الأمة المباركة المرحومة، فهو بنا رؤوفٌ رحيم وهذه الأمة كما تعرض أعمالها، تعرض هي أيضاً على نبينا بالغداة والعشي، فانظر يا عبد الله على أي حال ستعرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. روى شيخ الإسلام الإمام ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق من زيادات نعيم بن حماد على روايات المروزي عن شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك رضي الله عنهم أجمعين، وانظروا الأثر في صفحة 46 كما قلت من رواية نعيم في زياداته في روايات كتاب الزهد لشيخ الإسلام ابن المبارك عن سعيد بن المسيب وهو من أئمة التابعين قال: ليس يوم إلا ويعرض على نبينا - صلى الله عليه وسلم - أمته بالغداة والعشيِّ ليشهد عليهم لأن الله يقول: {فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً، يومئذٍ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا} . فليشهد نبينا - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأمة تعرض هذه الأمة على نبيها في كل يوم، في أول النهار وفي آخره، بالغداة والعشي، تعرض مرتين على نبينا عليه الصلاة والسلام وأعمالها تعرض عليه، فما رأى من خيرٍ حمد الله عليه، وما رأى من شرٍ استغفر الله لهذه الأمة ما وقعت فيه. والحديث كما قلت إخوتي الكرام حديث صحيح (¬1) . ¬

_ (¬1) - بيدوا أن هناك خرماً وترقيقاً

لا ثم لا، فالعبادة لا تكون إلا لرب النبي عليه الصلاة والسلام ولرب الخلق أجمعين فله الخلق والأمر وله العبادة وحده لا شريك له، سبحانه وتعالى ونحن لا نتكلم في دين الله عن طريق آرائنا وأهوائنا، إنما أمر تكرم الله به علينا، وأخبرنا أننا إذا لم نلق نبينا عليه الصلاة والسلام فلم نحرم بركته فلنحمد الله على ذلك، إذا أكرم الله الصحابة الكرام برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - واستغفار النبي لهم حياً، لا يعني هذا أن الصحابة كانوا يعبدون الني عليه الصلاة والسلام، فنحن إذ حرمنا إحدى الأمرين، حَرَمَنا الله وله الحكمة البالغة، من اكتحال أعيينا برؤية خير الخلق نبينا عليه الصلاة والسلام، أنُحْرَمُ الفائدة الثانية، فلا يستغفر لنا النبي عليه الصلاة والسلام ولا نعرض عليه في عالم البرزخ وليس بيننا وبينه لقاء ولا اتصال؟ لا ثم لا، هو مبارك وبركة على هذه الأمة حياً وميتاً، وهو الذي أُرْسِلَ رحمةً للعالمين فكيف تُحرم أمته بركته بعد موته عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث كما قلت إخوتي الكرام إنه حديث صحيح وقد وصل الشطط بعض المتنطعين في هذا الحديث فقالوا: هذا حديث موضوع، والله إنه كلامٌ وضيع وما ينبغي أن يقال نحو حديث نبينا الحبيب الشفيع عليه الصلاة والسلام، حديث يثبت بسند على شرط الشيخين مرسلاً، ويثبت عن عبد الله بن مسعود متصلاً، ويصححه جهابذة المحدثين، ويروى من طريق أنس رضي الله عنه بسندٍ ضعيف، ثم يتجرَّأ من يتجرَّأ في هذا الوقت فيقول: (هذا حديث موضوع) .

هذا كلام وضيع -كما قلت- وينبغي للإنسان أن يتقي ربه في كلامه، فكما أنه لا يجوز للإنسان أن يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام لا يجوز له أن يكذب كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز له أن يرد كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وأي محظور في معنى الحديث؟ وإذا كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لنا بعد موته، هل يلزم من ذلك أننا نعبده، وإذا كان يستغفر للصحابة في حال حياته هل يعني هذا أن الصحابة عبدوه من دون الله جل وعلا، لا ثم لا، إنما بشارة من ربنا، ومنحة من مولانا تكرم بها علينا وأظهر فضل نبينا عليه الصلاة والسلام فلنحمد الله على هذه النعمة الجليلة، اللهم إنا نسألك أن تعرضنا على نبيك عليه الصلاة والسلام في هذه الحياة بخير صورةٍ يا رب العالمين، كما نسألك أن تشفعه فينا يوم الدين، وأن تجمعنا معه في جنات النعيم إنك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام: هذا ما يتعلق بالأمر الأول في لمحة موجزة عن الحياة البرزخية التي تكون لأنبياء الله ورسله وهم خير البرية، على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه. وأما الأمر الثاني: دفع إشكال يثيره كثير من أهل اللغط والجدال في هذه الأيام ويقدمون فهمهم المعكوس على ما صرحت به النصوص ولا يعدمون بعد ذلك نصاً ظاهراً _ كما يقولون _ موهم، ثم بعد ذلك يتعلقون به ليقرروا قولهم، وليتهم فهموا تلك النصوص على حسب النصوص الواضحة الصريحة المحكمة، فإذا وجد في النصوص محكم ومتشابه ما يحتمل دلالة، وما يحتمل دلالتين، ينبغي أن نردَّ المتشابه إلى المحكم إذا كنا نؤمن بالله جل وعلا، وينبغي أن نفهم النصوص على ضوء بعضها لا أن يهمل النصوص الصحيحة الصريحة الدلالة، ثم لنأتي لنص عام ونقول: (هذا يدل على خلاف ما قلتم، وهذا النص يدل على أن الموتى لا يسمعون وأن الموتى لا يشعرون وأن الموتى لا يعلمون بما يجري حولهم ويدور) .

إخوتي الكرام: تعليق هؤلاء ببعض آيات القرآن الكريم، منها: قوله تعالى {فتوكل على الله إنك على الحق المبين * إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} (¬1) ونظيره قول الحي القيوم في سورة الروم مع زيادة حرف واحد في الآية: {فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} (¬2) . قال هؤلاء هاتان آيتان تدلان على أن الموتى لا يسمعون ولا يشعرون ولا يحسون ولا يدركون ولا يعلمون ولا يستبشرون بمن يزورهم ولا يسمعون الكلام الذي عندهم إنما هم بمنزلة الجماد، والآيتان تدلان على ذلك. وكما قلت إخوتي الكرام فهم أعجمي منكوس أرادوا بعد ذلك أن يردوا به ما صرحت به الأحاديث الصريحة والنصوص. هذه الآية لا تدل على أن الأموات لا يسمعون، لا ثم لا، وإيضاح هذا إخوتي الكرام هاتان الآيتان منحصر معناهما بمعنيين اثنين لا ثالث لهما، كما قرر أئمتنا الكرام في سائر كتب التفسير الحسان. المعنى الأول:- وهو الذي عليه جمهور المفسرين، والقول الثاني يؤول إليه، ولا تعارض بينهما، كما سأبين بعد حين.. المراد من الموتى هنا موتى القلوب الذي لم يتنزهوا من العيوب وغضب عليهم ولعنهم علام الغيوب، المراد من الموتى موتى القلوب لا موتى الأبدان، {إنك لا تسمع الموتى} : أي من قلبه خرب عشعش الشيطان فيه، {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} وهذا التفسير وهذا القول يقرره ويؤكده ويحتمه ثلاث أمور فانتبهوا إليها. أولها: قرينة في الآية. ثانيها: استقراء القرآن الكريم. ثالثها: الغرض الذي من أجله سيقت هذه الآية. ¬

_ (¬1) - النمل (79 –81) (¬2) - الروم (52 –53)

أما القرينة في الآية التي تحتم هذا المعنى وتوجبه وتمنع غيره.. أن الله جل وعلا في هذه الآية قابل الإسماع المنفيِّ {إنك لا تسمع الموتى} بإسماع مثبت، فقال جل وعلا {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} . إذاً عندنا إسماعان، أحدهما منفي والآخر مثبت، وأصحاب هذين الإسماعين متقابلان متضادان، كحال هذين الإسماعين، هنا إثبات السماع وهنا نفي السماع، هنا {إن تسمع إلا من يؤمن بآيتنا} وهنا {إنك لا تسمع الموتى} . لو كان المراد من الموتى موتى الأبدان لقال الله في الأسماع المثبت.. إنما تسمع من لم تمت أبدانهم، إنما تسمع من لم يقبروا، إنما تسمع من هم على قيد الحياة، لم قال في الإسماع المثبت {إن تسمع إلا من يؤمن بآيتنا} .. (غير واضح) وهم الذين لا يسمعون {إنك لا تسمع الموتى} إنك لا تسمع من يكفر بآيتنا، {إنما تسمع من يؤمن بآياتنا} ما ثبت لهذا ينفى عن هذا، فهنا أناس سمعوا مؤمنون مهتدون، وهناك كفار لم يسمعوا فإن قيل لنا: الكفار لا يسمعون؟ نقول: نعم لا يسمعون سماع انتفاع، ولا يسمعون سماع اهتداء، كما سيأتينا تقرير هذا بآيات القرآن الكثيرة، إنما هنا أذكر فقط القرينة التي تحتِّم هذا المعنى، فهم لهم مجرد السماع دون ما يترتب عليه من أثر الاتباع والاهتداء، {فإنك لا تسمع الموتى} إنك لا تسمع من مات قلبه إسماعاً يترتب عليه أثر من الانتفاع والاتباع والاهتداء، إنما ينتفع بالسماع منك ويهتدي ويتبعك {من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} وهذا في منتهى الجلاء والوضوح والظهور، فلو أراد الله من الموتى موتى الأبدان لقابلهم بما يقابلهم مما يضادِّهم فقال، إن تسمع إلا من كان حياً، إن تسمع إلا من لم يمت، إن تسمع إلا من لم يقبر، {فإنك لا تسمع الموتى} قوبل {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} . إذاً إخوتي الكرام: إسماع مثبت، وإسماع منفي، المثبت للمؤمنين، والنفي عن الكافرين، وهذا كما قلت قرينة في الآية.

والدلالة الثانية: استقراء القرآن، القرآن عبَّر عن الكفار بأنهم موتى القلوب لا يعون بها ولا يفقهون، وهذا يقرره الله في آيات كثيرة ويخبر الله فيها عن الكفار بأنهم موتى، يقرر الله تعالى هذا المعنى في آيات كثيرة إخوتي الكرام.. منها: قول الله جل وعلا في سورة الأنعام: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأي المرسلين * وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكوننَّ من الجاهلين * إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبغثهم الله ثم إليه يرجعون} (¬1) . والآية بإجماع من يعتد به من أئمتنا الكرام {إنما يستجيب الذين يسمعون} وهم المؤمنون الموحدون المهتدون، {والموتى} أي الكفار {يبعثهم الله} تعالى ليجازيهم على أعمالهم فإلى ربهم إيابهم وعليه حسابهم. {إنما يستجيب الذين يسمعون} {والموتى} الكفار {يبعثهم الله ثم إليه يرجعون} ، وهكذا يقول الله جل وعلا، في آواخر سورة الأنعام أيضاً: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنك لمشركون * أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} . {أو من كان ميتاً فأحييناه} : أي إماتته يراد بها إماتة البدن أو القلب؟ إماتة القلب التي إذا حصلت في الإنسان ترتب عليها غضب الرب، {أو من كان ميتاً فأحييناه} بنور العلم وهداية الإسلام {كمن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} . ¬

_ (¬1) - سورة الأنعام (33 – 36)

وهكذا قول الله جل وعلا في سورة فاطر: {إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير * وما يستوي الأعمى والبصير} الأعمى هو الكافر، والبصير هو المؤمن، {وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل} وهو الجنة {ولا الحرور} جهنم، {وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمعٍ من في القبور * إن أنت إلا نذير} (¬1) . {وما يستوي الأحياء} وهم المؤمنون الذين حييت قلوبهم بمعرفة ربهم وعبادته جل وعلا: {وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء} فهو الله الذي يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى. {وما أنت بمسمعٍ من في القبور} ممن ماتت قلوبهم، وصارت هذه القلوب في قبر من أبدانهم فهذه الأبدان صارت قبوراً لذلك الجنان، كما أن القبر في الأرض يصبح قبراً للأبدان، هنا الأبدان قبور للجنان والأرض قبور للأبدان، {وما أنت بمسمعٍ من في القبور} ، ولذلك قال: {إن أنت إلا نذير} : أي أنت عليك أن تبلغ دعوة الله، فالكافر يسمع ولا ينتفع والمؤمن يسمع وينتفع {وما أنت بمسمعٍ من في القبور} : أي من ماتت قلوبهم وقبرت في أبدانهم كما قال القائل: وفي الجهل قبل الموت لأهله ... موت وأبدانهم قبل القبور قبور وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشور وهكذا قول الله جل وعلا في سورة (يس) {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين * لينذر من كان حياً} ومن هو الحي هو المؤمن الذي حي قلبه بنور الإيمان {ويحق القول على الكافرين} : الكافرون هنا هم الذين قال الله في حقهم: {فإنك لا تسمع الموتى} ، {لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين} : أي على الميتين الذين يبعثهم الله ليحاسبهم على أعمالهم، {لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين} . ¬

_ (¬1) - سورة فاطر (18-24)

والآيات في ذلك كثيرة، فاستقراء القرآن، وهي الدلالة الثانية إخوتي الكرام، تحتِّم هذا المعنى، وأن المراد من الموتى من ماتت قلوبهم، لا من ماتت أبدانهم، {إنك لا تسمع الموتى} لا تسمعهم إسماع إفهام وتدبر وانتفاع واهتداء، {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين * وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} . وهذا المعنى يقرره ويحتمه الدلالة الثالثة، ألا وهي الغرض الذي سيغت من أجلها هذه الآية، هذه الآية إخوتي الكرام سيغت لتسلية نبينا عليه الصلاة والسلام فكان يحزن ويأسى لعدم إيمان الكفار به، وكان يضيق صدره ويتبع نفسه حسرات، والله جل وعلا سلاَّه بهذه الآيات، وقال له: هؤلاء ماتت قلوبهم وأمرهم إلى ربهم، وإذا لم يُرد الله هدايتهم فلن تستطيع أنت ولا غيرك هدايتهم، فعلام تحزن إذاً من أجلهم؟ إذاً، وهذا المعنى لا يتحقق إلا إذا قلنا إن المراد من الموتى موتى القلوب، وأما موتى الأبدان فهو ليس بمكلف بإنذارهم وتبليغهم دعوة ربهم جل وعلا، إنما هو ينذر الأحياء، لكن هؤلاء يسمعون ولا ينتفعون، فكان يحزن نبينا عليه الصلاة والسلام فسلاَّه الله بهذه الآيات، كما قال الله تعالى في آخر سورة الحجر: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} (¬1) ، ومثل هذا قوله تعالى في سورة فاطر: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون} (¬2) . ¬

_ (¬1) - سورة الحجر (97 –99) (¬2) - سورة فاطر (8)

ومثل هذا قول الله جل وعلا في سورة المائدة: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سمَّعون للكذب سمَّعون لقومٍ آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه بقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً، أولئك الذين لم يرد الله أيطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} (¬1) إلى آخر الآيات، وهذه كلها تسلية لخير المخلوقات - صلى الله عليه وسلم -، ومثل هذا قوله تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين} (¬2) . وهكذا قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} (¬3) . هذه كما قلت إخوتي الكرام، ثلاث دلالات تقرر هذا المعنى ألا وهو أن المراد بالموتى في قوله جل وعلا: {إنك لا تسمع الموتى} موتى القلوب، لا موتى الأبدان، لا تسمعهم إسماعاً يترتب عليه الأثر من الاتباع والانتفاع والاهتداء. هذا المعنى الأول: وكما قلت، ذهب إليه جمهور المفسرين. المعنى الثاني: هو الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاويه 4/299، 24/330، ومآل هذا القول إلى القول الأول، قال: (إن المراد من الموتى هنا موتى الأبدان، لكن هذا مثل ضرب لموتى القلوب، فالله تعالى يقول لنبييه - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) - سورة المائدة (40 – 41) (¬2) -سورة النحل (36 – 37) (¬3) - سورة القصص (56)

كما أنك لا تسمع من ماتت أبدانهم وقبروا في الأرض إسماعاً يترتب عليه الأثر، فهم يسمعون لكن لا يستطيعون أن يؤمنوا ولا أن ينتفعوا بهذا السماع ولو أتيت إلى كافر وقرأت عليه القرآن، وأسمعته كلمة التوحيد لسمع، لكن حيل بينه وبين العمل، فهو في دار انقطع فيها العمل والتكليف، فالميت يسمع لكنه بهذا السماع لا يهتدي ولا ينتفع ولا يستطيع أن يعمل. وهكذا هؤلاء الذين ماتت قلوبهم يسمعون كما يسمع الموتى من الكافرين ولا ينتفعون، فالله جل وعلا يقول له: {إنك لا تسمع الموتى} : أي حال هؤلاء الأحياء كحال من قُبر، ذاك يسمع ولا ينتفع وهذا يسمع ولا ينتفع، فآل معنى هذا إلى المعنى الأول الذي ذكرناه، وهو عدم نفي السماع عن الأموات إنما هذا تشبيه، كما أن من مات بدنه يسمع ولا ينتفع، يسمع ولا يتبع، يسمع ولا يستطيع أن يثوب، لأنه حيل بينهم وبين العمل، فالكافر كذلك منزلته بمنزلة هذا الميت الذي مات بدنه، ماله من السماع إلا السماع الذي لا يترتب عليه أي أثر، {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} إذا قلنا موتى الأبدان فنقول هذا مثل لموتى القلوب، فمآل هذا إلى ما تقدم، ولذلك إخوتي الكرام شاع عند العرب واستفاض واستعملوه في ألسنتهم نفي الحاسة عن الإنسان إذا لم ينتفع بها، فيقولون إنه أعمى لمن لا ينتفع بعينية، وإنه أصم لمن لا ينتفع بأذنيه، وإنه ميت القلب لمن لا يعي ولا يفقه بقلبه ولا يتبع الهدى، هذا مستعمل عند العرب بكثرة، ولذا يقول قعنب بن ضمرة، وهو من الشعراء (م 95) ويقول له ابن أم صاحب: صمٌ إذا سمعوا خيراً ذكرت به ... وإن ذُكرتُ بسوء عندهم أذنوا

نفى السماع عنهم ووصفهم بالصمم، ثم قال: إذا ذكر عندهم بسوء أذنوا أي استمعوا كقول الله في سورة الانشقاق {إذا السماء انشقت وأذنت} : أي استمعت {وأذنت لربها وحقت} ، إذا سمعوا السوء آذنوا، إذا سمعوا الخير صم، فوصفهم بالصمم لأنهم لا يستمعون ما ينفعهم، وهذا المعنى قرره الله تعالى في آيات كثيرة فقال تعالى: {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون} (¬1) أي حالك مع الكفار عندما تدعوهم لاتباع شريعة اله جل وعلا حالُك كحالك عندما تدعوا الحمار تماما، فالحمار لا يسمع منك إلا أصواتاً لا يعي مدلولها، وهؤلاء كذلك. {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق} : أي يصيح ويرفع صوته بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً، لا تسمع البهائم منك إذا ناديتها إلا أصواتاً تصيح بها، وهكذا الكفار تتلى عليهم آيات العزيز القهار فلا يعونها ولا يفقهونها، {صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون} ،، {صمٌ} لا سمع عندهم {بكمٌ} لا كلام ولا وعي {عميٌ} في أبصارهم فلا يبصرون، ثم بعد ذلك قلوبهم ميتة لا يعقلون. وليس المراد نفي العقل عنهم ونفي هذه الجوارح وإلا لارتفع التكليف ومثل هذا قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} (¬2) . ومثل هذا قوله تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً * أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} (¬3) . ¬

_ (¬1) - سورة البقرة (171) (¬2) - سورة الأعراف (179) (¬3) - سورة الفرقان (44)

ومثل هذا قوله تعالى في سورة الأحقاف بعد أن ذكر إهلاكه لقوم عاد: {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارضٌ ممطرنا * بل هو مستعجلتم به ريحٌ فيها عذابٌ أليم * تدمر كل شيءٍ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين * ولقد مكنَّهم فيما إن مكنَّكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيءٍ إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون} (¬1) . ومثل هذا قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوبٌ يعقلون بها أو آذانٌ يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (¬2) . ومثل هذا قوله تعالى في سورة الملك مخبراً عن أهل النار كيف يشهدون على أنفسهم عندما يلقون في النار بأنهم ما كانوا يعقلون ولا يسمعون: {وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير * إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور * تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيءٍ إن أنتم إلا في ضلالٍ كبير * وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير} (¬3) . وهنا قول الله الجليل: {إنك لا تسمع الموتى} إما أن يراد بهم موتى القلوب، وإذا قلنا إن المراد من الموتى الأبدان فهذا مثل لموتى القلوب، {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير} . نعم إن الإنسان إذا لم ينتفع بقلبه ولم ينتفع بسمعه وببصره صح نفي ذلك عنه وهو في حكم ودركة البهيمة، واعلم بأن عصبته الجهال بهائم في صورة الرجال: أبُنيِّ إن من الرجال بهيمة في ... صورة الرجل السميع المبصر فطن بكل مصيبة في ماله ... وإذا أصيب بدينه لم يشعر ¬

_ (¬1) - سورة الأحقاف (24 – 26) (¬2) - سورة الحج (46) (¬3) - سورة الملك (6 –11)

وخلاصة الكلام إخوتي الكرام.. إن الموتى يحسون كما قلت بما يجري حوله، ويعلمون ويستبشرون ويفرحون بمن يزورهم، ويسمعون الكلام الذي يقال بحضرتهم، تُعرض عليهم أعمال قرابائهم بعدهم، وهم يتزاورون فيما بينهم، ونفي الله جل وعلا السماع عن الكفار في قوله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى..} نفي السماع عن الموتى، المراد من السماع هنا السماع الذي يترتب عليه أثره وهو الانتفاع والاهتداء، وكما قلت، هذا قول من قولين، والمراد من الموتى هنا موتى القلوب لا موتى الأبدان. وإذا قلنا إن المراد بالموتى موتى الأبدان فالآية لازالت تقرر القول الأول فهذا مثل لمن ماتت قلوبهم، فكما أن ميت البدن يسمع ولا ينتفع فميت القلب يسمع ولا ينتفع، {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد} (¬1) . أقول هذا القول واستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين. اللهم صلِّ على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم قنا شرور أنفسنا، اللهم قنا شح نفوسنا بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صلَّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. ¬

_ (¬1) - سورة ق (37)

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم أرحمهم كما ربَّونا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم لا تجعل للظالمين عليهم سبيلا بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صلَّ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {قل هو الله أحدٌ * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد} .

الفروض الدائمة والمؤقتة

الفروض الدائمة والمؤقتة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الفروض الدائمة والمؤقتة الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما {من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} . أما بعد: معشر الإخوة الكرام..

تدارسنا في شهر الصيام خير شهور العام عند ذي الجلال والإكرام ما يتعلق بأحكام شهر رمضان وكانت الموعظة التي تلي ذلك الشهر الكريم حول فرحة العيد وبينت أن الله وحد بين عباده الموحدين وحد بينهم في عقائدهم وأفكارهم وفي أعمالهم وأفعالهم وفي مشاعرهم وأحاسيسهم وبينت أن إظهار الفرحة في أيام العيد من تعظيم شعائر الله وذلك من دين الله {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} . وبيَّنتُ أيضًا أنه كما ينبغي أن نظهر الفرحة والابتهاج والسرور أيام العيد في أعياد المسلمين يحرم علينا قطعا وجزما أن نظهر الفرح والسرور وأن نشارك في البهجة في أعياد الجاهلية سواء كانت تلك الأعياد أعيادا وطنية على حسب المفاهيم الردية في هذه الأوقات الزمنية أو أعيادا أجنبية فيحرم علينا أن نشارك في غير الأعياد الإسلامية وذكرت عند هذا الأمر قول شيخ الإسلام الذي عد من مجددي القرن الثالث الهجري وقد توفي سنة 217هـ أحمد بن حفص البخاري يقول هذا العبد الصالح: "من عبد الله خمسين سنة ثم أهدى إلى كافر بيضة في يوم عيده تعظيما لذلك اليوم فقد كفر بالله وحبط عمله". وهذا الأمر السوي الصحيح أراد بعض الإخوة الكرام من الحاضرين المستمعين للموعظة الماضية شيئا من التوضيح وبما أن هذا الطلب وجيه وجيه فأحب أن نتدارسه في هذه الموعظة. إخوتي الكرام: الفرائض التي فرضها الله على عباده وأوجبها عليهم تنقسم إلى قسمين اثنين. فرض دائم يجب على الإنسان أن يقوم به على الدوام في كل زمان ومكان وهذا الفرض الدائم يقوم على ركنين بهما تتحقق عبودية الإنسان لرب الكونين. أولهما: أن يفرد الله عز وجل بالعبادة وأن لا يشرك به شيئا. والثاني: أن يفرد نبيه عليه الصلاة والسلام بالمتابعة وأن لا يقتدي بغيره وأن لا يقلد أحدا من دونه إياك أريد بما تريد بهذين الأمرين تحصل العبودية في الإنسان لذي الجلال والإكرام.

فتحقيق العبودية لرب البرية لا يتم إلا بهذين الأمرين عبادة الله وحده لا شريك له، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم فقلبنا يتعلق بربنا؛ فهو خالقنا إلهنا وإليه تصرف عبادتنا. وهكذا يتعلق قلبنا بنبينا عليه الصلاة والسلام فهو إمامنا وقائدنا وأسوتنا وبه نقتدي في حياتنا عليه صلوات الله وسلامه، وهذان الأمران هما مدلول كلمة الإسلام لا إله إلا الله، محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لا معبود بحق في هذا الوجود إلا الله إياك أريد محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام عبادتنا لربنا وتصريفنا لشؤون حياتنا على حسب ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم والإنسان إذا اتصف بذلك فحقق العبودية في نفسه لربه ذاق طعم الإيمان وحصلت البهجة في قلبه والإيقان. ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث رواه الإمام الترمذي ورواه الإمام أبو نعيم في الحلية كما رواه الإمام ابن حبان في صحيحه والحديث صحيح صحيح من رواية سيدنا العباس عم نبينا خير الناس على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا] .

[ذاق طعم الإيمان] : حلاوته وبهجته وإذا حصلت هذه الحلاوة والبهجة والسرور في قلبه لا يسخط الإيمان في قلبه بعد ذلك أبدا لكن هذه الحلاوة وذلك الطعم اللذيذ الشهي الذي يتضاءل بجنبه جميع مطعومات الدنيا ولذائذها ومشتهياتها لا يمكن للإنسان أن يحصل تلك الحلاوة والبهجة وذلك الطعم إلا بهذه الأمور الثلاثة من رضي بالله ربا رضي بالشيء إذا قنع به ولم يطلب غيره فربه مالكه سيده إلهه هو الله وحده لا شريك له وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا هو رسول ذلك الرب يبلغ عنه فنقتدي به فيما بلغنا عن ربه على نبيا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والإسلام الذي أتى به نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو دين الرحمن نرضاه دينا لنا فنحتكم إليه في كل زمان ومكان من حصل هذا فيه فقد ذاق طعم الإيمان نعم إخوتي الكرام إذا تحقق الإنسان بالعبودية لرب البرية يذوق للإيمان حلاوة معنوية تتضاءل بجنبها وتتلاشى جميع الحلاوات الحسية. ثبت في المسند والصحيحين، والحديث في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود ورواه ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم في الحلية، والخطيب في تاريخ بغداد من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار] . وروي هذا الحديث أيضا من رواية سيدنا أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه في معجم الطبراني الكبير وشرح الستة للإمام البغوي لكن في إسناد رواية أبي أمامة ضعف ينجبر ويتقوى بهذه الرواية الصحيحة الثابتة في الصحيحين.

ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان فحقق بذلك العبودية لذي الجلال والإكرام جعل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من كل شيء فلا يقدم على عبادة الله معبودا ولا يقدم على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه والاقتداء به أحدا ثم بعد ذلك يحب ويبغض من أجل الله فيحب المرء لا يحبه إلا لله لا لمنفعة عاجلة زائلة ويكره بعد ذلك أن يزول عنه وصف العبودية لرب البرية كما يكره أن يقذف في النار فإذا وجد هذا فيه ذاق حلاوة الإيمان. نعم ـ إخوتي الكرام ـ إذا تحقق الإنسان بهذا الوصف فهو على اهتداء في هذا الحياة وله الأمن بعد الممات {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} لهم الأمن في الآخرة وهم مهتدون في الدنيا. ثبت في المسند والصحيحين والحديث في سنن الترمذي ورواه الإمام الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره وابن المنذر في التفسير وابن مردويه في تفسيره كما رواه الداراقطني في الأفراد وأبو الشيخ في كتاب العظمة من رواية سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال لما نزلت هذه الآية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ... } . شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه قال ليس بالذي تعنون إنما الظلم الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} . إذن من حصل وصف العبودية في هذه الحياة فهو على اهتداء في الدنيا وهو له الأمن في الآخرة.

وهناك فروض مؤقتة فرضها الله على عباده في أوقات وأمكنة بشروط وكيفيات تفعل حسبما هو مقرر في شريعة رب الأرض والسموات كفريضة الصلاة، وفريضة الصيام، وفريضة الزكاة، وغير ذلك فرائض فرضها الله على عباده؛ لكنها مؤقتة بزمن، بوقت وفي مكان، فالحج له مكان معين والصلاة: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} ، والصيام {أياما معدودات} كما أخبر عن ذلك رب الأرض والسموات. إخوتي الكرام: هذان الفرضان الصلة بينهما قوية وثيقة. أما الفرض المؤقت فلا يقبل إلا بشرطين اثنين: الشرط الأول: أن يأتي الإنسان بشروط خاصة به فالصلاة تحتاج إلى طهارة ودخول وقت وإلى استقبال للقبلة وإلى غير. وهناك شرط آخر: في جميع العبادات المؤقتة وهو لها كالروح للجسد ألا وهو القيام بالفرض الدائم ألا وهو العبودية لرب البرية فمن خرج عن هذا الوصف بحيث عظم شعائر الكفر أو أشرك بالله فلا يقبل منه عمل لأنه ليس بعبد لله عز وجل وأعماله يضرب بها وجهه فلابد من أن يحقق الفرض الدائم الذي لا يسقط عن الإنسان في وقت ولا في مكان بل ينبغي أن يقوم به على الدوام في كل زمان ومكان فإذا خرج عن ذلك الفرض حبط عمله وضل سعيه وخلده الله في نار جهنم. نعم ـ إخوتي الكرام ـ لابد من أن يتصف الإنسان بحقيقة العبودية لربه في هذه الحياة فينبغي أن يكون صادقا في عبوديته لربه فدخوله وخروجه لله وبالله ولذلك أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام وفي ذلك أمر لنا أن يكون مدخلنا ومخرجنا لربنا جل وعلا: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا} . فالمؤمن يدخل لله وبالله ومن عداه يدخل ويخرج بطرا ورئآء وإذا دخل الإنسان مدخل الصدق وخرج مخرج الصدق في جميع شؤون حياته جعل الله له لسان صدق في هذه الحياة.

وقد كانت همم أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه تتطلع إلى هذا لأن ذلك الوصف لا يكون إلا لمن دخل مدخل الصدق وخرج مخرج الصدق قول خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كما حكى ذلك عنه رب العالمين: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} أن يثنى علي بالخير والفضيلة بحسب ما في مما يرضيك: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} في الأمم التي تأتي يثنون على بصدق ولا يكون حال من يثنى عليه كحال من يثنى عليه من أعداء الله قد ينشر للإنسان من الثناء ما يملأ ما بين المشرق والمغرب ولا يزن عند الله جناح بعوضة فليس هذا الثناء بحق إنما هو بكذب وبهتان وافتراء وإذا حقق الإنسان ذلك جعل الله له لسان صدق ويبشره بأن له عند الله قدم صدق كما ذكر الله عز وجل في أول سورة نبيه يونس على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه: {الر تلك آيات الكتاب الحكيم * أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين} . {لهم قدم صدق عند ربهم} : يقدمون على منزلة حقة يستحقونها بما قدموه من عمل صالح واتباع لرسول الله عليه الصلاة والسلام وعبادة لله عز وجل وهم بالتالي في مقعد صدق كما قال الله جل وعلا: {إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر} . إخوتي الكرام: لابد من تحقيق الفرض الدائم وهو العبودية لرب البرية في كل زمان ومكان فإذا تحقق الإنسان بذلك الوصف على وجه التمام صار عبدا لذي الجلال والإكرام تقبل منه بعد ذلك فرائضه المؤقتة وإذا أتى بما ينقض عبوديته لربه فلا يقبل منه فرض مؤقت لأنه ضيع الفرض الدائم ولذلك عباد الله الذين أضافهم الله إلى نفسه هم أولياؤه المتقون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والناس نحو الفرض الأول وهو الفرض الدائم ثلاثة أقسام: القسم الأول:

حقق ذلك الفرض وقام به على وجه الكمال والتمام وهؤلاء هم عباد الرحمن المخلصون الصديقون وهم أولياء الحي القيوم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهم الذين عناهم الله بقوله {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} ، وهم المعنيون بقول الله عز وجل: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام} ، وهي عبودية الاختيار وليس عبودية الاضطرار فكل من في السموات ومن في الأرض عبد لله على رغم أنفه شاء أم أبى، جاء إلى هذه الحياة على غير اختياره، وسيخرج منها على غير اختياره، ولا يملك لنفسه فضلا عن غيره نفعا ولا ضرا: {إن كل من السموات والأرض إلا آت الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} ، لكن الشأن في تحقيق عبودية الاختيار للعزيز القهار أن تفرده بالعبادة وحده لا شريك له، وأن تجعل هواك تبعا لشرع نبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه. هذه العبودية هي التي نوه الله بذكرها في حق نبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه في أشرف المقامات التي حصلت له فقال جل وعلا: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين} . حقق العبودية لربه جل وعلا على وجه التمام حب كامل وذل تام وهكذا قول الله: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} . وهكذا قول الله {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} .

وهكذا قول الله عندما يتحدث عن نبيه عليه الصلاة والسلام وقيامه بالدعوة {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا} . وهذا أعظم وصف يتصف به المخلوق أن يقال إنه عبد للخالق ويراد من هذه العبودية عبودية الاختيار وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحب هذا الوصف فيه وأمرنا أن نذكره به عليه صلوات الله وسلامه. ففي مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والحديث رواه الإمام الترمذي في الشمائل المحمدية على نبينا خير البرية صلوات الله وسلامه ورواه الإمام الدارمي في مسنده ورواه الحميدي في مسنده وأبو داود الطيالسي في مسنده أيضا ورواه الإمام ابن أبي شيبة في مصنفه ورواه الإمام العدني وهو حديث صحيح صحيح من رواية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله] . والإطراء: هو المدح بالباطل ومجاوزة الحد بالمدح، فإياك إياك أن ترفع نبينا عليه الصلاة والسلام إلى مستوى ذي الجلال والإكرام. نعم هذه العبودية لها شأن كبير عند من يعي إذا حققها ذاق حلاوة الإيمان لا خوف عليه مما يستقبله ولا يحزن على ما يتركه هو على اهتداء في هذه الحياة وله الأمن بعد الممات هذا الصنف الأول حققوا فيهم هذه العبودية لرب البرية، هم أولياء الله حقا وصدقا، فهؤلاء القليل منهم كثير عند الله الجليل {إنما يتقبل الله من المتقين} كما سيأتينا في خطوات البحث. والصنف الثاني: يقابل هذا الصنف وهم أولياء الشيطان الملعون وأعداء الحي القيوم وهم الذين زالت عنهم وصف العبودية الاختيارية لرب البرية في هذه الحياة زال عنهم ذلك الوصف فلا يقبل منهم عمل وهم كافرون بالله عز وجل. ولو قدر أنه صدر منهم بعض الطاعات تضرب بها وجوههم ولا تقبل عند رب الأرض والسموات.

هذا الصنف الثاني أعداء لله ولرسله ولأوليائه وهم الذين قال الله فيهم: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ... } وهم الذين أشار الله إليهم بقوله: {وقال الرسول يا رب إن قومي اخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا} . فلا عبدوا الله ولا اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء هم الذين ظاهروا الشيطان في عداوة الرحمن كما قال ذو الجلال والإكرام {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا} : معينا للشيطان في معاداة الرحمن هؤلاء بينهم وبين عتاة الجن ولاية في هذه الحياة وبينهم اشتراك في العذاب بعد الممات: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون} هؤلاء من اتصف بوصفهم لا يقبل منه فرض مؤقت لأنه عدو لله عز وجل فما وصف أعداء الله. إخوتي الكرام: إذا اتصف الإنسان بواحد من خمسة أمور فهو ضال كفور من أتباع الشيطان الغرور وممن ينادي على نفسه مع الشيطان يوم القيامة بالويل والثبور فيقال لهم: {لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا} .

ثبت في مسند الإمام أحمد والبزار والحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ورواه عبد بن حميد في مسنده ورواه الإمام الطبري في تفسيره وهكذا ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وإسناد الحديث صحيح صححه الإمام السيوطي في الدر المنثور وقال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي عليه وعلى أئمتنا رحمة الله في المجمع في الجزء 10/392 رجاله رجال الصحيح غير علي بن زيد بن جدعان وقد وثق وعلي بن زيد خرج حديثه الإمام البخاري في الأدب المفرد وهو من رجال مسلم في صحيحه لكن روى له مقرونا وأخرج له أهل السنن الأربعة ولفظ الحديث من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أول من يكسى حلة من نار يوم القيامة إبليس فيأخذها ويضعها على حاجبيه ثم يجرها من ورائه وخلفه وذريته خلفه وراءه وهو يقول وا ثبوراه وهو يقولون وا ثبورهم فيقال لهم: {لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا} قال الله عز وجل: {بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا} . نعم هؤلاء الذين يلقون في نار جهنم مقرنين فإذا ألقوا فيها بذلك الوصف الذميم دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا فمن اتصف بواحدة من هذه الأمور الخمسة فقد نقض عبوديته لله ولم يقم بالفرض الدائم فلم يقبل منه فرض مؤقت وهذه الأمور الخمسة هي: الكفر بالله: والشرك بالله: والنفاق الأكبر: والردة عن دين الله: والبدعة المكفرة:

الكفر بالله من اتصف به فهو خالد مخلد في نار جهنم لا يقبل منه عمل عند الله عز وجل ويراد بالكفر جحود الخالق جل وعلا وإنكار حقه على عباده سبحانه وتعالى وتكذيب آياته وتكذيب رسله على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه كما أن لفظ الكفر يستعمل استعمالا موسعا لما يقابل الإسلام وعليه يشمل هذا الوصف كل أعداء الرحمن من المرتدين والمنافقين والمشركين والمبتدعين بدعة مكفرة. يقول الله جل وعلا في سورة النساء: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما} . فإذا حصل من الإنسان هذا الوصف فقد نقض عبوديته لله جل وعلا فلو قدر أنه قام بصلاة أو صيام أو زكاة أو غير ذلك من الفروض المؤقتة فهي باطلة عند الله ولا تقبل كما قال الله جل وعلا في سورة المائدة بعد أن أخبر أنه أتم علينا الدين وأكمل لنا النعمة وأنه أحل لنا الطيبات قال جل وعلا: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} . كما قرر الله جزاء الكافرين في كثير من آي الذكر الحكيم فقال جل وعلا في سورة الإسراء: {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا * ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون} ، {قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مره فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا} .

هذا الجزاء لهم في نار جهنم وكلما خبت خف لهيبها زادهم الله عذابا كما قال هناك في سورة النساء: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} ؛ لأنهم كذبوا بآيات الله وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا سبحان الله الذي خلقكم من العدم ألا يستطيع أن يعيدكم بعد ذلك إذا تفتت هذه الأبدان بلى إنه على كل شيء قدير قل كونوا حجارة أو حديدا تحولوا إلى شيء لا يقبل الحياة على حسب الظاهر عندكم أو خلقا مما يكبر في صدوركم فصيروا السموات بنفسها أو تحولوا إلى الموت بحقيقته لو أن البشر كانوا موتى لأحياهم الله والله على كل شيء قدير وأقصد موتى أي صفة الموت لو أنهم صاروا هم الموت بعينه لأحياهم الله فكيف إذا تفتت الأبدان وهكذا يقول الله في سورة الحج: {هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق *} . هذا جزاء الكافرين عند رب العالمين سبحانه وتعالى إخوتي الكرام من اتصف بهذا الكفر له هذا الجزاء ولا يقبل منه عمل يقول الله عز وجل في سورة فاطر: {والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور * وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير*} . وهكذا قول الله في سورة الأحزاب: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبد لا يجدون وليا ولا نصيرا * يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا *} . والوصف الثاني:

الشرك بالله وحقيقة الشرك أن يسوي الإنسان بين المخلوقات وبين رب الأرض والسموات في الحقوق والواجبات والصفات فإذا سويت بين المخلوق الحقير وبين الخالق الجليل فيما يستحقه الله وفيما يتصف به سبحانه وتعالى فقد جعلت لله ندا وأشركت بالله عز وجل فلا يقبل منك الفرض المؤقت يقول الله جل وعلا في سورة الشعراء: {وأزلفت الجنة للمتقين * وبرزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون * من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون * فكبكبوا فيها هم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون * قالوا وهم فيها يختصمون * تالله إن كنا لفي ضلال مبين * إذ نسويكم برب العلمين * وما أضلنا إلا المجرمون * فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم * ... } . فإذا سويت بين المخلوق والخالق لا يغفر لك عند الله عز وجل ولا يقبل منك عمل لأنك خرجت عن رسم العبودية وحقيقتها وصرت عدوا لله جل وعلا: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} . وقال جل وعلا في سورة المائدة: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار*} . وهكذا في سورة الأنعام بعد أن ذكر الله ثمانية عشر رسولا من أنبيائه ورسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه بدأهم بخليله إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم *} .

بعد أن عدد الله هؤلاء الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه قال: {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} . وهكذا وجه الله الأمر لنبيه خير خلقه عليه الصلاة والسلام فقال كما في سورة الرعد: {قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب} . وقال جل وعلا في سورة الزمر: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لإن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} . وقال العبد الصالح لقمان عليه وعلى سائر الصديقين الرحمة والرضوان: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} . وأمر الله الموحدين أن يقولوا لمن يدعون عبادة رب العالمين من أهل الكتاب السابقين: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} . فمن اتصف بهذا الوصف الثاني فقد نقض عبوديته ولا يقبل منه فرض مؤقت. والأمر الثالث النفاق: ويراد منه النفاق الأكبر وهو أن يظهر الإنسان الإيمان ويبطن الكفران بالرحمن ويدخل في هذا أن لا يرى من ينتمي إلى الإسلام وجوب طاعة النبي عليه الصلاة والسلام فيما أمر ولا تصديقه فيما أخبر ولا الانتهاء عما عنه زجر وحذر عليه الصلاة والسلام وأن يسر الإنسان بانخفاض أهل الإيمان وأن يظهر البهجة والسرور لظهور أهل الكفران فمن وجد فيه هذا الوصف الملعون فهو كافر منافق النفاق الأكبر وهو عدو للحي القيوم وقد جمع الله بين المنافقين وبين المشركين والكافرين في الحكم في الدنيا والآخرة فقال جل وعلا في سورة التوبة ونظير هذه الآية في سورة التحريم: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} .

وقال جل وعلا في آخر سورة الأحزاب: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا * ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما*} . وقال جل وعلا في سورة النساء: {بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا * وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا * الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا * إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا * يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا * إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا * إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما *} . والوصف الرابع الردة:

وهي الخروج من الدين بعد الدخول فيه كفر بعد الإيمان من اتصف بهذا نقض عبوديته لله فلا يقبل منه الفرض المؤقت وقد أشار الله إلى هذا في كثير من آيات كتابه فقال جل وعلا في سورة آل عمران: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين * أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينصرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم * إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون * إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين *} . يقول الله جل وعلا في سورة النساء: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا} . وهكذا قول الله جل وعلا في سورة البقرة: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون *} . وقد حكم الله بالردة على أناس في أول الأمر قالوا للكفار سنطيعكم في بعض الأمر يقول الله جل وعلا في سورة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إصرارهم * فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم *} .

فمن قدم لكافر بيضة في يوم عيده تعظيما لذلك اليوم فقد عظم شعائر الكفر وهذه ردة منه لو عبد الله خمسين سنة حبط عمله وهو من الكافرين عند رب العالمين: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين * ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين * يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فص ضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم * إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون * يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين *} . وقد حكم الله بالردة والكفر على أناس في أول الأمر أيضا استهزءوا ببعض شعائر الله فقال جل وعلا: {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبؤهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون * ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين *} . والآيات نازلة في فريقين من المنافقين كما في كتب السير في مغازي الإمام ابن إسحاق وغيره عليهم جميعا رحمة الله.

الفريق الأول: هم الذين وقعوا في أعراض القراء امتهانا لشعائر رب الأرض والسماء فقالوا قراؤنا أكذب الناس ألسنة وأرغبهم بطونا وأجبنهم عند اللقاء. والصنف الثاني: عندما تهيأ النبي عليه الصلاة والسلام لغزو بني الأصفر بلاد الروم قال المنافقون وأرجفوا أتظنون أن جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا والله لو قابلتموهم لأصبحتم مقرنين في الحبال فلما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام بذلك وقال لهم علام قلتم هذا قالوا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام نمزح نلعب لا نقصد الاستهزاء بالقراء ولا التثبيط والخوف من أعداء رب الأرض والسماء فأنزل الله: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} . والوصف الخامس الذي ينقض وصف العبودية البدعة المكفرة: وضابطها أن يعتقد الإنسان شيئا لم ترد به شريعة الله المطهرة بل ورد بخلافه إثباتا ونفيا ويكون ذلك الوارد معلوما من الدين بالضرورة ثم قال هؤلاء بدعة تنقض ذلك المعلوم من دين الله بالضرورة فهذه البدعة مكفرة كما هو الحال في بدعة القدرية الغلاة الذين نفوا علم الله بالأشياء قبل حدوثها ووقوعها كما هو الحال في بدعة الشيعة الغلاة الذين ألهوا علي وغيره على سيدنا علي وعلى جميع الصحابة رضوان الله أجمعين كما هو الحال في بدعة زنادقة الصوفية الذين قالوا بحلول الخالق في بعض المخلوقات كما هو الحال في بدعة سفهاء بعض من ينتمي إلى السلفية في هذه الأيام فيصول ويجول على عباد الرحمن بالتكفير من أجل أنهم خالفوه في رأي وذلك الرأي على غاية ما يمكن أن يقال إنه راجح أو مرجوح أو خطأ؛ هذا كله من البدع المكفرة التي انتشرت في هذه الأمة. إخوتي الكرام:

اشتط كثير من السفهاء في هذه الأيام ممن يدعون الانتساب إلى سلفنا الكرام ولا سلف لهم إلا غلاة الخوارج أهل البدع والأوهام فكفروا عباد الرحمن اعتداءا منهم على أهل الإسلام وقد خشي نبينا عليه الصلاة والسلام على أمته من هذا الصنف. ثبت في مسند البزار ومسند أبي يعلى وصحيح ابن حبان والحديث رواه الإمام المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة قال عنه الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء 1/188 إسناده حسن وقال الإمام ابن كثير في تفسيره في الجزء 2/265 إسناده جيد ولفظ الحديث عن سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [إنما أتخوف عليكم رجلا قرأ القرآن حتى إذا رئيت عليه بهجته وكان ردءا للإسلام اعتزل إلى ما شاء الله وخرج على جاره بسيفه ورماه بالشرك] ؛ قال حذيفة قلت يا نبي الله صلى الله عليه وسلم أيهما أولى بالشرك الرامي أو المرمي فقال عليه الصلاة والسلام: بل الرامي] . فمن اتصف بشيء من ذلك فقد نقض عبوديته لربه فلا يقبل منه الفرض المؤقت: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} . وقد أخبرنا أنه في آخر الزمان سيضيع كثير من الناس الفرض الدائم مع قيامهم بالفروض المؤقتة ثبت في مستدرك الحاكم في كتاب الفتن في الجزء 4/442 بإسناد صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبي من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم وموقوفا عليه وله حكم الرفع والأثر عزاه الإمام السيوطي في جمع الجوامع إلى كتاب تاريخ الحاكم مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ولفظ الأثر الموقوف الذي في المستدرك قال عبد الله بن عمرو: [سيأتي على الناس زمان يجتمعون فيه في المساجد ليس فيهم مؤمن] .

وثبت في مستدرك الحاكم ومعجم الطبراني الكبير وإسناد الأثر صحيح رجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل وهو ثقة كما قال الحافظ الهيثمي في المجمع وشداد بن معقل روى له البخاري في كتاب خلق أفعال العباد وذكره البخاري في صحيحه ولم يروي عنه أحد من أصحاب الكتب الستة رواية متصلة ضمن إسناد ولفظ الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: أول ما يرفع منكم الأمانة وآخر ما يرفع الصلاة وليصلين أقوام ولا دين لهم ولينزعن القرآن من بين أظهركم قالوا أبا عبد الرحمن كيف ينزع من بيننا وقد أثبتناه في مصاحفنا قال يسرى عليه ليلا فلا يبقى في الأرض منه شيء. نعم إذا كان يعظم شعائر الكفر ويركن إلى الكفار فإذا صلى لا دين له عند العزيز القهار. إخوتي الكرام: أما ما يتعلق بأول الأثر وأن أول ما يرفع الأمانة فقد أشير إلى ذلك في حديث نبينا عليه الصلاة والسلام ففي مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير والحديث رواه ابن حبان والحاكم وإسناده صحيح من رواية أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما نقضت عروة تشبس الناس بالتي تليها فأولها نقضا الحكم وآخرها الصلاة. ورواه الإمام أحمد في المسند من رواية فيروز الديلمي رضي الله عنه وأرضاه وهذا المعنى أيضا ثابت مروي في آثار أخر روى الإمام الطبراني في معجمه الصغير من رواية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [أول ما يرفع الأمانة وآخر ما يرفع الصلاة ورب مصل لا خير فيه] .

والحديث في إسناده حكيم بن نافع قد وثقه الإمام ابن معين وضعفه أبو زرعة كما قال الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء 7/321، والحديث رواه أبو يعلى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه بإسناد ضعيف انظروا روايته أيضا بهذا المعنى: [أول ما يرفع الحياء والأمانة وآخر ما يرفع الصلاة ثم قال وأحسبه قال وليصلين أقوام لا خلاق لهم] . وأما المعنى الذي أشار إليه عبد الله بن مسعود في آخر حديثه في رفع القرآن فهو معنى ثابت في صحيح الأخبار عن نبينا المختار عليه الصلاة والسلام وفيما ورد عن الصحابة والتابعين الأبرار من آثار والآثار في ذلك مستفيضة ولذلك قرر أئمتنا أن كلام الله منه بدا وإليه يعود حيث يرفع إليه في آخر الزمان عندما يهجره الأنام. أسأل الله أن لا يجعل هذا الزمان وقتا لتلك البلية بفضله ورحمته فحقيقة إن الأمة تشهد بلية عظيمة في هذه الأيام رفعت الطين ووضعت الدين وكثير منا صلى إلى القبلة وهو على غير الملة أسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله. ... الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين. اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إخوتي الكرام: تدارسنا صنفين من ثلاثة أصناف الصنف الأول حقق ذلك الوصف ـ العبودية لرب البرية ـ على التمام فهم أولياء الرحمن والصنف الثاني أضاعه فهم أعداء الرحمن وأولياء الشيطان والصنف الثالث يأتينا الكلام عليه قد يفعلون ما يحبط العمل عند الله عز وجل دون أن يخرجوا عن رسم العبودية وحقيقتها أتكلم على ضابط ذلك وعلى أمثلة ثابتة في الأحاديث الصحيحة لهؤلاء في الموعظة الآتية إن شاء الله.

اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك، ومن المقربين لديك، وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك. اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات والحمد لله رب العالمين وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .

خشية التفريط والتقصير في حق الله

خشية التفريط والتقصير في حق الله (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم خشية التفريط والتقصير في حق الله 29 الحمد لله نحمده ونستعينه نستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. "يأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عميا وآذاناً صما وقلوباً غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الذين تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين..

لازلنا نتدارس صفات عباد الله الأخيار الذين يعمرون بيوت العزيز الغفار فقد وصفهم الله بأنهم رجال ونعتهم بأربع خصال لا تلهيهم البيوع والتجارات عن الغاية التي من أجلها خلقوا يسبحون الله ويعظمونه ويصلون له. يشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم. يبذلون ما في وسعهم استعداد للقاء ربهم. "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار". وكنا نتدارس الصفة الرابعة من صفاتهم ألا وهي خوفهم من لقاء ربهم جل وعلا واستعدادهم للقاء الله عز وجل وهذه الصفة أعني صفة الخوف مر الكلام على تعريفها وعلى منزلتها في شريعة الله جل وعلا وعلى الثمرات التي يحصلها من يتصف بها في العاجل والآجل وشرعنا إخوتي الكرام في مدارسة الأمر الرابع من الأمور المتعلقة بهذه الصفة الرابعة ألا وهو أسباب خوف المكلفين من رب العالمين وقلت إن أسباب الخوف كثيرة وفيرة يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب: أولها: إجلال الله وتعظيمه وقد مر الكلام على هذا السبب. والسبب الثاني: سنتدارسه في هذه الموعظة إن شاء الله: خشية التفريط والتقصير في حق الله الجليل. والسبب الثالث: خوف سوء الخاتمة.

أما السبب الثاني إخوتي الكرام من أسباب خوف المكلفين من ذي الجلال والإكرام خشية التفريط والتقصير في حق الله الجليل سواء فيما يتعلق بجانب الاكتساب أو بجانب الاجتناب أما الاكتساب فهو الطاعات فقد أمرنا الله جل وعلا بطاعته سبحانه وتعالى وهذه الطاعات لا تكون مقبولة عند رب الأرض والسموات إلا إذا وجد شروط في فعلها وفي فاعلها أما في فعلها فينبغي أن تكون على حسب شرع النبي صلى الله عليه وسلم وأن يراد بها وجه الله عز وجل وأما الفاعل فينبغي أن يكون تقيا فلا يتقبل الله العمل إلا من المتقين وينبغي أيضا على العامل أن يحافظ على عمله فما ينبغي أن يأتي بعده بما يبطل عمله والمحافظة على الأعمال أصعب على العمال من سائر الأعمال وكم من إنسان يبني ويأتي بأعمال صالحة ثم يهدم ما يبني وينقض ما فعله من الصالحات وهذه الأمور الأربعة في الفعل وفي الفاعل حقيقة إن الإنسان لا يتحقق من ثبوتها فيه على وجه التمام والكمال ولذلك هو يخاف من ذي العزة والجلال. قال العبد الصالح حذيفة بن قتادة المرعشي وهو من عباد الله الصالحين روي عن سفيان الثوري عليهم جميعا رحمة رب العالمين وشغله الرعاية عن الرواية كما قال ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن الجوزي عليهم جميعا رحمة ذي الجلال والإكرام خذيفة ابن قتادة المرعشي يقول هذا العبد الصالح إن لم تحسن أن يعاقبك الله على خير أعمالك فاعلم أنك شقي مغرور هالك. خير أعمالك التي تصدر عنك إن لم تخن العقوبة عليها فاعلم أنك مغرور أحمق من الهلكى.

وسيأتينا تقرير هذا إخوتي الكرام في الموعظة الآتية ن شاء ربنا الرحمن أما هذه الموعظة فسأتكلم على تفريطنا في جانب الاجتناب ووقوعنا في معصية الكريم الوهاب سبحانه وتعالى أما فيما يتعلق بالطاعات فسأرجئ الكلام على تفريطنا نحو طاعة ربنا في جانب الامتثال في جانب فعل المأثورات إلى الموعظة الآتية إن شاء الله أما هذه الموعظة فهي فيما يتعلق في الوقوع في المحضورات في المنهيات في المخالفات عباد الله نهانا الله جل وعلا عن معصيته ولا يتحقق الإنسان بوصف التقوى إلا إذا اجتنب ما حرم الله عليه ونهاه عنه. خلى الذنوب صغيرها ... وكبيرها ذاك التقي واصنع كماسٍ فوق أرض ... الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةً إن ... الجبال من الحصى ولذلك قال العبد الصالح بلال بن سعد وحديثه رواه البخاري في الأدب المفرد وأخرج له أبو داود في كتاب القدر وهو من رجال الإمام النسائي في السنن عبد صالح من العلماء الربانيين توفي سنة 120هـ بلال بن سعد يقول هذا العبد الصالح لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر إلى عظمة من عصيت. ومن كلام هذا العبد الصالح كأنه يتكلم عن حالنا فيقول: لا تكن ولياً لله في العلانية وعدواً له في السر نعم إن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر وأشنع الكبائر الإشراك بالله عز وجل وأصغر الصغائر لا يعلم وقد أخفاها الله عنا ليكون العباد على وجلٍ شديد من كل ذنب وخشية أن يكون ذلك الذنب مهلكا والإنسان لا يدري ولئلا يقول قائل هذا أصغر الذنوب فلا حرج على في فعله الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر أكبر الكبائر معلوم وأصغر الصغائر استأثر بعلمه الحي القيوم سبحانه وتعالى.

وأنت لن تتحقق بصفة التقوى إلا إذا اجتنبت جميع المخالفات من صغائر الذنوب وكبائرها إذا كان الأمر كذلك فكل واحد يعيد النظر إلى نفسه ويتأمل حاله والإنسان على نفسه بصيرة هل نجونا من مخالفات الله وهل ابتعدنا عما حرمه الله علينا والله إننا نخوض في المخالفات ولا يسعنا إلا عفو رب الأرض والسموات ثبت في المسند وصحيح مسلم من حديث أبي ذرٍ رضي الله عنه وأرضاه في حديثه الطويل عن نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام عن الله الكبير في الحديث القدسي الذي يقول في أوله يا عبادي إن حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ثم يقول الله جل وعلا في هذا الحديث القدسي يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم. اللهم أغفر لناما قدمنا وما أخرنا وما أعلنا وما أسررنا وما أنت أعلم به منا فاستغفروني أغفر لكم نحن نسبح في الخطايا والذنوب ونحن نموج بالبلايا والعيوب وصفة التقوى إذا لا نتصف بها والله لا تتقبل العمل إلا من المتقين وكيف سنقابل أحكم الحاكمين هذا لا يعلمه إلا الله ونسأله أن يعاملنا بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ولذلك إخوتي الكرام لو حوسبنا على تفريطنا وتقصيرنا في حق ربنا لأُلقينا على وجوهنا في نار جهنم فحقيق بنا إذا كنا من الأكياس أن نخاف رب الناس "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار " إن كل من يحاسبه الله يوم القيامة يهلك ويلقى في نار جهنم. لكثرة تفريطنا في حق ربنا جل وعلا وقد ثبت في المسند والصحيحين من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من حوسب عذب " وفي رواية " من نوقش الحساب هلك " فقالت أنا عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يقل الله. فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا في سورة الانشقاق فسوف يحاسب حساباً يسيرا إذاً يأخذ كتابه بيمينه ويحاسب وأنت يا خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه تقول من حوسب عذب. من نوقش الحساب هلك فقال ليس ذا لكِ إنما ذا لكِ العرض ولكن من حوسب عذب ومن نوقش الحساب هلك فالحساب يسير هو أن تعرض الصحف من قبل الله الجليل على عباده المؤمنين هذا هو الحساب فيقول الله لهم سترتكم في الدنيا وأستركم في الآخرة لكن من ناقشه الله وحاسبه عذبه وأهلكه من حوسب عذب. ومن نوقش الحساب هلك نعم إننا نفرط في حق ربنا في ليلنا ونهارنا وقد جلى لنا نبينا صلى الله عليه وسلم هذا بحديثه الذي يخبر فيه عن نفسه وعن روح الله وكلمته نبي الله عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فيقول والحديث رواه ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم في الحلية ورواه البزار في مسنده والإمام الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه: قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان الإبهام والتي تليها السبابة لعذبنا ثم لم يظلمنا".

سبحانك ربي سبحانك ربي إذا كان هذا حالك مع نبيك خير خلقك عليه الصلاة والسلام ومع كلمتك وروحك لو حاسبتهما على ما يصدر من إصبعين فقط من أعضائهما في حقك حول الإبهام وحول السبابة لعذبنا دون ظلم منك فكيف يكون حال من عداهما إن عباد الله الأخيار تتقطع قلوبهم عندما يسمعون مثل هذا "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار". أخي المؤمن أنت على يقين من ذنبك وتفريطك وأنت بعد ذلك لست على يقين من مغفرة الله لك ورحمته بك أمرك موكول إليه أما يجب عليك أن تتصف بهذه الصفة التي نعت الله بها الرجال "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار" "لو يؤاخذنا الله وابن مريم بما جنت هاتان لعذبنا ثم لم يظلمنا " نعم كل من نجا من النار فما نجا إلا بمغفرة العزيز الغفار وكل من دخل الجنة فما دخلها إلا برحمة الله القهار فتلك نجا منها بمغفرة الله وهذه دخلها رحمة الله جل وعلا. مال للعباد عليه حق واجب ... كلا ولا سعى لديه ضائع إن عذبوا فبعد له أو نعموا ... فبفضله وهو الكريم الواسع فإن يثبنا فبمحض الفضل أو يعذب فبمحض العدل والله جل وعلا عنده في الآخرة داران لا ثالث لهما دار العدل وهي النار ودار الفضل وهي الجنة فمن دخل النار فبعدل الله ومن دخل الجنة فبفضل الله.

وقد ثبت في المسند والصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لن يدخل أحد منكم بعمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " وهو الذي يقول عليه الصلاة والسلام " لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان لعذبنا ثم لم يظلمنا. ولا أنت لا تدخل الجنة أيضا بعملك وأنت أتقى الخلق للحق وأنت أعبد الخلق لله جل وعلا ولا أنت ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ولا يشكلن عليك أيها الأخ الكريم هذا الحديث وأمثاله مما ورد أن الجنة دار فضل وأن من دخلها فبرحمة الله وفضله وجوده وكرمه مع الآيات التي ++ أن المؤمنين يدخلون الجنة بأعمالهم كقول الله جل وعلا: "وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون" لا يشكلن عليك هذا فالباء هنا غير الباء هناك وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون للسببية العادية وأماّ لن يدخل منكم بعمله الجنة للمعارضة ما عنده عمل يبذله ثمنا يعاوض به عن دخول الجنة لا يوجد إلا فضل الله ورحمته.

وأما هناك للسببية العادية وسيأتينا إيضاح هذا بإذن الله وتقريره عند الجانب الثاني ألا وهو تفريطنا في حق الطاعات فأذكر هذا الجواب الذي ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله وغفر للمسلمين أجمعين ذكره في أول كتاب مفتاح السعادة ومنشور ولايتي العلم والإرادة في مقدمة الكتاب في صفحة ثمانية من الجزء الأول والحافظ ابن حجر أضاف إلى هذا الجواب أربعة أجوبة أخرى أفصل الكلام عليها عند تفريطنا في حق ربنا في جانب الطاعات في الموعظة الآتية بإذن رب الأرض والسموات لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان لعذبنا ثم لم يظلمنا وهكذا حال الخليقة بأسرها من الملأ الأعلى إلى الملأ الأسفل لو حاسبهم الله لعذبهم كما أخبر عن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وسنن ابن ماجه وسنن أبي داود والحديث رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة وإسناده صحيح من رواية زيد بن ثابت والحديث رواه الطبراني عن ثلاثة من الصحابة أيضاً عن عمران بن حصين وعن عبد الله بن مسعود وعن أبي بن كعب رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو عذب الله أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته خير من أعمالهم " لو عذب الله أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم فهم الخطاءون في جنب الحي القيوم يخطئون بالليل والنهار ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً من أعمالهم.

نعم ألم يقل الله جل وعلا مقرراً هذا في كتابه في آخر سورة فاطر ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ودابة نكرة دخلت قبلها من في سياق نفي تفيد العموم وهي نص في العموم ما يترك مخلوق من إنس وغيره لو حاسبهم الله جل وعلا على ما يصدر منهم ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا. هذا أعلم بعباده فيمن على المؤمنين بجنة النعيم ويعاقب الكافرين بنار الجحيم فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا.

ثبت في مستدرك الحاكم بسند صحيح أقر عليه الذهبي عن أبي الأحوص: قال قرأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه هذه الآية ثم قال: كاد الجُعَلْ أن يموت في جحره بذنب بن آدم والحبل دويبة صغيرة بحجم الصرصر تعيش في الأقذار والأوساخ كاد هذا المخلوق أن يموت بذنبنا وبمعصيتنا لربنا فالبلاء عندما ينزل يعم الإنس وغيره ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة. كاد الجعل أن يموت بجحره بذنب بن آدم ولذلك إذا غفر لابن آدم ما يصدر منه من تقصير نحو الحيوان البهيم فقد غفر الله له شيئا كثيراً كما قرر هذا نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان من رواية أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه وإسناد الحديث صحيح والحديث رواه عبد الله ولد الإمام أحمد رضوان الله عليهم أجمعين موقوفاً على أبي الدرداء من كلامه وزيادة الثقة مقبولة فالحديث روى من كلام أبي الدرداء موقوفاً عليه وروى مرفوعاً إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثيرا " مما يصدر منكم من ذنوب وتتضرر البهائم بسببكم ومما يقع أيضاً من معاملة سيئة منكم لتلك البهائم لو غفر الذنوب المتعلقة بينكم وبين البهائم التي فيها تفريط في حق البهائم لغفر الله لكم كثيراً ذنوب كثيرة غفرت.

إخوتي الكرام: هذا حقنا في جانب المنهيات في جانب المعاصي هذا حالنا في جانب المنهيات في جانب المعاصي في جانب المخالفات ولذلك إذا استحضر المؤمن هذا وعلم أنه يخوض في معصية الله ليلاً ونهاراً فسينقطع قلبه ويخاف من الله ولا بد فمن أسباب خوف المكلفين من رب العالمين استحضارهم لتقصيرهم فمن علم أنه مقصر في الطاعة وأنه مرتكب للمعصية سيخاف من الله عز وجل ولا بد وقد صور لنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حل المؤمن ومن خرج عن هذا الوصف فهو كافر منافق وهذا التصوير عن هذا العبد الصالح الجليل رضوان الله عليه ثابت في صحيح البخاري وسنن الترمذي والأثر رواه أبو نعيم في الحلية ورواه شيخ الإسلام الإمام عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق وهو من أصح الآثار فهو في صحيح البخاري وغيره كما سمعتم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه تحت جبل ويخاف أن يقع عليه وإن المنافق وفي رواية وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال بيده هكذا".

انظر لهاتين الصورتين لتعلم ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن في هذه الحياة يرى ذنوبه كأن الذنوب جبل فوقه ويخاف أن يقع هذا الجبل عليه وإنما صور الذنوب بالجبل لشدة خوف المؤمن من الله جل وعلا فالجبل إذا وقع على من تحته لا يمكن نجاتهم ولذلك هو يقطع قلبه خوفاً وخشية من ربه عز وجل وأما ذاك عندما يقع في الذنوب والعيوب كذباب وقع على أنفه وإنما خص الأنف بالذكر من باب تهوين المعصية عند المعاصي لأنه قل أن يقع الذباب على الأنف فأكثر وقوعه على العينين وعلى الجبين ووقوعه على الأنف قليلٌ قليل وعليه خص الأنف هنا كأنه إذا استحضر العاصي والفاجر والمنافق ذنبه إذا استحضر الأمر يسير عمل هكذا فطار ذلك الذباب وعليه كأنه لا يستحضر ذنبه وإذا استحضره أحياناً نقول رحمة الله واسعة إذا استحضر الذنب أحياناً منىّ نفسه بالمغفرة والقالب أن الذنب لا يخطر على باله وأما ذاك المؤمن الموحد حاله كحال من هو تحت جبل ويخشى أن يقع ذلك الجبل عليه.

نعم إخوتي الكرام هذا هو وصف عباد الرحمن "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار" ولذلك إخوتي الكرام كلما عظيم الإيمان في قلب الإنسان وكلما صفا قلبه كلما اشتد من خشية الله جل وعلا وكلما كثر خوفه وقد ثبت هذا عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وبينوا لنا اختلاف المتأخرين عن السابقين الصادقين نُقل هذا عن أنس وعن أبي سعيد الخدري وعن عبادة بن قرط وقيل قرص وإليكم آثارهم أما اثر أنس فثبت في صحيح البخاري عن أنس وأما أثر أبي سعيد الخدري نفى مسند الإمام أحمد ومسند البزار بسند رجاله رجال الصحيح كما قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي والإمام العراقي عليهم جميعاً رحمة الله وأما أثر عبادة بن قرط رضي الله عنهم أجمعين فرواه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وأبو داود الطيالسي ورواه الإمام الدارمي في سننه ولفظ الآثار الثلاثة بمعنى واحد وهو يقول أنس وأبو سعيد وعبادة ابن قرط رضي الله عنهم أجمعين " إنكم لتعلمون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات " وهذا يقوله أنس رضي الله عنه للطبقة الثانية في هذه الأمة بعد الصحابة. وهكذا أبو سعيد وهكذا عبادة بن قرط " إنكم لتملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كما نعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات " قال حميد بن هلال لأبي قتادة راوي الحديث فكيف لو أدركوا زماننا فكيف لو أدرك عبادة بن قرط زماننا ماذا كان يقول قال كان لذلك أقْوَل بقول أكثر وأكثر إنكم تعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر سيقول إن تعملون أعمالاً لا ترونها شيئاً ليست أدق من الشعر كنا نعدها من المهلكات من قاصمات الظهور.

وقيل كما في المسند وسنن الدارمي لشيخ الإسلام محمد بن سيرين عليهم جميعاً رحمة رب العالمين قيل له ألا تسمع إلى أثر عبادة بن قرط: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات قال نعم أرى جر الإزار فيها نعم أرى جر الإزار منها فالسلف رضوان الله عليهم أجمعين الصحابة الكرام الطيبون يحذرون هذا غاية الحذر غاية الخشية فجاء المتأخرون يسترسلون يجر ثيابه وإذا جر ثوبه وكلّمته يقول وماذا في هذا والقلب نظيف ولا أقصد كبراً ولا علواً ولا فخراً ولا رياءً. وانظر إلى محمد بن سيرين وهو من أئمة التابعين يقول أرى جر الإزار منها أي يجر الإزار ويرون أن هذا أدق من الشعر لكن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعدونه من الموبقات كيف لا وقد ثبت في المسند وسنن أبي داود وابن ماجه والحديث رواه ابن حبان في صحيحه ورواه البيهقي في السنن الكبرى ورواه الحميدي في المسند وإسناده صحيح من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه. إزرة أي الحالة التي يأتزر بها ويلبسها إلى أنصاف ساقيه ولا حرج ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين ومرخص له أن يمد إزاره وثوبه إلى الكعبين فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار ومن جر إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة إذاً عقوبتان إذا نزل الإزار عن الكعبين فهو في النار قصدت الخيلاء أم لم تقصد وإذا جررت إزارك بطراً ورياءاً فمع دخولك النار تعقب بالعقوبة التي هي أعظم وأفضع أن الله لا ينظر إليك يوم القيامة ومن جر إزاره بطراً لم ينظر الله إليه يوم القيامة أرى جر الإزار منها إنكم لتعملون إعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات.

عبادة بن قرط وقيل قرص وهو أحد الصحابة الثلاثة الذين أثر عنهم هذا الأثر كما ذكرت قبل رضي الله عنه وأرضاه مظلوماً شهيداً على يد من يدعون التوحيد في العصر الأول سنة 41هـ بعد مقتل علي على يد من يدعون التوحيد أيضاً بعد مقتل علي رضي الله عنه وأرضاه بسنة فعلي رضي الله عنه قتل على يد الموحدين والتعبير الصحيح عنهم على يد الملحدين ليسوا بأهل توحيد إنما أهل شقاق وتلحيد قتل على يد الخوارج وهكذا هذا العبد الصالح عبادة بن قرط كما ثبت في كتاب التاريخ الكبير للإمام البخاري عليه رحمة الله والأثر روى في تراجم الصحابة كالإصابة وأسد الغابة وغيرهما أنه كان في سفر في بلاد الأهواز وكان في غزوة فلما عاد سمع أذاناً فاتجه جهة الآذان فرأى أناساً يريدون الصلاة فلما رأوه عرفوا أنه من الصحابة قالوا من أنت قال أنا أخوكم أنا من عباد الله المؤمنين قالوا أنت أخ للشيطان الرجيم قال ويحكم ألا تقبلون مني ما قبله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جئته وأنا مشرك فقلت لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقبل ذلك مني وتركني وأنا إذا كنتم تحكمون عليّ بالكفر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فقاموا وبقروا بطنه وقتلوه عبادة بن قرط عبادة بن قرص رضي الله عنه وأرضاه وهو من الصحابة يدعون أنهم يجددون الدين وأنهم أهل توحيد أهل تلحيد وقد خشي النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة أمثال هذه الصنف الخبيث وما أكثرهم في هذه الأيام يصولون على أمة خير الأنام عليه الصلاة والسلام بالتكفير والتبديع وما يمنعهم من استحلال دمائهم إلا أنهم لا سلطان عندهم ولو مكن لهم لتقربوا إلى الله بشرب دمائنا وقطع رقابنا باسم التلحيد يطنطنون به ويدورون حوله خشي علينا نبينا صلى الله عليه وسلم من هذا الصنف الضال المضل الذي زين له سوء عمله فصده الشيطان عن السبيل وهو يظن أنه من المهتدين.

ثبت في مسند البزار ومسند أبي يعلى والحديث قال عنه الإمام الهيثمي في المجمع إسناده حسن وقال عنه الإمام ابن كثير في تفسيره إسناده جيد من وراية حذيفة ابن اليمان رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إن مما أتخوف عليكم رجلٌ قرأ القرآن حتى إذا رؤي عليه بهجته ونظارته وكان ردئ الإسلام اعتزل إلى ما شاء الله ثم انقلب على جاره فرماه بالشرك وقاتله بالسيف قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحق بالشرك الرامي أو المرمى قال الرامي " قرأ القرآن وتعبد ثم خرج بعد ذلك على أمة خير الأنام عليه الصلاة والسلام ينبذهم بالضلال والكفر بالبدعة ولا توجد هذه الأوصاف إلا فيه هوالذي يضلل أمة النبي صلى الله عليه وسلم ويصول عليه ويجول وما يمنعه كما قلت من إراقة دمائها إلا أن الله حال بينه وبين الحكم ونسأل الله أن يكفينا شرور أنفسنا وشر كل ذي شر إنه أرحم الراحمين واكرم الأكرمين إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات.

ومثل هذا أيضاً يقول حذيفة ابن اليمان رضي الله عنهما مبينا اختلاف الأحوال كيف تغير الناس عما كانوا عليه في العصر الأول وأثر حذيفة في مسند الإمام أحمد وفي إسناده أبو الرقاد الكوفي وهو الراوي عن حذيفة رضوان الله عليهم أجمعين أبو الرقاد قال عنه الإمام الحافظ ابن حجر في التقريب مقبول وقد أخرج له النسائي في كتاب فضائل على رضي الله عنهم أجمعين والأثر أورده الإمام العراقي في تخريج أحاديث الإحياء فقال في إسناده جهالة لوجود هذا الرجل أبي الرقاد وقد حكم صاحب كتاب بلوغ الأماني بشرح الفتح الرباني بأن إسناده جيد وكما قلت لا وجود في إسناده إلا هذا العبد الصالح أبو الرقاد الكوفي الراوي عن حذيفة حكموا عليه بأنه مقبول والحديث كما تقدم الأثر له شواهد يقول حذيفة رضي الله عنه وأرضاه: كان الرجل منا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلمة فيصير بها منافعنا وإني أسمعها في المقعد الواحد من أحدكم أربع مرات.

كان الرجل إذا تكلم بكلمة مما يتكلم به المتأخرون في مجالسهم يتكلم بكلمة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيصبح بها منافقا إلى يوم لقاء ربه وإنني أسمعها في المقعد الواحد من أحدكم أربع مرات وما أكثر الألفاظ التي نلوك ألسنتنا بها ولا نبالي بها من استهزاء بشعائر الدين ومن احتقار لحملته ومن بعد ذلك تهوين لأمر رب العالمين عندما تأمره بطاعة يقول هذا هين وعندما تنهاه عن معصية يقول هذا سهل ومن هذه العبارات كل هذا يخشى على فاعله أن يخرج من دين الله عز وجل كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير بها منافقاً وإن أسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات ثم قال حذيفة رضي الله عنه وأرضه والله لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتحاضن على الخير أو ليسحتنكم الله بعذاب من عنده أو ليأمرن عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم إخوتي الكرام إن المحقرات التي لا يبالي بها المخلوقات إذا اجتمعت على الإنسان أهلكته وألقته في أسفل الدركات.

وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم ما نحتقره من أعمالنا وما نفعله دون مبالاة تهدينا لشأنه واحتقاراً لأمره حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك غاية التحذير ففي مسند الإمام أحمد وصحيح بن حبان وسنن النسائي وابن ماجه من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاه أن النبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إياك ومحقرات الذنوب إياك ومحقرات الأعمال فإن لها من الله طالباً والحديث رواه الإمام أحمد في المسند أيضاً والطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ورواه الإمام أحمد في المسند والطبراني في معاجمه الثلاثة والبيهقي في شعب الإيمان والضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة من رواية سهل بن سعد أنهما قالا عبد الله بن مسعود وسهل بن سعد رضي الله عنهم أجمعين قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم ومحقرات الذنوب فإنها إذا اجتمعت على الرجل أهلكته. ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلا فقال. كمثل قوم نزلوا في فلاة فأرادوا أن ينضجوا طعامهم فأتى هذا بعودةٍ وهذا بعودة وهذا بعودة جمعوا هذه العيدان حتى جمعوا حطباً كثيراً فأججوا ناراً وأنضجوا طعاماً وهكذا المحقرات " أي الذنوب التي لا يبالي بها الإنسان وبعدها صغيرة أذا اجتمعت على الإنسان أهلكته فلا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن الشيطان أيس من أن تعبده هذه الأمة أي عبادة عامة كاملة بحيث تخرج عن دينها وترتد لكن سيرضى منها الشيطان بما تحتقره من أعمالها.

ثبت الحديث في ذلك في سنن الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح من رواية عمرو بن الأحوص رضي الله عنه وأرضاه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر في حجة الوداع: أي يوم هذا فقلنا هذا يوم النحر هذا يوم الحج الأكبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إلا عن دمائكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه ألا لا يجني والدٌ على ولده ولا مولود على والده " كل نفس بما كسبت رهينة ولا يتحمل وزر أحد ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلادكم هذه أي عبادة عامة من قبل الجميع ولكن رضي بما تحتقرون من أعمالكم " ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به فهذه المحقرات إذا ابتلى بها المخلوقات أهلكتهم وأردتهم وألقتهم في أسفل الدركات. إخوتي الكرام: وإذا تأمل الإنسان حاله لا يخلو من ذنوب وعيوب وعليه ينبغي أن يشتد خوفه من علام الغيوب هذه المحقرات هذه الذنوب التي يعتبرها كثير من الناس سهلة يسيرة انظروا لآثارها عند الله جل وعلا.

ثبت في معجم الطبراني الأوسط والحديث رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت من رواية كعب بن عجرة رضي الله عنه وإسناد الحديث حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم زار كعب بن عجرة في مرضه فقالت أمه هنيئاً يا كعب هنيئاً لك الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم من المتألية على الله فقال كعب هذه أمي يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال يا أم كعب وما يدريك لعل كعباً كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يمنع مالا يغنيه سبحانك ربي سبحانك ربي إذا تكلم فيما لا يعنيه أو بخل بما لا يغنيه بالشيء اليسير ذلك يحول بينه وبين الجنة والحديث رواه الترمذي وأبو يعلى والإمام ابن أبي الدنيا من كتاب الصمت من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال استشهد غلام منا يوم أحد فوجدنا على بطنه حجراً مربوطاً من شدة الجوع رضي الله عنه وأرضاه فبكت باكية وقالت هنيئاً لك الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يمنع ما لا يضره " أي لا يضره إنفاقه شيء قليل لا يجود به أو يحرك لسانه فيما لا ينفعه في دنياه وفي آخرته.

والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان ورواه ابن أبي الدنيا أيضاً وأبو يعلى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال مات رجل منا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال قائل هنيئاً لله الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يبخل فيما لا ينقصه " بما لا يضره بما لا يغنيه كما تقدم معنا الكلام فيما لا يعني من المحقرات التي لا أقول إنها أدق في أعيننا من الشعر إننا نعتبرها عبادة في هذه الأوقات إذا شغلنا مجالسنا بالهذيان والقيل والقال فيما لا يعنينا دون أن نخوض في غيبة ونميمة وقذف وبهتان فنعتبر أنفسنا من الصديقين ونبينا الأمين عليه الصلاة والسلام يعتبر من وقع في هذا فقد صار بينه وبين الجنة حائل لعله يتكلم فيما لا يعنيه أو يمنع ما لا يغنيه. وثبت في شعب الإيمان للإمام البيهقي وفي كتاب الحلية لأبي نعيم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنهما قال اجتمع نسوة عند أمنا عائشة رضي الله عنهن أجمعين فقالت امرأة منهن والله لأدخلن الجنة أسلمت وما زنيت وما سرقت ثم انفض النساء فلما نامت هذه المرأة في المساء رأت في منامها قائلاً يقول لها أنت المتألية على الله تقولين ستدخلين الجنة وكيف تدخلينها وأنت تتكلمين فيما لا يعنيك وتبخلين بما لا يغنيك. أنت تدخلين الجنة وفيك هاتان الصفتان فلما استيقظت ذهبت إلى أمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين وعرضت عليه ما رأته في منامها فجمعت النسوة وأمرتها أن تذكر للنسوة ما سمعته في منامها.

إخوتي الكرام من استحضر تقصيره سيخاف من ربه عز وجل هذا اللسان خلقه الله جل وعلا ليسبحه وليذكره وليهلله وليشتغل بالفوائد لينال المفائم والفرائد ورحم الله امرءاً قال خيراً فغنم أو سكت عن شر فلم وإذا أطبقت لسانك في الهذيان فيما لا يغنيك فقد جعلت حاجزاً بينك وبين جنة الله ورضوانه فكيف لو أطلقت اللسان في لدغ بني الإنسان وسلطه عليهم كأنه تنين وثعبان كيف سيكون حالك وكل واحد على نفسه بصيرة يعلم ما يخطئ في حق الله إن كان بلسانه وإن كان بعد ذلك بجوارحه الأخرى. إخوتي الكرام: لا بد من أن نضبط أنفسنا وأن نمنعها من مخالفة ربنا وإذا وقع منا ما وقع وكلنا مخطئون فينبغي أن نخاف من الحي القيوم إخوتي الكرام من تمام إيمان الإنسان وكماله وصدقه في إيمانه أنه يضبط لسانه ولا يتكلم إلا بخير. كما ثبت في المسند والصحيحين وسنن النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" إما أن تنطق بما ينفع وإما أن تسكت والسكوت من صفات الطيبين الخيرين المؤمنين الصادقين. إن كان يعجبك السكوت فإنه ... قد كان يعجب قبلك الأبرار ولئن ندمت على سكوتك مرة ... فلتندمن على الكلام مرارا إن السكوت سلامةٌ ولربما ... زرع الكلام عداوة وضرارا أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يحفظنا من مخالفته ومعصيته واسأله أن يوفقنا لطاعاته ومرضاته وأسأله أن يعاملنا برحمته ومغفرته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد إخوتي الكرام: أننا نعيش في عصر حقيقة اختلت فيه الموازين وإذا كان الإنسان يقع في معصية لرب العالمين فهذه طبيعة البشرية لكننا نتفنن في هذا الحين في معصية العالمين قد وصل بنا الشطط والسفاهة أننا نلقي أعظم الأوصاف وأبلغ عبارات المدح على العصاة وعلى الغواة ما كفانا أننا عصينا ربنا وأنه يجب علينا أن يذكر بعضنا بعضا بالتوبة النصوح والرجوع إلى الله جل وعلا بل بدأنا بعد ذلك نتمادح ونثني على بعضنا بأعظم أوصاف الخير مع أننا نخوض في المنكرات والشر وإذا كان الممدوح وصلت به السفاهة والعمى أنة يرضى أن يمدح بالباطل فأنا أعجب حقا لمن يثنون على من يعصون الله جل وعلا على بعض المنابر يثنون على من يعصون الله جل وعلا ويمدحونهم ويطرحونهم ويبيعون دينهم بدنيا غيرهم فذا كان الممدوح الذي يمدح بالباطل ويرضى فهذا قليل العقل ويدل على سخفه والله توعده بعذاب أليم ولم يكون من الفائزين يوم الدين فكيف سيكون حال المادح بالباطل عندما يضلل ذلك الإنسان ويؤذي عباد الرحمن في البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه حقيقة.

إن الأمر كما قال شيخ الإسلام أيوب السختياني عليه رحمة الله عندما قال لا خبيث أخبث من قارئ فاجر نحن أمة نعتنا الله بأننا نؤمن به ونعمل الصالحات ونتواصى بالحق ونتواصى بالصبر لسنا بأمة نضلل عباد الله ونطرى العصاة بما نهانا عنه الله وهذا إذا فعل بغير بيوت الله لكان معيباً فكيف إذا فعل في بيوت الله إن الأمر كما قلت عجيبٌ عجيب وما أعلم لزماننا نظيراً ما أعلم له مثيلاً انظروا إلى العقوبة التي يتوعد الله بها من يرضى أن يمدح بالباطل بما لم يفعله بالخيرات والصالحات. يقول الله جل وعلا في آخر ربع من سورة آل عمران: "لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم". والآية نازلة في المنافقين وفي اليهود كما نقل عن سلفنا الطيبين لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا أي من المعاصي والضلال الإضلال عضوا ذا العزة والجلال ثم بعد ذلك فرحوا إذا مدحوا بأنهم على خير وصلاح أما كفاكم ضلالاً لا أنكم عصيتم الله ثم تريدون لقب ولاية الله والله ماطع الشيطان بهذا وشياطين الإنس في هذه الأيام كيف وصل الضلال بذلك الذي يلوث المنابر فيقول فيها هذا الكلام الباطل لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم فهذا هو حق الممدوح فكيف ستكون العقوبة في حق المادح الذي باع دينه بدنا غيره وضلل غيره وما نصحه وما اتقى الله فيه.

والآية إخوتي الكرام يمكن أن تكون نازلة فيمن عمل الصالحات ثم فرح عجباً وفرحاً وبطراً وفخراً وأراد أن يمدح بصالحات لم يعملها كما نص على ذلك الإمام الخطيب الشربيني في كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض كلام ربنا الحكيم الخبير ومعنى الآية لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا بما فعلوه من صالحات فرح عجيب وبطر وأشر ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا أي بصالحات أخرى لم يفعلوها فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم. إخوتي الكرام: هذا اللسان ينبغي أن نضبطه وأن نتقي الرحمن وينبغي أن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر وأما أن نتمادح بالباطل وأن نقول للعاصي الجاهل إنك ولي كامل والله هذه بلية ما سبق لها مثيل وهذا العصر الذي نعيش فيه عصر اختلال الموازين. إخوتي الكرام إن المحقرات التي نغوص فيها ستهلكنا إذا لم نع أمرنا ولم نعد إلى ربنا وأما الذنوب الواضحات التي هي معلومة عند المخلوقات فلا أريد أن أفيض في الكلام عليه لكن أذكر نماذج منها من باب ذكر المثال على غيره هذه معلومة وأما المحقرات قلت هذه لا نبالي بها وهي من المهلكات أما الذنوب الأخرى التي هي واضحة وتفعل على أنها معصية فهذه أيضاً كثيرة والأمة تخوض فيها منها قطيعة الرحم وقطيعة الرحم سبب للمنع من دخول الجنة كما ثبت في المسند والكتب الستة إلا سنن النسائي من رواية جبير بن مطعم رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لا يدخل الجنة قاطع " يعني قاطع رحم ومنها الغيبة والنميمة وقد فاشتا فينا غاية الفشو وقد ثبت في المسند والكتب الستة إلا سنن ابن ماجه من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخلن الجنة فتات " يعني نمام ومنها الكبر والغلو الذي يحصل في كثير من النفوس والخيلاء والتكبر على عباد الله.

وقد ثبت في المسند وصحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي من رواية عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يدخلن الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل يعجبه أن يكون نعله حسنة وثوبه حسن قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر –الحق رده وجحده- وغمط الناس" احتقارهم وازدراؤهم. وثبت في سنن النسائي بإسناد صحيح من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر" عاق لوالديه بما اعطى يدمن الخمر لا يدخلون الجنة هذه كلها ذنوب يفعلها الناس ويعملون شناعتها. وثبت في المسند والصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا من يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال الذي لا يأمن جاره بوائقه". وثبت في المسند والصحيحين أيضا من رواية أبى هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزني الزاني حين يزن وهو مؤمن ولا يسرق السارق حسن يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". هذه ذنوب وعيوب تخوض فيها الأمة وهي معلومة وهناك محقرات نخوض فيها ونسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يحفظنا من جميع الذنوب والعيوب إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. اللهم ألهمنا رشدنا واحفظنا من شرور أنفسنا يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فاصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبة تسليماً كثيرا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا. اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا. اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم أغفر لمن وقف هذا المكان المبارك.

اللهم أغفر لمن عَبَدَ الله فيه اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات والحمد لله رب العالمين.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".

أقسام النفاق

أقسام النفاق (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم أقسام النفاق الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد:

معشر الأخوة المؤمنين أفضل بقاع الأرض وأحبها إلى الله جل وعلا المساجد كيف لا وهي بيوته وفيها نوره وهداه وقد نعت الله الذين يعمرونها بأنهم رجال ووصفهم بأربع خصال لا تلهيهم البيوع والتجارات من طاعة رب الأرض والسماوات يعبدون الله ويعظمونه ويصلون له ويسبحونه يشفاقون على عباد الله ويحسنون إليهم، ويبذلون ما في وسعهم استعداد للقاء ربهم {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقامِ الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . كنا نتدارس إخواتي الكرام الصفة الرابعة من صفات هؤلاء الرجال العظام ألا وهي خوفهم من ذي الجلال والأكرام يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار وقد مر معنا تعريف الخوف وبيان منزلته في شريعة الله جل وعلا وثمرات الخوف التي يحصلها الخائفون في العاجل والآجل وكنا نتدارس الأمر الرابع من مباحث الخوف في أسباب خوف المكلفين من رب العالمين وقلت إن الأسباب مهما كثرت وتعددت وتنوعت يمكن أن ترد إلى ثلاثة أسباب: أولهما: إجلال الله وتعظيمه. وثانيهما: خشية العبد من ربه من أجل تفريطه في حقه وجنبه سواء كان ذلك التفريط يتعلق بالتقصير في المأمورات أو بارتكاب المنهيات المحظورات. وقد تقدم الكلام إخواتي الكرام على هذين السببين في المواعظ الماضية وشرعنا في مدارسة السبب الثالث من أسباب خوف المكلفين من رب العالمين ألا وهو الخوف من سوء الخاتمة وقلت إن أسباب سوء الخاتمة كثيرة أيضاً ويمكن أ، ترد إلى سببين اثنين. أولهما: الأمن على الإيمان من الذهاب والفقدان فما أحد أمن على إيمانه أ، يسلبه إلا سلبه عند موته نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا وأن يحسن ختامنا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وقد مر الكلام إخواتي الكرام على هذا السبب مفصلا بأدلته.

السبب الثاني: من أسباب سوء الخاتمة: هو اغترار المكلفين في الحالة الحاضرة والعجب بما يصدر عنهم من طاعات ناقصة قاصرة والغفلة عما في المكلفين والمكلفات من بليات مهلكات وقلت إن هذه البليات تتنوع إلى ثلاثة أنواع: أولهما النفاق، وثانيهما البدعة، وثالثها الحرص على الدنيا والركون إليها وقد شرعنا أيضا في مدارسة الأمر الأول من هذه الأمور الثلاثة ألا وهو النفاق وبينت وجه كون النفاق مسبباً لسوء الخاتمة باتفاق وقد كان في عزمي كما ذكرت في الموعظة الماضية أن أتكلم عن كل سبب من هذه الأسباب الثلاثة في موعظة كاملة ولكن قدر الله وما شاء فعل فما انتهينا من مدارسة السبب الأول فيما يتعلق بالأمر الثاني من أسباب سوء الخاتمة ووصلنا عند أقسام النفاق ولذلك أريد أن أبدأ في هذه الموعظة من حيث وقفنا في الموعظة الماضية.

إخواتي الكرام إذا كان النفاق كما تقدم معنا هو اختلاف السر والعلن والمدخل والمخرج واختلاف الظاهر والباطن فإن النفاق ينقسم إلى قسمين اثنين باتفاق أئمتنا الكرام وقد ثبت هذا في سنن الترمذي في كتاب الإيمان نر باب صفة المنافق عن إمام المسلمين وسيدهم في زمنه أبي سعيد الحسن البصري عليه رحمة الله ورضوانه أنه قال كما في سنن الترمذي في المكان المشار إليه النفاق نِفَاقَان نفاق التكذيب ونفاق العمل فالنفاق ينقسم إلى قسمين اثنين نفاق أكبر وهو نفاق التكذيب ونفاق أصغر وهو نفاق العمل وهذا موضوع موعظتنا في هذه الموعظة المباركة ونسأل الله أن يحفظنا من النفاق بقسميه وأن يجعلنا من المؤمنين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين إخواتي الكرام، أما النفاق الأكبر وهو نفاق التكذيب فهذا هو المخرج من ملة الاسلام وهذا هو الموجب لصاحبه الخلود في النيران ومحله القلب والجنان بحيث ينطق الإنسان بالإيمان عن طريق اللسان لكنه يبطن في قلبه الجحود والكفران ويدخل في هذا النفاق أعني النفاق الأكبر نفاق التكذيب يدخل فيه أيضا اعتقاد الإنسان لما يناقض أصل الإيمان فمن وجد في قلبه شئ يناقض أصل الإيمان كما يتصف بذلك أهل التباب والخسران فهذا من المنافقين النفاق الأكبر ونفاقه نفاق تكذيب وليس له في الإسلام نصيب وهو من المخلدين في نار جهنم يوم الدين هذا الذي يدخل في هذا النفاق أيضا كما قلت أن يقوم في قلب الإنسان شرر يناقض أصل الإيمان كما لو اعتقد الإنسان أنه لا يجب عليه أن يصدق النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخبر ولا يجب عليه أن يطيعه فيما أمر ولا يجب عليه أن يطيعه فيما عنه نهى وزجر وحذر فمن قام هذا في قلبه وجعل النبي عليه الصلاة والسلام واحدا من الأنام كلامه قابل للحق وللبطلان من جعل هذا النبي عليه الصلاة والسلام فلا شك في نفاقه وإن شهد بلسانه لاإله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ويدخل في هذا النفاق أعني النفاق

الأكبر حصول المسرة للإنسان وحصول الفرح في قلبه عند خذلان المؤمنين وانكسارهم في هذه الحياة وعند انتصار الكافرين وتقدمهم في هذه الحياة خذل المسلمون فشلوا في موقعه في أي أمر من الأمور طار فرحا. تقدم الكافرون طار فرحا هذا من علامة النفاق الأكبر وليس له حظ في الاسلام ويدخل في هذا أيضا نقيض هذه الصفة أن تظهر على الإنسان المسارة إذا انتصر المسلمون وأن تظهر عليه المسارة إذا انكسر الكافرون فكل هذا من علامات النفاق الأكبر وهو كما قلت مخرج لصاحبه من ملة الاسلام ومخلد له في أسفل دركات النيران وقد أخبرنا الله جل وعلا عن المنافقين في السورة التي سماها باسمهم في سورة المنافقون أنهم يتمنون انفضاض المسلمين عن النبي الأمين عليه الصلاة السلام وأنهم يدعون العزة لأنفسهم ولا يريدونها لعباد الله الصالحين. {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون، يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكنً المنافقين لا يعلمون} . فهكذا كل من اتصف بشيء من هذه الصفات هو خارج من دين رب الأرض والسماوات وقد جاء هذا مقررا في كثير من الآيات المحكمات ففي سورة النساء يقول رب الأرض والسماء {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً} إلى أخر الآيات التي سأقرأها عليهم بعد بيان سبب نزولها.

روى الإمام الطبري في تفسيره وبن المنذر في تفسيره وإسحاق بن راهويه بسند صحيح من الإمام الشعبي والأثر رواه أيضاً ابن المنذر في تفسيره وكذا الإمام الطبري في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره ورواه عبد بن حميد عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين والأثر رواه أيضاً الإمام الطبري في تفسيره عن الربيع بن أنس، ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردوية في تفسيره عن أبي الأسود الدؤلي ورواه وصححه في تفسيره عن ضمرة ابن حبيب وهو من أئمة التابعين توفي سنة ثلاثين ومائة للهجرة، حديثه مخرج في الكتب الأربعة ثقة عدل، إمام رضا هؤلاء خمسة من التابعين أن كلام الشعبي ومجاهد والربيع بن أنس وأبو الأسود الدؤلي وحمزة بن حبيب الزبيدي رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين أنهم، لو وقعت خصومة بين بعض المنافقين في زمن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام مع بعض اليهود الملعونين فأراد اليهودي من المنافق أن يذهب في رفع قضيتها والأحتكام إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وهو يعلم علم اليقين أن نبينا عليه الصلاة والسلام يحكم بالحق المبين ولا يأخذ عليه رشوة والمنافق يريد من هذا اليهودي الذهاب إلى حكام اليهود لأنهم يأخذون الرشوة وينحرفون عن الحكم بالحق وهذا الأثر كما قلت عن خمسة من التابعين وروي متصلا عن صحابي رضي الله عنه لكن بسند ضعيف رواه الإمام الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن بن عباس رضي الله عنهم أجمعين وهكذا الإمام الكلبي قال الإمام بن حجر في فتح الباري في الحزء الخامس صفحة سبع وثلاثين وهذا الأثر المتصل المرفوع من هذا الصحابي عبد الله بن عباس رضوان الله عليهم أجمعين وإن كان ضعيفا فيشهر له أثر مجاهد ومن معه من الآثار المتقدمة عن أئمتنا الطيبين من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين وخلاصة أثر عبد الله بن عباس وكما قلت يتقوى بالمراسيل المتقدمة أنه عندما اختصم هذان المنافق واليهودي ذهب في نهاية الأمر إلىالنبي عليه الصلاة والسلام

فقض بأن الحق لليهودي فلما خرجا من عند نبينا عليه الصلاة والسلام قال المنافق لليهودي لا أقبل بحكم النبي عليه الصلاة والسلام تعال لنعرض حكومتنا وقضيتنا على أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه فوافق اليهودي وذهب معه وبعد أن عرضت عليه القضية قال اليهودي يا أبكر ذهبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقضي بأن الحق فما كان من أبي بكر رضوان الله عليه إلا أن قال ما كان لابن أبي قحافة أن يقضي في مسألة قضي فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم الحكم ما قضي به النبي عليه الصلاة والسلام فذهبا إلى سيدنا عمر رضوان الله عليهم أجمعين إلى الفاروق رضي الله عنه وأرضاه فعرضا عليه القضية فقال اليهودي يا أمير المؤمنين يا عمر رضوان الله عليهم أجمعين لا تعجل ذهبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقضي بأن الحق لي ثم ذهبنا إلى أبي بكر رضي الله عنه فأمتنع عن القضاء في هذه المسألة لأن النبي عليه الصلاة والسلام قضى فيها فقال عمر رضي الله عنه وأرضاه ثاني الخلفاء الراشدين للمنافق أحقيق ما يقوله اليهودي قال نعم قال فانتظرا ثم دخل إلى بيته وخرج وبيده سيفه فضرب المنافق وقطع رقبته وقال هذا حكمي فيمن لم يقبل بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب اليهودي مسرعا إلى النبي صلي الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إن عمر قتل صاحبي ولولا أنني شردت لقتلني فأنزل الله جل وعلا مقرراً فعل عمر وأن ذلك المنافق كافر لا حظ له في الإسلام: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء:60) . (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (النساء:61) .

(فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً) (النساء:62) . (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (النساء:63) . (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (النساء:64) . (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65) . فكل من قدم رأيه على حكم رسول الله عليه الصلاة والسلام وكل من رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ من قوله ويترك وأن طاعته ليست واجبة فيما يخبر وفيما يأمر وفيما ينهى عنه ويزجر فلا شك في نفاقه ولا شك في كفره ولا شك في سوء خاتمته ولا شك في تخليده في نار جهنم.

يقول الإمام بن القيم عليه رحمة الله جل وعلا في كتابه مدارج السالكين في الجزء الأول صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة ص325: (هل كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد يقدم رأيه وقياسه على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهل كان في زمنه عليه الصلاة والسلام وبين الصحابة الكرام أحدٌ يقدم ذوقه ووجده على كلام النبي عليه الصلاة والسلام وهل كان في زمنه ووجد في الصحابة من يقدم عقله وسياسته على شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال إن الله صان أعينهم وأكرم وجوههم من أن ترى من هذا شاكلة ثم قال ولقد حكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيمن لم يقبل بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قضيته بالسيف وقال هذا حمي فيمن لم يقبل حكم النبي عليه الصلاة والسلام. نعم إخوتي الكرام: إن هذه الأمور ملحقة للإنسان بالمنافقين إذا اعتقد ما يناقض أصل الإيمان من أن النبي عليه الصلاة والسلام لا تجب طاعته وأنه لا مانع من الركون إلى الكفار ولا مانع من الأخذ بقوانينهم وأنظمتهم وضلالهم، وإذا بعد ذلك انتصر المؤمنون كأنه يستاء وإذا تقدم الكافرون يفرح أي نفاق بعد هذا النفاق وأي كفر أشنع من هذا الكفر والله جل وعلا يقول ف سورة محمد عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:25-28) .

نعم الذين يقومون على حكم الله جل وعلا حكم العبيد فلا شك فلا شك في نفاقهم وخروجهم من دين الله المجيد وهؤلاء ينطبق عليهم ما ينطبق على المنافقين في العصر الأول، {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} . نعم: قد أفسدوا في الأرض باسم صلاحها، قد بدلوا أحكامه بنظام، فالنظام هو ما شرعه الرحمن جل وعلا وكل من رأى وكل من اعتقد وكل من مال في قلبه إلى نظام آخر ورآه أنه واجب الطاعة ولا حرج ولا ضير عليه في الأخذ به والاحتكام إليه فلا شك في نفاقه، النفاق الأكبر الذي يخرجه من ملة الإسلام ويوجب له الخلود في النيران، إحدى الكلام: الإمام بن القيم عليه رحمة الله بعد أن أورد مقالته السابقة قال: فلو رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه زماننا ويقصد به الزمان الذي عاش فيه وهو القرن الثامن للهجرة وقد توفي سنة واحد وخمسين وسبعمائة للهجرة 751هـ رحمة الله ورضوانه عليه، كيف لو رأى أيامنا وعصرنا الذي نعيش فيه دعاة ضلالة على أبواب جهنم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا من أجابهم قذفوه في نار جهنم، ضلالات ما أكثرها، يروج لها ويضلل العباد نحوها، ماذا يقول عمر رضي الله عنه لو أدرك زماننا إخوتي الكرام ولا يشكلن عليكم أن بعض هؤلاء المنافقين الذي يرون عدم وجوب طاعة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام في جميع شئون الحياة لا يشكلن عليكم أن بعض هؤلاء المنافقين يفعلون أحياناً بعض الخيرات ويقومون ببعض شعائر الإسلام لا يشكله عليكم هذا أبداً وقد كنت ألمحت وأشرت في الموعظة السابقة إلى شيء من ذلك وبينت أنه إذا حصل من المنافق بعض شعائر الإسلام لا يعني أنه ليس من المنافقين وقررت هذا بأحاديث في الموعظة الماضية والله يؤيد دينه بالرجل الفاجر وبالأقوام الأشرار وبمن لا خلاق لهم عند الله جل وعلا، وإذا كان أكثر منافقي هذه الأمة القراء فكيف سيكون إذا البلاء فيمن عداهم إن النسبة أكبر وأكبر

إخوتي الكرام، إذا قام بعض الناس ببعض شعائر الإسلام وهكذا وجد له خيرات وإحسان ثم بعد ذلك اعتقد في قلبه تلك الضلالات والآثام فلا يرى وجوب طاعة نبينا عليه الصلاة والسلام في جميع الأمور ويرى أن خيره كخبر غيره فلا شك في كفره ونفاقه وإن صام وصلى وحج واعتمر وزعم أنه مسلم وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا وأخبرنا أنه يخشى علينا من هذا الصنف اللعين الذي يظهر الإيمان لكن يأتي بما ينقضه في قلبه على التمام فليس له عند الله وزن ولا اعتبار لكن يحصل به الاغترار في هذه الحياة من قبل بعض الناس الذين لا يعون حقائق الأمور أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا وأخبرنا أنه يخشى على أمته من هذا الصنف الذين يظهرون الإيمان ويبطنون النفاق ويبطنون الكفر هذا حال المنافقين النفاق الأكبر. ثبت في مسند البزار ومعجم الطبراني الكبير والإسناد رجاله موثقون كما قال الإمام الهيثمي في المجمع وقال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب إسناده لا بأس به، والحديث من رواية عمران بن حصين رضي الله عنهما والحديث رواه الإمام أحمد أيضاً والبزار وأبو يعلى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين وإسناد الحديث أيضاً لا بأس به وهو في درجة الحسن، ورواه الطبراني في معجمه الأوسط والصغير من رواية عليّ رضي الله عنهم أجمعين، لكن في الإسناد في رواية على الحارث الأعور وهو ضعيف كما قرر أئمتنا الكرام. أما حديث عمران وحديث عمر رضي الله عنهما فكما قلت صحيحان وهما يشهدان لحديث عليّ ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام: [إني أخاف عليكم إني أخشى عليكم] وفي رواية [أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان] منافق لكنه ينتمي إلى الإسلام ويقرأ القرآن ويرى بعد ذلك في قلبه عدم وجوب طاعة النبي عليه الصلاة والسلام ويُحَكِّم أنظمة الكفر ويحتكم إليه، [إنما أخشى عليكم إني أخاف عليكم، أخوف ما أخاف عليكم كل منافق عليم اللسان] .

والحديث كما قلت إخوتي الكرام في مسند البزار ومعجم الطبراني الكبير بسندٍ رجاله موثقون والحديث في درجة الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما وهو في مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومسند أبى يعلى من رواية عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ورواه الطبراني في معجمه الأوسط والصغير من رواية عليٍّ رضي الله عنهم أجمعين بهذا اللفظ وأما الرواية فمروية عن عقبة بن عامر رضي الله عنه في المسند مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومعجم الطبراني الكبير ورواها الإمام بن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وإسناد الحديث حسن عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [إنما أخاف عليكم اثنتين هلاك أمتي في اثنتين في الكتاب وفي اللبن، قالوا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بال الكتاب؟ قال يقرأه المنافقون فيجادلون به الذين آمنوا قالوا وما بال اللبن؟ قال يحبون اللبن فيتركون الجمعة والجماعات ويندون: أي يذهب مع ماشيته إلى البادية تعلقاً بعض الدنيا ومتاعها وشرب اللبن منها فيترك الجماعات ويترك الجمع وبعد ذلك يكون من أهل البادية [إنما أخشى عليكم اثنتين إني أخاف عليكم من اثنتين هلاك أمتي في اثنتين في الكتاب وفي اللبن] . وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يقول لنا في هذا الحديث هلاك أمتي في الشبهات والشهوات، أما الشبهات هذا منافق عليم اللسان قرأ القرآن ثم جاء بعد ذلك ينقض الإسلام باسم الإسلام منافق عليم اللسان قرأن القرآن وجادل به الذين آمنوا، وأما أولئك عامة رعاع ركنوا إلى الشهوات وآثروا الملذات في هذه الحياة على طاعة رب الأرض والسماوات، وهل البلاء إلا من الشهوات والشبهات ومرض الشبهات أشنع من مرض الشهوات بكثير.

نعم إخوتي الكرام: إن الإنسان إذا كان منافقاً عليم اللسان يقرأ القرآن ويجادل عباد الرحمن كما هو موجود في هذه الأيام تبرر الرذائل من قبل من وصفوا بأنهم منافقون وفي لسانهم علم بالقرآن وقد خشى علينا نبينا عليه الصلاة والسلام كما قلت إخوتي الكرام من هذا الصنف خشية عظيمة وزادت خشيته من هذا الصنف على خشيته من الدجال اللعين، ففي مسند الإمام أحمد وصححه مسلم والسنن الأربعة من حديث النواس ابن سمعان رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما ذكر الدجال وخاف الصحابة من أمره وظنوه أنه في طائفة من النخل قال عليه الصلاة والسلام غير الدجال أخوفني عليكم من الدجال من هؤلاء وضحهم نبينا عليه الصلاة والسلام كما في مسند الإمام أحمد بسندٍ جيد من رواية أبي ذرٍ رضي الله عنهم أجمعين قالوا من يا رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال الأئمة المضلون منافق عليم اللسان، هذا يفسد في الإسلام ما لا يفسده الدجال بين الأنام منافق عليم اللسان [غير الدجال أخوفني عليكم من الدجال الأئمة المضلون] . إخوتي الكرام: وهذا الصنف السافل وجد في العصر الأول وحذاري حذاري أن يقل إنسان إنه لا يوجد في عصرنا من هذا الصنف، والله الذي لا إله إلا هو لو نجى المصلون دعك عن غيرهم لو نجا المصلون الذين يصومون النهار ويقومون الليل من النفاق الأكبر فهنيئاً لهم ونسأل الله جل وعلا أن يحفظنا من النفاق والمنافقين إذا نجا الخيار والأخيار من هذا النفاق فهنيئاً لهم عند العزيز الغفار، هذا الأمر كان موجوداً في العصر الأول في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام وهو أعظم آيات الله تمشي على الأرض ومع ذلك وجد هذا النفاق في ذلك العصر الذي عاش في نبينا عليه الصلاة والسلام فكم نسبة هذا النفاق في العصور المظلمة التي ستكون بعده نسأل الله العافية والسلامة بفضله ورحمته.

ثبت في صحيح البخاري عن الأسود بن يزيد رضي الله عنه وأرضاه وهو من أئمة التابعين الكبار توفي سنة خمس وسبعين للهجرة 75هـ، حديثه في الكتب الستة، عابد قانت صوَّام قوَّام (عندما احتضر رضي الله عنه اشتد جزعه وبكاؤه فقيل له حسِّن ظنك بربك،، قال والله لو أتيت بكتاب فيه مغفرة من الله لي لكان جديراً بي أن أبكي وأخاف قيل لم قال حياءً من الله عز وجل) أحدنا إذا قصر مع أخيه تقصيراً يسيراً واعتذر إليه وغفر له أخوه يستحي من أن يراه فكيف ونحن نخطئ في الليل والنهار لو جاءني صك بالمغفرة لاستحييت من لقاء الله جل وعلا، فكيف وأنا أخوض بما أخوض فيه؟ يقول الأسود ابن يزيد كنا مع عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه في المسجد فجاء حذيفة بن اليمان رضي الله عن الصحابة أجمعين فوقف على رأسنا وسلم ثم قال (لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيراً منكم) والحديث في صحيح البخاري لقد أنزل النفاق: يعني كان هذا موجود فيهم على قوم كانوا خيراً منكم فقلنا له انظر ما تقول إن الله يقول في كتابه: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} قال (فنظر عبد الله بن مسعود فتبسم ثم مضى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين، فجلس في ناحية من المسجد، فلما قام عبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم أجمعين وتفرق عنه أصحابه يقول الأسود بن يزيد رماني حذيفة ابن اليمان بالحصباء: أي أرسل إليه ورجمه بشيء من الحجارة الصغار من أجل أن ينتبه إليه ليأتي إليه يقول رماني بالحصباء فأتيته فقال أما رأيت إلى ضحك عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وقد علم صحة ما أقول.

نعم لقد نزل النفاق على قوم كانوا خيراً منكم ثم تابوا فتاب الله عليهم ومن تاب تاب الله عليه ومن لم يتب فحاله على نفاقه وفي ضلاله، والله يقول في كتابه في سورة الفاضحة، براءة، التوبة {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذابٍ عظيم} قد ثبت في مسند الإمام أحمد وصححه مسلم ومسند أبي داود الطيالسي من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: [في أصحابي اثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنة ولا يرون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط] ، والحديث في صحيح مسلم في أصحابي [اثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط] فكيف سيكون حال من بعدهم؟ إن النفاق بعد العصر الأول أخبث من النفاق في العصر الأول كما يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أجمعين، والأثر في صحيح البخاري يقول المنافقون اليوم شر منهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لم قال كانوا يومئذ يسرون وهم اليوم يجهرون، نعم إن الذي يظهر الإيمان في هذه الأيام ثم يأتي بما ينقض به إيمانه عن طريق الكلام الباطل الذي يلوكه بلسانه، إن هذا إظهار للنفاق وقد كان المنافقون في العصر الأول يكتمون نفاقهم وهو في قلوبهم والله فضحهم فهو يعلم السر وأخفى، وأما المنافقون في هذا العصر فيظهرون نفاقهم على ألسنتهم ويتهجمون على دين الله صباح مساء وهم مع ذلك يزعمون أنهم يقرءون القرآن وأنهم بعد ذلك يقومون بشعائر الإسلام لكنهم ينقضون دين الرحمن، إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا المنافقون في زمن النبي عليه الصلاة والسلام يسرون نفاقهم والمنافقون في أزماننا يظهرون نفاقهم.

عباد الله من اتصف بهذا النفاق فكما قلت فلا شك في خروجه من الملة ولا شك في سوء خاتمته وخلوده في نار جهنم والله جل وعلا يقول في كتابه {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} مقعدهم في جهنم تحت مقاعد الكفار والسبب في ذلك أنهم كانوا يستهزءون بالمؤمنين ويخادعون الله وأولياءه {وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} وقد أُثِرَ عن العبد الصالح بن جريج وهو عبد العزيز بن عبد الملك بن جريج توفي سنة خمسين ومائة للهجرة 150هـ، حديثه في الكتب الستة، من الأئمة الصالحين الربانيين في هذه الأمة يقول هذا العبد الصالح كما في تفسير الطبري وابن المنذر بسند صحيح في تفسير قول الله جل وعلا: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} (الحجر:44) . في نار جهنم {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} يقول أبواب جهنم ودركاتها جهنم وهي الطبقة الأولى فيها ولظى والحطمة والسعير وسعر والجحيم فيا أبو جهل والهاوية وفيها المنافقون {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} هذا النفاق الأول، وهو النفاق الأكبر وهو نفاق التكذيب نسأل الله أن يسلمنا منه بفضله ورحمته إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين.

وأما النفاق الثاني فلا شك أننا نخوض فيه ونحن داخله وهو يحيط بنا من جميع جهاتنا لكن من سلم من النفاق الأول فليحمد الله، وأما النفاق الثاني وهو النفاق الأصغر محله الأعمال كما أن النفاق الأكبر محله القلوب، وأما النفاق الأصغر محله الأعمال، كان يريد الإنسان بعلمه وعمله غير وجه ربه وهو الرياء دون أن يأتي بما يناقض الإيمان وكأن يريد العلم لوجه الله ولكنه لا يطلبه من خبر الله لا يطلبه من مشكاة رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا يعمل على حسب أمر الله، إنما يدخل عقله واجتهاده وأقيسته أو ذوقه وكشفه ووجده كما ابتليت الأمة الإسلامية بصنفين في هذا الأمر بعلماء الكلام وتنطعهم العقلي وبالمخرفين من الصوفية وتنطعهم الذوقي الكشفي. وكنت ذكرت إخوتي الكرام ضمن مباحث النبوة على نبينا صلوات الله وسلامه أن الأدلة مهما تعددت وتنوعت تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما، دليل معتبر شرعي أخذ به سلفنا الكرام، ودليل مردود متبدع مذموم عول عليه المتأخرون أهل الشطط في هذه الأمة، أما الدليل الأول وهو المعتبر له قسمان أيضاً دليل الشرع من كتاب وسنة ودليل الفطرة السليمة الصحيحة المستقيمة فهذا دليل سلفي دليل شرعي كان أئمتنا يقولون عليه ويأخذون به. وأما الدليل المبتدع المذموم فله قسمان تعمق عقلي ووجد بعد ذلك ذوقي يجده الإنسان في نفسه مع انه يرى يجب أن نطيع النبي عليه الصلاة والسلام فيما أمر ويجب أن نطيعه وأن ننتهي عما نهانا عنه وحزر ويجب أن نصدقه فيما أخبر لكنه يدخل كشفه وهوسه ووجده وذوقه كما أن ذاك يدخل تنطعه العقي في الأدلة أربعة، دليل الشرع من كتاب وسنة، دليل الفطرة المستقيمة، ودليل العقل المتعمق فيه، دليل الكشف والذوق والوجد ورضي الله عن أئمة الصوفية وذوقه.

كما أن الذين يعرضون ما يقع في قلوبهم على شرع ربهم كحال أبي سليمان الداراني وغيره عندما كان يقول إنه لتقع في قلبي النكته من نكت القوم أي الإشارة من إشاراتهم وذوق من أذواقهم فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة على أن ما وقع في قلبي حق شرعي وهذا من فتح الله على وليس هذا من أراجيف الشيطان وتسويلاته ووسوسته إذا هؤلاء نفاق أصغر نفاق عمل يريد بعمله وجه ربه يريد بالعلم وجه الله لكن لا يطلبه من خيره لا يعمل على حسب أمر الله يدخل العقل مع أنه كما قلت لا يأتي بما ينقض الإسلام يدخل الذوق يدخل الكشف، فكل هذا كما قلت من النفاق الأصغر من نفاق العمل وإذا كثر هذا النفاق في صاحبة نقد يخرج من إيمانه عند موته ولذلك يلقى الله ملتحقاً بالصنف الأول ولو قدر أنه لم يختم له عل الكفر فأمره موكول إلى الله عز وجل، ونسأل الله أن يحسن ختامنا. ويدخل في هذا النوع من النفاق ما قرر أئمتنا كما في مجموع الفتاوى في الجزء السابع للإمام بن تيمية وهكذا قرره في الجزء الثامن والعشرين في صفحة خمس وثلاثين وأربعمائة 435هـ وما بعدها يقول: يدخل في هذا النفاق عدم الجهاد في سبيل الله وأن يكذب الإنسان في قوله إذا حدث وأن يخلف وعده إذا وعد وأن يفجر في المخاصمة إذا خاصم، كل هذا يدخل في النفاق لكنه كما قلت نفاق العمل ليس بنفاق التكذيب والكفر.

وقد قرر نبينا - صلى الله عليه وسلم - هذا، ففي مسند الإمام أحمد والكتب الستة إلا سنن بن ماجة من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهنَّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر] إن الفجور عند المخاصمة والكلام البذيء هذا ليس من خصال المؤمنين فإذا خاصمت تكلم بكلام شرعي تعطي الإنسان ما يستحقه من كلام وأنا أعجب في الألقاب والأوصاف أين العفة في اللسان وأين مراقبة الرحمن في الكلام أليست الخصومة من صفات المنافقين أليس الفجور في الخصومة من صفات المنافقين؟ وإذا خالفته في مسألة كأنه يعلم ما في قلبك وكأنه يعلم مصيرك ويصور الأحكام بعد ذلك عليك وكأنه هو الذي خلقك وستؤول إليه، رفقاً بنفسك أيها الضال رفقاً بنفسك أيها المخرف إذا خاصمت فقل الحق ونسأل الله أن يرزقنا كلمة الحق في الرضا وفي الغضب وأن يلزمنا الحق والصواب في جميع أمورنا، فإذا خاصمت فلا تفجر من خصال المنافقين، [إذا خاصم فجر] . هكذا وردت الأحاديث بذلك، ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن الترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان] والحديث رواه الإمام النسائي بسند صحيح عن عبد الله ابن مسعود موقوفاً عليه من قوله وهو مرفوع أيضاً من قول نبينا عليه الصلاة والسلام في الرواية المتقدمة التي ذكرتها، هذا كله كما قلت من نفاق العمل، أن يقول الإنسان مع وفي مجالسته لأصحابه كلاماً إذا خرج عنهم قال بخلافه هذا هو النفاق.

وقد ثبت في صحيح البخاري في كتاب الأحكام باباً يشير فيه إلى هذه القضية فقال (باب ثناء السلطان وإذا خرج قال بخلاف ذلك وثناء السلطان: أي ثناء الناس وثناء الرعية عليه وهو من إضافة المصدر إلى المفعول ولا يحتمل الكلام إلا هذا (باب ثناء السلطان) أي ثناء الناس على السلطان إذا اجتمعوا به وإذا خرج هذا المثنى والمادح قال بخلاف ذلك والأثر في صحيح البخاري ورواه الإمام أحمد في مسنده أنه قيل لعبد الله ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين إنا ندخل على السلطان فنقول كلاماً وإذا خرجنا قلنا غيره قال كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قابلت السلطان فالواجب عليك أن تتقي الرحمن وأن تؤدي النصيحة له ولعباد الله وأما إذا دخلت عليه مدحته وإذ خرجت بعد ذلك من عنده ذممته ووقعت في عرضه أي ديانة تتصف بها أيها الإنسان عندما تقدم بهذا المسلك الذي لا يرضاه الرحمن كنا نعد هذا نفاقاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كل هذا كما قلت من نفاق العمل ومن نفاق العمل أن يتحجج الإنسان بأنه قرأ القرآن وأنه أعلم عباد الرحمن وأنه وأنه ... ومن طلب العلم لله كسره ومن طلب العلم بعد ذلك للجدال والدعوى أهلكه في الدنيا وفي الآخرة، وإذا طلب العلم لله كسره وجعله خاشعاً قانتاً مخبتاً منيباً وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه بعد أن تفتح البلاد وينتشر الإسلام فيها سيظهر أقوام أسأل الله ألا نكون ممن عناهم نبينا عليه الصلاة والسلام فاستمع لهذا الحديث وإسناد الحديث حسن والحديث رواه الإمام أحمد ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير وأبو يعلى أن العباس بن عبد المطلب عم نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وإسناد الحديث فيه موسى بن عبيد كما قال الإمام الهيثمي في المجمع فيه ضعف، والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، والأثر الثالث حسنه الحافظ المنذري

إسناده في الترغيب والترهيب فقال إسناده حسن إن شاء الله وليس في الإسناد إلا هند بنت الحارث الخيثمية وهي تابعية وثقها بن حبان وقال ابن حجر في التقريب إنها مقبولة ولذلك قال الهيثمي في المجمع وجميع رجاله ثقات إثبات إلا هند وقال لم أقف على جرح ولا تعديل فيها. وكما قلت إخوتي الكرام وثقها ابن حبان وحكم عليها الحافظ ابن حجر بأنها مقبولة والإمام المنذري في الترغيب والترهيب، يقول عن إسناد الحديث حسن إن شاء الله من رواية عمر والعباس وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [يظهر الإسلام حتى تختلف التجار في البحر وحتى تخوص الخيل في سبيل الله فيظهر أقوام يقرءون القرآن فيقولون قد قرأنا القرآن فمن أقرأ منا ومن أعلم منا ومن أفقه منا ثم التفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه فقال هل ترون في أولئك من خير قالوا الله ورسوله أعلم على نبينا صلوات الله وسلامه قال أولئك منكم من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار] من أعلم منا من أفقه منا من أقرأ منا قرأ ليتحجج ولتظهر مكانته في هذه الحياة وليس عنده خشية من رب الأرض والسماوات.

إخوتي الكرام: هذا نفاق العمل كما قلت لا يمكن أن تخلو منه لكن لابد من محاسبة النفس ما بين الحين والحين، يا عبد الله لا يمكن أن تكون من المؤمنين الصادقين وبريئاً من خصال المنافقين إلا كان قلبك خالصاً لرب العالمين سليماً على عباد الله الموحدين المؤمنين، أمِنَكَ عباد الله على الدوام فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، والغش ينافي الإيمان ويجعل الغش من المنافقين اللئام وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائي، والحديث في منتقى الإمام بن الجارود ومستدرك الحاكم، الحديث رواه الطحاوي في مشكل الآثار والبيهقي في السنن الكبرى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من غش فليس مني من غشنا فليس منا، ليس منا من غش] ، لا يجتمع إيمان مع غش وإذا كنت تغش عباد الله جل وعلا وتضمر لهم في قلبك العداوة والبغضاء والسوء فاعلم أنه عندك خصلة من خصال المنافقين ولا يتنزه الإنسان من ذلك إلا إذا جعل قلبه خالصاً لرب العالمين سليماً نحو عباد الله المؤمنين وإذا اتصفت بذلك وكل من يتصف بهذا فهنيئاً لك.

ثبت في مسند الإمام أحمد بسندٍ صحيح على شرط الشيخين كما نص على ذلك الإمام الهيثمي والمنذري والعراقي في تخريج أحاديث الإحياء من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه، والحديث رواه البزار، أيضاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه وهم جلوس معه [يطلع عليكم من هذا الفج: طرفين بين جبلين، [يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من الماء وقد أمسك نعليه بشيء له ثم دخل مسجد النبي عليه الصلاة والسلام وجلس معه ومع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وفي اليوم الثاني قال النبي عليه الصلاة والسلام يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع الرجل الأنصاري التقدم تنطف لحيته بالصفة المتقدمة وفي اليوم الثالث كذلك] .

ثبت في رواية البزار أن الذي طلع هو سعد وإذا كان من الأنصار فتحمل هذه الرواية على أنه سعد ابن معاذ وسيأتينا أيضاً في رواية أنه سعد ابن مالك فهو في الرواية الثانية كما سأوضح فهو سعد ابن أبي وقاص، وأما في هذه الرواية فقد صرح بأنه من الأنصار، قال أنس ابن مالك (فقام عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهم أجمعين إلى هذا الأنصاري وقال له حصل بين والدي ملاحاه خصومة وقد أقسمت ألا أبيت عنده وألا أكون عنده ثلاثة أيام فإن شئت أن تضيفني فعلت وإنما أراد بهذا الكلام أن يتوصل إلى ما يفعله هذا الإنسان ثم سيخبره بحقيقة الأمر وليس ذلك من باب الكذب إذا بين بعد ذلك في نهاية الأمر، إنما أراد أن يتوصل إلى مقصود تولى بهذا الكلام ثم وضع حقيقة كلامه فقال له هذا الأنصاري) ، نعم رضي الله عنهم أجمعين (يقول فذهبت إلى بيته فوضع فراشه بجوار فراشي فنام ورأيته إذا تعار من الليل يسبح الله ويحمده ويكبره سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر وما كان يفعل غير هذا حتى إذا صار قبيل الفجر قام وذهب بعد ذلك إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام فلما مضت الأيام الثلاثة وكدت أن أحتقر عمله قلت يا عبد الله ماذا تفعل قال هو ما رأيت فقال عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهم أجمعين ما بين والدي وبيني ملاحاه ولكن أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من ثلاثة أيام بأنك من أهل الجنة فأردت أن أعلم ما تفعل لأعمله، قال هو ما رأيت) يقول فلما قفيت ووليت ناداني فقال أخبرك ليس في قلبي غش لأحد من عباد الله ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه) لا غش ولا حسد، (فقال عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهم أجمعين بهذه بلغت وهي التي لا نطيق ليس في قلبه غش لمسلم ولا حسد على خير أعطاه الله إياه، هذا من سلامة الإيمان وصدق الإنسان في إيمانه، فهنيئاً له عند خاتمته.

والحديث إخوتي الكرام رواه الإمام البيهقي والبزار مختصراً وسمى الرجل بأنه سعد ابن مالك وهو سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين، وفي رواية البيهقي تفصيل لحال هذا الرجل يقول عبد الله ابن عمرو ابن رضي الله عنهم أجمعين قال إذا كان قبيل الفجر استيقظ الرجل وصلى وذهب إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام فصلى ثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة بسورة من المفصل لا من طواله ولا من قصاره والمفصل يبتدأ من سورة (ق) إلى نهاية القرآن، يقول وكان إذا جلس يدعو بعد التشهد بثلاث دعوات فيقول اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اكفنا ما أهمنا من أمر دنيانا وآخرتنا، اللهم إلى أسألك الخير كله وأعوذ بك من الشر كله يفعل هذا فلما انقضت هذه الأيام سأله عن فعله فقال هو ما رأيت ثم قال له لا أحد في قلبي غشاً ولا حسداً لأحد من عباد الله على خير أعطاه الله إياه. إخوتي الكرام: من اتصف بذلك فليس في قلبه غش ولا حسد فقد برأ من نفاق العمل أسأل الله جل وعلا أن يبرأنا من النفاق وأن يجعل أعمالنا صالحة ولوجهه خالصاً وأن يحسن ختامنا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه ونسأله أن يسلمنا ويسلم الخلق منا إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين. أقول هذا القول واستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا وأرض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

عباد الله: من تأمل حالنا يرى تغاير سرنا من علننا فيما يتعلق مع ربنا وفيما يتعلق مع بعضنا وهذا لا شك يوجب فينا النفاق، وإذا كان كذلك فينبغي أن نخشى من الله عز وجل وأن نخافه وأن نجاهد أنفسنا وأن نقلع عن الصفات الذميمة التي فينا وأن نستعد اليوم الذي تشخص فيه الأبصار وتتقلب فيه القلوب في تلك الدار إذا كان هذا فينا وهو موجود فينبغي أن يعظم خوفنا من ربنا جل وعلا كما نعت الله بذلك عباده الطيبين لكن الذي يتأمل أحوالنا أيضاً، تأملا آخر ثانياً يرى أننا في غفلة لاهون مع تقصيرنا في حق ربنا جل وعلا ومع عدم حسن صلتنا مع بعضنا فنحن في الأمرين مقصرون ومع ذلك غافلون لاهون وقد أشار معاذ ابن جبل رضي الله عنه وأرضاه إلى ما سيقع في هذه الأمة ونسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يلطف بنا وأن يحسن أحوالنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، فقال كما في مسند الدارمي يقول معاذ ابن جبل رضي الله عنه وأرضاه (سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافث يقرؤونه فلا يجدون له لذة ولا شهوة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم كلها طمع لا يخالطها خوف، إن قصروا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئاً) . نعم هذا حال المغرورين المعتوهين في الأمم السابقة وهو حال المنافقين في هذه الأمة، {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (لأعراف:169) .

هذا حالنا مع ربنا جل وعلا نقرأ كلامه بلا شهوة ولا لذة ثم بعد ذلك أعمالنا كلها طمع ليس فيها خوف وإذا قصرنا نقول سنبلغ، وإذا أسأنا نقول سيغفر لنا وكأن النار خلقت للصحابة ولم تخلق لنا حتى اشتد خوفهم من ربهم جل وعلا وحصل الأمن فينا ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وأما تغاير الأحوال والسر والعلن فيما بيننا فحدث ولا حرج إذا اجتمعت مع الناس مدحوك وإذا غبت عنهم بألسنة حدادٍ سلقوك إخوان العلانية وأعداء السر ولكثرة صلات الناس ببعضهم كان أئمتنا يقولون إذا سمعت بصديق صدقه فلا تصدقه، نعم رحل الأخوان الكرام وبقى الأخوان الذي لا يخشى الرحمن، زمان كل حبٍ فيه خَبُّ وطعم الخيلِّ خَلُّ لو يُذاق، لهم سوق بضاعتُه نفاق، فنافق فالنفاق له نفاق، قيل للحسن البصري رضي الله ورضوانه عليه يزعمون أنه لا نفاق في البصرة قال سبحان الله لوا نعدم المنافقون لاستوحشتم الطرقات ولو كان للمنافقين أذناب لما استطعتم أن تدخلوا الأسواق، النفاق انعدم هذه أحد التابع بعضنا وتلك صلتنا بربنا ووالله لا أقول هذا تعييراً لواحد بعينه وما أعلمه من نفس أضعاف أضعاف ما أعلمه من غيري إنما لابد إخوتي من النصح والتناصح ونحن نقول هذا وهو واقع فينا ولا ينجو منه أحد عباد الله وعلى غيره عبد الله الإنسان على نفسه بصيرة وما تعلمه من نفسك أضعاف أضعاف ما تعلمه من غيرك فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يلهمنا رشدنا وأن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

اللهم صلَّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شرٍ أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربوَّنا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر* إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*} .

فضل العشر من ذي الحجة

فضل العشر من ذي الحجة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم فضل عشرة أيام من ذي الحجة 27 الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويماً، وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة، وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم. فما من دابة في الأرض إلا وعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. (يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) . وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عميا وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيها رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) . (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) . (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) . أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

كنا نتدارس صفات الرجال الذين يعمرون بيوت ذي العزة والجلال وكنا نتدارس الصفة الرابعة من صفاتهم، وقد تكلمت على قسم منها وسأرجئ بقية الكلام عليها إلى ما بعد عيد الأضحى المبارك إن أحيانا الله ومد في حياتنا وأما هذه الموعظة والتي بعدها ستكونان فيما يتعلق في الأيام المقبلة الآتية المباركة التي سنستقبلها في وسط الأسبوع الآتي، آلا وهي عشر ذي الحجة وما يكون بعد ذلك في اليوم العاشر، وفي أيام التشريق. إخوتي الكرام: حقيقة ينبغي أن نتكلم على أحكام هذه الأيام وعلى فضائلها لنغتنمها، ونكون على بينة من أمرنا وإذا كانت البلاغة حالها كما يقول علماؤنا الكرام مطابقة المقال لمقتضى الحال، فمن المعيب فينا حقاً أن نترك الكلام عن هذه الأيام لنتدارس غيرها، ولذلك ستكون موعظتنا هذه المباركة والتي بعدها كما قلت: في ما يكون في أيام العشر من أحكام، وفيما لها من فضائل. إخوتي الكرام: أيام العشر أعني عشر ذي الحجة أيام عظيمة مباركة عند الله جل وعلا لا يوجد يوم من أيام السنة يعدلها عند الله فضيلة ورفعة، وقد أقسم الله جل وعلا بليالي هذه الأيام، وحصلت الفضيلة لليالي تبعاً لفضيلة الأيام فكم هي فضيلة الأيام يقول ذو الجلال والإكرام في سورة الفجر: (والفجر وليال عشر والشفع والوتر. والليل إذا يسر. هل في ذلك قسم لذي حجر) .

أقسم الله جل وعلا بالفجر، والمراد منه طلوع الفجر لا يراد منه فجرٌ معين على التحقيق عند أئمتنا الكرام أقسم الله بطلوع الضياء وإشراق النور والبهاء بعد الظلام فهو فالق الإصباح وهو الذي جعل الليل سكنا وهو الذي جعل الشمس والقمر حسباناً بحساب وتقدير. فلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلك يسبحون. سبحانه سبحانه هو الذي يأتي بالضياء بعد انتشار الظلماء. والفجر. وهذا هو المعتمد كما قلت إخوتي الكرام عند أئمتنا المفسرين وما قيل إن المراد بالفجر فجر يوم النحر أو فجر يوم عرفة أو فجر أول أيام عشر ذي الحجة أو فجر عشر أيام ذي الحجة كلها أو فجر أول يوم من السنة الهجرية أول يوم من أيام شهر الله المحرم ما قيل من هذه الأقوال فكل هذا من باب التمثيل لما يدخل في ذلك اللفظ وهو أعم من ذلك فيقسم الله بالفجر أي بسطوع النهار بعد أن خيم الظلام على البشرية والفجر وليال عشر: هي ليال عشر ذي الحجة هذا الذي رجحه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري وقال إنه هو الصواب وحكاه عن الإمام بن كثير في تفسيره ومال إليه وهذا قول جماهير المفسرين. وهو المنقول عن ترجمان القرآن وجد الأمة بمدها سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو المنقول أيضاً عن عبد الله بن الزبير وعن مجاهدين جبر رضوان الله عليهم أجمعين وليالٍ عشر يعني ليالِ عشر ذي الحجة وليال عشر والشفع والوتر وقد أكثر أئمتنا الكرام مما يحتمله هذا اللفظ من معاني حسان فأوردوا عشرين قولا في المراد من الشفع والوتر لعل أظهرها وأوجهها والعلم عند الله أن المراد بالشفع الخلق بأسرهم فكل مخلوق له ما يوزاوِجُه وهو فرد وله ما يقابله فالمخلوقات كلها شفع "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون".

ولا يوجد موصوف بأنه وِتْرٌ وَوَترٌ إلا الله جل وعلا: "قل هو الله أحد" "ليس كمثله شيء" "هل تعلم له سميا" فأقسم جل وعلا بالمخلوقات وأقسم بخالقها والشفع والوتر "والليل إذا يسر". إذا يسري وهو الذهاب والمشي والانتقال والزوال والليل إذا يسر والمراد من هذا الذهاب في الليل إما ذهابٌ لينقض وإما ذهابٌ ليأتي وقد فسر بالأمرين في هذه الآية والليل إذا يسر مقبلا والليل يسر مدبرا وهذا كما قال الله جل وعلا في سورة التكوير "والليل إذا عسعس" أقبل بظلامه وأدبر ليأتي الضياء بعده والليل إذا عسعس وهي من الأضواء إذا أقبل وإذا أدبر والليل إذا أقبل إذا سرى هذا الليل آتيا وإذا سرى هذا الليل موليا منقضيا. وقيل إذا يسري فيه الناس وتقع ما تقع فيه من الأعمال والليل المراد فيه هنا كما هو المراد من الفجر مطلق الليل لا يراد منه ليلٌ معين وما قيل إن المراد بالليل هنا ليلة القدر أو إن المراد بالليلة هنا ليلة الجمع وهي ليلة المزدلفة فكل هذا إخوتي الكرام كما قلت من باب ما يدخل في هذا اللفظ العام ومن باب التمثيل عليه بأشهر أنواعه واللفظ أعم من ذلك والليل إذا يسر "هل في ذلك قسم لذي حجر" لذي عقل يحجره لمن فعل القبيح والسيء هذه المخلوقات تدل على عديم قدرة خالقها جل وعلا وعليه أقسم الله بهذه الأشياء أقسم بالمخلوقات وأقسم بخالقها أقسم بالمخلوقات التي خلقت لنا وأقسم أيضاً جل وعلا سبحانه وتعالى وهو الذي يقسم بما شاء جل وعلا من باب التنبيه إلى ما ذلك من المقسم به من عبرة وعظة ودلالة عظيمة على قدرة العظيم جل وعلا.

الشاهد إخوتي الكرام: وليالٍ عشر: وانتبه لهذه الدلالة في هذه الآيات الكريمات كل أنواع المقسم بها في هذه الآيات وردت معرفة بالألف واللام إلا هذه الليالي فوردت منكرة الفجر معرف والشفع معرف والوتر معرف والليل إذا يسر معرف إلا الليالي "وليالٍ عشر" ما أتى بالتعريف فيها لم؟ لأنها معلومة وقد نوه الله بشأنها ودلل على عظيم أمرها حسبما بين نبيه على نبينا صلوات الله وسلامه ولذلك سماها الله بالأيام المعلومات فهي من الظهور بمكان فلا داعي لتعريفها. بقول الله جل وعلا في سورة الحج: "وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير" ويذكروا اسم الله في أيام معلومات. ثبت في تفسير بن مردوية بإسناد صحيح كما قال الحافظ في الفتح عن عبد الله بن عباس رضوان الله عليهما أنه قال الأيام المعلومات هي يوم التروية وما قبله من أول أيام ذي الحجة ويوم التردية ويوم عرفة ويوم النحر أي يريد أن يقول أن الأيام العشر من ذي الحجة هي الأيام المعلومات. قال الإمام بن عباس رضوان الله عليهما وأما الأيام المعدودات فهما أيام التشريق يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده وعليه دخل يوم النحر في الأيام المعلومات ودخل في الأيام المعدودات التي أشار إليها رب الأرض والسموات في سورة البقرة: "واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون".

فالأيام المعلومات هي العشر الأول من ذي الحجة والأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة واذكروا الله في أيام معدودات عمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى. وقول الله جل وعلا في الآية في بيان الأيام المعدودات فمن تعجل في يومين أي بعد يوم النحر فأراد أن ينفر وأن يخرج من مني بعد اليوم الحادي عشر والثاني عشر فإذا أراد أن يخرج في اليوم الثاني عشر فلا إثم عليه وإن أراد أن يتأخر لليوم الثالث عشر فلا إثم عليه. وقوله: "لا إثم عليه" تحتمل ثلاثة معان أطهرها بشارة للحجاج الذين ينوون زيارة بيت رب العباد فلا إثم عليه أي من تعجل في يومين فقط سقطت ذنوبه وخرج منها كيوم ولدته أمه فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه فالله تعالى يقول: يا معشر الحجاج الذين زرتم بيتي لا إثم عليكم بعد زيارتكم سواء تعجلتم في يومين أو تأخرتم فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه أي ليس عليه إثم ولا وزر من الأوزار قد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ومن تأخر فلا إثم عليه فالحج مبرور ليس له جزاء إلا الجنة ومن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه لكنّ هذه الجائزة لا ينالها إلا من اتقى لأن الله لا يتقبل إلا من المتقين فمن تعجل في يومين فقد غفرت ذنوبه وسقطت عنه إذا كان تقياً ومن تأخر فقد غفرت ذنوبا وسقطت عنه إذا كان تقيا. وهذا أرجح ما تحتمله الآية من أقوال ثلاثة قيلت في تفسيرها وهذا هو المنقول عن أربعة من الصحابة أولهم سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه والعبادلة الثلاثة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وهو المنقول عن جم غفير من التابعين كمجاهدين جبر والإمام الشعبي والإمام النخعي ومعاوية بن قرة رضوان الله عليهم أجمعين فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه أي غفرت ذنوبه وخرج كيوم ولدته أمه فإن شاء فليتعجل وإن شاء فليتأخر.

إخوتي الكرام: وقد كان في نيتي وفي عزمي أن نتدارس ما يتعلق بأحكام الحج منذ دخول شهر الحج شهر شوال لكن قدر الله وما شاء فعل في إكمال موضوعنا الذي بدأنا مدارسته وقد قدر الله له أن يطول فإن أحيانا الله جل وعلا للسنة الآتية نسمع من الأخبار المطربة التي تلتذ لها آذان المؤمنين وتطرب لها قلوبهم في فضائل الحج وفي منزلة الحاج إذا اتقى رب العباد وهذه بشارة عاجلة من قول الله جل وعلا فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الله في حجه لم يرفث ولم يفسق وهذا كما قلت هو أظهر المعاني الثلاثة التي تحتملها هذا الآية الكريمة. والقول الثاني: من باب إكمال الفائدة من تعجل فال إثم عليه في تعجله ونفره ومن تأخر فال إثم عليه في بقائه وانتظاره أي أن الأمر فيه سعة فليختر ما شاء. والمعنى الثالث: والذي ذهب إليه أبو العالية وغيره فمن تعجل فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه غفرت ذنوبه وخرج كيوم ولدته أمه لمن اتقى الله بعد ذلك بعد حجه ولم يجر منه فسق أو معصية والقول الأول هو الأظهر والأقوى وهو المنقول عن جم غفير من الصحابة وذكرت أربعة منهم وعن جم غفير من التابعين وهو أولى ما يحمل عليه كلام رب العالمين فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه أي قبِلَهُ الله وغفر له ما جرى منه من جميع أحواله بشرط أن يتقي الله في حجه وألا يجري منه فسق ولا معصية لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون.

فالأيام المعلومات إخوتي الكرام هي عشر ذي الحجة والأيام المعدودات هي أيام التشريق ولذلك عندما أقسم الله جل وعلا بليالي عشر ذي الحجة في سورة الفجر نكرها دون أنواع المقسم به فكل المقسم به في تلك السورة المباركة ورد معرفا إلا هذا القسم به ألا وهو ليالي عشر ذي الحجة وليالي عشر لأنها معلومة ولا داعي لتعريفها وليال عشر ويذكر اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام كما تقدم في سورة الحج إخوتي الكرام فهي أيام معلومات وإذا كانت معلومات فقد جعل الله جل وعلا القسم بها في سورة الفجر منكرا لأنها معلومة. "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليهتدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير". إذاً هي أيام معلومات وقد اقسم بها رب الأرض والسموات أقسم بليال العشر واكتسبت هذه الليالي فضيلة لمنزلة هذه الأيام عند ذي الجلال والإكرام وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن منزلة هذه الأيام وعن شأن الأعمال الصالحات فيها عند ربنا الرحمن كيف تضاعف بما لا تضاعف في غير ذلك من الأيام. ففي مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والسنن الثلاثة سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه والحديث رواه البيهقي في السنن وهو في أعلى درجات الصحة فهو في صحيح البخاري من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُ إلى الله جل وعلا من عشر ذي الحجة قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الجهاد قال ولا الجهاد إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء".

ومضى الحديث أن العمل الصالح في هذه الأيام يفوق على ذلك العمل في غيره من الأيام فمن عمل صالحاً في هذه الأيام يضاعف له بما لا تضاعف الأعمال الصالحات في الأيام الأخرى مهما كانت منزلة تلك الأعمال فأجورها أقل من أجور الصالحات التي تجري في هذه الأيام ولذلك لو جرى م الإنسان في هذه الأيام ذكر تسبيح صلاة ضحى قيام ليل عمل صالح أجر هذا في عشر ذي الحجة أعظم من أجر الجهاد في سبيل الله في غير عشر ذي الحجة إلا في حالة واحدة من خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء عُفِّر وجهه في التراب وأريق دمه وقتل جواده هذا الذي يعدل أجره أجر العابد في عشر ذي الحجة وعليه فمن جاهد في عشر ذي الحجة له من الأجر ما لا يخطر بالبال ومن عمل صالحا في عشر ذي الحجة هذا العمل الصالح الذي أجره دون أجر الجهاد في غير ذي الحجة يزيد أجره على أجر الجهاد عندما يقوم بالعمل الصالح في عشر ذي الحجة فالعمل الصالح في عشر ذي الحجة يفضل أجر الجهاد في غير عشر ذي الحجة نعم لو جاهد فيعشر ذي الحجة فهذا له أجر عظيم لا يعلم به إلا رب العالمين. ما العمل الصالح في أيام أحب فيها إلى الله عز وجل من عشر ذي الحجة قالوا ولا الجهاد يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء. وورد في بعض روايات الحديث من رواية عبد الله بن عباس أيضاً رضي الله عنهما كما في معجم الطبراني الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فاستكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر استكثروا من هذه الأذكار الطيبة النافعة وهذه الجمل الأربع إذا قالها الإنسان في أي وقت كان فهو أحب إلى الله جل وعلا من الدنيا وما فيها وأحب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام مما طلعت عليه الشمس فكيف لو قيلت في أيام العشر من ذي الحجة.

ثبت في صحيح مسلم وسسن الترمذي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. فاستكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. وهذا الحديث إخوتي الكرام أعني حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رواه الطبراني في معجمه من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين ورواه البزار وأبو يعلى في مسنده من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين والحديثان صحيحان حديث جابر وحديث عبد الله بن مسعود وهكذا حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين ومعنى الحديث واحد بمعنى حديث عبد الله بن عباس. ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام من أيام العشر من ذي الحجة قالوا إلا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم برجع بشيء.

إخوتي الكرام: وهذه الفضيلة المجملة التي وردت في هذا الحديث الصحيح عن عبد الله بن عباس وجابر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وردت أحاديث مُفصِّلة لهاذ الثواب المجمل في هذه الأيام وتلك الأحاديث المفصلة بهذا الثواب مروية عن نبينا صلى الله عليه وسلم وهي متصلة من ذلك ما رواه الإمام الترمذي وابن ماجه والحديث رواه الإمام البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وفي الإسناد ضعف كما قرر هذا الحافظ بن حجر في الفتح والإمام المنذري في الترغيب والترهيب لكن الحديث يشهد له ما تقدم وسأذكر شواهد أيضاً له بعد رواية هذا الحديث إن شاء الله ولفظ حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " مامن أيام أحب أن يتعبد فيها إلى الله عز وجل من عشر ذي الحجة إن صيام كل يوم منها يعدل بصيام سنة وإن قيام كل ليلة منها يعدل قيام ليلة القدر" صيام يوم من عشر ذي الحجة يعد ل صيام سنة وقيام ليلة من عشر ذي الحجة يعدل قيام ليلة القدر. وهذا الحديث إخوتي الكرام يشهد له في الجملة حديث عبد الله بن موسى وجابر وعبد الله بن مسعود لأن العمل الصالح في هذه الأيام أحب إلى الله من العمل في غيرها لكن ما هي كيفية تلك المضاعفة والمنزلة في الأعمال الصالحات في هذه الأيام بينها حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وقد روى الإمام البيهقي في شعب الإيمان والإمام الأصبهاني في كتاب الترغيب والترهيب قال الإمام المنذري وإسناد الحديث لا بأس به عن أنس رضي الله عنه وأرضاه قال "كنا نعد أيام عشر ذي الحجة كل يوم منها بألف ونعد يوم عرفة بعشرة آلاف يوم" من عمل فيها فضيلة كأنه عمل هذه الفضيلة فيألف يوم فيما سوى أيام عشر ذي الحجة.

وأما يوم عرفات فذاك منزلته عظيمة عظيمة عند رب الأرض والسموات كان الصحابة يعدونه والنبي عليه الصلاة والسلام بينهم بعشرة آلاف يوم والحديث كما قلت في شعب الإيمان للإمام البيهقي وكتاب الترغيب والترهيب للإمام الأصبهاني بسند لا بأس به وثبت في كتاب شعب الإيمان للبيهقي أيضا وإسناد الأثر أيضا لا بأس به وقد ذكره الحافظ في الفتح وسكت عليه وصنيعه يقتضي بأنه حسن من رواية مجاهد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة فأكثروا فيها من التهليل والتكبير وذكر الله فإن صيام يوم فيها يعدل بصيام سنة وإن الأعمال تضاعف فيها بسبعمائة ضعف". إخوتي الكرام: هذه هي منزلة هذه الأيام التي سنستقبلها كما قلت في وسط الأسبوع الآتي عشر ذي الحجة هذه الأيام أيام عظيمة مباركة وإنما كان لها هذا الشأن لأن جميع العبادات بأسرها تقع فيها فالصلاة والصيام والصدقة والزكاة والحج وسائر الطاعات يمكن أن تقع في عشر ذي الحجة فهي ظرف لها وأما الأيام الأخرى فلو قدر أن الطاعات ستقع فيها لن تقع فيها عبادة الحج فلها موسم معين فهذه الأيام هي ظرف لسائر العبادات على وجه التمام لذلك عظمت منزلتها عند ربها الرحمن وقد قرر أئمتنا الكرام أن أيام عشر ذي الحجة بالنسبة إلى سائر الأيام كمكانة المشاعر بالنسبة لغيرها من البلدان فيما أن مكة وعرفة ومنى تعظم وتفضل على غيرها من البقاع والأصقاع فهكذا هذه الأيام بالنسبة لغيرها من الأيام تفوقها منزلةُ عشر ذي الحجة بين الأيام كمنزلة أماكن المشاعر بين البلدان.

إخوتي الكرام: ولا يقولن قائل إن العشر الأخيرة من شهر رمضان لها منزلة عظيمة أيضا عند ربنا الرحمن فالجواب نعم لها منزلة عظيمة لكن كل عشر يمتاز بشيء وقد قرر أئمتنا الكرام أن ليالي العشر الأخير من شهر رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لأن ليالي العشر الأخير من شهر رمضان اكتسبت فضيلة بليلة القدر والفضيلة فيها أصالة لليالي وأما ليالي عشر ذي الحجة فاكتسبت فضيلة من الأيام وعليه أيام عشر ذي الحجة أفضل من الأيام الأخيرة في شهر رمضان أفضل أيام العشر الأخير من شهر رمضان وليالي العشر الأخير من شهر رمضان أفضل من ليالي العشر الأول من ذي الحجة فالليالي الأخيرة من العشر الأخير من شهر رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لكن الأيام في العشر ذي الحجة أفضل من الأيام في العشر الأخير من شهر رمضان كما وضح نبينا عليه الصلاة والسلام نعم في العشر الأخير من شهر رمضان ليلة القدر وهي خير من ألف شهر لكن في العشر الأول من شهر ذي الحجة يوم أيضا عظيم عند الله جل وعلا لا يساويه يوم من أيام السنة.

كما ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والحديث رواه الإمام ابن خزيمة في صحيحه والإمام ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه البيهقي في السنن الكبرى وهو حديث إسناده صحيح كالشمس من رواية عن عبد الله بن قرط الثمالي رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إن أعظم الأيام عند الله جل وعلا يوم النحر ثم يوم القر " إن أعظم الأيام عند الله إن أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر ويوم النحر هو العاشر من ذي الحجة ويوم القر هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة الذي يقر قبة الحجاج ويسكنون في منى بعد أن أفاضوا من عرفات واستقروا في هذا المكان المبارك في ضيافة الله جل وعلا فأما يوم عرفات فمع منزلته وعظيم شأنه كما سيأتينا فهو تابع ليوم النحر فالحجاج والعباد في يوم عرفات استقالوا من ذنوبهم وخطيئاتهم وتابوا إلى ربهم جل وعلا وعبدوه وذكروه وتقربوا إليه. وأما في يوم النحر لما حصل منهم ما حصلوا أذن الله لهم بالوفادة عليه وزيارته ولذلك يقال للطواف الذي يقع في يوم النحر يقال له طواف الزيادة يزورون الله جل وعلا بعد أن تابوا من ذنوبهم وأنابوا إلى ربهم جل وعلا ولذلك قال أئمتنا منزلة يوم عرفة مع يوم النحر كمنزلة الطهارة مع الصلاة فلابد من طهارة للصلاة لكن الصلاة أعظم منزلة ولا بد أيضا ليوم النحر من يوم عرفة أن يتوب العباد إلى الله جل وعلا وأن يستغفروه وأن يلجأوا إليه وأن يشكروه فإذا قبلهم جل وعلا وتاب عليهم أهَّلهم بعد ذلك لزيارة بيته وللقدوم عليه لتناول ضيافته جل وعلا فهذا بمنزلة الصلاة كما أن يوم عرفة بمنزلة الطهارة.

نعم إن جزءاً من يوم النحر يدخل في يوم عرفات وليلة النحر تابعة ليوم عرفة ولا يوجد عندنا في الشريعة ليلة تتبع اليوم الذي قبلها إلا ليلة النحر فليلة النحر مشتركة بين يوم عرفة وبين يوم النحر وهذا كما قلت للدلالة على أن يوم عرفة إمتداد ليوم النحر لكن الفضيلة التابعة أصالة هو ليوم النحر هذا هو الذي هو أفضل الأيام وأعظمها عند ذي الجلال والإكرام كما ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام: هذه الأيام أيام عظيمة مباركة شريفة فاضلة ينبغي ان يقوم العباد فيها بأمورٍ كثيرة أبرزها سأذكر أربعة منها والبقية نتدارسها فيما يأتي إن شاء الله أولها: التكبير في عشر ذي الحجة وقد ضيع المسلون هذا في مشارق الأرض ومغاربها إلا ما رحم ربك يُسنُّ للمسلمين أهل الإسلام إذا دخل عليهم عشر ذي الحجة ورأوا هلال ذي الحجة أن يجهروا في التكبير في أسواقهم وفي شوارعهم وفي أعمالهم وفي بيوتهم وعلى فرشهم ومع أهلهم وعند لقاءاتهم وأن تكون الدنيا ضجيجا بالتكبير والتعظيم لله الجليل جل وعلا هذه شعائر هذه الأيام تكبير ذي الجلال والإكرام التكبير.

وقد ثبت في صحيح البخاري في كتاب العيدين وهو الباب الحادي عشر باب يشير به إلى هذا فقال الإمام البخاري عليه رحمة الله فقال " باب في فضل العمل في أيام العشر " يعني عشر ذي الحجة ثم روى معلقا من صحابيين جليلين فاضلين عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر أهل السوق بتكبيرهما والأثر كما قال الحافظ بن حجر لما أقف عليه موصولا والبخاري علقه كما قلت في صحيحه وقد علقه أيضا الإمام البيهقي والبغوي عن هذين الصحابيين بن عمر وأبي هريرة يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر أهل السوق بتكبيرهما هذا التكبير إخوتي الكرام هو من شعائر هذه الأيام أعني أيام عشر ذي الحجة ينبغي أن نظهر التكبير في بيوتنا وفي أعمالنا وفي أسواقنا وعند لقائنا " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد " وفي الباب الذي يلي الباب الحادي عشر وهو الباب الثاني عشر من صحيح البخاري في كتاب العيدين أورد بابا آخر فقال " باب في التكبير في أيام منى وإذا غدا إلى عرفة ".

ثم روى أيضا أثرين من آثار كثيرة معلقة من صحابيين جليلين فاضلين أولهما الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون لتكبيره فيسمع تكبيرهم أهل الأسواق الذين يتجولون في منى فيكبرون لتكبيرهم حتى إن منى لترتج تكبيرا هذا ثابت في صحيح البخاري وهذا الأثر المعلق قال عنه الحافظ بن حجر وقد وصله سعيد بن منصور والإمام أبو عبيد عن هذا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه والأثر الثاني أثر عبد الله بن عمر رضوان الله عليهم أجمعين علقه البخاري أيضا في صحيحه في الباب الثاني عشر من كتاب العيدين أنه كان يكبر خلف الصلوات المفروضات والنافلات خلف الصلوات وفي بيته وعلى فراشه وفي فسطاطه وفي ممشاه وفي مجلسه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وهذا الأثر المعلق وصله أيضا الإمام ابن أبي المنذر والإمام الفاكهاني أيضا إذا هذا التكبير من شعائر أيام العشر فينبغي أن نجهد به وأن نظهره وأن تدوي الدنيا تكبيراً لربنا الكبير جل وعلا. إخوتي الكرام: والتكبير كما قرر أئمة الإسلام على حالتين تكبير مطلق لا يتقيد بوقت وهو الذي ذكرته منذ أن تدخل الأيام العشر إلى نهاية أيام التشريق ينبغي أن تكبر الله في كل وقت وكلما أكثرت فهو أعظم لأجرك فاستكثروا فيهن من التهليل والتكبير وهناك تكبير مقيد ينبغي أن يأتي به العباد عقيب الصلوات المفروضات ويبتدي من يوم فجر عرفة إلى صلاة العصر في آخر أيام التشريق وهي ثلاث وعشرون صلاة فيكبرون يوم عرفة ويوم العيد ويوم التشريق الأول والثاني والثالث ومجموع الصلوات كما قلت ثلاث وعشرون صلاة ينتهون بعد نهاية صلاة العصر يكبرون وينتهون فلا يكبرون بعد ذلك بعد صلاة المغرب في آخر أيام التشريق.

وهذا التكبير ثابت عن علي وعبد الله بن مسعود رضوان الله عليهم أجمعين بسند صحيح كما روى ذلك الإمام ابن المنذر وهذا كما قلت تكبير مقيد ينبغي أن يلتزم به العباد عقيب الصلوات المفروضات وأما صيغته فقد نقل عن سلفنا الكرام صيغ متعددة مما يدل على أن الأمر فيه سعة روى عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح عن سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يكبر فيقول " كبروا الله قولوا الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا " فلو قال هذا الإنسان أجزأه وهو حسن ولو قال ما روى عن عمر رضي الله عنهم أجمعين كما أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد " لو قال هذا وهو الذي عليه عمل المسلمين عقيب الصلوات في هذه الأيام أعني في يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق فهذا أيضا حسن ولو قدر أن العباد زادوا أو نقصوا إن الأمر فيه سعة وأما قول هذا بصوت جماعي فلا حرج فيه. إخوتي الكرام: وما يفعله بعض الناس في هذه الأيام من أن مقولة هذا بصوت جماعي بدعة فأي بدعة في هذا وإذا نقل هذا عن السلف الكرام وكانوا يكبرون وترتج منى تكبيراً وإذا فعل هذا عقيب الصلوات من أجل الجهد بذكر مشروع ومن أجل تعليم من لا يعلم أي بدعة في ذلك إذا جهد المصلون بتكبير الحي القيوم إخوتي الكرام لابد أن نقف عند حدنا عندما نطلق الألفاظ على الأحكام التي تصدر من العباد إذا هذا أول ما ينبغي أن يفعله الناس أن يفعله المسلمون في أيام العشر أي عشر ذي الحجة وما بعدها من أيام التشريق التكبير لهه جل وعلا.

الأمر الثاني: صيام هذه الأيام أعني صيام التسع دون صيام اليوم العاشر وهو يوم النحر فيرحم علينا أن نصومه وأن نصوم الأيام التي بعده وهي أيام التشريق أيضاً مما ينبغي أن يحرص عليه العباد وصيام أيام التسع من ذي الحجة من اليوم الأول إلى نهاية التاسع وهو يوم عرفة فهي أيام أيضا مباركة جليلة عظيمة صيامها له أجر عظيم كما تقدم معنا صيام اليوم منها يعدل بصيام سنة وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يصومها من أولها إلى آخرها كما ثبت هذا في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والسنن الكبرى للإمام البيهقي وإسناد الحديث صحيح عن هنيده بن خالد وهو رجل من الصحابة يسمى بذلك رضي الله عنه وأرضاه عن هنيده بن خالد عن روجه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي إما حفصة أو أم سلمة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة. وليس المراد من ذلك اليوم التاسع إنما المراد يصوم هذه الأيام التسعة كما ثبت في إحدى روايات النسائي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم عشر ذي الحجة وثلاثة أيام من كل شهر والرواية الأولى كان يصوم تسع من يوم عاشوراء وثلاثة أيام من شهر إذا هذه الأيام أيها الأخوة الكرام من أمكنه أن يصومها فليغتنم ذلك فله أجر عظيم ومنزلة كبيرة عند الله جل وعلا.

وأما ما رواه الإمام مسلم في صحيحه والإمام الترمذي والإمام أبو داود في السنن والحديث رواه البيهقي أيضا وهو حديث صحيح فهو في صحيح مسلم عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر يعني عشر ذي الحجة قط فهذا الحديث الذي روته أمنا عائشة رضي الله عنها وكما قلت حديث صحيح وجَّههُ أئمتنا بتوجيهين اثنين أولهما قالوا على حسب علمها ما اطلعت وال علمت بذلك والمثبت مقدم على النافي كما أشار إلى ذلك الإمام البيهقي وغيره هذا على حسب علمها وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يدور على نسائه فمن أيام التسع لعله يأتيها ليلة فلعله في تلك الليلة شغل بأمر من الأمور أو دعى فما كان عندها فما علمت بصيامه والعلم عند الله جل وعلا. فالمثبت مقدم النافي والتخريج الثاني والتوجيه الثاني أن هذا في حال طروء عله على نبينا عليه الصلاة والسلام من مرض أو سفر أو لعلة أخرى معتبرة في الشرع كما روت أمنا عائشة رضي الله عنها والحديث في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته وعليه فلعله ترك أحيانا صيام عشر ذي الحجة باستثناء اليوم العاشر وهذا من باب التغليب لعله ترك صيام تسع ذي الحجة ترك صيامها لئلا تفرض على أمته في بعض الأحيان لكن الغالب من أحواله عليه الصلاة والسلام أنه كان يصوم ذلك كما ثبت ذلك عن حفصة وأم سلمة رضوان الله عليهم أجمعين إذن هذا الأمر الثاني ينبغي أن ننتبه له إخوتي الكرام ألا وهو صيام عشر ذي الحجة باستثناء يوم النحر صيام تسع من ذي الحجة من اليوم الأول إلى نهاية التاسع.

والأمر الثالث: إذا ما أمكنك أن تصوم التسع فلا أقل من صيام يوم عرفة فله أجر عظيم عظيم والمغبون حقا من فرط في ذلك اليوم ولم يصمه وقد ثبت في صحيح مسلم والسنن الأربعة والحديث في سنن البيهقي وغيره من رواية أبي قتادة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عرفة فقال إنه يكفر السنة التي بعدها والسنة التي قبلها. وفي بعض رواية الحديث صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر سنة قبله وسنة بعده إذن له أجرٌ عظيم عند الله جل وعلا صيام يوم عرفة فإياك أن تفرط فيه وهذا الحديث الذي رواه أبو قتادة رضي الله عنه وأرضاه وهو في صحيح مسلم هو حديث يصل إلى درجة التواتر فقد روى عن عدة من الصحابة الكرام في تلك الروايات هذه الدلالة ألا وهي أن صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين سنة آتية وسنة ماضية. روى الإمام الطبراني في معجمه الأوسط بسند حسن وقد صحح إسناده عدد من أئمتنا كما في الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من صام يوم عرفة غفر الله له ذنوب سنة قبله وذنوب سنة بعده "والحديث كما قلت في معجم الطبراني الأوسط بسند حسن بسند صحيح وروى الإمام أبو يعلى والطبراني في معجمه الكبير من رواية سهل بن سعد أيضاً والحديث إسناده صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من صام يوم عرفة غفر الله له ذنوب سنتين متتابعتين" يعني سنة قبله وسنة بعده.

وقد روى هذا أيضا في معجم الطبراني الصغير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وروىفي معجم الطبراني الكبير عن زيد بن أرقم بل ورد ما يزيد على ذلك في الفضل ففي معجم الطبراني الأوسط بسند حسن عن سعيد بن جبير رضي الله عنه وأرضاه وهو من التابعين الكرام قال سئل ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين عن صيام يوم عرفة فقال كنا ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم نعد له يصوم سنتين متتابعتين. كنا ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم نعد له بصوم سنتين متتابعتين. أي لذلك من الأجر كالأجر من صام سنتين متتابعتين. وثبت في معجم الطبراني الأوسط أيضاً وكتاب شعب الإيمان للإمام البيهقي والحديث إسناده حسن عن مسروق وهو من أئمة التابعين أنه دخل على أمنا عائشة رضي الله عنها يوم عرفة فقال اسقوني فقالت أمنا عائشة يا غلام اسقه عسلا ثم قالت لمسروق يا مسروق أما أنت بصائم هذا يوم عرفة فقال يا أماه خشيت أن يكون هذا الأضحى أي أن يكون هذا اليوم هو يوم عيد الأضحى عيد النحر فما صمته فقالت ليس ذلك إنما يوم عرفة يوم يعرف الإمام ويوم النحر يوم ينحر الإمام أي اليوم الذي يثبت عند المسئول بأنه يوم عرفة هذا هو يوم عرفة وهكذا عند ولي الأمر عندما يثبت أن هذا هو يوم النحر يكون هو يوم النحر يوم عرفة يوم يعرف الإمام ويوم النحر يوم ينحر الإمام يا مسروق أما بلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن صيام يوم عرفة يعدل صيام ألف يوم " وهذا أكثر من صيام سنتين إذن يقارب ثلاث سنين أما بلغك أن صيام يوم عرفة يعدل صيام ألف يوم.

والحديث كما قلت إخوتي الكرام في معجم الطبراني الأوسط وشعب الإيمان للإمام البيهقي بسند حسن يوم عرفة اخوتي الكرام يستحب لنا أن نصومه ففيه أجور عظام وهذا الصيام اختص الله به المقيمين الذين لم يذهبوا لزيارة بيته الكريم وكأن اله جل وعلا أراد أن يوزع الفضائل بين عباده فإذا ذهب أولئك لحج بيت الله الحرام وحصلوا من الأجور ما لا يخطر بعقول الأنام فلئلا يبقى في قلوبنا حسرة وغصّة منَّ الله علينا بصيام هذا اليوم الذي لنا فيه هذا الأجر العظيم وهذا صيامه بنا وأما الحاج فينهى عن صيام يوم عرفة. وقد روى في معجم الطبراني الأوسط أن أمنا عائشة رضي الله عنها بسند ضعيف والحديث رواه أيضا الإمام أحمد في المسند ورواه أبو داود في السنن ورواه الإمام النسائي في السنن ورواه ابن ماجه في سننه أيضا والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه والإمام الداراقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه كما قلت " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة". والحديث اخوتي الكرام من طريق أبي هريرة رضي الله عنه صححه الإمام ابن خزيمة وصححه الحاكم وأقره عليه الإمام الذهبي وصيغ أئمتنا يقتضي بأنه حديث حسن نعم فيه مهدي بن حرب العبدي الهجري أخرج حديثه أهل السنن الثلاثة أبو داود وابن ماجه والنسائي وقال الحافظ عنه في التقريب إنه مقبول وقد ترجمه في التهذيب ونقل عن ابن خزيمة أنه روى عنه هذا الحديث وصححه ولم يعترض عليه الحافظ ولهذا الحديث شواهد كثيرة من فعل نبينا عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام بعدم صوم الحاج يوم عرفة بعرفة وإنما نهى الحاج عن الصيام يوم عرفة بعرفة لأمور كثيرة أبرزها ثلاثة: أولا: ليتقوى على الدعاء وعلى ذكر رب الأرض والسموات. ثانياً: هو مسافر والأصل في المسافر ألا يصوم.

ثالثاً: وهو الذي استنبطه الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية أن يوم عرفة بالنسبة للحجاج يعتبر يوم عيد وقد نهيت هذه الأمة أن تصوم في أيام الأعياد فعيد الحجاج هو يوم عرفة ولن يجتمع الحجاج في مكان من الأمكنة في موسم الحج إلا في عرفات وما عدا هذا سيتفرقون ما بين مكة وما بين منى وما بين غيرها أما في يوم عرفة فكلهم مجتمعون فهذا عيد بالنسبة لأهل عرفة كما أن يوم النحر عيد بالنسبة لغيرهم فيجتمعون يوم العاشر ويعظمون شعائر الله جل وعلا وذلك من تقوى القلوب. فإذا كان يوم عرفة يعتر عيدا بالنسبة للحجاج فما ينبغي أن يصوموا فيه. إخوتي الكرام: ويوم عرفة يوم عظيم عظيم عظيم هو كما قلت من أعظم أيام السنة وهو يوم النحر لا يوجد في أيام السنة ما يعدلهما والله جل وعلا يجود ويتفضل فيه على عباده بما لا يخطر على بال أحد.

وقد ثبت في صحيح مسلم وسنن النسائي وسنن ابن ماجه الحديث رواه الإمام ابن خزيمة في صحيحه ورواه الإمام البيهقي ورواه أيضا غير هؤلاء وهو صحيح فهو في صحيح مسلم عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عباداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو فيتجلى فيقول جل وعلا ماذا أراد هؤلاء – سبحانك ربنا ما أرادوا إلا رحمتك ورضوانك ومغفرتك – فهذا – يعني يوم عرفة هو يوم العتق من النار ويعتق الله فيه عباداً ما لا يعتق في سواه "وقد روى أيضا عن ظلمة بن عبد الله بن كريز وهو من التابعين الكرام بفتح الكاف وكما قال الإمام بن حبان كل اسم يأتي معك بهذا الضبط مضموم الكاف إلا هذا الاسم كريز فهو طلحه بن عبد الله بن كريز وحديثه مخرج في صحيح مسلم وغيره هو من أئمة التابعين الكرام عن طلحة بن عبيد الله بن كريز والحديث مرسل إلى نبينا صلى الله عيه وسلم في الموطأ وقد وصله الحاكم في المستدرك من رواية أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال "ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أصقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفه لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أرى يوم بدر فإنه رأى جبريل عليه الصلاة والسلام يزع الملائكة " ففي ذلك اليوم عندما رأى جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه يقود ملائكة الله الأطهار من أجل مقاتلة الكفار ذل الشيطان ذلا كبيرا وما عدا هذا فأعظم ما يحصل له من الذل والدحور والصغار في يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام.

رابعاً: وهو آخر ما سأتكلم عليه وأختم به هذه الموعظة أيام العشر إذا دخلت وثبت هلال ذي الحجة وأراد الإنسان أن يضحي فهو مستطيع وسيأتينا أحكام الأضحية مع بقية أحكام العشر في الموعظة الآتية إن شاء الله لكن إذا ثبت عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يجوز للإنسان أن يأخذ شيئاً من شعره ولا من إظفاره حتى يذبح أضحيته وهذا ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام فينبغي أن ينتبه له أهل الإسلام لا يجوز أن تقص شعر رأسك ولا أن تقلم أظافرك ولا أن تنتف شعر الإبطين ولا أن تحلق العانة ولا ولا إذا دخل عشر ذي الحجة حتى تذبح الأضحية وأما اللحية فيحرم على الإنسان أن يمد يده إليها بحلق أو تقصير سواء في عشر ذي الحجة أو في غيرها فانتبهوا إلى هذا عباد الله أما في عشر ذي الحجة كما قلت يحرم أن تزيل شعراً أو أن تقص ظفراً وقد ثبت هذا في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ورواه أهل السنن الأربعة من رواية أمنا أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها والحديث في سنن البيهقي وغيره ولفظ الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا دخل العشر من ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذنَّ شعراً ولا يقلمنَّ ظفراً".

وفي رواية "إذا دخلت عشر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يقص شعراً أو لا يقلمن ظفراً حتى يضحي" فهذا التحريم يمتد حتى يريق الإنسان دم الأضحية وحتى يضحي فإذاً فلا يأخذ شيئاً من شعره ولا من ظفره حتى يضحي وهذا الحكم هو الذي عليه الإمام المبجل أحمد بن حنبل عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وذهب ليه سيد التابعين الإمام سعيد بن المسيب وقال به من أئمة المسلمين الإمام ربيعة شيخ الإمام مالك وقال به اسحاق بن راهوية وذهب إليه بعض أصحاب الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله وأما ما ذهب إليه الإمام الشافعي ويقرب منه قول الحنفية والمالكية بأنه لا يحرم على الإنسان أن يأخذ شعراً ولا يقص ظفراً إنما هذا من باب كراهة التنزيه ومن باب الأدب أن يلتزم بذلك وإذا فعل فلا إثم عليه فرأْيٌ مع جلالة من قال به ومتانة ما استدلوا به كما سأذكر دليلهم أقول لا دليل فيه على هذا الأمر يعينه فالإمام الشافعي استدل بالحديث الثابت في المسند والكتب والسنة عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاه قالت كنت أفتل القلائد لهدى النبي صلى الله عليه وسلم فكان يبعث بها أي بالهدى وهي مقلدة إلى بيت الله الحرام ثم لا يحرم عليه ما أحل الله له حتى ينحر هديته وفي بعض الروايات ثم لا يجتنب ما يجتنبه المحرم حتى ينحر هديه أي يبقى على حاله حلالا عليه صلوات الله وسلامه.

لقد بينت كما قلت والحديث في الكتب الستة أن نبينا عليه الصلاة والسلام أرسل هديا في العام التاسع عندما ذهب أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه أميراً على الحج وقلد ذلك الهدى والقلائد جمع قلادة توضع في رقبة الهدى من القماش والخيطان يضع ليعلم أن هذا هدى ليذبح في ذلك المكان تقول فتلت القلائد بيدي للنبي عليه الصلاة والسلام وقلد الهدى ثم بعثه إلى مكة وبقي عليه الصلاة والسلام لم يجتنب ما يجتنبه المحرم من قص شعر أو تقليم ظفر فالإمام الشافعي عليه رحمة الله يقول إن الهدى أعظم مكانة من الأضحية وإذا لم يحرم على من أهدى شيئاً إلى بيت الله الحرام ليذبح فيه في بلد الله الحرام ليكون طعمه للمساكين وتعظيما لبيت رب العالمين إذا لم يحرم على المهدى أن يقص شعره ولا أن يقلم ظفره فلا يحرم على من يريد أن يضحي من باب أولى والذي يظهر والعلم عند الله أن الاستدلال كما قلت لا ينسجم مع ذاك أما الهدى فقد يرسل الإنسان هديه من بداية ذي الحجة وقد يرسل الإنسان هديه من بداية شوال فهل سيمتنع حتى ينحر الهدى في يوم النحر عما يفعله الإنسان إذا كان حلالاً من قص ظفر أو قص شعر أو ما شاكل هذا ففي الحقيقة هناك شيءٌ من المشقة فلا يصح أن نقيس هذا بهذا أو يضاف إلى ذلك كلام النبي عليه الصلاة والسلام هو الفاصل في هذا الأمر وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نأخذ شيئاً من شعرنا أو من أظفارنا حتى نذبح أضحيتنا نعم ذاك استدلال معتبر بالنسبة إلى قائلة لكن فيما يظهر والعلم عند الله أن ما ذهب إليه الإمام أحمد ومن معه أظهر وأقوى والله جل وعلا أعلم وخلاصة الكلام إخوتي الكرام هذه الأمور الأربعة ينبغي أن ننتبه لها: 1. تكبير لله جل وعلا في أيام العشر وأيام التشريق. 2. صيام تسع من ذي الحجة. 3. إذا لم يمكنك فلا أقل من صيام يوم عرفة. 4. إذا أردت أن تضحي فامتنع عن إزالة الشعر وقص الظفر حتى تذبح أضحيتك. أقول هذا القول وأستغفر الله.

الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين. وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله رسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا وارصد اللهم من الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أعلنا وما أسررنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. اللهم اغفر لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أنصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمت وتعلم منا اللهم أحسن لمن حسن إلينا. اللهم أغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات والحمد لله رب العالمين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".

ذم الابتداع

ذم الابتداع (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم ذم الابتداع 58 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. "يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون" (فاطر/3) . وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وآذانا صماً وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الصادقين المفلحين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث فيها رجالاً كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا " (النساء/1) . "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" (آل عمران/102) . "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما" (الأحزاب/71) . أما بعد: معشر الاخوة الكرام..

لازلنا نتدارس شناعة البدعة في الإسلام وأنها توجب للإنسان سوء الختام نسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يتوفانا وهو راض عنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وقد تقدم معنا إخوتي الكرام أن هذا المبحث سنتدارسه ضمن ثلاثة أمور: أولها: في تعريف البدعة. وثانيها: في النصوص المحذرة من البدعة. وثالثها: في أقسام البدعة. وقد انتهينا من المبحث الأول مع التعليق عليه بما فتح الله عز وجل وقد تقدم معنا أن البدعة هي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن وذلك الحدث المحدث لا تشهد له نصوص الشرع الحسان ولم يقل به أحد من أئمتنا الكرام. وننتقل في هذه الموعظة المباركة إخوتي الكرام إلى مدارسة الأمر الثاني ألا وهو: "النصوص التي تحذر من البدعة" تحذر من الهوى والابتداع وتأمرنا بالإقتداء بخاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

إخوتي الكرام: إن ديننا يقوم على دعامتين اثنتين وعلى ركنين ركينين أحدهما: إخلاص لربنا وثانيهما: اقتداء بنبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذان الركنان الركينان والدعامتان المتينتان هما مدلول كلمة التوحيد في الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله إخلاصنا لربنا وعبادتنا له وحده لا شريك له محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام إقتداؤنا بنبينا وإتباعنا له فمعبودنا هو الرحمن وإمامنا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودين الله من أوله لآخره يقوم على هاتين الدعامتين كما أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فقال دين الله منحصر في هاتين الجملتين إياك أريد بما تريد إياك أريد فمن لمن يرد الله المجيد سبحانه وتعالى بأفعاله وبحركاته وسكناته فهو من أهل الشرك والرياء ومن لم يتبع خاتم الأنبياء على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه فهو من أهل الزيغ والابتداع والأهواء فلابد من إخلاصٍ لله عز وجل ومتابعة لنبيه عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام: فكل من انحرف عن اتباع نبينا عليه الصلاة والسلام فهو مبتدع فهو صاحب زيغ وهوى سواء فرّط أو أفرط كما تقدم معنا في تعريف البدعة. إخوتي الكرام: وقد جاءت نصوص القرآن تأمرنا باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام وتحذرنا من مخالفته وتتابعت الأحاديث التي تقرر هذا الأمر كما تتابع أئمتنا الكرام على وصية هذه الأمة بهذا الأمر. أما آيات القرآن التي تأمرنا بطاعة نبينا عليه الصلاة والسلام لئلا نكون من المبتدعين اللئام فهي كثيرة كثيرة وقد كنت ذكرت بعضها فيما تقدم في أول موعظة عند ذكر البدعة وأحاول في هذه الموعظة أن أذكر شيئا لم يتقد ذكره بعون الله جل وعلا.

إخوتي الكرام: أمرنا الله جل وعلا باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام لئلا نكون من الزائفين والمبتدعين فقال ذو العزة والجلال في سورة الأنفال "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون" (الأنفال/20-24) . "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" قيد لبيان الواقع ولا يمكن أن تصدر الدعوة من الله جل وعلا ونبيه عليه الصلاة والسلام على خلاف ذلك "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" فدعوة الله ودعوة نبيه خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه فيما هذا الأمر وهي حياتنا في هذه الحياة حياة حقيقية آمنة مطمئنة توصلنا إلى السعادة والحياة الحقيقية أيضا بعد الممات "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون" (الأنفال/24) . والآيات في ذلك كثيرة إخوتي الكرام منها قول ذي الجلال والإكرام في سورة الحشر: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب" (الحشر/7) . ما أتى به نبينا عليه الصلاة والسلام ينبغي أن نأخذه وأن نتبعه وأن نقتدي به عليه صلوات الله وسلامه وقد ربط الله جل وعلا محبته باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام كما علق رحمته باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام والإقتداء به على الدوام فقال جل وعلا: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم" (آل عمران/31) .

وهكذا رحمة الله تكون لمن اقتدى بخير خلق الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد أشار الله إلى هذا الأمر في سورة الأعراف عندما حكى ما جرى من كليمه ونجيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام من مناجاة بينه وبين ربنا الرحمن مع وفده الذين اختارهم مع قومه كانوا سبعين رجلاً يقول الله جل علا مخبراً عما جرى في تلك المناجاة من ذلك قول الله جل وعلا حكاية كما قلت عن كليمه ونجيه ونبيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يقول نبي الله موسى كما حكاه الله جل وعلا عنه: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك"، (تبنا إليك ورجعنا إليك) قال: "عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون". ثم بين من يتصفون بهذه الصفات فقال جل وعلا: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" (الأعراف/157) . رحمة الله تكون لهؤلاء والفلاح يكون لهؤلاء الذين يتبعون الرسول النبي الأمي على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه "الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" (الأعراف/157) . وعليه خرج النصارى من هذا الوصف وخرج اليهود من هذا الوصف وخرجت كل أمة ضالة ملعونة من هذا الوصف لا ينال وصف الفلاح ولا يحصل رحمة الله إلا من اقتدى بنبينا خير خلق الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

إخوتي الكرام: وقد أمرنا الله جل وعلا باتباع صراطه المستقيم الذي أتى به نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وحذرنا من الخروج عنه فقال جل وعلا في سورة الأنعام: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" (الأنعام/153) . وهكذا اخبرنا العزيز الغفور في آخر سورة النور عند وصف المؤمنين وأنهم يتبعون النبي الأمين عليه الصلاة والسلام ويقتدون به في كل حين وحذرهم الله جل وعلا غاية التحذير من مخالفة هذا النبي البشير النذير عليه الصلاة والسلام فمن خالفه فقد عرض نفسه لفتنة الحياة والعذاب بعد الممات قال الله جل وعلا: "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستئذنوه إن الذين يستئذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم إن الله غفور رحيم. لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم لدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" (النور/62-63) . قوله تعالى: "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا" المصدر هنا "دُعاء" "لا تجعلوا دعاء الرسول" إما أن يكون مضافا إلى الفاعل فلا تجعلوا دعاء الرسول لكم إذا دعاكم للاجتماع لا تجعلوا هذا الدعاء منه كما هو الحال في دعاء بعضكم لبعض وإن شئتم حضرتم وإن شئتم تخلفتم وإن شئتم بعد الحضور فارقتم هذا المجلس هذا يكون فيما بينكم أما هذا النبي عليه الصلاة والسلام إن دعى فالإجابة واجبة وإذا حضرت فما ينبغي أن تتخلف وأن تخرج وأن تفارق إلا بإذن منه عليه الصلاة والسلام.

"لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً" والآية تحتمل أن تكون من إضافة المصدر إلى المفعول لا تجعلوا دعاءكم للرسول علية الصلاة والسلام ومناداتكم له عندما تنادونه لا تجعلوا هذه المناداة وهذا الدعاء كما ينادي بعضكم بعضا فإياك ثم إياك أن تقول يا محمد يا ابن عبد الله لا يصح هذا، هذا رسول الله خير خلق الله عليه الصلاة والسلام قل يا نبي الله يا رسول الله يا أفضل خلق الله فلا تنادوا رسول الله عليه الصلاة والسلام كما ينادي بعضكم بعضا "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ". وقد نص الإمام ابن حجر الهيثمي على أن من ذكر النبي عليه الصلاة والسلام وأضافه إلى أبيه ولم ينعته بنعت النبوة والرسالة فينبغي أن يعزّر وأن يؤدب التأديب البليغ عندما يقول قال محمد بن عبد الله، يا عبد الله ألا تنعته بما نعته رب العالمين "محمد رسول الله " عليه الصلاة والسلام "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" (الأحزاب/40) . فإذا ذكرته قل: " قال حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام " قال رسول الله " " قال خاتم أنبياء الله " على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه. ولا يضاف إلى أبيه إلا عند بيان نسبه عليه صلوات الله وسلامه وما عدا هذا "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا" فإذا دعاكم لدعوته شأن وإذا دعوتموه فتأدبوا غاية التأديب مع هذا النبي الحبيب عليه الصلاة والسلام "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً" – يختفون ويلوذ الواحد بالآخر ليخرج من الاجتماع الذي دعاهم إليه خاتم الأنبياء – عليه صلوات الله وسلامه – وهذا يحصل من المنافقين.

"قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" – أن تصيبهم فتنة في هذه الحياة بلية ومصيبة عظيمة فاقرة تهلكهم، أن تصيبهم فتنة في دينهم فيخرجوا عن دين ربهم عز وجل وأي فتنة أعظم من مخالفتهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم. إخوتي الكرام: هذه بعض نصوص القرآن تأمرنا بالاقتداء واتباع نبينا عليه الصلاة السلام وتحذرنا من مخالفته عليه الصلاة والسلام وقد جاءت الأحاديث الكثيرة تقرر هذا الأمر وتبينه وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يغرسه في الأمة على الدوام فكان إذا خطب عليه الصلاة والسلام في كل جمعة يوصي عباد الله بهذا الأمر ألا وهو: أن سنته هو الهدى فمن تبعها فقد اهتدى ومن انحرف عنها فهو على ضلال وردى. ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث رواه الإمام النسائي في سننه وابن ماجه في سسنه أيضا والبغوي في شرح السنة والإمام الآجري في كتاب الشريعة وهو حديث صحيح صحيح فهو في صحيح مسلم من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إذا قام خطيباً يخطب فيهم الجمعة احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم ثم يقول أما بعد إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد عليه الصلاة والسلام وشر الأمور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة في ضلالة. زاد الإمام النسائي في سننه بإسناد صحيح: وكل ضلالة في النار. إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدي محمد خير خلق الله عليه الصلاة والسلام وشر الأمور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. كان هذا الكلام حق يقول نبينا المختار عليه الصلاة والسلام في كل جمعة إذا خطب المسلمين يغرس هذا المعنى في قلوبهم.

"أصدق الحديث كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم وهو الذي يهدي للتي هي أقوم وخير الهدى وخير الهدى هدي نبينا عليه الصلاة والسلام. وشر الأمور المحدثات المبتدعات وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. نعم إخوتي الكرام كل من اخترع شيئا في دين الله ولم يأذن به الله فهو مردود عليه ولا يقبله الله جل وعلا. ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث رواه الإمام ابن ماجه في سننه وأبو داود في سننه والبغوي في شرح السنة أيضاً ورواه الإمام ابن أبي عاصم في السنة وهو في أعلى درجة الصحة فهو في الصحيحين من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ" مردود عليه لا يقبل الله عز وجل. وفي رواية في صحيح مسلم وقد علقها البخاري في صحيحه بصيغة الجزم وهي أيضا في كتاب السنة لابن أبي عاصم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ" وفي رواية في سنن أبي داود "من صنع أمراً ليس عليه أمرنا فهو ردّ " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ " "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ" "من صنع أمراً ليس عليه أمرنا فهو ردّ " مردود عليه لا يقبل عند الله جل وعلا. إخوتي الكرام: كما قلت كان نبينا عليه الصلاة والسلام يغرس هذا المعنى ويؤكد عليه في كثير من المناسبات لتكون الأمة على وعي تام ولتريد بعبادتها وجه الرحمن كما جاء بذلك نبينا عليه الصلاة والسلام فلا يقبل العمل عند الله إلا إذا أخلصت فيه لله واتبعت فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. إخوتي الكرام: كما قلت هذا الأمر كان يوصي به نبينا عليه الصلاة والسلام الصحابة الكرام وأمته على الدوام.

ثبت في المسند والحديث رواه أهل السنن الأربعة إلا النسائي ورواه الإمام البغوي في شرح السنة ورواه الإمام الدارمي في سنته وهو في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ورواه الإمام أو نعيم في حلية الأولياء ورواه الإمام البيهقي عليه وعلى أئمتنا جميعا رحمة الله في كثير من كتبه رواه في السنن الكبرى وفي المدخل لى السنن ورواه فغي دلائل النبوة ورواه في شعب الإيمان ورواه في كتاب الاعتقاد ورواه الإمام ابن أبي عاصم في كتاب السنة والإمام الآجري في الشريعة والإمام اللالكائي في شرح أصول أهل السنة والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وهو مروي في غير ذلك من دواوين السنة والحديث صحيح صحيح إسناده كالشمس في رابعة النهار من رواية أبي نجيح العرباص بن سارية رضي الله عنه قال: " وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصنا (كأنها موعظة مودع فأوصنا شعر الصحابة من حرقة نبينا عليه الصلاة والسلام واشتداده في الموعظة في آخر حياته شعروا أنه يوصيهم لأنه أجله قد اقترب عليه الصلاة والسلام حتى اجتهد هذا الاجتهاد في وصية هذه الأمة لتكون على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كأنها موعظة مودع فأوصانا) قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة.

نعم ديننا يقوم على كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام كما فهم ذلك سادتنا وأئمتنا وسلفنا الصالح رضوان الله عليهم أجمعين فمن جرد القرآن عن السنة فهو ضال ومن جرد القرآن والسنة عن فهم سلفنا فهو ضال فلا بد من اجتماع هذه الأمور الثلاثة: كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم سلفنا الكرام الخلفاء الراشدون المهديون ومن سار على نهجهم الميمون فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة. وتقدم معنا في رواية النسائي في حدي جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وكل ضلالة في النار إخوتي الكرام كان نبينا عليه الصلاة والسلام يوصينا بهذا الأمر على الدوام ويحذرنا من مخالفته عليه الصلاة والسلام والخروج عن سنته في أي أمر من الأمور فذلك ضلال وثبور. ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه الإمام الآجري في الشريعة والبزار في مسنده وابن أبي عاصم في السنة ورواه الإمام اللالكائي في شرح السنة من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وقد روى الحديث هؤلاء أيضا باستثناء ابن حبان والحاكم وزيادة ابن ماجه فهو في المسند وسنن ابن ماجه وأخرجه من تقدم ذكرهم من رواية جابر بن عبد الله فهو من رواية عبد الله بن مسعود ومن رواية جابر بن عبد الله وكما قلت هذه المصادر الحديث مروي فيها عن هذين الصحابيين الجليلين عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم.

وأما حديث عبد الله بن مسعود فقد روى أيضا في غير المصادر التي تقدمت من دواوين السنة رواه الإمام الطبري في تفسيره والإمام الطيالسي في مسنده ورواه البغوي في شرح السنة وفي معالم التنزيل ورواه الخطيب في تاريخ بغداد والحديث صحيح وقد بحث الإمام ابن كثير في إسناد هذا الحديث وحقق درجته ومكانته وقد جرى كلام حول إسناد حديث جابر فيشهد له حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين. أنظروا كلامه إن شئتم إخوتي الكرام في تفسيره 2/190 عند الآيةالتي سيقرؤها نبينا عليه الصلاة والسلام بعد ذكر هذا الحديث الشريف ولفظ الحديث كما قلت من روايةابن مسعود وحديث جابر بمعناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا مستقيما ثم قال هذا صراط الله مستقيما ثم خط النبي عليه الصلاة والسلام خطوطا متعددة عن يمينه وعن شماله (عن يمين هذا الخط عن شماله) وقال: هذه هي السبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا إليها ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" (الأنعام /153) وأن هذا صراطي مستقيما. ولذلك إخوتي الكرام: لابد للإخلاص من التباع وإخلاص من غير اتباع لا يقبل عند خالق الأشياء رب الأرض والسموات سبحانه وتعالى وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يعالج وقائع كثيرة جرت في زمنه المباركة من قبل بعض الصحابة الكرام دفعهم إلى تلك الوقائع والحوادث إخلاصهم لربهم جل وعلا وطلبهم التقرب لديه.

ولكن في بعض تلك الحوادث والوقائع انحراف عما أتى به نبينا صلى الله عليه وسلم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يواجه تلك الحوادث ويضع المنهج الصحيح للأمة والذي ينبغي أن تسير عليه وإليكم بعض هذه الحوادث التي هي ثابتة في دواوين السنة منها ما ثبت في المسند والصحيحين والحديث رواه الإمام النسائي في السنن ورواه ابن سعد في الطبقات ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته في السر فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها ثم قال بعضهم لبعض (معتذرا لنبينا عليه الصلاة والسلام من عدم اجتهاده صلى الله عليه وسلم في عبادة الرحمن على حسب توهمهم) قال بعضهم لبعض أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ونحن ليس لنا هذه المنقبة والمكانة فينبغي أن نبذل جهداً لا يبذله صلى الله عليه وسلم ثم قال بعضهم أما أنا فأصلى الليل ولا أنام قال آخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر: أما أنا فأعتزل النساء فلا أتزوج. فلما أخبر النبي عيه الصلاة والسلام بمقالتهم جمعهم وقام في الصحابة خطيبا فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا صلى الله عليه وسلم وقال: "ما بال أناس يقولون كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له". وثبت في الصحيحين من رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية".

ومرد الكمال إلى قوتين اثنتين لا ثالث لهما قوة علمية نظرية وقوة علمية طلبية وقد اجتمعتا في نبينا خير البرية صلى الله عليه وسلم على وجه التمام فهو أعرف الخلق بالحق جل وعلا وهو أعبد الخلق للحق جل وعلا أنا أعلمكم بالله وأشد منكم خشية..أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء ... انتبه لختام الحديث فمن رغب عن سنتي فليس مني..من رغب عن سنتي فليس مني هذا ممن يعبد هواه ولا يعبد مولاه وينبغي أن نعبد الله بما يريد لا بما نريد نحن أعبد الله كما بين على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام فمن رغب عن سنتي فليس مني. وثبت في سنن الترمذي والحديث رواه الحاكم في المستدرك ورواه البيهقي في شعب الإيمان ورواه البزار في مسنده وإسناده صحيح كالشمس من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر حتى مررنا بشعب فرأى بعض الصحابة عُيينة من ماء..عين صغيرة تنبع ماء عذباً..فأعجبه حالها وفكر في نفسه أن يمكث عندها ليتعبد الله عز وجل لكن من صلاح قلبه وحبه لنبيه عليه الصلاة والسلام قال: لن أنفذ ما عزمت عليه حتى أعرض الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم فعرض حاله على النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشعب المنعزل فيه عيينه من ماء أقيم عنده أعبد رب الأرض والسماء واعتزل الدنيا وما فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعل..فإن مقام أحدكم في الصف خير له من عبادته لربه في بيته سبعين عاماً إذا قمت ساعة في الصف في صف المؤمنين لمقاتلة أعداء الله المجرمين إذا قمت ساعة فقط هذا خير من أن تعبد الله سبعين عاما ثم قال: ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويرحمكم ويدخلكم الجنة قال بلى يا رسول الله قال: قاتلوا في سبيل الله فوالذي نفسي بيده على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه "من قاتل في سبيل الله فُواق ناقةٍ وجبت له الجنة".

والفواق والفواق بفتح الفاء وضمها وبها قرئ قول الله جل وعلا في سورة ص: "وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق" قرأ حمزة والكسائي وخلف " مالها من فواق" " والفُواق والفَواق " قال الإمام الفرَّاء: هما بمعنى واحد فهو بمعنى الاستراحة والراحة وهو بمعنى التردد والرجوع وحقيقة في لغة العرب الفُواق والفَواق هو الوقت الذي يكون بين الحلبتين إذا حلب الإنسان الشاة..حلب الناقة عندما يضغط على ثديها فيخرج اللبن ثم بعد ذلك يرخي يده ليضغط مرة أخرى هذه الفترة التي هي بين الحلبتين يقال لها: فَواق يقال لها فُواق. إخوتي الكرام وتفسير الفُواق /الفَواق بما ذكرت هو أحد التفسيرين باللفظ المذكور كما ذكر علماء اللغة وعلماء الشريعة المطهرة في كتب التفسير والحديث الشريف. ففي القاموس وشرحه تاج العروس وفي لسان العرب يقول علماء اللغة الفُواق بالضم كبُراق ويفتح الفَواق يطلق على أمرين الأمر الأول: ما بين الحلبتين من الوقت لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب يقال ما أقام عنده إلا فُواقاً إلا فُواقاً أي إلا وقتا يسيراً. الأمر الثاني: الذي يطبق عليه لفظ الفواق الفَواق يطبق أيضا على ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع فهذا الوقت الذي يكون ما بين قبض الحالب على الضرع ثم إرساله عند الحلب يسمى فَواقاً وفُواقاً أيضاً. إخوتي الكرام: وقد ورد هذا المعنى عن نبينا عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة وفيها بيان عظيم ثواب المجاهدين عند رب العالمين.

ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة والحديث رواه الإمام الدارمي في سننه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن الكبرى ورواه الطبراني في معجمه الكبير كما في جمع الجوامع والحديث قد صححه الإمام الترمذي والحاكم وأقره عليه الإمام الذهبي رحمة الله عليهم جميعاً والحديث من رواية معاذ بن جبل أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قاتل في سبيل الله فُواق ناقة وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل في سبيل الله صادقا من نفسه ثم مات أو قتل كان له أجر شهيد ومن جرح جرحاً في سبيل الله أو نُكِب نكبة فلأنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك ومن خرج به خرّاج في سبيل الله فعليه طابع الشهداء". والأحاديث كما قلت في ذلك كثيرة منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده وابن زنجوية كما في جمع الجوامع من رواية عمرو بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قاتل في سبيل الله فُواق ناقة حرم الله على وجهه النار" ومن قاتل في سبيل الله وقتا قصيراً بمقدار ما بين الحلبتين من وقت دقائق /ثوانٍ وجبت له الجنة، فهذا خير لك يا عبد الله من أن تعبد الله في هذا المكان ولذلك قال له نبينا عليه الصلاة والسلام: "لا تفعل ". إخوتي الكرام: إن شأن الجهاد عظيم وحقيقة ينبغي أن نتدارس أمره ومنزلته في هذا الحين فقد عطل الجهاد في البلاد في هذه الأوقات وسيأتينا منزلة هذه الشعيرة التي عطلها أعداء الله جل وعلا. وركنوا إلى الحياة الدنيا وطاب لهم العيش في هذه الدنيا مع الكافرين من اليهود الملعونين والنصارى الضالين وبقية أصناف الكفرة المجرمين نسأل الله تعالى أن يفرج عن المسلمين وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدا وإنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام هذا الصحابي الجليل أراد أن ينعزل في ذلك المكان لعبادة الرحمن فنهاه نبينا عليه الصلاة والسلام وأمره بلزوم الجماعة وإتباع السنة.

نعم إخوتي الكرام من أراد أن يزكي نفسه أراد أن يهذبها أراد أن يصلحها بشرع الله لا برأيه ولا بهواه فإذا أراد الإنسان أن يسيح ما عندنا ما عندنا سياحة كسياحة الرهبان الذين اعتزلوا في الأديرة والصوامع والكهوف والمغارات فلعب بهم الشيطان كما يلعب الصبيان بالكرة فلعب بهم الشيطان كما يلعب الصبيان بالكرة عندنا سياحة عظيمة يسيح الإنسان فيها ألا وهي "الجهاد في سبيل الله". وقد أخبرنا عن ذلك نبينا خير خلق الله عليهم الصلاة والسلام. ففي سنن أبي داود ورواه الحاكم في المستدرك ورواه البيهقي في السنن الكبرى وفي شعب الإيمان ورواه سموّيه في فوائده ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ورواه شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في كتاب الجهاد وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي أمامة رضي الله عنه إن رجلا جاء إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فقال يا رسول الله: إيذن لي في السياحة فقال له عليه الصلاة والسلام " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " وهكذا عندما كان يشكوا إليه بعض الشباب أحوالهم وأنهم يجدون ضغطاً من العزوبة فكان نبينا عليه الصلاة والسلام يرشدهم إلى ما يزكون به نفوسهم ولا داعي بعد ذلك إلى معالجات رديئة شيطانية. ثبت في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير والحديث رواه الإمام البغوي في شرح السنة وإسناد الحديث رجاله ثقات من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الخصاء أن يختصي لأنه شاب يشتكي من العزوبة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "خصاء أمتي الصيام والقيام".

والأحاديث وردت في هذا المعنى كثيرة منها ما ثبت في مسند الإمام أحمد وفي الإسناد رجل لم يسمّ ويشهد له ما تقدم من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلا جاء يستأذن النبي عليه الصلاة والسلام في الخصاء فقال له النبي عليه الصلاة والسلام "صُم واسأل الله من فضله" فهذا الصيام وهذا القيام يستأصلان ما في النفس من شهوات وأوهام "صم واسأل الله من فضله". وفي معجم الطبراني الكبير وفي الإسناد عبد الملك بن قدامة الجمحي وثقه ابن معين وغيره والجمهور على تضعيفه وقد حكم الحافظ عليه في التقريب بأنه ضعيف وهو من رجال سنن ابن ماجه ولفظ الحديث من رواية عثمان بن مضعون رضي الله عنه أنه جاء يستأذن النبي عليه الصلاة والسلام في الإختصاء أيضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا" عليك بالصوم فإنه مخفرة "أي حصن " حصن باعث على الحياء والخشية من رب الأرض والسماء وهو حصن منيع عليك بالصوم فإنه مخفرة " فهؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم عندما وقع في أنفسهم ما وقع وأرادوا أن يعالجوا ذلك /تلك الوقائع بحسب اجتهاداتهم طلبا لرضوان ربهم نهاهم نبينا عليه الصلاة والسلام وأمرهم بالاقتداء بسنته. ويشهد للأحاديث المتقدمة في أرشاد النبي صلى الله عليه وسلم من يشتكي العزوبة ويريد أن يتخلص منها يشهد لها الحديث الصحيح الثابت في مسند أحمد والصحيحين والسنن الأربعة وهو في صحيح ابن حبان والسنن الكبرى للبيهقي وهو في أعلى درجات الصحة من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

هذه آيات القرآن تأمرنا باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام وتحذرنا من مخالفته ومن الابتداع في دين الرحمن وهذه أيضا أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام تأمرنا بالاقتداء به وتحذرنا من الابتداع ومن مخالفة نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الأمر تتابع سلفنا الكرام فكانوا يوصون بالتزام السنة ويحذرون من مخالفتها من البدعة ويبينون أن من اقتصد وكان على سنة فهو خير وأفضل ممن اجتهد وكان على هوى وبدعة. ثبت في مستدرك الحاكم بإسناد صحيح على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبي وفي معجم الطبراني الكبير وسنن الدارمي والحديث في السنن الكبرى للإمام البيهقي ورواه الإمام اللالكائي في شرح أصول أهل السنة الكرام عن سيدنا أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة " فإذا كنت على السنة فمهما قل جهدك في النوافل والتطوع ومهما قل نشاطك واجتهادك فأنت على هدى ما دمت تتبع سنة المصطفى عليه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فإذا ابتدعت وعبدت ربك على حسب رأيك فكلما ازددت اجتهادا ازددت من الله ابتعاداً الاقتصاد في السنة من الاجتهاد في البدعة وهذا الكلام مروي عن سيد القراء أبي المنذر أبي بن كعب رضي الله عنه وأثر أبي رواه الأئمة الكرام أبو نعيم في حلية الأولياء وابن الجوزي في تلبيس إبليس واللالكائي في شرح أصول أهل السنة الكرام أنه قال أيضا "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة". وثبت في كتاب "ذم البدعة والنهي عنها" لإبن وضاح والأثر نقله الإمام أبو شامة في كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث" ونقله الإمام الشاطبي في الاعتصام عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".

وثبت عن حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما في سنن الدارمي وذم البدعة لابن وضاح والحديث رواه الإمام الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه " أن رجلا قال له أوصني قال نعم "عليك بتقوى الله والاستقامة اتبع ولا تبتدع". وثبت عن أمين سر هذه الأمة حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أنه قال "يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيداً فإن أخذتم يميناً وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيداً " وأثره رواه الإمام البخاري في صحيحه وأبو نعيم في الحلية ورواه ابن وضاح في ذم البدعة ورواه الإمام اللالكائي في شرح أصول أهل السنة ورواه عبد الله ولد الإمام أحمد عليهم جميعا رحمة الله. يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم (بصيغة المبني للمعلوم) أي إن استقمتم فقد سبقتم سبقاً بعيداً ونلتم عند الله منزلة عالية وبصيغة المبني للمجهول استقيموا فقد سُبِقتم سبقاً بعيداً أي ممن قبلكم وكانوا على الهدى التام فلا داعي لتغيير ما كان عليه السلف الكرام اقتدوا بآثارهم فهم أسبق إلى كل خير ممن جاء بعدهم استقيموا فقد سبقتم سبقاً بعيداً فقد سُبقتم سبقاً بعيداً فإن أخذتم يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً.

إخوتي الكرام: والآثار في ذلك كثيرة عن سلفنا الكرام فها أيضاً ما ثبت عن سيد المسلمين في زمانه سفيان الثوري أنه كان يقول: "البدعة احب إلى إبليس من المعصية " وسفيان الثوري هو سيد المسلمين في زمانه توفي سنة 161هـ حديثه مخرج في الكتب الستة وهذا الأثر عنه يرويه الإمام ابن الجوزي في تلبيس إبليس واللالكائي في شرح أصول أهل السنة والجماعة البدعة أحب إلى إبليس من المعصية. ثم علل ذلك فقال: المعصية يُتاب منها والبدعة لا يتاب منها لأن المبتدع يزعم أنه على هدى وأنه يعبد مولاه وهو في واقع الأمر يعبد هواه ولذلك يؤثر الشيطان إيقاع الناس في البدعة على إيقاعهم في المعصية فالبدعة معصية لكن المبتدع يزعم أنه طائع لربه وهو يعبد الشيطان البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لايتاب منها والمعصية يتاب منها. هكذا كما قلت إخوتي الكرام تتابعت النصوص عن سلفنا الكرام في التحذير من البدعة وهذا العبد الصالح أيوب السختياني توفي سنة 131هـ وحديثه مخرج في الكتب الستة وهو من شيوخ أهل السنة الكبار يقول: "ما ازداد عبد في البدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله ابتعاداً " وهذا الأثر يرويه الإمام ابن الجوزي عنه وهكذا ابن وضاح في كتاب ذم البدعة "ما ازداد عبد في البدعة اجتهاداً يعبد الله على رأيه على هواه إلا ازداد من الله ابتعاداً" ولذلك من حفظ من البدعة فليحمد الله وكان سيد المسلمين في زمانه الإمام في التفسير وفي الفقه وفي الزهد وفي الورع والعبادة أبو الحجاج مجاهد بن جبر (ت102هـ/103هـ/104هـ) وحديثه في الكتب الستة وكان يقول "ما أدري أي النعمتين عليّ اعظم، أن هداني الله للإسلام أو حفظني من الأهواء والأوهام.

نعم إخوتي الكرام: إن نعمة الإسلام عظيمة وإن نعمة إتباع نبينا عليه الصلاة والسلام عظيمة عظيمة فإذا دخل الإنسان في دائرة الإسلام ثم اتبع هواه وعبد الله كما يريد هو لا كما يريد ربه لا يزداد من الله إلا بعداً ولذا روى الإمام ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس في مقدمة كتابه بسنده إلى سيد المسلمين في زمانه الإمام أبي عمر الأوزاعي وحديثه مخرج في الكتب الستة أيضا (ت157هـ) أنه قال: رأيت رب العزة في المنام فقال لي يا أبا عمرو أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قلت بفضلك يا رب ثم قلت: ربي أمتني على الإسلام قال: يا أبا عمرو قل وعلى السنة ربي أمتني على الإسلام قل وعلى السنة. إخوتي الكرام: ورؤية الله ذي الجلال الإكرام في المنام واقعة مشروعة جائزة باتفاق أهل السنة الكرام كما قرر ذلك الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي 3/390 وأن كل واحد إن رأى ربه في منامه يراه على حسب إيمانه ونقل الحافظ في الفتح 12/387 إجماع أهل السنة على جواز رؤية الله في المنام وهذا العبد الصالح شيخ الإسلام عندما رأى رب العزة في المنام وقال له: أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قال: بفضلك يارب ثم قال: رب أمتني على الإسلام قال قل وعلى السنة نسأل الله أن يشرح صدورنا للإسلام وأن يوفقنا لإتباع نبينا عليه الصلاة والسلام وأن يمن علينا برؤية نور وجهه الكريم في غرف الجنان إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام: إن الملك الذي كان عليه نبينا عليه الصلاة والسلام سار عليه سلفنا الكرام تغير فيما جاء بعد ذلك الوقت من أزمان ولما آل إليه الأمر إلى زمن الإمام المبجل أحمد بن حنبل وكثرت البدع والحوادث كان يقول كما نقل عنه تلميذه الخلال في كتابه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ص113 يقول إمام أهل السنة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا "إذا رأيتم شيئاً مستقيماً فتعجبوا" تكدرت الأحوال بعد ذلك وانحرف الناس عن سنة الهدى وتبعوا البدع والردى وصار ما عليه الناس أهواء وبدعة والسنة قليلة غريبة بين الناس فإذا رأيتم شيئاً مستقيماً فتعجبوا إذا رأيتم شيئاً مستوياً فتعجبوا. وكان أئمتنا الكرام رحمهم الله يوصون بالعطف على أهل السنة في كل وقت فهم حقيقة غرباء بين الناس. يقول سفيان الثوري رحمه الله كما في تلبيس إبليس وكتاب شرح أصول أهل السنة للإمام اللالكائي يقول: "استوصوا بأهل السنة خيراً ساعدوهم وأعينوهم فإنهم غرباء" نعم إنهم غرباء.

والذي يتبع سنة نبينا عليه الصلاة والسلام في العصور المتأخرة غريب لأن الناس أحدثوا ما أحدثوا من البدع والضلالات وكان العبد الصلاح يونس بن عبيد (ت139هـ) وحديثه في الكتب الستة وكان الناس في زمانه إذا توسلوا إلى الله تعالى جل وعلا يتوسلون بربوبيته ليونس بن عبيد فيقولون يارب يونس فرج عنا، يارب يونس أغثنا، يارب يونس انصرنا هذا العبد الصلاح قال لأصحابه مرة أتدرون من الغريب؟ قالوا ومن أيها الإمام: قال: الغريب من إذا عُرِّف السنة فعرفها ثم قال أتدرون من الأعزب؟ (الغريب إذا عرفته السنة يعرفها لا ينكرها ولا يردها ولا يجحدها لا يجادل في ردها) نعم وهذا الوصف لعلك لا تجده في هذه الأيام واحد من ألف إن لم يكن من مائة ألف إذا ذكرت له السنة ينكس رأسه ويقول سمعاً وطاعة فهذا غريب وأكثر الناس يشتطون ويكثرون اللغط عندما تعرض سن نبينا عليه الصلاة والسلام هذا الغريب فمن الأغرب؟ قال: الأغرب هو معرف السنة والداعي إليه الغريب والأغرب تعرفون من الغريب.

الغريب من إذا عرّف السنة عرفها هذا غريب نادر إنسان ينصف وإذا عرضت عليه ما ثبت بشرع الله المطهر وقرره أئمتنا البررة يسلّمُ له ولا يعترض هذا غريب والأغرب منه هو الذي يدعوا إلى إتباع السنة ولذلك قال العبد الصالح إبراهيم إسحاق أبو إسحاق الحربي (ت285هـ) انظروا ترجمته الطيبة في طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1/89 فما بعدها وهذه القصة في هذا المكان وترجمة الإمام الذهبي في السير 13/360 فما بعدها وهذه في هذا المكان ص360 من ترجمته قال مرة لأصحابه من الغريب؟ فقال بعضهم الغريب هو من نآى عن وطنه، فقال: ما قلتم شيئاً ثم قال من الغريب؟ قالوا: الغريب من فارق أصحابه وأحبابه وابتعد عنهم قال: ما قلتم شيئاً قالوا فمن الغريب؟ أبا إسحاق، قال: الغريب إنسان صالح كان بين قوم صالح إن أمر بالمعروف أعانوه وإن نهى عن المنكر آزروه وإذا احتاج إلى سبب ساعدوه ومانوه ثم ماتوا وتركوه بقي بمفرده هذا هو الغريب. ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقي الذين حياتهم لا تنفع هذا هو الغريب.

وأبو إسحاق الحربي رحمه الله صاحب كتاب الغريب في الحدث الإمام المتواضع العابد القانت لما قال له بعض تلاميذه بلغه عن بعض تلاميذه أنهم يفضلونه على الإمام أحمد دعاهم وقال: "تفضلونني على من لا أُشبهه والله لا أحدّثكم بعد ذلك فلا تعودوا إليّ "انظروا لهذا الإنصاف وهذه الديانة تفضلونني على الإمام أحمد ولا أشبهه ليس بين وبينه شبه، وهو النجم العالي ونحن في السافل ثم أنتم تفضلونني عليه. والله لا أحدثكم أبداً، ولما دخل على القاضي الصالح إسماعيل قال محمد بن يوسف أحد القضاة فأخذ حذاء أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي ومسحه وهو القاضي في زمانه فقال له أعزّك الله في الدنيا والآخرة فلما مات محمد بن يوسف القاضي رحمه الله وهو غير أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهم أجمعين رئى في النوم بعد موته وهو في خالة حسنة فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أعزني الله تعالى في الدنيا والآخرة بدعوة الشيخ الصالح أبي إسحاق " أعزّك الله في الدنيا والآخرة " هذا هو الغريب الذي كان بين قوم صالحين يساعده على الأمر بالمعروف ويؤازره على النهي عن المنكر ويساعده في أمور الحياة ثم فارقوه وبقي بمفرده حقيقة هذا هو الغريب. إخوتي الكرام: أئمتنا تتابعوا على هذا القول الذي يبينون فيه إن المتمسك بالسنة غريب غريب يقول أبو بكر بن عياش وأثره مروي في تلبس إبليس للإمام ابن الجوزي وفي شرح أصول أهل السنة للإمام اللالكائي أبو بكر بن أبي عياش (ت194هـ) وحديثه في الكتب الستة من الأئمة الصالحين الربانيين كان يقول: "أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام بين سائر أهل الأديان " أي هؤلاء غرباء كما أن المسلم غريب عند اليهود والنصارى السني غريب عند أهل الإسلام أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام عند سائر أهل الأديان".

إخوتي الكرام: هذه البدعة ينبغي أن نحذرها وغربة الدنيا أيسر من عذاب الآخرة وقد خشي علينا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقع في الشبهات وهي البدع والأهواء الرديات كما خشي علينا أن نرتع في الشهوات والشيطان يصول ويجول ويقبل ويدبر ويكر على القلوب في كل وقت ليوقعها في شهوة أو في شبهة وهما منبع كل آفة. ثبت في مسند الإمام أحمد ومسند البزار والحديث رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة –الصغير والأوسط والكبير – وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى " وهي الشبهة والبدع، شهوة وشبهة. إخوتي الكرام: وهذا التغير الذي طرأ كما قلت على هذه الأمة والبدعة التي انتشرت فيها سأفصل الكلام في إشارة نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ما سيقع في هذه الأمة من تغير وأبين أقوال الصحابة الكرام وأقوال السلف رضي الله عنهم أجمعين في الموعظة الآتية إن شاء الله تعالى قبل أن ننتقل إلى المبحث الثالث في أقسام البدعة بعون الله. إخوتي الكرام: لكنني أريد أن أقول مهما انتشرت البدعة وعمت المخترعات والحوادث والأهاء فلن تخلو الأرض من طائفة على الحق ظاهرة لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى يأتي أمر الله. نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه وفضله وجوده وإحسانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر في أحاديثه الكثيرة الصحيحة الوفيرة منها: حديث أذكره وأختم به هذه الموعظة رواه الإمام الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه والحديث رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان والإمام الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وجميع رجال الإسناد ثقات أثبات وليس فيهم إلا أبا بشر الراوي عن أبي وائل وهو الراوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأبو وائل هو صاحب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وروى عنه أبو بشر ولا يعرف لأنه لم يروه عنه إلا راوٍ واحد. والحديث معناه صحيح ثابت ولفظه من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل طيباً وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة " يأكل الحلال ويعبد الله علىحسب شريعة نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام ويأمن الناس بوائقه وشروره وغوائله وفتنه دخل الجنة. قالوا يا رسول الله هذا كثير فينا كل الصحابة على هذا الوصف يأكلون الحلال يبتعدون عن الحرام ويعملون بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ويعبدون الله على حسب شريعته ولا يؤذون عباد الله من أكل طيبا وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة هذا كثير فينا فقال عليه الصلاة والسلام وسيكون في قرون بعد هذا الوصف أناس يأكلون الحلال يعملون بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام يحسنون إلى عباد الله ولا يؤذونهم.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من هذا الصنف إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك ومن المقربين لديك وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضها إليك غير مفتونين اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عملٍ بقربنا إلى حبك اللهم اجعلنا من المحبوبين عندك يا أرحم الراحمين اللهم اجعلنا من المحبوبين عندك يا أرحم الراحمين اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك ومن المقربين إليك اللهم اجعل حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا وأحب غلينا من الماء البارد في اليوم القائظ اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا اللهم اغفر لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم فرّج عن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا الهم ارحمهم كما ربّونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علّمنا وتعلّم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم أغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم أغفر لمن عبد الله فيه اللهم أغفر لجيرانه من المسلمين اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء واحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".

خمس خصال في شهر رمضان

خمس خصال في شهر رمضان (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم خمس خصال في شهر رمضان 20 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة طاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. "يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاُ كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

تقدم معنا أن شهر رمضان هو سيد شهور العام وأفضلها عند ذي الجلال والإكرام وقد فرض الله فيه الصيام على هذه الأمة المرحومة المباركة وعلى الأمم التي سبقتها كما انزل الله في هذا القرآن العظيم وكذلك أنزل سائر كتبه على جميع النبيين المتقدمين على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه. إخوتي الكرام: وقد اختص الله القرآن الذي نزل في شهر رمضان بخصائص حسان لا توجد في الكتب السابقة التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله على نبينا وعليهم جميعاً الصلاة والسلام فمن تلك الخصائص ما تقدمت الإشارة إليه مجملاً من أن القرآن العظيم نزل في شهر رمضان مرة واحدة ودفعة كاملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ونزل جبريل -على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه بخمس آيات أيضاً من سورة العلق في شهر رمضان على نبينا – عليه الصلاة والسلام ثم نزل القرآن بعد ذلك مفرقاً يساير الحوادث والوقائع في ثلاث وعشرين سنة وهذه الخِصّيصة خص الله به قرآنه الذي أنزله على افضل أنبياءه ورسله (على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه) . فالكتب السابقة كانت تزل جملة واحدة على أنبياء الله ورسله (على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه) أما القرآن فحصل فيه هذا المعنى عندما نزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم فُرّق في ثلاث وعشرين سنة وهذه خِصّيصة لنزول القرآن لم يشاركه في ذلك أي كتاب سماوي نزل قبل القرآن وقد أشار ربنا الرحمن إلى هذا فلما ذكر اعتراض المشركين على نزول القرآن مفرقاً على نبينا عليه الصلاة والسلام وأرادوا أن ينزل جملة واحدة (وقال الذين كفروا لولا نُزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) .

هذا الكتاب يمتاز على الكتب السابقة فلا بد أن يختلف في كيفية نزوله عن نزول الكتب السابقة وما قال الله جل وعلا هذه سنتي في الكتب التي أنزلتها على الأنبياء وقبل محمد على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه ولذلك عندما اعترض المشركون على بشرية نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وأنه بشر مثلهم وينبغي أن ينزل عليهم تلك قال الله جل وعلا: "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا". فنبيا عليه الصلاة والسلام من البشر وهكذا سائر أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه من البشر، أما القرآن فنزل في كيفية وبكيفية وطريقة تختلف عن نزول الكتب السابقة (كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا) . وهكذا اختص الله القرآن أيضاً بحفظه ولم يتعهد الله بحفظ الكتب السابقة "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ومن حفظ الله لكتابه أن يسّر حفظه على الأمة التي نزل عليها هذا القرآن، فقال ربنا الرحمن أربع مرات في سورة القمر: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" فأناجيل هذه الأمة صُدُورهم وهذا القرآن موجود في قلوبهم (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) . إخوتي الكرام: وكما خص الله القرآن الذي نزل في شهر رمضان بخصائص كثيرة فقد خص الله هذه الأمة المباركة في شهر رمضان بخصائص لا توجد للأمم السابقة أيضاً نعم فرض الله علينا الصيام وفرضه على الأمم السابقة وصومنا وصومهم واحد كما تقدم معنا وهو صوم هذا الشهر الكريم لكن ما أغدق الله علينا من النعم في هذا الشهر ما حصل في الأمم السابقة لكرامة هذه الأمة على الله جل وعلا ولِعُتُوِّ الأمم السابقة وجحودهم وعنادهم وجدالهم لأنبيائهم على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وسأشير إلى ما يقرر هذا مجملاً ثم أتتكلم بعد ذلك بشيء من التفصيل على هذا الموضوع.

إخوتي الكرام: ثبت في كتاب شعب الإيمان للإمام البيهقي والحديث رواه الحسن بن سفيان في مسنده وإسناد الحديث كما قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب مُقارب –بصيغة المبني للفاعل – ويقال بصيغة المبني للفاعل ويقال لصيغة المبني للمفعول مُقاربٌ مُقارَب. وقد اقر الإمام ابن حجر في الفتح قول الإمام المنذري بأن إسناد الحديث مُقَارِبٌ أو مُقَارَبٌ وإذا كان بصيغة اسم المفعول مقارِبٌ أي رجال إسناد هذا الحديث يقاربون غيرهم في الحفظ والإتقان والضبط والأمانة. وإذا كان بصيغة المفعول مُقارَبٌ فرجال الأحاديث الأخرى يقاربون إسناد هذا الحديث ضبطاً وحفظاً وإتقاناً وهذا من ألفاظ التعديل كما قرر أئمتنا في كتب علوم الحديث.. إسناد الحديث مقارِب ولفظ الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أُعطيت أمتي في شهر رمضان خمس خصال لم يعطها – لم يؤتها- نبي قبلي –أعطيت أمتي في شهر رمضان خمس خصال لم يؤتها نبي قبلي: أما الخصلة الأولى: إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إليهم جميعاً ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً. الخصلة الثانية: فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك. الخصلة الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة. الخصلة الرابعة: فإن الله يقول لجنته تزيني واستعدي لعبادي أوشك أن يستريحوا إلى داري وكرامتي. الخصلة الخامسة: إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان غفر الله لهم جميعاً.

فقال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يا رسول الله عليه الصلاة والسلام: أهي ليلة القدر؟ (قال لا..ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفّوا أجورهم!!) فإذا فرغوا من أعمالهم وفّوا أجورهم هذه خصال أكرم الله بها هذه الأمة المرحومة في شهر الصيام ما أعطاها الله لأمة من الأمم السابقة قبل أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ولفظ النظر الوارد في أول خصلة (نظر الله إليهم جميعاً) صفة النظر التي يتصف بها ربنا جل وعلا من الصفات المفيدة بمشيئة الله وقدرته يفعلها متى شاء لمن شاء – سبحان الله – فينظر إلى من شاء ولا ينظر إلى من شاء كما وردت بذلك آيات القرآن وتواترت بذلك الأحاديث الثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام. ففي سورة آل عمران يقول ذو الجلال الإكرام: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاف لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا تزكيهم ولهم عذاب أليم) فصفة النظر تختلف عن صفة العلم فصفة العلم تتعلق بكل شيء وصفة النظر لا تكون إلا لمن رضي الله عنه وأحبه وأكرمه ينظر إلى هذه الأمة وإذا نظر الله إلى إنسان سيرحمه ولابد.

كما ثبت ذلك عن أبي عمران الجَوْني وهو من أئمة التابعين الكبار توفي سنة 123هـ وقيل سنة 128هـ وهو عبد الملك بن حبيب أدرك أنس بن مالك وجندب بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين فهو من التابعين وهو ثقة إمام عدل رضا حديثه مخرج في الكتب الستة نقل أبو نعيم عنه في حلية الأولياء في ترجمته، والأثر ثابت عنه في تفسير ابن أبي حاتم كما ذكر ذلك الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي في الجزء 13 ص 133 عن هذا العبد الصالح أبي عمران الجوني أنه قال: (ما نظر الله إلى عبد إلا رحمه ولو نظر الله إلى أهل النار لرحمهم وأخرجهم منها ولكن قضى عليهم ألا ينظر إليهم) "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لاخلاق لهم في الآخرة ولا يكلهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم". والأحاديث كما قلت إخوتي الكرام بذلك متواترة أن الله ينظر إلى من رضي عنه ولا ينظر إلى من غضب عليه. ففي صحيح مسلم والحديث رواه الإمام النسائي أيضاً من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم " شيخ زان وعائل متكبر وملك كذاب " لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. وثبت في المسند والسنن الأربعة وصحيح مسلم، من رواية أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنان بما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " لا ينظر الله إليهم. فصفة النظر تعيده بمشيئة الله وقدرته ينظر إلى من رضي عنه ولا ينظر إلى من غضب عليه، فتختلف عن صفة العلم، ولذلك أكرم الله هذه الأمة المرحومة بأن نظر الله إليهم في أول ليلة من شهر رمضان ومن نظر الله إليه فلن يعذبه أبداً.

إخوتي الكرام: إن الصيام الذي فرضه علينا ذو الجلال والإكرام في شهر رمضان أغدق الله علينا في هذا الشهر من الخيرات والإنعام مال يحصل للأمم السابقة.. إن الصيام يكفر الذنوب ويستر العيوب إن الصيام يحول بينك وبين النيران، إن الصيام سبب لتحصيل الخيرات في العاجل إن الصيام سبب لتحصيل الخيرات في الآجل.. نعم كثيرة أغدقها الله على هذه الأمة سأتكلم على هذه الأمور الأربعة في هذه الموعظة إن شاء الله.. إخوتي الكرام: هذا الصيام يكفر الذنوب ويستر العيوب وهذا من رحمة علام الغيوب بهذه الأمة أن جعل الصيام لهم مكفراً لذنوبهم وساتراً لعيوبهم ثبت في المسند وصحيح مسلم والحديث رواه الإمام الترمذي في سننه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) مكفرات لما بينهن-في رواية – إذا لم تُفش الكبائر..أي أن هذه الطاعات من الصلاة، والجمعة والصيام تكفر ذنوب الإنسان إذا اجتنب الكبائر المهلكة (وهي كل ذنب أوعد الله عليه بعقوبة شديدة في الآخرة أو عليه حد مقدر في الدنيا) . وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ذلك في أحاديث كثيرة ففي المسند والكتب الستة (في الصحيحين والسنن الأربعة) من حديث أبي هريرة أيضاً رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) ..من صام رمضان مؤمناً بأن الله فرض الصيام وله على عباده حق الطاعة على الدوام واحتسب –أي طلب الأجر من صيامه من ربه جل وعلا له عهد عند الله بأن الله يغفر ما تقدم من ذنبه.

زاد الإمام أحمد في المسند في روايته والإمام النسائي في السنن في روايتهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: (غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) وهذه الزيادة رُويت في "تاريخ بغداد" بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". وانظروا الحديث إخوتي الكرام في تاريخ بغداد في الجزء 6/128 وإسناد الحديث صحيح. وقد صحح الإمام المنذري في الترغيب والترهيب هذه الزيادة وصححها الحافظ ابن حجر في كتابين من كتبه في فتح الباري، وفي الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة وقد نص على تصحيحها شيخ الإسلام أيضاً الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد وعليه ما قاله بعض الناس في هذه الأيام من أن هذه الزيادة شاذة قول شاذ لا يعول عليه فالشذوذ يكون عندما تتخالف الروايتان ولا يمكن الجمع بينهما وأما إذا حفظ الثقة ما لم يحفظ غيره وضبط مالم يضبط غيره فهذه زيادة ثقة وهي مقبولة معتبرة عند أئمتنا الكرام فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. ولا يشكلن عليك هذه الزيادة: وما تأخر كيف ستغفر للإنسان الذنوب المتأخرة؟! لا إشكال، وقد وضح أمير المؤمنين في هذا الحديث لحافظ ابن حجر عليه رحمة الله معنى هذه الزيادة بأمرين معتبرين: أولهما: أن من قُبل صومه في هذا الشهر الكريم يحفظ من معصية رب العالمين بعد ذلك "غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" غفرت له الذنوب المتقدمة وصار في حفظ من الله ورعايته في الأيام المستقبلة فلا يقع في ذنب ولا يصدر منه عيب. والمعنى الثاني: وهو أيضاً ثابت صحيح لو قدر أنه وقع في شيء من الزلل مما لاتنفك عند طبيعة البشر فإن ذلك يقع مكفراً مغفوراً بفضل الله ورحمة الله عز وجل (غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) .

نعم.. فرض الصيام على هذه الأمة وعلى الأمم السابقة لكن خصنا الله في الصيام بخصائص لم يعطها للأمم السابقة كما خصنا في كتابنا بخصائص لم يعطها للأمم السابقة. هذه الخصلة الأولى إخوتي الكرام: الصيام يكفر الذنوب الصيام يستر العيوب. الخصلة الثانية: الصيام يبعدك عن نار الجحيم يبعدك عن دار العاصين فمن صام لله رب العالمين باعد الله وجهه عن نار الجحيم. ثبت في المسند والحديث في الصحيحين وسنن الترمذي والنسائي من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صام يوماً في سبيل الله، بعّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" يعني سبعين عاماً كما ورد ذلك في روايات أخر. والحديث رواه الإمام أحمد في المسند وأهل السنن الأربعة إلا سنن أبي داود من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير من رواية أبي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أنه من صام يوما في سبيل الله بعّد الله وجهه عن النار سبعين عاماً بذلك اليوم الذي صامه لله جل وعلا نعم هذا أجر صيام اليوم إذا تقبل عند الله جل علا نسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يقبل صيامنا وأن يجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الكريم كما تفضل علينا بفريضة الصيام بغير اختيار منا نسأله أن يقبل صيامنا بفضله دون جدنا واجتهادنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام وهذا أقل ما يحصل للإنسان إذا صام صوماً رضية الرحمن وإذا أخلص الإنسان في نيته لربه على التمام وجد واجتهد في الصيام له أجر يزيد على ذلك فيباعد وجهه عن النار مسافة أكثر من ذلك.

ثبت الحديث بذلك في سنن النسائي بسند صحيح كالشمس من رواية عقبة ابن عامر رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار مسيرة مائة عام " مسيرة مائة عام والحديث رواه الإمام الطبراني في الكبير وفي معجمه الأوسط من رواية عمر ابن عبسة وروي عن عرة من الصحابة الكرام روي عن معاذ بن انس وعن أبي أمامة وعن سفيان ابن عبد الله الأزدي رضي الله عنهم أجمعين "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار مسيرة مائة عام " مسيرة مائة عام. وروى الإمام الترمذي في سننه وحسن إسناده عن أبي أمامة رضي الله عنه والحديث رواه الإمام الطبراني في الأوسط والصغير من رواية ابي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض"، "جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض". وحديث أبي أمامة حسن وحديث أبي الدرداء حسن نص على ذلك الإمام الهيثمي والإمام المنذري عليهم جميعاً رحمة الله إذا هذه أجور عظيمة يحصلها الصائم تغفر له ذنوبه المتقدمة والمتأخرة ويباعد الله وجهه عن النار سبعين عاماً مائة عام يجعل بينه وبين النار خندقاً أعظم ما بين السماء والأرض بحيث لا يرى منظر النار ولا يعتريه هول ولا فزع ولا يشم ريحها ولا يرى لهيبها هذا أجر صيام يوم واحد إذا تُقبّل عند الله جل وعلا.

إخوتي الكرام ولفظه (في سبيل الله) الواردة في الحديث "من صام يوماً في سبيل الله " قصرها الإمام ابن الجوزي عليه رحمة الله على الصيام في الغزو في الجهاد إذا لم يشق الصيام على الإنسان، فله هذا الأجر الكبير عند ذي الجلال والإكرام من صام وهو مجاهد غازٍ يوماً في سبيل الله جل وعلا له هذا الأجر الكبير وهذا الذي مال إليه الإمام ابن دقيق العيد عليهم جميعاً رحمة الله وقد خالفهما فيما قالا الإمام أبو العباس القرطبي في الفُهْم في شرح صحيح مسلم فقال: المراد من قوله " في سبيل الله " أي طلباً للأجر عند الله وابتغاء وجه الله سواءٌ كان مجاهداً أو لا وهذا الذي قرره الإمام ابن حجر عليه رحمة الله في فتح الباري فقال: إن الأمر أعم من ذلك. فمن صام في سبيل الله – يعني في القتال والغزو له ذلك الأجر- ومن صام من حال الإقامة طلباً للأجر عند الله فله ذلك الأجر وكلمة في سبيل الله أعم من الغزو ومن غيره فلا داعي لقصرها على نوع من أنواع معانيها. (من صام يوما في سبيل الله) أي يوماً طالباً للأجر في صيام من الله جل وعلا، من صام لله إيماناً واحتساباً فله بذلك اليوم أن يبعد الله وجهه عن النار سبعين عام مائة عام أن يجعل بينه وبين النار خندقاً كالمسافة التي بين السماء والأرض. إخوتي الكرام: هذه فضائل جعلها الله للصيام لهذه الأمة المباركة والفضيلة الثالثة أنك بالصوم تحصّل خيرات عاجلة والخيرات العاجلة كثيرةٌ كثيرة سأتكلم على ثلاث منها فقط.

أولها: الملائكة تستغفرك والله وملائكته يصلون عليك في هذا الشهر الكريم –الله وملائكته يصلون عليك يستجيب الله دعاءك في شهر رمضان وخاصة عندما تكون على مائدة الإفطار، خُلوف فمك أطيب عنده من ريح المسك فوائد جليلة يحصلها الإنسان في هذه الحياة أما الأولى فقد ثبت ما يدل عليها عن نبينا عليه الصلاة والسلام روى ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم في الحلية والطبراني في معجمه الأوسط وإسناد الحديث حسن من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " سبحانك ربي –سبحانك ربي أنت أخبرتنا في كتابك مع ملائكتك تصلون على النبي الأمين عليه الصلاة والسلام فأشركتنا في تلك الفضيلة في هذا الشهر الكريم أشركتنا مع نبيك فأنت وملائكتك تصلون علينا. (إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) . وتقدم معنا في أول الموعظة حديث جابر أن الملائكة تستغفر لهم في يومهم وعليهم الملائكة تستغفر لك ليل نهار في شهر الصيام الله وملائكته- عندما تجلس على طعام السحور من أجل أن تتقوى على الصيام طاعة للعزيز الغفور تنال هذه الجائزة من الله – الله يصلي عليك – وملائكته تصلي عليك، أي فضيلة بعد هذه الفضيلة (إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) .

وقد ثبت في مسند الإمام أحمد بسند قوي رجاله محتج بهم وإسناده كالشمس حديث صحيح من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "السحور بركة فلا تدعوه " السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم بجرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين.. السحور هو الطعام الذي يؤكل عند السّحر والسُّحُور بالضم هو أكلك وفعلك.. السُحور بركة أي طعام السحور عندما تتناولونه، هذا الطعام بركة، بركة دينية كيف لا!! وهذا سبب لصلاة الله وملائكته عليك، بركة دنيوية تتقوى به على الصيام، بركة دينية تخالف به أهل الكتاب الذين غضب عليهم وما كانوا يتسحرون. (السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم بجرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين) . الله وملائكته يصلون على المتسحرين الحديث ثابت بذلك في المسند من رواية أبي سعيد – ومن رواية ابن عمر في الكتب المتقدمة رضي الله عنهم أجمعين. وكون السُحور بركة ثابت هذا في أصح الكتب في الصحيحين وغيرهما ففي المسند والصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن أبي داود من رواية أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تسحروا فإن في السحور بركة) تسحروا فإن في السحور بركة..بركة دينية ودنيوية.. هذه أول فضيلة في العاجل في هذه الحياة تنال شرف صلاة الله عليك وشرف صلاة الملائكة عليك وشرف استغفار الملائكة لك، في هذا الشهر الكريم. فأي شهر أكرم من هذا الشهر وأي نعمة أعظم من هذه النعم التي أغدقها الله على هذه الأمة المرحومة على نبينا صلوات الله وسلامه في هذا الشهر الكريم.

أما الفائدة الثانية العاجلة: أنت في شهر الصيام يُستجابُ دعاؤك عند ذي الجلال والإكرام ولذلك وسط الله آية الدعاء آية الأمر بدعائه في وسط آيات الصيام فقال جل وعلا بعد أن أمرنا بالصيام (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ثم أكمل أحكام الصيام (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم..) وما الحكمة من ذكر آية الدعاء في وسط آيات الصيام!! لأمرين معتبرين: لتكثر أيها الصائم من الدعاء لئلا يفتر لسانك من دعاء ربك في هذا الشهر فاغتنمه. الأمر الثاني: للإشارة إلى أنك الآن مرضيّ عنك، مُنعم عليك، دعاؤك يستجاب ويقبل فالله وملائكته صلوا عليك، فاغتنم دعاء الله جل وعلا. والإلحاح عليه في هذا الشهر الكريم وقد قرر نبينا صلى الله عليه وسلم أن الصائم يستجاب دعاؤه حتى يفطر وحين يفطر له دعوة خاصة مقبولة. ثبت في المسند وسنن الترمذي وابن ماجه والحديث رواه ابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه أيضاً والحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وقد حسنه الإمام الترمذي عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول بعزتي وجلالي لأنصرنّك ولو بعد حين) الصائم حتى يفطر، وورد في بعض الروايات: (الصائم حين يفطر) والجمع بينهما أن دعاؤك ما دمت صائماً يستجاب، ولك فيه قبول وإجابة عند الفطر فأنت على مائدة الكريم فاغتنم سؤاله بما تريد.

ولذلك ثبت في مسند ابن ماجه ومستدرك الحاكم وقال صحيح وأقره عليه الإمام الذهبي والحديث رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان وابن السني في عمل اليوم والليلة من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن للصائم دعوةً عند فطره ما تُرد) إن للصائم دعوة لا ترد فكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين إذا صار وقت الإفطار دعا بنيه وقال: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لنا.. (إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد) إذاً هذه كرامة ثانية أكرم الله بها الصائمين من أمة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام في هذا الشهر الكريم أكرمهم بأن استجاب دعائهم في هذا الشهر وأعطاهم كرامة خاصة وإجابة خاصة عند الفطر. الفائدة الثالثة: والكرامة الثالثة العاجلة خلوف فمك وتغير الرائحة التي تصبح فيه من خلاء المدة من الطعام هذا الخلوف أطيب عند ذي الجلال والإكرام من ريح المسك أطيب عند الله من ريح المسك وقد ثبت ذلك في المسند ورواه أهل الكتب الستة إلا سنن أبي داود فهو في الصحيحين وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه والحديث رواه ابن مالك في الموطأ والدارمي في سننه والحديث صحيحٌ صحيح في أعلى درجات الصحة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى في الحديث القدسي ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

وكلمة الخلوف -بضم الخاء- على الراجح وحُكي الفتح الخلوف وقد بالغ الإمام النووي فخطأ رواية الفتح لكنها منقولة عن أئمتنا..نعم إن الضم هو الأشهر وهو الأكثر لخُلوف فم الصائم أي تغير رائحة فمه أطيب عند الله من ريح المسك، وهذه الأطيبية والأفضلية ثابتة في الدنيا والآخرة ثبت في المسند وسنن النسائي وصحيح مسلم في بعض روايات الحديث المتقدمة ولخلوف فم الصائم عند الله يوم القيامة أطيب من ريح المسك وهذا ثابت أيضاً في الدنيا ففي المسند وصحيح ابن حبان ولخلوف فم الصائم حين يخلُف أطيب عند الله من ريح المسك. ومعنى هذه الجملة: ذكر أئمتنا معاني كثيرة تحتملها أوصلها ائمتنا إلى ستة معانٍ سأقتصر على ثلاثة منا هي أظهرها وأوجهها. أولها: ما ذهب إليه الإمام المازري وشيخ الإسلام الإمام ابن عبد البر عليهم جميعاً رحمة الله أي: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك عندكم. فإذا كانت ريح المسك عندكم طيبة مقبولة فريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك عندكم هذا ما ذهب إليه هذان الإمامان وقال بقولهماجم غفير من أئمة الإسلام. وذهب شيخ الإسلام الإمام النووي عليهم جميعاً رحمة الله إلى أن معنى الحديث: لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك أي أكثر أجراً، وأعظم عند الله وقعاً من الطيب الذي أمرنا أن نتطيب به للمواسم في الجُمع والأعياد، فذاك الطيب مندوب ونثاب عليه عند علام الغيوب لكن هذه الرائحة لها أجر أكثر من أجر الطيب الذي تتطيب به للجمع والأعياد في المواسم العامة. والمعنى الثالث ذهب إليه الإمام المعز بن عبد السلام وهو فيما يظهر لي أرجح المعاني مع اشتمال الحديث للمعنيين المتقدمين.

قال الإمام العز بن عبد السلام إن هذه الرائحة هي جزاء الصيام يوم القيامة فمن صام وقبل صومه في هذه الحياة يبعث بعد الممات له رائحة يتميز بها بين الخلق بريح المسك، رائحته تكون يوم القيامة أطيب عند الله من ريح المسك، أي يجازي بذلك في عرصات الموقف وساحة الحساب لأن هذا من الصائمين المقبولين عند رب العالمين. وإذا كان المعنى كذلك وهو كذلك، فانتبه لهذه الدلالة العظيمة التي فرق بها نبينا عليه الصلاة ة والسلام بين تغير فم رائحة الصائم وبين دم المجاهد يُهدر دمه في سبيل الله جل وعلا وكيف فضل رائحة فم الصائم على رائحة دم المجاهد عندما يبعث يوم القيامة. ثبت في الصحيحين والحديث في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي والترمذي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مكلوم يكلم في سبيل الله –والكَلْم هو الجرح –والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثقب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند وأهل السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه "اللون لون الزعفران والريح ريح المسك" فانتبه لهذا الفارق جعل نبينا عليه الصلاة والسلام ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وجعل دم المجاهد كريح المسك وشتان بين الأمرين، هنا يفوق رائحة المسك وهو أطيب منها وهناك كالمسك دم المجاهد مع عظم قدرته عند الله جل وعلا يأتي برائحة المسك أما هذه الرائحة التي يتأفف منها البشر فهي عند الله جل وعلا أطيب من ريح المسك، وهذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام. والحديث كما تقدم معنا في الصحيحين وغيرهما وفي ذلك تفضيل لخلوف فم الصائم على رائحة دم المجاهد عندما يبعثنا من يوم القيامة..أما ذاك فريحه كريح المسك وأما أنت إذا قل صومك فريحك أطيب عند الله من ريح المسك.

هذه فائدة ثالثة: يحصلها الصائم في هذه الحياة ريحه في هذه الحياة وعند الله أطيب من ريح المسك. هذه فوائد عاجلة يحصلها الصائم في صومه في هذه الحياة يصلي الله وملائكته عليه يستجيب الله دعاءه مادام صائماً وعند فطره، خلوف فمه أطيب عند الله من ريح المسك. وأما الفوائد الآجلة التي تكون في الآخرة ففي ذلك ما لا يخطر بالبال ولا يقع في الحسبان سأقتصر أيضاً على ثلاث منها حسان. أولها: الصوم يشفع لك. وثانيها: تدخل من باب الريان في يوم العطش والظمأ فلا تظمأ أبداً. وثالثها: توفي أجرك بغير حساب وتعطي مالا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. أما أن الصوم يشفع فقد اخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن هذا ففي مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه الحاكم وقال على شرك مسلم وأقره عليه الإمام الذهبي والحديث رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان ورواه الإمام ابن أبي الدنيا في كتاب فضل الجوع وإسناد الحديث صحيح من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال "الصيام والقرآن يشفعان للعبد عند الرحمن". أما الصيام فيقول: أي رب..أي ربي منعته الطعام والشهوة في نهار رمضان في نهار صومه. أما القرآن فيقول: أي ربي منعته النوم في ليله – عندما يقوم به ويناجي به ربه – فشفعني فيه –قال نبينا عليه الصلاة والسلام - فيُشفّعَان-هنيئاً هنيئا لمن كان شفيعه شفيعاً له وتباً تبا لمن كان شفيعه خصماً له. أخي الكريم: هذا الصوم إما أن يشفع لك عند الله العظيم وإما أن يخاصمك أمام أحكم الحاكمين والويل لمن كان شفعاؤه خصماء له شفيعك يخاصمك،،اللهم شفّع فينا الصيام والقرآن وشفع فينا نبيك عليه الصلاة والسلام إذن تنال هذه الجائزة عند الله – الصوم يأتي ويشفع لك ويقول ربي منعته الطعام والشهوة في نهار الصيام فشفعني فيه فيشفع الله الصيام في هذا الموحّد – في هذا الإنسان- في ذلك اليوم في يوم الحساب.

وأما الفائدة الثانية والكرام الثانية: الصائمون يدخلون الجنة من باب الريان، والجزاء من جنس العمل فإذا جاعوا وعطشوا والعطش أشق عليهم من الجوع وإذن لهم كرامة عند الله أن يُسْقُوْا وأن يَرْتَوُوا في يوم العطش والظمأ. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن هذا الأمر ففي المسند والصحيحين وسنن الترمذي والنسائي والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه من رواية سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة باباً يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون يقال يوم القيامة أين الصائمون!! فيقومون فيدخلون فإذا دخلوا أغلق ذلك الباب فلم يدخل منه أحد". والحديث كما قلت إخوتي الكرام في الصحيحين وقد ذهب شرَّاح الحديث إلى أن المراد بالصيام هنا، صيام النافلة والإكثار منه ومع إجلالي لهم واعتبار قولهم فيما يظهر ويبدوا أن الأمر بخلاف ذلك إن الأمر متعلق بصيام الفريضة إذا قبلت وكان على الوجه المرضي وكم من صائم يصوم وحظه من صيامه الجوع والعطش وهو عند الله كالكلب الجائع. وكم من قائم يقوم وحظه من قيامه التعب والسهر فليس المراد من الصيام هنا صيام النافلة، ولا يوجد من الحديث دلالة على ذلك وأجر صيام الفرض أعظم من صيام النافلة بكثير، إنما هذا الأمر أعني باب الريان هذا أجر لصوم رمضان إذا قبِل عند الرحمن وأما إذا كان الشفيع خصماً فالويل للإنسان – فالويل للإنسان إن هذا في حال قبول الصيام..إذا قبل تدخل الجنة من باب الريان. والحديث كما قلت مروي في الصحيحين وغيرهما وفي رواية الترمذي زيادة: "فمن دخل منه لم يظمأ " زاد ابن خزيمة في روايته: "من دخل منه شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً " وقد تواترت الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بالتنويه بهذا الباب من أبواب الجنة وأنه لا يدخل منه إلا الصائمون..

ففي المسند أيضاً والصحيحين وسنن الترمذي والنسائي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله –أي صنفين من أي الأصناف كانت فانفق مثلا لباساً ودراهم، أنفق مثلاً لباساً وكتاباً في سبيل الله أنفق زوجين أي صنفين –من أنفق زوجين في سبيل الله – تقرباً لله وطلباً لرضاه – نودي من أبواب الجنة – أي نادته خزنة الجنة كم ورد هذا في بعض الروايات – نودي من أبواب الجنة – يا عبد الله هذا خير وأفعل التفضيل هنا ليست على بابها أي هذا هو الخير فقط إنفاقك وما يؤدي إليه إنفاقك إلى دخول الجنة هذا خير أي هذا هو الخير لا الإقتتار والإمساك والابتعاد عن أبواب الجنة هذا خير. قال نبينا عليه الصلاة والسلام فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان. وكما قلت: كلها للأمور الواجبة لكن إذا وقعت موقع القبول عند الله جل وعلا. فقال أبو بكر صديق هذه الأمة رضي الله عنه وأرضاه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما على أحد دعى من أحد تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم. نعم وأرجو أن تكون منهم والرجاء إذا أسند إلى الله وإلى رسوله عليه الصلاة والسلام فهو محقق الوقوع ولا شك أرجو أن تكون منهم أي أنت منهم قسطاً وجزماً. وهذه الأبواب ذهب كثير من شراع الحديث إلى أنها أبواب داخل أبواب الجنة الثمانية فإذا دخل الناس من أبواب الجنة الثمانية يكون هناك أبواب بعد ذلك للطاعات يدخلون منها إلى نعيم الجنات والعلم عند الله جل وعلا.

إذن باب الريان خاص هذا بالصائمين إذا قبل منهم الصيام لا يدخل ممن هذا الباب أحد معهم، نعم إخوتي الكرام الجزاء من جنس العمل، ومن عطّش نفسه لله عز وجل كان حقاً على الله أن يسقيه يوم العطش. روى الإمام البزار في مسنده بسند حسن كما قال الهيثمي في المجمع والمنذري في الترغيب والترهيب عن ابن عباس رضي الله عنهما والأثر رواه ابن أبي الدنيا في كتاب فضل الجوع قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما " أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سَرِيةً –أي فرقة تقاتل في سبيل الله – وأقر عليهم أبا موسى الأشعري رضي الله عنهم أجمعين فركبوا البحر فلما كانوا في السفينة ورفعوا الشراع من أجل أن تقود الرياح هذه السفينة وكانوا في ليل مظلم ليس في السماء قمر وإذا بصوت ينادي يا أهل السفينة قِفُوا أخبركم بما قضى الله على نفسه بأنه من أعطش نفسه في يوم صائف كان على الله أن يسقيه يوم العطش. وهذا مَلَكٌ من ملائكة السماء، يخبر هؤلاء الصحابة الكرام بأجر الصيام فكان أبو موسى الأشعري يتحرى اليوم الشديد الحر، الذي يكاد الإنسان أن ينسلخ فيه من العطش إذا صام فيصومه تقرباً لذي الجلال والإكرام. إذن أيها الصائم لك هذه التحفة عند الله جل وعلا أنك تدخل الجنة من باب الريان بسلام، إذا قُبل منك الصيام..وأما الجائزة الثالثة: التي تحصلها عند الله بعد شفاعة الصيام لك، بعد دخولك الجنة من باب الريان بسلام: تعطى أجراً بغير حساب ما أطلع الله عليه ملكاً ولا نبياً مرسلاً جزاء الصائم لا يعلمه إلا من صمت له، وهو الله جل وعلا، وسيجزيك بما لا يخطر على بالك إذا كان الصيام مرضياً وقبل عند الله المالك –سبحانه وتعالى-.

ثبت في المسند وسنن الترمذي والحديث رواه الإمام الدارمي عن رجل من بني سليم صحب النبي عليه الصلاة والسلام ورواه ابن ماجه في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه ويقرر لنا هذا الحديث أن الصائم يُوِفّى أجره بغير حساب لأن الصوم صبر والله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: "الصوم نصف الصبر..الصوم نصف الصبر". هذا شهر الصبر، والله أخبر أنه يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب وورد في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني والحديث رواه الإمام البيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بسند حسن (والصبر نصف الإيمان) ..الصوم نصف الصبر، والصبر نصف الإيمان والله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب ولذلك سيوفيك أجرك بما لا يخطر على بالك ولا يدخل في حسابك نعم إن هذا الشهر شهر الصبر وقد قرر ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.

ففي مسند البزار بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما والحديث رواه الإمام أحمد في المسند والطبراني في معجمه الكبير ورواه البيهقي في شعب الإيمان وإسناد الحديث صحيح عن بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ورواية البزار عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "صوم شهر الصبر ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وَقَرَ الصدر " يعني غله حقده وحسده ووساوسه والشبه التي فيه والشهوات التي غُرست فيه، صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر..نعم هذا شهر الصبر والله يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب يُضاف إلى هذا ما قرره أئمتنا الكرام قالوا بين الصيام وبين ذي الجلال والإكرام شَبَهٌ تام ووجه ذلك أن الإيمان سر بينك وبين ربك فأبرز أركان الإيمان: اعتقاد بالجنان وهذا لا يطلع عليه إلا الرحمن وهكذا الصيام فالصوم أخو الإيمان وإذا كان الأجر على الإيمان لا يمكن أن يقدره إنسان ولا يدخل في الحسبان فأجر الصيام كذلك وهذا يحقق قول الله جل وعلا في الحديث القدسي (الصوم لي وأنا أجزي به) وسيأتينا إيضاح هذا وتفصيله في المواعظ الآتية إن شاء الله نسأل الله أن يتقبل منا صيامنا وأن يدخلنا الجنة من باب الريان بسلام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. عباد الله: للاعتبارات المتقدمة كان الصوم لا عدل له ولا مثل له من بين العبادات التي أمرنا الله بها كما أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد ... ... .

بدعة الرقص والإنشاد في المساجد

بدعة الرقص والإنشاد في المساجد (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم بدعة الرقص والإنشاد في المساجد (في بيوت رب العباد) (48) ... ... ... ... ... ... ... ... 28/10/94 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم "ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين". "يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاُ كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

تقدم معنا أن البدعة من أسباب سوء خاتمة الإنسان وقلنا سنتدارس هذا من ثلاثة أمور أولها في تعريف البدعة وثانيها في النصوص المحذرة من البدعة والإبتداع وثالثها في أقسام البدعة ولا زلنا نتدارس الأمر الأول تعريف البدعة ألا وهو الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن وذلك الحدث لا تشهد له نصوص الشرع الحسان. وتقدم معنا أن نحو هذا التعريف ضل فرقتان: فرقة استطت وغلت وبغت واعتدت فوسعت مفهوم البدعة وأدخلت فيها ما ليس منها وقد نسب كثير من أهل الشطط هذه الأيام أنفسهم إلى السلفية وإلى الدعوة المحمدية ثم شغلوا أنفسهم بتضليل المسلمين ولعنهم في كل حين. وفرقة أخرى فرطت وقصرت في تعريف البدعة فألغتها كلها أو بعضها فخرفت ما شئت أن تخرف ثم جعلت تخريفها ديناً تزعم أنها تتقرب بذلك إلى رب العالمين وقد وجد في هذا الزمن ممن ينتسب إلى الصوفية فابتدعوا في الشريعة الإسلامية بدعاً ردية ثم نسبوها بعد ذلك إلى شريعة رب البرية. والفرقتان على ضلال ودين الله الغالي والجافي. إخوتي الكرام: وقد تقدم معنا مناقشة الفرقة الأولى وبينا ضلالها وزيفها بالأدلة القيمة القديمة وشرعنا في الموعظة الماضية في دراسة تخريف الفرقة الثانية في ثلاث مواعظ بينت منزلة الدعاء في الإسلام وأنها عبادة عظيمة ينبغي أن تصرف لذي الجلال والإكرام ثم بينت موقف المخرفين في هذا الحين نحو هذه العبادة العظيمة كيف صرفوها إلى المخلوقين من أحياء وميتين ومن بشر وحجر.

وفي هذه الموعظة سنتدارس عبادة جليلة أخرى تدخل فيما تقدم وقد خرف المخرفون نحوها وابتدعوها إبتداعاً فيها وهذه العبادة هي ذكر الله جل وعلا. إخوتي كما أن دعاء العبد ربه من أعظم الطاعات فذكر العبد لله من أعظم القربات إن عبادة الذكر عبادة جليلة قيمة كريمة وقد كنت ذكرت منزلة الذكر وفضائله في المواعظ الماضية إنما أريد أن أذكر شيء مما لم يتقدم ذكره ليتبع الموضوع بعضه بعضا إن عبادة الذكر على الخصوص من سائر العبادات أمرنا الله أن نكثر منها في جميع الأوقات فالله عندما يذكر عبادة الذكر يطالبنا بالكثرة فيها قال الله جل وعلا في أواخر سورة الأحزاب "يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ... وأعد لهم أجراً كريما" اذكروا الله عندما ترد هذه العبادة يطالبنا الله بالإكثار منها. وقد أخبرنا الله جل وعلا أن الذين يذكرون الله هم أحق الناس بالاقتداء بخير خلق الله سيدنا محمد رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً فمن اتصف بهذه الصفة فهو أحق الناس بالاقتداء بإمام الأكياس وأفضل الناس نبينا عليه الصلاة والسلام. وكذلك أخبرنا الله أيضاً في وسط السورة بأن من أكثر من ذكر الله من الذكور والأناث يعد لهم يوم القيامة أجراً عظيما فقال جل وعلا: "إن المسلمين والمسلمات..والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما". فعندما جاء إلى هذه العبادة طالبنا بالكثرة منها نعم هذه العبادة ينبغي أن نكثر منها في جميع شؤون حياتنا في بيوت ربنا وفي شوارعنا وفي أسواقنا وفي سياراتنا وعلى فرشنا وفي مزارعنا وأينما كنا.

وقد أشار الله إلى هذا في سورة الجمعة فقال جل وعلا: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون". ونظير هذه الآية قول الله في سورة النساء بعد أن شرع لهذه الأمة صلاة الخوف في الحر قال جل وعلا فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم. نعم ينبغي للإنسان أن يذكر الله على جميع أحيانه ليعتبر بمخلوقات الله وليتفكر في ملك الله وليحيي قلبه بنور الله قال الله جل وعلا في أواخر سورة آل عمران: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم". نعم لابد من الإكثار من هذه العبادة عبادة الذكر في جميع الأحوال والأوقات في حل السلم وفي حال الحرب كما قال ذو العزة الجلال في سورة الأنفال: "يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون". والآيات كثيرة وفيرة التي تتحدث عن شأن الذكر ومكانته وفضله ومنزلته وتطالبنا بالكثرة منه والسبب في ذلك أن الذكر عبادة جليلة القدر والمقدار ولها أثر طيب في البشر ولا يستغني عنها الإنسان في حال من الأحوال وكلما صح قلب الإنسان كلما كثر ذكره لذي الجلال والإكرام. نعم إن ذكرنا لربنا كالماء للسمك، إن ذكر الله لحياتنا كالماء للسمك، فذكر الله ضروري للبشر في هذه الدار وكما قلت كلما صح القلب وقوى وصفاء ونقيا كلما كثر ذكر الله جل وعلا ولذلك لما كانت قلوب أهل الجنة أطهر القلوب يكثرون من ذكر علام الغيوب ومع كل نفس يتنفسونه تحميد وتسبيح لله جل وعلا.

كما ثبت هذا في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفَس نعم إن حياة القلب يقابلها كثرة ذكر الرب فكلما حيا قلب الإنسان في هذه الدار وفي دار القرآن كلما أكثر من ذكر العزيز الغفار وقد وضح لنا هذا نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه فبين لنا أن الفارق بين الذاكر والغافل كفارق بين الحي والميت. وفي رواية صحيح مسلم مثل البيت الذي يذكر فيه الله والبيت الذي لا يذكر فيه الله كمثل الحي والميت نعم إن ذكر الله ضروري لقلوبنا فهو ضروري لبيوتنا فلا تتنور القلوب والبيوت إلا بذكر علام الغيوب سبحانه وتعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب ولذلك إن المتمسك القوي الذي يتمسك به الإنسان في هذه الحياة ويستعين به على سائر الطاعات وعلى ترك المخالفات كثرة ذكر رب الأرض والسماوات. كما أشار إلى ذلك نبينا خير البريات ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في شعب الإيمان وإسناده صحيح كالشمس من رواية عبد الله بن بشر رضي الله عنه أنه قال للنبي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فمرني بشيء أتشبث به يكون ذلك دافع لي ومعين لي على الالتزام بجميع شرائع الإسلام فمرني بشيء أتشبث به فقال النبي عليه الصلاة والسلام لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله. نعم مازلت تذكر الله فأنت حي وإذا غفلت عن ذكره فأنت ميت، حالك كحال السمك إذا أخرج من الماء عطب وهلك وما دام في الماء فهو في حياة وفي سعادة.

وقد وصى نبينا معاذ بن جبل رضي الله عنه كما ثبت الحديث بذلك في معجم الطبراني الكبير ومسند البزار وفي صحيح ابن حبان والحديث رواه ابن أبي الدنيا وإسناده صحي أيضاً عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ويروي الأثر عن مالك بن اليخامرد وهو مخضرم من التابعين الكرام وقيل أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه وله صحبة معه وحديثه في صحيح البخاري والسنن الأربعة وتوفي سنة70 هـ يقول مالك بن يخامر حدثنا معاذ بن جبل فقال إن آخر كلام فارقت عليه النبي أن قلت يا رسول أخبرني بأحب الأعمال إلى الله عز وجل قال رسول الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله وفي رواية البزار عن معاذ قال للنبي يا رسول الله أخبرني بأفضل الأعمال وأقربها إلى الله عز وجل فقال النبي أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله نعم إن الذكر له هذه المنزلة ولذلك أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أحب عمل يقوم به الآدمي يتقرب به إلى الله القوي ذكر الله في هذه الحياة ثبت ذلك في معجم الطبراني الأوسط والصغير بسند رجاله رجال الصحيح كما نص على ذلك الإمام المنذري والإمام الهيثمي.

ولفظ الحديث من رواية جابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما عمل آدمي عمل أنجى له من عذاب من ذكر الله قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ولا الجهاد إلا أن يضرب بسيفه في الكفار حتى ينقطع وهذا الحديث روى أيضاً من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وموطأ الإمام مالك ورواه الإمام الحاكم في مستدركه موقوف على معاذ ويشهد له ما تقدم من رواية جابر بن عبد الله نعم إخوتي الكرام إن عبادة الذكر لها هذه المنزلة فوالله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن للذكر من فائدة إلا أن الله يذكر من ذكره لكفى ذلك فائدة تطيش لها القلوب وتطير بها العقول إذا ذكرت الله يذكرك فأي فضيلة بعد هذه الفضيلة والله معك بنصره وحفظه وتأييده ورعايته وكلائته وتوفيقه، ما ذكرت ربك وتحركت بذكره شفتاك. ثبت الحديث في ذلك في مسند الإمام أحمد وهو في الكتب الستة إلا سنن أبي داود ورواه ابن حبان وهو في غير ذلك في دواوين الإسلام تجمع حديث نبينا عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الصحة وهو في الصحيحين وغيره من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني سبحانك ربنا ما أعظمك ليس العجب من ذكرنا لك وعن الفقراء إليك إنما العجب من ذكرك لنا وأنت الغني عنا، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إليّ شبراً تقربت له ذراعاً وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة. إذا ذكرنا الله يذكرنا وإذا مجدناه وعظمناه بين خلقه يتحدث بفضلنا يثني علينا ويخبر عن رضاه أين؟! بين ملائكة الله الأطهار بين حملة العرش والملائكة العظام في الملأ الأعلى.

ثبت في مسند البزار بسند صحيح من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل ياابن آدم إذا ذكرتني خالياً ذكرتك وإذا ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير من الملأ الذي تذكرتني فيهم فضل عظيم لهذه العبادة الجليلة أن الله يذكرك وينوه بشأنك وهو معك حينما تذكره الله يقرر ذلك في محكم كتابه فيقول فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون هذه العبادة العظيمة الجليلة عبادة الذكر أفضل الأذكار وسيدهم وأعلاها وأجلها كلام الله جل وعلا ففضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر المخلوقات كلام الله ذكر وعندما تتلوا القرآن أنت تذكر الرحمن، وقد نص الله أن كتابه ذكر في كثير من الآيات فقال جل وعلا في سورة الأنبياء ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءا وذكر للمتقين ... وهذا ذكر مبارك أنزلناه أنه ذكر عظيم لا يتطرق إليه خطأ ولا وهم ولا نقص من أي جهة من جهاته، إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يانية الباطل من بين يديه ومن خلفه. إننا عندما نقرأ القرآن نذكر الله ويحصل لنا بذلك موعظة وتذكير ويحصل لنا ذكر وقدر في هذه الحياة كما قال الله تعالى في سورة الأنبياء "لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون". وقد بين لنا نبينا منزلة ذكر الله في هذه العبادة تلاوة القرآن وأخبرنا أن من قرأ القرآن فقد استدركت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن النبي تلقى هذا بواسطة جبريل عن ربنا الجليل وأنت أخذته بواسطة العلماء الثقات عن خير البريات.

ثبت الحديث بذلك في مستدرك الحاكم وفي شعب الإيمان للبيهقي والحديث رواه الإمام الطبري في معجمه الكبير من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن فقد استدرجت النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه وما ينبغي لقارئ القرآن أن يجهل مع من يجهل وفي جوفه كلام الله وهذا الأثر رواه عنه الإمام ابن الضريس في كتاب فضائل القرآن عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوف عليه من قوله كما قلت مرفوع في الكتب المتقدمة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وإذا قرأت القرآن يستمع الله إليك ويفرح بتلاوتك ويصغي سبحانه وتعالى ويستمع إصغاءاً واستماعاً عجيباً فاستمع إلى حال استماع الله إلى عبده عندما يتلوا كلامه.

ثبت في مسند الإمام أحمد وسن ابن ماجه والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه الإمام الآجري في كتاب آداب حملة القرآن وأخلاق حملة القرآن والحديث إسناده حسن وقد صححه الحاكم وابن حبان وأورده الحافظ في الفتح مستشهد به فهو حديث حسن من رواية فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لله اشد أذناً إلى الرجل حسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته أذناً أي إصغاء واستماع إلى الرجل حسن الصوت أي عندما يقرأ بترتيل وتجويد ويحسن صوته بكلام الله الجليل يستمع الله إليه ويصغي إليه أشد من اصغاء واستماع صاحب القينة إلى قينته والقينة هي الجارية المعنية صاحبة الصوت الشذي العذب ولا يراد من ذلك ما كان هنا من غناء فيما حرم الله ولا يراد أيضاً استماع إلى ما حرم الله إنما لو قدر أنه عند الإنسان جارية شابة جميلة الصوت فعنته بما هو مباح كيف يطرب من سماعها عندما يحبها ويصغي إليها ويستمع إن الله جل وعلا أشد إصغاءاً واستماعاً لقارئ القرآن عندما يتلذذ هذا الإنسان بكلام الرحمن، والأذن بمعنى الاستماع ومنها قوله تعالى في سورة الانشقاق وأذنت لربحا وحقت أي استمعت وحق لها أن تستمع وتطيع أمر ربها.

نعم إن الإنسان عندما يتلو كلام الرحمن يصغي الله إليه فقارئ القرآن من أهل الله وأحبابه وخاصته وقد أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند والنسائي في السنن الكبرى وابن ماجه في سننه والحديث رواه الدارمي في سننه وأبو داود في مسنده ورواه الحاكم في مستدركه وأبو نعيم في الحلية كما رواه الخطيب في تاريخ بغداد الطيالسي ورواه الإمام أبو عبيد في كتابه فضائل القرآن وهكذا ابن الفريس في فضائل القرآن والآجري في كتاب آداب حملة القرآن وإسناد الحديث صحيح من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله أهلين من الناس له أهل من خلقه ومن أهل الله منا قال أهل القرآن خم أهل الله وخاصته وفي بعض روايات أبي نعيم في الحلية إن لله أحبه من خلقه قالوا من هم يا رسول الله قال أهل القرآن خم أهل الله وخاصته. إخوتي الكرام الذكر له شأن وسيد الأذكار وأعلاها كلام الله جل وعلا.

وقد ثبت في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل وهذا الأثر يرويه عنه ابن الجوزي في كتاب مناقب الإمام أحمد في ص434 وذكره الإمام الغزالي في الأحياء ولفظ الأثر أن هذا الإمام المبارك رأى رب العزة في المنام فرؤية الله جائزة عند أهل السنة الكرام لكيفية يعلمها الله ولا نعلمها ويشاهد الإنسان نورا ويقع في قلبه أنه رأى ربه أم رؤيتنا لربنا في غرف الجنات فهذه متواترة من القطيعات وردت بها آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومنكرها كافر ونسأل الله أن يكرمنا بالنظر إلى نور وجهه في جنات النعيم إنه أرحم الراحمين فهذا الإمام رأى ربه في المنام فقال ربي ما أحب وما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك أي قربة أي طاعة أحبها إليك قال يا أحمد بكلامي أفضل عبادة أحب عبادة يتقرب المتقربون بها إليك كلامي تلاوة ذكري هذا القرآن الذي أنزله الله علينا ليخرجنا من الظلمات إلى النور فقلت ربي فهم أو بغير فهم قال بفهم أو بغير فهم تلاوة كلام تؤجر عليها على كل حال وهذه أفضل الأذكار التي نذكر بها رب العزة والجلال أفضل ما يتقرب المتقربون هذا القرآن الميمون. إخوتي الكرام.. وهذا الأمر وأعني عبادة الذكر وراسه كما قلت تلاوة القرآن هذه العبادة هي التي كانت عند سلفنا ويعكف عليه سلفنا فيذكرون الله بحمده وتسبيحه وتمجيده ويتلون كلامه آناء الليل وأطراف النهار ما الذي حصل؟ إن الأمر تغير، تغير إلى الصوفية وأئمة الصوفية الصادقون المخلصون منهم براء، نبت منهم نابته فاخترعوا الأشعار والقصائد وعكفوا على استماعها وإنشاؤها في بيوت الله آناء الليل وأطراف النهار ثم قاموا يتواجدون يرقصون فيزعمون أنهم يعبدون الحي القيوم كما أنهم ابتدعوا من الأذكار ما لم يرد عن نبينا المختار وقالوا هذه الأذكار هي أفضل مما ورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم بدعتان نحو عبادة الذكر.

البدعة الأولى أشعار ورقص وتواجد والبدعة الثانية أذكار ما أنزل بها من سلطان قالوا إن ذكر الله بها أعظم ذكر يقوم به الإنسان في هذه الحياة ورتبوا عليها من الأجور ما لم يرد به شرع العزيز الغفور وسنتدارس البدعة الأولى وأما البدعة الثانية وهي الأذكار المبتدعة التي خلعوا عليها أجور كثيرة وجعلوها من أذكار الخاصة وخاصة الخاصة ويأتي الكلام عليها مع مقدمة للذكر في المواعظ الآتية إن شاء الله. إخوتي الكرام.. أما عبادة التواجد والرقص وعبادة القصائد والأشعار التي حدثت من هذه الفرقة الضالة وعكفوا عليها في بيوت الله جل وعلا فهي عبادة مبتدعة مخترعة أعرضوا عن ذكر الله كما شرع نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام وأعرضوا عن تلاوة كلام الله ثم بعد ذلك اخترعوا أشعار وقصائد على زعمهم يثنون بها على الله جل وعلا وأن هذا يحرك قلوبهم للطرب ويفرحون بالله وهذه الأشعار والقصائد والرقص والتواجد انتشر في بلاد المسلمين وحولت بيوت رب العالمين إلى منزلة كمنزلة الكنائس عند النصارى والبيع عند اليهود إلى ربنا المعبود نشكو أحوالنا وغربتنا في هذه الأيام. إخوتي الكرام: وهؤلاء يقولون إننا نحن نريد تعظيم الله، وإننا عندما ننشد القصائد والأشعار ونتوجد ونرقص نفرح بالله وإذا سلمنا لهم نيتهم والله أعلم بما في القلوب فلا نقرهم على هذا بحال من الأحوال فالعمل لا يقبل عند الله عز وجل إلا بوجود شرطين بعد إيمان صاحبه إولهما إخلاص لله وثانيهما متابعة لخير خلق الله فهل هذا الأمر يعني الأشعار والقصائد والتواجد والرقص هل هذا مأخوذ من مشكاة نبينا عليه الصلاة والسلام هل هذا مأخوذ وهل كان الصحابة يتوجدون ويرقصون في بيوت الله. إن كان ما تقولوه ثابتاً عنهم فحقيقة إن الأمر مشروع لكن الأمر ليس كذلك فسواء كانت النية صالحة أم فاسدة فالعمل باطل مردود وأما ما قاله بعضهم من تحسين هذا الضلال بعبارات معسولة فهذا من هذيان الشعراء:

ما في التواجد إن حققت من حرج ... ولا التمايل إن أخلصت من بأس فقمت تسعى على رجلين وحق لمن ... دعاه مولاه أن يسعى على الراس هل هذه آية من كلام الله أو حديث من كلام نبينا رسول الله خير خلق الله لنحتكم إليها وهكذا الهذيان الآخر: أنكروا رقصاً وقالوا حراماً ... معيلهم من أجل ذلك سلامُ أعبد الله يا فقيه وصلي والزم الشرع فالسماع حرام بل حرام عليك ثم حلالٌ عند قومٍ أحوالهم تلامُ. هذا كلام باطل وهذيان ثم قال: مثل قومٍ صفو وبان لهم ... من جانب الطور جذوة وكلام فإذا قوبل السماع بلهوٍ ... فحرام على الجميع حرام يعني حالهم كحال نبي الله موسى عليه السلام عندما أناس من جانب الطور نارا ثم كلمه الله جل وعلا، يقول ونحن نسمع كلام الله جل وعلا فلا يعترض علينا وحالكم ليس كحالنا وليس عندنا في هذه الأمة من يُسلم له حاله ويقتدي به إلا نبينا عليه الصلاة والسلام وكل من عداه يعرض على ميزان شرع رسول الله من صديق وولي وسابق وتقي وشهيد وغير ذلك فإن احسن فهو على هدى وإلا فكل واحد يرد عليه خطؤه. وقد سأل الإمام ابن تيمية شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص فأنكر عليه بعض المسلمين، فقال هذا المنكر عليه الذي يحب السماع والرقص قال هذه الأبيات وأنشدها كما في مجموع الفتاوي 11/605 قال الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله معلق على السفيه في إنشاده ما تقدم من الشعر قال هذا الشعر يتضمن منكراً من القول وزورا، بل أوله يتضمن مخالفة الشريعة المطهرة وآخره يفتح باب الإلحاد والزندقة والمخالفة للحقيقة الإلهية الدينية النبوية وذلك بأن قول القائل مثل قوم صفو وبان من جانب الطور جذوتاً وكلامٌ يتضمن تمثيل هؤلاء بنبي الله موسى عليه الصلاة والسلام الذي نودي من جانب الطور لما رأى النار قال لأهله أمكثوا..إلى آخر ما ذكره الإمام ابن تيمية رحمه الله.

مثل هذا ما رأيته في بلدة القاهرة عندما كنت بها في بلاد مصر وهذا موجود في سائر البلدان ومررت بشارع يسمى شارع السيدة زينب ووقع مروري في ذلك باحتفال الناس بمولد السيدة زينب على تعبيرهم والناس مختلطون رجالاً ونساء يدخنون ويحششون يغنون ويرقصون قلت ما هذا قالوا يذكرون الحي القيوم سبحان الله آلات العزف والطرب ونساء تختلط بالرجال ودخان يصرع رأس الإنسان وحشيش ومنكر مع ذلك ذكر لله كيف هذا فقال يا مولانا كل واحد يذكر الله على مزاجه واحد يذكره بتلاوة القرآن وواحد يذكره بالصلاة وواحد يذكره بالعود وواحد يذكره بالمزيكة وواحد يرقص كل واحد يذكر الله على مزاجه هذا في أي شريعة يذكر الله على مزاجه هذا ليس من شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام. قد حضرت بعض الصالحين الكبار ممن له شأن يدرس في المسجد الجامع في جامع الأزهر فقال في تفسير قول الله عز وجل "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون" يقول وهو يتحدث بلهجته العامية هناك يقول لا يوجد في الإسلام شيء اسمه بدعة، لا يوجد في الإسلام بدعة على الإطلاق فيقول فكل ما تفعله وترى أنه خير وتريد التقرب إلى الله فأنت تثاب عنه لأن الله يقول وافعلوا الخير. وأين إذاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين وغيرهما كما سيأتينا في القصد من المنفرة المحذرة من البدعة من حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي رواية لمسلم من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. الله لا يقبل العمل إلا إذا كان صالحاً لوجهه خالصاً وهؤلاء ترجمان كلمة التوحيد فلا يعبد إلا الله حسب ما شرع وبين رسول الله. هذا التواجد هذا الرقص الذي حدث في بيوت الله ضلال وبدعة، والزعم أنه أيضاً ذكر لله أشنع ضلال وأشنع بدعة وإذا استحل الإنسان هذا وعلم ما فيه من تحريم فقد خرج من دين الله العظيم. ومن يستحل الرقص قالوا بكفره ... لاسيما بالدف يلهو ويزمرُ

حضرت مرة بعض المجالس في بلاد الشام أيام المولد النبوي ولا يخفى عليكم أن هذه الموالد التي حدثت في هذه الأمة وكلها من ابتداع الضالين وما أنزل بها من سلطان لكن ما يتعلق بالمولد حضرت في ذلك المجلس وهم يحتفلون بمولد النبي عليه الصلاة والسلام وكان هذا بعد صلاة الجمعة وكنت أخطب في تلك الأيام وكنت دون العشرين بكثير فلما انتهيت من الخطبة قالوا يا شيخ تشارك في المولد قلت لعله موعظة ونعيمة ولا يوجد شيء من البلاء وإذا أحضروا جميع آلات الطرب من الدفوف من..من وأحضروا بعد ذلك عدد من الشباب اللذين منا نبت لواحد منهم شعرة في وجهه من المردان، ولبسوهم الملابس الفضفاضة الواسعة بحيث إذا أراد أن يرقص يستضل عشرة تحت ثيابه وفخذاه مكشوفتان ويوجد أيضاً في أطراف الثياب ما بين كل شبر قطعة من حديد إذا انتفش الثياب تكون هذه كأنها مظلة ثم بدءوا يضربون بهذه الآلات ويذكرون الله ذكراً مخرفاً وواحد في الوسط كالشيطان ينشدهم وهؤلاء يرقصون والنساء في الجهة الثانية تخرج الأصوات وتخرج الزغاريد على زعمهم فلما انتهى الفصل الأول خرجت فتبعني مؤذن المسجد قال ماذا رأيت قلت إذا كان هناك في الحياة أشرار سيدخلون النار فهؤلاء أول من هم من الأشرار وهم من سيدخلون النار قال الله أكبر تتكلم على أولياء الله قلت الله أكبر ولله الحمد من الذي جعلهم أولياء الله وهم أولياء الشيطان وبيني وبينكم الموعظة الآتية لنتكلم عن هذا الضلال. وكان ما كان مما ستر الله علي بعد ذلك.

الخاتمة والنتيجة بيوت الله تتحول إلى مراقص آلات عزف ولهو وغناء واحد في وسط المجلس مثل الشيطان ينشد وأولئك بعد ذلك ويهمهمون ويتواجدون وهؤلاء المردان يرقصون وأفخاذهم مكشوفة في بيوت الله جل وعلا أقال الله صفق لي وغني وسم الرقص والتصفيق ذكرا فلو كانت السيادة في إخضرار لكان السلف أشرف منك قدرا. طائفة ينتمون إلى الشيخ الرفاعي ويدعون أنتم من أهل البيت ويجعلون علامة لهم اللباس الأخضر ثم يبتدعون ويخرفون: الرقص نقص والسماع رقاعة ... وكذلك التواجد خفة بالراس والله ما رقصوا لطاعة ربهم ... ولكن للذي طحنوه بالأضراس بيوت الله حولت إلى مراقص هذه الأيام بسم ذكر الرحمن وتعظيم ذي الجلال والإكرام إخوتي عبادة ضالة مبتدعة فتابع الأئمة على إنكارها وصاحوا في أهل الباطل من كل جهة وبينوا أن هذه العبادة من إحداث الزنادقة لضلال الناس عن ذكر رب العالمين وعن القرآن الكريم فهذا سلطان العلماء المعز بن عبد السلام الذي توفي سنة660هـ يقول في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام 2/86 الرقص والتصفيق خفة ورعونة مشابهة لرعونة الأناث ولا يفعل ذلك إلا رعنٌ جاهل أو متصنع قال عليه رحمة الله ومن كان في قلبه تعظيم الله جل وعلا لا يمكن أن يرقص ولا يصدر من عاقل فاضل إنما يصدر من جاهل غافل ثم قال عليه رحمة الله والدليل على جهالة فاعل الرقص أن الشريعة لم ترد به في كتاب ولا سنة وما فعل هذا أحد من الأنبياء ولا من المعتبرين من العلماء، إنما يفعله الجهلة السفهاء الذين اختلط عليهم الحقائق بالأهواء.

وهكذا الإمام الطرطوشي أبو بكر الذي توفي سنة 520هـ وله كتاب سماه كتاب في تحريم السماع وما وقفت عليه وسأنقل عنه بواسطة الإمام القرطبي في تفسيره في 11/237 عند قول الله في تفسيره سورة طه "فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار".. عند هذا ينقل الإمام القرطبي كلام الإمام الطرطوشي يقول قال الإمام الطرطوشي " التصفيق من إحداث الزنادقة وهو أول من فعله عباد العجل وعباد البقر أتباع السامري عندما أخرج لهم عجل جسداً له خوار قاموا حوله يتواجدون ويرقصون فهو دين الكفار وعباد العجل ثم قال وأما آلات اللهو التي يعزف فيها عند الرقص وأما القضيب فهو أول من أحدثه الزنادقة. وهذا كما قال الإمام الشافعي خرجت من بغداد وتركت ورائي شيء اسمه التغدير شيء يغدرون به وينغمون ويطربون أحدثها الزنادقة ليصدوا الناس عن كلام الله جل وعلا وأما القضيب أول من احدثه الزنادقة ثم قال ويجب على ولاة الأمر أن يمنعهم ولا يجوز للمسلم أن يحضر معهم ولا أن يأكل من طعامهم هذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وكما قلت هذا موجود في تفسير الإمام القرطبي وقد ألف بعض الفقهاء الحنفية الكبار علماء القرن العاشر للهجرة توفي سنة 956هـ وهو الإمام الحلبي واسمه إبراهيم ابن محمد ابن إبراهيم انظروا ترجمته في شذرات الذهب 8/309 صاحب كتاب ملتقى الأبحر في فقه أبي حنيفة ألف رسالة سماها "الرهسُ والوقص لمستحل الرقص " والرهس هو العصر الشديد والوقص هو دق العود وبين أن الرقص حرام ومن استحله فهو كافر بالرحمن لا سيما إذا جعل ذلك عبادة وقربة يتقرب بها إلى ذي الجلال والإكرام.

وكذلك الشيخ الشنقيطي كما في أضواء البيان في تفسير سورة الإسراء عند قول الله تعالى: "ولا تمشي في الأرض مرحاً" 3/593 يقول وقد استدل العلماء لهذه الآية على تحريم الرقص لأن فاعله أي الذي يرقص هو ممن يعمل المرح وهو الخيلاء وهو الأشر والرقص هو التمايل وتحريك الرأس بحركات موزونه وهو أعظم أنواع الأشر والبطر وهو المرح فالرقص مما حرمه ذو الجلال والإكرام وما فعله ممن ينتسب إلى الصوفية فهذا ضلال وهذيان وأما سماع الأشعار والقصائد وهي التي جعلوا بدل ذكر الله وبدل تلاوة القرآن عندها تسكب العبرات وعندها تتقطع النفوس حسرات. سمعت بأذني من ينشد في بيوت الله جل وعلا: فرشت لها خدي وطائاً على الثرى فقالت لك البشرى بلثم لساني وأولئك ينهقون كالحمير ثم يدعي أنه يناجي الله بهذا الكلام القبيح المرذول الذي يستحي الإنسان من ذكره فرش لها خده على الثرى فقالت لك البشرى بلثم لسانها ثم قول أننا نخاطب الذات الإلهية وما وجدت أحسن من هذا التعبير حتى تخاطب ربنا الجليل إلا ناجيته بكلامه جل وعلا "الله نزل أحسن الحديث كتاباً ... الآية " وأشعارا تقال في الغزل والطرب وقلة الحياء لو قبلت في غير بيوت الله لكانت منقصة فكيف تقال في بيوت الله بإسم تعبد الله وذكر الله. إخوتي الكرام..

وقد وصل الأمر ببعض العلماء أن التمس هؤلاء الأعذار ويعلم الله إنني لا أقصد بذلك شينة ولا تهوين أمره لكن الحق أدق بالاتباع وما في الدين محاباة وإذا هو خرف في هذه المسألة فيرد كلامه بكلامه الذي قرره في فقه الإمام الغزالي حجة الإسلام لما سلك مسلك التصوف ثم تركه بعد أن ترك الفلسفة والتصوف وعاد إلى مسلك المحدثين المهتدين لما سلك مسلك التصوف والف كتابه في الأحياء وجرى على قانون من خرق من الصوفية في كثير من الأمور منها ما يتعلق بأمر الذكر فقال في الإحياء 2/ 293-298 قال كلام والله لا يقره هو في وسيطه ولا بسيطة ولا وجيزة في فقه الشافعي الذي ألفه مترد كلامه بكلامه ونرد كلام كل أحد بكلام الله الصمد وبكلام نبينا عليه الصلاة والسلام وعندنا شريعة كما قلت يحاكم إليها الكبير والصغير ونحتكم إلى شرع الله الجليل يقول في كتابه السماع ولو حذف هذا الكتاب من الأحياء لكان حسناً هذا الكتاب كتاب السماع يقول عليه رحمة الله يقول إذا قلت إن للقرآن تأثير على النفس فعلى ما يجتمع الصوفية على المغنين والقولين وعلى سماع الغناء والقصائد ولا يجتمعون على المقرئين الذين يتلون كلام رب العالمين لما الصوفية في العصور المتأخرة بل بدأوا يحضرون أقوالا يغني بدلاً من أن يحضروا قارئاً ليقرأ كلام الله لما وأنت تقرر أن القرآن له تأثير على النفس قال وهذا القول حقيقة ترك به الإنسان عقله ليس فقيه عنده تقديره لكن الجواد يكبو والصارم ينبو والحق أحق بالاتباع يقول فاعلم أن العناء أشد تهيجاً للنفس من القرآن من سبعة أوجه أولها: 1. قارئ القرآن لا يوافق أغراض المسمعين فمن غلب عليه القبض يريد اشعار البسط فإذا قرأ تبت يدا أبي لهب وتب هذا لا يناسب حاله لذلك يحضرون أقوالاً ليغني ما يناسب حاله.

2. الأمر الثاني يقول القرآن محفوظ ومكرر سماعه على الآذان فيصل وقعه على القلوب وأما الأقوال فيأتيهم بالشيء الجديد الذي ما سمعوا به ولكل جديد لذة ولكل طارئ صدمة فعندما يأتيهم هذا الجديد يتفاعلون ويتواجدون ويصيحون أن أزيد والذي لا يؤثر فيه كلام الله فلا خير فيه "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل..الآية" والله الذي لا إله إلا هو إن الجماد يخشع ويصنت عند سماع كلام الله فصارت هذه القلوب أقسى من الحجارة ولا تتأثر بالقرآن الذي لا يخلق عن كثرة الرد نريد أقوالا وشاعراً ليحرك كوامن نفوسنا. 3. يقول القرآن ليس بموزون بالأوزان الشعرية أما الأقوال فيقول كلام موزون وللشعر تأثير في النفس البشرية. 4. يقول القرآن لا يجوز التلحين فيه ولا التطريب فيه ولا التمطيط ولا القصر أن تتلاعب كما تريد ولا يجوز أن يمد المقصور ولا أن تقصر الممدود ولا أن تطرب يقول وفي الغناء يلحن وينبع اللحن والنغم ولا يتقيد بقواعد اللغة العربية. 5. يقول العناء بصحبة آلات العزف والطرب ولا يجوز هذا في كلام الله لا يجوز أن تقرأ القرآن على دف أو على صحبة أو عود أو مزيكا أما في الغناء فهذا يفعل مع الغناء فتضاعف الآثار التي تؤثر في النفس ومن الذي أباح هذه المعازف والمزامير. 6. يقول إذا كان الإنسان يسمع الغناء وما أعجبه الغناء بإمكانه أن يقول للقوال اسكت ولا يجوز أن تقول للقارئ اسكت على كلامه لقراءة كلام الله. 7. يقول الغناء من باب الحظوظ والقرآن من باب الحقوق والنفس تتعلق من باب الحقوق وتريد الحظوظ وهذا أشهى لها. هل هذه حجج معتبرة أو ظلالات منكرة سبحان ربي العظيم من الذي أباح لنا أن تستخدم آلات العزف وإذا كان القرآن من الحقوق يعني ينبغي أن ++منع إلى الحظوظ والشهوات هذا كلام باطل لا يليق مع عقل هذا الإمام ولا يليق مع فقهه رحمة الله ورضوانه عليه وقال الإمام المقدسي في رد هذا الهذيان: جعلوا السماع مطية لهواهمُ ... وغلوا فقالوا فيه كل محالُ

هو قربة هو سنة هو طاعة ... صدقوا لذاك الشيخ ذي الأضلال (يعني ابليس) شيخ قديم صادهم بتبجيل ... حتى أجابوا دعوة المحتال هجروا له القرآن والأخبار والأثار ... إذ شهدت لهم بضلال ودوا سماع الشعر أنفع للفتى ... من أوجه سبع لهم بتوال تالله ما ظفر العدو بمثلها ... من مثلهم واخيبه الامال إخوتي الكرام.. الغناء والأشعار والقصائد والتواجد والرقص الذي حدث في بيوت الله باسم ذكر الله ضلال ومستحله كافر بذي العزة والجلال بدعة وخيمة خبيثة ما أنزل الله بها من سلطان كيف أعرض الناس عن تلاوة كلام الرحمن وأقبلوا على هذا الهذيان إن قلوبنا لو ظهرت لما شبعت من كلام ربنا نسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ... الخ أقول هذا القول واستغفر الله الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمد رسول الله خير خلق الله أجمعين اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كبيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إن الصوفية المهتدين براء من ذلك الفعل الدنيء فقد كان المتقدمون من الصوفية الذين كانوا على هدى يعكفون على قراءة كلام الله عز وجل ويذكرون الله بما شرع رسوله فهذا العبد الصالح زكريا يحيى بن معاذ الرازي الذي توفي سنة258 هـ يقول دواء القلوب خمسة أشياء: 1. قراءة القرآن بالتدبر. 2. وخلاء البطن. 3. قيام الليل. 4. التضرع إلى الله عز وجل عند السحر. 5. مجالسة الصالحين. وهذا الإمام سيد الجنيد سيد الطائفة توفي سنة 297هـ يقول مذهبنا هذا مشيد بالكتاب والسنة من لم يقرأ القرآن ولم يكتب الحديث فلا يؤبه به..إي والله لا يؤبه بالإنسان ولا يقول عليه إذا لم يلتزم بالشريعة ولو طار في الهواء ولو مشى على الماء ولو حصل له ما حصل من خوارق الأشياء إذا رأيت رجل يطير وفوق ماء البحر قد يسير ولم يقف عند حدود الشرع فإنه مستدرج أو بدعي.

إن الغناء الذي عم في هذه الأيام أن القصائد والأشعار إن الرقص والتواجد كلها هذه من دين الكفار ومن عباد العجل ومن اختراع الزنادقة فما أنزل الله به من سلطان متى علم الناس بأن الغناء سنة تتبع وأن يأكل المرء أكل الحمار فيرقص في الجمع حتى يقع وقالوا سكرنا بحب الإله وما أسكر القوم إلا القصع كذلك البهائم إن أشبعت يرقصها ربها والشبع ويسكرها الناي وحب الغناء ويسن لو تليت ما أنصدع فيا للعقول ويا للنهي ألا منكر فيكم للبدع تهان مساجدنا بالسماع وتكرم عن مثل ذلك البيع. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لميتنا ولمن علمنا ولمن تعلم منا. اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد". والحمد لله رب العالمين..

باب شهادة أهل العصبية

باب شهادة أهل العصبية (أحاديث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان باب شهادة أهل العصبية البيهقي قالَ الشَّافِعِيُّ رحمهُ الله: مَنْ أَظْهَرَ العصبيةَ بالكلامِ وَتَأَلَّفَ عَلَيْهَا ودَعَا إِلَيْهَا، فهو مردودُ الشهادةِ، لأَنَّهُ أَتَى مُحَرَّماً لا اختلافَ فيهِ بينَ علماءِ المسلمينَ عَلِمْتُهُ، واحْتَجَّ بقولِ الله تَعَالَى {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} وبقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «وكُونُوا عبادَ الله إِخْوَاناً» . أبي داوود باب في العصبية ابن ماجة باب العصبية المصباح الزجاج باب العصبية السنن الكبرى (21539) ــ أخبرنا أبو الحسينِ بنُ بِشْرَانَ ببغدادَ أنبأ إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بنُ مُكْرَمٍ وأحمدُ بنُ مَلاَعِبٍ قالا ثنا هَوْذَةُ بنُ خَلِيفَةَ ثنا سليمانُ التيميُّ عن أبي عثمانَ النَّهْدِيِّ عن أُسامةَ بنِ زيدٍ قالَ: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُنِي والحسنَ بنَ عليَ فيقولُ: «اللهمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا» . أخرجه البخاري في الصحيح من حديثِ مُعْتَمِرِ بنِ سليمانَ عن أبيهِ. قالَ الشَّافِعِيُّ رحمهُ الله: فالمكروهُ في محبةِ الرجلِ مَنْ هوَ منهُ أَنْ يَحْمِلَ على غيرِهِ مَا حَرَّمَ الله عليهِ من البَغْيِ، والطَّعْنِ في النَّسَبِ، والعَصَبِيَّةِ، والبُغْضَةِ على النَّسَبِ لا على معصيةِ الله، ولا على جِنَايَةٍ من المُبْغِضِ على المُبْغَضِ، وَلَكِنْ يقولُ: أُبْغِضُهُ لأَنَّهُ من بَنِي فلانٍ، فَهَذِهِ العصبيةُ المَحْضَةُ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشهادةُ.

(21542) ــ أخبرنا أبو زكريا بنُ أبي إسحاقَ أنبأ أبو بكر أحمدُ بنُ إسحاقَ بنِ أيوبَ الفقيهُ أنبأ محمد بنُ سليمانَ بنِ الحارثِ ثنا محمد بن عبد الله ثنا حُمَيْدٌ الطويلُ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يا رسولَ الله أَمِنَ العصبيةِ أَنْ يُعِينَ الرجلُ قَوْمَهُ على الحَقِّ، قالَ: «لا» . احمد: (8018) ــ حدّثنا عبد الله، حدَّثني أبي، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أيوب، عن غيلان بن جرير، عن زياد بن رباح، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من فارق الجماعة وخرج من الطاعة فمات فميتته جاهلية، ومن خرج على أمتي بسيفه يضرب برها وفاجرها، لا يحاشي مؤمناً لإِيمانه ولا يفي لذي عهد بعهده فليس من أمتي، ومن قتل تحت راية عمية يغضب للعصبية، أو يقاتل للعصبية، أو يدعو إلى العصبية فقتلة جاهلية» . (16664) ــ حدّثنا عبد الله حدَّثني أبي حدثنا زياد بن الربيع قال: حدثنا عباد بن كثير الشامي من أهل فلسطين عن امرأة منهم يقال لها فسيلة أنها قالت: سمعت أبي يقول: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: لا، ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم» . (17141) ــ حدّثنا عبد الله حدَّثني أبي حدثنا زياد بن الربيع حدثنا عباد بن كثير الشامي من أهل فلسطين عن امرأة منهم ـ يقال لها فسيلة ـ قالت: سمعت أبي يقول: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أمن العصبية أن يحب الرجل قومه، قال: لا، ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم» . المصباح:

(1394) ــ حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة. ثنا زياد بن الربيع اليحمدي عن عباد بن كثير الشامي، عن امرأة منهم يقال لها: فسيلة. قالت: سمعت أبي يقول: سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: «لا. ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم» . (6831) قلت: رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده هكذا رواه أبو داود في سننه عن محمود بن خالد عن الفريابي عن سلمة بن بشر الدمشقي عن ابنه واثلة بن الأسقع أنها سمعت أباها يقول: قلت: يا رسول الله ما العصبية؟ قال: أن تعين قومك على الظلم، هكذا رواه مختصراً وسكت عليه. أبي يعلى: (7493) ــ حدثنا أبو الأسقع أحمد ابن المقدام العجلي حدثنا عبيد ابن القاسم حدثنا العلاء ابن ثعلبة عن أبي المليح الهذلي عن واثلة ابن الأسقع قال: «تدانيت النبي صلى الله عليه وسلم بمسجد الخيف فقال لي أصحابه إليك يا واثلة أي تنح عن وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعوة إنما جاء يسأل قال فدنوت فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله لتفتنا عن أمر نأخذه عنك من بعدك قال لتفتك نفسك قال قلت وكيف لي بذلك قال دع ما يريبك إلى ما لا يريبك وإن أفتاك المفتون قلت وكيف لي بعلم ذلك قال تضع يدك على فؤادك فإن القلب يسكن للحلال ولا يسكن للحرام وإن الورع المسلم يدع الصغير مخافة أن يقع في الكبير قلت بأبي أنت وأمي ما العصبية قال الذي يعين قومه على الظلم قلت فمن الحريص قال الذي يطلب المكسبة من غير حلها قلت فمن الورع قال الذي يقف عند الشبهة قلت فمن المؤمن قال من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم قلت فمن المسلم قال من سلم المسلمون من لسانه ويده قلت فأي الجهاد أفضل قال كلمة حكم عند إمام جائر» . الكبرى:

(21541) ــ أخبرنا أبو عليَ الرُّوْذَبَارِيُّ أنبأ محمد بن بكر ثنا أبو داودَ ثنا محمود بن خالد الدمشقيُّ ثنا الفِرْيَابِيُّ ثنا سَلَمَةُ بن بشر الدمشقيُّ عن ابنةِ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ أَنَّهَا سمعتْ أَبَاهَا يقولُ: قلتُ: يا رسولَ الله مَا العَصَبِيَّةُ، قالَ: «أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ على الظُّلْمِ» . أبي داوود: (5114) ــ حدثنا مَحمُودُ بنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ قالَ أخبرنا الْفِرْيَابِيُّ قالَ أخبرنا سَلَمةُ بنُ بِشْرٍ الدِّمَشْقِيُّ عن بِنْتِ وَائِلَةَ بنِ الأسْقَعِ، أَنَّهَا سَمِعَتْ أَبَاهَا يَقُولُ: «قُلْتُ: يا رَسُولَ الله ما الْعَصَبِيَّةُ؟ قال: أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ» . ابن ماجة: (4035) ــ حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ الْيُحْمِدِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ الشَّامِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهَا: فَسِيلَةُ. قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ؟ قَالَ: «لاَ. وَلكِنْ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ» . الكبرى:

(16946) ــ أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ ُ أنبأ الحسن بن محمد بنِ إسحاق ثنا يوسف بنُ يعقوبَ القاضي ثنا شَيْبَانُ بنُ فَرُّوخٍ ثنا جَرِيرُ بنُ حَازمٍ عن غَيْلاَنَ بنِ جَرِيرٍ عن أبي قيس بنِ رِيَاحٍ عن أبي هريرةَ عن النبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ الطاعةِ وفارَقَ الجماعةَ فماتَ، ماتَ مِيتَةً جاهليةً، ومن قاتَلَ تحتَ رَايَةٍ عَمِيَّةٍ يغضبُ للعصبيةِ أو يَدْعُو إلى عصبيةٍ أو يَنْصُرُ عصبيةً فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جاهليةٌ، ومن خَرَجَ على أُمَّتِي يضربُ بَرَّهَا وفاجِرَهَا لاَ يَتَحَاشَى من مُؤْمِنِهَا ولا يَفِي لذِي عَهْدِهَا، فليسَ مِنِّي ولستُ منهُ» . رواه مسلم في الصحيح عن شَيْبَانَ بنِ فَرُّوخٍ. (16946) ــ أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئُ أنبأ الحسن بن محمد بنِ إسحاق ثنا يوسف بنُ يعقوبَ القاضي ثنا شَيْبَانُ بنُ فَرُّوخٍ ثنا جَرِيرُ بنُ حَازمٍ عن غَيْلاَنَ بنِ جَرِيرٍ عن أبي قيس بنِ رِيَاحٍ عن أبي هريرةَ عن النبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ الطاعةِ وفارَقَ الجماعةَ فماتَ، ماتَ مِيتَةً جاهليةً، ومن قاتَلَ تحتَ رَايَةٍ عَمِيَّةٍ يغضبُ للعصبيةِ أو يَدْعُو إلى عصبيةٍ أو يَنْصُرُ عصبيةً فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جاهليةٌ، ومن خَرَجَ على أُمَّتِي يضربُ بَرَّهَا وفاجِرَهَا لاَ يَتَحَاشَى من مُؤْمِنِهَا ولا يَفِي لذِي عَهْدِهَا، فليسَ مِنِّي ولستُ منهُ» . رواه مسلم في الصحيح عن شَيْبَانَ بنِ فَرُّوخٍ.

(21540) ــ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الوليد ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ثنا عبيد الله بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ ثنا حماد بن زيد عن أيوبَ عن غَيْلاَنَ بنِ جَرِيرٍ عن زياد بن رِيَاحٍ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ خَرَجَ من الطاعةِ وفارقَ الجماعةَ فماتَ (ماتَ) مِيْتةً جَاهِلَيَّةً، ومَنْ قُتِلَ تحتَ رَايَةِ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ ويَنْصُرُ عَصَبِيَّةً ويَدْعُو إِلَى عصبيةٍ، فَقُتِلَ فَقِتْلَتُهُ جاهليةٌ، ومَنْ خَرَجَ على أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وفَاجِرَهَا لا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا ولا يَفِي لِذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي» . رواه مسلم في الصحيح عن القَوَارِيْرِيِّ. (21540) ــ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الوليد ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ثنا عبيد الله بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ ثنا حماد بن زيد عن أيوبَ عن غَيْلاَنَ بنِ جَرِيرٍ عن زياد بن رِيَاحٍ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ خَرَجَ من الطاعةِ وفارقَ الجماعةَ فماتَ (ماتَ) مِيْتةً جَاهِلَيَّةً، ومَنْ قُتِلَ تحتَ رَايَةِ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ ويَنْصُرُ عَصَبِيَّةً ويَدْعُو إِلَى عصبيةٍ، فَقُتِلَ فَقِتْلَتُهُ جاهليةٌ، ومَنْ خَرَجَ على أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وفَاجِرَهَا لا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا ولا يَفِي لِذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي» . رواه مسلم في الصحيح عن القَوَارِيْرِيِّ. مسلم:

(4748) ــ حدّثنا هُرَيْمُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» . النسائي: (4099) ــ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةِ عُمِّيَّةٍ يُقَاتِلُ عَصَبِيَّةً وَيَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ: عِمْرَانُ الْقَطَّانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. (3546) ــ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ قَالَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ الله، قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عمِّيَّةٍ يُقَاتِلُ عَصَبِيَّةً وَيَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ: عِمْرَانُ الْقَطَّانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. ابي داوود: (5116) ــ حدثنا ابنُ السَّرْحِ أخبرنا ابنُ وَهْبٍ عن سَعِيدِ بنِ أَبِي أَيُّوبَ عن مُحمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ المَكِّيِّ ـ يَعني ابنَ أَبِي لَبِيبَةَ ـ عن عَبْدِ الله بنِ أَبِي سُلَيْمانَ عن جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ» . النسائي:

(4098) ــ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ هِلاَلٍ الصَّوَّافُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لاَ يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِي لِذِي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايةٍ عُمَيَّةٍ يَدْعُو إلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» . ابن ماجة: (2705) ــ حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ فِي عِمِّيَّةٍ أَوْ عَصَبِيَّةٍ بِحَجَرٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ عَصاً، فَعَلَيْهِ عَقْلُ الْخَطَإِ. وَمَنْ قَتَلَ عَمْداً فَهُوَ قَوَدٌ. وَمَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ» . (4034) ــ حدّثنا بِشْرُ بْنُ هِلاَلٍ الصَّوَّافُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رِيَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عَمِّيَّةٍ، يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ، أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ، فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» . النسائي:

(3545) ــ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ هِلالٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ غَيْلانَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلا يَفِي لِذَي عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عَمِيه يَدْعُو إلَى عَصَبِيَّةٍ أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِليَّةٌ» . التهذيب:

ضاً، عن يحيى بن شِبْل: كنتُ جالساً عند مقاتل بن سُلَيمان فجاء شابٌ فسأله: ما تقول في قول الله تعالى: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهَهُ} ، فقال مقاتل: هذا جَهْمِيٌّ. قال: ما أدري ما جَهْمِي، إن كان عندك علم فيما أقول، وإلا فقل لا أدري، فقال: ويحك إن جَهْماً والله ما حج هذا البيت، ولا جالسَ العُلماءَ إنما كان رجلاً أُعطِيَ لساناً، وقوله تعالى: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلاَّ وَجْهَهُ} إنما كل شيء فيه الرُّوح كما قال لملكة سبأ {وأُوتِيتْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ} لم تؤت إلا ملك بلادها، وكما قال: {وآتَيْناهُ مِنُ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبَا} لم يؤت إلا ما في يدهِ من المُلْكِ. ولم يدع في القرآن كل شيء وكل شيء إلا سرد علينا. وقال القاسم بن أحمد الصَّفار: كان إبراهيم الحَرْبيُّ يأخذُ مني كُتُب مقاتل فينظر فيها، فقلتُ له ذات يوم: أخبرني يا أبا إسحاق ما للناس يطعنون على مُقاتل؟ قال: حَسَداً منهم لمقاتل. وقال أبو الفَضْل مَيْمون بن هارون الكاتب: حدثني ابن أخي سُلَيمان بن يحيى بن مُعاذ أن أبا جعفر المنصور كان جالساً فألحَّ عليه ذُبابٌ يقعُ على وجهه، وألحَّ في الوُقوع مراراً حتى أضجَرَهُ، فقال: أنظروا مَن بالباب؟ فقيل: مقاتل بن سليمان. فقال: عليَّ به. فلما دخلَ عليه قال له: هل تعلم لماذا خلقَ الله الذُّبابَ؟ قال: نعم. ليُذِلَّ به الجَبَّارين. فسكتَ المنصور. وقال الفَضْل بن عبد الجَبَّار المَرْوَزي: سمعتُ عليَّ بن الحَسن بن شقيق يقول: سمعتُ عبد الله بن المُبارك يقول: سمعتُ مقاتل بن سُليمان يقول: الأم أحقُ بالصِّلة والأبُ أحق بالطاعة. قال الفَضْل: وأظنني سمعتُ علياً يقول: ابن المُبارك لم يرو لمقاتل إلا هذين الحَرْفين، قال: وسمعت أصحاب عبد الله في طول ما رأيتهم لم أرهم يروون لمقاتل شيئاً غير هذا.

وقال عليّ بن يونُس البَلْخي: سمعت أبا نُصَيْر، وعليّ بن الحسين بن واقد يقولان: إن الخليفةَ سألَ مقاتل بن سُلَيْمان، فقال: بلغني أنك تُشَبِّه. فقال: إنما أقول: {قُلْ هُوَ الله أحَدٌ. الله الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ} ، فمن قال غير ذلك فقد كذب. وقال العَبَّاس بن مُصْعَب المَرْوَزي: مقاتل بن سُلَيْمان الأزْديُّ أصلُهُ من بَلْخ قَدِمَ مَرو فنزلَ على الرَّزِيق وتزوج بأمِّ أبي عِصْمة نوح بن أبي مريم، وكان حافظاً للتفسير، وكان لا يضبط الإسنادَ، وكان يَقصُّ في الجامع بمرو، فقَدِمَ عليه جَهْم، فجلس إلى مُقاتلٍ فوقعت العصبية بينهما، فوضع كلُّ واحدٍ منهما على الآخر كتاباً ينقضُ على صاحبه. وقال عليّ بن يونُس البَلْخي، عن عليّ بن الحُسَين بن واقد، عن أبي عِصْمة: إنَّ مقاتلاً قال لأبي عِصْمة: إني أخافُ أن أنسَى عِلْمي، وأكره أن يكتبَهُ غيرك، وكان يُملي عليه بالليل عند السِّراج ورقةً أو ورقتين حتى تم التَّفسير على ذلك. ورواه عنه أبو نُصَيْر ودَسَّ إلى جاريةِ مقاتل حتى حملت كتبه إليه فكتَبها. وقال عليّ بن يونُس أيضاً، عن خالد بن صَبيح: قيل لحَمَّاد بن أبي حنيفة: إن مقاتلاً أخذَ التَّفسير عن الكَلْبِيِّ. قال: كيف يكون هذا، وهو أعلم بالتَّفسير من الكلبيِّ؟. وقال العَبَّاس بن مُصْعب المَرْوَزي أيضاً: حدثني بعضُ أصحابنا عن أبي معاذ الفَضْل بن خالد، عن عبَيد بن سَلمان أن تفسير مُقاتل عُرِضَ على الضَّحاك بن مُزاحم فلم يُعجبه، قال: فَسَّرَ كُلَّ حرف. قال: فذكرت ذلك لعَليّ بن الحُسَين بن واقد، فقال: كُنا في شكٍ أنَّ مقاتلاً لقي الضَّحاك، فإذا كان مقاتل له من القَدْر ما ألَّف تفسير القرآن في عهد الضَّحاك، فقد كان رَجُلاً جليلاً. وقال عبد الله بن محمد الزُّهْري، عن سُفيان بن عُيَيْنَة: قلت لمقاتل بن سُلَيْمان: إنَّ ناساً يزعمون أنَّك لم تُدرك الضَّحاك.

قال: سبحان الله، لقد كنتُ آتيه مع أبي ولقد كان يغلق عليَّ وعليه باب واحد. وقال يحيى بن موسى، عن عبد الرَّزاق: سمعت ابن عُيَيْنة يقول: قلت لمُقاتل: تُحدِّث عن الضَّحاك، وزعموا أنك لم تسمع منه؟ قال: كان يغلق عليَّ وعليه الباب. قال ابن عُيَيْنة: قلت في نفسي: أجل باب المدينة. وقال أبو مَعْمَر القَطِيعي، عن سُفيان بن عُيَيْنة: كُنا عند مقاتل بن سُلَيْمان، فقيل له: سمعتَ من الضَّحاك؟ قال: ربما أُغلق عليَّ وعليه باب. قال سُفيان: ينبغي أن يكون أُغْلِقَ عليهما باب المدينة. وفي رواية، قال سُفيان: قلتُ في نفسي: كان يغلق عليه وعلى الضَّحاك باب المقابر وهو على ظهر الأرض في تلك المدينة. وقال أبو خالد الأحمر، عن جُوَيْبر بن سعيد: لقد والله مات الضَّحَّاك، وأنَّ مُقاتلاً له قِرْطان وهو في الكُتَّاب. منه. وقال القاسم بن أحمد الصفار: قلت لإبراهيم الحربي: ما بال الناس يطعنون على مقاتل؟ قال: حسداً منهم له. وقال علي بن الحسن بن شقيق: سمعت ابن المبارك يقول: سمعت مقاتل بن سليمان يقول: الأم أحق بالصلة، والأب أحق بالطاعة، لم يرو ابن المبارك عن مقاتل إلا هذين الحرفين. وقال العباس بن مصعب المروزي: مقاتل بن سليمان أصله من بلخ، قدم مرو فتزوج بأم أبي عصمة نوح بن أبي مريم، وكان حافظاً للتفسير، لا يضبط الإسناد، وكان يقصّ في الجامع فوقعت العصبية بينه وبين جهم فوضع كل واحد منهما كتاباً على الآخر ينقص عليه. وقال خالد بن صبح: قيل لحماد بن أبي حنيفة: إن مقاتلاً أخذ التفسير عن الكلبي، قال: كيف يكون هذا وهو أعلم من الكلبي، ويروي أن مقاتل بن سليمان ألّف تفسيره في عهد الضحاك بن مزاحم. عون المعبود:

أي مواليهم (ردهم) : أي عبيدهم (إليهم) : أي إلى مواليهم (فغضب) : قال التوربشتي: وإنما غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم عارضوا حكم الشرع فيهم بالظن والتخمين، وشهدوا لأوليائهم المشركين بما ادعوه أنهم خرجوا هرباً من الرق لا رغبة في الإسلام وكان حكم الشرع فيهم أنهم صاروا بخروجهم من ديار الحرب مستعصمين بعروة الإسلام أحراراً لا يجوز ردهم إليهم، فكان معاونتهم لأوليائهم تعاوناً على العدوان (ما أراكم) : بضم الهمزة أي ما أظنكم، وبفتح الهمزة أي ماأعلمكم (تنتهون) : أي عن العصبية أو عن مثل هذا الحكم وهو الرد (على هذا) : أي على ما ذكر من التعصب أو الحكم بالرد (وقال هم عتقاء الله) : قال الطيبي: هذا عطف على قوله وقال ما أراكم وما بينهما قول الراوي معترض على سبيل التأكيد. قال المنذري: وأخرجه الترمذي أتم منه وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي. وقال أبو بكر البزاز: لا نعلمه يروى عن علي إلا من حديث ربعي عنه.

النكير على المفتون بالغناء والمزامير

النكير على المفتون بالغناء والمزامير (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم النكير على المفتون بالغناء والمزامير الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

لازلنا نتدارس منزلة ذكر الرحمن في الإسلام وتقدم معنا أن الذكر ضروري للإنسان فهو لقلبه كالماء للسمك ومن أجل ذلك أمرنا الله أن نكثر من ذكره في جميع الأوقات، وتقدم معنا أن فوائد الذكر تزيد على مائة فائدة، وهذه العبادة الجليلة التي لها هذه المنزلة الفاضلة الكريمة قد غيرها المتأخرون وابتدعوا فيها وانحرفوا عنها. إخوتي الكرام: ولنتتابع فقرات موعظتنا وليكون الحديث موصولاً بما سبق سأتكلم عن فائدة من فوائد الذكر ثم أتابع خطوات البحث. إن الإنسان عندما يذكر ربه يحصل فائدة عظيمة جليلة يتخلى عن الرذائل، ويتحلى بالفضائل، ففي الذكر تخلية وتحلية، نعم إن من يذكر الله جل وعلا يبتعد عن الرذائل ويحصن نفسه من اللهو واللغو والباطل فالذكر جُنَّة خصينة للإنسان من وساوس الشيطان ومن هزيان اللسان، ثم هو بعد ذلك يتصف بالصفات الكريمات ويقوم عندما يذكر ربه بأفضل الطاعات ولذلك قرر أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أن أفضل العبادات في حق المخلوقات بعد أداء الفرائض ذكر رب الأرض والسماوات، نص على هذا شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) الجزء العاشر وصفحة ستين وستمائة 10/610 قال شيخ الإسلام (والدلائل القرآنية والإيمانية بحراً وخيراً ونظراً على ذلك كثيرة) وهذا الأمر الذي اتفق عليه أئمتنا أن أفضل العبادات بعد أداء الواجبات ذكر رب الأرض والسماوات، أن يشغل الإنسان نفسه بذكر مولاه، هذا الأمر دلت عليه سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - في مواطن كثيرة فاخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن الذاكرين هم السابقون، وأخبرنا أن عبادة الذكر هي أجل العبادات عند الحي القيوم.

فاستمع إلى تقرير هذين الأمرين من كلام نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام، ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي، والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم، فهو صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال [كنا نسير مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في طريق مكة المكرمة والمدينة المنورة حتى وصلنا إلى جبل يقال له جعدان، وقال سيروا هذا جعدان سبق المفردون، قالوا ومن المفردون يا رسول الله؟ قال الذاكرون الله كثيراً والذاكرات] ، وفي رواية المسند ومستدرك الحاكم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -[المفردون هم الذين يهذون بذكر الله] أي يولعون ويتعلقون بذكر الحي القيوم في جميع أوقاتهم وأحوالهم.

وفي رواية الترمذي [هم الذين المستهذون بذكر الله يضع الذكر عنهم أوزارهم فإذا وافوا ربهم يوم القيامة وأوفوه خفافا] ، وهذا الحديث كما روي في صحيح مسلم وغيره من رواية أبي هريرة، رواه الطبراني في معجمه الكبير من رواية أبي الدرداء ومعاذ بن جبل أيضاً رضي الله عنهم أجمعين، نعم هؤلاء هم السبقاون لأنهم عبدوا الحي القيوم بأفضل العبادات ألا وهو ذكر الله، وقد نص على هذا نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة، والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير، ورواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان وإسناده صحيح كالشمس من رواية أبى الدرداء رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله] ، ولذلك من قام به صار من المفردين، وهذا الحديث رواه الإمام مالك في الموطأ موقوفاً على أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه، وقد رفعه من تقدم ذكرهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والحديث صحيح ثابت ورواه الإمام أحمد في المسند بسندٍ صحيح، إلا أنه منقطع من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه. إذاً الذاكر سابق ويعبد الله بأجل العبادات، ذكر رب الأرض والسماوات. إخوتي الكرام..

إذا كان للذكر هذه المنزلة كما ذكرت في هذه الموعظة وكما تقدم في المواعظ السابقة، فإن أعلى الأذكار وأفضلها كما تقدم معنا كلام الله جل وعلا، الذي به تحصل اللذة للإنسان عندما يقرأه في هذه الحياة ويتنور قلبه وينشرح صدره وتبتهج نفسه وبه يحصل عظيم الأجر في الآخرة بعد الممات عند رب الأرض والسماوات، ذكر الله عن طريق قراءة كلامه، عبادة جليلة كما أننا ينبغي أن نذكر الله بالتسبيح والتحميد والتهليل وغير ذلك، ينبغي أن نذكره بتلاوة كلامه ووحيه الذي أنزله على نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وكما قلت من تلا هذا الكلام حصل فوائد في العاجل والآجل، وما أعلم ما أصابنا في هذه الأيام عندما أعرضنا عن كلام ذي الجلال والإكرام والمشركون مع شركهم كانوا يستمعون إلى كلام الله جل وعلا ويتلذذون به فاستمع إلى هذه الحوادث التي وقعت في الصدر الأول عند نزول القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ثبت في مستدرك الحاكم بسندٍ صحيح على شرط البخاري وأقره عليه الذهبي والحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ورواه الإمام ابن جرير وابن مردويه في تفسيره، والحديث صحيح من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال [جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع منه القرآن فلما عاد إلى قومه قال أبو جهل إن الوليد قد جاءكم بوجهٍ غير الوجه الذي ذهب به فسألوه عما سمع فقال لهم والله لقد سمعت كلاماً ما هو بالشعر ولا هو بالسحر ولا هو بالكهانة فأنا من أخبركم بذلك، والله إن له لحلاوة، وعليه لطلاوة] : وهي البهجة والنور والسرور [وإنه لمثمر أعلاه، ومغدق أسفله، وإنه يحطم ما تحته، ويعلو ولا يعلى عليه، وما هو من كلام البشر، فقال أبو جهل إنك أتيت محمداً لتصيب من طعامه قال لقد علمت قريش أنني من أغناهم قال له أبو جهل لن يقنع قومك منك حتى تقول في هذا القرآن شيئاً يرضون به عنك، ثم فكر فقال هذا سحر يأثره محمد عن من سبقه فأنزل الله فيه صدر سورة المدثر {إنه فكر وقدر* فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر * إن هذا إلا قول البشر * سأصليه سقر * وما أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحةٌ للبشر * عليها تسعة عشر *} سمع هذا القرآن وهذه شهادة كافر بالرحمن ليس بشعر ولا سحر ولا كهانة، وليس من كلام البشر يحطم ما تحته، يعلو ولا يعلى عليه، له حلاوة، عليه طلاوة، أسفله مغدق، أعلاه مثمر. نعم اخوتي الكرام: كان القرآن يؤثر حتى في نفوس المشركين في الصدر الأول فما الذي أصاب المؤمنين في هذا الحين عندما أعرضوا عن كلام رب العالمين؟

ثبت في مصنف ابن أبي شيبة ومستدرك الحاكم، والحديث رواه البيهقي في دلائل النبوة وأبو نعيم في (دلائل النبوة) أيضاً ورواه أبو يعلى في مسنده وعبد بن حميد في مسنده وابن مردوية في تفسيره وإسناد الأثر حسن من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والأثر روي مرسلاً من رواية محمد بن كعب القرظي في مغازي محمد بن إسحاق ورواه الإمام ابن المنذر وابن عساكر، كما رواه البيهقي في (دلائل النبوة) أيضاً، فهو من رواية جابر بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظي رضي الله عنهم أجمعين.

وخلاصة الأثر وهو صحيح كما قلت [أن المشركين اجتمعوا في دار الندوة في مكة المكرمة فبعثوا في أمر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم استقر رأيهم على أن يرسلوا إليه من يفاوضه لعله يترك دعوته، فذهب عتبة بن ربيعة فجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسلم عليه وقال له يا محمد عبت آلهتنا وسفهت أحلامنا وكفرت من مضى من آباءنا، فرقت جماعتنا فسأعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها قال قل ما عندك قال إن كنت تريد بهذا الأمر مالاً جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أغنانا، وإذا كنت تريد زواجاً زوجناك أجمل بناتنا، وإذا كنت تريد ملكاً وشرفاً ملكناك وسودناك علينا فلا نقطع أمراً دونك، وإن كان هذا يأتيك رئياً من الجن جمعنا لك الأطباء وبذلنا له الأموال حتى نعالجك منه لتبرأ، فقال له النبي انتهى ما عندك، فتلا النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه صدر سورة (حم فصلت) {حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتابٌ فصلت آياته قرءاناً عربياً لقومٍ يعملون * بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون} إلى قوله تعالى {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود} فقام عتبة بن ربيعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده على يده وقال يا محمد الله والرحم، والله ما عندنا شك في صدقك ولو دعوت علينا لاستأصلنا الله وأهلكنا فاتق الله فينا فبيننا وبينك قرابة، قال قد سمعت؟ قال نعم: قال أنت وذاك، فذهب إلى قومه فقالوا ما دراءك فقال لهم ما قاله الوليد بن المغيرة، ثم قال لهم أرى أن تتركوا محمداً وشأنه فإن أصابه العرب كفيتموه بغيركم وإن ظهر فملكه ملككم وعزه عزكم وشرفه شرفكم، فقال أبو جهل لقد سحرك محمد، قال هذا رأي فاصنعوا ما بدا لكم] .

انظر كيف يؤثر كلام الله جل وعلا في قلوب العتاة المشركين في الزمن الأول، وقد كان المشركون يتوافدون على النبي عليه الصلاة والسلام في ظلام الليل عندما كان في مكة المكرمة في أول دعوته ويأتي إلى فناء الكعبة في وسط الليل ويتلو كلام الله، ليسمعوا حلاوة هذا الكلام، وكان ذلك التوافد سراً، ثبت في مغازي محمد ابن إسحاق أنه اجتمع ثلاثة من المشركين في وسط الليل أبو جهل وأبو سفيان وأبي بن شريق وهو الأخنس بن شريق ولقب بالأخنس بعد موقعة بدر عندما قال لقومه إن الله ينجي غيركم في أول الأمر فلا داعي للقاء محمد فانخنس معه من انخنس فلقب بالأخنس بن شريق واسمه أبي بن شريق، وقد آمن منهم اثنان أبو سفيان، وأبي بن شريق، وبقى أبو جهل على كفره، كان يجتمعون سراً ولا يعلم أحد باجتماع صاحبه، حتى يطلع الفجر فإذا كادوا جمعهم الطريق فسأل كل واحد صاحبه أين كنت؟ فأخبروا بالحقيقة وقال كل واحد كنت استمع إلى محمد، فقال بعضهم لبعض ويحكم إذا سمع المشركون بكم وأنت وجهاء قومكم سيفتنون بمحمد فتعاهدوا وتعاقدوا على أن لا يأتي أحد منهم في الليلة الثانية، وكل واحد ظن أن صاحبه سيفي بالوعد ولن يحضر، فاجتمع الثلاثة في الليلة الثانية مرة أخرى، فلما أسفر الفجر جمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض أين كنتم؟ فقالوا كنا نستمع إلى محمد فذكر بعضهم بعضاً بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم في الليلة الماضية، وتعاهدوا على أن لا يأتي أحد منهم في الليلة التالية ولا ما بعدها فعادوا أيضاً واجتمعوا في الليلة الثالثة، ثم بعد أن تفرقوا وتعاهدوا على ألا يعودوا ذهب أبي بن شريق وهو الأخنس إلى أبي سفيان قال أخبرني ماذا سمعت من محمد قال سمعت كلاماً عرفته وعرفت ما يراد به وسمعت كلاماً لا أعرف ما يراد به، ثم ذهب إلى أبي جهل قال أخبرني ماذا سمعت من محمد فأخبره، ثم قال له أنشدك الله هل تعلم أن محمد صادق أو كذوب؟ قال والله إنه لصادق وهو رسول الله حقاً، لكننا

تسابقنا نحن وبنو هاشم حتى كنا كفرس رهانٍ، أطعموا أطعمنا، سقوا سقينا، حملوا حملنا، ثم قالوا منا نبي يأتيه خبر السماء والله لا نتبعه أبداً، فأنزل الله عز وجل آية تشير بها إلى ما حصل من هؤلاء ويسلي بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عز وجل {قد نعم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} وحال أبي جهل وغيره من العتاة كحال عتاة نجد في العصر الأول، كما كانوا يقولون كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر، وهو مسيلمة الكذاب أحب إلينا من محمد. إخوتي الكرام.. هذا أثر القرآن، وهذا عذوبته في هذه الحياة، وأما بعد الممات فتحصل أجراً عظيماً عند رب الأرض والسماوات، كنت قد بينت أن درجة قارئ القرآن إذا حفظه وفهمه وعمل بما فيه في أعلى الدرجات لأن عدد درج الجنة كعدد آي القرآن كما تقدم معنا من إيضاح أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام، وفي هذه الموعظة أقول إن قارئ القرآن كما أنه في أعلى غرف الجنان، لأنه القرآن يشفع له هو أيضاً يشفعه الله جل وعلا في أسرته في أصحابه وفي أحبابه فهو له هذه المنزلة، شفع له القرآن ثم هو يتقدم ويشفع لعباد الرحمن كما وضح لنا ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، وليس بعد ذلك المقام من مقام. ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم، والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ورواه الطبري في تفسيره والطبراني في معجمه الكبير، والحديث في صحيح مسلم، فهو صحيح من رواية أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين، البقرة، وآل عمران، فإنهما يأتينان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما] تدافعان عن صاحبهما، هذا الإنسان حفظ البقرة وآل عمران فكيف يدخل النيران وفي قلبه كلام الرحمن.

[اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة] قال معاوية بن سلام وهو من رجال الكتب الستة توفي سنة سبعين ومائة للهجرة 170هـ ثقة عدل رضا ـ البطلة: هم السحرة، قال الإمام ابن كثير في تفسيره الجزء الأول صفحة أربعة وثلاثين 1/34 في أوائل تفسير سورة البقرة، وقوله لا تستطيعها البطلة يعني لا تستطيع السحرة حفظ سورة البقرة، وأيضاً لا تستطيع السحرة التقوذ والوصول إلى قلب فيه سورة البقرة، من حفظها صار في حصن حصين، ولا يصل إليه هذا الساحر المهين، لذلك القرآن يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه وإذا شفع القرآن لقارئه فتأهل هذا القارئ بعد ذلك للشفاعة إلى غيره، فانظر لفضل القرآن على غيره يوم القيامة كما أخبرنا عن ذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم -.

ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود، والحديث رواه الحاكم في المستدرك، ورواه البيهقي في شعب الإيمان ورواه الإمام ابن عساكر وابن الأنباري في المصاحف، وابن نصر في كتاب قيام الليل، والآجري في أخلاق حملة القرآن، ولفظ الحديث من رواية معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه يوم القيامة حلة ضوءها أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل ذلك] هذا جزاء وفضل والدي قارئ القرآن يكسيان حلة ضوءها أجمل من أجمل من ضوء الشمس في بيوت الدنيا، لو كانت الشمس في بيوتنا، فكم سينال هو عند الله، والحديث فيه زبان بن فائت المصري، وهو من رجال البخاري في الأدب المفرد وأخرج حديثه أهل السنن الأربعة إلا سنن النسائي، وهو صالح بعد قانت آداب لكن في حفظ ضعف، وهذا الحديث الذي روى من طريق يصل إلى درجة الحسن لوجود شواهد له، فمن ذلك ما رواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح على شرط مسلم من رواية بريدة بن الحصين رضي الله عنه بمعنى الحديث المتقدم وهو يشهد لحديث معاذ بن أنس، وروى له شاهد من رواية معاذ بن جبل في مسند إسحاق بن راهوية ومعجم الطبراني الكبير، ووجد له شاهد ثالث من رواية أبي أمامة الباهلي في معجم الطبراني الكبير، ووجد له شاهد رابع من رواية أبي هريرة في معجم الطبراني الأوسط، والحديث لا ينزل عن درجة الحسن لشواهده إن شاء الله، وأخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن قارئ القرآن يشفع لأهل بيته كما ثبت هذا في سنن الترمذي، ومسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة ومسند الدارمي، والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان أيضاً وهو بتفسير ابن مردويه، ورواه الإمام أبو نصر في الإباحة، وقال إسناده حسن غريب، وقد أشار الإمام الشاطبي وهو الإمام التقي الرباني الذي توفي سنة تسعين وخمسمائة للهجرة 590هـ أشار إلى فضل القرآن على تاليه وعلى والديه

في منظومته حرز الأماني فقال عليه رحمة الله: وإن كتاب الله أوثق شافعٍ ... وأغنى غناء واهباً متفضلا وخير جليس لا يمل حديثه ... وترداده يزداد فيه تجملا وحيث الفتى يرتع في ظلماته ... ومن القبر يلقاه سنا متهللا هنالك يهنيه مقبلا وروضة ... ومن أجله في ذروة العز يجتلا يناشد في أرضائه كجيبه ... واجدر به سؤلا إليه موصلا فيا أيها القارئ به متمسكا ... مجلا له في كل حال مبجلا هنيئاً مريئاً والدك عليهما ... ملابس أنوار من التاج والحلا فما ظنكم بالنجل عند جزائه ... أولئك أهل الله والصفوة الملا أولو البر والإحسان والصبر والتقى ... حلاهم بها جاء القرآن مفصلا عليك بها ما عشت فيها منافساً ... وبع نفسك الدنيا بأنفاسها البلا ورواه عدد من أئمتنا من رواية سيدنا عليّ رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من قرأ القرآن فاستظهره] أي حفظه عن ظهر قلب [فأحل حلاله وحرم حرامه شفعه الله في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت لهم النار] . ورواه الترمذي وحكم عليه بأنه غريب، وإسناد ضعيف، وله شواهد في معجم الطبراني الأوسط من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفي الإسناد جعفر بن الحارث وقد حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه صدوق ولكنه كثير الخطأ ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة، نعم حكم عليه الإمام الهيثمي في المجمع والذهبي في المغني بأنه ضعيف، ووجد له شاهد من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها، رواه الخطيب البغدادي كما نص عليه السوطي في الجامع الكبير.

إذن هذه منزلة قارئ القرآن في الآخرة، والإنسان يحصل الفائدة الأولى في الدنيا بتلذذ بمناجاة الله، وينال عظيم الأجر عند الله، ما الذي حصل بعد ذلك، واقع الأمر أن الأمر تغير وتكدر عما كان عليه وكان سلفنا يذكرون الرحمن ويتلوان القرآن ثم حصل في هذه الأمة ما حصل، وكما تقدم معنا أن المتأخرين من الصوفية عكفوا على الغناء والرقص وزعموا أنهم يتقربون بذلك إلى الله جل وعلا، وحقيقة أمرهم عجيب عجيب، متى كان العباد مغنيين راقصين وحصل في هذه الأمة كما في هذه الأيام أناس يدعون الجهاد وأنهم لا يريدون التشدق ولا الصياح إنما يريدون الكفاح، ثم بعد ذلك تخنثوا وتكسروا وقالوا الأشعار بمنتهى الميوعة مع آلات اللهو والطرب وقالوا إننا نجاهد بذلك، أمرهم عجيب، متى كان المجاهدون مطربين مخنثين، أمرهم عظيم فظيع، والله إن هذا اللهو الضلال المبين، إعراض عن ذكر الله، إعراض عن تلاوة كلام الله، أما بقصائد وأناشيد عن المخرفين من الصوفية، وأما بأناشيد الجهاد مع تكسر وخنوثة وميوعة عند من يدعون أنهم الجهاد، وهؤلاء وأولئك كما تقدم معنا علا ضلالة.

وهناك نوع ثالث، من أنواع الأشعار التي تقال وهي في الحقيقة خارجة عن موضوع البحث لأننا نحن نبحث أصالة في شناعة البدعة ووضاعتها وشنيع حال صاحبها لكن من باب استكمال جوانب البحث، كما قلت سأتلكم بصورة موجزة عن نوع ثالث من الأشعار، وجد في هذه الأيام، وعكف عليه الناس لا باسم العبادة، وإنما باسم المجون، باسم الفسق، باسم الشهوة، وهو الأغاني الماجنة الفاسدة،، نعم لا تفعل على أنها عبادة، إنما هناك أشعار زعم الصوفية أنعم يعبدون بها ربهم، وهناك أشعار زعم المجاهدون البطالون في هذه الأيام أنهم يجاهدون ويعبدون بها ربهم، وهناك أشعار بعد ذلك أشعار لهو، أشعار فسق، أشعار مجون يقولها المنحرفون في هذه الأيام ويعكفون عليها أيضاً وحال ذلك بينهم وبين ذكر الرحمن، وبين تلاوة القرآن، هذه الأشعار المجونية التي هي الأغاني الخليفة لا يرتاب أحد في تحريمها وضابط الغناء كما ذكرت سابقاص كلام موزون حقيقي يقال يتكسر وتخنث يشتمل على فحش وغنى وبذاء ذلك إخوتي الكرام ما يقوله المجاهدون في هذه الأيام قلت أنهم وافقوا الغناء في الصيغة وإن خالفوه في الموضوع والمحتوى، إن نقول الفحش والبذئ والحرام، نعم إن الغناء والمجوني جمع بين قبح الموضوع وفساد الصيغة ولإلقاء، هذه الصورة لا خلاف في تحريمها، وإذا صاحبتها آلات اللهو فالأمة محجة على تحريمها كما تقدم معنا وخلاف من خالف في العصور المتأخرة من القرن الخامس إلى هذه الإيام من شذاذ الناس فلا عبرة بخلافهم ومن كان منهم من أهل الصلاح يلتمس له العذر ونستغفر الله لنا وله، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام.. هذا الغناء كما قلت بهذا الوصف لا خلاف في تحريمه، ووجد حوله شبهٌ من قبل بعض الناس، هذه الشبه تريد أن تبرر هذا الغناء المجوني، هذا الغناء الذي هو حرام فانتبهوا إخوتي الكرام لهذا الأمر، وكونوا على بينة من ذلك.

هذا الغناء الذي فيه هذان الضابطان رداءة في الموضوع، وردائه في الصيغة، إن صاحبه شيء من آلات اللهو فلا خلاف في تحريمه، وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه سيطرأ حالاً على الأمة تستحل هذا النوع من الغناء بنوع تأويل وشبهة وإذا استحلته سيعاقبون بأشنع عقوبة ونسأل الله أن يلطف بنا، فاستمع إلى تقرير هذا من كلام نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ثبت في صحيح البخاري ومعجم الطبراني الكبير، والسنن الكبرى للإمام البيهقي، والحديث رواه ابن عساكر، ورواه الإمام أبو داود في السنن من رواية أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة يأتيهم الغفير، لحاجة ومساعدة، فيقولون ارجع إلينا غداً فيبتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة] ، الحر: جمع حر، وهي الفروج والزنى، والحرير معروف وضبط بالخاء، الخز: وهو نوع من الحرير، والعلم: أي الجبل، والسارحة: هي الماشية، أي يأتيهم الراعي الراعي بماشيتهم ليأخذوا حظهم من اللبن، فيبتهم الله، أي يدخل عليه الليل، ويضع العلم: أي يدكه ويقلبه عليهم المعازف فسرت بأمرين كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن حجر في فتح الباري عن شرح هذا الحديث وهو في كتاب الأشربة من صحيح البخاري باب فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، في الجزء العاشر صفحة خمسة وخمسين 10/55 يقول (المعازف هي: جميع آلات اللهو بلا خلاف بين أهل اللغة، ونقل عن الجوهري أن المعازف تشمل الغناء أيضاً وعليه المعازف يدخل تحتها نوعان، غناء: وهو كلام يشمل على فحش وحتى يقال بتكسر وتخنث، ومعازف: وهي آلات اللهو التي فشت في هذه الأيام.

وقال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء الحادي عشر صفحة ستة وسبعين وخمسمائة 11/576 المعازف هي آلات اللهو بلا خلاف بتعين العلماء، وهذا ما قرره الإمام ابن القيم أيضاً في كتابه إغاثة اللهفان الجزء الأول صفحة ستين ومائتين 1/260 والإمام الذهبي تعرض إلى تفسير المعازف في عدد من كتبه، انظروا مثلاً سير أعلام النبلاء الجزء الواحد والعشرين صفحة ثمانية وخمسون ومائة، وتذكرة الحفاظ في أواخر الجزء الرابع صفحة سبعة وثلاثين وثلاثمائة 4/337 بعد الألف، يقول هذا الإمام المبارك، المعازف هي جميع آلات اللهو من الدف والصنوج والشبابة والراعي، وغير ذلك، هذه كلها آلات لهو وهي المعازف، والحديث كما ترون إخوتي الكرام. أولاً: صحيح ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ودلالته واضحة صريحة في تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب، وهتان الدلالتان نازع فيهما كثيراً من بني الإنسان في هذه الأيام يقرون لكتبها من عجيب، فنازعوا في الدلالة الأولى وقالوا الحديث لا يصح، كما نازعوا في الدلالة الثانية وقالوا لا يدل علماً تحريم الغناء ولا آلات اللهو، من العازف والمزامير، ولا بد من مناقشة في هاتين الشبهتين، فكونوا على بينة من ذلك اخوتي الكرام.

أما أولاً: فالحديث صحيح وغاية من تكلم فيه من ابن حزم والذي توفي سنة ستة وخمسين وأربعمائة للهجرة 456هـ فمن بعده قالوا إن الحديث منقطع لأنه معلق والإمام البخاري يقول في صحيحه وقال هشام بن عمار وهو من شيوخ الإمام البخاري وقد روى عنه أهل الكتب الستة إلا مسلماً وقد توفي هشام بن عمار سنة خمسة وأربعين ومائتين للهجرة 245هـ، وهو من الأئمة القراء المحدثين الكبار كان أحمد بن أبي المواري، وهو أحمد بن عبد الله بن ميمون الذي توفي بعده بستة وهو ريحانة الشام، وهو ثقة عابد صالح زاهد حديثه في سنن أبي داود وابن ماجة يقول إذا حدثت في بلد فيها هشام بن عمار فينبغي للحيثي أن يتخلف، ويكفيه جلالة أن البخاري من تلاميذه، وهكذا كما قلت أهل السنن الأربعة، وقال هشام بن عمار، فقال هنا لم يشرح البخاري بالتحديث والسماع، وهذا كلام مردود لا وزن له ولا اعتبار، فهشام بن عمار من شيوخ البخاري، والتلميذ إذا روى عن شيخه بصيغة السماع أو التحديث أو الأخبار أو العنعنة أو القول فقال قال أو عن أو سمعت أو حدثني أو أخبرني كلها حكمها واحد، إذا لم يكن التلميذ من، وما وصف أحد من خلق الله إمام المحدثين وشيخ المسلمين، أعني الإمام البخاري بالتدليس فروايته عن هشام بن عمار بأي طريق كان عن أو قال أو أخبرني أو حدثني، محولة على الأثقال قطعاً وجزماً، وهذا ما أشار إليه أئمتنا الكرام في كتب المصلح فاستمع لقول شيخ الإسلام الشيخ زين الدين عبد الرحمن الأثري عليه رحمة الله عندما يقول: وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف أي هو حديث معلق، إذا حذف من مبدأ إسناده رادٍ فاكثر، أما الذي ولو إلى آخره. أما الذي عزا لشيخه يقال ... فكذا عنعنة كجز المعازف لا تصغ لأبن حزم المخالف. نعم أئمتنا كان يوردون هذا في كتب المصطلح وفي كتب الفقه ويبينون أن شذوذ ابن حزم لا ينبغي أن يؤخذ به، ولذلك قال أئمتنا في تحريم الغناء والمعازف والمزامير.

واحزم على التحريم أي حزم ... والحزم إلا تتميع ابن حزم الأمر الثاني: هشام بن عمار كما قلت من شيوخ البخاري، وقد أورد الإمام البخاري هذا الأثر في صحيحه، وقد أشترط ألا يورد فيه حديثاً صحيحاً فهو حديث صحيح على حسب شرطه. الأمر الثالث: لو سلمنا لكم أن الحديث معلقٌ وحذف من مبدأ إسناده راد فاكثر وبين البخاري وبين هشام بن عمار واسطة، لو سلمنا فالبخاري قد رواه عن شيخه بصيغة الجزم علقه عنه بصيغة الجزم، وقد اتفق أئمتنا على أن معلقات الصحيحين بصيغة الجزم محكوم بصحتها إلى من أضيفت إليه، وعيه فهذا الأثر ثابت، ومن هشام بن عمار السند متصل إلى نبينا المختار عليه الصلاة والسلام، فإذاً القول بأن هذا الإسناد صحيح وأنه حوله كلام هذا لغو ينبغي أن يطرح. الأمر الثاني: تقول إن هذه الرواية التي رواها البخاري من طريق شيخه هشام بن عمار قد وصلت، وصلت إذا كنتم ترون أنها معلقة فساقها الإمام البيهقي، وابن عساكر والطبراني بأسانيد متصلة إلى هشام بن عمار إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، ووجد متابع في سنن أبي داود بإسناد صحيح لهشام بن عمار، فإذا زال ما نخشى منه أنه يحتمل انقطاعاً في السنة.

الأمر الثالث: هذه الرواية لها شواهد كثيرة زادت على العشرة من رواية أكثر من عشرة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فيها المعنى، انظروا هذه الروايات في (إغاثة اللهفان) في الجزء الأول صفحة ستين ومائتين 1/260 فروى ما يشهد لهذه الرواية، من رواية أمنا عائشة، وعليّ رضي الله عنه، وعمران بن حصين، ومن رواية عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو، وعبد الرحمن سابط، وأنس بن مالك، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وسهل بن سعد، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، فوجد ما يشهد لهذه الرواية لو كانت ضعيفة لتقوت، فكيف وهي في صحيح البخاري وقد ثبت في سنن ابن ماجة بسندٍ صحيح في كتاب الفتن في باب العقوبات، وفي صحيح بن حبان من رواية أبي مالك الأشعري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والغنيات يخسف الله بهم الأرض ويمسخ منهم قردة وخنازير] والحديث كما قلت بإسناد صحيح، فهذا له شواهد كثيرة، فالقول بعد ذلك بأن الحديث فيه ضعف دندنة مردودة باطلة، نعم كما قلت أول من فتح الباب ابن حزم، والكلام مردود عليه، وتبعه الغزالي وهذا مردود عليه وقد توفي سنة خمسة وخمسمائة للهجرة 505هـ وتبعه محمد بن طاهر أبو الفضل المقدسي المتوفى سنة سبعة وخمسمائة للهجرة 507هـ، ويقارب هؤلاء الإمام أبو بكر بن العربي الذي توفي سنة ثلاثة وأربعين وخمسمائة هـ وكلهم أئمة أعلام لكن لا يجوز للإنسان أن يأخذ بزلل العلماء الكرام، وتقدم معنا مراراً أن من أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله، ومن تبع زلل العلماء تزندق أو كاد إخوتي الكرام، وعليه ما يثار في هذه الأيام من أن الأحاديث التي تحرم الغناء المجوني الذي ذكرته، والأحاديث التي تحرم المعازف والمزامير كلها مثخنة بالجراح، هذا كلام باطل، لا وزن له، ولا اعتبار، حديث في صحيح البخاري وقالوا عنه أنه مثخن بالجراح سبحان ربي

العظيم، وإذا شذ من شذ من بعض العلماء ورد عليهم شذوذهم وأخطأ من أخطأ من بعض العلماء ورد عليهم خطأهم، نأتي ونجعل ذلك القول حجة لنا في ترك كلام نبينا عليه الصلاة والسلام، والله إن هذا هو الباطل بعينه، إنها مثخنة بالجراح، لا ثم لا، إنها ثابتة في أصح الكتب بعد كتاب الله. إخوتي الكرام..

نشهد في هذه الأيام حملات منكرة على سنة نبينا أمام البررة عليه الصلاة والسلام، الأحاديث التي ثبتت في تحريم الغناء والمزامير والمعازف مثخنة بالجراح، وواحد آخر يوصف في هذه الأيام بأنه إمام الوسطية يقول في كتابه قذائف الحق صفحة ثلاثة ومائة صـ103، انظر إلى معاملة إلى سنن النبي عليه الصلاة والسلام، في هذه الأيام يقول وأنا شخصياً متوقف في هذا الحديث لم أنته فيه إلى حل حاسم، والحديث ما ذكره عما قريب غمس الذباب إذا وقع في الشراب ثم طرحه بعد ذلك، وهب الله شخصاً قال أنا لا أصدق حديث الذباب، هل يكون من الكافرين كلا، فما قال أن من أركان الإيمان أن نؤمن بالله واليوم الآخر وأن نغمس الذباب في الشراب كلام في ظاهره معسول لكنه في الحقيقة مستهجد مرذول، وأنا أقول لهذا ولأمثاله أليس من أركان الإيمان أن نؤمن بأن نبينا محمداً رسول الله حقاً وصدقاً، وإذا آمنا بأنه رسول الله ينبغي أن نعلم بأنه صادق فيما أخبر، ينبغي أن يطاع فيما أمر، ينبغي أن ننتهي عما عنه زجر وحذر عليه الصلاة والسلام، وعندما أخبرنا بأن في أحد جناحي الذباب داءً وفي الآخر شفاءً إذا كنا نؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام فينبغي أن نصدقه فيما أخبر وألا يترد كلامه بأوهامنا وعقولنا، وهذا الحديث ثابت من رواية ثلاثة من الصحابة ثبوت الشمس في رابعة النهار، ثابت من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد، وصحيح البخاري، وسنن ابن ماجة، وسنن أبي داود، وصحيح ابن حبان، والحديث في مسند الدارمي عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينقله فإن في أحد جناحه داءً وفي الآخر شفاءً] والحديث في صحيح البخاري، ويقول هذا العبد أنه متوقف فيه لم ينته فيه إلى حد حاسم، يا عبد الله أنت وأمثالك ضعوا عقولكم تحت أرجلكم، فوالله ثم والله لا يتحقق الآيات فيكم وفي غيركم إلا إذا جعلتم هواكم تبعاً لشرع نبيكم عليه الصلاة

والسلام. والحديث الثاني من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، إسناده كالشمس وضوحاً، وهو في المسند أيضاً وسنن ابن ماجة، ورواه الإمام الطيالسي في مسنده، وهو في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم، ومسند أبى يعلى، وإسناد صحيح من رواية أبي سعيد الخدري، وروي أيضاً من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه في مسند البزار، ومعجم الطبراني الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح، كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد الجزء الخامس صفحة سبعة وثلاثين 5/37 من كتاب الأطعمة باب الذباب إذا وقع في الإناء، يغمس ثم بعد ذلك يلقى، كلام ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية ثلاثة من الصحابة الكرام ينقل في دواوين الإسلام، يأتي بعد ذلك إنسان في هذه الأيام ويقول أنا شخصياً متوقف في هذا الحديث.

كنت توقفت فلا تضر إلا نفسك، كان ماذا، وهل سنترك سنة نبينا عليه الصلاة والسلام لتوقفك أو تقدمك، لا ثم لا، لعل ينتظر آراء الغرب ليقولوا هل هذا الكلام مقبول أو مردود ثم قال: هب أن إنساناً، وهذا الحديث، هل يطعن هذا في دين، لا ثم لا، لأن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام صارت عند الأمة في هذه الأيام كأنها كرة تضرب بالأرجل، وهكذا إخوتي الكرام يشن هذا المسلك مسلك آخر لإنسان يقال عنه في هذه الأيام أنه بخاري هذا العصر، لكن بخاري هذا العصر ما سلم منه البخاري في الأصل، صحيح البخاري ما سلم من هذا الذي يقال عنه إنه بخاري العصر، حديث في صحيح البخاري يتجرأ بكل شدة وغلظة وعنف على رده وتضعيفه مع أنه في أصح الكتب بعد كتاب الله، والحديث هو في المسند وصحيح البخاري وسنن ابن ماجة، والمنتقى للإمام ابن الجارود ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى والطحاوي في مشكل الآثار، وهو في صحيح البخاري من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه فلم يعطه أجره] يقول في تعليقه على ضعف الجامع هذا أول حديث ضعيف أورده وهو في صحيح البخاري وأنا مضطر لإيراده، من الذي اضطرك ما اضطرك إلى ذلك إلا شذوذك، ما اضطرك إلى إيراد هذا الحديث الذي هو في صحيح البخاري والحكم عيه بالضعف إلا لشذوذك، وأي بعد ذلك آمة فيه، ثم بعد ذلك تأتي بكلام الحافظ ابن حجر لتبرر به كلامك، ألا أخذت بكلام الحافظ ابن حجر في توثيق رواية هذا الإسناد والدفاع عنه وتصحيحه في الفتح، وفي هدى الساري في مقدمة فتح الباري.

إخوتي الكرام: إن سنة النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الأيام يحصل حولها ما يحصل وليس للسنة إلا ربنا الرحمن لك الله يا سنة خير خلق الله عليه الصلاة والسلام، هذا يقول عنها مثخنة بالجراح، وذاك يقول عنها إنه متوقف فيها، وهذا يقول عنها إنها ضعيفة، رفقاً بأنفسكم واتقوا ربكم، وإذا تركت أيضاً من يتكلم عن الحديث، وذهبت إلى جانب من يفتي لقلت إن كثيراً من المفتين في هذا الحين إنهم أحق بالسجن من السارق كما قال شيخ الإسلام الإمام ربيعة لرأي توفي سنة ستة وثلاثين مائة للهجرة 136هـ وهو إمام ثقة عدل ففيه شيخ الإمام مالك عليهم جميعاً رحمة الله، يقول كما ينقل عنه الإمام ابن عبد البر في آخر بيان العلم وفضله الجزء الثاني صفحة واحد ومائتين 2/201 وهو قبل نهاية الكتاب بثلاث صفحات، يقول إن كثيراً ممن يفتي في هذه الأيام (وهذا في القرن الثاني) أحق بالسجن من السارق فماذا تقول أيها الإمام لو أدركت زماننا ورأيت من يفتي يبرر لبث الصليب وأن الصليب إذا لبث لأنه جرت به الأعراف الدولية. فلا حرج على لابسه ولا ضير، كيف لو أدركت حالنا أيها الإمام؟ إذا كان في العصر الثاني بعض من يفتي أحق بالسجن من السارق فماذا يقول ربيعة لو أدرك الأمة في هذه الأيام. إخوتي الكرام: ينبغي أن نجعل هو أن لشرع نبينا - صلى الله عليه وسلم - فهذا الحديث حديث صحيح ودندنة من دندن حوله مردود عيه دندنته، ولا عبرة لكلامه ولا باعتراضه،

وأما اللفظ الثاني الذي أثاروا حول الحديث قالوا على التسليم أن المراد بالمعازف الغناء والمعازف هي أيضاً آلات اللهو فهذا الحديث لا يفيد تحريمها. لم؟ قال: لان هذه الدلالة اقتران، المحرم هو مجموع هذه الأمور، هؤلاء يكونون عند العلم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، فالوعيد لمن قرن بين هذه الأمور الأربعة، أما إذا غنَّى أو استعمل آلات اللهو والطرب فلا حرج عيه ولا عار، العار لأن العزف اقترن بخمر واقترن باستحلال الزنا واستحلال الحرير، فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة واقترنت هذا حرام. وأنا أقول إنكم قلتم قولاً يضحك البهائم، فهل إذا استحل الإنسان الزنا بمفرده ليس بحرام؟ وهل إذا استحل الخمر فقط دون معازف فهو حلال؟ وهل إذا استحل الزنا فقط فهو حلال؟ وهل إذا استحل الحرير فقط فهو حلال؟ من قال هذا، إن هذه الأمور الأربعة إذا اجتمعت يزداد التحريم والتأثيم، وإذا وجد واحد منها ففعلها أيضاً حرام. وعندما قال الله في كتابه في سورة الحاقة، في حق فيمن يؤتى كتابه بشماله، ويأخذ كتابه بشماله، يقول الله جل وعلا: في {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض على طعام المسكين *} فإذاً فيه صفتان، فما أعظم الرحمن، ولا أشفق على عباد الرحمن، لكنه كان يساعد المساكين، هل هذا سيدخل جنات النعيم؟ تقول دلالة الاقتران، لابد أن توجد فيه الصفتان؟ من قال هذا؟ فإذاً هنا قول النبي عليه الصلاة والسلام [يستحلون الحر] حرام بمفرده أو أن اجتمع مع محرم غيره؟ والحرير والخمر والمعازف. اخوتي الكرام: إن الغناء محرم بلا خلاف عند أئمة الإسلام، وكما قلت كلامنا في هذه الموعظة مختصر حول هذا الأمر، وسأختمها بالمقاصد التي من أجلها حرم الله علينا الغناء والمعازف والمزامير، وأبرز هذه المقاصد أمران.

الأول: منها، إن الغناء يحرك الشهوات ويثير الغرائز إلى فعل المحرمات، فهو كما قال سيد المسلمين الفضيل بن عياض عليه رحمة الله رقبة الزنا، ووالله هو أنجى الرقي في الوصول إلى هذه الجريمة المحرمة، ومن تتمنى زنا وتمني. والآفة الثانية: التي من أجلها حرم علينا الغناء، أنه يصدنا عن ذكر الله، يصدنا عن تلاوة كلام الله حيث يجعل في قلب الإنسان نفاقاً، فالغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب، ولذلك من عكف على الغناء ينحرم من سماع القرآن وأعرض عن ذكر الرحمن، ورضي الله عن الإمام الضحاك عندما قال (الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب) ولذلك قال الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز لمؤدب أولاده ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بُغْضُ الغناء الذي مبدؤه من الشيطان ونهايته سخط الرحمن.

إخوتي الكرام: كما قلت لا يسلم لهؤلاء منازعتهم حول صحة الحديث ولا حول دلالته، فالحديث صحيح ودلالته واضحة صريحة في أن من عكف على الغناء والمعازف والمزامير واستحلها فهو مهدد بعقوبة من الله الجليل بأن يمسخ قرداً وخنزيراً، بأن يخسف الله به الأرض، وأما ما قاله بعض المعاصرين، في توجيه حديث سند ابن ماجة الذي ذكرته وصحيح ابن حبان أنه [أناس يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها، ويعزف على رؤوسهم بالمغنيات والمعازف يخسف الله بهم الأرض، ويمسخ منهم قردة وخنازير] قال إن هذا المسخ ليس بلازم إن يكون في الصورة والحقيقة، إنما تمسخ القلوب والأرواح فيصبح الواحد إنساناً في صورة إنسان ولكنه في الحقيقة في نفسه خنزير، نفسه خنزير وروح قرد، سبحان ربي العظيم، ما هذا التكلف ولم هذا التنطع في تأويل الحديث، هلا أولت إذاً الصفة الأولى، وهي يخسف الله بهم الأرض، هل هذه مؤولة أم على ظاهرها؟ هلا قلت فيها يخسف الله بهم الأرض إلا يجعل لهم مكانة عليها، كما أولت الصفة الثانية، وهلا تلاعبت في شقي الحديث، أم تلاعبت في شقه الآخر يمسخهم الله قردة وخنازير على وجه الحقيقة، ويخسف الله بهم الأرض على وجه الحقيقة، هذه عقوبة مهدد بها من فعل هذا وفعل هذا العقوبة موكول إلى مشيئة الله وقد وقع المسخ في الأمم السابقة وهو واقع في هذه الأمة، نسأل الله أن يلطف بنا وأن يرحمنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول واستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم على الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام: كما قلت إن تحريم الغناء وآلات اللهو من جميع آلات المعازف لا خلاف في تحريمها عند أئمتنا، والإمام بن القيم له كلام كثير حلو جميل في تقرير هذا سأقتطع منه أمراً ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أبداً، ألا وهو، إن الأمر إذا اشكل علينا هل هو مباح أو حرام فلننظر إلى ثمرته، والأثر الذي يترتب عليه، فإن ترتب عليه ثمرة حسنة وثمار طيب فهو مباح حلال، وإن ترتب عليه آثار ضارة سيئة فهو حرام قطعاً وجزماً.

يقول في مدارج السالكين الجزء الأول صفحة ستة وتسعين وأربعمائة 1/496 القاعدة الثالثة، إذا أشكل على الناظر أو على السالك حكم شيء هل هو الإباحة أو التحريم فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته، فإن كان مشتملاً على مفسدة راجحة ظاهرة فإنه يستحيل على الشارع الأمر به أو إباحته، بل العلم بتحريمه من شرعه قطعي لا سيما إذا كان طريقاً مفضياً إلى ما يغضب الله جل وعلا ورسوله - صلى الله عليه وسلم - موصلاً إليه عن قرب وهو رفعه له ورائد له وبريد له، فهذا لا يشك في تحريمه أولو البصائر فكيف بظنه بالحكم الخبير إن يحرم مثل رأس الإبرة من المسكر لأنه يسوق النفس إلى السكر، التي يسوقها إلى المحرمات ثم يبيح ما هو أعظم منه سوقاً للنفوس إلى الحرام بكثير، لا يمكن في حكمة ربنا أن يحرم قليل الخمر لأنه يسوق إلى السكر الذي يترتب عليه فعل المحرمات ثم يبيح الله سماع الغناء والمعازف التي هي أعظم سوقاً للنفس إلى المحرمات من الخمر بكثير، فإن الغناء هو رقية الزنا، وقد شاهد الناس إنه ما عاناه صبي إلا فسد ولا امرأة إلا وبغت، ولا شاب إلا، وإلا، ولا شيخ إلا وإلا، والعيان من ذلك يفتى عن البرهان، ولا سيما إذا جمع ـ أي الغناء ـ هيئة تحدوا النفوس أعظم جدو إلى المعصية والفجور ـ يعني كان المغني بصورة حسنة بأن يكون على الوجه الذي ينبغي لا من المكان وإلا مكان والعشراء والأخوان، وآلات المعازف من والدف والأوتار والعيدان وكان القوال شادن شجي الصوت لطيف الشمائل من المردان ذو النسوان وكان القول في العشق والوصال والصد والهجران. وقال في الإغاثة صفحة سبعة وأربعين ومائتين صـ247 كم من حرة صارت بالغناء من البغايا وكم من حر أصبح به عبداً للصبيات وللصبايا، وإذا اجتمع إلى هذه الرقية، وهي الغناء ـ الدف والشبابة والرقص بالتخنث والتكسر فلو حبلت المرأة من غناء من غير جماع لحبلت من هذا الغناء، لما يؤثر فيها.

هذا اخوتي الكرام متفق على تحريمه بين أئمتنا، نعم ما نقل عن بعض أئمتنا الكرام من الترخص في الغناء، فقلت إنه غناء من حيث التسمية لا من حيث الحقيقة فهي أشعار كما تقدم معنا جزلة فصلة ترقق القلوب تذكر بالآخرة، تزهد في الدنيا، هذا ما كان يقوله أئمتنا كما تقدم معنا من تقرير كلام الإمام أحمد وغيره عليهم جميعاً رحمة الله جل وعلا. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً ورزقنا اتباعه وحببنا فيه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه، اللهم اجعل هوانا تبعاً لشرعك بفضلك ورحمتك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم صل على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم احسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لمن جاوره من المسلمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات وصل الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. والحمد لله رب العالمين.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .

ثمرة الخوف في الدنيا

ثمرة الخوف في الدنيا (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم ثمرة الخوف في الدنيا الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين..

لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص كما قرر ذلك أئمتنا الأكياس، فخير بقاع الأرض وأحبها إلى الله عز وجل المساجد فهي موطن نوره وفيها هداه وإليها يأوي الموحدون المتهدون وقد أشار الله إلى هذا في آية النور في سورة النور فبعد أن ذكر آية النور ذكر المكان الذي يوجد فيه ذلك النور فقال ربنا العزيز الغفور: {الله نور السموات والأرض} ثم قال جل وعلا: {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال} وفيه نعت الله جل وعلا هؤلاء الرجال بأربع خصال ليدلك على أنهم بلغوا رتبة الكمال لا تلهيهم البيوع والتجارات عن الغاية التي من أجلها أوجدهم رب الأرض والسموات، يصلون لله ويذكرونه ويعظمونه ويشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم، يبذلون ما في وسعهم استعداداً للقاء ربهم {يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} .

اخوتي الكرام: وكنا نتدارس الصفة الرابعة من أوصافهم ألا وهي خوفهم من ربهم جل وعلا، فهم مع إحسانهم في ما بينهم وبين ربهم وفي ما بينهم وبين عباد الله جل وعلا ومع ذلك يخافون الله عز وجل، نعم إن الخوف من رب الأرض والسموات والحزن في هذه الحياة تلقيح للأعمال الصالحات، وكلما كمل علم الإنسان وتمت معرفته على التمام اشتدت خشيته من ذي الجلال والإكرام، بذلك نعت الله عباده العلماء الطيبين المخلصين فأشار الله جل وعلا إلى حال العلماء السابقين على هذه الأمة المرحومة المكرمة فقال في آخر سورة الإسراء: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً * وقرءاناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكثٍ ونزلناه تنزيلاً * قل آمنوا به أو لا تؤمنوا، إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً * ويقولون سبحان ربنا إنَّ كان وعد ربنا لمفعولاً * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً *} . نعم هذا هو نعت العلماء المخلصين المخلَصين، ولذلك قال شيخ الإسلام الإمام عبد الأعلى اليمني عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين، قال: كما في كتاب الزهد للإمام عبد الله بن المبارك، والأثر رواه أبو نعيم في الحلية وابن أبي شيبة في المصنف، ورواه أيضاً الإمام الطبري في تفسيره، وهو في تفسير ابن المنذر وابن أبي حاتم رحمة الله عليهم جميعاً، يقول هذا العبد الصالح عبد الأعلى التميمي (من أوتي م العلم مالا يبكيه لم يؤت علماً لأن الله نعت العلماء بالبكاء من خشيته جل وعلا فقال: {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً * ويقولون سبحان ربنا إنَّ كان وعد ربنا لمفعولاً * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً} .

وكان هذا العبد الصالح يقول كما في الحلية (شيئان أمران قطعا عني لذة الدنيا ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل) {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} وإذا كان هذا هو نعت العلماء الصالحين السابقين فهذا هو أيضاً نعت العلماء الطيبين المخلصين من هذه الأمة المباركة المرحومة، يقول الله جل وعلا في سورة فاطر: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمراتٍ مختلفاً ألوانها * ومن الجبال جددٌ بيضٌ وحمرٌ مختلفٌ ألوانها وغرابيبُ سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء، إن الله عزيزٌ غفور} فهؤلاء الأكياس أحسنوا صلتهم برب الناس وبالخالق جل وعلا ومع ذلك اتصفوا بالخشية والخوف من جل وعلا فقال: {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} {إنما يخشى الله من عباده العلماء} . نعم اخوتي الكرام: هذا نعت عباد الله الطيبين المقربين المحسنين الذين أحسنوا العمل وخافوا من الله عز وجل، قال الله عز وجل في سورة الزمر: {أمَّن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكرُ أولوا الألباب} . والمراد بالذين يعلمون هم الذين يخافون الحي القيوم ونعتهم كما تقدم في أول الآية الكريمة قائمون لله خاشعون لله مخبتون لله يحذرون الآخرة ويرجون رحمة الله {أمَّن هو قانتٌ آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولوا الألباب} .

وقد بوَّب الإمام الدارمي عليه رحمة الله في المقدمة من سننه باب يشير به إلى العلم الخشية وتقوى الله عز وجل، ثم نقل عن عدد من أئمتنا الكرام ما يقرر هذا الأمر فمن ذلك ما نقله عن مجاهد بن جبر رحمه الله ورضي عنه أنه قال: (الفقيه من يخاف الله عز وجل) ونقل عن سيد التابعين وإمام المسلمين الحسن البصري عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين أنه قال: (إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمر دينه المقبل على عبادة ربه) {إنما يخشى الله من عباده العلماء} . اخوتي الكرام: هذا هو نعت عباد الله الطيبين المقربين، هذا هو نعت من يعمرون بيوت مالك يوم الدين في هذه الحياة {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . اخوتي الكرام: وقد وعدت أن نتكلم على هذه الصفة الرابعة ضمن أمرين اثنين ضمن بيان صفة الخوف وضمن لباب الأمر الثاني المتعلق بيوم القيامة وما يكون فيه، أما صفة الخوف فكما تقدم معنا سنتدارسها ضمن أربعة أمور أيضاً في تعريف الخوف وفي منزلة الخوف في شريعة الله جل وعلا، والأمر الثالث في ثمرة الخوف، والأمر الرابع في أسباب خوف المكلفين من رب العالمين، وقد مضى الكلام على الأمر الأول والثاني، وكنا نتدارس الأمر الثالث المتعلق بمباحث الخوف في ثمرات الخوف، وقد قررت اخوتي الكرام أن الخوف له ثمرات طيبة في العاجل والآجل في الدنيا والآخرة، فالذين يخافون رب العالمين لهم العز والتمكين في هذه الحياة وسيكون الله معهم في جميع الأوقات وسيتولى أمرهم وسيخذل أعداءهم وهو على كل شيءٍ قدير. نعم إن من خاف الله خوف الله منه كل شيء، وإن من لم يخف من الله عز وجل خاف من كل شيء، وقد قررت هذا اخوتي الكرام فيما مضى وأزيده شيء من الإيضاح في أول هذه الموعظة لأنتقل إلى ثمرات الخوف بعد ذلك في الآجل والآخرة.

اخوتي الكرام: إن من خاف ذا الجلال والإكرام لا يهاب المخلوقين ولا يبالي بكيدهم أجمعين، وكيف يخافهم وهو يأوي إلى القوي المتين.. إلى رب العالمين.. إلى الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، هل يخاف العباد من خاف رب العالمين؟ لا ثم لا، فإذا دخل الخوف في قلب الإنسان من ذي الجلال والإكرام لن يخاف أحداً في هذه الحياة مهما كان شأنه، وكيف يخافه والله سيكفيه أعداءه وسينتقم من أعدائه من حيث لا يحتسب {أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه، ومن يضلل الله فما له من هادٍ * ومن يهد الله فما له من مضل، أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام} أليس الله بكافٍ عبده؟ بكافٍ عبده المؤمن الذي أحبه وخافه ورجاه فقامت عبادته على هذه الأمور الثلاثة سيكفيه الله جل وعلا كل شيء ضر ومكر وسيتولى أمره وسينصره في هذه الحياة، وهو على كل شيءٍ قدير، أليس الله بكافٍ عبده؟ وما نسي به هنا العبد بأنه نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فهذا من باب تفسير العبد بأشهر ألفاظه وبأشرف أنواعه، فأول ما يدخل في المعنى بهذا اللفظ نبينا - صلى الله عليه وسلم - فهو الذي حقق العبادة للرحمن على وجه التمام، أحبه وخاف منه ورجاه، لكن الأمر عام في كل موحد، أليس الله بكافٍ عبده؟ بكافٍ عبده الموحد إذا وحده فأفرده بحبه وخوفه ورجائه {ويخوفونك بالذين من دونه، ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام} .

وإذا كان الله عزيزاً سبحانه وتعالى ينتقم ممن عصاه وممن عاد أولياءه فسيكفي عبده الموحد ضر العباد وسيدفع عنه كيدهم من حيث لا يحتسب، وقد قرأ الأخوان حمزة والكسائي من السبع وأبو جعفر من العشرة يزيد بن القعقاع وخلف من العشرة أيضاً والقراءتان متواترتان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بصيغة الجمع وهو يقرر ما ذكرت {أليس الله بكافٍ عباده} عباده الموحدين، ويدخل في هذا دخولاً أولياً أنبياء الله ورسله وكل موحد حقق التوحيد في هذه الحياة، {أليس الله بكافٍ عبده، ويخوفونك بالذين من دونه، ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل، أليس الله بعزيزٍ ذي انتقام *} وقد أشار الله إلى هذا التقرير الذي ذكرته في أول سورة غافر فقال جل وعلا: {حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} {ذي الطول} ذي الغنى والتفضل، فهو الغني سبحانه وتعالى، وهو المتفضل على عباده لا إله غيره لا رب سواه، {إليه المصير * ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد * كذبت قبلهم قوم نوحٍ والأحزاب من بعدهم وهمَّت كل أمةٍ برسولهم ليأخذوه، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم، فكيف كان عقاب *} {أليس الله بكافٍ عباده} {فأخذتهم، فكيف كان عقاب * وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} كما علموا في هذه الحياة وانتقم منهم رب الأرض والسموات سيلقيهم في الآخرة في أسفل الدركات وهو على كل شيءٍ قدير، {فأخذتهم، فكيف كان عقاب * وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} . اخوتي الكرام: إن من حقق توحيد ذو الجلال والإكرام فأفرد ربه بخوفه وبحبه ورجائه لا يخشى أحداً إلا الله جل وعلا، وقد تقدم معنا تقرير هذا موسعاً مفصلاً وسأختمه بقصتين اثنتين ثم انتقل إلى ثمرة الخوف في الآجل والآخرة إن شاء الله.

القصة الأولى: رواه أئمتنا الكرام أبو نعيم في الحلية وغيره في ترجمة العبد الصالح شقيق بن إبراهيم أبي على البلخي الذي توفي سنة أربعة وتسعين ومائة للهجرة 194هـ وقد تقدم معنا ذكر كلامه اخوتي الكرام في أول الموعظة الماضية عندما قال: (مثل المؤمن كمثل من يزرع نخلاً ويخشى أن يحمل شوكاً، ومثل المنافق كمثل من يزرع شوكة ويطمع أن يحمل ثمراً) هذا العبد الصالح من العلماء الربانيين ومن الزهاد الصالحين ومن الغزاة المجاهدين حضر مرة في غزوة مع الكفار فلما اشتدت الحال فبدأت الرؤوس تندر (تسقط) والسيوف تكسر والرماح تقصص، أمسك هذا العبد الصالح أبو علي شقيق البلخي بيد تلميذه وصاحبه حاتم بن الأصم رحمة الله عليهم فقال: (كيف تجد نفسك؟ هل تجد نفسك كليلة عرسك، قال: لا ولكني أجد نفسي كأني في ليلة عرسي، رؤوس تقطع وسيوف تكسر، رماح تقصص ومع ذلك هذا العبد مطمئن القلب ربه جل وعلا يعلم أن الله سيتولاه، كيف وقد أفرده بحبه وخوفه ورجائه فقال له لكني أجد نفسي كيوم عرسي، يقول حاتم الأصم: ثم وضع هذا العبد الصالح شقيق البلخي درقته وهي الترس المصنوع من الجلد وضعه بين الصفين ونام حتى إني لأسمع غطيطه، أسمع غطيطه والحال كما ذكر رؤوس تقطع ورماح تقصص وسيوف تكسر ومع ذلك ينام بين الصفين وينزل الله النعاس عليه أمنة منه ورحمة و، نعم هذا حال الموحد الذي أفرد الله جل وعلا بحبه وخوفه ورجائه.

اخوتي الكرام: وهذا العبد الصالح يقول عنه الإمام الذهبي في ترجمته في الجزء التاسع صفحة أربعة عشر وثلاثمائة 9/314 من سير أعلام النبلاء (كان من المتألهين والعباد الزاهدين ومع ذلك كان من رؤوس الغزاة والمجاهدين، وهذا العبد الصالح من أئمة الصوفية الصادقين المتقدمين وقد كثر لسبطٍ في هذا الحين حوله الصوفية وأنهم كثير من الناس هذه الفرقة المتقدمين والمتأخرين منهم بالضلال وهذا عين الضلال، فالإنصاف أن توزن أعمال الإنسان على حسب كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فهذا العبد الصالح من العلماء الربانيين وله لسان صدق في هذه الأمة وما ترجمه هو وغيره من أئمة التصوف الصادقين إلا وأثنى عليه أئمتنا الذين نرجع إليهم في التوفيق والتعديل والتجريح، عباد الله وكان هذا العبد الصالح رحمة الله ورضوان الله عليه يقول كلاماً حقيقته يخرج هذا الكلام من مشكاة النبوة ومن توحيد الله الخالق، فكان يقول كما في الحلية وغيره (من شكا مصيبته إلا غير ربه حرمه الله حلاوة العبادة) من عبد الله مأتي سنة ولم يعرف هذه الأربع ولم يقم بها فلم يفلح ولن ينجح وأن يعرف ربه جل وعلا وأن يعرف حق الله عليه وأن يعرف نفسه وأن يعرف عدوه وعدو ربه جل وعلا، ومن كلامه الطيب كان يقول: (ميز بين من تعطيه وبين من يعطيك، ميز بين ما تعطي وما تعطي، فإذا كان من تعطيه أحب إليك من مَن يعطيك فأنت عامل من عمال الآخرة، وإذا كان من يعطيك أحب إليك من مِن تعطيه فأنت عامل من عمال الدنيا) عبد صالح من العلماء الربانيين.

نعم إذا كان عامة من ينتسب في هذا الوقت إلى التصوف دجاجلة إلا من رحم ربك فلا يجوز أن نحمل وزرهم للصالحين والصادقين، لكنني أريد عند هذه القصة فيمن يبحثون في التصوف ويرون أنه جاء من عباد الهنود والبقر ومن المجوسية وغير ذلك وأن الصوفية عطلوا الجهاد في سبيل الله، أريد أن أقول لهؤلاء الذين ملئوا الدنيا جعجعة باسم التوحيد والعقيدة عندما توقعتم وقوع معمعة عليكم لجئتم إلى من لعنه الله من فوق سبع أرقعة حتى إن بعضكم وصل به الأمر أن برر لبس الصلبان إذا وجدت به عادة البلدان، هل التوحيد والعقيدة كلام يقوله الإنسان أم سلوك يترجمه في هذه الحياة يدل على إيمانه برب الأرض والسموات، أي عقيدة وأي توحيد وأي توكل على الله المجيد إذا دخلنا في كنف من لعنه الله وغضب عليه، ثم ندعي بعد ذلك أننا أهل توحيد وأننا أهل عقيدة باسم التوحيد وباسم العقيدة، ترك التوحيد وترك العقيدة، ليست العقيدة ولا التوحيد كلاماً يقال باللسان، وإذا كان الصوفية في هذه الأيام أساؤوا إلى الصوفية السابقين فإن من ينتسبون إلى السلف في هذه الأيام من ينسبون أنفسهم زوراً وبهتاناً حقيقة أساؤوا إلى سلفنا الكرام الطيبين، أي توحيد هذا أن نخاف من المخلوق وأن ندخل في كنف كافر من أجل عرض من الدنيا لا وزن له ولا اعتبار، أي توحيد هذا؟ وانظر لهذا الموحد الصادق رؤوس تقطع سيوف تكسر ورماح تقصص ثم يقول لأصحابه هل تشعرون أم أنكم في ليلة عرسكم، فإذا قال له بعضهم لا يقول أنني أشعر كأنني ليلة عرسي، والله هذا هو التوحيد وهذه هي العقيدة الحقة الصادقة التي علمها نبينا - صلى الله عليه وسلم - لهذه الأمة. اخوتي الكرام: لابد من وعي ولا داعي بعد ذلك لجعجعة في هذه الأيام لا وزن لها ولا اعتبار عند ذي الجلال والإكرام.

والقصة الثانية: التي سأذكرها في بيان أمر الخوف في هذه الحياة عندما يتصف الإنسان بالخوف من رب الأرض والسموات، عفان بن مسلم بن عبد الله من أئمتنا الكرام الأبرار توفي سنة عشرين ومائتين للهجرة 220هـ إمام ثقة حديثه في الكتب الستة، هذا العبد الصالح هو أول من امتحن في محنة خلق القرآن، فاستدعاه إسحاق بن إبراهيم الذي كان أميراً على العراق مدة ثلاثين سنة 30سـ متتالية من قبل حكام بني العباس من المامرن فمن بعده، وكان هذا العبد إسحاق بن إبراهيم كما يقول عنه الإمام بن كثير في البداية والنهاية كان على حال أسياده وكبرائه وممن قال الله فيه وفي أمثاله {ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً} هذا العبد إسحاق عندما استدعى هذا الإمام الصالح عفان بن مسلم وهو أول من امتحن في محنة خلق القرآن قبل الإمام أحمد بن حنبل وقبل غيره من الأئمة الكرام فعرض عليه كتاب الخليفة المأمون الذي أرسل به من الجزيرة إلى العراق ليبدأ بمحنة علماء الإسلام وليبدأ بعفان فعرض عليه الكتاب وهل تقر بأن القرآن مخلوق؟ فقال أيها الأمير، أقرأ قول الله الجليل:

{قل هو الله أحد الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد *} أمخلوق هذا؟ قل هو الله أحد، أمخلوق هذا؟ فقال: دع عنك هذا الكلام فهذا كتاب الخليفة فإن قلت إنه مخلوق كتبت إليه بذلك وقد أمرني إذا قلت بذلك وأن أبقيك على أمرك وأن يجري عطاؤك كما كان، وكان يسرف له في كل شهر خمسمائة درهم، فإن بقيت أجري عليك العطاء، فقد أمرني الخليفة بقطع العطاء عنك، قال: سبحان الله تقطع عطائي، وإذا قطعت عطائي فهل قطعت رزقي والله يقول في كتابه {ورزقكم في السماء وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} هذا هو التوحيد الخالص، تهددني بقطع رزقي والله يقول {ورزقكم في السماء وما توعدون * فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} فقال له الأمير: قم فقد قطعنا عطاؤك، فقام عفان بن أسلم ودخل إلى بيته وفيه أزواجه وأولاده وقد بلغوا أربعين نفساً، فعزلوه ولاموه وقالوا هل لا ينتفي الكلام من أجل هذا الحطام، من أجل عرض الدنيا فقال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب} فلما حان المغرب قرع الباب فجاء رجل في صورة سمان أو زياد قال: أبا عثمان ثبتك الله على الصراط كما ثبت الإسلام، وهذه ألف درهم تصل إليك في كل شهر على الدوام، قطع عنك خمسمائة فهذه ألف درهم ولا يعرفه {ولا يعلم جنود ربك إلا هو} أبا عثمان ثبتك الله على الصراط كما ثبت الإسلام، ولما امتحن بعده أبو نعيم الفضل بن دكين وهو من أكابر الشيوخ البخاري ومن أئمتنا الكرام وحديثه في الكتب الستة هدد أيضاً بقطع الرزق قطع زراً من قميصه ورمى به إلى جهة الأمير وقال: ما دنياكم عندي إلا أقل من هذا الزر، وما قطع رقبتي عندي إلا أقل من هذا الزر. تخوفوننا بشيءٍ لا وزن له ولا اعتبار، هذا هو التوحيد وهذا الذي كان عليه أئمتنا الأبرار، وقد تولاهم الله وأعزهم الله وجعل لهم لسان صدق في هذه الأمة.

اخوتي الكرام: هذه هي ثمرة التوحيد في العاجل، إن الإنسان يكتب له العز والتمكين والنصر المبين فيتولى الله أمره في كل حين، وأما في الآجل في الآخرة فحدث ولا حرج عن الثمرات اتي يقطفها من خاف رب الأرض والسموات، إنه سيكون في أمن في ذلك اليوم العصيب الرهيب، وسيكون بعد ذلك {في جنات ونهر * في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر} أشارت آيات القرآن الكريم إلى هذا في كثير من المواضع والأماكن منها قول الله جل وعلا في سورة البينة: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية * جزاؤهم عند ربهم جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، رضيَ الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشيَ ربه} لمن خاف الله. {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} ويقول ربنا الملك في سورة الملك: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجرٌ كبير} وهكذا يقول الله جل وعلا في سورة ق بعد أن ذكر عقوبة الكافرين ومن لم يخف منه في هذه الحياة الدنيا فقال جل وعلا: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد * وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أوابٍ حفيظ * من خشيَ الرحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد*} يزيدهم الله كرامات أعلاها النظر إلى نور وجه رب الأرض والسموات، ثبت هذا في تفسير الطبري وغيره من رواية على وأنس بن مالك رضي الله عنه، {لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد} هو النظر إلى وجه الله المجيد. إذاً هذه هي ثمرة الخوف في الآجل في الآخرة، وقال جل وعلا في سور الرحمن {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} وهاتان الجنتان تكونان للسابقين المقربين وجنتان أيضاً بعد ذلك تكونان للتابعين أصحاب اليمين كما قال الله عز وجل {ومن دونهما جنتان} {ولمن خاف مقام ربه جنتان} .

روى الإمام بن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة عمر بن جامع والأثر رواه البيهقي في شعب الإيمان كما في تفسير الإمام ابن كثير وتفسير والدر المنثور للإمام السيوطي (أن شاباً في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه علقت به وهو يته امرأة حسناء فعرضت نفسها عليه ولا زالت تراوده وتلح عليه حتى استجاب إليها بعض الشيء، وهم أن يدخل معها البيت فتذكر قول الله جل وعلا: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} والطائف هو الخيال الذين يدور خيال من الشيطان وسوسة تدور حولهم لا ترسخ في أذهانهم ولا في قلوبهم {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} وفي قراءة متواترة أيضاً عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - {إن الذين اتقوا إذا مسهم طيفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} أي لمة وخطرة وتخطر في قلوبهم {إن الذين اتقوا إذا مسهم طيفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} . والقراءتان متواترتان عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فلما استحضر الشاب هذه الآية صعق وخر مغشياً عليه، فلما صحى أخذته الحمى وبدأت به الرعدة الشديدة حتى مات رحمه الله وغفر له، فبعد أن دفن جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين إلى والده وعزاه ثم سيدنا عمر رضي الله عنه مع الصحابة الكرام إلى قبر هذا الفتى ونداه يا فتى: قال الله عز وجل {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} فنادى الفتى من قبره: نعم يا أمير المؤمنين قد أعطانيها رب العالمين {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} .

وكما قلت اخوتي الكرام جنتان للسابقين وجنتان للتابعين أصحاب اليمين، كما ثبت هذا عن نبينا الأمين - صلى الله عليه وسلم - ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن أبي داود، والحديث رواه الإمام الطبري في تفسيره وابن أبي شيبة في مصنفه ورواه البيهقي في الأسماء والصفات وفي كتاب الأعتقاد وفي كتاب البعث وفي كتاب شعب الإيمان، ورواه أبي حاتم في تفسيره وابن المنذر في تفسيره أيضاً والإمام ابن مندفة رد على الجهمية وهو في أعلى درجات الصحة لإخراج الشيخين له من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول [جنتان من ذهب آنيتها وما فيها وجنتان من فضة آنيتها وما فيها وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن] والحديث رواه الحاكم في المستدرك أيضاً وابن أبي حاتم في تفسيره وابن المنذر في تفسيره وابن مردويه في تفسيره عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه موقوفاً عليه وله حكم الرفع إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: [جنتان من فضة آنيتها وما فيها للتابعين] والحديث رواه الإمام بن جرير الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم في تفسيره بسند صحيح كما قال ذلك الإمام ابن حجر في فتح الباري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعاً إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال [جنتان من ذهب آنيتها وما فيها للسابقين وجنتان من ورق (معنى من فضة) آنيتها لأصحاب اليمين] {ولمن خاف مقام ربه جنتان * فبأي آلاء ربكما تكذبان} ولا بشيءٍ من آلائك ربنا نكذب ولك الحمد، ثم قال جل وعلا في وصف هاتين الجنتين ما قال {ذواتا أفنان} ثم انتقل إلى الجنتين الأخريين فقال جل وعلا: {ومن دونهما جنتان * مدهامتان} إلى آخر ما نعت الله به الجنتين اللتين تكونان للسابقين والجنتين اللتين تكونان لأصحاب اليمين.

اخوتي الكرام: وتثنية الجنة هنا يراد منه حقيقته وما شذ به النزاع فقال: إن الجنة الواحدة تكون للسابقين وجنة ثانية تكون لأصحاب اليمين وثني هذا اللفظ على عادة العرب في تثنية الجنة ولا يوجد في الحقيقة جنتان، فهذا لبسط وصفصفة كما رد عليه أئمتنا الكرام وكل هذا باطل لا يجوز أن يعول عليه فهو خلاف القرآن وخلاف ما أخبر به نبينا - صلى الله عليه وسلم - لدخول مؤمني الجن الجنة كما يدخل مؤمني الإنس الجنة لأن الله جل وعلا يقول لمعشر الإنس والجن {فبأي آلاء ربكما تكذبان * ولمن خاف مقام ربه جنتان*} . وهذا هو المعتمد عند أهل السنة الكرام في مؤمن الجن من أقوال أربعة، قيلت في ذلك هذا أرجحها وهو المعتمد فيها وقيل إنهم يكونون في ربط الجنة ولا يتمتعون كما نتمتع به ونراهم ولا يروننا كما أنهم في الدنيا يروننا ولا نراهم ولا دليل يدل على ذلك وقيل أنهم يكونون على الأعراف، وقيل تتوقف في شأنهم ونكل أمرهم إلى ربهم جل وعلا، وقد دل ظاهر القرآن على أمرهم يدخلون غرف الجنان إذا آمنوا بالرحمن كما هو الحال في بني الإنسان {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} ثم قال جل وعلا: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} أي يا معشر الإنس والجن، ولذلك لما تليت هذه الآيات من سورة الرحمن على الجن كانوا حتى أحسن جواباً فقالوا: ولا بشيءٍ من آلائك ربنا نكذب، فلك الحمد {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} . وقد قرر هذا الكلام اخوتي الكرام أئمتنا الكرام في كتب التوحيد ومن أراد أن يتوسع في هذه المسألة ينظر كتاب (آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان) للإمام الصالح محمد بن عبد الله أبي عبد الله الشبلي الذي توفي سنة تسعة وستين وسبعمائة للهجرة 769هـ وهو من تلاميذ شيخ الإسلام الإمام بن تيمية وكان من القضاة الصالحين في بلاد الشام، ألف كتاباً كبيراً في ما يتعلق بالجن (آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان) .

اخوتي الكرام: من خاف الله في هذه الحياة له النجاة بعد الممات {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} وكنت أشرت في أول المواعظ السابقة عند مبحث الخوف أن من يخاف من الله جل وعلا له أجر كبير في العاجل والآجل واستشهدت بعد ذلك بما يتعلق ببعض الأمور بقول الله جل وعلا: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنَّة هي المأوى} ومر معنا الكلام هناك في إضافة المصدر إلى الفاعل أو إلى المفعول كما تقدمت معنا آية الطور في قول العزيز الغفور: {إن المتقين في جنَّاتٍ ونعيم * فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم*} . ثم ذكر الله جل وعلا نعتهم وما يحصلون في جنات النعيم وأخبر عنهم بأي شيءٍ استحقوا ذلك فقال: {وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون * قالوا إنا كنا في أهلنا مشفقين * فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنَّا كنَّا من قبل ندعوه، إنَّه هو البر الرحيم} . اخوتي الكرام: وكما دل على ذلك آيات القرآن فقد تتواترت بذلك الأحاديث عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - سأقتصر على ثلاث أحاديث تقرر أن من يخاف الله في هذه الحياة له النجاة بعد الممات وهو في غرف الجنَّات. الحديث الأول: رواه الإمام أحمد في المسند والشيخان في الصحيحين، ورواه الإمام النسائي والترمذي في السنن، ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في طاعة ربه في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأةٍ ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه] .

تأمل أوصاف هؤلاء السبعة فسترى الصفة البارزة فيهم خوفهم من باريهم، فالإمام العادل ما عدل إلا لأنه يعلم أنه سيؤول إلى الله عز وجل وسيحاسبه على النقير والقطمير، وذاك العبد الصالح عرضت امرأة نفسها عليه وهي على حظ من منصب وجمال فقال إني أخاف الله، وهذا لمراقبته ربه وخوفه منه يكتم أعماله حتى لا تعلم الشمال ما تتصدق به اليمين، وذاك شاب ينشأ في طاعة ربه، وهذا يذكر الله خالياً فتفيض عيناه {إنَّ الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجرٌ كبير} وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن من خاف هنا سيأمن يوم الآخرة، وقد ورد الحديث بذلك في صحيح ابن حبان، والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان، ورواه الإمام البزار في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه ورواه البزار وشيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد، وابن أبي الدنيا في كتاب الرقة والبكاء عن الحسن البصري مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مرسل، والأثر الأول كما تقدم معنا من طريق أبي هريرة وقد رواه البزار مرسلاً ومتصلاً، والحديث صحيح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: قال الله عز وجل [وعزتي وجلالي لا أجمع على عبد أمنيين ولا أجمع له خوفين، فإن أمنني في الدنيا خوفته يوم القيامة، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة] هذه هي ثمرات الخوف في الآجل عند الله عز وجل، وآخر الأحاديث وهو الحديث الثالث الذي سيذكره في ذلك (أن من خاف الله ودعاه خوفه للبكاء من خشية الله عز وجل ستحرم النار عليه ولن يدخلها بحال من الأحوال كما أخبر بذلك نبينا الذي لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -) .

روى الإمام الترمذي في سننه والإمام النسائي في سننه وابن حبان في صحيحه من رواية أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه، والحديث رواه الحاكم أيضاً في المستدرك، والإمام أحمد في المسند ورواه البيهقي في السنن الكبرى، ورواه أيضاً في شعب الإيمان ورواه البخاري والإمام هنَّاد في كتاب الزهد، وسند الحديث صحيح كالشمس كما قلت من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع منه الغبار لا يمكن أن يدخل بعد ذلك النار، وهكذا من بكا من خشية العزيز القهار سبحانه وتعالى ستحرم عليه النار ولا يمكن أن يدخلها كما لا يمكن للبن أن يعود إلى الضرع، وهذا الحديث روي ما يشهد له ويدل عليهم أنه صحيح بذاته، لكن ما يدل على معناه أحاديث كثيرة متعددة عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -. فمن ذلك ما رواه الترمذي في سننه والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث حسَّنه الإمام الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: [عينان لا تمسهما النار، عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله] .

والحديث بهذا اللفظ أو قريباً منه رواه الإمام أبو يعلي أيضاً، والإمام الطبراني في معجمه الأوسط ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد لكن عن أنس بن مالك رضي الله عنه وإسناد الحديث جيد، والحديث أيضاً بنحو هذا اللفظ رواه الإمام أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك ورواه أيضاً الإمام النسائي في السنن الكبرى، ورواه الدارمي في مسنده، والإمام الطبراني في معجمه الكبير، ورواه ابن أي الدنيا في كتاب الرقة والبكاء من خشية الله وعليه باتت تحرس في سبيل الله، والحديث أيضاً رواه الإمام الطبراني وابن عساكر عن العباس عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ورواه الإمام الطبراني عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وهو معاوية بن حيدة رضي الله عنه، وري أيضاً معناه الإمام الحاكم والبغوي في شرح السنة عن أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين [عينان لا تمسهما النار، عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله] . أسأل الله تعالى برحمته وسعت كل شيءٍ أن يرزقنا خشيته في السر والعلن والقصد في الفقر والغنى وكلمة الحق في الرضى والغضب، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أقول هذا القول وأستغفر الله.

ثمرة الخوف

ثمرة الخوف (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم ثمرة الخوف الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين..

أشرف بقاع الأرض وأحبها إلى الله جل وعلا المساجد، فهي بيوته وفيها نوره وهداه، وإليها يأوي الموحدين المهتدين في هذه الحياة، وقد نعت الله الرجال الذين يعمرون بيوته في الأرض بأربع صفات تدل على أنهم بلغوا رتبة الكمال لا تلهيهم التجارات ولا البيوع عن الغاية التي خلقوا من أجلها يسبحون الله ويصلون له ويعظمونه، يحسنون إلى العباد ويشفقون عليهم ويساعدونهم، يبذلون ما في وسعهم استعداداً للقاء ربهم {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . اخوتي الكرام: وهذه الصفات الأربع التي نعت الله بها هؤلاء الرجال قد مضى الكلام على ثلاث منها فيما مضى وشرعنا في مدارسة الصفة الرابعة لهؤلاء الرجال {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} وقلت تحت هذه الصفة أمران ينبغي أن نتدارسها. الأمر الأول:- خوف هؤلاء الرجال من ذي العزة والجلال. الأمر الثاني:- إثبات يوم الميعاد واستحضاره دائماً في أذهان هؤلاء العباد. أما الأمر الأول:- ألا وهو خوف هؤلاء الرجال من الكبير المتعال، فقلت سأجمل الكلام عليه في أربعة أمور نتدارس فيها: 1- تعريف الخوف 2- منزلة الخوف 3- وثمرة الخوف 4- والأسباب التي تدعوا المكلفين للخوف من رب العالمين. وقد تدارسنا ما يتعلق بالأمر الأول، والثاني ونلخص ما تقدم فنقول: 1- الخوف هو تألم القلب واحتراقه لتوقع حدوث مكروه في المستقبل 2- ومنزلة الخوف في شريعة الله عز وجل منزلة عظيمة كيف لا وهو أحد الأركان الثلاثة التي تقوم عليها عبادة اله جل وعلا، حبه، ورجائه، والخوف منه. اخوتي الكرام.. هؤلاء الرجال بذلوا ما في وسعهم في طاعة ربهم، والإحسان إلى الخلق، وما ألهتهم الدنيا عن الواجب الذي خلقوا من أجله مع ذلك هم خائفون وجلون.

نعم هذا هو شكل المؤمن ورحمة الله على العبد الصالح شقيق ابن إبراهيم أبي علي البجلي عندما يقول مثل المؤمن كمثل رجل زرع نخلة وهو يخشى أن يخرج شوكاً، ومثل المنافق كمثل رجل زرع شوكاً وهو يطمع أن يثمر ثمراً، هيهات هيهات زرع النخل وأحسن عبادة الله ومع ذلك يخاف {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} وأما ذاك فأساء العمل وما أطاع الله وأساء إلى العباد وبعد ذلك يتمنى على الله الأماني. اخوتي الكرام: إن الخوف من الله جل وعلا ضروري لعباد الله في هذه الحياة، روى الإمام الحاكم في مستدركه بسندٍ صحيح للشيخين أقره عليه الذهبي، والأثر في الحلية أيضاً وفي كتاب الزهد للإمام همام بن السري وكتاب الزهد أيضاً للإمام وكيع رحمه الله عليهم جميعاً عن عبد الله بن عبيد الله وهو من التابعين الأبرار أكرمه الله بالتبرك برؤية ثلاثين صحابياً من صحابة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام وتوفي هذا العبد الصالح سنة سبعة عشر ومائة للهجرة 117هـ وحديثه مخرج في الكتب الستة وهو ثقة فقيه إمام عدل رضاً، يقول هذا الذي أدرك ثلاثين من الصحابة رضوان الله عليهم يقول (جلسنا في الحجر إلى عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهم أجمعين فقال لنا: ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا والذي نفسي بيده لو تعلمون العلم لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره ولبكى حتى يتقطع صوته) . والجملة الأولى: رويه عن صديق هذه الأمة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه في كتاب الزهد للإمام احمد وفي كتاب الزهد لشيخ الإسلام عبد الله بن المضار ورواها بن أبي شيبة في المصنف لسيدنا أبي بكر رضي الله عنه أنه قال (إبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا) أي استدعوا البكاء وتكلفوه من خشية رب الأرض والسماء.

اخوتي الكرام: هذه هي صفات الرجال وهذه هي صفات الأبرار، وهذا الوصف كما يتصف به الرجال في هذه الحياة الذين يعمرون بيوت رب الأرض والسماوات فيتصف بهذا الوصف أيضاً ملائكة الله الكرام، فهم يخافونه ويخشونه سبحانه وتعالى يقول الله مثيراً إلى إثبات هذا الوصف فيهم في سورة النحل: {ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون} الملائكة أيضاً تسجد للحي القيوم ثم قال في نعتهم جل وعلا {يخافون ربهم من فوقهم يفعلون ما يؤمرون} وهم الكرام المطهرون الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومع ذلك يتصفون بالخوف والوجل من الله عز وجل. كما قال الله جل وعلا في سورة الأنبياء: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً، سبحانه بل عبادٌ مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون} وجلون خائفون.

وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن ما لعظام الملائكة وكبراهم ومنزلتهم في هذه الصفة، أعني صفة الخوف نحو ربنا وربهم جل وعلا، ففي معجم الطبراني الأوسط، وإسناد الأثر لجامعة رجال الصحيح كما قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول [رأيت جبريل ليلة أسري بي كالحنس البالي من خشية الله عز وجل، كالحنس البالي وهو الخرقة والكساء التي توضع على ظهر البعير كأنها خرقة بالية متقطعة من خشية الله ومن خوفه من الله جل وعلا، والأثر رواه الإمام الجزار أيضاً، والإمام الطبراني في معجمه السابق عن أنس بن مالك رضي الله عنهم وعن نبينا - صلى الله عليه وسلم - قال [مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى فإذا جبريل كأنه من حنس وأطئ من خشية الله جل وعلا، كأنه حنس ذليل ملتصق بالأرض من خشية الرب سبحانه وتعالى] هذا وصف أفضل الملائكة وأعلاهم جبريل عليه السلام، وهكذا حال الملائكة الكرام.

ففي مسند الإمام أحمد، والحديث رواه الإمام ابن أبي الدنيا في كتابه الخائفين وقال شيخ الإسلام الإمام عبد الرحيم الأثري في معجم حمل الأسفار في الأسفار، إسناد الحديث جيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه والأثر رواه الإمام بن شاهين في كتاب السنة مرسلاً عن ثابت بن أسلم البولاني تليمذ أنس مرسلاً إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ورواية الحديث المسند المتصل كما تقدم معنا إسنادها جيد ولفظ الحديث عن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[يا جبريل مالي لا أرى ميكائيل ضاحكاً، مالي لا أرى ميكائيل يضحك، هذا الملك الموتكل بحياة الأبدان والحيوان ما رأيته ضاحكاً قط، فقال جبريل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، يا محمد عليه الصلاة والسلام إن ميكائيل لم يضحك قط منذ أن خلق الله النار، قال شيخ الإسلام الإمام عبد الرحيم الأثري وقد ورد هذا الوصف في حق جبريل وإسرافيل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام قال الإمام البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[إن إسرافيل لم يضحك قط منذ أن خلق الله النار] وهذا الوصف أيضاً ثبت لجبريل، روى ذلك أيضاً الإمام بن أبي الدنيا في كتاب الخائفين، وهؤلاء الملائكة الكرام أفضل الملائكة على الله ومع ذلك يخافون هذا الخوف وما ضحك واحد منهم قط ولهم شأن عظيم وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يتوسل إلى الله جل وعلا بربوبيته لهؤلاء أن يوحيا الله قلبه في ذلك تعليم لنا أن ندعوا بهذا الدعاء، والحديث ثابت في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يصلي يفتتح صلاته فيقول [اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء

إلى صراطٍ مستقيم] ، اللهم رب جبريل المتوكل بحياة القلوب وميكائيل المتوكل بحياة الحيوان والأبدان، وإسرافيل المتوكل بحياة المخلوقات أسئلك أن تحي قلبي فأنت على كل شيءٍ قدير] وتقدم معنا اخوتي الكرام في مباحث النبوة على نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان يتوسل بربوبية الله لهؤلاء الملائكة العظام في أدعية كثيرة ذكرت بعضها في هذا المسجد. إذن هذا الوصف أعني صفة الخوف من الله عز وجل هو وصف عباد الله المقربين في الدنيا في الأرض، في السماء، هذا وصف المؤمنين من الجن والإنس، وهذا هو وصف ملائكة الله الكرام الطيبين. اخوتي الكرام: وإذا تدارسنا تعريف الخوف ومنزلته فبقى علينا أن نتدارس ثمرته وأسبابه. أما ثمرة الخوف فثماره كثيرة وفيرة سأجملها في ثمرتين اثنتين لعل الله ييسر الكلام عليهما في هذه الموعظة المباركة إن شاء الله. 1- الثمرة الأولى:- ثمرة يحصلها الخائف من الله عز وجل في هذه الحياة. 2- الثمرة الثانية:- ثمرة يحصلها الخائف من الله عز وجل بعد الممات. الثمرة الأولى:- أما ثمرة الخوف في هذه الحياة فالخائف من الله عز وجل، فالذي أفرد ربه بخوفه فلا يخاف سواء له العزة والتمكين في هذه الحياة وله من الله النصر المبين، والله سيؤيده في كل حين، من خاف الله كفاه الله ما عداه، فقد أشارت آيات القرآن إلى هذا وأوضحته غاية الإيضاح بينه لنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - فلنقف عند ذلك وقفة لنعلم حقيقة الأمر ولنعلم سبب ضياعنا في هذا الوقت.

قال الله جل وعلا في سورة إبراهيم عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، فأوحى إليهم ربهم لنهلكنَّ الظالمين ولنسكننَّكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد * واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيد *} {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنَّكم من أرضنا} كما هي عادة الطغاة في جميع الأوقات، طرد من البلاد أو سجن أو قتل وظلم {وإذ يمكر بك الذين كفروا لثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا، فأوحى إليهم ربهم} والوحي إعلام في خفية وسرية والله طمأن رسله وقال أنتم تخافون فلا خوف عليكم لا في الدنيا ولا في الآخرة. {فأوحى إليهم ربهم لنهلكنَّ الظالمين ولنسكننَّكم الأرض من بعدهم} وهذا الجزاء وهذه الثمرة ينالها من خاف من الله عز وجل، {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} ولفظ المقام هنا إما أنه مصناف الفاعل المصدر مصناف إلى الفاعل ويصبح معنى الكلام ذلك لمن خاف قيام الله عليه ومراقبته له وإحاطته به فلا يخرج شيء في هذا الكون من عرشه إلى فرشه عن قبضة الله عز وجل وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ذلك لمن خاف قيام الله عليه وعلم أنه وغيره من عباد الله لا يملك كل واحد من المه لنفسه نفعاً ولا ضراً، ذلك لمن خاف قيام الله عليه المراقبة والإحاطة والاضطلاع كما قال الله عز وجل: {أفمن هو قائم على كل نفسٍ بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبؤنه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهرٍ من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل، ومن يضلل الله فما له من هاد} .

لا يوجد أحد في هذا لعالم يحفظ المخلوقات ويراقبها وهي في قبضته إلا الحي القيوم سبحانه وتعالى {أفمن هو قائم على كل نفسٍ بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم} أنعتوهم الصفات التي تقتدي أن يكونوا آله مدبرين قيومين {قل سموهم} وهنا ذلك لمن خاف مقام لمن خاف قيام عليه بالمراقبة والإحاطة والاضطلاع، إن الذين يخشون ربهم بالغيب يعلمون الله معهم أينما كانوا فيخافون منه فمن خاف الله لن يتخلى الله عنه، {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} ابشروا يا معشر الرسل ويا أتباع الرسل أنه ليس للظالمين عليكم سبيل لأهلكنَّهم ولأسكننَّكم الأرض من بعدهم فلا راد لحكم ولا معقب لقضائي ولا أسئل عما أفعل وهم يسئلون، لكن حققوا هذا الوصف فيكم لتنالوا تلك الثمرة، {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} .

والمعنى الثاني: المصدر مضاف للمفعول ذلك لمن خاف مقام: أي لم خاف قيامه بين يدي وعلم أنه عبد ذليل منكسر حقير لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فهو خاف قيامه بين يدي لأني سأجمعه ليوم تشخص فيه الأبصار وتتقلب فيه القلوب، من خاف قيامه في هذا اليوم الذي لا ريب فيه وأعد لذلك اليوم عدته لن يتسلط عليه متسلط مهما كان شأن ذلك الجبار وقد رجع الإمام بن القيم عليه رحمة الله المعنى الثاني وقال أنه أليق بالآية ولا داعي للترجيح فالآية تحتمل القولين وهما متلازمان، فمن علم أن الله حي قيوم قائم على جميع أمور العباد ومدبرٌ لها سيخاف قيامه بين يديه عندما يؤول إليه وعليه الأمران متلازمان ولا يخاف الإنسان القيام بين يدي الله إلا بعد معرفته أن الله قيوم مدبر لأمور عباده في الدنيا والآخرة فالمعنيان متلازمان ثابتان لمن خاف قيام الله عليه وخاف قيامه بين يديه، وهذان المعنيان يقالان في نظير هذه الآية من سورة الرحمن: {ولمن خاف مقام ربه جنَّتان} ومن ذلك قول الله عز وجل في سورة النازعات: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنَّة هي المأوى} خاف قيام الله عليه ومراقبته وإحاطته به، وخاف قيامه بين يديه في يوم لا ريب فيه. {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنَّكم من أرضنا أو لتعودنَّ في ملتنا، فأوحى إليهم ربهم لنهلكنَّ الظالمين * ولنسكننَّكم الأرض من بعدهم، ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} وقد ذكر لنا الله نماذج لهؤلاء الرسول بعد أجملهم في هذه السورة فاسمعوا لهذا.

1. النموذج في سورة الأنعام:- عندما يخبر ربنا عن خليله إبراهيم عليه وعلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - بعد أن حاج قومه في بطلان آلهتهم وعبادتهم الكواكب من دون ربهم فقال في آخر محاجة {فلما رأى الشمس بازغةً قال هذا ربي هذا أكبر، فلمَّا أفلت قال يا قومِ إني بريءٌ مما تشركون * إني وجهت وجهيَ للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين * وحاجَّهُ قومه، قال أتحاجُّونِّي في الله وقد هدانِ ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً، وسع ربي كل شيءٍ علماً، أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ من نشاء، إن ربك حكيمٌ عليم} انتبه إلى دلالة الآيات لهذا الأمر اخوتي الكرام {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً، وسع ربي كل شيءٍ علماً، أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً، فأي الفريقين أحق بالأمن} فأي الفريقين أحق بالأمن في الدنيا والآخرة؟ من خاف من الله ولم يخف من سواه؟، أو من خاف من سواه ولم يخف من مولاه؟ {فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} وقبلها في الآية يقول {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً} والاستثناء هنا كما قال أئمتنا الكرام في كتب التفسير استثناء منقطع بمعنى لكن، ولا أخاف ما تشركون به ولكن إذا شاء ربي أن ينزل بي مصيبة في هذه الحياة فهو الذي يدبر أمور عباده وهو أعلم بهم، {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً} لكن إذا شاء ربي أن ينزل بي مصيبة ليطهرني ويرفع من درجاتي، هذا هو مولاي وربي لا يسأل عما يفعل، يروي الإمام أبو نعيم في كتاب الحلية عن إبراهيم بن الوليد أنه دخل على الشيخ الصالح

إبراهيم المغربي وقد رفسته بغلة فكسرت رجله فقال ما هذا، قال سبحان الله لولا المصائب لقدمنا على الله مفاريس، فإذا قدر الله على خليله على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وعلى موحد من الموحدين مصيبة في هذه الحياة ليس هذا بسبب آلهتهم المزيفة التي تعبدونها من دون رب الأرض والسموات {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً} ولكن إذا شاء ربي شيئاً كأن ينزل بي مصيبة فهو الذي لا يسأل عما يفعل {وسع ربي كل شيءٍ علماً، أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ من نشاء، إن ربك حكيمٌ عليم} كانت النتيجة أن نجَّى الله خليله إبراهيم عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه ونصره من كبير الكافرين الملعونين ومثل ذلك كثير اخوتي الكرام.، نموذج آخر تحليه لنا ربنا الرحمن أيضاً في سورة هود

2. النموذج الثاني: في القرآن في سورة هود عن نبيه هود عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه فيقول {وإلى عادٍ أخاهم هوداً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره إن أنتم إلا مفترون * يا قوم ما أسلكم عليه أجراً، إن أجرى إلا على الذي فطرني، أفلا تعقلون * ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوةً إلى قوتكم ولا تتولوا مدبرين * قالوا يا هود ما جئتنا ببينةٍ وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ، قال إني أشهد الله واشهدوا أنِّي بريءٌ مما تشركون * من دونه، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون * إنِّي توكلت على الله ربي وربكم، ما من دابةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها، إنَّ ربي على صراطٍ مستقيمٍ * فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، ويستخلف ربِّي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً، إنَّ ربي على كل شيءٍ حفيظٌ * وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبارٍ عنيدٍ * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنةً ويوم القيامة، ألا إنَّ عاداً كفروا ربهم، ألا بعداً لعادٍ قوم هود *} ، قال أئمتنا الكرام كما ذكر هذا الإمام بن القيم في مدارج السالكين الجزء الخامس صفحة خمسة وستون وأربعمائة 5/465 وهكذا ذكر أئمتنا المفسرون في تفسير هذه السورة أن أخ آيات الرسل آية نبي الله هود أي أيد الرسل الكرام بمعجزات ظاهرة وأوضح خارقة للعادة كانفلاق البحر وانشقاق القمر وغير ذلك من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وأما هذا النبي المبارك فحجته وبرهانه من أخف الحجج والبراهين، فتأمله فهو في أقوى أسطع الحجج والبراهين ولخفاء حجته قال له قومه {ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين} استمع لهذه البينة التي قامت على أمور أربعة في هذه السورة:

البينة الأولى:- مال لهم هذا الفرد الوحيد الذي ليس في هذا العالم موحد غيره، غير جزعٍ ولا فزعٍ ولا هياب، قال إني أشهد الله جل وعلا واشهدوا ثانية أني بريءٌ من آلهتكم والتي تبذلون في عبادتها ونصرتها أموالكم وأولادكم ثم أعلمكم ثالثة أنني أتحداكم أهل الأرض جميعاً أن تكيدوا لي وأن تنالوا مني ضراً إن قدرتم عليَّ ثم بعد ذلك وضح دعوته فقال ناصيتي ونواصيكم ونواصي العباد جميعاً في يد وقبضة الله جل وعلا فانتم أحقر وأذل أن تصيبوني بمكروهٍ، فربي على صراطٍ مستقيم، وهو العدل وسينصر من خافه، وسيخذل وينتقم مِنْ مَنْ لجأ وخاف من سواه، ثم إنه لن يتمكن أحد أن ينال منه خيراً وهو فرد وحيد ويخاطب أهل الأرض بهذا الكلام المحكم الصريح فأي حجة أقوى من هذه الحجة، وأي برهانٌ أسطع من هذا البرهان، يشهد الله ثم يشهدهم ثم يطلب منهم أن يجتمعوا عليه ثم يقول لهم مطمئناً لهم مبيناً لهم أنه لن يصلوا إليه بضرٍ لأن نواصيهم وناصيته أيضاً بيد الله والله على صراطٍ مستقيم، لا يمكن أن ينصرهم على من خاف من رب العالمين. ومثل هذا كان يقول جميع أنبياء الله ورسله، فهذا نبي الله نوح يقول لقومه {فأجمعوا أمركم وشركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمةً ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون} ، وهكذا يقول ربنا جل وعلا في حق نبينا - صلى الله عليه وسلم - عندما بين أحوال المشركين نحوه في سورة الطور فقال: {أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون} نعم اخوتي الكرام من خاف الله كساه الله هيبةً مهابةً في هذه الحياة وفزع منه أعداء الله في هذه الحياة وكان الخائف من الله في هذه الحياة مطمئن البال والقلب ساكن النفس كيفما جاءت المخاوف من جميع الجهات، كيف لا وهو مع الله لأنه يخافه والله معه وسيجعل الله له مخرجاً من كل شدةٍ وبلاء. {يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم} .

اخوتي الكرام: هذا المعنى الذي كررته معاني القرآن تواترت في الدلالة عليه أحاديث نبينا - صلى الله عليه وسلم - فاسمعوا لإيضاح هذه القضية إذا كان من خاف الله لم يخاف من سواه والله سيكفيه من عداه، إذا كانت هذه القضية حقيقة ثابتة فلهذه الأمة من هذا المعنى والجزاء القدر الأكبر لكمال توحيدهم وتمام خوفهم من ربهم ولإتمام الله نعمته عليهم، إذا كان من خاف الله لا يخاف من سواه، وفي هذه قضية ثابتة في هذه الحياة في هذه الأمة والأمم السابقة فإن ثبوتها في هذه الأمة من باب أولى لأن خوفهم من الله أشد وتحقيقهم للتوحيد أكمل ولأن الله أكرمهم بما لم يكرم بهم الأمم السابقة، واستمعوا لتقريري هذا ولنعلم بعد ذلك أنه عندما يعترينا الهلع والفزع لعدم خوفنا من ربنا عز وجل، ثبت في المسند والصحيحين وسنن النسائي، الحديث رواه الإمام البيهقي وهو في أعلى درجات الصحة، فهو في الصحيحين عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أعطيت خمساً لم يعطهنَّ نبيٌ قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت ليَ الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجلٌ من أمتي أدركته الصلاة فليصلي، وأحلت ليَ الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان كل نبي يبعث لقومه خاصة وبعثت للناس عامة] 1-[نصرت بالرعب مسيرة شهر] إذا علم عدوي بقدومي وبيني وبينه مسيرة شهر امتلأ قلبه رعباً وفزعاً لتحقيق توحيدي لربي ولخوفي منه، فمن خاف الله خاف منه أعداء الله

[نصرت بالرعب مسيرة شهر] إنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المسافة بالذكر لا للتحديد، لا ثم لا هو نصر على العدو مطلقاً بالرعب لا، كان بينه وبينهم ألف شهر، إنما خص بالذكر هذه المسافة لأنه لم يكن بينه وبينهم إلا هذه المسافة فقط كما قرر أئمتنا في شروح سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وإلا حقيقة حاله وحلة أمته نصر بالرعب مهما كانت المسافة بينه وبينهم، هل هذا الأمر له خاص وحده - صلى الله عليه وسلم -، وفداه آبائنا وأمهاتنا وأنفسنا أو يسري لأمته أورد أئمتنا القولين وأنسبهما الذي يتناسب مع مكانة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ورفعت من هذه الأمة عند ذي الجلال والإكرام، إن هذا ثابت له ولأمته عليه الصلاة والسلام إذا كانوا على مسلكه كما سيأتينا بإذن ربنا الرحمن [نصرت بالرعب مسيرة شهر] وهذه الصفة وردت عن كثير من الصحابة الكرام وهي ثابتة ثبوتاً متواتراً عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أقطع بذلك وأسئل عنه أمامه ذي الجلال والإكرام. روى هذه الجملة في أحاديث متعددة رواها الإمام أحمد ومسلم وصحيحيهما والترمذي من رواية أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين ورواه البيهقي من رواية علي رضي الله عنه ورواه الإمام أحمد في المسند من رواية عبد الله بن عباس ورواها الإمام أحمد في السنن عن رواية أبي ذرٍ ورواها الإمام أحمد والبيهقي من رواية أبي أمامة الباهلي ورواها الإمام أحمد في المسند عن رواية عبد الله بن عمر نب العاص رضي الله عنهم أجمعين، وفي رواية بعض الحديث المتقدمة [نصرت بالرعب مسيرة شهر يسير بين يدي] أن هذا الرعب يسير بين يدي وفي آخر رواية من الروايات المتقدمة رواية عبد الله بن عمر [نصرت على العدو بالرعب حتى لو كان بيني وبينه مسيرة شهر لامتلأ قلبه رعباً] .

إذاً الثابت الثابت لي ولأمته - صلى الله عليه وسلم - أن ينصر على العدو بالرعب مهما كانت المسافة، فلو قدر أن المسافة بينه وبين العدو بمقدار شهر أو أكثر لامتلأ قلبه رعباً. نعم اخوتي الكرام: هذه الأمة عندما خافت من ربها الرحمن وحققت التوحيد على التمام أعطاها الله الهيبة والمهابة في هذه الحياة، فإذا أعلن الجهاد الإسلامي من قبل الموحدين لله جل وعلا فزع وهلع أعدائهم وهم في بلادهم، هذا شأن المسلمين، وهذا شأن الموحدين، فإذا خلطوا وقدروا فمن نفسه فلا يظلم ربك أحداً. ولذلك اخوتي الكرام: أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن عدد جيش المسلمين إذا بلغ اثنا عشر ألفاً لو اجتمعت قوى الأرض بأثرها لقتالهم لما استطاعت أن تقف أمامهم، لا أقول مليون ولا مائة مليون ولا ألف مليون، لو اجتمعت البشرية بعدتها وعتادها وكانوا ألوف الملايين وعدد جيش الموحدين إلى اثنا عشر فلا يمكن أن يغلب هذا الجيش من قلة إنما يغلبون من معصيتهم لربهم جل وعلا، أما جيش قوامه هذا العدد لا يمكن أن يخذل ولا أن يرقد وسيكتب الله له النصر مهما بلغت قوى الكفر، فلنفتش عن أحوالنا اخوتي الكرام واستمعوا لتقريري هذا من كلام نبينا - صلى الله عليه وسلم - ثم من فعل الصحابة الكرام نرى كيف أننا في هذه الحياة نتخبط في الكلام.

روى الإمام أحمد في المسند والإمام الترمذي وأبو داود في السنن والحديث رواه الإمام الدارمي في مسنده أيضاً، ورواه بن خزيمة وبن حبان، والحاكم في الصحاح والمستدرك بالنسبة للحاكم ورواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد والمختارة من رواية عبد الله بن عباس، وإسناد الحديث صحيح كالشمس، نعم رواه الإمام بن ماجة أيضاً من رواية أنس بن مالك لكن في رواية بن ماجة ضعفاً، ورواية بن عباس صحيحة ثابتة كالشمس في رابعة النهار، ولفظ الحديث عن نبينا المختار عليه أفضل الصلاة والسلام أنه قال [خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن يغلب اثنى عشر ألفاً من قلة] . خير الصحابة خير الصحابة أربعة ـ الصاحب يجمع على صحابه ولا نظير لهذا في اللغة كما قال أئمتنا فاعل يجمع على فاعله هذا خاص بصاحب وصحابة غير الصحابة خير الأصحاب أربعة، فإذا كانوا في سفرٍ قال يجب أن يقلوا على المقدار ووجه ذلك أن المسافرين في حاجة لحفظ ولحاجة لقضاء حوائجهم، فإذا كانوا ثلاثة جلس اثنان وذهب الثالث لقضاء الحاجة يستوحش وإذا ذهب اثنان بقى واحد عند المتاع يستوحش فإذا كانوا أربعة يبقى اثنان عند المتاع ويذهب اثنان ويستأنس كل واحد منهم بالآخر والله يؤنس الجميع أربع، ولفظ الأربعة كما يقول أئمتنا فيه تفاؤل لمعنى القوة والرعاية والأحكام كالأعمدة التي يقوم عليها البنيان وهؤلاء الأربعة خير الصحابة أربعة، وكما كثر الجمع كان خيراً

[وخير السرايا أربعمائة] وهي القطعة من الجيش التي تصطفي منه من الشيء السري النفيس القوي جيش ذهب تختار منه قطعة لأن تقوم بأعمال حربية خاصة ومناوشات وقتال والجيش العرمرم جالس مكانه إذا سارت الحرب تحرك خير السرايا أربعمائة وهي ضعف أربعة في مائة 4×100 أي أن العدد مضاعف كما قال أئمتنا، [وخير الجيوش أربعة آلاف] ضاعف الأربعة × ألف وإذا كان الجيش اثنى عشر ألف وقاتل لن يغلب من قلة ورجه ذلك أن الأربعة آلاف الأولى جيش كامل خير الجيوش والأربعة آلاف الثانية خير الجيوش، والأربعة الثالثة خير الجيوش، إذاً عندهم ثلاثة جيوش هي خير الجيوش والقتال يكون في ميمنة وميسرة وقلب فعندهم خير الجيوش للميمنة وعندهم خير الجيوش للميسرة، وخير الجيوش للقلب، فهم اثنى عشر ألف لن يغلبوا من قلة، فمعهم ثلاث خيريات في ثلاثة جيوش كاملات، كيف سيغلبون إذا غلبوا فليفتشوا عن أنفسهم وليعلموا أنهم لا يخافون ربهم، لن تغلب اثنتا عشر ألفاً من قلة، هذا كلام ما لا ينطق عن الهوى عليه صلاة الله وسلامه، وانظروا لتحقيق ذلك في الواقع العملي.

روى الإمام أحمد في المسند كما قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في المجمع والحديث رواه بن حبان أيضاً عن عياض الأشعري رحمه الله ورضى عنه قال كنت مع المسلمين في موقعة اليرموك وموقعة اليرموك جرت في عصر الخليفة العابد الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووقعت في العام وأدى من قرية حواران جنوبي الشام وكانت بين المسلمين الكرام والنصارى الكلام وكان عدد المسلمين يزيد على العشرين ألفاً قليلاً وعدد النصارى مائة ألفٍ ويزيدون عشرين ألفاً وهؤلاء المسلمون خرجوا من جزيرة العرب وهؤلاء في أمكنتهم يقول عياض كنت مع المسلمين في موقعة اليرموك والأمراء يومئذٍ خمسة أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد، وعياض بن غنم الفهري، وتوفي هذا الصحابي الجليل في عهد عمر بن الخطاب سنة عشرين من الهجرة وبعد وفاة أبو عبيدة الطاعون رضوان الله عليهم أجمعين ولاه على بلاد الشام وقال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ما كنت لأبدل أحداً ولاه أبو عبيدة وهو غير عياض بن زهير الفهري وكل منهما مكانهما بأني سعد وكل منهما عياض وكل منهما فهري لكن ذلك عياض بن غنم وذاك عياض بن زهير، وعياض بن زهير بدري كبير القدر وهو عم عياض بن غنم الفهري لكن توفي في سنة ثلاثين في خلافة عثمان بن عفان، أما عياض بن غنم الفهري توفي في سنة عشرين من الهجرة 20هـ في خلافة عمر بن الخطاب، ثم هؤلاء الأمراء الخمسة قال عمر تراهم إذا كان قتال فأميركم أبو عبيدة، فلما وقعت المعركة يقول عياض الأشعري جاش القتل إلينا أي كثر وأتانا من كل جهة فبعثنا لعمر نطلب منه العون فأجابنا قال أنه جاء في كتابكم تطلبون فيه المدد وحضره لا تغيب في أي مكان ولا يعلم جنود ربك إلا هو والنص يطلب منه لا من سواه، الله وحده عز وجل فاستنصروه ينصركم فإن الله قد نصر نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في موقعة بدر في أقل من عددكم، فإذا وصلكم كتابي هذا فقاتلوهم

ولا تكتبوا إليَّ لن أرسل فرداً واحداً مدداً فأنتم عددكم يزيد على اثنى عشر ألف والله نصر نبيه في أقل من عددكم فالجئوا على الله فجنوده حاضرة والنصر منه سبحانه قال عياض الأشعري رضي الله عنه فلما وصل الكتاب قاتلناهم واستعنا بالله فغلبناهم وقتلناهم فلما انتهت الموقعة قال أبو عبيدة رضي الله عنه من يسابقني وكأنه يستعد للقتال مرة أخرى فقال له شاب من التابعين أنا أراهنك أيها الأمير بشرط ألا تغضب فتراهنا في المسابقة على الخيول يقول عياض الأشعري فلقد أنت عقيصتين أبي عبيدة تنقذان خلفه وهو على فرس عربي خلف الفتى وقد سبق الفتى رضوان الله عليهم أجمعين، والعقيصتين مفرد عقيصه وهي الضفير وهذه كانت عادت المسلمين يضطروا من شعرهم عندما يطول والأصل فيهم أنهم يطيلون الشعور رضوان الله عليهم أجمعين، فإذا أطال جعلوه في ضفائر فكان أبو عبيدة يجعله في ضفيرتين فيمر فروع الشعر إلى أصوله من أجل أن ينكمش على رأس وأن يثبت فيقول علق رأيت عقيصتين تنقذانه أي تضطربان وتتحركان وهو على فرس عربي وقد سبقه الفتى. استمع أخي الكريم إلى هذا الإرشاد من الخليفة الراشد الثاني تطلبون العون والمدد فسوف أدلكم على ما هو خير من ذلك أدلكم على الاستنصار بمن هو أعز نصراً وأحضر جنداً وهو الله عز وجل، فإذا جاءكم كتابي تقاتلوهم ولا تطلبوا المدد وقد فتحت بلاد الشام وتهاوت عروش الرومان في تلك السنة أيضاً فتحت بلاد الفرس في موقعة القادسية في العام الخامس عشر للهجرة 15هـ اخوتي الكرام وهم قلة ولكن الله معهم وهذا لابد من تحقيق والتحقيق به لنال هذه الثمرة عز وتذليل ونصر مبين وتأيدٌ من رب العالمين.

روى الإمام مالك رضي الله عنه في من زيد بن أسلم رضي الله عنه أن أباه بيد عامر بن الجراح كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يذكر له جموع الروم وما يتخوف منهم على المسلمين فماذا كتب الخليفة الراشد، فكتب إليه مهما تنزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعد هذا المنزل فرجاً ولن يغلب عسراً يسرين وقد قال الله في كتابه {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} والسلام، هذه رسالة الأمير إلى قائده الشدائد التي تأتي ستزول إذا كنا عبيد الله حقاً ولن يغلب عسراً يسرين {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} اصبروا على الطاعات وعن المعاصي وعلى المقدورات، وصابروا أعدائكم عند اللقاء في الحروب ورابطوا على الحدود واتقوا الله لعلكم تفلحون. لن يغلب عسراً يسرين، هذا الكلام ثابت عن عمر في المرفأ لكن كما قال أئمتنا بسندٍ منقطع فزيد ابن أسلم لم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال الحاكم في المستدرك ثبت هذا الأثر عن عمر وعن علي رضي الله عنهم، نعم ثبت هذا الأثر عن غيرهما من الصحابة أيضاً رواه عبد بن حميد في تفسيره بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود، ورواه الإمام الفراء في تفسيره بسندٍ ضعيف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه بل روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - متصلاً مرفوعاً في تفسير عن جابر بن عبد الله رضي وروى مرسلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق حسن البصري في تفسير الطبري ورواه أيضاً الإمام عبد الرزاق في مصنفه وروى أيضاً مرسلاً عن نبينا عليه الصلاة والسلام عن طريق قتادة في تفسير الطبري وعبد بن حميد رضي الله عنه.

خلاصة الكلام: أن الأثر ثابت عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما نزلت سورة الانشراح وفيها {فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً *} معرفاً وإذا كرر فالثاني هو الأول وأما اليسر منكر وإذا كرر فالثاني غير الأول {إن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً *} الأول يسراً آخر ولن يغلب عسر يسرين، وهذا المعنى هو أحد احتمالين لهذه الجملة الكريمة المباركة وقد نقل الإمام البخاري في صحيحه لتفسير هذه الآية عن أبي محمد سفيان رضي الله عنه قال لن يغلب عسراً يسرين {إن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً *} قال يسر آخر لن يغلب عسر يسرين، فإذاً العسر واحد وعه يسران، قال البخاري وهذا كقوله تعالى: {قل هو تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} قال الخدر بن حجر رحمة الله عليه كما جعل الله للمسلمين الحسنيين جعل لهم في عسرهم يسرين {إن مع العسر يسراً * إن مع العسريسراً *} ثم يقال ويحتمل أن البخاري يريد من هذا القول {إن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً*} يريد أن المؤمن إذا أصيب بعسرٍ لن يخلو حاله من أحد الأمرين، إما من الأجر وإما من الظفر والنصر. اخوتي الكرام: الأمر يحتاج إلى الزيادة البسط في هذه القضية وأما ما يتعلق بثمرة الخوف التي يجنيها الإنسان بعد موته في أخرته أتكلم عليه مع تعليق على الأمر الأول في أول الموعظة الآتية إن شاء الله ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أقول هذا القول وأستغفر الله.

تغير الإنسان كلما امتد الزمان

تغير الإنسان كلما امتد الزمان (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم تغيّر الإنسان كلما امتد الزمان الحمد لله نحمده ونستعينه نستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. "يأيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عميا وآذاناً صما وقلوباً غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الذين تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". " يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين..

تقدّم معنا أن دين رب العالمين يقوم على ركنين ركينين وعلى دعامتين متينتين: الركن الأول منهما إخلاص لله عز وجل. والركن الثاني متابعة لنبينا عليه الصلاة والسلام ويضاد هذين الركنين فيضاد الإخلاص الشرك والرياء كما يضاد اتباع النبي عليه الصلاة والسلام الابتداع والأهواء فمن سلم من الشرك والرياء فهو مخلص. ومن سلم من البدعة والهوى فهو متبع لنبينا خير الهدى عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام: وقد تقدم معنا في المواعظ السابقة تعريف البدعة ثم شرعنا في الموعظة الماضية في مدارسة النصوص الشرعية التي تحذر من البدعة الغوية وتأمرنا باتباع نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام. ووعدت أن أكمل الموضوع في هذه الموعظة المباركة إن شاء الله. ولكن ترتبط حلقات البحث ببعضها سأذكر شيئاً لم يتقدم له ذكر في تقرير الأمور الماضية التي ذكرتها في الموعظة السابقة على وجه الاختصار، ثم أكمل عليها ما سأقوله في هذه الموعظة بإذن الله جل وعلا. إخوتي الكرام: أن آيات التنزيل وأحاديث نبينا البشير النذير صلى الله عليه وسلم أن هذه النصوص الشرعية من الآيات القرآنية وأحاديث نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام أمرتنا باتباع نبينا صلى الله عليه وسلم وحذرتنا بالابتداع في دين الإسلام، يقول الله جل وعلا: "ألمص- كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون" (الأعراف/1-3) اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم على نبيكم وحبيبكم سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم، ولا تتبعوا من دونه أولياء.. وحذار حذار من الابتداع والأهواء والاقتداء بأحد من خلق الله غير نبينا عليه الصلاة والسلام اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه من أولياء قليلا ما تذكرون.

وهكذا أشار الله إلى هذا المعنى أيضاً في أول سورة الحجرات، فقال رب الأرض والسموات: "يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم. يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم". (الحجرات/1-5) . لا تقدموا بين يدي الله ورسوله عليه صلوات الله وسلامه – ولا يذكر رأي أي مخلوق كان، إذا تُليت آيات القرآن، وذكرت أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام. "لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم" وهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام تأدبوا معه في حال غيبته وفي حال وجوده، في ظاهركم وباطنكم فحذارٌ حذار من رفع الصوت على صوت النبي عليه الصلاة والسلام وعنده في مجلسه وعند تلاوة حديثه وذكره عليه الصلاة والسلام لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. وقد بلغ من ورع وديانة سيدنا الإمام مالك – عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا- أنه عندما كان يعلم حديث نبينا عليه الصلاة والسلام إذا أحد تكلم ورفع صوته يزجره ويتلو قول الله جل وعلى لا ترفعوا أصواتكم فوق النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون. ثم أخبر الله عمّن يغضون أصواتهم عند النبي عليه الصلاة والسلام إجلالا له واحتراماً وحباً له وتعلقاً به هؤلاء أصحاب القلوب التقية النقية التي أخلصت لرب البرية واتبعت نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام.

إخوتي الكرام: فتأملوا في هذه الدلالة في هذه الآية من القرآن، من رفع صوته في مجلس النبي عليه الصلاة والسلام أو عند ذكر حديثه وبيان أحكام شريعته رفع صوته فقط، في مناظرة أو سؤال أو استفسار.. كما يرفع أحدنا صوته أحياناً مع أصحابه الذين يجالسهم لو رفع صوته من غير اعتراض يخشى عليه أن يحبط عمله ويخلّد في النار، أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون فكيف سيكون حال من يردّ حكم النبي عليه الصلاة والسلام ويتبع في دين الرحمن ويحتكم إلى رأي فلان وفلان من رفع صوته ولم يلتزم بهذا الأدب الظاهري مع هذا النبي الأمي عليه الصلاة والسلام يخشى عليه من حبوط عمله وخلوده في نار جهنم ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون هذا رسول الله خير خلق الله عليه الصلاة والسلام فإن كلمته ما ينبغي أن تحد النظر إليه وإذا كلمته فما ينبغي أن ترفع صوتك عنده عليه صلوات الله وسلامه. إخوتي الكرام: والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ كثيرة في القرآن وهذا المعنى أكده نبينا عليه الصلاة والسلام وأمرنا أن نتبعه فيما أتى به من شرع مطهّر في حال الاكتساب وفي حال الاجتناب في حال الفعل وفي حال الترك عند فعل المأمور وعند ترك المحظور. ثبت في المسند والكتب الستة إلا سنن أبي داود والحديث رواه الداراقطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى وهو في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين كما سمعتم من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذروني ما تركتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلكم واختلاف على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ". ما نهيتكم عنه فانتهوا عنه وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام.

وفي بعض روايات الحديث كما في صحيح مسلم وغيره أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال فقال: أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحُجّوا فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم أفي كل عام يا رسول الله فسكت عنه عليه الصلاة والسلام ومم يجب فأعاد سؤاله " أفي كل عام يا رسول الله " فسكت ولم يجب حتى أعاد الثالثة فقال له النبي عليه الصلاة السلام لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم عوني ما تركتم "ذروني ما تركتم" ما سكتُّ عنه لا تبحثوا عنه وما أمرتكم به افعلوا منه ما في وسعكم ومقدوركم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ذروني / دعوني ما تركتم. إنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم. إن أفعالك أخي المؤمن تدور على أمرين اثنين لا ثالث لهما. 1. اكتساب. 2. اجتناب. فينبغي أن تجتنب ما نهاك عنه نبيك عليه الصلاة والسلام وأن تفعل ما استطعت مما هو في وسعك مما أمرك به نبيك صلى الله عليه وسلم. إن المأمور تفعله على حسب الوسع والمقدور وأما المحظور فينبغي أن يترك في جميع الأحوال والعصور. وأما السؤال الذي نهيت عنه هذه الأمة المباركة المحرمة في أول أمرها مع نبينا عليه الصلاة والسلام هذه السؤال يدخل تحته عدة أنواع: ? نهوا أن يسألوا عما لا فائدة ولا مصلحة منه. ? نهوا أن يسألوا الأمثلة التي هي عن طريفي التعنت والتشدد. ? نهوا أن يسألوا إنزال الآيات كما كانت تطلب الأمم السابقات. ? نهوا أن يسألوا عما اختص الله بعلمه من قيام الساعة والروح وغير ذلك. ? نهوا أن يسألوا عما لم يبين لهم من أمور الحلال والحرام حتى يأتي البيان من نبينا عليه الصلاة والسلام فأنتم تتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم عباد الله والله أعلم بمصالحكم فدعوا الأمر له ليُسيِّركم حسب حكمته ومشيئته لا لتتعجلوا تسيير أنفسكم كما تريدون.

وهذا أدب جليل أدّب عليه هذه الأمة في أول أمرها أنهم يتلقون الأوامر فيفعلونها على حسب استطاعتهم والنواهي فيجتنبونها ثم يتركون بعد ذلك حالهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام ليوجّههم حسبما يوحي الله إليه. إذا ما أمرنا به ينبغي أن نفعله حسب وسعنا وما نهينا عنه ينبغي أن نتركه وما تركه نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يبين الحكم فيه فالأصل في الأشياء الحلّ والإباحة ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلاف على أنبيائهم وقد نص الله على هذا المعنى في كتابه في سورة المائدة فقال جل وعلا: "يأيها الذين آمنوا لاتسئلوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم غفا الله عنها والله غفور حليم. قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" (المائدة) . إخوتي الكرام: هذه كما قلت بعض أدلة القرآن وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام التي تأمرنا بمتابعة النبي عليه الصلاة والسلام في جميع أحوالنا والاحتكام إلى هديه وشريعته في جميع شئوننا فيما نكتسبه وفيما نجتنبه وهذا المسلك السديد الرشيد سار عليه الرعيل الأول وعليه كان عندهم المعوّل يعولون عليه وأفعالهم كلها حسب شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام. انظر لهذا النموذج الرفيع العالي المحكم السديد الذي صدر من ثاني الخلفاء الراشدين سيدنا أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة والحديث في الموطأ للإمام مالك وسنن الدارمي وسنن الداراقطني والسنن الكبرى للإمام البيهقي وهو في أعلى درجات الصحة. عن هذا الخليفة الراشد المحدِّث المبارك الملهم رضي الله عنه أنه أتى بيت الله الحرام في الكعبة المشرفة في وسط الزحام والناس في الحج وهو أمير المؤمنين استلم الحجر الأسود وقبّله ثم رفع صوته قائلا: "إني لأعلم أنك حجر لا تضرُّ ولا تنفع" فعلام أيها الخليفة الراشد تقبِّل حجراً لا يضر ولا ينفع؟ استمع لأتباعه لنبينا عليه الصلاة والسلام في جميع الأحوال "ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتُك..". وفي المسند وصحيح مسلم وسنن البيهقي والسنن الكبرى للإمام البيهقي أنه قال "لكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيًّا" أي كان يحتفي بلا ويهتم ويكرمك ويقبّلك ويجلّك ونحن قدوتنا وأمامكا نبينا عليه الصلاة والسلام فإذا احتفى بك خير خلق الله فنحن تبع له في ذلك الاحتفاء "ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّلك ما قبلك غير أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيًّا". وثبت أيضاً في مسند أبي داود الطيالسي والحديث رواه الدارمي والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى وإسناده صحيح كالشمس عنه أيضاً عن سيدنا عمر رضي الله عنه: أنه استلم الحجر الأسود فقبله وسجد عليه وفي رواية وضع خده عليه ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ليستلم الحجرة يقبله يسجد عليه يمسح خده "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله". نعم إخوتي الكرام عندما نتبرّك ببيت الله الحرام "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان أمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " (آل عمران) .

عندما نتبرك بالبيت الكريم ونعظم شعائر رب العالمين لا يعني أننا نعبد البيت وأننا نعبد هذه الشعائر لا ثم لا.. فعبادة المخلوق لا تصرف إلا لخالقه جل وعلا، " فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. وليس هذا التقبيل والتمسح عبادة لهذا البيت إنما هذا طاعة لله جل وعلا وما ورد به الشرع نقف عنده ولا ندخل آراءنا وأهواءنا وإذا أراد الإنسان أن يشتط ون يقول: هذه لوثة من نزعات الجاهلية كانوا يعظمون البيت ويقبلون الحجر فقل له هذا اقتداء بخير البرية عليه الصلاة والسلام. نعم ما فيه بركة نتبرك به ونتمسح به تعظيماً لله جل وعلا لا عبادة له (للخلق) والإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء 4/42 عندما ذكر الحضّ على زيارة المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه لتكتحل عينا الإنسان بمدينة نبينا عليه الصلاة والسلام يقول: والله لو أنا ظفرنا بالمحجن الذي استلم به النبي صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود –والمحجن هي العصا معقوفة الطرف إذا كان الإنسان يركب على دابة يأخذ بها شيئاً من الأرض من متاع سقط منه أو غيره لها طرف يعنى كالعكاز والباكورة في هذه الأيام "المحجن" نبينا عليه الصلاة والسلام عندما طاف على راحلته المباركة جاء إلى الحجر الأسود فاستلمه بالمحجن وضع محجنه على الحجر الأسود ثم قبّل هذا المحجن.

والحديث ثابت في المسند والكتب الستة إلا سنن الإمام الترمذي فهو في الصحيحين " استلم الحجر بمحجنه ثم قبّله " يقول الإمام الذهبي لو ظفرنا بالمحجن الذي استلم به نبينا عليه الصلاة والسلام الحجر الأسود وقبّله لحق لنا أن نزدحم على محجنة للتبجيل والتقبيل هذه العصا التي كانت تمسّ يد نبينا عليه الصلاة والسلام ويمسكها لو قدر أننا ظفرنا به لحق لنا أن نزدحم على محجنه عليه الصلاة والسلام بالتبجيل والتوقير. إخوتي الكرام: الذي يقوله هذا الإمام الهمام هو المقرر عند أئمة الإسلام وقد فعله جم غفير من التابعين للصحابة الكرام رضي الله عنهم وههنا ينبغي أن تتخرّس الألسنة التي تتكلم بالباطل في هذه الأيام ويقولون: إن التبرك بغير النبي عليه الصلاة والسلام ما حصل من أحد نحو أحد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل من التابعين نحو الصحابة الكرام الطيبين. والآثار في ذلك كثيرة وفيرة سأذكر أثرين اثنين: الأثر الأول: رواه الإمام الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات كما قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في المجمع 8/42 في كتاب الأدب باب قبلة اليد. والأثر رواه سيد المؤمنين وإمام المحدثين الإمام البخاري في الأدب المفرد ص 144 ولفظ الأثر عن عبد الرحمن بن زيد الغافقي المصري وهو من أئمة التابعين الكبار وحديثه مخرج في الأدب المفرد للإمام البخاري وسنن أبي داود وابن ماجه قال قدمنا الربذة فقيل لنا هاهنا رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سلمه بن الأكوع قال فذهبنا إليه ودخلنا عليه فقال لنا بايعت النبي صلى الله عليه وسلم بهاتين اليدين قال فأخرج لنا كفَّا ضخمة كأنها خف بعير فقمنا إليه وقبلناها فلم ينكر علينا ذلك. اليد يد صحابي مسّت يد الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قمنا إليها وقبلناها. صافحتهم متبرّكاً بأكفّهم – إذا صافحوا كفَّا على ثميناً..

نعم هذا حصل من تابعي نحو صحابي بإسناد صحيح وفي المصدرين المذكورين. وأثر ثالث رواه الإمام البخاري في نفس المكان في الأدب المفرد ص144 عن شيخ الإسلام في زمنه وإمام التابعين ثابت بن أسلم البُناني (وقد توفي سنة بضع وعشرين بعد المائة) وحديثه في الكتب الستة وتقدم منعنا شيء من مناقبه وفضائله رضي الله عنه وأكرمه في قبره بعد موته بقراءة القرآن فما مرّ أحد بجوار قبره إلا سمعه يتلو كلام الله جل وعلا، ثابت بن أسلم البناني تلميذ أنس بن مالك رضي الله عنه والقصة يستشهد بها الإمام الذهبي في المكان الذي ذكرته آنفاً في السير 4/41 فما بعدها كان ثابت بن أسلم يجيء إلى سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول أبا حمزة أرني يدك التي صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعت به رسول الله صلى الله عليه وسلم مسست بها يد رسول الله صلى الله علية وسلم فكان أنس يخرج له يده فيكبّ عليها ثابت بن أسلم البناني بالتقبيل والتبجيل.

أثران عن تابعيّين مع صحابيين. إخوتي الكرام وعمدتهم في ذلك ما أشرت إليه سابقاً من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقلت إن الحديث في المعجم الأوسط للطبراني وحلية الأولياء وإسناده صحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشرب يرجو بركة أيدي المسلمين، وقد ذكرت هذا في الموعظة الماضية أو التي قبلها فاستشكل هذا بعض المستشكلين لكثرة المشوّشين المشكّكين في هذا الحين فكان من كلامهم: أي فائدة في رواية مثل هذه الأخبار؟ قلت يا عبد الله أو ليست هذه الأخبار أفعال نبينا المختار عليه الصلاة والسلام؟ أو ليست هذه الأخبار أفعال السلف الأخيار؟ وديننا من أين يؤخذ؟ ولم يضيق صدرك إذا ذكر مثل هذا؟ لم يضيق صدرك إذا تحدث الناس بمثل هذه الأخبار؟ وإذا ذكرت قصة من ذلك كأنك أخرجت ثعباناً من الصندوق وألقيته على بعض الناس لم يضيق صدرك؟ فعل نبيك عليه الصلاة والسلام "يأتي بهذا الماء فيشرب يرجو بركة أيدي المسلمين". وهنا فعل أئمة الإسلام وتقدم معنا بعض الحوادث كما قلت في الموعظة الماضية فعلام يضيق صدرك يا عبد الله ثم هذا التشويش واللغط من قبل الغالطين المشوشين في هذا الحين "من تبّرك بصالح فهو مشرك" وأن هذا من خصال المشركين وأن من يبيحه فهو طاغوت لعين.

طيب بعد ذلك أنت تقول: ما الحكمة من ذكر هذا؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله إخوتي الكرام لابدّ من أن نعي أحوالنا على التمام، ما فعله نبينا عليه الصلاة والسلام ونقل عن سلفنا الكرام ينبغي أن نتأدب نحوه وأن نأخذ به وأن نفرح عند ذكره ومدارسته واجتمعت مرة مع بعض الأخوة وقال: يعني هذه الأبحاث التي تذكرها من أولها لآخرها ليس هذا وقتها فلو تركت لكان أحسن قلت في أي شيء نبحث؟ قال نبحث في أحكام دين الله قلت: أسألك ما حكم من لبس الصليب؟ قال: حرام، لبس الصليب حرام قلت: لِم تغلظ على من يتبرك بصالح أكثر من إغلاظك على من يتبرّك بالصليب ويلبسه؟ قال: ماذا تقصد؟ قلت إذا أتيت لتبرّكٍ بصالحٍ تقول " شركٌ " "ومُشرك " "وطاغوت " وإذا أتيت للبس الصليب حرام لم لا تقول إن هذا شرك وكفر بالرحمن؟! قال الشرك والكفر نوع من الحرام، قلت إذاً ترى أن لبس الصليب شرك وكفر؟ قال: نعم، قلت فأسلك سؤالاً آخر وهو محل الشاهد أما الأول فهو مجمع عليه بين أئمتنا أن من لبس الصليب فهو مرتد كافر لاحظ له في الإسلام لا تتكلم في هذه المسألة وهذا لا خلاف فيه بين أئمة الإسلام إنما المسألة ما حكم من يبرر لبس الصليب ويفتي بجوازه قال نهينا عن تتبع زلل العلماء هذه زلة من عالم قلت هذه زلة؟

وأئمتنا عندما قرروا جواز التبرك بناءً على أدلة صدق قال بها أهل الحق تشتطّون وتغضبون للشيطان لا للرحمن، وتعاملون أئمتنا الأبرار معاملة الكفار وهنا زلة؟ قلت والله إن الفتيا بحل لبس الصليب وجوازه أشنع بكثير من لبسه، فعلام يا عبد الله تكثرون الضجيج على ما قاله أئمتنا الكرام كشيخ الإسلام الإمام النووي وابن حجر والإمام الذهبي والإمام الخطابي وأئمة الإسلام تكثرون عليهم الضجيج وتقولون: شرك –وطاغوت- ومشرك، وإذا جئتم بعد ذلك إلى لبس الصليب قلتم: "حرام " وإلى الفتوى بجواز لبسه على حسب الأعراف الدولية والمراسم الردية فهذا لا حرج فيه "زلة من عالم " لا إله إلا الله محمد رسول الله، كيف انتكست القلوب في هذه الأيام ما فعله نبينا عليه الصلاة والسلام وفعل به وما فعله الصحابة الكرام وفعل بهم وما تتابع عليه أئمة الإسلام يأتي صُعلوك في هذه الأيام وهو متكئ على أريكته يقول: هذا مشرك، والذي يدعو إلى هذا مشرك وطاغوت، ثم تأتي بعد ذلك إلى شعائر الكفر المجمع عليها بأنها تدل على كفر ما حكم لبس الصليب؟ حرام وما حكم من يفتي بجوازه؟ زلة من عالم لا يجوز أن نعلق عليها بأكثر من ذلك، وبعضهم يشتطّ يقول وهو في زلته مأجور على اجتهاده هدمتم دين الله، هدمتم دين الله يا من لا تخافون من الله رحمة وذلة واستكانة نحو أعداء الله وجبروت وطغيان نحو أولياء الله.

إخوتي الكرام: –كما قلت- هذا الخليفة الراشد المبارك رضي الله عنه عندما قبّل الحجر حَذارِ حذار أن يقول صعلوك في هذه الأيام إن تقبيل الحجر والتبرك ببيت الله الحرام إن هذا من ذرائع الشرك وإن هذا من خصال الجاهلية ما فعلنا هذا إلا اقتداءً بنبينا خير البرية عليه صلوات الله وسلامه مع علمنا وجزمنا بأننا عندما نتبرك ببيت ربنا وبالحجر الأسود وبنبينا عليه الصلاة والسلام وبالصالحين من عباده أننا لا نخصّ شيئاً من ذلك بالعبادة فالعبادة لا تعرف إلا لمستحقها ألا وهو الله جل وعلا، لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إخوتي الكرام هذا المسلك الذي كان عليه سلفنا كما قلت في العصر الأول وعليه كان عندهم المعوّل يعوّلون عليه هذا المسلك هو المنقول عن أئمتنا بجميع مراحل هذه الأمة المرحومة يأمرون بالاتباع ويحذّرون من الزيغ والهواء والابتداع. هذا سيدنا إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه نجم السنن (م179هـ) وحديثه في الكتب الستة يقول كما في ترتيب المدارك بطبقات أصحاب الإمام مالك للقاضي عياض 1/172 " وخير أمور الدين ما كان سنة – وشر الأمور المحدثات البدائع وخير أمور الدين ما كان سنة " ما هو منقول عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما هو ثابت في سنته. وشر الأمور المحدثات البدائع فكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة. وكان يقول: وقد نقل عنه هذا القول وشرحه الإمام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوي 4/137 يقول: السنة كسفينة نبي الله نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام من دخلها نجا ومن حاد عنها هلك وغرق. ما نجا في الطوفان الذي حصل في عهد نبي الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إلا من دخل السفينة التي صنعها بأمر ربه الرحمن فمن دخل سفينته ممن عَبَدَ الله واتبع أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام نجا.

وهكذا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم بيننا كسفينة نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام إذا كنت على السنة فأنت على هدى وإذا انحرفت فأنت على ردّى وإذا كنت على السنة فمهما قصرت في الجد والاجتهاد فأنت على الطريق ولا بد لمن سلك الطريق المستقيم أن يصل إلى جنات النعيم ولو بعد حين، فإذا قصدت مكة المكرمة من الطريق المعروف المعهود ستصل بعد يوم أو يومين أو شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين مهما بعد الطريق ومهما تباطأت في المشي ما دمت على الطريق وإذا انحرفت يميناً أو شمالاً كلما ازددت سرعة ازددت عن بيت الله ابتعاداً وهكذا السنة كسفينة نبي الله نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام من دخلها نجا ومن حاد عنها هلك وغرق، وهكذا كان شيخ أهل السنة الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله ينبه على هذا المعنى كثيراً ويحث على اتباع السنة وطرح الآراء والأهواء وكثيراً ما كان ينشد في مجلسه كما في كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته 2/35 كان الإمام أحمد بن حنبل ينشد هذه الأبيات: كثيراً ويقول دين النبي من أخبار ... نعم المطيّة للفتى الآثار لا ترغبن عن الحديث وأهله ... فالرأي ليل والحديث نهار ولربما جهل الفتى أثر الهدى ... والشمس بازغة لها أنوار ... ... لا ترغبن عن الحديث وأهله، لا تزهدن في الحديث هذا الحديث كلام النبي عليه الصلاة والسلام وفي إتباع المحدثين ساداتنا علمائنا الكرام، فالرأي ليل، والليل مضيعة وهلاك ولتعرف أين تسير والحديث نهار، ولربما جهل الفتى أثر الهدى والشمس بازغة لها أنوار.

وهذه الأبيات أوردها الإمام الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص76 ونسبها لزياد بن عبدة الأصبهاني رحمه الله. وهكذا إخوتي الكرام كما قلت تتابع أئمتنا على تقرير هذا المعنى فهذا الإمام الجُنيد بن محمد القواريري أبو القاسم عليه وعلى أئمتنا جميعاً رحمة ربنا يقول كما في حلية الأولياء وتلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي والرسالة القشرية يقول: جميع الطرق مسدودة (لا يمكن أن يوصلك طريق منها إلى الله جل علا) إلا من اقتفى آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته ولزم طريقته فإن جميع أبواب الخير عليه مفتوحة ثم تلا قوله: "لقد كان في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" (الأحزاب /21) . وقد تواتر عن هذا الإمام وهذا القول في غنية عن إسناده فكل من ترجم لهذا الإمام أورد هذا الحديث في ترجمته سواء الكتب التي تروي بالأسانيد أو التي تذكر ما في تلك الكتب مما قيل فيها، كل من ترجم للإمام الجنيد نقل عن هذا الكلام، كان يقول: " مذهبنا مشيّد مقيّد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدي به " "اتباع " وحذار حذار من الزيغ والابتداع وكل طريق لا يوصلك إلى الله إلا طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.

إخوتي الكرام: والإمام الجنيد توفي سنة 298هـ قبل 300سنة بسنتين. وقد ترجمه الإمام الذهبي في سير الأعلام النبلاء 14/66 ونعته في بداية ترجمته فقال: "هو شيخ الصوفية في زمانه " ثم قال إنه اشتغل بالعلم وأقبل على شأنه فتألّه وتعبّد ونطق بالحكمة ثم بعد أن ذكر ما يطلب العقول في ترجمة هذا العبد الصالح ختم ترجمته بقوله: "رحمة الله على الجنيد، أين مثل الجنيد في علمه وحاله " وهذا آخر شيء يذكره في ترجمته في سير الأعلام النبلاء وقد بلغ من إجلال أئمتنا لهذا العبد الصالح ما حكى في ترجمة العبد الصالح أبي العباس بن سريج وهو أحمد بن عمر الذي توفي 303هـ بعد الإمام الجنيد بخمس سنين ويقول أئمتنا في ترجمة أبي العباس ابن سريج " ما في اتباع الإمام الشافعي أفضل منه " ابن سريج، جميع أتباعه مذهبه ما فيهم من يصل إلى مكانته وهو شيخ الإسلام في وقته تكلم مرة في مجلسه فأثنى عليه الحاضرون وأعجبوا بفصاحته والنور على كلامه. فقالوا من أين لك هذا؟ قال هذا ببركة مجالسة أبي القاسم يعني الإمام الجنيد. عليهم جميعاً رحمة الله. يقول: أنا جالست هذا الإمام المبارك ونظرت إليه وهو الذي يقول عنه الإمام الذهبي "تعبّد وتألّه ونطق بالحكمة " نظرت إلى هذا العبد الصالح الرباني فألقى الله في قلبي هذه الخشية والسكينة وأنطق لساني بالحكمة هذا ببركة مجالسة أبي القاسم الجنيد بن محمد القواريري وهذا موجود في ترجمته في سير أعلام النبلاء وغير ذلك.

إذاً إخوتي الكرام جميع الطرق على الخلق مسدودة إلا من تبع طريق نبينا عليه الصلاة والسلام والآثار في ذلك إخوتي الكرام كثيرة وفيرة لكن هذا المسلك السديد الذي سار عليه الرعيل الأول كما قلت وكان عليه عندهم المعوّل يقتدون بنبينا عليه الصلاة والسلام ويفرحون الرحمن بعبادتهم تغير هذا الأمر في العصور المتأخرة وكلما امتد الزمان سيزداد التغير ونسأل الله حسن الختام، ثبت في المسند للإمام أحمد وصحيح البخاري وسنن الإمام الترمذي من رواية الزبير بن عدي وهو من أئمة التابعين الربانيين الكرام وهو ثقة عدل رضىً حديثه مخرج في الكتب الستة توفي 135هـ يقول الزبير بن عدي رضي الله عنه: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه عندما كان البصرة نشكو إليه ظلم الحجاج فقال أنس رضي الله عنه وأرضاه " اصبروا فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ياتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم " تغير سيقع وسيعبد الناس أهواءهم وينحرفون عن عبادة ربهم ويجعلون أندادا لنبيهم صلى الله عليه وسلم يشركونهم معه في الطاعة أو يطيعونهم دونه عليه الصلاة والسلام " اصبروا لا يأتي عليكم عام إلا والذي شر منه حتى تلقوا ربكم " وفي رواية الإمام الترمذي ما من عام إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم وفي رواية في مسند الإمام أحمد لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه وهذا التحذير الذي صدر في هذا الصحابي الجليل نقلا عن نبينا البشير النذير صلى الله عليه وسلم هو الذي تتابع عليه سلفنا الكرام وبيّن لنا التغير الذي سيطرأ على هذه الأمة ما سيأتي من زمان.

فانظر لبعض الآثار المنقولة فقط عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقول في كتاب الزهد للإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير وإسناد الحديث صحيح يقول لامرأته: اليوم خير أم أمس أي اليومين أفضل أمس الذاهب أو هذا اليوم الحاضر فقالت زوجته الطيبة المباركة: لا أدري قال لكني أدري أمس خير من اليوم واليوم خير من الغد والغد خير مما بعده وهكذا حتى تقوم الساعة. وكان رضي الله عنه يقول كما في كتاب جامع بيان العلم وفضله وسنن الدارمي كان يقول: لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه، أما إني لا أعني عاما أخصب من عام ولا أمير خير من أمير ولكن فقهاءكم وعلماءكم يذهبون ولا تجدون عنهم خلفا ويأتي بعدهم أقوام يقيسون الأمور برأيهم فيضِلّون ويُضَلّون. هذا الذي سيطرأ على هذه الأمة وكان يقول كما في سنن الدارمي في المقدمة أيضاً " تعلموا العلم قبل أن يقبض، تعلموا العلم قبل أن يرفع" وقبض العلم بقبض العلماء تعلموا العلم فإن أحدكم لا يدري متى يُحتاج إليه أي يحتاج الناس إليه ليذكّرهم ويبصرهم وإذا لم يكن على هدى سيبتدع ويتبع الردى ثم كان يقول: "إياكم والتبدّع والتنطّع وإياكم والتعمق وعليكم بالعتيق " وكان يقول كما في حلية الأولياء يذهب الصالحون أسلافا وتبقى حثالة كحثالة الشعير يأتي بعد ذلك قوم سوء يعبدون أهواءهم ولا يتبعون نبيهم عليه الصلاة والسلام. وهذا الكلام الذي قاله أبو عبد الرحمن هذا العبد الصالح عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام هذا الكلام يخرج من مشكاة نبينا عليه الصلاة والسلام. فقد أشار نبينا عليه الصلاة والسلام إلى تغيّر الزمان في هذه الأمة فأخبرنا أنه سيبقى الأشرار وأخبرنا أنه سيقبض العلماء ويبقى الفجار فاستمعوا إلى تقرير هذين الأمرين من كلام نبينا المختار عليه الصلاة والسلام.

ثبت في مسند الإمام وصحيح البخاري والحديث من رواية مرداس الأسلمي رضي الله عنه ورواه الإمام الطبراني في الأوسط والإمام الخطابة في كتاب العزلة من رواية المستورد بن شداد والحديث صحيحٌ صحيح فهو في صحيح البخاري كما سمعتم ولفظ الحديث عن نبينا صلى الله علية وسلم أنه قال يذهب الصالحون الأمثل فالأمثل وتبقى حفالة كحفالة الشعير لا يباليهم الله بال’ " والحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الرقاق وبوّب عليه بابا فقال: باب في ذهاب الصالحين، قال أبو عبد الله (يعني البخاري نفسه) حُفالة وحثالة بمعنى واحد، حفالة/حثالة..كحفالة الشعير، الرديء منه لا يباليهم الله بالةً، أي لا يكترث بهم ولا يعبأ بهم، لأنهم قوم سوء وذهب منهم أهل الخير والصلاح والاستقامة يذهب الصالحون الأمثل فالأمثل وتبقى حفالة كحفالة الشعير/حثالة كحثالة الشعير لا يباليهم الله بالة. وقبض العلم أشار إليه أيضاً نبينا عليه الصلاة والسلام عندما يقبض العلماء الصالحون إخوتي الكرام ثبت في المسند والصحيحين والحديث في سنن الترمذي وابن ماجه من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ورواه الإمام البزار والخطيب البغدادي من رواية سيدتنا أمنا المباركة عائشة رضي الله عنها ورواية الإمام الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي هريرة رضي الله عنه فهو من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص وأمنا عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين. والحديث كما سمعتم في الصحيحين وغيرهما ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال:" إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم / حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جها فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".

إخوتي الكرام: وما أشار إليه نبينا عليه الصلاة والسلام قد وقع وبداية التغير قد طرأت على هذه الأمة عند فقد نبينا عليه الصلاة والسلام وانتقاله إلى جوار ربه فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه وهذا الأمر هو ما أخبرنا عنه من شهد تلك الوقعة الشديدة الأليمة المفجعة فعند فقده عليه الصلاة والسلام فقدوا النور والبركة وحسن التربية منه عليه الصلاة والسلام كما فقدوا بركة الوحي التي كانت تنزل عليه صباح مساء على الدوام. فبداية التغير حصلت في هذه الأمة عند فقد نبينا عليه الصلاة والسلام وما أصيب المسلمون بمصيبة تعدل هذه المصيبة.

وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الإمام الترمذي وسنن ابن ماجه من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء فيها كل شيء فلما قبض عليه الصلاة والسلام أظلم فيها كل شيء والله ما نفضنا أيدينا من تراب نبينا عليه الصلاة السلام حتى أنكرنا قلوبنا " أضاء فيها كل شيء بقدومه المبارك وطلعته البهية وجبينه الأزهر ووجهه المنور عليه صلوات ربي وسلامه فلما قبض كل شيء فيها أظلم ويقول هذا الخادم المبارك الذي خدم نبينا عليه الصلاة والسلام عشر سنين وهو أعلم الناس بأحواله والله ما نفضنا أيدينا عن ترابه عليه الصلاة والسلام حتى أنكرنا قلوبنا ما بقي فيها الرقة والأنس والبهجة وما بقي فيها الليونة والعذوبة التي كانت عندما نستمتع بالنظر إليه ونستمع الحكمة منه عليه صلوات الله وسلامه وهذا شعر به سائر الصحابة الكرام ففي مسند البزار بسند جيد كما قال الحافظ ابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله في الفتح والأثر رجاله رجال الصحيح كما في مجمع الإمام الهيثمي رحمة الله عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال: " ما فرغنا من دفن النبي عليه الصلاة والسلام ونفضنا أيدينا منه حتى أنكرنا قلوبنا " هذه بداية التغير موت النبي عليه الصلاة والسلام ذهاب السكينة ذهاب البركة ذهاب النور ذهاب السرور والله إن رؤيته عليه الصلاة والسلام تعدل ما لا يخطر بالبال والحسبان ففقدت الأمة هذا فنسأل الله تعالى أن يجمعنا في غرف الجنان وأن يمتعنا بالنظر إلى نور وجهه الكريم وإلى نور وجه نبينا عليه الصلاة والسلام إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

والبلية الثانية التي حصلت عن فقده عليه الصلاة والسلام انقطع الوحي وذهبت البركة وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن ابن ماجه من رواية سيدنا أنس بن مالك أيضاً قال: قال أبو بكر رضي الله عنه صديق هذه الأمة وأفضل خلق الله بعد النبيين والمرسلين على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه قال سيدنا أبو بطر لسيدنا عمر رضي الله عنهما " انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها وهي أمة بعد أمة وهي حاضنته وهي بركة المباركة رضي الله عنها وأرضاها "أم أيمن " فدخل عليه سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر رضي الله عنهما يزورانها بعد موت نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فلما دخلا عليها بكت فقالا: ما يبكيك يا أم أيمن فما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم " وما عند الله خير للأبرار " ما عند الله خير لرسوله عليه الصلاة والسلام قالت: قد علمت أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء، أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء هذه البركة التي كانت تنزل علينا صباح مساء فُقدت عند موت خاتم الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء فهيّجتهما على البكاء.

بداية التغير في هذه الأمة حصلت ووقعت وطرأت عند موت نبينا عليه الصلاة والسلام وفقدانه، فأصبنا بمصيبتين لا تعد لهما مصيبة ذهاب طلعة نبينا عليه الصلاة والسلام البهية النورانية وفقدان الوحي بعد موته عليه صلوات الله وسلامه إخوتي الكرام كلما امتد الزمان يزداد التغير في هذه الأمة ونسأل الله حسن الختام ثبت في صحيح البخاري وسنن الإمام الترمذي عن الإمام الزهري أنه دخل على سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه عندما ذهب أنس من البصرة إلى بلاد الشام يشكو الحجاج وما يحصل منه من ظلم واعوجاج يقول الزهري دخلت على أنس بن مالك رضي الله عنه وهو في مسجد بني أمية الكبير وهو في المسجد يبكي فقلت له يا أبا حمزة ما يبكيك؟ فقال " لا أعلم شيئاً مما كان عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة وهذه الصلاة قد ضُيّعت " لا أعلم شيئاً تواظبون عليه إلا هذه الصلاة تؤدونها بجماعة ثم مع ذلك ضيّعت تؤخرونها عن أول وقتها ولا يحصل فيها ما ينبغي أن يحصل فيها. وفي رواية الترمذي قال أبو عمران الجوفي لسيدنا أنس رضي الله عنه عندما قال: لا أعلم شيئاً مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو عمران: فأين الصلاة يا أبا حمزة نحن نصلي قال: أو ليس قد عملتم فيها ما عملتم؟ تؤخرونها عن وقتها لا تخشعون فيها ما بقي شيء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام مستقيماً كحاله في هذا العصر الذي هو العصر الأول كما يقول سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه.

نعم إخوتي الكرام إن الاعوجاج يزداد كلما امتد الزمان وقد تقدم معنا كلام الإمام المبجل سيدنا أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه كان يقول: إذا رأيتم شيئاً مستوياً مستقيماً فتعجبوا منه، وهنا " لا أعلم شيئاً مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذه الصلاة وهذه قد ضيعت، وهذه قد عملتم فيها ما عملتم وثبت في مسند الإمام أحمد عن أم الدرداء أن أبا الدرداء دخل عليها وهو مغضب فقالت: بأبي وأمي أنت من أغضبك؟ قال: " ما أعلم شيئاً ما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعاً " هذه الشعيرة هي الباقية كما كنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وباقي الشعائر حصل فيها ما حصل من العكر والتغيير والكدر، والأثر كما قلت في مسند أحمد وهذا الأمر الذي شعر به الصحابة الطيبون هو الذي كان يتحدث عنه التابعون المباركون ففي موطأ الإمام مالك من رواية مالك بن أبي عامر الأصبحي وهو ثقة عدل إمام رضي الله عنه حديثه مخرج في الكتب الستة وقد أدرك سيدنا عمر وسيدنا عثمان وأمنا عائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم وروى عنهم مالك بن أبي عامر الأصبحي يقول كما في الموطأ: لا أعلم شيئاً مما كانوا عليه الصحابة إلا الآذان حتى الصلاة في جماعة حصل فيها ما حصل من تغيير في ذلك الوقت إلا الآذان.

ويقول معاوية بن قرة وهو ثقة حديثه في الكتب الستة تابعي (م 113هـ) أدركت سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو بعثوا فيكم لما عرفوا شيئاً مما كانوا عليه إلا النداء بالصلاة ويقول شيخ الإسلام ميمون بن مهران وهو ثقة إمام خير مبارك حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة (م 117هـ) يقول: "لو نشر رجل من الصحابة الكرام من الصحابة (أي بعث من النشور) لما عرف غير قبلتكم لو نشر رجل من السلف الكرام من الصحابة الطيبين لما عرف إلا القبلة هذه التي نتوجه إليها وما غيرناها، وما عدا هذا أذاننا ملحون وصلاتنا فيها ما فيها وهكذا سائر شعائر الإسلام.

نعم إخوتي الكرام كلما امتد الزمان تكثر البدع وتتوارى وتختفي السنن ثبت في معجم الطبراني الكبير بسند رجاله موثقون كما في المجمع من رواية عبد الله بن عباس أنه قال: ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنةحتى تحيا البدع وتموت السنن، نعم بدع..تحيا، وسنن..تموت يعكف الناس على البدع باسم السنن وإذا غيرت البدع قالوا غيرت السنة. وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى التغيير الذي سيطرأ على هذه الأمة عندما سأله أمين سر هذه الأمة في المنافقين حذيفة بن اليمان رضي الله عنه والحديث في الصحيحين وفي سنن ابن ماجه عن حذيفة: قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله انا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن، قلت وما دخنه؟ يا رسول الله، قال قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر، قلت فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها، قلت يا رسول الله صفهم لنا قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة قال: فاعتزل تلك الفِرق كلها ولو تعضَّ على أصل شجرة حتى يدرك الموت وأنت على ذلك. حديث جليل يا إخوان الكرام ينبغي أن يتعلمه أولاد أهل الإسلام ليعوا حالهم في هذه الأيام كان الناس في جاهلية قبل بعثة خير البرية عليه الصلاة والسلام في جاهلية وشر ثم زالت تلك الجاهلية وانحسر ذلك الشر ببعثة نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام فقال حذيفة ابن اليمان هل سيطرأ على هذه الأمة تغيير وهل سيصيبها تكدير بعد هذا الخير الوفير؟ قال نعم.

والشر الذي طرأ عليها في عصرها الأول في زمن الخلفاء الراشدين عند الخليفة الثالث الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه حصل شر عندما حصل ما حصل من قبل الثوار الأشرار وذبحوه في بيته في بلدة نبينا المختار صلى الله عليه وسلم وما راقبوا الله في شيبته ولا في بلدة نبينا عليه الصلاة والسلام وانفتح على الأمة بعد ذلك باب الفتن وبقيت في هرج ومرج مدة خمس سنين في خلافة سيدنا علي رابع الخلفاء الراشدين توقفت الفتوحات الإسلامية وانقسمت الأمة داخلياً تتنازع فيما بينها من أهل البدع والأهواء من الخوارج والرافضة وغير ذلك من الأهواء التي حصلت في زمن سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه ومن فتن بينه وبين من خالفوه في وجهة النظر وهذا كله شر ثم زاد وهذه فتنة وقعت كما كان أئمتنا يقولون ومن خالف علياً رضي الله عنه من أهل الهدى لا نقول إنهم مفتونون..فتنة ولا نقول إنهم مفتونون شر هل بعد ذلك الشر خير؟

نعم سيأتي خير ويأتي عام الجماعة والأمة تتوحد وتصبح يداً واحدة لكن في ذلك الخير دخن، أي ليس بخير نقي صافي سليم لا شائبة فيه كما كان في زمن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وخلفائه الراشدين، خير وفيه دخن، والدخن هي الكدرة والتغير الذي يخالف اللون الأصلي ثياب بيضاء لكن فيها سواد وزرقة وفيها تغير وكدرة. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي ويستنّون بغير سنتي كما حصل من حكام بني أمية وبني العباس ومن بعدهم ثم قال حذيفة فهل بعد ذلك الخير من شر؟ خير وفيه دخن، خير مكدّر هل سيأتي بعده شر؟ نعوذ بالله من الشر الذي سيأتي بعده وهو ما نعيشه في أيامنا قال نعم دعة على أبواب جهنم وما أكثرهم ممن يدعون إلى الأحزاب المناقضة للإسلام وممن يدعون إلى موالاة اليهود والنصارى وأهل الشرك بالرحمن وممن..وممن..وممن..

دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا ليسوا بأعداء خارجية من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت ك فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ إذا شهدت انقسام الأمة وضياعها إلى هذه الحال دعاة على أبواب جهنم ماذا تأمرني؟ قال الزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة، والمراد بالإمام هو الخليفة الأعظم عندنا في الإسلام وهوالمسئول عن أهل الإيمان هذا هو تعريف الخليفة عندنا في شريعة الله المطهرة والذي يبايع على حسب كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ليحكم المسلمين فكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو من رعيته وتحت ولايته ويجب عليه أن ينصره وهذا زال عندما زالت دولة الإسلام عندما تكاتف أتباع الشيطان من شرق وغرب وقضوا على آخر خلافة إسلامية ألا وهي الخلافة الإسلامية العثمانية التي قضي عليها على أيدي الأعداء الكفرة بواسطة اللئيم الملعون مصطفى كمال أتاتورك لا رحمه الله ولا غفر له ولا أقاله عثرته وملأ قبره جمراً من نار جهنم، هذا اللعين الذي أصدر بإلغاء الخلافة العثمانية بتأييد من هذه الدول الكفرية ووقع هذا سنة 1343 من قرابة على ما يزيد على ستين سنة هذه آخر دولة إسلامية شهدها العالم الإسلامي ثم بعد ذلك تمزّقوا شذر مذر لا إمام ولا جماعة وأحوالنا لا يعلمها إلا الذي خلقنا والله لو علم بمصيبتنا الجبال لتصدعت من هول ما حلّ بنا ولوكان الحديث يشعر بما أحل بأمة نبينا صلى الله عليه وسلم لذاب وانصهر ولما وجد حديد متماسك صلب ولكن هذه القلوب ازدادت قسوتها على الحديد والحجارة في هذه الأيام الزم جماعة المسلمين وإمامهم إمام المسلمين هذا الذي هو مسئول عن الموحدين في جميع بقاع الأرض لا الذي يتكئ على أريكتة ويشجب بلسانه وهو يتترّع من التخمة لا ينزل بالأمة الإسلامية من مشاكل والنكبات، ثم بعد ذلك يدعي هو وغيره أنهم أئمة المسلمين إمام المسلمين هو

الذي يرعاهم ويبذل مهجته من أجل الحفاظ عليهم لا أن تكئ على أريكته ثم بعد ذلك يشجب ويستنكر المذابح التي يلاقيها العزل من عباد الله الموحدين في أرجاء المعمورة لأنهم آمنوا برب العالمين ثم هو يشجب، ثم هو يستنكر وإذا أردت أن تعرّض به لسلّط عليك الصواريخ صارت كرامتك أعلى من حرمة الموحدين المؤمنين وأعلى من دين رب العالمين فالزم جماعة المسلمين وإمامهم فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة كالحالة التي نعيش فيها، فرقة ما بعدها فرقة، وما مرّ على الأمة الإسلامية وقت أشنع ولا أسفل وأحطّ ولا أسوأ من العصر الذي نعيش فيه، قال: فاعتزل تلك الفِرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ومراد نبينا عليه الصلاة والسلام من هذا الأمر السلبي مراده منه أمر إيجابي فانتبهوا له: إخوتي الكرام إذا لم يكن هناك إمام ولا جماعة والرايات ضالة باطلة إذا سارعت إلى بعضها ستهلك وتُهلك كما هو الحال في هذه الأيام يريدون الإصلاح لكن يزيدون في الفساد والإفساد، وإذا كان الأمر كذلك فكل واحد منا يحصّن نفسه، فإذا ابتعدنا عن مشاركة الناس في الشر وعلم الله في قولبنا خيراً سنجتمع بعد حين إذا أردنا وجه رب العالمين فهذا علاج سلبي يترتب عليه أمر إيجابي، لا يمكن أن نجتمع على الحق إلا بعد أن نتروّى ونتبصر وأن نتأمل هذه الدعوات وهذه الرايات التي تنتشر هنا وهناك في هذه الأوقات فاعتزل تلك الفرق كلها، وإذا اعتزل الناس الشر سيفكرون بالخير ولا بد لكن إذا شاركوا في الشرور المنتشرة كما هو حال الشباب الطائش في هذه الأيام يزيدون الفساد والإفساد في بلاد الإسلام فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.

إخوتي الكرام: من أشنع بدع التغيير التي حصلت في هذا الزمن الذي نشيع فيه دعاة على أبواب جهنم من جلدتنا يتكلون بألسنتنا أشنع البدع التعايش الوهمي الذي يسمونه التعايش السلمي وحقيقته أن يدخل الموحدون تحت حماية من لعنهم الحي القيوم. وأن يصطلح الأبرار مع الكفار الأشرار وحقيقة التعايش السلمي رفع البغض من قلوبنا نحو أعدائنا وأن لا نفكر في قتالهم في يوم من الأيام إنما ينبغي كما يقول المثل العامّي: أن نأكل العيش وأن نملأ الكريش وأما بعد ذلك دين الله ينبغي أن ننصر بالحديد والنار "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز" (الحديد 25) . هذا لا ينبغي أن يفكر به ن تعايش سلمي وتعايش وهمي من دعا إلى هذه الفكرة فهو كافر مرتد خارج من دين الرحمن وإن صام وصلى وزعم أنه من عداد أهل الإسلام. ما عندنا بيننا وبين الكفار تعايش سلمي والله يقول وهو أعلم بما في قلوب عباده: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (البقرة) . ويقول جل وعلا: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" (البقرة) .

والله ما دام على وجه الأرض لن يهدأ بال يهودي ملحد حتى يكفر هذا الموحّد. لا يمكن أن يحصل تعايش سلمي إلا إذا تهودنا أو تنصرنا أو كفرنا بنينا عليه الصلاة والسلام وأعرضنا عن ربنا. تعايش سملي؟! أمرنا الله تعالى بقتال أعدائه. فهذه الأرض أرضه وهذا ملكه وينبغي أن تحكم شريعة الله في بلاد الله " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين " والفتنة هي الشرك والكفر، فما دام على وجه الأرض يهودي أو نصراني أو أي ملة من الملل الضالة الكافرة فالجهاد على المسلمين واجبٌ واجب وإذا تركوه فهم آثمون ملعونون وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة..حتى لا يبقى في الأرض كافر وتكون الدعوة كلها لله ويكون الدين لله وقال جل وعلا: "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير". تأوون إلى ركن ركين وحصن حصين هو رب العالمين فعلام الخضوع والاستسلام أمام أعداء الله المجرمين..، "فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير". إخوتي الكرام: التعايش الوهمي الذي يطنطن له في هذه الأيام بعد أن خرجنا من دين يريدون أن يجعلوا هذا الخروج له صفة الثبات والاستقرار والرسميات." هؤلاء الكفار إخواننا، فما ينبغي أن يبقى في قلوبنا شيء نحوهم " من دعا إلى ذلك فهو كافر.

إخوتي الكرام: إن أشنع بلية أصيبت بها الأمة الإسلامية في هذه العصور المتأخرة خسارة الحرب لقد كان سلفنا رضي الله عنهم أجمعين يخسرون في الحرب والخسارة في الحرب لا منقصة فيها "وتلك نداولها بين الناس" ونحن نرجو إحدى المحسنين إما النصر وإما الظفر بالشهادة لكن في هذه الأيام خسرنا الحرب من أولها إلى آخرها وما بقي عندنا روح الجهاد واستماتت الأمة في الخلود إلى الدنيا وشهواتها وملذاتها وموالاة أعداء الله خسارة الحرب بلية لا تعد لها بلية وشتان، شتان بين أن نخسر في الحرب أن نحسر الحرب خسرنا الحرب من أولها إلى آخرها والأمة تهيّأ في هذه الأيام لئلا يبقى في ذهن فرد منها فكرة الجهاد في سبيل الله. إخوتي الكرام.. إن الدعوة لدين الله واجبة وأول من يقوم بهذه الدعوة هو الجيش المرمرم في البلاد الإسلامية فمهمة الجيوش الوحيدة عندنا في بلاد الإسلام نشر راية لا إله إلا الله، ومقاتلة من يكفرون بلا إله إلا الله، هذه هي مهمة الجيوش الجرارة لا أن تحفظ عرش فلان وفلان مهمة الجيوش أن تنشر كلمة التوحيد في بلاد الله في أرض الله "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.." وهذا المعنى إذا ضاع منا- وقد ضاع- فسنبتلى بالذع والضياع، وهو ما تعيشه الأمة في هذه الأيام.

ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام أحمد في كتاب الزهد أيضاً وهو في سنن أبي داود ومعجم الطبراني الكبير ورواه الإمام أبو نعيم في الحلية والبيهقي في السنن الكبرى ولفظ الحديث من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتبعتم الزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دين الله " تبايعتم بالعينة ك وهي الربا وهي أن أبيعك سلعة مؤجلة بثمن ثم أشتريها منك معجلة بثمن أقل، وهي دلالة على الاحتيال على الربا، وما أكثر الاحتيال على الربا هذه الأيام باسم المبايعة الشرعية في دين الرحمن، تبايعتم بالعينة: أكلتم الربا وتبعتم الزرع وتركتم الجهاد " سلّط الله عليكم ذلاّ لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم إن الأمة الإسلامية إذا لم تجاهد ولم تكن هذه الفكرة صباح مساء فهي أمة منافقة من عين الله ساقطة. وقد أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مات ولم يغز ولم يحدّث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق". ما غزا ولا يفكر بهذا ويتطلع إليه ويتحرق عليه مات على شعبة من النفاق. إخوتي الكرام: إننا عندما خسرنا الحرب وضيعنا الإسلام عاقبنا الله بالذلّ في هذه الأيام ونسأل الله أن يحسن لنا الختام ماذا سنلقى عند لقاء ذي الجلال والإكرام. إن كل مبتدع وكل منحرف عن دين الله تعالى سيذله الله في الدنيا قبل الآخرة وأبى الله إلا أن يُذل من عصاه قال تعالى: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين" (الأعراف/152) .

ثبت في تفسير الطبري وابن أبي حاتم والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان ورواه أبو الشيخ عن العبد الصالح أبي محمد سفيان بن عيينة (198هـ) وحديثه في الكتب الستة قال ما من مبتدع إلا وتغشاه ذلة فوق رأسه ثم تلا قول الله تعالى: "إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين" (الأعراف152) . فقيل له: أبا محمد: هذه فيمن عبدوا العجل قال: أكملوا الآية واقرؤوا آخرها وانتبهوا لمعناه " وكذلك نجزي المفترين " فهي لكل مفتر إلى يوم القيامة نعم.."إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " أسأل الله أن يردّنا إليه ردّا جميلا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. إخوتي الكرام: كانت نيّتي أن أتحدث في الموعظة الثانية عن موضوع ينبغي أن يعلق عليه من ضجيج يجري في هذه الأيام حول مهادنة أعداء الله في هذه الأوقات وحول موقف أئمتنا رحمة الله عليهم – من هذا الأمر ومن شعيرة الجهاد وهذا الأمر الثاني الذي نتدارس مبحثه في الموعظة الماضية وهذه الموعظة في النصوص التي تأمرنا بالاتباع وتنهانا عن الابتداع يحتاج أيضاً إلى شيء من التفصيل أترك تفصيل هذا الأمر وتوضيح ما يتعلق بالضجيج الذي ينتشر في هذه الأيام إلى الموعظة الآتية بإذن ربنا الرحمن والوقت قد طال وأسأل الله تعالى أن يحسن لنا الختام.

اللهم أغفر ذنوبنا اللهم استر عيوبنا اللهم أصلح أحوالنا اللهم اجعل الجنة دارنا، اللهم لا تجعل إلى النار مصيرنا يا أرحم الراحمين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا اللهم أعز أولياءك اللهم أخز أعدائك بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أغفر للآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علّمنا وتعلّم منا، اللهم اغفر لمن له حق علينا اللهم أحسن لمن احسن إلينا اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم أغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم أغفر لمن عَبَدَ الله فيه، اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد".

تعذيب الميت ببكاء أهله عليه

تعذيب الميت ببكاء أهله عليه (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تعذيب الميت ببكاء أهله عليه الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. تقدم معنا أن البدعة من أسباب سوء الخاتمة عند الإنسان، وهذه البدعة التي يتسبب عنها سوء الخاتمة قلت إننا سنتدارسها ضمن ثلاثة مباحث: (1) أولها: في تعريف البدعة. (2) وثانيها: في النصوص التي حذرتنا من البدعة.

(3) وثالثها: في أقسام البدعة. ولازلنا اخوتي الكرام في المبحث الأول من هذه المباحث الثلاثة فقلت فيما سبق، إن البدعة هي الحدث في دين الإسلام، عن طريق الزيادة أو النقصان: مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن، وهذا الحدث إلى له نصوص الشرع الحسان. إخوتي الكرام: وقلت إن هذا التعريف ضل فيه فرقتان، فرقة غلط في تعريف البدعة وفرقت فأدخلت في البدعة ما ليس منها، وفرقة فرطت وقصرت في تعريف البدعة فبدعت في دين اله عز وجل وزعمت أنها تبعد الله، وهاتان الفرقتان على الضلال، ولابد أن نحذر مسلكهما، ونسأل الله أن يرينا الحق حقاً وأن يرزقنا اتباعه، وأن يجنبنا فيه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وان يكرهنا فيه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام: لازلنا نناقش، نرد على الفرقة الأولى التي وسعت مفهوم البدعة وغلط في ذلك، وقلت إنها ضلت وانحرفت عن طريقين اثنين بأمرين اثنين.

أولهما: حكمت بالبدعة والتضليل على ما احتمله الدليل وقال به إمام جليل، بل جاوزت هذا الأمر فحكمت بالبدعة على ما ورد صراحة بأدلة الشريعة المطهرة الثابتة، لأن ذلك لم يرق لعقولهم القاصرة الناقصة، أمرٌ احتمله الدليل وقال به إمام جليل، ما وسعهم ذلك فحكموا عليه بالبدعة وعلى فاعله بالتضليل، أمرٌ صرح به الدليل، لكن ما راق لعقلهم الهزيل فحكموا عليه بأنه بدعة وضلال في الدين، ومثلت لذلك بعدة أمثلة ينبغي أن نكون على علم وبينة منها، من هذه الأمثلة ما أشرت إليه سابقاً من وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع كالهئية التي يكون عليه المصلي قبل الركوع، ومنها صلاة التراويح وإنها عشرون ركعة ويوتر الإنسان بثلاث، وقراءة القرآن على الموتى عند القبور، ومنها تلقين الميت، ومنها القول بأن الأموات يسمعون ما يجري عندهم ويعلمون بزيارة الأحياء لهم ويستبشرون بما يقع عندهم من طاعة، ويتألمون بما يقع في حضرتهم من معصية، وتعرضت عند هذا إلى بيان حكم زيارة النساء للقبور وبقى علينا أمر كان في نيتي أن نتدارسه في هذه الموعظة لأختم الكلام على التحذير من أقوال هذه الفرقة وهذا القول إهداء القربات بأسرها من قربات بدنية ومالية ومركبة، منها إهداء القربات إلى الأموات، كان في نيتي أن نتدارس هذا الأمر في هذه الموعظة، لكنني سأرجئ الكلام إلى الموعظة الآتية إن شاء الله، وأتكلم في هذه الموعظة على أمرٍ كنت ذكرته في الموعظة الماضية وما تمكنت من الكلام عليه، وهذا الأمر، حيث صحيح ثابت عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه، احتمل ستة أمور، كل منها حق مقبول وقال فيه جميع هذه الأقوال التي يحتملها الحديث أئمتنا الكرام، السادس منها كما سأذكر يدل على مسألتنا التي تدارسناها ألا وهي سماع الأموات وسرورهم بما يجري عندهم من الطاعات وحزنهم وتألمهم بما يجري عندهم من المخالفات فلنتابع خطوات البحث في ذلك.

إخوتي الكرام: ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أمير المؤمنين الخليفة الراشد الثاني المهدي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، والحديث ثبت أيضاً في الصحيحين من رواية عبد الله بن عمر ومن رواية المغيرة بن شعبة، وجميع الروايات كما قلت في الصحيحين، والحديث مروي في غير ذلك من دواوين السنة المطهرة عن نبينا أنه قال: [إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه] ، وهذا الحديث احتمل ستة أمورٍ كما قلت كلها حق مقبول، وقال بذلك أئمتنا الكرام الفحول، سأوجه هذه الأقوال وأختمها بسادس الذي يدل على مسألتنا ألا وهو أن الأموات يسمعون ويفرحون بما يجري عندهم من طاعة ويحزنون ويتألمون بما يجري عندهم من معصية. المعنى الأول: الذي يحتمله هذا الحديث الشريف الثابت عن نبينا عليه الصلوات والسلام (أن الميت يعذب في الآخرة عند الله عز وجل، إذا تسبب في حصول النياحة والعويل عليه، بأن أوصاهم بذلك وسن لهم هذا الأمر المنكر المبتدع في الدين، وإلى هذا ذهب سيد المسلمين وأمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري عليه رحمة الله فبوب في صحيحه في كتاب (الجنائز) باب يشير به إلى هذا القول الذي ذهب إليه ومال إليه، فقال باب (الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه) إذا كان النوح من سنته، فإذا لم يكون النوح من سنته فلا يعذب لأن الله يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} .

وقول هذا الإمام المبارك الكريم عليه رحمات رب العالمين، أن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه يريد بالبكاء هنا النياحة وهي التي فيها جزع ورفع صوت وتسخط على المقدور، واعتراض على العزيز الغفور الذي قدر الأمور وخلق الخلق وإليه يؤولون، فإذا حصل هذا النوع من البكاء وصراخ وعويل واعتراض هذا هو الذي يحاسب الإنسان عليه ويعاقب بسببه إذا كان من سنته، وأما مطلق البكاء على الميت فلا حرج على الإنسان فيه على الإطلاق لأن هذا من باب الرحمة التي أودعها الله في قلوب الرحماء من خلقه، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (اشتكى سعد ابن عبادة رضي الله عن الصحابة أجمعين، فاشتد وجعه فذهب النبي عليه الصلوات والسلام إلى عيادته وزيارته وذهب معه سعد بن وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وجمع غفير من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فلما دخل نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه على سعد بن عبادة وجده وعليه غاشية، والغاشية تحتمل أمرين كما قرر أئمتنا أي غشيه أهله وأحاطوا به لشدة وجعه واشتداد كربه، وغاشية: أي غشى عليه فقد وعيه في تلك الحالة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام قضى سعد يعني خرجت روحه وقبض وتوفى، فقالوا لا يا رسول الله عليه الصلوات والسلام، فلما اقترب منه النبي عليه الصلاة والسلام ونظر إليه استعبر وبكى وذرفت عيناه بالدموع عليه صلوات الله وسلامه فبكى الصحابة الكرام أجمعون ببكاء نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام ألا تسمعون، إن الله لا يعذب لا يؤاخذ بدمع العين وبحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار النبي (إلى لسانه، يعذب بهذا أو يرحم، أي أن البكاء وأن الأعين تزرف الدمع وأن القلب يحزن لفراق الحبيب، هذا لا لوم عليه لا على الباكي ولا على من يبكى عليه، إنما إذا حصل جزع واعتراض على الله جل وعلا وصراخ وعويل بهذا وهو اللسان فالله يعذب أو يرحم

سبحانه وتعالى، أما أن يعذب وإما أن يعفو وهو خير الغافرين وأرحم الراحمين، والحديث كما قلت اخوتي الكرام في الصحيحين. وقد ثبت في الصحيحين أيضاً من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن إبراهيم ولد نبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه عند ما اشتد وجعه ذهب النبي عليه الصلاة والسلام لزيارته مع بعض الصحابة وكان في فترة الرضاعة وقد توفي هذا الغلام المبارك سيدنا إبراهيم بن سيدنا الأمين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قبل نبينا عليه الصلاة والسلام بثلاثة أشهر وهو في فترة الرضاعة فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام وحمله شمه عليه صلوات الله وسلامه ثم ذرفت عيناه بالدمع فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه، أي أنت لا تملك نفسك ولا تصبر وأنت تأمرنا بالصبر وأنت تبكي وقد نهيتنا عن الجزع؟ فقال عليه الصلاة والسلام إنها رحمة ثم اتبعها بأخرى، أي بدمعة أخرى تسيل من عينيه المباركتين عليه صلوات الله وسلامه، وإما بجملة أخرى هي قوله عليه الصلاة والسلام، [إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون] إن العين لتدمع وإن القلب يخشع ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون.

وإلى هذا أشار الإمام البخاري عليه رحمة الله فقال باب (الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه) ثم محل استنباطه هو آخر الترجمة قال إذا كان النوح من سنته، من سنته التي جمعها سنن، أي من طريقته، بضم السين كما قال أئمتنا سنة، وفتح النون المشددة من سنته، وضبط بضم السين المهملة بعدها موحدتان، أي من سببه وهو المعنى واحد كما حقق أئمتنا شراح الحديث إذا كان النوح من سنته، أي من طريقته إذا كان النوح من سببه أي بأجله أنه هو أوصى أن ينوح أهله عليه، فإذا فعل ذلك عذب عند الله عز وجل والسبب في ذلك إنه أوصاهم بمعصية بتسخط على المقدور واعتراض على العزيز الغفور ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من يعمل بها من بعده إلى يوم القيامة. وقد أشار إلى هذا الأمر نبينا قال: [لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها] لأنه أول من سن القتل، قابيل عندما قتل أخاه المبارك الجليل هابيل، كل نفس تقتل بعد موت هابيل إلى يوم القيامة ظلماً يتحمل قابيل وزر قتلها ولن ينقص من أجر القاتل شيء من وزره [لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم كفل منها] أي نصيب من ذلك القتل، والوزر لأنه أول من سن القتل، نعم عندنا في شريعة المطهرة، ومن سن خيراً واتبع فيه فله أجره وأجر من عمل به بعده، وهكذا إذا سن وزراً واتبع فيه فعليه وزره ووزر من عمل به بعده.

وقد ثبت هذا في المسند، والحديث رواه البخاري في كتاب (الأدب المفرد) والإمام مسلم في صحيحه وأهل السنن الأربعة إلا سنن أبي داود أيضاً من رواية جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي قال: [من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء] فهذا هو المعنى الأول لهذا الحديث الثابت في الصحيحين من رواية عمر وابن عمر والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أجمعين، (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) أي بما يناح به عليه إذا أوصى بالنوح والاعتراض على الله عز وجل، هذا المعنى الأول. وهو حق، وقواعد الشريعة تقرر وأئمة الإسلام كلهم يقبلون.

والمعنى الثاني: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، بما ينوح به أهله عليه إذا علم من عاداتهم أنهم ينوحون يبكون ويعترضون على الحي القيوم، وما أوصاهم في حياته أو عند احتضاره بعدم النياحة عليه وما حذرهم من ذلك وزجرهم عنه، فإذا مات وناحوا عليه يعذب عند الله عز وجل، لأنه عليه أثم المعصية حيث ترك تربية أهله ونصحهم وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله جل وعلا يأمرنا أن نتقيه وأن ننشئ أهلنا على تقواه، يقول جل وعلا في سورة التحريم {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} قوا أنفسكم وأهليكم ناراً: أي علموها الخير، وهكذا علموا أهلكم الخير، تعلموا الخير وعلموه، واعملوا به، كما ثبت هذا التفسير عن علي رضي الله عنه في تفسير الطبري ومستدرك الحاكم، وفي مصنف ابن أبي شيبة وسنن سعيد بن منصور، وتفسيره وغيرهم {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} علموا أنفسكم وأهليكم أمور الخير، وثبت في تفسير عبد ابن حميد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، قال علموا أهلكم وأدبوهم فأنت مسؤول عنهم، فينبغي أن نحذرهم من كل معصية، فإذا حذرتهم وفعلوا ذلك فلا أثم عليك، وإذا لم تحذرهم فقد شاركتهم في تلك المعصية لأنك ما نصحتهم عنها وما زجرتهم عنها، (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) هذا التأويل الثاني، وهو تأويل أيضاً حق، مقبول مبرور، لأنه إذا ترك النهي أهله عن هذا المنكر الذي يفعله أهله، إذا ترك النهي عنهم فقد شاركهم في ذلك وأقرهم عليه، وقد أخبرتنا نصوص الشريعة المطهرة أن الإنسان إذا فرط فيما يجب عليه من نصح وأمر بمعروف ونهي عن منكر يحاسب على ذلك عند الله عز وجل، ولذلك أول من يختصم عند الحق جل وعلا جاران ملتصقان في السكن في هذه الحياة، أول خصومة تقوم بين جار في تذكره في التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

وقد أشار إلى هذا نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه أبي عاصم وإسناده صحيح، قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في (المجمع) رجاله رجال الصحيح، قال إلا أبا عُشانه وهو ثقة، وأبو عشانه اسمه حيي بن يُؤمِن المصري توفي سنة ثماني عشرة ومائة للهجرة 118هـ، وحديثه في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري وقد أخرج له السنن الأربعة إلا الإمام الترمذي عليهم رحمة الله، فالحديث صحيح، ولفظ الحديث من رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي قال: [أول من يختصم بين يدي الله جل وعلا جاران متجاوران لا تناصحاهم ولا يتواصيان بالحق ولا يتواصيان بالصبر] والخصومة تقع بينهما أمام الله عز وجل، إذا كانت الخصومة ستقع بينك وبين جيرانك إذا تركتم النصح فيما بينكم فمن باب أولى، إنك ستحتمل عقوبة أهلك إذا ما نصحتهم وحذرتهم وزجرتهم عن النياحة والبكاء عليك بعد موتك، هذا المعنى الثاني وهو أيضاً حق مقبول مبرور. والمعنى الثالث: قرره أئمتنا أيضاً وهو حق، (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) أي يعذب به بنظير ما يبكيه به أهله إذ كان ذلك الفعل الذي يُبكى عليه من أجله معصيته لربه جل وعلا، وهذا يقومون لبعض الأمور العظيمة في هذه الحياة، لكن على غير هدى رب الأرض والسماوات، فيثني على الزعيم إذا مات بأنه وطني وأنه كان يحرص على مصلحة الوطن، وهذا يزيده بكاءً ويعذب عليه عند الله عز وجل يثني أيضاً على الإنسان بأنه كريم لكنه كان ينفق ماله في معصية رب العالمين، يثني على الإنسان بأنه كان يتصف بالشجاعة لكن ذلك في غير الطاعة، مات وقد أثنى عليه الناس ثم تذكر هذه الأشياء وبكوا عليه كان حريصاً على وطنه، كان كريماً، كان شجاعاً، لكن كل هذا على غير شرع الله فالناس يذكرونه بهذا المأثر على زعمهم ويحزنون عليه ويبكون لفقده بسبب هذه الأشياء، وهو يعذب عليها عند الله عز وجل، وما أكثر ما يقع هذا في هذه الأيام.

ولعلكم تذكرون اخوتي الكرام ما تطائر به الصحف ما بين الحين والحين من تأبين أعداء رب العالمين والبكاء والنياحة عليهم لما قدموه من مأثر وهي في الحقيقة بلايا ورزايا، والعبد المخذول قاسم أمين الذي أفضى إلى ما قدم نسأل الله أن يحسن ختامنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، عندما نشر البدعة الردية في هذا العصر بدعة تحرير المرأة في كتابه الذي سماه بهذا الاسم، وهكذا في الكتاب الآخر الذي هو أخبث من هذا الكتاب ألا وهو المرأة الجديدة، ودعا إلى السفور ولعري والتهتك، إنه دعا إلى معصية ولا شك لكن أخبث منه وأشر من جاؤا يؤبنونه وينشرون في الصحف العامة صور الرجال ويراقصون النساء وهنَّ عاريات كاسيات ثم يكتب بعد ذلك فوق هذا المشهد (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) ويكتب بعد هذا الحديث الثاني الذي ذكرته، كما قلت (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء) .

وأما الحديث الأول (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) فهو حديث صحيح في المسند وفي كتاب الأدب المفرد للبخاري وفي صحيح مسلم وقد أخرجه أهل السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من أصح الأحاديث فيرون أن دعوته إلى النور عمل صالح، مقبول مبرور يثاب عليه عند العزيز الغفور، هذا ما يقال في حفلات تأبينه في هذا الحين، وهذا العبد الضال المضل الذي انتقل إلى سجين أخذه الله سنة ست وعشرين وثلاثمائة بعد الألف 1326هـ من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام، أي صار له قرابة تسعين سنة، في الدار الآخرة ونسأل الله حسن الختام ولا زال يؤبَّن ما بين الحين والحين ويثنى عليه ويتباكون على ما قدم، إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، هذا الكتاب الذي نشره تحرير المرأة، والمرأة الجديدة، يبكى عليه من أجل هذا الكتاب وإنه نشر في الأمة مفخرة، سبحان ربي العظيم، وقد يصل الأمر والشطط ببعض الضالين أنه يقول في حفلات تأبينه أبياتاً من الشعر بعد أن صدرها بالحدثين المتقدمين. يقول كنت في الحق للإمام نصيرا، والوفي الصفي من أصحابه، ويقصد بالإمام تلميذ جمال الدين الأفغاني ألا وهو محمد عبده فيقول له كنت في الحق للإمام نصيرا، والوفي الصفي من أصحابه.

نعم إن قاسم أمين ما نشر ذلك الضلال اللعين إلا بإيحاء من هذا الشيخ وقد أفضى الشيخ والتلميذ إلى رب العالمين ليلقى كل واحد جزاء سعيه، كنت في الحق للإمام نصيرا، والوفي الصفي من أصحابه، نم هنياءً فنصر نالت در ما ترجو من ثوابه، منك عزم الداعي، أنت دعوت بعزم، إلى هذه الخصلة تحرير المرأة، وفضل المجلى، أنت الذي سبقت إلى هذه الدعوة ولك أيضاً من الله ما ترجو من ثوابه، سبحان ربي العظيم، والله إن الجاهلية ما كانوا يؤملون أجور على جاهليتهم عند رب البرية، وإن الشيطان الغرور ما وصل به الغرور، إنه يرجو أجراً على فسقه وضلاله وخبثه عند العزيز الغفور ن لكن الناس في هذه الأيام اشتد غرورهم بحيث صاروا يريدون أجور على معصيتهم عند ربهم جل وعلا، ينشر بدعة السفور والدعوة إلى الإباحية، واختلاط النساء بالرجال ضلال لا شك ثم يؤبن بعد ذلك ويبكى عليه، بأنه قدم للأمة خيراً، ولن ينقطع عمله عند الله عز وجل، نعم لن ينقطع وزره، وما دامت امرأة تسفو في البلاد الإسلامية، يتحمل هذا الشيطان الرجيم قاسم أمين وزرها كما تحمل وزر نشر هذا الكتاب، الميت يعذب ببكاء أهله عليه، أي بنظير ما يبكيه به أهله مما يعتبر معصية لله، وهذا يقع بكثرة، كم من ضال في هذه الأيام يموت وقد نشر الضلالات في هذه الحياة، ثم تتباكى عليه إذعات العالم وتحزن، ولعلكم تستحضرون الضالة الخبيثة التي ماتت من سنين وحزن عليها في جميع إذعات المسلمين وأنها كانت داعية السلام وقد قتلت هي وأسرتها وأهل الإجرام من المسلمين في ذلك المكان، ما لو جمعت دماءهم لسالت منها نهر عظيم، ثم بعد ذلك يقال عنها بأنها داعية السلام، داعية السلام ثم عند تحريقها، وهذا مما يندى جبين الإنسان يجتمع ثلاثة من الضالين عندما تحرق شيخ يقراء القرآن، وبوظى بقراء في كتاب بوظه وهنوكي يقول مراسم الهنادكة عند تحريقها من أجل أن توزع بعد ذلك ذرات جسمها على العالم يحصل للعالم بركة من هذه الذرات

النجس والناس أيضاً يتباكون عليها داعية السلام وقد أراقت من الدماء من دماء المسلمين ما لو جمعت تلك الدماء لسال منها نهر عظيم ثم يبكي الناس عليها بأنها داعية السلام. نعم صدق نبينا عليه الصلاة والسلام أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، يبكون عليها بهذه الخصال التي فيها وهي تعذب عند الله من أجلها ن وهذا معنى ثالث حق، قرره أئمتنا وقواعد الشرع تقرره وتدل عليه.

والمعنى الرابع: ذهبت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهو حق لا غبار عليه، لكن سأنبه ما في قولها مما ينبغي أن نكون على وعي به، تقول أمنا عائشة عندما حدثها عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، يعذب ببكاء الحي عليه، قالت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي، ما حدث بهذا لكنه قال إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه، ثم قالت حسبكم القرآن، قال الله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وقالت رضي الله عنها وأرضاها يرحم الله عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام ما حدث بهذا وكانت رضي الله عنها تقول إذا حاجها ابن عباس وقال حدث بهذا عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام كانت تقول والله إنكم لا تحدثون عن كاذبين مكذبين، لكن السمع يخطئ أن النبي مرَّ على يهودية وأهلها يبكون عليها وهي ميتة فقال إنهم يبكون عيها وإنها لتعذب، وكان تقول أيضاً، يغفر الله لأبي عبد الرحمن يعني ابن عمر أما والله إنه لم يكذب لكنه أخطأ أو نسيَ، مر النبي على يهودي ميت وأهله يبكون عليه فقال عليه الصلاة والسلام إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وعليه كان أمنا عائشة رضي الله عنها تريدان تقول إن هذا الوعيد لمعين معلوم، وهو اليهودي واليهودية، وينسحب ذلك الوصف وذلك الحكم على من اتصف بذلك الوصف الملعون، الكل من مات على الكفر يعذب عند بكاء أهله عليه، فكان تريد أن تقول هذا ورد من النبي عليه الصلاة والسلام في حق كافر ولا شك في صحته ما تقوله أمنا عائشة رضي الله عنها وعليه الميت يعذب ببكاء أهله، الباء هنا تحتمل أمرين كما قرر أئمتنا، إما أن تكون الحال: أي أن الميت يعذب حال بكاء أهله عليه، والسبب في ذلك كما قرر أئمتنا إن الكافر عندما يقبر يشتد حزن أهله عليه، كما هو الحال في جميع المقبورين أعظم ما يكون الحزن عليهم من قبل أهلهم عند دفنهم لأنه قطعت الآن أخبارهم

ورؤيتهم وما حصل ولن يحصل بعد ذلك اتصال بينهم، فأعظم الحسرة في الأحياء والبكاء عندهم بكون عند الدفن وهو عند الدفن يحاسب على عمله ويعذب على سعيه، وعليه إن الميت إن الكافر اليهودي، إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، أي عند بكاء أهله عليه، وحال بكاء أهله عليه، يعذب على أعماله ويحاسب على ذلك. ويمكن أن يخرج أيضاً على التفسير الذي ذكرته أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها عندما قالت أيضاً، إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، أن تكون الباء سببية، وأن الله يزيد الكافر عذاباً إلى عذابه عندما يبكي عليه أهله لأنه فرط في حق نفسه وفي حق أهله فما اهتدى ولا أرشد أهله إلى الهداية، وكما قلت لا غبار على هذا القول، وإن الكافر يعذب ببكاء أهله عليه، عند بكاء أهله عليه، ولأنه تسبب لضياع نفسه وضياع أهله فيعذب على الأمرين لا غبار على ذلك، لكن إذا ثبت في حق الكافر وأن الله يزيده عذاباً إلى عذابه كما قالت هي رضي الله عنها وأرضاها، إذا ثبت هذا في حق الكافر، لأنه ضيع نفسه وضيع أهله، فما المانع أن يحصل هذا في حق المؤمن الذي فرط في حق نفسه وفي حق أهله، وتقدم معنى إذا أوصى بالبكاء والنياحة يعذب، إذا علم هذا من سنتهم وطريقتهم وما نهاهم ونصحهم يعذب.

إذاً ما الداعي لإنكار هذا، والحديث ثبت، وكون بعض الوقائع التي قيل فيها الحديث في يهودي أو في يهودية لا يخصص هذا عموم الحديث الذي قيل في غير اليهودي واليهودية، وعليه اعتراض أمنا عائشة رضي الله عنها على عمر وعبد الله بن عمر وعلى من روى هذا الحديث، هذا الاعتراض مردود ومن حسب حجة على من لم يحفظ نعم تأويل هذا الحديث بما أولته حق ومقبول، وحكايتها للحديث بما نقلته أن النبي عليه الصلاة والسلام مر أحياناً على يهودي ويهودية وأهلها يبكون عليهما، فقال إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، لا يمنع أن يخص هذا الحكم باليهودي واليهودية، والعلم عند الله، فإذاً هنا نقول لا مانع أيضاً أن يكون في كافر معلوم وينسحب الحكم إلى كل من اتصف بوصفه المذموم، فكل من أمر بالنياحة عليه أو ما حذر أهله من النياحة عليه يعذب في قبره وعند ربه، هذه معانٍ أربع وكلها حقا. المعنى الخامس: قال أئمتنا المراد من العذاب هنا أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، المراد من العذاب توبيخ الملائكة بالميت ومعاتبتهم له وتقريعهم له هل هذه الأوصاف وهذا المعنى حق قد دلت عليه نصوص كثيرة صحيحة، كما أن المعاني السابقة حقاً، فإذا أوصى يعذب وإذا علم من حالتهم النياحة وما نهاهم يعذب، وإذا كان فيه وصف مذموم وبكوا من أجله يعذب، وإذا كان الميت كافر وناح أهله عليه يعذب، جميع المعاني صحيحة.

والمعنى الخامس: إذا ما أوصى ونهاهم عن البكاء وما بكوا عليه بأمر يعذب به من أهله وليس هو بكافر، إنما نيح عليه وهو من الصالحين وقد حذرهم من النياحة هذا لن يعذب عند الله إن لن ينجو من هذه إلا إذا لطف الله به ورحمه إلا وهو عتاب الملائكة له، توبيخ الملائكة له فكأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول، ارفقوا بموتاكم، هل هذه الأوصاف فيه، هذا المعنى حق وقد دلت عليه نصوص كثيرة صحيحة كما أن المعاني السابقة حقا، فإذا أوصى يعذب وإذا علم من حالتهم النياحة وما نهاهم يعذب كافراً وناح عليه أهله يعذب جميع المعاني صحيحه، والمعنى الخامس إذا ما أوصى ونهاهم عن البكاء وما بكوا عليه بأمر يعذب به من أجله وليس هو بكافر، إنما نيح عليه وهو من الصالحين وقد حذرهم من النياحة، هذا لن يعذب عند الله إنما لن ينجو من هذه إلا إذا لطف الله به ورحمه ألا وهو عتاب الملائكة له توبيخ الملائكة، له فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول، ارفقوا بموتاكم ولا تزيدوهم غمة إلى غمتهم ومشكلة إلى مشكلهم وشدة إلى شدتهم عندما تبكون عليهم سيوبخون من قبل الملائكة عند البكاء عليهم، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وفي سنن الترمذي وابن ماجة وإسناده صحيح كالشمس من رواية موسى بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه من رواية موسى عن أبي موسى الأشعري عن أبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، إنه قال، إذا مات الميت وقام باكيه فقال وجبلاه وسيداه بعث الله ملكين يلهزانه ويقولان له، أنت كذلك، يلهزانه، أي يضربانه في صدره بقوة، يقولانه أنت كذلك، أنت السيد وأنت الجبل الذي يأوي إليك الناس، وجبلاه وسيداه، يقول من يندب الميت ويعوّل عليه فيرسل الله ملكين لليهزانه ويقولان له أنت كذلك، وفي رواية المسند والمستدرك من رواية أبي موسى أيضاً، أنه إذا قالت النائحة وآ عضداه وآ ناصراه وآ كاسياه جذبه الملك جبذة: أي شده بعنف وقال

له، أنت ناصرها أنت عضدها أنت كاسيها، أنت تقوم بهذه الأمور، أو هذه تكفل بها العزيز الغفور الذي تكفل برزق المخلوقات جميعاً، فإذا قالا أنائح هذا، وكما قلت من ينح عليه، ما أوصى بالنياحة وحذرهم منها وما نيح عليه بفعل يعذب من أجله وليس بكافر، ليس يسلم من معاتبة الملائكة توبيخهم دون أن يعذب في البرزخ وفي القبر دون أن يعذب عند الله في النار، لكن يقال له آنت كذلك، يقال عند هذا، فيك هذه الصفات، وهذا حقيقة عذاب للميت وإيلام له، فينبغي على الحي أن يشفق على ميته، وهذا الحديث الثابت كما قلت في هذه الكتب عندما رواه موسى عن أبيه قال، أسيد بن أسيد انظر ما تحدث يا موسى قال الله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فقال موسى سبحان الله، والله ما كذبت على أبي موسى ولا كذب أبو موسى على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أنت تقول هذا، أنت تعترض وأنا نقلت عن أبي وأبي عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم تعترض علي هذا.

وهذا الحديث اخوتي الكرام، المروي عن أبي موسى الأشعري كما قلت في المسند والمستدرك وسنن الترمذي وابن ماجة، ثبت ما يشهد له في صحيح البخاري، والسنن الكبرى للإمام البيهقي من رواية نعمان بن بشير رضي الله عنهما قال أن عبد الله بن رواحة عندما احتضر أغمى عليه، وهذا اعتراه في المدينة المنورة وجاءته ساعة الاحتضار كما سيأتينا وأغمى عليه، لكن الأجل ما حضر ففسح الله في أجله، بعد ذلك حتى شهد غزوة مؤتة رضي الله عنه وأرضاه واستشهد فيها وهو آخر الأمراء الثلاثة الذين حملوا الراية في تلك الموقعة، بعد زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب حمل الراية وكلهم استشهدوا إلى رحمة الله وجنته ورضوانه ثم حمل الراية خالد بن الوليد رضي الله عنهم أجمعين، عبد الله بن رواحة اعتراه مرض شديد في المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وساعة تشبه ساعة الاحتضار، هذا كما قلت في صحيح البخاري وغيره من رواية نعمان بن بشير والنعمان بن بشير وبن أخت عبد الله بن رواحة، فعبد الله بن رواحة خاله يقول لما احتضر قالت أخته عمرة وهي أم نعمان بن بشير وآ جبلاه وبدأت تعدد مناقبه وتند به فلما أفاق قال يا أختاه والله ما قلت لي شيئاً إلا قال لي الملك آنت كذلك ما قلت لي شيئاً إلا قال لي الملك آنت كذلك.

وثبت في كتاب المستخرج لأبي نعيم أنها قالت وآ عضداه، والأثر رواه ابن أبي سعد في طبقات عن الحسن البصري أنها قالت وآ جبلاه وآ ناصراه وآ عِزّاه فلما أفاق قال لها قال الملك أنت عزها أنت ناصرها أنت جبلها، والأثر رواه بن سعد أيضاً من رواية أبي عمران الجنوني أنها قالت وآ ظهراه فقال له الملك أنت ظهرها، فلما زاره النبي عليه الصلاة والسلام رآه في تلك الحالة قال اللهم إن كان عبد الله بن رواحة قد حضره أجله فيسر عليه، أي خروج الروح ليخرج من هذه الشدة التي يعانيها في المرض وإن كان بقيت في أجله بقية ففرج عنه فوجد خفة رضي الله عنه وأرضاه بعد دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله والله ما قالت لي أختي عمرة كلمة إلا تلقاني الملك بمرزبة ويقال لها أرزبّه وهي المطرقة الكبيرة من حديد، وقال لي آنت كذلك، لو قلت نعم لقمعني بها، ثم نهى عن البكاء رضي الله عنه وأرضاه هم جميعاً، فلما استشهد ما بكت عليه أخته عمرة رضي الله عنهم أجمعين، إذاً المراد من العذاب كما قلت توبيخ الملائكة لمن يناح عليه ويبكى عليه هذا إذا لم يوصي، وإذا نهاهم عن النياحة عليه، وإذا لم ينح عليه بأمر يعذب به، وإذا لم يكن كافراً سلم من تلك الأمور وصالح مبرور، ثم ناح عليه أهله يعاقب من قبل الملائكة. والأمر السادس: وهو محل الشاهد كما قلت، ومن أجله أوردت هذا الحديث وذكرت هذه المعاني التي قررها أئمتنا وكلها حق.

المعنى السادس: يقرر ما تقدم وهو سمع الأموات وفرحهم بما يجري عندهم من الطاعات، وحزنهم بما يجري عندهم من المخالفات والموبقات والمنهيات، إن معنى الحديث على القول السادس أن المراد من العذاب يعذب ببكاء أهله: أي يتألم ويتحسر ولا يشعر بارتياح ولذة ولا سرور، هذا كما يتألم الإنسان في هذه الحياة، عندما يرى المنكرات ينقبض قلبه وتشمئز نفسه وهنا عندما ينوح أهله عليه والنياحة معصية ويتسخطون على قدر الله عز وجل، ويستاء الميت ويحزن، وهذا المعنى ذهب إليه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري وقد توفي سنة عشر وثلاثمائة للهجرة 310هـ، وقد رجحه أئمة كرام منهم، الإمام المرابط وهو من أئمة المالكية الكبار وله شرح لصحيح البخاري قد توفي سنة خمس وثمانين وأربعمائة للهجرة 485هـ محمد بن خلف، ورحمه قاضي عياض وتوفي سنة أربع وأربعين وخمسمائة للهجرة 544هـ، وهذا القول نصره شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في مجلد الرابع والعشرين صفحة أربع وتسعين وثلاثمائة صـ394 وإليكم خلاصة كلامه العذب المحكم، يقول هذا الإمام المبارك أن العذاب أعم من العقاب ما قيل يعاقب ببكاء أهله عليه يعاقب عند الله ما قيل هذا، إنما قيل يعذب وما ورد في رواية المغيرة بن شعبة من أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة، فيخرج كما تقدم معنى على التخريجات الأربعة المتقدمة فكونوا على علم بها، العذاب أعم من العقاب، فلو زاد يطلق على ما يؤلم الإنسان ويحزنه ويشتد عليه وأن عقوبة عند الله عز وجل ثم قرر الإمام ابن تيمية هذا بنصوص كثيرة، منها حديث النبي عليه الصلاة والسلام، [السفر قطعة من العذاب] ، وليس بعذاب في الآخرة إنما قطعة من المشقة والألم والشدة والكرب والحزن.

وهذا الحديث ثابت في المسند والصحيحين وسنن ابن ماجة ورواه الخطيب في تاريخ بغداد وهو في أعلى درجات الصحة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: [السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله] ، فليسرع إلى أهله: أي عذاب يراد في الحديث، [السفر قطعة من العذاب] قطعة من الألم من المشقة، من الشدة، وهنا الميت يعذب ببكاء أهله عليه، إذا بكوا عليه، ولم يتسبب في تلك المعصية يحزن ويتألم ويكرب لأنه فعل عنده المعصية. ولو قرأ بجواره سورة (يسن) ، (قل هو الله أحد) لفرح وسرَّ وانشرح صدره وطار فرحه لأنه حصل بجواره طاعة، يا عبد الله أنت إذا كنت حياً والأحياء يؤذيك السماع الغناء والبلاء أما تتألم، تتألم ولا عقوبة عليك عند الله الأكرم، وإذا كان بجوارك جار صالح تسمع منه القرآن وذكرا الرحمن أما تفرح، تفرح، وهنا كذلك هذا الميت شعوره أدق بكثير من شعور الحي، فإذا فعلت بجواره طاعة فرح والتذَّ وسُرَّ وابتهج، وإذا فعلت بجواره معصية تألم وكرب وانقبض، أي الميت يعذب ببكاء أهله عليه، السفر قطعة من العذاب، ولذلك اخوتي الكرام حذرنا نبينا عليه الصلاة والسلام من الاعتداء على الميت أو تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وإسناد الحديث صحيح من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي [كسر عظم الميت كاكسر عظم الحي] في رواية ابن ماجة عن أمنا أم سلمة رضي الله عنهم أجمعين عن النبي عليه الصلاة والسلام، [كسر عظم الميت كاكسر عظم الحي في الإثم] أي من كسر عظم ميت واعتدى عليه يأثم كما لو كسر عظم حي تماماً، لماذا لأنه يتألم، كما يتألم الحي، لكن هذا التألم في دار ليس عندنا موازين تلك الدار هذا أمر آخر، ولذلك اخوتي الكرام نهينا أن نطأ على القبور وأن نؤذي الموتى إذا زرناهم، هل يجوز أن نطأ على حي إذا كان مستلقياً في مسجدٍ وفي بيت لا يجوز هذا وهذا يؤذيه وهكذا عندما نطأ على القبر هذا يؤذيه.

وقد حذرنا نبينا من ذلك، في مسند الإمام أحمد والحديث في صحيح مسلم، ورواه السنن الأربع، إلا سنن الترمذي وهو في أعلى درجات الصحة فهو في صحيح مسلم وغيره من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: [لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر] لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده لتحرق جلده ولحمه خير من أن يجلس على قبر، وفي رواية خير من أن يطأ على قبر، وثبت في سنن ابن ماجة ومصنف ابن أبي شيبة وإسناد الحديث جيد، وهو صحيح. كما قرر ذلك شيخ الإسلام الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، والإمام الهيثمي في مجمع الزوائد ولفظ الحديث، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي، قال: [لأن أطأ على جمرة أو على سيف أو أن يخسف نعلي برجلي أحب إلى من أن أطأ على قبر مسلم، وما أبالي إذا قضيت حاجتي وسط القبوا وسط السوق] هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام ن لأن أطأ على جمرة على سيف لأن يخسف نعلى برجلي أي يقطع من جلدي يخسف النعل ليرقع النعل تقطع رجلك من أجل ترقيع نعلك، ايسر عليك من أن تطأ على قبر.

هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وما أبالي إذا قضيت حاجتي وسط القبور أو وسط السوق، لماذا لأنك في حالتين عصيت الله وفي حالتين سوءتك كشفت فرآها الناس لكن هناك لآها أهل السوق وهنا لآها أهل القبور، هي هي يرون ويشعرون ويعلمون ويحسون ويفرحون ويتألمون كما يجري منا ولنا بل أكثر وما أبالي قضيت حاجتي وسط القبور ووسط السوق، كما أنك تستحي من الأحياء استحي من الأموات يا عبد الله الله إذا ذهبت إليهم فلا تؤذهم حذار حذار أن تطأ على القبور وحذار حذار أن تتكلم الح وأن تتكلم بمعصية، والله إن الإساءة إليهم أعظم من الإساءة إلى الحي بكثير وأن الإحسان إليهم أعظم من الإحسان إلى الحي بكثير، إن الميت لو تصدقت عنه بنصف تمرة لا بتمرة لقدر ذلك وطار فرحاً ولو أعطيت الحي حفنة من تمر لاستقل لأن صار موازينه دقيقة وصارت موازين الذر من الخير والشر لها عنده اعتبار، وأما هذا الحي فلا زال يغط في جهله وفي نومه وفي غفلته، فإذا مات {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} نصف التمرة يقدرها دعوة، يقدرها وهكذا عندما تمر بجواره وتتكلم بلغط يحزنون، كما يحزن الحي إذا أذاه جاره بلغط وبصفاهة، ولذلك إذا وطئ الإنسان على جمرة ووطئ على حد السيف وقطع من رجله وخسف بما نعله، إذا كان يعقل هذا أيسر من أن يطأ على القبر، لأن هذا الأذى الذي سيتسبب له أخف من الأذى الذي سيؤذي به ميت عندما يطأ على قبره وإذا كان يعي لا يبالي الإنسان قضى حاجته وسط المقابر أو وسط الأسواق، وكما أن الحي لا يمكن أن يقضي حاجته في وسط السوق فاستحي يا عبد الله من قضاء الحاجة وسط القبور، استحي يا عبد الله والله يرون سوءتك وعورتك.

وتقدم معنى كلام أمنا عائشة وهو أثر صحيح، تقدم معنى أنه عندما دفن عمر رضي الله عنها وأرضاها أنه عندما دفن ما دخلت على حجرتها إلا وشدت عليها ثيابها، ثيابها مشددة عليها حياء من عمر لما دفن نبينا عليه صلوات الله وسلامه تدخل وتخرج كعادتها تقول زوجي، فلما دفن أبوها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، لما دفن أبوها صديق هذا الأمة أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين تقول أبي وزوجي تدخل وتخرج وتضع خمارها عن رأسها، يعني لا تتحجب الحجاب الذي تتحجب المرأة أمام الأجانب، فلما دفن عمر ما دخلت حجرتها رضي الله عنهم أجمعين إلا وثيابها مشدودة عليها حياء من عمر سيرى شعرها، سيرى وجهها وسيرى جسمها ولا يجوز يرها لو كان حياً فتحترس منه إذا كان ميتاً، يا عبد الله، إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه. المعنى السادس: الذي قرره شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية كما قلت نصره واختاره الإمام ابن جرير ورجحه الإمام الذي يجده الميت عندما يفعل بجواره معصية كما أنه يلتذ بالطاعة يتألم بالمعصية، وهذا دليل صحيح صريح على هذا التوجيه الذي قرره أئمتنا على أن الميت يشعر ويحس ويدرك ويغتم بحال من يزور ويفرح إن فعل عنده طاعة، ويحزن إن فعل عنده معصية. إخوتي الكرام: مما لاشك فيه أن القبر روضة من رياض، أو حفرة من حفر النار، وسيأتينا هذا ضمن مباحثنا إن شاء الله عندما يتعلق بأحوال البرزخ يوم القيامة بعون الله بعد الانتهاء من صفة الخوف وما يتعلق بها عند بيان اليوم الذي {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} أشرح ما يتعلق بالحالة البرزخية إنما أريد أن أقول إن الميت في قبره في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار، وهذا لا يكون إلا كان له شعور سليم شعور كامل دقيق مستقيم يزيد على شعور الحي بكثير، إنما ذلك ألا هو تلك اللذة لا يمكن أن يحس به الميت إلا إذا كان عنده شعور عنده إدراك عنده إحساس كإحساس الحي به أدق.

إخوتي الكرام: هذا ما يتعلق بهذه القضية، وأما ما يتعلق بإهداء القربات إلى الأموات أتكلم عليها في الموعظة الآتية إن شاء الله. أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وأرض الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إخوتي الكرام: كما قلت مراراً إن هذا المبحث يتعلق بأمر غيب وإدخال العقل فيه من أشنع أنواع العيب، فما يتعلق بالحياة البرزخية لا يجوز أن تتكلم فيه إلا عن طريق مشكاة خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، فقد دلت نصوص الشرع كما تقدم معنى على هذه القضية فأخبر جرا عن ذلك العقول البشرية. إخوتي الكرام: إن الإنسان يعيش في ثلاثة دور، يعيش في الحياة الدنيا وهي دار أولى، ويعيش في الحياة البرزخية، وهي دار ثانية، ويعيش في الحياة الأخروية وهي دار ثالثة، وروحه تتعلق ببدنه في هذه الدور خمسة تعلقات، كل تعلق حكم لا يعلمه إلا الذي أوجد هذا التعلق ببدنك. {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} التعلق الأول: تعلق الروح بك عندما تكون جنيناً في ظلمات ثلاث على رأس أربعة أشهر تنفخ فيك الروح على رئس عشرين ومائة يوماً تتحرك في بطن أمك. التعلق الثاني: عندما تولد وتكون حياً يقظه. التعلق الثالث: عندما تنام حياناً لما، وهذه التعلقات الثلاثة كلها تعلقات في الدار الأولى وهي دار الدنيا. والتعلق الرابع: تعلق الروح ببدنك عندما تكون في الحياة البرزخية. والتعلق الخامس: تعلق ببدنك عندما تكون في الحياة الأخروية.

كل تعلق من هذه التعلقات لا تدركونه لا كيفيه ولا ما هيئته كما سيأتينا المبحث المستفيد من ذلك إن شاء الله عند الحياة البرزخية وما يتبعها في الدار الأخروية لكن قال أئمتنا الكرام في الحياة الدنيوي الألم يقع على الروح والبدن واللذة يشعر بها البدن والروح لكن البدن يشعر بذلك أصالة والروح تبعاً بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها فأنت عندما تنعم في هذه الحياة النعيم يقع أصلة على البدن، وعندما تعذب العذاب أصالة على البدن والروح تشعر بذلك تبعاً، في البرزخ الأمر بالعكس تماماً، العذاب والنعيم على الروح أصالة والبدن تبعاً بكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، ولذلك لا دخل إدخال العقول في هذه القضية، فتلك حياة خاصة لها موازين خاصة. وأما الدار الأخروية، فالبدن والروح تشعران يشعران بالعذاب والنعيم أصالة دون تبعية واحد منهما للآخر، لأنها أكمل الدور موازينها أدق الموازين، فما يتعلق بالحياة البرزخية لا يمكن للإنسان أن يبحث فيه، وكما قلت، لا طريق لنا في الكلام في ذلك إلا ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام.

أختم الموعظة إخوتي الكرام: بقصة جرت في العصر الأول من الصحابة الكرام وهي قصة ثابتة صحيحة تقرر ما يكون في حياة البرزخ، والقصة رواها أبو بكر بن لال في كتاب المتآخين ونقلها عنه حزام المحدثين الإمام بن حجر في الإصابة في تميز أسماء الصحابة، وأبو بكر بن لال هو أحمد بن على بن أحمد توفي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة للهجرة 398هـ وهو من المحدثين له كتاب في السنة وله مسند وهو من الفقهاء الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، أبو بكر لال، والقصة أشار إليها الإمام ابن القيم في كتاب الروح في صفحة خمس وصفحة تسع فما بعدها، وقال ثبت بإسناد صحيحة عن حماد بن سلمة عن ثابت بن أسلم النباني عن شهر بن حوشب وشهر من أئمة التابعين، حديثه في الأدب المفرد وفي صحيح مسلم والسنن الأربعة توفي سنة اثنتي عشر ومائة للهجرة 112هـ، وهو صدوق عدل إمام الرضى، يقول هذا التابعي المبارك، كان صعب بن جثامة وهو من الصحابة الكرام وقد توفي في خلافة عثمان رضوان الله عليهم أجمعين، كان صعب بن جثامة وعوف بن مالك الأشجعي وهو من الصحابة وكان بيده راية من الرايات يوم فتح مكة وقد توفي سنة اثنتين وسبعين 72هـ في بلاد الشام، كان صعب بن جثام وعوف بن مالك متآخيين في الله، فقال أحدهما لصاحبه، مات أحدنا فليتراء له، يقول عوف بن مالك فلما مات صعب بن جثامة وكما إذا قلت توفي في خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين، وأما مالك بن عوف الأشجعي فامتد حياته ثم ذهب إلى بلاد الشام توفي هناك رضي الله عنهم أجمعين، يقول فرأيته بعد فترة من موته فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي ورحمني بعد المصائب، أي تعرضت للأخطار وأسئلة لكن في النهاية حصلت المغفرة والرحمة، قلت ما هذه اللمعة السوداء التي أراها في عنقك، قال سبحان الله، عشرة دنانير استلفتها من جاري وهي في قرني أي في صندوق خاص أشار إليه في الرؤيا أي في قرني، وما أنفقتها فأدركتني منيتي، فإذا استيقظت اذهب إلى أهلي وافتح ذلك

القرن وخذ تلك الدنانيير واعطها لجاري، وأخبرك إنه ما وقع شيء في بيتي بعد موتي إلا علمت به، حتى هرة توفيت من أيام، وأخبرك أن ابنتي فلانه ستموت بعد سبعة أيام، وهذا في حالة البرزخ، يكلم هذا النائم، فلما استيقظ عوف بن مالك، قلت إن في هذا لمعلمة، أريد أن أتحقق من هذه الأمور فذهب إلى بيت أخيه صعب بن جثامة لمعلما رضي الله عنهم أجمعين، وفعاتبه أهل أخيه وقالوا هكذا تفعل بأهل أخيك بعد موته كنت تزرونا ثم هجرت قلت أخبرني هل لك معه الشيء قال، وماذا تريد رحمه الله وسامحه ولا أطالبه بشيء، قال أخبرني، فقال قد استلف مني عشرة دنانير ثم عجلته المنية وما ردها إليَّ، يقول فأخرجت له الدنانير قلت هذه هي قال والله هي هي ما تصرفت فيها، قلت هذه دنانيرك ثم رجعت إلى بيت أخي صعب بن جثامة رضي الله عنهم أجمعين، قلت هل طرأ طارئ بعد موت الصعب؟ قالوا ما حصل شيء يعني يذكر، قلت أخبروني بما وقع، قالوا ماتت هرة بعد موت صعب بن جثامة، قلت هذه ثانية، ثم قلت أين ابنة أخي فلانة بنت الصعب بن جثامه، فأحضروها وهي صغيرة، بحدو وخمس وست سنين رضي الله عنهم أجمعين، مسستها فإذا هي محمومه فقلت استوصوا بها خيراً، فلما مضت ستة أيام ماتت في اليوم السابع. حياة برزخية لا يعلم موازينها إلا رب البرية، فجرب العقول البشرية واعزل العقول البشرية عن الكلام في هذه القضية، ما ثبت عن خير البرية صلوات الله وسلامه عليه، مثبت وما لم يثبت لا يجوز أن نتكلم فيه كما قلت هذه مسألة تتعلق بأمر غيب ولا يجوز أن نتكلم فيه عن طريق العقل، فهذا من أشنع أمور العيب.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم قنا شرور أنفسنا، اللهم قنا شر نفوسنا يا أرحم الراحمين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم اجعل أحب خلقك إليك ومن المقربين لديك وإذا أردت فتنة بعبادك فاقبضنا إليك غير مفتونين بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ومحبتك يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا عليه حتى نلقاك به. اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم صل على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم احسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات وصل الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد *} .

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن 19 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة طاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. "يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاُ كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: معشر الأخوة الكرام..

أفضل شهور العام وأحبها عند ذي الجلال والإكرام شهر الصيام شهر رمضان كما أن أفضل البقاع وأحبّها إلى الله جل وعلا المساجد ففيها نوره وهداه وإليها يأوي المؤمنون الموحدون المهتدون، وذل النور الذي يكون في بيوت الله ترك في هذا الشهر الكريم "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون". عباد الله.. تكرم ربنا الأكرم على عباده في هذا الشهر بأعظم النعم فأنزل عليهم القرآن وبعث في هذا الشهر نبينا عليه الصلاة والسلام وفي هذا الشهر الكريم مكّن هذا الله للقرآن، ومكّن الله للنبي عليه الصلاة والسلام وأيد الله الحق الذي أنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام في معركتين اثنتين وموقعتين عظيمتين الأولى: من العام الثاني من هجرة خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه في موقعة بدر حيث أظهر الله الحق على الباطل، أظهر القرآن على خرافات الشيطان. الموقعة الثانية: من العام الثامن من الهجرة حيث أذن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام ولصحبه الكرام بفتح مكة بلد الله الحرام، وتطهيرها من رجس الشيطان ن هذا الشهر العظيم أعظم نعم الله على عباده أغرقت عليهم فيه. (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) وهذا الإنزال –إخوتي الكرام – تم على مرحلتين اثنتين كل منهما صحيحة ثابتة بالآثار الحسان. المرحلة الأولى: في هذا الشهر الكريم نزل القرآن بأكمله من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا.

ثبت ذلك في مستدرك الحاكم ومعجم الطبراني الكبير والأوسط، ومسند البزار وشعب الإيمان للإمام البيهقي بسند صحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما –وهذا الأمر موقوف عليه- ولا يمكن أن يقال من قِبَل الرأي البشري إنما هو مأخوذ عن رسولنا النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم قال هذا العبد الصالح –حبر الأمة وبحرها ترجمان القرآن – (فُصِل القرآن من الذكر من اللوح المحفوظ ثم نزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا في شهر رمضان فجعل جبريل ينزل به على النبي –عليه الصلاة والسلام) . هذا النزول الأول للقرآن وفائدته التنويه بعظيم منزلة القرآن ورفعة شأنه وإخبار سكان السماء بأن هذا الكتاب هو أفضل كتب الله على الإطلاق وسينزل على آخر أمة على آخر الأنبياء والمرسلين على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وليكون في ذلك –بعد ذلك- إلهاباً لمشاعر النبي صلى الله عليه وسلم وتحريكاً لشوقه ليتطلع إلى نزول القرآن بتمامه وكماله. كما قال القائل: وأقرب ما يكون الشوق يوماً ... إذا دنت الخيام من الخيام فالقرآن في السماء الدنيا قد استقر في شهر رمضان في ليلة الرابع والعشرين منه كما سيأتينا وسينزل عليه يا خير خلق الله – عليه صلوات الله وسلامه- فتطلع إلى إكماله وإتمامه وليشتد شوقك إليه (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن..) . والإنزال الثاني: كان في نفس الوقت أيضاً في تلك السنة في ذلك الشهر في نفس الوقت والزمن نزل جملةً من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ثم أنزل خمس آيات.. في ذلك الوقت على خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه وبعث نوراً لهذا الوجود في هذا الشهر الكريم – فأنزل الله عليه خمس آيات من سورة العلق: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) .

ثبت هذا في المسند والصحيحين من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما بُدِأ به من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبّب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد) ثم بعد ذلك تخبرنا أمنا عائشة رضي الله عنها – أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء فضمه ثم أرسله فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ، فضمه الثانية حتى بلغ منها الجهد ثم أرسله قال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فضمه الثالثة حتى بلغ منه الجهد ثم قال اقرأ قال ما أنا بقارئ قال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان مالم يعلم) . (اقرأ وربك الأكرم) الذي أفاض الجود على هذا الوجود لن ينساهم من نعمة الهداية والإرشاد فإذا أغدق عليهم نِعَم الخلق والإيحاء لن يتخلى عنهم سبحانه وتعالى فالبشرية عندما تتخبط في الظلمات والضلالات، وينقطع نور الرسالات السابقات لا بد لها من تدارك (اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان مالم يعلم) وكان ذلك الوقت في شهر رمضان –كما ورد ذلك في مغازي الإمام محمد بن اسحاق فنزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا كان في شهر رمضان ونزول أول شيء منه على نبينا عليه الصلاة والسلام كان في شهر رمضان. (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ، (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر) ، (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) .

ولا يشكلن عليك أخي الكريم ما أخبر الله جل وعلا به في هذه الآيات من أن القرآن نزل في شهر رمضان مع أن الواقع أنه نزل في ثلاث وعشرين سنة على نبينا عليه الصلاة والسلام لا يشكلن عليك ذلك أبداً لأن المراد من الإنزال كما قلت أمران: إنزال جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وكان ذلك في شهر رمضان. وابتُدِأ إنزاله على نبينا عليه الصلاة والسلام وكان ذلك في شهر رمضان ثم فرّق بعد ذلك حسب الحوادث التي تقع في مستقبل الزمان، منزل في ثلاث وعشرين سنة على نبينا -عليه الصلاة والسلام -. إخوتي الكرام: فهذا الشهر الكريم خصه الله بهذه النعمة العظيمة وجعله ظرفاً لها – فأعظم نعم الله على عباده نعمة القرآن نعمة بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام وذلك حصل في شهر رمضان –نعم – إن هذه النعمة كريمة، كريمة، كريمة بها عاش الإنسان عزيزاً كريماً ولوها لكان حيوناً حقيراً مهيناً بل لكان شيطاناً رجيماً بهذه النعمة التي زكى الله بها قلوبنا وعقولنا، وأبداننا وحفظنا من الظلالات والجهالات بهذه النعمة العظيمة صرنا خير أمة أخرجت للناس يحصل المؤمن سعادة الدنيا وسعادة الآخرة وهذه النعمة نزلت في هذا الشهر العظيم (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) . إخوتي الكرام: وهذه النعمة هي أتم نعم الله على عباده، ونعم الله على عباده مهما تعددت وتنوعت لا تخرج عن نعمتين اثنتين ك نعمة خلق وإيجاد، ونعمة هداية وإرشاد ونعمة الله علينا بعمته الثانية أعلى وأتم من نعمته علينا بالنعمة الأولى: ومن عظيم منة السلام ... ولطغة بسائر الأنام أن أرشد الخلق إلى الوصول ... مبيناً للحق بالرسول (لقد من الله على المؤمنين إذ بعثت فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) .

إخوتي الكرام: وكما جعل الله هذا الشهر الكريم ومحلاً وزماناً لأكرم نِعَمِهِ على خلقه فقد جعل الله هذا الظرف أيضاً أعني شهر رمضان محلاً وظرفاً ووقتاً لإنزال هذه النعمة على الأمم السابقة فكل كتاب سماوي قبل القرآن الكريم نزل في شهر رمضان العظيم. وقد ثبت هذا عن نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه أخرج الإمام أحمد في المسند والطبراني في معجمه الكبير والأوسط والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان والإمام ابن عساكر في تاريخ الشام والحديث لاينزل عن درجة الحسن كما قرر ذلك أئمتنا الكرام عن واثلة بن الأصقع رضي الله عنه وأضاه قال سمعت رسول الله صلى الله علية وسلم يقول: "أنزلت صحف إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة خلت من شهر رمضان وأنزلت التوراة في ستٍ خلت منه – وأنزل الإنجيل في ثلاث عشرة خلت منه – وأنزل الزبور في ثمان عشرة خلت منه وأنزل القرآن في أربع منه أي من شهر رمضان " فالكتب السماوية العظيمة وهي أعظم ما من الله به على عباده أنزلت في هذا الشهر الكريم في شهر رمضان (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) .

إخوتي الكرام: والرواية المتقدمة عن واسلة كما قلت صحيحه ثابتة وقد أخرج أبو يعلى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بنفس الرواية المتقدمة لكن خلافٌ في شيء واحد من الكتب السابقة ألا وهو الزبور ففي رواية أبي يعلى "إن الزبور نزل قسم منه في ليلة إحدى عشرة من رمضان وأكمل الباقي على العبد الصالح داود على نبينا عليه صلوات الله وسلامه في ثمان عشرة من رمضان. وأما أن نقول: وهو الجواب الثاني وهو أوجه وأرجح وأظهر: أن رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في مسند أبي يعلى فيها سفيان بن وكيع بن الجراح وسفيان وإن كان ثقة في نفسه كما قرر أئمتنا الكرام فقد ابتلى بكاتبه وورّاقه وكان يُدخل في كتبه ما ليس منها وقد حذره أئمتنا الكرام فما قبل تحذيرهم ولا طرد ورّاقه عنه من أجل ذلك سقطت أحاديثه ورواياته كما قال أئمتنا الكرام وإن كان صدوقاً ثقة في نفسه وهو من رجال الترمذي والإمام ابن ماجه في السنن عليه جميعاً رحمة الله فالرواية إذن لعله فيها شيء من الخلط فيما يتعلق بتحديد الوقت بالنسبة للزبور. والرواية المعتمدة رواية واثلة بن الأصقع صحف إبراهيم تنزل في أول ليلة من شهر رمضان الكريم، والتوراة في الليلة السادسة، والزبور في الليلة الثامنة عشر والإنجيل في الثالثة عشر وهذا القرآن ينزل ليلة الرابع والعشرين على نبينا عليه الصلاة والسلام ولعلها بل إنها كانت ليلة القدر في تلك السنة وليلة القدر هي في العُشر الأخير وتتنوع وتدور فأحياناً تكون في ليلة الحادي والعشرين، في ليلة التاسع والعشرين، في ليلة الخامس والعشرين في ليلة الرابع والعشرين ففي تلك السنة كانت في هذا الوقت (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) .

إخوتي الكرام: وتذكيراً للعباد بهذه المنة العظيمة ألا وهي إنزال القرآن وسائر الكتب السماوية في شهر رمضان تذكيراً للعباد بهذه النعمة العظيمة – وتخليداً لذكرى نزول الكتب السماوية الجليلة في هذا الشهر الكريم فرض الله على هذه الأمة وعلى الأمم السابقة عبادةً في هذا الشهر المبارك لم يُعبَد بها أحد في الوجود، فسائر العبادات صرفت لغير رب الأرض والسماوات فالسجود صرف كثير من الطواغيت، وصرف لحجر وشجر وبقر وشمس وفمر وهكذا القَسَم، وهكذا سائر شعائر العبادات إلا عبادة الصيام فلم يُعبد بها غير ذي الجلال والإكرام فخصها الله في اشهر الذي نزل فيه القرآن وإلى ذلك أشار نبينا عليه الصلاة والسلام. ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به فإنه لي وأنا أجزي به – والصيام جُنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل ولا يصخب فإن سابّه أحد فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لَخَلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه) الصوم لي.. وسائر العبادات لله وما ينبغي أن نشرك أحداً مع الله فيها، (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) الصوم لي وأنا أجزي به..أكثَرَ أئمتنا الكرام في بيان هذه الجملة التي نقلها نبينا عليه الصلاة والسلام عن ذي الجلال والإكرام، أكثروا في بيان ما تحتمله من معنى وأوصلوها إلى عشر معانٍ حسان.

من المعاني المعتبرة التي قال بها بعض الأمراء الكرام في هذه الأمة الإسلامية المرحومة: أبو منصور قايماز بن عبد الله، وهو من الأمراء الصالحين توفي سنة 570 هـ ونقل قوله أئمتنا في شروح كتب الحديث في شروح السُند عند هذا الحديث. ونقل قوله الإمام ابن الأثير في جامع الأصول، وأخبر أنه سمع ذلك القول منه مباشرة وانظروه في جامع الأصول في الجزء التاسع ص454 وكما قلت إن قوله في سائر شروح السنة، أنظروه في فتح الباري وغيره يقول هذا الأمير الصالح قايماز بن عبد الله: (الصوم لي) يعني أن الصوم عبادة خالصة لله لم يُعبد أحدٌ سواه فسائر العبادات صرفت لغير الله عز وجل إلا هذه العبادة فما عُبد معبود على وجه الأرض بالصيام ولا تعبد مخلوق مخلوقاً بالصيام، إنما هذه العبادة خاصة بذي الجلال والإكرام لم يعبد بها سواه فأكرم الله بها المؤمنين في هذا الشهر الذي أنزل الله فيه هدايته ونوره على رسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) هذا شهر عظيم نزل فيه نور الله المبين.. " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ".

إخوتي الكرام: وهذه العبادة كما قلت أعني عبادة الصيام كما فرضت على هذه الأمة فرضت على سائر الأمم السابقة في هذا الشهر الكريم فهو شهر لنزول هدايات رب العالمين على الأولين والآخرين، وبه كلّف المتقدمون وهذه الأمة بصومه بصوم شهر رمضان، وقد دل على ذلك آيات القرآن والأحاديث الثابتة الحسان، أما آت القرآن فيقول ربنا الرحمن جل وعلا: "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" وهذا التشبيه ينبغي أن يحمل على إطلاقه من كل وجه.. "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" في الوقت والكيفية والمقدار والحكم، ففرض عليكم صيام شهر رمضان وفرض على من قبلكم صيام شهر رمضان وكيفية الصيام عندكم ككيفية الصيام عندهم سواءً بسواء. "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" وقد وضح هذا الآثار الثابتة من أئمتنا الأبرار والمنقولة عن نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه أخرج الإمام الطبراني في معجمه الأوسط والحديث رواه البخاري في التاريخ الكبير والإمام النحاس في تاريخه أيضاً والأثر رواه ابن عساكر في تاريخ الشام عن دغفل بن حنظلة رضي الله عنه وأرضاه مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام والأثر رواه الطبراني في معجمه الكبير عن دغفل بن حنظلة موقوفاً عليه من قوله فاختُلف في رفع الأثر ووقفه، كما اختلف في بيان حال دغفل بن حنظلة هل هو صحابي أو مخضرم من كبار التابعين رضوان الله عليهم أجمعين.

والذي مال إليه الإمام ابن حجر في التقريب وغيره إلى أنه تابعي مخضرم قال وقيل صحابي ولم يثبت ذلك وعليه إذا كان تابعياً فسواء رفع الحديث أو وقفه على نفسه فله حكم الرفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام فهو أثر مرسل لكن إسناده صحيح كالشمس كما قرر أئمتنا الكرام ولفظ الحديث عن دغفل بن حنظلة في الرواية المرفوعة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وفي الرواية الموقوفة عليه ولها حكم الرفع قال: " فرض الله على النصارى صوم شهر رمضان فمرِضَ ملك من ملوكهم فنذر لإن شفاه الله ليزيدن في الصيام عشرة أيام فصام النصارى بعد ذلك أربعين يوماً عندما شُفي ملكهم ثم جاء ملك ثان فمرض فنذر لإن شفاه الله ليزيدن في الصيام ثمانية أيام فما شفي صام النصارى ثمانية وأربعين يوماً ثم جاء ملك آخر فقال أرى أن نكمل العدة خمسين يوماً وأن ننقل الصيام من الأشهر القمرية في شهر رمضان وما بعده إلى فصل الربيع فلنصم في فصل الربيع خمسين يوماً ولا داعي بعد ذلك أن نتقيد بهذا الشهر الكريم فاستمر النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة على هذا –يصومون في فصل الربيع خمسين يوماً وصيامهم بعد ذلك تلاعبوا في كيفيته. يمتنعون عندما يصومون عما فيه دسم وزهومة من لحم وبيض وزُبد، أما أن يأكل الخبز والخضراوات فهذا ليس عليه حرج في نهار صومه أو في ليل صومه، إنما يمتنع في النهار فقط عن كل ما فيه دسم فنقلوا الصيام إلى فصل الربيع ثم غيروا كيفية الصيام. الشاهد إخوتي الكرام: أن الله فرض عليهم صيام شهر رمضان غيروا تلك الكيفية وتلاعبوا فيها فهذا الشهر الكريم فرض الله صيامه على جميع المؤمنين في الحديث وفي القديم لهذه الأمة والأمم السابقة كيف لا!! وهذا الظرف كما قلت هو وقت نزول هدايات الله جل وعلا على رسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

إخوتي الكرام: وهذه الآية التي ذكرتها: "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" أيام معدودات.. ينبغي أن تقف معها أربع وقفات على سبيل الاختصار أولها: "يأيها الذين آمنوا" ناداهم الله جل وعلا بهذه الصفة وأخبر عنهم بهذا العنوان ليسهل عليهم امتثال أمر الرحمن فهذه الصفة هي الباعثة على الالتزام على وجه التمام فمن رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا ينبغي أن يصدق الشرع المطهر فيما اخبر وأنه يطيعه فيما أمر وأن ينتهي عما عنه زجر وحذر.. "يأيها الذين آمنوا" تمهيداً للاستجابة لما سيكلفون به ويؤمرون به وفي ذلك هنا دلالة على وجه الخصوص إشارة إلى أمر يتعلق بموضوعنا ألا وهو " يأيها الذين آمنوا" يا من حصلت لكم نعمة الإيمان بسبب إنزالها في شهر رمضان.. انتبهوا لمنزلة هذا الشهر وصوموه لتتقربوا إلى الله عز وجل.. "يأيها الذين آمنوا " نُور الإيمان شاع في شهر رمضان ففيه أُنزل القرآن، وفيه بُعث خير الأنام عليه الصلاة والسلام "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " كُتب – فُرض عليكم الصيام وإنما أخبر الله عن فرضيته بلفظ الكتابة لأن هذا أبلغ ما يكون في الإيجاب والتوكيد وإذا أردت أن تؤكد الشيء وأن تؤكده تكتبه وتقيده. ولذلك قال أئمتنا من أراد شيئاً هم به وأراده، ثم نطق به وقاله وإذا اشتدت منزلته عنده قيده وكتبه فالإرادة مبدأ والكتابة منتهى " يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام " أراد الله منكم الصيام وأمركم به وسجّله عليكم على وجه التمام "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم".

وهذه الكتابة كما قلت على سبيل الفرضية وبذلك تواترت الأحاديث عن نبينا خير البرية عليه صلوات الله وسلامه ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث رواه الترمذي والنسائي من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وروى مثله روايات كثيرة عن صحابة كثير من رضوان الله عليهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع له سبيلا". وثبت في مسند أبي يعلى ومعجم الطبراني الكبير والأثر رواه الإمام اللالكائي في شرح أصول أهل السنة والجماعة وإسناد الحديث حسن كما قرر ذلك أئمتنا كما في الترغيب والترهيب للإمام المنذري ومجمع الزوائد للحافظ الهيثمي عليهم جميعاً رحمة الله من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال حماد بن زيد: ولا أعلمه إلا أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: "عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة، عليهُن أُسِّس الإسلام فمن ترك واحدة منهن فهو كافر حلال الدم لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً: شهادة ألا إله إلا الله-يعني وأن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام فهذه الجملة عنوان على كلمتي الشهادة: لا إله إلا الله محمد رسول الله وإقام الصلاة وصوم رمضان.. شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وصوم رمضان –هذه أسس الدين وقواعده أُسّس عليها دين رب العالمين من ترك واحدة منهن فهو كافر حلال الدم لا يقبل الله منه فريضة ولا نافلة " يأيها الذين آمنوا كتب –فرض- عليكم الصيام وقد أجمع المسلمون الكرام على فرضية الصيام.

الوقفة الثالثة: إخوتي الكرام – "كما كتب على الذين من قبلكم" وتقدم المراد من وجه التشبيه هنا: كما كتب على الذين من قبلكم – في الحكم والكيفية والوقت والمقدار أي فُرض عليكم صيام هذا الشهر وألزمتم به كما ألزمت الأمم السابقة به على وجه التمام سواء بسواء. وإنما ذكر الله هذا الأمر ضمن فرضية الصيام – كما كتب على الذين من قبلكم- لِتُوحي هذه اللفظة بعدة دلالات معتبرة. أولها: ليحصل لنا بهم الائتساء والأسوة والاقتداء فهذه الفريضة كما فرضت على الأمم السابقة فرضت على هذه الأمة وليكون في ذلك دلالة وإشارة إلى أن كتب الله نوره وهداياته نزلت في هذا الشهر عليكم وعلى الأمم السابقة ومن أجل ذلك أُلزمتم بالصيام في هذا الشهر تعظيماً لله جل وعلا – وهكذا أُلزمت الأمم السابقة بذلك وليكون في ذلك دلالة المنافسة فكأن الله جل وعلا يقول: فرضية الصيام فرضت عليكم وعلى المسلمين قبلكم فأروني من نفسكم جداً واجتهاداً في طاعتي.. "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون". إن الأمم السابقة غيرت شريعة الله وتلاعبت في هذه الفريضة ومن تغييرها لأن الله صان كتابها من التغيير والتبديل "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" وصانها الله من أن تجتمع على صلالة أو خرافة فلن يزال في هذه الأمة طائفة ظاهرون على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله. كرامتان أكرم الله بهما أمة نبيه عليه الصلاة والسلام ما حصلت منهما واحدة للأمم السابقة: حفظ الكتاب وعدم اجتماع الأمة على ضلالة "كما كتب على الذين من قبلكم".

الوقفة الرابعة: إخوتي الكرام بيان علية الصوم- بيان فائدة الصوم (كما كتب على الذين من قبلكم..لعلكم تتقون) هذه هي حكمة الصوم وهذه فائدته.. "تتقون" أن تجعلوا بينكم وبين ما يضركم وقاية وحاجزاً ومانعاً وحصناً وساتراً وفاصلاً وهذه الوقاية تكون بثلاثة أمور.. تكون عن طريق الحفظ والابتعداد والتحرز من الأخلاط الرديئة وعن طريق الوقاية من الأخلاق الرذيلة وعن طريق الاتصاف بصفة التقوى الجليلة " لعلكم تتقون الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة.. ولتتصفوا بصفة التقوى الجليلة الفضيلة. أما الأولى: لعلكم تتقون الأخلاط الرديئة -إخوتي الكرام لا يخفى على الإنسان – ما لمواصلة الطعام والشراب من أضرار على بدنه ولذلك قال أئمتنا القدماء –المتقدمون – وقال هذا العرب في جاهليتهم أيضاً المعدة بيت الداء، والحمية أصل الدواء – وهذا الكلام نقل عن طبيب العرب وأطبهم على الاطلاق: الحارث بن كلدة وهو من الصحابة آمن بنبينا عليه الصلاة والسلام الحارث بن كلدة: المعدة بيت الداء، والحمية بيت الدواء، وكان هذا الطبيب يقول: ما أهلك البرية، وقتل الوحوش في البرّية، إلا إدخال الطعام على الطعام، وأنت عندما تصوم يحصل لبدنك نشاط وخفة، وارتياح من مواصلة الغذاء، وما عجّت المستشفيات بالمرضى إلا من إدخال الطعام على الطعام، وإذا التقى الطعام الثاني بالطعام الأول فهو سم قاتل للبدن، وإذا ما انهضم الطعام الأول قبل دخول الطعام الثاني مهلكة للبدن – ولذلك قال أئمتنا: ثلاث مهلكات للأنام ... ومدعاة الصحيح إلى السقام دوام مُدامةٍ ودوام وطءٍ ... وإدخال الطعام على الطعام ...

فأنت عندما تصوم تحفظ بدنك عندما يحصّل هذه الحمية النافعة فالحمية أصل الدواء..الحمية أصل الدواء..لعلكم تتقون الأخلاط الرديئة. وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا..أخرج الإمام الطبراني في معجمه الأوسط والحديث رواه أبو نعيم في كتاب الطب النووي وهكذا الإمام ابن السني في كتاب الطب النووي على نبينا صلوات الله وسلامه عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا وسافرا تستغنوا" اغزوا تغنموا، وصوموا تصحوا وسافرا تستغنوا " والحديث إخوتي الكرام ضعيف من حيث السند كما قرر ذلك أئمتنا الكرام وضعفه لا يصل إلى درجة الترك لا النكارة ومعناه صحيحٌ صحيح لعلكم تتقون الأخلاط الرديئة.. لأجل أن يحصل لكم حمية بهذا الصيام وصحة وجَلَد ونشاط على وجه التمام لعلكم تتقون الأخلاق الرذيلة. إن الإنسان عندما يملأ بطنه من الشهوات –من الطعام- تتحرك بعد ذلك نوازعه الطبيعية وتثور بعد ذلك شهواته الغريزية والصوم فيه إذلال للنفس وفيه ترقيق للقلب فتبتعد عنه الشهوات وتبتعد عنه الوساوس الرديئات. من الذي أخرج أبانا آدم – على نبينا وعليه الصلاة والسلام من دار القرار إلى دار الذل والافتقار؟! أكلةُ وشهوة إنها بلية أبيكم آدم، وهي بليتكم إلى يوم قيام الساعة، وقد تاب الله على أبينا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، وكان حاله بعد الخطيئة أحسن من حاله قبلها "ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى" ولا يقال ما جرى منه تعييراً له إنما لنعتبر بهد.. من أجل شهوة أخرج من دار القرار إلى دار الذل والافتقار نعم ترتب على ذلك حِكم جليلة وآثار لا نزاع في ذلك، إنما هذه الشهوة هي التي تسببت في الخروج من تلك الدار.

إن الإنسان عندما يصوم ويضبط شهوته يتقي ربه، ويحصل بعد ذلك حمية من الأخلاق الرذيلة. وقد أرشد نبينا صلى الله عليه وسلم الشباب التي تتأجج شهوته إلى مواصلة الصيام – إلى كثرة الصيام من أجل أن يلزم نفسه وأن يحصنها بخشية الله جل وعلا. ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث أخرجه أهل الكتب الستة الشيخان وأهل السنن الأربعة وهو في صحيح ابن حبان من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " له وجاء.. بمثابة الخصاء فخصاء هذه الأمة الصيام، فعليه بالصوم فإنه له وجاء..فإذا صام ابتعدت عنه نوازع الشهوة وحصن نفسه من نوازع الشيطان..لعلكم تتقون الأخلاط الرديئة..لعلكم تتقون الأخلاط الرذيلة عندما تصومون..لتصلوا صفة التقوى الجليلة وكيف ذلك؟

إخوتي الكرام: إن هذا الشهر هو شهر الصبر كما ثبت ذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام وسيأتي تقرير هذا في المواعظ الآتية إن شاء الله بكلام نبينا صلوات الله وسلامه هذا الشهر هو شهر الصبر ومنزلة الصبر من الدين كمنزلة الرأس من جسد الآدميين، إذن هذا الرأس لا يمكن للبدن أن يثبت ولا أن يحيي إلا برأس وهذا الدين لا يمكن أن يكتمل في بدنك وأن تقوم به وأن يحصل فيك إلا بصبر والصائم عندما يصوم يحصل هذه الصفة، هو شهر الصبر، شهر الصيام هو شهر الصبر فإذا صام الإنسان ملك نفسه وراقب ربه، ملك نفسه عندما ضبط شهوته (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) إذا امتنع عن الشهوات التي أحلها الله، امتنع عنها في نهار رمضان لأن الله أمره بالامتناع عنها سيمتنع عما حرمه الله عليه على الدوام من باب أولى، من امتنع عن الشهوة والشراب والطعام في نهار رمضان طاعة لذي الجلال والإكرام، سيمتنع عن الخمر والمخدرات والزنا وسائر الآثام في غير شهر رمضان من باب أولى إذا صام واتقى ربه في رمضان، إذن يملك الإنسان نفسه وهذا هو القوي وهذا هو الشجاع وهذا هو البطل، وهذا هو الرجل. كما ثبت في مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث من موطأ الإمام مالك عليهم جميعاً رحمة الله من روية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس الشديد بالصُرُعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ليس الشديد بالصُّرعة الذي يصرع الرجال ويلقيهم على الأرض – إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب والصائم قد ملك نفسه ملك غضبه، ملك شهوته، ملك رغبته ملك رهبته وهذه أركان الكفر لا يمكن أن يقع الإنسان في كفر أو في معصية إلا بغضب أو شهوة أو رغبة أو رهبة وكل هذه الأمور ضُبطت عند الصائم.

إن الذي يغضب يفقد عقله، ولعله سكر الغضب يفوق على سكر الشراب ولذلك قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله: السكر نوعان، سكر غضب، وسكر طرب، فإذا شرب الخمر سَكِرَ وإذا غضب سَكِرَ، إذن الصائم حصّن نفسه من هذه الآفة وملك نفسه وزمها بزمام التقوى ووقف عند حدود الشرع المطهر..شهر الصبر. ثم بعد ذلك راقب الصائم ربه وملَك نفسه وراقب ربه فهو في خلوة لا يراه أحد لكنه يراقب الله الصمد فلا يأكل ولا يشرب والطعام بين يديه. خلق المراقبة الذي يستفيده الصائم من هذا الشهر، لو استدام عنده لكان من المتقين، لكان من المقربين عند رب العالمين، والمطلوب منك أيها الإنسان أمران: 1. أن يكون الشرع على ظاهرك وأن تلزم ظاهرك المتابعة لنبيك عليه الصلاة والسلام. 2. وأن تكون المراقبة في باطنك، لا يخرج دين الله عن هذا..ظاهر..تتابع فيه النبي عليه الصلاة والسلام..التزام بشرع الله القوي..باطن..يراقب الله الذي لا تخفى عليه خالفية في السر ولا في العلن، المراقبة أفضل وأعظم وأعلى درجات الإيمان عند ذي الجلال والإكرام. ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه ورواه الإمام الترمذي في سننه وغيرهم من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن أبي هريرة وعمر رضي الله عنهم أجمعين في حديث جبريل الطويل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه عندما سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فلما قال له: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك – الصائم يتصف بهذا الخلق، عندما ملك نفسه وضبط إرادته، وراقب ربه وصل لدرجة الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تراه فإنه يراك) .

وخلاصة الكلام إخوتي الكرام: أن الصائم يحصل الخيرات على وجه التمام والكمال إذا صام كما أمر ذو العزة والجلال فتحفظ شهوته وتبعد الشبهة عنه عندما يراقب ربه وهاتان الآفاتان شهوة وشبهات منبع جميع الآفات والصائم قد حصن نفسه بشهر الصبر بشهر التحصين بشهر الحمية بشهر التقى ثبت في مسند الإمام أحمد ومعاجم الطبراني الثلاثة الكبير والأوسط والصغير والحديث رواه البزار وإسناده صحيح، من رواية أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفرجكم ومضلات الهوى) إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفرجكم (فرض الشهوة) ومضلات الهوى (فرض الشبهة) والصائم قد حصّن نفسه من ذلك. إخوتي الكرام إن الشهوات توصل إلى أسفل الدركات وإن تحصين النفس عنها يوصل إلى أعلى الدرجات. وقد ثبت في المسند والحديث في الصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " حُفّت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكروهات" السور الذي يحيط بالجنة ما تكرهه النفس والسور الذي يحيط بالنار تحبه النفس وتهواه ولفظ البخاري "حُجبت النار بالشهوات فمن رفع فيها هوى في الدركات، وحجبت الجنة بالمكروهات عندما تصوم وإن شق ذلك عليك تركت شهوتك وطعامك وشرابك من أجل ربك لكن ذلك يوصلك إلى نعيم عظيمٌ عظيم في يوم الدين بجوار رب العالمين حفت النار بالشهوات، حفت الجنة بالمكاره فالذي يصبر على هذه المكاره في هذه الحياة يؤدي به ذلك إلى نعيم الجنات.

إخوتي الكرام: أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام عن خطر الشهوات التي يتهافت عليها المخلوقات والصائم قد حصّن نفسه منها ثبت في سنن أبي داود والنسائي والترمذي والحديث رواه ابن حبان والحاكم في المستدرك وإسناده صحيح من رواية أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لما خلق الله الجنة دعا جبريل فقال يا جبريل إذهب فانظر إليها –أنظر إليها وما أعد الله لأوليائه فيها –فذهب ونظر إليها –ورأى ما فيها من النعمة والبهجة والنعيم العظيم فعاد فقال الله له كيف رأيت؟! قال: وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد من خلقك إلا دخلها – إذا سمعوا تشويقك لهم إليها كلهم يتنافسون في طاعتك من أجل دخولها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فحفها الله بالمكروهات والمكاره ثم قال لجبريل " إذهب فانظر إليها فذهب ثم عاد ثم قال وعزتك وجلالك لقد خشيت ألا يدخلها أحد " لقد خشيت ألا يدخلها أحد ولما خلق الله النار قال لجبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه إذهب فانظر إليها فذهب ورأى ما فيها من العذاب والنكال يحطم بعضها بعضاً ثم عاد قال: كيف رأيت قال: وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد فيدخلها أي إذا سمع بها لا يريد أن يدخلها وينفر منها نفوراً بعيدا فحفها الله بالشهوات قال: إذهب فانظر إليها فنظر إليها ثم عاد قال: وعزتك وجلالك لقد خشيت ألا ينجوا منها أحد – أيها الصائم الذي امتنعت عما أحل الله في هذا الشهر الكريم طاعة لرب العالمين امتنع عما حرّم الله عليك في كل حين واستفد من هذا الدرس الذي تتلقاه في هذا الشهر الكريم، الذي نزل فيه القرآن العظيم " يأيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يصومون صياماً يقبله ويرضى به عنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله.. الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إخوتي الكرام: وعدتكم في الموعظة الماضية أن أتكلم عن فضل الصدقة على الأرحام في هذه الموعظة وكان في نيتي أن أتكلم عليها إن شاء الله لكنني رأيت أن الأمر قد طال وإذا طال لا بد أن أُذَكِّر نفسي وأذكركم بأمر ينبغي أن نعتني به في هذا الشهر وأما ما يتعلق بالصدقة على الرحم لعلني أتكلم عليه إن شاء الله في الموعظة الآتية إن شاء الله. إخوتي الكرام: هذا الشهر كما قلت هو شهر الجود جاد الله على عباده بجميع نعمه وإحسانه وفضله فنعمة الخلق والإيجاد كثرت في شهر رمضان، ورزق المؤمنين يكثر ويزداد في هذا الشهر المبارك ونعمة الهداية والإرشاد نزلت في هذا الشهر الكريم وحقنا أن نستفيد من ذلك عبرة وأن نتخلق بأخلاق ربنا العظيم، فنكثر من الجود والصدقات والإحسان في هذا الشهر كما فعل ربنا ذو الجلال والإكرام، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يواظب على ذلك ويعتبر بهذا ويفعله عليه صلوات الله وسلامه وفي ذلك حث لنا على الاقتداء في ذلك. ثبت في المسند والصحيحين والحديث رواه الإمام النسائي في سننه ورواه البيهقي في السنن الكبرى وفي دلائل النبوة وبوّب عليه في سننه باب فضل الجود والإفضال في شهر رمضان ولفظ الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) ريح مرسلة تعم الخلق بهبوبها ونفعها..

وهكذا أفضل الخلق عليه صلوات الله وسلامه يعم الناس بخيره ومعروفه وإحسانه في هذا الشهر الكريم فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وهي بعض روايات الإمام أحمد: (ما سئل شيئاً عليه الصلاة والسلام – خير في هذا الشهر فمنعه ما سئل شيئاً إلا أعطاه) . وهذا هو خلق نبينا عليه الصلاة والسلام على الدوام لكنه يزداد جوداً في شهر رمضان، ثبت في صحيح البخاري وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا قال الحافظ ابن حجر: إن كان عنده أعطاه وإلا سكت. أما كلمة لا – ما ينطق بها خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه وقد قيل في أحفاده رضوان الله عليهم أجمعين وعلى نبينا وآل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامة: ما قال لا قط إلا في تشهده ... لولا التشهد كانت لاؤه نَعَمُ فكيف يكون الحال في نبينا عليه الصلاة والسلام في خير خلق الرحمن وأكرمهم على الإطلاق إخوتي الكرام الجود كما قال أئمتنا الكرام إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي –ولا يراد من الجود الصدقة كما يتوهم بعض الناس لا. الجود: أن توسع على عيالك في شهر الجود والكرم، أن توسع على أصحابك وأحبابك أن تتصدق على المساكين والمحتاجين..إعطاء ما ينبغي إلى ما ينبغي هذا شهر الجود والكرم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر رمضان ويتضاعف جوده عندما يلقاه جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فيدارسه القرآن.

قال شيخ الإسلام الإمام النووي (نوّر الله مرقده وفي غُرف الجنة أرقده) يقول هذا الإمام المبارك: في هذا الحديث دلالة على أن أفضل أذكار شهر رمضان قراءة القرآن، فقد كان خير مخلوق في السماء يجلس مع خير مخلوق في الأرض عليهما صلوات الله وسلامه يتدارسان القرآن. قال هذا الإمام المبارك: ولا يقال إن المدارسة من أجل الحفظ فهذا كان حاصلاً قبل ذلك، وهذا يحصل ببعض مدارسةٍ إنما هذا من أجل أن هذه العبادة هي أعظم ما يقول به الإنسان من أنواع عبادة الذكر: قراءة القرآن كيف لا؟! وهذا الظرف كما قلت محلاً ووقتاً وزمناً لنزول هذه العبادة فأكثروا من قراءة القرآن، وتدارسوه مع أهلكم الكرام.

وقد كان جبريل يعرض القرآن على نبينا الجليل عليهما صلوات الله وسلامه –كل سنة مرة في شهر رمضان، وأما في السنة التي قبض فيها نبينا عليه الصلاة والسلام فعرض عليه القرآن مرتين في شهر رمضان كما في المسند والصحيحين والسنن الأربعة والحديث رواه ابن حبان والحاكم في المستدرك من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: (لما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وجد في الصباح خفه عليه صلوات الله وسلامه ونشاطاً فتفرق عنه أصحابه فجاء نساؤه لم يغادر منهن واحدة –كلهن حَضَرْنَ- واجتمعن حوله عليه وعلى آل بيته وأزواجه صلوات الله وسلامه ثم جاءت البَضْعةُ الطاهرة فاطمة رضي الله عنها تمشي إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو على فراش الموت عليه صلوات الله وسلامه تقول أمنا عائشة رضي الله عنها ما تخطئ مِشيتُها مِشْيَة النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً وكانت أشبه الناس به ولاً وسمتاً وهدياً ومشية عليها وعلى أبيها وعلى آل بيت نبينا صلوات الله وسلامه فجاءت وسلمت على النبي عليه الصلاة والسلام فرحب بها وقال: مرحباً يا ابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله عليه صلوات الله وسلامه ثم أسرّ إليها شيئاً فبكت رضي الله عنها وأرضاها فلما طال بكاؤها وكثر أسر إليها شيئاً آخر فضحكت رضي الله عنها وأرضاها تقول أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها عجبت لهذه تبكي من أجل السرار خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار- أي بسر – من بين نسائه ثم تبكي رضي الله عنها وأرضاها قالت: فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لحاجته قلت لها أخبريني ما الذي أبكاكي وماذا أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكي؟ وقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم إني إذاً لَبَذِرَة أي مغشية للسر لا تحافظ على السر ولا تضبطه تقول أمنا عائشة رضي الله عنها بعد ذلك أسألك بمنزلتي عندك لما أخبرتيني بما حدثك به رسول الله صلى الله

عليه وسلم فقالت فاطمة رضي الله عنها أما الآن فنعم ثم قالت هذه البَضْعة الطاهرة: أما المرة الأولى فأسر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا فاطمة كان جبريل يعارضني القرآن كل سنة مرة في شهر رمضان وقد عارضني القرآن هذه السنة مرتين في شهر رمضان ولا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري، فاتّق الله واصبري، فنعم السلف أنا لك، فنعم السلف أنا لك وأنت أول أهلي لحوقاً بي قالت فبكيت وكثر بكائي عليها وعلى نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه. ثم أسر إليّ ثانية فقال: يا فاطمة أنت أول أهلي لحوقاً بي وأنت سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء أهل الجنة –فضحكت – على نبينا وعلى آل بيته صلوات الله وسلامه عندما اقترب أجله عليه صلوات الله وسلامه نزل جبريل يدارسه القرآن مرتين على التمام في شهر رمضان فكان جود نبينا عليه الصلاة والسلام يزداد ويزداد ويزدادْ من غير نقصان وقد لقي ربه بعد ذلك بأحسن حال (اللهم إنا نحتسبه عندك يا رب العالمين ونسألك أن تجمعنا في جنات النعيم إنك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين اللهم صل على نبنيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم اجعل هذا الشهر الكريم أوله لنا رحمة وأوسطه مغفرة ولآخره عتقاً لرقابنا من النار اللهم ارزقنا صياماً وقيامه على الوجه الذي يرضيك عنا يارب العالمين اللهم تقبل الصلاة والصيام والقيام اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا من عتقاء شهر رمضان، اللهم أدخلنا الجنة بسلام بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين اللهم إنا نسألك في أول يوم من هذا الشهر الكريم أن تفرج عن أمة نبيك الكريم عليه صلوات الله وسلامه اللهم فرج عن المسلمين يا أرحم الراحمين اللهم ردهم إليك رداً جميلاً اللهم أعزّهم ومكن لهم إنك على كل شيء قدير.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم أغفر لمشايخنا ولمن علّمنا وتعلّم منا، الله أحسن لمن احسن إلينا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثثيراً. أعوذ بالله من الشيطان، الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) .

شروط قبول العمل

شروط قبول العمل (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم شروط قبول العمل 30 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. "يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمد عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبق منها رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: معشر الاخوة الكرام..

أكيس البشر من يعمرون بيوت الله عز وجل فقد وصفهم الله جل وعلا في كتابه بأنهم هم الرجال نعتهم بأربع خصال لا تلهيهم البيوع والتجارات عن طاعة رب الأرض والسموات يصلون لله ويسبحونه ويشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم يكونون على استعداد للقاء رب العباد في يوم المعاد "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار". وكنا نتدارس الصفة الرابعة من صفات هؤلاء العباد الأكياس الطيبين ألا وهي خوفهم من رب العالمين وكنا نتدارس إخوتي الكرام في الموعظة السابقة وما قبلها أسباب خوف المكلفين من رب العالمين وفلت إنها كثيرة وفيرة يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب. أولها: إجلال الله وتعظيمه وقد مضى الكلام على هذا السبب. وثاني الأسباب: الخوف من سوء الخاتمة. وكنا نتدارس السبب الثاني من أسباب خوف المكلفين من رب العالمين خشيتهم في التفريط في حق الله جل وعلا وهذه الخشية إخوتي الكرام تكون نحو ما أمر به ونهى عنه فما نهانا عنه ينبغي أن نجتنبه فهل اجتنابه على وجه التمام والكمال إذا لم يقع منا الاجتناب كذلك فحقيقة أمرنا على خطر ونحن نخطئ بالليل والنهار في حق الله عز وجل وتقدم معنا أن المحقرات التي نحتقرها قد تردينا في أسفل الدركات ونسأل الله أن يعاملنا بفضله ورحمته وجوده وكرمه وامتنانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. وقد تقدم معنا إخوتي الكرام ما يتعلق بهذا الأمر أعني تقصيرنا وتفريطنا نحو ما حرمه الله علينا كيف وقعنا في كثير منه ونسأل الله أن يتوب علينا. وأما التفريط الثاني التفريط فيما أمر الله باكتسابه فيما أمر الله بفعله أي بطاعته عز وجل عن طريق القيام بالمأمورات على وجه التمام والكمال.

إخوتي الكرام: تقدم معنا أن الإنسان لا يسلم من المنهيات ومن التقصير فيها إلا إذا اجتنبها كلها صغيرها وكبيرها سرها وعلنها وهكذا لا يسلم الإنسان على وجه التمام إلا إذا قام بجميع ما أمر به ذو الجلال والإكرام. يقول الله جل وعلا في سورة الأنفال مقررا هذا الأمر: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أؤلئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم". فتأمل أخي الكريم هذه الصفات هل اتصفت بها لتكون من المؤمنين حقا عند رب الأرض والسموات الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم. خافت واقشعر الجلد عند ذكر الله عز وجل. وجل القلب واقشعر الجلد ودمعت العين كما هي صفات عباد الله عندما يُذكر الله وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا. وعلى ربهم يتوكلون. ثقة قلوبهم بربهم وهذه هي حقيقة التوكل الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا. وعليه من لم يتصف بهذه الصفات فقد فرط في درجت الإيمان وقصر في حق الرحمن وهكذا يقول رب الأرض والسموات في سورة الحجرات: "إنما المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون".

فهل تحقق هذا فينا على وجه التمام والكمال كل إنسان على نفسه بصيرة إخوتي الكرام اسمعوا لهذه الآية التي في سورة البقرة وكيف شرط الله أموراً كثيرة فيها لحصول التقوى ولا ينجح العبد عن الله إلا إذا كان من المتقين يقول الله جل وعلا: " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون". هؤلاء الصادقون وهؤلاء هم المتقون الذين يتصفون بهذه الصفات إخوتي الكرام ولو قام الإنسان بجميع المأثورات وما فرط في شيء منها فهو أيضاً شديد الوجل من الله عز وجل خشية أن يمون قد قصر في القيام بتلك الطاعات وفرط في شروطها الواجبات أو المستحبات ولذلك نعت الله عباده الطيبين الذين يجدون ويجتهدون في طاعة رب العالمين بأنهم يخافون مع أنهم يحسنون. يقول الله جل وعلا في سورة المؤمنون: "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون" والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون". قاموا بهذه الأعمال وقلوبهم مع ذلك وجلة خائفة من ذي العزة والجلال.

وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه والحديث رواه الحاكم في مستدركه والحميدي في مسنده ورواه الطبري في تفسيره والبغوي في تفسيره أيضا في معالم التنزيل وابن أبي حاتم في تفسيره وابن مردوية وهكذا ابن المنذر وغيرهم والحديث تقدم معنا ودرجته حسن ويشهد له حديث أبي هريرة رضي الله عنه في تفسير الطبري وغيره ولفظ الحديث " عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضا قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف. "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" قال لا يا بنت الصديق هو الرجل يصوم ويصل ويتصدق ويخاف ألا يقبل الله منه لتفريطه في بعض شروط ذلك العمل الذي أمر به عز وجل سبحانه وتعالى وهذا من باب خشيتهم ومن باب احتياطهم ومن باب كياستهم أنهم يحسنون الأعمال ومع ذلك يخافون من ذي العزة والجلال. إخوتي الكرام: لا يمكن لإنسان مهما كان أن يضمن لنفسه أنه قام بشروط العمل الصالح بحيث يكون ذلك العمل مقبولا عند ربه ثم لو قدر أن الإنسان اجتنب جميع المحذورات والمحظورات وترك المنهيات وفعل جميع المأثورات من واجبات ومستحبات بالصفة المطلوبة لو قدر فإن ذلك فعلاً وتركاً إكتساباً واجتناباً لا يفي بشكر نعمة من نعم الله عليك فينبغي أن ينقطع قلبك إذا خوفاً من ربك جل وعلا وبهذا نعت الله عباده الذين يعمرون بيوته في هذه الأرض قال جل وعلا: "يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار". إخوتي الكرام: إن العمل الصالح لا يقبل عند الله عز وجل إلا ذا وجدت شروط فيه وشروط في فاعله ثم بعد ذلك إذا اكتملت الشروط في هذين الأمرين لا يفي هذا العمل مهما كثر بنعمة من نعم الله عليك فاستمع أخي الكريم لتقدير هذا الأمر في هذه الموعظة إلى شروط قبول العمل في العمل وفي العامل ثم بعد ذلك إذا حصلت هذه الشروط ووجدت هذه الأعمال الصالحة فلا تفي هذه الأعمال شكراً لنعمة من نعم الله عز وجل.

أما العمل فلا يقبل عند الله عز وجل إلا بشرطين اثنين. أولهما: أن يكون صالحاً أعني مشروعا إني تتبع فيه النبي صلى الله عليه وسلم فلا تفعله على حسب رأيك وعرفك ولا بأي دافع كان إنما يفعل هذا على حسب شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام وإذا استحسنت فقد شرعت ومن أدخل هواه في الاستحسان والتقبيح والتحليل والتحريم فقد جعل نفسه نداً لله العظيم والله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً أعني ما أخذ من مشكاة نبينا عليه الصلاة والسلام فإذا عملت على حسب رأيك وذوقك وعرفك فعملك مردود عليك ولن يقبل عند ربك عز وجل. كما ثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود وابن ماجه والحديث رواه الإمام الداراقطني والبيهقي والإمام الطيالسي وهو من أصح الأحاديث فهو في الصحيحين كما سمعته من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي رواية لمسلم وغيره " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " عمل عملاً غير مشروع وزعم أنه يتقرب به إلى الله عز وجل فهذا العمل مردود ولا يقبل من عمِل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. نعم كل من بغير علم يعمل أعماله مردود ولا يقبل. من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. نعم كل من بغير علم يعمل أعماله مردودة لا تقبل فينبغي أن تكون أعمالك على حسب العلم النافع الذي أخذ من نبينا عليه الصلاة والسلام وكل عمل تراه أنه صالح ولا تتبع فيه سيد الصالحين خاتم النبيين عليه وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه فعملك مردود عليك. ينبغي أن يكون العمل صالحاً وينبغي أن يكون لله خالصاً وهذا هو الشرط الثاني في العمل فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً سبحانه وتعالى وهو أغنى الشركاء عن الشرك ومن عمل عملاً أشرك فيه مع الله أحداً فهو للذي أشرك والله منه بريء فإذا عملت الصالحات ينبغي أن تريد بعملك رضوان رب الأرض والسموات.

وقد قرر نبينا صلى الله عليه وسلم هذا في أحاديثه الكثيرة ففي المسند والصحيحين والسنن الأربعة من حديث الخليفة الراشد الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ مانوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. إنما الأعمال صحةً وفساداً وقبولاً ورداً ثواباً وعقاباً بالنيات عملت الصالحات فلا تقبل إلا إذا كانت النية صالحة وإلا ترد عليك وتعاقب عليها ولذلك من هاجر ابتغاء وجه الله وطلباً لمحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام فأجره لن يضيع عند الله. ومن هاجر من أجل عرض دنيوي فعمل صالحاً لكنه أراد به غير الله أراد به تجارة أو زواجاً فهذا تاجر وذاك خاطب وليس له على هجرته ثواب عند الكريم الوهاب ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. نعم إخوتي الكرام: لابد من إخلاص النية للرحمن في جميع ما نقوم به من أعمال في هذه الحياة ومن الذي يدعي هذا لنفسه إن أحسن الأعمال وأفضلها عند الله عز وجل العلم النافع الذي يهتدي به الإنسان في هذه الحياة وهذا العلم إذا فسدت نية الإنسان في تعلمه فشقاءًا ثم شقاءاً له.

ثبت في المسند وسنن أبي داود وابن ماجه والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه البيهقي في شعب الإيمان والإمام بن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه وروى الحديث أيضاً من رواية جابر بن عبد الله وكعب بن مالك رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من تعلم علماً مما ينبغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني ريحها سبحان الله طلب أشرف الأعمال وعمل صالحاً عندما فسدت نيته حرمت عليه الجنة من تعلم علما ما يبتغي به وجه اله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة ومن الذي يضمن صحة النية وسلامتها لنفسه فينا من التخطيط والتكدير في أعمالنا ونياتنا ما لا يعلمه ولا يحيط به إلا الذين خلقنا نسأل كما سترنا في هذه الدنيا أن يسترنا بعد الممات إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام: يقول أئمتنا كما هو قول أمير المؤمنين وسيدهم في الحديث شعبة بن الحجاج يقول هذا العبد الصالح في حق بعض عباد الله المحدثين ألا وهو هشام الدستوائي الذي توفي سنة 154هـ وحديثه في الكتب الستة يقول شعبة بن الحجاج م نعلم أحداً طلب العلم ويريد به وجه الله لا هشام صاحب الدستوائي وهشام يقول الذي قيل فيه هذا يقول عن نفسه رحمة الله عليه وعلى المسلمين أجمعين يقول: والله ما أستطيع أن أقول إنني خرجت في يوم قط أطلب العلم أريد به وجه الله عز وجل ويعلق الإمام الذهبي على هذا في سير علام النبلاء في 7/152 فيقول أنا والله ما أستطيع ن أقول إني طلبت العلم وأريد به وجه الله إذا كان هؤلاء أئمتنا الأخيار يقولون هذا عن حالهم وعن وضع نياتهم فماذا نقول نحن نعم إن الأمر كما قال بعض الصالحين مخبراً عن هذه الحقيقة:

تعلم من استطعت لقصد وجهي ... فإن العلم من سبل النجاة وليس العلم في الدنيا بفخر ... وإذا ما حل في غير الثقات ومن طلب العلوم لغير وجهي ... بعيد أن تراه من الهداة وهكذا سائر الأعمال إخوتي الكرام إذا لم يخلص الإنسان فيها لذي العزة والجلال فهي وبالٌ عليه فهذا هو الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام إذا فسدت النية فيه فشقاءاً لصاحبه عند الرحمن. ثبت في المسند ومستدرك الحاكم وسنن النسائي بإسناد صحيح من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من غزا ولم ينو من غزوته إلا عقالا فليس له إلا ما نوى " سبحانك ربي عمل صالحاً وعرض نفسه للقتل وأسرته لليتم لكنه أراد الدنيا ولم يرد وجه الله بجهاده فليس له إلا ما نوى ليس له إلا هذا الحبل الذي يربط به البعير ويعقل من غزا ولم ينو من غزوته إلا عقالا فليس له إلا ما نوى شرطان إخوتي الكرام القبول العمل عند ذي الجلال والإكرام عمل صالح مشروع عمل تريد به وجه الله جل وعلا صالح خالص بذلك يكون العمل حسناً ويقبل عند ربنا الكريم قال الله جل وعلا في أول سورة الملك " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور " فلا قيمة للكثرة إذا كانت منحرفة عن شريعة الله لبلوكم أيكم حسن عملا وحسن العمل لا يكون إلا بأمرين إخلاص لله ومتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام.

قال سيد المسلمين في وقته الإمام أبو على الفضيل بن عياض عندما تلى هذه الآية ليبلوكم أيكم أحسن عملا قال أخلصه وأصوبه قيل ما تعني بهذا يا أبا على الصواب أن يكون على السنة والإخلاص أن يراد به وجه الله عز وجل فمن عمل عملاً صواباً ولم يرد به وجه الله فهو مردود عليه ومن أراد وجه الله يعمله ولم يكن صواباً فهو مردود عليه فلا يقبل العمل عند الله حتى يكون صواباً صالحاً على سنة النبي عليه الصلاة والسلام وتريد به وجه الرحمن وهذا كما قال الله جل وعلا في سورة الكهف: "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم حسن عملا" أخلصه وأصوبه يتبعون في أعمالهم النبي عليه الصلاة والسلام ويريدون بأعمالهم وجه ذي الجلال والإكرام. إخوتي الكرام: وهذا الأمران أعني الإخلاص لله عز وجل والمتابعة لنبيه عليه الصلاة والسلام هما مدلول كلمة التوحيد التي يدخل بها الإنسان في الإيمان لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله إخلاص لله في جميع شئون حياتنا قل ن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت أنا أول المسلمين ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم محمد رسول الله فهو إمامنا الذي نقتدي به عليه صلوات الله وسلامه وفداؤه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا وأمر من عداه يعرض على أمر نبينا صلى الله عليه وسلم فإن وافقه فهو ق وصدق وإلا فهو ظلم وباطل يطرح إخوتي الكرام شرطان لقبول العمل أن يكون العمل صواباً وأن يكن خالصاً ثم عندنا شرطان أيضاً في العامل لا بد منها من أجل أن يقبل عند الله عز وجل الشرط الأول في العامل أن يكون تقياً فإذا عملت العمل الصالح وهو صواب وأردت به وجه الكريم الوهاب لكن ليست فيك صفة التقوى وما عندك حصانة المتقين فعملك لن يوصلك إلا إلى سجين لأن الله لا يتقبل الأعمال إلا ممن هذا وصفه.

يقول الله جل وعلا في كتابه في سورة المائدة إخبارا عما جرى بين ولدي آدم على نبينا عليه الصلاة والسلام فيقول: "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قرباناً فثقيل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لا أقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين" قرب قابيل شيئاً هزيلاً إلى الله الجليل وقرب أخوة هابيل شيئاً عظيماً إلى الله الجليل فأتى بأعظم كبش سمين وقربه إلى رب العالمين وكان القربان إذا قرب وتقبل نزلت نار من السماء فأخذته كما كان هذا هو حال المغانم وما أحلت المغانم لأمة من الأمم إلا لهذه الأمة المباركة المرحومة كما في الصحيحين وغيرهما وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي وكانوا إذا جمعوا المغانم ولم يكن فيها غلول ولا خيانة نزلت نار من السماء فالتهمتها وأخذتها دليل قبولها. وأما هذه الأمة فقد سترها الله في هذه الحياة فإذا كان هناك غلول وخينة فلا يكشف ثم من عليها بعد ذلك بأن تأكل هذه الغنائم حلالاً طيباً فكلوا مما غنمتم حلالا طيباً اختلف قابيل وهابيل في موضوع زواج في ذلك الوقت وكل واحد يريد أن يتزوج تلك المرأة التي فيها صفة الحسن والجمال ثم كان بعد ذلك منهما أن قربا قرباناً إلى الله فمن تقبل قربانه هو الذي يتزوج تلك المرأة فقدم هابيل قرباناً طيباً عظيماً جميلاً وهو من المتقين وقابيل قرب قرباناً خسيساً خبيثاً وهو من الفاجرين فنزلت النار من السماء فأخذت قربان هابيل وتركت ذاك إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين السألة لا محاباة فيها إذا أخلصت لله عز وجل سيقبل الله قرباتك نما يتقبل الله من المتقين.

إخوتي الكرام: هذه الصفة لا بد من وعيها فلا يقبل الله جل وعلا العمل إلا إذا صدر من تقي لله عز وجل إنما يتقبل الله من المتقين فلا بد من تحصيل التقوى ليكون العمل مقبولا عند المولى جل وعلا وهكذا جعل الله جل وعلا هذه الصفة صفة التقوى شرطاً لقبول الأعمال ولما يترتب عليها من طيب الخصال في جميع الأعمال الصالحة فعبادة الحج مع مكانتها وظسم الأجر الذي لها لا يحصل الإنسان تلك الأجور إلا إذا كان من المتقين يقول الله جل وعلا مقررا هذا في سورتي البقرة: "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون" فمن تعجل فلا إثم عليه غفر الله له ذنوبه وخرج كيوم ولدته أمه ومن تأخر فله تلك الجائزة بشرط أن يكون الأول والثاني ممن فيهم صفة التقوى فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون. نعم إن الدار الآخرة جعلها الله للمتقين ولا يقبل العمل إلا إذا كان العامل تقياً فيا عبد الله إذا عملت صالحاً وأردت به وجه الله لكن ليس في نفسك تلك الحصانة أعني حصانة التقوى وهي التي تبعثك على ترك المنهيات وتبعثك على فعل المأثورات وهي التي تجعلك لا تنهمك في المباحات واللذائذ في هذه الحياة ولا يعني هذا أنك معصوم وأنك لن تفرط في حق الحي القيوم لكن شتّان شتان بين من يقع في الذنب اتفاقاً وعرضاً وبين من يقصده ويقع فيه أعراضاً عن شريعة الله عز وجل فكل نبي آدم خطاّء لكن إذا لك تكن في نفسك صفة التقوى أنت تحرص على الخطيئة وتسعى إليها وإذا كانت في نفسك صفة التقوى تقع فيها بمقتضى جبلتك وبشريتك التي لا تنفك عن قصور وتقصير ورحمة الله جل وعلا واسعة.

وقد أشار نبينا عليه الصلاة والسلام إلى هذا إخوتي الكرام فاستمعوا لهذا الحديث الذي يخلع القلوب ووالله لو استحضرناه عند نومنا وكنا نعلم ما سيؤول إليه حالنا بعد موتنا لعل الكيس منا لا ينام انظر لأناس عملوا من الصالحات ما لا يخطر ببال أحد من المخلوقات لكن لم يتصفوا بصفة التقوى هذه الحصانة ليست فيهم يتحينون الفرص لمعصية الله عز وجل مع أنه صام وصلى وحج واعتمر لكن في نفسه ذلك الخبث وذلك الخبث يتحين فرصة لذلك وما يمنعه من ذلك إلا عجزه عنه مع أنه يقوم بأعمال صالحة كثيرة.

ثبت الحديث بذلك في سنن الإمام ابن ماجه بسند رجاله ثقات وإسناده صحيح كالشمس من رواية ثوبان رضي الله عنهم مولى نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث رواه أبو نعيم في الحلية من رواية سالم مولى حذيفة رضي اله عنهم أجمعين ولفظ الحديث عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أه قال:" لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله هباءاً منثورا" نسأل الله أن تجعلنا من هؤلاء يا أرحم الراحمين فيجعلها الله هباءاً منثورا فقال ثوبان يا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفهم لنا جلهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم قال عليه الصلاة والسلام أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون بحظهم من الليل كما تأخذون لكنهم إذا خلوا إلى بمحارم الله انتهكوها. ما عنده حصانة إيمانية بحيث إذا عرضت عليه المغويات الردية يقول إني أخاف الله ما عنده هذه الحصانة يصوم ويصل ويحج ويعتمر لكن إن أمكنه أن يكذب كذب وإذا استطاع من محرم اغتنمه ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها وفي رواية الحلية ولكنهم إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا عليه فصفة التقوى صفة هذه الحصانة فقدوها مع أنهم عملوا من الصالحات بمقدار جبال تهامة بيضا فجعلها الله هباءاً منثورا إنما يتقبل الله من المتقين قال مالك بن دينار كما في حلية الأولياء رحمهم الله جميعا فال هذا دلاله هو النفاق إذا لم يتصف الإنسان بحصانة التقوى فهو منافق أظهر هذه الأعمال الصالحة لكنه إذا خلا بارز الله بالمحاربة وإذا عرض له شيء من الحرام وثب عليه.

فلابد من أن يكون الإنسان تقياً ليقبل عمله عند الله عز وجل وذا قبل العمل فلن يقل التمرة تكون عند الله أثقل من جبل أحد لكن بشرط قبولها وأعمال كجبال تهامة بيضا تصبح هباءاً منثورا وكيف يقل ما تقبل وركعتان يقوم بها الإنسان في جوف الليل وهو تقي خير له من أن يراوح بين قدميه من العشاء إلى طلوع الفجر وهو شقي لابد إخوتي الكرام من هذه الصفة التي هي شرط لقبول الأعمال وهذا شرط في العامل ينبغي أن يتصف بتلك الحصانة إخوتي الكرام ولا يفهمن فاهم أنه إذا كان الإنسان تقيا لن يقع في تفريط وفي تقصير لا كلنا نخطئ ولكن كما قلت شتان بين من وطّن نفسه على الخطأ وبين من ينتظره وبين من يفرح به إذا حصله وبين من يقع فيه عرضا بمقتضى ضعفه وتقصيره وقصوره والنقص الذي في جبلته شتّان شتان وقد رسم لنا نبينا صلى الله عليه وسلم صورة واضحة لغير المؤمن وما جعل من علامة المؤمن أنه لا يعصي لكن بيّن لنا ماذا يفعل المؤمن حال عصيانه وحال طاعته.

ثبت الحديث في ذلك في مسند الإمام أحمد والبزار ومعجم الطبراني الكبير ومستدرك الحاكم من رواية أبي موسى الأشعري والحديث رواه الطبراني في معجمه الأوسط والكبير والحاكم في المستدرك من رواية أبي أمامة الباهلي ورواه الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين وروى أيضا في المسند من رواية عامر وروى أيضا في معجم الطبراني الأوسط من رواية علي رضي الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث فهو صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: "من سرته طاعته وساءته معصيته فهو مؤمن" عنده هذه الحصانة الإيمانية وعنده هذه الخشية من رب البرية فإذا فعل طاعة فرح والتذ وإذا فعل معصية حزن واغتم وعليه إذا كان فعل الطاعات يفرحه فهو يحرص عليها ويستكثر منها ويبذل ما في وسعه لفعلها وإذا كان فعل السيئات يحزنه فهو يهرب عنها ويبتعد منها وإذا وقع فيها مقت نفسه في ذات الله عز وجل هذا من علامة فرح الإنسان بطاعة الله ومن علامة استيائه بمعصية الله أما أنه يستاء ويستكثر من الاستياء لا إنك إن كنت تأكل شيئاً ضاراً يسوءك لا تعود إليه مرة ثانية وإذا كنت تأكل شيئاً تلتذ به وينعشك تعاوده وتكثر من أكله وهكذا الطاعات والمعاصي من سرته طاعته فهو مؤمن ومن ساءته معصيته فهو مؤمن. المؤمن هو الذي تسوؤه معصيته وتسره طاعته. وإذا فعل الطاعة فما وجد لها سروراً وبهجة وفعل المعصية فما وجد في نفسه هما وغما وحزناً فليبك على نفسه وليعلم أنه من أهل الجحيم ولو أتى الله يوم الدين بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فلن يقبلها رب العالمين فليس فيه حصانة المتقين ولا يتقبل الله إلا من المتقين. إخوتي الكرام هذا الأمر لا بد أن نعيه شتّان شتان بين من يفعل الطاعة ويتلذذ في قرة عينه وإذا وقع في المعصية بمقتضى جبلته وقصوره وتقصيره ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه وأسرع إليه عز وجل وتاب عليه.

هذه الصفة الأولى: في العامل لابد من وعيها ألا وهي صفة التقوى فلا يتقبل الله إلا من المتقين. والصفة الثانية: في العامل وقل من يعتني بها بل قل من يفكر فيها بل قد من يعلمها ألا وهي المحافظة على العمل بعد عمله والحافظة على الأعمال أصعب على العمال من سائر الأعمال ومثير من الناس حالهم كما قال القائل بنى قصراً لكنه هدم مصرا فما وفي غنمه بغرمه ما حصله من غنم في بناء هذا القصر لا يفي بالقرم الذي فعله عندما ظلم وهدم المصر بكامله كثير من الناس كذلك يفعل الحسنات ثم يأتي بما يحبطها ويبطلها عند رب الأرض والسموات ولا بد من المحافظة على العمل ينبغي أن تحافظ على عملك من فساده عند فعله ومن بطلانه بعد عمله والأمر.

كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن القيم الجوزية عليه رحمات رب البرية ف كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب في صفحة إحدى عشرة يقول: وقليل من الناس من عنده خبر عما يفسد العمل عند فعله وعما يحبط العمل بعد فعله قليل من عنده خبر ويعتني بهذا وهذا لا بد من وعيه إخوتي الكرام: عملت فحافظ على هذا العمل وإياك أن تضيعه وإياك أن تحبطه عند الله عز وجل إن الإنسان إذا تصدق ومَنَّ بعد ذلك بصدقته فهو من أهل النار وتقدم معنا أن الجنة محرمة على المنان يقول ذو الجلال والإكرام مشيراً إلى هذا في سورة البقرة: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منّا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم. يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير".

لابد من المحافظة على العمل من إبطاله وكثير من الأعمال تُبطل أعمالك الصالحة وأنت لا تدري المحقرات التي ابتلى بها المخلوقات في الزمن القديم وفي هذه الأوقات تبطل الأعمال الصالحات وتوجب لفاعلها دخول أسفل الدركات مع أنه عمل الصالحات لكنها بطلت يقول الله جل وعلا عن هذا الصنف من المنافقين بعد أن ذكر أخبارهم في سورة التوبة (براءة) : "يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا وقد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين". وهذه الآيات نزلت كما ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في مغازي ابن اسحق وغيره رحمة الله عليهم جميعاً في المنافقين الذين تكلموا على القراء على حملة القرآن فقالوا قراؤنا أكذبنا ألسنة وأرغبنا بطونا وأجبننا عند اللقاء فحكم الله بردتهم وكفرهم عندما حقروا شعائر الله جل وعلا: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب" نمزح ولا نقصد بذلك الحقيقة "قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم". كم من إنسان في هذه الأيام يستحقر ويستهزأ بشعائر الإسلام فلو كان عنده من الحسنات ما يزيد على جبال تهامه لحبطت وبطلت كم من إنسان في هذه الأيام تعرض عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم يقول دعنا منه والله جل وعلا اعتبر رفع الصوت فوق صوت النبي عليه الصلاة والسلام محبطاً للعمل فكيف بمن رد سنة النبي صلى الله عليه وسلم "يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون".

إخوتي الكرام: محبطات الأعمال كثيرة ينبغي للإنسان أن يحذر منها فإذا أتى بالصالحات وأراد بها وجه رب الأرض والسموات فليحافظ عليها من البطلان من الحبوط من الضياع أنظر هذه القصة التي جرت من صحابي في العصر الأول وجرت من باب الغفلة منه رحمه الله ورضي الله عنه وتكلمت أمنا عائشة رضي الله عنها فيم هذا كلاماً شديداً قاسياً ينبغي أن نعيه والقصة مروية في المسند ومصنف عبد الرزاق وسنن الداراقطني وسنن البيهقي وقد قال الإمام عبد البر الهادي في التنقيح إسنادها جيد من رواية العالية زوج أبي اسحق السبيعي أنها دخلت على أمنا عائشة رضي الله عنها وعندها أم مُحِبة فقالت لها يا أمهاه لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنني بعت جارية لزيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريتها منه نقداً بستمائة درهم باعته جارية خادمة بثمانمائة درهم إلى عطائه الذي يخرج في نهاية السنة أي إلى سنة بثمانمائة درهم ثم اشتريت منه الجارية بستمائة درهم نقداً فكأنها أعطت ستمائة درهم حالّة وستأخذ مكانها ثمانمائة درهم بعد سنة فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها بئس ما اشتريت وبئس ما اشتريت بئس ما اشترى زيد وبئس ما اشترت منه أخبري زيداً ن جهاده قد بطل مع رسول اله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب قالت أم محبة يا أماه فإذا أخذت رأس مالي آخذ من زيد ستمائة درهم ولا أطالبه بالزيادة فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها "فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".

وهذه المبايعة هي التي تفرق ببيع العينة وهي أن تبيع الشيء بثمن كثير إلى مدة مؤجلة ثم تشتريه بثمن أقل حالاً بثمن معجل فهذا هو بيع العينة فإذا فعلت الأمة سلط الله عليها ذلا لا ينزعه عنها حتى ترجع إلى دينها والعينة هي احتيال علىالربا فكيف بمن يأكل الربا الواصح الخالص الظاهر الذي ليس حوله تأويل ولا احتيال وهنا اشترى هذا الصحابي الجليل هذا وهو فيه متأول وما بلغه النهي ثم بعد ذلك رجع فقالت أمنا عائشة أخبروه أن جهاده قد بطل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب.

إخوتي الكرام: لابد من المحافظة على الأعمال من إبطالها فمن عمل عملا ثم أبطله فماذا استفاد منه ومن أجل هذا كان كثير من الصالحين تتقطع قلوبهم خشية من رب العالمين وإذا سئلوا هل هم من عداد المؤمنين يفوضون الأمر إلى رب العالمين ولا يقولون نعم سأل حسن البصري أمؤمن أنت قال إن شاء الله فقيل أتشك يا أبا سعيد قال وما يدريني إذا قلت نعم فقال الله لي كذبت فتحق علي الكلمة وما يدريني وهل أنا قمت بما يقتضيه على الكلمة كما حققت على إبليس وما يؤمنني أن الله اطلع على بعض أعمالي فمقتني فقال يا حسن اعمل ما شئت فلن أقبل منك فأنا أعمل في غير معمل ماذا يدريني. وان سفيان الثوري عليهم جميعاً رحمة الله يقول إذا سئلت هل أنت من المتوكلين وهل أنت بمن يتصف بمقامات الدين من محبة الله والخوف منه ورجاءه فاسكت أو قل أرجو إن شاء الله فإنك إن قلت نعم كذبت وإن قلت لا كفرت. إذا قيل لك هل أنت متوكل إن قلت نعم من عداد الكذابين ليس حالنا حال المتوكلين إذا قلت لا كفرت بالله فقل أرجو أن أكون من المتوكلين إن شاء الله أكون من المتوكلين لعل الله يجعلني منهم وأما أن تنسب هذا إلى نفسك وأنت ما تدري ماذا عملت من عمل أحبط أعمالك عند الله وأنت لا تدري كلمات قالها أناس في العصر الأول قراءنا أكذبنا السنة أرغبنا بطوناً أجبننا عند اللقاء حكم الله عليهم بالنفاق وبنار جهنم ولعله يجري منا أمثال أمثال هذه الكلمات في هذه الحياة وفي هذه الأوقات. ولذلك قال العبد الصالح أبو يزيد البسطامي طيفور بن لميس الذي توفي سنة 261هـ ونعته شيخ الإسلام الإمام الذهبي في السير بأنه سلطان العارفين وقال له حكم ونكت مليحة وكان من كلامه رضي الله عنه وأرضاه يقول: من كان يظن أنه يوجد من هو شر منه فهو متكبر سبحانك ربي سبحانك ربي كيف كان أولئك يحاسبون أنفسهم نعم أخي الكريم مهما اطلعت على ذنوب العباد فإطلاعك على ذنوبك أكثر وأكثر فعلام ترى ذنوب غيرك وتنس ذنوبك.

من كان يظن أنه يوجد من هو شر منه فهو متكبر إنما يرى نفسه أنه شر المخلوقات وحقيقة كما تقدم معنا من لم يحسن أن يعاقبه الله على خير الأعمال فهو من أهل الظلال على خير الأعمال وكان هذا العبد الصالح يقول ليس العجب من حب لك لله عز وجل وأنا عبد حقير إنما العجب من حبك لي وأنت رب جليل يقول هذا العبد كما في سير أعلام النبلاء رحمهم الله جميعاً يقول: لو صفا لي تهليلة ما باليت بعدها لوصف لي تهليله من جميع تهليلاتي والتهليلة هي كلمة التوحيد لا إله إلا الله يقول أنا في حياتي من أولها إلى آخرها لو ضمنت أنه صفالي تهليلة من تهليلاتي كلمة واحدة أوحد بها الله سلمت من الشوائب ومن الحبوط لما باليت بشيء بعدها لو سلمت لي تهليلة ما باليت بشيء بعدها عندي ضمان عند ذي الجلال والإكرام بأنني لن أخلد في النار لكن من الذي يدرينا أنه سلم لنا تهليلة أو لم تسلم حقيقة.

إخوتي الكرام: هذا هو حال عباد الرحمن الفذين يخشونه ويتقونه ولذلك من أسباب خوفهم خشية تفريطهم في حق ربهم سواء في فعل الطاعات سواء في فعل المحرمات أو المنهيات أوفي تضييع المأمورات والواجبات والمستحبات أخوت الكرام وختام البحث في هذا لو قدر أن الإنسان قام بالطاعات على وجه الكمال ووجدت فيه الأمور الأربعة متابعة وإخلاص وتقى وما احبط العمل وترك المحرمات كما تقدم معنا والمحضورات بكاملها لو قدر وما جرى منه تقصير وخطأ وتضييع لو قدر مع ذلك ينبغي أن ينقطع قلبه خوفاً من ربه جل وعلا لِمَ؟ لأن الطاعات من أولها لآخرها لا تفي شكر نعمة من نعم الله عليك فاعرف قدرك ومن أراد أن يدخل الجنة بعمله فهو مخذول متمن ومن أراد أن يدخل الجنة بلا عمل فهو أحمق متمن وقد روى عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مستدرك الحاكم وانظروه في المجلد الرابع صفحة خمسين ومائتين والحديث رواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة ورواه العقيلي في كتاب الضعفاء وحول الإسناد الحديث كلام لوجود سليمان بن هرم وسليمان بن هرم روى عنه الليث بن سعد إمام أهل مصر وسليمان بن هرم من عباد أهل الشام بعد أن روى هذا الحديث الإمام الحاكم في المستدرك قال وسليمان بن هرم من عباد أهل الشام وقد روى عنه الليث والليث لا يروي عن المجهولين والحافظ بن حجر في لسان الميزان نقل هذا عن الحاكم وأقره نعم ن الذهبي ضعف الحديث من أجل وجود سليمان بن هرم فيه فهو مجهول وقال حديثه غير محفوظ وعلى كل حال معناه ثابت سواء ثبت الإسناد أم لا.

ويفهم كما قلت لكم إخوتي الكرام: من كلام الحاكم والحافظ بن حجر أن إسناد الحديث مقبول والعلم عند الله عز وجل ولفظ الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خرج جبريل من عندي آنفا وقال لي يا من عليه صلوات الله وسلامه إن عبداً من عباد الله جعله الله على جبل طول هذا الجبل ثلاثون ذراعاً بثلاثين ذراعاً في وسط بحر يحيط به البحر بمقدار أربعة آلاف فرسخ من كل جهة جعل الله جبلان وسط ذلك البحر وفيه إنسان عَبَدَ الله خمسمائة سنة وليس في ذلك المكان أحد وما عصى الله طرفة عين وقد أخرج الله له عيناً حلوة عذبة بمقدار الإصبع تنبض بالماء فإذا صار الماء نزل من صومعته ومن الجبل وشرب من هذا الماء وأخرج الله له شجرة رمان تحمل كل يوم رمانة يأكل منها هذا العبد الصالح والله على كل شيء قدير يقول وقد سأل ربه أن يقبضه وهو ساجد وألا تأكل الأرض جسده فأعطاه ذلك فقبضه وهو ساجد ونحن نمر عليه عندما إلى الأرض ونرى في علم الله جل وعلا أي حسب ما أعلم الله ملائكته أنه إذا كان يوم القيامة يقول الله لهذا العبد الصالح الذي عبده خمسمائة سنة وما عصاه طرفة عين ثم تقول أدخل الجنة برحمتي أدخلها بعملي فقال الله أدخل الجنة برحمتي قال بعملي فقال الله للملائكة حاسبوه ثم قال الله جل وعلا قايسوا بين نعمي عليه وبين عبادته فأتى بنعمة البصر في هاتين الجارحتين الحدقتين في وجهك هذه النعمة في كفة وعبادة خمسمائة سنة في الكفة الأخرى فما وفت عبادته بنعمة البصر دع نعم سائر الجسد بعد ذلك فقال الله جل وعلا خذوه إلى النار فتى قادته الملائكة التفت وراءه قال رب أدخلني الجنة برحمتك فقال الله له عبدي من خلقك هل خلقت من قبلك أو خلقتك برحمتي قال رب خلقتني برحمتك قال ليرى من قواك على عبادتي خمسمائة سنة هل هذا من قبلك أو برحمتي قال برحمتك قال عبدي من جعلك في هذا المكان وأخرج لك عيناً من الماء حلوة

من هذا الماء الملح الأجاج وأنبت لك شجرة تخرج لك كل يوم رمانة وبستان الرمان يخرج مرة واحدة في السنة وينتهي فحصوله من فعل هذا هذا من قبلك أو من قبل رحمتي قال برحمتك فقال الله له نعم العبد كنت لي إذهب فادخل الجنة برحمتي ثم قال جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامة يا محمد إنما الأشياء برحمة الله عز وجل نعم لو قدر أنك اجتنبت جميع المنهيات وفعلت جميع الطاعات على الوجه الذي يرضاه رب الأرض والسموات مع ذلك ينبغي أن ينقطع قلبك خوفا فجميع طاعتك لا تفي شكر نعمة من نعم الله عز وجل عليك. وهذا إخوتي الكرام: هذا الحديث معناه كحديث الصحيحين الثابت فيهما وفي غيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لن يدخل أحد منكم بعمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولا أنا إلا أن يغمرني الله برحمة منه وفضل والحديث كنت ذكرته سابقاً إخوتي الكرام قلت سأذكر معناه في هذه الموعظة لأنه قد يتوهم بعض الناس وقوع معارضة بين هذا الحديث وبين الآيات التي تصرح بأننا ندخل الجنة بما كنا نعمل: وتلك الجنة التي كنتم أورثتموها بما كنتم تعملون ولا معارضة بين الحديث وبين هذه الآيات وقد حقق أئمتنا الكرام في ذلك من وجوه متعددة أنظروها إخوتي الكرام في فتح الباري للحافظ بن حجر 11/296 وانظروا الكلام على ذلك أيضا في مفتاح السعادة ومنشور العلم والإرادة في أول الكتاب في صفحة ثمانية وخلاصة هذه الأجوبة ذكر الحافظ بن حجر أربعة أجوبة ألا وهي: الأمر الأول: ن العمل من فضل الله عز وجل فكون تدخل الجنة بعملك العمل من فضل الله عز وجل ومن توفيق الله لك للعمل فدخلت الجنة بفضل الله ورحمته. الأمر الثاني: منافع العبد لسيده أنت عبد وجميع ما تقوم به من عمل يستحقه سيدك فيفي إذا دخول الجنة محصن فضل وكرم من الله عز وجل.

الأمر الثالث: عملك الصالح مهما طال فهو في مدة يسيرة محدودة والبقاء في الجنة أبدي سر مدى لأنها به له فإذاً دخولك الجنة بفضل الله ورحمته. وآخر الأمور: دخول الجنة مفتاحها رحمة الله وفضله واقتسام الدرجات فيها على حسب العمل والجواب الذي ذكره وهو الخامس الإمام ابن القيم في مفتاح السعادة قال إن الباء المقتضية للدخول هي غير الباء النافية للدخول فالتي تقضي الدخول هذا للسببية العادية: أورثتمونا بما كنتم تعملون يعني بسبب أعمالكم والباء التي تنفي الدخول بسبب العمل لن يدخل أحد منكم بعمله الجنة هذه هي المعارضة لا يوجد عمل يعارض الجنة ويكون ثمنا لها إذا هي سببية عادية وليست للمعارضة الحقيقية من باب ثمن ومثمن ولذلك النجاة من النار بعفو الله ودخول الجنة برحمة الله واقتسام الدرجات فيها على حسب الأعمال الصالحات. هذا إخوتي الكرام: ما قرره أئمتنا وهذا صحيح فلا يمكن للإنسان أن يدخل بلا عمل وعمله لا يدخله الجنة لا بد من عمل ورحمة الله عز وجل ولأوضح هذا بمثال حسن لا يمكن أن يأتيه ولد من غير وطئ وزواج ولا يمكن أن يأتي الولد بوطئ وزواج فقط لا بد من وطئ وزواج ومن تقدير الله جل وعلا وكم من إنسان يتزوج ولا يولد له لكن إذا أراد الولد من غير زواج فهو أحمق مغرور وإذا قال إن الزواج سينتج لي الولد قدر الله أم لم يقدر فهو كافر مثبور فلا بد أن يطلب الولد من فضل الله عز وجل من الطريق الذي شرعه الله وهنا كذلك نطلب جنة الله الأعمال الصالحة التي أمرنا بها ربنا وتعويلنا على فضله ورحمته وكرمه نسأل الله أن يعاملنا بفضله وإحسانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول واستغفر الله. الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء المرسلين وسلم تسليماً كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. إخوتي الكرام: نحن في شهر مبارك فاضل ألا وهو شهر الله المحرم وسيستقبلنا عما قريب في الغد وفيما بعده أيام مباركة ندبنا أيضاً إلى صيامنا كما ندبنا إلى الصيام في هذا الشهر على وجه العموم. وقد ثبت في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائي والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم " فأفضل ما يقع من صيام في أشهر السنة بعد شهر رمضان صيام هذا الشهر المبارك العظيم ألا وهو شهر الله المحرم وفيه يوم بعد ذلك ألا وهو يوم العاشر منه يوم مبارك عظيم من الله فيه على نبيه الكليم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه على نبي الله موسى بالنجاة من فرعون وقومه وأغرق الله فرعون وجنوده في هذا اليوم العظيم المبارك. كما ثبت في الصحيحين وغيرها من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على منورها صلوات الله وسلامة فوجد اليهود يصومون في يوم عاشوراء وهو اليوم العشر من شهر الله المحرم فقال ما هذا قالوا هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى ومن معه من فرعون وقدمه فقال نحن أحق بموسى منكم فصامه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ولذلك ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:" ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوماً يطلب فضله على غيره إلا صوم يوم عاشوراء ".

وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن صيام هذا اليوم له أجرٌ كبيرٌ كبير ففي المسند وصحيح مسلم وسنن أبي داود والحديث في سنن الترمذي من رواية أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى لله عليه وسلم يقول: صيام يوم عاشوراء ني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله يكفر ذنوب سنة بفضل الله ورحمته وقد ندبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته الطيبة الشريفة المباركة عليه صلوات الله وسلامة إلى صيام يوم مع اليوم العاشر ونوى ذلك لكن المنية جاءته فانتقل إلى الرفيق الأعلى عليه صلوات الله وسلامه قبل أن ينفذ ما نوى. ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" لئن عشت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع " أي مع العاشر يصوم تاسوعاء وعاشوراء وهذا من باب مخالفة اليهود يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده ومن صام يوماً قبله ويوماً بعده فهو أحسن وأفضل وأكمل فقد ثبت ذلك في مسند الإمام أحمد وسند البزار من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وفي إسناد الحديث محمد بن أبي ليلى وكان قاضياً في بلاد الكوفة وقال عنه الحافظ في التقريب صدوق لكنه سيئ الحفظ وحديثه مخرج في السنن الأربعة ولفظ الحديث من عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "صوموا عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا يوماً قبله ويوماً بعده".

وعليه من أراد أن يصوم هذا اليوم وينبغي أن تحرص عليه فينبغي أن تصوم يوما قبله معه أو يوما بعده معه ولو جمع يوماً قبله ويوما بعده وصامه فهذا أكمل وأفضل وأبر نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المقبولين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصبه وسلم تسليماً كثيرا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم أغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا. اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم أغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم أغفر لمن عَبَدَ الله فيه. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب الأرض والسموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والحمد لله رب العالمين عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظم لعلكم تذكرون.

زيارة النساء للقبور

زيارة النساء للقبور (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم زيارة النساء للقبور الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. تقدم معنا أن البدعة من أسباب سوء الخاتمة، نسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقائه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وهذه الخصلة الردية، أعني البدعة، قلت سنتدارسها ضمن الثلاثة مباحث.

أولها: في تعريفها. ثانيها: في بيان النصوص المحذرة المنفرة من البدعة. ثالثها: في أقسام البدعة. إخوتي الكرام: مازلنا في المبحث الأول عن تعريف البدعة، وقلت إنها حدث في الإسلام مع زعم المحدث بما أحدثه أنه يتقرب به إلى ذي الجلال والإكرام وهذه البدعة بهذا التعريف وبهذا الحد وبهذا الضابط كما قرره أئمتنا الكرام، انحرف نحوه صنفان من الأنام، صنفاً غلو وأفرطوا فأدخلوا في حد البدعة وضابطها وتعريفها ما ليس منها، وقسماً فرطوا فألفوا البدعة وابتدعوا في دين الله عز وجل {وهم يحسنون أنهم يحسنون صنعا} ودين الله بين الغالي والجافي ولا إفراط ولا تفريط، وهاتان الفرقتان لابد من أن نحذرهما وأن نحذر من أقوالها. وكنا إخوتي الكرام: في مدارسة غلو الفرقة الأولى التي وسقت مفهوم البدعة ودائرتها فحكموا بالبدعة والتضليل على ما احتمله الدليل وقال به إمام جليل، بل اشتطوا أكثر من ذلك كما تقدم معنا فحكموا على الفضل بأنه بدعة منكرة مع أنه وردت به صراحة النصوص الشرعية المطهرة وذكرت لذلك أمثلة معتبرة منها إخوتي الكرام ما يتعلق بصلاة التراويح في ليالي رمضان وأنها عشرون ركعة كما نقل هذا عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووافقه عليه سائر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وهذا هو المقرر عند الجماهير كما تقدم معنا ومن ذلك أيضاً ما تقدم معنا وضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع كما هو الحال قبل الركوع فتقدم معنا أن هذه كيفية شرعية وليس ببدعة ردية. ومن ذلك أيضاً قراءة القرآن على القبور، وتقدم معنا أنه يتعلق بهذه المسألة ثلاثة أمور: تلقين الميت وقد مر الكلام على ذلك، وإثبات سماع الميت في قبره وأنه يعلم بمن يزوره ويستأنس به ويفرح بما يجري عنده من طاعة، ويحزن على ما يجري عنده من معصية. والأمر الثاني: إهداء القربات إلى الأموات: إخوتي الكرام..

كنا نتدارس الأمر الثاني ألا وهو سماع الأموات في قبورهم علمهم بمن يزورهم كما تقدم معنا تقرير هذا مبيناً بأدلة الثابتة الواضحة وكان المتوقع أن ننتقل في هذه الموعظة المباركة إلى آخر الأمور ألا وهو إهداء القربات إلى الأموات لننتقل بعد ذلك إلى مدارسة حال الفرقة الثانية الذين ألفوا البدعة في الدين ثم خرفوا ما شاءوا ونسبوا تخريفهم إلى شريعة رب العالمين. إخوتي الكرام: كان المفروض وهذا وهو المتوقع لكنني سأتلكم في هذه الموعظة على أمرين اثنين: أمراً يتعلق بما مضى كنت ذكرته باب الاستطراد لتوضيح حكمة وقد رغب عدد من الأخوة الكرام تقرير وبيان أمره وقد استشكله بعض من سمع هذا الكلام فلابد من وضع الأمر في نصابه. والأمر الثاني: فيه زيادة تقرير في أن الأموات يفرحون بما يجري عندهم من طاعات ويحزنون ويتألمون بما يقع عندهم من سيئات ومنكرات. وهذا الأمر الثاني ثابت عن نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه فموضوع موعظتنا سيدور حول هذين الأمرين.

الأمر الأول إخوتي الكرام: يتعلق بزيارة النساء القبور وقد كنت ذكرت هذا استطراداً، فتقرير سماع الأموات وأنه شُرِعَ لنا أن نزورهم وذكرت حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهو حديث صحيحٌ صحيح ثابت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي عن أمنا الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنها قالت لنبينا خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه [كيف أقول إذا زرت القبور فقال نبينا البشير النذير المبرور عليه صلوات الله وسلامه قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] عنده هذا الحديث أيها الأخوة الكرام فإن زيارة القبور للنساء مشروعة جائزة وبينت بإختصار استشكله بعض الناس عند ما سمعه ونسأل الله أن يشرح صدورنا للحق وأن يرزقنا الفهم والعمل بما نفهم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام: لذلك نزولاً عند رغبة الأخوة الكرام سأذكر بما يتعلق بهذه المسألة في هذه الموعظة وهو الأمر الأول من الأمرين اللذين سنتدارسها في هذه الموعظة.

نعم إخوتي الكرام: وردت أحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام تنهي النساء عن زيارة القبور وتحذرهنَّ من ذلك، من هذه الأحاديث ما ثبت في المسند والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه الإمام أبو داوود والطيالسي في مسنده والبيهقي ي السنن الكبرى والحديث إسناده حسن حسنه شيخ الإسلام الإمام الترمذي وغيره عليهم جميعاً رحمة الله، ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[لعن زوَّرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج] وهذا الحديث حديث صحيحاً والجملة الأولى وردت من رواية أبي هريرة وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين أما رواية أبي هريرة في لعن نبينا عليه صلوات الله وسلامه لزوارات القبور فقد رواها الإمام أحمد في مسنده، والإمام الترمذي في سننه وهكذا ابن ماجة في السنن ورواها ابن حبان في صحيحه وأبو داوود الطيالسي في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور] . أما حديث حسان بن ثابت فبمعنى حديث أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين فقد رواه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه والحاكم في مستدركه وهو أيضاً في مسند أبي داوود الطيالسي، والسنن الكبرى للإمام البيهقي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[لعن زوارات القبور] وهذا الحديث حديث صحيح كما قلت ثابت من رواية ابن عباس وأبي هريرة وحسان ابن ثابت رضي الله عنهم أجمعين.

لكن هذا الحديث عورض بأحاديث أخرى فلابد من التوفيق بين كلام نبينا - صلى الله عليه وسلم -، إن نبينا صلوات الله عليه وسلامه نهى النساء كما نهى الرجال في أول الأمر عن زيارة القبور لأن القوم حديثُ عهد بشرك وجاهلية وقلوبهم لم تتعلق على وجه التمام برب البرية فلألا يزور القبور زيارة بدعية، فهو في أول الأمر ذكوراً وإناثاً عن زيارة القبور ثم رُخص لهم من قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم -، بل ندبوا إلى ذلك والدليل على هذا ما ستسمعونه إخوتي الكرام من أدلة وما سأعقب أيضاً على هذه الأدلة بفهم كلام أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين.. أما الأحاديث التي تعارض هنا وتدل على الترخيص والندب والجواز منها، حديث بريدة رضي الله عنه وفي مسند الإمام أحمد صحيح مسلم وسنن أبي داوود النسائي ورواه الإمام البيهقي في سنن الكبرى حديث صحيحٌ صحيح فهو في صحيح مسلم كما قلت عن بريدة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها] وتقدم معنا أن سبب ترخيصها أنها تذكر بالآخرة وأنها ترق القلب وتدمع العين كما ثبت ذلك عن سيد الكونين نبينا عليه صلوات الله وسلامه [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها] وكنت نهيتكم عن أكل لحم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم وكنت نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فانبذوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً] .

والحديث كما قلت إخوتي الكرام في صحيح مسلم وغيره وتأمل هذه الأمور الثلاثة هل هي خاصة بصنف أو عامة للصنفين، أعني الرجال والنساء بمثبتاً الأضاحي، نهى المسلمون في أول الأمر أن يدخروا من الأضاحي فوق ثلاث من أجل أن يحصل مساعدة بين المضحين وبين من لا يستطيعون الأضحية، فإذا ضحى الإنسان يباح له أن يأكل من ذبيحته اليوم الأول، والثاني، والثالث، فإذا بقى عنده شيء يحرم عليه أن يأكل منه وإذا أكل منه فقد عصى الله عز وجل وعليه إذن يسارع الناس إلى الصدقة ومساعدة من لم يضحي، هذا كان في أول الأمر ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام [فامسكوا ما بدا لكم إن شئت أن تمسك أضحيتك حولاً كاملاً لتأكل منها في يوم عرفة السنة الآتية لتبدأ يوم النحر بأضحية أخرى فلا حرج عليك، هذا كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهل هذا خاص بالنساء أو بالرجال؟ أو هو شامل للصنفين؟ [كنت نهيتكم عن الأكل من الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم] وهكذا الإنتباذ نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في أول الأمر أن ينتبذوا إلا في أسقية الأدم، والنبيذ يراد به إخوتي الكرام: ثمرات أو حبات من زبيب تلقى في الماء من أجل أن يحلو الماء ويعذب طعمه وكان هذا فحبباً إلى نبينا صلوات الله عليه وسلامه وإلى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فكانوا إذا وضعوا التمرات..

حبات الزبيب في هذا السقاء فيشربون منه في اليوم الأول والثاني والثالث، ثم بعد ذلك يريقونه وإذا لم يُسكر فيجوز أن يشربوا منه ما شاء الله من فترة وزمن، هذا في أول الأمر، أنهم حديثُ عهد بسكر قد لا يميزون بين الشراب إذا أسكرا وبين الشراب الذي لم يُسكر فنهوا عن الإنتباذ إلا في أسقية الأدم وأسقية الأدم هي التي تون من جلداً، وأدم ويلات على أفواهها كما وضح ذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو أن يربط وإذا انتبذ الإنسان في أسقية الأدم وهذا الوعاء، وهذا الوعاء مربوط على فمه لو قُدر أن هذا الشراب أسكر فتتمدد فيها الغازات وينفجر لأنه لا يحتمل، وأما إذا كان الوعاء من خشب أو حجر أو زجاج فيسكر فيه الشراب ولا يتأخر هذا الوعاء بما فيه فنهوا عن الإنتباذ إلا في الأسقية الأدم ثم رُخص لهم أن ينتبذوا في كل وعاء بشرط أن لا يشربوا مسكراً. والأمور الثلاثة إخوتي الكرام كما قرون متقدمة ببعضها ومقرونة ببعضها في حديث واحد وبما أنه يجوز للنساء أن يدخرن من الأضاحي فوق ثلاث ويجوز للنساء أن ينتبذن في الأسقية الأدم وغيرها وأن هذا الشراب إذا لم يكن مسكراً فيجوز للنساء أن يزرن القبور كما يحصل من الرجال تماماً. والأمور الثلاثة في حديث واحد [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، كنت نهيتكم عن أكل لحم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم، وكنت نهيتكم عن الإنتباذ إلا في سقاء فانتبذوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً] . والحديث إخوتي الكرام نص صريح صحيح في جواز زيارة النساء للقبور ولذلك قال شيخ الإسلام الإمام بن عبد البر حافظ المغرب في زمانه وهو كحافظ المشرق في زمانه الخطيب البغدادي وقد توفيا في سنة واحدة سنة ثلاث وستين وأربعمائة من الهجرة 463هـ.

نبينا الأمين على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه يقول ابن عبد البر نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن زيارة القبور نهياً عاماً وترخيصه في زيارة القبور ترخيصاً عام وعلى هذا فيجوز للنساء أن يزرن القبور كما يجوز للرجال هذا الحديث الأول والحديث الثاني ثبت في الصحيحين وسنن البيهقي وفي رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال مر نبينا - صلى الله عليه وسلم - على امرأةٍ تبكي عند قبراً فقال لها عليه صلوات الله وسلامه: يا أمة الله اتقي الله واصبري. فقال: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد التمس لها أنسٌ عذراً فقال: ولم تعرفه. ما عرفت أن من يكلمها هو خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه ولذلك قالت له هذه العبارة إليك عني وهذا من تواضعه صلوات الله عليه وسلامه لا يتميز على أصحابه بحيث يخفى عنهم أحياناً وكان الأعرابي إذا جاء ودخل إلى مجلس النبي صلوات الله عليه وسلامه أيكم محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرف من فقيل لها إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتدري من كلمك ولمن قلت إليك عني فأتت النبي عليه الصلاة والسلام [وجدت غرابه أخرى لم تجد] لا يوجد من يمنعها من الدخول فقالت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعتذر لما جرى منها لم أعرفك فقال خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه إنما الصبر عند الصدمة الأولى.

والحديث كما قال أئمتنا نص صريح صحيحٌ في جواز زيارة النساء للقبور وقد بوَّب على هذا الحديث سيد المسلمين وأمير المؤمنين في حديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام للإمام البخاري في صحيحه في كتاب (الجنائز) باباً فقال (باب زيارة القبور) قال الحافظ بن حجر عليه رحمة الله وتقرير النبي عليه الصلاة والسلام لهذه المرأة في زيارتها وعدم إنكاره عليه في زيارتها دليل على أن زيارة القبور مشروعة للنساء كما هي مشروعة للرجال وقال الإمام العيني في عمدة القارئ في شرح هذا الحديث نؤخذ منه أن زيارة القبور مشروعة مطلقة للرجال وللنساء وكما قلت إخوتي الكرام الدلالة ظاهرة واضحة صريحة صحيحة، والحافظ ابن حجر في التلخيص الجيد أيضاً ما تقدم في (فتح الباري عند تخريج أحاديث كتاب الجنائز قال فائدة ثم ذكر أن هذا الحديث كحديث أمنا عائشة الأتي يدلان على جواز زيارة النساء للقبور. إذاً هذا الحديث إخوتي الكرام صريح صحيح في أن امرأة زارت القبور والنبي عليه الصلاة والسلام أقرَّها ولم يعترض عليها وإقراره تشريعاً وسنه فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه وهذا الأمر كما قلت في أوله موعظة هو الوارد في حديث أمنا عائشة رضي الله عنها وهو ثابت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي أنها قالت لنبينا عليه صلوات الله وسلامه كيف أقول إذا زرت القبور فقال نبينا عليه صلوات الله وسلامه قولي [السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين والمستأخرين وإن شاء الله بكم لاحقون] .

فهذا سؤال من الصديقة موجه إلى نبينا صلوات الله وسلامه إمام الصادقين، وما أنكر عليها زيارة القبور للنساء ليسن مشروعة فعلام تسألين عما لا يحل لك ولأمثالك وقد كانت أمنا عائشة رضي الله عنها الذي باشرت هذا السؤال بنفسها فسألت نبينا عن الأمر عندما كان حياً عليه صلوات الله وسلامه فكانت تطبق ذلك بعد انتقال نبينا صلوات الله عليه وسلامه بجوار الرفيق الأعلى تزور القبور وإذا استشكل مستشكل ترد عليه بأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بزيارة القبور بعد أن نهى عنها، ثبت في مستدرك الحاكم وسنن الكبرى للإمام البيهقي بسند صحيح كالشمس من رواية أبي المليكة وعبد الله ابن عبيد الله بن أبي مليكة من أئمة التابعين الطيبين توفي سنة سبعة عشر ومائة 117هـ حديثه مخرج في الكتب الستة وقد أدرك ثلاثين صحابياً وروى عنهم ومنهم أمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين يقول عبد الله بن أبي عبيدة بن أبي مليكة رأيت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قادمة فعلت لها أين قدمت يا أم المؤمنين قالت: كنت أزور قبر أخي، قبر عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين فقال لها عبد الله بن أبي مليكة أليس قد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - زيارة القبور أنتم معشر النساء نهيتنَّ عن ذلك فكيف تزورن القبور فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن زيارة القبور ثم أمر بها] والحديث في سنن بن ماجة نختصره ففي أمنا عائشة رضي الله عنها قالت ثم رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زيارة القبور فهذه أحاديث كما ترون إخوتي الكرام مقصورة صريحة صريحة في الدلال بأن زيارة القبور مشروعة فأرجو التوفيق بينها وبين الأحاديث المتقدمة من حديث عبد الله ابن عباس وأبي هريرة وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين بأن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام [لعن زوارات القبور] الجواب من وجهين معتبرين كما كنت أشرت إلى ذلك مختصراً.

الجواب الأول: فهو الذي عليه الجمهور أن الحديث النهي منسوخة كما أن الرجال نهو عن زيارة القبور ثم نسخ. ذلك في حقهم وهكذا للنساء نهين عن زيارة القبور ثم نسخ ذلك في حقهنَّ. وهذه أحاديث صريحة صحيحة تدل على هذا. والجواب الثاني: ذهب إليه الإمام القرطبي: وهو على التنزّل بأن أحاديث للنهي بعد أحاديث الترخيص والإباحة قال رحمة الله عليه ورضوانه في الإمام القرطبي صاحب كتاب المفهم في شرح صحيح مسلم عليهم جميعاً رحمة الله قال هذا الإمام المبارك إن هذه الأحادي خاصة في من يكثر الزيارة ويرددها ويكررها أما بين الحين والحين فزيارتها مشروعة وقربة إلى رب العالمين. نعم الرجل يستحب له أن يكثر لأنه في الأصل خارج البيت وليس في خروجه من البيت مشكلة، أما المرأة فهي قاعدة البيت فيباح لها أن تخرج لمصلحة شرعية لترق قلبها وتدمع عينها ولتدعو لميتها ولستأنس بها لكن هذه المصلحة ما ينبغي أن يترتب عليها مفسدة ما ينبغي أن تزور في كل يوم إنما تزور في كل شهرٍ مرة في كل سنة مرة، بالصفة الشرعية فإذا زارت وما ترتب على خروجها مشكلة وردية فأي حرج ذلك في الشريعة وقد رخص نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام للنساء الزيارة الشرعية وهذا الوجه الثاني الذي ذكره الإمام القرطبي يدخل فيه ما قاله بعض أئمتنا قال على التسليم بأحاديث النهي بعد أحاديث الترخيص والإباحة فهي محمولة على من زارت القبور وقالت هجرة زارتها زيارة بدعية شركية فما تقيدت بآداب الشرع في زيارتها فهي تدل كما الرجل يدل وعليه من من لم الزيارة الشرعية من النساء كما أو كما أي لم تتقيد في عدد الزيارة ينبغي أن تزور في الشهر مرة وفي السنة مرة لا أن تخرج كل يوم وكل أسبوع، هذا ينافي ما أمرها الإسلام به من أن تكون مقيدة ببيت لا تكثر الولوج والخروج فإذاً إذا خالفت هدي الإسلام في كيفية الزيارة فزارت زيارة بدعية شركية فهي ملعونة.

والأمر الثاني: يستوي معها فيه الرجل والرجل إذا زار زيارة بدعية شركية فهو ملعون عاصٍ للحي القيوم. إخوتي الكرام.. هذا ما قرره أئمتنا الكرام شراح كتب السنة نحو هذا الحديث، وأما أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين فما خرج كلامهم عن ذلك ولا بد إخوتي الكرام من ذكره ليكون بينة من أمرنا وكما قلت مراراً ما احتمله الدليل، وقال به إمامٌ جليل فقد خرج عن كونه بدعة في شريعة الله الجليل، لا يقال أنه بدعة احتمله الدليل ثم بعد ذلك أنت ترى هنا أو لا تراه هذا أمرٌ أخر إنما إياك أن تدع كيفية يحتملها دليل شرعي ويقول بها إمام تقي ولنذكر إخوتي الكرام ولنتدارس أقوال أئمتنا الفقهاء على الترتيب الزمني أولهم السادة الحنفية قرروا أن زيارة النساء للقبور مشروعة. انظروا إخوتي الكرام (رد المحتار على الدر المختار) المعروف بحاشية الإمام ابن عابدين عليه وعلى أئمتنا رحمة رب العالمين في الجزء الثاني صفحة اثنين وأربعين ومائتين 2/242 يقول ويندب للنساء زيارة القبور كما يندب للرجال، والأصح دخولهنَّ في الترخيص أي في قول النبي عليه الصلاة والسلام [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها] والأصح دخولهن في الترخيص فيندب لهنَّ ذلك كما يندب للرجال وبعدهم السادة المالكية راضوان الله عليهم اجمعين. كما في حاشية الدسوقي في الجزء الأول صفحة ثمانية وثمانين وثلاثمائة 1/388 قرر المالكية حكم زيارة النساء للقبور على تفصيلاً ذكروه فقالوا: تُمنع النساء من زيارة القبور لما يترتب على خروجهن فتنة وهي مأمورة بأن تكون قعيدة بيت {وقرن في بيوتكن} . والأمر الثاني: يرخص لهن كما يرخص للرجال.

والثالث: وهو الذي مشى عليه علماء المذهب أعني مذهب الإمام مالك رحمه الله ورضوانه عليهم أجمعين قالوا للتفرقة بين الشابة والعجوز الكبير، فالشابة تُمنع خشية الإختتان بها والعجوز الكبير يُرخص لها وعليه هي دخلت في الترخيص لكن الشابة تُمنع لأمرٍ أخر لما يترتب على خروجها من محذور، وقلت مراراً إخوتي الكرام أن عجب للناس في هذه الأيام عندما سمحوا لنسائهم وبناتهم.. سمحوا لهن بالذهاب إلى الأسواق وإلى المتنزهات وسمحوا لهن يذهبوا معهم في الرحالات إلى ما شاء الله من البلاد ثم بعد ذلك إذا قلت لهم إذا استصحبت زوجك إلى المقبرة بعد صلاة الفجر في يوم من الأيام لتذكرها بالمصير الذي تصير إليه ليرق قلبها وتدمع عينها لتذكر أصحابها وأقاربها وأحبابها لتدعوا لهم ويستأنسوا بها تقول: أعوذ بالله هذه بدعة وضلالة وخروجها للأسواق ذاك حسنة، وكمال، نعوذ بالله من فساد العقول في هذه الأيام ولذلك إخوتي الكرام انظروا لقول المالكية تقول إن كانت شابة تُمنع ليس تمنع من المقابر ويرخص لها أن تذهب إلى السوق، هذه قعيدة بيت، وقلت أشنع من الأسواق في هذه الأيام، المدارس التي أحياناً يُدرس فيها نساء لعلهن أخبث من الشيطان الرجيم في الفساد والإفساد وكل هذا تحملناه نحو بناتنا ثم بعد ذلك إذا ذكرت زيارة القبور تتمعر وجوهنا وتشمئز قلوبنا وعلام هذا الأمر وقد أباحه نبينا عليه صلوات الله وسلامه وقرره أئمتنا.

وأما السادة الشافعية: فالأمر عندهم كما في المجموع شرح المهذب ليشخ الإسلام الإمام النووي في الجزء الخامس صفحة عشر ثلاثمائة 5/310 زيارة القبور عندهم، فيها قولان. القول الأول: مكروه كراهة التنزيل والبيت في ذلك كما قلت أن المرأة ينبغي أن تكون مستورة مصونة والقول الثاني وهو الذي رجحه الإمام أبو المحاسن الإمام الإمام الردياني من أئمة الشافعية الكبار ونقله عنه الإمام الذهبي النووي في المجموع قال: يباح لهن ذلك كما يباح للرجال لاستواء الجميع في العلة، شرع لها أن ترق قلبها وأن تدمع عينها وأن تتذكر المصير الذي ستصير إليه كما يشرع هذا في حق الرجل، فهذان القولان الشافعية قول للجواز وهو مرجح من قبل الإمام الردياني، وهكذا السادة الحنابلة آخر المذاهب في الترتيب الزمني قرروا هذين القولين اللذين قال بهما الشافعية الكرام ففي المغني مع الشرح الكبير في الجزء الثاني صفحة ثلاثين وأربعمائة 2/430 يقول الإمام ابن قدامة وفي زيارة النساء للقبور قولان عن الإمام أبي عبد الله يعني به الإمام المبجل أحمد بن حنبل رضوان الله عليهم أجمعين. القول الأول: بالكراهة القول الثاني: بالجواز، وذكر دليل الجواز وختم الكلام به وقرره بالأحاديث الصحيحة المتقدمة التي ذكرتها. إذاً اخوتي الكرام:

هذه نصوص أئمتنا الحنفية يجيزون قولاً واحداً وهو قولاً، وهو قولاً للمالكية والشافعية والحنابلة، وتقدم معنا قول شراح الحديث وشراح السنة في الجمع بين الأحاديث وهذا الذي قاله أئمتنا رضوان الله عليهم فأبعد ذلك استنكاراً لهذا القول إخوتي الكرام إن هذا الأمر كما قلت مقرراً عند أئمتنا قاطبة الرحمة رضوان الله عليهم أجمعين، فهذا الإمام عبد الحق أبو محمد وكنت نقلت عنه عليه رحمة الله في المواعظ السابقة بعض النصوص وقد توفي كما قلت سنة واحد وثمانين وخمسمائة 581هـ يذكر في كتابه العاقبة هذه المسألة فيقول ك وكذلك أبيحت زيارة القبور للنساء كما أبيحت للرجال وأبيح لهنَّ البكاء على القبور كما أبيح للرجال ثم ذكر حديث أنس المتقدم بأن النبي عليه الصلاة والسلام مر على امرأة وهي تبكي على قبر.. قال الإمام عبد الحق والحديث صحيح مشهور ذكره مسلم والبخاري وغيرهم، تقدم معنا في سنن البيهقي وغيره قال الإمام عبد الحق ولو كان بكاء النساء عند القبور وزيارتهنَّ لها حراماً لنهانا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ولزجرها زجراً يزجر بمثله من أتى محرماً وارتكب منهياً وما روي عن النهي زيارة النساء فغير صحيح أيقصد ما ورد نهياً بعد الإباحة والترخيص والجواز والصحيح ما ذكرت لك من الإباحة إلا عرف عمل النساء في خروجهن ما لا يجوز من تبرج أو علام أو غيره فهو المنهي عنه وقد أبيح لك أيها الإنسان مطلقاً رجلاً أو امرأة أن تبكي على قبر ميتك حزناً عليه أو رحمة له مما بين يديه، فإن وجدت لك بكاءاً فابكي ومع بكائك على ميتك فلا تغفل عن بكائك على نفسك وعن الفكرة فيما عملته في يومك وأمسك وفي مالك عند ملول رمسك يعني قبرك وبل لو أمكنك أن تجعل بكائك كله عليك كان الأولى بل والأحمد لك.. إذاً هذه نصوص عما قلت إخوتي الكرام عن أئمة الإسلام يقرر هذا.

نعم ذهب بعض أئمة الإسلام كالإمام ابن تيمية عليه رحمات الله رب البرية وهكذا ابن القيم الجوزي عليهم جميعاً رحمة الله إلى المنع واخت وهذا كان لهما وانتهى الأمر والحجة فيما قرره أئمتنا أن الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله كتب في ذلك ثلاث عشر صفحة في مجموع الفتاوى في الجزء الرابع والعشرون من صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة 24/343 إلى ستة وخمسين وثلاثمائة 356 وهكذا تلميذه ابن القيم الجوزي عندما علق على تهذيب السنن كتب على ذلك أربع صفحات أيضاً في الجزء الرابع من تهذيب السنن من صفحة سبع وأربعين وثلاثمائة 4/347 إلى خمسين وثلاثمائة 350.

وقد ذكر الإمام ابن القيم عليه رحمة الله أدلة على المنع منها ما يقبل ومنها ما لا يقبل ومن ذلك قال إن حديث أنس رضي الله عنه الذي تقدم معنا نصَّاً صريحاً في تحريم زيارة النساء للقبور وما فهم ذلك أحداً قبله ولا بعده ولذلك لم يسبقه إلى ذلك أحد ولا تبعه عليه أحد وما وجه ما فهمت وما قلت من الحديث قال إن قول النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة اتق الله يقول والتقوى هي فعل ما أمر الله وترك ما نهى عنه وزيارة القبور للنساء منهياً عنه فكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول له لا تزور القبور ثم قال قوله اصبري قال إن الصبر يلزم منه عدم خروجها من البيت وعدم بكائها مما يدل على خروجها لزيارة القبور منهياً عنها أنت تصادر على المطلوب في كلامك تقول إن الزيارة منهياً عنها، ولذلك دخلت ضمن قول الله اتق الله لأن التقوى فعل المأمور وترك المحذور قرر ذلك الأمر ثم أثبته على أنه من مقتضيات التقوى، أن لا يفعله الإنسان إنني أقول ما قاله أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين إن الزيارة لو كانت ليست شرعية لنهى عنها خير البرية عليه صلوات الله وسلامه بلفظ صحيح صريح يدل على المطلوب لقال (يا أمة الله علاما تزورين القبور) وهذا لا يجوز في حق النساء أما أن يقول لها اتقي الله واصبري ما أنكر عليها الزيارة إنما يريد أن يذكرها بتقوى الله وأنه لا داعي للجزع والهلع ولا للنياحة ولا للعويل، اتقي الله واصبري، ولذلك عندما جاءت إليه وقالت له لم أعرفك عليه صلوات الله وسلامه ما قال لها إنك فعلت منكراً بزيارتك، إنما قال لها إنما الصبر عند الصدمة الأولى.

نعم ذهب هذان الإمامان كما قلت للمنع من ذلك لكن تقدم معنا قول جمهور أئمتنا ويمكن أن يقول بعد ذلك اختصار إن زيارة النساء للقبور احتملها الدليل وقال بها إمام جليل فلا يجوز أن نحكم عليها بأنها بدعة ضلالة وأنها تضليل لا يجوز أن نحكم هذا أبداً.. إنما إذا شرح الله صدرك لهذا فاسمح لنسائك أن يزرن وكن معهن وإذا لم يشرح الله صدرك لذلك فاضبط لسانك وقف عند حدك وأمراً قرره أئمتنا ودل عليه كلام نبينا عليه صلوات الله وسلامه ما ينبغي أن يعترض عليه إخوتي الكرام: هذا الأمر لا بد من أن يرسخ في أذهاننا في هذا الزمان لابد أن يرسخ في أذهاننا في هذا الزمان، الأمر إذا احتمله الدليل الشرعي وقال به إمام تقي فقد خرج عن رسم البدعة وحدها فلا يجوز أن نحكم عليه بالبدعة أو أن نبدِّع فاعله وهذا أمراً دعاه سلفنا تمام الوعي واشتبه علينا في هذه الأيام تمام الاشتباه فبت نابتة في هذه الزمان يحصرون الحق في واحد وليتهم من المتقدمين، إنما هم من المعاصرين ينزلون أقوالهم منزلة أقوال نبينا عليه الصلاة والسلام، وإذا خالفته اتهموك بالبدعة والضلال وافتروا عليك ما شاءوا من الإفك المبين، رفقاً يا عباد الله بأنفسكم..

رفقاً يا عباد الله بأمة نبيكم عليه صلوات الله وسلامه هناك فرق كبير بين السلفي والبدعي لا خير في من لم يكن سلفياً حقيقياً لكن لا بد من التفريق بين السلفي في زمنه وسيد المسلمين إلى سفيان الثوري عليه رحمة الله عندما يقرر هذا الكلام وانحرف عنه هؤلاء الأدعياء في هذه الأيام يقول كما في كتاب (الفقيه والمتفقة) لشيخ الإسلام في زمنه الخطيب البغدادي في الجزء الثاني صفحة تسعة وستون 2/69 يقول سفيان الثوري إذا رأيت الرجل يعلم العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه، والله هذا هو الدين الحق وهذا هو صراط الله المستقيم أمراً اختلق فيه أئمتنا ودلت عليه شريعة ربنا وأنت تبنيت قولاً من الأقوال على ما تنهي غيرك وعلاما تحصد الحق في نفسك وهذا يقوله سيد المسلمين في زمنه الذي توفي سنة واحد وستين ومائة للهجرة 161هـ وحديثه في الكتب الستة ويقول شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك في حقه كتبت عنه ألف شيخ ما فيهم أفضل من سفيان ويقول في حقه الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله لم يتقدمه في قلبه أحد ويقول فيه الإمام الأوزاعي لو قيل لي اختر لهذه الأمة إماماً يقتدون به ما اخترت لهم إلا سفيان، ويقول هنا العبد الصالح (إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي أختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه) لأنه على بينة وعلى حجة وعلى هدى وأنت إن شاء الله كذلك فينبغي أن تتسع صدورنا لهذا.

إخوتي الكرام: قبل أن أنتقل إلى الأمر الثاني، هذا الأمر الأول حقيقة ينبغي كما قلته أن نعيه تمام الوعي كما ذكرت في خاتمته ما احتمله الدليل وقال به إمام جليل لا يحكم عليه بأنه بدعة في شرع الله جل وعلا ولا يجوز أن نبدل فاعله فانتبهوا لهذا اخوتي الكرام وحقيقة كم يحزن الإنسان عندما يسمع اختلافاً بين المسلمين في مسائل احتملتها أدلة وقال بها أئمتنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وقد عرض عليَّ أمران في بحر الأسبوع الذي نعيشه ونحن في آخر يوماً فيه وهذان الأمران من أئمة المساجد هنا وما قلت كثيراً من النابتة يفعلون على أئمة المساجد وعلى غيرهم من غير هدى ولا بينة الأمر الأول، إمامان من أئمة المساجد هنا من أهل الخير والصلاح ولا أزكي على الله أحداً كل منهما دعا في مسجده لنفسه بعد أن دعا مسح وجهه بيديه عقب الدعاء كل منهما ينبذ من قبل الحاضرين بأن هذا بدعة في الدين وأن الإمام مخرف وأنه من أتباع الشياطين نعوذ بالله من هذا الإفك المبين ومن أين حصلتم هذا العلم الذي لا تحسدون عليه ومن قال إن مسح الوجه باليدين عقب الدعاء بدعة؟ من قال؟ أما تتقون الله في أنفسكم عندما تصدرون هذا الأحكام في شريعة ربكم أم عندما تتطاولون على أئمة بيوت الله جل وعلا أما تستحيون من الله، فقلت لكل منهما بما أجاب يقول ما عندي كلام لأنني أعلم أن هذا مشروع وأنه كلن يفعل ثم بعد ذلك يقولون إنه بدعة.

إخوتي الكرام: وحقيقة سمعنا هذا مراراً ومراراً فاستمعوا لهذه القضية التي سأذكرها لينتهي القيل والقال نحوها، إن مسح الوجه باليدين عقب الدعاء مستجب وقد نص على هذا أئمتنا الكرام منهم شيخ الإسلام النووي في كتابه الأذكار ومنهم الإمام الشوكاني في (تحفة الذاكرين) صفحة ستة وثلاثين صـ36 وانظروا كلام شيخ الإسلام الإمام النووي في الأذكار صفحة أربعة وأربعين وثلاثمائة صـ344، وهذا الاستحباب جاء من أدلة واردة عن نبينا صلوات الله وسلامه قد ورد في ذلك ثلاثة أحاديث فكونوا على علم بذلك يا أئمة المساجد إذا اعترض سفيهاً من السفهاء في هذه الأيام. الحديث الأول: عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وقد رواه الإمام الترمذي في سنة والحاكم في مستدركه والبغوي في شرح السنة عن أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -[إذا دعا ورفع يديه لا يحطهما حتى يمسح بهما وجهه] . وهذا الحديث عمر رضي الله عنه ثبت معناه وما يدل عليه من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما روى حديث عبد الله بن العباس رضي الله عنهم أجمعين رواه الإمام أحمد في المسند ورواه أبو داود في السنن وابن ماجة في السنن والحاكم في المستدرك والبغوي في شرح السنة ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم] . والحديث الثالث: ثابت عن السائب بن يزيد ووالده يزيد بن سعيد السائب الصحابي رضوان الله عليهم أجمعين قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم -[إذا دعا ورفع يديه مسح بهما وجهه] ، والحديث رواه أبو داوود.

إذاً حديث عن عمر وعن ابن عباس وعن السائب بن يزيد عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين أحاديث ثلاثة نعم لا يخلو حديثاً منها من كلام وضعف والحديث الأول قال عنه الترمذي غريب وما نقله الإمام عبد الحق من أن الترمذي قال عنه صحيح غريب ونقله بعض من يشتغل بهذا الحديث في هذا الحين وقال لحيف يصححه الترمذي وفيه ما فيه إذا الجواب عن ذلك يا عبد الله خذ علمك ما قرَّر أئمتنا الكرام قال الإمام النووي هذا الحكم عنا لتصحيح ليس ثابت في النسخ المعتمدة في سنن الترمذي إنما حكم عليه الترمذي أنه غريب ثلاثة أحاديث. نعم إنها ضعيفة كما قال شيخ الإسلام الإمام النووي في الأذكار وقال ذاك الإمام ابن تيمية عليهم رحمة الله في الفتاوى لكن تعدد الطرق يرفعها لدرجة الحسن وما النص على ذلك نص على ذلك حذا في المتحدثين وأمير المؤمنين في كلام نبينا الأمين عليه الصلاة السلام الإمام ابن حجر العسقلاني في آخر كتابه (بلوغ المرام) وانظروا كلامه مع شرح الإمام الصنعاني عليه في سبل السلام في الجزء الرابع صفحة ثمانية وثمانون ومائتين 4/288

قال الحافظ ابن حجر وتعدد طرق هذا الحديث يقضي بأنه حسن ثم قال الإمام الصنعاني وإنما شُرع لنا مسح الوجه بالكفين عقب الدعاء بأن الداعي عندما يدعوا يتعرض لنفحات الله ولنزول البركة عليه وإذا كان يرفع يديه فستلاقيان بركة عظيمة كبيرة فيستحب أن يمسح بهذه البركة كي تنزلت عليه أشرف أعضائه ألا وهو وجهه وهذا ثابت كما قلت في هذا المكان وهو مقرر عن أئمتنا الكرام، ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الأربعة إلا سنن النسائي والحديث رواه بن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى ورواه ضياء المقدسي في (أحاديث الجياد المختارة) والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين] ، فإذا رفعت يديك إلى الله هو الكريم هو الجواد سينزل عليك بركة فهذه البركة التي ستقابلها هاتان اليدان المباركتان عند دعاء ذي الجلال والإكرام يستحب لك أن تمسح بهما وجهك، هذا ما قرره أئمتنا والحديث كما قلت حسن وهذا يقوله شيخ المحدثين في زمنه الإمام ابن حجر إذا قالت حذا في فصدقوها فإن القول ما قالت حذا في فأي كلام لمتكلم بعد شيخ الإسلام الإمام أبي الفضل ابن حجر العسقلاني عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، ولذلك أستحب أئمتنا هذا ثم على التنزل بأن الحديث ضعيف.. الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال فأي إشكالاً في ذلك فكيف بعد ذلك تطلق لسانك بلا ورع ولا تؤده ولا هوادة على من يأمُّك في الصلوات الخمس وتقول له إنك عندما تمسح وجهك عقب الدعاء أنت بدعة ها أنت مبتدع ومخرف، سبحان ربي العظيم.. إذا حرمك الله هذه الفضيلة لا تعترض على من فعلها لألا تكتسب رذيلة، أما كفاك أن الفضائل فاتتك جئت بعد ذلك لتعرض على عباد الله جل وعلا فيما قرره أئمتنا ووردت به أحاديث عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

هذا أمراً أول إخوتي الكرام: ولعلكم تسمعونه في المساجد على الدوام إذا رفع يديه بدعة.. إذا مسح وجهه بيديه بدعة، ما أعلم هذه النابتة التي نبتت في هذه الأيام بقول من تأخذ إلى من تحتكم، وهذا هو المقرر عند أئمتنا في كتبهم، وهذا هو المروي عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه. والأمر الثاني: وهو أيضاً وقع في هذا الأسبوع جاءني بعض الأخوة الكرام وبعض الأخوة الحاضرين الآن يسمع هذا وسمع أيضاً ما جرى بين الإمام وبين المعترض عليه صليت الظهر في بعض المساجد فقال لي الإمام في اليوم الماضي يقول قرأ حديثاً من رياض الصالحين حديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام من رواية أبي سعيد الخدري وسأذكر من خرجه بعد رواية إن شاء الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان] قال الترمذي حديثاً حسن وهو رقمه السابع والستين بعد الألف في رياض الصالحين قال المعلق على الكتاب كذا قال.. كذا قال الترمذي حديثاً حسن وكذا قال النووي يقره كذا قال وإسناده ضعيف لكن معناه صحيح لا داعي لهذا التلويث والتشويش على عباد الله. وإذا قال الترمذي وغيره ليكن من جاء بعده فقال لي لما رويت هذا الحديث وأقرأه من رياض الصالحين اعترض أيضاً بعض هؤلاء النابتة وقالوا هذا حديثاً ضعيف لا يجوز أن تحدث به ولا أن ترويه عن النبي عليه الصلاة والسلام قلت سبحان الله ألهذا الحد. قال نعم، شيخ الإسلام الإمام النووي يرويه في رياض الصالحين وينقل تحسنه عن الترمذي ويقرِّه وهذا يعترض.

وهذا الحديث إخوتي الكرام رواه الإمام أحمد في المسند والترمذي في السنن ورواه ابن ماجة في سننه أيضاً ورواه ابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه وهذا الحديث رواه أيضاً الإمام البيهقي في السنن الكبرى وأبو نعيم في حلية الأولياء ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من رواية دراجماً أبي سمعة أبي هيثم عن سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان] والحديث قد حسنه الترمذي وصححه الحاكم وصححه ابن حبان وصححه ابن خزيمة وصححه الإمام المنذري وصححه شيخ الإسلام الإمام ابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله في فتح الباري وفي اقتصاره الترغيب والترهيب أئمة متعددون يصححون الحديث وعلى ذلك يتتابعون يأتيك بعد ذلك إنسان في هذا الوقت يقول كذا قال ... وإسناده ضعف ومعناه صحيح لأن الله يقول: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ... } وإذا دل هذا الحديث على ما دلت عليه هذه الآية أما يكفيك ذلك أن تقنع بهذا وأن تثبت عليه وأنلا تعترض على من يذكر هذا الحديث ويرويه إخوتي الكرام رجال الحديث ثقات أثبات ليس فيهم من جرى حولهم علام إلا دراج أبو السمع كما قلت وقيل اسمه عبد الرحمن وهو من التابعين الكرام أدرك عبد الله ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين وأدرك عبد الله بن الحارث بن جز الصحابي وآخر الصحابة وفاة في عهد مصر آخر من توفي بمصر من الصحابة عبد الله بن الحارث أدركه دراجاً ابن السمع وروى عنه كانت وفاة عبد الله بن الحارث بن جز سنة الخامسة والثمانين 85هـ وقيل السادسة والثمانين 86هـ وقيل السابعة والثمانين 87هـ وقيل الثامنة والثمانين 88هـ من الهجرة وأرجئها ثانيها.

كما قال ابن حجر سنة السادسة والثمانين 86هـ فدّراج يرى عبد الله ابن عمر ويروي عن عبد الله ابن الحارث ابن حجر ويخرج حديثه البخاري في (أدب المفرد) وأهل السنن الأربعة وقد توفي سنة السادسة والعشرين بعد المائة من الهجرة 126هـ نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه دراج أبو السمع يوثقه الإمام ابن معين ويقول عنه عثمان البارمي صالح الحديث ويقول عنه أبو داوود أحاديث مستقيمة إلا في ما رواه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري ويقول ابن عدي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه بعد أن ذكر أحاديث أنكرت عليه قال وماعدا هذا أرجو أنه لا بأس به ويقول الحافظ ابن حجر في التقريب صدوق وفي رواية عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنهم أجمعين فكما قلت يشهد لها قول الله ودراج عليه رحمة الله ورضوانه منهم من وثقه توثيقاً مطلقاً ومنهم من قيد التوثيق في غير روايته كأبي الهيثم والمعنى صحيح ويصححه أئمة الإسلام جهابذة كرام، ثم بعد ذلك يعترض بعضاً على بعض على من يرد هذا الحديث ونذكره إنه حديثاً صحيحاً كما قلت ثابت عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه [إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان] وهو ثابت في تلك الكتب وقد نص على تحسينه وتصحيحه عدد من أئمتنا الكرام. وأما المسألة الثانية إخوتي الكرام: فقد كان في آرائي وظني أن أتكلم عليها وكما قلت إنها تقرر ما سبق أن الأموات يسمعون وأنهم يفرحون بما يجري عندهم من طاعة ويحزنون ويستاءون بما يقع عندهم من معصية وهذا يقرر مبحثناً الذي تقدم وكان في نيتي أن أذكر هذا فيما تقدم من مواعظ لكن لم يُيسر الله ذلك لأن الوقت ينتهي فأرجئ الكلام عليه فكان في نيتي أن أتلكم اليوم عن هاتين المسألتين بعد أن كان في نيتي أن أتكلم على ثلاث فحذفت الثالثة وهي تعلق الروح بالإنسان في دوره الثلاث التي يدركها وقلت أقتصر على اثنتين وقد مضى ما مضى من الوقت على المسألة الأولى.

وأرى لو قلت في المسألة الثانية في حديث نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الميت يعذب ببكاء أهله وببكاء الحي عليه وسرد الأقوال الستة في ذلك وتقرير ما تقدم عليه أن الأموات يفرحون بما يجري عندهم من طاعة ويحزنون بما يجري عندهم من معصية من هذا الحديث الشريف لو سردته كما قلت هذا لما وفيت الكلام حقه لذلك أرى أن أقف عند هذا المقدار وأن أكمل الكلام على هذه المسألة الثانية إن شاء الله وأن أتكلم عليها في الموعظة الآتية إن أحيانا الله. نسأل الله أن يحييانا على الإسلام وإذا أماتنا أن يتوفانا على الإيمان ونسأله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد الله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض الله اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إخوتي الكرام.. حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه الذي تقدم معنا وهو حسن حسنه أئمتنا وصححوه عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه [إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان] على التسليم كما يقال جدلاً بأن في إسناده شيئاً من الضعف على التسليم فروايته رواية الحديث الموضوع ورواية الحديث المنكر والمتروك لا يجوز أن ترويه إلا أن تبين حاله وأن تحذر منه.

أما من فيه ضعفٌ يسيرٌ لعدم حفظ راويه وضبطه فلا حرج في روايته دون بيان درجته وقد نص على ذلك أئمة الإسلام يقول شيخ الإسلام الإمام زين الدين عبد الرحيم الأثري في ألفيته الشهيرة وسهلُّوا في غير موضوعاً رووا من غير تبيناً لضعفاً ورأوا بيانه في الحكم والعقائد عن ابن مهدي وغير واحداً أي سهّل أئمتنا ورخصوا وأجازوا في رواية الحديث إذا لم يكن موضوعاً في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال دون بيان حاله إلا إذا تعلق الحديث بحكم شرعي وبعقيدة ينبغي أن يعتقدها الناس فينبغي أن تبين للناس أن الحديث لا يصلح أن يُستدل به لما فيه من ضعف ولا يصلح حكم ولا في عقيدة، وسهلوا في غير موضوع ورووا من غير تبيناً لضعف ورأوا بيانه في الحكم والعقائد عن ابن مهدي وغير واحداً فعلاما الاعتراض بعد ذلك على عباد الله وعلاما الشغب عليهم، علاما اللغلط في بيوت الله والأمر كما قلت على الحالتين جائز إذا كان الحديث صحيحاً وحسنٌ كما قرر أئمتنا فلا إشكال إن كان فيه ضعف يسير كما ترى أنني أو من تقلده فلا حرج. إذاً في روايته كما قرر أئمتنا فعلاما التعالم على أئمة المساجد وعلاما اعتراضاً على عباد الله بالباطل. أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الإنصاف إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا الإيمان وزينه في قلوبنا. وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك. ومن المقربين لديك. وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك. اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات والحمد لله رب العالمين وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .

رجال يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار

رجال يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم رجال يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين..

أفضل بقاع الأرض وأحبها إلى الله جل وعلا المساجد ففيها نوره وهداه، وإليها يأوي الموحدون المهتدون وقد نعت الله الذين يعمرونها بأنهم رجال لا تلهيهم البيوع والتجارات عن الغاية التي خلقهم من أجلها رب الأرض والسماوات وهم الذين يصلون لله ويذكرونه في الغدو والعشيات وهم الذين يحسنون إلى عباد الله ويشفقون على المخلوقات وهم الذين يبذلون ما في وسعهم استعداداً للقاء ربهم {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . اخوتي الكرام: وقد عشنا في نور هذه الآية الكريمة مواعظ متعددة وتدارسنا الصفات الثلاثة الأولى من صفات هؤلاء الرجال الأبرار. فتدارسنا الصفة الأولى: {لا تلهيهم تجارة ولا بيع} . وتدارسنا الصفة الثانية: لهم يذكرون الله {عن ذكر الله وإقام الصلاة} . وتدارسنا الصفة الثالثة لهم: {وإيتاء الزكاة} . والصفة الرابعة: لهؤلاء العباد الطيبين {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . وقد وقفنا عندها قبل شهر رمضان الكريم، وكانت مواعظ شهر رمضان حول منزلة شهر رمضان وفضائل شهر رمضان، ونرى أن نعود إلى هذه الآية لنكمل بدارستها وفهم معناها وبيان هذه الصفات التي نعت الله بها من يعمرون بيوته في هذه الحياة.

اخوتي الكرام: الصفة الرابعة لهؤلاء الرجال {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} وتقلب القلوب وحركتها واقترابها وتحويلها من أماكنها. نعم إن القلوب في ذلك اليوم العصيب الرهيب تصل إلى الحناجر من أماكنها فلا يستطيع الإنسان أن يخرجها من فيه ليستريح ويموت، ولا تعود هذه القلوب إلى أمكنتها ليستريح ويهدأ ويطمئن كما قال الله جل وعلا مقرراً هذا في سورة غافر {وأنذرهم يوم الآزفة إذِ القلوب لدى الحناجر كاظمين} ممتلئين غيظاً وهماً وغماً، {إذِ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميمٍ ولا شفيعٍ يطاع} {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} والأبصار في ذلك الموقف لا تستطيع أن تغمض ولا أن يطبق الجفن على الجفن، إنما هي شاخصة زائغة تدور يمنةً ويسرةً ولا تدري ماذا يفعل بها.

كما قال الله جل وعلا: {ولا تحسبنَّ الله غافلاً عمَّا يعمل الظالمون إنما يخَّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار} فالأبصار لا تغمض ولا يطبق الجفن على الجفن ثم هي زائغة تدور لا تعلم ماذا سيحل بها ولا تعلم أين مصيرها إلى جنة أو إلى نار، فهؤلاء الأخيار الذين يعمرون بيوت الله في هذه الحياة يستعدون لهذا اليوم الذي {تتقلب فيه القلوب والأبصار} وهذا المعنى لتقلب القلوب والأبصار هو أرجح ما قيل في تفسير الآية من أقوال أربع، وعليه اقتصر الإمام الجليل شيخ الإسلام الإمام ابن كثير في تفسير لهذه الآية فذكر هذا المعنى ولم يذكر سواه، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام المبارك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان عليهم رحمة الله، والمعاني الثلاثة الآخرى لهذه الآية الكريمة {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} تتقلب القلوب انتقالها من حال إلى حال، فتارة تطمع في رحمة ذي العزة والجلال وترجوا النجاة في ذلك اليوم، وتارة تنقبض وتخاف، فالقلوب في ذلك اليوم بين رغبة ورهبة، ما بين أمل ووجل، وهكذا الأبصار أيضاً، تتقلب وهي زائغة لا تعلم هل ستأخذ الكتب من اليمين أو من الشمال ولا تعلم ماذا سيؤمر بها إلى جنة أو إلى نار {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} تتقلب القلوب وتحولها من حال إلى حال، ما بين أمل ووجل، وهكذا تتقلب الأبصار.

والمعنى الثاني:- من المعاني الثلاثة غير المعنى الأول {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} تتقلب القلوب يوم القيامة إلى يقين بعد شك، فالكفار الذين شكوا في هذه الحياة يوقنون بالحقيقة في ذلك الوقت على التمام، لكن ذلك إلا قال لا تنفعهم تقلبت قلوبهم بعد أن كفروا آمنوا، لكن الإيمان لا ينفعهم في ذلك الوقت، تقلبت القلوب وتغيرت، وأما الأبصار فهذه الأبصار التي كان فيه حدة وشدة في هذه الحياة وتلمز المؤمنين وتغمزهم هذه الأبصار تنكسر في ذلك الوقت وتتقلب وتكون ذليلة بطرقة خائفة، وهذا معنى ثانٍ أيضاً من معاني الآية من المعاني الثلاثة الأخرى، وآخر معنى وهو الثالث والرابع يكون مع المعنى الأول {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} تقلب القلوب والأبصار عندما تكون في النار كما قال العزيز الغفار {إنَّ الله لعن الكافرين وأعدَّ لهم سعيراً * خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً * يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولاً *} . وقال جل وعلا في سورة الأنعام: {ونقلب أفئدتهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، ونذرهم في طغيانهم يعمهون} على معناً من المعنى التي تحتمله هذه الآية الكريمة كما هو مقرر في كتب التفسير عليه تقلب أفئدتهم، عقولهم وقلوبهم وأبصارهم في النار، إنهم لم يؤمنوا وهذا لم يؤمنوا بالقرآن وبالرحمن وبنبينا - صلى الله عليه وسلم - في الحياة، {ونقلب أفئدتهم ونذرهم في طغيانهم يعمهون} . وكما قلت هذا أحد المعاني الذي تحتمله هذه الآية في سورة الأنعام وأرجح المعاني ما قدمته وهو أن القلوب في ذلك الوقت تتطرب وتخفق خفقاً وفزعاً من هول ذلك اليوم وتتحول من أماكنها وتصل إلى الحناجر فلا تخرج ولا تعدد إلى مكانها وهكذا الأبصار تدور وتزيغ {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} .

اخوتي الكرام: إذا أردنا أن نستوعب الكلام على وجه الأختصار على الصفة الرابعة فسيكون الكلام عليها ضمناً مقامين وأمرين وبحثين: أولهما:- في الخوف الذي يتصف به {يخافون} . والثاني:- في بين يوم القيامة وما يتعلق به. أما الخوف فسأقصر الكلام عليه ضمن أربعة أمور: أولها:- في تعريف الخوف. وثانيها:- في منزلة الخوف. وهذا ما سنتدارسه في هذه الموعظة إن شاء الله. وثالث:- الأمور المتعلقة بالخوف في ثمرة الخوف. ورابع:- الأمور في أسباب الخوف. وأما ما يتعلق بيوم القيامة {يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} فالبحث في ذلك طويل وسيأخذ معنا مواعظ متعددة نسأل أن يمنَّ علينا بالفقه في دينه ومعرفة معنى كلامه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. اخوتي الكرام: أما ما سنتدارسه كما قلت في هذه الموعظة في الأمرين المتعلقين بالخوف في بيان معنى الخوف وفي منزلة الخوف. الخوف اخوتي الكرام حقيقة كما قرر العلماء الإسلام (احتراق القلب، وتألُّمه لتوقع مكروه في المستقبل عن أمارة أي علامة مظنونة أو معلومة فمن توقع مكروهاً سينزل به في المستقبل في هذه الحياة أو بعد الممات، يعتري قلبه حالة، هذه الحالة هي حالة الخوف هي حالة الوجل هي حالة الإشفاق، هذا هو الخوف، الخوف احتراق القلب، تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل عن أمارة مظنونة أو معلومة، وقد قرر علمائنا الكرام أن ما يعتري الإنسان في هذه الحياة من خير وشر من محمودٍ ومذمومٍ من شيءٍ يحبه أو شيءٍ يكرهه، ما يعتريه ينقسم إلى ثلاثة أقسام بالنسبة في حلوله عليه وشعوره به.

إما أن يكون هذا الذي في الإنسان شيءٌ مضى وانقضى، إنما يتذكره في هذه الأيام، من خير أو شر، من محمود أو مذموم، حالة مرت عليه في الزمن الماضي، فإذا تذكرها يقال لهذه الحالة ذكر وتذكر للماضي، فإن كانت في أمر محمود فرح، وإن كانت في أمر مذموم حزن، حزن على شيءٍ فاته أو فرح بأمرٍ فاته مما يحبه أو يكرهه، هذه الحالة الأولى، حالة ماضيه تتذكرها الآن يقال لها ذكر وتذكر. وشيء آخر يقع عليك مما تحبه أو تكرهه لكنه يقع عليك في الزمن الحاضر فهو يباشرك، ويقال لهذه الحالة التي تكون في الزمن الحاضر يقال لها ذوق وإدراك ووجد لأنك تجد هذا وتذوقه في هذا الوقت، وهذا الذي ينزل عليك إن كان محبوباً يعقب الرضا، وإن كان مكروهاً يعقب السخط، فتشعر بحالة الرضا بحالة السخط، تذوق هذا، تتلذذه، تكرهه، في هذا الوقت، بينما هناك كما قلت حزن أو فرح، وأما هنا رضا أو سخط.

والحالة الثالثة:- التي تعتري الإنسان ولا تخرج أحوال الإنسان عن ذلك حالة مستقبلة ستنزل به ويفكر فيها فيقال لها: توقع وانقطاع، يتوقع، فإن كانت في محمود أو محبوب سميت تلك الحالة رجاءً وأملاً، وإن كانت تلك الحالة المتوقعة في مذموم ومكروهٍ سميت تلك الحالة خوفاً وإشفاقاً ووجلاً، وهذا ما قررته في تعريف الخوف، تأمل القلب، احتراق القلب بسبب توقع مكروه، سينزل عليك في المستقبل عن أمارة يقينية معلومة أو مظنونة عليه، هنا ما تتوقع أنه سينزل بك إن كان محموداً يسرك، فرحت، وهذا يقال له أمل، يقال له رجاء، وإن كان سينزل بك وهو مكروه تخافه وتحزن يقال هذا خوف، إشفاق، وجل، وهؤلاء العباد الذين يعمرون بيوت الله في الأرض {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} فلنطبق تعريف الخوف على حالتهم كل واحد منا اخوتي الكرام يوقن يقيناً أنه سيموت وبعد الموت سيبعث وسيأتينا تقرير البعث بأدلته التي لا يماري فيها عاقل في المبحث الثاني من المباحث إن شاء الله، وإذا كان الأمر كذلك سنبعث كما نستيقظ، وسنموت كما ننام، إذا كان الأمر كذلك سنموت وسنبعث، لا يخلو واحد منا من تفريط وتقصير في حق الله جل وعلا وما يعلم هل سيغفر له أم لا، إذا علم أنه سيؤول إلى الله وهو صاحب تفريط وتقصير وعصيان، ماذا سيكون حاله، إذا توقع عقوبة من الله وغضباً من الله سيعتري قلبه في هذه الحياة الحالة التي ذكرتها وهي الخوف والوجل والإشفاق من الله عز وجل نعم من علم هذا سيخاف ولا بد، رضي الله عن الحسن البصري عندما يقول كما في حلية الأولياء (من علم أن الموت مورده وأن الساعة موعده وأن الوقوف بين يدي الله مشهده حقيق به أن يطول حزنه في هذه الحياة، وأن يخاف من رب الأرض والسموات) الموت سترده ولا شك في ذلك، والقيامة موعدك لا شك في ذلك، سيجمع الله الناس ليومٍ لا ريب فيه، ويحصي عليهم مثاقيل الذر {فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره} ،

{ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووجدوا ما عملوا حاضراً، ولا يظلم ربك أحداً *} . الموت موردنا والقيامة موعدنا والوقوف بين يدي الله مشهدنا ليحاسبنا على النقير والقطمير وعلى القليل والكثير، فمن استحضر هذا سيخاف ولا شك من الله الجلي {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} ويقو سيد المسلمين الحسن البصري أيضاً يقول عليه رحمة الله كما في الحلية (يكون الإنسان بين خوفين لا ينفك عنها وإن كان محسناً، إذا عاقلاً مهما وصل في درجة الإحسان وطاعة الرحمن هو بين خوفين لا ينفك عنها، ولا يفارقان قلبه طرفة عين، قيل له ما هما؟ خوفان يلازمان الإنسان قال ذنب مضى ما تدري بالله صانع فيه هل سيغفر لك أو ستعاقب عليه، وذنوب عملتها في ما مضى ونحن نخطئ في الليل والنهار، ونسأله أن يدخل عظيم جرمنا في عظيم عفوه، إنه واسع الفضل والمغفرة، ذنب مضى لا تدري ما الله صانع فيه، وأجل بقى: أي من حياتك لا تدري ما أنت عامل فيه يا عبد الله، إذا كنت الآن في نعمة الإيمان هل تعلم أن هذه النعمة ثتثبت لك على الدوام.

نسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولذلك إذا كان الأمر كذلك حقيقة الإنسان بين خوفين لا ينفك عنها لا يعلم ماذا سيعمل في المستقبل ولا يعلم بأي شيء سيعامله في ما جرى منه، ولذلك كان الحسن البصري عندما يقال له: أمؤمن أنت فيقول: أرجو، قيل له: أشك يا أبا سعيد؟ أتشك في إيمانك؟ قال ليس بشك، لكن ما يدريني أن الله اطلع علي ذنب من ذنوبي فقال: يا حسن اعمل ما شئت فلن أقبل منك، ما يدريني أن الله اطلع على عمل من أعمالي السيئة وعلى ذنب من ذنوبي وعلى عيب من عيوبي فمقتني، فقال: اعمل ما شئت فلن أقبل منك، ما يدريني بأي شيءٍ سيختم للك، لا تدري، ما جري منك ما حاله عند الله، ما تدري، أنت بين خوفين لا ينبغي أن يفارق قلبك طرفة عين، {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . اخوتي الكرام: أخبرنا ذو الجلال والإكرام أننا سنرد على النار وهذه قضية مفروغ منها وهل سننجو أم لا؟ لا يعلم هذا إلا الله {فوربك لنحشرهم والشياطين ثم لنحضرنَّهم حول جهنَّم جثيّاً * ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً * ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها يصلياً * وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً *} هذه النجاة هل تضمنها لنفسك يا عبد الله.

ثبت في كتاب المصنف للإمام ابن أبي شيبة، وكتاب الزهد للإمام أحمد عن الحسن البصري رضي الله عنه وعن سلفنا أجمعين قال: (كان الرجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ألتقيا يقول أحدهما لصاحبه: هل أخبرك أنك سترد على النار قال: نعم، أخبرنا بذلك، وأن الله أخبرنا أننا سنرد على النار فيقال له: هل أخبرت أنك ستصدر عنها وتخرج منها وعندك صك بذلك؟ فيقول: لا، فيقول كل واحد لصاحبه، فعلام نضحك؟ وعلام الضحك؟ عندنا الآن إثبات بالورود على النار لكن بالخروج منها والصدور عنها هل تجزم ذلك لأنفسنا أم لا، لا يعلم ذلك إلا الله {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً *} . انظروا اخوتي الكرام لهذه القصص التفصيلية لهذا الإجمال الذي ذكره الإمام الحسن البصري عليه رحمة الله وسأذكر قصتين فقط، قصة لصحابي وقصة لتابعي رضي الله عنهم أجمعين.

أما الصحابي فهو عبد الله بن رواحة استحضروا قصته وطبقوها على قول الله تعالى {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} روى الإمام أحمد في الزهد والأثر رواه وكيع وعبد الله بن المبارك، وهنَّاد بن السري في كتابه كتب الزهد لهم أيضاً، والأثر رواه عبد بن حميد في مسنده وابن أبي شيبة في المصنف ورواه الإمام الطبري في تفسيره ورواه الحاكم في مستدركه وصححه ورواه البيهقي في دلائل النبوة والبعث، وإسناد الأمر صحيح لكن فيه إرسال كما سأوضح عن قيس بن حازم، وقيس تابعي مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، لكن تكتحل عيناه لرؤية نبينا - صلى الله عليه وسلم - فما قدر له أن يلتقي به، لكنه كان في زمانه ولو ألتقى به لثبت له شرف الصحبة، وذلك يقال له: مخضرم، توفي سنة تسعين للهجرة 90هـ أو بعده أو قبلها وقد جاوز المائة وهو من أئمة التابعين الصالحين، حديثه مخرج في الكتب الستة، وهو من روي عن العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم، رواية قيس بن أبي حازم عن صاحب هذه القصة وهو عبد الله بن رواحة مرسلة فلم يلتقي به ولم يسمع ذلك منه، نعم قصة بكاء عبد الله بن رواحة المذكورة في هذه الآية، واردة من عدة طرق يتقوى بعضها ببعض، فالأثر صحيح وخلاصته أن عبد الله بن رواحة كان متكئاً في حجر زوجته وهي تفلي شعره كداعبة وهو في حجرها في حال معاشرة أباحها الله، فبكى رحمه الله ورضي عنه، فبكت زوجته لبكائه، فلما انتهت عنهم العبرة وانقطع بكاؤهم قال لزوجته على ما بكيت؟ قالت: رأيت بكيت فبكيت، فما أبكاك أنت؟ سبحان ربي العظيم يعاشر زوجته ورأسه وحجرها لكن قلبه {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} قلبه في الآخرة وإن كان البدن مع الزوجة، ما يعلم هل سيستقر في النار أو سيكون مع الأبرار في الجنة بجوار العزيز الغفار، بكيت فبكيت فما أبكاك؟ قال: ذكرت قول الله جل وعلا: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً} أخبرنا الله في هذه الآية أننا

سنرد على جهنم وأننا سندخلها ولكن ما أعلمها أنني سأخرج منها أو أصدر عنها أم لا فهذا الذي أبكاني، حقيقة الذي يتفكر في هذا يتفطر قلبه. اخوتي الكرام: وهذا بين لنا معنى الورود ومعناها الدخول وهو أحد القول في تفسير الورود في قول ربنا المعبود {وإن منكم إلا واردها} أي داخلها. والقول الثاني:- أن المراد من الورود هو المرور على الصراط المنصوب على متن جهنم وفوقها وظهرها وعليه لا يدخلون إلى داخلها، لكن يمرون فوقها، فمن كان تقياً يمر ولم يسقط، ومن كان مخلطاً مفرطاً سقط من الصراط إلى قعر جهنم، ولا تنافي بين التفسيرين وسيأتينا إيضاح هذا عند أحوال يوم القيامة، فمن فسر الورود بالدخول أخبر كما ورد في الآثار ولكما قلت سيأتينا تقرير هذا وتفسيره أن المؤمن إذا دخل النار تكون عليه كالحمام، لايتأذى بحرها ولا يصطلي بنارها وتكون عليه كحال النار التي كانت على خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام في هذه الحياة ومن فسر الورود بالمرور فهذا أمر واضح لا يدخلون النار، إنما يمشون فوقها على الصراط الذي هو أدق من الشعر وأحد من السيف ومع ذلك لا يثبت هو ضمن مزلة، يمرون عليه، هذا المرور هو الورود وعلى الحالتين لا يقاسون العذاب فيها إن كانوا من المتقين، إذاً أخبرنا أننا سنرد لكن هل سنخرج ونصدر ما عندنا بعد ذلك يقينياً في ذلك، هل تتحقق فينا الصفات وهي التقوى لرب الأرض والسموات، وكل إنسان يعلم ما عنده من تفريط وكدر وذلك عندما يستحضر الإنسان هذا ينطبق عليه هذا الوصف {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} .

والقصة الثانية اخوتي الكرام: رواها الإمام أحمد أيضاً في الزهد وهناد بن السري في الزهد أيضاً ورواها عبد الله بن المبارك في الزهد، والإمام الطبري في تفسيره وابن أبي شيبة في المصنف ورواها الإمام أبو نعيم في الحلية ع التابعي الجليل وهو مخضرم أيضاً أدرك الجاهلية والإسلام ولم يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل من الأئمة الصالحين توفي سنة ثلاثة وستين للهجرة 63هـ حديثه مخرج في الكتب الستة إلا سنن الإمام ابن ماجة، هذا العبد الصالح تقول زوجته كان كلما دخل معها في الفراش يبكي ويقول: يا ليت أمي لم تلدني، فلما تكرر منه هذا قالت له زوجته علام تقول هذا؟ قد أنعم الله عليك بالإسلام وفعل وفعل وأنت من العلماء الربانيين في هذه الأمة، علام تقول هذا؟ قال: يا أمة الله أخبرنا الله جل وعلا أننا سنرد على النار {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً *} وما أعلم هل سأخرج منها أم لا كلما يضجع في فراشه يتذكر ذلك اليوم الذي لا يغيب عن المؤمنين طرفة عين {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} عشرة مع زوجته في الليل لكن قلبه مع ربه يفكر فيما سيؤول حله عندما سيرد النار، هل سيخرج منها أم لا. اخوتي الكرام: وما جرى من هذا التابعي المخضرمي الجليل المبارك من قوله (يا ليت أمي لم تلدني) أثر هذا عن عدد من السلف الكرام من صحابة وتابعي رضوان الله عليهم وليس في ذلك اعتراض على تقدير رب العالمين، إنما في ذلك إتهام للنفس واعتراض بتقصيرها، وفي ذلك خشية من خالقها وفاطرها وبارئها وهو الله جل وعلا، وهذا معنى الأثر ولا أقول هذا اعتراضاً على الله عز وجل (يا ليت أمي لم تلدني) .

إذاً اخوتي الكرام: هذا حال الخوف وتعريفه، احتراق القلب، تألم القلب بتوقع مكروه يقع في المستقبل عن أمارة معلومة أو مظنونة، فمن علم ماذا سيكون بين يديه فما سيستقبله عند لقاء ربه، ينبغي أن يطول حزنه في هذه الحياة وأن يكثر خوفه من رب الأرض والسموات، وهذا هو نعت المؤمنين الذين يعمرون بيوت رب العالمين {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . وبعد تعريف الخوف يحسن بنا أن ننتقل إلى بيان منزلة الخوف في الإسلام، ودرجة الخوف في الإسلام، وهل هو من أركان العظام أو هو من المستحبات والمندوب إليها في شريعة الإسلام. اخوتي الكرام: لا بد من وعي هذه القضية، فالله جل وعلا ذكر في صفات هؤلاء العباد الطيبين الذين يعمرون، هذه الحياة لا تلهيهم تجارة لا بيع، وهذا واجب، ومن آله، هذه الحياة عن طاعة رب الأرض والسموات فهو في النار ثم بعد ذلك يقيمون الصلاة واجب ثم بعد ذلك يؤتون الزكاة يشفقون على عباد الله واجب، ثم يخافون هذا أوجب الواجب، ولا يمكن أن تقبل شيء من ذلك الاعتبارات والأمور والواجبات إلا بعد تحقيق الخوف من رب الأرض والسموات.

اخوتي الكرام: الخوف له منزلة عظمية في الإسلام والخوف مع الرجاء للإنسان كالجناحين للطائر من الحيوان، فإذا كان الطائر لا يمكن أن يطير بغير جناحه لا يمكن للإنسان أن يسير على هدىً وأن يعبد المولى جل وعلا في هذه الحياة إلا إذا اتصف برجاء الله والخوف منه. خوف ورجاء، وهما كما قلت للإنسان كالجناحين للطائر، وقد قرر هذا أئمتنا الكرام الأبرار، نقل هذا أئمتنا عن العبد الصالح أبو علي الروذباري وهو من العلماء الربانيين والصالحين في هذه الأمة توفي سنة ثلاثة وعشرين وثلاثمائة للهجرة 323هوهو أبو علي الروذباري أحمد بن محمد بن القاسم، والروذباري يقول علماؤنا هذه كلمة تقال على أماكن اجتماع أنهار الكبار وكان هذا من الصالحين وكان شيخ المتصوفة الصادقين في بلاد مصر في القرن الرابع للهجرة، وكما قيل له: من الصوفي؟ قال: الصوفي هو من لبس الصوف على الصفا واتبع طريق النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأذاق الهوى طعماً الجفى، وكانت الدنيا منه على قفى، عبدٌ صالح من العلماء الصالحين، وأما ما يتعلق بمبحث التصوف وما دخله من خلط وتكرير، وهذا موجود في سائر الجماعات والفرق التي دخلها خلط وتكرير يأتينا الكلام بالتفسير عن هذه الفرقة بعون الله لنتبين الصادق من الكاذب ممن ينتسبون إلى التصوف.

اخوتي الكرام: هذا من أئمة الصالحين الربانيين وأئمتنا يقولون كان ذا عقلٍ وفضل، ومن كلامه المحكم يقول في طيب الآخرة عز النفوس وفي طلب الدنيا مذلة النفوس فيا عجب لمن يكثر الذل في طلب الفاني على العز في طلب الباقي، ويروي عنه أبي نعيم في الحلية والإمام ابن كثير في البداية والنهاية، والإمام القشيري في الرسالة أنه قيل عمَّن يزعمون أنهم يستمعون الملاهي آلات العزف والغناء والموسيقى ويقول إنها لا تؤثر فيهم لأنهم وصلوا إلى حالة لا يؤثر فيهم اختلاف الأحوال، قال صدقوا، وصلوا إلى سقر، وصلوا ولكن إلى سقر لأن هذا ليس من طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتصوف الحق أن تتبع طريق النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال، (ومن ادعى أنه وصل إلى حالة يسقط عنه فيها التكليف فهو أحط من البهيمة عند الله جل وعلا، وأولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون) يستمع الملاهي ثم يقول لا يؤثر فيَّ اختلاف الأحوال وهي في حق حلال لأنه واصل، واصل ولكن إلى سقر، يقول هذا العبد الصالح (الخوف والرجال للإنسان كالجناحين للطائر فإذا استويا تم طيرانه، وإذا وقع النقص في أحدهما نقص الطيران بمقدار النقص الذي في هذا الجناح، فإذا عدم الجناحان وعدم الخوف والرجاء من الإنسان فالطائر في حكم الموت وهكذا من فقد الخوف والرجاء فكأنه خرج من الإيمان. اخوتي الكرام: خوف ورجاء، خوف ورجاء للإنسان في هذه الحياة كالجناحين للطائر، وهذا ما أشار إليه الإمام الحسن البصري عندما قال: (الخوف والرجاء مطيتا المؤمن يركبهما في هذه الحياة ويركب مطية الخوف ليترك المحرمات ويركب مطية الرجاء ليفعل الطاعات ويركب مطية الرجاء ليرجوا نعيم الجنات، يركب مطية الخوف ليحذر جهنم والدركات) إذاً الخوف والرجاء مطيتا المؤمن.

إخوتي الكرام: قرر علماء الإسلام أن عبادة الله جل وعلا واجبة على العبيد في هذه الحياة، والله خلقنا من أجله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وقال علماؤنا الكرام وروح العبادة وجوهرها محبة الله جل وعلا، وهذه المحبة لها دعامتان، ركنان لا يمكن أن تكون المحبة تامة كاملة إلا بهما، خوف ورجاء، وعليه الدين كله يقوم على هذه الأمور الثلاثة، لا يمكن أن يعبد الإنسان عبادة حقة بدونها، محبة الله، خوف منه، رجاء له، قرر هذا أئمتنا الكرام كما ذكر شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في كتابه القيم التحفة العراقية في مطبوع وموجود في مجموع الفتاوى في الجزء العاشر من أول المجلد إلى نهاية الصفحة تسعين التحفة العراقية في الأعمال القلبية، وهذا قرره تلميذه الإمام ابن القيم في مدارج السالكين أن أركان العبادة ثلاثة، حب، وخوف، ورجاء، مقرر هذا أيضاً في مدارج السالكين، وهذا منقول عن أئمتنا التابعين، يقول مكحول الدمشقي الذي توفي سنة بضع وعشر ومائة وهو من التابعين وقال أئمتنا إنه أفقه من الإمام الزهري يقول هذا العبد الصالح وهو من رجال مسلم والسنن الأربعة، ثقة عدل الرضا يقول: (من عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو موحد صديق، ومن عبده بالحب فقط فهو شقي زنديق، ومن عبده بالخوف فقط فهو حروري، ومن عبده بالرجاء فقط فهو مرجئي) وشرح كلامه أن من قامت فيه هذه الأمور الثلاثة محبة الله ووجد ركنا المحبة والخوف والرجاء فقد انضبط سلوكه في هذه الحياة وعبد الله كما يريد الله وكما يحب، فهذا موحد صديق، وسيأتينا تقرير هذا بكلام الله المجيد ن ومن عبد الله بالحب فقط دون خوف ولا رجاء فهذا زنديق، يدعوه الإدلال والبسط أن يعامل محبوبه وهو الله كما يعامل المحبوبة من البشر فيقول معه حالاً، ينبغي أن يقوله في حق الله جل وعلا، ويحمله الإدلال والبسط مع ربه أن ينزل الله كأنه مخلوق من المخلوقات، فمن عبد الله بالحب فقط فهو زنديق، ويأتي شيءٌ ضل

اليهود والنصارى عندما زعموا أنهم أبناء الله وأحباءه، وأن الله لن يعذبهم ومهما فعلوه فهو مغفور لهم، وهكذا من عبد الله بالحب دون خوف ورجاء فنهاية أمره إلى الزندقة سيستمع الملاهي ويقول إنها لا تؤثر فيه، نعم وصل ولكن إلى جهنم، ومن عبد الله بالخوف فقط، أي: دون محبة دون رجاء فهو حروري والحرورية هم الخوارج عندما اجتمعوا في بلدة حروراء في ظاهر الكوفة فنسبوا إليها، وهؤلاء دينهم واعتقادهم قائم على التخويف، فلا رجاء عندهم ولا محبة منهم لربهم جل وعلا ولو أخطأ الإنسان خطيئة في هذه الحياة حكموا بكفره وخلود في نار جهنم، من عبد الله بالخوف فقط فهو حروري، أي من الخوارج الضالين، ومن عبد الله بالرجاء والأمل، رجاء وأمل دون خوف ووجل فهو مرجئي، والمرجئة هم الذين يقولون لا يضر مع كلمة الشهادة خطيئة، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وعليه من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله درجته مع درجة الصدِّيقين مهما فعل بعد ذلك من إثم ومعصيته لرب العالمين، مرجئي، حروري، زنديق، صديق، أربعة أصناف ولا يخرج الناس عن هذا، من عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو موحد صديق، ومن عبد الله بالحب فقط فهو شقي زنديق، ومن عبد الله بالخوف فقط فهو حروري، ومن عبد الله بالرجاء فقط فهو مرجئي، هذه الأمور الثلاثة وهي أركان العبادة قررها الله جل وعلا في كثير من آيات القرآن من ذلك قوله جل وعلا في سورة الأنبياء {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين} يسارعون في الخيرات لحبهم لنا وبطلبهم المنزلة عندنا، ويدعوننا رغباً راجين، رهباً خائفين. إذاً هم يسارعون في الخيرات لمحبتهم لله، ويرجون رحمة الله، يخافون من عذاب الله، وضمير الجمع في قوله {إنهم} ذكر أئمتنا في بيان مرجعه قولان، يجمع بينهما ولا تعارض بينهما.

القول الأول: أن الضمير يعود إلى من تقدم ذكرهم من أول سورة الأنبياء إلى هذا الموطن، فذكر الله في سورة الأنبياء موسى وهارون، وذكر إبراهيم، وذكر لوطاً، وذكر إسماعيل وإسحاق ويعقوب، وذكر أيضاً في سورة الأنبياء داود وسليمان وأيوب وذا الكفل وذا النون، ثم جاء إلى آخر من ذُكِرُوا في هذه الآية {وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيي وأصلحنا له زوجه، إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين} فجمع من تقدم ذكرهم من أنبياء الله هذا وصفهم، وذهب بعض الأئمة الكرام إلى قصر الضمير إلى آخر المذكور وهو زكريا وولده يحيي وأهل زكريا {وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيي وأصلحنا له زوجه} . هؤلاء الأصناف الثلاثة من زكريا وزجه وولده {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين} وتخصيص من تعميم، ففي القول الأول دخل هؤلاء الصالحون المباركون مع من ذكروا قبلهم، والقول الثاني قال أن الضمير خاص بهم والأمر يسير، ويفهم من كلام الإمام بن كثير الميل إلى القول الثاني حيث نقل خطبة أبي بكر ونقلها عن تفسير ابن أبي حاتم وهي مذكورة أيضاً في حلية الأولياء في ترجمة أبي بكر، أنه خطب المسلمين فقال في خطبته (أما بعد أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، أي الخوف بالرجاء، الأمل بالوجل،، وأن تجمعوا بين الإلحاف والمسألة، الإلحاف وهي الإلحاح في السؤال، وسؤال ذي العزة والجلال، فإن الله ذكر زكريا وأهله فأثنى عليهم بذلك فقال {وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيي وأصلحنا له زوجه، إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين} .

والشاهد على القول {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات} لمحبتهم لرب الأرض والسموات، ويدعون الله طامعين خائفين راغبين راهبين، {وكانوا لنا خاشعين} ، وهكذا قول الله أيضاً في سورة الإسراء يقول رب الأرض والسموات {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً * أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محظوراً} . أولئك الذين يدعون، أي تدعونهم وتعبدونهم من دون الله يتصفون بهذه الصفات، {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب} هم يتنافسون في طاعة الله ويريدون الحضرة عنده والمنزلة لديه لحبهم لربهم {ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محظوراً} .

والآية نازلة كما صحيح البخاري، والأثر رواه الحاكم في المستدرك، وهو في صحيح البخاري كما علمتم، والأثر رواه الإمام ابن جرير في تفسيره، والإمام الطبراني في معجمه الكبير، وهو موجود في كتب التفسير المتقدمة كتفسير ابن المنذر وابن مردويه، وتفسير ابن أبي حاتم، ورواه الإمام أبو نعيم في دلائل النبوة، وإسناد الحديث صحيح فهو في صحيح البخاري أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال هذه الآية نزلت في ناس من الإنس كانوا يعبدون ناساً من الجن، فآمن الجن بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - فبقي أولئك الناس من الإنس يعبدون هذا الفريق من الجن وهؤلاء الجن آمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبدءوا يحبون الله ويخافونه ويرجونه، فأنزل الله هذه الآية يعيرهم بها فيقول {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محظوراً *} أي من تعبدون من دوني هم يتقربون إليَّ بحبي ويرجوني ويخافوني، فاعبدوني كما عبدني من تعبدوه {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محظوراً *} والأثر كما قلت في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعودٍ، واستشكال الإمام بن التين لما ورد من لفظ في هذا الأثر، وهو عبد الواحد ابن التين توفي سنة إحدى عشر وستمائة للهجرة 611هـ، استشكاله ورود لفظ الناس في حق الجن (كان ناساً من الإنس يعبدون ناساً من الجن) وقال: الجن يطلق على خلاف الإنس، فكيف يستعمل لفظ الناس في حق الجن؟ فقال: هذا مشكل، يقول الإمام ابن حجر عليهما رحمة الله راداً هذا الإشكال: إن لفظ الناس هذا لا يراد منه الناس الذي يقابل الجن، إنما يراد منه اشتقاق اللغة من الناس ينوس إذا تحرك، وصفة الحركة موجودة في الإنس والجن، فكان ناس من الإنس الذين فيهم صفة الحركة والحيوية يعبدون ناساً من الجن يتحركون أيضاً، وليس المراد أن الناي من الجن أن

أفضل الناس لا يطلق على الجن لأن الجن يقابل الإنس، لا ثم لا، ثم ختم الإمام ابن حجر كلامه فقال: ليت شعري على من يعترض ابن التين على من يعترض، يعترض على الصحابي حجة في الشرع وفي اللفظ على الجن مراعياً هذا المعنى من الناس الذي هو الحركة والتحرك والإضراب فكان ناس من الإنس يعبدون ناساً من الجن، في كل من هذين الصنفين كما قلت حركة واضطراب، فأنزل هذه الآية يعيرهم بها.

وهذا الأثر ثابت في نزول هذه الآية لا يتعارض مع ما رواه ابن جرير في تفسيره عن عبد الله بن مسعود أيضاً، أن الآية نزلت في صنف من العرب كانوا يعبدون صنفاً من الملائكة، ويزعمون أنهم بنات الله جل وعلا، فأنزل الله هذه الآية يعيرهم ويعيبهم بها فقال {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محظوراً *} أي من تعبدونهم من الملائكة هم يعبدوني، فاتركوا عبادتهم واعبدوني كما عبدني الملائكة الكرام، وهذا الأثر كما قال عن الحافظ بن حجر إن شبت فيجمع بأن الآية نزلت رداً على الفريقين، على من عبد فريقاً من الجن ثم آمن أولئك الجن، وعلى من كان يعبد الملائكة الكرام ثم استشكل بعد ذلك فقال ظاهر الأثر يدل على أن المعبودين كانوا راضين بعبادة العابدين، والملائكة لم يرضوا بعبادة ذلك فالله أعلم بحقيقة الأمر ن والذي يظهر والعلم عند الله، أن هذا الاعتراض لا يرن، وأنه لا يلزم من عبادة المعبود أن يكون المعبود راضياً بعبادة عابده، فإذا عبد واحد من البشر من نبيٍ أو ملك لا يلزم من هذا أن يكون راضياً، فإذا كان الجن كانوا يُعبدَون في الجاهلية ثم أسلم من كان يُعبَد منهم، ففي حال جاهليتهم كانوا يرضون العباد، وفي حال إسلامهم يرفضونها، لا يعني هذا أن الإنسان إذا عبد ينبغي أن يكون راضياً سابقاً بالعبادة، لا يلزم هذا على الإطلاق، وليس في اللفظ ما يشير إلى ذلك والعلم عند الله جل وعلا، ولا يتعارض هذا مع ما ثبت في تفسير الطبري عن عبد الله بن عباس أن الآية نزلت فيمن عبدوا عيسى وأمَّه والعزير والشمس والقمر، فيمكن أن يقال أن الآية نزلت فيمَّن عبد غير الله وكان ذلك المعبود يعبد الله، فالله أكبر العابدين، أن من تعبدونهم يعبدونني، فاتركوا عبادتهم واعبدوني {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، إن عذاب ربك كان محظوراً *} .

وخلاصة الكلام لابد من تحقيق هذه الأمور الثلاثة في عبادة الرحمن، محبة لله، ورجاء له، وخوف منه. أما الخوف كما قلت والرجاء فهما للعبادة كالجناحين للطائر، وقد نوه الله جل وعلا بشأن الخوف الذين وصف الله عباده به في آية النور {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} يقول الله جل وعلا في سورة السجدة: {إنَّما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكِّروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون * تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرةِ أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون *} . وهكذا يقول الله جل وعلا في سورة الأعراف {ادعوا ربكم تضرعاً وخُفْيةً وإنه لا يحب المعتدين * ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً، إنَّ رحمة الله قريبٌ من المحسنين} فالخوف إذاً خصال أهل الإيمان، من خصال من يعمرون بيوت الرحمن {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} . وهذه الصفة التي فيهم ينبغي أن تصرف نحو الله جل وعلا، ولا يجوز أن تصرف نحو أحد من خلق الله، فالمؤمن يخاف من الله وكفى، ولا يخاف من مخلوق مهما كان شأنه، وقد نهانا الله جل وعلا عن الخوف إلا منه وحذرنا من الخوف من غيره وأمرنا أن نخاف وأن نفرده بذلك سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا في سورة آل عمران {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا لهم أجرٌ عظيمٌ * الذين قال لهم الناس إنَّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله، والله ذو فضلٍ عظيمٍ * إنَّما ذلكم الشيطان يخَوَّفُ أولياءه، فلا تخافوهم وخافوني إنَّ كنتم مؤمنين *} .

وهذه الآيات نزلت بعد ما حصل ما حصل في موقعة أحد، كما روى ذلك الإمام الطبري في تفسيره والإمام الطبراني في معجمه الكبير، والإمام النسائي في سننه الكبرى، وابن مردوية في تفسيره، وإسناد الأثر صحيح عن عبد الله بن عباس قال: لما انتهت موقعة أحد ورجع أبو سفيان الذي رضي كما يقال من الغنيمة بالإياب والسلامة والهرب، مال له المشركون ولأصحابه بئسما فعلتم، لا محمد - صلى الله عليه وسلم - قتلتم ولا الكواعب أردفتم، أم عملتم في هذه المعركة ما أتيتم بأسيرات من المؤمنات ولا قتلتم خير البريات، فبئسما فعلتم، جئتم تقولون انتصرنا، ما هو النصر الذي حصل لكم، لا محمد - صلى الله عليه وسلم - قتلتم ولا الكواعب أردفتم، وهي النساء التي تكعب ثديها في صدرها فبئسما ما فعلتم، فأخذت الحمية أبا سفيان وهم بالرجوع لمقاتلة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن يأتي بالكواعب الحسان، فلما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك استنفر الصحابة الكرام وشرط عليهم أن لا يخرج إلا من حضر موقعة أحد فقط ليعلم الكفار أننا إذا خسرنا في معركة لأمر من الأمور فما خسرنا الحرب في المعركة، كيف سينال شرف الشهادة {وتلك الأيام نداولها بين الناس} فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من الصحابة الكرام وقد أصابهم القرح كما قال الله: {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القَرح} وقرأ الأخوان حمزة والكسائي وخلف من العشرة وأبو بكر شعبة عن عاصم رضي الله عنهم، القرح بضم القاف {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القُرح} وقيل أن القراءتين بمعنى واحد كالضَعف والضُعف والفَقر والفُقر، وقيل أن القرح بالفتح هي الجراح والقتل، وبالضم الآلام الناتجة عن الجراح والقتل {الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرٌ عظيمٌ *} خرجوا ووصلوا إلى حمراء الأسد، تبعد ثمانية

أميال 8 ميل من المدينة المنورة على منورها - صلى الله عليه وسلم - ينتظرون الجنان الذي يريد أن يسأر من النبي - صلى الله عليه وسلم - {من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجرٌ عظيم * الذين قال لهم الناس} وهم المنافقون ونعيم بن مسعود الأشجعي وكان على شركه وفريق من المسافرين قابلوا النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الطيبين فقالوا: كيف خرجتم للقاء أبي سفيان والمشركين جمعوا لكم جموعهم وأنتم لم تخرجوا إلا بمن بقي عندكم من موقعة أحد، ثبت في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والأثر مروي في غير صحيح البخاري عن هذا الصحابي الجليل (وعندما ألقي إبراهيم في النار قال (حسبي الله ونعم والوكيل) وعندما قال الناس لمحمد - صلى الله عليه وسلم - إن الناس قد اجمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) وهكذا قال صحبه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين {فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ} أما النعمة حصلوا أجر غزوة أخرى وحصلوا العافية لما جاء أبو سفيان ولَّى من معه من المشركين، والفضل بأعواد اشتروا وغنموا سرية في طريقهم للمشركين {فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ واتبعوا رضوان الله والله ذو فضلٍ * إنَّما ذلكم الشيطان يخَوِّف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين *} {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} تحت من معنيين معتبرين يخوفكم أولياءه، يخوفكم بأوليائه، يخوفكم من أوليائه، الشيطان يخوفكم من المشركين فلا تخافوهم، أن لا يلقي الرعب إلا في قلوب أوليائه المشركون، وأما المؤمنون فيستعينون بالحي القيوم، فلا يخاف إلا من كان منافقاً ليس في قلبه خشية من خالقه، إنما ذلكم الشيطان يلقي الخوف في قلوب أوليائه من المنافقين {فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين *} نهى عن الخوف من غيره، وأمر بالخوف منه، وأوجب وجعل ذلك شرطاً للإيمان {وخافوني إنَّ كنتم مؤمنين} .

اخوتي الكرام: فينبغي أن نفرد الله جل وعلا بخوفنا كما نفرده برجائنا كما نفرده بحبنا، كما نفرد بسائر عباداتنا، فهو المعبود الذي تصرف جميع أشكال العبادة إليه، لا إله إلا الله وحده لا شريك، {فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين} وهذا المعنى التي دلت عليه الآية قبل أن أنتقل إلى تقريره بآيات أخرى تكملة الأثر الذي نقلته عن بن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية أيضاً وقال أبو سفيان بعد موقعة أحد (موعدكم يا محمد - صلى الله عليه وسلم - موسم بدر في العام القادم حيث قتلتم إخواننا، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام إلى بدر في موسم بدر، وثبتوا هناك لكن أبا سفيان ومن معه ما أتوا، ولذلك قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه (أما الشجاع وقد أعد أهبته وعدته، وأما الجبان فقد جلس في بيته) . إذاً خرجوا لحمراء الأسد بعد موقعة أحد مباشرةً وعندما حدد ذاك موعداً في موقعة بدر في العام القادم خرجوا أيضاً وقابلوه في موسم بدر فما استطاع أن يقابل المسلمين في هذين المكانين بعد أن أصاب المسلمين ما أصابهم من قرح وقُرحٍ، الخوف ينبغي أن نفرد به ربنا ولا يجوز أن نخاف أحداً من غيره، دل على هذا آيات كثيرة في القرآن منها قول الله جل وعلا في سورة البقرة: {ومن حيث خرجت فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ما كنتم فولوا وجهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون*} . وهكذا قول الله جل وعلا في سورة المائدة: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم به النبيُّون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشونِ ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون*} .

ونظيرها قول الله جل وعلا في سورة البقرة: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتيَ التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفي بعهدكم وإياي فارهبون} . وهكذا أمرنا الله جل وعلا أن نفرده بالخشية والخوف وأخبر أن هذا هو نعت العلماء العاملين الذين يدعون على بصيرة إلى رب العالمين، فقال ربنا الكريم في سورة الأحزاب {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً} . اخوتي الكرام: هذا الأمر ينبغي أن نعيه تمام الوعي وأن نضبطه، ينبغي أن نفرد الله جل وعلا بحبنا وخوفنا ورجائنا، ويجمع أشكال العبادة فلا يستحق ذلك إلا هو سبحانه وتعالى قال شيخ الإسلام الإمام بن تيمية قال (من الناس من يقول أنا أخاف الله وأخاف من لا يخاف من الله لأن من لا يخاف من الله ظالم لا يردعه شيء عن ظلمه فأنا أخاف الله وأخاف ممن لا يخاف الله) قال: هذا غلط وهذا كلام باطل، نخاف الله ولا نخاف غيره، لا إن كان ذلك الغير يخاف من الله أولاً يخافه، نفرد الله جل وعلا، فإن من قيل إن من لا يخاف الله لا يتقي الله فقد يظلمنا ويبطش بنا ويوقع القوبة علينا؟ فالجواب: نقول كما قال الإمام ابن تيمية (لو اتقيت الله وعبدته حق العبادة، ولم تخف أحداً دونه لكفاك شر هذا الظالم ورد كيده في نحره سبحانه وتعالى) وأنت ما أوتيت أي ما سلط عليك هذا الظالم إلا لتفريطك في طاعة ربك وإلا لخوف من غير ربك جل وعلا، فلما خفت هذا المخلوق سلطه الله عليك، ولو أفردت الله جل وعلا بالخوف ولن تخف غيره لكفاك ما عداه {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إنَّ الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيءٍ قدراً} .

اخوتي الكرام: هذه النقطة تحتاج إلى شيءٍ من التقرير والتوكيد أيضاً والإيضاح، وكان في نيتي أن أكمل الكلام عليها في هذه الموعظة وأكمل ما يتعلق بهذه القضية أننا نفرد الله بخوفنا إن شاء الله في أول الموعظة الآتية ثم أكمل مراحل البحث إن شاء الله. أقول هذا القول واستغفر الله.

ليلة القدر

ليلة القدر (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم ليلة القدر الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. خير شهور العام وأفضلها عند ذي الجلال والإكرام.. شهر رمضان، ففيه توالت الخيرات العظام الحسان على أمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ففي هذا الشهر الكريم، نبئ نبينا العظيم عليه صلوات الله وسلامه.

وفي هذا الشهر الكريم، أنزل الله القرآن الكريم، وهذا الشهر الكريم فرض الله علينا صيامه وفي الصيام خيرات وخيرات، فهو يكفر الذنوب والخطيئات المتقدمات والمتأخرات، وهو يبعدك عن النار ويحصِّل لك الخيرات في دار القرار وفي هذه الدار.. إخوتي الكرام.. وكما فرض علينا ربنا في نهار هذا الشهر الكريم صيام شهر رمضان، كما فرض الله علينا في نهار هذا الشهر الكريم الصيام، فقد سن لنا نبينا عليه الصلاة والسلام في لياليه القيام وجعل الله جل وعلا أجر القيام يعدل أجر الصيام، وماذاك إلا لأن كلاً من الصيام والقيام جُنَّة للإنسان، فالصيام جنة كما تقدم معنا من كل آفة سواء تعلقت بالبدن أو بالدين، فهو حصن لك حصين من الآفات التي تؤذيك في بدنك أو تؤذيك في دينك، وهكذا القيام أيضاً جنة حصينة للإنسان، فهو وقاية لك من المكروهات والآفات والخطيئات وهو الذي يصحّ جسمك ويكسبه القوة والنضرة والبهجة والجمال. وقد أشار نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند، والإمام الترمذي في السنن، والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى عن بلال رضي الله عنه. والحديث رواه الترمذي أيضاً والحاكم والبيهقي عن أبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير عن سلمان، ورواه الإمام ابن السني في عمل اليوم والليلة عن جابر بن عبد الله، ورواه الإمام ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين ... خمسة من الصحابة يروون هذا الحديث، وهو حديث صحيحٌ صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام، أنه قال: [عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم وتكفير للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطروة للداء عن الجسد] .. نعم إن القيام فيه هذه الخيرات، فهو جنة لك من سائر الآفات الحسية والمعنوية التي تتعلق ببدنك أو دينك فلا غرو أن جعل نبينا - صلى الله عليه وسلم - للقيام أجراً يعدل أجر الصيام..

إخوتي الكرام.. وقد ثبت بذلك الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي المسند والكتب الستة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه والحديث رواه الإمام النسائي أيضاً بإسنادٍ صحيح عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه] .. وإذا كان ورد في الصيام ما تقدم معنا أنه يغفر لمن صام ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقد وردت هذه الزيادة أيضاً للقيام. والحديث رواه الإمام أحمد في المسند أيضاً بهذه الزيادة، ورواه الإمام محمد ابن نصر في كتاب (قيام الليل) ، والحديث رواه هشام بن عمار في فوائده عن أبي هريرة رضي الله عنه ومعهم الإمام النسائي: [من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] ، وهذه الزيادة رواها الإمام أحمد في المسند أيضاً من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنهم أجمعين. وقد نص أئمة الإسلام على صحة هذه الزيادة في هذا الحديث الثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،، ولا يشكلن عليك أخي الكريم – اللفظة الأخيرة في هذا الحديث الصحيح الثابت عن نبينا الأمين، عليه الصلاة والسلام – بأنه كيف ستغفر للإنسان ذنوبه المتأخر، فقد تقدم معنا توجيه ذلك عن أئمتنا وخلاصته أن الله إذا قبل منك الصيام، وإذا قبل منك القيام، فسيحفظك من الذنوب والآثام في مستقبل الزمان، وإذا قدر أنك وقعت في شيءٍ من الهفوات والزلات مما لا تنفك عنه طبيعة البشر والمخلوقات، فإن ذلك سيقع مغفوراً مكفراً بكرم رب الأرض والسماوات. [من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] .

وثبت في سنن النسائي، بإسنادٍ صحيح من حديث أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر شهر رمضان، ففضله على سائر شهور العام، ثم قال: [من قام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه] وفي رواية في سنن النسائي بإسناد صحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله فرض عليكم الصيام وسننت لكم القيام، [فمن صام رمضان وقامه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه] . إخوتي الكرام: فالقيام في هذا الشهر الكريم يعدل أجر الصيام عند رب العالمين، وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يقوم هذا الشهر، كما كان يصومه، وكان يخص هذه الأيام التي نعيش فيها في هذه الأوقات بمزيد قيام، عليه الصلاة والسلام. فأيام العشر لها من المنزلة ما ليس لسائر أيام رمضان، فإذا كان القيام مسنوناً ومشروعاً ومرغباً في رمضان فإن في هذه الأيام التي نعيش فيها – آخر شهر رمضان – القيام مرغَّب من باب أولى وآكد، وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يولي هذه الأيام – نهارها وليلها عناية خاصة، ويبذل فيها ما لا يبذله في غيرها من أيام شهر رمضان كما يبذل في شهر رمضان من الجد والاجتهاد ما لا يقوم به في سائر شهور العام. ثبت في المسند، وصحيح مسلم، والحديث رواه الإمام الترمذي والنسائي وابن ماجه، وكما قلت إنه في صحيح مسلم فلا داعي للتنصيص على صحته فهو صحيح، من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره وكان يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيرها] فهو فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا وعليه صلوات وسلام ربنا، عليه الصلاة والسلام، كان يجتهد في شهر رمضان في نهاره وليله ما لا يجتهد في سائر شهور العام لكنه يخص العشر الأخير من رمضان بمزيد جد واجتهاد وتقرب إلى ربنا الرحمن وهذا الجد الذي كان يقوم به نبينا عليه الصلاة والسلام، في العشر الأخير من شهر رمضان.

وردت الروايات الصحيحة الحسان تبينه وتفسره ثبت في المسند والكتب الستة إلا سنن الإمام الترمذي، من رواية أمنا عائشة أيضاً رضي الله عنها وأرضاها قالت [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل عليه العشر، يعني العشر الأخير من شهر رمضان الجليل، أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر] عليه صلوات الله وسلامه.. ويحي الليل ويوقظ الأهل ليغتنموا بركات هذا الشهر ثم يجد، ويشد مئزره عليه صلوات الله وسلامه. وشد المئزر شامل لأمرين، الأمر الأول اعتزاله لنسائه أمهاتنا المباركات الطاهرات عليه وعليهنَّ سلام الله وصلواته. فكان يعتزلهنَّ في العشر الأخير ولا يقرب واحدة منهنَّ تفرغاً لطاعة الله الجليل،، وهذا كما قال القائل: قومٌ إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... عن النساء ولو باتت بأطهار فكان عليه الصلاة والسلام، إذا دخلت عليه العشر الأخير من شهر رمضان يعتزل النساء فلا يباشرهنَّ ولا يتصل بهنَّ عليه صلوات الله وسلامه لا لأن ذلك حراماً فهو حلال على الصائم في الليل، لكن كما قلت لأجل أنه يغتنم هذه الليالي المحدودة فيما هو أقرب له عند ربه وأنفع له عند الله جل وعلا، فكان يعتزل النساء.

ثم بعد ذلك إن هذا اللفظ يوصي بدلالة ثابتة كما قرر أئمتنا الكرام شد المئزر، هذه كناية وإشارة وإخبار عن مزيد العزم والجد والاجتهاد الذي كان يبذله نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام في هذا الشهر الكريم، فكان يحي ليله، يوقظ أهله ويجد ويشد مئزره عليه صلوات الله وسلامه، أي يجد جداً زائداً ويعتزل نساءه لا سيما وقد كان يعتكف عليه صلوات الله وسلامه في العشر الأخير من شهر رمضان، فهذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام في العشر الأخير من شهر رمضان، وفي بعض روايات المسند في حديث أمناً عائشة رضي الله عنها قالت: [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العشرين من شهر رمضان ينام ويصلي، فإذا دخلت عليه العشر شمَّر وشد المئزر] فإذا دخلت عليه العشر شمَّر وشد المئزر ... شمَّر عن ساعد الجد والاجتهاد في طاعة رب العباد. وشد المئزر: ابتعد عن أهله وضاعف من جهده في طاعة ربه عليه صلوات الله وسلامه. إذن إخوتي الكرام: ينبغي أن يجتهد الإنسان في رمضان ما لا يجتهده في غيره، يجتهد فيها ما لا يجتهده في سائر أيام وليالي هذا الشهر. إخوتي الكرام: هذه رواية تفسر لنا إجتهاد نبينا عليه الصلاة والسلام وعنايته بالعشر الأخير من شهر رمضان. وثبت في المسند وسنن الترمذي والحديث رواه الإمام أبو يعلى في مسنده والطبراني في المعجم الكبير، وابن أبي شيبة في المصنف عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل عليه العشر الأخير من شهر رمضان يوقظ أهله، وفي رواية الطبراني في معجمه الكبير.

كان لا يدع صغيراً ولا كبيراً إلا أيقظه، لا يدع صغيراً ولا كبيراً إلا أيقظه، لينال من بركات هذا الشهر ومن نفحات الله في هذه الليالي المباركة العظيمة، وثبت في سنن الترمذي، وكتاب (قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي، والحديث إسناده حسن من رواية زينب بنت أمنا أم سلمة رضي الله عنهم أجمعين، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -[كان إذا دخل عليه العشر الأخير من شهر رمضان لم يكن يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه] .. وإنما كان يفعل نبينا عليه الصلاة والسلام هذا في العشر الأخير لأمرين معتبرين، أولهما: اغتناماً لبركات هذا الشهر الذي قد أوشك على الزوال والرحيل والذهاب، وما يدري الإنسان هل سيدركه في السنة الآتية أم لا، فلذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام يضاعف الجهد في هذه الأيام الأخير من شهر رمضان ... نعم لله في دهره نفحات فطوبى لمن تعرض لنفحات الله في الأوقات التي تحصل فيها النفحات. ثبت في معجم الطبراني الكبير من رواية أنس، ومحمد بن مسلمة، ورواية أنس رضي الله عنهم أجمعين، قال عنها الإمام الحافظ الهيثمي في المجمع، رجالها رجال الصحيح غير موسى بن إياس بن بُكير وهو ثقة، فالحديث إن شاء الله صحيح مقبول، من رواية أنس ومن رواية محمد بن مسلمة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات ربكم فإن لله نفحات يصيب بها من يشاء من خلقه، إن لله نفحات يصيب بها من يشاء من خلقه.. وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمِّن روعاتكم، اللهم مُن علينا بنفحاتك يا أرحم الراحمين، واستر عوراتنا وآمن روعاتنا يا رب العالمين. وهذه النفحات من تعرض لها وأصابها وحظى بها لم يشقى بعدها أبداً.. فكان نبينا عليه صلوات الله وسلامه يضاعف جده واجتهاده في العشر الأخير من هذا الشهر المبارك الجليل إغتناماً للخيرات التي فيه.

فلعله عليه صلوات الله وسلامه لا يدرك هذا الشهر في العام القابل، وهكذا نحن إخوتي الكرام، ينبغي أن نضاعف الجد والاجتهاد والطاعة لربنا الرحمن في هذه الأيام أكثر من مضاعفتنا فيما سبق من أيام شهر رمضان. والأمر الثاني: الذي كان من أجله يضاعف نبينا عليه الصلاة والسلام جده واجتهاده في الأيام العشر طلباً لليلة القدر، طلباً لليلة القدر وقد اجتمع رأي الصحابة الكرام أن ليلة القدر في شهر رمضان وهي في العشر الأخير منه، وإذا كان كذلك فينبغي للإنسان أن يضاعف جده واجتهاده لعله يوافق تلك الليلة فيسعد سعادة لا يعدلها سعادة ... إن هذا الشهر فيه ليلة القدر والمحروم من حرم تلك الليلة. ثبت في سنن ابن ماجة بإسنادٍ صحيح من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم] ... إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر.. فكان نبينا عليه صلوات الله وسلامه يضاعف الجد والاجتهاد من أجل طلب هذه الليلة التي لها هذا الشهر العظيم عند رب العباد ... عباد الله.. جعل الله لليلة القدر من الثواب ما جعله لشهر رمضان، صياماً وقياماً، فالأجر الذي تحصله بصيامك أن الذنوب المتقدمة والمتأخرة تغفر لك إذا قبل منك الصيام، والأجر الذي تحصِّله بقيامك تغفر لك ذنوبك المتقدمة والمتأخرة إذا قبل القيام، هذا الأجر بعينه تحصِّله إذا وفقت لإدراك ليلة القدر.

ثبت الحديث بذلك في المسند والكتب الستة من رواية أبي هريرة باستثناء سنن الترمذي فلم يروا الحديث من أهل الكتب الستة – من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه] .. زاد الإمام أحمد في المسند والطبراني في المعجم الكبير من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه [وما تأخر] [من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] سبحان ربي العظيم.. على هذا الجود الذي يجود به على العالمين، على المسلمين طاعة من هذه الطاعات الثلاث تغفر لك ذنوبك المتقدمة والمتأخرة!! فما أكرم الله، وما أفضل هذا الشهر عند الله، [من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] وهذا الزيادة إسنادها حسن كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام الهيثمي وقبله المنذري، وبعدهما الإمام ابن حجر العسقلاني عليهم جميعاً رحمة الله جل وعلا،، يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. عباد الله.. هذه الليلة العظيمة التي هي ليلة القدر ... أنزل الله سورة كاملة تتحدث عن شأنها وتنوه بعظيم قدرها، فهي ليلة فخيمة عظيمة، يقول الله في تلك السورة الكريمة: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} الإنزال الذي يشمل الأمرين:

إنزال القرآن من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وابتداء إنزال القرآن على نبينا عليه الصلاة والسلام، كان ذلك في ليلة القدر، في شهر رمضان، كما تقدم معنا، في أول مواعظ شهر رمضان، {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر *} الاستفهام للتفخيم والتعظيم، أي هذه عظيمة فخيمة، قال العبد الصالح سفيان بن عيينة، سيد المسلمين في زمنه كما نقل ذلك عنه البخاري في صحيحه تعليقاً عنه بصيغة الجزم: كل ما في القرآن {وما أدراك} فقد أطلع الله نبيه عليه، عليه الصلاة والسلام، وكل ما في القرآن {وما يدريك} فلم يطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - عليه.. {وما أدراك ما ليلة القدر} أطلعه عليها، وأعلمه بوقتها، وقد وافقها عليه الصلاة والسلام، وأراد أن يخبر الصحابة الكرام بها، كما هو ثابت في صحيح البخاري وغيره، فرفع ذلك الحكمة يعلمها الله ولا نعلمها، وعسى أن يكون ذلك خيراً لنا [فالتمسوها في العشر الأخير من شهر رمضان] وأرجى لياليها ليالي الوتر. إذن {وما أدراك ما ليلة القدر} وهذا الأثر الذي نقله الإمام البخاري معلقاً عن هذا العبد الصالح، سفيان بن عينه، وصله محمد بن يحي العدني إمام الحرم المكي في زمنه الذي توفي سنة 243 للهجرة، وهو من رجال الإمام مسلم في صحيحيه وأهل السنن الأربعة إلا سنن أبي داود، وهو من الأئمة الأخيار، وله مسند وصل هذا الأثر في مسنده عن سفيان ابن عيينة بإسنادٍ صحيح،

وهذا الأثر مع صحته ومنزلة قائله يَرُد عليه اعتراض في الشق الثاني ألا وهو أن ما في القرآن {وما يدريك} لم يطلع الله نبيه عليه، عليه الصلاة والسلام يقع على هذا اعتراض واحد فقط ألا وهو ما ورد في سورة (عبس) فالله جل وعلا قال لنبيه عليه الصلاة والسلام: {وما يدريك لعله يزكى} وقد أطلع الله نبيه وأعلمه أن ابن أم مكتوم ممن يزكى ويتطهر وهو من الصحابة الكرام الأبرار، نعم ما عدا هذا الكلام سديد صحيح رشيد {وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا} لم يطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على هذا، {وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر} . قال أئمتنا الكرام، وحاصل أقوال المفسرين ترجع إلى هذا {ليلة القدر خير من ألف شهر} أي خير من ألف شهر، من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر {ليلة القدر خير من ألف شهر} وألف شهر تعدل ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر إذا حسب أن الشهر ثلاثون يوماً، وإذا كان الشهر القمري يكون تسعة وعشرين وثلاثين، فلعل السنوات تصل إلى خمس وثمانين سنة، قيام هذا الليلة يعدل عند الله عبادة خمس وثمانين سنة، {وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر} وإنما أعطى الله هذه الأمة المباركة هذا الأمر لأمرين معتبرين ورد ذكرهما في كتب التفسير:

الأول: رواه ابن أبي حاتم في تفسيره والإمام الطبري في تفسيره أيضاً، والأثر رواه محمد بن نصر في كتاب (قيام الليل) ، ورواه الإمام ابن المنذر، ورواه الإمام البيهقي عن مجاهد مرسلاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلاً من الأمم السابقة لبس السلاح وبقى يقاتل وهو في سلاحه ألف شهر فعجب الصحابة من ذلك، وتمنوا لو مد الله في أعمارهم لينالوا تلك الفضيلة التي حصلها من قبلهم، فأنزل الله جل وعلا هذه السورة الكريمة يخبرهم فيها أن قيام العبد الصالح من هذه الأمة المرحومة المباركة في ليلة القدر إذا وافقها يعدل عبادة وطاعة، يعدل طاعة ألف شهرٍ لله جل وعلا،، من لبس فيها السلاح وقاتل في سبيل الله جل وعلا. والأثر الثاني: رواه الإمام مالك في موطئه، وقال: حدثني من أثق به من أهل العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُريَ أعمار الناس من قبله وقد كانوا يُعمَّرون وحياتهم تطول، فكأنه عليه الصلاة والسلام تقاصر أعمار أمته وخشي ألا يبلغوا من الخير ما بلغته الأمم السابقة، فأنزل الله عليه سورة القدر يبشره فيها أن قيام فرد من أمتك، ومن أتباعك (على نبينا صلوات الله وسلامه) أن قيام هذا الفرد لليلة القدر يعدل عند الله بعبادة ألف شهر. وهذا الأثر الذي رواه الإمام مالك عمن يثق به من أهل العلم يشهد له أثر مجاهد المتقدم، ويشهد له أثر مرسل آخر روي عن علي بن عروة كما بين أئمتنا الكرام، ومثل الآثار إن لم تكن تصلح لبناء الأحكام عليها فيستشهد بها ويعتبر بها ويتقوى بعضها ببعضها، هذا ما يتعلق ببيان أن ليلة القدر خير من ألف شهر، خير من عبادة ألف شهر، حصل هذا في مناسبتين اثنتين 1- رجل لبس السلاح ألف شهر فتمنى الصحابة ذلك فبشرهم الله بأن ليلة القدر تعدل ذلك. 2- تقاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أعمار أمته فأعطاه ليلة القدر يعوضون بها ما فاتهم من طول العمر، فهذه الليلة لها هذا المقدار عند الله جل وعلا

نعم إخوتي الكرام ... أعمار هذه الأمة قصيرة وقل منهم من يحوز السبعين كما ثبت هذا عن خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام. ففي سنن الترمذي وابن ماجة، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط مسلم، وأقره عليه الإمام الذهبي، والحديث رواه الخطيب في (تاريخ بغداد) ، وإسناده صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجُوزُ ذلك] ، وكان الحسن بن عرفة إذا حدَّث بهذا الحديث يقول: (أنا من القليل) .. لأنه ممن جاوز السبعين عليه وعلى جميع المسلمين رحمات رب العالمين،، أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك، فعوضوا عن قصر عمرهم بأن أعطاهم الله هذه الليلة في كل سنة في شهر رمضان، فإذا وفقوا لها ووافقوها حصَّلوا عبادة ألف شهرٍ عند ذي الجلال والإكرام. إخوتي الكرام: وما ورد في كتب التفسير، وهو مروي في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم، وصححه وأقره عليه الذهبي فينبغي أن نعيه وأن نتبين حكمه، من رواية القاسم بن الفضل، أن رجلاً قام للحسن ابن علي رضي الله عن آل البيت الطيبين الطاهرين، وعن الصحابة أجمعين، قام إليه سنة أربعين للهجرة عند ما تنازل عن الخلافة لمعاوية وسمي ذلك العام بعام الجماعة عندما فعل الحسن بن علي رضي الله عنه وأرضاه هذا قام إليه رجل فقال له سوّدت وجوه المؤمنين!! وفي رواية قال له (يا مسوّد وجوه المؤمنين) فقال له الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين (لا تؤنبني رحمك الله إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُري بني أمية يصعدون على منبره واحداً بعد الآخر فساءه ذلك فأنزل الله عليه إنا أعطيناك الكوثر ـ نهر في الجنة وأنزل عليه {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر} أي من ألف شهر يملكها بنو أميّة..

والأثر إخوتي الكرام: كما قلت في سنن الترمذي ورواه الحاكم وصححه وأقره عليه الذهبي.. وينبغي أن نقف عند هذا الأثر وقفة لنتبين حكمه، كما قرر أئمتنا الجهابذة المحدثون عليهم جميعاً رحمة الله جل وعلا.. إخوتي الكرام.. هذا الأثر غايته أن ليلة القدر تفضل ألف شهر من حكم بني أمية، وهذا في الحقيقة ليس كذلك،، يقول القاسم بن الفضل: (فحسبنا مدة بني أمية فبلغت ألف شهر لا تنقص ولا تزيد) إن الأمر ليس كذلك، إن بني أمية حكموا سنة أربعين للهجرة واستمر حكمهم إلى سنة اثنين وثلاثين ومائة للهجرة 132هـ عندما قضى على الخلافة الإسلامية وانتقلت بعد ذلك إلى العباسيين ومن أحصى هذه المدة من سنة أربعين 40هـ إلى سنة اثنين وثلاثين ومائة 132 هـ يتبين له أن حكم بني أمية بلغ اثنين وتسعين سنة ولم يبلغ ثلاثة وثمانين سنة وأربعة أشهر كما ورد في الرواية حكمهم، بلغ ألف شهر لم يزد ولم ينقص، إنه زاد على ذلك، وهذه المدة إذن تعارض هذا الأثر الذي فيه أن هذه المدة ما زادت على ألف شهر. إنها زادت. وأما محاولة بعضهم أن يستثني مدة خلافة عبد الله بن الزبير وقد حكم الحرمين والأهواز فلا يصح هذا الاستثناء أبداً، فالخلافة لم تخرج عن بني أمية، وإن خرج عبد الله بن الزبير في بعض أقاليم المسلمين وعليه فقد حكموا اثنتين وتسعين سنة في هذه الأمة المباركة المرحومة. الأمر الثاني: في الأثر محذور محذور، ينبغي أن نعيه وأن نفطن له، وبالتالي ينبغي أن نعرف قيمة الرواية.

غاية ما في الأثر أنه يُفَضِّل ليلة القدر على أيام بني أمية، وليلة القدر ليلة شريفة جليلة فاضلة، وهذا سيق على تعبيرهم لذم أيام بني أمية، فإذا كانت أيام بني أمية فيها ذم وسوء كيف تُفَضَّلُ ليلة القدر على الأيام الناقصة التي فيها ظلم وسوء وجور وعسْف؟؟! هذا لا يستقيم في التفضيل، وما مثال هذا التفضيل إلا قول القائل: جبريل أفضل من اليهود، على نبينا وعلى جبريل وعلى ملائكة الله الأطهار صلوات الله وسلامه. هذا لا يقال، يقال: جبريل أفضل الملائكة، ويقال نبينا عليه الصلاة والسلام أكرم الخلق وأفضل رسل الله، وأما أن يقال: إن نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل من أبي جهل!! ليس هذا بمدح ... ألم تر أن السيف ينقص قدره ... إذا قيل إن السيف أمضى من العصا، إذا أنت فضلت أمرءاً ذا براعة على ناقص كان المديح من النقص، فهذا الأثر سيق لمدح ليلة القدر فكيف تُفَضِّل على أيام مذمومة على حسب ما ورد في الرواية!! هذا لا يستقيم في التفضيل ولا يصلح أبداً. الأمر الثالث: سورة القدر مكية باتفاق أئمتنا وما كان للنبي عليه الصلاة والسلام منبرٍ يخطب عليه إلا في المدينة المنورة المشرفة، فكيف يتراء عليه صلوات الله وسلامه في مكة بني أمية يصعدون على منبره ويَنْزُون عليه نُزُوّ القردة، كما ورد في بعض الروايات، فيسوؤه ذلك فينزّل الله عليه في مكة هذه السورة بأننا سنعطي أمتك ليلة القدر وهي خير من حكم بني أمية ألف شهر؟!!

إن هذا لا يستقيم ولا يصح وما بعد ذلك تكلف به من تأويل هذه الرواية بأن النبي عليه الصلاة والسلام أُطلِعَ على مُغَيّب على منبر سيكون في المدينة بعد حين كل هذا لا يستقيم مع ما تقدم، ولذلك قال شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره بعد أن بين أن القول المعتمد في تفسير الآية ما ذكرته {ليلة القدر خير من ألف شهر} أي من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، قال: وما عدا هذا فدعاوى باطلة لم يَرِدْ بها أثر ولم يشهد لها نظر، لم يرد بها أثر ولم يشهد لها نظر، ولم ترد في آي التنزيل ... ولذلك حكم الإمام ابن كثير في تفسيره أن الحديث مضطرب منكر الإسناد، ونقل هذا عن شيخ المسلمين في زمنه عن الإمام أبي الحجاج المزي، ولعل هذا الحديث مما دخلت فيه لأهواء السياسية والعلم عند رب البرية. ولا يجوز أن نقول إن ليلة القدر خير من ألف شهر حكمها بنوا أمية للاعتبارات المتقدمة فكونوا على علم بذلك عباد الله. {ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها ... } تنزل الملائكة، والروح: إما أن يراد منه خصوص جبريل، وهو أظهر الأقوال وخصه ربنا جل وعلا بالذكر تخصيص بعد تعميم لمزيته وشرفه ومنزلته ورفعة قدره من بين الملائكة الكرام،، وإما أن يكون ملك آخر أو صنف من الملائكة، والعلم عند الله جل وعلا، والأقوال الثلاثة في كتب التفسير، وأظهرها أولها {نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين} وكثيراً ما يخص الله جبريل بالذكر بعد ذكر الملائكة {من كان عدواً لله وملائكة ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوٌ للكافرين} تخصيص بعد تعميم لمنزلة هذا الخاص ومكانته بين ذلك العموم.

{تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} قوله: {من كل أمر} إما أن تكون {من} بمعنى الباء، تتنزل الملائكة بإذن الله بكل أمرٍ أمروا به، بكل أمر أمروا به، ففي هذه الليلة يحصل فيها التقدير فـ {فيها يفرق كل أمرٍ حكيم} {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم ... ...} يتنزلون بأمر الله جل وعلا، {بإذن ربهم من كل أمر} أي بكل أمرٍ أُمروا به، وبكل تقديرٍ أُمروا به، وعليه تم الكلام عند قول الله: {وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} ثم ابتدأ {سلامٌ هي حتى مطلع الفجر} سلام: إما أن الملائكة تنزل بعد ذلك لتسلم على المؤمنين والمؤمنات، أو أن تلك الليلة سالمة من كل سوءٍ ومن جميع الآفات. {سلامٌ هي حتى مطلع الفجر} ، وإما أن قوله جل وعلا {من كل أمر} متعلق بما بعده ويصبح التقدير كما قرر أئمتنا: سلام من كل أمر، والأمر المراد منه واحد الأمور وهي الشؤون، وعليه شؤون تلك الليلة، أمورها، ما يجري فيها سلامة فلا يقع فيها نقص ولا سوء، ولا يخرج فيها شيطان ولا يَنْقَضُّ فيها كوكب، ولا تحصل فيها آفة، {سلام هي حتى مطلع الفجر} . إخوتي الكرام.. ليلة القدر التي نزلت هذه السورة الكاملة بشأنها قال أئمتنا: تدل هذه التسمية على ثلاثة أمور مجتمعة. أولها: القدر بمعنى التعظيم ومنه قول ربنا الكريم {وما قدروا الله حق قدره} أي ما عظموه، وهذه الليلة عظيمة فخيمة ففيها نزل كتاب ذو قدر على نبينا عليه الصلاة والسلام وهو ذو قدر، كتاب ذو قدرة على نبي ذي قدر، أرسل الله به ملكاً ذا قدر، وهذه الأمة صار لها قدر بذلك الكتاب ويصبح لها قدر عند الله إذا أحيت تلك الليلة، وهذه الليلة تنزل فيها ملائكة ذَوُوا قدر وفيها خيرات كثيرة ذات قدر. فالعظمة حاصلة فيها.

وشاملٌ هذا المعنى آخر يفيده لفظ القدر، ألا وهو التضييق، ومنه قول الله جل وعلا {وَمَنْ قُدِرَ عليه رزقُه} أي ضُيّق عليه وأعطي بمقدار كفايته وهنا ليلة القدر أي ليلة التضييق، والتضييق يحصل من أمرين اثنين. أولاً: من حيث إخفاؤها، فكتمها الله جل وعلا عن عباده وأمرهم بأن يجتهدوا ليوافقوها، ولا يُحصّل موافقتها إلا من رضي الله عنه وأنعم عليه ثم بعد ذلك حصل فيها تضييق من ناحية أن الأرض تضيق في تلك الليلة بالملائكة الكرام التي تنزل من عند ذي الجلال والإكرام. إذن ليلة عظيمة فيها تضييق من وجهين، من حيث إخفاؤها ولم يعلم بها إلا قلة قليلة، ومن حيث ضيق الأرض بالملائكة الذين نزلوا من السماء عليها. والقدر: يؤاخي القضاء، وهو المعنى الثالث، ويدل عليه، فهو بمعنى القَدَر، فهي ليلة التقدير، فـ {فيها يفرق كل أمرٍ حكيم} ولا تنافي هذا إخوتي الكرام مع ما تقدم معنا من أنه يقع في ليلة النصف من شعبان ما يشبه هذا بأن الله يقدِّر على كل نفس تموت في ذلك العام، ذلك التقدير في ليلة النصف من شعبان لا يتنافى هذا أبداً فهذه كتابات متلاحقة، وإعلامات متتابعة من الله للملائكة الموكلة بتدبير أمر هذا العالم. فإذن ليلة القدر ليلة العظمة، ليلة التضييق من وجهين، ليلة التقدير. هذه الليلة إخوتي الكرام: لها شأن عظيم عند الله جل وعلا، من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا القيام، عند أئمتنا الكرام ينبغي أن يصاحبه معرفة لليلة القدر، وعلم بها، وإذا قام ولم يوافقها فله أجر على قيامه لكن هذا الأجر المعيَّن، هذا الأجر المخصوص، لا يناله إلا من استبانت له ليلة القدر وظهرت له علاماتها.

فإن قيل: لها علامات؟! نقول: كيف لا!! وقد أرشد إليها خير البريات عليه الصلاة والسلام، ليس المقصود من إقامتها القيام فيها فقط، إنما المقصود قيام مع موافقة ففي المسند ومعجم الطبراني بإسناد صحيح في الحديث المتقدم، من رواية عبادة ابن الصامت رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ثم وُفّقت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر] . وفي صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً فيوافقها غفر له ما تقدم من ذنبه] . وفي مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة إلا سنن أبي داود، والحديث رواه ابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، وأقره عليه الإمام الذهبي، من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: [يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماذا أقول إن وافقت ليلة القدر؟ قال قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني] . إذن وُفّقت له، يوافقها، إن وافقت، قال شيخ الإسلام الإمام النووي وهذا الذي عليه أكثرأئمة المسلمين، وقال حَذام المحدثين الإمام ابن حجر: هوالذي يترجح عندي قوله وفقت له، يوافقها، عن وافقتها: أي إن استبانت له بعلامة من علاماتها. وليلة القدر لها علامات، ولا يستبينها إلا من أكرمه الله بها، فيرى كل شيءٍ يسجد لرب الأرض والسماوات، يرى النور قد ملأ الدنيا، يسمع تسليم الملائكة عندما يسلمون عليه، لو كان بجوار بحرٍ وشرب منه لانقلب الماء عذباً سائغاً {سلام} .. فلابد من إدراك تلك الخصوصيات لينال الإنسان هذا الأجر عند رب الأرض والسماوات، وهذا الذي عليه كما قلت أئمة الإسلام.

وقد ألف بعض أئمتنا كتباً في ذلك كما فعل ولي الدين أبو زُرعة ولد شيخ الإسلام الإمام العراقي عليهم جميعاً رحمة الله، وقد توفي سنة ست وعشرين وثمانمائة للهجرة كتاباً في علامات ليلة القدر وفضلها وهذه العلامات، كما قلت إخوتي الكرام دل عليها حديث النبي عليه الصلاة والسلام [وِّفقت له، يوافقها، إن وافقت] وليس المراد كما قلت مجرد قيام لها.. قيام تحصل موافقة مع القيام وهذه الموافقة حقيقة أنا نحوها في موفقين اثنين: هل جعلت علامةً على الصيام والقيام؟ فإن كان كذلك فيا ويح ويا ويل من لم يوافقها ونسأل الله أن يحسن ختامنا. أو أنها جعلت تلك الموافقة، مزيد إكرام من الله لمن شاء من أوليائه وعباده ما وجدت كلاماً لأئمتنا في هذا الأمر والعلم عند الله جل وعلا. هل تلك الموافقة تكون لمن قبل الله صيامه وقيامه فيوافق ليلة القدر، ويكون ذلك بشارة عاجلة له في هذه الحياة!! إن ذلك ليس ببعيد. لكن كما قلت، ما وقفت على كلام لمن سبقنا في ذلك، وأعوذ بالله أن أقول شيئاً لم أُسبق إليه.. إنما أقول كما ذكرت هل هذا (لهذا أو لهذا) ، هل هذه الموافقة علامة على قبول الصيام والقيام؟ أو هي مزيد إكرام وإن قبل الصيام والقيام، يكرم الله بعد ذلك بعض المقبولين بموافقة ليلة القدر ويحرم بعض المقبولين عن موافقة ليلة القدر؟!! إنما لا يحصل أجر قيام ليلة القدر المعين المخصوص إلا بموافقتها وإداركه علامة خاصة لها. ولذلك قال الإمام السبكي الكبير تقي الدين عليهم جميعاً رحمات رب العالمين (يستحب ويسن لمن وافق ليلة القدر واستبانت له بعلامة من العلامات أن يكتم ذلك وأن لا يخبر به أحداً) ثم قرره بوجهين معتبرين: الأول: قال لأن هذا الذي اختاره الله لنبييه عليه الصلاة والسلام فقد أطلعه على ليلة القدر ولما أراد أن يُعلم الناس بها رفع ذلك من صدره فما اختاره الله لنبيه، عليه الصلاة والسلام هو الخير،

والأمر الثاني: يقول الإمام السبكي الكبير (إن ذلك وقع من الله كرامة لهذا العبد وإذا كانت تلك الموافقة كرامة فينبغي أن يكتمها الإنسان خشية السلب، أي أن يسلب تلك الكرامة، فأنت أكرمت بها على وجه الخصوص وقد أكرمك الله بهذا دون أن يشعر بذلك أحد فاكتم ذلك) ، ولذلك قال الإمام ابن حجر: (قد يكون الإنسان في المسجد مع عشرة أو مائة يصلون ويقومون ليلة القدر فيوفقها واحد منهم ولا يوافقها البقية فيكشف له ويراها، وهم معه ينظرون لكن لا يرون ما يرى، والله على كل شيءٍ قدير) . إذن خشية السلب، إنها كرامة فلا يخبر بها خشية السلب، وخشية الرياء، ولا يخبر بها خشية الحسد، فيوقع الناس في إثم الحسد لأنه عندما أعلمهم بذلك وما استبان لهم ذلك وهم معه يحسدونه وقد أوقعهم في ذلك ثم بعد ذلك يشتغل، عند ما يراها بإعلام الناس ويغفل عن شكر رب الناس. ولذلك إذا أطلعه على ليلة القدر، ووافقها فهذا منَّة من الله عليه فليكتم ذلك، والكرامة إذا وقعت على وجه الخفية يسن للإنسان أن يسترها وألا يخبر أحداً من الخلق بها ... إخوتي الكرام.. ليلة القدر تكون في العشر الأخير من شهر رمضان. أي الليالي هي؟ لا يعلم ذلك إلا الله، وإذا قام تلك الليلة إنسان من يوافقها؟! لا يوافقها إلا من أنعم الله عليه ورضي الله عنه.. نعم إن أرجى لياليها، كما قال أئمتنا، ليالي الوتر، وخاصة ليلة السابع والعشرين. ثبت في مصنف عبد الرزاق والأثر رواه الإمام محمد بن نصر في (قيام الليل) والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم، وأقره عليه الإمام الذهبي، والأثر رواه البيهقي وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، دَعَوَا الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فسألهم عن ليلة القدر، قال ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، فاجتمع رأيهم على أنها في العشر الأخير من شهر رمضان

قال: في أي ليلة هي؟ فاختلفوا، فبعضهم يقول في التاسع، والسابع، والخامس من ليالي العشر، يقول: وأنا ساكت لا أتكلم، فقال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين: ألا تتكلم؟! فقلت: يا أمير المؤمنين إنها في سابعة مضت أو في سابعة بقيت، (إنها في سابعة تمضي أو في سابعة تبقى) إذا كانت في سابعة مضت، فإذن مضت ست وعشرون، وليلة السابع والعشرون، وإذا كانت في سابعة بقيت أو تبقى، فإما أن تكون ليلة الثاني والعشرين أو ليلة الثالث والعشرين على حسب اكتمال الشهر أو نقصانه ولا يعلم ذلك إلا الله. هذا على حسب كلام ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين، إما في سبعة تبقى أو في سبعة مضت، فقال له: ومن أين لك ذلك؟! قال: يا أمير المؤمنين إن الله خلق السماوات فجعلهن سبعاً، وخلق الأراضين فجعلهنَّ سبعاً، وأيام الأسبوع سبع، والإنسان خلق في سبع، ويأكل من سبع ويسجد على سبع وعدد سبعات ورد بها شرع رب الأرض والسماوات. أما أن الإنسان خلق من سبع، فقد استدل ابن عباس على ذلك بقول الله جل وعلا: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من ماءٍ مهين * ثم جعلناه نطفةً في قرارٍ مكين * ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} . وأما أنه يأكل من سبع فنَزع ذلك من قول الله جل وعلا: {فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا * فأنبتنا فيها حباً * وعنباً وقضبا * وزيتوناً ونخلاً * وحدائق غلبا * وفاكهة وأباً *} . إذن خلق في سبع، يأكل من سبع، يسجد على سبع، سماوات سبع، رمي الجمار سبع، الطواف سبع، يقول هذا الأثر له دلالة معينة في شريعة الله فليلة القدر في سبعة تبقى أو في سبعة تمضي.

فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهم أجمعين لله دَرُّك خفي علينا ما علمته، ما أعلم إلا ما تعلم، أن ليلة القدر تكون في سابعة تبقى أو في سابعة تمضي. قال شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة في المغني: وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه استدل على أنها ليلة السابع والعشرين من الكلمة الواردة في سورة القدر وهي الكلمة السابعة والعشرون في سورة القدر (إنا – أنزلناه – في – ليلة – القدر – وما – أدراك – ما – ليلة – القدر – ليلة – القدر – خير – من – ألف – شهر – تنزل – الملائكة – والروح – فيها – بإذن – ربهم – من – كل – أمر – سلام – هي – حتى مطلع الفجر) فقال شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة، وقد استنبط ابن عباس وغيره أن ليلة القدر تكون ليلة السابع والعشرين لأن لفظ هي الذي يعود على ليلة القدر الكلمة السابعة والعشرون من سورة القدر. وهذا الكلام قال به عدد من أئمة الإسلام من المالكية وغيرهم، وبعد أن حكاه الإمام ابن حزم عن المالكية، شنع عليهم غاية التشنيع، وقوله في منتهى الشناعة وإذا أُثر هذا القول عن بعض السلف فليسكت الخلف. نعم ... قال الإمام ابن عطية في المحرر الوجيز وهذا من مُلح التفسير، وليس من متين العلم. وقد أورد أئمتنا دلالة ثالثة على أن ليلة القدر تكون ليلة السابع والعشرين، وذلك أرجى ما يمكن أن يكون في إدراك ليلة القدر. قالوا: كلمة {ليلة القدر} ذكرها الله جل وعلا ثلاث مرات في هذه السورة {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر *} قالوا: و {ليلة القدر} تسعة أحرف، أما الليلة فهي أربعة أحرف، والقدر خمسة أحرف، فليلة القدر إذن تسعة أحرف، وتسعة إذا ضربت في ثلاثة، المجموع سبع وعشرون.

وكما قلت: هذا من ملح التفسير وليس من متين العلم، نعم.. قال أئمتنا قد تنتقل أحياناً، ففي الغالب تكون ليلة السابع والعشرين، وقد تنتقل، إنما المهم العظيم أن يوافقها الإنسان إذا أقام تلك الليلة، وكم ممن يقوم ولا يوافق. نسأل الله برحمته التي وسعت كل شيءٍ أن يجعلنا ممن يصومون هذا الشهر ويقبل منهم صيامه، وأن يجعلنا ممن يقومون هذا الشهر ويقبل منهم قيامه، وأن يجعلنا ممن يقومون ليلة القدر ويوفقون لموافقتها وإدراكها بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أقول هذا القول وأستغفر الله. الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين. اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.. عباد الله: ذكرت العلامات لليلة القدر التي يدركها من أنعم الله عليه بإدراكها ... نعم هناك علامات ظاهرة قد يستوي كثير من الناس في إدراكها، منها، ما تكون في تلك الليلة، ومنها ما يكون بعدها، بل أكثر علاماتها الظاهرة تكون بعد ذهاب تلك الليلة. هذه العلامات بإمكان الإنسان أن يدركها، لكن الشأن كلُّ الشأن أن يوافقها وأما أن يتعرف على العلامات الظاهرة فلا يفنيه ذلك وليس له أجر قيام ليلة القدر وإن كان لا يعدم أجراً على القيام والعلم عند ذي الجلال والإكرام. فمن تلك العلامات الظاهرة أن السماء تكون فيها منيرة كأن فيها قمراً يفضح كواكبها، ومن نظر إليها رآها تتلألأ في تلك الليلة. ومن تلك العلامات أنها تكون متوسطة لا حارة ولا باردة. ومن تلك العلامات أنها لا ينقضُّ فيها كوكب ولا يُرمى فيها بشهاب.

ومن تلك العلامات، وكل هذا وارد في الأحاديث الصحيحة عن خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، وتركت ذكر الأدلة على ذلك خشية الطول، فالعلامات ثابتة في صحيح مسلم والمسند وغير ذلك من كتب السنة، وكما قلت علامات ظاهرة ينبغي أن يوفق الإنسان للعلامات الخاصة التي هي خاصة بمن يكرمه الله بإدراكها. ومن تلك العلامات الظاهرة أن صبيحة تلك الليلة تخرج الشمس لا شعاع لها بيضاء كالطست أي كأنها طسْتٌ لا شعاع لها ولو نظرت إليها لا يمتد إليك أشعة منها تكسر نظرك. كأن الشمس في تلك الصبيحة كأنها بدرٌ قمر، فيذهب عنها الشعاع ولذلك تخرج الشمس في تلك الصبيحة ترقرق برفق وسهولة لا يصاحبها شعاع من كثرة الملائكة الذين هم في هذه الأرض. هذه علامات ظاهرة يمكن للإنسان أن يدركها، لكن الشأن، كما قلت، في إدراك العلامات الخاصة بها ... أسال الله أن يكرمنا بإدراكها إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، الله آمن روعاتنا، واغفر ذلاتنا يا أرحم الرحمين، اللهم اجعل هذا الشهر الكريم أوله لنا رحمة، وأوسطه لنا مغفرة وآخره عتقاً لرقابنا من النار، اللهم تقبل منا الصلاة والصيام والقيام. اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، اللهم اجعلنا من عتقاء شهر رمضان، اللهم أدخلنا الجنة من باب الريان بسلام، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات، والحمد لله رب العالمين.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

{إنا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلامٌ هي حتى مطلع الفجر} .

فضل يوم عرفة

فضل يوم عرفة (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم فضل يوم عرفة وأحكام الأضحية 28 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة طاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. "يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاُ كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. تدارسنا في الموعظة السابقة بعض أحكام هذه العشر عشر ذي الحجة وسأكمل الحديث في هذه الموعظة عن تلك الأحكام.

اخوتي الكرام: سيكون حديثنا في هذه الموعظة حول أمرين اثنين حول إكمال ما يتعلق بفضل يوم عرفة وحول أحكام الأضحية أما الأمر الأول فقد تقدم معنا إخوتي الكرام منزلة يوم عرفة في الإسلام وتقدم معنا بيان الخيرات الحسان التي يغدقها ذو الجلال والإكرام على عبادة يوم عرفة فهو الذي يدنو سبحانه وتعالى من الحجاج ويتجلى ويقول ما أراد هؤلاء ولا يوجد يوم يحصل فيه عتقاء من النار كما يحصل في يوم عرفة ولذلك لا يرى الشيطان في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة لما يرى من تنزل الرحمات وتجاوز الله عن الذنوب العظام. اخوتي الكرام: أما حب الله علينا في هذا اليوم من الخيرات ما لا يخطر ببال المخلوقات فاستمعوا إلى هذا الفضل الذي سأذكره عن نبينا صلى الله عليه وسلم روى الإمام بن خزيمة في صحيحه والإمام البيهقي والحديث رواه الإمام البغوي في شرح السنة ورواه بن حبان في صحيحه أيضا والإمام البزار في مسنده وهكذا أبو يعلي في مسنده عن رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا كان يوم عرفة نزل الله إلى السماء الدنيا فباهى أهل الموقف ملائكته فيقول عبادي جاءوني شعثا غبرا ضاحين أي متعرضين لأشعة الشمس وشدة الحرارة جاءوني شعثا غبرا ضاحين كم كل فج عميق أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم فتقول ملائكة الله الكرام على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام ربنا فيهم فلان يرهن وفلان وفلان إنما يرتكبون الدهق الإثم والمعاصي ويغشون المحارم حضروا في هذا الموسم لكن عندهم من الخطايا ما عندهم فيقول الله جل وعلا قد غفرت لهم قال نبينا عليه الصلاة والسلام " فما من يوم يعتق الله فيه عبيدا من النار كثر من يوم عرفة.

هذا الحديث مروي في هذه الكتب ولجميع رواته ثقات أثبات وتكلم حول العبد الصالح أبي زبير المكي وهو محمد بن مسلم بن تدرس حديثه مخرج في الكتب والسنة وهو صدوق ولكنه يدلس وهو الراوي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وقد صحح الحديث عدد من أئمتنا وهذا العبد الصالح أعني أبا الزبير المكي توفي سنة 126هـ إذا كان يوم عرفة نزل الله جل وعلا إلى السماء الدنيا فباهى بأهل الوقف ملائكته فيقول عبادي جارون شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم. فإذا قالت ملائكة الله الأطهار على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه فيهم فلان يرهق وفلان وفلان فيقول الله جل وعلا قد غفرت لهم وهذا اليوم هو أكثر ما يحصل فيه من العتق من النار من أيام السنة هو يوم عرفة إخوتي الكرام وفضائل هذا اليوم كثيرة وغزيرة.

روى الإمام بن المبارك عن شيخه سيد المسلمين سفيان الثوري عليهم جميعا رحمات رب العالمين عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك رضي الله عنهم والحديث رجاله ثقات أثبات هو كالشمس وضوحا عن أنس رضي الله عنه وأرضاه قال لما كان يوم عرفة وكادت الشمس أن تؤوب أي أن تغرب وأن تذهب وعانى النبي صلى الله عليه سلم فقال يا انس أنصت الناس اجمعهم لينصتوا قبيل غروب الشمس فنادى أنس بأعلى صوته يا عباد الله أنصتوا لنبيكم صلى الله عليه وسلم فلما أنصت الصحابة الكرام قال نبينا عليه الصلاة والسلام أتاني جبريل فبلغني السلام من ربي وأخبرني أن الله قد غفر لأهل الوقف ولأهل المشعر وضمن عنهم التبعات قد غفر لأهل الوقف في عرفات ولأهل المشعر الذين يحضرون في مزدلفة وضمن عنهم التبعات فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فقال هذا لنا خاصة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أولنا ولمن يكون بعدنا قال بل لكم ولمن يأتي بعدكم لكم كلكم فرفع عمر ابن الخطاب صوته فقال كثر خير الله وطاب كثر خير الله وطاب إي والله لو علم الحاج هذا لاستحقر ما ينفعه بجنب ما يحصله يغفر الله لك يضمن عنك التبعات ويؤديها وهو الغني الرحيم سبحانه وتعالى إن الله قد غفر لأهل الموقف ولأهل المشعر وضمن عنهم التبعات هذا للصابة ولمن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة نعم كثر خير الله وطاب. إخوتي الكرام: وكما قلت إن الحديث إسناده صحيح رواه شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك وذكره الإمام المنذري في الترغيب والترهيب إخوتي الكرام لا أري أن أطيل في فضل هذا اليوم فكما وعدت سابقاً إذا تدارسنا أحكام الجمع فنسمع إن شاء الله ما تطير له قلوب المؤمنين فرحا مما لهم في هذا العشر من الأجر عند الله جل وعلا وخاصة ما يحصلونه في يوم عرفة لكنني سأذكر نفسي وأذكركم وأذكر المسلمين بهذا الأمر الذي ينبغي أن نعتني به في يوم عرفة ألا وهو حفظ جوارحنا من معصية ربنا فمن حفظ جوارحه في ذلك اليوم غفر له.

ثبت في مسند الإمام أحمد بسند رجاله ثقات كما قال الهيثمي في المجمع وقال المنذري إسناده صحيح والحديث رواه ابن خزيمة في صحيحه أيضا ورواه البيهقي في شعب الإيمان ورواه الطبراني في معجمه الكبير ورواه بن أبي الدنيا في كتاب الصمت وكما قلت أن الحديث صحيح صحيح من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال كان غلام منا رِدْف النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لكنه يوجه نظره إلى جهتين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي أما علمت أن من حفظ سمعه ولسانه في يوم عرفة غفر له هذا يوم مبارك وأنت تسرح النظر إلى هنا وهناك فينبغي أن تكف نظرك وإن كان النساء محجبات فينبغي ألا تنظر إليهن لا في هذا الوقت ولا في غيره من الأوقات لكن في يوم عرفة من حفظ سمعه وبصره ولسانه غفر له.

إخوتي الكرام: إذا فات واحد منا الحج في هذا العام فليأخذ بهذا التوجيه النبوي الثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم فليحفظ سمعه وبصره ولسانه في يوم عرفة ولذلك أرى لو أن المسلمين تيسر لهم أن يجعلوا هذا اليوم في عبادة لله رب العالمين وأن يتفرغوا من أمور الدنيا وإن كانت أعمالهم في مباحة فليجعلوا ذلك في الصيام وذكر الرحمن وقراءة القرآن والصلاة والسلام على خير الأنام عليه الصلاة والسلام وإن لم يكونوا في الحج فلو تركوا ما يلهيهم عند ذل في هذا اليوم لكان خير لهم وأحسن وأما ما اعتاده كثير من الناس في هذا اليوم إخوتي الكرام من متابعة محطات الإذاعة وتلقط الأنباء من هنا وهناك وبعضهم غرره الشيطان من أجل أن يجعله يخسر في هذا اليوم فيظن أنه ذا وقف أمام الأجهزة المرئية أو المسموعة ليرى ويسمع ما يجري في الحج كأنه في عبادة ليسمع بعد ذلك حقيقة إن قلت عنه إنه لغط لا أبالغ من أن الميكرفون على تعبيرهم انتقل إلى ممثل دولة كذا وممثل دولة كذا ثم يحيي إخوانه بعد ذلك في العروبة والوطنية والجاهلية ماذا تستفيد من هذا أخي المسلم هلا شغلت لسانك بذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه الأجهزة إخوتي الكرام ينبغي أن نحذر منها في كل وقت لا سيما في مواسم الطاعات ينبغي أن تنظر إلى وسائل الإعلام من الراديو فما فوقها كأنها جمرة نار في عرفات فكما أنك لا تلمس جمرة النار فاتق العزيز القهار في ذلك اليوم حذاري حذاري أن تفرط فيه وأن يزين لك الشيطان أن النظر إلى الحجيج واستماع ما يقال بعد ذلك من كلام باطل وتهريج من الممثلين هنا وهناك إياك أن تظن أن هذا من باب الطاعة والله أن هذا من أكبر علامات الحماقة أناس في طاعة ماذا تستفيد إذا نظرت إليهم أناس بعد ذلك يقومون بترتيبات معينة ملاك ولهم ممن يذيعون ويقولون هلا اشتغلت بذكر الحي القيوم.

إخوتي الكرام: ينبغي أن نعي هذا على الدوام لا سيما في يوم عرفة من حفظ اسمه وبصره ولسانه غفر له هذا فيما يتعلق كما قلت إخوتي الكرام في هذا اليوم على وجه الاختصار وأما ما فيه من فضائل كما قلت أوضح من الشمس في رابعة النهار فلعل الله يمد في الحياة لنتدارس هذا عند مدارسة أحكام الحج إن أحيانا الله للسنة الآتية وما فيه من مغانم وفضائل. وأما الأضحية التي نتدارس أحكامها وهي الأمر الثاني في موعظتنا اخوتي الكرام تقدم معنا أن العشر أعني عشر ذي الحجة أيام مباركه هي فضل السنة وأفضلها آخرها وهو اليوم العاشر فهو يوم الزيارة ويوم الضيافة وبعد أن نقي العباد وهذبوا في يوم عرفات أذن لهم بزيارة رب الأرض والسموات وأذن لهم بأخذ ضيافته ونيل جائزته فذهب الحجاج وطافوا حول البيت الحرام بعد أن وقفوا في عرفات وتابوا إلى ذي الجلال والإكرام. اخوتي الكرام: شرع لنا في هذا أضحية ينبغي أن نتقرب بها إلى ربنا الرحمن فأفضل أيام العام كما تقدم معنا يوم النحر يوم العاشر من ذي الحجة وأفضل عمل تقدم به في ذلك اليوم قربان تتقرب به إلى الله جل وعلا ودم تريقه حسبما أمرك الله جل وعلا وقد وضح لنا هذا نبينا صلى الله عليه وسلم وأمرنا به وبين لنا ما يترتب عليه من الأجور والمغانم والفضائل. اخوتي الكرام: الأضحية لها شأن عظيم فاستمعوا للأجر الذي يثبت لها في يوم النحر كما أخبر نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم ثبت في سنن الترمذي وابن ماجه والحديث رواه الحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن ورواه البغوي في شرح السنة عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما عمل أدمي يوم النحر عملا أنجى له من عذاب الله من دم يراق في سبيل الله، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلاعها وأشعارها حتى إن الدم ليقع عند الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً.

والحديث إخوتي الكرام: في إسناده كما قال أئمتنا الكرام سليمان بن يزيد الخزاعي الكعبي وحديثه مخرج في سنن بن ماجه والترمذي وقد حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه ضعيف وقال الإمام الذهبي في الكاشف وثق وقد حسن هذا الحديث الإمام الترمذي وغيره من أئمتنا وله شواهد كثيرة عن نبينا عليه الصلاة والسلام: ما عمل آدمي يوم النحر عملا أنجى له من عذاب الله من دم يراق في سبيل الله وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلاعها وأشعارها وإن الدم ليقع عند الله قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً ولذلك كان نبينا صلى الله عليه وسلم يطلب من آل بيته حضور الأضحية لأجل أن يفرحوا بما سيحصلون من الأجر العظيم عند الله الكريم. روى الإمام البزار في مسنده والحاكم في مستدركه والحديث رواه أبو الشيخ في كتاب الأضاحي من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه وفي رواية أبي سعيد هذه رضي الله عنه عطية بن سعد العوفي وهو صدوق ويخطئ كما قال أئمتنا وحديثه في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري وأخرج حديث أهل الكتب الأربعة إلا الإمام النسائي عليهم جميعا رحمة الله وهذا الحديث رواه البيهقي أيضا في السنن وأبو القاسم الأصبهاني في كتاب الترغيب والترهيب عن سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه والحديث في إسناده ضعف كما نص على ذلك الإمام المنذري في الترغيب والترهيب والإمام البيهقي في السنن عندما أخرج الحديث.

والحديث رواه أيضا الحاكم والبيهقي في السنن الكبرى والطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن عمران بن حصين رضي الله عنهم أجمعين وفي الاسناد ضعف وهذه الأحاديث الثلاثة من هذه الطرق الثلاثة قد حسنها أئمتنا فالإمام المنذري في الترغيب والترهيب يحكي تصحيح تحسين بعض شيوخه لحديث علي فقط وحديث أبي سعيد الخدري كما قلت مع الشواهد المتقدمة يرتقي إلى درجة الحسن بإذن الله ولفظ الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته الطيبة الطاهرة المطهرة سيدتنا فاطمة رضي الله عنها وأرضاها قومي فاشهدي أضحيتك فإن لك أن يغفر الله ذنبك بأول قطرة منها وإنها لتأتي يوم القيامة بلحمها ودمها قال في رواية علي رضي الله عنه وأرضاه وهي الرواية الثانية فيوضع في ميزانك سبعين ضعفاً. إذاً إخوتي الكرام: هذه الأضحية لها أجر عظيم عند ذي الجلال والإكرام والحديث لا ينزل عن درجة الحسن والقبول قومي فاشهدي أضحيتك فإن لك أن يغفر الله ذنبك بأول قطرة تقطر منها وإنها لتأتي يوم القيامة بلحمها وشعرها ودمها فيوضع في ميزانك سبعين ضعفاً فقالت فاطمة رضي الله عنها كما في الرواية الأول من رواية أبي سعيد هذا لنا خاصة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو للمسلمين عامة وفي رواية علي فقال أبو سعيد رضي الله عنه وأرضاه يا رسول الله هذا لكم خاصة آل البيت فأنتم أهل لما خصكم الله به أولك وللمسلمين عامة وفي رواية عمران بن حصين رضي الله عنهم أجمعين قال عمران بن حصين هذا لكم خاصة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم أهل لما خصكم الله به أو للمسلمين عامة.

فقال عليه الصلاة والسلام بل للمسلمين عامة سبحان ربي العظيم نِعَمٌ أنعم بها علينا عندما تراق هذه الذبيحة إستجابة لأمرنا ربنا تغفر ذنوب الإنسان بأول قطرة من دمها تقطر على الأرض سبحانك ربي ما أكرمك لا نحصي ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك إخوتي الكرام ينبغي أن يحرص المستطيع المقتدر عل هذه الأضحية وحذاري حذاري أن يفرط فيها أو أن يضيعها فقد حذرنا من ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم غاية التحذير. ففي مسند الإمام أحمد وسنن الإمام بن ماجه والحديث رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن ورواه الداراقطني في سننه أيضاً وهو في مصنف ابن أبي شيبه ورواه الإمام أبو يعلى في المسند من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من وجد سعة لأن يضحي فلم يضحي فلا يقربن مصلانا، والحديث صحيح لكن اختلف في رفعه وفي وقفه فوقفه عبد الله بن وهب عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه ولذل حكم الرفع فلا يقال من قبل الرأي ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يزيد المقرئ وقال أئمتنا إنه فوق الثقة فالحديث وقف على أبي هريرة وروي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ولذلك قال الإمام الحاكم عقيب هذه الرواية قال " والوصل زيادة ثقة فهي مقبولة والحديث صحيح ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم من وجد سعة لأن يضحي فلم يضحي فلا يقربن مصلانا وقد ذهب فقيه الملة الإمام أبو حنيفة رحمة الله ورضوانه عليه ووافقه على ذلك عدد من أئمتنا الكرام كإمام أهل مصر الليث بن سعد وإمام أهل الشام الإمام الأوزاعي وذهب إلى ذلك ربيعة شيخ الإمام مالك وإلى هذا القول ذهب بعض المالكية وهو قول للإمام المبجل أحمد بن حنبل أيضا رضوان الله عليهم أجمعين إلى أن الأضحية واجبة فمن كان مقتدرا ولم يضح فهو عاص آثم مرتكب للكبيرة ويجب عليه أن يضحي مهما طال الوقت فهي دين في رقبته لا تسقط عنه نعم إن ضحى هذه الأضحية في اليوم الأول وفي الأيام الثلاثة الآتية كما سيأتينا فقد حصل الأجر وإلا فعليه وزر وينبغي أن يعيد الأضحية ولو بعد عشرين سنة. فلا تسقط هذه الأضحية عند هؤلاء الأئمة الكرام بناءاً على القول بوجوبها فهي كالزكاة إذا لم تؤدها ولم تخرجها ومضى عليك سنوات وسنوات ينبغي أن تخرج هذا الحق الذي جعله الله في مالك وهكذا هذه الأضحية إخوتي الكرام لا بد من القيام بها فمن وجد سعة لأن يضحي فلم يضح فلا يقربن مصلانا والحديث كما قلت صحيح وغاية ما اختلف في رفعة وفي وقفه والمعتمد الرفع فهي زيادة ثقة وهي مقبولة وإذا كان كذلك فليس بعد هذا التحذير تحذير أن يزجر الإنسان عن حضور مصلى العيد وأن منع من مشاركة المسلمين في هذا اليوم البهيج لأنه فرط في أعظم شعائر هذا اليوم ألا وهي الأضحية التي ينبغي أن يتوب بها الإنسان إلى الله جل وعلا إخوتي الكرام هذه هي سنة المسلمين وهذا هو عمل المسلمين أضحيته.

ثبت في سنن الترمذي وبن ماجه بإسناد حسن أن رجلا جاء إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين فقال له الأضحية واجبة فقال له عبد الله بن عمر ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحى المسلمون بعده وجرت بذلك السنة فأعاد السائل قوله كعادة المتنطعين فقال أواجبة هي فقال ألا تعقل ما أقول ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحى المسلمين بعده وجرت بذلك السنة أي هذه هي سنة أهل الإسلام أن يذبحوا في هذا اليوم قربانا تقربا إلى ذي الجلال والإكرام ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحى المسلون بعده وجرت بذلك السنة فينبغي أن تلتزم بهذه الشعيرة الكريمة المباركة. وفي صحيح البخاري في كتاب الأضاحي باب بهذا الخصوص فقال باب سنة الأضاحي أي هذا سنة المسلمين وهذا عملهم وهذا هديهم وما ينبغي أن يتركوه ثم نقل قول عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال الأضحية سنة ومعروف أن هي سنة سار المسلمون عليها ولا يراد بالسنة هنا بما يقابل الفرض لا ثم لا سنة ومعروف أي هذا الذي سُنَّ لهم ومشوا عليهم وهذه عادتهم وهذه هيئتهم سنة ومعروف قال الحافظ بن حجر في الفتح وهذا الأثر عن عبد الله بن عمر وصله حماد بن سلمة في مصنفه رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين. إخوتي الكرام: إذا ينبغي ان نولي هذه الأضحية عناية عظيمة وما ينبغي أن نهمل أمرها كنا قادرين عليها وأما المعاني التي من أجلها شرعت هذه الأضحية والحكم التي فيها فكثيرة غزيرة يمكن أن نوجزها في ثلاث:

أولها: إحياء لسنة خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فقد شرع الله لهذا العبد الصالح خليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه هذا القربان وهذا الذبح يتقرب به إلى الله جل وعلا وفدى ربنا جل ووعلا به ولده إسماعيل على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه فنحن نحيي سنته وقد قص الله تعالى علينا أمره في سورة الصافات عندما سأل ربه أن يهب له من الصالحين "رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين".

وملخص القصة إخوتي الكرام أن الله جل وعلا أوحى إلى خليله إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام أن يذبح ولده الوحيد البكر سبحانك ربي الولد البكر محبوب وهو أحب الأولاد إلى والديه ثم بعد ذلك وحيد ولم يرزق إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه غيره ويؤمر بذبحه وإنما أراد الله جل وعلا هذا من أجل أن يبرهن على الإيمان التام في قلب الإنسان ومن أجل أن يحقق العبودية التامة في قلوب عباده لربهم جل وعلا ومن أجل أن يظهر مكانة خليله على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه والله إن قلبه لسليم كما شهد بذلك رب العالمين قلبه للرحمن ولده للقربان ماله للضيفان بدنه للنيران يحق لهذا الإنسان أن يتخذه الله خليلا على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أمره الله أن يذبح ولده في المنام وهي أقل مراتب الوحي كما قرر أئمتنا الكرام ولم ينزل في المنام شيء من القرآن على نبينا عليه الصلاة والسلام احتياط للوحي واستيثاقاً له إنما نزل بوحي جلي القرآن أما هنا يؤمر هذا العبد الصالح خليل الله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أن يذبح ولده بأضعف أنواع الأوامر يأخذ الأمر على ظاهره بلا تأويل يخرجه عن ظاهره ثم بلا تلكع ولا تذمر ولا تردد يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى ولا بد من الذبح لكن ليشارك الابن أباه في الطاعة قال يا أبت إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين لاخيار لي ولا لك ونحن ملك لله إنا لله وإنا إليه راجعون لا نتصرف في أموالنا ولا في أبداننا إلا على حسب ما يرضي ربنا سبحانه وتعالى ولذلك قال له افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين وانظر لهذا التواضع الكريم فأنا أسير في ركب عظيم كبير سار فيه صالحون قبلي يصبرون لله القدير ستجدني إن شاء الله م الصابرين فاغتنم الشيطان هذه الفرصة ولعله يوسوس إلى أم إسماعيل هاجر أو إلى الولد أو إلى الوالد في نهاية الأمر فجاء إلى الأم وهي أضعف

الثلاثة فقال لها ما تعملين أين سيأخذا إبراهيم ولدك إسماعيل قالت إنه أخذه لبعض حاجته قال لا إنه أخذه ليذبحه في المنجر في منى قالت وهل يذبح الوالد ولده علام سيذبح إبراهيم ولده قال يزعم أن الله أوحى إليه لا خيار لنا ولا كلام لنا فأموالنا وأنفسنا ملك لربنا جل وعلا ثم جاء إلى العبد الصالح إسماعيل إلى العبد الحليم على تبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال أما تعلم أين تذهب مع أبيك وأين يأخذك أبوك قال يأخذني لبعض حاجته قال لا ويحك إنه يريد أن يذبحك في منى قال وعلام يذبحني وهل يذبح الوالد ولده قال يزعم أن الله أوحى إليه في المنام بذبحك قال يحق له أن ينفذ أمر الرب جل وعلا فأتى إلى إبراهيم وقال يا إبراهيم أين تأخذ ولدك إسماعيل قال إلى حاجة قال لا إنك تريد أن تذبحه قال وعلام سأذبحه قال تزعم أن الله أوحى إليك بذبحه قال يجب علي أن أنفذ أمر الرب فلما آيس الشيطان اعترضه بعد ذلك في منى وأراد أن يحول بينه وبين المضي فرماه خليل الرحمن على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه بسبع حصيات وهي التي شرعت إحياءاً لتلك الذكرى الكريمة وتخليدا لشأن هذا العبد الصالح خليل الرحمن إبراهيم فلما توارى هذا الشيطان اللعين وذهب إلى مكان الحجرة الوسطى وأراد أن يحول بين إبراهيم وبين ذهابه رجمه أيضا بسبع حصيات فتوارى ثم لما ذهب إلى الحجرة الكبرى رجمه بسبع حصيات فتوارى ثم أضجع ولده إسماعيل وقال إسماعيل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه يا أبت إذا أردت أن تذبحني فكبني على وجهي لئلا ترى وجهي فتشفق علي عند الذبح وبعد ذلك شد رباطي لئلا أضطرب وأكفف ثيابك خشية أن ينتضح الدم على ثيابك فتراه أمي فتحزن وكان الأمر كما قال الله " فلما أسلما " استسلما لله ولتنفيذ حكمه " وتله للجبين " وبدأ خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام يعمل السكين في رقبة ولده إسماعيل على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه فلا تقطع

فقال الولد مالك يا أبت قال إنها له تمشي قال انحرني نحرا اضرب ضربا فأراد أن ينحره فتثنت فجاء الفرج من الله جل وعلا " وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وقربناه بفرج عظيم". إخوتي الكرام: فنحن نحيي سنة خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فهو أبونا وهو أب لنا ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل إخوتي الكرام ففي هذه الأضحية هذا المعنى وقد قرر أئمتنا الكرام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام أحمد رحمة الله ورضوانه عليه جميعا أن من نذر نحر نفسه أو ذبح ولده فينبغي أن يذبح شاه كما أفتى الله جل وعلا خليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه عندما ألزم بذبح ولده فدى بذبح عظيم فمن نذر أن ينحر نفسه أن يذبح ولده فيجب عليه أن يذبح شاه تقرباً إلى الله جل وعلى وهذا كما قلت الأئمة الثلاثة. وما خالف في ذلك إلا الإمام الشافعي رحمة الله ورضوانه عليه فقال هذا أنذر معصية ولا يجب الوفاء به وقول الجمهور فيما يظهر أقوى والعلم عد الله جل وعلا ومما يحقق قولهم أن الله جل وعلا شرع لنا العقيقة هذه النسيكة التي نقوم بها وشرعت في اليوم السابع من أجل الاطمئنان على سلامة المولود فكأنها فداء له وهكذا من نذر أن يذبح ولده أو أن ينحر نفسه فيفدي نفسه ويفك ولده من الذبح الذي نذره بأن يذبح شاة يتقرب بها إلى الله جل وعلا.

إخوتي الكرام: هذا المعنى نأخذه من الأضحية وعند هذا المعنى الأول أحب أن أقف وقفة يسيرة بعض السفهاء في هذه الأيام الذين يضحون بأنفسهم في طاعة الرؤساء والحكام عندما تعرض عليهم هذه القصة قصة خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه يستعظمون ما فيها ولعل بعض الحمقى منه لا يتورع أن يرمي خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه بالحماقة والسفاهة وقد قال هذا بعض السفهاء هذه الأيام قال الإنسان ينحر ولده الإنسان يذبح ولده أيها المخذول أيها المخذول يا من بعت نفسك في دنيا غيرك إذا كنت تبيع نفسك من أجل كرسي غيرك وترى هذا حسنا ألا ترى حسنا من نبي كريم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام أن يحقق أمر الله العظيم وان يذبح ولده طاعة لله جل وعلا: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم". وقد قال بعض السفهاء ممن يدرسون في إحدى الكليات في بعض البلاد وقد سئل عن سبب تسميته بإبراهيم قال هذا المخذول المجنون سماني أهلي باسم النبي المجنون إبراهيم الذي أراد أن يذبح ولده لرؤيا رآها في منامه أيها المخذول أيها العاتي أبها السفيه اعرف قدرك إذا كانت البشرية في هذه الأيام يذهب منها ألوف مؤلفة من أجل عروش الحكام ألا نذبح أنفسنا طاعة لربنا والله إننا نقدمها فهو الذي خلقها وستؤول إليه سبحانه وتعالى إن رؤيا الأنبياء وحي.

كما ثبت ذلك في المستدرك بسند صحيح على شرط الشيخين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال " رؤيا الأنبياء وحي " فالله أوحى إليه بذلك وهذا نص محكم فماذا بعد ذلك للإنسان نحوه إلا أن ينفذ وهذا الأثر الثابت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما روى عن جم غفير من أئمة التابعين وله حكم الرفع إلى نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه رواه عبد الرزاق في مصنفه ورواه عبد بن حميد في مسنده والطبري في تفسيره والإمام الطبراني في معجمه الكبير والأثر رواه الإمام ابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبيد بن عمير وهو من أئمة التابعين قال رؤيا الأنبياء وحي ثم تلا " إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى ".

والأثر رواه الإمام عبد بن حميد أيضا وبن المنذر عن قتادة رضي الله عنه وأرضاه بلفظ "رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئا في منامهم فعلوه " يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فاقظ ماذا ترى قال يا أبت إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين هذا المعنى الأول إخوتي الكرام نستفيده من هذا القربان الذي نتقرب به إلى ذي الجلال والإكرام يوم النحر والمعنى الثاني يريد ربنا جل وعلا أن نتعود الامتثال وأن نكون مطيعين لذي العزة والجلال ولا نتصرف في جميع شؤوننا إلا على حسب ما يريد ربنا سبحانه وتعالى فالله جل وعلا عندما أمرنا بالأضحية وفيها إخراج من المال وفيها توسعة علينا وعلى المسلمين فعلنا ذلك ولو فعلنا ما هو أكبر لحققناه وما ترددنا إذا كنا مؤمنين والذي يطيع الله في ماله يطيع الله في بدنه ويطيع الله في نفسه ولا يخرج عن شرعه في جميع أوقاته وأحيانه وهذا الإيمان أيها الاخوة الكرام لا بد من أن يوجد في نفس الإنسان وإلا فليس هو في عداد المؤمنين يقول الله جل وعلا: "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا. وإذا لآتيناهم من لدنا أجر عظيما ولهديناهم صراطاً مستقيما". ثبت في تفسير ابن أبي حاتم لما نزلت هذه الآية قال صديق هذه الأمة وخيرها بعد نبيها وصحبه صلوات الله وسلامه قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو أمرني الله بقتل نفس لقتلت نفس قال صدقت يا أبا بكر صدقت يا أبا بكر ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم واخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم وفي تفسير ابن أبي حاتم أيضا لما نزلت هذه الآية قال الصحابة الكرام لو أمرنا الله بقتل أنفسنا لقتلنا أنفسنا.

وفي تفسير ابن أبي حاتم لما نزلت هذه الآية أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن رواحة قال هذا منهم أي لو أمرت هذه الأمة بأن تقتل نفسها لهذا نفذ وأطاع عبد الله بن رواحة وفي تفسير بن أبي حاتم وغيره أيضا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال بعد أن تلا الآية بن أم عبد منهم وهو عبد الله ابن مسعود رضوان الله عليهم أجمعين. إخوتي الكرام: لابد أن نستحضر هذه المعاني ما لنا لا نتصرف فيه إلا على حسب شرع ربنا وأبداننا لا نتصرف فيها إلا على حسب شرع ربنا جل وعلا فهذا الذي نستفيده من الأضحية عندما نضحي فنحن من الله وإليه "إنا لله وإنا إليه راجعون" هذا الأمر الثاني إخوتي الكرام ينبغي أن نعيه وأن نستحضره عند الأضحية أيضاً وهذا الأمر من دعاة صار عبد الله حقا ولذلك عندما امتثلت الأمة أوامر الله في جميع شؤون حياتها حققت العبودية لله جل وعلا في نفسها أتم تحقيق. أنظر إلى أمين هذه الأمة أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه يقول نبينا عليه الصلاة والسلام كما في المسند والصحيحين من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه: "لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح" وأي أمانة أعظم بأن يضرب الإنسان رقبة أبيه في سبيل الله جل وعلا وأبو عبيدة رضي الله عنه وأرضاه هو الذي قتل أباه في موقعة بدر رضي الله عنه وأرضاه لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ليس بين أنفسنا وليس بين خلق ربنا صلة إلا على حسب شرع الله فنفوسنا رخيصة في سبيل الله وليس بيننا وبين أحد صلة إلا على حسب شرع الله هذا متى عندما نحقق العبودية لله جل وعلا فهذا المعنى ونحن نضحي ينبغي أن نستحضره إن مالنا لا نتصرف فيه إلا على حسب شرع الله وهكذا أبداننا وهكذا جميع شؤون حياتنا.

إخوتي الكرام: وهذا الحديث الثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام في الصحيحين والمسند من رواية أنس مروي من طرق كثيرة روى من طريق أبي بكر وابنته عائشة رضي الله عنهم أجمعين وروى من طريق عمر وابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وروى عن عبد الله بن مسعود وعن خالد بن الوليد وعن حذيفة ابن اليمان والحديث في درجة المتواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام " لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح " ولذلك لما طعن عمر رضي لله عنه وأرضاه كما في المسند والمستدرك قال لو كان ابو عبيدة حياً لاستخلفته على المسلمين من غير مشورة فإن سألني الله عن ذلك لأقولن ربي إني سمعت نبيك صلى لله عليه وسلم يقول " لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح ". وقد استخلف عليهم أمينا لكن أبا عبيدة رضي الله عنهم أجمعين توفي قبل عمر بن الخطاب فأبو عبيدة توفي في طاعون عمواس الذي وقع سنة 18 هـ رحمه الله ورضي الله عنه الأمر الثالث إخوتي الكرام ما ينبغي أن ينتبه له الإنسان عند الأضحية أن الأضحية شرعت أيضا توسعة على النفس وعلى الأهل وعلى المسلمين فأيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله المجيد فنذبح ونأكل ونتوسع ونوسع على غيرنا ونذكر اسم الله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام هذا أيضا مقصود في هذا اليوم الذي هو يوم الزيارة ويوم الضيافة ويوم البهجة والفرح والسرور في يوم العاشر من ذي الحجة إذا توسعةٌ علينا وعلى عباد الله وذكر لله جل وعلا في هذا اليوم على ما أحل الله لنا وتفضل به علينا: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيت للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ".

وهكذا يقول الله جل وعلا بعد آيات في نفس السورة من سورة الحج: "ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين". إذاً شرع الله لنا هذه المناسك هذه الذبائح لنوسع بها على أنفسنا وعلى غيرنا ونذكر اسم الله جل وعلا عند ذبحها ولنتحدث بنعمة الله وفضله علينا إخوتي الكرام هذه المعاني ينبغي أن نلخصها عند الأضحية وأما آخر ما يتعلق بأمر الأضحية هناك أحكام عيون مسائل في الأضحية ينبغي أن ننتبه لها أولا: الأضحية تكون من بهيمة الأنعام ليس إلا فهي من الضأن والمعز ومن البقر ومن الابل ولا تخرج عن ذل فلا يجوز التضحية بغير ذلك من الغزلان والأرانب والدجاج والبط وغير ذلك مما أحل الله لنا الأضحية تكون من بهيمة الأنعام فقط وهي الأزواج الثمانية التي ذكرها الله جل وعلا من الضأن اثنين ومن المعز اثنين والإبل والبقر ذكران أو إناث وذكران كل صنف أفضل من إناثه في الأضحية عندما يتقرب الإنسان بذلك إلى الله جل وعلا.

فالأضحية تكون من بهيمة الأنعام فإذا كانت الأضحية من الشياه والمعز ينبغي أن تكمل سنة وأن تطعن في الثانية من الضأن والمعز أن تكمل سنة وأن تطعن في الثانية أما في المعز بال خلاف أما في الضأن في المعتمد عند أئمتنا أن الجذعة من الضأن يجزئ وهو ما أكمل ستة أشهر وطعن في النصف الثاني من السنة الأولى لكن بحيث يكون حجمه كبيراً بحيث لو وضع مع من أكمل سنة لما تميز هذا خاص بجذع الضأن أما جذع المعز فلا يجزئ أبدا إذا كان من المعز لا بد أن يكمل سنة وأن يطعن في الثانية وإذا كان من الغنم والضأن فإذا أكمل ستة أشهر ودخل في النصف الثاني من السنة الأولي فيجزئ إن شاء الله وأما البقر ينبغي أن تكمل سنتين وأن تطعن في الثالثة فلا تصح الأضحية بها إذا لم تكن كذلك وأما الإبل فينبغي أن تكمل خمس سنين وأن تطعن في السادسة فلا يجزئ أيضا الأضحية بها إذا لم تكن كذلك هذا ما يتعلق بالتنبيه الأول من التنبيهات التي سأذكرها والأحكام التي ينبغي أن نعيها عند الأضحية هي من بهيمة الأنعام إن كانت من الضأن والمعز سنة وطعنت في الثانية وخصوص الضأن والغنم فقط إذا أكملت ستة أشهر ودخلت بعد ذلك في النصف الثاني من السنة تجزئ بشرط أن تكون كبيرة حقا وأما المعز فتكمل سنة والبقر تكمل سنتين والإبل لتكمل خمس سنين فكونوا على علم بشروط الذبيحة والأضحية الواحدة تكفي الإنسان عن نفسه وعن أهل بيته كثروا أو قلوا ولو كانوا مائة نفر ماداموا بيتا واحدا نفقته واحدة يشتركون فيه مهما كان فيه من أسرة وزوجات يكفيه شاه واحدة وأما البقرة تكفي عن سبع أضحيات فلو اشترك فيها سبعة لأجزأهم وهكذا الإبل وأما الشاه الواحدة وهكذا من المعز الواحدة تكفي الإنسان وأهل بيته كما ثبت ذلك من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

ثبت في سنن الترمذي وابن ماجه والحديث رواه الإمام البيهقي في السنة الكبرى ورواه الإمام مالك في موطأه وإسناده صحيح من رواية عطاء ابن السائب رحمة الله ورضوانه عليه وهو من أئمة التابعين وقال سألت أبا أيوب الأنصاري رضوان الله عليهم أجمعين عن وضع الأضاحي عندما كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو أيوب " كان الواحد منا يضحي بالشاه عن نفسه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصارت مباهاة " أي يذبحون شاتين وثلاث وأربعا وما زاد كنا نضحي بالشاة الواحدة فيضحي بها الإنسان عن نفسه وعن أسرته يأكلون ويطعمون ثم تباهى الناس بعد ذلك لكن هذه هي سنتنا عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم بيننا فالأضحية الواحدة كما قلت تجزئ عن الإنسان وعن أهل بيته ولهم جميعاً الأجر تام غير منقوص ورحمة الله واسعة وإذا اشترط أيضا سبعة أشخاص في بقرة أو في بدنة فيجزئهم بالشروط المتقدمة. الأمر الثالث: هذه الأضحية ينبغي أن تكون سالمة من العيوب فكل ما فيها عيب تمتهن به فتنقص قيمتها به وتعتبر هذا نقصا في خلقتها فلا يجوز التضحية إذاً بها كما ثبت ذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم.

ثبت في مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة والحديث رواه بن حبان في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده وغيرهم رحمة الله عليهم أجمعين عن البراء بن عازب رضوان الله عليه وعن الصحابة أجمعين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أربع لا تجزئ في الأضحية العوراء بين عورها والمريضة بين مرضها والعرجاء بين ضلعها يعني عرجها والكسرة التي لا تنفي وفي رواية والعجفاء التي لا تنقي أي ذهب مخ ساقها فهي ضعيفة هزيلة فكل ما فيه عيب لا يجوز التضحية به من عور ومن باب أولى من عمى من قطع إليه من ذهاب أكثر القرن وهكذا من قطع الأذنين من كسر فيها من من من كل ما يعتبر عيبا في البهيمة يٌنقص قيمتها ويكون عيباً فيها لا يجوز أن تضحي به فهذه أضحية تتقرب بها إلى الله جل وعلا فينبغي أن تكون كاملة تامة. روى الإمام الطبراني في معجمه الكبير بسند رجاله ثقات عن النعمان بن أبي فاطمة رضي الله عنه قال اشتريت كبشا أقرن أعين أملح فلما رآني النبي صلى الله عليه وسلم أسوقه قال هذا كأنه ذِبح إبراهيم أي هذا كالكبش الذي ذبحه خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قال بعض الأنصار فلما سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم أحضرت له كبشا بهذه المواصفات فذبحه النبي صلى الله عليه وسلم في أضحيته إذا إخوتي الكرام لا بد أن تسلم الأضحية من العيب وكلما كانت كاملة غالية سمينة كان أعظم لأجرك عند الله جل وعلا. ولذلك ثبت في موطأ الإمام مالك بإسناد صحيح عن عروة بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه أنه جمعت بنيه فقال يا بني هذه الهدي من البدن عندما تهدونها تخيروا الكرائم فيها فأحدكم لو أهدى الكريمة أي لمن هو عليه كريم لاختار له فالله جل وعلا أحق أن نختار له وهو أول سبحانه وتعالى عندما أمرنا بتعظيم هذه الشعيرة فينبغي أن تكون بصفة تامة كاملة لا نقص فيها.

الأمر الرابع: إخوتي الكرام وقت الذبح بالنسبة للأضحية يبدأ بعد الانتهاء من صلاة العيد فمن ذبح قبل صلاة العيد فهذا لحم يأكله هو وأهله وليس من النسك في شيء وعليه أن يذبح نسيكة أخرى بعد ذلك كما ثبت في المسند والكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربعة من رواية البراء بن عازب أيضا رضي الله عنهم أجمعين قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم النحر إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم يقدمه إلى أهله ليس من النسك في شيء فهذا أيضا ينبغي أن نعيه وأن الذبح لا يكون إلا بعد الانتهاء من صلاة العيد. الأمر الخامس: بالنسبة للأضحية إخوتي الكرام يستحب للإنسان أن يذبحها بنفسه وأن يباشر ذبحها إذا أمكنه وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند والكتب الستة عن حديث أنس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بكبشين موجوأين أملحين أقرنين على نبينا صلوات الله وسلامه فأضجعهما ووضع رجله الشريفة علية الصلاة والسلام على صفحتها ثم سمى وكبر وذبحها عليه الصلاة والسلام فإذا باشرت الذبح فهذا أفضل وإذا لم تباشر فلا أقل من أن تشهد الذبح وأن تراه من أجل إظهار شعائر الإسلام والابتهاج بها ولو ذبحت كما قلت لكان أفضل ويقوى في ذلك الرجل والمرأة وثبت في صحيح البخاري معلقا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه كان يأمر بناته أن يذبحن أضحيتهن بأيديهن والأثر وصله الحاكم في المستدرك بسند صحيح فلو ذبح الإنسان أضحيته رجلا أو امرأة لكان أولى وإذا لم يتمكن فلا أقل من أن يشهد الذبح وأن يحضره ولو وكل بالذبح عنه وهو حاضر أو غائب كل ذلك يجزئ.

الأمر الخامس: إخوتي الكرام أحب أن أنوه إلى أمر كثر السؤال عليه في هذه الأيام ألا وهو إرسال الأضاحي إلى بلدان أهل الإيلام لتذبح هناك لما في تلك البلاد من حاجة وفقر إن هذا عمل طيب وشعور حسن يثاب الإنسان عليه لكن ينبغي على المؤمن أن يجمع بالحسنيين المقصود من الأضحية كما قلت التوسعة على النفس والأسرة والأهل والجيران وإظهار شعائر الإسلام فما ينبغي لك أن تفرط في هذه الأضحية ثم بعد ذلك إذا أردت أن ترسل صدقة ليذبح عنك أضحية وأضحيتان وثلاثة وأكثر تقربا إلى الله وصدقة على عباد الله المحتاجين فهذا أعظم لأجرك عند رب العالمين اذبح أضحيتك هنا ولا بد من هذا تم بعد ذلك أرسل ما شئت ليذبح بالبلاد الأخرى من أضحية أو من مائة أضحية صدقة لله جل وعلا وإذا أردت ألا تكثر في الإرسال وما تريد إلا أن تذبح أضحية واحدة وتقول إما هنا وإما هناك فحقيقة إذا كانت الأضحية هنا تقرب قيمتها مثلا من ألف ريال مثلا لو أخذت واحدة متوسطة في حدود خمسمائة أو سبعمائة أو أو وأرسلت ما يزيد من قيمتها ليذبح في أضحية أخرى هناك لكان هذا أولى المقصود وينبغي أن تحافظ على هذا الشعور ألا وهو مساعدة عباد الله وأن تحافظ على هذه الشعيرة أيضا في بلدك وفي بيتك مع أهلك تعظيما لشعائر ربك ليعلم الأولاد أن هذا يوم عيد يوم بهجة أمر الله بهذه الأضحية ثم بين لهم هذه المعاني فيها هذا أيضا مقصود وإذا ما أردت أن ترسل إلى هناك إلا من هذه الأضحية فاجمع بين الحسنيين أضحية متوسطة وأرسل الزائد من القيمة إلى هناك ليذبح في أضحية أخرى وأما أن تمنع نفسك أو أسرتك من الذبح مطلقا ومن هذه الأضحية وتقول أرسل إلى مثلا أهلي في بلد آخر أو إلى الفقراء من المسلمين في بلدان أخرى كما قلت مع منزلة هذا الشعور وحسنه ينبغي أن يضم إليه الجانب الثاني.

ولذلك إخوتي الكرام: إن أمكن الإنسان أن يباشر الذبح بنفسه فليحرص عليه أو فليحضر أو فليوكل لكن لا بد من أن يذبح عنده في بيته إذا كان مستطيعاً وليرسل ما شاء إلى بلاد الله جل وعلا وأما آخر الأمور المتعلقة بهذه التنبيهات وعيون المسائل في الأضحية إذا ذبحت الأضحية فالمستحسن لك فيها ونحوها أن تأكل ثلثا وأن تدخر ثلثا وأن توزع على عباد الله ثلثا ما بين صدقة وهدية كما تريد ولو خالفت هذا فليس عليك حرج لو قدر أنك وزعت النصف أو أكلت الكل لكثرة أفراد الأسرة فلا حرج ولا يتعين عليك شيء تلزم به لكن إذا وزعت وتصدقت وأهديت فتقدم هذا بين يديك وهذا أعظم لأجرك عند ربك جل وعلا ثبت في المسند وسنن الترمذي بسند حسن من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح شاة وأمرهم بتوزيعها فقال لأمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها ماذا بقي منها فقالت ما بقي إلا كتفها فقال عليه الصلاة والسلام بقي كلها غير كتفها بقي كلها لأن ذاك الذي وزعناه بقي لنا عند الله جل وعلا إلا هذه الكتف لم يبق لأننا سنأكله ويفنى إخوتي الكرام هذه المعاني لابد من استحضارها عند الأضحية. أسأل الله أن برحمته أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أقول هذا القول وأستغفر الله الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسمل تسليما كثيرا. اللهم أغفر لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم ارحم أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم استر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم هلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم يسر على الحجاج حجهم وتقبل منهم وأغنهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلمك منا. اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم أغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات والحمد لله رب العالمين. الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

فضل الصلاة وذكر الله

فضل الصلاة وذكر الله (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان فضل الصلاة وذكر الله 12 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا ديننا قويما وهدانا صراط مستقيما وأصبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلٌ في كتاب مبين. "يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيننا عمياً وآذان صماً وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فق فاز فوزاً عظيماً". أما بعد: معشر الأخوة المؤمنين.. أشرف بقاع الأرض وأحبه إلى الله جل وعلا المساجد ففيها نور الله وهداه وإليها يأوى المؤمنون المهتدون وهؤلاء المؤمنون الذين يأوون إلى بيوت الحي القيوم في هذه الأرض وهي المساجد وصفهم الله جل وعلا بأنهم رجال ثم نعتهم بأربع خصال.

الخصلة الأولى: فيهم أنه لا تلهيهم الدنيا عن طاعة الله جل وعلا وعما أوجبه الله عليهم فهمه. الخصلة الثانية: يعظمون الله ويعبدونه يذكرونه ويوحدونه يقيمون الصلاة وهم يشفقون على خلق الله ويؤتون الزكاة ثم يستعدون بعد ذلك للقاء ربهم جل وعلا في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإيقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار. وقد مضى الكلام إخوتي الكرام عن الصفة الأولى وهي أن هذه الدنيا لا تلهي عباد الله المؤمنين والذي يعمرون هذه المساجد في هذه الحياة. وأما الصفة الثانية: فهم يذكرون الله جل وعلا ويصلون له نعم هؤلاء عرفوا الغاية التي من أجلها خلقوا وعرفوا الغاية التي من أجلها وجدت بيوت الله في الأرض – وجدت لذكر الله وعبادته والتفقه في دينه جل وعلا وللخضوع له ولعظمته جل وعلا فهم يذكرون الله في هذه البيوت ويصلون له سبحانه وتعالى. أما الذكر إخوتي الكرام: فقد تكلمت عليه بشيء من التفصيل عند قول الله حي وعلا في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وبينت شعائر الذكر والمعاني التي يحتملها الذكر في شريعة الله جل وعلا وأقول ما تقدم – على وجه الاختصار بشرط أن أذكر كلاما غير الكلام الذي تقدم عند تفسير أول الآية.

إخوتي الكرام: أما الذكر فهذا للإنسان كالماء للسمك فلا يمكن للإنسان أن يحيي بدون ذكر الله جل وعلا بقلبه ولسانه وقد وضح لنا نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة في الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت هذا حي كحال السمك في الماء عنده بهجة وحياة وذاك ميت قلبه خربٌ خربان. مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت ولفظ الإمام مسلم مثل البيت الذي يذكر فيه الله والبيت الذي لا يذكر فيه الله كمثل الحي والميت إذا هذا الذكر فيه حياة لقلوب المؤمنين الموحدين فهذه الدنيا لا تلهيهم عن ذكر رب العالمين. وهذا الذكر إخوتي الكرام: هو رأس الطاعات وروح العبادات فمن أجله شرع الله العبادات من أجل أن نذكره بها وأن نعظمه جل وعلا قال جل وعلا: "أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى ن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " +++ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون – ولذكر الله الذي يحصل في الصلاة عند التلذذ بمناجاة أكثر فائدة وأعظم منزلة من كون الصلاة تنهانا عن الفحشاء والمنكر. فالمصلي يحصل فائدتين في صلاته الفائدة الأولى: وهي المقصودة أيضا له أن قلبه يبتهج ونفسه تنشرح وصدره يتنور بمناجاة الله جل وعلا ولذكر الله أكبر – ثم يترتب على هذا أثر آخر إن هذه الصلاة تحصنه بعد ذلك من المنكر والفحشاء "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر" أكبر أثر ومنزلة وفائدة من كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

والآية تحتمل احتمالا آخر حق منقول على سلفنا الكرام ولذكر الله أكبر من سائر الطاعات وأفضل من جميع القربات فهو روح كل عبادة فكل عبادة روحها الذكر كما أن الروح التي نحيي بها البدن في هذه الحياة روح للبدن فروح العبادات بأسرها ذكر الله ومناجاته والتلذذ بالثناء عليه ومخاطبته ومناجاته سبحانه وتعالى ولذكر الله أكبر، أكبر من كل طاعة وهذا إخوتي الكرام على أن المصدر مضاف إلى الفاعل والمعاني كلها حق ثابتة ولذكر الله لنا عندما نذكره فالله جل وعلا تعهد وتكفل بذكر من يذكره "فاذكروني أذكركم" ولذكر الله لنا عندما نذكره أكبر وأعلى ن ذكرنا له فهو يذكرنا إذا ذكرناه ونحن عندما نذكره فهذا أعظم طاعاتنا ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون. وإذا أردت أن تعرف حقيقة هذا الأمر فاسمع كما قلت شيئاً لم يتقدم ذكره أخرج الطبري في معجمه الأوسط بسند رجاله وثقو كما قال الحافظ الهيثمي المجمع عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "لو أن رجلاً في حجرة دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل منه " لو أن رجلا في حجرة دراهم يقسمها جمع في حجرة الدراهم والدنانير وجلس يقسمها ويوزعها على عباد الله المحتاجين وآخر جلس يذكر الله ويناجيه لكان الذاكر لله أفضل منه والحديث بسند ورجاله وثقو وما ذلك إلا لأن القلب لا يحيى إلا بذكر الله – لا خير في صدقة ليس معها ذكر وتعظيم لله جل وعلا لا بد إذا من حياة القلب فإذا أحييت القلب يتصدق ويحسن لعبادة الله ويجاهد في سبيل الله ويحافظ على طاعاته فلا يدخلها رياء ولا عجب لو أن رجلا في حجرة دراهم يقسمها وآخر يذكر الله لكان الذاكر لله أفضل منه والطبراني في الأوسط بسند رجاله وثقو أيضا كما قال الحافظ الهيثمي في المجمع عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" ما من صدقة أفضل من ذكر الله، نعم عندما نذكر الله جل وعلا تتصدق على نفسك وتحيي قلبك فهذا الذكر لقلبك كالماء للسمك ما من صدقة أفضل من ذكر الله أفضل الصدقة ما تنفقه على نفسك ثم على من تعول ثم على عباد الله المحتاجين الآخرين فأنت بالذكر تتصدق على نفسك وتحيي قلبك ما من صدقة أفضل من ذكر الله ولذلك أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالإكثار من هذه العبادة من أجل أن يحيي قلب الإنسان فهذه العبادة ينبغي أن تكثر منها على الدوام ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان ورواه ابن السني في عمل ليوم وليلة ورواه عبد الله بن حميد في مسنده وغيرهم من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون. أي حتى يقول المنافقون عن الذاكر إنه مجنون وقد قيل هذا الأعقل الخلفية وأذكى الخلفية خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون وقالوا هذا عن أول رسل الله إلى أهل الأرض بعد أن حصل فيها الشرك وهو أول أولى العزم نبي الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه " كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر " اذكروا الله أكثروا من ذكر الله حتى يقول المنافقون عن الذاكر إنه مجنون والحديث إخوتي الكرام حسنه الحافظ بن حجر وليس في إسناده من حوله شيء عن الكلام الإدراج أبو السمح وهو من رجال السنن الأربعة وأخرج حديثه الإمام البخاري في الأدب المفرد وحكم عليه الحافظ في التقريب بأنه صدوق وحديثه إن شاء الله حسن نعم في روايته عن أبي الهيثم شيء من الضعف والكلام.

لكن كما قلت نص على تحسينه شيخ الإسلام الإمام أبو الفضل ابن حجر العسقلاني عليه جميعا رحمة الله أكثروا من ذكر الله حتى يقال مجنون وهذا الحديث وجد ما يشه له من طرق أخرى ففي حلية +++معجم الطبراني والحديث رواه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق في رواية ابن عباس رضي الله عنهما والرواية الأولى من رواية أبي سعيد وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا اذكروا الله حتى يقول المنافقون إنكم مراءون – اذكروا الله ذكرا كثيرا مستمراً طويلاً حتى يقول المنافقون إنكم مراءون. والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان والإمام أحمد في الزهد ورواه سعيد بن منصور في سنته لكن من رواية أبي الجوزاء مرفوعاً إلى خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه وأبو الجوزاء من التابعين فالحديث على هذا مرسل وخلاصة الكلام الحديث لا ينزل عن درجة الحسن أكثر من ذكر الله اذكروا الله ذكراً كثيرا – أكثروا من الذكر حتى يقول المنافقون عنكم إنكم مراءون وحتى يقول المنافقون عن الذاكر إنه مجنون فهؤلاء العباد لا تلهيهم الدنيا بما فيها من بيوع وتجارات عن ذكر رب الأرض والسموات. إخوتي الكرام: وتقدم معنا أن لفظ الذكر يطلق على أمرين على ذكر الله باللسان وبالقلب وهو خصوص الأوراد والأذكار ويطلق على ما هو أعم من ذلك على القيام بكل طاعة لله فمن أطاع الله فهو ذاكر لأن كل طاعة فيها ذكرٌ لله جل وعلا واستحضار بالقلب لعظمة الله جل وعلا وتلفظ باللسان بهذه العبارات التي يقوم بها فكل مطيعٌ لله فهو ذاكر لله وعليه قول الله جل وعلا: "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ".

إقامة الصلاة تدخل في ذكر الله قطعاً وجزماً فهي خصوص بعد عموم إنما خصها الله بالذكر لمنزلتها ولأهميتها في شريعة الله جل وعلا ففيها الذكر بجميع أنواعه وألوانه في الصلاة من أفضل الأذكار ألا وهو تلاوة كلام العزيز الغفار ثم من تسبيح وتحميد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه كل هذا يحصل في هذه العبادة ففيها الذكر الكامل التام بجميع أنواعه وأشكاله ولذلك خص الله هذه العبادة بالذكر فقال: "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله". وإقامة الصلاة - أما الصلاة إخوتي الكرام فالبحث فيها سيكون عن طريق عدة مراحل – المرحلة الأولى في بيان معناه اللغوي اختلف علمائنا الكرام من الفقهاء واللغويين عليهم جميعاً رحمة الله – هل لفظ الصلاة مشتق أو هو اسم علم وضع على هذه العبادة لم يشتق من شيء على قولين اثنين وعلى القول بالاشتقاق فاختلف أئمتنا في هذا الاشتقاق أيضاً على أربعة أقوال، أظهرها أولها: وهو أن لفظ الصلاة مأخوذ من صلى يصلي صلاة إذا دعا فالصلاة بمعنى الدعاء وإنما سميت الصلاة الشرعية التي هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير. مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة – إنما سميت صلاة بمعنى الدعاء لأن الدعاء جزء منها وبعض منها وركن من أركانها فأنت عندما تقرأ الفاتحة تدعوا الله وتسأل الله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الظالين وهكذا تثني على الله وتدعوه بعد ذلك بغيرها فبما انه يحصل في الصلاة دعاء لرب الأرض والسماء فقيل لها إنها صلاة وقد جاء لفظ الصلاة بمعنى الدعاء في آيات القرآن.

وحديث نبينا عليه الصلاة والسلام قال الله جل وعلا: "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" أي أدعو لهم وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أعطيت له الزكاة الصدقة ليصرفها في مصارفها يدعو للمتصدقين وللمزكين وصل عليهم أي أدعو لهم ومنه قول الأعمش: تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ... يارب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي حليت فاغتمض ... نوما فإن تجنب المرء مضجعا عندما احتضر فبدأت ابنته تدعو له يارب جنب أبي الأوصاب والوجعا عليك مثل الذي حليت أي ضل الذي دعوت فاسأل الله أن يجنبك الأوصاب والألم والأوجاع عليك مثل الذي حليت فاغتمض نوما فإن لجنب المرء مضجعا وقد ثبت هذا المعنى عن نبينا صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث أخرجه أهل السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى عن رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا دعي أحدكم فليجب، إذا كان مضطراً فليأكل وإن كان صائماً فليصل إذا دعي أحدكم إلى طعام ووليمة فليجب فإن كان مضطراً فليأكل وليطعم وإن كان صائما فليصل أي فليدعو لأهل البيت بالخير والبركة أجاب دعواتهم لكن ما أفطر فدعا لهم فخل الأنس والسرور. والحديث كما قلت إخوتي الكرام: في صحيح مسلم وغيره وإن كان صائماً فليصل والمراد من الصلاة الدعاء لأهل البيت بالبركة وليس المراد من الصلاة الشرعية كما فهم بعض العلماء فقال فليصل أي فليذهب إلى البيت الذي فيه الوليمة ثم ليصل ركعتين ولينصرف ليس المراد هذا كما وضحت رواية الطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا دعا أحدكم فليجب فإن كان مفطراً فليأكل وإن كان صائما فليدعوا بالبركة. وإن كان صائما فليدعوا بالبركة هذا هو معنى فليصل أي فليدعوا لأهل البيت بالخير والبركة.

وكما قلت إخوتي الكرام: هذا أرجح الأقوال على القول بالإشتقاق أن الصلاة بمعنى الدعاء صل يصلي صلاة دعا يدعو دعاء وهناك ثلاثة أقوال أخر قيلت في الإستقاق أذكرها على وجه الإيجاز وفيها كما قال أئمتنا العلم عند الله جل وعلا قيل إن لفظ الصلاة مأخوذاً من الصلاة وهو عرقٌ يكون في وسط الظهر ويكتنف ويفترق عند عجب الذنب فيكتنفه ويحيط بعجب الذنب الذي هو عظمة صغيرة عجب الذنب تكون في رأس العصعص من الإنسان في هذا المكان عظمة صغيرة وكل ما في الإنسان إذا مات يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب عرق وسط الظهر يقلل له الصلا باللام بعدها ألف بدون همزة الصلا هذا العرق يمتد وإلى أن يصل إلى عجب الذنب فيفترق ثم يكتنف عجب الذنب ويحيط به ومنه قول العرب للمصلي في المحلبة أي حلبة السباق بين الخيل قول العرب للمصلي وهو الذي يأتي بالدرجة الثانية مصلى والذي يسبق يقال له مجلى مصلى قال أئمة اللغة سمي الثاني التالي للمجلى سمي مصليا لأن رأسه ورأس فرسه رأس خياله عند صلوة المجلى أي يأتي ورائه ذاك سبق وهذا ورائه فرأسه عن صلوى أي عند جلوى السابق وعليه فالصلاة مأخوذة من الصلا – قال الإمام القرطبي وهذا الاشتقاق يفيد معنيين المعنى الأول من الصلا بمعنى المصلى الذي يأتي بعد المجلى أي هي تالية للإيمان وهي أعظم الواجبات بعد توحيد الرحمان كالمصلى والمجلى فعندنا أعظم حقوق الله على عباده توحيده لا إله إلا الله وحده لا شريك له ويلي التوحيد مباشرة له سبحانه وتعالى فالصلاة إذاً كأنها مصلى لذلك الأمر الأول الذي هو مجلى وهو توحيد الله جل وعلا وفي الاشتقاق كما قال الإمام الألوسي غرابة وبعد وقبله الإمام الرازي: وحقيقة إن القول فيه خفاءٌ وبعد.

والقول الثاني: على هذا سميت الصلاة صلاةً إذا كانت مأخوذة من الصلا قالوا لأن المصلى عندما يركع ويسجد ينثني صلواهُ أي هذان العرقان اللذان كما قلت صار إثنين عند عجب الذنب وأحاطا به واكتنفاه ينثنيان في حال الركوع السجود فقيل للصلاة صلاة لأن الإنسان يثني صلويه أي هذا العرق الذي تفرق إلى عرقين عند عجب الذنب فقيل إذا لهذه الصلاة صلاة لما يحصل فيها من انثناء الصلوين أي العرقين بعد أن كانا عرقاً واحداً وكما قلت الاشتقاق فيه بعد وقيل إن لفظ الصلاة – مأخوذٌ من الملازمة ومنه صلي بالنار إذا لازمها واحترق بها – تصلى ناراً حامية – تقاسى هذه النار مقاسةً لا خروج منها وعليه فيجب على الإنسان أن يلازم الصلاة وأن لا يهملها طرفة عين – وقيل إنها مأخوذة من التعديل ومنها صليت العود بالنار – إذا لينته بالصلاة – وهو لهب النار وحرها – فهكذا ينبغي أن يعدل الإنسان نفسه بالصلاة وأن يلازم الصلاة والصلاة تالية للإيمان وإذا سجد الإنسان ينثني صلواه ثم في الصلاة دعاءٌ والتجاءٌ إلى الله جل وعلا وهذه الأقوال الأربعة أظهرها كما قلت من حيث الاشتقاق اللغوي أولها والعلم عند الله جل وعلا وللأقوال الأخرين شواهد من كلام العرب وبسط هذا في كتب اللغة وكتب الفقه.

القول الثاني: الصلاة ليست مشتقة من شيء لا بمعنى الدعاء ولا الاشتقاقات الأخرى إنما هي اسم علم على عبادة معروفة ذهب إلى هذا الإمام أبو نصر القشيري وتبعه عددٌ من أئمة الإسلام ووجه تعليل هذا القول – أنه لم ينحل زمان من شريعة فما من أمة إلا وأرسل الله فيها مزيداً وما خلا تشريعٌ لأمة من الأمم من الصلاة وعليه هذا اللفظ اسم لهذه العبادة التي فرضها الله جل وعلا على الأولين والآخرين على عبادة المكلفين صلاة فهي اسم علم مرتجلٍ غير مشتقة من شيء كلفظ الحجر والشجر وغير ذلك هذا البحث اللغوي بقسميه سواء كانت مشتقة أو اسم علم مرتجل ليست مشتقة من شيء ولا يعنينا كثيرا إنما يحس بنا أن نعرف أهل اللفظ من حيث اللغة. أما المعنى الشرعي للصلاة بلا خلاف بين أئمتنا أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة فمفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليله التسليم هذه الصلاة إخوتي الكرام فريضة محكمة يكفر جاحدها. قرر الله وجوبها في آيات القرآن وقرر وجوبها نبينا عليه الصلاة والسلام في أحاديثه الصحيحة الحسان وأجمع على ذلك أئمة الإسلام فمن آيات القرآن التي تقرر وجوب الصلاة يقول الله جل وعلا في سورة البينة: "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة" ومن ذلك قول الله جل وعلا في سورة النساء: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" فرضا مؤقتاً محدداً في أوقاتٍ يجب أن تفعل هذه الصلاة فيها إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ومن الآيات أيضاً قول الله جل وعلا في سورة هود: "أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين".

أقم الصلاة والأمر للوجوب في أمرنا إلا بالإخلاص لله وتوحيده وتعظيمه عن طريق الصلاة والإحسان إلى عباده والشفقة عليهم عن طريق إيتاء الزكاة وهكذا كما قلت الصلاة فرضٌ مكتوبةٌ علينا للصلوات أوقات محددة ينبغي أن نفعلها فيها. وقد تواترت الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام بوجوب الصلاة وفرضيتها ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث في سنن الترمذي والنسائي وهو في أعلى درجات الصحة من وراية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا". وورود الأحاديث الكثيرة تبين فرضية الصلاة ووجوبها وأن من تركها يقاتل حتى يأتي بها ثبت في الكتب الستة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه والحديث متواتر روى عن عدة من الصحابة الكرام عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا حتى دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله.

والحديث أخرجه الشيخان من رواية ابن عمر رضي الله عنهما بزيادة أعرف أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا حتى دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله وتخصيص الصلاة بالذكر لأنها أعظم حقوق الله وتخصيص الزكاة بالذكر لأنها أعظم حقوق العباد وعليه ينبغي أن تقوم وبكل حق واجب لله أو للعباد والاتكال عليه كما ثنيت في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا حتى دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " وهذه فريضة ثابتة محكمة يكفرُ جاحدها كما دل على ذلك آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الصلاة مع أنها فريضة محكمة هي أفضل الطاعات وأعظم القربات نتقرب بها إلى رب الأرض والسموات.

وقد وضح هذا الأمر وقرره خير البريات نبينا محمد صلى الله علية وسلم ففي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والإمام الدارجي والحديث إسناده صحيح عن ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" استقيموا ولن تحصوا لي لن تطيقوا الإستقامة كما يريد الله منكم إنما ابذلوا ما في وسعكم والله غفور رحيم. استقيموا ولن تحصوا لن تطيقوا الاستقامة ولا يمكن للعبد أن يؤدي حق الرب ونحن خطئ في الليل والنهار ولا يسعنا إلا عفو العزيز الغفار سبحانه وتعالى استقيموا ولن تحصوا المعنى الثاني وهو حق استقيموا ولن تحصوا لن تستطيعوا أن تحصوا ثواب الاستقامة أن استقمتم فلذلك أجرٌ لا يخطر على بال أحدٍ منكم استقيموا فإن استقمتم لا يعلم أحدٌ مقدر ثوابكم إلا الله استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة خير الأعمال التي تتقرب بها إلى ذي العزة والجلال الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن. وهذا الحديث إخوتي الكرام الثابت من رواية نوبان عن نبينا عليه وعلى آله وأصحابه ومواليه الصلاة والسلام روى عن عدة من الصحابة الكرام أيضاً وهو حديث صحيح كما قلت رواه ابن ماجه والطبراني في معجمه الكبير من رواية أبي أمامة الباهلي ورواه ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ورواه الطبراني في معجمه الكبير أيضاً وفي معجمه الأوسط عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنهم أجمعين وعن عبد الله بن قراظ ولفظ حديث معجم الطبراني الأوسط " استقيموا ولن تحصوا واعلموا إن أفضل أعمالكم الصلاة إن خير أعمالكم الصلاة " فهذه الصلاة مع أنها فريضة محكمة هي أفضل عملٍ تتقرب به إلى الله جل وعلا.

ولذلك أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن هذه الصلاة إذا وقعت على الكيفية المطلوبة وأقامها الإنسان كما اشترط الله فيها "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة" إذاً أقامها كما أراد الله فهنيئاً له فصلاح الصلاة يستلزم صلاح سائر الأعمال وفساد الصلاة يترتب عليه فساد سائر الأعمال وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن هذه الحقيقة وبين لنا أن أول ما تحاسب عليه يوم القيامة من أعمالنا الصلاة فهنيئا لمن صلحت صلاته وشقاء لمن فسدت صلاته. ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه أهل السنن الأربعة ورواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن والحديث إسناده صحيح والحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وروى عن أبي قتادة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإذا صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر وفي رواية فإن صلحت صلح عمله كله وإن فسدت فسد عمله كله والحديث إخوتي الكرام كما قلت روي عن غير أبي هريرة رضي الله عنه روي عن أنس أيضاً وعن تميم الداري وروي عن عبد الله بن مسعود وعن عدد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وفي بعض روايات عبد الله بن مسعود إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة وإن أول ما يقضى به بين الناس يوم القيامة في الدماء وكنت وجهت هذا الحديث في المواعظ السابقة فقلت أول ما يحاسب عليه العباد من حقوق الله الصلاة وأول ما يحاسبون عليه من حقوق العباد الدماء فنسأل الله أن يسلمنا من الدماء وشرها وأن يجعلنا ممن يقيمون الصلاة حق الإقامة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتي الكرام: هذه لمحة مختصرة فيما يتعلق بلفظ الصلاة ومعناها وحكمها وفضلها – وأما إقامة الصلاة وقد اشترط الله هذا الأمر في الصلاة فقال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإيقام الصلاة ليس المطلوب من الإنسان أن يصلي فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون إنما المطلوب منه أن يقيم الصلاة وبذلك يزول الإشكال الذي يخطر في البال في كثير من الأحيان كيف تهدد المصلين بالويل لأنهم ما أقاموا الصلاة نعم حصلت منهم الصلاة لكن بدون إقامة لها فما معنى الإقامة – شاع في تعبير القرآن عند ذكر الصلاة واستفاض هذا أن يذكر الله الصلاة بلفظ الإقامة. والآيات في ذلك كثيرة وأخيرة أنظر أول آية ذكر الله فيها الصلاة في مطلع كتابه في أول سورة البقرة ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. إذاً يقيمون الصلاة وهكذا قول الله جل وعلا في سورة الأعراف: "والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة" إنك لا تضيع أجر المصلحين وهكذا أخبرنا الله عن عباده الطيبين وإذا مكناهم في الأرض يقيمون الصلاة قال تعالى في سورة الحج: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". وتقدمت معنا آية العنكبوت أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة والآيات في ذلك كثيرة منها قول الله جل وعلا في سورة فاطر: "إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة" – "ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير" وهكذا قول الله في نفس السورة بعد آيات: "إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور".

وهكذا أخبرنا الله عن هذه الفريضة أن المطلوب فيها إقامتها في هذه الأمة وفي الأمم السابقة فهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه يقول ما حكاه عن ربنا العظيم في السورة التي سماها باسمه بسورة إبراهيم: "ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة. فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" وقال ما أخبر الله عنه في آخر السورة: "ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء". وهكذا نبي الله موسى كليمه عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه أوحى الله إليه وإلى أخيه وإلى أخته بإقامة الصلاة فقال جل وعلا في سورة يونس: "وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة واقيموا الصلاة وبشر المؤمنين" وهكذا أخبر الله عندما أوحي إلى كليمه موسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه أمره أن يقيم الصلاة: "إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري" وهكذا عندما أوحي العبد الصالح لقمان ولده قال: "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه هن المنكر". والآيات في ذلك كما قلت إخوتي الكرام كثيرة كثيرة تطلب منا أن نقيم الصلاة لا أن نؤدي الصلاة فماذا يدل هذا اللفظ من دلالة معتبرة ينبغي أن نتصف بها ونسأل الله أن يجعلنا ممن يقيمون الصلاة حق إقامتها. إخوتي الكرام: لفظ الإقامة يقيمون الصلاة حق إقامتها إخوتي الكرام لفظ الإقامة يقيمون الصلاة من أقام إقامة يحتمل أربعة معاني كلها حق أقواها أولها وأذكر الأربعة واجمع بينهما الأمر الأول والمعنى الأول للفظ الإقامة لفظ الإقامة " توفيه الشيء حقه علماً وعمل " إذا وفيت الصلاة حقها علماً نظرياً فأتقنت أحكامها وعرفت أركانها وشروطها وسنتها ثم حققتها عملياً هذه إقامة الصلاة وساعد هذا قد يضرب بها وجهك قبل أن تسلم.

إذاً لابد من إقامة الصلاة توفيه الشيء حقه ملماً وعملا قال الله جل وعلا في سورة الرحمن: "والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغو في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" - وفو هذا الميزان حقه وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان وهنا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وتوفية الشيء حقه علماً وعملاً فإذا فرطت في شيء من معرفة أحكام الصلاة فما أقمت الصلاة وإذا فرطت شيئاً في أعمال الصلاة من أركانها وشروطها وواجباتها ومستحباتها فما أقمت الصلاة المطلوب هنا إقامتها لا تأديتها يقيمون الصلاة توفية الشيء حقه ولأجل هذا قال العبد الصالح سفيان واختلف في تعيينه أي السفيانين هو هل هو الثوري أو ابن عيينة والأثر رواه عنه الإمام البخاري في تفسيره سورة المائدة معلقا بصيغة الجزم دون أن يبين السفيانين هو وقال بعض العلماء إنه سفيان الثوري قال الحافظ ابن حجر لم أقف على ذلك موصولاً وإذا كان هذا القائل هو سفيان الثوري أو سفيان ابن عينية فكل منهما من أئمة الهدى والإرشاد يقول سفيان ما في القرآن آية أشد علي من هذه الآية أي آية قول الله في سورة المائدة: "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم". والإقامة هي توفية الشيء حقه علماً وعملاً فكأن الله يقول للأمم قبلنا لا اعتبار لكم ولا وزن ولا تقدير وأنتم هباءً منثورا إلا إذا وفيتم ما أنزل الله عليكم حقه علماً وعملاً وهذه الأمة يقال لها كما قيل للأمم السابقة وعليه فهم سفيان من هذه الآية المعنى الذي سأذكره يا أمة محمد على نبينا صلوات الله وسلامه لستم على شيء حتى تقيموا القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وإقامتهما توفيتهما حقهما علماً وعملاً وهنا كذلك إقامة الصلاة توفية الصلاة حقها الثلاثة مقبوله وأجمع بينهما إن شاء الله.

وقيل إن إقامة الصلاة مأخوذة من قامت في السوق إذا نفقت وراج ما فيها وعليه فينبغي أن تكون هذه الصلاة نافعة رائجة مرغوب فيها ويترتب على هذا المحافظة عليه في أوقاتها هذا هو الذي يفعله الإنسان في الشيء الذي يرغبه ويحبه ويحرص عليه ويتعلق به فينبغي أن تكون هذه الصلاة كأنها سلعة تعمل بها لله وهي سلعة غالية ترغب فيها وتحرص عليها وتتعلق بها كما يتعلق أهل السوق بسلعهم في بيعهم وشرائهم. قال الإمام القرطبي عليه رحمة الله وإلى هذا المعنى أشار عمر رضي الله عنه وأثر عمر مروي في موطأ الإمام مالك عندنا مع موسى عبد الله بن عمر عن عمر والأثر إسناده منقطع فنافع لم يدرك عمر رضي الله عنهم أجمعين لكن الأثر له شواهد مرفوعة متصلة إلى النبي عليه صلوات الله وسلامه ولفظ الأثر والحديث في موطأ مالك وهو الحديث الخامس في الموطأ أن عمر كان يكتب إلى عما له فيقول إن أهم أمركم عندي الثلة فمن حافظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع حفضهما علماً وحافظ عليها عملاً فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. فإذاً المعنى الثاني: إقامة الصلاة من قامت في السوق كما قلت – إذا نفقت وراج ما منها. والمعنى الثالث: أيضا حق معتبر إقامة الصلاة من قام بالأمر إذا جد فيه وبذل النشاط فيه ومنه قامت الحرب إذا اشتد لهما القتال فيها وعليه يجدون ويجتهدون في إقامة الصلاة على أكمل وجه. والمعنى الرابع: من إقامة الصلاة تأديتها وفعلها وإذاجمعنا بين الأمور الأربعة فأقول يؤدون الصلاة ويجدون في تأديتها برغبة ونشاط وحرص ثم بعد ذلك يكملون ما تستحقه الصلاة وما تريده علماً وعملاً فعلا خبراً فيحيطون بهذه الصلاة ويكملونها من كل جهة فحصلت هذه المعاني كلها وليس المقصود من إقامة الصلاة فعلها كما اتفق على ذلك أئمتنا.

ولو كان المراد من إقامة الصلاة فعل الصلاة كيفما كان لما عدل الله عن الأقصر إلى الأطول بدون فائدة لقال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وعن الصلاة لا داعي لإقام الصلاة وقال يقيمون الصلاة، يقول يصلون فالبليغ لا يترك أخصر الكلام الموجز إلى ما هو أطول إلا لقلته فيريد إذا من إقامة الصلاة هنا توفية الشيء حقه علماً وعملا إخوتي الكرام وإذا ما قام الإنسان بالصلاة علماً وعملاً على وجه التمام على هذه الحالة فقد جذعها ونقصها. ثبت في معجم الطبراني في الأوسط بسند حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة الكرام يقول أبو هريرة وأنا حاضر لو كان لأحدكم هذه السارية السارية في المسجد عمود جذع نخلة يقوم عليه في المسجد لو كان لأحدكم هذه السارية لكره أن تجدع أي أن تقطع أو يحصل فيها نقص لكره أن تجدع فكيف بالصلاة التي هي لله وأنتم تجدعونها أتموا صلاتكم فإن الله لا يقبل إلا تامة وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي لا يوفي الصلاة حقها علماً وعملاً فقد سرق منها وهذا أسرق السراق وأسوأ السراق عند رب الأرض والسماء. ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح بن خزيمة والحديث رواه الحاكم في المستدرك والطبراني في معجمه الكبير والحديث روي من رواية أبي قتادة رضي الله عنه وروى عن غيره من الصحابة الكرام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قالوا وكيف يسرق يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال لا يتم ركوعها ولا سجودها روي الحديث أيضا عن أبي هريرة وعن أبي سعيد الخدري وروى عن غيرهم من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أسوأ الناس سرقه الذي يسرق من صلاته قالوا وكيفي يسرق من صلاته يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال لا يتم ركوعها ولا سجودها.

إخوتي الكرام: لتحصل الصلاة على التمام وليحصل وصف الإقامة فيها لا بد من الكلام على أدائها في أوقاتها وعلى وجوب الخشوع فيها وعلى وجوب الخشوع فيها وعلى حفظ الحركات والسكتات فيها وألا يحرك الإنسان جوارحه وأعضائه وأن يطمئن في أركانها وأفعالها هذه الأمور ينبغي أن نتدارسها أسأل الله جل وعلا أن يسهل لنا مدارستها في موعظة آتية نه على كل شيء قدير كما أسأله أن يجعلنا ممن يقيمون الصلاة ويتلذذون بها وأن تكون صلاة تنهانا عن الفحشاء والمنكر إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول واستغفر الله. الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اللهم ارض عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أغفر لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفرج عن أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين اللهم أغفر لنا ماقدمنا وما أخرنا وما أعلنا وما أسررنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت. اللهم أغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمهم كما ربونا صغارا اللهم أغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن لمن أحسن إلينا اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين الحمد لله رب العالمين. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم "قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد".

فرحة العيد

فرحة العيد (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم فرحة العيد الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي صالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. (يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. (يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) . (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) . (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) . أما بعد: معشر الإخوة الكرام.. تعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام أيام استب شار وسرور بما من به عليها ربنا العزيز الغفور من الصيام والقيام في سيد الشهور وهذه الفرحة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأوقات ينبغي أن يقف عندها أهل العقول فأقول ومن الله التوفيق لأرشد الأمور.

معشر الإخوة المسلمين وحد الله بين عباده الموحدين في العقائد والأفكار وفي الأقوال والأعمال وفي المشاعر والأحاسيس في جميع الأحوال في السراء وفي الضراء فالله عقد بين عباده المؤمنين عقد الإخاء وأوجب لبعضهم على بعض النصرة والمحبة والولاء ولاغرو في ذلك فهم لله أولياء (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) . وقد وضح نبينا صلى الله عليه وسلم صلة المؤمنين ببعضهم وما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمنين في أحاديثه الصحيحة الكثيرة التي تقرر هذا الأمر فمن ذلك كما ثبت في الصحيحين وسنن الترمذي والنسائي والحديث رواه الإمام ابن حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مصنفه وهو من أعلى الأحاديث درجة من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه أن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك نبينا صلى الله عليه وسلم بين أصابعه لتقرير هذه الصورة الذهنية بالأمثلة الحسية. نعم إخوتي الكرام: هم كالبنيان المرصوص وهو كالجسد الواحد كما قرر نبينا صلى الله عليه وسلم هذا ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والحديث رواه أبو نعيم في حلية الأولياء والإمام أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى من رواية سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) . وفي بعض روايات الحديث (ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) . وفي بعض روايات الحديث في صحيح مسلم وغيره (المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله) .

هذا هو حال المؤمنين وحد الله بيننا كما قلت في العقائد والأفكار وفي الأقوال والأعمال وفي المشاعر والأحاسيس في جميع الأحوال وثبت في مسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام القضاعي في مسند الشهاب وأبو نعيم في الحلية وإسناده حسن بالشواهد من رواية سهل بن سعد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس) . إخوتي الكرام: وحد رب العالمين بين عباده الموحدين في العقائد والأفكار في الأقوال والأعمال في الأحاسيس والمشاعر في جميع الأحوال في السراء وفي الضراء وتحقيقا لهذا الأمر أمر الله جل وعلا أن تتوحد هذه الأمة من أولها لآخرها بقضها وقضيضها عن بكرة أبيها أن تتوحد تحت إمرة حاكم واحد تحت إمرة خليفة واحد يقودها من شرقها إلى غربها ومرد الأمور فيها إليه على حسب كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وله أعوان وأمراء في أقطار الأرض إنما ينبغي أن تتوحد الأمة في جيشها وفي بيت مالها وفي جميع أحوالها تحقيقا للوحدة التي عقدها الله بين عباده الموحدين في عقائدهم في أقوالهم في أعمالهم في مشاعرهم فإذا كان الرب الذي نعبده سبحانه واحد وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم الذي نتبعه واحدا وإذا كان الدين الذي ندين به واحدا وإذا كان البيت الذي نستقبله ونتوجه إليه واحدا فعلام تتعدد دويلات المسلمين إن هذا نذير بكل سوء مبين في العاجل وعند رب العالمين.

وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر الوخيم ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى والبغوي في شرح السنة من رواية سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) لأنه يريد أن يفرق الجماعة وأن يشق عصى الطاعة وأن يجعل الأمة شيعا وأحزابا ودويلات تتنازع فيما بينها والدولة الإسلامية ينبغي أن يقودها إمام واحد ينوب عن نبينا خير البرية عليه الصلاة والسلام في الحكم بين عباد الله بالشريعة الإسلامية ورواه اِلإمام البزار والطبراني في معجمه الأوسط بسند صحيح رجاله ثقات من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه كما في مجمع الزوائد في الجزء الخامس صفحة 198 في كتاب الخلفاء باب في النهي عن بيعة خليفتين والحديث رواه الإمام ابن عساكر عن سيدنا على وعن سيدنا العباس عم نبينا خير الناس عليه الصلاة والسلام.

وروى الإمام الطبراني في معجمه الكبير والأوسط بسند صحيح رجاله ثقات أيضا كما في المجمع في المكان المشار إليه عن التابعي الجليل سعيد بن جبير رضي الله عنه وأرضاه أن سيدنا عبد الله بن الزبير قال لسيدنا معاوية رضوان الله عليهم أجمعين: يا معاوية أنت حدثتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا كان في الأرض خليفتان فاقتلوا الآخر منهما) فهو من رواية أيضا معاوية وعبد الله بن الزبير يحدث معاوية بهذا ويذكره وفي السنن الكبرى للإمام البيهقي يقول روينا في حديث ثقيفة بني ساعدة وهي بيت للأنصار الأبرار اجتمعوا فيه بعد موت نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فجاءهم سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ومعه سيدنا عمر ومعهما سيدنا أبو عبيدة بن الجراح مع لفيف من المهاجرين وأخبروهم أن الخلافة ينبغي أن تكون في قريش فقال بعض الأنصار منا أمير ومنكم أمير فقال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه كما في السنن الكبرى للإمام البيهقي سيفان في غمد لا يصطلحان إذا أردت أن تجعل سيفين في غمد واحد إن السيفين سيتسلما ويتكسران وإذا أردت أن تجعل على الأمة خليفتين سيقتتلان ويتنازعان ويصبح بأس الأمة بينها وقال سيدنا أبو بكر خير هذه الأمة بعد نبيها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه مقالته الشهيرة: (لا يحل أن يكون على المسلمين خليفتان فهناك تترك السنة وتظهر البدعة وتعظم الفتنة وليس لأحد على ذلك صلاح) وتمت بعد ذلك البيعة لسيدنا أبي بكر من قبل المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم.

إخوتي الكرام: تحقيقا لعقد الإخاء الذي عقده الله بين أولياء رب الأرض والسماء أمرهم الله أن يكون الخليفة عليهم واحد يدير هذه الأمة وهو المسؤول عن جيوشها وعن بيت مالها وعن تدبير أمورها نعم له نواب وأعوان ينوبون عنه ويرفعون كل شيء إليه وهذه الأمة هي يد واحدة وهي وإن تعدد أفرادها فهي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وكالجسد الواحد الذي يكمل كل عضو فيه الآخر ولا يمكن أن يستغني هذا الجسد عن عضو منه وإذا فصلت اليد عن الجسد فلا قيمة لها فإن اليد لا تضرب إذا فصلت عن الجسد وإذا فصلت الرجل عن الجسد فلا تمشي وإذا فصلت العين عن الجسد فلا تبصر وإذا قطعت اللسان عن الجسد فلا يتكلم وحال الأمة في هذه الأيام فصلت أعضاؤها وقطعت أطرافها عن بعضها وإلى الله نشكوا أحوالنا. إخوتي الكرام: وقد قرر أئمتنا الكرام أن هذا الأمر الذي غاب عن كثير من الأذهان أنه واجب على أهل الإسلام أعني أن يكون عليهم خليفة واحد يقود هذه الأمة بجميع أجناسها وأشكالها واختلاف لهجاتها ولغاتها وأن يكونوا أخوة متحابين في الله رب العالمين هذا أمر واجب وهو مجمع عليه بين أئمتنا لا يخالف فيه إلا من كان ضالا نص على الإجماع إمام الفقهاء وسيد المحدثين الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه الرسالة صفحة 419 وقد حكى الإجماع غير واحد من أئمتنا الكرام انظروه في كتاب الأحكام السلطانية للإمام الماوردي وفي كتاب الأحكام السلطانية للإمام الفراء. ونقل الإجماع على ذلك الإمام ابن حزم في كتاب مراتب الإجماع وأقره على ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في التعليق على كتابه المسمى بنقض مراتب كتاب الإجماع وحكى الإجماع على ذلك شيخ الإسلام الإمام النووي في شرح صحيح مسلم في الجزء الثاني عشر صفحة 32 فقال اتفق أهل العلم على أنه لا يجوز أن تعقد الخلافة لخليفتين في وقت واحد في بلدين سواء كانا متباعدين أو متقاربين.

والله جل وعلا يقول في كتابه في سورة الأنبياء: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ويقول جل وعلا في سورة المؤمنون: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون) . والمراد من الأمة هنا الملة والشريعة والدين ولفظ الأمة كما يأتي بمعنى الدين يأتي بمعان أخرى حاصلها أنه يأتي على خمسة معان في كتاب الله تعالى أولها ما ذكرت ويأتي لفظ الأمة بمعنى الجماعة والفرقة والقطعة ومنه قول الله جل وعلا: (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون) ومنه قول الله جل وعلا: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) ومنه قول الله جل وعلا: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) . ويأتي لفظ الأمة بمعنى الحين والبرهة والزمن وقد استعمل هذا في مكانين من كتاب الله عز وجل في سورة هود: (ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه) وفي سورة يوسف: (وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبؤكم بتأويله فأرسلون) . ويأتي بمعنى الإمام المقتدى به الذي يعدل أمة من الأمم قال الله عز وجل في سورة النحل: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين) على نبينا وعلى خليل الله إبراهيم وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه والمعنى الخامس للفظ الأمة يأتي بمعنى الصنف ومنه قول الله جل وعلا في سورة الأنعام: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) في المأكل وفي المشرب والتمييز بين ما ينفعها مما يضرها ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى إلا أمم أمثالكم تأكل وتشرب وتعرف ربها وتعرف مالكها وتعرف عدوها من صديقها هكذا الطيور وهكذا الحيوانات الأخرى. وهكذا بنو آدم إخوتي الكرام: وأيام العيد أيام تتوحد فيها المشاعر بين عباد الله المجيد أيام فرح أيام سرور وقد أقر نبينا صلى الله عليه وسلم هذا المعنى وأرشد المسلمين إليه.

ففي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والحديث في صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ورواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى والبغوي في شرح السنة وعبد بن حميد في مسنده والإمام الفريابي في كتاب أحكام العيدين والحديث صحيح كالشمس صححه الإمام الحاكم ووافقه الإمام الذهبي وصححه الإمام البغوي في شرح السنة وصححه الحافظ ابن حجر وأئمة الإسلام على هذا ولفظ الحديث من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وللأنصار يومان يلعبون فيهما فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما هذا فقالوا يا رسول الله يومان كنا نلعب فيهما في الجاهلية فنحن نلعب فيهما في الإسلام فقال نبينا عليه الصلاة والسلام إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى) . نعم إخوتي الكرام: إظهار البشر والسرور في أعياد المسلمين هذا من الدين ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ولذلك أمر المسلمون بأجمعهم أن يحضروا صلاة العيد ليشاركوا في هذه الفرحة التي من الله بها على عباده بعد صيامهم وقيامهم أو بعد يوم عرفات الذي له شأن عظيم عند رب الأرض والسموات ينبغي أن يشارك الجميع الصغار والكبار النساء والرجال حتى أهل الأعذار ينبغي أن يشاركوا في صلاة العيد فالنساء الحيض يشهدن الخير ودعوة المسلمين لكنهن يعتزلن الصلاة فلا يصلين لكن ينبغي أن يحضرن في هذه الفرحة التي فيها إظهار شعائر الله وذلك من تعظيم الله جل وعلا. إخوتي الكرام: وتحقيقا للفرحة في أيام العيد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ننزع منا أيام العيد كل ما يشر إلى شدة إلى غلظة إلى قتال فإظهار السلاح أيام العيد مما ينبغي أن لا يحصل في بلاد المسلمين فالسلاح يشير إلى الرهبة يشير إلى الشدة وهذه أيام فرح أيام سرور ما ينبغي أن يوجد فيها ما يشير إلى شدة ولا إلى رهبة.

وقد ثبت في أصح الكتب بعد كتاب الله في صحيح البخاري في كتاب أحكام العيدين باب بهذا الخصوص فقال باب ما يكره من حمل السلاح في العيد وفي الحرم ثم روى معلقا بصيغة الجزم عن إمام التابعين الحسن البصري عليه وعلى أئمتنا رحمة رب العالمين أنه قال: (نهوا عن حمل السلاح أيام العيد إلا أن يخافوا عدوا) قال الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء الثاني صفحة 455 في شرح هذا الأثر يقول لم أجد هذا الأثر موصولا وإن نقله عن الحسن الإمام ابن المنذر عليهم جميعا رحمة الله نعم ثبت هذا الأثر وروى مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام في سنن ابن ماجه من رواية سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لكن بإسناد ضعيف قال عبد الله بن عباس: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس السلاح في العيدين في بلاد المسلمين إلا أن يكونوا بحضرة العدو) والحديث رواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه مرسلا من رواية الضحاك بن مزاحم إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وإسناده ضعيف أيضا لكن هذا المعنى ثابت. وكما نهي المسلمون عن حمل السلاح أيام العيدين نهوا أيضا عن حمل السلاح في الحرمين فذاك مكان آمن يقصده كل أحد من كل فج عميق فيأتي إلى هذا المكان العجوز والبكر والرجل الضعيف فإذا رأى صورة السلاح في رؤية صورة السلاح ما فيها وهذا ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ففي صحيح مسلم والسنن الكبرى للإمام البيهقي من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس السلاح بمكة) .

وثبت في مسند الإمام أحمد من رواية جابر بن عبد الله أيضا وفي الإسناد عبد الله بن لهيعة وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لأحد أن يحمل فيها سلاحا لقتال) يعني في المدينة المنورة على منورها الصلاة والسلام فكما أنه لا يجوز أن يلبس السلاح بمكة لا يجوز أن يحمل السلاح في مدينة خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه ويستوي في ذلك الكان الغريب والمستوطن كما أخبر عن ذلك ربنا الرحمن: (سواء العاكف فيه والباد) وكل من آذى عباد الله في ذلك المكان فخصمه ذو الجلال والإكرام وإيذاؤه لعباد الله في حرم الله من الإلحاد في حرم رب العباد يقول ربنا جل وعلا (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) . إخوتي الكرام: هذه المعاني ينبغي أن ترسخ في أذهان المسلمين وإذا أمرنا أن نظهر البشر والسرور في أعياد المسلمين فقد حذرنا غاية التحذير نهانا اللطيف الخبير عن المشاركة في أعياد الجاهلية وعن إظهار البشر والسرور في تلك الأعياد الغوية في أعياد المشركين وفي الأعياد الوطنية التي انتشرت بين المسلمين وفي أعياد الميلاد وفي غير ذلك من البلاء الذي حصل بين العباد من أعياد الجلوس وغير ذلك مما تعارف عليه الناس في هذه الأيام وكلها أعياد باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ولا ينبغي للمسلم أن يشارك فيها وإذا شارك فالويل ثم الويل له.

يقول الله جل وعلا في صفات عباد الرحمن في آخر سورة الفرقان: (وعباد الحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وعدد ربنا أوصافهم ثم قال: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما) وكلمة يشهدون تحتمل معنيين كل منهما ثابت عن سلفنا الكرام المعنى الأول لا يشهدون من الشهادة وعليه لا يشهدون في الزور ولا يزورون ولا يكذبون عندما يدلون بشهادتهم إنما يتكلمون بالحق والزور سمي زورا من الزور وهو الميل لأن فيه ميل عن الحق وانحراف عن صراط الله المستقيم والمعنى الثاني لا يشهدون بمعنى لا يحضرون ولا يتواجدون فهو من الشهود لا من الشهادة التي هي بمعنى إدلاء الشهادة والزور قيل مجالس النياحة والمآتم والغناء مجالس الباطل كما ثبت هذا عن جم غفير من التابعين منهم العبد الصالح مجاهد بن جبر رضي الله عنه والنياحة الذي قال بذلك الحسن البصري وغيره وقال عبد الله بن عباس والإمام الضحاك رضي الله عنهم أجمعين لا يشهدون الزور أعياد المشركين نعم من شارك في تلك الأعياد الجاهلية فهو جاهلي.

يقول العبد الصالح أحمد بن حفص وهو من علماء الحنفية الكبار وقد ولد في السنة التي مات فيها فقيه هذه الملة المباركة سيدنا أبو حنيفة النعمان سنة 150 وتوفي سنة 217 هـ وقد ترجمه الإمام الذهبي في السير في الجزء العاشر صفحة 157 وقال إنه شيخ الإسلام وإمام العلماء في بلاد ما وراء النهر وهو من العلماء الربانيين ويقول كما في الجواهر المضية في طبقات السادة الحنفية في الجزء الرابع صفحة 37 (لو أن رجلا عبد الله خمسين سنة ثم أهدى بيضة لمشرك في يوم عيده تعظيما لذلك اليوم فقد كفر بالله وحبط عمله) وهذا الكلام نقله حذامي المحدثين وأمير المؤمنين الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء الثاني صفحة 442 وهو الذي يقال له أبو حفص الكبير الإمام البخاري شيخ الإسلام وإمام العلماء في بلاد ما وراء النهر وهو من العلماء الربانيين يحكي عن نفسه أنه رأى نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه رآه في الرؤية ويلبس قميصا وبجنبه امرأة تبكي فقال لها نبينا عليه الصلاة والسلام يا أمة الله لا تبكي علي فإذا مت فابكي) فاستيقظ أحمد بن حفص أبو حفص وما استبان له وجه الرؤيا فذهب إلى والد الإمام البخاري إسماعيل بن إبراهيم وعرض عليه هذه الرؤيا فقال تأويلها أن السنة لازالت قائمة بعد والنبي عليه الصلاة والسلام يقول لها إذا ضاعت السنة وظهرت البدع في ذاك الوقت ابكي وتأثري من الخلل والضلال والزلل الذي حصل وأما أنا فإن غيب جسدي فلازالت سنتي بين العباد. وقد عده عدد من أئمتنا مع اثنين معه في زمانه من المجددين للقرن الثالث الهجري هو وأمير المؤمنين أبو عبد الله البخاري والثالث هو أبو إسحاق أحمد بن إسحاق السرماري وقد عند أبي داود ومستدرك الحاكم.

والحديث رواه الإمام الخطيب في تاريخ بغداد والطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي في كتاب المعرفة للسنن والآثآر وإسناد الحديث صحيح قال الحافظ ابن حجر في كتابه توالي التأسيس في مناقب شيخ الإسلام الإمام الشافعي في صفحة 49 إسناده قوي وقد روى الحديث أيضا الإمام البيهقي في مناقب الإمام الشافعي عليهم جميعا رحمة الله في الجزء الأول صفحة 55 من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها) يقول الليث بن نصر الشاعر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا اجتمعنا وتذاكرنا هذا الحديث وقلنا من يكون علم الزمان ومجدد هذا الزمان في هذا القرن الذي نعيش فيه في القرن الثالث للهجرة يقول فقلت لهم وبدأت به أول المجددين وأول من ينطبق عليه هذا الحديث الإمام أبو حفص الكبير قلت ومن مثله في ورعه وفي فقهه. ثم تدارسنا من يكون بعده فقلت الإمام أبو عبد الله البخاري ومن مثله أيضا في ورعه وفي معرفته للحديث بطرقه وعلله ثم تذاكرنا من يكون بعده فقلت أبو إسحاق أحمد بن إسحاق السرماري وكانت وفاتهم على ترتيبهم سنة 217 هـ، 256 هـ، 242 هـ عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه إخوتي الكرام أما ترجمة الإمام البخاري فلن أذكر عنها شيئا فهو أشهر من جبل على رأسه علم ونار فهو سيد المحدثين في هذه الأمة وهو الذي نتبرك بذكره ونتقرب إلى الله جل وعلا بحبه وأما الإمام أبو حفص فقد ذكرت ما أزين به هذا المجلس وما نستنزل به رحمة الله من أحواله ومكانته.

وأما الإمام أحمد بن إسحاق السرماري فلعل كثيرا منكم ما سمع باسمه قبل هذه الموعظة سأذكر لمحة موجزة من أخباره ومكانته رحمة الله ورضوانه عليه فإذا قدم أبو حفص لفقهه وورعه وقدم البخاري لفقهه وورعه ومعرفته بالحديث قدم أبو إسحاق السرماري لورعه وديانته وبطولته وشجاعته رضي الله عنه وأرضاه قال الإمام البخاري في مجلسه وقد روى عن أحمد بن إسحاق السرماري في صحيحه فهو من شيوخه قال ما رأيت مثل أبي إسحاق السرماري في الشجاعة والنجدة والمروءة فخرج بعض الحاضرين وقابل رئيس المطوعة أي رئيس فرقة الجيش والمسؤول عن الجيش في ذلك الوقت ونقل له كلام الإمام البخاري فكأن ذاك وقع في نفسه ما يقع في نفس بني آدم هذا الإمام البخاري يفضل واحدا من المشايخ عليه في جهاده وفروسيته وتدبيره لأمور الحرب فجاء للإمام البخاري وقال أنت تقول ما رأيت مثل أبي إسحاق السرماري في الإسلام قال ما قلت هذا إنما قلت لا يعلم أحد مثله في الفروسية والشجاعة والنجدة في الجاهلية والإسلام ـ كان مع بعض المؤولين في بلاد الكفر يفاوضون أمير تلك البلاد من الكفرة واسمه جعبويه من أجل إطلاق بعض الأسرى فعرض ذلك الأمير الكافر جيش الكفر أمام هذين المبعوثين ومر رجل يتبختر فقال جعبويه للمبعوثين من قبل دولة الإسلام إن هذا المقاتل يعدل ألف رجل عندي فقال أبو إسحاق لرفيقه ماذا يقول جعبويه قال يقول إنه يعدل ألف مقاتل قال أنا أبارزه فقال جعبويه الكافر لهذا المبعوث من قبل الدولة ماذا يقول من معك قال يقول إنه يبارز هذا القائد الذي يعدل ألفا من المقاتلين عندك قال هل صاحبك سكران شرب الخمر ولايعي ما يقول قال هذا من شيوخ المسلمين ولا يسكر قال إن لم يكن سكران فهو مغرور فقال أبو إسحاق الموعد بيننا غدا يأخذ أهبته ونلتقي للمبارزة فالتقى أبو إسحاق بمفرده مع جيش الكفر في اليوم الثاني يتقدمهم الذي يعدل ألف فارس ثم برز أبو إسحاق لهذا البطل المغوار من الكفرة الأشرار

فلما برز له ذاك هرب أبو إسحاق أمامه حتى فصله عن الجيش بعيدا ثم ضربه بعمود كان معه فقطعه نصفين وكان أبو إسحاق يحمل عمودا وما فارفه هذا إلا عندما شاخ فخفف وزنه يزن ثمانية عشر منا والمن يساوي رطلين والرطل عند السادة الحنفية 455 غراما وعليه العصا التي يحملها يزيد وزنها على سبعة عشر كيلو وأما الرطل عند السادة المالكية فهو 56ٍ322 غراما وأما عند السادة الشافعية والحنابلة 324 غراما وعليه على تقدير الشافعية والمالكية والحنابلة لا تقل عن أحد عشر كيلو يحملها بيده عمود فلما شاخ حمل عمودا وزنه أربعة وعشرين رطلا فلما علم جعبويه بالأمر أرسل خمسين فارسا في طلبه فهرب أمامهم وجلس تحت أكمة في منخفض التل فكان كلما رقى واحد ونزل لأجل أن يلحق أبا إسحاق ضربه بالعمود فقطعه نصفين فقتل تسعة وأربعين ثم قبض على مكمل الخمسين فقطع أنفه وأذنيه وقال لو أنه بقي غيرك لقتلتك لكن اذهب وأخبر جعبويه ومن معكم خبر المسلمين. انظروا ترجمته العطرة الطيبة في سير أعلام النبلاء في الجزء الثالث عشر صفحة 37 فما بعدها يقول الإمام الذهبي عليه وعلى أئمتنا في مطلع ترجمته هو الإمام الزاهد العابد المجاهد فارس الإسلام ثم أورد له قصة عجيبة غريبة يقول فيها أخرج أبو إسحاق السرماري سيفه فقال أعلم يقينا أني قتلت به ألف كافر وإن عشت قتلت به ألفا أخرى ولولا خوفي أن يكون بدعة لأمرت أن يدفن معي ثم ختم الإمام الذهبي بقوله أخبار هذا الغازي تسر قلب المسلم ثم قال إنه كان مع فرط شجاعته من العلماء العاملين والعباد الزاهدين رحمة الله عليه وعلى أئمتنا أجمعين.

إخوتي الكرام: وأيام العيدين التي نبتهج فيها ونسر بما من الله علينا من الخيرات والفضائل والأجور أيام تجمع مقاصد الدين بأسره وكنت ذكرت مرارا أن دين الله يقوم على دعامتين اثنتين تعظيم لله وشفقة على خلق الله ومقاصد الأعياد في الإسلام تجمع هذين الأمرين فعيد الفطر سبقه شهر رمضان شهر الصيام والقيام وشهر تعظيم الرحمن شهر الجود والإحسان ومساعدة المحتاجين من الأنام أما يوم الفطر ففيه أيضا هذان الأمران ففيه تكبير ذي الجلال والإكرام (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) وما أعلم ماذا أصاب المسلمين في هذه الأيام كأنهم يستحون من تكبير ذي الجلال والإكرام وكأن أصواتهم صارت عورة في هذه الأيام يذهب أحدهم إلى المصلى وهو أخرس ويذهب إلى صلاة الفجر وهو أخرس ويدخل هلال شوال وهو أخرس وكأنه ما حل على المسلمين يوم يكبرون فيه الله العظيم والله لو عقلنا منزلة هذا اليوم لدوت أصواتنا بالتكبير وارتجت الجدران على من عليها بتكبير ذي الجلال والإكرام لكن الأمة في هذه الأيام تستحي من الفضيلة وتجهر بالرذيلة وفيه بعد ذلك مواساة وصدقة الفطر ومساعدة لعباد الله المحتاجين. فمقاصد العيد عندنا تقوم على مقاصد دين الله المجيد من تعظيم لله وشفقة على عباد الله وهكذا عيد الأضحى المبارك فقبل يوم العيد الحجاج يتجردون لله المجيد في أيام المناسك وقضاء المناسك التي عليهم ألسنتهم تجهر بالتلبية والتهليل والتعظيم لله ومن عداهم يصومون يوم عرفات ويعظمون رب الأرض والسموات وما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله عز وجل من عشر ذي الحجة أيام مباركة حصل فيها تعظيم لله وحصل فيها شفقة على خلق الله فبر الحج طيب الكلام وإطعام الطعام عظمت الله وأحسنت إلى عباد الله.

وأما يوم الأضحى ففيه التكبير أيضا من دخول يوم عرفة نكبر إلى عصر آخر أيام التشريق تعظيم لله وثناء عليه وفيه تقرب إلى الله بالأضاحي والهدي ونأكل منها ونطعم البائس الفقير ففي ذلك تعظيم لله وشفقة على خلق الله وصدق الله إذ يقول: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) ولذلك كانت التحية بيننا أيام العيد أن يذكر بعضنا بعضا بمنة الله عليه وإحسان الله إليه وفضل الله عليه فيقول المسلمون لبعضهم إذا تلاقوا تقبل الله منا ومنكم. روى الإمام المحاملي وهو الحسين بن إسماعيل المحاملي الذي توفي سنة 330 هـ بسند صحيح كما نص على ذلك الإمام ابن حجر في الفتح في الجزء الثاني صفحة 446 عن جبير بن نفير وهو من أئمة التابعين الكرام الأبرار ثقة إمام فاضل مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم يرى نبينا عليه الصلاة والسلام وحديثه في الأدب المفرد للإمام البخاري وصحيح مسلم والسنن الأربعة وقد توفي سنة 80 هـ وقيل بعدها يقول: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا أيام العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك) . وهناك بعض الآثار المرفوعة في مجمع الزوائد انظروها في الجزء الثاني صفحة 206 وفي فتح الباري في المكان المتقدم أسأل الله أن يتقبل منا برحمته وفضله وأن يقبلنا وأن يجعل أيام العيد أيام جائزة لنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله. الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام: من ألقى نظرة إلى المسلمين في هذه لأيام حقيقتا يتفطر كبده ويتقطع قلبه وإلى الله نشكوا أحوالنا ضعفت صلتنا بربنا وفسدت علاقاتنا فيما بيننا فلا لله عظمنا ولا على الخلق أشفقنا وإذا ابتليت الأمة بذلك فلا وزن لها ولا اعتبار ولها في هذه الحياة ما لها من الذل والعار وما ينتظرها أشد وأشنع عند العزيز القهار. روى الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه والأثر رواه الإمام ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسند معضل من رواية أبي علي الفضيل بن عياض عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: (إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي وإذا تسابت فيما بينها سقطت من عين الله) وفي رواية (إذا عظمت أمتي الدرهم والدينار) عظمت الدنيا تصاب بالذل والعار والصغار في هذه الدار هيبة الإسلام التي أعطاها الله لهذه الأمة (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) تنتزع منها هذه الأمة من عليها بهيبة تنصر بها مسيرة شهر تنتزع منها عندما عظمت الدنيا.

نعم ثبت في مسند البزار وقال الإمام الهيثمي في المجمع بإسناد حسن وانظروا الحديث في كتاب الفتن من مجمع الزوائد في الجزء السابع صفحة 177 والحديث رواه الإمام أبو يعلى كما نص على ذلك الإمام الحافظ ابن حجر في المطالب العالية من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال لا إله إلا الله تمنع من سخط الله ما لم يؤثروا دنياهم على دينهم فإذا آثروا دنياهم على دينهم وقالوا لا إله إلا الله قال الله كذبتم) إذا عظمت أمتي الدينار والدرهم نزعت منها هيبة الإسلام وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي هذا الوحي الذي أوحي به إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وهو خير كتاب أنزله الرحمن نقرؤه بلا وعي ولا تدبر ولا تفهم والقراءة لا تجاوز اللسان لأننا عطلنا قطب الإسلام ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما لله عظمنا وآثرنا الفاني على الباقي ثم بعد ذلك إذا تسابت فيما بينها سقطت من عين الله نعم إن الأمة عندما تركن إلى هذه التفاهات تصاب بهذه العقوبات.

ثبت في سنن أبي داود والحديث رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه والإمام الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة وأبو نعيم في الحلية وإسناد الحديث صحيح من رواية ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا يا رسول الله ومن قلة نحن يومئذ قال لا ولكنكم كثير كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت) فمن نظر إلى أحوالنا يتفطر قلبه وإلى الله نشكوا أحوالنا إخوتي الكرام لابد من إعادة الإسلام في الأنفس لابد من إعادة الإسلام في البيوت لابد من إعادة الإسلام في الأسواق لابد من إعادة الإسلام في جميع مرافق الحياة فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا الإيمان وزينه في قلوبنا. وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك. ومن المقربين لديك. وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك. اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات والحمد لله رب العالمين وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .

نية الصيام

نية الصيام (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم نية الصيام 3/2/1995 الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يظلل فلن تجد له ولياً مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة طاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. "يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون". وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوب غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبينا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاُ كثيرا ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون". "يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما". أما بعد: فيا إخوتي الكرام.. وعدت في الموعظة الماضية أن نجعل مواعظ شهر رمضان حول أحكام الصيام، وفي هذه الموعظة المباركة سنتدارس حكماً من هذه الأحكام الحسان ألا وهو "نية الصيام" وسيقوم البحث على ثلاثة أركان: 1. على تعريف النية 2. على منزلة النية ووجوب إخلاص النية لرب البرية.

3. وقت النية في الصيام. إخوتي الكرام: النية بالتشديد والتثقيل أفصح ن ويجوز التخفيف كما قرر علماء اللغة " النيَّة" "والنِيَة " والنية هي الإرادة والعزم والقصد، وهي من أعمال القلب التي لا يطلع عليها إلا الرب سبحانه وتعالى ولذلك قال علماؤنا الكرام في تعريف النية على وجه العموم: هي انبعاث القلب نحو ما يراه نافعاً له في الحال والمال.. في العاجل والآجل. إخوتي الكرام: ومع أن النية من الأعمال القلبية ولا يطلع عليها إلا رب البرية فقد قرر علماؤنا الكرام جواز التلفظ بها باللسان بل استحب ذلك جمهور أئمة الإسلام ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة رضوان الله عليهم أجمعين قالوا: يستحب التلفظ بالنية ليواطئ اللسان القلب وليكون الأمر أقوم قيلا وأشد تحقيقاً عند الإنسان لا سيما عند وجود الغفلة والسهو الذهول في بني الإنسان في آخر الزمان. وهذا الذي قرره أئمتنا الكرام موجود في كتبهم إن شئتم أن تنظروا في المجموع شرح المهذب للإمام النووي 1/316 وانظروا المغنى للإمام ابن قدامة 3/26 وهكذا في سائر كتب أئمتنا –كما قلت- قالوا يستحب التلفظ بها ليواطئ اللسان القلب، وهذا الذي قرره أئمتنا يستند على فعل نبينا عليه الصلاة والسلام فقد صرح بنيته التي في قلبه الشريف عليه صلوات الله وسلامه صرح بها في لسانه في بعض المواطن.

ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لبى النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة وحج فقال: " لبيك اللهم عمرة وحجاً " والتصريح بالعمرة والحج هذا تصريح بما نوى القلب بما عزم عليه القلب بما قصده القلب لبيك اللهم عمرة وحجا، قال بكر بن عبد اله المزني..وهو من أئمة التابعين الطيبين وقد لقي أنس بن مالك وابن عمر وابن عباس وغيرهم من الصحابة الأكياس وروى عنهم وهو ثقة جليل القدر فاضل كبير توفي سنة 106هـ وحديثه في الكتب الستة وقد قارنه أئمتنا بشيخ الإسلام بن سيرين وبسيد المسلمين الحسن البصري وكان سليمان التميمي يقول: الحسن البصري شيخ أهل البصرة وبكر بن عبد الله فتاها ذا شيخها وهذا فتاها وكان معروفاً بإجابة الدعوة يقول: فلقيت عبد الله بن عمر فحدثته بذلك أي بحديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبّى بعمرة وحج فقال عبد الله بن عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم لبى بالحج وحده يقول فعدت إلى أنس فأخبرته بقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهم فتأثر أنس وقال: ما تعدّوننا إلا صبياناً والله لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بعمرة وحج فقال لبيك بعمرة وحج، "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ".

وهنا كما ترون إخوتي الكرام تصريح من نبينا عليه الصلاة والسلام بما نواه أراه وعزمه وقصده في قلبه وهذا عمدة أئمتنا الكرام في جواز التلفظ بالنية بل استحباب ذلك، وعليه إذا أراد أن يصوم فيقول اللهم إني أريد الصيام فأعِنِّي عليه ويسره لي وتقبله مني كما يقول إذا أراد أن يحرم بحج أو غير ذلك ولا يشترط أن يرفع صوته إنما إذا أراد أن يعلم أهله هذه النية فهذا عمل صالح مبرور وهكذا إذا أراد أن يصلي يحرك لسانه بحيث يسمع نفسه، أنه يصلي صلاة كذا لله عز وجل فكل هذا قرره علماء الإسلام وعليه الجمهور من أئمتنا الكرام ومذهب الحنفية والشافعية والحنابلة وأما ما ذهب إليه بعض المتأخرين من أئمة المسلمين كالإمام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية من |أن التلفظ بالنية بدعة وقد كتب ابن القيم رحمة الله عليه في ثلاث صفحات في إغاثة اللهفان 1/136 فما بعدها وهذا الكلام الذي صدر من هذين الإمامين المباركين له عندي تأويلان:

التأويل الأول: إن قصدا أن التلفظ بالنية بدعة حسبما شاع عند الموسوسين في العصور المتأخرة فإذا أراد أن يصلي يقول ديباجة طويلة بحيث تفوته تكبيرة الإحرام وأحياناً يعيد ديباجته بحيث تفوته الركعة فإذا ركع الإمام أسرع بعد ذلك في التلفظ بالنية ودخل مع الإمام هذه وسوسة وهذه بدعة والغلو في أي شيء كان مذموم، كما يقوله بعض العوام: نويت أن أصلي أربع ركعات فرض صلاة الظهر /فرض صلاة العصر حاضراً مستقبل القبلة الشريفة مقتدياً بهذا الإمام، ويقول هذه الديباجة ثم بعد ذلك يعيدها، يعيدها ويعيدها فلا شك أن التلفظ بذلك بحيث يشوش على الحاضرين ويقول هذه الديباجة الطويلة كما قلت هذا منكر وهذه بدعة وهذا مذموم وينبغي أن يمنع منه المسلمون. أما لو أن الإنسان قالها بلسانه عندما يريد أن يحرم بصلاته كما هو الحال عندما يريد أن يحرم بحجة..بصيامه..بغير ذلك قال بحيث يسمع نفسه ليستحضر ما يريد أن يفعله بقلبه وبلسانه وبجميع جوارحه باقتصاد دون تشويش على أحد من العباد فلا حرج، فإن قصد هذان الإمامان ومن تبعها هذا الأمر فهما على حق وصواب وهذا كما قلت مذموم ما ينبغي أن يقوله العباد. وأما إن قصدا أن مجرد التلفظ بالنية بدعة فهذا كما قلت إخوتي الكرام يصادم ما عليه جماهير أهل الإسلام، وقد تقدم معنا مراراً أن القول إذا احتمله الدليل وقال به إمام جليل لا يجوز أن نحكم عليه بالبدعة والتضليل وهنا قول يقرره ثلاثة من أئمتنا الكرام وهذا القول يشهد له في الجملة حديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام فالقول بأنه بدعة لا يستقم حسب قواعد الإسلام والعلم عند ذي الجلال والإكرام.

النية نعم محلها القلب، وركنها الركين، ينبغي أن تكون في قلب الإنسان عندما يريد أن يقوم بعبادة رب العالمين ينبغي أن يريد ذلك العمل وأن يقصده وأن ينويه وان لا يفعله وهو غافل عنه فإذا حصل هذا بقلبه صح بعد ذلك عمله سواء تلفظ بلسانه أم لا، نعم يجوز بل يستحب التلفظ للأمرين اللذين ذكرتهما ليتواطئ اللسان مع القلب ولها أثر عن نبينا عليه الصلاة والسلام من تلفظ بالنية في بعض العبادات التي يتقرب بها إلى ربه الرحمن.

الأمر الثاني: منزلة النية وضرورة الإخلاص فيها خالصاً لوجه ربك، دون اعتبار من الاعتبارات الأخرى تصوم لأن الله أمرك بالصيام وهكذا كل عبادة تقوم بها لأن الله أمرك بها فهذه النية الصالحة ينبغي أن تحصل في قلبك ألا وهي: أنك تقوم بهذا العمل لله تعالى تعظيما له سبحانه وتعالى فالنية في العمل كالروح للجسد وروح الأعمال النيات الصالحة لذي العزة والجلال وعمل بلا نية ميت كما أن الجسد بلا روح ميت ولذلك إذا أردت أن تقوم بعمل فانْوِ التقرب إلى الله عز وجل وقد كان سلفنا الكرام يتعلمون النية قبل العمل كما يتعلمون العمل وذلك لأن العمل كم غير نية "عناء" والنية من غير إخلاص ضياع وهباء والأمر كما قال: أئمتنا الأتقياء رحمة الله عليهم أجمعين: "الناس كلهم هلكى إلا العالمين، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملين والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصين والمخلصون على خطر عظيم "وهذا الكلام إخوتي الكرام لا يصح دفعه إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فليس هو من كلامه إنما هو كلام أئمتنا الكرام وقد نسبه الإمام أبو الليث السمرقندي في كتاب تنبيه الغافلين ص244 إلى سيد المسلمين الإمام العارف الرباني سهل بن عبد الله التستري المتوفي سنة 283هـ وكثير من العلماء يوردون هذا الكلام كما فعل الإمام الغزالي في الإحياء 4/351 بصيغة أخرى فيقولون: "الناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم".

وقد قال الإمام الصغاني في موضوعاته هذا الكلام مفترىً ملحون، يريد أنه لم يثبت عن نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام وهو بهذه الصورة ملحون لأنه جاء الرفع في لفظ العالمين العاملين والمخلصين، وينبغي أن يكون ذلك بالنصب على أن الإمام السيوطي رحمه الله خرّج ضبط الرفع فقال: يجوز أيضاً الإبدال في الاستثناء الموجب وعليه يكون العالمون والعاملون والمخلصون بدل مما قبله يجوز الإبدال من الاستثناء الموجب عند العرب وإن كان المشهور في لغة العرب أن يكون بالنصب الناس كلهم هلكى إلا العالمين لكن يجوز الرفع على لغة بعض العرب كما قرر ذلك الإمام السيوطي وعليه لا لحن في الكلام بالرواية الثانية نعم لا يثبت مرفوعاً إلى نبينا عليه الصلاة والسلام إن هذا من كلام العبد الصالح العارف سهل بن عبد الله التستري وقد نقل عنه الإمام الخطيب البغدادي في كتابه الجليل "اقتضاء العلم العمل ". وهكذا الإمام أبو نعيم في الحلية نقلاً عن هذا العبد الصالح ما يشبه هذا القول فكان سهل بن عبد الله التستري يقول: العلم دنيا والعمل به آخره، العلم لذة من لذات الدنيا ولا يكون صاحبه من أهل الآخرة إلا إذا عمل بعلمه، وكان يقول كما في الكتابين المتقدمين: العلماء كلهم سكارى إلا من عمل بعلمه، والعاملون كلهم حيارى إلا من أخلص لربه وكان يقول: الدنيا موات وغفلة والعلم بينه وحجة والعمل من غير إخلاص هباء والإخلاص وعلى خطر حتى يختم لك به فيا أيها الإنسان أخلص النية لربك الرحمن في الصيام وفي غيره من طاعات الرحمن.

واعلموا إخوتي الكرام: أن الإنسان يعامل على حسب نيته فيصح عمله أو يبطل يثاب عليه أو يعاقب على حسب ما يقوم في نيته من معنى من تعظيم لله أو من إرادة لغير وجه الله فإن عظّم الله قبل العمل وإن أراد غير وجه الله عز وجل بطل العمل ولذلك كان أئمتنا الكرام يقولون: تخليص النيات على العمال أشق عليهم من سائر الأعمال وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا في أحاديثه الصحيحة الكثيرة الوفيرة منها الحديث المشهور بين المسلمين وهو في مسند الإمام أحمد والصحيحين والسنن الأربعة من رواية سيدنا عمر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. إنما الأعمال بالنيات صحة وفساد ثواباً وعقاباً قبولاً ورداً وإنما لكل امرئ ما نوى فمن هاجر صادقاً مخلصاً إلى الله ورسوله فأجره عند الله لن يضيع. ومن هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهو خاطب وتاجر وليس بمهاجر فهجرته إلى ما هاجر إليه إنما الأعمال بالنيات. وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن العمل الذي هو ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله. إذا أراد المجاهد بجهاده عرض الدنيا ولم يُرد وجه ذي الجلال والإكرام فليس عند الله من خلاف وليس له إلا ما يحصّله في هذه الحياة من متاع ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي والحديث رواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح أقره عليه الذهبي من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غزا ولم ينو من غزوته إلا عقالاً فليس له إلا ما نوى".. قوله إلا عقالاً إلا حبلاً يربط به بعيره ودابته فليس له إلا ما نوى.

وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن ملائكة الله عندما تصعد إلى الله تعالى بصحف أعمال العباد يقبل بعضها ويرد بعضها ويقول للملائكة اكتبوا لهذا العبد شيئاً نواه وما اطلعتم عليه ثبت الحديث بذلك وقد رواه الإمام الداراقطني وحسنه شيخ الإسلام الإمام العراقي في تخريج أحاديث الإحياء وانظروا في تخريج أحاديث الإحياء في المكان الذي أشرت إليه آنفا عند كلام الإمام الغزالي 4/351 يقول رواه الداراقطني بإسناد حسن ولفظ الحديث من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد المؤمن ليعمل أعمالاً حسنة فتصعد الملائكة إلى الله جل وعلا بها (بهذه الأعمال) بصحف مختمة (مختومة) فتطرحها بين يدي الله عز وجل فيقول الله جل وعلا: ألقوا صحيفة كذا وصحيفة كذا، واكتبوا لعبدي فتقول الملائكة ربنا ما كتبنا إلا ما عمل، وذاك العمل ما عمله فيقول الله جل وعلا إنه لم يرد بما فيها وجهي نعم..صام وصلى وحج واعتمر وزكى وجاهد، لكن لم يرد ذلك بوجهي فما في هذه الصحف اطرحوه والله ما يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً وأما ذاك العمل الذي يعمل فيقول الله جل وعلا: إنه قد نوى ما في هذه الصحف مما عمله ما أراد به وجه ربه فاطرحوه واكتبوا له كذا وكذا لأنه نواه.

إخوتي الكرام.. لابد من إخلاص النية لذي الجلال والإكرام وإذا كان إخلاص النية ضرورياً في جميع الأعمال فينبغي أن نخلص النية لذي العزة والجلال في الصيام على وجه الكمال لأن الصيام فيه شبه لتوحيد ذي الجلال والإكرام الصيام من بين سائر أركان وأمور الإسلام والإيمان هو الذي يشبه توحيد ذي الجلال والإكرام ولذلك أضافه إلى نفسه ربنا الرحمن فقال في الحديث الثابت في الكتب الستة وغيرها من دواوين الإسلام: الصيام لي وأنا أجزي به، وذلك لأنه سر بينك وبين ربك كحال الإيمان كم من إنسان يقول: آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين الإيمان ركنه الركين التصديق الجازم بالقلب الذي لا يطلع على ما فيه إلا رب العالمين وهكذا الصيام فيه شبه تام بتوحيد ذي الجلال والإكرام ولذلك أضافه الله إلى نفسه فإذا كنت تخلص النية لربك في جميع عملك فحقق النية على التمام في صيام إخوتي الكرام قد يزِل الإنسان في عمله ويقصّر لكن ما ينبغي أن يزل في نيته وما ينبغي أن يدنس نيته بوجه من الوجوه ولذلك إن جرت من المؤمن أخطاء وهفوات وزلاّت لا تتعدى عمله الظاهري بجوارحه وكل بني آدم خطّاء وأما من يزل في نيته وأن يدنس ما في قلبه فلا ثم لا.

وقد أشير إلى حال المؤمن في الحديث المرفوع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام " نية المؤمن خير من عمله " والحديث رواه الإمام الطبراني في المعجم الكبير وأبو نعيم في الحلية والخطيب في تاريخ بغداد من رواية سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير أيضاً من رواية النواس بن سمعان رضي الله عنه ورواه البيهقي في شعب الإيمان والإمام العسكري من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه ورواه الإمام الديمكي من رواية أبي موسى الأشعري ورواه أبو الشيخ في الأمثال من رواية ثابت البناني مرسلا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهو من رواية أربعة من الصحابة سهل بن سعد والنواس بن سمعان وأنس بن مالك وأبي موسى وروى مرسلا أيضاً كما ذكرت والحديث من جميع طرقه ضعيف لكن كما قال الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة:"يتقوى بمجموع طرقه " ثم قال: ألفت فيه جزءاً في طرقه وفي بيان معناه نية المؤمن خير من عمله قد يزل الإنسان في العمل لكن نيته لا يمكن أن تنحرف عن الإخلاص لله عز وجل فالخطأ لا يتعدى أعماله الظاهرة للقصور والتقصير الذي جُبل عليه البشر أما أن ينحرف بقلبه عن ربه؟ لا ثم لا. قلبه مع الله في جميع الأوقات ومخلص له في جميع الحالات نعم قد يزل بجوارحه نية المؤمن خير من عمله.

والإمام ابن تيمية رحمة الله شرح هذه الجملة المأثوة في عدد من الصفحات وقررها انظروا كلامه على ذلك في مجموع فتاويه 10/670 وأعاد الكلام على هذا الأثر في مجموع الفتاوي أيضاً 22/242 وخلاصة كلامه بعد أن قرر وجودها كثيرة في أحقية وصدق هذا الكلام قال في تقرير معنى هذا الأثر وأنه حق وصواب وأن نية المؤمن خير من عمله يقول هذا الإمام المبارك: المؤمن يثاب على نيته المجردة وإذا نويت الخير ولو لم تعلمه بجوارحك تثاب عليه ولذلك نية المؤمن خير من عمله والوجه الثاني في تقرير هذه الجملة المأثورة: أن من نوى خيراً وبذلك ما في وسعه لتنفيذه فعمل بعضة وعجز عن باقيه يكتب له أجر عمله من أوله لآخره لأنه نواه، وعزم على فعله ولما أراد أن ينفذه ما استطاع أن يقوم بجميعه نية المؤمن خير من عمله. والأمر الثالث يقول: النية لا يدخلها فساد، النية الخالصة لا يدخلها فساد عندما يخلص لكن العمل قد يشوبه ما يشوبه من الفساد والضعف والنقص والأمر الرابع يقول: النية هي عمل الملك وبقية الأعمال هي عمل الجوارح القلب هو مَلِك الأعضاء وعمل الملك أشرف من عمل الجنود نية المؤمن خير من عمله فالنية عمل قلبي كما تقدم معنا..لا يطلع عليه إلا اللطيف القوي سبحانه وتعالى، عمل قلبي.. إذ هي عمل أشرف ما عندك من أعضاء هي عمل رئيس الأعضاء هي عمل المشرف على الأعضاء ألا وهو القلب هي عمل الملك لا يدخل عليها فساد، إذا عملت شيئاً وعجزت عن باقيه يكتب لك لنيتك النية المجردة..ولم لم يصاحبها عمل..تكتب لك، لهذه الأمور ولغيرها نية المؤمن خير من عمله.

والإمام الغزالي رحمة الله عليه في مبحث النية والإخلاص من كتابه الإحياء 4/355 قرر هذا المعنى في صفحات كثيرة وبوب عليها "باب نية المؤمن خير من عمله" أخي الصائم يا عبد الله إذا كنت تصوم لله وكما قلت صيامك فيه شبه بتوحيد ربك وصيامك أضافه الله إلى نفسه فأخلص النية ما استطعت لربك فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً وله خالصاً "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة" (البينة /5) . وأما الأمر الثالث إخوتي الكرام: وهو آخر الأمور وقت النية زمن النية الوقت الذي ينبغي أن تحصل فيه نية الصيام لذي الجلال والإكرام اتفق أئمة الإسلام على أنه إذا كان الصيام فريضة كصيام رمضان وقضاء رمضان وما شاكل هذا من أنواع وأقسام ينبغي على الصائم أن يبيت نية الصيام من الليل والوقت يمتد من الغروب إلى طلوع الفجر، إذا طلع عليك الفجر ولم تنو الصيام ما صح صومك ويجب أن تمسك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات لكن هذا الصيام لا يعتد به فلا بد من نية الصيام والنية وقتها مُوسّع من غروب الشمس إلى أن يطلع الفجر ينبغي أن تنوي صيام رمضان صيام الغد، وعليه إذا أردت أن تفطر وتدعو بعد ذلك بالدعوات المأثورة عند الإفطار وتقول أسألك أن تقويني ربي على صيام الغد نويت صيام الغد عزمت على صيام الغد هذه نية وهكذا لو تسحرت بنية الصيام هذه نية ولا يضر أن تأكل بعد النية وتشرب لا يضر هذا على الإطلاق إنما نية الصيام في قلبك أنك ستصوم غداً لربك وإذا لم تبيت الصيام من الليل قبل أن يطلع الفجر فلا صيام لك وقد أشار إلى هذا نبينا صلى الله عليه وسلم.

ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة والحديث رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما ورواه الحاكم في المستدرك ورواه الداراقطني في سننه والدارمي في سننه وهكذا البيهقي في السنن الكبرى ورواه الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار والإمام ابن أبي شيبة في مصنفه والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ورواه الإمام ابن حزم بسنده في محلاه وهو في غير ذلك من دواوين الإسلام والحديث صحيحٌ صحيح نص على صحته عدد من أئمتنا الكرام منهم الترمذي والحاكم والذهبي وشيخ الإسلام الإمام النووي في المجموع والحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث من رواية أمنا الطيبة الطاهرة المباركة سيدتنا حفصة بنت سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل". وفي رواية: "لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل قوله يُجمع ويُجَمِّع كما قال الإمام النووي في المجموع شرح المهذب، لا صيام لمن لم يُجمٍع /لمن لم يُجمِّع بالتخفيف والتشديد أي يستحضر هذا و ... بقلبه لا صيام لمن لم يفرضه قبل طلوع. ألفاظ واردة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل/ لا صيام لمن لم يُجمِع –لم يُجَمِّع الصيام من الليل لا صيام لمن لم يفرضه قبل طلوع الفجر. وأما رواية "لا صيام لمن لم ينو قبل طلوع الفجر " فقال الحافظ ابن حجر "لم أقف عليها " وأقول: لعل هذا الرفض رواه بعض من رواة في معناه لأنه صيام لمن ينو بمعنى لا صيام لمن لم يبيت والعلم عند الله جل وعلا. وثبت هذا المعنى عن عدة من الصحابة الكرام ثبت عن ابن عمر وأمنا عائشة وأمنا حفصة رضي الله عنهم كما في الموطأ للإمام مالك وشرح معاني الآثار للطحاوي والأثر أيضاً في سنن النسائي عمن تقدم ذكرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. أنهم قالوا " لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر".

وفي رواية إذا لم يجمع الرجل الصيام من الليل فلا يصم، وفي رواية أخرى: "لا يصومن إلا من أجمع الصيام قبل الفجر" فلابد من نية الصيام، لأن الصيام إمساك ولابد له من نية وهو عبادة خالصة محضة لرب البرية فلا بد له من النية وقد ثبت الحديث بذلك عن نبينا خير البرية عليه وآله صلوات الله وسلامه. إخوتي الكرام: وكما قلت على هذا اتفق أئمة الإسلام لكن اختلفوا بأمر فيه توسعة على عباد الرحمن ألا وهو: هو تشترط لكل يوم نية الصيام أو تكفي فيه الصيام في شهر رمضان في يوم منه فينوي أن يصوم شهر رمضان ولا داعي بعد ذلك كل ليلة قبل طلوع الفجر لأئمتنا الكرام في ذلك قولان كل منهما حسن مقبول وتعليله حق مبرور. القول الأول: قال به جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة لا بد من نية كل يوم أن ينوي كما قلت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر أنه سيصوم اليوم الذي بعد هذه الليلة لأن عبادة كل يوم مستقلة لا ارتباط لها بما قبلها ولا بما بعدها فقد يفسد ما قبلها وهي صحيحة وقد يفسد ما بعدها وهي صحيحة فليست عبادة الصيام كعبادة الصلاة نية واحدة لجميع الركعات إنا هنا كل يوم يستقل عما قبله وعما بعده فلا بد من نية خالصة له. والإمام مالك إمام دار الهجرة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ألحق الصيام بالصلاة فقال: بما أن الصيام في هذا الشهر واجب وعليه لو نوى أن يصومه من أول يوم أجزأه، ولو لم يستحضر النية كل ليلة إلا إذا فسخ هذه النية، وأما إذا نوى أن يصوم هذا الشهر الكريم في أول ليلة منه أجزأه ذلك إلى نهاية الشهر سواء استحضر النية بعد ذلك أم لا، إلا إذا فسخ نية الصيام وقال: لا نصوم، فلا بد له بعد ذلك من نية ثانية لبقية الشهر.

وكما قلت إخوتي الكرام: القولان متقاربان بالتعليل ولا يوجد دليل خاص بالمسألة وإذا كان كذلك فالأمر فيه سعة والأحوط أن يبيت الإنسان فيه الصيام في كل ليلة من ليالي رمضان والعلم عند الله تعالى وهذا كله إخوتي الكرام في الصوم الواجب وأما صيام النافلة صيام التطوع فاتفق أئمتنا إلا الإمام مالكاً رحمه الله. ذهب الجمهور وهم الأئمة الثلاثة المتقدمة الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن النية فيه موسعة على الصائم في صيام النافلة والتطوع فله أن يبيّت الصيام من الليل وهذا أعظم لأجره عند ربه وله أن يمد النية إلى الزوال فإذا زالت الشمس ولم ينو قبل زوالها أي قبل الظهر لا يصح أن يصوم بعد ذلك عند الإمام أبي حنيفة وهو الأظهر من قولي الإمام الشافعي وهناك قول للإمام الشافعي وهو المعتمد عند الحنابلة يجوز للإنسان إذا صام نافلة أن ينوي الصيام في أي وقت كان ولو قل غروب الشمس بدقيقة لو قدّر أنه مر عليه اليوم من أوله إلى آخره وما أكل وبقي للمغرب ربع ساعة فقال إذاً أنا أنوي الصيام عند الإمام أحمد يصح يقول: لأنه أوقع الصيام في جزء من النهار الذي يصح فيه الصيام وعليه إذا وقعت النية في جزء من النهار سواء كان قبل الزوال أو بعد الزوال يصح صومه هذا عند الإمام أحمد لكنه قال: له اجر بمقدار الوقت الذي بقي من هذا اليوم وعليه: لو نوى من الزوال الصيام فله أجر من الزوال إلى الغروب وليس له أجر الصيام مما قبل الزوال إلى طلوع الفجر لأنه لم ينو هذا والأعمال بالنيات لو نوى الصيام عند العصر له أجر عند العصر أجر الصيام إلى غروب الشمس ليس له أجر الصيام من قبل العصر إلى طلوع الفجر.

فإن قيل: هل يتبعّض الصوم؟ يقول في الإجزاء لا يتبعض لكن في الأجر يتبعّض، لا بد أن تصوم يوما من أوله إلى آخره من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لكن ليس لك من الأجر إلا بمقدار ما نويت من صيام هذا اليوم فإذا نويت عند العصر فليس لك أجر، أجر إلا من العصر إلى غروب الشمس وهذا كما هو الحال في الجماعة إذا لم تدرك الجماعة فأنت ما صليت في جماعة لكن لو قدّر أنك جزءاً منها لك أجر بمقدار ما أدركت وليس أجر من أدرك تكبيرة الإحرام كأجر من أدرك الركعة الرابعة مع الصلاة فهم يتفاوتون مع أن الكل صلوا جماعة. هذا ما يقرره الإمام أحمد وأئمتنا عليهم جميعاً رحمة ربنا وأما الإمام مالك فعنده لا يجوز للإنسان في صيام النافلة أيضاً إلا أن يُبيّت الصيام من الليل كما هو الحال في الصيام الفريضة يقول إلا إذا كان الإنسان يصوم أياماً متتابعة درجا فتسقط عنه النية كما هو الحال في نية رمضان ينوي أول ليلة ثم ليس به حاجة إلى أن يكرر النية وأما إذا أراد أن يصوم بخصوصه وأن يفطر بعده وأن يصوم يوماً بعده فلا بد من أن ينوي الصيام لكل يوم وأن تكون النية في الليل قبل طلوع الفجر كما هو الحال في صيام الفريضة. فهذا القول مع جلالة من قال به وإمامته رضي الله عنه وأرضاه فيما يظهر والعلم عند الله أنه مرجوح وقول الجمهور أرجح وبه وردت الآثار الثابتة عن نبينا المختار عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة الأبرار رضي الله عنهم أجمعين.

وإليكم بعضاً إخوتي الكرام: ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا ابن ماجه فالحديث في سنن الترمذي وسنن النسائي وأبي داود الطيالسي في مسنده كما رواه الإمام البيهقي في سننه والحديث صحيحٌ صحيح فهو في صحيح مسلم كما سمعتم ولفظ الحديث من رواية أمنا الطيبة المباركة عائشة قالت: "دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهار فقال هل عندكم شيء يعني من طعام؟ فقلت ما عندنا شيء يا رسول الله قال فإني إذاً صائم، ما عندكم شيء آكله أنوي الصيام، وقد نوى الصيام بعد طلوع الفجر قالت أمنا عائشة: فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم جاءتنا هدية وفي روية جاءنا زور أي ضيف، ضيوف وهؤلاء الضيوف عندما حلوا علينا معهم هدية فخبّأت شيئاً من هذه الهدية إلى النبي علية الصلاة والسلام فلما عاد ودخل بيته ثانياً قلت يا رسول الله قد جاءتنا هدية وقد خبّأت لك منها قال ما هي؟ قلت حَيسُ، والحيس هو الدقيق الذي يعجن بالتمر والسمن دقيق وتمر وسمن وقيل: أقط وسمن ودقيق حيسُ: خبّأته لك فقال النبي صلى الله عليه وسلم هاتيه فلما وضعته بين يديه فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صوات الله وسلامه مدّ يده الشريفة المباركة إليه وبدأ يأكل، فقالت أمنا عائشة يا رسول الله أو لم تنو الصيام وقلت إني صائم هذا اليوم؟ فقال عليه الصلاة والسلام يا عائشة مثل الصائم في غير رمضان كمثل من أخرج صدقة، فجادت نفسه منها بشيء فدفعه وبخلت نفسه بما بقي فأمسكه، أنت أخرجت مائة ريال لتتصدق بها ثم بعد ذلك حصل في قلبك ما حصل من الخواطر وأنك بحاجة إلى هذا المال فدفعت خمسين وأمسكت خمسين هل عليك إثم؟ لا ثم لا، صدقة تطوع وتريد أن تتقرب بها إلى الله تعالى ليس لك من الأجر إلا بمقدار ما تصدقت مثل الصائم في غير رمضان كمثل من أخرج صدقة.

وهذه رواية الإمام النسائي فلما أخرجتها جادت نفسه بشيء منها فدفعه وأمضاه وأعطاه إلى الفقير وبخلت في الباقي فأمسكته وعليه يجوز للإنسان أن يتم الصوم ويجوز أن يعدل عنه ولا حرج. وقد ثبت في موطأ الإمام مالك وشرح معاني الآثار للإمام الطحاوي والأثر رواه الإمام النسائي في سننه والحاكم في مستدركه وصححه وأقره عليه الذهبي ورواه البيهقي في السنن الكبرى والحديث إسناده صحيح من رواية أم هانئ رضي الله عنها قالت: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة وعن يمينه جالسة فجاءت البضعة الطاهرة سيدتنا فاطمة بن خير خلق الله فسلمت وجلست عن يساره تقول أم هانئ: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب قدمته إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فأخذه فشرب منه ثم ناول أم هانئ لتشرب فشربت، فبعد أن شربت قالت يارسول الله: كنت صائمة فأفطرت، أي عندما أعطيتني هذا الإناء لأشرب وكأنها تحرجت في نفسها ما حصل منها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتقضين رمضان، أي تصومين الصيام الواجب؟ قالت لا. يا رسول الله قال: لا حرج عليك إن كنت تصومين تطوعاً أي إن شئت أن تصومي وإن شئت أن تأكلي تبطلي الصيام فلا حرج إنما التطوع أمير نفسه وفي رواية إنما التطوع أمين نفسه، فإن شاء صام وإن شاء أفطر إنما المتطوع أمير نفسه.

وقد ثبت في صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله في كتاب الصيام باب من نوى الصيام نهاراً ثم علق بصيغة الجزم عن أم الدرداء أن أبا الدرداء كن يدخل عليها في النهار فيقول: هل من طعام يا أم الدرداء؟ تقول أم الدرداء: فإن قلنا لا قال: "فإني صائم يومي هذا" قال الإمام البخاري: وقد فعله أبو هريرة وأبو طلحة وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس ومعهم كما قلت أبو الدرداء فهؤلاء خمسة من الصحابة الكرام وهذه الآثار التي أوردها الإمام البخاري معلقة بصيغة الجزم في صحيحه انظروها إخوتي الكرام في فتح الباري لتعرفوا من وصلها انظروا أيضاً وصلها في السنن الكبرى للإمام البيهقي 4/275. وعليه إخوتي الكرام: إذا كان الصيام واجباً لا بد من تثبيت نية الصيام في الليل لكن هل لابد من تكرار النية في كل يوم أو تجزئ نية واحدة عن الشهر الأمر فيه سعة إن شاء الله. وإما إذا كان الصيام نافلاً فالمعتمد كما قلت أنك يجوز أن تنوي الصيام إلى الزوال ووسّع الإمام أحمد الأمر فقال: يجوز أن تنوي ولو قبل الغروب بقليل، وليس لك من الأجر إلا بمقدار ما نويت، نسأل الله نعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إخوتي الكرام: عندما نبحث النية في الصيام يرد إشكال حاسم أن التروك لا يشترط في تركها النية، نعم يشترط للثواب على تركها النية وأما إذا تركت ما حرمه عليك دون أن تريد بذلك التقرب إلى الله تركته فقط ما خطر هذا ببالك لا تعاقب عليه وأما الأفعال فلابد لها من نيات فمن ترك النظر الحرام والغيبة والنميمة والزنا وشرب الخمر إما أنه لم يخطر بباله إو هكذا دون نية صالحة لا عقاب عليه عندما ترك هذا من غير نية صالحة ولا يثاب إلا إذا ترك متقرباً إلى الله عز وجل التروك لا تحتاج إلى نية فإذا ترك وهو يعزم على فعلها لكن ما تمكن منها يعاقب عليها وإذا تركها ... .ما خطرت بباله لا ثواب وعقاب وإذا تركها خشية من الكريم الوهاب يثاب عليها عند هذا المبحث يرد إشكال ألا وهو أن الصيام ترك. فهو إمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات فلم اشترطت النية لصحته باتفاق أئمتنا. والجواب عن هذا كما قرره شيخ الإسلام الإمام النووي نور الله مرقده وفي غرف الجنان أرقده، يقول: "الصيام وإن كان إمساكاً وتركاً يراد منه حبس النفس على الهوى وحثها على طاعة المولى فالتحق بالأفعال ولا يقصد منه الترك المجرد كما هو الحال في ترك الكذب في ترك الزنا في ترك شرب الخمر، لا ... يراد من هذا الترك أن تتربى النفس على الأخلاق الكريمة والشيم الحميدة وأن تتقرب من الله عز وجل فترك يراد منه عمل ولذلك اشترطت النية فيه لتثاب على هذا الترك فهو وإن كان تركاً يشترط لصحته حصول النية باتفاق أئمتنا. وأما التروك الأخرى فكما قلت إذا تركتها من غير نية لا ثواب ولا عقاب "وإذا تركتها لعجزك عنها فعليك العقاب " وإذا تركتها خشية من الكريم الوهاب فلك الثواب " وقد أشار إلى هذه الأقسام نبينا عليه الصلاة والسلام.

ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجه والحديث قال عنه الترمذي حسن صحيح من رواية أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة أقسم عليهن وأحدثهم حديثاً فاحفظوه وكنت ذكرت هذا الحديث في المواعظ السابقة فلا بأس من إعادته لمحل الشاهد معنا في موعظتنا ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه ما نقص مال من صدقة وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ومن فتح على نفسه باب مسئلة فتح الله عليه باب فقر.

هذه الأمور الثلاثة يقسم نبينا عليه الصلاة والسلام على صحتها وتحققها وأما الحديث الذي ينبغي أن نحفظه وأن نعيه وهو أن الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله علماً ومالاً فهو يعمل في ماله بعلمه فيتقي فيه ربه ويصل به رحمه ويعلم أن لله فيه حقاً فهو في أعلى المنازل ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فقال يا ليت لي مثل فلان حتى أعمل بمثل عمله قال نبينا عليه الصلاة والسلام فهما في الأجر سواء ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يخبط في ماله فلا يتقي فيه ربه ولا يصل به رحمه ولا يعلم أن لله فيه حقاً فهو أخبث المنازل. ورجل لم يؤته الله علماً ولا مالاً فقال يا ليت لي مثل فلان حتى أعمل بمثل عمله فهما في الوزر سواء. لم يفعل المعاصي لكن عزم عليها وما منعه من فعلها إلا العجز عنها فعليه العقاب كما أن العقاب على ذلك الذي فعل تلك المعاصي أسأل الله برحمته التي وسمعت كل شيء أن يجعل أعمالنا صالحة لوجهه خالصة وأن يرزقنا حبه وحب نبيه عليه الصلاة والسلام وأن يجعل ذلك أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا، وأحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ومحبتك يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا عليه حتى نلقاك به اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم اجعل هذا الشهر الكريم أوله لنا رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.

خطب وبحوث2

معالم في الاجتهاد والابتداع (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم معالم في الاجتهاد والابتداع الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. تقدم معنا أن البدعة من أسباب خاتمة الإنسان ... نفس السابقة إلى نتدارس ثلاثة معالم وهذه المعالم الثلاثة شرعت في مدارستها في المواعظ الماضية وهي: 1. تشريع الأحكام من خصائص ذي الجلال والإكرام.

2. هداية الإنسان ركنان: شرع قويم وعقل سليم ولن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح. 3. منزلة الاجتهاد في شريعة رب العباد. تقدم معنا أن فقهاء هذه الأمة المبارك هم بحث وصدق هم ورثة نبنيا عليه الصلاة والسلام وبينت منزلة الفقهاء في الإسلام ثم تكلمت في الموعظة السابقة عن أمرين اثنين ينبغي للأمة أن تعيها. الأول: إن أقوال الفقهاء تشريع ومع ذلك ليسوا بمشرعين، فالتشريع من خصائص رب العالمين وجمعت بين هذين الأمرين فهم يظهرون الأحكام التي دلت عليها نصوص الشرع الحسان ولا يمكن لهم ولا لغيرهم أن يقولوا في دين الله برأيهم. الأمر الثاني: التي تقدمت معنا دراسته في أمر الموعظة الماضية قلت إن الثروة الفقهية هي من أكبر المعجزات لخير البرية، فأئمتنا الفقهاء كشفوا عن صلاحية هذا الشرع لكل زمان ومكان عن طريق ما استنبطوه من أحكام من آيات القرآن وأحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام وسأكمل هذا الموضوع في هذه الموعظة بإذن ربنا الرحمن، لأنتقل في موعظة التالية لبيان ضلال الفرقة الثانية التي ألغت البدعة من الإسلام.

اخوتي الكرام: الفقهاء بمنزلة الأطباء، حاجة الأمة إليهم كحاجة السمك إلى الماء، نعم كما تقدم معنا مراراً من كلام أئمتنا الفقهاء بمنزلة الأطباء الماهرين، كما أن المحدثين بمنزلة الصيادلة المؤتمنين، لذلك كانت في العصور الأولى نسبة من يعنى بالحديث ويشتغل به تزيد على من يعنى بالفقه ويمهر فيه، يقول أنس بن سيرين رضوان الله عليهم أجمعين وهو من أئمة التابعين كما يروي هذا الإمام الرام هرمزي في كتابه المحدث الفاصل بين الراوي والواعظ في صفحة ستين وخمسمائة صـ560، يقول أنس بن سيرين الذي توفي سنة عشرين ومائة للهجرة 120هـ وقيل ثمان عشر ومائة 118 وهو من شيوخ الإسلام، حديثه مخرج في الكتب الستة، يقول هذا العبد الصالح: قدمت الكوفة وكان قدومه إلى هذا البلد الإسلامي في السنة التي ولد فيها فقيه الملة وإمام الفقهاء الإمام أبو حنفية النعمان رضي الله عنه سنة ثمانين للهجرة 80هـ، قال فوجدت فيها أربعة آلاف طالب يطلبون الحديث ووجدت فيها أربعمائة فقهوا. إن الفقهاء لعلو منزلتهم ولصعوبة عملهم عددهم قليل في كل وقت، ففي العصور المتقدمة في بلدة الكوفة أربع مائة يعنون بالفقه ويشتغلون فيه، وأربعة آلاف يدرسون الحديث ويشتغلون فيه، هذا كان في عصور البركة والسرور في القرن الأول من الهجرة، وأما في زماننا فإلى الله المشتكى، تقاصرت الهمم وضعفت نحو الأمرين (الحديث فبضاعة من يقال عنهم أنهم محدثون في هذه الأيام بضاعة قليلة قليلة، وأكثر من يدعي التحديث، هذه الأيام قد اشتغل بمهمة الحديث، وأما فقهاء هذا الزمان فأكثر اجتهاداتهم ما أنزل الله بها من سلطان.

نعم هذا حالنا في هذه الأيام فيمن يدعي الحديث وفيمن يدعي الفقه ومع هذه الحالة المزرية التي تعيشها هذه الأمة المباركة نشهد مجلاتٍ منكرةٍ ماكره نحو فقه أئمتنا المباركة، ففريق يطالب بمد المذاهب ويدعي أنه يريد أن يعيد الأمة إلى كتاب الله وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام وكأن الأمة، فيما يزيد على عشرة قرون كانت على ضلال ولم تكن على كتاب الله ولا على سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء لا يريدون للأمة إلا ضياعاَ مع ضياعهم وفريق آخر يدعى الصلاح والرشاد والاجتهاد ويريد أشنع وأخبث أنواع الفساد عندما يريد أن يلغي مذاهب أئمتنا الكرام من أجل بعد ذلك أن يهوس في دين الرحمن لما يريد من أجل بعد ذلك أن يوفق ويطوع الإسلام طفاهيم الحياة الغربية في هذه الأيام أناس يدعون العودة إلى الكتاب والسنة، وأناس يدعون الاجتهاد وأنهم زادوا رتبة على أئمتنا الكرام المتقدمين، ثم آل اجتهادهم إلى التوفيق والترقيع بين دين الله وبين قوانين الشياطين، وسيأتين نموذجاً لهؤلاء وهؤلاء بعد المعالم التي كنت وعدت بذكرها في آخر الموعظة الماضية، أفتتح بها هذه الموعظة وأقرر بها هذه المعالم التي ينبغي أن تنقش في قلوب العباد وأن يشرح كل معلم منها في مواعظ لتعلم الأمة أين تسير والتحذير التضليل والأباطيل.

هذه المعالم العشرة كما قلت ينبغي أن يعيها أهل الإسلام في هذه الأيام وأن تحفظ للأولاد الصغار وأن يعتني بها الكبار ليحذروا التضليل هنا وهناك، أول هذه المعالم: إن ديننا يقوم على كتاب الله وعلى سنة نبينا عليه والصلاة والسلام حسبما فهم سلفنا وأئمتنا وكمن دعاء إلى الالتزام إلى الكتاب والسنة دون فهم سلف الأمة فهو ضال، وهذا الكلام كنت ذكرته سابقا فعلق عليه بعض شياطين الأنس فقال إننا نزعم أن كتاب الله لا خير فيه وأن سنة النبي عليه الصلاة والسلام لا خير فهيا ولا يستبعد هذا ممن حرفوا دين الله أن يتلاعبوا بعد ذلك بكلام عباد الله، هذه المقولة لا بد من وعيها على هذه المشاكله، كتاب الله توضحه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام حسما فهم سلفنا، حسبما قرر أئمتنا من صحابه وتابعين. المعلم الثاني: إن اجتهاد وفقه أئمتنا تشريع معتبر لأنه أخذ من أدلة شرعيه ثابته محكمة من كتاب وسنة نبيه الصلاة والسلام. نعم ليس للفقهاء ولا ليغرهم صفة التشريع فهذا من صفة الله وحده لا شريك له. المعلم الثالث: إن التزام منهج من هذه المذاهب هدى وفضيلة ومن يخالف هذا فهو على ضلال وصاحب رذيلة وكيف لا كما قلت إذا كانت اجتهادا أئمتنا شريعة معتبرة فالذي يلتزم بذلك بالهدى والحق يلتزم بالفضيلة وعليه من قال إنه على مذهب أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد وقال أنا ملتزم بهذا فهذا على هدىً وحق وهذا على خير ولا يضلله إلا من كان ضالاً،

المعلم الرابع: لا يحتم على مسلم أن يلتزم بمذهب من هذه المذاهب، فالأمر بالخيار وكما قلت كلهم على هدىً وكلهم على حق، وتقدم معنا اخوتي الكرام في بيان اجتهادات أئمة الإسلام إنهم على صواب في جميع أحوالهم ولا يحكم على قول الواحد بالخطأ إلا إذا اجتهد فيما لا يصوغ فيه الاجتهاد فيما ورد فيه نص ولم يبلغه وما عدا هذا فيما يستنبطه من النصوص الثابتة وغيره كلهم على هدى إذا وجدت فيهم عدت الاجتهاد وآلته وعليه لا يتعين على أحد أن يلزم بمذهب من هذه المذاهب، وإذا أراد أن يصبح حنفياً شافعياً مالكياً حنبلياً، أراد أن ينتقل من مذهب إلى مذهب هو على هدى وهو على استقامة وهو على فضيلة، وهذه المذاهب حققت وهذبت ونقحت من قبل أتباعها كما سيأتينا، فما يوجد من زلل أحياناً يخالف الدليل حذر منه ونبه عليه واستعد من هذا المذهب الجليل لا يتعين على أحد أن يتعبد بمذهب واحد منها دون غيره، فالأمر كما قلت بالخيار، هذا أيضاً ينبغي أن نعيه اخوتي الكرام وهو المعلم الرابع.

المعلم الخامس: من هذه المعالم: إن التعصب المذموم ينبغي أن نعي صورته لأنه حقيقياً كثر اللفظ حوله، إن التعصب المذموم هو أن يقول الإنسان مثلاً أنا على مذهب أبي حنيفة وبقية المذاهب ضلال ورداء، إن هذا تعصب مذموم وقائل هذا ضال مخرف في دين الله، أما لو قال أنا ألتزم في هذا المذهب ولا أخرج عنه، وهذا المذهب أجمعت الأمة على أنه مستمد من كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت الاجتهادات تتفاوت فإذاً هذا معتبر وذاك معتبر كما أجمعنا على هذه القضية، فأنا لا أخرج على مذهب الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة، هذا تعصب محمود، والتعصب المذموم مذهبي هو الحق، ومذهب من عداي باطلة رديئة، فما قال هذا أحد من أئمتنا الأربعة ولا من عداهم، وأما نغمة السفهاء في هذه الأيام من أن اتباع إمام من أئمة الإسلام تعصب مقيت، مقتهم الله على هذا القول المقيت الذي يقولونه، إذا اتبع إنسان إمام من أئمة الهدى وعمل بأقواله صار متعصباً تعصباً مقيتاً، إي والله وقع هؤلاء السفهاء اللذين يريدون ضياع الأمة باسم السنة وقعوا في الفخ الذي نصب للأمة من قبل أعدائها، إن غاية ما يهتم به ديننا في هذه الأيام أنه دين الجمود، عدم التطور، هؤلاء الحامدون ما عندهم ليونة ولا مرونة، هذه الدعوى الذي بثها الغربيون في صفوف المسلمين يريدون منها أن نتزحزح عن دين رب العالمين، فجاء هؤلاء صاغوا هذه الدعوى بصيغة أخرى وقالوا إن الالتزام بمذهب من هذه المذاهب جمود، تعصب مقيت مقتهم الله على هذا القول المقيت الذي فرقوا به أمة نبينا عليه الصلاة والسلام.

اخوتي الكرام: إنا لجمود في ديننا، إن الجمود في أحكام شريعتنا هذا من أعظم الخصائص من القوانين لو كان العباد يعون إنه إذا لم يكن جمود في التشريع ولم يكن ثباتاً واستقرار لكان التشريع عرضة لأهواء البشر كما ستسمعون فيمن نبذوا الجمود، كيف يتلاعبون بالشريعة باسم الإصلاح والدعوة، إن الجمود كما قلت من خصائص هذه الشريعة المطهرة، نصوص ثابتة لا يجوز أن تخرج عنها، أحكام قررت واستنبطت من شريعة الله المطهرة، ماذا تريدون منها؟! أن نطورها وأن نلغيها، ومن أخذ بها يوصف بأنه متعصب، بأنه متحجر، بأنه جامد، كما يوصف المسلم أمام أعداء الإسلام بأنه متعصب جامد أيضاً، الدعوة واحدة ولكن من يدعوننا إليها يختلفون في المسلك. المعلم السادس: إننا عندما نلتزم بمذاهب أئمتنا يجب علينا وجوباً أن نتعلم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن نتعلم الدليل الشرعي ولا نتعلم ذلك الدليل للبركة كما يتهمنا من يتهمنا، نعم نتعلم تلك الأدلة ليتبرك بها بتلاوتها، وقراءتها وفهمها والعمل بها، إننا عندما نتعلم أدلة الشرع المطهر من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ونبذل ما في وسعنا للوصول إلى مراد ربنا،،،، مكانه أئمتنا ومقرن أنه لا يوجد جزئية في فقه أئمتنا إلا واستندت على نص شرعي وهؤلاء الغوغاء في هذا الزمان الذين ينبزون فقه أئمتنا الفقهاء ما واحد منهم قرأ كتاباً في الفقه بأدلته، أخذ معلومات متناثرة من هنا وهناك، ثم ادعى أنه المجتهد المطلق الذي عنده قدرة على الرد على كل صغير وكبير، نعم كما قلت في المعلم السادس نتعلم الأدلة ونعكف عليها كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا خير في الأمة إذا ضيعت ذلك، وعندما نعلم هذا نعلم سداً ورشاد أئمتنا الكرام كيف استنبطوا تلك الأحكام من هذه النصوص الثابتة الحسان.

المعلم السابع: الخطأ يرد على قائله أياً كان وليس عندنا أحد في هذه الأمة معصوماً إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام وعندنا شريعة بعد ذلك يتحاكم إليها الصغير والكبير، وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا عليه الصلاة والسلام، وكل واحد يخطأ ويصيب إلا المصطفى عليه الصلاة والسلام، نعم اخوتي الكرام، نرد الخطأ على من صدر مه أياً كان، لكن عند هذا المعلم السابع على رسلك ورفقاً بنفسك وأعرف قدرك وقف عند حدك. إن الخطأ الذي جرى من أئمتنا لعدم وقوفهم على الدليل أحياناً إن الزلل إن الترخص الذي صدر منهم ووقع نبه عليه ممن هو خير مني ومنك فلا تتطاول على السلف وقف عند قدرك.

نعم نبه أئمتنا على هذا وكما قلت شريعة محكمة تتابع عليها أمة النبي عليه الصلاة والسلام تتابع عليها عشرة قرون، أما وجد في هذه الأمة طائفة ظاهرة على الحق يبينون أقوالاً ضعيفة وترخصات شاؤه بلى وجد، فإذا وجد خطأ نبه عليه من قبل من تقدمنا من أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين، ولا أعني بهذا المعلم السابع أن كل واحد منا إذا قرأ مسألة ما راقت له قال خطأ (الإمام الشافعي، لكن ما بقى في قلوبنا خشية لربنا ولا احترام لأئمتنا متكئاً على أريكته وبقهقة أخطأ الشافعي وما فهم المسألة، الإمام أحمد، ومن هذا الكلام المنكر الخطأ يرد ولكن من الذي يرد الخطأ، اعرف قدرك، أئمتنا حذروا من سقطات وزلات وهفوات وعترات يقع فيها البشر على حسب ضعفهم البشري فهذا الذي حذرنا منه وينهنا عليه صحيح من قبل من تتابع هذه المذاهب، وكفا الله المؤمنين القتال، يقول العبد الصالح سليمان التميمي الذي توفي سنة ثلاثة وأربعين ومائة للهجرة 143هـ وحديثه في الكتب الستة كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وصلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة رضي الله عنه وأرضاه يقول هذا العبد الصالح (من تتبع زلل العلماء ظل ومن أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله) وهذا الكلام ينقله عنه الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، وينقله عنه الإمام أبو نعيم في ترجمته في الحلية وينقله الإمام الذهبي في السير وفي تذكرة الحفاظ وينقله الإمام الخلال في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم نقل الإمام الخلال بعد هذا الأثر أثرين عن عالمين صالحين أولهما معمر بن راشد نزيل اليمن، أبو عروة الذي توفي سنة أربعة وخمسين ومائة للهجرة 154هـ، إمام ثقة عدل رضي، حديثه أيضاً في الكتب الستة يقول أيضاً (من تبع زلل العلماء اجتمع فيه الشر كله) ونقله هذا أيضاً عن شيخ الإسلام إبراهيم بن أدهم من العلماء الصالحين الربانيين توفي سنة اثنتين وستين ومائة للهجرة 162هـ، حديثه في الأدب المفرد

للإمام البخاري، وفي سنن الترمذي، ونص كلامه (من حمل شاذ العلم حمل شراً كثيراً) ولذلك يقول الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في الجزء الأول من إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان الجزء الأول كما قلت صفحة ثلاثين ومائتين 1/230 (من تبع زلل العلماء تزندق أو كاد) نعم كما قلت الأخطاء حذرنا منها وبذلك انتهينا منها من قبل من حذرنا من أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين.

المعلم الثامن: إذا كنا نرد الخطأ كما قلت، فينبغي نحن في أنفسنا أن نتروى وأن نتأدب مع أئمتنا وأن لا نتسرع في تخطيء من سبقنا، ولو قُدر أنه بلغنا نص بخلاف ما عليه أئمتنا فينبغي أن نتوقف ونتوقف ونتوقف ونبحث ونبحث ونبحث، لعله قد يأتينا الموت ولا نصرح بخطأ أئمتنا فهذا خيرٌ لنا، اعلم هذا يا عبد الله، قف عند قدرك ولا تتسرع بتخطيء أئمة الإسلام، وأما إذا بلغك بعد ذلك أمر فهمت منه شيئاً ثم نظرت فيما عليه أئمة الإسلام هم على خلافه أصدرت الفتية أنهم على خطأ وأنت على صواب، ولما تنبه وتنبه وتنبه، أنت المخطئ تتهجم على الصغير والكبير، هذه هي دعوى الإصلاح، وهذه هي العودة إلى الكتاب والسنة، انظروا إلى بعض الشاذين في هذا العصر (سمعت له أشرطة متتابعة مع تقريره لهذا في كتب كثيرة (الذهب المحلق حرام لبسه على النساء) لا يجوز للمرأة أن تلبس الخاتم، ولا القلادة ولا القرط ولا الأسوره ولا ولا ... هذا حرام..

وإذا لبست هذا فهي في النار، وأباح للمرأة استعمال الأزرار من الذهب وكذا المشط من الذهب، يكرر هذا بلا ملل وهو صاحب كلام وجدل ومن قال هذا من الأئمة الأربعة ولا أحد، فلما نبه على هذا من قبل أهل الخير والصلاح والفضيلة تردى في نفسك وأنت في هذه المسئلة قد خالفت الإجماع، فقد حكى الإمام البيهقي الذي توفي سنة ثمانية وخمسين وأربعمائة 458 حكى الإجماع على حلي لبس النساء للذهب، وتبعه الإمام النووي الذي توفي سنة ستة وسبعين وستمائة 676 وتبعهم الإمام ابن حجر الذي توفي سنة اثنين وخمسين وثمانمائة 852، أئمة ثلاثة وعداهم يحكون إجماع العلماء، إجماع المسلمين على جواز لبس الذهب للنساء، لابد من المخالفة والرد على الصغير والكبير تحت ستار العودة إلى الكتاب والسنة، ثم عندما ينبه يقول أنت جمهوري لمن ينبه، أي أنت تسير مع الجمهور وأنت تقلد المحدثين ويتهكم بهذا وذاك، عباد الله كما قلنا نرد الخطأ لكن نعرف قدر أنفسنا، ونقف عند حدنا ولا نتطاول على أئمتنا، ومن البلاء في هذه الأيام أننا على خطأ ثم نخطئ أئمة الإسلام، إن نساء المسلمين شرقاً وغرباً يلبسن الذهب المحلق وهذا أمر ورثه الخلف عن السلف وحلة معلوم في دين الله بالضرورة ثم يأتي بعد ذلك يخالف وليته رأياً له يخالف، وليته رأياً له يقوله ويلزم به أهله، إنما فتيي تليها فتيي، كلام لا ينقطع وكأنه عندما يريد أن يقرر تحريم الذهب على النساء كأنه يريد أن يخلص دين الله من الملحدين، كأنه ما بقي في هذه الأمة إلا الإعلان بأن الذهب محرم على نساء أهل الإسلام.

المعلم التاسع: إن الفتيا ينبغي أن تكون على حسب المذاهب الأربعة، بل على حسب المذهب المنتشر بين المسلمين في مصر من أمصارهم، فإذا كنت طالب علم ورزقك الله ذكاء وبصيرة وإنصاف ومعرفة، وكنت قرأت مذهب الإمام الشافعي ورأيت فيما رأيت أن دليل الإمام مالك في هذه المسألة أقوى (فخذ به) وهذا فريضة الله عليك، لكن إياك أن تنشر هذا بين الناس، فذاك المذهب اتفقنا على صحته وعلى سلامته وبلدة من أولها إلى آخرها يتعبدون الله بمذهب هذا الإمام الذي أجمعت الأمة على صواب ما فيه، أنت رأيت خلاف ذلك اعمل به ولا حرج ولا حضر عليك، لكن إياك إياك أن تخرج على هذه الأمة وأنت تقول هذه المسألة في مذهب الشافعي مرجوحة وأنا رأيت أن مذهب الإمام مالك في هذه المسألة أرجح، قف عند حدك، الفتيا ينبغي أن تتقيد بما في المذاهب الأربعة، بل بما في مذهب إمامٍ مما انتشر في ذلك المكان، وهذا من أجل المحافظة على وحدة المسلمين، والقضاء على القيل والقال مما انتشر في هذا الزمان. وسأقرر هذا عما قريب بكلام أئمتنا وعلى رأسهم الإمام الذهبي عليه رحمة الله. المعلم العاشر: إياك ثم إياك ثم إياك أن تقول قولاً لم تسبق إليه مهما كانت قوته عندك، قول ما قيل في هذه الأمة وما عرف فيها، كما كان أئمتنا يوصون بذلك وفي مقدمتهم الإمام المبجل أحمد بن حنبل عليه رحمة الله، عند هذا المعلم العاشر أعرض عليكم فتيين أفتى بهم بعض الناس في هذه الأيام.

الأولى: بعض الدعاة في الدنمرك وأرسل إليَّ الشريط من قريب بعض الناس هناك، أفتى بطريقة الذبح التي تحصل هناك، وهل هو مصيب أم مخطئ، هذا بحثه في محله، إنما أريد أن أقول ما يتم في ذبح عن طريق الطلقة المسترجعة بحيث يُأتى بمسدس فيه حديدة طويلة إذا أطلق تخرج هذه الحديدة بمقدار عشرة سنتي تدخل في رأس البهيمة بحيث تلقى على الأرض ثم بعد فترة يجهز عليها وتذبح أو عن طريق الصعق الكهربائي في الدجاج من أجل أن تخدر بتيار مخفض ثم بعد ذلك تذبح، وهو أقر أنه يموت نسبة كبيرة من هذه الحيوانات قبل أن يُزكى تزكية شرعية، هذا الداعي أفتى بحل هذه المطرق الذي يُذبح بها هناك، لكن قيد الفتيا بشهرين قال يباح لكم ذلك لمدة شهرين إن التزمتم بذلك وغيرتم طريقة الذبح فأنا أفتي بأن الذبح الآن حلال ويصدر إلى بلاد المسلمين وإلا فلا، فلما نوقش ونوظر من قبل الأخوة هناك، كيف هذا قال إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه كما كره أن تؤتى معصيته، هذه رخصة، رخصة لمدة شهرين؟! من المرخص هل أنت صرت مشرعاً من الذي رخص بهذا في هذه الكيفية في الذبح ومن الذي حددها بشهرين، إن هذه الطريقة إن كانت جائرة فهي جائزة جوازاً مطلقاً لا يجوز أن تحددها بشرين ولا بسنتين وإن كانت محرمة فهي محرمة ولا تم ذبح ذبيحة واحدة بسببها، أم التحديد بشهرين هذا ليس من اختصاصك، هذا من اختصاص الله الذي له التشريع الذي له الحكم والأمر، رخصة ويستدل؟! ما شاء الله؟؟ ما أشط وأشذ المجتهدين في هذا الحين، ولعله زادت نسبة المجتهدين في هذه الأمة على نسبة الدارسين المتعلمين وهذه مستنداتهم (أقيدها بشهرين وإذا ما غيروا طريقة الذبح فأنا سوف أسحبها منهم وأقول إن طريقة ذبحهم حرام) .

وضال آخر من بلاد الشام أيضاً ألف كتاب وسماه (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة) وهو مهندس ضال وأنزه هذه البيت الكريم عن ذكر اسمه وعلق على كتابه وقرصنة دكتور أضل منه وخلاصة كلام هذا الإنسان في هذا الكتاب الذي زاد عن ثمان مائة صفحة 800صـ يقول إنه في كتابه لن يأخذ بالفقه الموروث وسيذكر شيئاً لا يوجد في كتب السلف والأئمة المتقدمين ثم يقول للقارئ لا تعجل عليَّ بالحكم على حسب العاطفة لا نني سأخرج عما هو موروث إنما أنا سأقرأ قرأ معاصرة وأستنبط منها الأحكام، جاء ليستنبط بعض الأحكام المتعلقة بحجاب النساء في سورة النور، وليضربن بخمر رهن على جيوبين قال الجيوب جمع جيب والجيب طبقتان بينهما خرق، وعليه يجب على المرأة أن تستر الطبقتين اللتين بينهما خرق، يقول هذا في الفرج وفي الدبر وتحت الإبطين وبين الثديين، هذا الذي يجب على المرأة أن تستره عن الأجانب وأمامهم ثم تقدم عارية بعد ذلك كاشفة الأفخاذ، كاشفة الصدر.. الرأس.. الظهر، كل لا يوجد دليل يلزمها بالحجاب لأن الله يقول {وليضربن بخمرهنَّ على جيوبهنَّ} والجيوب جمع جيب، طبقتان بينهما خرق فأين يوجد طبقتان بينهما خرق في جسم المرأة تستره وما عد هذا تكشفه، قال وهذا أمام الأجانب وأما أمام المحارم من أب وأبن فيجوز للمرأة أن تظهر عارية كما ولدت، قال ولا يجوز للأب أن يقول لها أن هذا حرام، قال وإذا ما اعتاد العرف هذا فليقل لها إنَّ هذا عيب، أما حرام لا يجوز أن يقول إنَّ هذا حرام لأنه يفتري على الرحمن عندما يحرم هذا فالله قد استثنى الزوجة والمحارم من هذا الأمر ويجوز أن يطلعوا على الزينة الباطنة، وأما الأجانب المرأة تستر أمامهم الجيوب فقط، أما المحارم فتقوم أمامهم عارية، إياك ثم إياك أن تقول شيئاً لم تسبق إليه، هذه المعالم العشرة لابد من وعيها. الأول:- أن ديننا يقوم على الكتاب والسنة حسبما فهم سلف الأمة. الثاني:- أن اجتهاد أئمتنا تشريع.

الثالث:- أن التزام بمذهب من مذاهب أئمتنا هدى وفضيلة. الرابع:- لا يلزم المسلم بالتزام مذهب بعينه. الخامس:- التعصب المذموم أن ينتسب الإنسان إلى مذهب ويقول إن المذاهب الأخرى باطلة ضالة. السادس:- ينبغي أن نتعلم الأدلة لنكون على بصيرة وبينة من أمرنا ولكي لا نع من قبل من يتسفه على أئمتنا. السابع:- نرد الخطأ على من صدر منه أين كان ونلتمس لأئمتنا الأعذار الحسان. الثامن:- لا نتسرع في تخطيء من سبقنا، وينبغي أن نعرف قدرنا. التاسع:- الفتيا لا ينبغي أن تخرج عن المذاهب الأربعة بل ينبغي أن تتعد بالمذهب الذي يوجد في ذلك المصر. العاشر:- إياك ثم إياك أن تقول شيء لم يُسبق إليه. وهذه المعالم وعدتُ بينها في الموعظة الماضية وينبغي أن يعيها المسلم في الأيام الحاضرة بعد هذا أعود إلى الفرقتين. الفرقة الأولى: التي تطالب بنبذ المذاهب وتريد أن تعيد الأمة إلى كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. والفرقة الثانية: أرخت لنفسها العنان وادعت الاجتهاد في الإسلام وقربت بين تشريع الرحمن ونظام الشيطان.

أما الفرقة الأولى:- أناس من ظاهرهم خير ويدعون الالتزام بالكتاب والسنة ولكن كما قلت وقعوا في فخ وشرك ومصيدة أعداء المسلمين فصاروا يخدمونهم من حيث يشعرون أومن حيث لا يشعرون، فهذا قائل منهم يقول إن الأمة الإسلامية في هذه الأيام في صحوة؟! ما هي الصحوة فيها قال بدأت تعود إلى الكتاب والسنة ونبذت مذاهب الأئمة لم تتقيد بها، يقول من قرابة خمسة عشر 15 سنة، الأمصار الإسلامية تلتزم بالمذاهب الأربعة فضلاً عن ما قبلها، أما الآن كتاب وسنة وخروج على مذاهب الأئمة، صحوة، وأنا أقول لهذا الجاهل الذي لا يدري ما يقول (والله ما مر على الأمة الإسلامية زمان! الأمة الإسلامية انحطت في علمها وفي فكرها وفي عزيمتها وقصرت في عملها، وتشتت في ذهنها ووقعت البغضاء بينها كحال الأيام التي نعيشها؟ هذه صحوة ضلال ليس بعده ضلال ضلال تعيشه الأمة من هذه الأيام الخروج عن مذاهب أئمتنا الكرام باسم العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكأن الأمة الإسلامية كانت على ضلال وردى، يعبدون الله بآرائهم التي ما أنزل الله بها من سلطان على رسلك أيه الإنسان والله ما المجتهد فينا إلا كالاعب فيمن سبقنا، والله ما المحقق بيننا إلا كطويلب بين يدي أئمتنا، إذا كان الخطيب البغدادي وهو من علماء القرن الخامس للهجرة وتوفي سنة ثلاثة وستين وأربعمائة للهجرة 463هـ يقول (إذا ذكر السلف فما نحن بجنبهم إلا كنجم صغار بجانب نخل طوال) ، فماذا نقول؟ والله إذا ذكرنا من تقدمنا فما نحن بجنبهم إلا بمثابة الشياطين مع المهتدين فأي صحوة مزعومة في هذا الحين.

اخوتي الكرام: هل تروا نموذجاً على هذا، استمعوا إلى هذه القضية التي لن ينقضي عجب الإنسان من الفوضة العلمية في هذه الأيام التي نعيشها، كتاب ألف في هذا العصر يسمى (فقه السنة) ما أجل هذه التسمية لكن ما أشد وقعها كأننا في هذا الكتاب فقه السنة مستنبط منها، وبقيت كأن مذاهب الأئمة الكرام فقه لبني الإنسان، أما هذا فقهٌ للسنة، كما قلت ما أجل هذه التسمية وما أشد وأشنع المحتوى في أول الكتاب يعرض بأئمتنا الكرام الذين تقيدوا بمذاهب أئمة الإسلام وأنهم ما دعاهم إلى التقيد بالمذاهب إلا الأعطيات والوقوف التي وقفت على المدارس التي تتبع المذاهب يا عبد الله هذا يمكن أن يتصف به أنا وأنت أن نركض وراء (الريال) أما أئمتنا الأبرار، فحاشاهم، حاشاهم من هذا العار، سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم. أما محتوى الكتاب أترك التسمية فيشتمل على ثلاثة أمور:- أراء شاذة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان تحت ستار فقه السنة، تلفيقٌ وترقيع بين مذاهب أئمة الإسلام دون تحقيق ونسبة الأقوال إلى قائلها. أمر ثالث:- نقل من القوانين في هذا الحين تحت ستار فقه السنة.

وهذا الكتاب يعرض من قبل من يقال عنهم في هذا الحين إنهم أيضاً من أقطاب السلفية وما أعلم هل صار للسلفية أقطاب كأقطاب الصوفية، حقيقة ما أعلم هل أقطاب السلفية نزلوا أنفسهم منزلة أقطاب الصوفية، فكنا وما نزال نعاني من أقطاب الصوفية والضلال الذي عندهم، فبتلينا بأقطاب أيضاً السلفية، يقول في تقريضة لهذا الكتاب أنه ما قرأ كتاب في فقه من هذا الكتاب، وحث إخوانه السلفيين على قراءة هذا الكتاب وانتشر بين صفوف السلفيين في كل مكان، ثم كر على هذا الكتاب بعد المدح بأشنع أنواع القدح، وبعد الثناء بالذم، فقال إن هذا الكتاب جامدٌ لا يتطور مع الزمن ونقده في أربعة عشر خصلة، لو فصلت هذه الخصال لزادت تفصيلاتها والأدلة عليها على حجم الكتاب ثلاث مرات، وألف كتاباً (إتمام المنة في التعليق على فقه السنة مجلد وفقه السنة ثلاث مجلدات وتمام المنة يعلق فيه على نصف الجزء الأول من الأجزاء الثلاثة ويرد عليه جموده ويرد عليه تصحيحه للأحاديث الضعيفة ويرد عليه تضعيفه للأحاديث الصحيحه ويرد على نسبته الأحاديث للصحيحين ولست فيها، كما قلت هذا مجلد يعلق به على نصف المجلد الأول في فقه السنة فكيف لو علق على النصف الثاني من المجلد الأول وعلى المجلدين الآخرين، كم سيكون التعليق وهذا كما قلت فقه سلفي، سبحان الله ما هذا الضياع ما هذا الافتراء والشتات، ذمٌ بعد ثناء، ونقدٌ بعد إطراء، وقدحٌ بعد مدح، كتاب يؤلف ثم يرد على نصفه بمجلد ثم بعد ذلك مهاترات بين الأمة، بعد أن يثنى على هذا الكتاب، أما المسائل فسأذكر مسألتين اثنتين مما في هذا الكتاب، وهذا الذي دعاني للكلام عليه بعض من أئمة المساجد هنا، قال لي يا شيخ ما حكم التصوير قلت عندك شك إنه حرام في شرع الله الجليل هذا الذي عليه أئمتنا، وقد حكى الإمام النووي هذا عن أئمة الإسلام الكرام في شرح صحيح الإمام مسلم سوى صورة مما له ظل أولاً ظل له، قال في فقه السنة إن الصورة (الفتوغرافية) والصور

التي على الجدران وعلى الستائر هذه حلال، قلت أيضاً في فقه السنة قال في فقه السنة، أين دلت السنة المطهرة على حل التصوير الفتوغرافي أين دلت هذا يحتاج إلى نص صريح صحيح ليكون معجزة من معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه أشار إلى هذا التصوير الفتوغرافي أين دلت، إذا أنت فهمت هذا ولا أريد أن أقول إن فهمك مردود أو مقبول، إذا فهمت هذا على ما ينسب إلى السنة يقول الإمام ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين الجزء الرابع صفحة خمسة وسبعين ومائة 4/175 كانت عادة السلف أنهم إذا استنبطوا حكماً ما دلت الأية عليه صراحتاً ولا الحديث يقول هذا رأيي وهذا اجتهادي، أما أن يقول قال الله وقال الرسول فلا ثم لا لأن الله يقول {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب * إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} السنة دلت على هذا، وهذا فقه السنة التصوير الفوتوغرافي حلال، سبحان ربي العظيم، أين دلالة السنة على هذا ثم يقول لهذا عدا أنه ما دلت السنة لا تأدبت مع ظواهر النصوص التي حرمت التصوير، ولا فهمت مراد الشرع المطهر من تحريم التصوير، إن الأحاديث تواترت عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن تحريم التصوير والتصوير شامل التصوير الفوتوغرافي والتصوير اليدوي على الجداران أو على الستائر كل هذا تصوير وخذ هذه الصورة إلى ستار البادية وقل يا أمة الله ما هذه تقل هذه صورة، صورة يا ولدي صورة، فلو وقفت مع ظواهر النصوص فالصورة حرام ولو بحثت في مقاصد الشرع من تحريم التصوير لو بحثت.

وفي المعنى الذي من أجله حرم التصوير مضاهاة خلق الله ولئن لا تكون هذه الصور ذريعة للعبادة من دون اله، فهذا موجود في التصوير الفوتوغرافي والنحت وغيره، فما الذي فرق بينهما ـ ثبت في المسند والصحيحين من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سترت سهوت في البيت والسهوة هي الحرانة الطاقة فتحة مقران فيه تصاوير ن قران ستر، ستارة فيها تصاوير فلما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الباب وقف وقال ما هذا يا عائشة أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون في خلق الله، أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما صنعتم فأخذت هذا القران وقطعته قطعتين، هذا تصوير، تصوير على ستارة وقد نهاها عنه نبينا عليه الصلاة والسلام.

وثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربع إلا سنن أبي داود من حديث أبي طلحة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب لا صورة] صورة مطلقة، وهل سيجعل في البيوت صورة أصنام؟ صورة من فوتوغرافية أو ستارة أو إلى غير ذلك، فأين دلت السنة على حل الصورة الفوتوغرافية، لكن يرخص للإنسان أن يقول ما شاء تحت ستار نبذ مذاهب أئمتنا وعدم اتباعهم، فقه السنة التصوير الفوتوغرافي حلال والسنة حلت على هذا، وأنا أقول لهذا ولمن قرصن كتابه ولمن يعنى بهذا الكتاب أقول والله الذي لا إله إلا هو لو كان التصوير الذي لا ظل له مباحاً وحلالاً لأجرم الصحابة في حق هذه الأمة وقصروا مع نبيها - صلى الله عليه وسلم - تقصير تقصيراً لا نهاية له، فإن قال قائل كيف نقول هلا رسموا لنا صورة النبي - صلى الله عليه وسلم -، الله إن النظر إلى صورته أحب إلينا من وجود الروح في أبداننا، فإذا كان التصوير جائزاً فهلا رسموا لنا صورة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا تأدبنا مع ظواهر النصوص ولا فقهنا في النصوص ثم بعد ذلك فقه سنة، ثم بعد ذلك فقه جامد. المسألة الثانية اخوتي الكرام: موضوع إرث الحمل، إرث الحمل ذكر قولاً خرج به عن المذاهب الأربعة الحمل يقول الحمل يرث من والده إذا مات بشرط أن يولد الحمل هذا الذي في بطن المرأة من زوجها أن يولد ضمن خمسة وستين وثلاثمائة 365 يوم ينبغي أن يولد في هذه المدة كما هو تقرير الطب الشرعي لو ولدت بعد ذلك لا يرث هذا الحمل ثم قال وهذا الحمل لا يرث من غير والده إلا في حالتين:- الحالة الأولى:- أن يولد أيضاً هذا الحمل ضمن 365يوم أن يولد ضمنها إذا كانت المرأة معتدة من طلاق أو وفاة.

الحالة الثانية:- أن يولد حياً، 270 يوم على الأكثر من تاريخ وفاة المورث إن كانت من زوجته قائمة وقت الوفاة ويريد بذلك كما لو مات ابنها الذي هو أخٌ للحمل من أمه مثلاً، فهل يرث الحمل منه؟ يقول يشترط لإرثه ولادته تسعة أشهر من موت مورثه، يعني من موت أخيه من أمه، وأنا أقول ما الفارق بين هذه الصورة والتي قبلها ومن قال بهذا من المذاهب الأربعة المتبعة؟ وهل هذا القول معتبر؟.

اخوتي الكرام: لابد أن نعي وضعنا هذه الأيام وكثير ممن يدعي في هذا الوقت الرجوع للكتاب والسنة وهو خطر على السنة ممن يحارب السنة، وقد أشار أئمتنا إلى هذا فاستمعوا إلى هذا الكلام الذي يذكره ابن رجب الحنبلي في كتابه فضل علم السلف عن الخلف صفحة ثلاثة عشر صـ13 والإمام ابن رجب الإمام التقي الورع العابد البحر الصامت الذي توفي سنة خمسة وتسعين وسبعمائة للهجرة 795هـ، وفي زماننا أي في القرن الثامن يتعين كتابه كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد، وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم فإنه حدث بعدهم حوادث كثيرة، وحدث إلى من انتسب إلى متابعة السنة والحديث من الظاهرية ونحوهم وهم أشد مخالفة لها لشذوذه عن الأئمة وانفراده عنهم بفهم يفهمه أو يأخذ ما لم يأخذ به الأئمة من قبل، وكما قلت عند المعلم التاسع من المعالم المتقدمة قلت أنقل كلام الإمام الذهبي بأن الإنسان لا يخرج في الفتية عن المذاهب الأربعة، بل يلتزم بالمذهب الذي ينتشر في ذلك المصر من أمصار المسلمين، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء في الجزء الثامن صفحة تسعين إلى خمسة وتسعين صـ90 ـ صـ95 في ترجمة الإمام المبارك الإمام مالك بن أنس يقول بعد أن ذكر من كان يقلد من أئمة الإسلام بداً من الصحابة الكرام إلى زمنه قال: ولم يبقى اليوم إلا هذه المذاهب الأربعة وقل من ينهض بمعرفتها كما ينبغي فضلاً عن أن يكون مجتهداً ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقهاً وسعة علماً وحسن قصدٍ فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير في مسائل لاح له الدليل وقامت عليه الحجة فلا يقلد فيها إمامه، بل يعمل بما تبرهن، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان، لكنه لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه أو ليصمت بما خفي عليه دليله، هذا الأمر كما قلت اخوتي الكرام نحو الفرقة الأولى التي نبذت مذاهب أئمتنا الكرام ودعت على زعمها إلى العودة إلى كتاب

الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -. والفريق الثاني: وهم بلا شك أخطر من هؤلاء وفريق ثاني ادعوا الصلاح والاجتهاد وأرادوا من ذلك أن يطوعوا الإسلام للمفاهيم الغربية الجاهلية التي يعيشها البشر هذه الأيام، دعوات الإصلاح وحالهم كما قال الله: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} ، الدعوة الإصلاحية الردية التي دعا إليها (محمد عبده) وقد هلك سنة ثلاثة وعشرين وثلاثمائة بعد الألف 1323هـ ما خرج وما حصل بتلك الدعوة وما أوحي بتلك الدعوة إلا من قبل الإنجليزي اللعين (كرومر) وقد زين لهذا أن يخرج على مذاهب المسلمين وأن يقول بالاجتهاد، ليقول بعد ذلك كل واحد في دين الله ما شاء، ووصل الشطط بعد ذلك تحت ستار دعوة الإصلاح أن يفتي محمد عبده أنه لا مانع من لبس البرانيط ولا مانع من الاستعانة بالكفار في أمور الحياة فيما ينفعهم في الدنيا ولا يذكر لذلك ضابطاً ولا شرطاً ولا قيداً ولا مانع بعد ذلك من حل الذبح بالبلطة أو بالشرارة الكهربائية، بل لا مانع بالحكم بالقوانين الإنجليزية لأنها أقرب إلى الإسلام من غيرها، هي هي دعوة إصلاح ويراد منها الإفساد، نشهدها أيضاً في هذا الوقت بعد وفاة هذا الإنسان بتسعين سنة 90سـ، سبحان ربي العظيم، تلبس برانيط الكفار، يوضع الصليب وفي الصدور ثم هذا لا مانع منه، نصوص الإسلام تتسع لذلك، وقد وصل به الأمر أنه كان يلي رتبة الإفتاء ومع ذلك يلي رتبة الاستشارية، هو مستشار في محكمة الاستئناف التي تحكم بالقوانين الفرنسية، نعم إن صدورهم اتسعت لأن توسع بين شرع الرحمن ونظام الشيطان، فهنا يفتي على حسب الإسلام، وهنا يقضي على حسب القوانين الفرنسية، دعوة الإصلاح التي وجدت وانتشر بعد ذلك منها من البلاء ما انتشر اخوتي الكرام كلها قامت على نبذ المذاهب الأربعة وأن هذا جمود ينبغي أن تتخلص الأمة منه، وتراهم يتململون في كل ساعة من المذاهب

الأربعة ثم بعد ذلك يرتمون في أحضان الكفار ويقدمون طاعتهم على طاعة العزيز الغفار، وخلاصة الكلام اخوتي الكرام هذه المعالم الثلاثة ينبغي أن نعيها تمام الوعي (1) التشريع من خصائص الله جل وعلا. (2) لهداية الإنسان ركنان: شرع قويم، وعقل سليم. (3) منزلة الاجتهاد في الإسلام كما تقدم معنا منزلة عظيمة، وهذه الاجتهادات أحكام شرعية وأصحابها ليسوا بمشرعين والثروة الفقهية هي من أعظم معجزات نبينا خير البرية. أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. اخوتي الكرام: كل هذه الدعوات الضالة الباطلة ينبغي أن تحذرها من زعم أن الفقهاء مشرعون فهو ضال كما تقدم معنا، ومن زعم أن كلام الفقهاء هو أقوال رجال لنا أن نقول كما قالوا ضال ينبغي أن نحذر قوله ن ومن زعم أن مذاهب الأئمة الأربعة كما تقدم معنا بنيت على السياسة وعلى أهواء الحكام فهو ضال يرف بما لا يعرف، وقد ذكرت بعض أحوال أئمتنا كما تقدم، وأختم هذا الأمر بحال الإمام المبارك إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه توفي سنة تسعة وسبعين ومائة للهجرة 179هـ عندما أفتى بأن طلاق المكره لا يقع وقد ثبت هذا عن عدة من الصحابة الكرام.

ففي مصنف ابن أبي شيبة وسنن سعيد بن منصور عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ليس (لا يقع طلاق المكره ولا المضطهد، ليس على المكره ولا المضطهد طلاق) والأثر علقه الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباسٍ ونقل هذا المعنى الإمام ابن أبي شيبة عن عدة من الصحابة عن عمر وعن ابنه عبد الله وعن عدة من التابعين عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري والضحاك وقتادة رضوان الله عليهم أجمعين طلاق المكره لا يقع وقد وصل الأمر بحكام بني العباس أنهم كانوا يأخذون أيمان البيعة ويأكدونها بالطلاق ويقال لهم نسائهم طوالق، عبيده أحرار، ماله صدقة إذا نكث البيعة، قال الإمام مالك طلاق المكره لا يقع فما راق هذا للحكام، فاستدعاه جعفر بن سليمان الوالي على المدينة من قبل أبي جعفر في زمن الخلافة الإسلامية العباسية ونهاه عن هذا القول فلم ينتهي فما كان من هذا الحاكم إلا أن اشتط فسخم وجه الإمام مالك نور الله وجهه ونور قبره رضي الله عنه ورحمة وما حصل له من ذلك التسخيم إلا رفعة قدر في الدنيا والآخر، فسخم وجهه وكساه بالسواد وشحورا وجهه ثم أركبه على حمار مقلوباً وجهه إلى مؤخرة الحمار وطيف به في مدينة نبينا المختار عليه الصلاة والسلام وقيل للإمام مالك نادي على نفسك فكان يقول أنا مالك بن أنس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فليعرفني، طلاق المكره لا يقع، فمثل هؤلاء الأئمة ينبني فقههم على السياسة حاشهم من ذلك، رجمة الله ورضوانه عليهم أجمعين اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا الإيمان وزينه في قلوبنا. وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك. ومن المقربين لديك. وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك. اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات والحمد لله رب العالمين وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .

ما يصل للميتين باتفاق المسلمين

ما يصل للميتين باتفاق المسلمين (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم ما يصل للميتين باتفاق المسلمين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين، شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطاً مستقيما، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير. اللهم الحمد كله ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم {فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الأخوة الكرام.. تقدم معنا أن الابتداع في الإسلام يؤدي إلى سوء الخاتمة للإنسان، نسأل الله حسن الخاتمة وأن يجعل خير أيامنا يوم لقائه، وهذا الأمر أعني البدعة قلنا سنتدارسه ضمن ثلاثة مباحث.

أولها:- في تعريف البدعة. وثانيها:- في النصوص المحذرة من البدعة. وثالثها:- في أقسام البدعة. ولازلنا نتدارس المبحث الأول اخوتي الكرام ألا وهو تعريف البدعة وقلت فيما مضى إن البدعة هي الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان مع زعم التقرَّب بذلك إلى الرحمن، وذلك الحدث لا تشهد له نصوص الشريعة الحسان. اخوتي الكرام: وهذا التعريف السديد الرشيد الذي قرره أئمتنا الكرام ضل نحوه فريقان من الأنام. فرقة غلت وأفرطت في تعريف البدعة فأدخلت فيها ما ليس منها. وفرقة قصَّرت وفرطت في تعريف البدعة فألغت البدعة وابتدعن ما شاءت وعبدت ربها على حسب هواها وهي تزعم أنها تعبد مولاها. أما الفرقة الأولى: فتقدم معنا مناقشتها ولا زلنا في التحذير منها، قلت إنهم أهل غلوٍ وشطط ودين الله بين الغالي والجافي، وهذا الغلو انحصر في أمرين اثنين منهم الأمر الأول كما تقدم معنا حكموا بالبدعة والتضليل على ما شهد له الدليل وقال به إمام جليل، بل زادوا على هذا وهذه الضلالة الثانية، منهم فحكموا بالبدعية على ما صرحت به النصوص الشرعية بأنه ما راق له قولهم الردية وتذاكرنا اخوتي الكرام أمثلة كثيرة حكم عليها بالبدعة من قبل هؤلاء السفهاء المبدعين ولا تدخل في تعريف البدعة عند أئمتنا الراسخين وسأختم الكلام في هذه الموعظة والتي تليها على أمرٍ أيضاً يزعم هؤلاء أنها بدعة وليس ببدعة، إنما هو هدىً ورشاد، وهذا الأمر هو إهداء القربات، إهداء الطاعات، إهداء الخيرات والحسنات، إهداء الأعمال الصالحات إلى الأموات. اخوتي الكرام: هذه المسألة لها شقان: الشق الأول: والجانب الأول منها عليه اجتماع واتفاق ولا يخالف فيه إلا أهل الضلال والبدع والأهواء. والشق الثاني: حصل فيه اختلاف وافتراء بين أئمتنا الأتقياء، لكن الراجح ما قرره جمهور العلماء كما سيأتينا إن شاء الله.

وموعظتنا ستكون في الأمور المتفق عليها، وأما الأمور المختلف فيها والتي هل يصح إهدائها إلى الأموات بعد موتهم فسأتكلم عنها في الموعظة الآتية إن شاء الله. اخوتي الكرام: قرر أئمتنا الأتقياء أن أربعة أشياء تصل إلى الأموات بعد موتهم وينتفعون بها في قبورهم عند ربهم بعد رحيلهم ومفارقتهم للحياة الدنيا، وهذه الأمور الأربعة من خالف فيها شيئاً منها فهو ضال مبتدع، وكما قلت عليها الإجماع والاتفاق. أولها:- ما تسبب الإنسان في عمله ووجوده بعد موته. وثانيها:- دعاء المؤمنين واستغفارهم للأموات بعد موتهم. وثالثها:- الحج والعمرة للأموات. ورابعها:- قضاء الديون عنهم والتصدق عنهم. فهذه الأمور الأربعة تصل إلى الأموات وينتفعون بها بعد موتهم باتفاق علماؤنا الكرام. وسأذكرها مفصلة مقررة بأدلتها الثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام. أما الأمر الأول منها:- ما تسبب الإنسان في وجوده وفعله وبقائه بعد موته يكتب له أجره ما دام ذلك العمل قائماً يعمل به بعد موته، ولو استمر ذلك العمل إلى يوم القيامة، فالأجور تكتب للإنسان ما دام ذلك العمل مستمراً باقياً وقد قرر الله تعالى ذلك في كتابه فقال جل وعلا في سورة (يس) {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين} نكتب ما قدموه من أعمال صالحة أو طالحة، من أعمال حسنة أو سيئة، ونكتب آثارهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وهذا أحد القولين في تفسير الآية وهو أظهرهما وأوجههما.

والأمر الثاني: يدخل في التفسير الأول في ما قدمه الإنسان في حياته ألا وهو {وآثارهم} قالوا هو الأثر والخطى إلى الذهاب إلى بيوت الله وإلى المساجد في الأرض، فالله يكتب لهم هذه الخطى ويثبهم عليها، هذا يدخل فيما قدموه كما قلت إنما الآية تدل على القول الثاني وهو الذي قرره أئمتنا المفسرون ما قدموه من عمل وما خلفوه أنه يعمل بسببهم يكتب لهم في الخير والشر، وهذا الحقول الله جل وعلا في سورة القيامة {ينبؤا الإنسان يومئذٍ بما قدم وأخر} وهذا الحقول الله تعالى أيضاً في سورة الإنفطار {عملت نفسٌ ما قدمت وأخرت} ما قدمته من خيرٍ وما أخرته من خيرٍ، وما قدمته من شرٍ وما أخرته من شرٍ، وهذا المعنى الذي دلت عليه الآيات. ورد في الأحاديث الكثيرة الصحيحة الصريحة عن خير البريات على نبينا صلوات الله وسلامه، فمن تلك الأحاديث ما ثبت في مسند صحيح مسلم والسنن الأربعة والحديث رواه الدارمي في مسنده أيضاً صحيحاً صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً] ، {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم} دعى إلى هدى فاهتدى الناس بدعوته ما دامت هذه الدعوة قائمة وينتفع بها أناس يقرؤن كغاية ويسمعون محاضرته يعملون بنصحه يكتب له أجر ذلك ما دام باقياً، والعكس بالعكس فإذا عمل معصية وبقيت هذه المعصية بعد موته والناس يتبعونه فيها من غناءٍ وبلاءٍ وتمثيليات وكفرٍ وغير ذلك كل ذلك يكتب وزره عليه، وهذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام.

وثبت أيضاً في مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة إلا سنن أبي داود، والحديث رواه الإمام الدارمي أيضاً والبيهقي في السنن الكبرى، وتقدمت وتقدم معنا الإشارة إليه في الموعظة الماضية، والحديث أيضاً من رواية أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً] . والأحاديث في ذلك كثيرة ووفيرة، أيضاً منها ما في المسند والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه والبخاري في الأدب المفرد عن رواية أبو هريرة أيضاً رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا م ثلاث: صدقة جارية أو علمٌ ينتفع به أو ولدٌ صالحٌ يدعو له] .

وكما قلت اخوتي الكرام: الأحاديث التي تقرر هذا كثيرة وفيرة منها ما في سنن ابن ماجة أيضاً وصحيح خزيمة، والسنن الكبرى للإمام البيهقي، والحديث إسناده حسن، وقد نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، وقد صحح الحديث شيخ الإسلام إمام الأئمة الإمام ابن خزيمة عليهم جميعاً رحمة الله، ولفظ الحديث أيضاً من رواية أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: [إن مما يلحق المسلم من حسناته وعمله بعد موته مما يلحقه، مما يكتب له بعد موته علماً علَّمه ونشره وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، ومسجداً بناه، وبيتاً لابن السبيل بناه، ونهراً أجراه، وصدقة أخرجها من ماله في حال صحته وحياته تلحقه بعد موته] سبعة أمور هذا من ما بالتمثيل أي ما تسبب الإنسان في فعله من الخيرات والطاعات يكتب له بعد مفارقته هذه الحياة ولقاءه رب الأرض والسماوات، وهذا الأمر اخوتي الكرام كما قلت أنه مجمع عليه ومتفق عليه لا يخالف فيه إلا أهل البدع والأهواء ولا يشكلنَّ عليك أمرُ الولد، فالولد هنا من أعظم ثمرات كسبك وهو حصل بسببك فأنت تنتفع أيضاً بما يصدر منه من طاعة وبالدعاء الذي يصدر منه نحوك وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن أعظم كسباً للإنسان ولده.

ثبت الحديث بذلك في المسند، والحديث في السنن الأربعة أيضاً، ورواه الإمام البخاري في التاريخ الكبير، ورواه الإمام الطيالسي في مسنده، والإمام البغوي في شرح السنة من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن أفضل ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه فكلوا من كسب أولادكم] وفي رواية [إن أفضل ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم فكلوا من كسب أولادكم] هذا الأمر الأول ينتفع الإنسان به بعد موته ما وجد من خيرٍ بعد موته بسببه يكتب له أجره ما دام ذلك الخير باقياً، ولذلك لما وعى أئمتنا الكرام وسلفنا الكرام هذا الأمر تنافسوا في فعل الخيرات التي تنفعهم بعد الممات فأوقفوا الوقوف الكثيرة التي نستظل الآن نحن بظلها من مساجد ووقفاً على المساجد ومن دوراً لرعاية المنقطعين، ومن دوراً لرعاية طلبة العلم ومن أوقافاً بسخية كانت تنفق على ذلك من أجل أن يبقى أجره للإنسان بعد موته، نعم كانوا يقدرون الله مقدراً الآخرة ويقدمون إلى ما بين أيديهم وحصلوا ثمرة جهدهم.

الأمر الثاني: الذي ينتفع به الإنسان بعد موته دعاء المؤمنين واستغفارهم له ينتفع به الإنسان بعد موته باتفاق أئمتنا، وقد قرر الله هذا في كتابه وذكره نبينا - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه، الله جل وعلا يقول في سورة الحشر بعد أن قسَّم هذه الأمة لثلاثة أقسام إلى مهاجرين صادقين، وإلى أنصارٍ مفلحين، وإلى من عداهما مما يأتي بعدهما، نسأل الله أن يجعلنا منهم بمنَّه وكرمه إنه أرحم الراحمين، جاؤوا بعد هذين الصنفين المباركين وتأدبوابأدب الشرع وما نسوا معروف من سبقهم في إحسانهم إليهم فكانت ألسنتهم تلهج بالثناء والدعاء لهم في جميع أوقاتهم يقول الله جل وعلا بعد ذكر المهاجرين والأنصار {والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم} وهذا الدعاء نافعاً قطعاً، والله لا يأمرنا بأن ندعو لمن سبقنا وقد مات إذا كان الدعاء لا ينفع ورضي الله عن السيد الجليل الشريف الحعيفي الإمام الباقر محمد ابن على ابن الحسين ابن عليٍّ ابن فاطمة بنت رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لما جاءه أناس من السفهاء من الغوغاء ووقعوا في السلف الصالح فقال لهم هذا الإمام التقي النقي المبارك رحمة الله ورضوانه عليه هل أنتم من أهل هذه الآية: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} أنتم من أهل هذه الآية ومن المهاجرين والله عناكم بها قالوا لا قال أنتم من أهل هذه الآية {والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} فنعت الله المهاجرين بالصدق ونعت الله الأنصار بالفلاح، صادقون، ومفلحون، أنتم من أهل هذه الآية؟ قالوا: لا، قال: أما والله إني

أشهد أنكم لستم من هذه ثم تلا: {والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوفٌ رحيم} . هذا هو الإمام الباقر الذي هو إمام ثقة عدلٌ رضى من أئمة الخير خرج أهل الكتب الستة حديثه في دواوين الإسلام في الكتب الستة وأجمعت الأمة على جلالته وتوثيقه وإمامته وخيره وصلاحه، قد توفي سنة بضع عشرة بعد المائة قبل سنة أربعة عشر ومائة 114سـ وقيل سنة سبعة عشر ومائة 117سـ والعلم عند الله جل وعلا، وكما قلت حديثاً في الكتب الستة في الصحيحين والسنن الأربعة رحمة الله ورضوانه عليهم وعلى أئمة المسلمين أجمعين. إذاً هذا هو الدعاء والاستغفار للأموات {يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} . نعم اخوتي الكرام: إن الدعاء للأموات أعظم من الهدايا للأحياء أعظم بكثير وإذا أهديتم لحيٍ هدية ثمينة يُسر بها فإن الدعاء للميت أعظم من الهدية للحي وقد شرع الله لنا أن ندعو لإخواننا فقبل أن نوسدة الميت قبره وقبل أن نضعه في لحده شرع الله لنا الدعاء والأستغفار له في صلاة الجنازة وقد شفع الله هذه الأمة بعضهم في بعض وصلاة الجنازة أول دعاءٍ يقدمه المسلم لهذا الميت، وقد شهد نبينا - صلى الله عليه وسلم - لهذا الميت بأنه من أهل الخير وأن ذنوبه تغفر ومن أهل الجنة إذا صلى عليه المسلمون واستغفروا الله له فالله سيشفعهم فيه فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. ثبت في المسند وصحيح مسلم وسنن الترمذي والنسائي والحديث رواه الإمام البيهقي وأبو داود الطيالسي وهو في صحيح مسلم صحيح من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [ما من ميتٍ يموت م المسلمين فيصلي عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة إذا بلغوا هذا العدد يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعهم الله فيه] .

والحديث في صحيح مسلم [ما من ميت من المسلمين يموت يصلي عليه أمةٌ من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعهم الله فيه] . والحديث اخوتي الكرام: كما قلت في صحيح مسلم من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وقد رواه الإمام أحمد في المسند والإمام مسلم في صحيحه والنسائي في سننه والبيهقي في السنن الكبرى من رواية أنس بن مالك أيضاً رضي الله عنهم أجمعين ورواه الإمام ابن ماجة في سننه من رواية أبي هريرة بلفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [من صلَّى عليه مائة من المسلمين غفر الله له] ويمثل رواية ابن ماجة رواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين وهذا حدٌ أقصى، لكن إذا نزل العدد من ذلك رحمة الله واسعة أيضاً. أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أيضاً [أن من صلَّى عليه أربعون من المسلمين من أهل التوحيد لا يشركون بالله المجيد استغفروا الله له وشفعوا له فالله سيغفر لهذا الميت وسيشفعه فيه] فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ثبت الحديث بذلك في المسند أيضاً وصحيح مسلم، والحديث رواه الإمام أبو داود وابن ماجة والبيهقي في السنن الكبرى من رواية كريب مولى سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: [مات ابن لعبد الله بن عباس فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين: يا كريب أخرج فانظر كم اجتمع له من الناس فخرج كريب من البيت فنظر إلى الحاضرين الذين جاؤوا لتشييع ولد عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين ثم جاء فقال له عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين: يا كريب تقول إنهم أربعون قال: نعم أو يزيدون قال: أخرجوه، أي أخرجوا ولدي إلى لحده وقبره، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول [ما من ميت يموت فيصلي عليه أربعون من المسلمين لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه] أخرجوه إذا اكتمل العدد إلى أربعين، نرجو لهذا الولد الخير العظيم عند رب العالمين، هذه شفاعة وهذا دعاء وهذا استغفار يحصل من الحي إلى الميت، أي إذا نقص العدد من ذلك رحمة الله واسعة بشرط أن يكون لدى الناس فقهاً بكيفية صلاة الجنازة، فإذا قلَّ العدد من أربعين وجعلوا الصفوف ثلاثة تكمَّل صفوفهم بملائكة الله الأطهار يشفع الله فيه أهل الأرض السماء ويرحمه فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

ثبت الحديث بذلك في المسند أيضاً والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة والحديث رواه الإمام الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى من رواية مالك ابن هبيره والحديث قد نص شيخ الإسلام الإمام النووي على تحصينه وتبعه الحافظ ابن حجر في الفتح وهكذا نص على تحصينه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الحاكم وأقره عليه الذهبي، ولفظ الحديث عن مالك ابن هبيره كما قلت: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[ما من رجلٌ من المسلمين يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف إلا وقد أوجب] أي: أوجب الله له الجنة وأوجب له الله العتق من النار، فكان مالك ابن هبيره رضي الله عنه وأرضاه إذا استقلَّ العدد ونقصوا عن أربعين جزئهم ثلاثة صفوف ثم تقدم بهم فصلى على هذا الميت من المسلمين. وقد ورد في معجم الطبراني الكبير من رواية أبو أمامة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة ومعه سبعة نفر فجزئهم ثلاثة صفوف فجعل ثلاثة صفاً واثنين صفاً واثنين صفاً بحيث جعلهم ثلاثة صفوف ثم تقدمهم وصلى بهم على هذه الجنازة التي توفيت من أجل تحصيل هذا الأجر إذا صلى عليه ثلاثة صفوف أوجب إذا صلى عليهم أربعون شفعهم الله فيه، إذا صلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة غفر الله له وشفع الله المصلين فيه، هكذا كله مما ينتفع به الميت بعد موته من دعاءٍ واستغفار إخوانه. اخوتي الكرام: وإذا كان الحي يدعو للميت وينتفع الميت بهذا الأمر العظيم من الدعاء والاستغفار فاعلم أيها العبد المسلم أنه لك جائزة كبيرة كبيرة عند الله عندما تدعو لإخوانك وتستغفر لهم لاسيما إذا كانوا موتى وانقطع عملهم وقد أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن الله يعطي عظيم الأجر لمن يدعو للأموات ولمن يستغفر لهم ولمن يصلي عليهم ويشهد جنازتهم ودفنهم.

ثبت في المسند والحديث في الكتب الستة والصحيحين والسنن الأربعة، ورواه الإمام ابن الجارودي في المنتقى وغير هؤلاء من أئمة الحديث، والحديث مروي في دواوين السنة ولفظ الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [من شهد جنازة حتى يصلي عليها كتب له عليها قيراط ومن شهدها حتى تدفن كتب له قيراطان، قالوا: يا رسول الله صلي الله عليه وسلم وما القبراطان قال مثل الجبلين العظيمين وفي رواية أصغرهما كجبل أحد.. أصغرهما كجبل أحد] فأنت عندما تدعو أيضاً للأموات وتستغفر لهم يأتيك خيرُ كثيرُ كثير من الله الجليل وكما قلت شفع الله هذه الأمة المرحومة المباركة بعضها في بعض فالأحياء يستغفرون للأموات والله يغدق عظيم الأجر بعد ذلك على الأموات وعلى الأحياء وهو واسع الفضل والمغفرة، الدعاء والاستغفار ينفع الأموات وهو لهم كما قلت بمنزلة الهدايا للأحياء وتقدم معنا اخوتي الكرام: في المواعظ المتقدمة أن نبينا عليه الصلاة والسلام كما أمرنا على الصلاة على الجنازة أمرنا بعد الصلاة أيضاً أن نقف عند القبر وأن ندعو الميت وأن نسأل الله له التثبيت وهذا محله دعاء ينفع ويقبل عند الله عز وجل. ثبت الحديث بذلك أيضاً في سنن أبي داود والحديث رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى ورواه الإمام البزار والبغوي في شرح السنة وإسناده صحيح كما تقدم معنا من رواية أمير المؤمنين ذي النورين عثمان رضي الله عنه وأرضاه: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت وقف على شفير القبر عليه صلوات الله وسلامه وقال: استغفروا الله لأخيكم اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل، استغفروا الله لأخيكم، اسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل، وهكذا شرع لنا أن نزور الأموات وأن ندعو لهم كما تقدم معنا وهذا كما قلت دعاء ينتفعون به.

وتقدم معنا حديث المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي وغير ذلك من دواوين السنة عن أمنا عائشة بنت الصديق رضي الله منها وعن أبيها وعن سائر المسلمين عن عليه وسلم ماذا أقول إذا زرت القبور قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، هذا أمرٌ ثاني اخوتي الكرام: ينتفع به الميت بإجماع علماء الإسلام الأمر الأول ما تسبب في فعله بعد موته والأمر الثاني دعاء المسلمين واستغفارهم للموتى بعد موتهم ينتفعون بدعاء الأحياء واستغفارهم. الأمر الثالث: الحج والعمرة فمن حج عن ميتاً واعتمر وردت النصوص الصحيحة الصريحة بأن الأجر يكتب ثواب ذلك إلى الميت والأحاديث كما قلت اخوتي الكرام: كثيرةٌ وفيرةٌ ثابتةٌ عن نبينا عليه الصلاة والسلام. فمن هذه الأحاديث ما ثبت في المسند والصحيحين والسنن الأربعة، حديثاً رواه الإمام مالك في موطأه والدارمي في سننه وهو في دواوين السنة التي تجمع حديث النبي عليه الصلاة والسلام كسنن البيهقي أيضاً ومسند أبي داود الطيالسي وسنن الدارمي وغير ذلك وهو في أعلى درجات الصحة فهو في الصحيحين من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة من خفعم إلى النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه قالت: يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي وهو شيخاً كبير لا يستطيع الركوب على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: حجي عنه] .

وفي رواية في المسند وصحيح البخاري ومعجم الطبراني الكبير والسنن الكبرى للبيهقي والدارمي ومسند أبي داود الطيالسي والمنتقى لابن الجارودي وغير ذلك عن ابن عباس أيضاً أن رجلاً قال للنبي عليه الصلاة والسلام يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه إن أختي نذرت أن تحج وأنها ماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيه؟ فقال: نعم، قال: فدين الله أحق بالقضاء] أقضوا فالله أحق بالقضاء، ثبت أيضاً في بعض روايات الحديث المتقدمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن فريضة الحج أدركت أبي وهو لا يستطيع أن يحج إنه شيخ كبير، فقال النبي عليه الصلاة والسلام حجي عن أبيك، أفأحج عنه؟ قال حجي عن أبيك] وهذا الحديث ثابت عن رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما، روي عن نظيره من رواية عدة عن الصحابة الكرام.

ثبت في المسند وسنن النسائي عن رواية عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن رجلاً من خفعم وفي رواية عبد الله ابن عباس متقدماً أن امرأة من خفعم ولعل القصة تكررت عند الصحابة الكرام فسأل عن هذا الرجال والنساء أن رجلاً من خفعم قال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[إن فريضة الحج أدركت أبي وهو لا يستطيع الركوب على الراحلة أفأحج عنه؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم] الحديث أيضاً ثبت من رواية أبي رزين وهو لقبط ابن عامر ابن المنتفق أحد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، ثبت حديثه في السنن الأربعة بإسنادٍ صحيح عن أبي رزين أنه جاء لنبينا الأمين على نبينا وآله وصحبه الطاهرين جميعاً صلوات الله وسلامه، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن أبي شيخ كبير وإنه لا يستطيع الحج والعمرة ولا يستطيع الضعن يعني: السفر يشق عليه أفأحج عن أبي وأعتمر؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حج عن أبيك واعتمر، حج عن أبيك واعتمر، وثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي من رواية بريدة رضي الله عنه أن امرأة قالت لنبينا على نبينا وصحبه صلوات الله وسلامه [إن أمي لم تحج ماتت ولم تحج أفأحج عنها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: حجي عن أمك] . وهذه أحاديث كما قلت اخوتي الكرام كثيرة وصحيحة صريحة تدل على أن الحج والعمرة يفعلا عن الميت ويصل ثوابهما إلى الميت كرماً من الله وفضلاً وهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، هذه طاعةٌ ثالثة للأموات، وكما قلت هذا باتفاق أئمتنا فلا خلاف ولا نزاع في ذلك ولا يخالف في ذلك إلا أهل البدع، ما تسبب الميت في فعله بعد موته، دعاء الأحياء واستغفارهم له بعد موته، إذا حجوا واعتمروا عنه بعد موته يصل إليه ثواب ذلك وينتفع به بفضل الله ورحمته.

والأمر الرابع: وهو آخر الأمور أداء الديون عن الميت والتصدق عنه وهو باختصار كما قلت أئمتنا. الأمور المالية سواء كان عليه ديون وقضيتها عنه أو تصدقت عنه سواء حصل هذا من أقاربه أو من غيرهم ينتفع بذلك الميت فدينه يقضى عنه، فمن قضاه وإذا تصدقت عنه يصل ثواب الصدقة إليه بفضل الله ورحمته.

والأحاديث أيضاً في ذلك كثيرة صحيحة صريحة منها ما ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود والنسائي والحديث رواه البزار والإمام الطيالسي ورواه الحاكم في المستدرك والإمام البيهقي في السنن الكبرى من رواية جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما [مات رجلٌ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغسلناه وكفناه وحنطناه ثم وضعناه في المكان الذي يصلي فيه على الموتى ثم دعونا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء النبي عليه الصلاة والسلام ليصلي عليه، فلما وصل إلينا تقدم نحوه خطى خطوات نحو الميت ثم التفت إلينا بوجهه الشريف عليه صلوات الله وسلامه فقال: هل على صاحبكم دين؟ قلنا: نعم ديناران يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، استقرض دينارين ومات ولم يؤدهما إلى صاحبهما، قال: هل ترك وفاءاً؟ قلنا: لا، فتأخر النبي عليه الصلاة والسلام ولم يصلي عليه، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة صاحب الأربحية وصاحب المعروف والنجدة وصاحب الكرم والجود، قال: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام هما عليَّ، فصلَّى عليه إذا كان الديناران يمنعانك من الصلاة أنا أتحمل عن أخي المسلم الدينارين، بل ألف دينار صلِّي عليه فهما عليَّ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هما في مالك أنت الذي تؤدي، قلت: نعم يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فاستدار النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو هذا الصحابي الجليل وصلَّى عليه عليه صلوات الله وسلامه، ولقي في اليوم الثاني أبا قتادة فقال: هل قضيت الدينارين يا أبا قتادة؟ قلت: إنه مات البارحة يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال أبى قتادة فسكت عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورآني في اليوم الثاني قال: هل قضيت الدينارين يا أبا قتادة؟ قلت: نعم، قال: الآن برَّدت جلده إنه كان في حرارة الحساب وشدَّت العتاد، كيف مات ولم يؤدي الحقوق إلى أربابها، الآن برَّدت جلده، هذا كما ترون اخوتي الكرام نصاً صريح من نبينا

عليه الصلاة والسلام بأن هذا الميت انتفع بقضاء هذا الدين عنه وبهذه الصدقة التي حصلت من أبي قتادة نحو هذا الصحابي الجليل رضي الله عنهم أجمعين. والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده أيضاً، وهو في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود، ورواه الإمام الدارمي في سننه من رواية أبي قتادة نفسه رضي الله عنه وأرضاه قال: [توفي رجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلي عليه، سأل: هل عليه دين؟ قال: نعم، وما حدد مقداره في هذه الرواية، قال: هل ترك وفاءاً؟ قالوا: لا،، قال: صلَّوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: دينه عليَّ يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، دينه عليَّ أنا أقوم بقضائه وسداده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: بالوفاء تفي بذلك وتتحمل، قلت: بالوفاء يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] .

والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه والإمام النسائي في سننه من رواية سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه قال: مات رجلاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما تقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، ولعل القصص تكررت وكان صاحب الأريحية والمعروف بالنجدة أبو قتادة يتحمل الدين في جميع هذه الحوادث، ثلاثة دنانير، قال هل ترك وفاءً؟ قالوا لا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: الدنانير عليَّ يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتقدم النبي عليه الصلاة والسلام فصلَّى عليه، وهذا اخوتي الكرام كان في أول الأمر قبل أن يفتح الله على رسوله عليه الصلاة والسلام وقبل أن تأتي الخيرات والمغانم والأرزاق، وأما بعد أن فتح الله عليه فكان يصلي على الميت على نبينا وصحبه صلوات الله وسلامه ولا يسأل عن الدين، وإذا كان على الميت دين كان يتحمله سيد الكونين نبينا عليه صلوات الله وسلامه. كما في الصحيحين وغيرهما من رواية أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني في أول الأمر إذا أراد أن يصلي على ميتٍ سأل هل عليه دين؟ فإذا قالوا ليس عليه دين تقدم فصلى عليه، وإذا قالوا عليه دين سأل هل ترك وفاءاً، فيقال: نعم فيتقدم وصلى عليه أيضاً، وإذا قالوا لم يترك وفاءاً تأخر وقال صلوا على صاحبكما، فلما فتح الله عليه قال: أنا أولى بكل مؤمناً من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً وضياعاً فإليَّ وعليَّ عليه صلوات الله وسلامه، من ترك مالاً لورثته أرعاهم وأنا أبوهم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، هذا بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفي أول الأمر إذا يترك الميت وفاءاً لدينه ما كان يصلي عليه مبالغة في تعظيم حقوق العباد.

اخوتي الكرام: إن حقوق العباد مبنية على المشاحة والمماسكه وحقوق الله مبنية على المسامحة والمساهلة، وإذا مات الإنسان وعليه شيء من الحقوق نحو عباد الرحمن فأمره شديدٍ فظيع، أخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن هول الدين وفظاعته وشناعته وأن الإنسان إذا لقي ربه به فأمره على خطرٍ خطر، ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن البيهقي والحديث رواه الإمام الطبراني في معجمه الأوسط وإسناده صحيح ثابت من رواية محمد ابن جحش رضي الله عنهما أمَّنا زينب أم المؤمنين تكون عمته رضي الله عنهم أجمعين من رواية محمد ابن جحش رضي الله عنهم أجمعين، قال: كنا مع نبينا - صلى الله عليه وسلم - فنظر نبينا عليه الصلاة والسلام إلى السماء ثم وضع يده كفه على جبينه وقال: سبحان الله ماذا أنزل من التشديد؟ سبحان الله ماذا أنزل من التشديد؟ قال محمد ابن جحش رضي الله عنهم أجمعين ففزعنا وخفنا وسكتنا وأطرقنا، فلما كان اليوم الثاني قلت يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما التشديد الذي أنزل؟ ما التشديد الذي أنزل؟ فقال عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة إلا أن يقضى عنه دينه، والذي نفسُ محمدٍ بيده عليه صلوات الله وسلامه لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل.. القتلة الثالثة ولقي الله شهيداً وعليه دين ما دخل الجنة إلا أن يقضى عنه دينه، إن الدين شأنه شديد فظيع.

ولذلك ثبت في المسند مسند الإمام أحمد ومسند البزار أيضاً من رواية جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه: أرأيت إن قاتلت في سبيل الله بنفسي وبما لي ثم قتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبراً أدخل الجنة فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، فأعاد الرجل سؤاله فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، فأعاد الثالثة فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: نعم إلا إذا كان عليك ديناً ليس عندك وفاءه.. إلا إذا كان عليك ديناً ليس عندك وفاءه] أي لا تدخل. وهذا الجواب والإستثناء وضحته روايات أخرى في مسند من رواية أبي هريرة من رواية محمد ابن جحش والطبراني من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: سارَّني ذلك جبريل، سارني بذلك جبريل أي إذا قتلت بعد أن قاتلت في سبيل الله بنفسك ومالك وقتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر تدخل الجنة إلا إذا كان عليك ديناً ليس عندك وفاءه، سارني: أي أخبرني بذلك الآن جبريل سراً أن هذا الشهيد إذا كان عليه دين وما عنده وفاءاً لدينه لا يدخل الجنة إلا أن يقضى عنه دينه، وثبت في معجم الطبراني الكبير من رواية سهل ابن حبيش، وإسناد الحديث رجاله الرجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: [يغفر للشهيد بأول قطرة من دمه جميع ذنوبه كل ذنباً له إلا الدين] الدين لابد من قضاءه لا بد من وفاءه.

إذاً اخوتي الكرام: أداء الدين عن الميت فمن يقضيه ويتحمل عنه ينفع الميت كما ثبت ذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهكذا الصدقة.. الصدقة إلى الميت أيضاً تنفعه ويصل ثوابها إليه، فمن تصدق عنه وقد ثبت شهيرة منها ما في المسند والكتب الستة والصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن الترمذي، والحديث رواه الإمام مالك في موطأه أيضاً والبيهقي في السنن الكبرى من رواية أمَّنا عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجلاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه إن أمي أفتلتت نفسها: أي ماتت فلتة دون سابق إنذار من مرضٍ ووعكٍ وشدة وعناء، إن أمي افتلتت نفسها، ماتت بغتة وأظنها لو تكلمت لأوصت أينفعها لو تصدقت عنها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم] ، وهذه المرأة هي أم سعد بن عبادة والسائل هو سعد بن عبادة. كما ثبت هذا في المسند وصحيح البخاري، والحديث رواه أهل السنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة من رواية عبد الله ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين أن سعد بن عبادة جاء إلى نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فقال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن أمي ماتت وأنا بعيداً عنها لم أكن معها لم أكن مقيماً، كنت في سفر وأنا بعيدٍ عنها أينفعها إن تصدقت عنها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: نعم، فقال سعد بن عبادة: أشهدك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن حائط المخرافة صدقة عنها، حائط البستان المغراف المثمر الذي يأتي منه الخريف ويخرق منه ويعي الثمر أشهدك أن حائط المخرافة صدقةٌ عنها.

والحديث كما قلت في صحيح البخاري وغيره، والأحاديث في ذلك اخوتي الكرام كثيرة وفيرةٌ منها ما في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله: إن أبي مات ولم يوصي أينفعه إذا تصدقت عنه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم. إذاً هذه العبادة أيضاً ينتفع بها الميت، وهذه الأمور الأربعة اخوتي الكرام كما قلت ما تسبب الميت في فعله بعد موته من أمرٍ خيرٍ وطاعة لله عز وجل، دعاء الأحياء واستغفارهم للأموات ينتفع به الأموات، الحج والعمرة عن الميت، قضاء الدين عنه وصدقة عنه ? كل هذا وما خالف فيها إلا أهل الابتداع، أما الشق الثاني من بحثنا ما يتعلق بتعبة أمور الطاعات من قراءة القرآن وذكر الرحمن ومن الصلاة والصيام هل يصح إهداء ذلك إلى الأموات عنهم كما هو قول الجمهور وسيأتينا تقرير هذا بأدلة وموعظة آتية إن أحيانا الله، أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء إن أحيانا أن يحيينا على الإسلام وإذا أماتنا أن يتوفانا على الإيمان. أقول هذا القول وأستغفر الله. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، وأشهد لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين. اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اخوتي الكرام: كل ما تقدم معنا وسيأتي من إهداء القربات والطاعات إلى الأموات جاراً على حسب القواعد الشرعية وعلى الأقيسة السليمة السوية والأمر كما قرر علماؤنا الكرام أن الثواب حقاً العامر يجوز أن يهديه إلى من شاء كما أن المال الذي عند الإنسان حقٌ لمالكه يجوز أن يهديهُ وأن يهبه إلى من شاء، وإذا جاز للحي أن يدعو للميت وجواب الدعاء موقوفاً على مشيئة الله جل وعلا فمن باب أولى يصح للحي أن يهدي ما يقوم بها من طاعة ووعد بها ثواباً معلوماً، كل هذا كما قلت جاراً على الأقيسة الشرعية والقواعد السوية ما تقدم معنا من الأمور الأربعة لا خلاف ولا نزاع بين أئمتنا الكرام، وقرروا أن الميت ينتفع به ويصل الثواب إليه في هذه الأمور، وأما بقية الأمور كما قلت سيأتينا تفصيل الكلام عليها إن شاء الله.. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا الإيمان وزينه في قلوبنا. وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم اجعلنا من أحب خلقك إليك. ومن المقربين لديك. وإذا أردت فتنة بعبادك فقبضنا إليك غير مفتونين. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك.

اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات والحمد لله رب العالمين وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .

تحريم النظر إلى المردان01

تحريم النظر إلى المردان (الجزء الأول) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم تحريم النظر إلى المردان 1 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الصادقين المفلحين عمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: إخوتى الكرام.. لازلنا نتدارس الطرق التى ينبغى أن يحصن بها أهل الإيمان أنفسهم من الشيطان وقلت هذه الطرق على كثرتها وتعددها تنقسم إلى طريقن اثنين. الطريق الأول أو الأمر الأول ينبغى أن نحصن أنفسنا منه وأن نحذره والأمر الثانى ينبغى أن نحصن أنفسنا به وأن نفعله. الأمر الأول إخوتى الكرام تقدم معنا يدور على سبعة أمور والثانى يدور على ثمانية أمور وكنا نتدارس الأمر الأول وكان فى الحسبان كما ذكرت أن ننتهى من آخر أمور الأمر الأول فى الموعظة الماضية لكن امتد معنا البحث إلى جزئية نتدارسها فى هذه الموعظة بعون الله وتوفيقه إخوتى الكرام الأمور السبعة التى فى الأمر الأول كما تقدم ذكرتها مرارا. أولها حفظ الخطرات وثانيها حفظ اللحظات وثالثها حفظ اللفظات ورابعها حفظ الخطوات وخامسها حفظ السمع الذى هو آلة المسموعات وسادسها حفظ البطن التى هى منبع الشهوات وسابعها حفظ الفرج الذى هو منبع الآفات والرزلات نسأل الله العافية من كل دنس.

إخوتى الكرام: تقدم معنا يراد بحفظ الفرج أمران حفظ العورة سترا واستعمالا فلا نكشفها ولا نستعملها فى ما حرم الله عز وجل تقدم معنا أن الاستعمال له صور متعددة ينبغى أن نصون فروجنا عن الزنى واللواط ووطء المرأة فى دبرها والسحاق بين النساء والمباشرة فى ما دون السبيلين والاستمناء وفعل الفاحشة مع البهائم وطء المرأة فى قبلها حال حيضها والأمر التاسع تقدم معنا ما يصلح أن يراه كل من الزوجين من صاحبه ثم ختمتها بأمر عاشر ألا وهو عورة كل من الذكور والإناث. وبعد أن تكلمنا أيضا إخوتى الكرام وتدارسنا ما يتعلق بعورة الصنفين تفصيلا وتدليلا ذكرت أيضا تسع مسائل وبأنا بالعاشرة وهى التى سنتدارسها فى هذه الموعظة. أولها: ما يحل للزوج أن ينظره من زوجته وثانيها كما تقدم معنا ما يحل للمحارم أن ينظروه من المرأة وثالثها ما يحل للأجنبى أن يراه من المرأة ورابعها ما يحل للمرأة أن تراه من المرأة وخامسها ما يحل للمرأة أن تراه من الرجل الأجنبى وسادسها ما يحل للمرأة أن تراه من محارمها من الرجال والمسألة السابعة التى تدارسناها وهى طويلة فى موضوع العورة الأمة فى بداية الموعظة المتقدمة هذه سبع مسائل والثامنة فى ما يتعلق بنظر غير أولى الإربة من الرجال والتاسعة فى نظر الطفل إلى النساء والعاشرة هى التى سنتدارسها فى حكم النظر إلى الأمرد.

إخوتى الكرام: كما هى العادة فى بداية الموعظة نتدارس مقدمة تدور حول موضوعنا وهذه المقدمات الماضية كانت تدور فيما يتعلق بحفظ الفرج ومنزلة حفظه وما يتعلق بسرد بعض القصص عن سلفنا رضوان الله عليهم أجمعين فى ذلك أما هذه المقدمة إخوتى الكرام فلها شأن آخر تقدم معنا أن غالب ما يقع الإخلال بهذا الأمر بالأمر السابع نحو الفرج يقع سرا استعمالا أو نظرا الإنسان ينظر ولا نستطيع أن نعلم هل نظر أم لا خائنة الأعين وهكذا يستعمل الفرج ولا يعلم بخلاف الكلام وشرب الخمر كما تقدم معنا فتلك معاصى ظاهرة وهذه باطنة إذا كان الأمر كذلك فحقيقة ينبغى أن نختم هذه الموعظة بقدمة تنفعنا نحو هذا الأمر ألا وهو مراقبة ربنا سبحانه وتعالى فهذ المعصية التى تتعلق بالفرج كما قلت نظرا واستعمالا فى الغالب لا تظهر للناس لكن لا تخفى على رب الناس الذى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء فينبغى أن نراقب الله فى جميع أحوالنا وأفضل الطاعات مراقبة من لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماوات فى جميع الأوقات سبحانه وتعالى فهذا خلق المراقبة وهو درجة الإحسان فى الإسلام المراقبة أن نراقب الله فى جميع أحوالنا كأننا نراه فإذا لم نصل لهذا فلا بد من استحضار واستشعار أنه يرانا فى جميع أحوالنا.

قال الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى مدارج السالكين فى الجزء الثانى صفحة خمس وستين فى بيان معنى مراقبة العبد لربه قال المراقبة هى دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الله على ظاهره وباطنه أن تعلم دائما وأن تتيقن جازما فى جميع أحوالك بأن الله مطلع على ظاهرك وعلى باطنك سبحانه وتعالى هذا المعنى إخوتى الكرام للمراقبة ينبغى أن نستحضره فى جميع أحوالنا هذا المعنى ما خلت منه ورقة من ورقات المصحف الشريف كما ذكر ذلك شيخنا عليه رحمة الله فى أول تفسير سورة نبى الله هود وعليه الصلاة والسلام على نبينا فى الجزء الثالث صفحة عشرة يقول لا تخلو ورقة من المصحف الكريم إلا وجدت فيها آية بهذا المعنى يعنى أن الله يعلم سرنا وجهرنا علانيتنا وسرنا جميع أحوالنا مطلع علينا. قال الله جل وعلا: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} . وقال جل وعلا: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم} . وقال جل وعلا: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} ، {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} . ويقول الله جل وعلا فى أول سورة النساء: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} فراقب الله فهو يراقبك فى جميع الأحوال سبحانه وتعالى.

وهذا المعنى إخوتى الكرام الذى لا تخلو منه ورقة من ورقات المصحف الشريف هو أعظم واعظ وأبلغ زاجر أنزله الله من السماء إلى الأرض أعظم واعظ أبلغ زاجر إعلام الله لعباده بأنه يعلم جميع أحوالهم ما أسروه وما أعلنوه ووجه ذلك كما قرر أئمتنا لو قدر أن إنسانا أخذ إلى حضرة ومجلس أمير ظالم سفاك للدماء إلى مجلس ملك يبطش لأدنى الأسباب أخذ هذا لمجلسه للمباحثة معه فى قضية من القضايا والسياف واقف والسيف بيده واستدعى هذا الإنسان وبدأ الأمير يكلمه فيما اتهم به لو برز فى هذا الوقت بعض محارم الأمير من بناته وأخواته هل ينظر هذا الآن المتهم فى حضرة الأمير إلى حريم الأمير ولو بدت منه نظرة لطارت الرقبة ينظر؟ حقيقة هو مشغول عن النظر والله جل وعلا أقوى من عباده سبحانه وتعالى وهو أعلم بما فى نفوسهم فاستحى منه يا عبد الله استحى منه سبحانه وتعالى إذا كنت تخاف من بطش الأمير فتغض عن محارمه إذا كنت فى حضرته فما حرمه الله علينا ينبغى أن نغض الطرف عنه فالله أعظم عقوبة من عباده وحرم علينا الفواحش ما ظهر منها وما بطن وهو عليم بذات الصدور. إخوتى الكرام..

مراقبة الرحمن على الدوام هى درجة الإحسان التى ينبغى أن يتصف بها أهل الإيمان كما أشار إلى ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام فى الحديث الطويل الذى يسمى بأم السنة كما نعته بذلك الإمام أبو العباس القرطبى فى كتابه المفهم فى شرح صحيح مسلم وهو المعروف بحديث جبريل الطويل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام إخوتى الكرام والحديث فى صحيح مسلم وسنن الترمذى وأبى داود من رواية سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وهو فى المسند وصحيح البخارى من رواية سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه وأرضاه وهو فى سنن النسائى وابن ماجة من رواية سيدنا عمر وسيدنا أبى هريرة رضي الله عنهم أجمعين وروى الحديث عن سيدنا أنس وسيدنا عبد الله ابن عباس وسيدنا عبد الله ابن عمر وسيدنا ابن عامر أو أبى عامر أو أبى مالك وسيدنا جرير ابن عبد الله البجلى رضي الله عنهم أجمعين انظروا إخوتى الكرام هذه الروايات فى مجمع الزوائد فى الروايات المتأخرة فى الجزء الأول صفحة ثمان وثلاثين إلى الصفحة واحدة وأربعين والرواية الأخيرة رواية جرير رواها الإمام الآجورى فى كتاب الشريعة فهو من رواية عدة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من رواية عمر وأبى هريرة وأنس وعبد الله ابن عباس وعبد الله ابن عمر وابن عامر أو أبى عامر أو أبى مالك ومن رواية جرير رضي الله عنهم أجمعين وفيه سؤال جبريل لنبينا الجليل على نبينا وأنبياء الله وملائكته صلوات الله وسلامه عن الإسلام والإيمان ثم قال له ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإنك لم تكن تراه فإنه يراك درجة المراقبة درجة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه كأنك تتراءى الحق سبحانه وتعالى وهذا كان سلفنا يلاحظونه فى نفوسهم ويعبرون عنه بألسنتهم.

روى الإمام ابن سعد فى الطبقات فى الجزء الرابع صفحة سبع وستين ومائة والأثر فى الحلية فى الجزء الأول صفحة تسع وثلاثمائة وانظروه فى السير فى الجزء الثالث صفحة سبع وثلاثين ومائتين وفى الجزء الرابع صفحة اثنتين وأربعمائة عن العبد الصالح التابعى الجليل عروة ابن الزبير رضي الله عنهم أجمعين قال لقيت أبا عبد الرحمن عبد الله ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه فى الطواف فتقدمت إليه فلما صرت بجواره وقلت أبا عبد الرحمن ألا تزوجنى سودة وهما يطوفان قال فنظر إلى ولم يكلمنى فقلت القائل عروة رضي الله عنه وأرضاه لو رضينى لأجابنى يعنى سكت عنى فلا يريد أن يقول لا أزوجك لو رضينى لأجابنى فانتهينا من الطواف وتفرقنا قال ثم ذهب عبد الله ابن عمر رضي الله عنه إلى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه قبلى فلما انتهيت أنا أيضا من نسكى ذهبت إلى المدينة فقلت أسلم على أبى عبد الرحمن وأقوم بحقه فذهبت وسلمت عليه فلما سلمت عليه قال له لا زلت على رغبتك فى سودة فقال له أنا أحرص ما كنت عليها قبل الآن عندى حرص عليها أشد مما كان سابقا فقال عبد الله ابن عمر رضي الله عنه كلمتنى فى الطواف ونحن نتخايل الله بين أعيننا ونحن نتراءى الله بأعيننا كأننا ننظر إليه كأننا نتراءه وأنت نكلمنى فى الطواف وإسناد الحديث ثابت إخوتى الكرام فما أجبتك ماذا أجيبك يعنى نحن الآن فى وقت مراقبة لله واستحضار وخشوع وسكينة نطوف حول البيت العتيق وأنت تريد يعنى أن أزوجك فى ذلك الوقت ونحن نطوف يعنى أجل البحث فى هذه القضية بعد الطواف وعقد له فى نفس المجلس قبل أن يذهب عروة إلى بيته رضي الله عنهم أجمعين إذن أن تعبد الله كأنك تراه نتخايل الله بين أعيننا نتراءى الله بأعيننا كأننا ننظر إليه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك وقد كان الإمام الشافعى رضي الله عنه وأرضاه كثيرا ما ينشد كما فى اتحاف السادة المستقيم فى الجزء العاشر صفحة ثمان وتسعين وقيل هذه الأبيات

للإمام الشافعى وقيل لغيره رضي الله عنه وأرضاه. إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل على رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما تخفيه عنه يغيب ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب ... وأن غدا لناظريه قريب لابد إخوتى الكرام من استحضار هذا المعنى كأننا نرى الله فى جميع شؤون حياتنا فإذا نزلنا عن هذه الرتبة فلا أقل من أن نعلم أن الله مطلع على جميع أحوالنا ولذلك لما قال رجل للإمام أبى القاسم الجنيد ابن محمد القواريرى رضي الله عنه وأرضاه قال بما أستعين على غض البصر قال بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه إذا علمت أن نظر الله إليك لا ينقطع وأن نظره إليك أسبق من نظرك إلى من ستنظر إليه تستحى من الله وتغض طرفك إذا علمت أنه يراك كما تقدم معنا إذا كان الإنسان فى حضرة الأمير الجبار والسيوف مصلتة يغض طرفه لو خرجت عارية الله جل وعلا أقوى بطشا وقوة من الأمير وعنده نار السعير وينبغى أن نستحى منه فهو ربنا الجليل سبحانه وتعالى لا إله إلا الله.

ذكر الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه ذم الهوى فى صفحة سبع وسبعين ومائتين والقصة نقلها الإمام ابن القيم فى كتابه روضة المحبين صفحة ست وستين وأربعمائة حاصلها إخوتى الكرام أن امرأة من العابدات القانتات الجميلات المصونات كانت فى بلاد الكوفة وكانت تخطب من قبل الخطاب فتمتنع من الزواج وحتما هذا تقصير منها لكن لعله رأت أن هذا أصلح لها وما أعرضت عن هذه السنة امتهانا لها والإنسان أدرى بشؤون نفسه فعلقها بعض الأثرياء الأغنياء فكيف سيحتال عليها انظر لتفريط آخر أيضا يعنى وقعت فيه هذه المرأة اكترى هذا الإنسان ثلاثمائةراحلة وقال للناس من أراد أن يسجل الحج عندى بثمن بخس من العباد والمساكين الذين ما عندهم أجرة الحج بكاملها فخذوا منه أجرة رمزية طلبا للثواب وهو يعنى يريد أن تحج هذه العابدة القانتة وأرسل إليها من النساء من يرغبها فى الحج فسجلت فى هذه الحملة ونساء كثر تريد أن تترخص يعنى من أجل حجة الفريضة مع النساء بلا محرم فلما جاوزوا مراحل ومراحل والجيش يستريح يعنى بعد مراحل جاء إليها عندما علم مكانها وقال لا بد من الإجابة إن شئت راضية وإن شئت مكرهه يعنى لا سلامة فى هذه الليلة فقالت ويحك نحن فى طريقنا إلى الحج استحى من الله قال لا بد أنا ما جئت رغبة فى الحج ولا عملت ما عملت طلبا للثواب لا أريد فقط إلا أنت هذا العمل كله من أجلك فانظرى فى نفسك قالت نخشى أن يكون يعنى بعض الحجاج مستيقظا يفضحنا جئنا للحج لتزنى قال كلهم ناموا قالت إذن تتأكد فذهب وقال كلهم ناموا ولا يوجد أحد عينه تتحرك قالت هل نام رب العالمين وشهقت شهقة فماتت من خشية الله عز وجل هل نام رب العالمين سبحانه وتعالى وبدأ المسكين يولول يقول يا ويحى قتلت نفسا أرادت أن تحج وما حصلت شهوتى حقيقة هل نام رب العالمين هل أنت تراقب نظر العباد ونظر رب العباد يعنى ألا تأبه به ولا تستحى منه لذلك إذا أرخى الإنسان ستره وفعل الفاحشة

ناداه رب العالمين أجعلتنى أهون الناظرين إليك استحييت من العباد وما استحييت ممن لا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى. إخوتى الكرام: هذا المعنى ينبغى أن نستحضره فى جميع أحوالنا ينقل الإمام الغزالى فى الإحياء أيضا فى الجزء الرابع صفحة خمس وثمانين وثلثمائة والقصة أيضا فى ذم الهوى فى صفحة اثنتين وسبعين ومائتين وفى روضة المحبين صفحة خمس وتسعين وثلاثمائة وذكرها الإمام المناوى فى فيض القدير فى الجزء الأول صفحة واحدة وخمسين وخمسمائة خلاصتها أن أعرابى خرج فى ليلة مقمرة فرأى امرأة كالجبل أى كالعلم كالجبل يراد امرأة طويلة جميلة لها شأن بارز تلفت النظر فى سواد الليل فاقترب منها وراودها وطلب منها ما حرم الله على عباده وقالت ويحك أما لك زاجر من عقل إن لم يكن لك ناه من دين إذا ما نهاك دينك عن معصية الله ما عندك عقل يردعك عن الفاحشة وما تستحى إذ لم تكن هذه محرمة أنت ما تستحى أن تعتدى على أعراض العباد فقال وممن استحى ولا يرانا إلا الكواكب تقولين تستحى ما أحد يراقبنا ليلة مقمرة والكواكب هى نورها ظاهر ولا يوجد أحد فى هذه البادية ممن استحى فقالت أين مكوكبها أين ربها سبحانه وتعالى فانزجر هذا الإنسان وانصرف حقيقة هذا المعنى لا بد من استحضاره إخوتى الكرام فى جميع أحوالنا خلق المراقبة نراقب الله فى جميع أحوالنا وأن نعلم أنه معنا أينما كنا فبذلك يكرمنا ربنا ويعزنا فى هذه الحياة ويغدق علينا نعمه بعد الممات فى نعيم الجنات.

يذكر الإمام القشيرى فى كتابه الرسالة صفحة تسعين ومائة والقصة نقلها عنه أيضا الإمام الزبيدى فى اتحاف السادة المتقين فى الجزء العاشر صفحة تسع وتسعين خلاصتها أن بعض الأمراء فى الزمن القديم كان يكرم بعض أعوانه من حراسه وحجابه إكراما زائدا وكان فى خلقته دمامة يعنى يكرمه دميم الخلقة فكأنهم يعنى حسده أصحابه وقالوا للأمير يعنى لما تميز هذا علينا خلقته دوننا وبعد ذلك نحن وهو فى رتبة واحدة بل لعلنا أعلى منه رتبة وهذا نراك يعنى تقدمه علينا قال أوريكم وضعه ووضعكم معى. انظروا إخوتى الكرام للمراقبة إذا كان البشر يكرم بشرا عندما يراقب حاله فكيف سيكون حالنا مع الله وسيكرمنا الله من باب أولى إذا راقبناه فخرج الملك مع أعوان هذا الأمير فتظر وهو يمشى إلى جبل عليه ثلج نظر فقط فهذا الذى مع الأمير ركب خيله وأسرع إلى جهة الجبل وقال لهم أين ذهب صاحبكم قالوا لا ندرى فعاد بعد قليل ومعه شىء من الثلج قال له الأمير من أمرك بهذا قال أيها الأمير أنت نظرت ناحية الجبل والعقل لا ينظر عبثا وفى الجبل لا يوجد إلا ثلج فكأن نفسك اشتهته يعنى شيئا من الثلج فأنا لما أنت نظرت إليه عرفت المراد وراقبت نظرك لأننى أراقب أحوالك أفهم ما تريد من حركاتك من إشاراتك أما أنك يعنى لا تتكلم لا فقال لهم انظروا لحاله كيف يراقب وبالمراقبة يتصرف وأنتم يعنى عندما توجه إليكم الأوامر والعبارات وأطلب منكم شيئا تتثاقلون وأما هذا لينظر إلى اللحظات. وحقيقة كان سلفنا يغرسون دائما فى نفوس وأذهان أولادهم والطلبة الله ناظرى الله شاهدى الله معى سبحانه وتعالى لا بد من أن نراقب ربنا سبحانه وتعالى فى جميع أحوالنا. إخوتى الكرام.. يراد منا أمران لا سعادة للإنسان بدونهما:

الأمر الأول: أن تكون المتابعة على ظاهرنا ظاهرنا علم وسنة نقتدى بنينا عليه الصلاة والسلام وأن تكون المراقبة فى باطننا نراقب الله فى سرنا ونعمر ظاهرنا بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام العلم والمتابعة على الظاهر والإخلاص والمراقبة فى الباطن من دون هذين الأمرين لا سعادة للإنسان فى هذه الحياة والحياة جعلها الله مطية لرضوانه سبحانه وتعالى فلا ينبغى أن ندنسها بالخطيئات فإذا فعلنا فنندم حين لا تنفع الندمات ويحك يا ابن آدم إذا عصيت الله وخالفته وزعمت أنه لا يراك فقد كفرت وإذا عصيت الله وخالفته وقلت إنه يراك فقد اجترأت على عمل أمر عظيم حيث لم تبال بأحكم الحاكمين ورب العالمين سبحانه وتعالى فأنت بين أمرين أحلاهما مر إن قلت لا يراك كفرت فهو الذى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء وإذا قلت إنه يراك وبارزته بالمحاربة فليس بعد حماقتك حماقة لاإله إلا الله. إخوتى الكرام نحو هذين الأمرين ستر الفرج ستر العورة واستعمالها عدم النظر إلى عورة الغير وعدم استعمال العورة فيما حرم الله علينا نحو هذين الأمرين من حفظ فيما مضى فليتق الله فيما بقى وليعتصم بالله اللطيف القوى احمد الله حفظت فيما مضى فما فرطت لا خنت فى نظرة ولا فى كشف ولا فى استعمال احمد ذى العزة والجلال وسله أن يلطف بك وأن يثبتك فى المستقبل ومن وقع منه زلل فيما مضى فليتب إلى الله عز وجل فرحمته واسعة. إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأى عبد لك ما ألما وحقيقة الوصف الثانى هو وصفنا وقل أن يخلو إنسان من نظرة خائنة أو استعمال لا يحل له ونسأل الله أن يرزقنا حلاوة الإيمان أن يجعل خير أيامنا يوم لقائه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ولذلك ينبغى أن نتوب إلى الله عز وجل سبحانه وتعالى نعم إخوتى الكرام نحو هذا الأمر الثانى على وجه الخصوص قل أن يسلم أحد إلا إذا تداركته عناية خاصة ورعاية تامة من الله عز وجل والمعصوم من عصمه الله

وقد ورد فى الآثار بأنه ما سلم من الهم بالخطايا وفعلها إلا عبدا صالحا قانتا جعله الله حصورا وهو نبى الله يحيى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قال الله جل وعلا {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب * هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} . لا إله إلا الله إخوتى الكرام السيد هوالذى يفوق قومه بالخير يفوقهم فى خصال الخير كما ذكر ذلك شيخ الإسلام الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى شرح صحيح مسلم فى الجزء الخامس عشر صفحة سبع وثلاثين هذا السيد سيد قومه فاقهم فى خصال الخير والفضيلة والشرف فقال الإمام القرطبى فى تفسيره فى الجزء الرابع صفحة ست وسبعين السيد هو الذى ساد قومه وانتهوا إلى قوله وهذا العبد الصالح نبى الله يحيى على نبيناو عليه الصلاة والسلام وصفه الله بأنه سيد وحصور وهو نبى من الصالحين السيادة ما قال الرازى فى تفسيره فى الجزء السابع صفحة سبع وثلاثين هى قدرته على تعليم أتباعه وتأديبهم لما فيه من خصال الخير يعلمهم ويرعاهم ويأدبهم سادهم علمهم وأدبهم.

وأما الصفة الثانية وهى أنه حصورا لا بد منها تدل على أنه يتعفف عن أموالهم وأعراضهم ويمنع نفسه من الاعتداء عليهم وبهذا يسود وأما إذا علم وأدب ثم هو بعد ذلك يرتع فى أموالهم وأعراضهم ولا يعف عن حرماتهم فأى علم وتأديب سيحصل منه نحو رعيته وقومه وأتباعه حصور يمنع نفسه من أخذ شىء منهم من مال أو اعتداء على عرض ثم هو سيد يعلم ويأدب لفظ الحصور إخوتى الكرام من الحصر بمعنى الحبس حصر يحصر من باب نصر ينصر حصرا إذا منع نفسه الحصر هو المنع ويقال للبخيل حصور كما يقال للأمير حصور هذا حصور وهذا حصور لاإله إلا الله لأن كلا منهما محجوب ذاك حجب خيره وهو البخيل وهذا حجب شخصه وهو الأمير هذا مختفى متوارى حصور وذاك ماله لا يخرج ولا يساعد به عباد الله حصور الحصور هو فيه صفة المنع بخيل فيه صفة الاحتجاب كما قلت هنا احتجب عن رعيته حصور أيضا إذا حصر نفسه ومنعها من الشهوات المحرمة حصور إذن من الحصر وهو الحبس والمنع ومنه قول الله جل وعلا فى سورة الإسراء {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} أى محبسون فيه ولا يخرجون منه يحصرون فى ذلك المكان. لفظ الحصور هنا إخوتى الكرام فعول إما أن يكون بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول فإذا كان بمعنى فاعل حصر نفسه عن الشهوات ومنعها من المنكرات والرزالات بتوفيق رب الأرض والسماوات.

روى الإمام البزار فى مسنده والطبرانى فى معجمه الكبير كما فى المجمع فى الجزء الثامن صفحة تسع ومائتين وفى إسناد الأثر على ابن زيد ابن جدعان تقدم معنا حاله مرارا روى له البخارى فى الأدب المفرد ومسلم لكن مقرونا فى صحيحه وأهل السنن الأربعة وتوفى سنة واحدة وثلاثين ومائة رضي الله عنه وأرضاه على ابن زيد ابن جدعان قال الهيثمى ضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات قال الهيثمى فى مكان آخر فى الجزء العاشر صفحة اثنتين وتسعين وثلاثمائة على ابن زيد ابن جدعان وثق وانظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء الخامس صفحة سبع ومائتين قال ولد أعمى وكان من أوعية العلم كقتادة دعامة رضي الله عنهم أجمعين أيضا ولد أعمى وكان من أوعية العلم على تشيع يسير فيه وسوء حفظ يغضه عن درجة الإتقان ينزله عن درجة يعنى كمال الضبط وتمامه على ابن زيد ابن جدعان وقال فى الميزان فى الجزء الثالث صفحة سبع وعشرين ومائة اختلفوا فيه وقد وثقه الإمام الترمذى فقال عنه فضلا اختلفوا فيه فالترمذى يرى أن حديثه فى درجة الحسن على ابن زيد ابن جدعان هذا فى الإسناد وبقية الرجال ثقات ولفظ الحديث عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال كنا فى حلقة فى المسجد نتذاكر فضائل الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه أيهم أفضل فذكرنا نبى الله نوحا على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه وطول عبادته يعنى امتاز على غيره بعمر طويل عبد فيه الله الجليل سبحانه وتعالى وذكرنا إبراهيم وأنه خليل الرحمن سبحانه وتعالى وذكرنا موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وأنه مكلم من قبل الله وأن الله كلمه وذكرنا نبى الله عيسى على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه قال فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى ذكروا أولى العزم أوليس كذلك ويضاف إلى هؤلاء الأربع نبينا عليه الصلاة والسلام نبى الله نوح وموسى وعيسى وإبراهيم ومعهم نبينا عليه الصلاة والسلام هم أشرف الله

ورسله كما تقدم معنا فى مباحث النبوة هؤلاء خيار الأنبياء وأفضلهم الخليلان وأفضلهما نبينا عليه الصلاة والسلام. كما تقدم معنا هذا إخوتى الكرام ذكروا هؤلاء وخرج عليهم النبى عليه الصلاة والسلام فقال ما تذكرون بينكم فقلنا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام نتذاكر فضائل الأنبياء أيهم أفضل ثم عاودوا عليه ذكرنا نبى الله نوحا عليه الصلاة والسلام وطول عبادته إبراهيم وخلته موسى وتكليم الله له نبى الله عيسى على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه كلمة الله وروحه وذكرناك يا رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال النبى عليه الصلاة والسلام فما فضلتم ذكرتم خمسة فمن يعنى فضلتموه من هؤلاء كنا فضلناك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم ذكروا عللا فى تفضيل نبينا عليه الصلاة والسلام وهم مصيبون قالوا بعثك الله كافة للناس بشيرا ونذيرا هذا ما حصل لمن قبلك هذه خصوصية وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وجعلك خاتم النبيين خاتم الأنبياء والمرسلين هذا ما حصل لمن قبلك فقال عليه الصلاة والسلام ما ينبغى لأحد أن يكون خيرا من يحيى ابن زكريا على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قالوا ولم يا رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى هذا الآن سيفضل على غيره لم حقيقة فى هذه الخصلة كما قلت مرارا المزية لا تقتضى الأفضلية المطلقة لكن حقيقة هو فيه خصلة كما أشار ربنا حصورا لا إله إلا الله قالوا ولم قال ألم تسمعوا إلى قول الله جل وعلا [فى سورة مريم] : {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا *وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا * وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا *وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} .

فأعطاه الله الحكم وهو صبى وكان وهو صغير فى سن التمييز ليس المراهقة ومن باب أولى ليس الاحتلام إذا قيل له من قبل الصبيان هلم لنلعب يا يحيى يقول ما للعب خلقنا نحن خلقنا فى هذه الحياة لنلعب لا إله إلا الله وآتيناه الحكم صبيا وهو صغير أعطاه الله الحكم والرشد والوعى والحكمة وتلا عليهم الآية التى معنا فى سورة آل عمران وقرأتها قبل قليل {مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين} ثم قال لهم نبينا عليه الصلاة والسلام إن نبى الله يحيى على نبيناو عليه الصلاة والسلام لم يعمل سيئة قط ولم يهم بها قبل النبوة وبعد النبوة وفى جميع أحواله لم يعمل سيئة قط ولم يهم بها حقيقة الذى يعنى يصل إلى هذه المرتبة فهنيئا له كما قلت عناية خاصة عناية خاصة وبعد ذلك من عداه فى الخطيئات فى جميع الأوقات ونسأل الله حسن الخاتمة بفضله ورحمته لم يعمل سيئة قط ولم يهم بها. إخوتى الكرام.. فيما يتعلق بأمر التفضيل فيأتينا بحث هذا فى مباحث النبوة التى إن شاء الله سنستأنفها بعون الله عما قريب وكل ما هو آت قريب لا إله إلا الله نبينا عليه الصلاة والسلام لا شك هو أفضل خلق الرحمن أفضل النبيين والمرسلين على نبيناو عليهم جميعا صلوات الله وسلامه وما ورد من نصوص تشعر بعدم تفضيله على غيره أو تفضيل بعض الأنبياء عليه على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه أجاب أئمتنا عن ذلك بعدة أجوبة معتبرة أذكرها إيجازا وإذا جاء المبحث معنا أفصلها بأدلة معتبرة إن شاء الله. أولها: إن نبينا عليه الصلاة والسلام قال ما قال قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل الخليقة وخير البرية وعليه إذا علم مكانة نبى يقول بتفضيله ويفضله على نفسه على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه فلما أعلم أنه خير خلق الله انتهى الأمر فهذا جرى منه قبل أن يعلمه الله بتفضيله على النبيين والمرسلين على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه.

الجواب الثانى: قال هذا من باب التواضع والأدب مع الأنبياء واحترامهم وهضم النفس واحتقارها عليه صلوات الله وسلامه. الجواب الثالث: المنهى عن تفضيل نبينا عليه الصلاة والسلام على غيره تفضيلا يؤدى إلى تنقيص الغير وأما إذا فضل دون أن يكون هناك تنقيص فلا حرج لكن إذا كان التفضيل سيشعر بتنقيص وتحقير لبقية أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم عليه صلوات الله وسلامه فيمنع الإنسان من التفضيل فى هذا الوقت. الجواب الرابع: نهينا عن التفضيل الذى يؤدى إلى خصومة كأن يقول أهل الكتاب نبينا خير من نبيكم نحن نقول نبينا خير من نبيكم بعد ذلك نصل إلى خصومات يسبون نبينا ونسب نبيهم من باب الحماقة والجاهلية فهذا تفضيل يؤدى إلى خصومة فينبغى أن نقف عنه. الجواب الخامس: التفضيل المنهى عنه بين الأنبياء فى نفس النبوة فهى إيحاء من الله لعباده لكن تفضيل فى الخصائص تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ليس فى نفس النبوة منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات إذن هذه خصائص هذا اختصه هذا بالرؤيا هذا بالتكليم هذه خصائص أما نفس النبوة فلا تفضيل فيها كما نتساوى نحن فى البشرية لا تفضيل فى نفس البشرية كلكم لآدم وآدم من تراب نتفاضل بعد ذلك بالخصائص وهؤلاء كذلك على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله سلامه. الجواب السادس: المنهى عن التفضيل بالرأى وأما إذا وقف الإنسان على أثر فيتكلم فهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يتكلمون هذا حسب آرائهم ويستعرضون الفضائل ويقولون فلا بد من إرجاع هذا إلى من لا ينطق عن الهوى نبينا خير الورى عليه الصلاة والسلام.

الجواب السابع المنهى عن التفضيل بصورة تجمع جميع الفضائل فى المفضل عليه فنقول هذا هو الأفضل أى كل الفضائل اجتمعت فيه وغيره ليس فيه فضيلة هذا لا يصح لا بد هذا أفضل لا شك لكن بعد ذلك هناك فضائل وهناك خصوصيات تكون فى المفضول لا تكون فى الفاضل إذن لا بد من وضع الأمر كذلك وأئمتنا قرروا هذا بقولهم بكثرة المزية لا تقتضى الأفضلية يعنى هذا يعنى الفضل له فى النهاية لكن قد بعد ذلك هناك فضائل يختصون بها ولا تكون فيه فمثلا نبى الله عيسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام اختصه الله بأن ولد من غير أب هذه فضيلة حقيقة ومزية معجزة كبيرة أعطاها لهذا النبى الكريم على نبيناو عليه الصلاة والسلام اختصه الله لم يخلقه لا من أب ولا من أم هذه مزية أيضا إذن مزايا وفضائل فلا يجوز أن نقول هذا الأفضل بحيث حوى كل الفضائل وأولئك ليس فيهم فضيلة انفردوا بها لإغذن حول سبعة أمور كما قلت يقع النهى عن التفضيل بين الأنبياء. انظروا إخوتى الكرام فى شرح شيخ الإسلام الإمام النووى على صحيح مسلم فى الجزء الخامس عشر صفحة سبع وثلاثين وفى فتح البارى فى الجزء السابع صفحة ست وأربعين وأربعمائة واثنتين وخمسين وأربعمائة من نفس الجزء. إذن نبى الله يحيى لم يعمل سيئة ولم يهم بها سبحان الله لم يعمل ولم يهم هذه حقيقة مزية مزية يعنى نبينا عليه الصلاة والسلام خير البرية عليه الصلاة والسلام قبل أن يوحى إليه يعنى عندما حل الإزار من أجل أن يساعد فى بناء الكعبة نودى يعنى من خلفه يعنى شد عليك إزارك عليه صلوات الله وسلامه فإذن هنا لنبى الله يحيى كما قلت فى هذا الأمر ميزة حقيقة على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه يعنى فى هذا الأمر له ميزة على من عداه ثم أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام لم يعمل سيئة قط ولم يهم بها نبى الله يحيى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

إخوتى الكرام: ما وقع من نبينا عليه الصلاة والسلام وجرى له قبل بعثته الشريفة عليه صلوات الله وسلامه من رفع إزاره عند مشاركته فى بناء الكعبة المشرفة ثابت فى المسند والصحيحين من رواية سيدنا جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما وراه البيهقى وأبو نعيم كلاهما فى دلائل النبوة كما رواه الإمام أبو نعيم فى كتابه معرفة الصحابة ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير والطبرى فى تهذيب الاثار من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس عن أبيه سيدنا العباس عن نبينا خير الناس على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فالحديث رواه الإمام عبد الرزاق فى مصنفه والطبرانى فى معجمه الكبير والحاكم فى المستدرك والبيهقى فى دلائل النبوة من رواية أبى الطفيل رضي الله عنهم وأرضاهم ولفظ حديث سيدنا جابر رضي الله عنه قال لما بنى الكعبة المشرفة ذهب النبى صلى الله عليه وسلم وعمه العباس رضي الله عنه ينقلان حجارة فقال سيدنا العباس رضي الله عنه لابن أخيه نبينا عليه الصلاة والسلام اجعل إزارك على عاتقك والعاتق هو ما بين المنكب والعنق اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة أى ليقيك من الحجارة ومن ثقلها عندما تحملها على عاتقك ففعل نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك أى حل إزاره ووضعه على عاتقه فخر إلى الأرض وفى رواية فسقط مغشيا عليه عليه صلوات الله وسلامه وطلحت عيناه إلى السماء يعنى ارتفعت ثم قال فقال إزارى إزارى فشد عليه إزاره فما رؤى بعد ذلك اليوم عريانا.

انظروا إخوتى الكرام روايات الحديث وانظروا كلام الأئمة عليه فى شرح صحيح مسلم للإمام النووى فى الجزء الثالث صفحة ثلاث وثلاثين وفى الفتح فى الجزء الثالث صفحة تسع وثلاثين وأربعمائة وفى الجزء السابع صفحة خمس وأربعين ومائة وانظروا دلائل النبوة للإمام البيهقى فى الجزء الثانى صفحة خمس وخمسين وثبت فى المسند ومسند أبى يعلى ومسند الإمام أحمد ومسند البزار كما فى المجمع فى المكان المتقدم وفى الإسناد على ابن زيد ابن جدعان هناك ماذا قال ضعفه الجمهور هنا زاد قال ضعفه الجمهور وقد وثق على ابن زيد ابن جدعان لا إله إلا الله والحديث رواه ابن خزيمة والدارقطنى أيضا كما فى قصص الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه للإمام ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل صفحة تسع وأربعين وخمسمائة ورواه الإمام الثعلبى فى كتابه عرائس المجالس أيضا قصص الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه صفحة ست وثلاثين وثلاثمائة وعليه وفى المسند ومسند أبى يعلى والبزار والدارقطنى وابن خزيمة ورواه الثعلبى ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أن البنى صلى الله عليه وسلم قال ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم ليس يحيى ابن زكريا هذا لا هم ليس يحيى ابن زكريا هذا لا أخطأ ولا هم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه زاد البزار فى مسنده فإنه لم يهم بها ولم يعملها وروى الإمام البزار بسند رجاله ثقات كما فى المجمع فى المكان المتقدم عن سيدنا عبد الله ابن عمر ابن العاص رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغى لأحد أن يقول أنا خير من يحيى ابن زكريا ما هم بخطيئة أحسبه قال ولا عملها فإذا ما هم لن يعمل من باب أولى لأن العمل لا يكون إلا بعد الهم ما هم بخطيئة أحسبه قال ولا عملها وهذا المعنى للفظ حصور فعول بمعنى فاعل حصر نفسه منعها من الشهوات والمنكرات والمخالفات وأظهر القولين فى تفسير الآية

وهو الذى ذهب إليه الجمهور فقالوا فى تعليل ذلك إن اللفظ خرج مخرج الثناء والمدح وذلك يكون على فعل المكتسب دون الفعل الجبلى فى الغالب يعنى لو كان حصورا بمعنى لا شهوة له يشتهى فيها ما حرم الله عليه فلا يكون بذلك مدح إنما المدح هنا أنه عنده ما عند غيره لكن زم نفسه بزمام التقوى ومن الله عليه بالحكمة وهو صبى فصان نفسه من كل عمل ردى منذ أن ولد إلى أن قبض على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه.

هذه هى الميزة لأنه خرج مخرج المدح فإذن هو الذى ضبط نفسه بتوفيق الله كما قلت كما تقدم معنا قلت لا يسلم أحد من مخالفة إلا إذا صاحبته عناية خاصة ورعاية تامة كما حصل لنبى الله يحيى على نبيناو عليه الصلاة والسلام وإلا من عداه نسأل الله اللطف والعافية بفضله ورحمته إذن هذا أمر فى ترجيح هذا القول التعليل الثانى فى ترجيحه فعول حصور قال الإمام القرطبى تأتى هذه الصفة بصيغة الفاعلية بصيغة الفاعل وهو الذى يكثر منه حصر النفس ومنعها كالأكول الشروب هو كثير الأكل والشرب وهو الحصور كثير الحصر والمراقبة والضبط لنفسه يراقب نفسه فى جميع أحوالها إذن هذا يرجح المعنى الأول وهو أنه بمعنى فاعل حصر نفسه معنا علة ثالثة ترجح هذا ذكرها الخطيب الشربينى فى السراج المنير قال هذا الوصف إذا كان هو حصر نفسه ومنعها مما حرم الله عليه هذا أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه يعنى هذا يحتمل أن نقول خلق ممسوحا أو عنينا لا شهوة له ولا يشتهى النساء من أجل هذا ما هم ولا تطلع فهذا أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه بالعلل الثلاثة ترجيح القول الأول الحصور الذى حصر نفسه من كل ما حرم الله عليه من كل شائبة كما قلت هذا الذى رجحه جمهور المفسرين منهم الإمام الرازى فى تفسيره فى الجزء السابع صفحة سبع وثلاثين وهكذا الإمام القرطبى فى الجزء الرابع صفحة ثمان وسبعين لا فى الجزء السابع صفحة سبع وثلاثين أوليس كذلك سبع وثلاثين نعم ظننت أخطأت فيها فى الجزء السابع صفحة سبع وثلاثين والقرطبى فى الجزء الرابع صفحة ثمان وسبعين ومنهم الإمام ابن كثير فى الجزء الأول صفحة واحدة وستين وثلاثمائة ونقل كلاما بديعا عن شيخ الإسلام القاضى عياض عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى تقرير هذا القول وأقره انظروه فى تفسير ومنهم الخطيب الشربينى كما قلت فى السراج المنير فى الإعانة على معرفة بعض

كلام ربنا الحكيم الخبير فى الجزء الأول صفحة ثلاث عشرة ومائتين ومنهم الإمام الألوسى فى روح المعانى فى الجزء الثالث صفحة ثمان وأربعين ومائة بل سيأتينا أن الإمام الألوسى انفرد بإعادة القول الثانى لهذا القول كما ستسمعون إن شاء الله فجعل القولين قولا واحدا القول الثانى فى بيان معنى الحصور حصور ما فعل شيئا من الفواحش ولا المنكرات لعدم تأتى ذلك منه وصلاحيته له نفسه لا تشتهى ما حرم الله عليه فلا يتطلع للنساء وما خلق له شهوة يميل بها إلى النساء ولذلك ما هم ولا فعل فإذن هو محصور مفعول حصره الله منعه من هذه الشهوة وطهر قلبه وصارت فيه عفة وحصانة لا يتطلع إلى ما عند النساء ولا يهم ولا يخطر شىء بباله إذن هنا حصورا محصور قيل لعنة فيه قيل لصغر العضو قيل لأنه لا يخرج ماء وإن كان يتأتى منه الوطء والمباشرة وقيل قيل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه والعلم عند الله وكل هذه الأقوال تحتاج إلى سند وإن نقل بعضها عن سلفنا الصالح فهو مأخوذ عن أهل الكتاب فلا بد من أخذ هذا من نبينا عليه الصلاة والسلام الذى لا ينطق عن الهوى هذا المعنى الثانى ورد فى الأثر ما يدل عليه الجملة لكن الإمام الألوسى كما قلت أعاده إلى القول الأول على فرض ثبوته فاستمعوا له.

روى الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط كما فى المجمع فى المكان المتقدم فى الجزء الثامن صفحة تسع ومائتين والأثر رواه ابن أبى شيبة فى مصنفه والإمام أحمد فى الزهد وابن أبى حاتم فى تفسيره وابن عساكر فى تاريخه كما فى الدر المنثور فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وعشرين ورواه الإمام الثعلبى فى عرائس المجالس فى قصص الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه فى صفحة سبع وثلاثين وثلاثمائة وفى إسناد الأثر حجاج ابن سليمان الرعينى أبو الأزهر قال عنه الهيثمى فى المجمع وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أبو زرعة وغيره وبقية رجاله ثقات إذن عندنا حجاج ابن سليمان الرعينى أبو الأزهر مختلف فى توثيقه انظروا اللسان إخوتى الكرام فى الجزء الثانى صفحة سبع وسبعين ومائة ومعه الميزان نقل الحافظان الذهبى وبعده ابن حجر رضي الله عنهم أجمعين نقلا عن ابن عدى أنه مشاه وقبله لحجاج ابن سليمان الرعينى مشاه ووثقه كما تقدم معنا ابن حبان وأورد له الإمام ابن عدى هذا الحديث فى ترجمته وهو موجود فى اللسان نقلا عن ابن عدى رضي الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث عن سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال كل بنى آدم يلقى الله عز وجل يوم القيامة بذنب كل واحد سيلقاه مذنبا مخطىء هم أو فعل وثن وقد يعذبه الله إن شاء أو يرحمه هذا الأمر إليه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} .

قال النبى عليه الصلاة والسلام إلا يحيى ابن زكريا فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين وأهوى نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام إلى قذاة من الأرض يعنى قشة وعودة صغيرة وتبنة أخذها بيده الشريفة عليه الصلاة والسلام وقال كان ذكره مثل هذه مثل هذه التبنة قشة العودة كان ذكره مثل هذه القذاة يعنى ما عنده شهوة من أجل هذا كان حصورا أى محصورا عن النساء وما ولا فعل ولا تطلع إلى ما عند النساء نحو هذا الأمر الذى ينبغى أن نضبط أنفسنا كما قلت عنده ومن حفظ فى الماضى فليتق الله فى المستقبل ومن فرط فرحمة الله واسعة فليتب إلى الله نحو هذا الأمر نبى الله يحيى على نبيناو عليه الصلاة والسلام ما عنده تطلع منه نحو هذا الأمر لا هم ولا فعل ولا خطور بباله نحو الجنس الثانى كان معه مثل هذه هذا الذى معه كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث كما علمتم حاله فيه حجاج ابن سليمان الرعينى جرى حوله كلام اختلاف فى توثيقه هذا المعنى إخوتى الكرام منقول عن عدد من السلف الطيبين من صحابة وتابعين رضي الله عنهم أجمعين لعل هذه الآثار لعل تشهد لهذا الحديث المرفوع فيصبح يعنى فى درجة القبول إن شاء الله.

انظروا إخوتى الكرام هذه الآثار والأثر الآن الثانى سيأتينا أيضا مرفوع واختلف فى رفعه وفى وقفه انظروا هذه الآثار فى تفسير الطبرى فى الجزء السادس صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة ورواه الإمام ابن المنذر فى تفسيره وهكذا ابن أبى حاتم وابن عساكر فى تاريخه عن سعيد ابن المسيب رحمه الله عن ابن العاص وسيأتينا يحتمل عبد الله ابن عمرو ويحتمل عمرو ابن العاص الابن أو الأب عن ابن العاص قال الإمام ابن كثير فى تفسيره رواه أبو حاتم على الشك عبد الله ابن عمرو ابن العاص أو عمرو ابن العاص يعنى بين الأب والإبن رواه ابن أبى حاتم على الشك فى بيان المراد من ابن العاص ورواه ابن المنذر فى رواية المنذر عن الأب لا يوجد شك عن يعنى ابن العاص عبد الله أو عمرو بن المنذر عن سعيد ابن المسيب عن عمرو ابن العاص والحديث سيأتينا مرفوع أو موقوف ورواه الطبرى أيضا على الشك لكن فى رواية الطبرى موقوف رواية مرفوعة ورواية موقوفة ورواه أبو حاتم فى تفسيره عن الأب عمرو ابن العاص لكن موقوف قال ابن كثير وهو أصح إسنادا إذن سعيد ابن المسيب عن ابن العاص مرفوعا عمرو أو عبد الله الأب أو الإبن عن سعيد ابن المسيب عن عمرو مرفوعا فقط فى رواية ابن المنذر سعيد ابن المسيب عن ابن العاص عبد الله أو عمرو موقوفا دون أن يكون مرفوعا. فى رواية الطبرى إحدى روايتيه سعيد ابن المسيب عن عمرو ابن العاص الرواية الرابعة معنا موقوفة دون أن تكون مرفوعة قال الإمام ابن كثير هذه أصح إسنادا وأن هذا من كلام عمرو ابن العاص رضي الله عنهم أجمعين وكيفما كان الأمر سواء كان موقوفا أو مرفوعا فلفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام إذا كان مرفوعا وقلت روى مرفوعا ورجح الإمام ابن كثير الوقف.

ما من عبد يلقى الله عز وجل إلا ذا ذنب إلا يجيى ابن زكريا فإن الله قال فيه وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ثم رفع النبى عليه الصلاة والسلام شيئا من الأرض قشة تبنة عودة صغيرة وقال ما كان معه إلا مثل هذه وفى رواية لم يكن معه إلا مثل هدبة الثوب يعنى طرف الثوب إذا تناه الإنسان ما كان معه إلا مثل هدبة الثوب الأثر كما قلت اختلف فى رفعه وفى وقفه وهل هو عن عبد الله ابن عمرو أو عن عمرو رضي الله عنهم أجمعين رجح كما قلت الإمام ابن كثير فى تفسيره الوقف عن عمرو ابن العاص وهكذا فى كتابه قصص الأنبياء صفحة خمسين وخمسمائة رجح الرواية الموقوفة عن عمرو فقال كونه موقوفا أصح من رفعه وهكذا فعل الإمام السيوطى فقال الرواية الموقوفة أصح إسنادا على كل حال مرفوعة أو موقوفة تشهد للرواية المتقدمة من رواية سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه وأرضاه كما قلت إخوتى الكرام هناك روايات متعددة عن السلف من صحابة وتابعين فيها هذا المعنى رضي الله عنهم أجمعين انظروها فى تفسير الطبرى فى الجزء السادس صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة وفى الدر المنثور فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وعشرين وفى زاد المسير فى الجزء الأول صفحة ثلاث وثمانين وثلاثمائة الإمام الألوسى رحمه الله رد هذا التفسير الثانى إلى القول الأول كيف هذا فقال على تقدير صحة الأثر فهو من باب التمثيل والإشارة إلى عدم انتفاعه بما عنده يعنى عنده مثل هدبة الثوب ما معه إلا مثل هذه أى لمجاهدته نفسه يعنى جاهد نفسه صار عضوه كأنه هدبة ثوب كأنه قشة ليس بعضو بشرى يشعر ويتحرك كما تقدم معنا فى أثر سيدنا عبادة ابن الصامت رضي الله عنه عندما مات صاحبه ولا سمع ولا بصر قال يخشى أن يحركه الشيطان فيتحرك فهذا الآن أماته ولا حركة فيه من صغره أما بالنسبة لعبادة رضي الله عنه تقدم معنا فى الموعظة الماضية ذاك لكبر سنه لا يقوم إلا ...

ولا يأكل إلا ما ذوق وصاحبه مات ولا سمع له ولا بصر يخشى أن يحركه الشيطان إذا اقترب من امرأة وخلا بها كما تقدم معنا أما هذا النبى المبارك على نبيناو عليه الصلاة والسلام أعطاه الله الحكم صبيا فجاهد نفسه وزمها بزمام التقوى فصار عضوه كمثل هدبة الثوب كهدبة الثوب كالعودة فالإمام الألوسى يقول على فرض صحة الأثر ليس المراد أنه ممسوح أو لا شهوة عنده إنما هذه الشهوة كأنها ذهبت وانطفأت من أجل تعلق قلبه بربه فلا يعلم ما عند النساء ولا يتطلع إليهن هذا كلام الألوسى على فرض على تقدير صحة الأثر من باب التمثيل والإشارة إلى عدم انتفاعه بما عنده لم؟ قال لعدم ميله إلى النكاح لأنه فى شغل شاغل عنه وعلى هذا التفسير أنه حصر نفسه وما تطلع إلى النساء استدل السادة الشافعية رضي الله عنهم أجمعين إلى أن التخلى عن النكاح أفضل من فعله لمن لا يشتهيه ولا يتطلع إليه عندنا قبل هذه حالتان تقدم معنا البحث فى أحوال النكاح ضمن مباحث النبوة. إن تاقت نفسه إليه وخشى من الوقوع فى المحذور فرض عليه ووجب إن تاقت نفسه إليه ولم يخش من الوقوع فى المحذور سنة مؤكدة باتفاق المذاهب الأربعة.

إنما الحالة الثالثة: هى التى فيها الخلاف لم تتق نفسه إليه لا يشتهى لا يتطلع إليه وعنده أهبته مؤنة النكاح أما نفسه لا تتطلع إليه ومن باب أولى لا يخشى من الوقوع فى المحذور نفسه لا تشتهى لا تتطلع إليه إما يعنى طبيعة الشهوة قليلة وإما كما قلت اشتغالا بعلم وجهاد ودعوة إلى رب العباد..نفسهم أحوال المقصود لا يخطر بباله شهوة النكاح لا يشتهى لا يتطلع إليه يأمن على نفسه من الوقوع فى المحذور عنده أهبة النكاح اختلف أئمتنا الأربعة على قولين اثنين فى هذه المسألة فالحنفية والحنابلة قالوا يستحب له فى هذه الحالة أن يتزوج وهو أفضل من التخلى للعبادة وطلب العلم ونشره وسائر الطاعات يتزوج وأما الشافعية هنا خالفوا فى هذه فانتبهوا يعنى الموضوع أنه ترك النكاح أولى عند الشافعية الإنسان يأخذها على إطلاق نفسه تتحرق إذا سمع المرأة اسمها فقط دون أن يرى صورتها يحصل عنده ما يحصل يقول أنا عند الإمام الشافعى يعنى تركه أولى يأثم وأنت الآن تضع الأمور فى غير موضعها لا بد من أن تتقى الله فى نفسك ذاك لا يشتهيه ولا يتطلع إليه يعنى تمر عنده المرأة والبقرة سواء وحقيقة نقول لو جاهدت نفسك وتزوجت لكان أفضل ليأتى ذرية تعبد رب البرية الشافعى رضي الله عنه يقول بما أن الله كفاك مؤنة الشهوة وثورتها لتفرغت للعبادة أفضل لك فإن قيل ستتعطل الحياة يقال هذا وهم وخيال لأن الشهوات تستعر فى نفوس المخلوقات نحن نتكلم على من هذا حاله أوليس كذلك وهذا واحد من ألف أو مائة ألف أو من مليون ألف عند الله هذا بشر الحافى من هؤلاء هذا من هذا الصنف الإمام النووى من هذا الصنف الإمام ابن تيمية من هذا الصنف يعنى هذا لا بد منه إخوتى الكرام فإذا جئت لبعض أئمة الإسلام قل هؤلاء يوجد اعتبار شرعى عندهم نفوسم لا تتطلع لأنهم كحال نبى الله يحيى لأنه أواه فى شغل شاغل عن هذا الأمر وعليه نفسه ليست فيها تطلع لهذا الأمر ولا يخشى على نفسه من نظر حرام يعنى أفكار

رديئة فقال أنا أتفرغ لما هو أنفع من طلب علم ونشر دعوة وقتال فى سبيل الله نقول نفسه تتحمل فعند الشافعية هذا أفضل انتبه قال السادة الشافعية كما قرر ذلك شيخ الإسلام الإمام النووى رضي الله عنه وأرضاه قال فإن لم يتخل للعبادة فى هذه الحالة فالنكاح فى حقه أفضل لأنه بطال لا فائدة إذن منه لا فى دين ولا فى دنيا قال أنا لا أشتهى وعندى المؤنة لكن ما أتفرغ لا لعبادة ولا لصيام ولا لذكر ولا لحفظ القرآن ولا لطلب علم ولا ولا مجرد هكذا طلبا للراحة نقول النكاح فى حقك أفضل لأنه الآن ما انتفع لا للأمة ولا نفعت نفسك يعنى عطلت نفسك وعطلت المنفعة العامة.

وقال السادة المالكية: ترك النكاح فى هذه الحالة وهى الحالة الثالثة التى ذكرتها أفضل إلا إذا نوى بالزواج إعفاف فقيرة وصونها وصون مسلمة وسترها فهذا أيضا أفضل هذه التى اختلف فيها كما قلت فانتبهوا لذلك السادة الشافعية كما استدل بذلك الإمام الرازى فى تفسيره عند هذه الآية بهذه الآية على مذهب السادة الشافعية فنبى الله يحيى على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه لم يرد أنه تزوج وإن ورد فى أخبار أهل الكتاب أنه تزوج ولم يعاشر ولم يباشر يعنى من أجل أن يكرم سنة النكاح علمه عند الله لكنه ما ورد وأئمتنا يعنى عندما يستعرضون قول الله جل وعلا فى تفسير قول الله {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} يقولون لا يعترض على هذا بحال نبيين على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه الأول نبى الله عيسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام لم يتزوج وقالوا هذا سينزل فى آخر الزمان يتزوج ويولد له كما ورد الآثار على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه ونبى الله يحيى قالوا أما أنه حصور كما تقدم معنا الجواب وعلى القول الثانى فى أنه حصور يعنى ليس معه شهوة لا يشرع له الزواج وعلى يعنى أيضا القول الثانى حصور قالوا أيضا ما يشتهى النساء ولا يتطلع إليهن وليس عنده شهوة نحوهم تزوج لإقامة السنة لكن ما تأتى منه يعنى الوطء لإخراج الذرية تعبد رب البرية على كل حال استدل بهذا السادة الشافعية من جملة أدلتهم على أن ترك النكاح من أجل التخلى للعبادة أفضل ومن فعله فى هذه الحالة لا مطلقة فانتبهوا لذلك والبحث كما قلت مضى معنا من يعنى أدلته ونسبة الأقوال إلى من قال بها وتحديد مصادرها ضمن مباحث النبوة عند معاملة نبينا لأمهاتنا أزواجه على نبينا وعليهن وعلى آل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام..

بعد كما قلت هذه المقدمة يعنى مختصرة ننتقل بعد ذلك إلى مبحثنا وهى المسألة العاشرة فى موضوع النظر إلى الأمرد وهذه المقدمة كما قلت اختلفت عن المقدمات الأخرى هذه فى موضوع المراقبة لله عز وجل سبحانه وتعالى. إخوتى الكرام: تقدم معنا فى بداية هذه المسألة وهى مسألة النظر إلى الأمرد أمرد أنه إذا كان صبيحا جميلا حكمه حكم النساء تقدم معنا ويحرم النظر إليه بالاتفاق إذا كان النظر بشهوة سواء كانت هذه الشهوة شهوة تلذذ بالنظر واستحسان لهذه الصورة المليحة أو شهوة وطء له وفعل الفاحشة به يعنى إذا كان فيه جمال ونظر كما قلت بشهوة حرم تلذذا أو تطلعا لشىء أشنع من النظر وهكذا يحرم عليه باتفاق النظر إلى الأمرد إذا ظن الشهوة من نفسه أو خشى على نفسه الفتنة كما تقدم معنا وهكذا أيضا على المعتمد يحرم النظر إلى الأمرد الصبيح الجميل من غير حاجة وعليه بشهوة حرام خشى الشهوة حرام ظنها حرام بدون شهوة ولا خشيها ولا ظنها لا يجوز أن تتبع النظرة النظرة إلى الأمرد ومن فعل هذا يتهم وإذا قال ليس فى قلبى شىء لا يصدق لا يجوز أيضا النظر إليه كما لا يجوز النظر إلى النساء على المعتمد وتقدم معنا هذا ما نص عليه سيدنا الإمام الشافعى رضي الله عنه فى نقله عنه الإمام النووى فى روضة الطالبين فى الجزء السابع صفحة خمس وعشرين تحريم النظر إلى الأمرد مطلقا ومعاملته معاملة المرأة كما تقدم معنا وهذا الذى ذكره الإمام ابن قدامة فى المغنى فى الجزء السابع صفحة ثلاث وستين وأربعمائة لكن قال يحرم النظر إلى الغلام قال إن خشى أو لئن خشى منه وتقدم معنا إخوتى الكرام أن من فرق بين الأمرد والملتحى فى استحسان النظر حرم عليه أن ينظر يعنى هذا ضابط الشهوة يعنى عندما تنظر إلى ملتحى لك يعنى اعتبار معين فإذا كان هذا الاعتبار هو هو عندما تنظر إلى الأمرد فلا حرج إذن نظر من غير شهوة ولا خشيت ولا ظننت ولا حقيقة نظرة طبيعية لكن هنا استحسان ولو استحسان تلذذ

بالنظر دون أن ينتقل إلى شىء منكر وهو أنه يريد منه الفاحشة إذا كان يستحسن هذه الصورة ويستحليها كما يستحلى النظر إلى وجه المرأة وإن لم يرد أيضا مباشرتها فلا يجوز لأن هذا سيجرك إلى بعد ذلك بلايا ورزايا فى النهاية وأنت لا تدرى فلا بد إذن من البداية أن توضع الحواجز أو السدود إذا كان الإنسان يفرق فى نظرته بين الأمرد والملتحى أى حرم عليه النظر إلى الأمرد كما تقدم معنا أن هذا الذى قرره الإمام الغزالى فى الإحياء فى الجزء الثالث صفحة تسع وتسعين وقلت إن الإمام ابن تيمية عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه أفاض فى هذه المسألة فذكر ما يزيد على خمسين صفحة فى الجزء الحادى عشر من صفحة أربع وسبعين وثلاثمائة إلى صفحة سبع وعشرين وأربعمائة وأعد المسألة وذكرها هذا فى الجزء الخامس عشر إخوتى الكرام أحسنتم فى الجزء الخامس يعنى هو أيضا زيادة الخطأ سأنقل منه نقلا فى الجزء الخامس عشر ونسيت الجزء أيضا فقلت لبعض الإخوة هنا الأخ الكريم الإمام قلت عندك المجموع أحضر لى الجزء الخامس عشر هذا هو لذلك لما يعنى عندى هذه رؤوس الأقلام كتبت الجزء الحادى عشر فأحضرت الكتب التى يلزمنى أن أنقل منها فقلت الجزء الحادى عشر ما فيه نقل فيما أعلمه هو فى الخامس عشر قدر الله على كل حال الجزء الخامس عشر صفحة أربع وسبعين وثلاثمائة إلى سبع وعشرين وأربعمائة وفى الجزء الحادى عشر صفحة اثنتين وأربعين وخمسمائة وفى الجزء الثانى والثلاثين صفحة سبع وأربعين ومائتين كما تقدم معنا. إخوتى الكرام..

قلت إن النظر إلى الأمرد فى هذه الحالة محرم عليه محرم النظر إليه باتفاق وعمومات الأدلة تدل على هذا الآيات التى تأمرنا بأن نصون فروجنا وأن نغض طرفنا يدخل فيها غض الطرف عن الأمرد وعن المرأة كما تقدم معنا لكن قلت الأدلة الخاصة التى وردت فى المنع من النظر إلى الأمرد تنقسم إلى قسمين منها ما هو مرفوع لم يصح وإن كان الحكم ثابتا للعمومات من الأدلة الشرعية وهناك أدلة أخرى عن سلفنا الكرام رضي الله عنهم أجمعين جنسها متواتر وهذا ما سنبحث فيه إن شاء الله قلت سأذكر ثلاثة من الأدلة والآثار المرفوعة وأبين أنها لا تصح حتى إذا سمعناها نكون على علم بها ثم نأتى للآثار عن سلفنا الأبرار رضي الله عنهم وجنسها متواتر كما قلت واتفقت كلمتهم على تحريم النظر إلى الأمرد والخلوة به وعاملوه معاملة المرأة كما تقدم معنا مختصرا.

وإليكم التفصيل فى ذلك الأثر الأول روى مرسلا من الإمام الشعبى كما فى ذم الهوى صفحة ست ومائة وتلبيس إبليس صفحة واحدة وسبعين ومائتين وهو فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثانى والثلاثين صفحة ثمان وأربعين ومائتين ولفظ الأثر عن الإمام الشعبى رضي الله عنه وأرضاه أن وفد عبد قيس لما جاءوا إلى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقعدوا بين يديه كان فيهم غلام وضىء جميل صبيح فأخره النبى عليه الصلاة والسلام وراء ظهره وأجلسه خلفه وقال إنما كانت فتنة نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام من أجل النظر والأثر لا يصح كما سيأتينا علق الإمام ابن تيمية غفر الله لنا وله على هذا الأثر بقوله هذا وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى فعل هذا وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام ومزوج بتسع والوفد قوم صالحون ولم تكن الفاحشة معروفة عند العرب يعنى هذا فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام أى لا مجال لحصول التهمة فيه وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما يحصنه تسع نسوة الوفد قوم صالحون ما فيهم ريبة والعرب لم تكن فاحشة اللواط منتشرة فيهم ومع ذلك احتاط نبينا عليه الصلاة والسلام ولم ينظر إليه وأجلسه خلفه وقال إنما كانت فتنة نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام من أجل النظر كأن الإمام ابن تيمية كان يرى أن الأثر صحيح السند علله بما علل واستنبط منه ما استنبط وقال فى الجزء الخامس ولثلاثين صفحة اثنيتن وأربعين كلاما يشبه هذا وإن لم يذكر الأثر فقال كلاهما يعنى نبى الله آدم ونبى الله داود على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه ابتلى بما ابتلى به الآخر من الخطيئة وكل منهما خطيئتة تناسب خطيئة الآخر أما نبى الله آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام خطيئته من أجل البطن عندما أكل من الشجرة وأما نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام خطيئته من أجل النظر التى هى شهوة الفرج فى النهاية هذا يقوله فى

الجزء الخامس والثلاثين وحقيقة الكلام خشن كدر ممن صدر فنبى الله آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام. إخوتى الكرام ما جرى منه ذهول ونسيان وليس بتعمد معصية للرحمن لا بد من وعى هذا عندما قاسمه اللعين الشيطان أنه له ناصح وأنه سيخلد فى غرف الجنان ولن يخرج فإذن فعل ما فعل وهو ذاهل عن النهى الذى وجه إليه لكن لعلو مقامه ورفعة درجته عوتب على ما صدر منه وترتب على ذلك ما ترتب من حكمة هذا الوجود العبادة الرب المعبود سبحانه وتعالى هذا موضوع آخر لكن يعنى القول بأن نبى الله آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام يعنى تعمد المعصية فعل الخطيئة حاشاه وحاشى الأنبياء من مباشرة الخطيئة مع استحضار النهى لابد إخوتى الكرام من وعى هذا من أن الإنسان ذهل وغفل ونسى فكما قلت هذا فى حقنا لا نعاتب حتى عليه أما علوة درجة الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه يعاتبون فهو معصية بالنسبة إليهم ودرجتهم ورفعة قدرهم فلابد من وعى هذا وأما معصية نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام يا إخوتى كلها افتراء وهراء ولابد إخوتى الكرام يعنى أثر يبين هذا هناك نهى عندنا فى القرآن أكل من الشجرة لكن كما قلت أكل وهو ذاهل ناسى عوتب لعلو مقامه ورفعة درجته أما عين عندنا من أثر أن نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام نظر نظرة محرمة وترتب عليها أن يأخذ زوجة الغير أين عندنا هذا فلابد إخوتى الكرام أن نتقى الله فى أنفسنا فذكر هذا فى مكانين فى مكان ثالث ذكر الأثر انظر للتناقض من هذا الإمام المبارك رحمه الله وغفر لنا وله فى الجزء الخامس عشر صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة ذكر أثر الشعبى وأن حبيبنا النبى عليه الصلاة والسلام أجلس هذا الغلام وراء ظهره لأنه وضىء جميل وقال إنما كانت فتنة نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام من أجل النظر قال قلت هذا حديث منكر طيب منكر كيف تستدل به هناك وتأخذ منه أحكاما وتعلله تقول

وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام ومزود بتسعة والقوم صالحون ولا تعرف الفاحشة فى العرب وفعل هذا والآن أنت تقول هنا منكر. والاستدلال إخوتى الكرام فرع الثبوت لا يجوز أن تسدل بأثر إلا بعد أن يثبت اثبت ثم استدل الاستدلال فرع الثبوت والتوجيه فرع الثبوت إذا كان الأثر لا يصح ولا يثبت عن النبى عليه الصلاة والسلام فكيف تستدل به الأثر منكر باطل لا يثبت بحال فاستمعوا لكلام أئمتنا الأبرار. قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر فى التلخيص الحبير فى الجزء الثالث صفحة سبعين ومائة قال ابن الصلاح إنه ضعيف لا أصل له وضعفه الإمام ابن القطان فى كتابه أحكام النظر قال الإمام ابن حجر رضي الله عنهم أجمعين ورواه أحمد ابن اسحاق ابن إبراهيم ابن نبيط ابن شريط ومن طريقه رواه أبو موسى المدينى فى الترغيب والترهيب وإسناده واهى أما أحمد ابن اسحاق ابن إبراهيم ابن نبيط ابن شريط فلا يحل الاحتجاج به كذاب كما فى اللسان فى الجزء الأول صفحة ست وثلاثين ومائة وقال عنه الذهبى فى المغنى فى الجزء الأول صفحة أربع وثلاثين إنه ساقط ذو أوابد يعنى أمور شاذة غريبة يأتى بها ما يعلم إنسان من أين يختلقها ساقط ذو أوابد وقال ابن حجر الهيثمى فى الزواجر فى الجزء الثانى صفحة ست روى بسند ضعيف ثم ذكر الأثر كما عبر بعضهم يعنى أن الإسناد ضعيف بل واه كما قال شيخ الإسلام من هو ابن حجر رضي الله عنه وأرضاه.

مرة فى امتحان التوحيد فى كلية الشريعة كتبت فى السؤال قرر الإمام ابن تيمية عليه رحمات رب البرية كذا اشرح القول دعمه بالأدلة فطالب يتفلسف يقول أنت لما لم تقل عن الإمام ابن تيمية إنه شيخ الإسلام فى قلبك سوء نحوه يقول لأن هذا علم عليه شيخ الإسلام هذا علم على ابن تيمية وهنا فى الزواجر ما قال ابن حجر ابن تيمية قال كما قال شيخ الإسلام وهو ابن حجر ما أحد يظن أنه ابن تيمية يعنى شيخ الإسلام أينما وجد ابن تيمية فاستدعيت الطالب كان من الكويت من المشوشين هؤلاء الذين لهم لغط فى هذه الأيام قلت يا رجل أنت لا تستحى من الله أنا قلت الولد أو الصبى أو الراعى ماذا قلت قلت قال الإمام ابن تيمية الله قال عن خليله إبراهيم مع أنبياء الله وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا الأنبياء أنت ماذا تريد أن أقول لهم يعنى شيخ الإسلام تظن حتى يعنى أعلى من الإمام من قال إن قلت هذا الإصطلاح أخى أريد أن أعلم من الذى نحت لكم تماثيل بدأتم تدورون حولها من أريد أن أعلم ما تستحى من الله يعنى عندما أذكر الأئمة الذين غالبوا ابن تيمية أقول فيهم هذا أقول قال الإمام النووى قال الإمام أبو حنيفة ما قلنا فى يوم من الإيام قال شيخ الإسلام أبو حنيفة وحقيقة رتبة الإمام أعلى فيا رجل كف عن سفاهتك ثم هذه ورقة امتحان تكتب يعنى الآن تطلب منك إجابة على سؤال يطلب منك تصحح لهذا السؤال للمدرس يا رجل إلى هذا الحد وصلت بكم السفاهة والتطاول.

يعلم الله إخوتى الكرام فى الامتحان ومرارا فكرت يعنى فكرت أن أضرب على الورقة وأضع له صفر من أجل فلسفته لا يعنى موضوع أسأل الله أن يتوب علينا وأن يحسن ختامنا يعنى موضوع انتقام لنفس أو كذا لكن يعنى السفاهة الإنسان يوقفه عند حد قلت بعد غض الطرف سيقال هذا يعنى تكلم على الأستاذ بالورقة وانتقم منه خلاص ... لكن هذه الفلسفة يعنى الآن لما فأنت الآن قال الإمام قال الإمام فهنا الإمام ابن حجر يقول عبر بعضهم عن هذا الحديث ابن حجر الهيثمى بأنه واهى وقال شيخه بأنه ضعيف وقال شيخ الإسلام إنه واه من هو شيخ الإسلام ابن حجر العسقلانى يعنى ابن حجر الهيثمى ينعت ابن حجر العسقلانى بأنه شيخ الإسلام لو سمعك هؤلاء لعملوا الآن عليك محاضرة كيف حولت هذا اللقب من الإمام ابن تيمية رضي الله عنه وعن أئمتنا أجمعين إلى حمام المحدثين الحافظ ابن حجر.

إخوتى الكرام حقيقة يعنى العقول الضحلة التى ابتلينا بها هذه الأيام أمرها عجيب شيخ الإسلام هذا ينبغى هذا واخترعوا لقبا آخر أئمة الدعوة الآن لما يذكر أئمة الدعوة يعنى يقصدون الذين هم من أتباع الشخ محمد ابن عبد الوهاب أئمة الدعوة لا إله إلا الله أطلقوا على علماء الإسلام اصطلاحات مشتركة ولا بعد ذلك كل واحد تخصونه بلقب وهذا فى الأصل من أهل الزيغ عندما يقولون عليا عليه السلام رضي الله عنه وأرضاه يذكر بعد ذلك أبا بكر وعمر وعثمان ولا يقول رضي الله عنهم ولا رحمهم الله إخوتى لما السفاهة أبو بكر عليه السلام وعلى عليه السلام لا بأس أما على عليه السلام هذا تجدونه فى سبل السلام بكثرة قال على عليه السلام ثم أبو بكر وعمر وعثمان ولا يقول رضي الله عنهم يعنى يا عباد الله لما هذا والله يا إخوتى الكرام ما خطر ببالى فى يوم من الأيام أن أفرق بين الصحابة ولا أن أفرق بين من بعدهم من أئمة الإسلام يعنى ليس إذا كنا نحب شيخ الإسلام الإمام النووى أننا بعد ذلك يعنى نتخذ نحو العلماء الآخرين موقفا آخر يا إخوتى كلهم أئمة الدين وحبهم دينا نتقرب به إلى رب العالمين أما نأتى جهة انحرفنا إليها وبدأنا نهيل عليها الألقاب وجهة أخرى قال النووى ولما بعد ذلك تقول له أنت قرر هذا النووى يقول هذا متمذهب ولما أنت تقول قال الإمام ابن تيمية يقول لما لا تقول شيخ الإسلام انظر لحالنا فى هذه الأيام. خلاصة الكلام إخوتى الكرام.. لا يثبت الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام إنما كانت فتنة نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام من أجل النظر لا يثبت هذا وتأخيره للغلام الأمرد بحيث أجلسه خلفه ووراءه لا يثبت هذا ولذلك ذكر الإمام الشوكانى هذا الحديث فى كتابه الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة يرى عدم صحته وأنه موضوع فى صفحة ست ومائتين قال لا أصل له وفى إسناده مجاهيل.

إخوتى الكرام: لابد من أن نقف وقفة نحو هذا النبى المبارك الصالح العابد القانت الذى أثنى عليه ربنا ثناء طيبا يعنى لعله لو قيل إن الله أثنى عليه بخصوصيات لم تحصل لغيره من الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه لما بالغنا لا بد من أن نقف وقفة إخوتى الكرام نحو هذا النبى الكريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لنحذر الترهات والأباطيل والاختلاقات التى تجرى حوله.

أما هذا النبى المبارك على نبينا وعليه الصلاة والسلام فهو نبى كريم ذو جد واجتهاد فى طاعة رب العالمين فما عبد مخلوق ربه بعبادة أعلى من عبادة نبى الله داود لذلك شهد نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام فعبادته أكمل العبادات وأعلاها ثبت فى مسند الإمام أحمد والحديث فى الصحيحين والسنن الأربعة فهو فى الكتب الستة وراوه ابن حبان فى صحيحه وكذا ابن خزيمة فى صحيحه والإمام الدارمى فى سننه والحميدى فى مسنده والطحاوى فى شرح معانى الآثار وفى مشكل الآثار ورواه شيخ الإسلام عبد الرزاق فى المصنف والبيهقى فى السنن الكبرى وأبو نعيم فى الحلية رضي الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [أفضل الصيام صيام نبى الله داود] وفى رواية [أحب الصيام إلى الله صيام نبى الله داود] أفضل الصيام أحب الصيام إلى الله صيام نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام كان يصوم يوما ويفطر يوما هذا أفضل الصيام وأحبه إلى الله يصوم يوما ويفطر يوما وأحب الصلاة وأفضل الصلاة إلى الله صلاة نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام وهى صلاة الليل التى يخلو الإنسان فيها مع ربه سبحانه وتعالى [كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه] الليل ستة أسداس ثلاثة أسداس وهى النصف ينامها سدسان وهى الثلث يقومه فيقوم إذن سدس الثلث الأخير سدس منه وسدس يكون فيه نائما والسدس الأخير ينام إذن من الثلث الأخير يقوم سدسا الليل ستة أسداس نام نصفه ثلاثة أسداس وقام ثلثه سدسان بقى سدس إذن قام من الثلث الأخير سدسا ينام نصف الليل يقوم ثلثه ينام سدسه هذه أحب الصلوات إلى الله.

وحقيقة فيها مزيد يعنى عزم وحزم وجد واجتهاد وفيها راحة للبدن عندما ينام الإنسان نصف الليل استراح فيقوم للعبادة بنشاط عندما بعد ذلك يبقى للفجر ساعة ونصف أو ساعتين ينام ليتنشط لصلاة الفجر ولئلا يظهر فى وجهه الصفرة التى تعترى من يقومون السدس الأخير دون نوم فإذن كما قلت فيها جد واجتهاد مع أنه فيها زيادة تعب يعنى هو لو نام الثلثين واستيقظ الثلث الأخير ليتهجد ويصلى الفجر كان أيسر عليه بينما هنا نام واستيقظ ثم نام ثم استيقظ هذا حقيقة يحتاج يعنى لمن يراقب الله فى كل لحظة ويضبط وقته. إخوتى الكرام: يعنى لو ضبطنا الآن الليل بعد صلاة العشاء الآخرة لنفرض الآن ننتهى من الصلاة الساعة الثامنة لنفرض ونحن الآن فى أوقات الليل فيها قصير أوليس كذلك والنهار طويل ولذلك الشتاء غنيمة المؤمن قصر النهار فصامه طال الليل فقامه وأما الآن حقيقة يعنى النهار طويل جدا والليل ما يترثى الإنسان من القيام على وجه التمام كما هو الحال إلى ليالى الشتاء من الساعة الثامنة لو قدرنا الثامنة وأذن العشاء نحن نصلى الثامنة والنصف وننتهى للتاسعة لو قدرنا من التاسعة إلى الثالثة إن أذن الفجر أوليس كذلك عندنا ست ساعات نم ثلاث ساعات إلى الساعة الثانية عشرة استيقظ ساعتين من الثانى عشر إلى الثانية أوليس كذلك واحدة والثانية ثم تنام إلى الثالثة وتستيقظ مرة أخرى يصبح الترتيب هكذا يعنى بعد أن تنتهى من صلاة العشاء الآخرة الوقت الذى بينها وبين صلاة لفجر اقسمه نصفا وثلثا وسدسا هذا فعل نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام.

والصفة الثالثة: وكان لا يفر إذا لاقى إذن هو صلاته خير الصلوات صيامه خير الصيام جهاده أكمل الجهاد إذا لاقى أعداء الله لا يقر ويثبت ولا يولى الدبر على نبيناو عليه الصلاة والسلام طيب مثل هذا بعدذلك سيجرى منه ما ينزه أحدنا نفسه ليقف عنه وقد كان هذا النبى الكريم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه على جانب من الورع عظيم ومراقبة الله الكريم. روى البخارى رضي الله عنه وعن أئمة الإسلام أجمعين روى الإمام البخارى فى صحيحه وهكذا البيهقى فى شعب الإيمان وفى السنن الكبرى والأثر فى شرح السنة للإمام البغوى ورواه أبو نعيم فى الحلية انظر لورعه رضي الله عنه وأرضاه والحديث صحيح صحيح فهو فى الصحيح فى البخارى من رواية سيدنا المقدام ابن معدكرب رضي الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده سبحان ربى العظيم نبى وحاكم له شأن شأن كان حاكما بين الناس ولو لم يكن نبيا فبيت المال تحت رعايته ويستحق منه نفقة نبى وحاكم ولا يأخذ من بيت المال درهما إنما يعيش من عمل يده فنبوته لا يريد عليها أجر وحكمه ورعايته وامرته لا يأخذ عليها مكافاة ولا شىء وإن نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده فبعد هذا الورع ماذا تريد من الورع الذى تورع عما يحل له, عما يحل له تورع عنه هل يتوقع منه أن يقع ليتطلع إلى ما لا يحل له والله يا إخوتى الكرام أنا أعجب للعقول التافهة كيف تلوك الشبه المنكرة نحو أنبياء الله البررة على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه كان يأكل من عمل يده هذا ثابتا فى حديث المقدام وثابتا فى حديث أبى هريرة رضي الله عنه مع الإشارة إلى منقبة أخرى استمعوا لها.

روى الإمام أحمد فى المسند والبخارى فى صحيحه وابن حبان فى صحيحه أيضا والبيهقى فى السنن الكبرى والإمام لبغوى فى شرح السنة والحديث من رواية أبى هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال خفف على نبى الله دواد على نبينا وعليه الصلاة والسلام القرآن والمراد من القرآن هنا القراءة وهى قراءة الزبور الذى أنزله الله عليه {وآتينا داود زبورا} القرآن هذا كما ثبت فى مقدمة صحيح مسلم من رواية عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنه وأرضاه انظروا الأثر فى الجزء الأول صفحة ثمانين مع شرح الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال موقوفا عليه إن فى البحر شياطين أوثقها نبى الله سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام يوشك أن تخرج فتقرأ على الناس قرآنا ما المراد بالقرآن هذيانا وكلاما باطلا تزعم أنه قرآن نزل على النبى عليه الصلاة والسلام يوهمون على الناس يقولون هذا قرآن وهذا متى يكون يعنى عند انتشار الجهل وضياع العلم وظهور الفتن فتخرج الشياطين وتتلوا على الناس ما يوهمونهم أنه قرآن المقصود قراءة قراءة لها قرآن قرأ يقرأ قراءة وقرآنا وهنا خفف على نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام القرآن يعنى القراءة والتلاوة تلاوة الكتاب الذى نزل عليه فكان يأمر بدوابه أن تسرج فيقرأه أى الزبور من أوله لآخره قيل إنه مائة وعشرين سورة الزبور يقرأه من أوله لآخره فيقرأه قبل أن تسرج دوابه يقول جهزوا الدواب قبل أن يوضع السرج عليها تجهز له ليركبها خفف عليه أى بورك له فى وقته وأعطاه الله نشاطا بحيث يقرأ الزبور من أوله لآخره قبل أن تسرج الدواب يعنى إسراج الدواب لا يأخذ أكثر من ربع ساعة يقرأ هذا الكتاب من أوله لآخره قبل أن تسرج الدواب إكراما من الله له ولا يأكل إلا من عمل يده هذا تكملة لنص الحديث خفف على نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام

القرآن فكان يأمر بدوابه أن تسرج فيقرأه قبل أن تسرج ولا يأكل إلا من عمل يده. قال الحافظ ابن حجر فى الفتح فى الجزء السادس صفحة وخمس وخمسين وأربعمائة فى هذا الحديث دليل على أن البركة قد تقع فى الزمن البيسير حتى يقع فيه العمل الكثير وهذا إن صدر من نبى على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه قالوا له معجزة وإن صدر من ولى يقال له كرامة فى هذا دليل على أن البركة تقع فى الزمن اليسير حتى يقع فيه الفعل الكثير وهذا يسميه أئمتنا يسمونه بنشر الزمان يقولون الزمان كأنه نشر تطاول فى فى حقك ساعة مرت على وعليك لكن أنا قرأت فيها المصحف بكامله وأنت ما انهيت جزءا كيف هذا نشر الله الزمان ليبارك لى أما أنت بقى الزمان.

العادى يجرى عليك وما حصلت فيه البركة وهنا لو الآن لو أرادوا أن يفعلوا مثل فعل نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام لما أمكنهم يعنى فى ربع ساعة يقرأون الزبور لما أمكنهم وهو خفف عليه فكان يقرأه فى ربع ساعة ثم قال الحافظ ابن حجر عند هذا المبحث كما قلت فى الجزء السادس صفحة خمس وخمسين وأربعمائة ناقلا عن كتاب التبيان لشيخ الإسلام الإمام النووى التبيان فى آداب حملة القرآن وانظروا التيبان فى صفحة سبع وأربعين قال قال ابن حجر قال الإمام النووى وأكثر ما بلغنا عن عباد هذه الأمة وصلحائها أنهم كانوا يختمون أربع ختمات فى الليل وأربع ختمات فى النهار يعنى يقرأ كل يوم ثمانى ختمات أربعة فى النهار وأربعة فى الليل يعنى هذه ذكرت مع معجزة نبى الله داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه لنحترم عقولنا ونقف عند حدنا ونعلم أن هذا ليس بمستحيل إذا وقع لنبى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فهو جائز فهو جائز كرامة معجزة فيمكن أن يقع لولى كرامة معجزة أيضا لكن يقال له معجزة تمييزا لها عن كرامات الصالحين إذن هذا وقع كما قلت لذلك العبد الصالح نبى الله على نبينا وعليه الصلاة والسلام القراءة خففت عن بعض العباد والزهاد والصالحين فى هذه الأمة أكثر ما بلغنا ثمانى ختمات عمن نقل هذا؟ قال الإمام النووى نقله أبو عثمان المغربى وأبو عثمان هو سعيد ابن سلام الإمام القدوة كان شيخ الصوفية فى زمنه بهذا نعته الذهبى فى السير فى الجزء السادس عشر صفحة عشرين وثلاثمائة قال الخطيب فى تاريخ بغداد كان من كبار المشايخ من هو أبو عثمان المغربى سعيد ابن سلام كان من كبار المشايخ له أحوال مأثورة وكرامات مشهورة مذكورة انظروا هذا وغيره فى تاريخ بغداد فى الجزء التاسع صفحة ثلاث عشرة بعد المائة وقال الإمام ابن الجوزى فى المنتظم فى الجزء السابع صفحة اثنيتن وعشرين ومائة لما بلغه خبر وفاة العبد الصالح القانت أبى عثمان المغربى وقد

توفى بعد الأربعين والثلاثمائة والخطابى توفى ثمان وثمانين وثلاثمائة هذا بعد الأربعين والثلاثمائة يعنى قبل الخطابى بأربعين سنة لما بلغ الإمام الخطابى خبر وفاة أبى عثمان المغربى كان يقول إن كان فى هذا العصر أحد من المحدثين فهو أبو عثمان المغربى ولنا كان نظرى فيه أنه رجل مكاشف إذا كان فى هذا العصر رجل يطلعه الله جل وعلا على شىء من أمور الغيب بإذنه ومشيئته سبحانه وتعالى فهو أبو عثمان المغربى وعندنا إخوتى الكرام خوارق العادات تقع فى العلم والقدرة والغنى كما قرر أئمتنا وهى أمور الكمال ولا توجد مجتمعة لا يوجد واحد منها على الكمال إلا فى ذى العزة والجلال ثم يطلع الله بعض خلقه يعنى على شىء من هذه الأمور حسبما شاء فإذا وقع فى العلم يقال له مكاشفة كما قال الإمام ابن تيمية يا سارية الجبل الجبل هذا مكاشفة وإذا وقع كما قلت يعنى التحمل يقال له قدرة وإذا وقع فى الاستغناء عن الناس يقال الآن وقع فى أمر الغنى قدرة وغنى وعلم فالخارق فى العلم يقال له مكاشفة إن كان أحد من المحدثين فى هذا العصر فهو أبو عثمان المغربى وهذا كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام كما فى المسند والصحيحين من رواية سيدنا أبى هريرة والحديث فى المسند وصحيح مسلم وسنن الترمذى والنسائى من رواية أمنا الصديقة المباركة سيدتنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان فى الأمم قبلكم محدثون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن فى أمتى أحد منهم فعمر رضي الله عنه وأرضاه فما أحد يقول يعنى إنك تخرف أو الخطابى يخرف لا أحد يخرف إلا من يفترى على الشريعة المطهرة واضح هذا ,هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام قد كان فى الأمم قبلكم محدثون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يكن فى أمتى أحد منهم فعمر هذا هو التحديد وهذه هى المكاشفة يا سارى الجبل الجبل وتقدم معنا تلويث بعد ذلك حال التقى فى هذه الكرامة قال ياسارية الجبل الجبل قال

على المنبر عندما أخذته سنة قال نام على المنبر وصاح وهو نائم على المنبر يا سارية الجبل الجبل صاح فى نومه سيدنا عمر ينام فى خطبة الجمعة على منبر رسول الله عليه الصلاة والسلام والله يا إخوتى الكرام يعنى كيف الناس يعنى تتلاعب وتأول ,التأويلات الجهمية أخف رداءة من هذا التأويل ثم سلمنا صاح فى نومه كيف سمع قائد الجيش سارى هذا الكلام وهو ببلاد نهاوند أيضا ذاك نائم يعنى صار عن طريق النوم الأرواح التقت يا إخوتى الكرام يعنى أمر نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يعنى يلهمنا أن نقف عند حدودنا فإن يكن فى أمتى أحدا منهم فعمر قال الحافظ ابن حجر فإن يكن صيغة ترديد وشك والمراد منها التحقيق والقطع أى وجد محدثون ملهمون مكاشفون فى الأمم السابقة من غير أن يكونوا أنبياء وهذه الأمة أفضل عند الله من الأمم السابقة فإذا وجد فى تلك الأمم هذا الصنف فأمتى من باب أولى هذا كما تقول إن كان لى صديق فأنت تورد الكلام مورد الترديد والشك وتريد منه التحقيق يعنى أنت لا تشك فى صداقتى لك وأنا لى أصدقاء غيرك لكن أنت فى المقدمة وإذا انتفت الصداقة بين وبينك فليس بينى وبين أحد من خلق الله صداقة واضح هذا هنا. كذلك يعنى إذا لم يكن فى هذه الأمة محدثون فمن باب أولى ألا لايكون فى الأمم السابقة واضح هذا وإذا وجد فى الأمم السابقة محدثون فمن باب أولى أن يوجد فى هذه الأمة فأورد الكلام مورد الترديد والشك والمراد منه التحقيق فعمر رضي الله عنه وأرضاه صالح وليا قانتا لله جل وعلا ما جاز عليه يجوز على غيره من الأولياء ولذلك قال أبو سليمان الخطابى إن كان فى هذا العصر أحد من المحدثين فأبو عثمان المغربى ومن كلام هذا العبد الصالح يقول الناس قوالب وأشباح تجرى عليهم أحكام القدرة.

يا إخوتى الكرام أنا قلت فى سنة أربعين وثلاثمائة وهمت أربعين وثلاثمائة بعد واضح هذا على كل حال وهم بعد لكن وهم منى هذا فى صاحب الكرامة الذى كان يختم أربعا فى الليل وأربعا فى النهار أما أبو عثمان توفى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة بالتحديد هو بعد أربعين وثلاثمائة لكن ححدوها سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة يعنى قبل الإمام الخطابى يصبح معنا بخمس عشرة سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ذاك ثمان وثمانين وثلاثمائة الإمام الخطابى وقد دفن أبو عثمان المغربى بجوار أبى عثمان الحيرى النيسابورى فاجتمع فى ذلك المكان أبوا عثمان المغربى والحيرى النيسابورى رضي الله عنهما وعن أئمة الإسلام وكل منهما من مشايخ الصوفية الكبار وقد تقدم معنا ترجمة أبو عثمان النيسابورى وهى فى السير وغير ذلك انظروا سير أعلام النبلاء فى الجزء الرابع عشر صفحة اثنتين وستين ونعته الإمام الذهبى بقوله هو الشيخ الإمام المحدث الواعظ القدوة شيخ الإسلام الأستاذ أبو عثمان سعيد ابن اسماعيل النيسابورى الحيرى توفى سنة ثمان وتسعين ومائتين علي وعلى أئمتنا رحمة ربنا وتقدم معنا إخوتى الكرام أنه كان مجاب الدعوة ولما دعا على الأمير الظالم لم يصل الفجر حتى جاءه الخبر بموته وعلق الإمام الذهبى على هذه القصة بقوله وبمثل هذا يعظم مشايخ الوقت وهو الذى تزوج المرأة المسلمة العوراء العرجاء الشوهاء غكراما لها وإرضاء لرب الأرض والسماء وهو الذى قال لأبى جعفر ابن حمدان ألستم ترون ألستم ترون ألستم تروون كما تقدم معنا أيضا ضبط ذلك وتوجيهه سابقا ألستم ترون ترون تروون أنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة قال بلى قال أبو عثمان فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الصالحين يعنى إذن نكتب حديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام لتنزل علينا رحمة رب العالمين لأن نبينا عليه الصلاة والسلام سيد الصالحين وإمام الصالحين وأفضل خلق الله أجمعين فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الصالحين على

نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أبو عثمان المغربى الذى توفى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ينقل هذه الكرامة عن شيخه ابن الكاتب الذى توفى بعد الأربعين وثلاثمائة أنه كان يختم أربعا فى الليل وأربعا فى النهار من الذى يختم ابن الكاتب والناقل أبو عثمان المغربى أبو عثمان نقل عن ابن الكاتب من ابن الكاتب هو أبو على أحمد ابن على ابن جعفر كان من كبار الصالحين ومن مشايخ ساداتنا المصريين هذا بلاد مصر رضي الله عنه وأرضاه انظروا ترجمته الطيبة فى صفة الصفوة فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وفى البداية والنهاية فى الجزء الثانى عشر صفحة ثمان وعشرين ومائتين وفى الرسالة القشيرية صفحة ست وعشرين وأربعمائة.

وكان يقول إذا سكن الخوف قلب الإنسان لم يتكلم اللسان فيما لا يعنيه إذا فى قلبك خوف من ربك لم يتكلم لسانك فيما لا يعنيك متى تتكلم بما لا يعنيك عندما لا تعظم الله والقلب خالى من هيبة الله جل وعلا كلام الصديقين هذا هو هذا العبد الصالح ابن الكاتب كان يختم أربعا فى الليل وأربعا فى النهار كرامة منقولة ونقلها الإمام النووى كما قلت ونقلها عنه حزام المحدثين ابن حجر فى الفتح وأوردها عند معجزة نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام فكما وقع هذا معجزة لنبى جاز أن يقع هذا كرامة لولى والله على كل شىء قدير وتقدم معنا ضمن مباحث النبوة عن العبد الصالح سليم ابن عتر الذى هو من التابعين الطيبين توفى سنة خمس وسبعين الإمام الفقيه كان أيضا قاضى بلاد مصر إمام الدارقطنى يروى عنه هذه الكرامة يقول روى عنه أنه كان يختم ثلاث ختمات فى ليلة وهو سليم ابن عتر الدارقطنى يقول كان سليم ابن عتر يختم كل ليلة ثلاث ختمات ثم بعد أن ينتهى من كل ختمة يباشر أهله ويغتسل ويشرع فى الختمة الثانية يغتسل ثلاث مرات ويتصل بأهله ثلاث بأهله ثلاث مرات يختم ثلاث ختمات قبل طلوع الفجر فلما توفى قالت له زوجه رحمك الله كنت ترضى ربك وأهلك سليم ابن عتر يروى عنه الدارقطنى.

هذه الكرامة تقدم معنا هذا إخوتى الكرام وقلت إن الأثر موجود فى السير فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وثلاثين ومائة المعلق على السير قال كلاما لا يقبله العقل وقال هذا الأمر هذه الكرامة هذه القصة لا يقبلها العقل ولا يصدقها وانا أقول قولك لا يقبله العقل يا إخوتى الكرام نحن عندنا فى هذا الوقت اختلت الموازين فلا نميز بين الجائز وبين المستحيل مستحيل هو الذى لا يقبله العقل وهو أن تجمع بين نقيضين أو أن تنفيهما أما الجائز الممكن يعنى لو قيل لنا فلان طار فى الهواء هذا مستحيل أو جائز جائز واضح لما كان طائر يطير واضح هذا فما المانع إذا جعل الله بشرا يطير لكن هذا ما جرى فى العادة حقه أن يطير فإذا طار يقال خرقت له العادة وخرق له العقل ما يمكن أن تخرق العقول وأن يأتى بشىء يتناقض مع العقول إنما خرقت العادة فى حقه ولو جعله الله يطير كالطائر لكان أمرا طبيعيا واضح هذا أمرا طبيعيا لكن لما ما جعل هذا فى إمكانه فإذا فعل له ذلك يقال كرامة خارق للعادة العادة خرقت له وغيره لا يستطيع أن يفعل فعله أما هذا ليس بخارق للعادة أى أتى بشىء مستحيل فقوله لا يقبله العقل هذا كلام من لا يعلم وظيفة العقل ولا معنى العقل ولا يعقل ما يقول هذا فى التعليق على سير أعلام النبلاء لو قال هذه القصة غريبة تحتاج تحقق للإثبات مسألة ثانية أما لا يقبلها العقل أعوذ بالله من التعليل الباطل كيف لا يقبلها العقل يعنى هى مستحيلة فلا بد من وعى إخوتى الكرام هذا الأمر عندنا الواجب لا يتصور عدمه والمشتحيل لا يتصور وجوده ووقوعه والممكن يتصور وجوده وعدمه فإذا شاء الله أن يوجده بكيفية من الكيفات هو على كل شىء قدير يعنى عندما حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام ما حصل فى حادث الإسراء والمعراج كان خارق للعادة أو للعقل للعادة إخوتى الكرام لا يمكن أن تأتى شرائع الله بما تحيله العقول إنما تأتى بما تحار فيه العقول ليسلم الإنسان بعجزه للعزيز الغفور سبحانه

وتعالى أما مستحيل مستحيل أن تعارض خلق الله مع شرع الله تعارض العقل مع النقل وهذا باطل لا يتعارض نقل صحيح مع عقل صريح إنما يحار العقل يحار كيف حصل هذا قل هذا هو دليل عجزك {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} هذا دليل عجزك وهذه الحيرة مقصودة ليسلم الإنسان بعجزه لربه سبحانه وتعالى فقوله لا يقبلها العقل هذا كلام لا يقبله العقل لو قال هذه غريبة عجيبة نقول صدقت غريبة عجيبة ما عندنا شك ثلاث ختمات استغربتها وجد ما هو أكثر وجد أربع وأربع ثمانى ختمات يعنى ثمانى ختمات هى الختمة الطبيعية للحافظ المجد المسرع إذا أراد أن يختم واحدة ليس ختمتين أو ثلاثة تأخذ منه تسعة إلى سبعة هذا للمجد الذى يقرأ حدر ولا يأخذ نفسا تسعة أو سبعة طيب ثمانى ختمات اضربها فى سبعة يكون معك ست وخمسون ساعة النهار واليوم كله أربع وعشرون ساعة واضح هذا أين ستوجد هذه القراءة يا عبد الله هذا نشر الزمان كما قلنا وهذا يوجد تحت البركة فى الوقت القليل فعل كثير كما قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر رضي الله عنه وأرضاه فاحترموا العقل البشرى ولا تمتهنوه.

إخوتى الكرام: نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام إذن عبادته أعلى العبادة فى صيامه فى صلاته فى ورعه واحتياطه ولذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام يشيد بقدره ورفعة شأنه وكان يخبر عنه بأنه كان أعبد البشر وأعبد الناس لله جل وعلا هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ثبت فى صحيح مسلم من رواية عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنه وأرضاه فى حديثه الطويل عندما جمع القرآن فكان يقرأه فى كل ليلة وكان يصوم الدهر وبعد ذلك اعتزل زوجته وما لها حظا منه ونبينا عليه الصلاة والسلام عندما علم قال له فى نهاية الأمر صم يوما وأفطر يوما قال أطيق أكثر من ذلك فقال نبينا عليه الصلاة والسلام لا أفضل من ذلك صم صوم داود فإنه كان أعبد الناس وروى الإمام الترمذى فى سننه وقال هذا حديث حسن غريب ورواه البخارى لكن فى التاريخ والبزار فى المسند وأبو يعلى فى مسنده وهكذا الطبرانى فى معجمه الكبير والإمام الروينى فى مسنده والحاكم فى المستدرك عن سيدنا أبى الدرداء رضي الله عنه وأرضاه وإسناد البزار وإسناد الحديث حسن كما فى المجمع فى الجزء الثامن صفحة ست ومائتين وتقدم معنا.

نص على تحسينه الإمام الترمذى أيضا ولفظ الحديث عن سيدنا أبى الدرداء رضي الله عنه وأرضاه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام يقول كان أعبد البشر فى صحيح مسلم كان أعبد الناس كان أعبد البشر وكان من دعائه [اللهم إنى أسألك حبك وأسألك حب من يحبك وأسألك حب العمل الذى يبلغنى إلى حبك اللهم اجعل حبك أحب إلى من نفسى وأهلى ومن الماء البارد] والحديث لا ينزل عن درجة الحسن كما قلت وقد صححه الحاكم فتعقبه الذهبى بما وهم فيه فانتبهوا لوهم الذهبى رحمه الله ورضى عنه قال الذهبى فى تلخيص المستدرك فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وثلاثين وأربعمائة فيه عبد الله ابن يزيد الدمشقى قال عنه الإمام أحمد أحاديثه موضوعة وانظروا للوهم الذى وقع فيه هذا الإمام الهمام رضي الله عنه وأرضاه هذا الكلام قاله الإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه لكن فى راو آخر الإمام أحمد رضي الله عنهم أجمعين قال فى عبد الله ابن يزيد الدمشقى أحاديث موضوعة وهو تابعى عبد الله ابن يزيد الدمشقى تابعى يروى عن واسلة ابن الأصقع وأبى أمامة رضي الله عنهم أجمعين كما فى المغنى للذهبى فى الجزء الأول صفحة ثلاث وستين وثلاثمائة وكما فى الميزان ومعه اللسان فى الجزء الثالث صفحة ثمان وسبعين وثلاثمائة أما الراوى فى المستدرك فليس هو التابعى الذى يروى عن واسلة وأبى أمامة رضي الله عنهم أجمعين الذى معنا فى المستدرك إخوتى الكرام عبد الله ابن ربيعة ابن يزيد الدمشقى هناك ماذا عندنا عبد الله ابن يزيد الدمشقى هنا يزيد جده وهناك يزيد أبوه وهذا غير هذا عبد الله ابن يزيد الدمشقى عبد الله ابن ربيعة ابن يزيد الدمشقى هذا ليس بتابعى هذا يروى عن أبى إدريس الخولانى وهو من رجال الترمذى يختلف عن ذاك كما قرر هذا الذهبى نفسه فى كتابه الكاشف فى الجزء الثانى صفحة ست وسبعين أنت تفرق بين عبد الله ابن يزيد الدمشقى يروى أحاديث موضوعة

كما قال الإمام أحمد عبد الله ابن ربيعة ابن يزيد الدمشقى روى عن أبى إدريس الخولانى من رجال الترمذى أنت تفرق بينهما كيف الآن جعلت ترجمة هذا لهذا وقلت فيه عبد الله ابن يزيد الدمشقى قال عنه الإمام أحمد يروى أحاديث موضوعة ليس هذا الذى فى إسناد المستدرك فانتبهوا له وقد حكم الحافظ ابن حجر فى التقريب على عبد الله ابن ربيعة ابن يزيد الدمشقى الذى هو معنا أيضا فى رجال الترمذى قال إنه مجهول والسبب فى ذلك أنه لم يرو عنه إلا راو واحد فهو إذا ما خرجت عنهم جهالة ولا زالت لأنه لم يرو عنه راويان قال الحافظ فى تهذيب التهذيب فى الجزء الخامس صفحة سبع ومائتين وقد ذكره ابن حبان فى الثقات أى على طريقته فى توثيق من روى عنه راو واحد ولم يعلم فيه جرح رواه ابن حبان فى الثقات ثم أورد الحافظ ابن حجر فى تهذيب التهذيب هذا الحديث من طريق الترمذى وقال رواه الترمذى وقال هذا حديث حسن غريب. إذن قول الذهبى فيه عبد الله ابن يزيد الدمشقى قال عنه الإمام أحمد أحاديثه موضوعة هذا وهم إنما فيه عبد الله ابن ربيعة ابن يزيد الدمشقى نعم فيه جهالة كما قلت لكن لا يعلم فيه ضعف فالإمام ابن حبان يوثقه والإمام الترمذى يحسن الحديث من طريقه رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.

إذن إخوتى الكرام هذا حال نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام فكيف تلصق به تلك التهمة الباطلة [إنما كانت فتنة نبى الله داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه من أجل النظر] نثبت الفتنة له ثم نؤخر الغلام الأمرد الصبيح وراء ظهورنا حقيقة هذا لا يتناسب مع خبر نبينا عليه الصلاة والسلام عن نبى الله فهذا أعبد العباد لرب العباد سبحانه وتعالى وطاعته أفضل الطاعات عند رب الأرض والسماوات ومن أراد أن يجد ويجتهد فليفعل مثله ورع عظيم نبى كريم وهو حاكم أمير للمسلمين لا يأكل من بيت المال شيئا إنما يأكل من عمل يده طيب الذى يعف عن المباح الحلال الذى أحله له ذو العزة والجلال ويكتسب بعد ذلك بيمينه ليكون أتقى لربه هذا لن يسلم منه الناس فى نفوسهم ولا فى منكوحهم تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا كما أثنى نبينا على نبى الله داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فقد أثنى ربنا المعبود عليه بصفات كما قلت تكاد أن تكون من باب الخصوصيات له عن غيره من أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه فكيف تلصق به تلك الرزيلة. استمع لوصف الله لنبيه داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فى سورة ص: {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} ما معنى الأيد مصدر آد يأيد أيدا بمعنى قوى واشتد وليس هنا جمع يد الأيد يمكن تكون جمع يد ممكن أن تكون مصدر آد يأيد أيدا ومنه قول الله والسماء بنيناها بأيد ليست من آيات الصفات بقوة وإحكام مصدر آد يأيد أيدا قوى إذن هو ذا القوة فى أى شىء فى طاعة الله وفى قتال أعداء الله كما تقدم معنا صومه أحب الصيام إلى الله صلاته أفضل الصلوات عند رب الأرض والسماوات يثبت إذا لاقى الأعداء ولا يفر ولا يولى أدباره بعد ذلك عنده عزم وحزم فى العمل فيأكل من كد يمينه ولا يأخذ شيئا من بيت مال المسلمين ثبت الأيد.

صاحب القوة والجد فى طاعة الله عز وجل {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} كثير الرجوع إلى الله عز وجل ثم اذكر فاتنبه لما أغدق الله عليه من الخيرات والبركات وسخر له من المعجزات {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} خصوصيات كان فى أول النهار وفى آخره يجلس فيقرأ الزبور وهو صاحب الصوت العذب الشجى فالجبال والطيور تسبح معه بصوت يسمع ويفهم {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} ، {والطير محشورة كل له أواب} . أى تسبح معه وشددنا ملكه قويناه وجعلنا له هيبة فى رعيته {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} طيب الذى يعتدى على أعراض الناس هذا حكيم أو سفيه يا إخوتى الكرام والله أعجب أنا كيف يعنى حتى الإمام ابن تيمية غفر الله له لما جاء هنا يقول وهو رسول الله عليه الصلاة والسلام ومزوج بتسع والوفد صالحون والفاحشة لا تعرف فى العرب وأجلسه وراءه وقال إنما كانت فتنة نبى الله داود من أجل النظر على نبيناو عليه الصلاة والسلام كيف يقال هذا إخوتى الكرام والله يقول {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} . والاعتداء على أعراض النفس سفاهة وخسة ما بعدها سفاهة وخسة وهل أتاك نبأ الخصم هى هنا المشكلة التى لفق الملفقون حولها ما زين لهم الشيطان الملعون وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب وهو العلوية والغرفة العالية قلنا هذا المحراب فى لغة العرب كما نقدم معنا فى مبحث الجن يعملون له ما يشاء من محاريب وقلت المحاريب التى وجدت فى مساجد المسلمين هذه من المحدثات وألف فيها السيوطى رسالة سماها إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب المحاريب ما كانت فى زمن نبيتا الحبيب عليه الصلاة والسلام وكره أئمتنا الصلاة فى الطارق تقدم معنا هذا أو تنسون قلنا لعدة أمور تشبها بأهل الكتاب يتميز الإمام عن المأمومين ويستتر عنهم وينبغى أن يكون بارزا إنما تكون له سترة من يدخل فى فجوة.

إذن إذ تسوروا المحراب المحراب الغرفة العالية العلوية يعنى حجرة فوق حجرة هذه يقال لها محراب. ربات محراب إذا جئتها لو يعنى أصل إليها حتى أرتقى سلما لم أرقى حتى أرتقى سلما. إذ تسوروا المحراب فى الغرفة العالية وكان ذلك كما سيأتينا فى شرح القصة إذ تسوروا المحراب دخلوا على داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام ففزع منهم قالوا لا تخف على رسلك {خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط} برز بعد ذلك أحدهما للخصومة وقال {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة} عملنا شريكة خلطة فنعجتى مع نعاجه ثم طمع قال أنت عندك شاة وأنا تسع وتسعون يعنى ما أحلى العدد لو اكتمل مائة مذا تريد قال تنازل لى عن شاتك ليصبح عندى مائة قال {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها [أعطينيها واجعلها فى رعايتى وحوزتى وكفالتى وملكى] وعزني في الخطاب} بالمحاجة ويقول لأننا ليكتمل العدد ويصبح أعظم ويكون عندى مائة يعنى أنت ينبغى أن تساعد أخاك وآثره على نفسك فأنت لم لا تعطيه تسعا وأربعين ليكون عندك خمسين وعنده خمسون عندك خمسون وعنده خمسون لم {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} أثبت ما قيل فى تفسيرها وهو أحد قولين معتبرين وبقية الأقوال كلها هزيلة باطلة.

أولها: وهو الذى قرره أبو حيان رحمة الله عليه فى البحر المحيط القصة على ظاهرها إخوتى الكرام ولا تحتاج لا إلى رمز ولا إشارة لى تسع وتسعون نعجة يعنى عنده يعنى نساء تسع وتسعون وهذا عنده زوجة واحدة وأراد بعد ذلك يعنى أن يتنازل له أخوه عن زوجته من أجل أن يكون عنده مائة امرأة وذاك يبقى عزبا من غير زوجة ما دخل النعاج بالنساء الذى أخذت من نعجة إلى امراة القصة على ظاهرها نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام كان له يوم للحكم بين الناس يوم مع أهله فى حاجاتهم يوم لمناجاة ربه يقسم اليوم الوقت ثلاث ساعات فى ساعة مناجاة الله لا يدخل عليه أحد من خلق الله أهله أو رعيته فكان يجلس فى المحراب يقرأ الزبور ويوحد العزيز الغفور سبحانه وتعالى يخلو بنفسه لذكر الله جل وعلا فجاء اثنان يعنى ثقيلان فى خصومة بينهما على ظاهرها خصومة خلطة بين نعاج كما قلت لكم عنده تسع وتسعون وذاك عنده واحدة يريد هذا أن يكمل العدد قال أعطنى شاتك فاختصما فى الكلام قال نذهب لنبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام ليحكم بيننا خصومة على ظاهرها ما فيها لا إشارة ولا رمز ولا داعى بعد ذلك لتحميل الكلام ما لا يحتمل أتيا إلى نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام وجدا الباب الذى يجلس باب المجلس الذى يجلس فيه للفض بين المنازعات مغلق ولا يوجد وقت الآن يعنى للجلوس للرعية. إخوتى الكرام..

ينبغى أن نعلم أنه بيوت الأنبياء وبيوت الصالحين على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه مهما كان حولها من ترتيب وعناية يعنى بيوت متواضعة يعنى لا يوجد يعنى دبابات ولا رشاشات ولا متفجرات ولا ألغام بحيث لو اقترب الإنسان نسفه اللغم إلى عنان السماء لا يوجد هذا يعنى نبى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه نحن عندنا نبينا عليه الصلاة والسلام وأفضل خلق الله وخير من مشى على هذه الأرض فى بيوته التسع لو أن الإنسان رفع يده كما تقدم معنا فى وصفه مال السقف ولو مد رجله مال الجدار وهى من جريد النخل وليس بعد ذلك بطين والبيوت التسعة لو عملت لها هكذا لسقطت يعنى هذه لن يريد أن يأتى أن يخرقها ويأخذ علما فيها بيده ليس برجله لو ضربها هكذا لخرقها يعنى مبانى هى بيوت يعنى بيوت يعنى كما قلت حولها ما حولها من بيوت المسؤلين فى هذا الحين فلما وجداه يعنى المجلس ليس فيه نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام قالوا بيته معروف نذهب بالليل سألوا يعنى أين نبى الله داود قالوا فى حجرته فى العلية فى المحراب جالس يناجى ربه تسلقا الجدار عليه وهبطا عليه وهو فى حجرته نظر يعنى جالس فى حجرته يدخل عليه أحد كما قلت لا يوجد يعنى احتياطات ولا يعنى بعد ذلك حذر يعنى خاف منهما وظن بهما سوءا وأنهما جاءا لاغتياله وقتله فحقيقة الإنسان فى خلوته يدخل عليه اثنان ليس من الباب من سور يعنى كيف سيكون حاله بشر مهما كان وخشى كما قلت على نفسه وظن بهما سوءا لكن بدأ يراقب أحوالهما ما عندكما برزان للمخاصمة قضى بينهما قال ظلمك أنت نعجتك تبقى ونعاجه تبقى وانصرفا فى أمان الله حقيقة لما حصل فى قلبه نحوهما ما حصل كأنه رأى أن هذا ظنا منه فى غير محله فاستغفر ربه مما خطر فى قلبه نحو عباد الله وخر راكعا له مستغفرا منيبا شاكرا على أن حفظه وما جعل لشياطين الإنس عليه سبيلا هذا معنى ولا يوجد شىء ثانى تحتمله على الإطلاق لا من قريب ولا من بعيد بحسب

الآية. المعنى الثانى: ممكن أن يقبل ذكره شيخنا عليه رحمة الله الشيخ مصطفى الحبيب الطير وهو من الشيوخ الصالحين فى بلاد مصر يقول القصة أيضا يعنى جاءه اثنان لاغتياله وقتله حقيقة يمكن أن يقبل هذا فلما تسورا عليه ونزلا بتقدير الله كان معه فى المحراب بعض أصحابه وخواصه وأحبابه وليس هو بمفرده فأولئك الآن لا يستطيعان أن يبديا ما فى أنفسهما فافتعلا خصومة افتعلاها لكن عليهما علامة الشر يريدان مكرا وبرا فنبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام هم أن يحقق معهما وأن يبطش بهما هذا بقلبه يعنى هذان وعليهما علامة خصومة يعنى ادعى عن التسور وقلة الأدب والبذاءة ادعى لكل هذه كما قلت يعنى للأخطاء أيضا فى نفسهما محاولة جريمة ثم قال بما أن الله سلمنى وهو خير الحافظين فالكف عنهما يعنى وعدم الانتقام والانتصار للنفس أحسن كما كان يجرى من نبينا عليه الصلاة والسلام بكثرة كما تقدم معنا من يمنعك منى قال الله الحديث تقدم معنا فى صحيح البخارى وغيره ثم قال نبينا عليه الصلاة والسلام إذن من يمنعك منى قال كن خير آخذ قال أتؤمن قال لا أومن لكن أنا أطلب منك فقط أن تعفو قال قد عفوت عنك هذا حقيقة حسن خلق وسعة صدر والإنسان لا ينتقم لنفسه من أجل أن يعود هذا إلى رشده فكان خيرا له ولقومه فذهب إليهم وقال جئتكم من عند خير الناس فآمن وآمن قومه رضي الله عنه وعنهم بعفو النبى عليه الصلاة والسلام عنه. وهنا كذلك عفا عنه فإذا لما يعنى كما قلت هم وفكر فى عقوبتهما ورجع عن ذلك كأنه رأى أن هذا لا يليق وأنهما تعرضا لما تعرضا له يعنى إلا بسبب لعله شىء من عدم يعنى القيام كما ينبغى نحو ما يجب لله علينا وكل واحد مفرط فى حق الله {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} فاستغفر ربه إن صدر منه زلل فى حق الله عز وجل وخر راكعا وأناب واستغفر وعفا عن هذين. هذان قولان مقبولان.

مما لا يقبل يعنى فى هذه القصة أنه رأى زوجة بعض أصحابه بعض رعيته فأعجبته فسأله أن يطلقها سأله فطلقها وتنازل عنها وتزوجها ثم بعد ذلك يعنى جاءه ملكان فى صورة رجلين إلى محرابه وذكرا هذه القصة من أجل أن ينبهاه يعنى عندك ما عندك من النساء ثم تتطلع إلى زوجة إنسان ما عنده إلا هى فكأنه ظن أنه أخطأ فيما فعل عندما طلب من هذا الإنسان أن يطلق زوجته وأن يتنازل عنها حقيقة هذا يعنى ليس كالقصة التى يوردها من يوردها من الزنادقة كما سيأتينا أنه فتن بها وأنه هنا ذهب مجرد طلب لكن هذا فى الحقيقة مما يتنزه عنه أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه يحتاج إلى اثبات. نعم إن النبى يقدم على أنفسنا ووالله الذى لا إله إلا هو نساؤنا وبناتنا تقدم لنبينا عليه الصلاة والسلام ولنا أكبر الشرف فى ذلك ولم يفعل إلا ما أحل الله له وإذا لو قدر إذا قدر أن النبى عليه الصلاة والسلام حالا قال أريد زوجتك أو زوجة واحد منا ففرض علينا الطاعة والنبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم لكن هذا يحتاج إلى اثبات يعنى لو قدر أنه وقع ليس فى ذلك كما قلت يعنى جناية وجريمة لكن موضوع هل هذا وقع يحتاج إلى اثبات وبعد ذلك يقال هذا من باب يعنى تقديم النبى على النفس فلا محذور فى ذلك فى الحقيقة لكن نبى يتنزه عن هذا لا بد هذا من يعنى نقله بثبوت وصحة لكن كما قلت من ناحية حكم الشرعية الظاهر لو قدر أن النبى طلب لو واجب على الإسنان أن يتخلى إحنا لا لا لا إشكال فيه عندنا إخوتى الكرام وأنفسنا وأموالنا وأهلونا تقدم خدمة للنبى عليه الصلاة والسلام يتصرف فيها كما يريد.

انتبه ليس لغيره ذلك لمكان العصمة لأنه لن يفعل إلا ما أحل الله له لا تقل هذا لشيخى لا الشيخ قد يتخبطه الشيطان واضح هذا فلا بد إذن من التفريق أما هذا هذا نبى حاله كما قلت نحو المعاصى كحال الملائكة لا يمكن أن تصدر منه معصية فلا بد من أن نعلم هذا نعم هو يباشر هذه الشهوات عن طريق ما أحل رب الأرض والسماوات ولذلك تقدم معنا أن المعتمد فى حق النبى هو مع نساء الأمة محرم لهن والله إنه يؤتمن عليهن أكثر مما يؤتمن الآباء والأبناء والإخوة هذا لا شك فيه وقلت من لم يعتقد هذا فيجدد إيمانه بنيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه هذا قيل تحتاج كما قلت إلى اثبات فلا دليل عليه. وقيل خطبها واحد من رعيته امرأة خطب امرأة يقال له أوريا فلم يعلم نبى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام بخطبته فخطب فأجابوه أو علم ثم تقدم وكان هذا جائزا فى شرعهم فأجابوه وألغوا فى خطبة الخاطب الأول وعندنا فى شريعتنا لا يجوز أن يخطب أحدا على خطبة أخيه وفى شريعتهم جائز يحتاج أيضا إلى اثبات نقل أنه فى الحقيقة كما قلت الظاهر يعنى فيه شىء يعنى من التنقيص للنبى على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه يعنى فى هذه الحالة لا بد من أن تنقل لأجل أن يعللها الإنسان تعليلا شرعيا أما الأصل فيسد الباب يقال هذا يحتاج إلى نقل أيضا هذا كما قلت إخوتى الكرام لا يثبت وقيل وهو قول ثالث مردود سبب الفتنة هنا أنه عندما برز الخصمان للخصومة سمع كلام المدعى ولم يسمع كلام المدعى عليه فعاتبه الله هذا أيضا باطل لأن الذى أعطاه الحكمة وفصل الخطاب كيف يحكم بكلام المدعى قبل أن يسمع كلام المدعى عليه فالبينة على المدعى واليمين على من أنكر ولابد من أن يسمع كلام الخصمين هذا أيضا باطل وليس يعنى وحكمة نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يصدر يعنى هذا منها.

وأرذل ما قيل بعد ذلك وهو الذى يتناقله المخرفون وهو كما يقال فتنته من أجل النظر هنا أنه كان فى خلوته فى محرابه يذكر ربه ثم جاءت حمامة انظر للترتيب وقفت على الشرفة سمع صوتها تذكر الله توحده أعجب بها أراد أن يمسكها طارت تبعها إلى النافذة لينظر وقع نظره على امرأة تغتسل عريانه. فلما شارت لبنى الله داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام ينظر إليها نفشت شعرها فصار حولها كالخيمة فسترت جسمها بشعرها فزاد إعجابه بها فسأل عنها قالوا هذه زوجة أوريا أين هو قال فى الغزو فكتب لأمير الجيش قدمه ليحمل التابوت والراية ومن حملها لا يجوز أن يرجع حتى ينتصر أو يقتل يتقدم فتقدم فانتصر قال حوله إلى بعث آخر جهة أخرى انتصر وهكذا انتصر إلى سبعة جهات حتى قتل فى نهاية الأمر فجاء نبى الله داود وتزوجها على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه. يا أخوتى الكرام يعنى سياق القصة يدل على أنها محبوكة أنها حبكت فى ليل مظلم أيضا طائر تقدم وتأخر فهذا كله كما قلت إخوتى الكرام افتراء وعليه الحديث الذى معنا إنما كانت فتنة نبى الله داود على نبيناو عليه الصلاة والسلام من أجل النظر حديث لا يثبت فانتبهوا له واحذروه.

إخوتى الكرام بعد هذه الحادثة {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} ، {يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض} سبحانك ربنا هل تمن بالنبوة والخلافة التى التى تكون منك وهى خلافة شرعية على من لا يأمن الناس منه لا على أنفسهم ولا على منكوحهم {إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب * وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا} إذا أحكمت أمرك الكونى كيف ستهمل أمرك الدينى الشرعى ولكن تربى أنبيائك ورسلك {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار} إلى آخر الآيات {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} وكما قلت لا يمكن أن نسوى الله بين الأخيار والأشرار ونبى الله داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه من عباد الله المخلصين وممن قوى الله ملكه وآتاه الحكمة وفصل الخطاب وهو أعبد الخلق للحق فانتبهوا لذلك.

فالحديث الثانى الذى لا يثبت أيضا ولا يصح من رواية سيدنا أنس ابن مالك رضي الله عنه وأرضاه رواه الخطيب فى تاريخ بغداد فى الجزء الخامس صفحة ثمانية وتسعين ومائة والإمام ابن الجوزى فى كتابه ذم الهوى صفحة خمس ومائة وفى تلبيس إبليس صفحة أربع وسبعين ومائتين ورواه أيضا الإمام ابن الجوزى فى كتابه العلل المتناهية فى الأخبار الواهية فى الجزء الثانى صفحة أربع وثمانين ومائتين وهكذا الإمام الشوكانى فى كتابه الفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة صفحة ست ومائتين ولفظ الحديث والحديث كما قلت لا يصح ولا يثبت من رواية سيدنا أنس رضي الله عنه وأرضاه مرفوعا أن نبينا عليه الصلاة والسلام قال [لا تجالسوا أبناء الملوك فإن النفوس تشتاق إليهم ما لا تشتاق إلى الجوارى العواتق] لا زلنا فى الحديث الثانى وروى الحديث أيضا برواية سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه بهذا المعنى فى تلبيس إبليس أيضا وفى كتابه العلل وفى العلل المتناهية كلاهما للإمام ابن الجوزى وانظروا الحديث أيضا فى الفوائد المجموعة للشوكانى فى المكان المتقدم وانظره فى الميزان زيادة على ما تقدم فى الجزء الثالث صفحة خمس عشرة ومائتين ورواه البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء السابع صفحة تسع وتسعين وقال هذا حديث موضوع ولفظ الحديث عن سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أنه قال [لا تملؤا أعينكم من أولاد الأغنياء فإن فتنتهم كفتنة العزارى] وفى رواية [لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم شهوة كشهوة النساء] قال الإمام ابن الجوزى عن هذا الحديث حديث أبى هريرة وأنس رضي الله عنهم وأرضاهم هذان حديثان لا يصحان وإنما يعرف هذا من كلام السلف سيأتينا كلام السلف فى هذا جنسها متواتر فى ذلك وقال الإمام البيهقى فى السنن الكبرى عقب حديث أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه هذا حديث موضوع وفيما ذكرنا من الآية غنية عن غيرها والآية هى قل للمؤمنين يغضوا من

أبصارهم قال والفتنة ظاهرة بالنظر إلى الغلام الأمرد فلا تحتاج إلى خبر يبينها يعنى هى لا تحتاج لا إلى آية صريحة لا تنظر إلى المردان ولا حديث إن فتنة المردان كفتنة النساء وفتنة العزارى لا يحتاج هذا. الرواية الثالثة: وكما قلت سنقتصر على ثلاث روايات رواية سيدنا أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه وأرضاه رواها الإمام ابن الجوزى فى الموضوعات فى الجزء الثالث صفحة ثلاث عشرة ومائة وانظروها فى اللآلىء المصنوعة للإمام السيوطى فى الجزء الثانى صفحة تسع وتسعين ومائة وفى تنزيه الشريعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عراق فى الجزء الثانى صفحة واحدة وعشرين ومائتين فى الفصل الأول من كتاب الإحكام والحدود للإشارة إلى أن الحديث حكم عليه الإمام ابن الجوزى بالوضع وهو موضوع اتفاقا هذا فى الفصل الأول ولفظ الحديث كما قلت من رواية سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه وعن نبيناوآله وصحبه من رواية أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يقله واضح هذا يعنى هو الحديث هكذا لكن كما قلنا موضوع إذن لم يقله عليه الصلاة والسلام أوليس كذلك حديث موضوع [من قبل غلاما بشهوة لعنه الله فإن صافحه لم تقبل صلاته فإن عانقه بشهوة ضرب بسياط من نار يوم القيامة فإن فسق به أدخله الله النار] . هذه ثلاثة أحاديث لا تصح ولا تثبت وهناك أحاديث فيها هذا المعنى انظروها فى الأماكن المتقدمة من الكتب المذكورة. أما الآثار عن السلف التى تحذرنا من النظر إلى المردان ومن مجالستهم وملا مستهم والخلوة بهم فجنسها متواتر إليكم نصوصا كثيرة منها إليكم بعضها.

روى الإمام ابن الجوزى فى كتابه ذم الهوى صفحة ست عشرة ومائة والأثر فى مجموع الفتاوى فى الجزء الخامس عشر صفحة خمس وسبعين وثلاثمائة من رواية أبى سهل نعته الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى الصعلوكى أبى سهل الصعلوكى لكن سيأتينا فى ذلك إشكال كبير والأثر فى كتاب الكبائر للإمام الذهبى صفحة ثمان وعشرين ومائتين من رواية أبى سعيد قال من أشرف على الطباعة الصعلوكى هناك أبو سهل ولم ينسب إنما فى المجموع أبى سهل الصعلوكى فى الكبائر أبى سعيد الصعلوكى أما أبو سهل الصعلوكى فلا يمكن أن يراد قطعا وجزما لأن الأثر رواه الإمام ابن أبو الدنيا وابن الجوزى رواه من طريقه وهكذا الإمام ابن تيمية قرر الإمام ابن أبو الدنيا عن أبى سهل ابن أبو الدنيا توفى سنة واحدة وثمانين ومائتين وأبو سهل الصعلوكى توفى سنة تسع وستين وثلاثمائة فكيف سيروى المتقدم عن المتأخر لكن من المراد بأبى سهل بحثت كثيرا لأقف عليه فما عثرت على المراد عدد يسمون بأبى سهل من تابعين فمن بعدهم منهم من عباد وزهاد ومترجمون فى كتب التراجم من السير والتهذيب تهذيب التهذيب لكن لا أستطيع بواحد بعينه إلا ببينة وحقيقة رجعت لكتب ابن أبى الدنيا المطبوعة عندى ليروى رواية عن أبى سهل يترجم ما عثرت على ذلك إن كان كتاب الشكر وكتاب الوارعين وكتاب قيام الليل عدد من الكتب عندى ما عثرت على هذه الرواية التى يوردها فى كتاب يعنى ذم اللواط والتحذير منه والكتاب ليس عندى الرواية كما قلت لا يمكن أن تكون عن أبى سهل الصعلوكى أبى سعيد الصعلوكى ما رأيت راويا ينعت بذلك أبو سعيد الصعلوكى فى بعض الكتب أضيف هذا القول الذى سأذكره إخوتى الكرام إلى بعض السلف عدد من كتب تقول عن بعض السلف دون أن يقول أبى سهل أو أبى سعيد الصعلوكى أو غيره فعل هذا الإمام الغزالى فى الإحياء قال عن بعض السلف وهكذا الإمام ابن عابدين فى رد المحتار على الدر المختار فى الجزء السادس صفحة خمس وستين وثلاثمائة

وهو الهدية العالمية صفحة اثنتين وأربعين ومائتين والإمام ابن الحج فى كتابه المدخل فى الجزء الثالث صفحة تسع عشرة ومائة يقول عن بعض التابعين السلف التابعين أبى سهل أبى سعيد أبى سهل الصعلوكى أبى سعيد الصعلوكى فى هذا القول حقيقة لا بد له من تحقيق وبعد جهد أخذ منى ساعات ليس ساعة ما وصلت إلى شىء يعنى بقيت مكانى سأنقل لكم فقط هذا الذى توصلت إليه من أجل أن يبحث الأمر فى المستقبل بإذن الله عز وجل ولو عندنا كتاب ابن أبى الدنيا لأمكن أن نقف يعنى على رجال السند ليحدد من المراد أما كما قلت أبو سهل الصعلوكى لا يمكن أن يراد قطعا وجزما هو محمد ابن سليمان فقيه شافعى من أئمة الصوفية الصالحين انظروا ترجمته الطيبة فى السير فى لجزء السادس عشر صفحة خمس وثلاثين ومائتين قال عنه الإمام الذهبى مناقب هذا الإمام جمة وله كلام حسن فى التصوف والزهد والمواعظ ومن كلامه الذى أورده الذهبى وما راق يعنى للمعلقين قال من قال لشيخه لم لا يفلح أبدا. إخوتى الكرام: الكلام يحمل على محمل حق فدعوا الكلام الذى يصدر من أئمتنا على أحسن المحامل ضعوه على أحسن المحامل من قال لشيخه لم اعتراضا ومجادلة وعنادا حقيقة لا يفلح يعنى هذا مقبول لمن يعترض على شيخه ولمن يتعالم عليه ما حكمه خزالة الله وإذا حرم الأدب فما إذن بعد ذلك تريدون عقوبة ستحصل له إنما هو يقول كان الصحابة يسألون النبى عليه الصلاة والسلام.

هل كان أحد يعترض على النبى عليه الصلاة والسلام لما اعترض عليه من اعترض وقال هذه قسمة ما أريد بها وجه الله قال إن من ضئضئى هذا قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يخرجون من الإسلام يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن فى قتلهم أجرا لمن قتلهم وهم الخوارج أوليس كذلك والأحاديث فى ذلك متواترة فهذا اعترض وقال لم فليس هو سيخرج منه ذرية خبيثة نجسة واضح هذا أما أن الصحابة يسألون والتلميذ يسأل يا عبد الله هو لا يريد السؤال إنما يريد الاعتراض والجدال وما أكثر هذا ولا سيما فى هذه الأوقات كما تقدم معنا الآن قال الإمام ابن تيمية يقول لما ما قلت شيخ الإسلام هذا سيفلح هذا أنا أريد أن أعلم هذا سيفلح إذا كان فى نفسه هذا البلاء وهذا الضلال هذا سيفلح ولذلك يقول هذا العبد الصالح أبو سهل الصعلوكى رحمه الله ورضى عنه يقول التصوف الإعراض عن الاعتراض هذا الذى يريده الإعراض عن الاعتراض فلا تعترض على الله سبحانه وتعالى وسلم له يفعله وارض به فهو أحكم الحاكمين رب العالمين الإعراض عن الاعتراض وهكذا عن المشايخ وهكذا الاعتراض على الصالحين على النبى الأمين عليه الصلاة والسلام لا تعترض على عباد الله بالباطل هذا هو المراد فأما بعد ذلك من يرد الباطل هذا لا يقال اعترض يقال هذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وصدع بالحق وما أخذته فى الله لومة لائم لا بد أن نضع الكلام فى موازينه الشرعية أما من سأل نقول اعترض من رد الباطل نقول اعترض لا يا أخوتى الكرام فلا يمكن أن يراد أبو سهل الصعلوكى والعلم عند الله.

ولفظ الأثر كما قلت عن أبى سليمان الذى هو من السلف من التابعين قال اللوطية ثلاثة أقسام صنف ينظرون وهم لوطيون وتقدم معنا سواء كان النظر نظر استحسان وتلذذ فقط أو نظر لتمنى ما هو أشنع من ذلك وأكبر كل هذا حرام صنف ينظرون وصنف يصافحون يصافح الأمرد يعبث بيده يتلذذ كما يصافح المرأة وصنف يفعلون هذا للفاحشة الكبرى نسأل الله العافية نظر لمس فعل هذا كله لوطيون لكن على درجات فإذن النظر حقيقة يمنع منه وحذرنا سلفنا منه ونقل عن العبد الصالح فتح الموصلى وهذا الاسم يوصف على اثنين كل منهما إمام صالح زاهد ناسك عابد فتح الموصلى يقال له الكبير فهو فتح ابن محمد الموصلى الكبير توفى سنة سبعين ومائة وقيل خمس وستين ومائة أحد الأولياء من عباد الأخيار انظروا ترجمته فى السير فى الجزء السابع صفحة تسع وأربعين وثلاثمائة ويطلق على فتح الموصلى الصغير وهو المراد من الإطلاق إذا قيل فى كتب الوعظ قال فتح الموصلى يراد منه الثانى وهو الصغير والكلام هنا له وهو فتح ابن سعيد هناك ابن محمد فتح ابن سعيد توفى سنة عشرين ومائتين هناك سبعين ومائة خمس وستين ومائة هذا الصغير وذاك الكبير قال الذهبى فى ترجمتة الثانى فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وثمانين وأربعمائة كلاهما من كبار المشايخ يقول هذا العبد الصالح فتح الموصلى صحبت ثلاثين من الأبدال كلهم كان يوصينى بالحذر من صحبة الأحداث احذر صحبة الحداث احذر صحبة المردان إياك أن تجلس مع الغلمان والصبيان ثلاثون من الأبدال يحذرونه من صحبة الأحداث. إخوتى الكرام.. أكمل هذا بعد صلاة المغرب بعون الله وتوفيقه وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد إخوتى الكرام كنا نستعرض الآثار الحسان عن سلفنا الكرام التى تحذر من النظر إلى المردان ومن مجالستهم ومن الخلوة بهم ومن لمسهم آخر ما ذكرته أثر العبد الصالح فتح الموصلى أنه صحب ثلاثين من الأبدال كل واحد منهم كان يحذره من صحبة الأحداث.

إخوتى الكرام: لفظ الأبدال تقدم معنا ضمن خطب الجمعة وقلت إن الحديث فيهم وفى هذا الوصف لعباد الله الصالحين ثابت صحيح ثبت فى مسند الإمام أحمد بسند رجاله رجال الصحيح كما فى المجمع فى الجزء العاشر صفحة اثنتين وستين عن سيدنا على رضي الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال] وفى رواية [البدلاء فى أمتى أربعون وهم فى الشام بهم يسقون الغيث وينصرون على الأعداء وبهم يدفع عن أهل الشام البلاء] الحديث كما قلت فى المسند بسند رجاله رجال الصحيح وتقدم معنا أن الحديث روى من رواية سيدنا أنس ابن مالك وعبادة ابن الصامت وعوف ابن مالك أيضا وعن غير ذلك من الصحابة وإسناد حديث الأبدال لا ينزل عن درجة الحسن وقلت يراد من الأبدال من بدلوا الصفات المذمومة فيهم بصفات حسنة بدلوا البخل بكرم والجبن بالشجاعة والجهل بعلم والتقصير بجد واجتهاد فى طاعة الله الجليل ولا يشترط أنهم كانوا سابقا على تلك الصفات لا إنما تنزهوا عن النقائص واتصفوا بالكمالات هذه معنى الأبدال ثم هؤلاء خيار العباد أربعون نعتهم الله بهذا الوصف على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام سموا أيضا بالأبدال لأنه كلما مات واحد جعل الله مكانه غيره بدلا عنه بحيث لا ينقص هذا العدد عن أربعين فى بلاد الشام بفضل رب العالمين ولا نستطيع أن نقول عن واحد بعينه إنه من الأبدال نعم كان سلفنا يقولون هذا بكثرة لكثير من الخيرين الصالحين قل كنا لا نشك أنهم من الأبدال هذا وارد بكثرة على لسان الإمام البخارى فمن دونه رضي الله عنهم أجمعين لا نشك أنه من الأبدال وكان من الأبدال وكان يرون أنه من الأبدال كما قلت رتبة تدل على استقامة وصلاح أما هذه الرتبة كما قلت التى اخترع لها الصوفية بعد ذلك طقوسا ضالة فنحن كما قلت يعنى نبرأ إلى الله منها وأشد الناس محاربة لها عندما يقولون دولة خفية دولة محمدية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله

وسلامه لا تخيب ولا تعيب ولما تكلمت عليها كأن بعض الناس ما راق لهم الكلام وبعضهم أعادوا صلاة الجمعة قالوا هذا يتكلم عن أولياء الله وقلنا حيرتمونا مرة تقولون تكلم على السلفية ومرة على الصوفية والصوفية يقولون هذا سلفى والسلفية يقولون هذا صوفى وكما قلت نحن إن شاء الله مع أئمتنا الكرام البررة المذاهب الأربعة وطريقتنا جميعا إن شاء الله طريقة أهل السنة والجماعة ما عندنا بعد ذلك تقوقعات والتزامات خاصة لا سلفية بمفهوم الحاجة المصطلحة ليس سلفية متأخرة ما عندنا هذا ولا صوفية ضالة باطلة لا هذا ولا هذا قلت إخوتى الكرام قالوا دولة خفية على تعبيرهم لا تخيب ولا تعيب وتضرب وتصيب هذه لا ترد ضربتها يقولون رئيسها الغوث القطب قلت هذا يعدل البابا مباشرة عند النصارى إن كان فى الكاثوليك أو البروتستانت نسأل الله العافية وعنده بعد ذلك أربعة أوتاد فى كل زاوية من زوايا الأرض واحد وبعد ذلك عندنا ثلاثون أو أربعون من الأبدال وعندنا أربعون من المجاباه وخمسمائة من أفراد الدائرة أمر العباد كله يسأل عنه الخمسمائة فإذا اقتنعوا بالأمر بدعائهم وأسألتهم ولجوئهم إلى ربهم اقتنعوا رفعوه إلى المجاباه فإذا اقتنعوا بالأمر رأوا فيه مصلحة رفعوه إلى الأبدال رأوا فى الأمر مصلحة رفعوه إلى الأوتاد رأوا فى الأمر مصلحة رفعوه إلى الغوث القطب الذى هو غياث الثقلين ذاك لا يحرك رأسه إلا وتقضى الحاجة إذا اقتنع بالأمر وعليه هذا الكون من عرشه إلى فرشه متوقف على القطب وعلى الغوث الذى هو نائب الله مثل الآن القسس البابا هذا الآن يدخل جنة ويمنع من النار كما يريد وهؤلاء كذلك لكن بترتيب آخر وقلت هذه زندقة وهذا كفر وهذا إلحاد فلا دليل عليه وينبغى أن نحذر هذا فكونوا على علم بذلك ليس عندما نقول موضوع التصوف كان من الصوفية من الصالحين بعد ذلك عنده هذه الإصطلاحات هذه اصطلاحات الزنادقة واضح هذا كما سيأتينا الآن فى موضوع النظر فضعوا كل شىء فى

موضعه هذا معنى الأبدال وهو وارد على لسان رسولنا عليه الصلاة والسلام والحديث لا ينزل عن درجة الحسن وفصلت الكلام كما قلت ضمن خطب الجمعة ولا أريد ان أسترسل فى ذلك لحديث ثابت لكن هذا معناه يبدلون الصفات المذمومة بكريمة وإذا مات واحد منهم أبدل الله غيره مكانه من أجل ألا ينقص هذا العدد هذا هو معنى الحديث أما بعد تلك الترتيبات هذا كله كما قلت كلام باطل فينبغى أن نحذره ولذلك هم عندما الآن يستغيثون بعد ما عملوا هذه الدائرة بدأوا يستغيثون بالأقطاب والأنجاب والأوتاد على تعبيرهم بالأبدال ولا يلجأون غلى ذى العزة والجلال ويستخفون عقول الناس والله يا إخوتى الكرام استخفاف استخفافا كاستخفاف مسليمة الكذاب بعقول من اتبعوه عرف بعض الشيوخ الضالين ولا نرضى إلا ما قدر نرضى إلى ما قدر نسأل الله حسن الخاتمة صار مشكلة فى مكان من الأمكنة وذهبوا إليه يعنى يعرضون عليه الأوضاع وأن الكفر البواح انتشر فى العالم ولا بد من يعنى تحرك وإذا ما تحرك العلماء يعنى من الذى سيحرك يحرك العباد يعنى كفر ينتشر فى العالم لا بد من أن يعالج قليلا سيعالجه كما عالجه العلماء من الذى سيعاجه بعد ذلك من الذى سيقضى عليه من الذى سيحاربه ولذلك إخوتى الكرام عندما يقع فى الحياة ما يقع كما يحصل فى هذه الأيام على تعبيرهم..

يا إخوتى الكرام الحياة فيها الكفر البواح لا بد من معالجة هذا من الذى أباح الكفر البواح فى الأصل من الذى أباحه دائما لا بد من وعيه لا بد من النظر فيه فحتما إذا وجد الكفر البواح سيقابله الشذوذ سيقابله الشذوذ ولا إذن تعالج إذن الأمور عن طريق الحكمة لكن من الشاذ الأول الذى ترك البلاد مفتوحة للفساد هذا هو الشاذ الأول إذا وقع شذوذ ثانى لا يجب أن نتكلم على الشذوذ الثانى ونترك الشذوذ الأول لأنه دائما الشذوذ لن يولد إلا شذوذا هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه بعض من يعتقل الآن ويسجن فى السجون المظلمة وصل الأمر بهم هذا أخبار ثقات فى يوم يفتش دبره مرتان بواسطة كشاف خشية أن يكون أخذ شيئا ووضعه فيه من أجل ألا يكون متفجرات يا إخوتى أما تتقون الله دبر دبر ويضحكون بعد ذلك نفتش دبر الأعمى حتى إلى هذا الحد.

إخوتى الكرام يا عباد الله إذا قتلتم فأحسنوا القتلة لو كان يستحق القتل أما تأتى تفتح دبره وتضع الكشاف وتنظر هل وضع شيئا أو لا وهو عندك فى السجن إذن لا يقصد من هذا إلا الامتهان والاعتداء على..للإسلام هذا حتما سيولد بعد ذلك بلايا ورزايا ذهبوا عند هذا وقالوا يعنى المسألة كما ترى انظر لاستخفافه وقلة عقله ويدعى هو إنه هو الغيث وهو القطب لا إله إلا الله قال لهم ماذا تريدون قالوا نريد التغيير قال والله الذى لا إله إلا هو لو عملت هكذا لسقطت الحكومات كلها الحكومات كلها تسقط بس اعمل العمامة هكذا ما تلقى حكومة على وجه الأرض بس اعمل العمامة هكذا الحكومات كلها تسقط فقام بعض الحاضرين المساكين ظن أنه يقول حقا وصدقا قال لا شيخى أبوس رجليك حرك العمامة إذا موضوع تحريك عمامة كلهم يسقطون المسألة حرك العمامة قال ليس المقصود تحريك العمامة وإسقاطهم هاتوا لى من الذى سيحكم بدلهم قام هو مرة ثانية هذا المغفل قال أبوس رجليك أنت تحكم خلص أنت الخليفة حرك العمامة واحكم قال أنا ما أريد الدنيا هاتوا لى من يحكم حتى أحرك العمامة وما أحد على وجه الأرض منهم يبقى ...

والذى يظهر والعلم عند الله أن القول الثانى فى بيان المراد للتابعين غير أولى الإربة من الرجال القوى الشافعية والحنابلة الذى يظهر هو الذى تدل عليه النصوص فقد كان مخمس يدخل على بيوت نبيا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ويخالط أمهات المؤمنين حتى استبان أنه ليس بمخنس وأنه يعلم ما عند النساء ففصل وطرد إذن كان يدخل والحديث إخوتى الكرام ثابت فى المسند والصحيحين وفى موطأ الإمام مالك وسنن أبى داود وابن ماجة من رواية أمنا الطيبة المباركة سيدتنا أم سلمه وروى الحديث أيضا فى المسند وصحيح مسلم وسنن أبى داود والسنن الكبرى للإمام البيهقى من رواية أمنا الصديقة المباركة أمنا سيدتنا عائشة أمنا أم سلمة وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين قالت كان مخمس يدخل على بيوت أزواج النبى على نبينا وآله وصحبه عليه صلوات الله وسلامه يخالط النساء قالت كانوا يعدونه من غير أولى الإربة من الرجال يعنى هذا حكمه حكم المحارم يخالطوهن لأنه لا يعلم ما عند النساء ولا يشتهيهن ولا يفترس بهن وهن لا يبالين به حتى قال يوما لعبد الله ابن أبى أمية وهو أخ لأمنا أم سلمة هذا ثابت فى الصحيح وفى مرسل محمد ابن المنكدر قال لعبد الرحمن أخى أمنا عائشة ولعله تكرر ذلك منه قال لعبد الله ابن أبى أمية أخى أمنا أم سلمة فى بيت أمنا أم سلمة ثم فى بيت أمنا عائشة قال هذا لعبد الرحمن قال له إن فتح الله عليكم الطائف فعليك بابنة رزاق فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان إذن هذا يعرف وصف النساء تقبل بأربع أى عكل بطنها من سمنها وكثرة الشحم بها من الصفات المرغوبة فى المرأة إلا الآن حين مسخت أذواقهم يريدونها نحيفة ضعيفة جلدة وعظمة لكن من الصفات المرغوبة فى المرأة يعنى أن يكون بها الشحم ولذلك لما ذهب تلميذ للإمام أحمد رضي الله عنه ليشترى له جارية أمة قال ليكن عليها لحم رضي الله عنهم وأرضاهم فعندما يقول تقبل بأربع يعنى عكل البطن تتثنى أربع ثنيات طاقات من

سمنها والإنسان إذا كان سمينا يظهر التثنى فى صدره وبطنه أربع إذا أدبرت بثمان هذه الأربعة ترى من جانبها أربعة من هنا ومن هنا أربعة تصبح ثمانية فإذن إذا مشت ونظرت إليها من وراء أربعة من الجانب وأربعة من الجانب فالثنتان الأماميتان تصبح من الجانب عندما تراها أربع والثنتان من هنا أربع وتقبل بأربع وتدبر بثمان يعنى عكل بطنها وظهرها متعددة هذا لا يقوله إلا من يشتهى النساء ويعرف ما عندهن.

وورد فى رواية الكلبى زيادة عما فى الصحيح قال لها ثغر كالأقحوان يعنى كالورد المعروف المشهور لها ثغر كالأقحوان وما بين رجليها مثل الإناء المكحوت ثم قال له أيضا أعلاها عفيف وأسفلها كثيب يعنى كأنها قمة رمل من سمنها وضخامة عجزتها إن قعدت تثنت وإن تكلمت تغنت فقال له نبينا عليه الصلاة والسلام يا عدو الله أراك تعرف ما ها هنا ثم أمر بنفيه من المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه الشاهد كان يدخل وهو من التابعين غير أولى الإربة من الرجال وكما قلت كانوا يعدونه كذلك ثم استبان أنه ليس بمخنث يعنى حقيقة عنده تصنع لأخلاق النساء والتشبه بهن لكن فى واقع الأمر يدرك ما عند النساء ويتطلع إليهن ويصف أمور الفتنة فيهن ونفى بعد ذلك وطرد من البيوت واحتاط النساء منه يعنى كما قلت فيما يتعلق التابعين غير أولى الإربة من الرجال قولان فيما تبديه المرأة أمام هذا الصنف حقيقة القول الأول أحوط يعنى أنها لا تبدى إلا الوجه والكفين تحتاط نعم تتخفف أمامه فليس حالهم كحال الرجل الفحل فهؤلاء يتبعون النساء كما قلت دائما للمساعدة فلو أدخل الإنسان إلى بيته مغفلا لا يختلط بالنساء فأحيانا يأتى بكثرة بمثل هؤلاء لإطعام ومساعدة فلو المرأة دخلت ووضعت الطعام متحجبة كما قلت لاجلباب ويعنى لا عباءة لكن ساترة لابسة الطويل والشعر مستور والوجه مكشوف واليدين ووضعت الطعام هو الآن ما ينتبه للمرأة ولا يفكر فيها وكما قلت الزوج الأخ الولد حاضر موجود لها أن تفعل هذا أما أن تتوسع أكثر يعنى يطلع على زينة خفية لا يطلع عليها إلا المحارم فحقيقة يعنى تركه أولى وإن كان كما قلت مرارا وقرره أئمتنا لا نعترض على شىء منه وإجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة والأثر يدل على ذلك لكن لا يدل على سبيل الوجوب يعنى يجب على المراة أن تكشف أمام غير أولى الإربة من الرجال كما تكشف أمام المحارم لا يدل على هذا قيد يدل على الترخيص والأخذ بالاحتياط أحسن

والعلم عند الله جل وعلا. المسألة التاسعة الآن بسم الله الرحمن الرحيم نعم قلت لك رواها الكلبى والكلبى متروك لكن الرواية ذكرها الحافظ ابن حجر فى الفتح فى الجزء التاسع صفحة سبع وثلاثين وثلاثمائة وانظر أصل الحديث فى جامع الأصول فى الجزء السادس صفحة ستين وستمائة رواية ضعيفة روى فى الصحيحين فقط قال تقبل بأربع وتدبر بثمان الزيادة يعنى لا محذور فيها على الإطلاق يعنى الذى يعرف الأربع ويعرف الثمان يعرف ثغرها أيضا كالإقحوان وأنه رآها ... يعنى رآها ولا مانع واضح هذا ورأى بعد ذلك ضخامتها عندما تجلس ورآها عندما تتكلم كأنها تغنى من رقة صوتها وعذوبته لا حرج فى ذلك يعنى الآن ما فى كما يقال محذور يعنى ما فسره كاف فى الدلالة على أنه يعلم ما عند النساء وذلك زيادة كما قلت خبرة الأثر ضعيف لأنه كما قلت من طريق الكلبى والكلبى معروف حاله لكن يعنى يشهد له خبر الصحيحين والخبر الأول كاف فى الدلالة على أنه إذن ليس من غير أولى الإربة من الرجال والعلم عند الله جل وعلا. الطفل الطفل معناه فى اللغة إخوتى الكرام الولد ما دام ناعما يقال له طفل ما دامت فيه النعومة ولم يغلظ صوته ولم تخرج له لحية وشارب يقال له طفل الطفل الولد ما دام ناعما ويقع على المفرد والجمع كما قال الإمام الجوهرى فى صحاح اللغة وقيل أنه مفرد محلى ب ال الجنسية فيعم الدينار والدرهم أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض المراد من الدينار الدنانير وقيل إنه مفرد وضع موضع الجمع يعنى إما كما تقدم معنا هذا اللفظ يقع على المفرد والجمع أصالة أو مفرد دخلت عليه ال الجنسية فأفاد العموم أو أنه مفرد لكن يوضع موضع الجمع واستدل بقول الله جل وعلا {ثم نخرجكم طفلا} لكن الإمام سيبويه من علماء اللغة رد هذا وقال ثم يخرج كل واحد منكم طفلا أليس هو المفرد وضع موضع الجمع والعلم عند الله جل وعلا

على كل حال إخوتى الكرام ماذا تتحجب ما الذى تحجبه وتستره المرأة من جسمها أمام الطفل وما الذى يرخص لها أن تبديه؟ الطفل له عدة أحوال: أولها: ألا يبلغ أن يحكى ما يرى ما وصل إلى حد يحكى ما يراه ويستحضره ويذكره لغيره أى قبل سن التمييز وقبل سن التمييز الإنسان حقيقة لا يحكى ما يرى بعد أن يميز يحكى ما يرى يقول والدى أحضر كذا وعمل كذا وذهب كذا يعنى صار عنده تمييز وأعطى لأخى ما أعطانى أما قبل سن التمييز لا يميز لا يحكى ما يرى لا يستحضر هذا ولا يذكره للناس ولا ينتبه له هذا يقع بحضرته لا يبالى به هذا قبل سن التمييز غيبته كحضوره يعنى المرأة لا تتحجب أمامه مطلقا وجوده وعدمه سواء وهذا سن التمييز فى الغالب فى سن الرابعة فى الغالب لا يقال له ابن ثلاث سنين ابن سنتين ابن سنة من هو ابن شهر يعنى المرأة تتحجب أمامه تقول هذا الآن ذكر هذا كما قلت نوع أول من الأطفال لا يحكى ما يرى ما بلغ إلى هذا السن التى يحكى فيها ما يرى ويستحضر وينتبه فهو قبل سن التمييز حضوره كغيبته.

نوع ثانى: إذا بلغ السن التى يحكى فيها ما يرى لكن ليس فيه ثوران الشهوة وتشوف للنساء ويحكى ما يرى يعلم لكن ما عنده تمييز يعنى بعد ذلك إن هذه تشتهى وإن هذه جعلها الله لاتصال الرجل بها ويعلم شهوتها لا يعلم هذا على الإطلاق إنما يحكى ما يرى يعنى قد يقول فلان طويل وفلان قصير دون أن يذكر الأمور التى تغرى الرجل ما عنده يعنى اطلاع على هذه الأشياء فهذا حكمه حكم المحارم عند أئمتنا بلغ سن التمييز ولم يراهق والمراهقة تبدأ فى سن التاسعة والعاشرة إذن قبل التاسعة وبعد الثالثة بعد الرابعة هذا يقال له فى سن التمييز دون مراهقة يحكى ما يرى لكن لا يفهم كما قلت يعنى لأماكن الشهوة ومفاتن المرأة يعنى لا يصف لرجل يقول هذه شكلها كبير هذه تقبل بأربع وتدبر بثمان هذه مثلا فيها كذا علامات فارقة مغرية ما يميزها وممكن فقط يعلم أن هذه امرأة لا رجل هذه كبيرة عجوزة هذه صغيرة لكن الصفات الدقيقة لا يحكيها لغيره لأنه لا يعلم أثرها وهذا حاله كما قلت من هو فى سن التمييز قبل المراهقة وحقيقة يختلف حال الناس فى هذه المرحلة على حسب تفتحهم ويعنى معايشتهم فحقيقة يعنى الجيل السابق الذى عشنا فيه يعنى حتى الإنسان لو بلغ عشر سنين لا يعلم ما عند المرأة وكنا ندرس فى أولى متوسط أولى إعدادى ما يتعلق بأمر الحيض وبأمر النساء فى كذا لا نعلم إلا لنحفظ يعلم الله حفظ لكن ما معنى الحيض ما معنى النفاس نشرحه نقول هو الدم الذى يخرج من فرج المرأة إيش يعنى فرج يخرج دم ما بك ألا تحضر وتكتب فى الامتحان ونأتى بعد ذلك فى موضوع الكفارة فى فقه السادة الحنفية ومن جامع أو جومع فى نهار رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة مثل المظاهر أى كفارة الظهار اذكر شيخنا الشيخ بدرى رجب رحمه الله ورضى عنه.

قرأ لنا ونحن فى إولى إعدادى فى عمر ثلاثة عشر أربعة عشر بعد أن قرأها نظر إلينا استحضر يعلم الله حركاته واحدة واحدة لكن ما وراءها ما أعلم قال ... يعنى يقول كيف سأشرح هذه العبارة أمام الطلاب هذه معناها على اللهجة هناك ... من جامع أو جومع فعل أو فعل به عامدا فى نهار رمضان عليه قضاء والكفارة مثل المظاهر مثل كفارة الظهار ... ولا شرح كلمة شرحها ... وما أحد منا حقيقة يخطر بباله يعنى ما معنى جامع وما معنى جومع إذا كان سيدنا الإمام النووى عليه رحمة الله لما حفظ كتاب المهذب ... لكن كان يقول يعنى من نواقض الوضوء خروج ريح هو يقول عن نفسه يقول فكنت أظن أن المراد من خروج الريح القرقرة التى فى البطن فكان باستمرار يتوضأ ويشق عليه ما يعلم ما المراد من هذا حتى وضح له الأمر هذا يعنى حال سلفنا رضوان الله عليهم أجمعين على كل حال يعنى لا بد كما قلت من هذا الضابط وهو أنه يحكى ما يرى لكن ليس عنده وعى بأمر النساء متى ما وعى هذا ليس الآن من الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء هذا طفل لا يظهر حكمه حكم الكبار إذن عندنا طفل لم يظهر لا يميز وجوده وعدمه سواء حضوره لغيبته يميز ولا يعلم ما عند المرأة كالمحارم وعليه على المعتمد كما تقدم معنا تستر ما بين السرة والركبة أمامه ويجوز أن تبدى ما عدا هذا. النوع الثالث: إذا راهق ودب فيه الشهوة ميز وبدأ يعلم ما عند المرأة مما يرغب الرجال فحكمه حكم الرجل البالغ تماما المراهق هذا إخوتى الكرام من حيث نظره إلى المرأة وما الذى ينبغى أن تستره المرأة أمامه. أما من حيث النظر إليه ومن حيث عورته الولد ما هو أيضا لذلك تفصيل. فإذا كان صغيرا جدا أيضا قبل سن التمييز فليس له عورة يعنى لو بدا منه السوأتان لا حرج فى ذلك وهو قبل سن التمييز ثلاث سنين أربع سنين سن سنتين سن سنة إذن هذا ليس له عورة على الإطلاق.

الحالة الثانية: ما دام لم يشتهى ميز لكن لم يشتهى فعورته دبرا وقبلا مميز لكن لا يشتهى ما وصل لحالة مراهقة وما يقاربها دبر وقبل يعنى عمره ست سنين سبع سنين خلاص يستر السوأتين يعنى لو بدا بعد ذلك فخذه لا يقال الآن فخذه مثل الرجل يعن الأمر يختلف هذا لا يشتهى الواحد يتطلع إليه قال أئمتنا ثم تغلظ كلما زاد يعنى بعد سن التمييز سوأتان تغلظ ما قاربهما إلى أن يصل إلى الحد الذى يشتهى فيه ابن التسع أو ابن عشر فصارت عورته كعورة البالغ ينبغى أن يستر هذا المكان من السرة إلى الركبة وإذا كانت جارية تتحجب كما تتحجب المرأة إذا بلغت تسع سنين عشر سنين وجب عليها الحجاب يقال الآن هذه لا تميز ما عند النساء تميز به لو تزوجت من التسع يكون ... تنجب بعد. سنة تنجب عمرها عشر سنين فلا بد من ضبط هذا وهكذا كما قلت الرجل عشر سنين صار يشتهى ويشتهى من قبل النساء ويشتهى هو النساء حكمه حكم الرجال يستر عورته. قلت مرة فى أبها بعض جيرانى الكرام يعنى كان موضوع حول حجاب النساء وكذا قال لى عمى أحد أولاد القرية كان فى تلك الأيام فى ثالث ثانوى قال هذا نعتبره بدرا يعنى يدخل على النساء وكذا قلت يعنى أقمتم عمره أقمتم سبع عشرة سنة أوليس كذلك يعنى لو أدخلتموه ابن خمس سنين ست عشرة سنة يعنى وصل مرحلة البلوغ قطعا وجزما قالوا يا شيخ ما ترى أن فى وجهه شعرة ما زال بدر قلت هذا لو زوجته من سنتين لكان عنده ولدان قال هذا يدخل يعنى طبيعى هذا حكمه حكم ... ويقول لى خرجت له لحية وبلغ الطوق تماما يقول هذا بدر هذا وعندنا كما قلت ابن تسع عشر هذا صار فى سن المراهقة المرأة تستر أمامه فهو يستر أيضا عورته. إخوتى الكرام: هذا مقرر عند المذاهب انظروا رد المحتار فى الجزء السادس صفحة أربع وستين وثلاثمائة وروضة الطالبين فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وعشرين والمغنى للإمام ابن قدامة فى الجزء السابع صفحة اثنتين وستين وأربعمائة

مسألة عندنا كنتم تجعلوها عاشرة أليس كذلك وإن شئتم تجعلوها سابعة لما تقدم.. النظر إلى الأمرد نحن تقدم معنا الطفل إذا كان يعى أوليس كذلك إذا دبت فيه الشهوة وبدأ يعرف ما عند النساء المرأة تستتر أمامه كما تقدم معنا قبل ذلك حكمه حكم المحارم قبل التمييز وجوده وعدمه سواء كأنه بهيمة فى البيت لا تحتجب أمامه ولا حرج عليها أن تكون بأى شكل كان إنما بعد ذلك بالنسبة كما قلت لعورته هو قبل سن التمييز لا عورة له إذا ميز قبل ودبر ثم تغلظ العورة إلى أن يبلغ إلى سن المراهقة تسع أو عشر صار حكمه حكم الكبار يؤمر وليه بأن يلزمه بتغطية فخذيه لأن هو الآن غير موجه إليه الخطاب لكن الولى مأمورا بأن يراقبه إذا كشف عن فخذه.. وهكذا الجارية وليها المسؤل عنها يحجبها فى هذا الوقت أما من ناحية البلوغ لجريان قلم التكليف ما جرى عليه قلم لتكليف لأنه لا بد من بلوغه ويوجه إليه الخطاب لأنه لو كشف لا إثم عليه لكن وليه هو المطالب ينبغى أن يراقبه أن يلاحظه وهكذا يلاحظ الجارية وأن يحجبها فى هذا الوقت.

أما الأمرد ما حكم النظر إليه حقيقة لا بد من وعى هذا ومسألة قررها أئمتنا وقد يؤدى التساهل بها إلى يعنى محذورات كثيرة ووقع كثير من الناس فى مفاسدها ونسأل الله أن يصون أعراضنا وأن يسترنا فى الدنيا والآخرة بفضله ورحمته وهذه المسألة إخوتى الكرام يعنى كما قلت حكم شرعى الذى يجب أن نعيه وأن ننتبه له أمر ثانى أيضا يعنى دعانى إلى الكلام عليه ما سيأتينا ضمن مراحل البحث بعون الله جل وعلا أن تقبيل الأمرد..هذا أشنع من تقبيل المرأة كما سيأتينا وبعض السفهاء ممن يعتبرون أنفسهم من السلفية الدعاة فى هذه الأيام علق على قصة كنت ذكرتها سابقا قصة تقبيل سهل ابن عبد الله التسترى للسان أبى داود قال هذا السفيه الشريط عندى الطحان الآن يفتح الباب إلى تقبيل المردان أين نحن وأين هو هنا رجل صالح صاحب سنة راوى حديث النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه جاء هذا قال أرنى لسانك الذى تحدث به حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لأقبله فقبله سهل ابن عبد الله التسترى مع أبى داود. يا إخوتى شيخ من أهل السنة الكبار هذا شيخ جاهل عادى فما الذى أخذك إلى تقبيل الأمرد يا مفتون ما الذى أخذك قال هذا..تقبيل المردان يأتى يقبله من فمه يعانقه يضمه إليه كما يفعل الصوفية ما زاد على تقبيل المردان يقول بكل حياء بكل قلة حياء..

يا إخوتى الكرام نحن أمرنا أن نعدل مع المشركين ألا نعدل مع عباد الله المؤمنين ما الذى أخذك إلى المردان هذا مثل إنسان لو قال يجوز للإنسان أن يجامع زوجته قالوا لا يجوز للإنسان أن يجامع زوجة جاره هذه امرأة وهذه امرأة وهنا كذلك يجوز أن يقبل لسان الإمام البخارى إذن يجب أن يقابل المردان يا عباد الله..بالحلال والحرام أما تتقون الله أم كما قال الله يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون والله وتالله وبالله إنه يعلم أننى لا أريد هذا وما خطر على بالى ووالله ما علمت به إلا لما ذكره هو أننى أقول تلك القصة من أجل تقبيل المردان فتح باب لتقبيل المردان هذا ككلامه الثانى فى نفس الشريط هذا مخرف الإمارات ككلامه الثانى فى نفس الشريط حول عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة يقول يعنى إذا أردنا المطر ما نروح للاستسقاء يعنى الطحان يقول ما نروح للاستسقاء نجلس ونقول أبو بكر أبو بكر عمر عمر فكأن عمر ما يعرف هذه العبادة العظيمة لما أصيبوا بقحط ما جلسوا قالوا محمد محمد أبو بكر أبو بكر هذا مثل المخرف أيضا الفتان الذى ألف كتابه تحذير الإخوان على مسلك واحد ثم قال هذا فساد يجر إلى فساد ... على لسان أبى داود رضى الله عنه وأرضاه يقول بدأ يستدل بآثار تقبيل يد أمة على فرض ثبوت هذه يقول يعنى هذه فيها توسع بجواز أن يقبل الإنسان اليد فثابت البنانى هكذا يدرسها هو لا يعرفون ضبط اسم ولا معرفة حكم ثابت البنانى يقول يعنى إذا فعل هذا مع أنس وقبله يعنى هذا توسع نقف عنده يقول إذن هو يقول تقبيل الرأس والجبهة إذن يجوز تقبيل..يعنى أنا أقول ما دام فعل هذا يجوز تقبيل الرأس إذن يجوز

والجبهة يجوز تقبيل..ثم قال نحن نعلم أن تقبيل اللسان للنساء الإنسان يقبل زوجته والأدهى منه يقول مص لسان من يحدث عن النبى عليه الصلاة والسلام ولاشك هذا لا نعرفه ديانة هذا ضبطه هو ثم بعد ذلك أراد قال طبعا هو يروى أن أحد الناس قد مص يعنى لسان بعض الناس كما زعم والله أعلم بصدق هذه الرواية..على فرض أنها صحت هذا مثل ما تقدم معنا فى قبر الحسين وفى غيرها وفى قول أيضا عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة من الذى نقل هذا عن الإمام أحمد وعن سفيان ابن عيينة أين هى على فرض أيضا ليست صحيحة كل إنسان يخطأ ويصيب الإمام أحمد أخطأ فى هذا وسفيان ابن عيينة أخطأ وهنا على فرض أنها صحت لا تصلح دليل هذا كلامه لا تصلح دليل ومن قال حصلت ثم قال وأى جيل ترى أهل الطاعة كل منهم يقبل لسان صاحبه هذه أعوذ بالله منها يقول كنا نحن ننهى عن تقبيل الخدود نرى محدث فى هذه الأيام يدعو إلى تقبيل اللسان من أجل بعد ذلك يقول تقبيل المردان عافانا الله منها.

انظر للسفاهة وقلة الحياء وقلة الديانة..فإن شاء الله سنتكلم على موضوع المردان وأنه لا يجوز النظر إليه بشهوة ولا بغير شهوة كما ستسمعون فضلا عن تقبيله فلا بد من أن نقف عند حدودنا وأن نتقى ربنا أما بعد ذلك يقبل الإنسان يد الشيخ للتبرك به يقبل جبهته للتبرك به يقبل لسانه للتبرك به يقبل سرته كما تقدم معنا فعل سيدنا إبى هريرة مع سيدنا الحسن رضى الله عنه للتبرك به هذا موضوعا آخر وموضوع إخوتى الكرام يعنى تقبيل اللسان هذا لم يقع فقط من العبد الصالح سهل ابن محمد التسترى الذى توفى سنة ثلاث وثمانين ومائتين مع سيدنا أبى داود الذى توفى سنة خمس وسبعين ومائتين وهو إمام السنة فى زمنه لم يقع هذا معه فقط وقع مع عدد من الأئمة مع عدد كان يأتى يقبل لسانه تبركا بحديث النبى عليه الصلاة والسلام منهم واحد آخر الإمام الفراوى الذى أئمتنا يقولون للفراوى ألف راوى وهو أروى الشيوخ فى زمنه لحديث صحيح مسلم الإمام الفراوى الذى توفى سنة ثلاثين وخمسمائة للهجرة تقدم معنا قصة معه جرت مع الإمام تذكرون ابن عساكر عندما ذهب إلى بغداد ليتلقى العلم عنه والإمام ابن عساكر لأنه رأى أن الشيخ يعنى ما احتفى به كثير بعض تلاميذ النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقال له أبلغ أبا عبد الله محمد ابن الفضل الإمام الفراوى إنه سيأتيه شاب أسمر من بلاد الشام فلعتن به فكان بعد ذلك إذا جاء قام له إذا انصرف شيعه ويعنى يجلس معه ما يريه حتى ينصرف الإمام ابن عساكر ووالد الإمام الفراوى رأى النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقال ولدك خليفتى أى هو الذى ينشر حديثى هذا الإمام الصالح أوصى تلميذه الذى قرأت به كثيرا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والإمام الفراوى لتعرفوا من هو استمعوا فقط كلاما موجزا للإمام الذهبى فيه كما قلت توفى سنة ثلاثين وخمسمائة الشيخ الإمام الفقيه المفتى مسند خراسان فقيه الحرم أبو عبد الله محمد ابن

الفضل الفروى النيسابورى الشافعى ثم بعد أن ذكر فى ترجمته ما ذكر نقل عن الإمام عبد الغافر أنه قال هو فقيه الحرم البارع فى الفقه والأصول الحافظ للقواعد نشأ بين الصوفية ووصل إليه بركة أنفاسه درس الأصول والتفسير على زين الإسلام الإمام القشيرى ثم اختلف إلى مجلس الإمام أبى المعالى إمام الحرمين ولازم درسه ما عاش وتفقه وعلق عنه الأصول وصار من جملة المذكورين من أصحابه وحج وعقد المجلس ببغداد وسائر البلاد وأظهر العلم بالحرمين وكان منه بهما أثر وذكر وما تعدى حد العلماء وسيرة الصالحين من التواضع والتبذل فى الملبس والعيش ثم قال عقد مجلس الإملاء فى الأسبوع يوم الأحد والإملاء كما قلت لكم يعنى يجلس والتلاميذ يكتبون ويملى من صدره هذا إملاء وقلت من يقال عنهم محدثون يعنى كذا وكذا يريد أن يعقد هو مجلسا من مجالس الإملاء ويروى لنا يروى لنا الأربعين النووية ونحن نتبع وراءه على علم الحديث ليبكى من كان باكيا وعقد مجلس الإملاء فى الأسبوع يوم الأحد وله مجالس الوعظ المشحونة..والمبالغة فى النصح حدث بالصحيحين وغريب الحديث للخطابى والله يزيد فى مدته ويفتح فى مهلته إمتاعا للمسلمين بفائدته قال السمعانى سمعت عبد الرشيد ابن على الطبرى بمرو يقول الفراوىألف راوى قلت لكم الفراوى نسبة إلى فراو من بلاد خراسان الفراوى ألف راوى.

إخوتى الكرام هذه الجملة ضبطها الإمام النووى فى مقدمة صحيح مسلم للفراوى ألف راوى يعنى من كثرة تلاميذه له ألف راوى يقول الإمام النووى فى بداية صحيح مسلم فى المقدمة يقول كان إماما فى الجزء الأول صفحة سبعة بارعا فى الفقه والأصول وغيرهما كثير الروايات بالأسانيد الصحيحة العاليات رحلت إليه الطلبة من الأقطار وانتشرت الروايات عنه فيما قرب وبعد من الأمصار حتى قالوا فيه للفراوى ألف راوى وكان يقال له فقيه الحرم لإشاعته ونشر العلم بمكة زادها الله فضلا وشرفا وهنا للفراوى ألف راوى هنا الفراوى الفراوى الفراوى ألف راو هى الأصل ألف راوى من باب يحصل وزن السجع ممكن أن يقال درجة الفراوى تعدل الفراوى بمنزلة ألف راوى للفراوى ألف راوى إذن الأمران معتبران. لكن بدون للفراوى ألف راوى بدون للفراوى الفراوى ألف راوى هكذا صبطت فى السير وفى طبقات السادة الشافعية الكبرى للإمام السبكى فى الجزء السادس صفحة ثمان وستين ومائة الفراوى ألف راوى راو للفراوى ألف راوى هذا هو إمام الدنيا يقول هذا الأخ فما أعلم إخوتى الكرام يعنى شيخ الحديث فى زمنه فهل فعل بدعة أريد ان أعلم أما نتقى ربنا أما نستحى بعد ذلك من أنفسنا لكن إلى الله المشتكى أهوائهم وأرائهم يجعلونها سنة أهوائهم وأرائهم ثم بعد ذلك ما قاله أئمتنا وفعلوه عندما تعرضها عليهم كل واحد عنده نفور الدابة الشموس نحو ما يقرره أئمتنا رضى الله عنهم وأرضاهم.

فى إذاعة البارحة فى إذاعة نور على نور دارت بعض المشايخ الكبار لما يفتى يا إخوتى لا يفتى بفتيا لا إلى آية قرآنية ولا إلى حديث نبوى ولا ولا ولا كل الموضوع موضوع تقبيل المحارم وكذا أرى أنه لا بأس وكذا كلهم من ماء يقول يقول الإنسان يقبل محرمه يعنى لا ينبغى أن يقبل إلا الجبهة فقط لا يقبلها من مكان آخر ثم قال إلا الزوجة الزوجة إنها ليست من المحارم قال هذا معلوم قال أما بعد ذلك المحارم فيما بينهم والنساء الأمر واسع تقبل أى مكان شاءت طيب ما الدليل على هذا وعلى هذا وعلى هذا لما عندما ننقل عن أئمتنا تقولون هاتوا الأدلة ونأتى بالأدلة وأنتم عندما تقولون لما لا تسندوا هذه الفتيا لا بأس يعنى مشغل أو متبع للأئمة أحد الأمرين أريد أن أعلم ليس لك صفة التشريع وعليه إما أن تستدل بالنص وإما أن تقول هكذا قرر الأئمة لا هذا ولا هذا, هذا لا يجوز أن تعترض هذا من المشايخ الكبار ولو تكلمت تضرب الرقبة أما فعله أبو داود لماذا أبو داود أبو داود لا ناصر له مسكين فعله الإمام الفراوى من الإمام الفراوى كل واحد يخطأ ويصيب.

قيل لبعض السفهاء فى هذه الأيام ممن جلس يعدد أخطاء أبى حنيفة أخطأ أخطأ أخطأ فى المجلس وبعض الحاضرين قال له أبو حنيفة رضى الله عنه ما كنت لأن العام مائة وخمسين بيننا وبيته أكثر من ألف سنة نريد أن تذكر لنا بعض أخطاء الشيخ ابن باز لنحذرها قال الشيخ ابن باز لا يخطأ قال يعنى معصوم قال لا يتبع الكتاب والسنة خذ على هذه السفاهة التى هى أقل من هذيان السكارى ابن باز يتبع الكتاب والسنة وأبو حنيفة أخطأ يا إخوتى ما تستحوا من الله أنا أريد أن أعلم ما تستحوا من الله هكذا يقول قلنا لقال أنت الآن تقول أبو حنيفة أخطأ كل إنسان يخطأ ويصيب بشر لكن تحذر من خطأ الأموات منا ما عندك خطأ عن ابن باز ما هو اذكره لنحذره قال ابن باز لا يخطأ ابن باز لا يخطأ وأبو حنيفة كن جريدا إن أخطأ جريدة كان بعض السفهاء منهم من هو فى الكويت وبعد ما شاركوا فى مشاكل الحرم يقول لى أكثر من ثلثى المذهب الحنفى ضلال الخطأ سهل ضلال ما هذه الأمة التى ابتلينا بها فى هذه الأيام أبو حنيفة يخطأ خذ جريدة قل له هات لنا أخطاء للألبانى يقول الألبانى الألبانى هذا ناصر السنة كيف أخطأ يا إخوتى أين تذهب عقولكم أما تستحون من ربكم من ربكم أما تستحون هذا يعنى لو أنفقت لقلت أخطأ فى كذا وكذا لأجل أن تحذر منه فهو خير ألا يتبع وأما ذاك فجاء الأئمة بعده وقرروا وحققوا ونقحوا فعلى رسلك الأمر قال به غيرك إذا كان هناك خطأ اتق الله هذا حاله يقول هذا لا يخطأ إذن من الذى يقلد على عمى نحن أم أنتم والله ما حالنا معكم فى اتباع أئمتنا واتباع من نصرتموه أئمة لكم إلا كما قلت كحالنا مع دعاة التغريب فى موضوع حجاب المرأة نعم نحن قلدنا لكن ديننا وأئمتنا وهم قلدوا الغربيين والملعونين وهنا كذلك قلدنا أئمتنا الذين حققت أقوالهم وأنتم تقلدون من لا تعلم خاتمته على أى شىء تختم له ما نعلم ونسأل الله الثبات وحسن الخاتمة وتقدم معنا نحن لو أردنا أن نقتدى بقول سيدنا عبد الله

ابن مسعود المتقدم فلنقتد بالميت فإن الحى لا تؤمن عليه الفتنة هذا..إخوتى الكرام أخطأ أبى حنيفة اسمع كلها أخطاء شافية فى الدليل أجمع وأخطاء الإمام مالك أكثر وأكثر وأخطاء الإمام أحمد حدث ولا حرج وسيأتينا من كلام مشوش اليمن ضمن بحثنا فى موضوع المردان واشتغال النظار بذلك وألف كتابا فى تفضيل النصرانية على الإسلام لأنه عشق أمرد النصرانية النظار وهو أول من أنكر الإجماع وخليفته بعد ذلك فى هذه الأيام مشوش اليمن يقول الإجماع ليس بحجة أجماع ليس بحجة على الإطلاق الإجماع كما سيأتينا أنه ليس بحجة استمع لهذا الهناء وما قال هذا إلا النظار كما سيأتينا عند حال النظار الذى ألف كتابا فى تفضيل النصراية على الإسلام ومات على الكفر ومات وهو سكران ثم بعد ذلك يأتى الآن أقواله تنبش ويقول بها من يقولون أنهم سلفية وأنا ما أعلم أحدا من أئمتنا إلا قال إن الإجماع هو أقوى الأدلة على الإطلاق هذا يقول الإجماع ما لنا علاقة به الإجماع ليس بحجة القياس ليس بحجة إذن ماذا بقى الكتاب والسنة لكن على حسب فهمه يخرف هو كما يريد أن يستنبط وأنت تقول هذا الآن ما قال به الأئمة مخالف الإجماع يقول من الإجماع.

إخوتى الكرام: موضوع المردان كما قلت حوله كلام فلنعيه ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا، الأمرد إن لم يكن صبيحا أى جميلا فحكمه حكم الرجال يعنى من حيث النظر أوليس كذلك يجوز أن تنظر إليه كما تنظر إلى الرجل كما ينظر بعضنا إلى بعض لحاجة أو لغير حاجة ما أحد يعنى عندما ينظر إلى أخيه يشتهيه وتأمل هذا لا حرج فيه وأما المرأة كما قلت من نظر إليها يقال ينظر من غير شهوة كذاب واضح هذا لا يجوز أن ينظر لأن الطبع سيفرق لمحل الشهوة وهكذا الأمرد الأمرد حالتان إن كان صبيحا جميلا فسيأتينا لا يجوز النظر إليه لا بشهوة ولا بغير شهوة حكمه حكم المرأة نظرت تغض الطرف إذا لم يكن جميلا حكمه حكم الرجل لا حرج أن تنظر إليه وإلا فإن كان صبيحا جميلا حكم الأمرد كحكم النساء وهو عورة من قرنه إلى قدمه لا يحل النظر إليه بشهوة كما قرر هذا فقهائنا قال هذا السادة الحنفية فى رد المحتار فى الجزء السادس صفحة أربع وستين وثلاثمائة وقاله الإمام الشافعى رضى الله عنهم أجمعين كما فى الروضة فى الجزء السابع صفحة خمس وعشرين قال الإمام النووى نص الإمام الشافعى على أنه يحرم النظر إلى الأمرد بغير حاجة وهذا ما قرره الإمام ابن قدامة فى المغنى فى الجزء السابع صفحة ثلاث وستين وأربعمائة فقال يحرم النظر إلى الغلام الذى تخشى الفتنة بالنظر إليه وأطال الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية أطال فى تقرير هذا الأمر وتفصيل الكلام عليه فى مجموع الفتاوى فى الجزء الخامس عشر من صفحة أربع وسبعين وثلاثمائة إلى صفحة سبع وعشرين وأربعمائة يعنى كم صفحة يا أستاذ محمد يكون خمسين صفحة وزيادة أوليس كذلك يعنى واحد وخمسين صفحة أوليس كذلك ثلاثمائة وأربع وسبعين إلى أربعمائة وسبع وعشرين ثلاثة وأربعين لا أكثر يا إخوتى الكرام ثلاث وخمسين لأن هنا خمس وعشرون وهنا خمس وعشرون بدل إليها الكسور هذا واحدة وخمسين لما ثلاثة وخمسين هنا أربع وسبعين هنا خمس وسبعين إلى

أربعمائة خمس وعشرون صفحة إلى خمس وعشرين خمسين يستزيد اثنتان خلاص يعنى على كل حال خمسين يعنى صفحة أما تنزلوها للأربعين وأيضا ذكر هذا فى الجزء الثانى والثلاثين صفحة سبع وأربعين ومائتين فما بعدها وفى الجزء الحادى عشر صفحة اثنتين وأربعين وخمسمائة فما بعدها فقال التلذذ بالنظر إلى الأمرد حرام باتفاق المسلمين كما هو كذلك فى حق الأجنبية وقال أيضا التلذذ بمس الأمرد حرام بإجماع المسلمين وكذلك النظر إليه بشهوة انتبه سواء كانت شهوة وطء أو شهوة تلذذ أى إدامة النظر شهوة وطء كى يطأه ويفجر به أو شهوة تلذذ بالنظر إليه ومن جعل ذلك عبادة فهو كافر لأنه سيأتينا صنف من الإباحية من زنادقة الصوفية جعلوا النظر إلى المردان وإلى الأشكال المستحسنة عبادة وفجروا بهم باسم التقرب إلى الله جل وعلا على زعمهم ضل سعيهم وخاب عملهم من جعل ذلك عبادة فهو كافر مرتد وقال أيضا فى الجزء الخامس عشر صفحة ثماني عشرة وأربعمائة ولا يصلح أن يخرج المردان الحسان فى الأمكنة والأزقة التى يخاف فيها الفتنة بهم لا بقدر الحاجة فلا يمكن الأمرد من التبرج كما لا تمكن المرأة تقدم معنا ولى الأمر أن يمنع المرأة من الولوج والخروج وهكذا الأمرد يتجول هنا وهناك يذهب من جهة إلى جهة أيضا ينبغى أن يوقف عند حده فهو فتنة يفتن به الناس قال الإمام ابن تيمية فكل ما كان سببا للفتنة ينبغى أن يمنع ولا يجوز فعله وقال فى الجزء الثانى والثلاثين صفحة سبع وأربعين ومائتين الأمرد المليح بمنزلة الأجنبية فى كثير من الأمور ولا يجوز النظر إليه تلذذا باتفاق المسلمين ويحرم عند خوف الفتنة لا يجوز أن تنظر إليه لا بشهوة ولا بغير شهوة لكن إذا خشيت فتنة حرم عليك النظر وأثمت وقال الإمام الغزالى فى الإحياء فى الجزء الثالث صفحة تسع وتسعين من يتأثر قلبه بجمال صورة الأمرد بحيث يدرك التفرقة بين الملتحى وبين الأمرد لن يحل له النظر إلى الأمرد ونظره إليه حرام عنده الأمرد يختلف

عن صاحب اللحية ينظر بعضنا إلى بعض لا يدور فى النفس شىء يعنى نظرك إلى الأمرد يختلف أما تتمتع بالنظر أو تشتهى ما هو أشنع من ذلك وأخبث منه وهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه ولا بد من ضبط النفس عنده وكثير من النفوس تتوسع لأنه يعنى مخالطة النساء صعبة يعنى طالب علم يخالط امرأة لا يمكن هذا ولا يصدر منه وينفر منه المجتمع بعد ذلك لا يقره لكن هذا الحدث إما أنه ذا قرن يعنى من جنسه فالاقتراب به يعنى يسهل لوم الآخرين فيفتن به أكثر ما يفتن بالمرأة ويجعله الشيطان مصيدة له وهو لا يدرى هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه لا يجوز النظر إلى الأمرد بشهوة ولا بغير شهوة ومن ظن أو خشى الشهوة والفتنة حرم عليه وهو آثم بالنظر بالاتفاق بل قرر أئمتنا أن حكم الأمرد كحكم المرأة بالنسبة لنقض الوضوء عند الحنفية مس المرأة لا ينقض الوضوء لكن يندب لمن مس امرأة أن يتوضأ مراعاة للخلاف عندهم كما فى رد المحتار فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعين ومائة يندب الوضوء من مس المرأة ومن مس الأمرد يعنى لو صافحت الأمرد يسن لك أن تتوضأ كما لو لمست المرأة وفى مجموع الفتاوى فى الجزء الخامس عشر صفحة إحدى عشرة وأربعمائة مس الأمرد بشهوة فيه قولان يعنى فى موضوع إبطال الوضوء فيه قولان فى مذهب أحمد وغيره كمس النساء بشهوة فالقول الأول ينقض الوضوء وهو المشهور من مذهب مالك وأحد الوجهين فى مذهب الشافعى يعنى مسه بشهوة ينقض الوضوء كمس المرأة عند المعتمد والأظهر والأقوى من مذهب الأئمة الثلاثة الحنابلة والشافعية والمالكية أما الحنفية فى الأصل عندهم مس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء ولو قبل زوجته لا ينتقض وضؤه وعليه لو مس الأمرد حكمه كحكم مس المرأة فى الحنفية وعند الجمهور فأولئك بما أن مس المرأة لا ينقض هذا مس الأمرد ينقض أما عند الحنفية مس المرأة لا ينقض فمس الأمرد لا ينقض يندب يندب هناك ينقض ينقض قال وهذا أظهر لما قال الإمام ابن تيمية لأن الوطء فى

الدبر يفسد العبادات التى تفسد بالوطء فى القبل فعبادة الصوم لو وطء فى قبل أو دبر فسدت عبادة الاعتكاف فسدت عبادة الحج فسدت ووجب الغسل على من حصل منه الوطء فى قبل أو دبر فمقدمات كل منهما ينبغى أن يكون لها حكم إذن الآخر بما أنه سوى بين وطء القبل والدبر ينبغى أن يسوى بين مقدمات وطء الدبر مس الأمرد ومقدمات وطء القبل وهو مس المرأة قال هذا أظهر كما أن الشارع اعتبر الدبر بمنزلة القبل فمقدمة هذا كمقدمة هذا وعليه لو مس الأمرد بشهوة كما لو مس المرأة بشهوة انتقض وضوءه.

إخوتى الكرام: لا خلاف بين أئمتنا كما قلت أنه يحرم النظر إليه بشهوة أو إن ظنها أو إن خشى الشهوة وأما ما عدا ذلك فأيضا أئمتنا قالوا لا ينظر إلى الأمرد إلا لحاجة أو ضرورة كحال نظره إلى المرأة تماما هذا متفق عليه عند أئمتنا وعمومات نصوص الشريعة تدل عليه يعنى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم أى كل ما هو فتنة ومحرم ويجلب شهوة وهوى ومعصية سواء نظر إلى المرأة أو نظر إلى أمرد أو غير ذلك من المحرمات هو مأمور بغض البصر العمومات تدل على هذا وقد ورد فى ذلك آثار خاصة أما الآثار المرفوعة لا يثبت شىء منها مع صحة الحكم وثبوته الحكم صحيح لكن الآثار التى وردت فى هذا الموضوع ليست صحيحة وأما الآثار الواردة عن سلفنا فجنسها متواتر كما ستسمعون إن قيل إذا لم يثبت فى ذلك شىء مرفوع كيف قاله سلفنا نقول يا إخوتى الكرام ما قلنا العمومات واضح هذا فهم استدلوا بالعمومات على تحريم النظر إلى الأمرد أما خصوص النظر إليه وردت أحاديث لا تصح ولا تثبت سأبدأ بالأحاديث التى وردت فى أمر الأمرد وأبين عدم ثبوتها ثم انتقل إلى الآثار المتواترة القطعية عن سلفنا فى موضوع النظر إلى الأمرد والتحذير من ذلك وأنه أخشى على وأخطر على الشاب الناسك العابد على طالب العلم من السبع إذا جلس إليه فلو جلس أمرد إلى طالب علم فتنته أعظم مما لو جلس سبع مفترس حسد مفترس بجانب طالب العلم لما هناك سيأكله وله أجر الشهادة وهنا سيضيع دينه فهنا من جند إبليس وهناك له أجر عند الله العزيز حقيقة هذا أشنع بل أئمتنا كما سيأتينا حذروا منه أكثر من المرأة والفتنة بالأمرد تزيد على الفتنة بسبعين امرأة كما سيأتينا إن شاء الله كيف انتهى يا إخوتى الكرام هذه آخر المسائل لكن مع ذلك يعنى طويلة هذه فيها الآن قرابة صفحة كاملة نحن كل ما تدارسناه الآن صفحة ونصف أو صفحة وثلث على حسب الكتابة عندى فهذه تحتاج إلى صفحة يعنى نمدها إلى مرة أخرى حقيقة لا أعلم والمسألة لا بد من

بحثها وحقيقة ضرورية لأننى لما كنت فى أبها أخبرنى عدد من الإخوة عن هذا الأمر وطلبوا منى قلت لا أريد يعنى الأمر يثار حوله كلام لا سيما فيما يعنى يقال حول الجماعات وكذا قال لى يا شيخ يعنى يتغالبون على الأمرد إلى جانب هذه الجماعة ولهذه الجماعة ولهذه الجماعة يعنى كما تتغالب التيوس فى الجريمة وكل واحد بعد ذلك عندما يخرجون فى رحلة أوكذا يتمنى أن ينام فى المخيم الذى فيه أمرد يعنى هم ينقلون يعنى الموضوع يحتاج إلى معالجة قلت له يعنى جروحنا كثيرة ولعله فى المستقبل يأتى الكلام عليه بما أنه وصلنا إلى هذه القضية عند موضوع النظر فأرى أن نكمل البحث من جميع جهاته ولعل أولئك يسمعون بعد ذلك هذا الأمر وأمر الأمرد نتدارسه فى أول الموعظة الآتية فإن بقى شىء من الوقت دخلنا فى الأمر الثانى الذى ينبغى أن نفعله لنحصن أنفسنا من الشيطان وكما قلت إذا انتهيت من هذه السبعة يعنى ثمانية تلك سأوجز فيها غاية الإيجاز لندخل فى مبحثنا لعله بعون ربنا يعنى فى أربع مواعظ إن شاء الله ننتهى إن شاء الله لندخل فى سنن الترمذى رضى الله عنه وعن أئمتنا أجمعين. اللهم ألهمنا رشدنا واحفظنا من شرور أنفسنا الله احفظنا من شر كل ذى شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شىء وأنت الآخر فليس بعدك شىء وأنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء اقض عنا الدين واغننا منه الفقر. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك. اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا الله أحسن إلى من أحسن إلينا اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك الله اغفر لمن عبد الله فيه. اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مفسدة الاختلاط والنظر إلى العورات

مفسدة الاختلاط والنظر إلى العورات (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان مفسدة الاختلاط والنظر إلى العورات ظن أنه يقول حقا وصدقا قال ياشيخى أبوس رجليك حرك العمامة إذا موضوع تحريك عمامة وكلهم يسقطون المسألة حرك العمامة قال ليس المقصود تحريك العمامة إسقاطهم هاتوا لى من الذى سيحكم بدلهم قام مرة ثانية هذا المغفل قال أبوس رجليك أنت تحكم خلص أنت الخليفة حرك العمامة واحكم قال أنا لا أريد الدنيا هاتوا لى من يحكم حتى أحرك العمامة وما أحد على وجه الأرض منهم يبقى يا جماعة هذا الآن ما زاد على استخفاف فرعون لقومه فاستخف قومه فأطاعوه يحرك عمامته ويسقط الأنظمة الموجودة على تعبيرهم من القطب. هذه أوضاعنا التى نعيشها فالتصوف الذى فيه تخريف لا بد أيضا إخوتى الكرام من وضع الأمر فى موضعه. فإذن الأبدال كما قلت هذا الوصف ثابت ومنقول عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه. أما لفظ القطب لفظ الغوث ما ورد لنقف عند حدنا على كل حال هؤلاء الأبدال كلهم كانوا يوصون هذا العبد الصالح بالحذر من صحبة الأحداث وقلت إخوتى الكرام هذا الأثر منقول عن العبد الصالح حددت الكتب أم لا غالب ظنى ما ذكرت منقول فى الرسالة القشيرية صفحة اثنتين وستين وثلاثمائة نقلته عن فتح الموصلى وفى الإحياء مع شرحه للإمام الزبيدى فى الجزء السابع صفحة خمس وثلاثين وأربعمائة وفى مجموع الفتاوى وذكر لفظ الأبدال كما قلت لكم فى الجزء الحادى عشر صفحة خمس وأربعين وخمسمائة وفى الجزء الخامس عشر صفحة خمس وسبعين وثلاثمائة وصفحة عشرين وأربعمائة صحب ثلاثين من الأبدال وانظره فى ذم الهوى صفحة اثنتى عشرة ومائة وفى تلبيس إبليس صفحة خمس وسبعين ومائتين عن فتح الموصلى أنه صحب ثلاثين من الأبدال كل واحد منهم كان يحذره من صحبة الأحداث صحبة الغلمان المردان.

ومن الآثار المنقولة أيضا فى ذلك ما نقل عن العبد الصالح أعقل أهل زمانه بشر الحافى بشر ابن الحارث رضي الله عنه وأرضاه الإمام العلم المحدث الزاهد الربانى القدوة شيخ الإسلام كما نعته بذلك الإمام الذهبى فى السير فى الجزء العاشر صفحة تسع وستين وأربعمائة قال إبراهيم الحربى رضي الله عنهم أجمعين ما أخرجت بغداد أتم عقلا ولا أحفظ للسانه من بشر الحافى لو أن عقله وزع على أهل بغداد لكانوا بذلك عقلاء عقله فقط بشر الحافى رضي الله عنه وأرضاه كان مع أصحابه جلوسا فمرت بهم جارية امرأة فسألت وأبا نصر أين باب حرب تريد أن تذهب إلى مكان فى بغداد اسمه باب حرب أين فقام ودلها على الطريق وأشار لها إلى الاتجاه الذى تذهب منه إلى باب حرث ثم جلس مع أصحابه فجاء غلام أمرد حدث بعد المرأة والجارية فسأله فقال أين باب حرث يسأل أيضا يريد هذا المكان أن يذهب إليه فأطرق بشر الحافى وغمض عينيه فأعاد ذات السؤال فغمض عينيه وما التفت إليه فذهب الغلام بعد ذلك قال لعله لا يعرف من أجل هذا أطرق وسكت فقيل له جاءت امرأة فسألت فأرشدتها وبينت لها الطريق وجاء غلام حدث لم تجبه وغمضت عينيك وأطرقت لما قال بلغنى عن سفيان يعنى الثورى رضي الله عنهم أجمعين أنه قال مع المرأة شيطان ومع الغلام شيطانان. وفى رواية عن سفيان أيضا مع المرأة شيطان ومع الأمرد بضعة عشر شيطانا بضعة عشر قال فخشيت هذه الشياطين ليس الآن يعنى هذا يفتنونى به يعنى أجيبه وألتفت إليه هؤلاء الشياطين يزينونه فى عينى 453 وهو أعقل أعقل أهل زمانه وأنا على يقين رضي الله عنه وأرضاه ولا أزكيه على رب العالمين أنه ما فعل هذا هو فى الأصل يعنى خشية أن يتأثر لكن يريد أن يعلم تلاميذه وأصحابه الحذر احذروا يا عباد الله ولا تتساهلوا فى هذا الأمر وحقيقة إذا هو ما حذر كلهم يتساهلون بعد ذلك.

ولذلك كان أئمتنا يقولون إذا رفع العالم فى الحلال رفعت الرعية والناس والعامة بعد ذلك فى المكروهات فإذا رفع العالم فى المكروه وفعله فعل العامة الحرام فإذا فعل العالم الحرام كفر الناس يعنى حتما الناس دائما وراء العالم فهو إذا احتاط هم عندهم شىء من التفلت فإذا هو تفلت فكيف سيكون حال الناس بعد ذلك والعامة دائما هذا قائدهم فهو سيريهم الحذر من نفسه ليحذروا وألا يجالس واحد منهم أمردا وأن يحتاط غاية الاحتياط وكان هذا العبد الصالح بشر الحافى كما فى مجموع الفتاوى فى الجزء الحادى عشر صفحة خمس وأربعين وخمسمائة فى المكان التقدم وهكذا فى الجزء الخامس كان لا يدع أمردا يجالسه أمرد يجالس بشر الحافى لا يمكن يقول فتح وكان يقول كما فى ذم الهوى وتلبيس إبليس فى المكان المتقدم احذروا صحبة الأحداث. ومن الآثار المروية فى ذلك أيضا ما نقل عن العبد الصالح أبى منصور عبد القاهر ابن طاهر الإمام البغدادى توفى سنة تسع وعشرين وأربعمائة للهجرة وبشر الحافى توفى سنة سبع وعشرين ومائتين رضي الله عنهم أجمعين بلغ من ذكاء هذا الإنسان وعلمه ومكانته أنه يدرس تسعة عشر علما هو فيها إمام متخصص أبو منصور عبد القاهر ابن طاهر البغدادى صاحب كتاب الفرق بين الفرق يدرس تسعة عشر علما هو فى كل علم إمام متخصص فيه هذا الجهد وهذا النسك وهذه العبادة وهذا العلم وهذا الصلاح كان يقول من صحب الأحداث وقع فى الإحداث من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد من إحداث أهل البدع أحدث يحدث حدثا إحداثا فى دين الله عز وجل إحداث وقع فى البدع والضلالات والرزلات من صحب الأحداث وقع فى الإحداث أى أنه يحدث فى دين الله ما ليس منه.

انظروا إخوتى الكرام: ترجمته فى السير فى الجزء السابع عشر صفحة اثنتين وسبعين وخمسمائة وفى طبقات السادة الشافعية الكبرى للإمام السبكى فى الجزء الخامس صفحة ست وثلاثين ومائة إلى ثمان وأربعين ومائة وأثره هذا منقول فى ذم الهوى فى المكان التقدم وفى تلبيس إبليس من صحب الأحداث وقع فى الإحداث. ومن الآثار المنقولة فى ذلك ما نقل عن العبد الصالح مظفر القرنيسينى مترجم إخوتى الكرام فى الحلية فى الجزء العاشر صفحة وستين وثلاثمائة وفى الرسالة القشيرية صفحة خمس وعشرين وأربعمائة أثره أيضا فى الكتابين المتقدمين فى ذم الهوى وتلبيس إبليس فى نفس المكان يقول من صحب الأحداث علو وجه السلامة والنصيحة أداه ذلك إلى الهلاك والعطب فكيف إذا صحبه غير ذلك يعنى إذا صحب الأحداث ليعلمهم لينصحهم ليدرسهم يفتن ويؤديه ذلك إلى الهلاك والعطب فما صحبه الآن لغيبة ولا أراد أن ينظر لخيانة وليس قى قلبه شهوة محرمة لكن سيتأثر ونسأل الله اللطف بفضله ورحمته فكيف إذا صحبهم لغير ذلك وكان يقول أفضل عمل العبد شغل وقته ألا يقصر الإنسان فى الأمر وأن لا يجاوز الحد مظفر القرنيسينى.

ومن الآثار المنقولة فى ذلك ما نقل عن سيدنا عمر رضي الله عنه كما فى تلبيس إبليس فى صفحة أربع وسبعين ومائتين والأثر نسب إلى بعض التابعين فى ذم الهوى صفحة سبع ومائة وفى مجموع الفتاوى فى الجزء الحادى عشر صفحة خمس وأربعين إذن عن سيدنا عمر رضي الله عنه ونسب إلى بعض التابعين قال ما أنا على الشاب من سبع يجلس إليه بأخوف منى عليه من حدث يجلس إليه لا أخاف عليه من السبع إذا جلس إليه واقترب منه كما أخاف من الحدث لأن أقصى ما يفعله السبع أن يأكله فيموت شهيدا وله أجر عند الله لكن الحدث الشيطان سيأكله بعد ذلك الشيطان سيأكله ينتقل من مصيبة إلى..ومن قتله العدو الإنسى مات شهيدا ومن قتله العدو الجنى مات طريدا هذا لا بد إخوتى الكرام من وعيه فإذا جلس إليه سبع يقول أخاف على الناس منه خوفى ليس كما لو جلس إليه حدث يفتنه ومعه شيطانان أو بضعة عشر شيطانا.

ومن الآثار المنقولة فى ذلك ما نقل عن العبد الصالح معروف الكرخى معروف ابن فيروز الكرخى الذى أسلم هو وأبوه وأمه بسبب إسلامه رضي الله عنه وأرضاه وكان نصرانيا توفى سنة مائتين وقيل أربعين ومائتين علم الزهاد وبركة العصر كما نعته بذلك الذهبى فى السير فى الجزء التاسع صفحة تسع وثلاثين وثلاثمائة ويكفى فى بيان منزلته قول شيخ أهل السنة فيه هل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف وهى الخشية من الله عز وجل والعمل بالعلم هل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف يقول معروف الكرخى رضي الله عنه وأرضاه كانوا ينهون عن صحبة الأحداث أسلافنا الذين تلقينا عنهم العلم وهو فى القرن الثانى فينقل عن التابعين وأتباعهم ينهون عن صحبة الأحداث وفى مجموع الفتاوى فى الجزء الحادى عشر صفحة خمس وأربعين وخمسمائة نقل عن بعض التابعين ولم يسمه قال ما سقط عبد من عين الله إلا ابتلاه بصحبة الأحداث ومن أوال أئمتنا فى ذلك ما نقل عن سيد التابعين أبى محمد سعيد ابن المسيب رضي الله عنه وأرضاه توفى بعد سنة تسعين وقبل مائة رضي الله عنه وأرضاه اتفقوا على أن مرسلته أصح المراسيل ثقة إمام عبد صالح شيخ الإسلام انظروا ترجمته الطيبة فى السير فى الجزء الرابع صفحة سبع عشرة ومائتين ومن مناقبه كان سيدنا عبد الله ابن عمر رضي الله عنه يحيل إليه ويعلل ذلك بعلة شرعية فانتبهوا لها ثبت هذا فى كتاب المعرفة والتاريخ للإمام الأسوى وطبقات ابن سعد والأثر فى الحلية قد كان ابن عمر رضي الله عنه إذا سئل شيئا فأشكل عليه يقول سلوا سعيدا فإنه قد جال فى الصالحين هذا يسجل وله صحبة طيبة لصحابة رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يقول هذا العبد الصالح كما فى ذم الهوى صفحة ثمانية بعد المائة والأثر فى مجموع الفتاوى فى المكان المتقدم من رأيتموه يحب النظر إلى الأمرد فاتهموه من رأيتموه يحب النظر يعنى يمعن النظر يتابع إذا نظر لا يفتر طرفه ويغمض عينيه من

رأيتموه يحب النظر إلى الأمرد فاتهموه. لذلك إخوتى الكرام: الذين يبتلون فى هذه الأيام فى المدارس وفى تعليم المردان من أولاد أهل الإسلام فلينبغى أن يتقى الإنسان ربه وأن يغض طرفه ويجب أن يسرح نظره إلى يعنى الأولاد يمينا وشمالا حقيقة ينبغى هذا أن يضبط وكم حصل من مشاكل وبلايا أحيانا داخل الفصل وأحيانا خارج الفصل من شذوذ بعض المدرسين ليس من النظر هذا النظر بينه وبين الله لا يعلمه إلا الله هو الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور لكن كم قبض على مدرس يخرجه يتمسح به إما فى آخر الفصل وإما فى أول الفصل يحتك به هذا قبض بكثرة وفصل أناس وسجن أناس وعوقب أناس وبعضهم بعد ذلك يطلب منه هذا حقيقة لا بد من ضبطه ينبغى دائما أن يوضع من يدرس جيلا يخافون الله الجليل ليس أشكالهم يعنى نسأل الله العافية إذن لا بد إخوتى الكرام من وعى هذا يتواصوا دائما فيما بينهم بالحق ويتواصوا بالصبر وإلا بعد ذلك يجلس يعنى مع فصل كله من المردان والفتنة بهم أشد من الفتنة بالنسوان طيب يا إخوتى كما أنه لا يجوز الإنسان أن يدرس للنسوان وأن يختلط بهم المردان لابد لهم من ضبط لابد يعنى من يدرس للضرورة ماذا نعمل مع أنه سيأتينا بعض سلفنا ممن هو أتقى لله منا بألف مرة كالإمام مالك سيأتينا وأحمد ابن صالح المصرى والإمام أحمد ما كان يسمحون أن يحضر فى حلقتهم وفى مجلسهم أمرد..

أيضا لا بد من وعى هذا فلو ابتلى الإنسان لمصلحة شرعية لا بد من ضبط هذا بضابط شرعى ومع ذلك لا يصبح احتكاك دائما بين المدرس والطالب بسؤال خاص وكما يقال يضبط الأمر على أنه ضرورة شرعية تقدر بقدرها والإنسان يتقى ربه بعد ذلك من رأيتموه يحب النظر إلى الأمرد فاتهموه وكان هذا العبد الصالح أيضا يحذرنا من نظر خلات إلى الأمراء يقول لا تملؤا أعين الظلمة وأعوانهم إلا بإنكار من قلوبكم لكى لا تحبط أعمالكم من نظر إلى مسؤول فليكن النظر باستنكار وإلا سيحبط عمله عند العزيز القهار إن هذا متلبس بظلم وجور وبلايا ورزايا وأنت تنظر باستحسان يعنى النظر فكيف لو صار الملق والتعظيم التوبة إلى ربنا إنه أرحم..لا تملؤوا أعينكم من الظلمة وأعوانهم إلا بإنكار من قلوبكم لكى لا تحبط أعمالكم. وتقدم معنا قول سيدنا سفيان النظر إليهم خطيئة مكتوبة إلى أمراء زمانه النظر إلى أمراء زمانه خطيئة مكتوبة فماذا نقول نحن نفوض أمرنا إلى ربنا إلى هذا قال سعيد ابن المسيب رضى الله عنه وأرضاه من رأيتموه ينظر إلى الأمرد فاتهموه ومنهم..دمشق ينقل هذا عن مشيخه شيوخ له يروى فى السنن الكبرى للإمام البيهقى فى الجزء..صفحة تسع وتسعين وصفحة ثمان بعد المائة عطاء الدمشقى اسمه..سىء الحفظ حديثه فى سنن أبى داود ورواه النسائى فى فضائل سيدنا على ومشار لكم فى التقريب فى سنة ست..ابن عطاء الدمشقى.

طبت حيا وميتا

طبت حياً وميتاً (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان طبت حياً وميتاً بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. ما زلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث النبوة فى بيان التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه، وقد قدمت الكلام على أن هذه الأمور كثيرة وفيرة، يمكن أن نجملها فى أربعة أمور نتحقق بها من صدق من يدعى أنه رسول على نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه. أول هذه الأمور: النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه خَلْقاً وخُلُقا. وثانى هذه الأمور: النظر إلى دعوته ورسالته التى بعث بها ودعى إليها. وثالث هذه الأمور: المعجزات والخوارق التى أيده الله بها. ورابعها: النظر إلى حال أصحابه وأتباعه رضوان الله عليهم أجمعين.

كنا إخوتى الكرام نتدارس الشق الأول من الأمر الأول ألا وهو النظر لخَلْقالنبى عليه الصلاة والسلام وقد قلت فيما مضى إن الله أعطى رسله وأنبياءه على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه، أعطاهم الكمال فى خَلْقهم وخُلُقهم، ففى خلقهم وخلقهم كمال من جلال وجمال كما تقدم معنا، وأخذنا الشق الأول لنتدارسه وكان فى ظنى أن نجمل الكلام عليه فى موعظة أو موعظتين، لكن الدروس فيما يبدو ويظهر زادت على خمسة دروس فى الشق الأول فى بيان ما يتعلق بخَلْق النبى عليه الصلاة والسلام وجهه دلالة ذلك على أنه رسول الله حقاً وصدقاً على نبينا صلوات الله وسلامه، وهذ عليه الصلاة والسلام هـ الدروس أقول وإن طالت فى هذا الجانب فهى فى الحقيقة قطرة من البحر الذى عليه نبينا عليه الصلاة والسلام فى خَلْقه من الكمال من جلال وجمال، من ملاحة وبهاء على نبينا صلوات الله وسلامه، وإذا فاتنا أن نصحب النبى صلى الله عليه وسلم وأن نمتع العينين بالنظر إلى نور وجهه الكريم الشريف عليه صلوات الله وسلامه وفداه أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا فلا أقل من أن نطيل الحديث بعض الشىء فى وصف بدنه وخَلْقه وجسمه الشريف على نبينا صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: كما قدمت أعطى الله أنبياءه الكمال فى خَلْقهم فجعل خَلْقهم يتصف بالجمال والجلال كما تقدم معنا فعوارض البشر التى يصاب بها كثيراً من البشر بوصفهم بشرا، وبوصفهم من بنى أدم، هذا العوارض إذا كان فيها ما يشير إلى نقص قفد صان الله الأنبياء الكرام على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه عنها، فالتثائب من العوارص البشرية التى يصاب بها بنو الإنسان لكن التثلئب يصان عنه الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام لا يمكن لنبى أن يتثائب هذا يتنافى مع الجمال والجلال، مع الملاحة والبهاء، الذى يكون عليه خَلْق النبى عليه الصلاة والسلام التاثائب من الشيطان كما سيأتينا ويدل على فتور وضعف عزيمة فى الإنسان فكيف يتصف به نبينا عليه الصلاة والسلام.

وقد ثبت فى كتاب التاريخ لشيخ المحدثين الإمام البخارى والأثر رواه ابن سعد فى الطبقات وابن أبى شيبة فى المصنف عن يزيد الأصم، ويزيد المعتد فى أمره أنه من أئمة التابعين الكبار الأبرار وهو يزيد بن الأصم أبو عوف البكائى وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن سائر الصحابة الكرام الطيبين يقال له رؤية للنبى عليه الصلاة والسلام لكن لا يثبت ذلك كما قال الحافظ ابن حجر نعم هو من أئمة التابعين الأبرار وميمونة رضي الله عنها أم المؤمنين تكون خالة ليزيد بن الأصم رضي الله عنه وأرضاه وتوفى سنة 103 للهجرة وحجيثه مخرج فى صحيح مسلم والسنن الأربعة وروى عنه البخارى فى الأدب المفرد، وهذا الأثر كما قلت فى تاريخ الإمام البخارى وطبقات ابن سعد ومصنف ابن أبى شيبة عن يزيد الأصم رضي الله عنه وأرضاه قال: ما تثائب النبى صلى الله عليه وسلم قط.،

نبينا لم يتثائب عليه صلوات الله وسلامه، والأثر إخوتى الكرام مرسل وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه يحكى هذا الوصف عن نبينا عليه الصلاة والسلام لكن بما أنه لم يدركه فإذا هو له حكم الإرسال وهذا المرسل روى ما يشهد له أيضا من مرسل أخر رواه ابن أبى شيبة أيضا فى المصنف والإمام الخطابى كما قال الحافظ فى الفتح فى الجزء العاشر صفحة 613 والأثر الثانى مروى عن مسلمة بن عبد الملك الأمير وقال الحافظ فى ترجمته صدوق عندما ذكر هذا الأثر عنه فى الفتح قال إنه صدوق وحديثه مخرج فى سنن أبى داود يقول هذا العبد الصالح الأمير مسلمة بن عبد الملك الأمير يقول أيضا: ما تثائب نبى قط على وجه العموم، وأثر يزيد بن الأصم ما تثائب النبى صلى الله عليه وسلم قط، وهنا ما تثائب نبى قط، هناك يخبر عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه لم يجر منه تثائب مطقلاً منذ ولادته إلى وفاته عليه الصلاة والسلام هذا يتنافى لو تثائب مع الكمال الخَلْقى الذى جعل الله عليه أنبياءه ورسله عليهم صلوات الله وسلامه، ما تثائب النبى قط، ما تثائب نبى قط، وهناك على وجه العموم فهذه الصفة التى تكون لنبينا الميمون عليه الصلاة والسلام هى ثابتة أيضا لجميع أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه، فما تثائب أحد منهم لأن هذا يتنافى مع الكمال مع الجمال والجلال الذى جعل الله عليه أنبياءه ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام: زلا غرو فى ذلك ولا عجب فالعطاس من الله، والله يحبه، والتثائب من الشيطان والله يكرهه، وإذا كان كذلك فكيف يتصف الأنبياء على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه بخصلة هى من فعل الشيطان ووسوسته وتحريكه وهو المتسبب فيها لا يمكن أن يكون هذا أبدا.

وقد ثبت فى المسند والحديث فى صحيح البخارى ورواه البخارى فى الأدب المفرد أيضا وهو فى سنن الترمذى وأبى داود وصحيح ابن خزيمة، عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثائب، فإذا عطس أحدكم فحمد الله فحق على من سمعه أن يشمته، وأما التثائب فإنه من الشيطان فإذا جاء ذلك أحدكم، أى التثائب فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثائب وقال: ها، ضحك الشيطان منه. والحديث رواه الترمذى أيضا والحاكم وابن خزيمة فى صحيحه والحديث صحيح عن أبى هريرة أيضاً رضي الله عنه وأرضاه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثائب، العطاس من الله والتثائب من الشيطان. إذاً لا يمكن لنبى أن يتثائب على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: تقدم معنا فى الموعظة الماضية أن هذا الكمال الخَلْقى الذى جعل الله عليه أنبياءه ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، يصاحبهم فى الحياة وبعد الممات، فلا تتغير أبدانهم ولا يعتريهم ما يعترى البشر من تحلل وعفونات ونتن وغير ذلك أبدانهم طرية تثنى وهم فى قبورهم أحياء، حياة أكمل من حياة الشهداء بكثير هى حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا رب البرية وهم فى قبورهم كما تقدم معنا يصلون ويعبدون الحى القيوم، وتقدم معنا أن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء وأن أعمالنا تعرض على نبينا عليه صلوات الله وسلامه فما كان من خير حمد الله عليه وما كان من شر وسوء استفغر لنا نبينا صلى الله عليه وسلم، هذا إخوتى الكرام تقدم تقريره وكان المفروض بعد أن تدارسنا هذا أن ننتقل إلى الشق الثانى من الأمر الأول من الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، ألا وهو خُلُقُ أنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، لكن أردت أن أجعل هذه الموعظة ختام الكرم على خَلْق النبى عليه الصلاة والسلام، وسيدور هذا حول أمرين اثنين. الأمر الأول: حول تنبه على أمر يتعلق بما مضى حول خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام. والأمر الثانى: عظم المصيبة على هذه الأمة بفقد خَلْق النبى عليه الصلاة والسلام وبدنه عندما انتقل إلى جوار ربه على نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: أما الأمر الأول الذى سأذكره فى هذه الليلة تقدم معنا أن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء وذكرت الأحاديث التى تقرر هذا وتدل عليه، وأن النبياء أحياء فى قبورهم يصلون، هذا الحديث جرى بينى وبين بعض ما أعلم ما أعبر عنه بعض الشيوخ أو بعض الضآلين جرى بينى وبينه كلام حول هذا الحديث وهو فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، فلما ذكرت له هذا الحديث وهو حديث أوس بن أوس الذى تقدم معنا، إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء، قال لى: الحديث ضعيف قلت: صححه أئمتنا ولا نزاع بينهم فى ذلك، قال: من صححه؟ قلت شيخ الإسلام الإمام النووى من جملة من صححه، قال: النووى متمذهب لا يؤخذ بكلامه، قلت فما علة الحديث عندك؟ حتى ــ من يدعى فى هذه الأيام أنه على السنة وأنه صاحب حديث وهو فى الحقيقة على بدعة وصاحب حدث، وكان أئمتنا الكرام يقولون كما هو قول وكيع بن الجراح شيخ الإمام الشافعى عليهم جميعاً رحمة الله، يقول: من طلب الحديث كما هو نفعه الله، ومن طلب الحديث ليؤيد به رأيه فهو مبتدع........ يطلب الحديث لكن فى ذهنه هوى ورأى وأمر من الأمور يريد أن يتصيد من السنة ما يقرره وبعد ذلك ما يخالفه يرده، ليست هكذا دراسة ومدارسة حديث نبينا عليه صلوات الله وسلامه.،

إخوتى الكرام: هذا الحديث كما قلت، حديث صحيح ويدل على هذا الأمر ألا وهو أن أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض ولا تبلى على نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهذا الذى يقول هذا الكلام لا يوجد فى هذه الحياة من يقدر الأمور حق قدرها ويحاسب كل إنسان على كلامه لضربت رقبته وإلقى بين رجليه وعلق بعد ذلك مصلوباً أمام الناس عندما يقول هذا الكلام الذى فيه طعن بنبينا عليه الصلاة والسلام ألا وهو أن السادة الأنبياء تبلى كغيرهم، لا يا عبد الله، وقد جرى من بعض أئمتنا الكرام فى القرن الأول فى العصر الأول فى القرن الثانى للهجرة ألا وهو وكيع الذى ذكرته الآن وهو شيخ الإسلام توفى سنة 197 للهجرة وكما قلت: هو شيخ الإمام الشافعى وهو من الأعلام من أئمة الهدى جرت منه ذلة، سأذكرها لكم، وهذه الذلة رواها لكن روى الحديث ضعيفا يشير إلى أن نبينا عليه الصلاة والسلام بعد موته إنتفخ بطنه وانثنت خنصراه، خنصر الإنسان وهما أصبعان معروفان، يقول: إنثنى خنصراه وصار فى بطنه شىء من الإنتفاخ فأفتى شيخ أهل مكة فى ذلك الوقت الذى تقدم معنا ذكره فى الموعظة الماضية عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى رواد وهو فى الإسناد حياتى خير لكم ومماتى خير لكم فلا تغفلوا أفتى بأن تضرب رقبة وكيع بن الجراح وأخذ وحبس وقد أصر الأمير على ضرب رقبته من أجل رواية رواها وما قال هذا رأى، لماذا رواها؟ حتى تدخل سفيان بن عيينة إمام الحرم المكى لهذا الأمير وتوسط فى إخراجه وقال: هذا الحديث رويناه وما روى لى سفيان بن عيينة، إنما قال هذا من أجل تخليص هذا العبد الصالح من أجل ذلة ذلها فى كلامه عندما روى هذه الرواية التى هى ليست ثابتة، فاستمعوا إخوتى الكرام إلى هذا الأمر وقارنوا بين ما يقع من هذا الإمام فى ذلك العصر وبينما يقع فى هذا العصر، إمام من شيوخ أهل السنة الكرم روى عسى أن يمكن أن يؤل إنتفاخ البطن من مرض يمكن أن يقع والإنسان إذا مرض يعنى

أصابعه تذبل وإذا خرجة روح الإنسان من بدنه أصابعه تميل يعنى فى هذا منقصة، لكن لما كان ظاهر الخبر يشعر بأن النبى عليه الصلاة والسلام تغير بعد موته عما كان عليه فى حياته قال ينتقص النبى عليه الصلاة والسلام فلاجزار له إلا ضرب الرقبة، إستمع إلى ما يقوله الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء فى الجزء التاسع صفحة 159، فما بعدها محنة وكيع، يقول: تورط فيها ولم يرد إلا خيرا، ولكن فاتته سكتتة، يعنى ليته سكت، وليس كل ما ينقل يروى، إذا لم يكن ثابتا وفيه غب ومنقصة من منصب النبى عليه الصلاة والسلام فاسكت عنه.. سبحان الله نحن الآن نروى نرد ما هو ثابت، كما تقدم معنا حديث حياتى خير لكم ومماتى خير لكم، ماذا أقول؟ جاء بعض المخرفين فى هذا الوقت وقال: إنه حديث موضوع أما تتقى الله موضوع أما تتقى الله.

فاستمع هنا، يقول: ولم يرد إلا خيرا ولكن فاتته سكتة، أى ما لزم الصمت والسكوت، وقد قال البنى عليه الصلاة والسلام كفى بالمرء غثماً أن يحدث بكل ماسمع، وهذا أثر مروى عن نبينا عليه الصلاة والسلام فى مقدمة صحيح مسلم ورواه أبو داود فى سننه، فليتقى عبد ربه ولا يخافن إلا ربه، قال على بن خشرم، قال حدثنا وكيع عن اسماعيل بن أبى خالد عن عبد الله البهى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين، جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم بعدوفاته فأكب عليه فقبله وقال بأبى وأمى يا ما أطيب حياتك وميتتك،.

ثم قال البهى: وكان ترك يوماً وليلة، بل ترك يومين وليلتين عليه صلوات الله وسلامه لإنشغال الأمة بأمر الخلافة ومن كان لأمر المسلمين حتى ربى بطنه وانثنت خنصراه، صار فى بطنه انتفاخ وخنصراه مالتان نحو الأرض، قال ابن خشرم: فلما حدث وكيع بهذا بمكة اجتمعت قريش وأرادوا صلب وكيع ونصبوا خشبة لصلبه وجاء سفيان بن عيينة فقال لهم: الله الله هذا فقيه أهل العراق وابن فقيههم وهذا حديث معروف، قال سفيان: ولم أكن سمعته إلا أنى أردت تخليص وكيع، كأنه يقول: هذا منقول، وهذا إذا لم يثبت فالجناية على من رواه يعنى لا دخل لوكيع فيه، قال على بن خشرم: سمعت الحديث من وكيع بعد ما أرادوا صلبه فتعجبت من إثارته، وأخبرت أن وكيعاً احتج فقال: إن عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر قالوا: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد الله أن يريهم آية الموت، يعنى وكيع ما كفى أنه روى الأثر وليس بصحيح كما سيأتينا كلام الذهبى، عندما جاءوا وقالوا: كيف تروى هذا؟، قال: لا إشكال النبى عليه الصلاة والسلام مات، لكن بعض الصحابة عندما شكوا فى موته منهم عمر رضي الله عنهم أجمعين، لهول المصيبة وشدة الواقع، أراد الله أن يريهم آية فى بدن النبى عليه الصلاة والسلام بأنه مات فانثنت خنصراه، يعنى ذبل وظهرت عليه علامة الموت، رواه أحمد بن محمد بن على بن رزين، قال: حدثنا على بن خشرم وروى الحديث عن وكيع قتيبة بن سعيد، يقول الإمام الذهبى: فهذه ذلة عالم فمل لوكيع ولرواية هذا الخبر المنكر المنقطع الإسناد، كدت نفسه أن تذهب خلطا والقائمون عليه معذرون بل مأجرون، فإنهم تخيلوا من إشاعة هذا الخبر المردود غضبا ما لمنصب النبوة، وهو فى باب الرأى يوهم ذلك لكن إذا تأملته فلا بأس إن شاء الله بذلك، فإن الحى قد يربوا جوفه يعنى ينتفخ يعنى يصاب بمرض والنبى عليه الصلاة والسلام كان يصاب بالأعراض البشرية التى تزيد فى أجره ورفعة قدره عند الله جل

وعلا من مرض وهذا يعنى لرفع درجاته وليس فى ذلك منقصة وليس هذا من الشيطان فإن الحى قد يربوا جوفه وتسترخى مفاصله، وذلك تفرع من الأمراض يعنى نوع من المرض وأشد الناس بلاء الأنبياء، وهذا قطعة من حديث صحيح أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان فى دينه صلابة إشتد بلاءه وإن كان فى دينه رقة أبتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة، رواه الإمام الترمذى ورواه ابن ماجة وأحمد فى المسند والدارمى وابن حبان، صححه ابن حبان وعدد من أئمتنا الكرام وهكذا الإمام الترمذى. وإن من المحذور أن تجوز عليه يعنى على النبى عليه الصلاة والسلام أن تجوز عليه تغير سائر موتى الأدمين ورائحتهم، هذا محظوريعنى تقول يتغير كما يتغير الأدميون ويمكن كما يمكنون، هذا هو المحظور، والمحظور أن تجوز أكل الأرض لأجسادهم، هذا محظور، ولو قلت نضرب رقبتك، فهذه منقصة فى حق النبى عليه الصلاة والسلام وأنت تنتقصه بذلك والنبى عليه الصلاة والسلام مفارق لسائر أمتة فى ذلك فلا تأكل الأرض بدنه ولا يتغير ولا يمكن عليه صلوات الله وسلامه.

قال الذهبى: فلا يبلى ولا تأكل الأرض جسده ولا يتغير ريحه بل هو الآن وما زال أطيب ريحاً من المسك وهو حى فى لحده حياة مثله فى البرزخ، يعنى حياة الأنبياء الذين هم يحيون فى البرزخ حياة اكمل من حياة الشهداء التى هى أكمل من حياة سائر النبيين وحياتهم بلا ريب أتم وأشرف من حياة الشهداء الذين هم بنص الكتاب أحياء عند ربهم يرزقون، وهؤلاء حياتهم الآن التى فى عالم البرزخ حق ولكن ليست هى حياة الدنيا من كل وجه ولا حياة أهل الجنة من كل وجه يعنى ليست حياة الأنبياء فى البرزخ كحياة أهل الدنيا فلا يأكلون ولا يشربون وليست كحياة أهل الجنة من كل وجه، إن هناك أيضا أكل وشرب ويعنى إتصال بما أحل الله هذا يمنع منه الأنبياء لكن كما قلت أبدانهم تبقى ويعبدون الله وهذه أشرف حياة تكون للإنسان ولهم شبه بحال أهل الكهف أو شبه بحال أهل الكهف، ومن ذلك إجتماع أدم وموسى لما احتج عليه السلام وحجه أدم بالعلم السابق كان اجتماعهما حقا، وهما فى عالم البرزخ وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أخبر أن رأى فى السماوات أدم وموسى وإبراهيم وإدريس وعيسى وسلم عليهم، وطالت محاورته مع موسى هذا كله حق فى حديث الإسراء الطويل، والذى منهم لم يذق الموت بعد هو عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد تبرهن لك ان نبينا عليه الصلاة والسلام ما زال طيباً مطيبا وان الأرض محرم ألك أجساد الأنبياء وهذا شىء سبيله التوقيف وما عنف النبى صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لما قالوا له بلا علم: وكيف تعرض صلاتك عليك وقد أرمت، يعنى بليت، قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وتقدم معنا فى الموعظة الماضية، اقول، وهذا بحث معترض فى الإعتذار عن إمام من أئمة المسلمين وقد قام فى الدفع عنه مثل إمام الحجاز، سفيان بن عيينة، ولولا أن هذه الواقعة فى عدة كتب فى مثل تاريخ الحافظ ابن عساكر وفى كامل الحافظ ابن عدى لعرضت عنها جملة، يعنى للألا

يكون حول هذا الإمام يعنى شىء من الغبش والتشويش، لكن هذه مسطورة، ومزبورة فى الكتب التى ترجمته، فأنا أريد أن أحمل كلامه على محمل حسن وأنا أقول هذه ذلة ولا داعى بعد ذلك يعنى أن ندلل وأن نتهجن، يقول: ففيها عبرة حتى قال الحافظ يعقوب الفسوى فى تاريخه وفى هذه السنة حدث وكيع بمكة عن ابن أبى خالد عن البهى فذكر الحديث ثم قال: فرفع ذلك إلى العثمانى يعنى إلى أمير مكة الحاكم فحبسه وعزم على قتله ونصبت خشبة خارج الحرم وبلغ وكيع وهو محبوس قال الحارس بن صديق فدخلت عليه لما بلغنى يعنى الخبر، وقد سبق إليه الخبر، قال: وكان بينه وبين ابن عيينة يوم إذا متباعد، يعنى يوجد شىء من الإفتراق والبعد، فقال لى: ما أرانا إلا قد اضطررنا إلى هذا الرجل، من الذى يقول؟ وكيع يقول: نحن الآن بحاجة إليه وهذا شيخ الحرم المكى واحتجنا إليه فقلت: دع هذا عنك فإن لم يدرك قتلت، يعنى ليس الآن تقول نحن ما ورانا إلا محتاجين دعك الآن من هذا الكلام ويعنى التسويف، أسرع بالإرسال إلى ابن عيينة ليتدارك الأمر، فأرسل إلى سفيان وفزع إليه، فدخل سفيان على العثمانى، يعنى متولى مكة فكلمه فيه والعثمانى يأبى عليه، فقال له سفيان " إنى لك ناصح، هذا رجل من أهل العلم وله عشيرة وولده بباب أمير المؤمنين، يعنى الخليفة فى بغداد، فتشخص لمناظرتهم يعنى اذهب إلى هناك وتفاهم معهم أو إذا قتلته سيذهب بك إلى هناك، قال: فعمل فيه كلام سفيان، أثر فى الأمير، فأمر بإطلاقه، فرجعت إلى وكيع فأخبرته فركب حماراً وحملنا متاعه وسافر فدخلت على العثمانى من الغد فقلت: الحمد لله الذى لم تبتلى بهذا الرجل، الحمد لله الذى يعنى ما جعلك تبتلى بهذا الرجل وسلمك الله، فقال: يا حارث ما ندمت على شىء ندامتى على تخليته، خطر ببالى هذه الليلة حديث جابر بن عبد الله أكرم بهذا الأمير، حولت أبى والشهداء بعد ستة وأربعين سنة فوجدناهم رطابا يثنون لم يتغير منهم شىء، أمير مكة يقول: أنا الآن

بعد أن أطلقته ندمت يعنى هذا لا زال يستحق ضرب الرقبة، يقول: أنا لما أطلقته رجعت إلى بيتى فى الليل فتذكرت حديث جابر، وأذكر لكم حديث جابر فى أنه عندما ذهب ليخرج والده عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنهم أجمعين، وهو من شهداء أحد أن يغير قبره عندما جاء السيل وجرفهم، جاء بعد ست وأربعين سنة، هذه حادثة ثانية من تغيير عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر، وسبقتها حادثة سأذكرها إن شاء الله، بعد ست وأربعين سنة وجده لوالده ولعمرو بن الجموح أيضا، وجد هذين الصحابين الجليلين عندما نبش السيل قبريهما رطابا يتثنون كأنهم وضعوا هذه الساعة، وكان عبد الله والد جابر قد اصيب فى وجهه فجرح فلما استشهد وضع اصبعه على وجهه يقول فلما حولنا قبره ويعنى فى القبر بعد أن جرفهخ السيل رفعت يده فانبعث الدم منها بدأ يسيل، بعد ست وأربعين سنة، فأعدت اصبعه إلى مكان الجرح فو قف الدم، فالأمير يقول: إنا تذكرت هذا الحديث، إذا كان الشهداء ما ثنيت أجسامهم ولا بليت، فكيف بخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، يقول: أنا ندمت على تخليتى وكيع وليتنى ضربت رقبته، وهو شيخ المسلمين وما قال: إن الأرض أكلت أبدانهم ولا أنثنوا ولا تغيروا إنما قال: انثنت خنصراه، بعد ان أخر دفنه، وهذا من ذبول الموت لا بد منه، يعنى الإنسان عندما يكون حيا فيه هذا النشاط ويحرك اصابعه إذا نام يذبل، وإذا مات يذبل لكن بدون عفونة وتغير ونتن وثناء جسم، هذا كله ما حصل على عليهم، مع ذلك يقول الأمير: أنا ندمت على تخليتى هذا، ليتنى ضريت رقبته تعظيماً لرسول عليه الصلاة والسلام. إخوتى الكرام قصة عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهم أجمعين ثابتة فى صحيح البخارى وهذا فى التغيير الأول ونقلهم فى المرة الأولى، وقد أشار إليه البخارى فى كتاب الجنائز باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟

وفى الحديث أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين أخرج والده بعد دفنه بستة أشهر، لكن السبب فى الإخراج هنا؟ أنه دفن مع عمرو بن الجموح وكان صاحبا لعبد الله والد جابر، وكان عمرو بن الجموح أيضا زوجاً لإخت عبد الله والد جابر، فهو زوجة عمت جابر بن عبد الله، دفن فى قبر واحد والنبى عليه الصلاة والسلام قال: كانا متأخيين متصاحبين فى الحياة فدفنوهما فى قبر واحد، عمرو بن الجموح وعبد الله والد جابر، بعد ستة أشهر يقول جابر: ما طابت نفسى أن يكون والدى مع أخر فى قبر واحد فأرت أن أكرم والدى، ليكون كل واحد فى قبر كما أن الإنسان فى الحياة يستريح إذا كان فى بيت بمفرده وما يضايقه أحد فى حجرته، يريد أن يجعل والده بعد الممات كذلك فجاء وفتح عن القبر، فأخرج والده ودفنه بجوار قبر عمرو بن الجموح رضي الله عنهم أجمعين، هذا بعد ستة أشهر وألأثر فى صحيح البخارى، يقول: فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته، ما تغير منه شىء رضي الله عنه وأرضاه، والإستخراج الثانى كان بعد ست وأربعين سنة، جاء السيل فخرق القبرين على بعضهما وهدم القبرين، فصار كأنهما قبر واحد، فجاء الصحابة غلى جابر وقالوا: أدرك والدك فقد جرفه السيل، الأثر فى الموطأ، ورواه الحاكم فى المستدرك والطبرانى فى معجمه الكبير ورواه ابن سعد فى الطبقات وإسناد الأثر كما قال الحافظ صحيح رجاله ثقات، يقول وبوب عليه البخارى فى كتاب الجهاد: باب الدفن فى قبر واحد للضرورة، وفيه يقول جابر بعد ستٍ وأربعين سنة: فأخرجتهما يعنى والده وعمرو بن الجموح لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس وفى رواية ابن إسحاق فى المغازى فأخرجناهما يتثنيان تثنى كأنهما دفنا بالأمس، إذا هذا حديث فى حق الصحابة الكرام ما تغيرت أبدانهم بعد ست وأربعين سنة فى حر الحجاز، فكيف إذاً حال النبى عليه الصلاة والسلام، إذاً وكيع كأنه بهذه الرواية عمل جناية لا بد من ضرب الرقبة لاإله إلا الله، ووالد جابر وهو عبد الله

رضي الله عنه وأرضاه له منزلة عالية عند الله جل وعلا كما أخبر عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ففى المسند والصحيحين وسنن النسائى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما قُتل والدى يوم أُحد ومثل المشركون به، جئت فكشفت عن وجهه وقبلته وبدأت أبكى، فجعل الصحابة ينهونى عن البكاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهانى، ثم جاءت عمتى وهى زوجة عمرو بن الجموح رضي الله عنهم أجمعين، فبدأت تبكى، فقال لها النبى صلى الله عليه وسلم: تبكيه أو لا تبكيه..وفى روايةٍ تبكين أو لا تبكين، وفى روايةٍ لا تبكيه..فوالذى نفسى بيده ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها رفعتموه، يعنى حتى رُفع ووُرى رضي الله عنه وأرضاه فى ترابه، الملائكة تظله بأجنحتها، وقد كلم الحق جل وعلا والد جابر رضي الله عنهم أجمعين، كلمه كفاحاً بعد إستشهاده أى مشافهة من غير حجاب ولا حاجز. ثبت الحديث بذلك فى سنن الترمذى وقال حسن غريب ورواه الإمام ابن ماجه فى سننه والحاكم فى مستدركه وصححه ووافقه عليه الذهبى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين: ألا أُبشرك بما لقى الله به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال إن الله لم يكلم أحداً إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحاً، فقال: عبدى تمنى على أعطك، ماذا تريد؟ تمنى على أُعطك، فقال: ربى أُريد أن تعيدنى إلى الحياة الدنيا لأقتل فيك ثانيةُ، قال: قد سبق القول منى بأنهم إليها لا يرجعون، قلت: فأخبر من ورائى، فأنزل الله {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} .

وكان هذا العبد الصالح أعنى عبد الله والد جابر هو أول مقتول فى موقعة أُحد وهو الذى تفرس بذلك كما فى مسند الإمام أحمد وغيره قال لولده لولا أننى سأخلف تسعة بنات بعدى لقدمتك بين يدى لتقتل وما أحد أخلفه أعز على منك بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام أنت بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، أما هو أعز الخلق عليه صلوات الله وسلامه فأريد أن تبقى من أجل البنات من أجل أخواتك وما أرانى إلا أول مقتول، أنا أتوقع أن من سيقتل فى هذه الموقعة هو أنا وكان كذلك رضي الله عنه وأرضاه، فالأمير أمير مكة، لما تذكر قصة هؤلاء فى الليلة ندم على تخلية وكيع، ثم قال الفسوى: فسمعت سعيد بن منصور يقول: كنا بالمدينة فكتب أهل مكة إلى أهل المدينة بالذى كان من وكيع، لما خرج وكيع من مكة ندم أهل مكة على تخلية وكيع، فكتبوا إلى أهل المدينة، يقول: تداركوا الأمر إذا جاءكم أقتلوه واصلبوه، وقالوا: إذا قدم عليكم فلا تتكلوا على الوالى وارجموه حتى تقتلوه، قال: فعرضوا علىّ ذلك وبلغنا الذى هم عليه فبعثنا بريدا إلى وكيع ألا يأتى المدينة، ويمضى من طريق الربدة، وكان قد جاوز مفرق الطريقين، فلما أتاه البريد رده، أى من الذهاب إلى المدينة ومضى إلى الكوفة، يقول: ونقل الحافظ ابن عدى فى ترجمة عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبى رواد، أنه هو الذى أفتى بمكة بقتل وكيع، وقال ابن عدى: أخبرنا محمد بن عيسى المروزى فيما كتب إلىّ قال: حدثنا أبى عيسى بن محمد قال: حدثنا العباس بن مصعب قال حدثنا قتبة قال حدثنا وكيع، قال حدثنا اسماعيل بن أبى خالد فساق الحديث ثم قال، قال قتبة حدث وكيع بمكة بهذا سنة حج الرشيد، هارون الرشيد، فقدموه إليه فدعى الرشيد سفيان بن عيينة وعبد المجيد بن أبى رواد، فأما عبد المجيد فإنه قال: يجب أن يقتل فإنه لم يروى هذا إلا من فى قلبه غش للنبى صلى الله عليه وسلم، وقال سفيان: لا قتل عليه رجل سمع حديثا فأرواه يعنى فنقله ورواه والمدينة

شديدة الحر توفى النبى صلى الله عليه وسلم فترك ليلتين لأن القوم فى إصلاح أمر الأمة واختلفت قريش والأنصار فمن ذلك تغير أى التغير الطبيعى الذى إنثناءه كما قلت الخنصرين، قال قتبة: فكان وكيع إذا ذكر فعل عبد المجيد، يعنى أنه أفتى بقتله وضرب رقبته قال: ذاك جاهل سمع حديثاً لم يعرف وجهه فتكلم بماتكلم، يقول: أنا ما أردت إنتقاص النبى عليه الصلاة والسلام، وليس فى قلبى غش إنما هذه كالمرض الذى يصاب به الإنسان بطن صار شىء من الإنتفاخ من حر الحجاز وخنصران إنثنتى، لا أقول تعفن ولا تغير ولا بلى، قلت: إنتبه لكلام الذهبى، حكى كلام وكيع فى عبد المجيد وأن عبد المجيد جاهل كيف يقول من يقول هذا فى قلبه غش على النبى عليه الصلاة والسلام، قلت: فرضنا أنه ما فهم توجيه الحديث على متزعم، مافهم أن مرادك مما ذكرته من أثر أن هذا تغير طبيعى كالمرض، أفما لك عقل وورع أنت، إفرض أن عبد المجيد ما فهم مرادك أفمالك عقل وورع أنت؟ أما سمعت قول الإمام على حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، والأثر تابت عن على فى صحيح البخارى، أما سمعت فى الحديث ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم غلا كان فتنة لبعضهم، ثم إن وكيعاً بعدها تجاسف وحج وأدركه الأجل بسيد بليدة فى نصف طريق مكة من الكوفة ولكن لو دخل مكة هل سيترك أم لا؟ العلم عند الله، يعنى تجاسف مع ذلك أراد أن يحج ثانية لكنه توفى فى منتصف الطريق ولم يدخل مكة ولعل الله أراد به خيرا للألا يقال: قتل من أجل غش فى قلبه نحو النبى عليه الصلاة والسلام وهو برىء من ذلك.

إخوتى الكرام: هذا الأثر وكما قلت ما جرى من وكيع ذلة والأثر لا يثبت كما تقدم معنا، ضعيف ومنقطع، ولكن لا نشنع عليه بذلك إنما لنعلم أن الذى يقول إن بدن النبى عليه الصلاة والسلام ينتن ويبلى فى قبره بعد موته ينبغى أن تضرب رقبته بالإتفاق، إذا كان هذا روى أثراً يقول: هذا ليس فيه إشارة إلى بلى جسده ولا إلى تعفن بدنه، إنما هذا كالمرض الذى يصيب الإنسان عند الموت حصل إنتفاخ من شدة الموت وسكراته وانثناء الخنصر عندما مات عليه الصلاة والسلام.

الإمام الذهبى تعرض إلأى هذا أيضاً فى ميزان الإعتدال عند ترجمة عبد المجيد بن أبى رواد، يقول هنا: ونقم على عبد المجيد أنه أفتى الرشيد بقتل وكيع والحديث حدثناه قتبة، قال: حدثنا وكيع عن اسماعيل بن أبى خالد عن عبد الله البهى، وتقدم معنا، قال قتيبة حدث به وكيع بمكة وكان سنة حج فيها الرشيد، فقدموه إليه فدعى الرشيد سفيان بن عيينة وعبد المجيد فقالا يجب أن يقتل، وعبد المجيد فقال يعنى عبد المجيد قال: يجب أن يقتل فإنه لم يروى هذا إلا وفى قلبه غش للنبى صلى الله عليه وسلم، فسأل الرشيد سفيان فقال: لايجب عليه قتل رجل سمع شيئاً فرواه والمدينة شديدة الحر، توفى النبى عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين فترك إلى ليلة الأربعاء، قلت: النبى صلى الله عليه وسلم سيد البشر وهو بشر يأكل ويشرب وينام ويقضى حاجته ويمرض ويتداوى فهو فى هذا كسائرالمؤمنين عليه صلوات الله وسلامه، يعنى هذه أعراض بشرية تعتريه كما يعترى غيره من أكل من شرب من قضاء حاجة من نوم، فلما مات بأبى هو وأمى صلى الله عليه وسلم عمل به يعمل بالبشر من الغسل والتنظيف والكفن واللحد والدفن، إنتبه لكن ما زال طيباً مطيباً حياً وميتاً، وارتخاء أصابعه المقدسة وانثناءها وربو بطنه ليس معنا نص على انتفاءه والحى قد يحصل له ريح وينتفخ منه جوفه يعنى غازات ريح يعنى غازات تنتفخ منها الجوف، فلا يعد هذا إن كان قد وقع عيبا، لكن الأثر كما تقدم معنا لا يثبت وإنما معنا نص على أنه لا يبلى وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل ويقع هذا لبعض الشهداء رضي الله عنهم أما من روى حديث عبد الله البهى ليغض به من منصب النبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا زنديق بل لو روى الشخص حديثا، إن النبى صلى الله عليه وسلم سحر وحاول بذلك تنقصا كفر وتزندق، يعنى إذا روى حديث سحر النبى عليه الصلاة والسلام وقال: بشر ناقص يمتهن، هذه منقصة فى حقه يقصد تحقير النبى

عليه الصلاة والسلام فقد كفر وكُفِرَ وتزندق، وكذا لو روى حديثا أنه سلم من اثنتين فى صلاته وعندما أقصرت الصلاة أم نسيت، وقال: ما درى كم صلى يقصد بقوله شينه ونحو ذلك كفر، فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فالغلو والإطراء منهى عنه والأدب والتوقير واجب، فإذا اشتبه الإطراء بالتوقير توقف العالم وتورع وسأل من هو أعلم منه حتى يتبين له الحق فيقول به وإلا فالسكوت واسع ويكفيه التوقير المنصوص عليه فى أحاديث لا تحصى وكذا يكفيه مجانبة الغلو الذى ارتكبه النصارى فى عيسى ما رضوا له بالنبوة حتى رفوعوه إلى الإلاهية وإلى الوالدية وانتهكوا رتبة الربوبية الصمدية فضلوا وخسروا، فإن لعل الوالدية هنا غلط لعله الولدية، إلى ألإلهية وإلى الولدية، يعنى إلى أنه ولد لله جل وعلا، أما الوالدية ما يظهر لها وجه والعلم عند الله، أما هم كونهم يقولون له أبوأو كذا ليس فى هذه منقصة إنما إلى الولدية يعنى رفعوه إلى الإلهية وإلى يقصد الولدية أنه ولد لله، أما الوالدية لا تصلح، على كل حال وانتهكوا رتبةالربوبية الصمدية فضلوا وخسروا، فإن إطراء رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدى إلى إساءة الأدب على الرب، نسأل الله أن يعصمنا بالتقوى وأن يحفظ علينا حبنا للنبى صلى الله عليه وسلم كما يرضى. إخوتى الكرام: للحادثة أردت أن أذكرها لتكون لنا عبرة ولنعلم بعد ذلك الذين يدعون فى هذه الأيام انه على سنة النبى عليه الصلاة والسلام وينفون سنته ويردون ما صح من حديثه بما لا يند له وهذا حديث موضوع وذاك حديث باطل وذاك صححه النووى مخرف وهذا متمذهب، يعنى والإسلام ممن يؤخذ؟ يؤخذ منكم الذين جئتم فى أخر هذا الزمان نسأل الله حسن الختام.

إخوتى الكرام: هذا الأمر الأول الذى أردت أن أنبه عليه فالنبى عليه الصلاة والسلام طيب مطيب، سواء كان حيا أو ميتا عليه الصلاة والسلام، وكمال الخلق ثابت فى حياته وبعد مماته عليه صلوات الله وسلامه. أما الأمر الثانى: هذا الجسد الطيب الطاهر الشريف العظيم المبارك الذى جمع جلالاً وجمالا ملاحة وبهاء على نبينا صلوات الله وسلامه، هذا الجسد الذى كتب الله علينا ألا ندركه فى هذه الحياة ولا نمتع العينين بالنظر إليه حقيقة هذه مصيبة نزلت علينا، والله لا يعدلها مصيبة على وجه الأرض، ما أصيب المؤمنون بمصيبة كمصيبتهم بموت نبيهم عليه صلوات الله وسلامه، وهذه المصيبة نحتسبها عند الله وهى أجل المصائب عندنا فقد نبينا عليه الصلاة والسلام فنسأله أن يثيبنا عليها أعظم الثواب وألا يرضى لنا ثوابا إلا بالإجتماع مع نبينا عليه الصلاة والسلام فى جنات النعيم مع عباده المقربين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتى الكرام: وقد قرر أئمتنا مشايخ الإسلام هذا وبينوا أن أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون، أعظم مصيبة أصيبوا بها فى هذه الحياة فقد النبى عليه الصلاة والسلام وموته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى إلى جوار ربه على نبينا صلوات الله وسلامه، قرر هذا أئمتنا كما قلت قاطبة، منهم شيخ الإسلام الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد المندجى، الذى توفى سنة 785 للهجرة فى كتابه تسلية أهل المصائب، فانظروا إخوتى الكرام هذا الكتب وانظروا كلامه فى صفحة 18 حيث قرر أن أعظم المصائب على المسلمين موت النبى الكريم على نبينا صلوات الله وسلامه، وقرر هذا الإمام السفارينى أيضا فى غذاء الألباب شرح منظومة الأداب فى الجزء الثانى صفحة 535، وتوفى سنة 1188 للهجرة عليه رحمة الله وقرر هذا شيخ الإسلام الإمام البيهقى فى كتابه دلائل النبوة فى الجزء السابع صفحة 265 وغالب ظنى أن وفاة الإمام البيهقى سنة 458 للهجرة عليهم جميعا رحمات رب العالمين قرروا أن أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون فى هذه الحياة هى موت خير البريات عليه صلوات الله وسلامه وانتقاله إلى جوار ربه، وهذا الأمر أشار إليه نبينا عليه الصلاة والسلام ففى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى وشرح السنة للإمام البغوى وقال الترمذى حسن غريب، وقد حسن الحديث الحافظ المنذرى أيضا فى الترغيب والترهيب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من كان له فرطان من أمتى أدخله الله بهما الجنة، فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها: ومن كان له فرط يا رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: ومن كان له فرط يا موفقه، قالت: فمن لم له فرط من أمتك، قال: أنا فرط من لا فرط له، فإنه لم يصابوا بمثلى عليه صلوات الله وسلامه، من كان له فرطان أى قدم له ولدين من أولاده توفى قبل الحنث والبلوغ يدخله الله بهما الجنة، سبقاه ولدان، فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها: ومن كان له ولد واحد قدمه بين يديه، قال:

ومن كان له فرط يكون سبب فى دخوله الجنة، فقالت: فمن لم يكن له فرط من أمتك، ما مات له ولد من أولاده أو ما تزوج أو تزوج وما رزق أولادا فما حاله عند الله، المصيبة العظمى أعظم من موت الآباء والأبناء والامهات والأزواج والإخوة والأخوات موت خير البريات عليه الصلاة والسلام، قال: أنا فرط من لا فرط له، فإنه لم يصابوا بمثلى على نبينا صلوات الله وسلامه. وثبت فى سنن ابن ماجة وبوب عليه فى الجنائز باب الصبر على المصيبة، والأثر عن أمنا عائشة رضي الله عنها والأثر المتقدم يشهد لهذا وستأتى آثار كثيرة بمعناه، قالت: فتح النبى صلى الله عليه وسلم بابا بينه وبين الناس فى مرض موته أو كشف سترا، فتح الباب وكشف الستر الذى بينه وبين الناس بين حجرته وبين الناس فى مسجده على نبينا صلوات الله وسلامه، يقول: فإذا هم وراء أبى بكر رضي الله عنه يصلون والنبى عليه الصلاة والسلام فى مرضه فى بيته عليه صلوات الله وسلامه ففتح الباب وكشف الستر ونظر إليهم فإذا هم وراء أبى بكر يصلون، فحمد الله على ما راءه من حسن حالهم ورجى أن يخلفه الله فيهم بالذى راءه، ثم قال عليه صلوات الله وسلامه أيما احد من المسلمين أصيب بمصيبة فاليتعزى بى، فاليتعزى بمصيبتى عن مصيبته بغيرى، فإن أحدا من أمتى لن يصاب بعدى بمثل مصيبتى عليه صلوات الله وسلامه، إذا هو عزائنا فيما يقع علينا من مصائب عليه صلوات الله وسلامه لنتعزى به لم يصب المسلمون بمصيبة كمصيبتهم بموت نبيهم على نبينا صلوات الله وسلامه، ولذلك لما توفى ولد لبعض الناس وكان إسم الولد محمد، كتب إليه بعض الناس يعزيه فى ولده فقال له: اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بان المرء غير مخلد أوما تر ى أن المصائب جمة ... وترى المنية للعباد بمرصد من لم يصب ممن ترى بمصيبة ... هذى سبيل لست فيها بأوحد فإذا ذكرت محمداً (يعنى ولده) ومصابه فاذكر مصابك بالنبى محمد عليه الصلاة والسلام

لم يصب أحد بعد النبى عليه الصلاة والسلام بمصيبة كمصيبته بموت النبى عليه الصلاة والسلام وفقده. والحديث إخوتى الكرام رواه الطبرانى فى معجمه الأوسط وانظروا مجمع الزوائد فى الجزء التاسع صفحة 37 ورواه الإمام البيهقى فى دلائل النبوة فى الجزء السابع صفحة 202 عن أمنا عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: كشف النبى صلى الله عليه وسلم الستر فرأى الصحابة يصلون وراء أبى بكر رضي الله عنهم أجمعين فقال: الحمد لله إنه لم يمت نبى حتى يأمه رجل من أمته ما قال عليه الصلاة والسلام من أصيب بمصيبة فليتعزى بى عن مصيبته بغيرى عليه صلوات الله وسلامه. والحديث إخوتى الكرام رواه الإمام مالك فى الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم ورواه ابن سعد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد بن أبى بكر رضي الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [ليعزى المسمين فى مصائبهم المصيبة بى فإنهم لن يصابوا بمثلى] ، والأثر رواه ابن سعد فى الطبقات عن عطاء مرسلا رضي الله عنه وأرضاه أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [إذا أوصيب أحد بمصيبة فليذكر مصيبته بى فإنها أعظم المصائب] ، والأثر رواه ابن سعد أيضا ورواه البيهقى فى دلائل النبوة، عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [سيعزى المسلمين من بعدى التعزية بى] ، قال أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعى: كان الرجل من الأنصار إذا مات له قريب بعد البنى المختار عليه الصلاة والسلام يقول له: اتقى الله واصبر فإن لك فى رسول الله أسوة حسنة. إخوتى الكرام والأثر مروى أيضا عن المسفر بن مخرمة كما بين ذلك الإمام ابن عبد البر رضي الله عنهم أجمعين. نعم إخوتى الكرام: أعظم المصائب التى وقعت على المسلمين موت النبى الكريم عليه صلوات الله وسلامه، كيف لا وقد انقطع الوحى من السماء.

ثبت فى صحيح مسلم وسنن ابن ماجة ودلائل النبوة للإمام البيهقى عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهم أجمعين، تعال لنزور أم أيمن كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، وهى حاضن النبى عليه الصلاة والسلام وهى أمه بعد أمه رضي الله عنها وأرضاها، وهى أم أسامة بن زيد زوج حب رسول الله عليه الصلاة والسلام، زيد بن حارثة رضي الله عنهم أجمعين، فلما دخل عليها أبو بكر وعمر بعد موت النبى عليه الصلاة والسلام بدأت تبكى فقالا لها: ما يبكيكى يا أم أيمن، فما عند الله خير لرسوله عليه الصلاة والسلام، قالت: أعلم أن ما عند الله خير لرسوله ولكن أبكى لأن الوحى قد انقطع من السماء....، إخوتى الكرام: وقد شعر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بهول هذه المصيبة وشدتها فكان رجاء لهم فصار رجية ورجأ ومصيبة وقعت عليهم فى فقده عليه صلوات الله وسلامه، يقول أنس رضي الله عنه، كما فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى وابن ماجة: لما كان اليوم الذى دخل فيه النبى صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء فيها كل شىء فلما كان اليوم الذى مات فيه النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة أظلم فيها كل شىء، والله ما نفضنى أيدينا عن تراب النبى عليه الصلاة والسلام حتى أنكرنا قلوبنا، والأثر وراه عنه الإمام الدارمى والحاكم فى المستدرك والبيهقى، قال أنس رضي الله عنه: شهدت اليوم الذى دخل فيه النبى صلى الله عليه وسلم المدينة فما رايت يوماً أحسن ولا أضوأ من ذلك اليوم، وشهدت اليوم الذى مات النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة فما رأيت يوماً أظلم ولا أقبح من ذلك اليوم، على نبينا صلوات الله وسلامه........ وهذا الشعور الذى عند أنس رضي الله عنه وأرضاه شعر به جميع الصحابة الكرام.

ففى مسند البزار بسند جيد كما الحافظ فى الفتح والأثر إسناده رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى المجمع عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: ما نفضنا أيدينا من تراب النبى صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا........ نعم ذهبت الألفة والصفاء وذهب ما كان يمدهم به خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه من تعليم وتأديب. إخوتى الكرام: ومن لطف الله بنا ورحمته أنه لم يقطع إتصالنا بنبينا صلى الله عليه وسلم، فجعل صلاتنا تبلغ نبينا عليه صلوات الله وسلامه ويرد علينا سلامنا عليه صلوات الله وسلامه، وجعل الله لنا نبينا خيرا فى حالتيه فى حياته وبعد مماته عليه صلوات الله وسلامه، فتعرض عليه أعمالنا بعد موتنا فما رأى من حسن حمد الله عليه، ما رأى من سوء وسيىء استغفر لنا ربنا فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتى الكرام: هذا حصل لنا بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام وأما الصحابة الكرام فقد عوضهم الله جل وعلا مع هذا الأمر أمراً أخر يسكن به نفوسهم ويخفف عنهم مصيبتهم، ألا وهو تولية أبى بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين، عليهم بعد موت نبينا الأمين عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، فجاءهم هذا الخليفة الراشد الذى هو كحال النبى عليه الصلاة والسلام فى كل شىء، فى طينته ومعدنه عليه صلوات الله وسلامه، نعم لايوحى إليه كما يوحى إلى النبى عليه الصلاة والسلام فما فقدوا فى خلافة أبى بكر رضي الله عنه، غير شخص النبى عليه الصلاة والسلام، أما معاملته ورافته ورحمته فكل ذلك كان موجوداً فى عهد أبى بكر رضي الله عنه من هذا الخليفة الراشد رضوان الله عليهم أجمعين، ولولا ذلك إخوتى الكرام لتقطعت قلوب الصحابة حسرة لتغير الأمور رحمهم الله ورضى عنهم.

يقول أنس رضي الله عنه كما فى دلائل النبوة للإمام البيهقى: لما قبض النبى صلى الله عليه وسلم أظلمت الدنيا حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض وكان احدنا يبسط يده فلا يراها، وما نفضنا أيدينا عن تراب نبينا عليه الصلاة والسلام حتى أنكرنا قلوبنا. إخوتى الكرام: هذا كان حال الصحابة الكرام عندما وقعت عليهم تلك المصيبة، نسأل الله جل وعلا ألا يرضى لنا ثواباً عليها إلا الإجتماع مع نبينا عليه الصلاة والسلام فى جنات النعيم، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، أظلمت عليهم الدنيا لا ينظر بعضهم إلى بعض، إذا بسط الإنسان يده لا يراها حصل فى القلوب ما حصل. ولما ذكرت فاطمة رضي الله عنها لأنس رضي الله عنهم أجمعين كيف حصل منهم نحو نبينا عليه الصلاة والسلام ما حصل ما استطاع أن يجيبها بشىء من شدة ما وقع عليه وعلى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين. ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح البخارى وسنن النسائى وابن ماجة عن أنس رضي الله عنه قال: لما ثقل بالنبى صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب، فداه نفسى وأبى وأمى عليه صلوات الله وسلامه، فقالت فاطمة رضي الله عنها: وا كرب أبتاه، فقال: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما قبض عليه صلوات الله وسلامه، قالت هذه البضعة الطاهرة: يا ابتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، ثم قالت لأنس رضي الله عنه خادم النبى عليه الصلاة والسلام: عشر سنين يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب، والله ما طابت أيتها البضعة الطاهرة ولم تطيب لكن قهرها الصحابة الكرام إمثالاً لأمر الحبيب عليه صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام: هذا الجسد الطاهر المبارك ينبغى أن نتمنى رؤيته والشوق إليه، ينبغى أن نتمنى رؤيته وأن نشتاق إليه، نتمنى رؤيته فى المنام ونتمنى أن يكرمنا الله برؤيته فى غرف الجنان غنه رحيم رحمن.

وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أنه سيأتى بعده أناس يتمنون رؤيته بأموالهم وأولادهم وأهليهم وهؤلاء من أشد الناس حباً له عليه صلوات الله وسلامه. ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من روايةأبى هريرة رضي الله عنه والحديث رواه الإمام أحمد عن أبى ذر رضي الله عنهم أجمعين، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [من أشد أمتى حباً لى ناس يكونون بعدى يود أحدهم لو رآنى بأهله وماله، عليه صلوات الله وسلامه] ، وفى رواية [يود أحدهم أنه أعطى أهله وماله وأنه رآنى] . وفى معجم الطبرانى الكبير بسند رجاله ثقات عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن أحدكم سيوشيك أن ينظر إلىّ نظرة بما له من أهل ومال] . وقد كان أئمتنا الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين، يتمنون حصول هذا لهم فى المنام ويرجون من الله ذلك فى غرف الجنان، هذاالعبد الصالح هشام بن حسان محدث البصرة أبو عبد الله، قال عنه الإمام الذهبى إنه قذف القنطرة وجاوزها وهو من رجال الكتب الستة، كان يتمنى رؤية النبى عليه الصلاة والسلام ويشتاق إلى ذلك، وكان إذا ذكر النبى عليه الصلاة والسلام تسيل دموعه على خديه. وما ذكر ابن عمر النبى صلى الله عليه وسلم إلا بكى كما فى مسند الدارمى، وإذا مر على بيوت النبى عليه الصلاة والسلام لا يستطيع أن ينظر إليها وما غرس شجرة بعد موت النبى عليه الصلاة والسلام رضي الله عنه وأرضاه.

وهذا العبد الصالح عبد الله بن عون أبو عون قدوة عالم البصرة عليه رحمة الله، كان يتمنى رؤية النبى عليه الصلاة والسلام فى المنام ويبث شوقه إلى ذلك ويطلب من إخوانه أن يدعوا له بذلك فما حصل له ذلك إلا فى أخر عمره، فلما رأى النبى عليه الصلاة والسلام فى نومه فرح بذلك كثيرا، فما عاش بعد ذلك إلا قليلا حتى مات رحمه الله ورضي الله عنه، وقد توفى سنة 150 للهجرة وحديثه أيضا فى الكتب الستة وهو من العلماء الربانين، دعته أمه مرة فأجابها فظن أن صوته على صوتها فأعتق رقبتين تكفيراً لإرتفاع صوته على صوت أمه، وكان لا يغضب أبدا عليه رحمة الله، وإذا أغضبه أحد يقول له: بارك الله فيك، وكان يقول: ذكر الناس داء وذكر الله دواء. إخوتى الكرام: إذا كان الجذع يحن إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ويحزن لفراقه ويشتاق إلى رؤيته وإلى الإتصال به فكيف بنا نحن إخوتى الكرام. رحمة الله على الحسن البصرى عندما كان يروى حديث الجذع حنين الجذع يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحن شوقاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.

وحديث حنين الجذع إخوتى الكرام حديث متواتر روى عن جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعن أنس، وعن سهل بن سعد، وأبى بن كعب، وعن بريدة، وعن معاذ بن جبل، وعن أم سلمة، وروى عن غير هؤلاء بحيث بلغ رواته بضعة عشر صحابيا، وهو حديث مشهور والخبر به متواتر كما قال الإمام عياض، وقال الإمام البيهقى: هو من الأمور الظاهرة التى حملها الخلف عن السلف، وراية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف.، وحديث الجذع فى صحيح البخارى والنسائى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جذع فى قبلته يقوم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خطبته فلما وضع المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار، أى مثل الناقة إذا مضى على حملها عشرة أشهر، حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه، قال الحسن: كان والله يحن لما كان يسمع عنده من الذكر، وفى رواية أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه، فإن لى غلاماً نجارا، قال: إن شئت، قالت: فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد النبى صلى الله عليه وسلم على المنبر الذى صنع له، فصاحت النخلة التى كان يخطب عليها حتى كادت تنشق وفى أخرى فصاحت النخلة صياح الصبى، فنزل النبى صلى الله عليه وسلم حتى أخذها فضمها إليه فجعلت تأن أنين الصبى الذى يسكت، حتى استقرت، قال: بكت على ما كانت تسمع من الذكر أخرجه البخارى، وفى رواية النسائى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سوارى المسجد فلما صنع المنبر واستوى عليه اضطربت تلك السارية تحن كحنين الناقة، حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنفها. وورد فى روايات كثيرة توضح هذا وتبينه، ففى رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه فاحتضن النبى صلى الله عليه وسلم الجذع فسكن، فقال: لولم أفعل لما سكن.

وفى رواية الدارمى عن ابن عباس رضي الله عنهما، لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة. والحديث روى عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [والذى نفسى بيده لولم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة] حزناً على فراق رسول صلى الله عليه وسلم ثم أمر بالجذع فدفن. وفى بعض الروايات فصاحت النخلة صياح الصبى، وفى بعض الرويات اضطربت السارية كحنين الناقة الخلوج، أى التى انتزع ولدها منها، وفى بعض الروايات خار ذلك الجذع كخوار الثور، وفى بعض الرويات فلما جاوز النبى صلى الله عليه وسلم الجذع خار حتى تصدع وانشق. وفى رواية البخارى والترمذى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح بيده عليه وفى رواية فنزل إليه فاحتضنه وسآره بشىء يعنى تكلم معه بشىء سراً بين النبى عليه الصلاة والسلام وبين هذا الجذع، أخرجه البخارى. وفى رواية الترمذى فأتاه فالتزمه فسكن. وفى سنن الترمذى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم خطب إلى لذت جذع واتخذوا له منبراً فخطب عليه فحن الجذع حنين الناقة، فنزل النبى صلى الله عليه وسلم فمسه فسكن، أخرجه الترمذى والحديث صحيح.

إخوتى الكرام: وورد فى بعض الرويات كما فى الدارمى وغيره من رواية بريدة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للجذع: اختر، إن شئت أن أغرسك فى المكان الذى أخذت منه فتكون كما كنت قبل أن تصير جذعا، وإن شئت أن أغرسك فى الجنة فتشرب من أنهارها، فيحسن نبتك وتثمر فيأكل منك أولياء الله، قال النبى عليه الصلاة والسلام: فاختار أن أغرسه فى الجنة،،، هذا جذع وهو جماد يحن إلأى خير العباد عليه صلوات الله وسلامه، فكيف بالمؤمنين الذين يحبون النبى الأمين عليه الصلاة والسلام، أسال الله برحمته التى وسعت كل شىء أن يحيينا على سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن يميتنا على ملة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن يبعثنا يوم القيامة من أمته ومن أتباعه وان ينادينا يوم القيامة يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام {يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتى كتابه بيمنه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا} . اللهم صلى على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه عدد ما خلقت وعدد ما أنت خالق يا أرحم الراحمين، اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، اللهم صلى عليه صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يارب العالمين، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، اللهم اغفر لآباءنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليم ورحمة الله وبركاته.

أهل الفترة

أهل الفترة (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان أهل الفترة ونحن نرجو-هذا كلام الحافظ ابن حجر-ان يدخل عبد المطلب وال يتة في جملة منيد خلها –يعني الجنة-طائعا لكن ورد في ابي طالب مايمنع ذالك اذا يستثنى من ال عبد المطلب ابو طالب، وانما خصه بالذكر ابو لهب الان ناك مفروغ منه، ايه محكمة (تبت يدا ابي لهب) اما ابوطالب فما ذكره الله، وكان ينصر النبي ويحوطه ويدافع عنه بنفسه وماله بخلاف ابي لهب الشرير فكان يؤذيه ويبذل مافي وسعه في اذاء ابن اخيه فشتان بين العمين فذا كونه في النار محل اتفاق، واماهذا موقفه قد يعني يوحي للانان بانه في الجنه لنصرة ابوطالب لنبينا-عليه الصلاة والسلام-، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول لابي طالب: اجلك اكثر من اجلال ابي، لانك انت الذي ربيتني ونشاتني ونصرتني، قل كلمة احاج لك بها عند الله: قل لااله الاالله، فلم يقل: الهك باطل ودينك مزيف، يقول: لو ان تعيرني قريش لاقررت بها اخرماقاله انه على مله عبد المطلب هذا كفر، فليس عندنا كماقلنافي دين الله محاباة وقد ثبت في الصححيين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه بعد ان مات قال النبي لاستغفرن لك مالم انه عنك لرواية المسيب بن حزم والد سعيد بن المسيب رضي الله عنهم اجمعين فنزل قول الله: (ماكان للنبي والذين امنوا ان يستغفرو اللمشركين) وابو طالب –.

وثبت في صحيح مسلم وغير ان قيل للنبي عليه الصلاة والسلام: عمك كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذالك قال نعم كان في غمرات من نار جهنم فاخذته فشفعت فوضعه الله في ضحضاح من نار جهنم: اي في نارقليلة يخوض فيها الي كعبيه، ووضع سخنطه: وهي الحفرة المنخض الذي اسفل الرجل جمرتان من نار جهنم يغلي منهما دماغه وهو اهون من اهل النار عذبا ويرى نفسه انه اشد اهل النار عذبا وشفاغة نبينا عليه الصلاة والسلام لعمه ابي طالب في تخفيف العذاب عنه خاصة به فلا يشفع نبي ولاصديق لمشرك الانبينا لعمه ابي طالب دون اخراج من النار انما في تخفيف العذاب عنه والله يقول (لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينصرون) يستثنى شفاعة نبينا عليه الصلاة والسلام لعمه ابي طالب للنصوص الصحيحة الثابته وهذا مقرر عندنا فلا يخطرن ببال احدكم امر هذا تخريف او هوي، هذا بنص صحيح وهي خاصة وهذا من شفاعاته الخاصة التي لا يشاركه فيه احد كالشفاعه في فتح باب الجنة، هذا كله شفاعات خاصة لايشاركه فيه احد من المخلوقات ادم فمن دونه على نبينا وعلى انبياءالله ورسله صلوات الله وسلامه، اذا نرجو ان يدخل عبد المطلب وال بيته، عبد الله او ليس كذلك من ال عبد المطلب، عبد المطلب يدخل نحن نجزم انهم ما وحدوا، لكن في مقابل نجزم انهم ما بعث الهم رسول. فان قيل ماذا نفعل بالنصوص، بالنص المتقدم في صحيح مسلم نقول العين والراس، نصوص تعارضت لابد من الجمع بينها فنبينا عليه الصلاة والسلام اخبر بانه في النار قبل ان يعلمه الله.

وهذا الجمع ممكن ميسور لان من كفر بالله ولم يوحده هو ظالم او معتدي، ظالم لاشك فيه واثبت الله لمن كفره ووجوب تعظيمه ثابتان في عقول بني الانسان وفي فطرهم اثبت من وجودهم ومن الشرك في رابعه النهار فمن لم يوحد الله قبل مجئ الرسول ومشرك وكافر بناء على النصوص التي تدل على ان الجنة لايدخلها الامن وحد وان النار ماوى الكافرين، نقول عبد المطلب في النار وعبد الله في النار وكل من لم يوحد الله في النار.

وكل من مات على الكفر في النار ثم بين لنا أن هؤلاء لهم حكم خاص وهؤلاء ليس حالهم كمن بلغته الدعوة ووقف ولم يؤمن لا هم في ضلال وضياع فالله سيحاسبهم يوم القيامة ويمتحنهم فإذا نقول ذاك الحديث صحيح لكن عورض بأدلة صحيحة ثابتة فلا بد من الجمع بينها هذا الجمع أن نقول صدر ذا قبل إعلام الله لنبيه عليه الصلاة والسلام بذلك وعليه لا نرو الحديث إنما نحمله على معنى يلتئم مع نصوص الشرع ووالد نبينا عليه الصلاة والسلام وجده وكل من هلك في فترة قبل بعثة رسول سيمتحن فاحكم في والد نبينا وجده علي نبينا صلوات الله وسلامه فالله أعلم لكن حقيقة نرجو ووالله أن رجاءنا الإيمان في والد نبينا عليه الصلاة والسلام عند الامتحان في يوم القيامة أعظم من رجاءنا الإيمان لأبوينا ولأولادنا رغبة في إقرار عين نبينا عليه الصلاة والسلام لكن هذا الرجاء لا يدعونا إلى التألي والكذب على الله نقول والد النبي عليه الصلاة والسلام في الجنة ولا يجوز أيضا أن نجفو ونغلظ نقول هو في النار فلنقف كما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام في القول الذي قرره أهل السنة الكرام في هذا الحكم العام أهل الفترة يمتحنون فإن أطاعوا دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار لكن نرجو كما قال الحافظ بن حجر وما ألطف وأظرف وأحلى وأدق وأشد هذه العبارة: أن يدخل عبد المطلب وال بيته في الإيمان والجنة طائعين وأن يؤمنوا برب العالمين وأن يكونوا من الفائزين يوم الدين هذا الرجاء لابد من أن يكون في نفوسنا إخوتي الكرام تعظيما لنبينا عليه الصلاة والسلام.

ولأبين لكم إخوتي الكرام أن هذا الرجاء شرعي أذكر لكم قصتين اثنتين من صديقين هما أعظم الصديقين عند ربنا العظيم أولاهما الصديق الأول أبو بكر رضي الله عنه: ثبت في مسند أبي يعلى والحديث رواه عمر بن شبة في أخبار مكة ورواه أبو بشر ابن سمويه في فوائده والأثر في المستغرق بسند صحيح عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء أبو بكر لوالده أبي قحافة إلى النبي عليه الصلاة والسلام في فتح مكة أو عند حجة الوداع ليسلمه فقد طال رأسه عند فتح مكة وتحديد الزمن لا يضر جاء وقد صار والد أبو بكر أبي قحافة لحيه وشعر رأسه كالثقافة – أي كالثلج الأبيض ليس به شعره سوداء من كبره وهرمه فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأبي بكر: ألا تركت الشيخ في بيته ونحن نأتيه إكراما لك وإجلالا للشيخ الكبير وأنت صديق فكل أحد له عندنا يد كافاناه عليها إلا أنت ولو اتخذ نبينا عليه الصلاة والسلام خليلا من أهل الأرض لاتخذ أبا بكر خليلا رضي الله عنه وأرضاه فله منزلة إكراما لك وإجلالا لهذا الرجل الوقور المهيب يعني أن أذهب قال: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام أردت أن يأجره الله في المجيء إليك ليسلم علي يديك وثيابا على هذه الخطى فلما وضع أبوه حافة يده على يد النبي عليه الصلاة والسلام ليبايعه على الإسلام بكى فقال النبي ما يبكيك يا أبا بكر قال والله يا رسول الله لان تكون يد عمك أبو طالب مكان يده أي يد أبي قحافة والد أبي بكر 10:00 ويقدر الله عينيك با سلام عمك لكن أحب إلي، يعني لو أن بدل أبيه عمه وآمن لكن هذا أحب.

قبل هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام بثلاث سنين في العام العاشر الذي أوذي فيه النبي أشد الأذى بعد موت عمه وزوجه خديجة رضي الله عنها وعن سائر أمهاتنا وصحابه نبينا أجمعين. وأذا كانت يد عمك مكان يدي أبي قحافة به تقر عينيك فحبك يقدم على حبنا لأبائنا وأسرنا أصولا وفروعا والحديث صحيح، والله نتمنى لو أن أبا طالب آمن إقرارا لعين نبينا عليه الصلاة والسلام وإكراما لعمه في النصرية نبينا عليه الصلاة والسلام لكن لله الحجة البالغة وهو أعلم بخلقه سبحانه وتعالي من باب أولي نقول لمن لم يكفر عند مجيء رسول لو الد نبينا وجده نتمنى أن يلهم هذين العبدين الأيمان عند الامتحان وأن يكونا في غرف الجنان نتمنى وهذا تعظيم لنبينا عليه الصلاة والسلام ومحبة له 11:35 قصة ثانية عن الصديق الثاني عمر وهو أفضل الصديقين بعد أبي بكر يرويها أبن إسحاق رضي الله عنهم أجمعين في كتاب المغازي والسير: لما جاء العباس رضي الله عنه لأبي سفيان رضي الله عنه وغفر الله لهما لما جاء العباس لأبي سفيان في فتح مكة إلي النبي عليه الصلاة والسلام وهو خلفه ما رضي عمر لإجارة أبي سفيان من قبل العباس، وما رضي بإجارة العباس إلي أبي سفيان وعارضه، فالعباس أخذته الشدة وتكلم كلاما يعذر لحدثه لكنه في غير موضعه لعمر: يا عمر لو كان أبو سفيان من بني عدي لما قتلته، بنو عدي هم عشيرة عمر، فهنا أنت تريد قتله لأنه من بني عبد شمس ليس من قبيلتك، هذا لو كان من قبيلتك لما طالبت بقتله، فأنظر ماذا قال عمر، قال عمر للعباس: والله يا عم رسول الله عليه الصلاة والسلام أنظر إلي اللطف في الخطاب، والله لا أنا بأ سلامك عندما أسلمت أفرح مني بإسلام الخطاب لو أسلم، يعني لو قدر أن والدي الخطاب حيا وأسلم لما فرحت لإسلامه كفرحي14:40

يا سلامك إقرارا لعين النبي – ص – فلك عند النبي منزلة فصنو أبيه فلا تتهمني وأنا ما أرد جوارك إحتقارا لك لكن هذا فعل ما فعل في الإسلام والآن دعنا نضرب رقبته ولا نجيره فقال له: لو كان من بني عدي لما قتلته قال: والله لأن أفرح بإسلامك عندما أسلمت من أسلام الخطاب لو أسلم. أنتم آل بيت على رؤسنا. هذا إجلالنا لإل بيت نبينا.

- ص – وإذا كان هذا حال الصحابة الكرام، سأحكي لكم بعد القصتين، قصتين والحديث يجر بعضه بعضا، يعقوب بن السكيت وليس بين يدي الكتب لاتحقق من نسبة قصتي إليه لكن فيما أعلم غفر الله له ورحمه ورضي عنه وهو صاحب كتاب إصلاح المنطق، غالب ظني كان يؤدب ويعلم أولاد الخليفة المتوكل هذا الذي أشك فيه هل هو المتوكل أي من خلفاء بني العباس وغالب ظني أنه هو ليس في كتب بين يدي أتحقق لكن غالب ظني يعني أنه أبن السكيت مع الخليفة المتوكل وكان الخليفة المتوكل يميل إلى النقد ومعادة آل البيت فقالو مرة ليعقوب ما تقول في هذين ولدي الخليفة هما أفضل أم الحسن والحسين، ماذا سيقول يعقوب؟ ماذا يقول؟ الحسن والحسين، لا أدري الحسن والحسين، فضل الحسن والحسين علي يعني ولدي خليفة جاء وكل من جاء بعد الخلفاء الراشدين في جور أو كفر والله أعلم بحالهم باستثناء الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، نقول الحسن والحسين أفضل من ولدي الخليفة يعني أذا فضلت امرأ ذا براعة علي فقال: هذا أفضل من الحسن والحسين، قال: والله أن قنبر الذي كان يخدم عليا أفضل منك ومن ولديك قنبر، خادمه آل بيت لهم حقهم، كلب صحب أصحاب الكهف ذكره الله في القرآن، أذا كيف بمؤمن رقيق عند آل بيت أرقاء القلوب طاهرين مطهرين، "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" قنبر خادم على وغلامه ومملوكه أفضل منك ومن ولديك، كيف تفضل الحسن والحسين عليهما أنت ما تستحي، فأمر غلمانه بقتله فوضعوه في بساط فداسوه بأرجلهم حتى قتلوه في مجلس الخليفة، هذا حالنا نحو آل بيت نبينا فليعلم الشيعة ذلك من يحب آل بيت، صديق هذه الأمة يقول لو أسلم عمك كان أفرح لقلبي من أسلام والدي والصديق الثاني الذي يفتخر الشيعة ويعيدون الشيعة في يوم قتله وعندهم يوم الغفران يوم مقتل عمر حين يقول العباس أنا بإسلامك

طاغوت العرف

طاغوت العرف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام: تقدم معنا أن نعم الله جل وعلا مهما كثرت وتعددت وتنوعت لا تخرج عن نوعين اثنين، نعمة خلق وإيجاد، ونعمة هداية وإرشاد، وبينت فيما مضى أن أعظم نعم الله علينا، نعمة الهداية والإرشاد بأن أرسل إلينا الرسل وأنزل علينا الكتب ليخرجونا من الظلمات إلى النور ولولا أن الله منّ على هذه الأمة ببعثة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لكانوا أحط دركة من الأنعام، فهذه النعمة أعنى نعمة الهداية والإرشاد نعمة إرسال الرسل إلى العباد هى أعظم منن الله ونعمه على عباده وهذه النعمة من انتفع بها واسترشد بها وأقبل عليها فى هذه الحياة حفظ من الضلالة فى الدنيا وحفظ من الشقاء والضياع والهلاك فى الآخرة، كما قال الله جل وعلا {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} .

ثبت فى تفسير ابن أبى حاتم وتفسير ابن المنذر والأثر إسناده صحيح ورواه الطبرانى فى معجمه الكبير والأوسط ورواه ابن أبى سيبة فى المصنف وسعيد بن منصور فى سننه والحاكم فى مستدركه وإسناده كما قلت صحيح، عن بن عباس رضي الله عنهما أنه قال (أجار الله قارىء القرآن من أن يضل فى الدنيا أو يشقى فى الآخرة) ثم تلا قول الله جل وعلا {فمن اتبع هداى فلا يضل ... } أى فى هذه الحياة، {فلا يضل ولا يشقى ... } أى لا يهلك ويعذب بعد الممات {فلا يضل ولا يشقى ... } ،

(أجار الله قارىء القرآن من أن يضل فى الدنيا أو يشقى فى الآخرة) ، وفى رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (من قرأ القرآن وعمل بما فيه فلا يضل فى الدنيا ويقيه الله سوء الحساب يوم القيامة، ثم تلا قول الله جل وعلا {فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى} ، فهذه النعمة العظيمة الجسيمة وهى إرسال الرسل عليهم صلوات الله وسلامه إلى العباد ليخرجوهم من الظلمات إلى النور هى منن ونعم الله على عباده، وهذه النعمة ما انعكف عليها وأقبل هليها وانتفع بها ذاق لهذه النعمة حلاوة عظيمة تتضائل بجانبها جميع اللذائذ والحلاوات كما ثبت فى مسند الإمام أحمد وصيحيح مسلم وسنن الترمذى والحديث فى صحيح مسلم كما قلت فهو صحيح عن العباس بن عبد المطلب عم نبينا عليه الصلاة والسلام رضي الله عن العباس وعن سائر الصحابة الكرام، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا] ،ذاق طعم الإيمان من رضى بالله، فإذا أقبل على هذه النعمة سيذوق لها حلاوة وبهجة فسيطمئن قلبه وينشرح صدره وتسكن نفسه {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ، [ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا] ، هذه النعمة العظيمة تقدم إخوتى الكرام معنا تقرير كونها أعظم نعمة من الله على عباده بأدلة كثيرة، إنما فى بداية كل مبحث عند المبحث الأول من مباحث النبوة العشرة، والمبحث الأول كان بعنوان (أن هذه النعمة هى أعظم منن الله ونعمه على عباده، عند بداية كل موعظة تتعلق بالمبحث الأول، ولعل هذه الموعظة هى آخر المباحث المتعلقة بهذا المبحث، أحب ان أقررما سبق بشىء لم أذكره وهو أن هذه النعمة نعمة عظيمة جليلة فخيمة هى أعظم نعم الله على عباده من انتفع بها سعد فى هذه الحياة وسعد بعد الممات، هذه النعمة العظيمة الجسيمة.

تقدم معنا إخوتى الكرام أنه عارضها أربعة أصناف من الخلق حالوا بين وصول إلى المخلوقين، من العلماء الفاجرين والحكام الظالمين الجائرين، والعباد الجاهلين والمتفلسفة المخرفين، وبينت وجه معارضة كل من هؤلاء لهذه النعمة وكيف وقف كل واحد من هؤلاء حجر عثرة فى طريق هذه النعمة ووصولها إلى العباد الذين أرسل الله إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ليهتدوا بهذه النعمة فوقف هؤلاء الصناف أمام هذه النعمة وحالوا بينهم وبين هذه النعمة الجليلة الكريمة. تقدم معنا إخوتى الكرام هذا وقلت نتج عن هؤلاء الأصناف الأربعة بعد ذلك شريعة بين الناس تسمى بالعرف والعادة، فعكف الناس عليها من دون شريعة رب العالمين واحتكموا إليها فى جميع شئون حياتهم، شريعة العرف شريعة العادة، أنم يسيروا على ما سلكه آبائهم وأجدادهم وما عليه أعراف قومهم، نتج عن هؤلاء الأصناف الأربعة هذا العرف العام وهذه العادة التى يسير الناسعليها، وتقدم معنا أثر العرف وضغت العرف على الناس، وكيف ضل بهذا الأمر أناس كثيرون، وفرقت بين العرف المعتبر وبين العرف المنكر، وبينت إخوتى الكرام فى الموعظة السابقة أن العرف يصيغه ويصنعه ويحدده ويوجده علية القوم وخاصتهم وهم هؤلاء الأصناف الأربعة كما تقدم معنا، ففى كل يوم يحدث الناس شيئا من الأهواء والعادات والضلالات والبدع فيأخذ الناس بها ويهملون شيئاً من الهدى والسنن.

ثبت فى معجم الطبرانى الكبير بسند رجاله موثقون كما الإمام الهيثمى فى المجمع عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (ما أتى على الناس عام إلا وأحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن فنور الله ـ يصبح غير ظاهر بين الناس والبدع هى الشريعة التى يحتكم إليها الناس حتى تحيا البدع وتموت السنن، وهذه البدع يعكف الناس عليها على أنها أعراف عامة وتقاليد لازمة لا يجوز الخروج عنها، فإذا تعارف الناس على هذه البدع وتتابعوا عليها لاينكر بعض إذا فعلوا شيئا خلاف شريعة الله المطهرة. وتقدم معنا إخوتى الكرام حديث أنس رضي الله عنه الذى رواه أحمد فى المسند وابن ماجة فى السنن وأبو يعلى فى مسنده، أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قالوا للنبى عليه الصلاة والسلام: متى نترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، أى فى أى حالة من الإنحطاط نصل إليها، فإذا وصلنا إليها تركنا قطب الإسلام وأعظم دعامة فيه ألا وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فقال عليه الصلاة والسلام [إذا ظهر فيكم ما ظهر فى الأمم قبلكم، إذا كان العلم فى رذالتكم، فى الفساق، والملك فى صغاركم، والفاحشة فى كباركم] ، إذا وجد هذا الأمر فيكم تتركون الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وتقدم معنا إخوتى الكرام أن الحديث صحيح ورواه الطبرانى أيضاً فى الأوسط من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عن الصحابة الكرام أجمعين. فنتج عن الأصناف الأربعة عرف جاهلى إحتكم الناس إليه دون شرع الله المحكم دون شرع الله العلى، فاحتكموا إلى هذا العرف، فإذا تعارفوا على المنكرات لن ينكر بعضهم على بعض، ورحمة الله على شيخ الإسلام الشيخ مصطفى صبرى عليه رحمة الله، عندما كان يقول ويسرد وينشد قول الشاعر: وتعارف القوم الذين عرفتهم ... بالمنكرات فعطل الإنكار

أى عطل الإنكار على من يفعلون المنكر وتعارف الناس على فعل المنكر فصار المنكر معروفا، يقول الإمام الشيخ مصطفى صبرى عليه رحمة الله: وليته قال ولو أدرك زماننا لقال: وتعارف القوم الذين عرفتهم ... بالمنكرات فأنكر الإنكار......... ليس عطل، إنما إذا أنكرت على من يفعل المنكر ينكر عليك، كأن المنكر صار شريعة محكمة يتعامل الناس على حسبها فلا يجوز الإنكار عليها. وتعارف القوم الذين عرفتهم ... بالمنكرات فعطل الإنكار وتعارف القوم الذين عرفتهم ... بالمنكرات فعطل الإنكار إخوتى الكرام: وتقدم معنا فى آخر الموعظة السابقة أن هذا العرف الجاهلى الذى وجد من أثر هؤلاء الأصناف الأربعة، هذا العرف الجاهلى قلت هو أول طاغوت عودى به رسل الله الكرام عليهم الصلاة والسلام، وهو أعظم شىء يرد به هدى الله ويدفع نوره: طاغوت العرف والعادة، وقلت: إن هذا الطاغوت هو العصا الذى كان يلوح بها الجاهليون فى وجوه رسل الحى القيوم عليهم صلوات الله وسلامه، وبها يلوح بهاكل جاهل فى كل عصر فى دفع نور الله وهداه..... طاغوت العرف والعادة. وتقدم معنا أن حجة فرعون وهى الحجة الفرعونية {قال فما بال القرون الأولى} .، والحجة القرشية كما نقدم معنا {ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق} ، إلى هنا إخوتى الكرام كنا تدراسنا هذا فيما مضى وقررته بشىء جديد فى أول هذه الموعظة، وأكمل هذا المبحث إن شاء الله فى هذه الموعظة المباركة إنشاء الله.

طاغوت العرف العادة ضل الضآلون بسببه، وقد أخبرنا الله جل وعلا عن ضلال الأمم وضلال المشركين فى كل ووقت بتقليدهم لآبائهم واتباعهم لأعراف قومهم، يقول الله جل وعلا فى سورة البقرة {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا.....} سبحان الله هذا رد وهذه عادات وأعراف وتقاليد، اتبعوا ما أنزل الله ربكم سيدكم مولاكم يعلم ما ينفعكم مما يضركم هداكم للتى هى أقوم، تسعون فى هذه الحياة وبعد الممات وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ما راوا حجة فى دفع هذا الضلال إلا قالوا {بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} ، أى حالنا مع الكفار عندما ندعوهم إلى دين العزيز الغفار سبحانه وتعالى كحال من يدعوا بهيمة ويناديها فالبهيمة لا تسمع من نداءه إلا أصواتاً وصياحا لكن لا تفقه ما يريد بتلك الأصوات وهذا ــ {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ... } أى يصيح ويصرخ {.....كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء..} أنت لو صحت بهيمة أو ناديت حيواناً ممن يمشى على أربع ماذا يسمع منك الصراخ والصياح ـ لا يسمعون من نور وهداه عندما يعرض عليهم إلا ألفاظاً لا تؤثر معانيها فى قلوبهم {ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} ، إذاً هذه حجة المشركين، ... {بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا....} ، وهكذا ذكر الله هذا المعنى فى سورة لقمان رضي الله عنه وعن الصديقين الكرام، يقول الله جل وعلا {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ... } {....ألفينا عليه آباءنا ... } ،

ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير} ، أى يسلكون هذا المسلك ويقلدون الآباء ويسيرون على الأعراف والتقاليد ولو كان ذلك سيجرهم إلى عذاب السعير بوصف سبب وسوسة الشيطان الحقير { ... أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير} ، إذاً آفة شنيعة ضل بها كثير من الضآلين فى العصور المتقدمة، ويقرر الله هذا المعنى فى سورة الزخرف فيقول جل وعلا {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون. وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون. بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون.وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون} ، {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.....} ، عباد جمع عبد، وكل من فى السموات والأرض عبد للرب جل وعلا، وقرأ المدنيان نافع وأبو جعفر والمكى ابن كثير والشامى عبد الله بن عامر وأحد البصريين يعقوب، {وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا..} ، كما قال جل وعلا {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ... } ، {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.....} ، {وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا..} ،

فهم فى الملأ الأعلى بحضرة الرب جل وعلا، حعلوهم إناثا، حكموا بأنهم فيهم ضفة الأنوثة والملائكة لا يصفون بذكورة ولا أنوثة، ثم بعد ذلك إزدادوا شططا، {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} ، قالوا هؤلاء الملائكة بنات الله، فنسبوا لله ولد، ثم ازدادوا فى الشطط فجعلوا له أنزل الولدين وأنقص الولدين منزلة عندما قالوا له خصوص الإناث دون الذكور، إذاً الملائكة إناثا، ولله ولد، وله خصوص الإناث من الأولاد، {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون} ، {ألكم الذكر وله الأنثى. تلك إذا قسمة ضيزى} ، وهذا كان بعض قبائل العرب يقول به، كقبيلة خزاعة، كانوا يقولون إن الله صاهر الجن تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا، فولد له الملائكة، فهم بناته من الجن {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين،} فجعلوا الملائكة إناثا وجعلوا لله ولدا وجعلوا له أنقص الولدين وأنزلهما شأناً وهو الأنثى دون الذكر وهم لا يريدون أن يرزقوا بإناث، {ألكم الذكر وله الأنثى. تلك إذا قسمة ضيزى} ، {أشهدوا خلقهم....} ، هل رأوا خلق الله للملائكة وأنهم بهذه الصورة؟، والواقع لا، {..ستكتب شهادتهم ويسألون} ، {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبادناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون، أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون} ، حجة متلوة بواسطة الرسل الكرام نزلة عليهم عليهم الصلاة والسلام بأن الملائكة إناث وهم بنات الرحمن {أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون} ، الواقع لا {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون} ، على أمة أى على ملة.

قال أئمتنا المفسرون: لفظ الأمة جاء فى القرآن بخمسة معانى، أولها: بمعنى الملة، { ... إنا وجدنا آباءنا على أمة..} ، على ملة، {كان الناس أمة واحدة..} على ملة واحدة، وهى التوحيد الخالص، يأتى التوحيد بمعنى الملة وهو المراد هنا، ومنه على ملة عبد المطلب، كما يأتينا فى قول أبى طالب أى على دينه. ويأتى لفظ الأمة بمعنى الجماعة ومنه {لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون....} ، جماعة. ويأتى بمعنى القائد المتبع فى الخير الذى يعدل أمة بنفسه {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين..} . ويأتى لفظ الأمة بمعنى الجيل والزمن والدهر والوقت ومنه قول الله {ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه..} ، وقول الله جل وعلا {وقال الذى نجا منهما وادكر بعد أمة ... } ، أى بعد حين وبرهة ووقت. فهذا المعنى الذى يأتى إليه لفظ الأمة وهو المعنى الرابع وغالب ظنى بقى معنا الخامس وهو قول الله جل وعلا {وما من دآبة فى الأرض وطائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم..} ، جمع أمة، فالأمة هنا بمعنى الصنف، إلا امم أمثالكم: أى أصناف أمثالكم، فهذه المخلوقات أصناف أمثالكم تتوالد وتعرف بعضها وتتخاطب فيما بينها وكل منها يعرف فاطرها وخالقها ويسبح بحمده سبحانه وتعالى، إلا أمم أمثالكم.

وهنا لفظ الأمة بمعنى الملة والدين، {بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة..} على ديانة متبعة على نحلة على ملة على شريعة، {وإنا على آثارهم مهتدون.قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون،} والآية الت قبلها {وكذلك ما أرسلنا من قبلك فى قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة ... } ، أى على ديانة ونحلة وشريعة متبعة {وإنا على آثارهم مقتدون، قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون} ، إذاً طاغوت العرف والعادة من عكف عليه كما تقدم معنا فهو مقطوع عن كل خير ممنوع، لذلك لا يوجد حجة فى دفع نور الله وهداه والإعراض عن رسل الله الكرام عليهم صلوات الله وسلامه إلا هذا الأمر إتباع العادات وتقليد الآباء والإلتزام بالعرف الضآل، وهذا كما قلت له أثر خبيث فكثيرٌ من الناس شطوا وضلوا وهلكوا بسبب العرف وهو أعظم طاغوت عدى به رسل الله الكرام عليهم صلوات الله وسلامه.

أبو طالب عم النبى عليه الصلاة والسلام بذل ما فى وسعه فى نصرة ابن أخيه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، عرض نفسه للهلاك وماله للضياع وبذل ما فى وسعه ولم يألوا جهداً فى نصرة النبى عليه الصلاة والسلام فآزره ونصره لكن لم يتبع النور الذى أنزل معه لماذا؟ تقليداً للعرف والعادة،، ولما أحتضر أبو طالب، جاءه نبينا عليه الصلاة والسلام كما فى المسند والصيحيح من رواية سعيد بن المسيب عن والده المسيب بن حزم، وليس للمسيبب رواية فى الصحيحين إلا هذه، والد سعيد، جاءه النبى عليه الصلاة والسلام، أى إلى عمه أبى طالب عندما حضرته الوفاة أى بدايتها، ومرض مرض الوفاة، ولم يصل إلى درجة الغرغرة والإحتضار والصياغ، فعند إذٍ لا يقبل الإيمان ولا تنفع التوبة، عندما جاءته مبادىء الموت وهو فى مرض الموت، جاءه نبينا عليه الصلاة والسلام، وقال: يا عم قل كلمة أجآج لك بها عند الله، قل أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله، فقال أبو طالب لولا أن تعيرنى قريش لأقررت بها عينك، وكان أبو جهل وعبد الله بن أبى أمية بن المغيرة حاضرين، فقالا: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فكان آخر شىء قاله عم نبينا عليه الصلاة والسلام أبو طالب: هو على ملة عبد المطلب، فخرج النبى عليه الصلاة والسلام وهو يقول: والله لأستغفرن لك ما لم أنهى عنك، وهذا من باب رد الإحسان بالإحسان، فإذا نصر أبو طالب الإسلام ينبغى أن يقابل بالإستغفار إلا إذا نهينا من قبل ربنا جل وعلا، لأستغفرن لك ما لم أنهى عنك، فأنزل الله جل وعلا {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم} ، وأنزل فى أبى طالب {إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} ، سبحانه وتعالى ...

طاغوت العرف والعادة، بحضور هذين الضآلين المضلين أبى جهل وعبد الله ابن أبى أمية بن المغيرة، أترغب عن ملة عبد المطلب، هو على ملة عبد المطلب، فمات على ذلك. ونبينا عليه الصلاة والسلام عندما بعث له أربعة أعمام آمن به إثنان وكفر به إثنان، {ولله الحجة البالغة ... } آمن به حمزة والعباس رضي الله عنهما، وكفر به أبو لهب وآذاه وعاداه، وكفر به أبو طالب ونصره وأعانه، لكن كل منهما كافر، وحتما لن يكون عذاب أبى طالب كعذاب ابى لهب وسائر الكفار، والله لا يضيع مثقال ذرة وليس معنا هذا أنه سيدخل الجنة لا ثم لا إنما يخفف عنه العذاب فى النار فهو أهون أهل النار عذابا، لكننا نجزم بأنه مات على الشرك وأنه مخلد فى نار جهنم ولا ينفعه ما بذله نحو الإسلام ونصرة النبى النبي عليه الصلاة والسلام لعدم إيمانه بذى الجلال والإكرام.

وقد ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن أبى داود والنسائى والحديث إسناده صحيح ورواه الإمام أبو داود الطيالسى أيضا وأبن أبى شيبة فى المصنف ورواه البيهقى فى السنن الكبرى فى السنن الكبرى وابن خزيمة فى صحيحه، والحديث كما قلت صحيح عن على رضي الله عنه أن جاء إلى النبى عليه الصلاة والسلام بعد موت والده أبى طالب، وأبو طالب هو والد على رضي الله عن على وعن سائر الصحابة الكرام، فقال على لنبينا عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله إن عمك ذلك الشيخ الضآل قد مات، قال النبى عليه الصلاة والسلام: إذهب فوارى أباك، أى ادفنه وغيبه تحت الأرض، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينى، يقول على رضي الله عنه: فذهبت فواريته، وإذا مات للمسلم قريب كافر لفه فى خرقة كما يلف الشىء النجس ثم يلقيه بعد ذلك فى حفرة ويهل عليه التراب ولا يكون له ما يكون للمسلمين من كفن حسن وغسل وصلاة وغير ذلك، فجاء على إلى النبى عليه الصلاة والسلام، يقول: ثم جئته فأخبرته أننى واريته، يقول: فدعا لى وأمرنى بأن أغتسل، والإغتسال إخوتى الكرام من تغسيل الميت ومن دفنه على المعتمد المقرر عند أئمتنا الكرام أنه مستحب ليس بواجب وأذكر دليل الإستحباب فى أدلة غير هذه وأبين تعليل الأمر بالإغتسال من تغسيل الميت والوضوء من حمله أيضاً إن شاء الله.

ثبت فى سنن أبى داود والترمذى والحديث بإسناد حسن عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: [من غسل ميتاً فليغتسل] ، وفى رواية الترمذى [من غسله الغسل ومن حمله الوضوء] ، أى من غسل الميت الإغتسال ومن حمله الوضوء، وهذا الحديث مع الحديث المتقدم قال أئمتنا يفيد أن الإنسان إذا غسل ميتاً يستحب له أن يغتسل وإذا حمله يستحب له أن يتوضأ، أما استحباب الغسل فلأن الإنسان إذا غسل الميت قد يصيب بدنه عندما يغسله شىء من النجاسة التى على بدن الميت، قد يخرج شىء من جوفه وأنت تصب عليه الماء فيتطاير عليك شىء من النجاسة، وهذا يقع سواء كان المغسول الميت مؤمنا أو كافرا قد يخرج منه شىء من النجاسة من دم إذا كان جريحا أومن شىء يخرج بعد ذلك من قبله أو دبره ويصب عليه الماء فيأتى على المغسل شىء من النجاسة فيستحب له أن يغتسل لا عن طريق الوجوب لأن النجاسة ليست متحققة متيقنة ولو تيقنت أنه على بدنك نجاسة لوجب عليك أن تغسلها لكن بما أن الأمر هناك يعنى مجالاً للإحتمال فاقطع الشك بأن تغتسل وأن تكون على أكمل الأحوال، وأما بعد ذلك الوضوء عند حمل الميت إذا حملناه فلنتوضأ لنزداد طاعة إلى طاعة، فحمل الميت طاعة، يشرع لنا أن نضم إلى هذا طاعة أخرى لتكتمل عندنا الخيرات لا من أجل إحتمال نزول نجاسة ووقوع حدث علينا، هذا هو المعتمد وهذا هو المقرر عند المذاهب الأربعة. وللإمام أحمد رواية فقط ليس عليها المذهب الحنبلى: أن من غسل كافراً وجب عليه أن يغتسل من باب الوجوب لا من باب الإستحباب لهذا النص المتقدم، أن النبى عليه الصلاة والسلام أمر على أن يغتسل لكن عندنا ما هو أعم من ذلك، رواية أبى داود والترمذى (من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ) من غسله الغسل ومن حمله الوضوء، فهذا يدل على أن الأمر عام سوآء كان الميت مسلماً أو كافرا وأنه للإستحباب وهو المقرر عند أئمتنا الأتقياء رضوان الله عليهم أجمعين.

وقد نقل عن جمع غفير من الصحابة تغسيل الموتى وحملهم دون أن يغتسلوا أو يتوضأو، روى الإمام البخارى فى صحيحه معلقاً بصيغة الجزم والأثر وصله الإمام مالك فى موطئه بإسناد صحيح، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما غسل ابنا لسعيد بن زيد ابن عم ابن نوفيل وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وحنطه ثم دخل المسجد وصلى ولم يغتسل ولم يتوضأ، وهذا صحابى جليل يفعل هذا مما يدل على أن ذلك الأمر للإستحباب. وثبت فى الموطأ بإسناد صحيح كالشمس أيضا عن أسماء بنت عمير وهى زوجة صديق هذه الأمة أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين عنه وعنها وعن سآئر الصحابة الطيبين، أنه عندما مات أبو بكر رضي الله عنه غسلته زوجه أسماء بنت عمير، فلما فرغت من غسله خرجت إلى الباب فقابلها المهاجرون الكرام رضوان الله عليهم، فقالت لهم: إنى صائمة واليوم يوم دارج كما ترون فى شدة البرد، والبرد إذا وقع فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه يعنى فى الإغتسال شدة وصعوبة لاسيما فى تلك الأيام عند عدم وجود يعنى حمامات يستحم فيها الإنسان، إنى صائمة واليوم بارد واليوم بارد فهل علىّ غسل، فأفتاها الحاضرون قاطبة بأنه ليس عليها غسل وما يجب عليها أن تغتسل مما يبين أن الأمر الصادر من نبينا عليه الصلاة والسلام بأن من غسل ميتا فليغتسل هذا للإستحباب لا للإيجاب والعلم عند الله جل وعلا.

أبو طالب ما منعه من اتباع النبى الذى نصره وبذل ما فى وسعه فى نصرته ما منع من اتباع من نصره وبذل روحه فى نصرته إلاّ العرف والعادة، نصر النبى عليه الصلاة والسلام وما اتبعه لما؟ تقليداً للعرف والعادة وهوعلى ملة عبد المطلب، إخوتى الكرام كما قلت: لكن الله لا يضيع مثقال ذرة، وقد أخبرنا ربنا على لسان نبينا عليه الصلاة والسلام أنه سيخفف عن أبى طالب العذاب وهو أهون أهل النار عذابا، كما ثبت فى الصحيحين وغيرهما من رواية العباس بن عبد المطلب وأبى سعيد الخدرى رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يا رسول الله عمك أبو طالب كان ينصرك ويحوطك ويمنعك فهل نفعه ذلك؟ فقال النبى عليه الصلاة والسلام: نعم هو فى ضحضاح من النار ولولا أنا لكان فى غمرات من النار، والضحضاح: هو الماء الرقيق القليل إذا خط فيه يجاوز كعبيك، هذا يقال له ضحضحاح، أى نار تصل إلى كعبيه فقط لا ترتفع إلى الساقين ومن باب أولى إلى الركبتين وإلى الفخذين وإلى وإلى، ولولا أنا أى لولا شفاعتى وأن الله شفعنى فيه لما بذله فى نصرتى لولا أنا لكان فى غمرات، أى كان فى النار تحيط به من جميع الجهات كما تحيط بالكافرين والكافرات، هو فى ضحضحاح من النار لا تصل إلى الكعبين فقط لاتزيد على الكعبين ولا بمقدار شعرة، ولولا أنا لكان فى غمرات من النار. وثبت فى الصحيحين أيضاً أنه كان فى الغمرات ثم أخرج منها برحمة الله وتشفيعه لنبينا عليه الصلاة والسلام فيه، فقال نبينا عليه الصلاة والسلام وجدته فى غمرات من النار فأخذته إلى ضحضحاح من النار ووضع فى أخمصه، وهو المكان المنخفض فى الرجل أسفل القدم، هذا المكان المنحنى المجوف ووضع فى أخمصه جمرتان من نار جهنم يغلى بهما دماغه وإنه لأهون أهل النار عذابا ويرى نفه أنه أشد أهل النار عذابا، نسأل الله العافية والسلامة.

وورد فى بعض الروايات وكلها فى الصحيح فقال نبينا عليه الصلاة والسلام لعله تنفه شفاعتى فيجعل فى ضحضحاح من النار ويجعل له نعلين من نار ويجعل له شركان أيضاً من نار، لا يجاوزان الكعبين يغلى بهما دماغه نسأل الله العافية والسلامة، الشاهد إخوتى الكرام: أبو طالب ما منعه من اتباع النبى عليه الصلاة والسلام إلا طاغوت العرف والعادة، هذا الداء هو سبب هلاك كثير من الأشقياء، وقد أخبرنا الله جل وعلا أن أهل النار عندما يدخلونها يدخلونها بسبب هذا الداء وهذا البلاء، انظر قول الله جل وعلا فى سورة الصافات بعد أن حكى نعيم المؤمنين فى الجنة، {أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم. إنا جعلناها فتنة للظالمين. إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم. طلعها كأنه رؤوس الشياطين. فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون. ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم. ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم} ، ما سبب هذا؟ {إنهم ألفوا آباءهم ضالين. فهم على آثارهم يهرعون. ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين} أى بهذا الداء وبهذا البلاء بطاغوت العرف والعادة بالتقليد الأعمى {ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين} وما تركهم الله، {ولقد أرسلنا فيهم منذرين. فانظر كيف كان عاقبة المنذرين.

إلا عباد الله المخلصين} ، إذاً ضل أكثر الأولين باتباع الآباء ةاتباع الأعراف والتقاليد الضآلة الباطلة والله جل وعلا أرسل الرسل وأنزل الكتب ليحتكم الناس إلى رسل الله وإلى شرية الله {ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين} ، أى بهذا الداء والبلاء وهو طاغوت العرف والعادة، ولذلك كانت الأمم السابقة تستنكر على رسلها وتنكر عليهم أن يأمرهم رسلهم بخلاف ما عليه آباءهم، فانظر مثلاً قول قوم شعيب لنبى الله شعيب على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، كما حكى الله هذا عنهم فى سورة هود عندما أمرهم أن يتقوا الله فى مكايلهم وموازينهم وألا يبخسوا الناس أشياءهم {قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد} أصلاتك تأمرك دينك وصلاتك التى تنهاك عن الفحشاء والمنكر تأمرنا أن نترك ما عليه الآباء صلاتك تأمرك بهذا؟ دينك يقبل أن نخالف آباءنا وأجدادنا وأعرافنا وتقاليدنا؟، ما هذا الدين الذى يخرج على الأعراف والتقاليد { ... أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ... } ، هذه حرية شخصية كوننا نتعامل بالغش بالإحتكار بتطفيف الكيل والميزان بالربا بغير ذلك، ما دخل الشريعة فى هذا؟ وما دخل الديانة بهذا؟، كما هو حال الأعراف الضآلة فى هذه الأيام، عندما تقول لإنسان الربا حرام القمار حرام، يقول ما دخل الدين بهذا أصلاتك تأمرك أن تتدخل فى شئوننا الخاصة وفى حرياتنا الشخصية، ما لك ولهذا { ... أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ... } ،من تطفيف وبخس واحتكار وقرض للدراهم والدنانير أى كسر لها بحيث تكون قيمتها ناقصة فبدل أن يكون وزن المثقال الدينار مثقال أربعة جرامات مثلاً ونصف من الذهب، يجعلونها ثلاثة ونصف يتلاعبون فيها { ... أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ... } ،

هذه حرية وهذه شطارة فى البيع والشراء وفى أمور الحياة، ما دخلك أنت فى هذه الأمور؟ { ... إنك لأنت الحليم الرشيد} . قال أئمتنا الكرام: الذى صدر منهم على الحقيقة "إنك لأنت السفيه الجاهل " لكن الله كن عن قولهم بضدد قولهم لشناعة ما قالوه فما حكى قولهم السفيه إنك لأنت بدل الحليم السفيه، الرشيد الجاهل، يعنى أنت سفيه جاهل عندما تأمرنا بترك ما عليه آباءونا وبالتدخل فى حريتنا الشخصية فى أمولنا وغير ذلك، إنك لأنت السفيه الجاهل، وهذا أحد الأقوال الأربعة قيلت فى بيان هذه الجملة المباركة، ومعناها أنهم قالوا ضدها لكن الله كنى عنها لشناعتها إنك لأنت الحليم الرشيد وهم لم يقولواهذا، إنما أنت سفيه جاهل عندما تأمرنا بمخالفة آباءناوتتدخل فى شئوننا وأحوالنا. وقيل: أنهم قالوا هذا على حسب زعمك، أى إنك لأنت الحليم الرشيد كما تزعم أنت تزعم أنك حليم رزين عاقل رشيد فطن، فكيف تنهانا عن تقليد الآباء وعن أن نفعل فى أموالنا ما نشاء كيف هذا؟ أو أنهم قالوا ذلك استخفافاً به وازدراء واستنكارا يعنى أنت حليم رشيد عندما تأمرنا أو أنهم حقيقة كانوا يعتقدون فيه الحلم والرشد، ونحن نعتقد فيك العقل والرزانة والحصافة، لكن كيف يصدر منك تدخل فى شئوننا وترك تقليد آباءنا؟،كيف هذا، حال الحلماء وحال الراشدين؟ ليس هذا حالهم إنك لأنت الحليم الرشيد، معانى كلها معتبرة وذكرها أئمتنا المفسرون، الشاهد { ... أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاءإنك لأنت الحليم الرشيد} ، طاغوت العرف والعادة وقف أمام هذه المنة التى منّ الله بها على عباده إرسال الرسل وإنزال الكتب، وهذا كما قلت: كلام عام فى طاغوت العرف والعادة، فلنضع الأسوة على بعض أمثلة نعيشها فى هذه الحياة أختم بها هذه الموعظة إن شاء الله.

مثال أول: كثر السؤال عنه ولعل السائل حاضر بيننا نبهنى مراراً، قال: أريد أن تنبه على هذه القضية يكررها، قلت: لعله تأتى لها مناسبة إن شاء الله ضمن مباحث النبوة وأدرجها فيها إن شاء الله وهذا وقتها، موضوع تطويل الثياب وأ، يجر الإنسان ثوبه بحيث ينزل عن كعبيه، صار عرف جاهلى بين كثير من الناس بناءاً على فعل علية القوم من علماء سوء وغيرهم فى جر ثيابهم وأن الجر صار كأنه يعنى محمدة حسنة وأن الإنسان إذا قصر ثوبه كأنه صار مومتهناً، يعنى إما بخيلاً لا يريد أن يزيد شبراً من القماش فى ثوبه وإما بعد ذلك متنطع رجعى ومتحجر يشوه خلقته، وبعضهم يقول يمشى كما تمشى الدجاجة، إذا كان ثوبه إلى منتصف ساقيه، هذا عرف جاهلى انتشر فى كثير من الأوساط وصار جر الثياب هذا يعنى هو العادة الحسنة المتبعة، أعراف جاهلية، هذا عرف جاهلى وهو من الأعراف المنكرة الذى يعرض ما ورد فى شريعة الله المطهرة، فلننظر لما ورد فى شريعة الله ولنضرب بعد ذلك بكل عرف عرض الحائط. ثبت فى الصحيحن وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول [من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة] ، فقال أبوبكر رضي الله عنه: يارسول الله صلى الله عليه وسلم إنى ضعيف وإن إزارى يسترخى " ضعيف البنية والبدن رضي الله عنه وأرضاه فليس له بطن بارزة ولا مستوية إنما غائرة داخلة من ضعفه رضي الله عنه، فإذاره الذى يعقده على بطنه، الإزار عندما يعقد إذا لم يكن هناك بطن إما مستوية أو بارزة الإزار ينزل ما بين الحين والحين، إنى ضعيف وإن إزارى يسترخى إلا أنى أتعهده يعنى إذا نزل عن الكعبين وشعرت مباشرة أرفعه وأشد الإزار ليرتفع الإزار عن الكعبين، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: لست ممن يفعله خيلاء يا أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه.

الحديث مع أحاديث أخرى يبين المراد وحكم جر الثياب والذى ينبغى أن يفعله الإنسان فى ثيابه إن شاء بعد أن أذكر روايات الحديث. وثبت فى سنن أبى داود والترمذى بإسناد صحيح عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه] ، فقالت أمنا أم سلمة رضي الله عنها: يا رسول صلى الله عليه وسلم فكيف يفعل النساء بذيولهن، من كلمة عموم دخل فيها الذكور والإناث، فإذا كان يحرم جر الثياب كيف يفعل النساء، يعنى ألا تجر المرأة ثوبها ولا تنزله عن كعبيها فكيف يفعل النساء بذيولهن، قال: يرخينه شبرا، أى تجعل الإزار ينزل عن القدمين بمقدار شبر، قالت: إذاً تنكشف أقدامهن، يعنى لو كان شبر فقط والنساء لا يلبسن الجوارب فى العصر الأول، والمرأة عندما تمد رجلها وتمشى يبدو القدم لأن الذى يوجد بمقدار شبر، فعند التحرك قد يظهر شىء من القدم من أصابع الرجل، إذاً تبدوا أقدامهن، يعنى شبر لا يكفى فى الجر، قال: فليرخينه، يعنى الثياب،ذراعا والزراع من بداية الأصبع إلى نهاية المرفق، الذراع الشرعى فليرخينه ذراعا ولا يزدن، يعنى ما زادعلى الذراع يعتبر خيلاء فى النساء، فلتجر ثوبها على الأرض بمقدار الذراع لألا يبدوا شىء من قدميها عندما تتحرك وتمشى، وهذا كما قلت إخوتى الكرام إذا لم تلبس المرأة الجوارب، وإذا لبست المرأة الجوارب ونزلت الثياب بحيث تلتسق بالأرض وتغطى القدمين فلا يلزمها أن تجر شبراً ولا ذراعا لأنها لو قدر أنه يعنى حركت رجلها ومشت لايبدوا شىء من الأصابع ولا من القدمين ولا ولا لوجود الساتر عليهما، لكن إذا لم يكن هناك ساتر حقيقة المرأة ينبغى أن ترخيه شبراً على أقل تقدير أو ذراع لألا يبدو شىء عندما تتحرك وتمشى ولا يجوز أن يبدوا شىء من أعضاء المرأة إذا خرجت من رأسها إلى رجليها فكلها عورة، إذاً كيف يصنع النساء بذيولهن؟ يرخينه شبرا، إذاً تنكشف أقدامهن يرخينه ذراعاً ولا يزدن.

وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن من صلى وهو مسبل إزار لا يقبل الله صلاته، وهذا مما يدل على أن الإسبال كبيرة وأنه يعنى معصية فظيعة، ثبت الحديث بذلك فى سنن أبى داود قال الإمام النووى عليه رحمة الله فى رياض الصالحين إسناده صحيح على شرط الإمام مسلم ولفظ الحديث عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: بينما رجل يصلى وهو مسبل إزاره أمره النبى عليه الصلاة والسلام أن يذهب فليتوضأ، فذهب وتوضأ ثم جاء وهو مسبل إزاره، فأمره أن يتوضأ فذهب ثم جاء، فسكت عنه النبى عليه الصلاة والسلام، فقال بعض الحاضرين لم يعلم اسمه: يارسول الله عليه الصلاة والسلام أمرته بالوضؤ ثم سكت عنه، قال: كان يصلى وهو مسبل إزاره ولا يقبل الله صلاة رجل مسبل. قال أئمتنا: عندما كان يصلى وهومسبل أمره النبى عليه الصلاة والسلام يذهب ويتوضأ ويأتى، أى بدون إسبال ينبغى أن ينتبه، فجاء مع إسبال، قال: اذهب وتوضأ مرة أخرى، فانتبه لأمره، فذهب وتوضأ ولم يأتى بإسبال قصر الثوب ورفعه، فما أمره بأن يتوضأ بعد ذلك، إن قيل: لما يتوضأ؟ وهل إسبال الثوب من مبطلات الوضؤ؟ لا ثم لا، لكن نقول: الصلاة المقبولة هى التى تنهى عن الفحشاء والمنكر وإذا صلى وهو مسبل دل على أن صلاته ما نهته عن الفحشاء والمنكر وبالتالى ما قبلت، فإذا لم تقبل الصلاة دل على أن الوضؤ الذى حصلت فيه هذه الصلاة فيه أيضاً تقصير، فهو ينبغى أن يعيد الوضؤ مع الصلاة ليحتاط لنفسه، وهذا الذى أرشد إليه النبى عليه الصلاة والسلام هذه علة وهذه حكمة من الأمر له بالوضؤ لأن الصلاة عندما لم تنهه عن الفحشاء والمنكر ينبغى أن يعيدها من أولها، من وضوءها إلى صلاتها.

هناك معناً آخر للأمر له بالوضؤ، وهو أن من يسبل إزاره الأصل فى ذلك أنه يفعل خيلاء وكبر سوآء قصد أو لم يقصد، لكن هذا من علامة الكبر والأشر والبطر، والكبر هذا من صفات الشيطان وهو أول المتكبرين، والشيطان خلق من نار والنار تطفأ بالماء، وعليه كأن النبى عليه الصلاة والسلام يقول لهذا الصحابى: إذا أسبلت ففيك خصلة من خصال الشيطان، والشيطان جمرة تتوقد لابد لها من أن تطفأ بالماء فأعد وضوءك يذهب عنك غرور الشيطان وكبره ورجسه ووسوسته فتقصر بعد ذلك ثوبك، ولذلك لما توضأ المرة الأولى وأعاد وما حصل الأثر قال مرة ثانية انتبه الصحابى لنفسه ولانت نفسه فقصر ثوبه وجاء فسكت عنه النبى عليه الصلاة والسلام، فقال بعض الحاضرين: أمرته بالوضوء ثم سكت عنه لماذا؟ قال: كان يصلى وهو يسبل وزالت العلة الآن الثوب قصر، ولا يقبل الله صلاة رجل مسبل.، والحديث كما قلت فى سنن ابى داود وإسناده صحيح. وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن المؤمن ينبغى أن يكون ثيابه إلى منتصف ساقيه وهذا هو السنة ولا حرج عليه ولا جناح إذا زاد إلى الكعبين فما نزل عن ذلك إن كان بطراً وخيلاء فلا ينظر الله إليه، وإن لم يكن بطراً وخيلاء فهو أيضاً عاص لله ما نزل عن ذلك ففى النار قصد الخيلاء أو لم يقصد.، ثبت الحديث بذلك فى سنن ابى داود من رواية أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إزرة و (أزرة) المسلم إلى أنصاف ساقيه إلى نصف الساق ولا حرج أو لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، يعنى إن مد الثوب إلى الكعبين، عظمان ناتئان فلا حرج عليه، وما كان أسفل من الكعبين ففى النار ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه.

وعليه يتلخص معنا أحكام الإزار لبسه وجره، السنة أن يكون إلى منتصف الساق ويباح للإنسان أن يمده وأن يطوله إلى الكعبين بحيث لا يستران الكعبان فليس لهما حظاً من إزار المسلم وثوبه وقميصه، إذا استرخى الإزار من غير قصد منك ولا علم فلا حرج عليك فثيابك لو قدر أن هذه الحاشية فتقت وأنت تصلى أو فى السوق فلما فتقت طال الثوب، الأصل كان إلى حدود الكعبين فما فتقت وهى بحدود أربعة أصابع نسى نفسه، وهذا يقع مع كثير منا أحياناً ثوبه يقتق حاشية الثوب المطوية تقتق تنقطع خيوطها فالثوب يطول يصبح نزل عن الكعبين، هذا من غير قصد منك ولا إرادة فلا حرج عنك ولا جناح إن لم تقصد بما حصل عرضاً الخيلاء، هذا حصل من غير قصد منك فحالك إن شاء الله كحال أبى بكر لست ممن يفعله خيلاء، إذا حصل بدون قصد ثم تذهب إلى بيتك تخيطه وتتعاهده، وإذا جر إزاره خيلاء لا ينظر الله إليه، وإذا جر إزاره لا خيلاء ولا كبرا فما نزل عن ذلك ففى النار قصد الخيلاء أم لم يقصد، هذه أحكام خمسة للإزار، هذه الأحكام لهذا الإزار وأن السنة ينبغى أن يكون الإزار إلى منتصف الساق ولا حرج إلى الكعبين لا حرج جرى كثير كما قلت من الأعراف فى كثير من البلدان على خلاف هذا سوآء الذى سيا يعنى الثياب والقميص أو الإزار أو البنطلون، حتى تراه يلبس بنطلون أيضا وعدا عن كونه يعنى ليس بلباس الأخيار لكن مع ذلك يسبل فينزل عن الكعبين وفوق الحذاء بحيث يصل إلى الأرض طيب لما؟ يعنى من جميع الجهات حزمت نفسك وضيقت يعنى لما فقط من الأسفل تريد أن تطول،؟ سبحان ربى العظيم عادة جاهلية، وتأتى بعد ذلك لمن يلبس الثوب أو الإزار يجر لما تجر، يعنى تتشبه بالمرأة؟ ما رخص للإنسان أن يجر ثوبه إلا إذا كان إمرأة شبراً أو ذراعا، أنت لما؟ يعنى عندما تجر ثوبك لما؟ الجر حرام حرام، ثبت فى صحيح البخارى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو الخليفة الراشد عندما طعن وهو فى مرض الموت على فراش الموت ودخل

الصحابة عليه يسلمون عليه ويثنون عليه دخل شاب من الأنصار فأثنى على عمر فلما ولى رضي الله عنهم أجمعين وجده يجر إزاره فناداه وقال له: ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك، وفى رواية أبقى لثوبك وأتقى لربك، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه كما فى تاريخ المدينة المشرفة على نبينا صلوات الله وسلامه لعمر بن شبة رحم الله عمر لم يمنعه من قول الحق ما كان فيه يعنى بطنه مفتوحة والدماء تسيل منه وهو على فراش الموت وما هى إلا لحظات حتى يفارق الدنيا ومع ذلك ما منعه من قول الحق هذه الحالةالتى هو فيها مع ذلك أمر بمعروف ونهى عن منكر إرفع ثوبك، فالرفع أنقى لثوبك من الأوساخ، أبقى لثوبك لأنه إذا اتسخ وغسلته يتلف ويتمزق، فيبقى فترة أطول، أبقى وأنقى ثم أتقى لربك جل وعلا، هذا هو الحكم الشرعى فما يسير عليه بعد ذلك بعض الناس على حسب أعرافهم عرف جاهلى، كل عرف ينبغى أن يطرح إذا خالف ما جاء فى شريعة الله المطهرة، وتقدم معنا عرف معتبر وعرف منكر، فكل عرف عارض نصاً شرعياً فهو عرف منكر ينبغى أن يلغى وألا يعتبر، وإذا أراد الإنسان أن يسير على عرف قومه وعادة آباءه وأجداده فلا داعى إذاً لا لإرسال رسل ولا إنزال كتب، كل أمة ما تقول ما قاله الضآلون قبل هذه الأمة {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا غلى آثارهم مقتدون.} ، هذا لا يصلح ويصح، فلا بد من تحكيم شريعة النبى عليه الصلاة والسلام فى جميع شئون الحياة {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} .

خذ مثالاً آخر هذا اللباس الظاهرى يعنى جرى حوله عرف ردى جر الثياب لباس داخلى معنوى وهو ما أشار إليه ربنا {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن.} ، انظر لعادات الجاهلية نحو ذلك اللباس الثانى التى وجدت فى هذا العصر وهى موجدة فى كل عصر، وجدت عادات جاهلية وأعراف ردية نحو المرأة فى كثير من أحوالها وأمورها فى هذا العصر وهى موجودة فى كل عصر، وجدت عادات جاهلية وأعراف ردية نحو المرأة فى كثير من أحوالها وأمورها وفى صلة الرجل بها، منها موضوع التزاوج بين الذكور والإناث والدافع لهذا التزا وج ما هو الدين فى المرأة والدين فى الرجل هو الذى اشترطه الإسلام، وتنكح المرأة كما ثبت فى الصحيحين وغيرهما والحديث فى الكتب الستة أيضاً باستثناء سنن الترمذى من رواية أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال [تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها فاظفر بذات الدين تربت يداك] ، وهكذا الرجل الشرط الأساسى فيه الدين والصلاح والإستقامة كما فى سنن الترمذى وابن ماجة والحديث رواه الحاكم فى المستدرك والخطيب فى تاريخ بغداد وإسناده حسن من رواية أبى هريرة رضي الله عنه ورواه الترمذى والبيهقى فى السنن من رواية أبى حاتم المزنى، والحديث كما قلت حسن، عن نبينا عليه الصلاة والسلام [إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير] ، وفى رواية [وفساد عريض] ، قالوا: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وإن كان فيه، أى شىء مما لا يرغب فيه من قلة مال أو ذمامة فى خلقه أو غير ذلك أو نزول فى نسب، قال: [إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير، ثلاثة] على نبينا صلوات الله وسلامه يكرر هذا ثلاث مرات، هذا الذى اشترطه الإسلام، جاءك صالح يزوج، وأنت تطلب المرأة الصالحة دون اعتبار جاهلى بعد ذلك، ماذا حصل بعد ذلك فى هذه العصور أعراف جاهلية ضآلة.

يحكى لى بعض الأخوة وأنا اطلاع تام على هذه القصة عرض بعض أهل الخير من الدعاة، هذا فضلاً عن الغوات، لكن الدعاة فى هذه الأيام إذا صاروا بغاة فإلى الله المشتكى، من الدعة عرض ابنته على طلبة العلم، وذاك الطالب فى الأصل متزوج وهنا نريد أن نتحفك بها زوجة ثانية، فقال: ليس عندى مانع ولا حرج والله أحل لنا مثنى وثلاث ورباع، وبعد حصول رؤية ودفع المهر واتفاق على كل شىء وتحديد موعد للعقد مع محكمة شرعية فى ذلك المكان ودعوة الناس إلى الوليمة، وإذ الإنتكاس فجأة، لما؟ قال: نتوقف فترة والسبب، يعنى بدا كل شىء فى دينه فى خلقه لا ماذا تريدون، يقول: ما دعونا أحداً إلى الوليمة إلا عيرنا، ما عندكم طعام تطعمون به ابنتكم حتى تزوجوها لمتزوج؟، ويقول: قال بعض الضعاف الذين هم على شاكلتهم: إذا لم يكن عندك طعام أنا مستعد أرسل لك كل يوم طعامها إلى بيتك، وفعلاً قلبوا، ومعنى أن رتب كل شىء وأعادوا بعد فترة المهر لهذا الإنسان قال: لن نزوج، ما هو السب؟ بعض العرف الجاهلى، كيف نزوج متزوج؟، هذه جريمة، وهذا لن يفعله، هذا لو فعله الجهلة لكان فيهم جهلا ونقصا وعيبا، فكيف لو فعله من يعتبر من الدعاة ممن يسلكون مسلك السالف الصالح على تعبيرهم، إلى الله المشتكى، فاتصل ولدان بالوالد من أولاده ليقنعانه يا والدى أنت كنت تقول لنا: إذا سلك الناس هكذا أنا أسير هكذا، لأن الناس يسيرون على ضلال وإذاً الإتجاه المعاكس هو الهدى، قال: ما بالك يا أبى صرت تركض وراءهم، يعنى أنت كنت تقول لنا أنت على خلاف الناس فلما تغير كلامك، قال: لا أستطيع كل من نعزمه يعيرنا، يقولوا: لمن تزوج ابنتك؟ يقول: لفلان، لفلان؟ متزوج؟ متزوج، وزيادة أنت أيضاً عرضت عليه، لهذه ـ لأنك ما تطعمها ما تتقى الله فى ابنتك، يقول له الولد: يا ابى اتقى الله زوجت أختنا التى أكبر لإنسان مهندس ليس عنده زوجة ما كانت تحفظه من القرآن عندك نسيته عندزوجها، اتق الله

فى أختنا، يقول: ما أستطيع الأعراف أنا أحرج أمام الناس ماذا أعمل، وفعلاً ألغى النكاح وانتهى الأمر عرف جاهلى. وحضرت مرة بعض الأعراس ـ يعنى حضرت قصته يخبنى بعض الأخوة، يقول لى: يا شيخ كل عمل جاهلى عمل فى العرس، ويقول لى هذا الأخ وهو خطيب مسجد، يقول: أخذت زوجتى إلى العرس، يقول: عادتنا فيما بيننا أننا إذا نزلت المرأة لتدخل العرس أترك حتى العباة فى البيت لأن بيت العرس لا يدخله أحد خاص بالنساء، يقول: هذه عادتنا فى بعض الأماكن، يقول: فزوجتى تركت عباءتها لما نزلت من الباب وحتماً خطأ، لكنه هكذا يقول، ودخلت إلى هذا البيت الذى خاص بالنساء، يقول: وما فوجىء النساء بعد ذلك إلا بدخول الزوج ودخول بعد ذلك أقرباءه من الذكور وآلات تصوير وفيدوا يصورن الحاضرات فزوجتى تختبىء وراء كرسى ووراء طاولة ونحن أنكرنا بعد ذلك وما أحد وافقنا على هذا وتم العرس بسلام، بعد شهور صارت خصومة بين إخوة والد الزوجة ووالد الزوجة لما؟ قال: تبين لنا أن الزوج الذى تزوج بنت أخينا وهم أعمامها لا يكافؤنا فى النسب، ـ هو دوننا فى النسب، ويقول لى هذا الأخ يقول لا يصلى ولايصوم ويشرب الخمر ويفعل كل رذيلة وفعل كل هذا فى العرس، كل هذا لا قيمة له، إنما بعد فترة تبين أنه فى النسب دونهم، فقاموا يصولون ويجولون ويهددون أخاهم بالقتل إن لم يأخذ إبنته بنت أخيهم من هذا الزوج للألا يعيروا أمام الناس كيف ابنتهم عند إنسان دونهم فى النسب، وأن دونهم فى الدين هذه لا قيمة لها أعراف جاهلية نسير عليها فى هذه الأيام.

وقال لى بعض إخواننا الكرام وهو من أسرة طيبة كريمة لما كنت فى بعض البلاد يقول: كنت مع قومى وذكر موضوع النكاح، وقلت: ينبغى الإنسان أن يزوج الرجل الصالح، قال: أنت تزوج يعنى لو جاءك رجل صالح من غير قبيلة، قال: نعم، يقول: فقال لى بعض الحاضرين والله لو جاءنى محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وفداه أنفسنا وأبآءنا وأمهاتنا لما زوجته، أعوذ بالله من هذا الكفر، أعوذ بالله من هذا ـ وهو مسلم يصلى الصلوات الخمس فى المسجد {ومن الناس من يقول أمنا بالله وباليوم الأخر وما هم بمؤمنين} ، ليتنا كنا إماء يخدمن النبى عليه الصلاة والسلام ومن يحظى بذلك؟، وأنت يا صعلوق البعيد لو جاءك الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه ليس من قبيلتك ولا نسبك لا تزوجه ابنتك؟ والله لا تسوى بولة حمار أنت الذى تقول هذا الكلام، لكن ماذا يقول الإنسان؟ هذا يقوله من يدعون اتباع النبى عليه الصلاة والسلام وأنهم اهتدوا بهداه واستناروا بنور الوحى، هذه مفاهيم جاهلية، أعراف وتقاليد، ما الفارق بين هذا القول وبين أبى طالب هو على ملة عبد المطلب ولذلك كثير من العبادات الآن تفعل لا على أنها عبادة، على أنها عادة، يعنى المرأة اعتادة أن تتحجب تتحجب، ذهبت إلى بلد أخر يسفروا سفرت، رجل اعتاد أن يطلق لحيته أطلق، ذهب إلى مكان يحلقون حلق، بين قوم يصلون صلى، بين قوم لا يصلون لا يصلى، هذا ليس بدين، الدين أن تعرض أحوالك كلها على شريعة رب العالمين فيما أحببت وفيما كرهت، ولا يتحقق الإيمان بدون هذا.....

أعراف جاهلية فى أمر النكاح لا إله إلا الله، أمر الإختلاط، الإختلاط إخوتى الكرام، هل الإسلام قائم بين الصنفين بيننا وبين هذا اللباس المعنوى لنا أن المرأة ينبغى أن تفصل عن كل أجنبى عنها، والأحنبى: هو من يحل لها أن يتزوجها، كل من يحل له أن يتزوج المرأة فهو أجنبى عنها، فخرج اهل المحارم الذين تحرم عليهم المرأة حرمة مؤبدة، فأخو الزوج أجنبى ابن العم اجنبى ابن العمة أجنبى ابن الخال والخالة أجنبى، الذى من القبيلة أجنبى، هذا ينبغى أن تنفصل عنه، فلا يجوز أن تختلط معه، لايجوز ليس لأن تكشف عن وجهها أمامه، لا يجوز أن تختلط يعنى الإختلاط، يعنى حضور الذكور والإناث فى مكان واحد لا يجوز، لا يجوز، لا يجوز، إلا فى الأماكن العامة لضرورة، فى المسجد هن فى جهة ونحن فى جهة، ومن شارع عام، أما أجلس فى بيت ومعى زوجة أخى أوبنت عمى متحجبة أو سافرة كل هذا حرام، بحضور زوجها وبعدم حضوره هذا اختلاط، ولا يجوز الإختلاط بين الذكور والإناث إلا فى الأحوال العامة لضرورة، ما عدا هذا لا يجوز، انظر لأعراف المسلمين نحو هذا الأمر، الإختلاط كأنه صار سنة ماضية، يعنى تأخذ زوجة أخيك تجلس تاكل معها حتى فى /، الإناء الذى يأكل هو منه، وقد تلمس يده يدها، قد، ولما؟ يقول هذه زوجة أخى، وقد يأتى بعد ذلك ضآل بسم الشرع يقول: متحجبة حجاب شرعى، يعنى سترت نفسها إلا وجهها وكفيها، حجاب غوى ليس بحجاب شرعى، من الذى أباح الإختلاط، سوآء كانت متحجبة أو لا، وخلتطة النساء بالرجال فى شرعنا من أقبح الخصال، وسمت الفساق والجهال فى كل وقت وبكل حال ومن أجل موجبات الطرد، الإختلاط من أشنع ما حصل فى الأمة الإسلامية فى هذه العصور الردية، طاغوت العرف والعادة، ولو أن إنساناً تزوج الأن من أسرة مسلمة وأراد أن يحجب زوجته عن إخوته لقامت الدنيا وما قعدت ــ ستفرق الأسرة أنت تهدمها، إخوتك يعنى سيخونون، يا عباد الله ليس الموضوع لا اتهام لا لزوجتى ولا لإخوتى،

هذا حكم الله، لا يجوز أن تظهر هذه المرأة أمامهم ولا تختلط بهم، {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من ورآء حجاب} ، ولو أن الأخ جاء إلى البيت وما فتحت له زوجة الأخ الباب أيضاً قامت الدنيا، كيف أخوك يطرد، هى بمفردها، كيف يدخل عليها هذا الأجنبى؟ إما أن ينصرف وإما أن ينتظر عند الباب حتى يأتى هذا الأخ، وإذا كان هناك حجرة منفصلة، يدخل إليها بغير استئذان فليدخل، وأما من لا يدخل إليه إلا باستئذان فلا يجوز أن يدخل هذا الأجنبى ولا يوجد هناك زوج، كلها أعراف ضآلة جاهلية وجدت فى هذه الأوقات ما أنول الله بها من سلطان، وزالذى يخرج عنها يرى عنتا ومشقة وحرجا.

انظروا إخوتى الكرام لقصة جرت فى العصر الأول محمد بن اسحاق من رجال أهل السنن الأربعة وروى له مسلم مقرونا صاحب المغازى إمام علم وهو من التابعين رأى أنس بن مالك وتوفى قيل سنة 150 للهجرة فى السنة التى توفى فيها الأمة أبو حنيفة عليهم رحمة الله، وقيل 51 وقيل 52، وهذا أقصى ما قيل فى وفاته، محمد بن اسحاق رحمه الله ورضي عنه، روى عن فاطمة بنت المنذر حديثاً وهى زوجة هشام بن عروة، فهشام بن عروة، ما تحمل هذا وتضايق منه، يقول يحيى بن سعيد: فمل بلغ هشام رحمه الله ورضي الله عنه، بلغه هذا الخبر إختاظ وتضايق وقال: يزعم محمد بن اسحاق أن زوجتى حدثته، والله إن قط، يعنى ما رأها قط، من أين يروى عنها، وبدأ يتهمه بالكذب ويقول: محمد بن اسحاق كذاب وروى الأئمة الثقات كما قلت حديثه فى حديث مسلم مقرونا وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن الحال رحمه الله ورضي الله عنه، يقول الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء معلقاً على هذه القصة ليتنى حددت الجزء والصفحة، على كل حال يقول: ما زعم محمد بن اسحاق أنه رأها ولا يلزم من روايته عن فاطمة بنت المنذر أن يراها، فما قال: رأيت زوجتك، حتى أنت غضيت، قلت: من أين اختلط بها وأخذ الرواية عنها، ما قال هذا، يقول وقد سمعنا من نساء كثيرات والله ما رأيت واحدة منهن، هذا كلام الذهبى، وقد كان التابعون يسألون أمنا عائشة رضي الله عنها وما رأو لها صورة قط، يعنى هل يلزم من سماع الحديث رؤية واختلاط؟ لا يلزم، فاطمة بنت المنذر فقيهة محدثة روة حديثا عن النبى عليه الصلاة والسلام فلعلها روته فى المسجد فمحمد بن اسحاق كان حاضرا فسمعها فنقل عنها، يقول: حدثتنى أو سمعت فاطمة بنت المنذر تروى ثم ساق الحديث، لكن ذاك الرجل ما تحمل، يغنى كيف هذا يروى عن زوجتى، أين راءها، وهذه يعنى حمية إسلامية لكن حقيقة إذا زادت عن الحد ففى غير محلها.

وأذكر إخوتى الكرام ونحن صغار عندما يسألنا المدرس ونحن فى المرحلة الإبتدائى ما اسم أمك؟ نقول عيب يا أستاذ، عيب ما تريد منها، اسم أمك، كيف أقول اسم أمى؟ وما أحد منا يبوح باسم أمه لو ضريت رقبته، إسم الأم عيب، مع أنه لا حرج فيه، يعنى أنت عبد الرحيم بن أحمد، طيب الأم لا يريد يسجل يقول: عيب، إسم أمك عيب ماذا تريد من أمى، وحقيقة هى فى الأصل شهامة إسلامية أصلها وغير إسلامية أن المرأة عند ما نسمى ينوط الحديث عنها، فأنت عندما تقول حجثتنى، قد يوهم أنك جلست معها، قد يوهم أنك اختلط، قد قد، من أين لك هذا؟ أنت ما رأيتها قط، فاتهمه بالكذب من أجل الرواية عنها، قال الذهبى:ما زعم أنه رآها وأنه يلزم من الرواية أن يرآها وقد روينا عن نساء صالحات ما رأيت واحدة منهن، فلا يلزم إخوتى الكرم هذا الأمر كون الإنسان يتلقى العلم عن امرأة ويسمع صوتها فيقال ليس بعورة، فتنة إذا أُمنت فلا حرج، والمرأة تتلقى العلم عن الرجل فلا حرج لكن بالضوابط الشرعية عدم الإختلاط، يوجد حاجز بين الصنفين وهو يتكلم وهى تسمع، أو هى تتلكم وهو يسمع، فلا يراها وهى لا تراه، أى حرج فى ذلك؟ لا حرج فى ذلك وهذا الذى كان يفعله سلفنا مع أمنا عائشة رضي الله عنها ومع النساء الصالحات التى يحدثن بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام من وآء حجاب، لا حرج وإذا اضطر الرجل إلى تعليم النساء اضطر الأصل أن يعلم النساء امرأة وأن يعلم الرجال رجل، إذا اضطر فالمسائلة لها حل شرعى ولا حرج، ليس من الحكمة أن يبقى النساء جاهلات، وليس من الأدب والشرع أن نخلط بين الأستاذ والطالبات، إذاً ماذا نفعل؟ كان شيخنا الإمام الصالح اليشخ عبد الرحمن زين العابدين عليه رحمه الله يدرس للبنات عندنا فى الثانوية الشرعية التى يدرس فيها بنين وبنات، بنين فى قسم وبنات فى قسم، ففى المواد الشرعية لا يوجد نساء مؤهلات لتدريس المواد الشرعية فإذاً ضرورة، يقول لى: والله يا ولدى ما

وقعت عيناى على صورة بنت فى المدرسة، قلت سبحان الله كيق تدخل إذا!؟، قال: يا ولدى يخلى لى الطريق عندما أريد أن أدخل إلى الفصل، سنة ثالثة ثانوية رقمها مثلاً حجرة 10، يخلى لى الطريق إليها بواسطة حارس زوجته تحرس فى مدرسة البنات، فتخلى له الطريق، يدخل له الحارس إلى ثالث ثانوى عرفته، فإذا أردت أن أدخل وقت المحاضرة خلى لى الطريق، وإذا خلى يكون البنات يكن فى الفصل جالسات، فإذا دخلت عند دخولى للفصل أغض طرفى ولا أرى بعين واحدة ثم أوليهن ظهرى، ويستقبل الجدار ويشرح حت تنتهى المحاضرة، انتهت طوى كتابه وخرج وعند المدرسة إعلان عام لا واحد يخرج لأنه يوجد رجل فى هذه المحاضرة، فالفصول كلها مضبوطة لا تفتح باب، فيخرج الشيخ من طريقه ويغادر ماذا جرى؟ فلا حرج، فهذه صفة شرعية، أما يأتى رجل يقابل نساء أو امرأة تقابل رجال، والأشنع من ذلك والأنجس أن نأتى بالرجل ليدرس النساء، والمرأة لتدرس الرجال، والله ليس هذا كفر، هذا أشنع أنواع الكفر، لأنه لا يوجد ضراوة إذاً على الإطلاق، لو وجد ضرورة ودخل الرجل بالصفات الشرعية لابد ربما يحتاط وهو صالح ويوجد ضوابط شرعية يستقبلهن كما قلت بظهره ويلهن ظهره، أما أنه يوجد مادة واحدة لها مدرس ومدرسة فنرسل المدرس إلى البنات والمدرسة إلى البنين ثم يقول بعد ذلك المسئول اللعين عندما يتكلم معه، يقول: أريد منكم أن تتعلموا الإتصال بالنساء وألا يبقى بين، يعنى بينكم وبين النساء حواجز تدخل عليكن امرأة تتهذب أخلاقكم، ما فى داعى يعنى لهذه الفجوة، أنت يعنى ما فى داعى لهذه الفجوة ماذا تريد؟ تريد أن يكفر الطلاب، تريد أن يكفر ولما عرض الأمر على فى بعض الأماكن: قلت للطلاب الحكم الشرعى إذا اضطررتم يعنى لايجوز الدراسة أن تدرسكم امرأة بحال من الأحوال، لكن أرى بعد أن تكلموا المسئولين إذا ماحصل نتيجة أقل الأمور ـ حتى هذه المدرسة تخرج ولوها ظهوركم، إذا تكلمت ما أحد يجيب، إذا جاء أحد من

المسئولين، قولوا: ماذا تريد منا؟ مدرسة فى عمرنا يعنى أن نجلس وكل واحد يفكر فى الشهوة ويتحرك منه وينتشر تريدون هذا، أو تريد احد منا يعتدى على هذه المرأة فى وسط الفصل، ماذا تريدون؟، هذا تعليم أو تدمير مذا تريدون؟، انظر روى عن امرأة فلما روى ما رأى عورة، الذهبى يقول: لا على رسلك وعلى مهلك لا يلزم أنه رآها وهو ما ادعى أنه رآها، وقد سمعنا نحن من نساء وما رأيتهن، وكان التابعون ينقلون عن أمنا عائشة رضي الله عنها وما رأوها، هذا إخوتى الكرام لابد منه ولا نريد بعد ذلك عقة مصتنعة ولا نزاهة مزورة، الذى يقول: نخلط بين الصنفين، بين المدرس والطالبات، بين المدرسة والطلاب، بين الطلاب والطالبات، الذى يخلط بين هؤلاء الأصناف ثم يقول:لا يقر الزنا فهو كذاب كذاب، متى ما حصل الإختلاط حصل الزنا شاء الناس أم أبو، نحن عندما يمنع الإختلاط تدرون حتى فى الشارع لا يجوز للرجل أن يختط بالمرأة وأن يسير بجنبها فى شارع لا أن يجلس بجوارها فى فصل خمس ساعات قد لا تجلس هذه المدة هى مع زوجها، فى شارع لا يجوز، وانظر لهذه الصورة فى أطهر العصور وفى أفضلها عصر النبى عليه الصلاة والسلام مع الصحابة والصحابيات، ثبت فى سنن أبى داود وكتاب شعب الإيمان للبيهقى وإسناد الحديث حسن عن أبى أسيد الأنصارى، قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارجاً من المسجد وقد اختلط النساء بالرجال، فى الشارع العام صحابيون وصحابيات وبينهم خير خلق الله عليه وعليه جميعاً صلوات الله وسلامه، سمعته يقول [يا معشر النساء إستأخرن ليس لكن أن تحققن الطريق (أى أن تسرن فى حقه وفى وسطه) عليكن بحآفة الطريق] ، خرجتن من المسجد لا داعى للوسط هذا يسير رجال، رجال مع نساء صار اختلاط، وهذا الإختلاط ممنوع حتى فى هذا المكان، عليكن بحآفة الطريق، يقول أبو أسيد: فلقد رأيت المرأة تلتسق بالجدار عندما تمشى حتى يكاد ثيابها أن تعلق بالجدار من لصوقها به،

صحابيات مع صحابين قلوب طاهرة فى زمن نزول الوحى حصل اختلاط صاح النبى عليه الصلاة والسلام بأعلى صوته:يا معشر النساء إستأخرن ليس لكن أن تحققن الطريق، أن تسرن فى حقه وفى وسطه على حآفته صاح النبى عليه الصلاة والسلام بأعلى صوته: يا معشر النساء إستأخرن ليس لكن أن تحققن الطريق، أن تسرن فى حقه وفى وسطه على حآفته، وثبت فى صحيح ابن حبان والحديث رواه أيضاً البيهقى فى شعب الإيمان من رواية أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [ليس للنساء وسط الطريق] ، لا يحل لمرأة أن تمشى فى وسط الطريق، على جانبه الأيمن أو الأيسر، ليس للنساء وسط الطريق، والحديث رواه البيهقى فى شعب الإيمان من رواية أبى عمر بن شماس، ان النبى عليه الصلاة والسلام قال: [ليس للنساء وسط الطريق] ، وسط الطريق لايسرن فيه.

يقول الإمام أبو بكر بن العربى فى أحكام القرآن عند تفسير قول الله {وقرن فى بيوتكن} فى سورة الأحزاب، يقول: لقد دخلت أكثر من ألف قرية فما رأيت نساءً أصون ولا أستر من نساء نابلس فى البلاد المقدسة فى بلاد فلسطين، يقول: فأقمت فى تلك البلاد أشهرا فما وقعت عيناى على امرأة قط فى شارع فى سوق إلا فى يوم الجمعة فقط، يخرج النساء وهن متسترات حتى كدن أن يلتسقن بالجدر عندما يمشون إلى المسجد ليشهدن موعظة ثم يعدن فلا يرن بعد ذلك إلى الأسبوع الآتى، نساء فى الشوارع لايوجد، وحقيقة هذه هى الحمية الإسلامية وهذه هى الصفات الشرعية لهذين الصنفين لا اختلاط بين الذكور والإناث إلا فى الحياة العامة بمقدار الضرورة بهذه الصفات، وأما كما قلت رخصة مصتنعة والقلوب طاهرة، وبعد ذلك نزاهة مزورة دعونا من هذا، وإذا أردت أن تتحقق أثر الإختلاط بين النساء والرجال فانظر للحديث التالى الذى رواه مسلم فى صحيحه وأهل السنن الأربعة لترى أثر الإختلاط من رواية أبى هريرة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [خير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها، وخير صفوف النساء أخرها وشرها أولها] ، طيب لما؟ لما صلت فى أول الصفوف صار بينها وبين الرجال قرب، لأن النساء كن فى عهد النبى عليه الصلاة والسلام يصلين ورآء الرجال، فالتى تصلى فى أول الصفوف يكون بينها وبين الرجال مسافة قريبة، فترى حركاتهم تسمع أصواتهم إذا هذه صلاتها أنقص أجرا، والمراد من الخيرية كثرة الأجر والشرية قلة الأجر، فإن قيل أجر معبر عنه بالشر والنقص، نقول: نعم لأن من قدر على الكمال تركه وأخذ ما دونه يعتبر ناقصا، ولم أرى فى عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام إذا أردت أت تصل إلى التمام ثم نقصت عنه هذا شر بالنسبة لهذا النقص وإن كان خيراً من ناحية وقعه العام وحقيقته هو خير، وجميع صفوف الصلاة خير لكن ليس حال من أمكنه أن يصلى فى الصف الأول وتأخر كحال من أمكنه أن يصلى فى

الصف الأول وصلى فى الصف الأول، هذا الخير فيه أكثر وذاك أقل، فذاك عندما فوت على نفسه الخير الأكثر كأنه صار شر ونقص فى حقه، قال أئمتنا: وهذا إذا صلى الرجال والنساء، والنساء ورآء الرجال، أما إذا صلى النساء لأنفسهن فيما بينهن فخير صفوفهن أولها وشر صفوفن أخرها. إذاً هذا أثر الإختلاط فى بيت الله فى حال مناجات الله المرأة إذا ابتعدت عن مخالطة الرجال كان أفضل وأتقى لها، هن الذين منعوا من تلك الأمور وأما هؤلاء أبيح لهم ما حرم على سلفهم، نعوذ بالله من هذا الفهم وهذا الحكم.

إخوتى الكرام: موضوع المرأة هو أعظم حاجز بين الحياة الإسلامية والغربية، فعندنا المرأة عرض يصان، وعندهم سلعة مبتذلة وسيلة للشهوة والتلهية فانتبهوا لهذا، والأعراف الضآلة نحو المرأة كثيرة كثيرة لا أريد أن أسترسل فيها إنما أريد أن أقول: ما يشاع من أنه ينبغى على المرأة أن تكشف وجهها إظهاراً لإنسانيتها وأن سترها لوجهها إمتهان لشخصيتها وهكذا ضياع لهويتها، أقول: إن الدعاية إلى ذلك لا تصدر إلا من خبيث وهو من أكبر أعوان إبليس، فأعظم ما يميز حياء المرأة ويبين طهارتها سترها لوجهها، وأختم الكلام على ذلك بكلام ذكره شيخ الإسلام الشيخ مصطفى صبرى عليه رحمه الله وهو شيوخ الإسلام للدولة الإسلامية العثمانية، وتوفى من قرابة أربعين سنة 1373 للهجرة من واحد وأربعين سنة عليه رحمه الله، يقول فى كتابه قولى فى المرأة وتضمن مقالتين اثنتين لا ثالث لهما بحدود سبعمائة صفحة، السفور والإحتجاب، يقول: ولا خلاف أيضا فى أن السفورحالة بداوة وبداية فى الإنسان، ويراد من السفور كشف الوجه كما سيأتينا، والإحتجاب طرأ عليه بعد تكاملها رواج دينى أو خلقى نزعه عن الفوضى فى المناسبات الجنسية الطبيعية ويسد ذرائعها، ويكون حاجزاً يبن الذكور والإناث ...

إنتبه، وقد خص الإحتجاب بالمرأة دون الرجل، أى حجاب؟ الوجه وأية الحجاب التى فى سورة الأحزاب ما زالت أصالة لستر الوجه ليس إلا، {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما} ، أية الحجاب نزلت لستر ما كان يكشف وما كان يكشف فى أول الأمر إلا الوجه والكفين، فكل ما يقوله منك أية حجاب، إذاً ينغى نقول بوجوب ستر الوجه، يقول هنا: وقد خص الإحتجاب بالمرأة دون الرجل لإشتغله فى خارج البيت فلو حجبته لتأخر عن عمله وشق عليه أن يزاول الأعمال والمهن، ولأن موقفه فى المناسبات الجنسية، أى عندما يريد الإتصال بالمرأة موقف الطالب، وهو طالب وهى مطلوبة، فهى تتحجب وهو يطلب، وموقف المرأة موقف المطلوب، فيكون منه الطلب والإيجاب من القبول أو الإداء، واحتجابها يعنى ستر وجهها وسام ردائها وهو متحمية به أمام الرجل كى لا تحتاج إلى الأداء والرفض باللسان أو باليد، عندما سترت المرأة وجهها كأنها تقول للرجال: لا مطمع فىّ، هذا هو حتى لا ـ إذا كشفت متى كشفت هذه الأمانة على الر غبة يتعرض لها الإنسان، تريدينى بعهر أو بطهر بحلال أو بحرام، تقول: لا حتى لا تمتهن المرأة تقول لا لالا، تكثر من لا، سوآء فى زواج أو فى حرام، تغنيها عن هذا ـ ستر الوجه، إذا كان الوجه مستوراً فهى لا تستطيع أن تقترب ولا أن تتعرض ولا أن تصرح، لا إله إلا الله، واحتجابها وسام ردائها وهى متحلية به أمام الرجل كى لا تحتاج إلى االإداء والرفض باللسان أو باليد ففيه صونها عن أن تكون عرضة للرجال فإذا تصدى لها الرجل وراودها بلاحاظه وأرادت هى قبول مراودته تسفر له، هو يمن عن قبولها الطلب، وسفورها لرجل معين من غير سبق طلب منه، إذا كشفت المرأة وجهها أمام رجل من غير طلب، إذا طلب وكشفت يدل على أنها راضية به قيل فلان يخطبك يابنتى فقابليه فسفرت وجاءت دليل على الرغبة، وإن قالت: والله ما أقابله

ولا أكشف وجهى أمامه ولو قطعتمونى دل على أنها رافضة، سفورها أمام رجل من غيرطلب، على أى شىء يدل، انظر لكلام شيخ الإسلام: وسفورها لرجل معين من غير سبق طلب منه شعار قبول متقدم على الطلب وإغرار له بالطلب، كأن تقول أنا راغبة راغبة وأنت لا تفهم على أى كشفت الوجه وهذا ـــ نحن معشر النساء افعل أنا أغريك أريد منك أن تتعرض، أريد أن تطلب، بزواج وبغيره هذا على حسب وضعها ووضعه، وسفورها العام شعار القبول والإغراء العامين، إذا سفرت عن وجهها على كل أحد وبرزت إلى الشارع دل أنها راغبة فى كل أحد، كأنها تقول: معشر الرجال إلىّ إلىّ، ما أحد يفهم عنى ولا أحد يتدبر حالى سفورى العام دليل على الرغبة العامة، هذا الحال فى المرأة شاء الناس بعد ذلك أم أبو ومهما أرادوا أن يستروا هذا الحال بعبارات معسولة وأن هذا لا يعنى رغبة ولا يعنى تطلعاً ولا ولا كله باطل باطل. إذاً موضوع حجاب الوجه كما قلت لن أتكلم عليه وأفصل الكلام، وكنت تعرضت له فى حجاب المرأة المسلمة فإذا أمكنكم أن تسمعوا تلك المحاضرة لعل الله ينفعنى بما نسمع بفضله ورحمته، هتان صورتان ذكرتهما ما يتعلق باللباس الظاهرى ثم باللباس المعنوى، وهناك بعض الصور كان فى نيتى أن أذكرها لكننى أريد أن أقف عند هذا الحد وأعد إن شاء الله وعداً إن أحيانى الله ولا أريد أن أغيره كما هو الحال فى كل موعظة، فى الموعظة الآتية أنم نبدأ فى المبحث الثانى فى تعريف النبى والرسول والفارق بينهما إن أحيانا الله وبقيت الأمور التى حصل فيها عرف جاهلى وما ينبغى أن نسير يعنى نحوها وفيها نحو أعراف الجاهلية كثيرة كثيرة، وهى معلومة ويأتى الكلام عليها ضمن مواعظنا ومباحثنا إن شاء الله.

أسأل الله برحمته أن يلهمنا رشدنا وأن يجعل أعمالنا صالحة ولوجهه خالصة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اغفر لآباءنا وأمهاتنا واغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا ولمن أحسن إلينا ولجيراننا ولأزواجنا وأولادنا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أفضل البقاع المساجد

أفضل البقاع المساجد (حديث ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان أفضل البقاع المساجد الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلم نجد له وليا مرشدا الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنه وهو اللطيف الخبير اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله بيدك الخير كله واليك يرجع الأمر كله أنت رب الطيبين وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض الأعلى الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كلا في كتاب مبين يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا اله الا هو فأنا تؤفكون الكرام أن المساجد هي أفضل البقاع وأحبها إلى رب الأرض والسماء ففيها نوره وهذه وإليها يأوي الموحدون المهتدون وحقيقة حقيقة هم الرجال الذين يتصفون بأطيب الخصال فهم الذين لا تلهيهم البيوع والتجارات عن طاعة رب الأرض والسماوات وهم الذين يعظمون الله فيسبحونه ويصلون له وهم الذين يشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم وهم الذين يخافون من ربهم ويستعدون للقائه "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها أسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار".

نعم إخوتي الكرام هؤلاء الرجال حقا أحسنوا صلتهم لربهم عز وجل وأحسنوا صلتهم لعباد الله فعظموا الله جل وعلا وأشفقوا على عباد الله ومع ذلك اتصفوا بالخوف من الله جل وعلا والوجل منه وهذا من علاقة سعادتهم كما قال العبد الصالح أبو عثمان النيسا بوري وهو سعيد الله إسماعيل الذي توفى سنة ثمانية وتسعين ومئتين من الهجرة يقول هذا العبد الصالح من علاقة سعادة الإنسان أن يعمل الصالحات وأن يطيع رب الأرض والسماوات ويخاف أن يكون مردودا مطرودا ومن علاقة شقاوة الإنسان أن يعمل السيئات ويرجو بعد ذلك أن " 24: 6" يكون مقبولا وهؤلاء العباد عظموا الله عز وجل وأحسنوا إلى عباد الله وأشفقوا عليهم ومع ذلك يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار إخوتي الكرام وهذه الصفة الرابعة التي نعتهم الله بها في القرآن كنا نتدارسها وقلت نتدارسها ضمن مبحثين اثنين حول الخوف وحول يوم القيامة أما الخوف فقد ذكرت أننا سنتدارسه أيضا من ضمن أربعة مراحل مضى الكلام على ثلاثة منها فيما يتعلق بتعريف الخوف ومنزلته الخوف في شريعة الله وثمرة الخوف وما يحصله الخائف من ربه من ثمرات طيبة في العاجل والآجل في الدنيا والآخرة وبقي علينا الأمر الرابع المتعلق بالخوف ألا وهو أسباب خوف المكلفين من رب العالمين إخوتي الكرام إن أسباب الخوف كثيرة وفيرة وهي على تعددها تحصر في ثلاثة أسباب أولها تعظيم لله جل وعلا وإجلاله وثانيها الخشية من التفريط الذي يتصف به الإنسان نحو ذي الجلال والإكرام سواء كان ذلك التفريط متعلقا بفعل الطاعات أو ارتكاب المحظورات " 18: 8 "

السبب الثالث من أسباب الخوف وهو الذي يقطع قلوب الصالحين والصديقين خشية سوء الخاتمة فهذه الأمور الثلاثة تدعو هؤلاء الرجال إلى الخوف من ذي العزة والجلال تعظيم الله جل وعلا وخشية تفريطهم في جنب ربهم جل وعلا وبعد ذلك لا يعلمون بأي شيء سيختم لهم وهذه الأسباب الثلاثة سنتدارسها إن شاء الله الموعظة وفيما بعدها فلنتدارس في هذه الموعظة السبب الأول منها إجلال الله وتعظيمه نعم إخوتي الكرام هؤلاء الرجال يجلون الله جل وعلا ويعظمونه لأنه عظيم لأنه جليل وينبغي لهذا العبد الفقير الذليل أن يجل مولاه الكبير الجليل سبحانه وتعالى لا لعله سوى ذلك فأنت فقير والله غني وأنت ضعيف والله قوي وأنت ذليل والله خليل وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن تجل الله وأن تهابه وتخافه وكل من استحضر هذا المعنى هذا لا بد أن يخاف الله عز وجل إخوتي الكرام الخوف من الله تعظيما له وإجلالا له لا من أجل ثواب ولا من أجل خشية عقاب " 12: 10 "

إنما هو إله عظيم جليل ينبغي أن نجله وأن نخاف منه وحقيقة من عرف الله جل وعلا وعرف أن ما يجري في هذا الكون من عرشه إلى فرشه ما هو إلا آثار أسمار الله وصفاته آثار صفات الجمال والجلال آثار صفات البر والقهر لا قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتعز من تشاء لآبه بغير حساب فمن استحضر صفات الكريم الوهاب أنها هي التي تعمل في هذا الكون من عرشه إلى فرشه لا بد وأن يخاف الله جل وعلا لا بد وأن يجل الله جل وعلا لا بد وأن يهاب الله سبحانه وتعالى وأن يعظمه وهذا النوع هو أعلى أنواع الخوف وقد أمرنا الله بأن نخاف نفسه وأن نخشاه حق خشيته في آيات كثيرة من القرآن فقال جل وعلا في سورة آل عمران "لا يتخذ المؤمنون................ ويحذركم الله نفسه" ويحذركم الله نفسه لا طمعا في ثوابه ولا خشية من عقابه ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير قل إن تبدو ما في صدوركم أو تخفوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير "53: 12 "

يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمرا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد نعم إن هذا الخوف هو أجل وأعلى وأرفع أنواع الخوف وقد أشار إلى هذه المرتبة في خوف الله جل وعلا الخوف منه لتعظيمه وإجلاله أئمتنا الكرام كما قال العبد الصالح ذو النون المصري وهو ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض توفى سنة خمسة وأربعين ومئتين للهجرة من العلماء الربانيين الكرام كان مجاب الدعوة ولما توفى عليه رحمة الله أظلت الطير جنازته حتى دفن ذو النون المصري ومن كلامه العذب المحكم أنه كان يقول من تطأطأ لقط رطبا ومن تعالى لقي عطبا. من تطأطأ وتواضع في هذه الحياة لقي رطبا والرطب يجنيها الإنسان عندما يلتقطها من الأرض ومن تعالى وشمخ بأنفه لقي عطبا ومن كلامه المحكم الذي تناقله أئمتنا عنه وأكثروا من ذكره ومن اللهج به وبخاصة شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية عليهم جميعا رحمات رب البرية "51:15 "

كان يقول هذا العبد الصالح والله ما طابت الدنيا إلا بمعرفة الله وبمحبته وما طابت الآخرة إلا بمغفرة الله ورحمته وما طابت الجنة إلا برؤية الله أو مشاهدته يقول هذا العبد الصالح ذو النون مشيرا إلى هذه المرتبة من أنواع الخوف المكلفين من رب العالمين خوفهم إجلالا له وتعظيما يقول خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي ويريد بذلك رحمة الله أي أن الرجال الكاملين يخشون من فراق رب العالمين ومن غضبه عليهم أضعاف ما يخشونه من نار الجحيم خشية النار الخوف من النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي ويحذركم الله نفسه نعم إخوتي الكرام إن هذه المرتبة هي اجل أنواع الخوف أن تخاف من الله إجلالا له وتعظيما له وهكذا أن تعبده لأنه إله عظيم يستحق العبادة سواء أمرك بالعبادة أو لا سيثنيك على العبادة أو لا وسواء نهاك عن مخالفته أولا وسواء سيعذبكم على المخالفة أنت تطيعه وتعبده لأنه إله عظيم " 15: 17 " فتقوم بحقوق ربك عليك في كل حين ويحذركم الله نفسه وإذا ما أمرنا الله بعبادته هل يصلح منا أن نتخلى عنه وأن لا نلجأ إليه وإذا ما جعل الله في الآخرة جنة ولا نار هل يصلح منا أن نبتعد عنه هل البعث لم تأتنا رسله وحاحمة النار لم تضرم أليس من الواجب المستحق الحياء من الرب الملهم هب أنه ليس هناك بعث وليس هناك نار تضطرم يوم القيامة وتغلي وتفور أليس من حق الله أن نعبده وأن نعظمه وأن نجله وأن نستحي منه فلا عزة ربنا وهذا المعنى قرره أئمتنا الكرام وانظروه موسعا إخوتي الكرام في كتاب مفتاح ومنشوري العلم والإرادة لابن القيم في الجزء الثاني صفحة ثماني وثمانين وما بعدها وانظروه في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد السادس عشر صفحة ثلاثة وخمسين ومئتين وما بعدها فهذا هو أجل أنواع الخوف وعبادة الله تعظيما له أعلى أنواع العبادات والسبب في هذا أن من يخاف " 12:19 "

من الله إجلالا له أعطى الرب حقه وقام بما ينبغي أن يقوم به العبد نحو سيده والأمر الثالث أن من عبد الله جل وعلا تعظيما له وخافه إجلالا له ما جعل الله وسيلة لمنفعته وشهواته ولتنعمه وللذاته إنما عبد الله لأنه إله عظيم إله عظيم يستحق منا العبادة في كل حين في كونه تكرم علينا بعد ذلك بجنات النعيم أي بزيادة الإحسان وصبر منه كما أغدق علينا نعمه في هذه الحياة فضلا منه وكرما دون استحقاق للمخلوقات على خالقها وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها والأمر الثالث أن من عبد الله إجلالا له ومن خافه تعظيما له لا ينقطع عن العبادة ولا يفتر عن الخوف وإن حصل مطلوبة وإن أسقط الله عنه الأمر والنهي وإن وإن فهو يقول أنا عبد وسيدي رب ولا يصلح للعبد إلا أن يخاف من الله وأن يتذلل له سبحانه وتعالى إخوتي الكرام هذا هو أجل أنواع الخوف ويحذركم الله نفسه وقد أشار الله إليه في آيات من القرآن وقدمه على الخوف من وعيده ومن النيران وقال جل وعلا في سورة إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم "05: 21"

والآية تقدمت معنا في ثمرات الخوف لكن انتبهوا إلى هذه الدلالة التي تطرب لها عقول الرجال يقول ذو العزة والجلال وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ديارنا أو لتعودن إلى ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد نوعان من أنواع الخوف لمن خاف مقامي وتقدم معنا أن المصدر هنا إما أنه مضاف إلى الفاعل أو إلى المفعول وعلى الأمرين في ذلك دلالة على بحثنا ألا وهو أن الخوف من الله إجلالا له وتعظيما هو أعلى أنواع الخوف ذلك لمن خاف مقامي عن قيام الله عليه بالإطلاع والمراقبة والإحاطة والقهر والسيطرة فأنت في قبضته وجميع من في هذا الكون من عرشه إلى فرشه تحت حكم الله جل وعلا ذلك لمن خاف مقامي قيام الله عليه بالمراقبة والإحاطة والقهر والسيطرة ذلك لمن خاف مقامي المصدر مضاف إلى المفعول إلى من خاف قيامه بين يدي في هذه الحياة وبعد الممات فعلم أنه فقير محتاج إلي في جميع الأوقات ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ذكر الله نوعين الخوف قدم الخوف "56: 22".

منه إجلالا له على الخوف من وعيده وعقابه وناره ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي نعم إخوتي الكرام إن هذا النوع من أنواع الخوف هو أجل أنواع الخوف على الإطلاق ويحصل هذا النوع في نفس الإنسان عندما يعرف الإنسان الصلة الحقيقية بينه وبين ربه الرحمن فأنت فقير والله غني أنت ضعيف والله قوي أنت ذليل والله جل وعلا جليل أنت لا تقوم بنفسك ومحتاج إلى ربك في جميع أحوالك والله هو الغني الحميد هذا هو أجل أنواع الخوف وكما قلت يترتب على معرفتك بنفسك ومعرفتك بربك ولذلك قال أئمتنا الكرام من عرف نفسه عرف ربه والأثر روي عن العبد الصالح يحيى بن معاذ الرازي الذي توفى سنة ثماني وخمسين ومئتين للهجرة وهو من العلماء الربانيين الصالحين في هذه الأمة وكذلك يقول لا يزال العبد مقرون بالتواني ما دام مقيما على الأماني ومن كلامه المحكم عمل كالثراء يعني لا حقيقة له ومشوب بالأخلاط والآفات عما كالثراء وقلب من التقوى خراب وذنوب بعدد الرحل والتراب " 51: 24 " ثم تطمع بالكواعب الأتراب والنظر إلى وجه الكريم الوهاب هيهات هيهات أنت سكران من غير شراب ثم يقول ما أجلك لو بادرت أجلك ما أقوالك لو خالفت هواك يقول هذا العبد الصالح يحيى بن معاذ الرازي عليه وعلى جميع أئمتنا رحمة ربنا اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا هذا العبد الصالح صاحب هذه الحكمة من عرف نفسه عرف ربه وليس هذا بحديث ينسب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام كما توهم ذلك بعض الأنام وقد حقق أئمتنا الكرام هذا القول وبينوا أنه ينسب إلى هذا العبد الصالح منهم شيخ الإسلام الإمام النووي في فتاواه المشهورة ومنهم أيضا الإمام ابن القيم الجوزية في الجزء الأول صفحة سبع وعشرين وأربع مئة من مجالس السالكين ومنهم الإمام السيوطي وألف رسالة حول هذا الأثر عن هذا العبد الصالح سماها القول الأشبه في بيان معنى حديث من عرف نفسه عرف ربه وقد ذكر الإمام السيوطي" 49: 26 "

عشرة أوجه في شرح هذا الأثر وضغطها الإمام ابن القيم عليهم جميعا رحمة الله إلى ثلاثة معاني خلاصتها الأمر الأول هو الذي يتعلق ببحثنا إن معنى هذا الأثر إما أن يكون من باب النهي أو الضدية أو الأولوية من باب الضدية أو الأولوية أو النفي أما الضدية عرف نفسه لصفات النقص أو الفقر أو الاحتياج عرف ربه في ضد ذلك فإذا عرفت نفسك فقير ضعيف محتاج ذليل عرفت أن الله جل وعلا بخلاف ذلك فمن عرف نفسه عرف ربه ومن باب تكملة معنى الأثر على حسب المعنيين الآخرين عرف نفسه من باب الأولوية عرف ربه أي من عرف أنه يتصل بحياة وعلم وقدرة ورحمة وغير ذلك من صفات الكمال التي تناسب حالة وهي محفوفة بالنقص من عرف أنه يتصف بذلك يعرف يقينا أن الله يتصف بذلك الكمال من باب أولى فالذي منحك حياة ناقصة فيه حياة كاملة والذي منحك علما قليلا وهو بكل شيء عليم والمعنى الثالث للأثر من عرف نفسه عرف ربه من باب النفي " 25: 28 " كما أنه لا يمكن أن يقف على حقيقة نفسك وإدراك كنه روحك فلن تقف على إدراك حقيقة ربك جل وعلا فالله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فإذا كنت تعجز عن إدراك حقيقة الروح ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فأنت أعجز وأعجز عن إدراك حقيقة الرب جل وعلا ومالك أن تؤمن بما أخبرنا الله جل وعلا عن صفاته وأن تمره حسبما يليق بذاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير الشاهد المعنى الأول من عرف نفسه عرف ربه عن طريق الضدية لعلمت أنك فقير فالله هو الغني فالذي يحقق معرفة الصلة بين الخالق والمخلوق سيخاف من الخالق ويجله ويعظمه وهذا هو خوف الإجلال هذا هو خوف التعظيم لا لتفريط فيك ولا لانتظار خاتمة ستقابلك وتلاقيك أنما أنت تجل الله وتعظمه لأنه إله عظيم يستحق من عباده أن يجلوه وأن يخافوه وأن يهابوه وأن يعظموه في كل حين ويحذركم الله نفسه ذلك لمن خاف مقامي " 05: 30 "

وخاف وعيد إخوتي الكرام وإذا استحضر الإنسان ما لله من صفات حسان سيهابه ويخاف منه ويجله ويعظمه ولا بد ويستحيل قطعا أن نستعرض ما لله من صفات الكمال في هذه الموعظة لكن سأشير إلى خمسة منها وهذه الصفات انتبهوا لها إخوتي الكرام وتقدم معنا أن ما في هذا الكون من قبض وبسط من نعمة وضر كل هذا أثر صفات الجمال والجلال التي يتصف بها ذو العزة والجلال كل هذا أثر صفات الرحمة والقهر التي يتصف بها ربنا عز وجل الصفة الأولى في الله والتي إذا استحضرها الإنسان مع صفات الله سيخاف من الله ويجله ويعظمه لأنه يستحق ذلك صفة العلم وما أدراك ما صفة العلم يتصف بها ربنا جل وعلا فلا يخفى عليه بهذه الصفة خافية في الأرض ولا في السماء يعلم دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء من استحضر يخاف من الله ويجله " 57:31 "

وقد قرر أئمتنا في كتب التوحيد أن أعظم واعظ أنزله الله من السماء إلى الأرض وأبلغ زاجر نوه الله به في كتبه التي أنزلها على رسله على نبينا عليهم جميعا صلوات الله وسلامه أعظم واعظ وأبلغ زاجر إخبار الله لعباده بأنه يعلم سرهم وعلنهم ولا تخفى عليه خافية منهم هذا أعظم واعظ أبلغ زاجر تأمل معي آيات الله ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم أينما كانوا ثم ينبأهم بما عملوا يوم القيامة إنه بكل شيء عليم هو مع الاثنين والثلاثة والأربعة والخمسة والقليل والكثير معهم بعلمه وإحاطته ومراقبته وإطلاعه فلا تخفى عليه خافية من شئونهم ألا أنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور وهذا المعنى لا تخلو منه ورقة من ورقات المصحف تأمل القرآن من أوله لآخره لن تجد ورقة من ورقات المصحف تخلو " 50: 33 "

من أخبار الله لعباده وأنه يعلم سرهم ونجواهم ولا تخفى عليه خافية منهم أينما كانوا سبحانه هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم إستوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور هذا هو أبلغ واعظ أعظم زاجر أنزله الله علينا لنزدجر به ولنعظم يسببه ربنا من علم أن الله عليم ولا تخفى عليه خافية من شئون عباده فيستحي من ربه ويهابه ويعظمه ويجله ولا يوجد أحد في الوجود يتصف بصفة العلم في كل شيء إلا الرب المعبود فهو بكل شيء عليم وكل من عداه يصدق عليهم قول ربنا جل في علاه وما أتيتم من العلم إلا قليلا العلم للرحمن جل جلاله وسواه في جهلانه يتغمغم ما للتراب وللعلوم وأنما يسعى ليعلم أنه لا يعلم صفة العلم انتقل منها إلى الصفة الثانية تخلع القلب وتوجب عليك هيبة الرب " 48: 35 "

توجب عليك إجلال ربك والخوف منه جل وعلا تعظيما لشأنه لا من أجل جنته ولا من أجل ناره تعظيما لشانه فهو إله عظيم جليل ينبغي أن نهابه وأن نخاف منه في كل وقت صفة القدرة التي يتصف بها وينفذ بها ما شاء وما أراد سبحانه وتعالى لا راد لحكمه ولا معقب لقضاءه هو على كل شيء قدير ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والعالم بأسرهم علويهم وسفليهم مشيئتهم مرتبطة بمشيئة ربهم وقد انتهى سعي الخلق والمخلوقات من عرش رب الأرض والسماوات إلى الثراء انتهى عند آيتين من كتاب الله جل وعلا الآية الأولى في سورة الدهر في سورة الإنسان وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما والآية الثانية في سورة التكوير وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين فمشيئة العباد مقيدة بمشيئة ربهم جل وعلا وإذا أشاءوا الشيء وأرادوه وأذن الله لهم في مشيئته وإرادته لا يستطيعون أن ينقذوه إلا أقدرهم الله على ذلك " 59: 37 "

والله جل وعلا مشيئته مطلقة وقدرته كذلك ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن من استحضر هذا في كتاب الله وأن الله يتصف به فيها به ويخافه ويجله ويعظمه مشيئة الله جل وعلا وقدرته عامتان شاملتان لكل شيء سبحانه وتعالى وأما العباد فحالهم كما قال شيخ الإسلام أبو عبد الله الإمام الشافي عليه وعلى جميع أئمتنا رحمات ربنا وهذا الكلام عامة ثابت صحيح كما قال شيخ الإسلام ابن عبد البر في كتاب الانتقاء في تراجم الأئمة الثلاثة الفقهاء في صفحة ثمانين في ترجمة الإمام الشافعي يقول هذا العبد الصالح وهذا من شعر الإمام الشافعي الذي لا يختلف فيه وهو أصح شيء عنه واثبت ما خيل في الإيمان بالقدر وهذا الشعر نقله أئمتنا عن هذا العبد الصالح نقله الإمام البيهقي في الأسماء والصفات وفي السنن الكبرى وفي كتاب الاعتقاد ونقله في كتاب البعث والنشور عن الإمام الشافعي ونقله أئمتنا وخلاصة ما نقل من أبيات تبين الصلة بين الخالق والمخلوق ويترتب عليها تعظيم المخلوق لخالقه وإجلاله له يقول الإمام الشافعي عليه رحمة الله " 51: 39 "

ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن فمنهم غني ومنهم فقير ومنهم حسن ومنهم شقي ومنهم سعيد وكل بأعماله مرتهل ما شئت كان وإن لم أشأ وما شئت إن لم تشأ لم يكن من استحضر هذا سيهاب الله ويخاف الله ويجله قطعا وحزما ويحذركم الله نفسه وصفة القدرة وبها ينفذ الله ما شاء وما أراد فهو على كل شيء قدير كما أنه بكل شيء عليم والصفة الثالثة من الصفات الخمس التي سنتدارسها لتكسب قلوبنا الحياء من ربنا والخشية له جل وعلا تعظيما له صفة الغنى سبحانه عليم بكل شيء قدير على كل شيء غني عن كل شيء فما خلق العباد يتعزز بهم من ذله ولا يتكثر بهم من قلة سبحانه لو أعطاه أهل السماوات والأرض ما نقص ذلك من ملكه شيئا سبحانه وتعالى هو الغني وكل من عداه فقير إليه يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد " 51: 41 "

إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز وأخص وصف في ربنا الغني كما أن أخص وصف في من عداه الفقر وعلة احتياج العالم بأسره من عرشه إلى فرشه علة احتياج المخلوقات إلى رب الأرض والسماوات فقرها وعنى رب عنها فنحن الفقراء وليس علة احتياجنا إلى ربنا حدوثنا ولا إمكان حدوثنا كما قرر الفلاسفة والمتكلمون لإثم لا لعلة احتياج العالم إلى خالقه فقر المخلوقات وغنى رب الأرض والسماوات والفقير لا يستغني عن الغني فنحن نحتاج إليه بأكثر من عدد أنفاسنا التي نتنفس بها من أجل ثبوت حياتنا الغني غني الرب هو الغني سبحانه وتعالى من استحضر هذه الصفة فيه سيخاف من الله جل وعلا أجلالا وتعظيما لكن هذا المعنى لا يعرفه إلا من كان إنسانا كريما لا يعرفه من كان شيطانا رجيما لا يعرف الفضل لذوي الفضل إلا ذوي الفضل من الذي يهاب من الله عز وجل الأتقياء الأكياس الرجال الذين عظموا الله وأحسنوا إلى خلقه ومع ذلك يخافون يوما تنقلب فيه القلوب والأبصار غنى الرب جل وعلا إذا استحضره الإنسان سيخاف من الله يروي الإمام ابن القيم في مدارج السالكين عن شيخه شيخ الإسلام " 58: 43 "

الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله أنه أرسل إليه ورقة في آخر حياته وفيها مقدمة في التيسير وقد كتب على غلافها أبيات من الشعر يقول فيها: أنا الفقير إلى رب البريات أنا المسكين في مجموع حالات أنا المظلوم لنفسي وهي ظالمتي والخير إن يأتنا يأت من عنده ثم يقول عليه رحمة الله: والفقر لي وصف ذات اللازم أبدأ كما الغني وصف له الذات الحال حال الخلق أجمعين وكلهم عنده عبد له آت فمن بغى مطلبا من غير خالقه فهو الظلوم الجهول المشرك العاتي أخص وصف فينا الفقر وأخص وصف في ربنا الغنى وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول أيضا: أنا المكدا وابن المكدا وهكذا كان أبي وجدي هذا حالنا هذه صفتنا وتلك صفة ربنا وحقيقة من استحضر ضعفه وقوة الله ومن استحضر فقره وغنى الله ومن استحضر ذله وعز الله سيهاب من الله ويخاف منه ولا بد وهذا خوف الإجلال خوف التعظيم لا لسبب آخر الصفة الرابعة في ربنا الكريم التي توجب علينا أن نجله وأن نعظمه اعترافا بحقه علينا دون شيء آخر سبحانه غني كريم بكل شيء عليم على كل شيء قدير غني عن العالمين هو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين هو يجب أن يجود بغير قيود ولا حدود سبحانه وتعالى من أجل ذلك خلق هذا العالم من أجل يجود ويتكرم عليه " 14: 46 "

وقد أمرنا الله أن نسأله وأخبرنا إذا لم نسأله فسيغضب علينا لأنه كريم كما أن العباد يغضبون من سؤالك فالله يغضب من عدم سؤالك وقارن بين الأمرين لتعلم علة الربوبية وكذلك العبودية إن سألت العباد غضبوا وضجروا وإن تركت سؤال الرب غضب عليك ومقتك وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين وقال ربنا جل وعلا وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون قد ثبت في سند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة والحديث رواه الحاكم في مستدركه بسند صحيح كالشمس من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من لم يسأل الله يغضب عليه لن تتعرض لنفحات الله ولجوده ولكرمه من لم يسأل الله يغضب عليه من استحضر هذه المعاني في ربنا سيجله تعظيما له وحياء منه وإجلالا له سواء بعد ذلك أدخلك الجنة أو النار فهذا لا دخل لك فيه ولا ينبغي أن تفكر فيه إنما ينبغي أن تجل الله جل وعلا وإذا تكرم عليك بالجنة زيادة كرم وفضل وإذا من عليك بالنجاة من النار زيادة كرم وفضل إنه إله عظيم جليل كريم له علينا حق العبادة وينبغي أن نخافه في كل حين ويحذركم الله نفسه الصفة الرابعة صفة الغنى وأما الصفة الخامسة صفة الجلالة والعظمة " 32: 48 "

سبحانه ما أجله سبحانه ما أعظمه وعظمة الله وجلاله لا يمكن أن نوفيها عشر معاشرها إذا أردنا أن نتدارسها أنا سأشير إلى شجرات من جلالة الله من عظمة الله ذكرها الله في سيدة آيات القرآن وأفضل آياته على الإطلاق هي آية الكرسي ثبت في المسند وصحيح مسلم والحديث رواه الإمام أبو داوود ورواه الحاكم فيالمستدرك مستدركا به على الصحيحين وهو واهم فهو في صحيح مسلم من رواية أبي أمامه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ابن كعب أي آية في كتاب الله فقال أبي بن كعب آية الكرسي يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال ليهلك العلم أبا المنذر هنيئا لك العلم بالتوفيق والسداد والتوفيق للعلم وأطابة الجواب ليهلك العلم أبا المنذر الله لا إله إلا هو الحي القيوم تأمل ما في هذه الآية من إشارات إلى عظمة رب الأرض والسماوات وسنتدارس ثلاثة منها في هذه الآية الكريمة أولها مطلع الآية "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" حي قيوم سبحانه وتعالى حي حياة كاملة تامة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء ليس كحياة المخلوقات لذلك أتبعها الله بقوله " لا تأخذه سنة ولا نوم " هذه حياة ذاتية ما وجدت بعد أن كانت معدومة ولم يطرأ عليها العدم وفي حال اتصاف الله بها وهو متصف بها أزلا وأبدا لا يعتريها نقص بوجه من الوجوه لا تأخذه سنة ولا نوم وهو القيوم القائم بنفسه " 48: 50 "

القيم المدير لشئون خلقه فلا يوجد شيء في هذا الكون من عرشه إلى فرشه إلا بتدبير ربه وتقديره سبحانه وتعالى حي قيوم وهاتان الصفتان لربنا الرحمن هما أصل سائر صفاته الحسان فصفات الله إما أن تكون ذاتية أو فعلية فجميع الصفات الذاتية أصلها صفة الحياة وجميع الصفات الفعلية أصلها صفة القيومية وبهاتين الصفتين أشار الله إلى جميع كمالاته وصفاته الحسنى العلى الله لا إله إلا هو الحي القيوم وما ذكر الله هذين الاسمين مقترنين إلا في آية الكرسي وفي مطلع سورة آل عمران "ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وفي سورة طه "وعنت الوجوه لله الحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما" الله لا إله إلا هو الحي القيوم الإشارة الثانية. "له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" له ما في السماوات وما في الأرض خلقا وملكا وتقديرا وتدبيرا ومصيرا كل ما في هذا العالم علوية وسفلية خلقه الله يملكه الله يدبره الله سيصير ويؤول إلى الله جل وعلا هو المنفرد في هذا من علم هذا وإنه إذا استحضر نفسه صمن هذه العوالم أنه أقل من قطرة من بحر في جنب ملك الله وأقل من ذرة رمل من رمال الدنيا حقيقة يهاب من الله ويجله تعظيما لشأنه له ما في السماوات وما في الأرض خلقا ملكا تدبيرا مصيرا " 13: 53 "

وهذا العالم بأسره سيصير إلى ربه وانظر إلى الصور التي سيصيروا إليها وما في ذلك من دلالة على عظمة ربنا جل وعلا ثبت في صحيح مسلم والحديث رواه البيهقي في الأسماء والصفات ورواه الإمام البغوي في معالم التنزيل وه صحيح في مسلم من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين فهو في حديث صحيح ثابت عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام قال ابن عمر رضي الله عنهما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يقبضهن بيمينه وفر رواية ثم يأخذهن بيمينه فيهزهن جل وعلا فيهزهن السماوات يطوي الله السماوات يقلب الله السماوات ثم يأخذهن يقبضهن بيمينه جل وعلا ثم يقول: انا الملك اين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوى الله الاراضين ثم ياخذهن بشماله جل وعلا فيقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون انظر لعظمة الرب جل وعلا وجلاله السماوات السبع في كف الرحمن كأنها خردلة يطويها جل وعلا بيمينه والأراضين السبع كذلك من استحضر هذا المعنى سيخاف من الله عز وجل ولا شك إخوتي الكرام ما ورد في هذا الحديث الصحيح من وصف الله بيدين مباركتين يتصف بهما إحداهما يمنى والأخرى شمال يثبت ما يتصف به ربنا ذو العزة والجلال كما أخبرنا نبينا الذي ينطق عن الهوى عليه صلوات الله وسلامه دون أن ندخل في ذلك بعقولنا متوهمين أو متأولين وكل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك والعجز عن درك الإدراك إدراك " 38: 55 "

والبحث في كنه ذات الإله إشراك وإيماننا بصفات ربنا يقوم على دعامتين وركنين متينين إقرار وإمرار فمن لم يقر بالصفات لله الواحد القهار ناس جاحد معطل ومن لم يمر صفات الله جل وعلا فهو مشبه ضال ممثل نقر بالصفة كما وردت ولا نقف عندها وقراءتها تفسيرها كما قال سلفنا ولله يدان مباركتان كما أخبر الله عن ذلك في محكم القرآن بل يداه مبسوطتان وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي وأحدهما يمينا والأخرى شمال بالكيفية التي يعرفها الله ولا نعرفها وبالكيفية تليق بجلال الله وجماله ونجهلها آمنا بالله وبما من الله على مراد الله وآمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن رسوله عليه الصلاة والسلام على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشكلن عليك أخي الكريم وصف الله في هذا الحديث باليمين والشمال ليديه المباركتين جل وعلا لا يشكلن عليك هذا مع الحديث الصحيح الثابت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي والسنن الكبرى الإمام البيهقي والأسماء والصفات للإمام البيهقي وهو حديث صحيح أيضا فهو في صحيح مسلم وغيره من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا فقوله وكلتا يديه يمين لا يتعارض مع " 48: 57 "

ما ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن عمر أن السماوات تطوى بيمين الله وأن الأراضين تقبضن بشمال الله لا يتنافى هذا مع هذا لأن المراد من قوله وكلتا يديه يمين في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين من اليمين أي بمعنى الخيرية والبركة والتمام والكمال فالله له يدان مباركتان يمين وشمال لكن الشمال فيه ليست كالشمال فينا جل وعلا فإذا كانت الشمال فينا أضعف من اليمين وتستعمل لما يمتهن ويستقذر فالله كامل كريم مجيد سبحانه وتعالى لا نقص في شيء من صفاته جل وعلا كلتا يديه يمين من اليمين بمعنى الخيرية والبركة وأما الحديث الثابت في صحيح مسلم فقد أخبرنا عن وضع وحال صفتي اليدين كما فصل ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام وأما من طعن في ذلك الحديث الذي هو في صحيح مسلم بأنه من رواية عمر بن حمزة عن عمه سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين وعمر بن حمزة أخرج حديثه البخاري تعليقا في صحيح ومسلم في صحيح وأهل السنن الأربع إلا سنن الإمام النسائي فمن تكلم في عمر بن حمزة لروايته عن عمه سالم بن عبد الله بن عم فعمر بن حمزة روى عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين من طعن في الرواية وقال إنه قالها على حسب المعروف فينا لأن الوارد في رواية المسند والصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه "44: 59"

أن النبي عليه الصلاة والسلام يقبض الله الأراضين بالأخرى ولم يذكرها بوصف الشمال فقال بعض العلماء أن رواية عمر بن حمزة قالها على حسب المعهود والمعروف في الناس فعبر عن اليد الأخرى بوصف الشمال وفتح هذا الباب على الرواة حقيقة قد يسد علينا بعد ذلك باب الرواية وسلفنا أتقى لله عز وجل من أن يستعملوا عقولهم في صفات الله عز وجل وأن يبدلوا اللفظ بما هو معروف فينا وعليه لفظة ثابتة لكنني كما قلت موقفنا نحوها كما موقفنا في سائر صفات ربنا إقرار وإبرار ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فقول ربنا الجليل ليس كمثله شيء نفي للتشبيه والتمثيل وقوله جل وعلا وهو السميع البصير رد ونفي للنفي والتعطيل فلا تمثيل ولا تعطيل ليس كمثل ربنا شيء وهو السميع البصير والدلالة الثالثة في آية الكرسي وسع كرسيه السماوات والأرض إخوتي الكرام حول لفظ الكرسي وما بعده كلام طويل كان في نيتي أن أتكلم عنه في هذه الموعظة ولكني أخشى إذا بحثت فيه دخلت فبه أن يأخذ الكلام منا أكثر من ربع ساعة ول أريد أن أطيل عليكم أنما نقف عند هذه الدلالة لنتدارسها في الموعظة الآتية إن شاء الله وسع كرسيه السماوات والأرض أطاق واحتمل كرسي ربنا السماوات والأرض هذا الكرسي ما هو وما صلة بالعرش وماذا يترتب على ذلك من عظمة لربنا جل وعلا كما قلت أرجئ على ذلك في الموعظة الآتية إن شاء الله أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرزقنا خشيته في السر والعلن وأن يرزقنا كلمة الحق في الرضا والغضب وأن يرزقنا القصد في الغنى والفقر إنه هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول واستغفر الله.

حوادث شق الصدر

حوادث شق الصدر (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان حوادث شق الصدر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. كنا نتدارس الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقلت: هذه الأمور على كثرتها وتعددها وتنوعها يمكن أن تجمل فى أربعة أمور. أولها: النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه خَلْقاً وخُلُقا. ثانيها: النظر إلى دعوته التى أتى بها. ثالثها: النظر إلى المعجزات التى أيد بها. رابعها: النظر إلى حال أصحابه الذين اتبعوه وآمنوا به، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وهذه الأمور الأربعة إخوتى الكرام كنا نتدارس أولها، النظر إلى حال النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه خَلْقا وخُلُقا، وأخذنا الشق الأول وهو النظر إلى خَلْق النبى عليه الصلاة والسلام، وقلت: إن الله أعطى انبياءه ورسله وعلى نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه، أعطاهم الكمال فى الخَلْق والخُلُق، فأما الخلق كما تقدم معنا فقد جمع حلاوة ومهابة، ملاحة ورزانة، هذا حال الأنبياء جميعا على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه، وقد مر الكلام على تفصيل ذلك وكنت أتوقع أننا ننهى الكلام على الشق الأول من النظر إلى حال النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه المتعلق بخَلْقه فى موعظة أو موعظتين فامتد الكلام إلى ثلاث مواعظ، وأسأل الله أن يمكننا من إنهاء الكلام على الشق الأول فى هذه الموعظة، لندخل فى الموعظة الآتية إن شاء الله فى ما يتعلق فى بيان الشق الثانى وهو خُلُقٌ النبى على أنبيناء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام: أخر شىء تكلمنا عليه وتدارسناه فى الموعظة الماضية، القوة التى أيد الله بها أنبياءه ورسله على نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه، هذه القوة فى خلقهم وهذه الشدة وهذا البأس الذى يكون فى أبدانهم بحيث لا يقهرهم أحد ولا يغلبهم أحد، وكانوا لا يفرون عند ملاقاة أعدائهم، وكان أشجع أتباعهم يحتمى بهم غذا اشتد البأس وحمى الوطيس كما تقدم تقرير هذا بأدلته المفصلة، وهناك ثلاثة أمور كما ذكرت فى الموعظة الماضية، قلت: سأتكلم عليها وهى اخر ما يتعلق بخَلْق النبى عليه الصلاة والسلام. أولها: شق صدره الشريف. وثانيها: خاتم النبوة الذى بين كتفيه عليه صلوات الله وسلامه. وثالثها: ولادته مسرورا مختوناً على نبينا صلوات الله وسلامه.

وأختم هذا بأمر ضرورى يتعلق يخَلْقه، الا وهو حفظ بدنه وحفظ أبدان الأنبياء جميعاً وعلى نبينا وعليهم جميعا الصلاة والسلام، حفظ أبدانهم عليهم جميعا صلوات الله وسلامه من البلا والفناء، فالأرض لا تأكل أبدانهم ولا يتغيرون عن الحالة التى يوضعون فيها فى قبورهم على نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه ولهم فى البرزخ حياة كاملة كاملة لا تشبهها حياة الشهداء ولا غيرهم فحياتهم أكمل حياة من فى البرزخ كما أن حياتهم فى هذه الحياة هى أكمل حياة كما أن حياتهم بعد الممات وبعثة المخلوقات هى أكمل حياة وأتمها هذا هو حال أنبياء الله ورسله على نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه، فقبل أن أتكلم إخوتى الكرام على هذه الأمور الثلاثة وأختمها بألمر الرابع وهو ضرورى ويتعلق بخَلْق النبى على نبينا صلوات الله وسلامه، كان فى ظنى أننى سأتعرض فى الموعظة الماضية لقصة ركانة التى رواها أهل السير وانقضت الموعظة وما امكن الكلام عليها وأحب أن أذكركم بها وقد رواها اهل السير قاطبة وكان هذا الرجل ركانة بن يزيد اشد الناس بأساً فى الجاهلية ولا يستطيع أن يصرعه أحد، وكان إذا وضع رجله على الشىء على أديم أو غيره لا يستطيع أحد أن يسحبه من تحت رجله بحيث غذا شدوه وكانوا أقوياء يبقى ما تحت رجله ويتقطع ما عداه، أما ما تحت رجله ما يمكن أن يخرج ولا أن يتزحزح، وقصته رواها أهل السير وتعرض لها أهل السنن رواها الإمام الترمذى وأبو داود فى سننهم، لكن إسناد الأثر فى السنن ضعيف ولذلك قال الإما الترمذى غريب إسناده ليس بالقائم فى قصة مصارعة ركانة لنبينا عليه الصلاة والسلام، لكن هذا الأمر كما قلت: مستفيض مشهور عند علماء السيرة، انظروا الجزء الأول من السيرة النبوية للإمام ابن هشام وهى أخر شىء فى الجزء الأول، أمر ركانة المطلبى ومصارعته للنبى صلى الله عليه وسلم، وغلبة النبى صلى الله عليه وسلم له وأية الشجرة.،

قال ابن اسحاق: وحدثنى أبى اسحاق ابن يسار: كان ركانة ابن يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف أشد قريش، فخلا يوماً برسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض شعاب مكة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ركانة ألا تتقى الله وتقبل ما أدعوك إليه، قال: إنى لو أعلم أن الذى تقول حق لتبعتك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرئيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق، تتصارع وأنت أقوى رجل فى قريش، وانا يتيم أبى طالب على نبينا صلوات الله وسلامه الذى ما تعلمت الفروسية ولا صارعت ولا سبقت وأنا يعنى على اصطلاح الناس غر فى هذه الأمور وأنت يعنى ماهر فارس، تفضل، غن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق لأنك ستعلم أن هذا بتأييد من الله جل وعلا لا بمعرفة منى بأساليب الفروسية ولا لقوة ذاتية من بدنى، غنما تأييد من ربى القوى العزيز سبحانه وتعالى، قال: نعم، يعنى إذا صرعتنى أُمن أن ما جئت به هو الحق، قال: فقم حتى أصارعك، قال: فقام إليه ركانة يصارعه فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعه على الأرض وهو لا يملك من نفسه شيئا، ثم قال: عد يا محمد عليه الصلاة والسلام، يعنى هذه ما أخذت فيها احتياطى ولا يعنى ظننت أنك ستغلبنى يعنى بهذه السرعة حتى أجهز نفسى مرة ثانية نتصارع،.

فعاد فصرعه النبى صلى الله عليه وسلم، ثم قال: عد، فعاد وصرعه النبى عليه الصلاة والسلام، فقال: يا محمد والله إن هذا للعجب، انصرعنى، أنت تصرعنى؟ وما أحد من العرب يستطيع أن يصارعنى، أنت تصرعنى هذا للعجب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واعجب من ذلك إن شئت أن أريكه، فى روايه أخرى، أعظم من هذا إن اتقيت الله واتبعت أمرى، قال: وما هو، قال: أدعوا لك هذه الشجرة التى تراها فتأتينى، فقال: ادعها، فدعاها، فاقبلت حتى وقفت بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال لها ارجعى إلى مكانك قال: فرجعت إلى مكانها، فذهب ركانة إلى قومه، فقال: يابنى عبد عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض، يعنى تحدوا به سحرة أهل الأرض وهو يغلبهم، إن شئتم فى المصارعة أو لغيرها، ساحروا بصاحبكم أهل الأرض، ووالله ما رأيت اسحر منه قط، ثم اخبرهم بالذى رأى والذى صنع، بقى على كفره رضي الله عنه فترة من عمره ثم اسلم بنبينا عليه الصلاة والسلام وروى عنه الحديث الذى فى سنن الترمذى وسنن أبى داود وإسناد الحديث ضعيف إلى ركانة كما قال الترمذى غريب وليس إسناده بالقائم، قال الإمام ابن حبان فى هذا الحديث نظر وفى مصارعة النبى عليه الصلاة والسلام لركانة نظر أى الواردة من هذا الطريق عند المحدثين.

والحديث الذى رواه عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال: فصل ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس، أى يتميز المسلمون عن المشركين بانهم يلبسون هذه العمائم وتحتها قلنسوة وهى الطقية التى توضع ويلف عليها العمامة، [فصل ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس] ، والعمامة سنة لا خلاف فى ذلك بين أئمتنا وليس حكمها كحكم اللحية، لكنها سنة مستحبة، وقد فعلها نبينا صلى الله عليه وسلم ولبس نبينا عليه الصلاة والسلام للعمامة متواتر عنه، وهكذا كان الصحابة الكرام يلبسون هذه العمائم، لكن الأمر بلبسها ورد فى أحاديث ضعيفة منها حديث ركانة [فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس] ، الأمر بها وحث الناس على ذلك، وإثبات الفضيلة لها هذا طرقه ضعيفة، لبسها وثبوت لبسها من قبل نبينا عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام هذا متواتر، اما اللحية فقد أعفاه عليه صلوات الله وسلامه، وهكذا الصحابةالكرام وأمر بإعفائها، فحلقها فسق ومعصية، ليس ترك العمامة فسقا ومعصية، ففرق بين الأمرين، إنما من ترك العمامة فاتته فضيلة، اى فوت الكمال وهذا الأجر الذى يكون لهذه العمامة، ويعنى ما حصل التشبه الكامل منه بنبينا عليه صلوات الله وسلامه، وأما بعد ذلك ما يلبس من غير العمائم، إما من طاقية فقط أو من طربوش يلبسه الأتراك، أو من باكستانية يلبسها الباكستانيون والاندونيسيون، أو الغطرة يعنى يلبسها بعد ذلك بعض الناس فى بعض الأماكن كل هذا يقال عنه مباح لكن ليس فيه فضيلة، الفضيلة والكمال أنت تلبس عمامة كما كان حال نبينا عليه الصلاة والسلام وحال الصحابة الكرام، ذاك بعد ذلك لا يقال عنه محمود ولا يقال عنه مذموم إذا لم يكن فيه تشبه بمن غضب عليهم الحى القيوم، يعنى لا تلبس لباس الكفرة على رأسك، ثم بعد هذا ما عليه قومك من باكستانية أو من غيره، فإذا لبسته فلا حرج والأكمل والأفضل العمامة، ووالحاديث كما قلت فى الأمر بها والترغيب بلبسها

ضعيفها، لكن ثبوت لبسها من قبل نبينا عليه الصلاة والسلام وصحايته الكرام قلت هذا ثابت قطعى لا شبهة ولا شك فيه، إذاً هذا ركانة رضي الله عنه وأرضاه وهذا حاله وهذه قوة نبينا عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا أن قوته تعدل قوة أربعة آلآف رجل عليه صلوات الله وسلامه. اما الأمور التى أكرمه الله بها فى خَلْقه شق صدره الشريف عليه صلوات الله وسلامه، من جملة ما أكرمه الله به فى خَلْقه فى بدنه فى جسمه فى جسده شق صدره الشريف من صغرة نحره إلى شعرته أى إلى منبت العانة، هذا الصدر كله شق، واستخرج قلبه الطاهر المبارك الشريف عليه صلوات الله وسلامه، وغسل فى تسط من ذهب ثم بعد ذلك ملىء إيماناً وحكمة، وهذه الحدثة تكررت لنبينا عليه الصلاة والسلام أربع مرات، والأسانيد فى ذلك صحيحة ثابتة.

أولها: عندما كان صغيرا وهو فى حدود الثالثة إلى الرابعة من عمره عليه صلوات الله وسلامه، عندما كان عند مرضعته حليمة السعيدة السعدية التى سعدت بإرضاع خير البرية على نبينا وآل بيته وأصحابه صلوات الله وسلامه، وحليمة قد آمنت به هى وزوجها بعد أن بعث نبينا عليه الصلاة والسلام وامتدت حياتها وعندما جاءت إلى نبينا عليه الصلاة والسلام أكرمها وأجلسها وأحسن إليها رضي الله عنها وأرضاها، وبعض الناس عندما تذكر أمامه هذه المرأة يتوقف الترضى عنها وكأنه يطن أنها هلكت قبل بعثة النبى عليه الصلاة والسلام، لا هى صحابية باتفاق أئمتنا، وجميع الذين كتبوا فى تراجم الصحابة ذكروا حليمة رضي الله عنها من جملة الصحابيات التى آمنت بخير البريات على نبينا وآل بيته وأصحابه صلوات الله وسلامه، الشق الأول حصل عندما كان صغيرا، والحديث ثابت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ورواه الحاكم فى المستدرك مع أنه فى صحيح مسلم ورواه البيهقى فى دلائل النبوة وأبو نعيم فى دلائل النبوة، عن أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين، والحديث روى أيضا من طريق عتبة بن عبد السلمى فى المسند وسنن الدارمى ومستدرك الحاكم ورواه الإمام البيهقى فى دلائل النبوة، عن عتبة بن عبد السلمى، وروى أيضا عن مرضعته أمه حليمة رضي الله عنهاوأرضاها فى صحيح ابن حبان ومعجم الطبرانى الكبير ومسند أبى يعلى ورواه إسحاق بن راهوية،.

ورواه أبو نعيم فى دلائل النبوة، والبيهقى فى دلائل النبوة، فهو مروى عن ثلاثة من الصحابة الكرام، اولهم كما قلت، أنس بن مالك، عتبة بن عبد السلمى، حليمة السعدية رضي الله عنهم أجمعين، أما حديث أنس كما قلت: هو فى صحيح مسلم، والاحاديث الثلاثة صحيحة، واصحها أولها حديث أنس فهو فى صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، وهو يلعب مع الغلمان، فاخذه فصرعه، فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة يعنى شىء كالدودة الصغيرة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله فى تسط من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، أى لحمه، لئم صدره بعد أن شقه وفرجه، ثم أعاده فى مكانه وجاء الغلام يسعون إلى أمه يعنى زئره، يعنى مرضعته، فقالوا: إن محمد عليه الصلاة والسلام قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون، اى متغير اللون مصفراللون مما اعتراه ودهاه فى هذه الحالة عليه صلوات الله وسلامه، قال أنس: وقد أرى أثر ذلك المخيط فى صدره، أى أثر ذلك الخياط والتخيط الذى حصل فى صدره الشريف عليه صلوات الله وسلامه من صغرة النحر إلى الشعرة، وفى بعض الروايات الثابتة فى الصحيحن إلى مرآق بطنه أى ما رق من بطنه، تحت سرته، كل هذا شق من نبينا عليه الصلاة والسلام ثم لئم هذه الرواية فى صحيح مسلم.

والروايات الأخرى بمعناها، وحليمة السعدية رضي الله عنها عندما سعدت بخير البرية على نبينا صلوات الله وسلامه وأرضعته، بعد زهدها هى والمرضعات فيه كما فى الروايات الأخرى فى صحيح ابن حبان عن حليمة عندما زهدت فيه هى والمرضعات، وكان عادة النساء فى البادية يأتين إلى مكة ويأخذن الأطفال من أجل إرضاعهم، وكانت هذه عادة فاشية فى العرب يرسلون أولادهم إلى البوادى من أجل أن يرضعوا ليعيش الولد ويستنشق هواء البادية ويسرح نظره بعيدا فليس هناك جدران ولا حواجز، يصاب الإنسان بكلال فى البصر وقصر النظر من هذه الحواجز، وحقيقة أولادنا عندما عاشوا فى علب من الكرتون لكن يعنى هى حجارة لكن كصور علب الكرتون، ترى الولد منا يعنى فى سن العاشرة ويريد أن يركب النظارة، لأن هذا النظر منحسر منكسر هنا جدار يصدمه وهنا باب يضربه، هذا النظر لا يأخذ مداه، فكانوا يرسلونه إلى هناك ليستنشق الهواء ويجد حر الشمس، وطلاقة الجو، وبعد ذلك هذا الفسيح، هذا كان العرب يفعلونه، فكانوا يرسلون أولادهم إلى البادية من أجل الرضاعة، فلما جاء المرضعات ليأخذن الأولاد لإرضاعهم، كل من عرض عليها حبيبنا محمد عليه صلوات الله وسلامه كانت تسأل من أبوه؟، فيقال لها ميت، يقول: أمه حية؟ تقول: وما عسى أن تفعل أمه، يعنى ماذا ستعطينا أمه؟ امرأة مهما جابت ستجيب بمقدار، أما الأب إذا كان على قيد الحياة هذا يكدح ويحصل ويعطينا كثيرا، أما أمه ماذا تعطينا؟ فأخذ المرضعات أولاداً وحليمة ما حصلت ولداً تأخذه، فقالت لزوجها: أرى أن نأخذ هذا اليتيم على نبينا صلوات الله وسلامه، لعل الله يبارك لنا فيه، قال: إن شئت، فأخذته، هى لما جاءت جاءت على أتان أنثى الحمار، وكانت عجفاء هذيلة يخاصمها قومها من أجل أنها تتأخرعنهم وينتظرونها، وكان معها شارف، وهى ناقة مسنة، صبى ترضعه من رحمها وبطنها ولدته، فكانت تقول: لا يكفيه ما فى ثديى من اللبن، وإذا اردنا أن نحلب الشارف الناقة المسنة

ما يخرج منها لبن فكان هذا الولد يبكى طول الليل لا لبنى يكفيه ولا لبن الناقة ما يخرج منها شىء يكفيه وكنا فى شر حال، تقول: فلما أخذت محمد عليه الصلاة والسلام وألقمته ثدى، غذا بالثدى قد امتلأ، فشرب وشرب أخوه فشبعا، وما احتجنا بعد ذلك إلى أن نحلب هذه الشارف الناقة المسنة، وأم الأتان الهذيلة التى كانت فى المؤخرة بدأت تسابق الخيل وتقدم معنا فرس أبى طلحة بدأ لا يسبق بعد ذلك، وهذه أتان حمارة، بدأت تسابق الخيل كل من فى الركب معها وراها، وهى متقدمة، فكان من معها يقولون: يا حليمة لقد أخذت مباركة، فهذه علامة بركة وخير، يعنى كانمت أتانك تمشى ورأنا الآن تسبقنا، وأيضا ثديك امتلأ ويدر على هذا اليتيم على نبينا صلوات الله وسلامه، وعلى اخيه وهو ولدك من بطنك ويكفيهما يعنى هذا حقيقة ولد مبارك، ثم لما ذهب بعد ذلك مع أبويه من الرضاعة إلى ديار بنى سعد واسترضع هناك عليه صلوات الله وسلامه، كثرت الخيرات على الناس بوجه العموم وعلى هذا البيت بشكل خاص، فلما انتهت فترة الرضاعة أرادت حليمة أن تبقيه عندها طمعاً من بركات التى حصلتها من هذا المولود، لا تريد أجرة لكن فترة الرضاعة انتهت فعادة مع زوجها إلى مكة وكلمت آمنة، وقالت: نخشى عليه وباء مكة، ونتنها ووخامتها وأن يتضرر ولا زال صغيرا لو تركتيه عندنا ليشتد عوده وهى تريد الخيرات التى تحصلها من خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، فرضيت أمنة بإرساله مع أيضا موافقة جده عبد المطلب فأخذته، فبعد أن جلس فترة فى ديار بنى سعد حصل له حادثة شق الصدر، فجاء الغلمان الذين يلعبون معه إلى ظئره وإلى أبيه من الرضاعة، وقالوا: إن محمد قد قتل، نزل رجلان عليهما ثياب بيض لا نعرفهما أضجعاه وشقا بطنه، نحن نرى هذا، محمد قد قتل، فأسرع والده من الرضاعة وأمه حليمة رضي الله عنهم أجمعين، وأسرع إليه فرأه منتقع اللون، احتضنه والده، قال: ما بك؟ ذكر له ما رأه النبى عليه الصلاة والسلام، فقال

زوج حليمة لحليمة: أخشى أن يكون هذا الغلام قد أصيب أى من قبل الجن على نبينا صلوات الله وسلامه، لإارى أن نسرع به إلى مكة، خشية أن يصاب، ونتحمل المسئولية، فعادوا إلى مكة، فالآن كانت حريصة عليه لما وقع ما وقع حقيقة يعنى هى حريصة من ناحية وتخاف من ناحية، فقالت: يعنى ولدك اشتد عوده وخذيه، قالت: أخبرينى بأمرك، لما أعتيه وأنت كنت حريصة عليه كل الحرص؟، قالت: هو ذاك اشتد عوده وقوى، قالت: أخبرينى، قالت: هو ذاك، فى الثالثة قالت: أخبرينى فأخبرتها بالقصة، فقالت أمنة: أكنت تخافين عليه، يعنى أنه يخذل يأتيه جن، لما حملته ما شعرت بثقل، فى بكنها على نبينا صلوات الله وسلامه، ولما وضعته وضعته إلى الأرض ساجدا، ورفع يديه إلى السماء قيل لى قولى: أعيذوه بالواحد من شر كل حاسد وسميه محمدأ على نبينا صلوات الله وسلامه، هذا حاله، ثم قالت: خرج منى نور عند ولادته ووضعه، أنت تخافين عليه؟ هذا غلام مبارك، دعيه وانصرفى راشدة، وحقيقة هذا فيه بشارة، يعنى لأمنة أسأل الله جل وعلا أن يثبتها عند الإمتحان وأن يمن عليها بالإسلام والإيمان، وأن يتكرم عليها بغرف الجنان، إنه رحيم رحمن ذو الجلال والإكرام، أمنة والدة النبى عليه الصلاة والسلام قبضت قبل أن يبعث النبى عليه الصلاة والسلام بلا خلاف بين أئمتنا ولما ماتت كان عمر النبى عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا لا ذاك جده عبد المطلب، ستة سنوات وأما والده قلنا توفى والنبى عليه الصلاة والسلام حمل فى بطن أمه، فغذاً ما نوبىء النبى عليه الصلاة والسلام ولا بعث لكن هذه الإرهاصات رأتها وقالت: هذا المولود مبارك وسيكون له شأن ثم لقيت الله، فهى من أهل الفترة قطعاً وجزما، وأهل الفترة يمتحنون فى عرصات الموقف كما امتحنا نحن فى هذه الحياة، فمن أطاع الله منهم دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، فلا نقول فى الجنة ولا نقول فى نار.

وقد قال الحافظ بن حجر فى الإصابة فى ترجمة أبى طالب، وأبو طالب أدرك الإسلام ولم يؤمن فهو من أهل النار مع عندنا فى ذلك شك، وأبو لهب عم النبى عليه الصلاة والسلام أدرك الإسلام ولم يؤمن فهو من أهل النار ما عندنا فى ذلك شك، والحمزة والعباس أدركا الإسلام وآمنا فهما من أهل الجنة مازال فى ذلك شك إن شاء الله، فيما يتعلق بعد ذلك بوالد النبى عليه الصلاة والسلام وجده وأمه ومن مات قبل البعثة فى الفترة، نقول: يمتحنون فى عرصات الموقف كما امتحن فى هذه الحياة فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار، قال الحافظ ابن حجر: ونحن نرجوا لجميع أباء النبى عليه الصلاة والسلام وأمهاته إذا امتحنوا فى عرصات الموقف أن يؤمنوا، هذا فى الإصابة، نرجوا إذا امتحنوا أن يؤمنوا، والأحاديث فى امتحان الذين لم توجد فيهم شروط التكليف بالتوحيد فى عرصات الموقف مستفيضة، وبعض أئمتنا نص على تواترها وهذا هو القول الوسط، وأما من قال: هما فى النار فالحقيقة يعنى الكلام شديدٌ شديد، ومن قال: هما فى الجنة فأيضاً بدون حجة وبينة، فقف عند حدود الشرع وقل: يمتحنون والله أعلم بشأنهما ونقول ما قاله أمير المؤمنين فى الحديث هذا المحدث ابن حجر نرجوا لأبوى النبى عليه الصلاة والسلام ولجده ولجميع أهله غذا امتحنوا أن يؤمنوا، وربك أعلم بمن اتقى.

وأما ما ورد فى صحيح مسلم وغيره من أن والد النبى عليه الصلاة والسلام فى النار فهذا سيأتينا إن شاء الله إخوتى الكرام تفصيل الكلام فيه موسعا، إن شاء الله هو بيين أن الحديث صحيح ولا إشكال فيه، لكن لابد من الجمع بين الأدلة، هذا حديث يصرح بأنه فى النار، عندنا بعد ذلك أدلة تخبر أن الله لا يعذب إلا بعد قيام الحجة {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ، {لتنذر قوماً ما أنذر أباءهم فهم خافلون} ، {لتنذر قوما ماأتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون} ، وكل من يلقى فى النار يقر على نفسه بأنه جاءته رسل العزيز الغفار {كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلا} ، فلوا قيل هذا لعبد الله أو لأمنة، قالوا: ما جاءنا نذير، ما يقولون بلا، ما جاءهم نذير، وهم فى زمن الفترة وضياع، إنما كل من سيلقى فى النار، ألم يأتيكم نذير قالوا: بلا، قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا، والله جل وعلا قال {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى} ، وقال جل وعلا {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم} ، وهو النبى عليه الصلاة والسلام {فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارافى الأرض ومكر السىء} وهذا فى حق من كفر فكل من سيدخل النار بلغته دعوة العزيز القهار {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين} .

فنقول هذا الحديث قاله نبينا عليه الصلاة والسلام قبل أن يعلمه الله بحكم أهل الفترة لأنه لم يصدر من والده توحيد، والجنة لا يدخلها إلا الموحدون، ثم أخبر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن أهل الفترة لهم حكم خاص يمتحنون فى عرصات الموقف كما امتحن نحن فى هذه الحياة، فمن أطاع دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، وهذا القول أدلته وتقريره كما قلت: يأتينا إن شاء بسط ذلك والكلام عليه عند الكلام على مبحث توحيد الله، أما نحن فى مبحث النبوة، إذا جئنا لمبحث توحيد الله جل وعلا بإذن الله نستعرض هذا وأفصل الكلام عليه وأذكر الأدلة الخمسة التى تقرر هذا القول وهذا القول امتحان من لم توجد فيه شروط التكليف بالتوحيد ممن مات وهو فى فترة، أو من أولاد المشركين أو حاءه الإسلام وهو لا يعقل شيئا فهو شيخ خرف، كل هؤلاء وردت فيهم الأحاديث بأنهم يمتحنون يوم القيامة، وكيفية امتحانهم وكيف يمتحنون؟ يأتينا كما قلت بحث هذا عند توحيد الله عز وجل، والأصل أن يقدم على مبحث النبوة لكن كما قلت قدمته لإعتبارات ذكرتها ومبحث التوحيد كنت تعرضت لبدايته فى بعض الأماكن فما أردت أن أعيد تلك البداية قلت: نبدأ فى مبحث جديد وهو مبحث النبوة إذا انتهينا منه ندخل إنشاء الله فى مبحث توحيد الخالق جل وعلا سبحانه وتعالى لا إله إلا الله، وهذا الكلام كما قلت هو وسط بين قولين متقابلين وعلمائنا الكرام ذكروا ثلاثة أقوال منهم من ذهب إلى أنهم من أهل الجنة كالإمام السيوطى، منهم من ذهب إلى أنهم من أهل النار والد النبى عليه الصلاة والسلام، كالشيخ ــ القارى، ومع هذا ومع هذا جمع غفير، ومنهم من قال بالقول الذى ذكرته وهذا أسلم فى ديننا ودنيانا، فإذا كان من أهل الجنة ما أخطأنا وإذا كان من أهل ما أخطأنا، وقف عند حدك، وليست المسألة كما يترآء لبعض الناسيعنى هى من باب عواطف لا {والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} ، العم صنو الأب وقد قلنا إن أبا طالب فى

النار، وإن أبا لهب فى النار ليست مسألة عواطف، ووالد إبراهيم فى النار، ـ فلا شك فى ذلك لكن كما قلنا بلغتهم دعوة وكفروا، أما أن تحكم على أم النبى عليه الصلاة والسلام بالنار، طيب إذا لم تكن من أهل النار فياويحك أمام النبى المختار عليه الصلاة والسلام يوم القيامة يا ويحك، فأنت إذا سكت سلمت فإذا كانت من أهل النمار ما أخطأت وإذا كانت من أهل الجنة ما أخطأت، ومثل هذه الأمور التى لا يتعلق بها عمل، الواجب على المسلم أن يقف هذا الموقف، وأما أن يتدين بعض صغار طلبة العلم فى هذه الومان وأن يقوم أمام العامة ويقول: أم النبى عليه الصلاة والسلام فى النار، فيا عبد الله على رسلك واتق ربك جل وعلا، أى يعنى فائدة يستفيدها الناس من هذا، ولو قال لك قائل ما بلغتها دعوة، أنت تحكم عليها بالنار ونصوص القرآن القطعية كيف تردها، ماذا ستقول؟ فاتق ربك واجمع بين الأدلة وهذا أحسن المسالك وخيرها والعلم عند الله جل وعلا، إذاً هذا الشق الأول عمر مابين الثلاث والأربع عليه صلوات الله وسلامه، وفداه أنفسا وآباءنا وأمهاتنا صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام ابن عبد البر فى الإستيعاب فى ترجمة حليمة السعدية فى تراجم الأصحاب: رأت برهاناً وعلم جليلا لنبينا صلى الله عليه وسلم تركنا ذكره لشهرته، هذا البرهان ما هو شق صدره الشريف عليه صلوات الله وسلامه، خادم البنى عليه الصلاة والسلام أنس يقول: كنت أرى أثر المخيط وترك الأثر من أجل أن يتحقق من يأتى بعد وأن هذا شق، شق حسى ليس بشق معنوى كما يذهب إلى ذلك بعض الناس، شق حسى، يشق الصدر ويفرج ويخرج القلب ويوضع فى تسط من ذهب ويغسل بماء زمز ثم يحشى بعد ذلك إيمانا وحكمة، واختير الذهب لأنه من معادن الجنة، معادن الجنة ذهب، ولا يعتريه صدا، وللإشارة إلى أن أمر النبى عليه الصلاة والسلام ذهب خالص وحق كامل ليس فيه يعنى شائبة من وجه من الوجوه، الذهب هذا خير المعادن، لا يعتريه تغير، وكل من عاداه من المعادن يعتريها ما يعتريها، أما الذهب ذهب، وهذا حال نبينا عليه صلوات الله وسلامه،

الشق الثانى حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام وهو ابن عشر سنين، لكن ليس عند حليمة فى شعاب مكة، وكان هذا بعد موت أمه وجده، عندما كان فى كفالة وراعية عمه، حصل له شق الصدر مرة ثانية وقلت: أربع مرات صحيحة، ما الحكمة من تكررها؟ والمرةالأولى فيها، اذكر هذا إن شاء الله بعد بيان أنواع الشق الأربعة عمره عشر سنين، ثبت هذا فى مسند الإمام أحمد فى الجزء الخامس صفحة 139 بسند رجاله ثقات وثقهم الإمام ابن حبان، كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع، وانظروا الأثر فى، وانظروا كلام الهيثمى فى الجزء الثامن فى المجمع، صفحة 222 والأثر رواه أبو نعيم فى دلائل النبوة، لعله بحدود لا إله إلا الله، صفحة 70 أو كذا، فى دلائل النبوة وهو معى الآن، ورواه كما قلت: الإمام أحمد فى المسند وهو فى مجمع الزوائد فى الثامن صفحة 222، حصل شق الصدرتالشريف وعمر نبينا عليه الصلاة والسلام كما قلت عشر سنين، لا إله إلا الله، يقول هنا: وعن ابى بن كعب أن أبا هريرة رضي الله عنه كان حريصا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أول مارأيت من أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال: لقد سألت أبا هريرة، يعنى يا أبا هريرة لقد سألت هذا السؤال فاستمع الجواب، لقد سألت يا أبا هريرة، يعنى لقد سألت عن عظيم، ليس أبا هريرة هو المسؤل، لقد سألت أبا هريرة، يعنى لقد سألت يا أبا هريرة، سألت عن سؤال عظيم، وينبغى للإنسان أن يعيه وأن يعتنى به، فاسمع، وهنا ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ لعله يقصد فى شعاب مكة، لأن الشق الأول كان فى بادية بنى سعد، وبادية بنى سعد مررت يعنى بها فى بعض أسفارى، ولعل بعض المخرفين يقول: إن الشيخ دخل فى التخريف، يعلم الله عندما مررت فى ذلك المكان فى بلاد بنى سعد رأيت لذلك المكان إشراقا ونورا وبهجة ليست للبقاع الأخرى، هذا بعينى، وهل هذا يعنى من

أثر حب الإنسان لنبيه عليه الصلاة والسلام يترآء له هذا، أو أن البلاد حقيقة كل من يراها يقول هذه البقعة التى نشأ فيها خير خلق الله عليه الصلاة والسلام، يعنى فيها كذا نور، يزداد على البقاع الأخرى، الله أعلم، لكن أنا أقول يعلم الله عندما أمر فى تلك البقعة يعنى يشعر الإنسان بشىء من النشاط والفرح وينظر هكذا إلى السماء فيرى فيها يعنى شىء من الإشراق والبهجة لا يحصلها فى الأماكن الأخرى، هذه بادية بنى سعد، فقيل للنبى عليه الصلاة والسلام، ما أول ما رأيت من أمرالنبوة؟ لعله فى شعاب مكة، فاستوى النبى عليه الصلاة والسلام جالسا وقال: لقد سألت أبا هريرة، يعنى يا ابا هريرة، إنى لفى صحراء وأنا ابن عشر سنين وإذا بكلام فوق رأسى وإذا برجل يقول لرجل: أهو هو، هذا الذى أرسلنا من اجله؟ رجلان ملكان، قال: نعم، يقول: فاستقبلانى بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلىّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهم بعضضدى لا أجد لأخذهما مسا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه، فأضجعانى بلا قصر ولا هصر، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدرى ففلقها، فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له: أخرج الغل والحسد، فاخرج شيئاً هئية العلقة، ثم نبذها فطرحها، فقال: أدخل الرحمة والرأفة، بالمؤمنين رؤوف رحيم، عليه صلوات الله وسلامه، فإذا مثل الذىأخرجها ثم هز إبهام رجلى اليمنى فقال، أغدوا واسلم، فرجعت بها أغدوا بها رقة على الصغير ورحمة على الكبير، رواه عبد الله فى المسند ورجاله ثقات، وثقهم ابن حبان، عبد الله ولد الإمام أحمد فهو من الزيادات فى مسند الإمام أحمد من زيادات ولده عبد الله فى مسند أبيه، عليهم جميعا رحمة الله، وكما قلت الأثر أيضا فى كتاب دلائل النبوة لأبى نعيم، وذكره الحافظ فى الفتح، فى الجزء الأول صفحة 460 وسكت عليه وعلى شرطه لا ينزل عن درجة الحسن كما ذكر هذا فى مقدمة هدى السارى، أن كل

حديث ستدل به فى الشرح ولا يضعفه لا ينزل عن درجة الحسن، فهو صحيح أو حسن والعلم عند الله جل وعلا. الحادثة الثالثة: لشق صدر نبينا الشريف عليه صلوات الله وسلامه وقعت عندما أكمل أربعين سنة من عمره، فى أول مجىء جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام إليه فى غار حراء وفقبل أن يقول له: إقرأ شق بطنه وإن لم يرد هذا فى رواية الصحيحين فقدورد فى الروايات الأخرى والروايات تكمل بعضها بعضا، فبعد أن شق صدره وحشى قلبه إيمانا وحكمة قال له: إقرأ، إلى أخرالحديث، الحديث أخرجه أبة نعيم فى دلائل النبوة، صفحة 69، رواه أبو داود الطيالسى انظروه فى ترتيب الشيخ البنا منحة المعبود فى ترتيب مسند الطياليسى، أبى داود فى ترتيب مسند الطييالسىأبى داود، رتبه على حسب يعنى تراجم المحدثين وأبواب الفقه أنظروه فى الجزء الثاتى صفحة 87، رواه الحارث بن أبى أسامة فى مسنده كما ذكر ذلك الحافظ فى الفتح أبو نعيم، وأبو داود الطيالسى، والحارث بن أبى أسامة، رووا ذلك عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وفيه أن الحادث وقعت له عندما جاءه جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه فى غار حراء وأول مجىء جبريل لنبينا الجليل عليه الصلاة والسلام فى غار حراء.

يكون عليكم أمراء هم شر عند الله من المجوس

شرح حديث (يكون عليكم أمراء هم شر عند الله من المجوس) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان حديث (يكون عليكم أمراء هم شر عند الله من المجوس) "يكون عليكم أمراء هم شر عند الله من المجوس (¬1) " وأرشدنا النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى قتالهم، ومنابذتهم بما في وسعنا، ففي صحيح مسلم وغيره عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل (¬2) ". ¬

_ (¬1) رواه الطبراني في الصغير: (20/90) ، والأوسط أيضاً كما في مجمع الزوائد: (5/235) كتاب الخلافة – باب في أئمة الظلم والجور وأئمة الضلال – عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – ورجاله رجال الصحيح خلا مؤمل بن إهاب وهو ثقة، وفي الحلية: (1/280) عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – موقوفاً: "ليكونن عليكم أمراء لا يزن أحدهم عند الله يوم القيامة قشرة شعيرة". (¬2) انظر صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان –: (10/70) 80 وهو في مسند الإمام أحمد: (1/458، 461) ، وسنده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (6/175، 187) ، (4379، 4402) ، ورواه البيهقي في الاعتقاد: (122) .

.. وقد وردت الأحاديث كثيرة عن خير خلق الله – صلى الله عليه وسلم – بقتال الأئمة الضالين إذا لم يحكموا بشرع رب العالمين، وظهرت المجاهرة بالمنكر المبين، ففي الصحيحين وغيرهما عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت – وهو مريض – رضي الله تعالى عنه – فقلنا: حدثنا أصحك بحديث ينفع الله به، سمعْتَهُ من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: دعانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبايعناه على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان (¬1) ، قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى –: هكذا هو لمعظم الرواة، وفي معظم النسخ "بواحاً" بالواو، وفي بعضها "براحاً" والباء مفتوحة فيهما، ومعناها: كفراً ظاهراً 10هـ، وقال الحافظ ابن حجر نقلا ً عن الإمام الخطابي – عليهما رحمة الله تعالى – مَنْ رواه بالراء فهو قريب مِنْ هذا المعنى، وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء، وقيل: "البراح": البيان، قال الحافظ: ووقع في رواية الطبراني: "إلا أن يكون معصية الله بواحاً"، وعند أحمد: "ما لم يأمروك بإثم بواحاً (¬2) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية: (4/1470) ، وصحيح البخاري – كتاب الفتن – باب 2: (13/5) بشرح ابن حجر، والمسند: (5/314) ، وفي: (5/321) بلفظ "ما لم يأمروك بإثم بواحاً". (¬2) انظر شرح الإمام النووي: (12/228) ، وفتح الباري: (13/8) ، وتقدمت رواية الإمام أحمد في المسند وقوله: "عندكم من الله فيه برهان" أي: نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل كما في فتح الباري: (13/8) .

.. قال مقيد هذه الصفحات – فرج الله عنه وعن المسلمين الكربات –: تقدمت قريباً رواية الصحيح أيضاً: "أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة" وكل من الحديثين صريح في أن الإمام إذا أمر بالآثام، وضاد شرع الرحمن، ينبغي أن يزال بالحسام، وقد قرر الحافظ الهمام، الإمام ابن حجر شيخ الإسلام – عليه رحمة الله تعالى – أن الإمام ينعزل بالكفر بإجماع العلماء الكرام فيجب على كل مسلم عند ذلك القيام، فمن قوي على ذلك فله المثوبات العظام، ومن داهن فعليه الوزر والآثام، ومن عجز وجبت عليه الهجرة ومفارقة تلك الأوطان (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري: (13/8، 123) ، ومثله في شرح الإمام النووي: (12/229) حيث نقل عن القاضي عياض – عليهما رحمة الله تعالى – أن الإمامة لا تنعقد لكافر إجماعاً، ولو طرأ عليه الكفر انعزل، وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها، فيخرج عن حكم الولاية، وتسقط طاعته، ويجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونَصْبُ إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر 10هـ، وقد تقدم حديث يصرح باستمرار الهجرة وداوامها، وأشرت هنا إلى عدة كتب بحثت تلك المسالة بحثاً سديداً، وبيَّنَتْ أنواع الهجرة بياناً رشيداً، فانظر صفحة (36) من هذا البحث المبارك، قال الإمام ابن العربي في أحكام القرآن: (1/484) الهجرة تنقسم إلى ستة أقسام: الأول: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، وكانت فرضاً في أيام النبي – صلى الله عليه وسلم – وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة.

.. قال عبد الرحيم الطحان – غفر الله له سائر الآثام –: ما قاله الأئمة الكرام، من وجوب مهاجرة دار الكفر إلى دار الإسلام، كان متحققا ميسوراً فيما مضى من الأزمان، عند وجود دارَيِ الكفر والإسلام، وأما إذا عم الظلام بلاد الأنام، ولم يكن هناك خليفة ولا إمام، فما على المكلف إلا مقارعة الكفر أينما كان، والعض بالنواخذ على هي النبي – صلى الله عليه وسلم – والحذر من مشاركة الطغام فيما يتهافتون فيه من الإجرام، مع السعي الحثيث لإعادة دولة الإسلام، فمن قام بذلك فهو من الناجين بسلام، المتقين الله حسب ما في الوسع والإمكان، وهذا كما ثبت عن حذيفة بن اليمان – عليه رضوان الرحيم الرحمن – أنه قال: كان الناس يسألون رسول الله – صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دَخَنٌ، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يَسْتَنُّون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد الخير من شر؟ قال: نعم: دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (¬1) . 3- إمام جائز، وله حالتان: ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب المناقب – علامات النبوة في الإسلام –: (6/515) ، وكتاب الفتن – باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟: (13/35) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كل حال: (4/1475) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الفتن – باب العزلة –: (2/1317) .

الحالة الأولى: أن يكون متصفاً بالشروط المرضية، وتمَّت له البيعة، ثم طرأ عليه بعد ذلك مُفَسِّقٌ كأن جار، أو تلبس ببعض المعاصي الكبار، كشرب الخمر أو تعاطي عهر. الحالة الثانية: أن يتغلب على الناس على كره منهم، ويقودهم بغير رضاهم، فهو مغتصب لسلطان الأمة معتدٍ على الذمة. ولهاتين الحالتين حالتان: أ) يجب خلعه إن أمكن بلا ظلم ولا فتنة، لأن ذلك من النصح له وللأمة، وهو ممكن دون ارتكاب محظور، فلا يترك (¬1) . ب) إذا لك يمكن عزله إلا بالوقوع في فتنة عمياء، وجر الأمة إلى بلاء، فالواجب الصبر على طاعته، وعدم الخروج عن كلمته، وخالف المعتزلة في هذا، فالتزموا الخروج عليه بالسيف، ولو أدى ذلك إلى فتنة وحيف، ومعلوم ما في هذا القول من الفساد والإفساد، والشقاق والعناد، ولذلك حذرنا منه خير هاد – صلى الله عليه وسلم أبد الآباد – وقد تقدم حديث عوف بن مالك، وعبادة بن الصامت، ومعاوية – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وفيها التنصيص على أنه لا يجوز الخروج على الأئمة وإن جاروا، وعصوا ما أقاموا الدين، ولم يظهروا الكفر المبين. ¬

_ (¬1) وهذه تكاد تكون فرضية، وتتصور في إمام عاقل أُخبر بأن الأمة لا تريده لما جرى منه من فسق وجور فلم يعارض ذلك، واستجاب له.

.. وهذا إذا لم يقدروا على خلعه بلا فتنة وظلم وحرب كما قرر ذلك أئمة الدين ففي فتح الباري نقلا ً عن الداودي بواسطة ابن التين – عليهما رحمة رب العالمين – قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه فلا فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر 1هـ ونحوه في تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار، وحاشيته رد المحتار، وحاصل ذلك أن الإمام إذا جار لا ينعزل إذا كان يترتب على عزله فتنة ومفسدة احتمالاً لأخف المضرتين وأدناهما أو كان له قهر وغلبة لعوده بالقهر والغلبة، فلا يفيد عزله، وإن لم يكن له قهر ومنعة، ولا يترتب على عزله مفسدة ومضرة ينعزل بجوره (¬1) . ... واعلم- علمني الله وإياك - أنه بهذا التفصيل يظهر أنه لا تعارض بين قول بعض أهل السنة الكرام: تنفسخ إقامة الخليفة بفسقه الظاهر المعلوم، ويخلع، وبين قول من قال من أهل السنة الأبرار: لا يجوز القيام عليه، ولا خلعه إذا ارتكب فسقاً، فالقول الأول ينزل على الحالة الأولى والثانية على الثانية، ولا تعارض بينهما، والله تعالى أعلم. تنبيهان: الأول: في حالة طاعة الإمام الذي طرأ عليه الفسق ينبغي ضرورة الالتزام بأمرين، فالتفريط بأحدهما هلاك: ¬

_ (¬1) انظر فتح الباري: (13/8) ، ورد المحتار: (4/264) ، وانظر البحث في هذه المسألة في شرح الإمام النووي على صحيح مسلم: (12/229) ، والجامع لأحكام القرآن: (1/271) ، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن –: (1/271) ، والأحكام السلطانية للماوردي: (17) .

أ) إذا أمر الإمام بمعصية فلا سمع له ولا طاعة، ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "على المرء المسلم السمع والطاعة، فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية، فلا سمع له ولا طاعة (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب الجهاد – باب السمع والطاعة للإمام –: (6/115) ، وكتاب الأحكام – باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية –: (13/121) بشرح ابن حجر فيهما، وصحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية –: (4/1469) ، وسنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب في الطاعة –: (3/93) ، وسنن الترمذي – كتاب الجهاد – باب ما جاء لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق –: (6/30) ، وسنن النسائي – كتاب البيعة – باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع –: (7/142) ، وسنن ابن ماجه – كتاب الجهاد – باب لا طاعة في معصية الله –: (2/956) والمسند: (2/17، 142) ، وشرح السنة – كتاب الإمارة والقضاء – باب الطاعة في المعروف: (10/43) ..

"، وفي الصحيحين وغيرهما أيضاً عن علي – رضي الله تعالى عنه – قال: بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سرية، واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطباً، فجمعوا له، ثم قال: أوقدوا ناراً، فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها، قال: فنظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من النار، فكانوا كذلك، وسكن غضبه، وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف" وفي رواية "لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب المغازي – باب 59: (8/58) ، وكتاب الأحكام – باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية –: (13/122) ، وأول كتاب أخبار الآحاد –: (13/233) بشرح ابن حجر في الجميع – وصحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية: (4/1469) ، وسنن أبي داود – كتاب الجهاد – باب في الطاعة –: (3/92) ، وأشار إليه الترمذي في كتاب الجهاد – باب لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق – ق: (6/30) ، وهو في سنن النسائي – كتاب البيعة – باب جزاء من أمر بمعصية فأطاع –: (7/142) ، والمسند: (1/82، 94، 124) وانظره من رواية أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – في سنن ابن ماجه – كتاب الجهاد – باب لا طاعة في معصية الله –: (2/955) ، والمسند: (3/67) ، وانظر روايات متعددة عن عدة من الصحابة الكرام – رضي الله تعالى عنهم – فيها البيان التام بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الرحمن في مجمع الزوائد: (/225-229) كتاب الخلافة – باب لا طاعة في معصية الله – عز وجل.

ب) ينبغي على الرعية نصح الإمام إذا جرى منه ما يوقعه في الفسق والعصيان، فذلك من الواجبات العظام، وعليه يقوم أمر الإسلام، كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن تميم الداري – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "الدين النصيحة، قلنا لمن: قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان أن الدين النصيحة –: (1/74) ، وسنن النسائي – كتاب البيعة – باب النصيحة للإمام: (7/140) ، وسنن أبي داود – كتاب الأدب – باب في النصيحة: (5/233) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (2/519) ، والمسند: (4/102) ، وكلهم من رواية تميم الداري، ورواه النسائي في المكان المتقدم عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وعنه أيضاً الترمذي في كتاب البر والصلة – باب ما جاء في النصيحة –: (6/173) ، وابن أبي عاصم في السنة: (2/90) ، وأحمد في المسند: (2/297) ، ورواه عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – الدارمي – في كتاب الرقاق – باب الدين النصيحة: (2/311) ، وعنه رواه البزار مختصراً كما في مجمع الزوائد: (1/87) ورجاله رجال الصحيح، ورواه عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – الإمام أحمد في المسند: (1/351) ، وعنه أيضاً رواه البزار، والطبراني في الكبير وأبو يعلى كما في مجمع الزوائد: (1/87) ورواه عن ثوبان – رضي الله تعالى عنه – ابن أبي عاصم في السنة: (2/521) , والطبراني في الأوسط وفيه أيوب بن سويد وهو ضعيف لا يحتج به كما في مجمع الزوائد: (1/87) ، والحديث علقه البخاري بصيغة الجزم – في كتاب الإيمان – باب قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم": (1/137) بشرح ابن حجر، قال الحافظ: أورده المصنف هنا ترجمة باب، ولم يخرجه مسنداً في هذا الكتاب لكونه على غير شرطه، ونبه بإيراده على صلاحيته في الجملة.

وقد بين لنا نبينا – صلى الله عليه وسلم – أن كلمة الحق عند الإمام الجائر، من أعظم ما يقرب إلى الرب القاهر، ففي السنن بإسناد صحيح حسن عن أبي عبد الله طارق ابن شهاب البجلي الأحمس أن رجلاً سأل النبي – صلى الله عليه وسلم –: أي الجهاد أفضل؟ قال: "كلمة حق عند سلطان جائر (¬1) ". ¬

_ (¬1) انظر سنن النسائي – كتاب البيعة – باب فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر –: (7/144) ، وسنده صحيح كما في الترغيب والترهيب: (3/225) ، وهو في المسند: (4/314، 315) ، ورواه عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – ابن ماجه في كتاب الفتن – باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (2/1330) وإسناده صحيح أيضاً كما في الترغيب والترهيب: (3/225) ، وهو في المسند: (251، 256) ، ورواه ابن ماجه أيضاً في نفس المكان عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – وهو في المسند: (3/19، 61) ، وكتاب العزلة للخطابي: (86) ، وسنن الترمذي – كتاب الفتن – باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر –: (6/338) ، وسنن أبي داود – كتاب الملاحم – باب الأمر والنهي: (4/514) قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، وأشار إلى رواية أبي أمامة فقال: وفي الباب عن أبي أمامة – رضي الله تعالى عنه – 1هـ وفي سند حديث أبي سعيد – رضي الله تعالى عنه – عطية العَوْفي وهو صدوق ويخطئ كثيراً وهو مدلس أيضاً كما في التقريب: (2/24) ، وقد عنعن في السند، وحديث أبي أمامة، وطارق بن شهاب – رضي الله تعالى عنهم – يشهد له، ولأجل ذلك حسنه الترمذي، وانظر الترغيب والترهيب: (3/225) ، وتعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (1/333) .

فليحذر المسلم المهتدي من التفريط في هذين الأمرين، ليفوز في الدارين، ثبت في المستدرك والسنن بإسناد صحيح حسن عن كعب بن عجرة – رضي الله تعالى عنه – قال: خرج إلينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونحن تسعة، وخمسة وأربعة، أحد العددين من العرب، والآخر من العجم فقال: "اسمعوا، هل سمعتم؟ إنه سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه، وليس بوارد عليّ، ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم، فهو مني، وأنا منه، وهو وراد على الحوض (¬1) ¬

_ (¬1) انظر سنن الترمذي – كتاب الفتن – باب تحريم إعانة الحاكم الظالم –: (7/38) ، وقال: هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه إلى من حديث مسعر من هذا الوجه، وفي الباب عن حذيفة وابن عمر – رضي الله تعالى عنهم –، ورواه أيضاً في كتاب الصلاة – باب ما ذكر في فضل الصلاة –: (2/373) ، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وسنن النسائي – كتاب البيعة – باب الوعيد لمن أعان أميراً على الظلم –، ورواه في الباب الذي بعده – باب من لم يعن أميراً على الظلم –: (7/143) ، والمستدرك – كتاب الفتن والملاحم: (4/422) ، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، والمسند: (5/243) ، وصحيح ابن حبان – موارد الظمآن – كتاب الإمارة – باب فيمن يدخل على الأمراء –: (378) ، وحلية الأولياء: (7/249، 8/248) ، وكتاب العزلة للخطابي: (86) ، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند: (3/321، 399) عن جابر بن عبد الله، ورواه في: (4/267) عن النعمان بن بشير، وفي: (5/384) عن حذيفة، وفي: (2/95) عن ابن عمر، وهو في مسند ابن عمر للطرسوسي: (40) رقم 70، ورواه الإمام أحمد في: (3/24) عن أبي سعيد الخدري، وفي: (5/111) عن خباب بن الأرت، ورواه عن الأخيرين ابن حبان في المكان المتقدم، وانظر مجمع الزوائد – كتاب الخلافة – باب في أبوب السلطان والتقرب منها، وباب الكلام عند الأئمة، وباب فيمن يصدق الأمراء بكذبهم ويعينهم على ظلمهم –: (7/246-248) فقد أورد الإمام الهيثمي أحاديث كثيرة في ذلك المعنى – رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين – وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

". وهذا الأمر – أي نصح الأئمة، والجهر بالحق عندهم – إذا لم تقم به الأمة، فقد تُوُدِّعَ منها ولا خير فيها، وسيحل البلاء بها، وينزل سخط الله عليها، كما ثبت هذا عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – ففي المسند والمستدرك بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا رأيت أمتي تهاب الظالم إن تقول له: إنك ظالم فقد تُوُدِّعَ منهم (¬1) ". ¬

_ (¬1) - انظر المسند: (2/63، 190) ، والمستدرك – كتاب الأحكام –: (4/96) ، والحديث رواه البزار والطبراني كما في مجمع الزوائد: (7/262، 270) ، وقد صححه الحاكم فقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، والمنذري أيضاً في الترغيب والترهيب: (3/232) ،وقال الشيخ شاكرفي تعليقه على المسند: (10/39) 6521 إسناده صحيح، والحديث ذكره السيوطي في الجامع الكبير: (1/59) ، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى ابن عدي، والبيهقي في شعب الإيمان، والحديث رواه الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما كما في مجمع الزوائد: (7/270) ، قال الهيثمي فيه: سنان بن هارون، وهو ضعيف، وقد حسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله ثقات، ونسب السيوطي في الجامع الكبير: (1/59) تخريجه أيضاً إلى الحاكم عن سليمان بن كثير بن أسعد بن عبد الله بن مالك الخزاعي عن أبيه عن جده.

وإذا قام المسلم بذلك فقد أدى ما عليه، وخرج من العهدة، وبرئت ذمته من جور الأئمة، ويا ويل الأئمة ثم يا وليهم، إذا لم يلتزموا بما نُصحوا، وانحرفوا عن شرع الله وقسطوا، قال الله – جل وعلا –: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (¬1) } وفي الصحيحين أن عبيد الله بن زياد أمير البصرة في زمن معاوية وولده يزيد عاد الصحابي الجليل معقل بن يسار – رضي الله تعالى عنهم – في مرضه، فقال له معقل: إني محدثك حديثاً سمعته عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة" وفي رواية في الصحيحين أيضاً: "ما من والٍ يلي رعية من المسلمين، فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة (¬2) ". ¬

_ (¬1) من سورة الجن: (15) ، والقاسطون هم الجائرون، من قسط إذا جار، أما أقسط فبمعنى عدل كما في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: (490) ، ومدارك التنزيل: (5/273) ، والجامع لأحكام القرآن: (19/16) وفتح القدير: (5/299) ، والبحر المحيط: (8/350) . (¬2) انظر روايتي الحديث الشريف في صحيح البخاري – كتاب الأحكام – باب من استرعى رعية فلم ينصح: (13/127) بشرح ابن حجر، وصحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار: (1/125-126) ، وكتاب الإمارة – باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر –: (3/1460) ، والمسند: (5/25) ، وسنن الدارمي – كتاب الرقاق – باب العدل بين الرعية: (2/324) .

وفي المسند وسنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلساً إمام عادل وأبغض الناس إلى الله، وأبعدهم منه مجلساً إمام جائر (¬1) ¬

_ (¬1) انظر المسند: (3/22، 55) ، وسنن الترمذي – كتاب الأحكام – باب ما جاء في الإمام العادل: (5/9) ، وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله تعالى عنه – رواه الطبراني في الأوسط مختصراً كما في الترغيب والترهيب: (3/167) بلفظ: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر" والحديث في سنده عطيه العَوْفي وهو صدوق ويخطئ كثيراً وكان يدلس كما في التقريب: (2/24) ، وقد عنعن، ولكن للحديث شواهد كثيرة، ولذلك حسنه الترمذي ونقل المنذري في الترغيب والترغيب تحسين الترمذي ولم يعقبه، وانظر تعليق الشيخ الأرناؤوط على جامع الأصول: (4/55) . قال مقيد هذه الصفحات – غفر الله الكريم له سائر الزلات –: نظراً لانحراف أكثر الأئمة الذين جاؤوا بعد الخلافة الراشدة، وعدم قبولهم نصيحة الناصحين، اعتزلهم غالبية العلماء الصالحين، ومن اضطر منهم للمخالطة صدع بالحق المبين، وقد قرر الغزالي في إحياء علوم الدين أن الواجب الاعتزال عن السلاطين، إذ لا سلامة إلا فيه، وقال: فإن قلت: كان علماء السلف الصالح يدخلون على السلاطين، فأقول: نعم، تعلَّمِ الدخولَ منهم ثم ادخل، ثم سرد عدة قصص لعلماء السلف الطيبين في دخولهم على السلاطين ونصحهم لهم وزجرهم عن الباطل والجور، انظر هذا وما يتعلق به في الإحياء: (140-145) ، وقال الخطابي في كتاب العزلة: (86) معلقاً على حديث كعب بن عجرة – رضي الله تعالى عنه – وقد تقدم في صفحة: (.....) ليت شعري الذي يدخل عليهم اليوم فلا يصدقهم على كذبهم، ومن الذي يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم، ومن الذي ينصح، ومن الذي ينتصح منهم؟ إن أسلم لك – يا أخي – في هذا الزمان، وأحوط لدينك أن تقل من مخالطتهم وغشيان أبوابهم، ونسأل الله – تبارك وتعالى – الغنى عنهم، والتوفيق لهم 10هـ وذكر نحو ذلك ابن الجوزي في صيد الخاطر: (286-288) ، والسمرقندي في تنبيه الغافلين: 270-273، وانظر مسلك الإمام أحمد مع الخليفة المتوكل، ومع أمير خراسان ابن طاهر في مناقب الإمام أحمد: (375-379) وعقب ابن الجوزي على ذلك بقوله: وإنما امتنع الإمام أحمد من زيارة ابن طاهر لأنه كان سلطاناً، وإلا فقد كان يزور أهل العلم والتدين، وانظر كتاب الإسلام بين العلماء والحكام، ويقع في قرابة خمسين ومائتي صفحة، وركز النظر على فصل: العلماء ينصحون الحكام، وفصل: العلماء ومواجهة الحكام. وانظر قصة أبي حازم مع سليمان بن عبد الملك عند لقائه إياه، واجتماعه به في سنن الدارمي – المقدمة – باب في إعظام العلم –: (1/125-126) ، وانظر قول ابن أبي ذئب لأبي جعفر المنصور: إنك لا تعدل في الرعية، ولا تقسم بالسوية، في آداب الشافعي ومناقبه: (320-321) ، وانظر أخباراً أخرى له مع المنصور تشبه ما تقدم في تاريخ بغداد: (2/298-300) ، وانظر لزاماً معاتبة شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك لإسماعيل بن عُلَيَّة؛ لاتصاله بهارون الرشيد، وولايته له ديوان المظالم في ميزان الاعتدال: (1/218) ، وتهذيب التهذيب: (1/277) ، وجامع بيان العلم: (1/165) ، والصواعق المحرقة: (309) . واعلم – وفقك الله – أن ذينك المسلكين – الاعتزال، أو الدخول للنصح – من سلفنا الكرام تجاه الحكام، كان في ظل الخلافة الإسلامية، لكن أكثر أولئك الأمراء دخلوا في بعض الأمور الردية، وقد تغيرت الأمور تغييراً جذرياً بعد ضياع الخلافة الإسلامية، وبذل الكفار كل غالٍ ورخيص في القضاء عليها، وأصبح الذين يتقلدون الأمور هم حثالة الناس وسقطهم، وهم شياطين في صورة آدميين، إلا من عصم الله منهم ورحم، وقد أخبرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – عن وقوع ذلك واعتبره من علامات فساد الكون، وأشراط الساعة، فقال – صلى الله عليه وسلم –: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع". انظر سنن الترمذي – كتاب الفتن – باب 37: (6/363) عن حذيفة – رضي الله تعالى عنه – وقال الترمذي: هذا حديث حسن، والمسند: (5/389) ، ورواه الإمام أحمد في المسند أيضاً عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في: (2/326، 358) ، وعن بعض أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في: (5/430) ولم يرفعه، وعن أبي بردة بن نيار – رضي الله تعالى عنه – في: (3/466) ، وروايته أخرجها الطبراني باختصار كما في مجمع الزوائد: (7/320) ، وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات، وعنون عليه باباً في كتاب الفتن، فقال: باب لا تذهب الدنيا حتى تكون للكع بن لكع، ثم قال: ويأتي لهذا الحديث طرق في أمارات الساعة من حديث عمر وأنس وأبي ذر رضي الله تعالى عنهم أجمعين –، وقد ذكر رواياتهم في مجمع الزوائد: (74/325-326) ، فرواية عمر أخرجها الطبراني في الأوسط بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات، ورواية أنس رواها أيضاً الطبراني في الأوسط ورجال السند رجال الصحيح غير الوليد بن عبد الملك بن مرح، وهو ثقة، ورواية أبي ذر رواها الطبراني في الأوسط أيضاً، ورجال السند وثقوا، وفي بعضهم ضعف 10هـ. واللكع هو: اللئيم، والوسخ، والأحمق، قال النضر بن شُمَيْل: يقال للرجل إذا كان خبيث الفعال شحيحاً قليل الخير: إنه للكوع 1هـ من اللسان: (10/199) "لكع"، وقد فسره الأسود بن عامر أحد رواة الحديث في المسند: (2/326) بالمتهم بن المتهم، وانظر غريب الحديث: (2/233-234) ، والفائق: (2/474) ، وقد اعتبر النبي – صلى الله عليه وسلم – من علامة حلول البلاء بالأمة كون زعيم القوم أرذلهم، كما في سنن الترمذي – كتاب الفتن – باب ما جاء في علامة حلول المسخ والقذف: (6/363) ، عن علي – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً، وقال الترمذي: حديث غريب، ورواه عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – مرفوعاً أيضاً، وقال إنه غريب، نسأل الله الفرج، وحسن الخاتمة، إنه سميع مجيب.

". التنبيه الثاني: لا يجوز أن يكون للمسلمين في الدنيا إلا خليفة واحد، كما قرر ذلك الشرع المطهر، لئلا يتفرق شمل المسلمين، ويتشتت شملهم، وتضع منزلتهم، وتتلاشى مكانتهم، وتضمحل هيبتهم، وتذهب ريحهم وقوتهم، ويصيح بأسهم بينهم، ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح مسلم – كتاب الإمارة – باب إذا بويع لخليفتين: (2/242) بشرح النووي، ورواه البيهقي في السنن الكبرى – كتاب قتال أهل البغي – باب لا يصلح إمامان في عصر واحد –: (8/144) والبغوي في شرح السنة – كتاب الإمارة والقضاء – باب من يخرج على الإمام والوفاء ببيعة الأول: (10/56) ، وفي المستدرك: (2/156) ، وقد أخرج مسلم، ثم ذكر ما تقدم، والحديث رواه الطبراني في الأوسط، والبزار عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – وفيه أبو هلال وهو ثقة كما في مجمع الزوائد – كتاب الخلافة – باب النهي عن مبايعة خليفتين: (5/198) ، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط بسند رجاله ثقات عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لمعاوية – رضي الله تعالى عنهم أجمعين –: وأنت يا معاوية أخبرتني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا كان في الأرض خليفتان، فاقتلوا أخرهما" انظر مجمع الزوائد: (5/198) ، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد: (1/239) عن أنس – رضي الله تعالى عنه – وورد في سنن البيهقي: (8/144) قال البيهقي: وروينا في حديث السقيفة أن الأنصار حين قالوا: منا رجل ومنكم رجل، قال عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – يومئذ: سيفان في غمد لا يصطلحان، وقال أبو بكر – رضي الله تعالى عنه – في خطبته يومئذ: وإنه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران، هنالك تترك السنة، وتظهر البدعة، وتعظم الفتنة، وليس لأحد على ذلك صلاح. وقال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – إن تعدد الحكام في بلاد المسلمين، لا يقل خطورة وشناعة عن تعدد الأزواج لزوجة واحدة، ومعلوم ما في ذلك من الفساد المبين – حفظنا الله بمنه وكرمه من سائر الفتن أجمعين.

" قال الإمام النووي – عليه رحمة الله تعالى –: واتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد، سواء اتسعت دار الإسلام، أم لا، وقال إمام الحرمين في كتابه "الإرشاد" قال أصحابنا لا يجوز عقد لشخصين، قال: وعندي أنه لا يجوز عقدها لاثنين في صقع واحد، وهذا مجمع عليه، قال: فإن بعد ما بين الإمامين، وتخلت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال، قال: وهو خارج من القواطع، وحكى المازري: هذا القول عن بعض المتأخرين من أهل الأصل، وأراد به إمام الحرمين، وهو قول فاسد مخالف لما عليه السلف والخلف، لظواهر إطلاق الأحاديث، والله أعلم 10هـ (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر شرح صحيح مسلم: (12/32) ، ونقل الأُبُّي في إكمال المعلم، والسنوسي في مكمل إكمال المعلم مطبوعان معاً الثاني منهما في الحاشية: (5/204) عن القاضي عياض رد قول إمام الحرمين والحكم عليه بأنه غير سديد، وهو مخالف لما عليه السلف والخلف، ولظاهر إطلاق الأحاديث 10هـ ومن العجيب أن يرد القرطبي في تفسيره: (1/274) قول الكرامية المجوزين نصب خليفتين في عصر واحد لجواز بعث نبيين في عصر واحد، كحال علي ومعاوية – رضي الله تعالى عنهما – بقوله: والجواب أن ذلك جائز لولا منع الشرع منه، لقوله: "فاقتلوا الآخر منهما"، ولأن الأمة مجمعة عليه، وأما معاوية فلم يدع الإمامة لنفسه، وإنما ادعى ولاية الشام بتولية مَنْ َقْبَلُه من الأئمة، ومما يدل على هذا إجماع الأمة في عصرهما على أن الإمام أحدهما، وما قال أحدهما: إني أمام، ومخالفي إمام، فإن قالوا: العقل لا يحيل ذلك، وليس في السمع ما يمنع منه، قلنا: أقوى السمع الإجماع، وقد وجد على المنع 1هـ من العجيب حقاً أن يرد القرطبي قول الكرامية، ويعلل المنع أيضاً بأن وجود إمامين يؤدي إلى النفاق والشقاق، وحدوث الفتن والافتراق، وزوال النعم، ثم يقول: لكن إن تباعدت الأقطار، وتباينت كالأندلس وخراسان جاز ذلك 1هـ كيف يجوز ذلك، والإجماع قام على منع التعدد مطلقاً كما قرر هو وما توهمه من مسوغ التعدد لتباعد الأقطار مجرد وهم، لأن الأمير من قبل الخليفة يدير أمر تلك البلدة مع ارتباطه بالخلافة، لتكون كلمة المسلمين واحدة، مرتبطة بقيادة واحدة، وبذلك تتم وحدتها، ويجتمع شملها. ولزيادة البصيرة بالقول الحق، والثقة به انظر الأحكام السلطانية للماوردي: (9) وفيه: وإذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما، لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد، وإن شذ قوم فجوزره 1هـ وحكى الإمام الشافعي – عليه رحمة الله – في الرسالة: (419) أن مما أجمع عليه المسلمون أن يكون الخليفة واحداً وفي الأحكام السلطانية للفرَّاء: 25 ولا يجوز عقد الإمامة لإمامين في بلدين في حالة واحدة 1هـ وفي كتاب مراتب الإجماع لابن حزم وإقرار ابن تيمية له: (124) واتفقوا أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان، ولا في مكانين ولا في مكان واحد 1هـ وفي المحلي: (9/360) ، ولا يصح أن يكون في الدنيا إلا إمام واحد 1هـ والله تعالى أعلم.

وما ذكره الإمام النووي لا ينبغي التوقف في صوابه، كما لا ينبغي التوقف في بطلان قول إمام الحرمين، فالنص بخلافه، وإذا صادم القياس نصاً فهو فاسد الاعتبار، ومطروح لا يلتفت إليه ومع هذا فهو فاسد أيضاً من حيث النظر، فالمفاسد التي تنتج من تعدد الخلفاء جسيمة وخيمة أفظعها تفريق أوصال الأمة، وتشتيت شملها، هذا إذا لم يجر الأمر إلى التناحر والمنازعات بين الخلفاء، مع أن واقع تعدد الأمراء سينتج عنه الشقاق بلا نزاع، والواقع أكبر دليل على ذلك وصدق الله إذ يقول: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} الأنبياء22 فعند تعدد الخلفاء يصبح بأس الأمة فيما بينها، وتترك الأمة تبليغ دعوة ربها، وتهمل نشرها، مع أن ذلك هو عملها ووظيفتها. والملاحظ أن تعدد الخلفاء مع دلالته على التفرق والتمزق، والتنافر والتناحر فيما بين أولئك فهو يدل دلالة واضحة على تشتيت أمر كل خليفة من أولئك الخلفاء في خلافته، وما تعدد الحكام إلا لتضعضع أمر الخلافة الأولى، وتشتت شملها، حيث أدى ذلك لانقسامات الداخلية، ولاستبداد الأمراء بحكم ولاياتهم، بحيث كان الخليفة صورة لا حقيقية، ولم يكن له من الخلافة إلا الاسم، مما أدى ذلك في النهاية إلى انفصال أجزاء عن بناء الدولة المسلمة، وانسلاخ بلدان عن جسمها، فالتشتت الداخلي أدى للانسلاخ الخارجي، وبذلك تعلم أن تعدد الخلفاء نذير بكل سوء، لدلالته على تفرق الكلمة، وتشتت الشمل داخلاً وخارجاً، والله المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل. أسباب انتشار مذهب الاعتزال أهل الزيع والضلال:

.. بعد تلك الجولة المباركة، في بيان أسس مذهب الاعتزال الباطلة، وتقرير صحة أقوال أهل السنة الثابتة، سأكمل البيان في بيان سبب انتشار مذهب المعتزلة أهل الزيع والهذيان (¬1) ، وأستمد التوفيق من ربي الرحمن، فهو الجواد ذو الجلال والإكرام. ... إن المتفحص في مذاهب المبطلين، يرى أن مذهب المعتزلة أكثرها انتشاراً في بلدان المسلمين ولذلك أسباب كثيرة، أبرزها: 1- اتصالهم بالخلفاء والأمراء: واستطاعوا بدهائهم جلبهم إليهم، فتبنى عدد منهم أقوالهم وركنوا إليهم، وأسندوا إليهم مهام دولتهم، فعمرو بن عبيد المؤسس الثاني لمذهب الاعتزال كان جليس الخليفة أبي جعفر المنصور، وصفيه، وأحمد بن أبي دؤاد كان قاضي القضاة لثلاثة من الخلفاء، المعتصم، ثم الواثق، ثم المتوكل، وفي عهده طرد من القضاء وحل به البلاء، وأبو الهذيل العلاف كان أستاذَ الخليفة المأمون (¬2) . ¬

_ (¬1) وبذلك وصفهم هارون الرشيد كما في شرف أصحاب الحديث: (55) فقال: طلبت أربعة فوجدتها في أربعة: طلبت الكفر فوجدته في الجهمية، وطلبت الكلام والشغب فوجدته في المعتزلة، وطلبت الكذب فوجدته في الرافضة، وطلبت الحق فوجدته مع أصحاب الحديث، وقال كما في صفحة: (78) المروءة في أصحاب الحديث، والكلام في المعتزلة، والكذب في الروافض. (¬2) سيأتيك عما قريب ترجمة عمرو بن عبيد، وقد تقدمت ترجمة ابن أبي دؤاد في كتاب التوحيد، وكذلك أبو الهذيل العلاف، وهو إمام القدرية في زمانه، كما في درء تعارض العقل والنقل: (1/305) .

.. ذلك هو حال المعتزلة مع جهاز الحكم، وأهل السنة كانوا على نقيض ذلك تماماً، وسبب ذلك ما قدمته من وجود شيء من الخلل في جهاز الحكم، وتلبس الحكام بشيء من الظلم فآثر أهل السنة الابتعاد عنهم، ومن اضطر لمخالطتهم نصحهم ولم يركن إليهم، وما أرادوا بالأمرين إلا الاحتراز من الشين، وإرضاء رب الكونين، وفي سنن الدارمي عن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه –: من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على السلطان، ولا يخلون بالنسوان ولا يخاصمن أهل الأهواء (¬1) . وقد بلغ الأمر بأهل السنة الكرام أن يحترزوا ممن يخالط السلطان، قال سعيد بن المسيب – عليه رحمة الرحمن الرحيم –: إذا رأيتن العالم يغشى الأمراء فاحترزوا منه، فإنه لص، وقيل للأعمش – رحمه الله تعالى –: لقد أحييت العلم لكثرة من يأخذ عنك، فقال: لا تعجبوا، ثلث يموتون قبل الإدراك، وثلث يلزمون أبواب السلاطين فهو شر الخلق والثلث الباقي لا يفلح منه إلا القليل (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر سنن الدارمي – المقدمة – باب من قال: العلم الخشية وتقوى الله: (1/77) . (¬2) انظر قول سعيد في الإحياء: (1/66، 74) ، وقول الأعمش فيه أيضاً: (1/74) ، وفي جامع بيان العلم وفضله: (1/185) ، وفيه أيضاً قال الأعمش: شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمراء، وانظره في بهجة المجالس: (1/322) ، وقد ورد معنى هذا في حديث رواه ابن ماجه في – المقدمة – باب الانتفاع بالعلم والعمل به: (1/94) عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إن أبغض القراء إلى الله الذين يزورون الأمراء" قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: (1/74) : سنده ضعيف. وللإمام ابن الجوزي – رحمه الله تعالى – نظرات سديدة، وأقوال محكمة رشيدة في هذا الموضوع فمن ذلك قوله في صيد الخاطر: (453) العجب ممن عنده مُسْكَةٌ من عقل، أو عنده قليل من دين كيف يؤثر مخالطتهم، فإنه بالمخالطة لهم، أو العمل معهم، يكون قطعاً خائفاً من عزل أو قتل أو سم ولا يمكنه أن يعمل إلا بمقتضى أوامرهم، فإن أمروا بما لا يجوز لم يقدر أن يراجع، فقد باع دينه قطعاً بدنياه إلخ، وقال في صفحة: (347) : طال تعجبي من مؤمن بالله، مؤمن بجزائه يؤثر خدمة السلطان مع ما يرى منه من الجور الظاهر إلخ، وقال في: (402-403) : وقد تغير الزمان، وفسد أكثر الولاة، وداهنهم العلماء، ومن لا يداهن لا يجد قبولاً للصواب فيسكت، وقد كانت الولايات لا يسألها إلا من أحكمته العلوم، وثقفته التجارب، فصار أكثر الولاة يتساوون في الجهل، فتأتي الولاية على من ليس من أهلها، ومثل هؤلاء ينبغي الحذر منهم، والبعد عنهم، وأخبر عما لقي بنفسه من المخالفة في: (110، 399) فقال: كنت قد رزقت قلباً طيباً ومناجاة حلوة، فأحضرني بعض أرباب المناصب طعامه، فما أمكن خلافه، فتناولت وأكلت منه فلقيت الشدائد، ورأيت العقوبة في الحال، واستمرت مدة، وغضبت على قلبي، وفقدت ما كنت أجده، فقلت: واعجباً، لقد كنت في هذا كالمكره، فتفكرت وإذا به قد يمكن مداراة الأمر بلقيمات يسيرة، ولكن التأويل جعل تناول هذا الطعام بشهوة أكثر مما يدفع بالمداراة، فلما تناولت بالتأويل لقمة، واستحليتها بالطبع لقيت الأمرين بفقد القلب فاعتبروا يا أولي الأبصار، ومما يشبه ما جرى لابن الجوزي ما في الإحياء: (2/20) أن بعض المزكين رد شهادة من حضر طعام سلطان، فقال: كنت مكرهاً، فقال: رأيتك تقصد الأطيب، وتكبر اللقمة، وما كنت مكرهاً عليه 10هـ وقد كرر ابن الجوزي الأخبار عن نفسه بما حصل له من تغير وتكدر حالٍ من مخالطة السلاطين، فقال في: (78-81) : كنت في بداية الصبوة قد ألهمت سلوك طريق الزهاء بإدامة الصوم والصلاة وحبب إليّ الخلوة، فكنت أجد قلباً طيباً، وكانت عين بصيرتي قوية الحدة، تتأسف على لحظة تمضي في غير طاعة، وتبادر الوقت في اغتنام الطاعات، ولي نوع أنس وحلاوة ومناجاة، فانتهى الأمر إلى أن صار بعض ولاة الأمور يستحسن كلامي، فأمالني إليه، فمال الطبع، ففقدت تلك الحلاوة ثم استمالني آخر، فكنت أتقي مخالطته، ومطاعمه لخوف الشبهات، وكانت حالي قريبة، ثم حال التأويل فانبسطت فيما يباح، فعدمت ما كنت أجده، وصارت المخالطة توجب ظلمة القلب إلى أن عدم النور كله، فكثر ضجيجي من مرضي، وعجزت عن طب نفسي، فاجتذبني لطف مولاي بي إلى الخلوة على كراهة مني، ورد قلبي على بعد نفوره مني، وأراني عجيب ما كنت أوثره، فأفقت من مرضي غفلتي، ثم ذكر أن أسلم شيء للإنسان العزلة، خصوصاً في زمن مات فيه المعروف، وعاش فيه المنكر، ولم يبق لأهل العلم وقع عند الولاة، فمن داخلهم دخل معهم فيما لا يجوز، ولم يقدر على جذبهم مما هم فيه، ومن تأويل العلماء الذين يعملون لهم في الولايات يراهم منسلخين من نفع العلم، قد ساروا كالشرط فليس إلا العزلة عن الخلق، والإعراض عن كل تأويل فاسد في المخالطة، وقد اعترف كل من داخل السلاطين إن كان من الصالحين بما اعترف به الإمام ابن الجوزي، ولذلك قال الإمام ابن الجوزي في صيد الخاطر: (288) : ولما بليت أقوام بمخالطة الأمراء، أثر ذلك التكدير في أحوالهم كلها، فقال سفيان بن عيينة – رضي الله تعالى عنه –: منذ أخذت من مال فلان الأمير منعت ما كان وهب لي من فهم القرآن، وأثر ابن عيينة رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: (1/368) . وقد قرر ابن الجوزي أن مداخلة السلاطين، ومساعدتهم في أعمالهم، تلحق فاعل ذلك بهم ففي صفحة: (422) يقول: قال السجان للإمام أحمد بن حنبل – عليه رحمة الله تعالى –: هل أ، امن أعوان الظلمة؟ فقال: لا، أنت من الظلمة، إنما أعوان الظلمة من أعانك في أمر 10هـ وفي الإحياء: (2/13، 20، 98، 149) آثار كثيرة عن سلفنا الصالح تشبه هذا القول، فمن ذلك قول سفيان بن عيينة – رحمه الله تعالى –: لا تخالط السلطان، ولا من يخالطه، وقال: صاحب القلم، والدواة وصاحب القرطاس بعضهم شركاء بعض، وقال رجل لابن المبارك – عليه رحمة الله تعالى –: أنا رجل خياط، وأخيط ثياب السلاطين، فهل تخاف عليّ أن أكون من أعوان الظلمة؟ قال: لا، إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة، أما أنت فمن الظلمة نفسهم.

ب- وجود عدد منهم من أهل اللسن والفصاحة في كل طبقة من طبقاتهم، فاستطاعوا بذلك استمالة الناس إليهم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إن من البيان لسحراً (¬1) ¬

_ (¬1) انظر صحيح البخاري – كتاب النكاح – باب في الخطبة –: (9/201) ، وكتاب الطب – باب إن من البيان لسحراً: (10/237) بشرح ابن حجر فيهما، وسنن أبي داود – كتاب الأدب – باب ما جاء في المتشدق في الكلام: (5/275) ، وسنن الترمذي – كتاب البر والصلة –: باب ما جاء في أن من البيان سحراً –: (6/30) ، والموطأ – كتاب الكلام – باب ما يكره من الكلام بغير ذلك الله –: (2/986) ، والمسند: (2/16، 59، 62، 94) ، ورواه أحمد عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – في: (1/269، 273، 303، 309، 327، 332) ، وسنده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (4/138) رقم 2424 وعن ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه – في: (1/397، 454) وإسناده صحيح كما في تعليق الشيخ شاكر: (5/293) 3778، ورواه عن معد بن يزيد السلمي – رضي الله تعالى عنه – في: (3/470) ، وعن عمار بن ياسر – رضي الله تعالى عنهما – في: (4/263) ، وعنه رواه مسلم في كتاب الجمعة: (6/158) بشرح النووي، وهو في سنن الدارمي – كتاب الصلاة – باب في قصر الخطبة –: (1/365) ، والحديث رواه الطبراني عن أنس – رضي الله تعالى عنه – وفيه العباس بن الفضل وهو متروك كما في مجمع الزوائد: (8/123) . وأحسن ما يقال في معنى الحديث أن الكلام، إذا وقع على أتم بيان، بأن دخلته الصنعة من الإنسان، بحيث يروق للسامعين، ويستميل قلوبهم، كحال السحر إذا خلب القلب، وغلب على النفس حتى يحول الشيء عن حقيقته، يصرفه عن جهته، فيلوح للناظر في معرض غيره، وهذا إذا صرف إلى الحق يمدح، وإذا صرف إلى الباطل يذم، انظر تفصيل ذلك في فتح الباري، وشرح النووي – في الأماكن المتقدمة، وعارضة الأحوذي: (8/182-183) .

" فمؤسس المذهب واصل بن عطاء الغزَّال مِنْطيق فصيح ذكي بليغ، وأبو الهذيل العلاف مناظر مفوه، وخطيب مِصْقَعٌ، كان يستشهد بثلاثمائة بيت من الشعر في مناظرته، وقد تقدم في كتاب التوحيد بيان قوة عارضته، وشدة ذكائه، وألمعيته. ... ويضاف إلى ذلك الأمر، عنايتهم بالثرثرة، وعدم الاقتصار في الكلام على الضرورة، فمجالسهم قيل وقال، وشغب وجدال، وذلك مما يخدع به السذج الجهال، وقد شهد أمير المؤمنين هارون الرشيد، باتصافهم بذلك الحال، كما تقدم قريباً فكن منه على بال. 3- تعاونهم فيما بينهم على نشر ما يدعون إليه وتساندهم في بث ما اتفقوا عليه، حتى استطاعوا في نهاية الأمر، إقناع المأمون بما يدعون إليه من وزر، فصبا إليهم ومال، وتقلد مذهب الخزي والعار، واضطهدوا أئمة السنة الأبرار، وتغيرت الأمور، وتكدرت الأحوال، وكثر البلاء واستطار، إذ تبع ذلك المذهب غفير من الأغمار، واستمر الحال على ذلك العار حتى أزاله العزيز القهار على يد المتوكل إمام الأبرار. ... وقد ضرب المتقدمون الأمثال، بتعاون المعتزلة الضلال، فقالوا معبرين عن مدى الاحتفاء والإجلال: اعتد به، كاعتداد الشيعي بالشيعي، والمعتزلي بالمعتزلي (¬1) – جمعنا الله على الهدى، وحفظنا من الزيغ والردى. نشأة تلك الفرقة المنكرة، وحكمها في شريعة الله المطهرة: ¬

_ (¬1) انظر تفصيل الكلام على أسباب انتشار مذهب المعتزلة اللئام، في تقديم الأستاذ محمد محيى الدين عبد الحميد لكتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين: (21-22) ، وفي كتاب التنبيه والرد: (40) يقول الإمام أبو الحسن الملطي – رحمه الله تعالى –: واعلم أن للمعتزلة سوى من ذكرناهم جماعة كثيرة قد وضعوا من الكتب والهوس ما لا يحصى، ولا يبلغ جمعه، وهي في كل بلدة وقرية، ولا تخلو منهم الأرض.

.. ظهر مذهب المعتزلة في أوائل المائة الثانية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – كان الناس في قديم الزمان قد اختلفوا في الفاسق المِلِّي، وهو أول اختلاف حدث في الملة، هل هو كافر أو مؤمن؟ فقالت الخوارج: إنه كافر، وقالت الجماعة أهل السنة: إنه مؤمن، وقالت طائفة: نقول هو فاسق، لا مؤمن، ولا كافر، ننزله منزلة بين المنزلتين، وخلدوه في النار، واعتزلوا حلقة الحسن البصري وأصحابه – رحمهم اله جميعاً – فسموا معتزلة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر مجموع الفتاوى الكبرى: (3/182-183) ، وأفاد في: (10/358) أن انتشارا أمر المعتزلة تم بعد موت الحسن البصري وابن سيرين – عليهما رحمة الله تعالى – وذكر في: (8/228) أن قتادة وغيره قالوا: أولئك المعتزلة.

.. وأول من قال إن مرتكب الكبيرة: لا مؤمن ولا كافر، إنما هو منزلة بين الإيمان والكفر في الدنيا ومخلد في النار في الآخرة هو: واصل بن عطاء الغزَّال، المتكلم البليغ المتشدق، وكان من تلاميذ الحسن البصري – رحمه الله تعالى – فلما قال ما قال، طرده من مجلسه، فاعتزل عنه، وجلس في ناحية من مسجد البصرة، وانضم إليه عمرو بن عبيد، فقيل لهما ولأتباعهما: المعتزلون، أو المعتزلة لاعتزالهم مجلس الحسن البصري، ولاعتزالهم قول الأمة في دعواهم: إن الفاسق من أمة الإسلام لا مؤمن ولا كافر 0 قال الذهبي – عليه رحمة الله – في الميزان: كان واصل من أجلاد المعتزلة، قال أبو الفتح الأزدي: هو رجل سوء كافر، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر إيضاح ذلك وترجمة واصل في وفيات الأعيان: (3/130، 248، 5/61) ، وميزان الاعتدال: (4/329) ولسان الميزان: (6/214-215) ، وشذرات الذهب: (1/182-183) ، والفرق بين الفرق: (20-21، 117-119) ، والتنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: 38، والملل والنحل: 1/53-57 واحذر ما جاء في طبقات المعتزلة للمعتزلي عبد الجبار: (234-241 من إسفاف ومجازفة في الثناء على واصل الضال، وما ذكره في صفحة: (234) من الحديث في فضل واصل: "سيكون في أمتي رجل يقال له واصل، يفصل بين الحق والباطل" فهو من لهو الحدث، ومن أشنع الكلام الخبيث، ولا يصدر إلا من رقيع خسيس.

.. وقد تبع عمرو بن عبيد واصل بن عطاء على تلك المقالة النكراء، وبلغ من شدة تعلقه به أن زوجه أخته، والطيور على أشكالها تقع، وقال له: زوجتك أختي إذ لم يكن لي بنت، وما بي إلا أن يكون لك عقب، وأنا خاله، فما حقق الله أمنيته، وقطع نسلهما، وماتا جميعاً، ولم يعقبا، وفي الميزان، وتهذيب التهذيب نقلا ً عن ابن حبان – عليه رحمة الرحيم الرحمن – كان عمرو بن عبيد من أهل الورع والعبادة، إلى أن أحدث ما أحدث، واعتزل مجلس الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – هو وجماعة معه، فمسوا بالمعتزلة – وكان يشتم الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – ويكذب في الحديث وَهْماً لا تعمُّداً، قال ابن حجر معلقاً على كلام ابن حبان وغيره: والكلام فيه، والطعن عليه كثيراً جداً وبذلك ختم ترجمته 0 وفي البداية والنهاية نقلا ً عن الحسن البصري – عليه رحمة الله تعالى – قال: عمرو بن عبيد سيد شباب القراء ما لم يحدث، قالوا: فأحدث والله أشد الحدث، وقد قال عبد الله ابن المبارك – عليه رحمة الله تعالى –: أيها الطالب علماً ... ايتِ حماد بن زيدِ فخذِ العلم بحلم ... ثم قيده بقيدِ وذر البدعة من ... آثار عمرو بن عبيدِ ... قال الإمام ابن كثير – عليه رحمة الرب الجليل –: وقد كان عمرو بن عبيد محظياً عند أبي جعفر المنصور، وكان المنصور يحبه ويعظمه، لأنه كان يفد على المنصور مع القراء، فيعطيهم المنصور فيأخذون، ولا يأخذ عمرو منه شيئاً، وكان يسأله أن يقبل كما يقبل أصحابه، فلا يقبل منه، فكان ذلك مما يغر المنصور ويروج به عليه حاله، لأن المنصور كان بخيلا ً، وكان يعجبه ذلك منه وينشد: كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد

.. ولو تبصر المنصور لعلم أن كل واحد من أولئك القراء خير من ملء الأرض مثل عمر بن عبيد، والزهد لا يدل على صلاح، فإن بعض الرهبان قد يكون عنده من الزهد مال لا يطيقه عمرو، ولا كثير من المسلمين في زمانه، مات عمر سنة ثلاث وأربعين ومائة (¬1) . حكم تلك الفرقة: ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم وغيره في ميزان الاعتدال: (3/273-280) ، وتهذيب التهذيب: (/70-75) والبداية والنهاية: (10/78-80) ، والفرق بين الفرق: (20، 120-121) ، والملل والنحل: (1/56) وتاريخ بغداد: (12/166-188) ، وفيه في: (183) عن سلام بن أبي مطيع قال: لأنا أرجي للحجاج مني لعمرو بن عبيد، إن الحجاج إنما قتل الناس على الدنيا، وإن عمرو بن عبيد أحدث فتنة، فقتل الناس بعضهم بعضاً، وانظر وفيات الأعيان: (3/130-133) ، والمعارف: (212) ، ومروج الذهب: (3/313-314) وشذرات الذهب: (1/211) .

.. الذي حط عليه كلام المحققين، الحكم عليهم بالضلال، وتفويض شأنهم إلى الكبير المتعال – جل جلاله – قال الإمام الذهبي في الميزان، وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين – عليهم جميعاً رحمة رب العالمين – يقول: كان عمرو بن عبيد من الدهرية، قلت: وما الدهرية؟ قال: الذين يقولون لا شيء، إنما الناس مثل الزرع، وكان يرى السيف، قال المؤلف – الإمام الذهبي – لعن الله الدهرية، فإنهم كفار، وما كان عمرو هكذا 10هـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة رب البرية –: نصوص الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم 10هـ ونقل عن السلف تكفير من نفى الكتاب والعلم من القدرية، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال، قال: وأقدم من بلغنا أنه تكلم في تعيين الفرق الهالكة وتضليلهم يوسف بن أسياط، ثم عبد الله بن المبارك – وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين عليهما رحمة رب العالمين – قالا: أصول البدعة: الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة، فقيل لابن مبارك: والجهمية؟ فأجاب: بأن أولئك ليسوا من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – وكان يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، وقالوا: إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام وهم الزنادقة، وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنين والسبعين فرقة، وجعلوا أصول البدع خمسة، ثم قال شيخ الإسلام: من أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم فإنه لا يكفر سائر أهل البدع، بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله – صلى الله عليه وسلم –: "هم في النار" مثل ما جاء في سائر الذنوب، مثل أكل مال اليتيم وغيره كما قال – جل جلاله –: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} النساء10. ومن أدخل الجهمية فيهم – أي: في الفرق الضالة البالغ عدد ثنتين وسبعين فرقة – منهم على قولين:

.. منهم من يكفرهم كلهم، وهذا إنما قاله بعض المتأخرين المنتسبين إلى الأئمة، أو المتكلمين وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير "المرجئة" و"الشيعة المفضلة" ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص الإمام أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميعه أهل البدع – من هؤلاء وغيرهم – خلافاً عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم، وهذا غلط على مذهبه وعلى الشريعة. ... ومنهم من لم يكفر أحداً من هؤلاء إلحاقاً لأهل البدع بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب، فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة، والمأثور عن السلف والأئمة: إطلاق أقوال بتكفير "الجهمية" المحضة (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر ما تقدم في ميزان الاعتدال: (3/280) ، ومجموع الفتاوى: (23/348، 3/350-352) وكرر نحو ذلك في أماكن من مجموع الفتاوى: (28/50، 3/229، 282) .

.. وصفوة كلامه – رحمه الله تعالى – أن من عدا الجهمية لا يكفرون، وفي تكفير الجهمية نزاع، والمنقول عن السلف القول بكفرهم، وبناء على هذا فالمعتزلة ضلال وليسوا بكفار، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن قدامة في رسالته إلى الشيخ محمد بن الخضر بن تيمية – عليهم جميعاً رحمة الله تعالى – ومما قاله في ذلك: ثم إن الإمام أحمد – الذي هو أشد الناس على أهل البدع – قد كان يقول للمعتصم: يا أمير المؤمنين، ويرى طاعة الخلفاء الداعين إلى القول بخلق القرآن، وصلاة الجمع والأعياد خلفهم ولو سمع الإمام أحمد من يقول هذا القول – تكفير أهل البدع، وتخليدهم في النار – الذي لم يرد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أحد قبله – أي: قبل الإمام أحمد – لأنكره أشد الإنكار، فقد كان ينكر أقل من هذا (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر الذيل على طبقات الحنابلة: 2/156، والرسالة طويلة لخص منها ابن رجب قرابة أربع صفحات، وأشار إلى تأليف ابن قدامة إلى هذه الرسالة في ترجمة ابن قدامة: (2/139) فقال في عد تصانيفه، منها: رسالة إلى الشيخ فخر الدين بن تيمية في تخليد أهل البدع في النار. وانظر نحوه ما ذكره ابن قدامة عن الإمام أحمد في مجموع الفتاوى: (23/349) وفي: (8/430، 460) قرر عدم تكفير الأئمة للمعتزلة ولا لمقابلهم من الجبرية، إنما كفروا من نفى علم الله بالأشياء قبل وقوعها.

.. قال عبد الرحيم – غفر الله له ذنوبه أجمعين – إطلاق الكفر على الزائغين المبتدعين، من قبل بعض السلف الصادقين، محمول على واحد من أمور أربعة عن المهتدين، فاعلم ذلك ولا تكن من الغافلين، قال الإمام البغوي – عليه رحمة رب العالمين – بعد أن قرر وجوب هجر الزائغين المفسدين، وسير السلف على ذلك الهدي القويم –: ثم هم مع هجرانهم كفوا عن إطلاق اسم الكفر على أحد من أهل القبلة، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – جعلهم كلهم من أمته – أي في الحديث المتقدم في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة –. وروي عن جماعة من السلف تكفير من قال بخلق القرآن، روي ذلك عن الأئمة الكرام مالك، وابن عيينة، وابن المبارك، والليث بن سعد، ووكيع بن الجراح، وغيرهم – رحمهم الله جميعاً –. وناظر الشافعي – رحمه الله تعالى – حفصاً الفَرْدَ، فقال: حفص: القرآن مخلوق، فقال الشافعي: كفرت بالله العظيم (¬1) . والأمور الأربعة التي يحمل عليها إطلاق الكفر على المبتدعين هي: ¬

_ (¬1) انظر شرح السنة: (1/228) ، وانظر مناقشة الشافعي لحفص الفرد المعتزلي وحكمه بالكفر على من قال بخلق القرآن في الأسماء والصفات: (252) ، والسنن الكبرى: (10/206) ، ومناقب الشافعي: (10/460) والانتقاء: (82) ، وتبيين كذب المفترى: (339) ، والمقاصد الحسنة: (304) ، وفيه: تكفير الشافعي لحفص الفرد ثابت، وانظر كشف الخفاء: (2/94) ، وتدريب الراوي: (216) ، ومنهج ذوي النظر: (106) ، والبداية والنهاية: (10/254) ، ومجموع الفتاوى: (23/349) ، وآداب الشافعي ومناقبه: (194) ، وذلك الحكم قاله الإمام أحمد أيضاً ففي مسائل الإمام أحمد: (262) قال أبو داود: قلت لأحمد: من قال القرآن مخلوق أكافر هو؟ قال: أقول هو كافر.

1- كفر لا يخرج عن الملة: فهو كفر دون كفر، قال الإمام البغوي وأجاز الشافعي شهادة أهل البدع، والصلاة خلفهم مع الكراهة على الإطلاق، فهذا القول منه دليل على أنه إن أطلق عليه بعضهم اسم الكفر في موضع أراد به كفراً دون كفر (¬1) . 2- فعل المبتدعين، يشابه فعل الكافرين، ولوجود ذلك الاتفاق بينهما، صح إطلاق لفظ الكفر على المبتدعة منهما، ولم تطبق على المبتدعين أحكام الكفر، لقيام شبهة عندهم لهم فيها شائبة عذر، قال الإمام ابن تيمية: وكذلك الإمام الشافعي لما قال لحفص الفَرْد حين قال: القرآن مخلوق، كفرت بالله العظيم، بين له أن هذا القول كفر، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك، لأنه لا يتبين له الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله، وقد صرح في كتبه بشهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر شرح السنة: (1/228) ، وانظر نحو ذلك التعليل في الذيل على طبقات الحنابلة: (2/156) . (¬2) انظر مجموع الفتاوى: (23/349) ، وقال قبل ذلك: (23/346) : وحقيقة الأمر في ذلك – أي في تكفير أهل البدع – أن القول قد يكون كفراً، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر. لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، ولم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله فيها، ونحو ذلك في: (7/619) .

3- إن ذلك الزيغ سيؤدي إلى الكفر في نهاية المطاف، لما يتلبس به المبتدع من شنيع الأوصاف وإذا كانت المعاصي بريد الكفر، فإن البدع بريدها السريع، مع الضمان الوثيق، لذلك الوصف الشنيع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى –: كانوا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر، وآيلة إليه (¬1) . 4- إطلاق الكفر على المبتدعين، من باب التغليظ والردع للزائغين، زجراً لهم عن إفكهم المبين وتنفيراً لغيرهم من ذلك المسلك الوخيم (¬2) . ¬

_ (¬1) انظر قول العلماء الكرام: الصغيرة تجر إلى الكبيرة، وهي تجر إلى الكفر، لأن المعاصي بريد الكفر في الفتح المبين لشرح الأربعين: (118) ، وكشف الخفاء: (2/213) ، ونحو ذلك في الإحياء: (4/32) ، وانظر مجموع الفتاوى: (6/359) ، كانوا يقولون: إن البدع مشتقة من الكفر , وآيلة إليه ... (¬2) انظر توجيه إطلاق لفظ الكفران، ونفي الإيمان، عن أهل الفسوق والعصيان في فتح الباري: (1/112) ، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم –: (2/57) ، ومجموع الفتاوى: (7/524-525) ، ومدارج السالكين: (1/395-397) ، وأجوبة الحافظ ابن حجر عن أحاديث المشكاة: (3/1778-1779) .

وبهذه التحقيقات العلية، يتبين الوجه في إطلاق لفظ "المجوس" على القدرية، في قول خير البرية – عليه صلوات الله وسلامه بكرة وعشية –: "القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم (¬1) ¬

_ (¬1) رواه أبو داود في سننه – كتاب السنة – باب في القدر –: (5/66) ، والحاكم في المستدرك – كتاب الإيمان –: (1/85) وأحمد في المسند: (2/86، 125) ، وابن أبي عاصم في كتاب السنة: (1/149-150) ، والآجري في الشريعة: (190) ، والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد: (7/205) ، كلهم عن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – ورواية الحاكم وأبي داود وإحدى روايات ابن أبي عاصم من طريق أبي حازم سلمة بن دينار عن ابن عمر. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر، وأقره الذهبي، قال الهيثمي في تهذيب السنن: (7/58) : هذا منقطع، أبو حازم لم يسمع من ابن عمر، ووصله الآجري وفيه زكريا بن منظور، ومن طريقه أخرجه الطبراني: قال الهيثمي: زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح وغيره، وضعفه جماعة 10هـ والذي حط عليه كلام ابن حجر في التقريب: (1/261) أنه ضعيف، ورواية أحمد الأولى، وإحدى روايات ابن أبي عاصم عن طريق عمر بن عبد الله، وعمر مولى غفرة لم يسمع أحداً من الصحابة كما في تهذيب التهذيب: (7/472) نقلا ً عن ابن معين، فالسند منقطع. ومع هذا فقد حكم ابن حجر عليه في التقريب: (2/59) بالضعف..ورواه أحمد في المكان الثاني متصلا ً عن مولى غفرة عن نافع عن ابن عمر، وقد علمت حال مولى غفرة، ومع ذلك فقد مال الشيخ شاكر في تعليقه على المسند: (8/279) 6077 إلى ترجيح الحكم عليه بالصحة، وأن علة الانقطاع في الرواية الأولى قد زالت، وقد ورد في بعض روايات ابن أبي عاصم، والآجري والطبراني في الصغير: (2/14) من طريق الحكم بن سعيد عن الجعيد بن عبد الرحمن عن نافع به، وساقه البخاري في التاريخ الكبير: (2/341) في ترجمة الحكم بن سعيد، وحكم عليه بالنكارة، وكذلك عَدَّ الذهبيُّ في الميزان: (1/570) هذا الحديثَ من مناكير الحكم بن سعيد، وأقر ذلك ابن حجر في اللسان: (2/332) ، ونقله أيضاً عن العقيلي، وابن عدي، والحديث رواه ابن أبي عاصم أيضاً من طريق إسماعيل بن داود عن سليمان بن بلال عن أبي حسين عن نافع به، وإسماعيل ضعفه أبو حاتم كما في الميزان: (1/226) ، وقال البخاري في التاريخ الكبير: (1/374) : إنه منكر الحديث، وانظر حديث ابن عمر أيضاً في الميزان: (2/79) ، والمجروحين لابن حبان: (1/314) . وقد روي الحديث عن حذيفة بن اليمان – رضي الله تعالى عنهما – بنحو الحديث المتقدم في سنن أبي داود في المكان المتقدم، وفي المسند: (5/406-407) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/144) كلهم عن عمر مولى غفرة عن رجل من الأنصار عن حذيفة، وتقدم الكلام في مولى غفرة، والرجل الأنصاري مجهول كما في تهذيب السنن: (7/61) . وروي الحديث أيضاً عن جابر بن عبد الله – رضي الله تعالى عنهما – في سنن ابن ماجه – المقدمة – باب في القدر –: (1/35) ، ومعجم الطبراني الصغير: (1/221) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/144) والشريعة للآجري: (190) بزيادة: "وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم" ورجال السند ثقات إلا أن أبا الزبير محمد بن مسلم بن تدردس المكي مدلس كما في التقريب: (2/207) وقد عنعن. وري الحديث عن أمنا عائشة – رضي الله تعالى عنها – في كتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/146) بنحو ما تقدم، وسنده ضعيف كما قال الشيخ الألباني في تعليقه عليه. وروي عن أبي هريرة – رضي الله تعالى عنه – في كتاب السنةلابن أبي عاصم –: (1/151) والشريعة للآجري: (191) وهو من رواية مكحول عن أبي هريرة، وروايته عنه مرسلة، لأنه لم يسمع عنه كما في تهذيب التهذيب: (10/290-292) وفي بعض أيضاً مع انقطاعه عطاء الخرساني صدوق يهم كثيراً، ويرسل ويدلس كما في التقريب: (2/23) وقد عَنْعَنَهُ، وفيه أيضاً جعفر به الحارث الواسطي صدوق كثير الخطأ كما في التقريب: (1/130) ، وانظر الحديث في تاريخ بغداد: (14/114) من رواية سهل بن سعد – رضي الله تعالى عنه – ورواه عنه الطبراني في الأوسط واللالكائي في السنة كما في تنزيه الشريعة: (1/317) وانظره في الميزان: (4/377) ، واللآليء المصنوعة: (1/259) . وروي الحديث عن أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه – في المعجم الأوسط للطبراني ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة كما في مجمع الزوائد: (7/205) ، وانظر ترجمة هارون في تهذيب التهذيب: (11/13-14) ولفظ الحديث: "القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم". وهذه الرواية الأخيرة ورد ما يشبهها وبعضها في سنن الترمذي – كتاب القدر – باب ما جاء في القدرية –: (6/321) ، وسنن ابن ماجه – المقدمة – باب في الإيمان –: (1/24، 28) ، والشريعة للآجري: (148، 193) ، والسنة لابن أبي عاصم: (1/147، 2/461-462) ، كلهم عن ابن عباس وزاد ابن أبي عاصم وابن ماجه عن جابر، وزاد الآجري روايته عن أبي هريرة وزاد ابن أبي عاصم ورايته عن أبي يعلى، ورواه عنه إسحاق بن راهُوْيَهْ كما في المطالب العالية: (3/88) ورواه إسحاق عن أبي بكر – رضي الله تعالى عنه – أيضاً كما في المطالب العالية، وانظره عن معاذ – رضي الله تعالى عنه – في التاريخ الكبير للبخاري: (1/375) ، والعلل المتناهية: (1/144) ، ورواه أبو نُعيم في الحلية عن أنس: (9/254) – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – وأمثل طرقه طريق الترمذي وقد حسنه وفي بعض النسخ ضم إلى التحسين الحكم عليه بالصحة فقال: هذا حديث غريب حسن صحيح. انظر الطبعة الحمصية: (6/321) ، والمصرية: (4/54) ، وعارضة الأحوذي: (8/316) ، وتنزيه الشريعة: (1/318) ، وفي سنده علي بن نزار، ووالده نزار بن حيان الأسدي وكل منهما ضعيف كما في التقريب: (2/45، 2/298) ، ولذلك حكم الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على جامع الأصول: (10/130) عليه بالضعف، ولفظ الحديث: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية". قال عبد الرحيم: وصفوة الكلام أن كلاً من الحديثين لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الرحيم الرحمن، وإليك البيان: أما الحديث الأول: "القدرية مجوس هذه الأمة" إلخ فقد تقدم بيان كثرة طرقه، وغالب تلك الطرق فيها شيء من الضعف إما بسبب الانقطاع، أو بسبب عَنْعَنَةِ المدلسين، وقد أطلق الذهبي في تهذيب السنن: (7/58) أن حديث ابن عمر – رضي الله تعالى عنهم أجمعين – روي من طرق ليس فيها شيء يثبت، وقال العقيلي كما في لسان الميزان: (2/332) يروى من طرق ضعاف بغير هذا الإسناد، أي إسناد الحكم بن سعيد المتقدم، ولا يصل الحديث إلى درجة الوضع، أو الترك والنكارة، وما أصاب ابن الجوزي في الحكم على الحديث بالوضع وإيراده في الموضوعات: (1/275) والعلل المتناهية: (1/144-154) ، لان مجيء الحديث الضعيف من طرق ترفعه إلى درجة الحسن، مع أن بعض تلك الطرق لها تلك الصفة على انفرادها كرواية الإمام أحمد في المسند حسبما رأى الشيخ أحمد شاكر، وكحديث أنس – رضي الله تعالى عنه – عند الطبراني في الأوسط. وعلى التسليم بعدم وصول كل رواية على انفرادها مرتبة القبول فبمجموعها تبلع ذلك بلا ريب، ولذلك تتابع الأئمة الحفاظ على رد كلام الإمام ابن الجوزي، وحكموا على الحديث بأنه في درجة الحسن على أقل تقدير، فالإمام السيوطي ينقل عن الحافظ صلاح الدين العلائي تحسين الحديث ويقره على ذلك قال في اللآليء المصنوعة: (1/258-259) ما حاصله: قال الحافظ العلائي: إخراج ابن الجوزي الحديث في الموضوعات ليس بجيد، لأن له طرقاً أخرى لا يحكم عليها بالوضع، فلا فائدة إذن في إخراجه في الموضوعات، لأنه يوهم أن الحديث من أصله موضوع، وليس كذلك، وهكذا إخراجه هذا الحديث في كتاب الأحاديث الواهية، لأنه ليس كذلك بل ينتهي بمجموع طرقه إلى درجة الحسن الجيد المحتج به إن شاء الله تعالى 1هـ ونص الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المصابيح: (3/1779) على أن الحديث من شرط الحسن 10هـ ونقل الحافظ ابن عَرَّاق كلام الحافظ العلائي المتقدم وأقره في تنزيه الشريعة: (1/317) – الفصل الثاني من كتاب السنة – وحكم الشيخ الألباني بحسنه في تعليقه على أحاديث المشكاة: (1/38) 107، وحكم عليه بالحسن، وبالصحة أيضاً في تعليقه على كتاب السنة لابن أبي عاصم: (1/150، 151) . وهكذا حال الحديث الثاني: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب" إلخ فقد تقدم تحسين الترمذي له، بل وتصحيحه في بعض النسخ، ومع التنبيه على وجود راوٍ فيه فيه ضعف، ولعل حكم الترمذي عليه بالحسن هو الصواب، وذلك لكثرة طرقه كما هو مقرر عند أولي الألباب، وما حالف ابنَ الجوزيِّ الصوابُ في إيراده الحديث في العلل المتناهية – المكان السابق – ولذلك رد عليه الحافظ العلائي كما في تنزيه الشريعة – المكان المتقدم أيضاً – وأقر ابن عَرَّاق ذلك، وحاصل الكلام: أن تحسين الترمذي ووجود المتابعات له تُخرجه عن كونه موضوعاً أو واهياً 1هـ ثم نقل ابن عراق عن الحافظ العراقي الحكم على الحديث بالحسن 1هـ وهكذا مال الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المصابيح: (3/1778) إلى تحسين الحديث، وذكر أن الخبر إذا جاء من طريقتين قوى أحدهما بالآخر، ومن ثم حسنه الترمذي 1هـ. والحكمة من قرن القدرية بالمرجئة ما قاله الإمام ابن العربي – رحمه الله تعالى - في العارضة: (8/297) من أن القدرية أبطلت الحقيقة، والمرجئة أبطلت الشريعة 1هـ ولشيخ الإسلام – عليه الرحمة والرضوان – كلام محكم متين في حكمة اقتران القدرية بالمرجئة الزائغين، وعبارته في مجموع الفتاوى: (8/105) قرنت القدرية بالمرجئة في كلام غير واحد من السلف، وروي في ذلك حديث مرفوع، لأن كلاً من هاتين البدعتين تفسد الأمر والنهي، والوعد والوعيد، فالإرجاء يضعف الإيمان بالوعيد، ويهون أمر الفرائض والمحارم، والقدري إن احتج كان عوناً للمرجئي، وإن كذب كان هو والمرجئي قد تقابلا، هذا يبالغ في التشديد حتى لا يجعل العبد يستعين بالله على فعل ما أمر به، وترك ما نهي عنه، وهذا يبالغ في الناحية الأخرى 10هـ.

". ... قال ابن الأثير – عليه رحمة الملك الكبير – في جامع الأصول: القدرية في إجماع أهل السنة والجماعة: هم الذين يقولون: الخير من الله، والشر من الإنسان، وإن الله لا يريد أفعال العصاة، وسموا بذلك، لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله – جل وعلا – ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه، وهؤلاء مع ضلالتهم يضيفون هذا الاسم إلى مخالفيهم من أهل الهدى، فيقولون: أنتم القدرية حين تجعلون الأشياء جارية بقدر من الله، وأنكم أولى بهذا الاسم منا، وهذا الحديث يبطل ما قالوا، فإنه – صلى الله عليه وسلم – قال: "القدرية مجوس هذه الأمة" ومعنى ذلك: أنهم لمشابهتهم المجوس في مذهبهم، وقولهم بالأصلين، وهما: النور والظلمة، فإن المجوس يزعمون: أن الخير من فعل النور، والشر من فعل الظلمة فصاروا بذلك ثَنَوِيَّةً، وكذلك القدرية، لما أضافوا الخير إلى الله، والشر إلى العبيد أثبتوا قادِرَيْنِ خالِقَيْنِ للأفعال، كما أثبت المجوس، فأشبهوهم، وليس كذلك غير القدرية، فإن مذهبهم أن الله – عز وجل – خالق الخير والشر، لا يكون شيء منهما إلا بخلقه ومشيئته، فالأمران معاً مضافان إليه خلقاً وإيجاداً، وإلى العباد مباشرة واكتساباً (¬1) . ¬

_ (¬1) انظر جامع الأصول: (10/128) نحوه في مجموع الفتاوى: (8/452) ، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم: (1/154) وقد استدل الإمام الآجري في الشريعة: (168) على شقاء القدرية بالحديث الوارد عن خير البرية – صلى الله عليه وسلم – في تشبيههم بشرذمة المجوس الردية، فقال: فإن قال قائل: هم عندك أشقياء؟ قلت: نعم، فإن قال قائل: بماذا؟ قلت: كذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم –، وسماهم "مجوس هذه الأمة" 10هـ وتلك التسمية لا تستلزم كفرهم كما تقدم، قال الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المشكاة: (3/1779) : المراد أنهم كالمجوس في إثبات فاعِلَيْنِ، لا في جميع معتقد المجوس، ومن ثم ساغت إضافتهم إلى هذه الأمة 1هـ.

فائدة علية هي خاتمة الكلام على تلك الفرقة الردية الغوية: أفاد شيخ الإسلام – عليه رحمة الرحيم الرحمن – أن القدرية ثلاثة أقسام: القسم الأول: قدرية مشركة: وهو الذين اعترفوا بالقضاء والقدر، وزعموا أن ذلك يوافق الأمر والنهي قال الله – عز وجل –: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} الأنعام148، مثلها في سورة النحل35: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} . ... وهؤلاء يؤول أمرهم إلى تعطيل الشرائع، والأمر والنهي، مع الاعتراف بالربوبية العامة لكل مخلوق، وقد ابتلي بهذا الجهميةُ وطوائفُ من الفقراء والصوفية، ولن يستتب لهم ذلك، وإنما يفعلونه عند موافقة أهوائهم كفعل المشركين من العرب، وإذا خولف هوى أحد منهم قام في دفعه متعدياً للحدود غير واقف عند حد كما كانت تفعل المشركين أيضاً قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري، أي مذهب وافق هواك تمذهبت به، إذ هذه الطريقة تتناقض عند تعارض إرادات البشر فهذا يريد أمراً، والآخر يريد ضده، وكل من الإرادتين مقدرة، فلابد من ترجيح إحداهما، أو غيرهما. القسم الثاني قدرية مجوسية:

.. وهم الذين يجعلون لله – جل وعلا – شركاء في خلقه، كما جعل الأولون لله – جل وعلا – شركاء في عبادته، فيقولون: خالق الخير غير خالق الشر ويقول من كان منهم في ملتنا: إن الذنوب الواقعة ليست بمشيئة الله – عز وجل – وربما قالوا: ولا يعلمها أيضاً فيجحدون مشيئته النافذة، وقدرته الشاملة، ولهذا قال ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما –: الإيمان بالقدر نظام التوحيد، فمن وحد الله، وآمن بالقدر تم توحيده، ومن وحد الله، وكذب بالقدر نقض تكذيبه توحيده. ويزعمون أن هذا هو العدل، ويضمون إلى ذلك سلب الصفات، ويسمونه: التوحيد، كما يسمي الأولون التلحيد: التوحيد، فيلحد كل منهما في أسماء الله وصفاته، وقد وقع بذلك المعتزلة، والمتأخرون من الشيعة. القسم الثالث قدرية إبليسية: ... وهم الذين صدقوا الله بأن الله – جل وعلا – صدر عنه الأمران، لكن عندهم هذا تناقض، وهذا حال الزنادقة الملاعين، كالمعري وشيعته المجرمين (¬1) . ... هذه هي أصناف الزائغين في قدر رب العالمين، وقد تكرم الله الكريم، بهداية عباده المخلصين إلى صراطه المستقيم، فأثبتوا أمر الله ونهيه، كما أثبتوا قدره وحكمته، وعولوا على القدر في المصائب، واستغفروا ربهم ولاذوا به عند المعايب – جعلنا الله العظيم من حزبه المفلحين، وختم لنا بالحسنى آمين. ¬

_ (¬1) انظر تفصيل ذلك وإيضاحه في مجموع الفتاوى: (8/256-261، 3/111-128، 8/107) ، وأثر ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – رواه الآجري في الشريعة: (215) وانظره في شرح الطحاوية: (225) .

فتح الحق في تبيين الحق

فتح الحق في بيان توضيح الحق لفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الرحيم بن أحمد الطحان بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله شرع لنا دينا قويما، وهدانا صراطاً مستقيما، وأصبغ علينا نعمة ظاهرة وباطنه وهو اللطيف الخبير، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم رب جبرائيل وإسرافيل وميكائيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك أنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم صلى على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتي الكرام فهذه الموعظة ستكون أمر طرأ ونسأل الله أن يحفظنا من كل شر في الدنيا والآخرة وهذا الأمر الذي طرأ إخوتي الكرام ويتحدث به عباد الرحمن في هذه الأيام لعله بلغكم شريط من شيخين يتكلمان فيه حول بعض القضايا وأرى من باب إحقاق الحق وبيان حقيقة الأمر ونصحاً لهما ووضع الأمر في موضعه أن نتدارس هذا على وجه الاختصار في هذه الموعظة بعد ذلك وتفصيل المباحث يأتي بعد ذلك إن شاء الله مع أن الكثير من المسائل قد مر الكلام عليها ومن أراد الحق وجده فيها لكن كثيراً من الناس يتصيدون الكلامات من هنا وهناك ويضعون الشيء في غير موضعه ونسأل الله جل وعلا أن يرزقنا كلمة الحق في الرضا والغضب إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتي الكرام، كما قلت كلام بتداوله الناس في مواقف حول كلام تدارسناه وذكرناه فيما مضى وهذا الكلام صدر من الشيخ الألباني ومن الشيخ أبي شقرة، وأنا في هذه الموعظة كما قلت سأبين الحق في هذا الأمر إن شاء الله.

إخوتي الكرام، تقدم معنا مراراً أن دين الله جل وعلا يقوم على أمرين إثنين تعظيم لله وشفقة على خلق الله جل وعلا والذي يتأمل هذين الشريطين يرى أنه حقيقةً حصل فيهما اعتداء على الله جل وعلا كما حصل فيهما ظلم لعباد الله وإذا كان الأمر كذلك فسأقرر هذا بما يدل على الأمر الأول ثم بعد ذلك اتبعه بما يدل على الأمر الثاني من حق العباد الأحياء أما حق الله جل وعلا إخوتي الكرام أول كلمة في الشريط إذا سمعتوه يقول الشيخ الألباني أسأل الله أن يغفر لنا وله وللمسلمين أجمعين (كنت أتمنى أن يكون – ويقصدني بذلك – أن يكون مخلصاً وإن كان مخطئاً) .

يعني يقول: خطأ عبد الرحيم لا شك فيه لكن كنت أتمنى أن يكون مع خطئه مخلصاً لله - عز وجل - في كلامه لكن لا إخلاص ولا صواب أما الأمر الثاني الذي حكمت به فلك أن تحكم على حسب اجتهادك أنني أصبت أو أخطأتُ اهتديتُ أو ضللتُ والله سيحاسبك وإليه سيؤول العباد جميعاً. أما أن تتدخل في الأمر الأول فحقيقةً هذا لا ينبغي لبشر أن يتدخل فيه فما في قلوب العباد لا يعلمه إلا رب العباد فمن الذي أطلعك على قلب هذا المسكين وهل هو مخلص فيما يقول أو منافق لئيم؟ من الذي أطلعك؟ هل أطلعك الله على غيبه لتقول هذا! أنت أيها الشيخ تقول: لا يمكن أن يُكاشَفَ إنسان بشيء عن طريق الكرامة وتخالف بذلك أهل السنة قاطبةً فأهل السنة يقولون: الكرامات تقع في المكاشفات يقررها الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله في كتابين من كتبه: في (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وفي قاعدة في المعجزات والكرامات) وهو المقرر عندنا في كتب التوحيد في العلم مكاشفات، وسيأتينا بسط هذا بأدلته والتوسع في أنواع خوارق العادات عند الأمر الثاني الذي يعرف به صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا وهو المعجزات وخوارق العادات فإذا أنت تقول لايمكن أن يعلم الإنسان المغيب عن طريق الكرامة إذاً أنت ما علمت هذا عن طريق الكرامة يعني لو كنت ولياً لله تقول أن ما يحصل لي هذا، ونسأل الله أن تكون ولياً ومن المقربين لكن أنت تنفي هذا عن كل ولي فإذا ما أطلعك الله عن هذا الأمر بسبب كرامة تحصل للصالحين فمن أين علمت أنه مخلص أم لا؟ ولا علاقة على الإطلاق بين الصواب وبين الإخلاص، قد يشرك الإنسان بالله ويكون مخلصاً قد يذهب ويسجد لقبر، سجوده لقبر حرام وشرك، لكن يكون مخلصاً قد قرر أئمتنا أن كثيراً من عباد القبور يُجابون فيما يسألون لإخلاصهم لا لإستقامة فعلهم فهم على ضلال، وهو عندما يذهب إلى القبر يذل لله وينكسر له فيقضي له حاجته سبحانه وتعالى، فإذاً لا صلة بين الإخلاص

كما قلت – وبين إصابة الحق قد يكون الإنسان مصيباً [قد يكون] وهو مخلص أو لا يكون على حق أو لا صلة له كما قلت بالإخلاص. فعندنا إتباع وعندنا إخلاص. فإذا اتبعت أحسنت، وإذا أخلصت أحسنت، وقد يوجد إخلاص بلا إتباع وقد يوجد إتباع بلا إخلاص. فقولك: (كنت أتمنى أن يكون مخلصاً وإن كان مخطئا) هل أطلعك الله على غيبه؟ وإذا رجعت عن قولك وقلت إن الله أطلعني عن طريق خرق العادة وهذا بسبب كرامةٍ حصلت لي فليتك بينت هذا من أجل أن نكون على بينة وأسأل الله أن يلطف بأحوالنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أيها الشيخ الكريم: من المقرر عندنا في كتب الحديث الشريف – حديث نبينا عليه الصلاة والسلام – حديث عمر رضي الله عنه وأرضاه وهو حديث عظيم وجليل له وقع في الإسلام كبير وهو ثابت في الكتب الستة وغيرها: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى) ولا يطلع على ما في النيات إلا رب البريات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه وقد كان أئمتنا الكرام يستحبون بدأ أعمالهم بهذا الحديث. قال عبد الرحمن بن مهدي – كما تقدم معنا في أوائل دروس سنن الترمذي – وقد توفي سنة 198 هـ - من صنف كتاباً فليبدأ بحديث عمر وهذا ما فعله البخاري.

أيها الشيخ الكريم: أول شيء مر معك في دراسة سنة نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا الحديث هلاّ اعتبرت به؟ قال الإمام أبو سليمان الخطابي عليه رحمة الله وقد توفي سنة 338هـ: [كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون بدء أعمالهم بحديث عمر قبل كل قول وعمل] ، ليتذكر الإنسان خشية الله وليصحح نيته ولئلا بعد ذلك يتهم غيره. إخوتي الكرام، هذا الأمر ينبغي أن نعيه وعليه ما جاء في الشريط أنه ليس بمخلص وأنه مصلحجي وأنه وأنه فكما قلت إن أطلعكم الله على غيبه فعلى العين والرأس وإن لم يطلعكم الله على غيبه فقد أشركتم بالله جل وعلا لأن هذا منازعة لله في ربوبيته. إخوتي الكرام، أنتم تدندنون طول حياتكم حول البدع ولا يجوز أن نفعلها وينبغي أن نحذر الناس منها ووصل تشددكم في أمر البدع أن من حمل سبحةً قلتم عنه إنه مبتدع. وكلامكم باطل والحكم على السبحة بالبدعة بدعة وقد قرر هذا أئمتنا الكرام كما في مجموع الفتاوى للإمام ابن تيمية 22/506 قال: [إذا أحسنت النيةُ في التسبيح بالخرز فهو حسن غير مكروه] ، الذي أريد أن أقوله إذا وصل تنطعكم وتشددكم واحتياطكم إلى أن تقولوا إن السبحة بدعة من باب صيانة جناب التوحيد وعدم فعل شيء ليس في شرع الله على حسب اصطلاحكم. كيف بعد ذلك جئتم تمدون علمكم إلى ما في قلوب العباد؟ حقيقةً هذا منازعة لله في توحيد الربوبية وتوحيد الربوبية عندنا أقر به المشركون فضاع عن الموحدين في هذه الأيام. حقيقةً أمر عظيم أمر فظيع ولذلك أنا أرجو من الشيخ الكريم أن يعيد النظر فيما قال وأن يخبرنا إن أطلعه الله على غيبه فنفوض أمرنا إلى الله وما لنا إلا نعبده سواء كنا من أهل الجنة أو من أهل النار لكن إن أطلعك الله فهذه حقيقةً يعني –كما قلت- بلية في حقي وأفوض أمري إلى الله. وإذا لم يطلعك فأرجو أن يقف كل إنسان عند حده.

قل فلان أصاب وأخطأ، اهتدى وظل وقل ما شئت وسيحاسبك الله على ما تقول لكن لا تتدخل بين العباد وبين ربهم هل هذا مخلص أو منافق؟ كل سرائرهم إلى الذي يعلم السر وأخفى سبحانه وتعالى وأنا أقول هذا لتعلم أيها الشيخ الكريم وليعلم كل مسلم والله ما أصف نفسي بالإخلاص وما أعلم أنني أخلصت في حياتي وأنا على نفسي بصيرة والله الذي لا إله إلا هو ما أصف نفسي بهذا وإذا وصفت نفسي بذلك فلا شك في غروري وسفاهتي وقلة عقلي، ولكن كما قلت هذا ما يتعلق بحالي مع نفسي أما أنت لا تتجرأ على قلوب العباد، فوض أمرهم إلى ربهم جل وعلا. إخوتي الكرام.. ينبغي أن نتهم أنفسنا وأن نكون على علم بحالنا وقد تقدم معنا في ترجمة العبد الصالح هشام الدستوائي وقلت حديثه مخرج في الكتب الستة وتوفي 152هـ يقول هذا العبد الصالح: (والله ما أستطيع أن أقول إني قد ذهبت يوما قط اطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل) .

فمن أنت أيها الشيخ ومن أنا ومن يوجد في هذا الزمان بجنب أولئك الأئمة الأعلام. ما أستطيع أن أقول أني ذهبت يوماً قط اطلب الحديث أريد به وجه الله. وغالب ظني أنك وأنكم لا يخفى عليكم حال هشام الدستوائي الذي بكى من خشية الله حتى فسدت عينه والذي كان يقول عجبت للعالم كيف يضحك ثم يقول عن نفسه هذا. وكان أكثر أهل البصرة ذكراً للموت وهو الذي يقول فيه أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج: (هشام أعلم مني وأحفظ من قتادة) وهو الذي يقول فيه أبو داود الطيالسي: (هشام الدستوائي أمير المؤمنين في الحديث) ومع ذلك يقول (لا أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل) فكوني مخلصاً أو لا فدع هذا لي بين وبين ربي. وأنت لا تتدخل بما في قلوب العباد وكل واحد ينبغي أن يتهم نفسه، وأنا على يقين أن كل واحد منا يعرف من عيوب نفسه مالا يعرفه من عيوب غيره، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس قال الإمام الذهبي معلقاً على كلام هشام الدستوائي: (قلت: والله ولا أنا –أي أنا ما أستطيع أن أقول إنني ذهبت اطلب الحديث لله في يوم قط –أبدا- لله مخلص لا يمكن أن أقول هذا. قلت والله ولا أنا فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنَبُلُوا وصاروا أئمة يُقْتَدَى بهم وطلبه قوم منهم أولا لا لله فحصلوه ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم فجرّهُمُ العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق كما قال مجاهد وغيره طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية ثم رزقه الله النية بعد وبعضهم يقول: (طلبنا هذا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله) فهذا أيضاً حسن ثم نشروه بنية صالحة رحمهم الله ورضي عنهم والصنف الثالث وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا وليثني عليهم فلهم ما نَوَوا.

قال عليه الصلاة والسلام: (من غزا ولم ينو من غزوته إلا عقالا فليس له إلا ما نوى) والحديث إخوتي الكرام رواه أحمد والنسائي ورواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه ورأضاه، وترى هذا الصنف لم يستضيئوا بنور العلم ولا لهم وقع في النفوس ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل وإنما العالم من يخشى الله عز وجل. والصنف الرابع: وقوم نالوا العلم وولوا به المناصب فظلموا وتركوا التقيد بالعلم واركبوا الكبائر والفواحش فتباً لهم فما هؤلاء بعلماء. والصنف الخامس: وصنف لم يتق الله في علمه بل ركب الحِيَلَ وأفتى بالرخص وروى الشاذ من الأخبار وبعضهم إجترأ على الله ووضع الأحاديث فهتكه الله وذهب علمه وصار زادة إلى النار. وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئا كبيرا وتضلعوا منه في الجملة ما أظن ينطبق علينا وصف واحد من هؤلاء الأصناف الخمسة مع ما في الأصناف المتأخرة من سوء وقبح ثم يقول: (فخلف من بعدهم خلْفُ بان نقصهم في العلم والعمل وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر ولم يتقنوا منه سوى نذر يسير أوهموا به أنهم علماء فضلاء ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله عز وجل لأنهم ما رأوا شيخا يقتدي به في العلم فصاروا همجا رعاعاً غاية المدرس منهم أن يحصل المدرس منهم كتبا مُثمَنَةً يخزنها وينظر فيها يوماً ما فيصحف ما يورده ولا يقرره فنسأل الله النجاة والعفو كما قال بعضهم: ما أنا عالم ولا رأيت عالماً.

وهذا الوصف الأخير أيها الشيخ الكريم ما أراه إلا ينطبق إلا على علماء زماننا إلا من رحم ربك وقليل ما هم فإذا كان هذا حالنا فليتهم كل واحد منا نفسه وليقف عند حدّه إخوتي الكرام: الإخبار بأن ما في القلب يعلمه أحد من البشر وأننا نحكم على هذا بأنه مخلص أو منافق أو مرائي وما أطلعنا الله على غيبة فهذا منازعة لله تعالى في الربوبية وهذا من خصائص ربوبية الله جل وعلا هو الذي يعلم السر وأخفى، وإذا كان الأمر كذلك فلنقف عند حدنا لنمسك ألسنتنا ولنتق ربنا (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) أما فيما يتعلق بعد ذلك في المخلوق هذا فيما يتعلق بحق الله أردت أن أبدأ به لعظم موقعه وعظم حق الله علينا وأشنع شيء يقوم به الإنسان أن يشرك بالرحمن وأن يدعى خصائص الربوبية لنفسه البشرية وليس بعد هذا الظلم ظلم (إن الشرك لظلم عظيم) وأما حق المخلوق فحقيقة المخلوقات على تعددها وتنوعها تنقسم إلى قسمين إما أحياء وإما أموات وقد اتهمت في ذينك الشريطين أنني ما سلم مني الأموات ولا الأحياء وإذا كان كذلك فحقيقة ينبغي أن نذكر واحداً من الأموات وماذا جرى مني ومنهم نحوه ثم نذكر أيضا واحدا من الأحياء واختم الموعظة بذلك أما الأموات فسأبدأ بخير الأموات وأفضلهم ألا وهو خير البريات عليه صلوات الله وسلامه وهو وإن كان ميتاً عليه الصلاة والسلام وانقطع عن الحياة الدنيوية فحياته أكمل حياة عند رب البريات.

إخوتي الكرام: أثاروا لغطاً وأكثروا كلاما حول حديث ذكرته عن نبينا عليه الصلاة والسلام فأعادوا ما عندهم دون الرجوع عما ذكروه ولا يلتفتون إلي ما قرره علماء الأئمة الإسلامية عليهم جميعاً رحمات رب البرية. والحديث تقدم معنا إخوتي الكرام حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي رواه البزار والمسند وحديث بكر بن عبد الله المزني الذي رواه ابن سعد ورواه كما تقدم معنا الشيخ الصالح المبارك إسماعيل بن اسحق القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وقد توفى 282هـ ورواه الحارث بن أبي أسامة وابن النجار في تاريخه وغيرهما عن انس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين. ولفظ الحديث تم تفصيل الكلام عليه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال حياتي خير لكم تُحدثون ويُحدَثُ لكم – تحدثون ويُحْدِثُ لكم – تحدثون وتُحْدَث لكم – أي تتكلمون وتسألون فنحدث لكم ويُحدَثُ لكم من قِبَل الله جل وعلا وَيحْدُث لكم أجوبة وبيان مادام النبي عليه الصلاة والسلام باقياً فالوحي ينزل وما انقطع وحي السماء. تحدثون ويحدث لكم ونُحْدِثُ لكم وتُحْدَثُ لكم (ومماتي خير لكم – عليه صلوات الله وسلامه- تُعْرَض عليّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت الله لكم) .

جرى حول هذا الحديث لغط كثير منهم وقالوا أنه ليس بثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم أنا بعد ذلك وسعت دائرته وخرّفْتُ نحوه وكنت فصلت الكلام عليه في مباحث النبوة المشرفة على نبينا صلوات الله وسلامه وأراني مضطراً إلى أن أذكر اختصاراً ما ذكرته سابقاً فأقول: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه صحيح، صححه عدد من أئمتنا الأبرار بتصحيحهم نأخذ الأحاديث الثابتة عن نبينا المختار عليه صلوات الله وسلامه فيما يتعلق باعتقادنا نحو ربنا وفيما يتعلق بالأحكام التفصيلية في شريعتنا، والحديث ذكره الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد 9/24 وبوب عليه باب ما يحصل لأمته صلى الله عليه وسلم من استغفاره بعد موته وقال رواه البزار (ورجاله رجال صحيح) . والإمام الهيثمي ذكره أيضا في كشف الأستار عن زوائد البزار1/397 وبوب عليه بابا فقال باب ما يحصل لأمته عليه الصلاة والسلام منه في حياته وبعد وفاته عليه صلوات الله وسلامه هذا إمام أول من الأئمة الكرام الأبرار يصحح الحديث وهو الإمام الهيثمي.. وبعده الإمام السيوطي عليه رحمة الله يصحح الحديث أيضا في الخصائص الكبرى 2/281 يقول رواه البزار (بسند صحيح) هذا كلام الإمام السيوطي في الخصائص الكبرى وهكذا الإمام الزر قاني في شرحه على المواهب اللدنية 5/337 يقول رواه البزار عن عبد الله بن مسعود ... (وإسناده جيد) .

وهكذا الإمام ولي الدين ابن شيخ الإسلام عبد الرحيم الأثري ولي الدين بن عبد الرحيم العراقي في كتابة طرح التثريب شرح التقريب وبُينت قيمته الحديثية في الأحكام الفقهية في أحاديث الأحكام 3/297 يقول: (إسناده جيد) كم إمام صار؟ أربعة، والخامس والد ولي الدين شيخ الإسلام عبد الرحيم بن الحسين الأثري في تخريج أحاديث الإحياء 4/144 يقول هذا العبد الصالح حياتي خير لكم ومماتي خير لكم الحديث – البزار من حديث ابن مسعود ورجاله رجال الصحيح إلا أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه ابن معين والنسائي فقد ضعفه كثيرون ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف كأن العراقي يقول: رجال الإسناد رجال الصحيح لكن فيه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد أخرج له مسلم وأهل السنن الأربعة وت 206 هـ قال عنه الحافظ بن حجر في التقريب: صدوق يخطئ كثيرا أفرط ابن حبان فيه فقال إنه متروك. وكما قلت حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة. في هذا العبد الصالح عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عليهم جميعاً رحمة الله. حوله كلام لكن هو من رجال مسلم. فإذا كان صدوقا حديثه في درجة الحسن لاسيما وقد اعتضد بمرسل ثابت كالشمس سطوعا وظهورا في رابعة النهار ثبت في مرسل بكر بن عبد الله المزني في كتابه فضل الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وطبقات ابن سعد (بسند صحيح) بهذا اللفظ لكن هناك مرسل وهنا الإسناد متصل فلو قُدّر أن هذا الحديث فيه شيء من الضعف في رواية ابن مسعود. ينجبر هذا الضعف ويتقوى ويزول بالرواية المرسلة من طريق بكر بن عبد الله المزني كما قرر أئمتنا هذا في كتب المصطلح فقالوا: فإن يُقَلْ يُحْتَجُّ بالضعيف ... فقل إذا كان من الموصوف رواته بسوء حفظ يجبروا ... بكونه من غير وجه يُذْكَرُ

يعني إن قيل لنا هل يحتج بالحديث الضعيف؟ نقول نعم متى نحتج بالحديث الضعيف إن كان رواته يوصفون بسوء حفظ نقصوا في الحفظ لكن تعددت الطرق.. وإن يكن كذب أو شذا ... أو قوى الضعف لم يُجْبَرْ ذا ألا ترى المرسل حيث أسندا ... أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا ألا ترى هذا المرسل إذا جاء مسندا من طريق ضعيف أو جاء مرسلا من طريق آخر يتقوى المرسل ويصبح حسناً أوَ ليس كذلك. فإذًا عندنا حديث مرسل اسندا أي إذًا مسندا متصلا من طريق ضعيف أو جاء مرسلاً من طريق تقوى وزال ما فيه من ضعف وهذا الذي يقرره أئمتنا الكرام كما قلت هو المقرر في كتب الحديث والمصطلح. أعادوا ما في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وكنت ذكرتُ هذا وبينت ضعفه وعدم صلاحيته لما فيه. يقول هنا: إذا عرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي في المجمع رواه البزار (ورجاله رجال الصحيح) يوهم أنه ليس فيهم من هو متكلم فيه. وهو قال رجاله رجال الصحيح أما بعد ذلك عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد من رجال مسلم وحوله كلام والمعتمد في أمره كما قال الحافظ صدوق يخطئ لكن هو من رجال مسلم. -ولعل السيوطي إغتر بهذا –انظر إلى هذا التعبير السيوطي اغتر بكلام الهيثمي. يعني كأن السيوطي من جهله المقلدة – إغتر بكلام الهيثمي فقال في الخصائص الكبرى سنده صحيح – (ولهذا فإني أقول إن الحافظ العراقي شيخ الهيثمي كان أدق في التعبير عن حقيقة إسناد البزار حيث قال عنه في تخريج الاحياء رجاله رجال الصحيح إلا عبد المجيد بن أبي رواد وإن أخرج له مسلم ووثقه النسائي وابن معين فقد ضعف بعضهم قلت: أما قوله هو أو ابنه في طرح التثريب في شرح التقريب إسناده جيد فهو غير جيد عندي.

10) انتبه إلى هذا التعبير: السيوطي اغتر بكلام الهيثمي قول ولي الدين العراقي ووالده غير جيد عند الألباني (وكان يكون كذلك لو مخالفة عبد المجيد للثقات على ما سبق بيانه فهي علة الحديث وإن لم أجد من نبه عليها أو لفت النظر إليها أن يكون الحافظ ابن كثير في كلمته التي نقلتها عن كتابه البداية والله أعلم. نعم لقد صح إسناد هذا الحديث عن بكر بن عبد الله المزني مرسلاً وله عنه ثلاث طرق. إخوتي الكرام: خلاصة كلام الشيخ الألباني يقول: عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد حوله كلام وانفرد بهذه الزيادة في أصل الحديث فهي شاذة. يقول: (أصل الحديث: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام قال: وقال رسول الله صل الله عليه وسلم حياتي خير لكم إلى آخر الحديث قال البزار لم نعرف آخره يروي عن عبد الله إلا من هذا الوجه ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ثم قال فهو موجود في كشف الأستار في زوائد البزار ثم يقول بعد ذلك إتفاق جماعة من الثقات على راوية الحديث عن سفيان دون آخر الحديث الذي هو حياتي خير لكم ومماتي خير لكم ثم متابعة الأعمش له على ذلك مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة لتفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بها لاسيما وهو متكلم فيه من جهة حفظه مع أنه من رجال مسلم وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون وبين بعضهم السبب في ضعفه.

إخوتي الكرام: لو سلمنا أن عبدا لمجيد ابن عبد العزيز ابن أبي رواد حوله كلام وزاد آخر الحديث وخالف الثقات هذه الزيادة هل يحكم عليه بالشذوذ؟ من حكم عليها بالشذوذ فهو لا يعرف معنى الشذوذ. الشذوذ هو ليس أن يزيد الراوي في الرواية إنما أن يروي ما يخالف ما رواه من هو أكثر منه أو أثبت منه. فهذا يثبت وذاك ينفي أو ذاك ينفي وهذا يثبت هذا هو الشذوذ أما أن يروي شيئا مثبوتا عنه وهو إن رواه دون أن يشاركه الحفاظ في الرواية لأخذ منه إذا كانت روايته مقبولة في درجة الحسن وانتبه لتقرير هذا من كلام أئمتنا عليهم رحمة الله يقول الإمام عبد الرحيم الأثري في ألفيته. 12) ... وذو الشذوذ ما يخالف الثقا ... فيه الملا فالشافعي حققا والحاكم الخلاف فيه مااشترط ... وللخليل مفرد الراوي فقط ورَدّ ماقالا بفرد الثقة ... كالنهي عن بيع الولاء والهبة وقول مسلم روى الزهري ... تسعين فردا كلها قوي واختار فيما لم يخالف (انتبه) ... أن من يقرب من ضبط فردُه حسن أو بلغ الضبط فصحح أو بعد ... عنه فما شذ فاطرحه ورد

يقول الإمام العراقي في شرح هذه الأبيات في التبصرة والتذكرة 1/195 فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردوداً وأن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره – هناك (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام) وقال عليه الصلاة والسلام (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) . هل بين اللفظين تعارض؟ إنما هنا زيادة على ذلك ليس بينهما تعارض حتى تحكم بالشذوذ – يقول: وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد إن كان عدلا حافظا موثوقاً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما سبق فيما مرّ من الأمثلة وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح نعم: هو بعد ذلك بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه. يقول إذا كان ما انفرد به الراوي هو في نفسه في درجات الإتقان والضبط نحكم لإنفراده بأي شيء؟ بالصحة، وإذا كان ما انفرد به هو دون درجة الحافظ الضابط المتقن ننظر إلى حاله فإن كان يُحكم لحديثه بالحسن نحكم لإنفراده بأنه أيضا حسن. إذا استحسنا حديثه لذلك ولم نحطه إلى قِبَلِ الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر وانتهى. وعليه عندنا ماانفرد به الراوي له ثلاثة أقسام: 1. إذا كان ما انفرد به وهو ضابط حاذق ماهر حافظ متقن انفراده صحيح ولا يقال عنه شذوذ. 2. إذا نزل عن ذلك كحال عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد نستحسن حديثه كما لو روى حديثا دون أن يشاركه غيره في روايته.

3. وإذا روى من فحش غلطته ردت روايته لو روى دون رواية شارك فيها الحفاظ ويحكم عليها بالضعف. فنحكم أيضا على شذوذه هنا بالضعف هذا كلام أئمتنا فرواية عبد المجيد ... لو سلمنا أنها شاذة وهو متكلم فيه نقول هذا الشذوذ بمعنى أنه انفرد عنهم لا بمعنى أنه اثبت خلاف ما اتفق الجماعة من هم أعلا منه وأكثر ضبطا وعدلا في الرواية وعليه لا يضر فنحن إذا كنا نحسن حديثه لو لم يشاركه غيره فستحسن حديثه بهذه الزيادة وعليه استدل أن حديثه فيه ضعف – على التنزل – باتفاق المحدثين هذا الضعف يزول بالرواية المرسلة –أوليس كذلك؟ وهذا الكلام يعرض على علماء أهل الأرض قاطبة فلينظروا فيه وليعطونا رأيهم. أما بعد ذلك قوله شذوذ أي شذوذ إذا انفرد بشيء ما خالف فيه الجماعة. أي ما أثبت شيئا نفته تلك الرواية ولا نفى شيئا اثبتته تلك الرواية صار كما لو روى هذه الزيادة برواية مستقلة لم يشاركه أحد في روايتها. لِمَ نرُدُّ زيادته وهذا كلام أئمتنا وهو الذي قرره أئمتنا قاطبة إخوتي الكرام انظروه أيضا كما قلت في هذا الكتاب وانظروه في تدريب الراوي للإمام السيوطي عليهم جميعاً رحمة الله تدريب الراوي ص 149 يقول: وإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمراً لم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وأن لم يوثق بحفظه ولكن لم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا، وإن بعد من ذلك كان شاذا منكرا مردودا. وهل عبد المجيد بعيد؟ أو كما قلنا صدوق إذا والحاصل إن الشاذ المردود هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في روايته من الثقة والضبط ما يُجْبَرُ به تفرده هذا الذي قرره أئمتنا في كتب المصطلح إخوتي الكرام فلو سلمنا أن رواية عبد المجيد ... فيها شيء من الضعف- لو سلمنا – لزال الضعف الذي فيها.

برواية بكر بن عبد الله المزني، فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن إما لذاته أو لغيره، وهذا ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام أما الرواية الثالثة وهي رواية أنس رضي الله عنه وأرضاه فكما قلت رواها الحارث بن أبي أسامة وابن النجار وغيرهم بسند ضعيف. بسند ضعيف من قال هذا؟ أما نقلت لكم كلام الإمام العراقي: (ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس بنحوه بإسناد ضعيف) هذا كلام من؟ العراقي. أنا قلت فيما سبق حديث أنس إسناده ضعيف وإن لم يُقوِ رواية عبد الله بن مسعود ورواية بكر بن عبد الله المزني لاشتداد الضعف فيه – إن لم يُقَوِّ فلا يضر دعونا من هذه الرواية لكن عندنا مرسل وبعد ذلك حديث إما حسن لذاته وإما لغيره. قالوا بعد ذلك أنت تقول حديث أنس ضعيف يقول وهذا خطأ وبدأ يكثر بعد ذلك من الكلام الذي ينبغي للإنسان أن يعي ما يقول وقال هذا أنا ذكرت في السلسلة أن فيه متهم وأن فيه وأن فيه. أيها الشيخ الكريم: أنت ذكرت بنفسك هذا الحكم في كتاب ضعيف الجامع الصغير وزياداته. أنت ذكرت هذا ص405 وهو آخر حديث في حرف الحاء. آخر حديث عندك في ضعيف الجامع: (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) رواه الحارث أي ابن أبي أسامة من حديث أنس- ماذا يقول عنه: (ضعيف) فعلام تعيب علينا بما تقول أنت وتكثرون من اللغط في الأشرطة وتفتنون الأمة علام أنت هنا تقرر بخط يدك أن حديث أنس ضعيف ثم عملتم دندنة لا نهاية لها لأنني قلت إن حديث أنس ضعيف فأنت هنا تقول ضعيف هذا حكمك وأحاديث أخرى تقول موضوع وأحاديث تقول ضعيف جداً أما هذا ماذا حكمت عليه وإذا ذهلت أيها الشيخ ونسيت لكبر سنٍ فيك أسأل الله أن يحسن لك الخاتمة بفضله ورحمته وأن يجعل مأواك جنة النعيم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ولنا ذلك إذا نسيت لكبر السن فأنا أذكرك أن ترجع إلى كتابك ص 405 آخر حديث في حرف الحاء (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) رواه الحارث عن أنس. ضعيف هذا كلامك.

فإذا أنت قررت هذا الحكم فإذا عبت غيرك فسيقع العيب بعد ذلك عليك لأنك أنت أصدرت هذا الحكم عليه نعم في السلسلة فيه متهم وفيه وفيه لكن هنا حكمت عليه بخلاف ما في السلسلة فأي الحكمين منك سنأخذ به أيضا؟ على كل حال كما قلت حديث أنس عندنا في هذا الموضوع لا يقدم ولا يؤخر عندنا رواية عبد الله بن مسعود فيما أرى والعلم عند ربي حسبما قرر أئمتنا انتبهوا لا من عندي ولذلك هم عندما يقولون صححت وحسنت هذا افتراء عليّ لا صححت ولا حسنت نقلت التصحيح عن خمسة من الجهابذة الحفاظ وأنا أتحداكم إذا كنتم تنقلون تضعيف هذا الحديث عن حافظ قبلكم فأي الفريقين أهدى سبيلاً. من يقتدي بأئمة متقدمين من علماء القرن الثامن للهجرة ينقل كلامهم ويعوّل عليه أم من يأتي في القرن الخامس عشر للهجرة ويطرح كلام المتقدمين ويعبر عن كلام السيوطي بأنه اغتر وعن كلام ولي الدين العراقي بأن عنده غير جيد ومن هذا الكلام؟ أريد أن أعلم أي الفريقين أهدى سبيلاً ولذلك إخوتي الكرام ينبغي أن نتقي ربنا نحو حديث نبينا عليه الصلاة والسلام. هذا الحديث لما ذكرته سابقا علقت عليه أيضا وقلت لا يتنافى مع ما هو ثابت لنبينا عليه الصلاة والسلام حي في قبره عليه صلوات الله وسلامه، وما المانع من عرض أعمال أمته عليه ليمتد نفعه إلى الأمة فهو مبارك علينا في حياته وبعد مماته عليه الصلاة والسلام أما ثبت في المسند وصحيح مسلم وسنن النسائي عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال (أتيت ليلة أسري بي على نبي الله موسى عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه وهو قائم في قبره يصلي) والحديث في صحيح مسلم.

وهو قائم في قبره يصلي أما تقدم معنا حديث أبي يعلى والبزار وقال عنه الهيثمي رجاله أثبات ثقات 8/211المجمع وقد صححه السيوطي في الخصائص 2/281، والإمام الزرقاني في شرح المواهب اللدنية 5/332 تقدم معنا قول النبي عليه الصلاة والسلام (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون) فنبينا عليه الصلاة والسلام وهكذا أنبياء الله عز وجل جميعاً لهم هذا الوصف فإذا عرض الله جل وعلا على نبينا عليه الصلاة والسلام أعمال أمته من أجل أن يحصل لهذه الأمة ما يحصل كان ماذا؟ وهذا الحديث كما قلت أُضِيفُ إلى من تقدم ذكرهم ممن صححوه صححه أيضا الإمام الزبيدي في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين 9/177 فهذا جم غفير من أئمتنا صححوا هذا الحديث واعتمدوه وقبلوه والعلم عند الله جل وعلا ولاأريد أن أفيض أكثر من هذا فيما يتعلق بالنواحي الحديثية لعلنا نكمل ما عندنا من مبحث. إخوتي الكرام هذا الأمر لا بد لنا أن نعيه قبل أن ننتقل إلى ما بعده أريد أن أقول لهذا الشيخ الكريم أموراً من باب النصح وأنا أرى أن يرسلها كل واحدٍ إليه وأن نتناصح بها فيما بيننا دوما ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا أول هذه الأمور:- 1. أيها الشيخ الكريم مع احترامي لك ينبغي أن تعلم أن أقوالك ليست مقدسة وليس عندنا أحد قوله مقدس إلا النبي عليه الصلاة والسلام وكل واحد يخطئ ويصيب وإذا أنت رضيت لنفسك أن ترد أقوال خمسة وستة من الحفاظ الكبار وأنت استسهلت هذا فأنا على يقين أننا عندما نرد قولك ينبغي أن نستسهل هذا من باب أولى. فإذا أنت تجرأت على رد كلام الحفاظ فلا ينبغي أن يضيق عطنك عندما نتجرأ على رد كلامك فأقوالك كما قلت ليست مقدسة وليست معصومة من الخطأ لذلك أصغ لنصح من ينصحك وأصِغْ بسمعك إليه فالحكمة ضالة المؤمن أني وجدها التقطها.

2. الأمر الثاني: ينبغي أن تعلم أيها الشيخ الكريم أنت ولا أريد أن أقول وأنا فمن أنا حتى أقول وأنا أنت وكبار العلماء في هذا الزمان لا تأتون قطرة من بحار علمائنا الكرام فليعرف كل منا قدره وليقف عنده يقول الإمام الذهبي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في تذكرة الحفاظ 2/627 بعد أن انتهى من بيان طبقات معينة وهم الذين قبضوا وتوفوا بين 250و300 يعني في المنتصف الثاني من القرن الثالث للهجرة يقول واستمعوا وليستمع الشيخ الكريم لهذا ولنعرف قدر علمائنا في هذه الأيام بالنسبة لعلمائنا الكرام الذين سبقونا – يقول الإمام الذهبي: (ولقد كان في هذا العصر وما قاربه من أئمة الحديث النبوي خلق كثير وما ذكرنا عشرهم هنا وأكثرهم مذكورون في تاريخي تاريخ الإسلام وكذلك كان في هذا الوقت خلق من أئمة أهل الرأي والفرع وعدد من أساطين المعتزلة والشيعة وأصحاب الكلام الذين مشوا وراء المعقول وأعرضوا عما عليه السلف من التمسك بالآثار النبوية على نبينا صلوات الله وسلامه وظهر في الفقهاء التقليد وتناقض الإجتهاد فسبحان من له الخلق والأمر) فبالله عليك أيها الشيخ إرفق بنفسك والزم الإنصاف ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشذر وهو نظر الغضب – والإحتقار الذي يكون بمؤخر العين ولا ترمقنهم بعين النقص ولا تعتقد فيهم أنهم من جنس محدثي زماننا حاشا وكلا هذا من يقوله؟ الذهبي الذي هو من علماء القرن الثامن للهجرة يعني بينه وبين عصر النبي عليه الصلاة والسلام كما بيننا وبين عصر الذهبي تماما مدة مضاعفة يقول فما فيمن سميت أحد أي ممن كانوا في هذه الفترة من سنة 250 إلى 300 للهجرة (فما فيمن سميت أحد ولله الحمد إلا وهو بصير بالدين عالم بسبيل النجاة وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة) فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال من أحمد ومن ابن المديني وأي شيء أبو زرعة وأبو داوود هؤلاء محدثون ولا يدرون ما الفقه وما

أصوله ولا يدرون الرأي ولا يفقهون الرأي ولا علم لهم بالبيان والمعاني والدقائق ولا خبرة لهم بالبرهان والمنطق ولا يعرفون الله بالدليل ولا هم من فقهاء الملة فاسكت بحلم أو انطق بعلم فالعلم النافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء ولكن نسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث فلا نحن ولا أنت هذا كلام من؟ لا نحن ولا أنت يخاطب علماء زمانه، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوي الفضل. فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه ومن تكلم بالجاه أو بالجهل أو بالشر والبأو – وهو الترفع على الأقران – فأعرض عنه وذره في غيه فعقباه إلى وبال. نسأل الله العفو والسلامة فمع مكانتك واحترامنا لك لا يمكن بحال أن نقدم قولك على قول علمائنا الذين سبقوك ينبغي أن يرسخ هذا في ذهنك وينبغي أن يرسخ هذا في ذهن كل مسلم.

3. الأمر الثالث: من باب النصيحة أيها الشيخ أريد أن ترفق بنفسك وأن تشفق على أمة نبيك عليه الصلاة والسلام أرى أن تمنع نفسك من الفتيا وألا تدخل نفسك في أمور الفقه على الإطلاق فعلم الفقه له رجاله فسلم الأمر لأصحابه وإذا سئلت عن مسألة فقهية قل سلوا الفقهاء وقد كان الإمام مالك عليه رحمة الله إذا سُئل عن القراءة يقول سلوا نافعا فإنه إمام القراءة في المدينة وينبغي أن يستعان على كل صنعة بصالح أهلها وحقيقة حصل من فُتياك ومن كثرة الشذوذ الذي يقع في فتاويك حقيقة حصل ما حصل من الإضطراب في الأمة والشذوذ وألفت في ذلك الرسائل وتنابز الناسُ بألقاب السوء من أجل ذلك. خرقت الإجماع في أن الذهب المحلق لا يباح للنساء! وأن النساء لا يباح لهن الذهب المحلق ومن لبست هذا فهي عاصية! ووالله إنا ندافع عنك وقد قررت هذه المسألة في رأس الخيمة وقلت الإجماع انعقد على حل الذهب للنساء فقام بعض الحاضرين فقال الشيخ الألباني خالف إذاً مخالف الإجماع كافر قلت اسكت واضبط لسانك واتق ربك إنه لا يسلم بانعقاد الإجماع فله عذر مع ردنا لقوله ونلتمس له عذراً ونسأل الله لنا وله المغفرة والرحمة لكن هذه مسألة قلتها. بعد ذلك أتيت بفتيا غريبة حقيقة أن ما طال عن القبضة من اللحية بدعة ينبغي قصها من اطلق هذا الحكم قبلك من خلق الله؟ من اطلق من أئمتنا الفقهاء على أن ما طال بدعة ويجب قصه ثم بعد ذلك تطلع ما بين الحين والحين بهذه الأقوال الشاذة والأمة بعد ذلك يقع فيها الهرج والمرج وكم حصلت الردود عليك وأنت بعد ذلك تقابل الرد بردود وتتجرأ عليهم وقد ألف بعض المعاصرين وغفر الله له ولك ولي وللمسلمين أجمعين كتابا سماه قاموس شتائم الألباني.

أي التي نبذ بها العلماء الماضين والحاضرين – كتابا في هذا الأمر- فبالله عليك أيها الشيخ أرفق بنفسك وبأمة نبيك عليه الصلاة والسلام وما بذلته من جهد نسأل الله أن يثيبك عليه وأن يضاعف لك الأجر. لكن جانب الفقه إعزل نفسك عنه ومن أيام كنا نتدارس ما يتعلق بموضوع وجه المرأة وبينت كلامه وقلت لكم اشتد بعض الناس في مناظرته كما فعل الشيخ حمود بن عبد الله التويجري وتقدم معنا أنه وصف تفسير الألباني للأية ولاستنباطه بعد ذلك هذا الحكم من الشريعة أنه إلحاد ومبني على المغالطة وأنه بعد ذلك لا يقول بهذا الحكم إلا من كان اجهل الناس ثم بعد ذلك يقول فهذا القول سوء لا يصدر من أحد يتمسك بما ثبت في السنة النبوية وإنما يصدر ذلك ممن يتمسك بالتقاليد والسنن الإفرنجية إلى آخر كلامه وقلت لكم قسى عليه للتنفير من قوله لا للوضع من مكانته. وهناك كتب أخرى قست أكثر من هذا وما ذكرتها سابقا وإنما من باب أن تعلم ماذا يجري في الأمة من أجل ما تقوله من أقوال شاذة كتاب آخر نظرات في كتاب حجاب المرأة المسلمة لعبد العزيز بن خلف العبد الله من المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه يصفك حقيقة بأوصاف والله يعز علينا أن توصف بها لكن هذا هو حال الشذوذ الذي ينفرد به الإنسان وبعد ذلك يريد أن يثبت القول كيف ما كان في صفحة 12 (إن الشيخ الألباني عفا الله عنا وعنه مجبول على محبة الظهور والبروز في أسلوب المخالفات والثناء على نفسه فهو يقوم في هذه المهمة حين لا يوجد من يقوم بها كما وكما وكما) ثم بعد ذلك يقول (الغرور يدعو الألباني إلى التحدي) العناوين بارزة في هذا. قلت: هذا كله بسبب الشذوذ الذي تقوله فأنا أطلب منك أن تكفّ فيما بقي من حياتك وأسأل الله أن يمدها على طاعته وأن يحسن لنا ولك الخاتمة. أن تمسك عن الفتيا وأن تحيل على ما في المذاهب الأربعة المتبعة وان تقتصر على نشر سنة نبينا عليه الصلاة والسلام.

4. الأمر الرابع: وهذا حقيقة بحثته مع بعض الإخوة الكرام من خواص من لهم صلة بك نسأل الله أن يحفظك وأن يحفظهم ويحفظ المسلمين أجمعين في مدارسة سبب ما يجري فقال إن سبب ذلك شلة حوله لا يتقون الله في صحبته وإذا كان كذلك فينبغي أن يحترس الإنسان إن الذين كانوا معك حول هذا السؤال أما ظهر لك حالهم أنهم بمظهر العامة ثم من وجّه لك السؤال من أهل هذه البلاد يسألك عن هذه المسائل من أجل إثارة فتنة أما سمعت سؤاله من بداية كلامه يا شيخُنا ثم ما ذكر كلمة صحيحة والشريط موجود وأنت تقول له قل يا شيخنا لكن ما بعدها أنكى وأمر فإذا كان هذا حاله كان الألْيق بك أن تقول له أيها الإنسان إذهب تعلم أحكام الطهارة وكيف تصلي، ولا تشتغل بإيقاع الفتنة بين العلماء وعندما جئتُ هنا كان بعض الناس يحضر فماذا أقول عنهم حقيقة نسأل الله أن يحسن ختامنا وبعد الخروج من المحاضرة قال يا شيخ إنني أؤلف كتاباً في الرد على فلان من المشايخ المشهورين في هذا الزمان ووالله الذي لا إله إلا هو لا يتقن قراءة جزء عم نظراً لا حفظاً والله الذي لا إله إلا هو ثم حضر لعله كان يظن أن أكون مطية له وكم من يحضر من أجل أغراض ثم بعد ذلك لما رأى الأمر ولى وكان أحيانا يتصل بي عدة أيام وما أعلم إن كان هو السائل يا شيخُنا يا شيخُنا. يا عبد الله بمثل هؤلاء الإنسان يتكثر. فدعك من صحبة هؤلاء وأصحب العلماء الأتقياء الذين هم في هذه الكتب واصحب رب الأرض والسماء فأرى أن تنتبه إلى من حولك ووالله إنهم فتنة وما قالوه لك في هذا الشريط وفي غيره قد يدخل الغرور على الصديقين فضلاً عن أمثالنا في هذا الحين إنك تُقَدَّمُ في كل شريط بأنك محدث العصر وفقيه الزمان وبمثل هذه العبارات.

أيها الشيخ: أترضى أن يقال هذا فيك وأنت الذي تنشر سنة النبي عليه الصلاة والسلام أما بلغك حديث الصحيحين من حديث أبي بكر وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أجمعين عندما أثنى رجل على رجل في عهد النبي عليه الصلاة والسلام قال (أهلكتم الرجل قطعتم ظهر الرجل. قطعت عنق صاحبك) عبارات تقال في الإنسان. فهؤلاء لو ضبطتهم لكفيت شرهم ونسأل الله أن يكفينا شرور أنفسنا وشر كل ذي شر إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين كما لا ينبغي للإنسان أن يزل ينبغي أن يحذر من أن يُزَل ونعوذ بالله من أن نزل أو نُزَل أو نضِل أو نُضَل أو نظلِم أو نُظْلَم أو نجهل أو يُجهل علينا أيها الشيخ الكريم ولعلك أعلم مني بذلك ثبت في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي من رواية عبد الله بن سخبرة قال قام رجل يثني على بعض الخلفاء فأخذ المقداد بن الأسود رضي الله عنهم أجمعين كفا من حصى – من رمل – ورشقه بها – ونسفه بها – تعلم من الذي أُثْنِيَ عليه؟ هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - – أُثْنِيَ على عثمان في حضرة هذا العبد الصالح المقداد بن الأسود فأخذ كفا من حصى ورشق بها المثنى المادح فقال له عثمان ما شأنك؟ قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) . وأختم الكلام على هذا بتذكيرك أيها الشيخ الكريم بما جرى من أصحابك المتقدمين معك. كيف حصلت البراءة بينكم وسبّكم من كان يطريكم وما كان لله دام واتصل وما كان (لغير الله) زال وانفصل. فاعتبر بهذا الأمر أيها الشيخ الكريم في هذه الحياة قبل أن يشتد ندمك بعد الممات ولا تكن معبرا لمن حولك وقاني الله وإياك شرور أنفسنا وشر كل ذي شر إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

آخر الأمور: حقيقة أرى لك أيها الشيخ وقد أمضيت ما أمضيت وأسأل الله أن يتقبل منك أن تستعد للقاء الله وقد قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام في آخر عمره (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) والله إن المناظرات والمجادلات والقيل والقال منا مذمومة فكيف من الشيخ الكبير الوقور نسأل الله أن يصونك من كل شائبة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. وبالختام أقول لك شئت أم أبيت وشئنا أن أبينا أنت والدنا ولا شك في ذلك ولك أمران. لا ينكرهما إلا من لا يخاف الرحمن: 1. أولهما: أنت كبير في العمر وليس منا من لم يجل كبيرنا وإذا جهلنا عليك فلسفاهة وطياشة عندنا وما ينبغي أن تشاركنا في الطياشة والسفاهة. 2. والأمر الثاني: الذي لك حق به علينا أمضيت وقتا طويلا في خدمة حديث نبينا عليه الصلاة والسلام وإذا كان الكلب الذي صحب أصحاب الكهف جعل الله له ذكرا وقدرا فذكره في كتابه فكيف بمن يعيش مع سنة نبينا عليه الصلاة والسلام فترة طويلة من الزمان ووالله الذي لا إله إلا هو ما حصل الرد عليك ولا على غيرك إلا تعظيما لدين الله ومحافظة على ما قرره العلماء الذين هم قبلك لا انتقاصا لقدرك وإن كانت العبارة قاسية ولا يراد من قسوتها الطعن في شخصك ولا في ذاتك وإنما يراد من ذلك التنفير من أقوال تنفرد بها. وقد سبقنا إلى ذلك أئمتنا الكرام وكانوا يسلكون هذا المسلك مع من يشذ في قوله. وسأذكر لك كلاماً يقوله علماؤنا الكرام في بعض علماء الاسلام الكبار لتعلم أن ما يحصل نحوك ونحو غيرك لا يراد منه إلا النصح لدين الله ولا داعي بعد ذلك للطعن بما في القلوب فلا يعلم ذلك إلا علام الغيوب.

أما الكلام الذي سأذكره إخوتي الكرام / كلام في منتهى الشدة والقسوة نحو إمام من أئمة الإسلام لكن كما قلت إذا شذ الإنسان فلا بد من الرد على قوله بما ينفر الناس من أخذه وحقيقة أيها الشيخ عندما أطلقت مثل هذه العبارات فإن وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع بدعة مقيتة – بدعة وإن قال بها الإمام أحمد – ما قلت إنك تبدع الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه وأنت عندما ذكرت هذه العبارة التي لم تسبق إليها واطلقتها أيضاً قام بعد ذلك السفهاء الذين تأثروا بقولك فما اقتصروا على تبديع الإمام أحمد إنما بدّعوا من قبله ومن بعده عندما رأوا وتوهموا أنهم يخالفون شرع الله كما فتحت لهم الباب وقد تقدم معنا أن الحكيم الترمذي عندما ألف كتابه خاتم الأولياء صار هذا الكتاب بابا للزندقة التي انتسب إليها بعد ذلك وادعاها من جاء بعده من غلاة الصوفية والزنادقة.

الكلام الذي سأذكره رواه الإمام أبو الخير شيخ القراء وإمام المسلمين في كتابه منجد المقرئين ومرشد الطالبين {ت 833 هـ} يقول في صفحة 62 عند بيان تواتر القراءات يقول: أما من قال إن القراءات متواترة حال اجتماع القراء لا حال افتراقهم فأبو شامة قال في المرشد الوجيز قال في الباب الخامس منه إن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمه إلى المجمع عليه والشاذ غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح في قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما نقل عن غيرهم ثم حكى قوله فيما يوجد شذوذ في القراءات السبع. وأبو شامة من هو؟ هو حقيقة إمام زمانه رفع الله مقامه ت سنة665 هـ وهو عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي. انظر ماذا علق الإمام ابن الجزري على عبارة أبي شامة قال: أنظر يا أخي إلى هذا الكلام الساقط الذي خرج من غير تأمل المتناقض في غير موضع في هذه الكلمات اليسيرة أوقفت عليها شيخنا الإمام ولي الله أبا محمد بن محمد بن محمد بن محمد الجمالي رضي الله عنه فقال: ينبغي أن يعدم هذا الكتاب من الوجود ولا يظهر البتة فإنه طعن في الدين. قلت: ونحن – يشهد الله – إنا لا نقصد إسقاط الإمام أبو شامة إذ الجواد قد يعثر ولا نجهل قدره إذ الحق أحق أن يتبع ولكن نقصد التنبيه على هذه الزلة المُزلَّة ليحذر منها من لا معرفة له بأقوال الناس ولا اطلاع له على أحوال الأئمة. ثم بعد ذلك أنا أفاض في تقرير هذا ثم قال وأنا من فرط اعتقادي فيه أكاد أجزم بأنه ليس من كلامه في شيء ربما يكون بعض الجهلة المتعصبين ألحقه بكتابه أو أنه إنما ألف هذا الكتاب في أول أمره كما يقع لكثير من المصنفين ... إلى آخر كلامه.

وعند هذا الأمر الأول ألا وهو حق المخلوق وتكلمنا على حق أعظم المخلوقات على نبينا صلوات الله وسلامه على حق المخلوق من الموتى. عند هذا الحق أريد أن أقول أيضا. قلتم أيضا في الشريط الذي يَصُكُّ الآذان ويسمعه المسلمون في البلدان قلتم إنني بنيت على حديث عبد الله بن مسعود علالي وقصوراً فقلتُ إننا ننتفع بالنبي عليه الصلاة والسلام. بعد موته وقُلْتَ بالحرف الواحد إنني وسعت دائرة الحديث كما هو شأني في هذه الأمور هل زدتُ على هذه كلمةً أخرى إنما قلت هذه نعمة من الله بها علينا ألا وهي استغفار نبينا عليه الصلاة والسلام لنا بعد موته وإذا لم نحظى باستغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته ولم نحظ برؤية نور وجهه عليه الصلاة والسلام فما حرمنا الله هذه الفضيلة فمن الله علينا باستغفار النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا قلت هذه نعمة ننتفع بها مازدت عليها فكيف إذا وسعتُ دائرة الحديث وبنيت عليه علالي وقصوراً. أين العلالي والقصور؟ أليس استغفار النبي عليه الصلاة والسلام لنا نفع لنا فما العلالي وما القصور؟ هل قلت نذهب نسجد له أو نطوف بقبره الشريف عليه الصلاة والسلام.

ما هي العلالي وما هي القصور؟ ينبغي أن نراقب العزيز الغفور عندما نتكلم. إخوتي الكرام هذا الحديث مع صحته كما تقدم معنا قلت إن بعض الناس في هذه الأيام تجرأ وزعم أنه موضوع أيضا منهم الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتاب وجاءوا يركضون في صفحة 82 قال حديث حياتي خير لكم ومماتي خير لكم (حديث موضوع) ووالله هذا كلام وضيع وهذا كلام رذيل ولا يجوز أن يقال عن حديث نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام هذا حديث موضوع ثم بعد ذلك أين ردك على مثل هذا الهراء أيها الشيخ فقط جئت تنتقدني في اصطلاح أنت ذكرته فقلت إن حديث أنس ضعيف فقلتُ أنا ضعيف فجئت تقول لا إنه ليس بضعيف إنه فيه متهم يعني موضوع أنت ذكرت ذلك الإصطلاح وهذا الحديث الذي أنت لا تسلم بوضعه كيف ترضى أن يقال هذا الحكم فيه وفي صفحة 149 يتناقض مؤلف الكتاب في كتاب صغير في حديد 150 صفحة فيقول: وما ورد أنه عليه الصلاة والسلام أنه تعرض عليه أعمال أمته فيستغفر لهم فإنه لا يدخل في هذه القضية العينية فإنه كاستغفار الملائكة للمؤمنين التائبين. ويقول معلقا عليه: حديث عرض الأعمال عليه - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت بسند قوي. هناك موضوع وهنا لم يثبت بسند قوي. هذا هو الحال عند ما نريد أن نجعل الحديث يخدم الأغراض ففي ذهن الواحد منا فكرة فسنجعل الحديث يخدم فكرتنا كيفما كان وهذا لا يجوز في شريعة الرحمن. أترك الشيخ الكريم إلى المعلق الثاني بعد ذلك ولا أزال في الأمر الأول. الشيخ أبو شقرة تولى بعد ذلك الكلام فأثار الشغب والخصام حول هذا الحديث الثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام وقد نعت بألفاظ لعلها بمثل نعوت شيخه أو أعلى فهو الخطيب المصقع وهو أسد المنابر ومن هذا الكلام وكيف يقبل هؤلاء هذه العبارات حقيقة ما اعلم.

يقول هذا الشيخ الذي يثير الشغب حول هذا الحديث ويقول: لو سلمنا بصحته انظر ماذا يترتب عليه من محذور – أي محذور سيترتب عليه؟ - قال: سيترتب عليه إذا استغفر النبي عليه الصلاة والسلام لنا وقلنا إن الإستغفار عام في سائر الأمة وفي الأمة طائعون وعصاة وشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام استغفاره لا يرد وعليه ينبغي أن يلحق العصاة بالأتقياء بل بكبار الصحابة رضوان الله عليهم يعني إذا استغفر النبي عليه الصلاة والسلام لأمته استغفاره يكون مقبولا إذاً لن يدخل أحد النار وكلهم سيكونون من أهل الجنة وكلهم سيكونون في درجة الصحابة. يقول: وتعلم ما يترتب على هذا من ضلال؟!! سبحان ربي العظيم. سبحان ربي العظيم. سبحان ربي العظيم.. والله أيها الشيخ الكريم أنت الثاني أنا أعجب كيف نزلت لهذه الهوة السحيقة المهلكة هي التي أهلكت الجهمية عندما ردوا نصوص صفات رب الأرض والسموات بأقيستهم وآرائهم وضلالاتهم فقالوا لو أثبتنا لله الوجه واليدين وسائر صفاته جل وعلا يلزم من هذا التشبيه فنفوا وهذا هو الذي حدا ودعا الشاذين من النحاة إلى رد القراءات لأنها تتناسب مع قواعدهم النحوية وهذا الذي دعا أهل الآراء إلى نبذ الشريعة الغراء لأنها لا تتناسب مع عقولهم وهذا الذي دعا المحترفين من الصوفية إلى تأويل النصوص الشرعية بما لا يخطر ببال أحد من البرية وهذا الذي دعا أهل السياسة الوضيعة الوضعية لنبذ الشريعة المحكمة الربانية. هذا تأويل يا عبد الله! أنت ابحث في الحديث ثبت أم لا؟ إن ثبت وإن فهمته أحمِد الله وإن لم تفهمه أحمد الله وقل آمنت برسول الله عليه الصلاة والسلام وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا تكثر الشغب حول نصوص نبينا عليه الصلاة والسلام ولا تفتح هذا الباب على الأمة وكفاها هلك تعيش فيها في تأويل الأحاديث وردها. الشغب لا تفتح بابه على حديث.

أنت ابحث في الحديث ثبت أم لا إن ثبت وفهمته أحمد الله وقل الحديث ثابت والله أعلم بكيفية استغفار النبي صلى الله عليه وسلم للأمة وماذا يترتب على هذا الإستغفار وكِل هذا إلى الله جل وعلا، ولا تُدخِل نفسك بين الله وبين رسوله عليه الصلاة والسلام ولا تُدخِل نفسك في هذه القضية وقولك إن هذا بعد ذلك سيجر إلى الغلو يقول: وهل تخريف المخرفين إلا مثل هذا الحديث هو الذي دعاهم إلى التخريف. وعندما علموا أن النبي عليه الصلاة والسلام حي في قبره ويستغفر لهم إذا دعاهم للطواف بالقبور والإستغاثة بهم و..و..وسبحان ربي العظيم. هذا الحديث هو الذي دعاهم أو جهلهم بدين الله؟ أما علم هذا الحديث سلفنا وصححوه هل كانوا يطوفون حول قبر النبي عليه الصلاة والسلام وأنت وأنا لا يستطيع أحد منا أن ينكر حياة الأنبياء في قبورهم وأنهم يصلون على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. فهل تنفي هذا أيضاً لئلا يترتب عليه أيضاً محذور؟ نعوذ بالله من هذا القول المرذول وأنا أيضاً أنصحك أيها الشيخ الكريم أن تسمع لي محاضرة ولعلك تتواضع وأسأل الله أن يرفع قدرك وهي محاضرة كانت على مرحلتين وفي كل مرحلة قاربت ثلاث ساعات أو زادت في موقف العقل البشري من الوحي الرباني أنصحك بسماع هذه المحاضرة لئلا تكثر الشغب حول نصوص النبي عليه الصلاة والسلام..

وأقول لك ضع رأيك تحت رجلك ولا تلجأ إلى الشغب نحو سنة نبيك عليه الصلاة والسلام. فو الله ثم والله لن تؤمن بربك الكبير حتى يكون هواك تبعاً لهذا السيد الجليل عليه الصلاة والسلام وإياك إياك أن تبدي إعتراضاً على حديثه بقال أو قيل. إلزم الصمت فتح الله عليك ونوَّر بصيرتك وفهمك فاحمد الله وإلا فسأل أهل الذكر عن معناه ولا تقل يلزم ويلزم ويلزم وتريد أن تكثر الشغب في المناقشة حول هذا الحديث. ليس هذا حال أهل الحديث إنما هذا حال من يعكفون على لهو الحديث. أقول لك ما وجه الملازمة بين استغفار نبينا عليه الصلاة والسلام وبين ما ذكرته أنه إذا استغفر لنا سنكون جميعا من أهل الجنة وسنكون جميعا في درجة الصحابة ما وجه الملازمة والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم عندما استغفر لأناس من المنافقين) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:80) آية من القرآن خفيت عليك أيها الشيخ!

الأمر الثاني: أذكرك بحديث لتعلم أن دعاء النبي عليه الصلاة والسلام يكون حسبما يشاء ربنا ويرضى ولا تدخل نفسك بين الله وبين نبيه عليه الصلاة والسلام ثبت في المسند وصحيح مسلم والحديث رواه أبو داوود والنسائي والترمذي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث نزول القرآن على سبعة أحرف، (أتاني جبريل فقال إن الله يقول لك إقرأ القرآن على حرف أن إقرأ القرآن على حرف قلت أسأل الله معافاته ومغفرته إن أمتي لا تطيق ذلك) وفي رواية في الحديث (إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف قال أسأل الله مغفرته ومعافاته فإن أمتي لا تطيق ذلك فأتاه الثانية قال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين. قال أسأل الله مغفرته ومعافاته فإن أمتي لا تطيق ذلك. ثم أتاه الثالثة قال على ثلاثة حروف ثم أتاه الرابعة فقال إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ) أي حرف قرأوا به فقد أصابوا وهي الموجودة في القراءآت العشر المتواترة عن نبينا عليه الصلاة والسلام من المدنيين والمكي والشامي والبصريين والكوفيين الأربعة. إذاً أنظر لتكملة الحديث: قال جبريل للنبي عليه الصلاة والسلام (وإن الله يقول لك، لك بكل ردة مسألة) يعني كل رده أنت قلت أسأل الله فيها مغفرته ومعافاته وجاءك جبريل يقول إقرأ ثانية على حرف ثانٍ على ثالثٍ ورد ثلاث مرات ثم في الرابعة على سبعة يقول لك بكل مسألة تسألينها سَلْ ربك ما شئت فقلت اللهم أمتي اللهم أمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم خليل الله على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه. فقد دعا نبينا عليه الصلاة والسلام لأمته مرتين وادخر الثالثة ليوم القيامة وهل يعني هذا أننا في درجة الصحابة وأنه لن يدخل عاص في هذه الأمة النار.

ما وجه الملازمة بين هذا وذاك أيها الإنسان ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في قول الله جل وعلا فيما حكاه عن خليله إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه. (رب إنهن) أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فأنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم قرأ ما حكاه الله جل وعلا عن روحه وكلمته عيسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) . فرفع النبي عليه الصلاة والسلام يديه حتى رؤي بياض إبطيه الشريفين عليه صلوات الله وسلامه ثم قال اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي وبكى عليه صلوات الله وسلامه فأتاه جبريل من قِبَلِ ربنا الجليل يبشره بأنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك فهل يعني هذا أننا سنكون في درجة أبو بكر وعمر؟ وهل يعني هذا أنه لن يدخل العاصي النار؟ ما وجه الملازمة بين هذا وذاك؟ على كل حال. أقول من اتضح له معنى الحديث فليحمد الله وإلا فليسلم الأمر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلى الله الذي جعل هذا لنبيه عليه الصلاة والسلام. إخوتي الكرام والأحاديث في ذلك كثيرة التي تقرر مثل هذا المعنى أريد أن أنتقل إلى الأمر الثاني من الأمرين الأخيرين وهو الأمر الثالث على التفصيل إلى بعض الأحياء الذي أيضاً جرى حوله كلام وكما أخترتُ نموذجا من الأموات وبدأت بأفضلهم وأكملهم وأشرفهم على نبينا صلوات الله وسلامه.

هكذا في حق الأحياء أكثر هذا الشيخ أبو شقرة في شريطه ويكرر بين الحين والحين أنني أصف الشيخ الجليل عبد العزيز بن باز حفظه الله والمسلمين في خير وعافية أجمعين وتاب علينا بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين كرر بأنني أصفه بأنه صاحب تلويث وأنه لوث الدين وحقيقة عندما سمعت هذا الإنسان يعني بشر هل صدر أحياناً مني شيء من هذا وهو لا يدري أجمعت فكري مراراً فما خطر هذا ببالي. ثم زاد في الإفتراء أنني أقلد أحياناً صوت الشيخ مستهزئاً به وأرد عليه وأن أسأل الله أن يمسخني قرداً أو خنزيراً أو خنزيراً إذا خطر ببالي تقليد الشيخ فضلاً عن فعل ذلك ويعلم الله ما سمعت هذا إلا من الشريط أما أنه خطر هذا ببالي أو فعلت لا أقول فعلت ولا أقول خطر ببالي ولما تابعت كلامه وأعدت سماع الشريطين وقفت على وهمه وخطئه ولله الحمد والمنة.

وكل قضية كما يقول أئمتنا من حقق النظر فيها علم أمرها كل مسألة إذا حققت النظر فيها فيها علامة صحتها أو بطلانها والإمام ابن القيم عليه رحمة الله ألف كتابا سماه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية فيذكر في صفحة 29 أن الإنسان إذا كان عنده ملكة يعرف المحق من المبطل ويعرف كيف يوصل الحق إلى صاحبه ويعرف كيف يأخذ على يد المبطل فهو عندما يتكلم في الشريط يقول: أنك تقول أن الشيخ عبد العزيز بن باز لما رد على كلام الشيخ ابن عبد الهادي ... وكنت ذكرت كلامه سابقاً في قصة وفاة شيخ الإسلام ابن تيمية وكيف دخل شيوخ المسلمين وتبركوا بهذا الإمام الصالح وقبلوه تبركا به أو ليس كذلك وتقدم معنا كلامه في صفحة 369 قلت وحضر- كما يقول الشيخ تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية يقول محمد بن أحمد بن عبد الهادي في صفحة 369 وحضر جمع إلى القلعة فأذن لهم في الدخول وجلس جماعة قبل الغسل فقرأوا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله ثم انصرفوا قلت – بعد ذلك- انظر إلى هذا التعليق والتلويث ثم قرأت فمن المعلق ومن الملوث؟ إذا كان المعلق على الكتاب هو الشيخ عبد العزيز بن باز حقيقة – هو الذي وُصِفَ بذلك وإذا كان المعلق غيره فقائل هذا القول وناسبه إلى بين أمرين: إما مفترٍ على عمد ويريد أن يخدع الناس وإما لا يعلم من الذي علق على هذا الكتاب فظن أن الشيخ ابن باز هو الذي علق على هذا الكتاب وأنني الذي أحكم عليه بذلك وهو بذلك مخطئ فيما يقول ما صدر هذا وأنا قلت بعد ذلك أنظر إلى هذا التعليق والتلويث. يقول الشيخ محمد بن حامد الفقي- المعلق على الكتاب.

سبحان الله لقد كان الشيخ ابن تيمية يجاهد طوال حياته تلك البدع من قراءة القرآن على الموتى والتبرك بالموتى وآثار الصالحين ثم هؤلاء يصنعون به هذا الذي كان يكرهه والذي ما أوذي بأنواع الأذى إلا من أجل إنكاره إلى آخر كلامه. فمن الملوث؟ الملوث هو المعلق على هذا الكتاب ولذلك أيها الشيخ أيضاً أريد أن تتقي الله في عباراتك وأن تراجع كلامك وأن تتحقق وأنا أريد منك حقيقة أن تكون جريئاً في تحققك فانظر فيمن علق على الكتاب فإذا الشيخ عبد العزيز بن باز هو الذي علق على الكتاب فحقيقة كما قلت أنا الذي وصفته بذلك وبعد ذلك يصدر مني ما تريده مني أنت إن شاء الله وما يجب عليّ وإذا كنت أنت تنسب إليّ ذلك وقد لوثت سمعة الشيخ بهذه الأشرطة هنا وهناك والمؤمن مبتلى فأريد منك أن تتبع هذا بشريط آخر وأن تتوب إلى الله عز وجل وأن تقول أنا أخطأت فيما قلت إما عن جهل وتسرعت ولا أعلم من المعلق على هذا الكتاب وإما أن تقول أيضا سوّل الشيطان لي سوء فعلي لكن كُشِفْتَ والحمد لله الذي أظهر الحق والله جل وعلا يقول في كتابه في قصة نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون..

أين الدم الكذب؟ بعد أن ألقو نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه في الجب –بعدها- أخذوا سخلة وذبحوها ولطخوا قميصه بدمها ثم جاءوا إلى أبيهم وقالوا أكله الذئب فنظر يعقوب عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه إلى هذا المشهد الذي يفري الكبد وقال سبحان الله ما أحلم هذا الذئب وما أحكمه ذئب يأكل ولدي ولا يقطع قميصه؟ كيف هذا؟ ولد يؤكل وما باقي منه شيء وليس فيه خرق وجاءوا على قميصه بدم كذب وهنا يقول إنني افتريت على هذا الشيخ وطعنت فيه ووصفته بأنه ملوث والشيخ برئ من ذلك، معاذ الله أن أقول فيه هذا الكلام وليس يعني هذا أيضاً أنني لا أقول إنه أخطأ أو أصاب هذا أمر آخر وكوني كما ذكرت أنه علق على فتح الباري ورد موضوع التبرك فقلتُ إن هذا خطأ وهذا باطل ثم أتبعت هذا بأن قائل هذا من العلماء ونسأل الله أن يتوب علينا جميعاً. لكن شتان بين أن يقال ملوث ويلوث الدين وبين أن يقال رأي الشيخ الآن في رده على ابن حجر وعلى غيره قول باطل. هذا أقول ولا شك ويبقى ما قلناه سابقاُ أئمتنا المتقدمون لا يزاحمهم عندنا أحد لكن من يلزم الإنصاف نعامله إن شاء الله كذلك ونتأدب معه وهذا واجب علينا ومن يشذ ويطلق لسانه لابد أيضاً أن نعطيه عبارات من أجل أن يحذر الناس ذلك التسرع وذلك التهور. وبما أنه ثبت وهْمُ الشيخ أبي شقرة وخطؤه فيجب عليه أن يتوب منه وأن يقلع عنه واتبع الشيخ هذا الكلام فقال ما سلم منك الأموات فضلاً عن الأحياء ثم اتهمني بأنني أضلل الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة الله وأنا أعجب إخوتي الكرام غاية العجب. والله الذي لا إله إلا هو لو أذن الله لملابسي أو لدابتي أو لذرات جسمي أن تنطق لقالت إن عبد الرحيم هذا العبد المسكين يحب ابن تيمية وابن القيم أكثر من روحه التي بين جنبيه. أما بعد ذلك تعليقك على هذا بأني عدت كما كنت عليه وذكرت بيتين من الشعر أنا أعيذك بالله من حمية الجاهلية فقال:

نزل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى ... وحنينه أبدا لأول منزل يقول أنت كنت مخرف في بلاد الشام وبعد ذلك جئت إلى مكان فيه شهرة للإمام ابن تيمية وابن القيم فلبست هذا القميص ثم عدت إلى بلاد التخريف فأطلقت لسانك بالتخريف مرة ثانية فما كنت تتستر به. بشعار السلفية هذا مصلحة كما قال في أول الشريط مصلحجية وأنا أتحداك إذا قلت عن نفسي في يوم من الأيام أنني سلفي وكما قلت البارحة لا يعنيني أنني لا ألتزم بطريقة السلف. لكن السلفية التي لها مدرسة الآن خاصة وأفكار معينة ومن كان منها فهو سلفي ومن كان لا فهو ردي والله لست منها ولا أقرها وأنا قلت ليسمع هذا الشيخ وغيره الذي يقول مصلحجية في محاضرة علنية في أبها تكلمت فيها على هذا الأمر وقلت كما يفعل تجار السلفية وإذا أردت أن تتحقق جاء مشايخ من كلية الشريعة الكبار وقال يا شيخ والله الذي لا إله إلا هو ما تقوله حق ونفديك بأرواحنا لكن أهل الباطل يتعلقون بهذا الكلام ويعملون ضجيجاً فلا أريد أن تعيد هذه العبارة مرة ثانية. وإن كان يوجد من يتاجر بهذه الشعارات وما أكثرهم. وكما قلت مراراً لا نقر تخريف الصوفية ولا نقر شذوذ من يدعون أنهم سلفية. ودين الله بين الغالي والجافي. متى ادعيت في يوم من الأيام أنني سلفي؟ متى؟ لكن هل خرجت عن مسلكي الذي أنا عليه؟ هل خرجت؟ وقد قال بعض الإخوة عندما قيل له: يقول عن ابن تيمية وابن القيم ما يقول. قال: سبحان الله!

والله ما أحد حببني في هذين الشيخين إلا عبد الرحيم وأقول لما درست لما درَّستُ مادة توحيد رب البريات لأخواتي الطالبات في أبها ثلاث سنوات حصل من الخير ما لا يعلمه إلا رب الأرض والسموات ولما فصلت عن تدريسهن ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعاً كتبن رسائل متعددات لكثير من الشيوخ الكرام ووقعن عليها جميعاً بلا استثناء هذا عدا عن الرسائل المتعددة الفردية يقلن فيها إنهن ما ذقن حلاوة الإيمان ولا عرفن قيمة هذه المادة إلا بعد تدريسي لهن ولله الحمد والفضل والمنة لا إله غيره ولا رب سواه. وكما دَرَّسْتَ أخواتي الطالبات فقد درّست إخوتي الطلاب مادة توحيد الكريم الوهاب بالإضافة إلى غيرها من المواد وكان أثر مادة التوحيد يفوق غيرها في نفسي وفيهم ولله الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات. نعم كنت أقرر عقيدة أهل الحق وأحاول ربط القلب بالرب جل وعلا وأعرض عن سفاهة من جعلوا هذه المادة المباركة معبراً لتضليل المسلمين وشن حملات منكرة على مذاهب أئمتنا المهتدين جزاهم الله عنا الخير العميم في هذه الدنيا ويوم الدين فهذا يقول هذه الأبيات يقول: أنت بدأت تعود لتخريفك لأول منزل. ما الحب إلا للحبيب الأول رجعت للتخريف الذي كنت عليه وأنا أقول لك سنجتمع عند من تبلي عنده السرائر. وإذا كان شيخك في أول الأمر يقول: هو يتمنى أن أكون مخلصاً وإن كنت مخطئاً فأنت تقول ما سبب تغير عبد الرحيم عندما جاء إلى بلاد التخريف السبب أنه رجع إلى خرافاته التي كان عليها. أنا اقول لك أيها الإنسان أنت تسأل وتجيب وسنجتمع عند السميع المجيب.

لكنني أريد أن أقول لك الله هو الذي يعلم السر وأخفى يعلم الله الذي لا تخفى عليه خافية وما كان في وجهي شعرة وأنا في ثانية متوسط إعدادي وما أعلم أني كنت في ذاك الوقت كنت محتلماً أم لا كنت أقرأ في كتب الشيخين المباركين بتوجيه من ربي لا بتوجيه من أحد ولا بجهد من نفسي وأذكر أنني كنت في بعض الأماكن ومعي كتاب الحسبة وأنا في هذا السن فرآني بعض الناس فقال ما معك قلت كتاب الحسبة للإمام ابن تيمية كتاب مختصر صغير قال أعوذ بالله أنت تقرأ كتب ابن تيمية في هذا السن؟ قلت: يا رجل ما في هذه الكتب إلا نور وهدى. قال: أعوذ بالله. الحجرة التي فيها كتاب لابن تيمية أنا لا أدخلها. وأحب أن ألفت نظرك أيضاً إلى هذا الأمر فلا يغيبن عن بالك. إعلم يا عبد الله إذا كنت متقوقعاً وحصرت نفسك في مفاهيم معينة فو الله الذي لا إله إلا هو لقد تلقيت العلم عن مشايخ كرام سادة أعلام في حلب الشام. لو قدر الله أن تراهم لتقربت إلى الله جلا وعلا بخدمتهم ولحملت أحذيتهم فاعرف قدرك ولا تعرض بأولياء الله جل وعلا لئلا يكون الله خصمك ألهمك الله رشدك ووقاك شر نفسك. أيها العبد المستور. كان يقال العداوة تزيل العدالة فصارت العداوة تزيل الديانة فهل اطلعك الله على غيبه حتى صرت تستدل بهذين البيتين على ما خفى عنك. نعم إن الشعراء يقولون ما لا يفعلون وكما نعتهم بذلك الحي القيوم وهم بلا شك أخف ممن يقولون ما لا يعلمون. ألهمنا الله رشدنا في جميع أحوالنا. وأنا في جميع. وأنا في جميع ما ذكرت كنت أقرر أموراً علمية ودفاعاً عن أئمة الإسلام.

ليتكم ذكرتم بعد ذلك قضايا العلم وقلتم إنني خرفت فيها وضللت ليتكم إنما جئتم بعد ذلك بهذه التحليلات الفارغات والله الموعد سبحانه وتعالى. إخوتي الكرام: يقول في هذا الشريط كنت سلفياً وتتظاهر فيها ثم بعد ذلك واحد آخر يقول يا شيخ – هذا خلال الكلام واللغط ممن يوجهون المجلس – يقول له يا شيخ أنا من خمس سنين له شهرة وكانوا يعرضون أشرطته ويبيعونها ولكن ما وقع في قلبي. يقول له الشيخ الكبير: الحمد لله لأنه كان مخرفاً.

ثم يقول واحد آخر يقول: يا شيخ: نحن تذكر جاءنا منذ ثلاث سنين أو خمسة كتاب في بدع هذا الإنسان عندما كان في تلك البلاد. قال ما أذكر قال لا. جاءنا كتاب في بدعه وأنه ضال يضل الأمة. لكن نسيت اسم المرسل ثم بعد ذلك يشتط في الكلام ويقول مسلكك في الوعظ مسلك القصاص. ثم بعد ذلك يأتي ويثني ويقول عجبت بقوة عارضتك وحسن عرضك وجمع مادتك بما يبهر العقل أريد أن أقول لكم: نحو هذه الأوصاف أنتم مجانين أو عقلاء. أما قال الله جل وعلا: (قُتِلَ الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون) خرَّاصون.. (إنكم لفي قول مختلف يُؤفَكُ عنه من أُفِكْ قتل الخراصون) قول مختلف ‍‍‍‍! كيف أعجبك قوة عرضي وحسن عرفي وجمع مادة علمية غزيرة أعجبت بها شيئاً كثيراً ثم تقول مسلكي مسلك القصاص الذين يريدون أن يخدعوا العامة. كيف ستؤلف بين هذين الحكمين المتناقضين ثم كان سلفياً وكان يتظاهر وعندكم كتب عنه بأنه مبتدع ضال من سنوات كيف توفقون بين هذه الأمور ألا تتقون الله في أحكامكم على عباد الله وكما قلت هل أطلعكم الله على غيبه أو على ما في قلوب عباده وأنا والله لا أحجر عليكم إذا قلتم أنني أخطأت بل لو زدتم وقلتم أنك ضللت في هذه المسألة وقولوا ما عندكم من أدلة وأنا إخوتي الكرام أريد أن أقول لكم لتعلموا وليعلم المسلمون في كل مكان إذا قلت قولاً من إجتهادي ونسبته إلى نفسي فأجعل في أعناقكم أمانة أحاسبكم عليها أمام الله أن تقوموا وتأخذوا الأحذية وتضربوني على رأسي حتى ألقي على الأرض. إذا ذكرت حديثاً وصححته من نفسي، أو إذا ذكرت مسألة علمية من نفسي. أما في مسائل العلم فلا أخرج عما هو في المذاهب الأربعة المتبعة وهذا ما أفعله في دروسي وأما في الحديث فلا أتكلم إلا ما يقوله أئمتنا وأحدد الأجزاء والصفحات.

لكن بعد ذلك ينسب الهوس إليّ لم؟ أنت عندما جئت تناقش في موضوع قراءة القرآن على القبور أنا نقلت كلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية وإذا كنت تناقش وسنناقش المسألة مع أنه تقدم الكلام عليها علام تنسب إليّ التخريف؟ هلا نسبته إلى الإمام ابن تيمية الذي لا شك في سلفيته عندي وعندكم؟ هلا نسبت التخريف إليه؟ وأنا نقلت القول عنه. وأن هذا قول معتبر وفعله الإمام ابن عمر وكان يفعله الأنصار وجئت بعد ذلك ترد على أيها الإنسان لما؟! وأنا حقيقةً أحسن بعضُ الشباب الطائش في هذه البلدة في وصفي والله أنطقه بالحكمة ولكنه طائش من هذا الشباب الذي قلت لكم يريد أن يؤلف كتبا في الرد على العلماء ولا يتقن قراءة جزء عم قال: لا يغرنكم أمر هذا الإنسان هو جَمَّاعٌ فقط ليس بعالم ولا فقيه ووالله إنك صدقت وكثيرا ما تجري الحكمة على ألسنة السفهاء والمجانين. ما عندي شك في هذا. جَمَّاعٌ نعم اجمع من هنا وهناك وأعرض ما أجمعه في دروسي من أجل أن ينتفع الناس به. نعم لست بمتخرص ولست بمجتهد ولست بمتأول ولا مستنبط وأنا أعرفُ قدر نفسي ووالله الذي لا إله إلا هو وهو على ما أقول شهيد ويعلم مافي القلوب لولا أن الحاجة تدعو إلى التدريس لما دَرَّسْتُ وما عندي شك أن زماننا يتحدث فيه مثلي زمان سوء ما عندي شك فيه. لكن ما أعمل وإلى الله جل وعلا أشكو ضعفي وضعف الأمة في هذه الأيام فيا أيها الإنسان أريد أن ترفق بنفسك فإن قيل وهل يجوز أن ترمي الشيخ محمد بن حامد الفقي بأنه يُلَوِّث أقول نعم كما قلت في عبارات الشيخ الألباني من قال هذا الكلام يحجر عليه أقول أيضاً هنا هذا ليس بتعليق هذا تلويث ممن صدر لأنه شتان شتان بين أن يقول الإنسان رأياً وأن يعلله وأن يأتي عليه بدليل وأن يأتي بشذوذ ما بين الحين والحين هنا وهناك شتان شتان. فالشيخ حامد فقي وقد توفي نسأل الله لنا وله المغفرة الرحمة أرحم الراحمين.

وكما قلت نقول ما نقول تحذيراً من الأقوال الباطلة ونسأل الله للمسلمين أجمعين المغفرة والرحمة. حقيقة لما علق على كتب الإمام ابن القيم لما علق عليها وعلى غيرها من كتب أئمتنا لوثها فاستمع إلى بعض تعليقاته: في صفحة (55) مثلاً في مدارج السالكين في الجزء الأول استمع ماذا يقول: يأتي الإمام ابن القيم للإستشفاء بالقرآن فيقول: وأما تضَمُّنُها – يعني سورة الفاتحة – لشفاء الأبدان فنذكر منه ما جاءت به السنة وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة. فأما ما دلت عليه السنة في الصحيح من حديث أبي المتوكل من رواية أبي سعيد الخدري أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب فلما لم يقروهم – يعني لم يضيفوهم – فلدغ سيد الحي إلى آخر الحديث. يقول هنا الإمام ابن القيم فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغْنته عن الدواء وربما بلغت من شفاءه ما لم يبلغه الدواء. هذا حق أو باطل؟! الرقية بالقرآن حق أو باطل؟ استمعوا ماذا يقول المعلق – الشيخ حامد فقي يقول: (لم نجد في الروايات الصحيحة أن أحداً من الصحابة لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعده فعل ذلك مرة ثانية ولعله والله أعلم كان هذا الحادث بصنع الله لأولئك الصحابة الذين كانوا في حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنعهم أهل الحي حقهم من الضيافة مع جوعهم وشدة حاجتهم فسلط الله الحشرة على رئيسهم فلدغته ليستخرج لهم بتلك اللدغة والرقية حقهم.

أما هذا لا يجوز وما فعله أحد بعد ذلك. هذا تلويث أو تحقيق. ويقول في تعليقه على فتح المجيد عند مبحث الرقية بآيات الله والأدعية الشرعية في صفحة 28. وبعد أن أورد صاحب كتاب فتح المجيد الخلاف بين السلف في تعليق الرقية إذا كانت من التمائم لكن من آيات القرآن. أورد قولين للسلف يقول هذا المعلق: فعل ذلك إستهزاء بآيات الله ومناقضة لما جاءت به ومحادة لله ولرسوله والله أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وشفاء لما في الصدور ولا يزيد الظالمين إلا خسارا وإنه لتذكرة للمتقين وإنه لحسرة على الكافرين. ولم ينزل ليتخذ حجباً وتمائم ولا ليتلاعب به المتأكلون الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ويقرأونه على المقابر وأمثال ذلك مما ذهب بحرمة القرآن وجرأ الرؤساء على ترك الحكم به. إخوتي الكرام: ما دخل هذا بهذا؟ أن من فعل هذا واسترقى بآيات القرآن. هذا أشد أنواع الإستهزاء بآيات الله جل وعلا؟! هذا تلويث.

أنظر إلى تلويث آخر في صفحة (57) لما ذكر تأثير إصابة العين علق عليها الإمام ابن القيم يقول منكر هذا – أي الإصابة بالعين – ليس معدوداً من بني آدم إلا بالصورة والشكل. يقول المعلق: هذا باعتقاد الشيخ رحمة الله وغفر لنا وله ولو كان الأمر كما ذكر لاستطاع كل يهودي ونصراني ومشرك بل وكل عدو أن يؤذي عدد بإرسال تلك السموم التي صورها الشيخ من أشعة عينية فتقتله كمل يقتله لسع الحية ولدغ الثعبان والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ولما كان مع الشيخ أحمد شاكر – أي الشيخ حامد فقي – يحققان تهذيب السنن للإمام المنذري وعلق عليه ابن القيم واختصما وكل واحد كان يكتب اسمه على التعليقة التي يعلقها وجرى بينهما مباحثة حول دخول الجن في بدن المصروع محمد حامد فقي قال: هذا لا يمكن مستحيل هذا خرافة لايمكن للجني أن يدخل في بدن الإنسي وأن يصرعه فقال له الشيخ أحمد شاكر هذا موجود في الأحاديث الصحيحة قال: لا يمكن. فذهب وبحث وأحضر له نص الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوي على أنه يمكن والإمام ابن تيمية كان يعالج بعض هذه الحالات قال له الإمام ابن تيمية هذا (بتوعنا مش بتوعكم) لا يجوز أن تستدل أنت بكلامه هذا من جماعة السلفية فقط هذا نحن نستدل به هذا ليس من جماعتكم. أعوذ بالله. وهنا كذلك لا يأتي كلمة والله لوث الكتاب من أوله إلى آخره أنظر ماذا يقول في تعليقه على كلام الإمام ابن القيم في صفحة (58) يذكر الإمام ابن القيم أنه عندما كان في مكة المكرمة كان يستشفي بالفاتحة وبماء زمزم ثم يقول بعد ذلك كنت آخذ قدحا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء والأمر أعظم من ذلك ولكن بحسب قوة الإيمان وصحة اليقين يعلق يقول: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أو عن خلفاؤه الراشدين فعل شيء من ذلك.

تقرأ الفاتحة على ماء زمزم وتشرب في صفحة (118) يقول الإمام ابن القيم: والمستحب النظر في كتب العلم والدين التي يزداد بها الرجل إيمانا وعلماً والنظر في المصحف ووجوه العلماء الصالحين والوالدين والنظر في آيات الله المشهورة ليستدل بها على توحيده ومعرفته وحكمته يقول المعلق: انظر. النظر والتأمل في آيات الله الكونية أوجب الواجبات إلى أن يقول بعد ذلك: أما النظر إلى المصحف ووجوه العلماء فلا أدري من أين جاء استحبابه. لم النظر إلى المصحف مستحب والنظر إلى العلماء مستحب اللهم إلا إن كان على أنه من سنن الله وآياته فيكون للإعتبار. يعني كما أنك تنظر للقرد تنظر إلى العَالِم لتعتبر هذا مخلوق وهذا مخلوق أما أن هذا نظر مستحب تنظر لترى النور والبهجة في وجهه يقول لا. ما الدليل على استحبابه؟ إهداء القرءان إلى الموتى صفحة (142) يقول الإمام ابن القيم: ما ينفع الميت: ما يهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال من الصدقة عنه والحج والصيام وقراءة القرآن الصلاة وجعل ثواب ذلك له وقد أجمع الناس على وصول الصدقة والدعاء. يعلق يقول: (ليس في قراءة القرآن للموتى إلا دعاوي ومنا مات المقلدين الذين يلقون القول على عواهنه بدون تحقيق ولا تمحيص، والقرآن إنما أنزله الله ليتدبره أولو الألباب) ومثل هذا كثير وكثير هذا في هذا الجزء وأما بعد ذلك في الجزء الثاني نماذج ففي صفحة (485) أنظر كيف تجرأ بهذه العبارات يقول هنا الإمام ابن القيم (إذا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب يدخلون في قلوبكم ويخرجون من حيث لا تحتسبون عن طريق الفراسة الصادقة وإلهام الله لهم يقول المعلق (ليس هذا فراسة إنما هو علم بما في الصدور وهذا شرك في الربوبية وهي دعوى كثير من شيوخ الصوفية) ، وهل أشرك الإمام ابن القيم عندما أورد هذا.

يقول هنا بعد ذلك – أي الإمام ابن القيم – على فراسات الصحابة عندما دخل بعض الناس على عثمان وقال (تدخلون علي وفي أعينكم أثر الزنا) . يقول المعلق: (هذه روايات غير مستندة إلى ما يطمئن قلب المؤمن إليه وبالأخص بالنسبة إلى أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذه ليست فراسة وإنما هي معرفة غيب وأنى لعثمان أن يجزم بالزنا هذا الجزم إلا أن يكون وحيا أو دعوى علم غيب وكلها منتفى) صفحة (89) حتى الإمام ابن تيمية ما سلم منه يقول الإمام ابن تيمية حاكيا عن شيخه: (ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله أمورا عجيبة وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم ووقائع فراسته تستدعي سفراً ضخما) وسأذكر كثيراً منها إن شاء الله عند مبحث خوارق العادات. يقول ابن القيم أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة 699 هـ وأن جيوش المسلمين تكسر وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام وأن ... الجيش وحدته في الأموال. وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة ثم أخبر الناس والأمراء سنة 702 هـ لما تحرك التتار وقصدوا الشام أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وسمعته يقول ذلك فلما أكثر عليه قلت لا تكثروا كتب الله في اللوح المحفوظ أنهم منهزمون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام هذا كلام من؟ ابن تيمية يحكيه تلميذه ابن القيم فإذا اطلع الله على ذلك عبدا من عباده ما الحرج؟ سيأتينا هذا خارق للعادة كرامة والله يكرم من شاء بما شاء يقول المعلق: (هل أطلع على اللوح المحفوظ ابن تيمية إطلع كيف هذا لعله كان يقصد بتلك الجرأة في القول تشجيعهم وتقوية روحهم المعنوية فإن هذا من أقوى أسباب النصر على الأعداء) .

كيف يقسم ابن تيمية تلك الأيمان والأمر كما يقول حامد فقي – المعلق - يقول بعد ذلك الإمام ابن القيم في آخر مبحث كرامات شيخه الإمام ابن تيمية أخرها يقول (وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل ولم يعين أوقاتها وقد رأيت بعضها وأنا انتظر بقيتها وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدت والله أعلم) هذا ينقله عن شيخه وكل هذا يعلق عليه الشيخ حامد فقي بأنه لا قيمة له واستمع إلى ما ختم به تعليقه على ما تقدم. قال: (مفاتيح الغيب عند الله جل وعلا لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى وغفر الله لنا ولإبن القيم فأين هذا من الفراسة إنما هلك من هلك بالغلو في شيوخهم عفا الله عنا وعنهم. وهذه الأقوال التي يذكرها الشيخ حامد فقي سيأتي معنا إن شاء الله مناقشتها والرد عليها بإذن الله جل وعلا. بالنسبة لقراءة آيات السكينة (ثم أنزل الله سكينتة على رسوله وعلى المؤمنين ... الأية) (لا تحزن إن الله معنا ... الأية) للإمام ابن القيم بحث طويل يقول: (سمعت شيخ الإسلام يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه تعجز العقول عن حملها من محاربة أرواح شياطينية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة قال فلما اشتد علي الامر قلت لأقاربي ومن حولي إقرأوا آيات السكينة قال: ثم أقلع عني ذلك الحال وجلست وما بي قلبا يقول ابن القيم وقد جربت أنا أيضا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يرد عليه فرأيت لها تأثيراً عظيما في سكوني وطمأنينتي.. إلى آخر بحثه) . يقول المعلق: (كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل كان من هديه ومن هدى الخلفاء الراشدين..) . خذ من هذا الكلام ومن هذه التعليقات الباطلة ما لا مثيل له. الجزء الثالث – ما سلم جزء من أجزاءه من تعليقات ملوثة ص 228 في الجزء الثالث تعليق يعجب الإنسان منه يقول ابن القيم (والكشف الرحماني من هذا النوع.

ومن الكرامة التي يكرم الله بها عبداً من عباده فيعلمه شيئا مغيبا مثل كشف أبي بكر لما قال لعائشة إن امرأته حامل بأنثى وكشف لعمر رضي الله عنه لما قال يا سارية الجبل وأضعاف هذا من كشف أولياء الرحمن. يقول المعلق: (كان سارية مع قواد جيش عمر في بلاد الشام في بلاد العجم فأخذت عمر وهو على المنبر سنه من النوم كوشف فيها بمجيء مكيدة دبرت لسارية وجيشه فناداه وهو نائم – نائم على أي شيء؟ على المنبر يخطب الجمعة – ناداه وهو نائم كذلك بأن يلجأ للجبل ويجعله وراء ظهره ويلزمه وروى أن سارية سمع ذلك النداء وأطاع الأمر فسلم وسلم جيشه) .

أنا أعجب من عقلك إذا رضي أن تقول قال في نومه كيف بلغ سارية القول هي هي بقيت يعني لِمَ أوَّلت الأولى والثانية ما وجدت لها مخرجاً هذا هو التلويث الذي يفعله في هذه الكتب وهذا التلويث كما قلت اتصف به هذا الإنسان ولا بد من التحذير من تلويثه الذي لوث به كتب شيخ الإسلام وتلميذه وكتب أئمة الإسلام فلنحذر هذا وقصة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في مناداته سارية رضي الله عنه وهو يخطب على المنبر ثابتة صحيحة قال الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة ص 474 قال شيخنا يعني الحافظ ابن حجر عليهم جميعا رحمة الله اسنادها حسن وقد رواها الإمام البيهقي في دلائل النبوة كما رواها الإمام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة الكرام وقد رواها الإمام ابن الأعراب أيضا في كتاب كرامات الأولياء وجمع طرقها الإمام القطب الحلبي في جزء مفرد وقد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي الجزء 11/278 ومثل تلويثه أيضا تلويث زهير الشاويش في تعليق على الأعلام العلية في مناقب الإمام ابن تيمية أنظر مثلا في ص 43 يقول صاحب الكتاب تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية الحافظ عمر بن على البزار توفي سنة 749 هو تلميذ الإمام ابن تيمية يعني يروي أشياء جرت له مع شيخه يقول سبحان الله ما أقصر ما كانت يعني مدة صحبتي له – يا ليتها كانت طالت والله ما مر علي إلى الآن زمان كان أحب إليّ من ذلك الحين ولا رأيتني في وقت أحسن حالا مني حينئذٍ وما كان إلا ببركة الشيخ رضي الله عنه.

البركة الآن تخريف ابن تيمية وتلاميذه مخرفون استمع للتعليق يقول (أي بتوفيق الله بالاقتداء بأحد العلماء الصالحين وأخذ العلم عنه) وفي ص 58 الفصل التاسع في ذكر بعض كراماته وفراسته بعد أن أورد نماذج كثيرة من فراسة الشيخ وكلامه يقول (الشيخ لم يكاشف بأمر مغيب ثم يُأوِّلُ بعد ذلك حقيقة إخوتي الكرام سأذكر لكم قصة فقط من هذه المكاشفات التي كان يرويها هذا الشيخ الكريم عليه رحمة الله. منها مثلا يقول حدثني الشيخ الصالح المقرئ أحمد أنه سافر إلى دمشق قال: (فاتفق أنه لما قدمت ولم يكن معي شيء من النفقة البتة وأنا لا أعرف أحداً من أهلها فجعلت أمشي في زقاق منها كالحائر فإذا بشيخ قد أقبل نحوي مسرعاً فسلم إليّ وهش في وجهي ووضع في يدي صرة فيها دراهم صالحة وقال لي أنفق هذه الآن وخلِّ خاطرك مما أنت فيه. فإن الله لا يضيعك ثم رُدَّ على أثري- يعني رجع من حيث جاء – كأنه ما جاء إلا من أجلي فدعوت له وفرحت بذلك هذه من ينقلها؟ الإمام الحافظ البزار تلميذ الإمام ابن تيمية وقلت لبعض من رأيته من الناس: من هذا الشيخ قالوا كأنك لا تعرفه؟ وكيف يعرفه وهذا أول دخوله إلى دمشق وجاء للقاء الشيخ قالوا هذا ابن تيمية له مده طويلة لم نره اجتاز بهذا الدرب – هذا الدرب الذي أنت تسلكه ما يسلكه الإمام ابن تيمية – وكان جُلَّ قصدي من سفري إلى دمشق للقائه فتحققت أن الله أظهره علي وعلى حالي فما احتجت بعدها إلى أحدٍ مدة أقامتي بدمشق بل فتح الله علي من حيث لا أحتسب واستدللت فيما بعد عليه وقصدت زيارته والسلام عليه فكان يُكرِمني عن حالي فأحمد الله تعالى إليه.

ماذا نقول عن هذا يعني الشيخ ابن تيمية الآن بدأ يخرف؟ لا إله إلا الله ... ومثل هذا كثير إخوتي الكرام يقول أحمد بن سعيد سافرت إلى مصر حين كان الشيخ مقيما فيها فاتفق أني قدمتها ليلا وأنا مثقل مريض فأنزلت في بعض الأمكنة فلم ألبث أن سمعت من ينادي بإسمي وكنيتي فأجبته وأنا ضعيف فدخل إلى جماعة من أصحاب الشيخ محمد ممن كنت اجتمعت ببعضهم في دمشق فقلت كيف عرفتم بقدومي وأنا قدمت هذه الساعة فذكروا أن الشيخ أخبرنا بأنك قدمت وأنك مريض وأمرنا أن نسرع بنقلك وما رأينا أحدا جاء ولا أخبرنا بشيء هذه الكرامات كلها يعلق عليها ويقول: (كيف يقع هذا ومثل هذا ومثل هذا غيب ولا يطلع عليه إلا الرب) وماذا نعمل الآن؟ يعني نكذب الإمام البزار؟ أو نقول إن الشياطين كانوا يأتون للإمام ابن تيمية فأنا أقول إلى من يدعون الإنتساب إلى السلف أقول: أجِلُّوا علماءكم الذين تنتسبون إليهم واتقوا الله جل وعلا فيهم وإذا رأيتمونا نخرج عن أقوالهم وعن أقوال أئمة الإسلام فلكم بعد ذلك علينا كلام والله ما أحد خرج عن أقوالهم إلا أنتم قبل غيركم وأحضرتم بعد ذلك من التأويلات مالا يخطر ببال إنسان ولذلك اتقوا الله جل وعلا ربكم. واختم الكلام إخوتي الكرام بهذا التنبيه هذا الشيخ كما قلت يقول. إنك من القُصَّاصِ ثم في مستهل حديثه يقول: (كأنك تشبه حال القُصَّاص بحيث من سمع كلامك ينعقد لسانه ولا يتكلم من غرابة ما تأتي به من الكلام كما حصل للإمام أحمد بن حنبل ويحي بن معين عندما قام القاص وافترى عليهم بحضورهما فما استطاعا أن يجيباه) .

وخلاصة القصة ولا صحة لها – وأريد أن انبه هذا إلى ألا ينسب إلى الإمامين المباركين الجليلين – أحمد بن حنبل ويحيى بن معين رحمهما الله ورضي عنهما – لا ينسب إليهما ما علم لهما به – خلاصتها كما سأبين وهي موضوعة مكذوبة يقولون كان الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فجاء قاص وقال حدثني أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ثم ساق حديثا إلى نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم من طريق الشيخين أن من قال لا إله إلا الله خلق الله من هذه الكلمة طائراً له ريشة من ذهب وريشة من فضة وريشة من زبرجد وبدأ يذكر حديثا في قرابة خمس عشرة صفحة له والإمام أحمد نظر إلى يحيى ابن معين قال أنت حدّثته قال لا فيحيى بن معين قال لأحمد أنت حدثته قال لا فبعد أن انتهى هذا القاص من حديثه جلس على الباب وفرش خرقة من أجل أن يعطيه الناس القطيعات الدراهم فبعد أن انصرف الناس جئنا إليه فمد يده كأنه ظن أننا سنعطيه – يحيى بن معين وأحمد بن حنبل فقلنا من حدثك بهذا الحديث قال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قلنا أيها الشيخ هذا أحمد بن حنبل وهذا يحيى بن معين فكيف تروي عنا ونحن ما حدثناك قال سبحان الله ما يوجد على الأرض أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلا أنتما؟ أنا كتبت عن بضعة عشر رجلا كل واحد يسمى أحمد بن حنبل ويحيى ين معين. هذه القصة. إخوتي الكرام يعلم الله قرأتها من فترة طويلة طويلة ولعلني في المرحلة الثانوية في تفسير سيد قطب في أوله وقلبي ما ارتاح لها ثم بعد فترة تبين في أنها مكذوبة فهذا الإنسان يرويها ويقول أنا حالي ما الناس كحال ذلك القاص اعقد ألسنتهم وأبهرهم بكلامي فلا يتكلمون وأنا أقول لهذا الإنسان لا تنسب إلى الإمامين المباركين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين مالا علم لهما به وتنبه غاية التنبه عندما تنسب الأقوال إلى علماء الإسلام فإذا كان يحتاط غاية الاحتياط من ينسب الأقوال إلى السلاطين فكيف بمن ينسب الأقوال إلى أئمة المسلمين.

ولا يمكن أن يجري ذلك من الإمام أحمد ويحيى بن معين وأن يُترك ذلك الكذاب الوضَّاع ولا يكشف عنه من هو يقول الإمام الذهبي في الميزان (1/47) وفي اللسان (1/79) لسان الميزان لإبن حجر – والكلام ينقله الإمام ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (1/14) . يقول الذهبي: في إسنادها إبراهيم بن عبد الواحد البلدي وقيل البكري لا أدري من هذا أتى بحكاية أخاف أن تكون من وضعه وفي بعض النسخ أخاف ألا تكون من وضعه يعني من وضع غيره لكن هي موضوعة. فأنت تستدل بموضوع ثم تقول عمل القصاص؟ من عمل القُصَّاص؟ ثم أعجب منك تقول عمل القصاص ثم تعيب فتقول أنت أيضاً تعزو إلى الكتب ومن هنا ومن هنا وما فائدة العامة من ذلك. هل رأيتم قاصا على وجه الأرض عندما يروي حديثا يخرجه ويعزوه إلى كتاب ويحدد مكانه؟؟ -لا إله إلا الله- وبالإضافة إلى تلك الكتب من أجل أيضا أن ترجع إليها وأن تعلم الحكم لئلا تلقي مرة ثانية كلاما دون التحقق منه.

فالكلام لا صحة له كما قلت إنما أزيدك أنظر أيضا ذلك الأثر بالسند الذي فيه ذلك – إبراهيم بن عبد الواحد – الذي يقول عنه الذهبي لا أدري من هو ذا أتى بحكاية منكرة أخاف أن تكون من وضعه انظر ذلك في الموضوعات للإمام ابن الجوزي (1/46) وأنظرها أيضا في كتاب القصاص والمذكرين للإمام ابن الجوزي أيضا ص (305) ، وأنظرها أيضا في اللآلئ المصنوعة في الأخبار الموضوعة (2/346) ، وأنظرها في كتاب الإمام السيوطي تحذير الخواص من أكاذيب القصاص ص (195) وأنظرها في كتاب المجروحين لابن حبان (1/85) وأنظرها في كتاب الباعث الحثيث في تعليق الشيخ أحمد شاكر على علوم الحديث للإمام ابن كثير ص (85) وأنظرها في الأسرار المرفوعة للإمام على القاري ص (37) وأنظرها في أول كتاب قرأت هذه القصة فيه ولم يبين أنها منكرة تفسير القرطبي (1/79) كما قلت فالقصة منكرة وأنت تستدل بها وترويها عن أئمتنا البررة وينبغي أن تتنزه عن ذلك الفعل فهذا لا يليق بعباد الله الذين يحققون ما يقولون ويتقون الحي القيوم وبالختام أيها الاخوة الكرام أسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يجمع أمة نبينا صلى الله عليه وسلم على الهدى وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. والحمد لله رب العالمين ...

عصبية في القران2

عصبية في القرآن (2) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم عصبية في القرآن (2) يقول تعالى ذكره: لقد كان في يوسف وإخوته آيات لمن سأل عن شأنهم حين قالوا إخوة يوسف لَيُوسُفُ وأخُوهُ مِنْ أمه أحَبُّ إلى أبِينا مِنَّا ونَحْنُ عُصْبَةٌ يقولون: ونحن جماعة ذوو عدد أحد عشر رجلاً. والعصبة من الناس هم عشرة فصاعدا، قيل إلى خمسة عشر فصاعدا عشر، ليس لها واحد من لفظها، كالنفر والرهط. إنَّ أبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعنون: إن أبانا يعقوب لفي خطأ من فعله في إيثاره يوسف وأخاه من أمه علينا بالمحبة، ويعني بالمبين أنه خطأ، يبين عن نفسه أنه خطأ لمن تأمله ونظر إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، القرطبي:

عالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} يعني من سأل عن حديثهم. وقرأ أهل مكة «آيةٌ» على التوحيد؛ واختار أبو عبيد «آيَاتٌ» على الجمع؛ قال: لأنها خير كثير. قال النحاس: و «آية» هنا قراءة حسنة، أي لقد كان للذين سألوا عن خبر يوسف آية فيما خبّروا به، لأنهم سألوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فقالوا: أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشام أُخرج ابنه إلى مصر، فبكى عليه حتى عمي؟ ـ ولم يكن بمكة أحد من أهل الكتاب، ولا من يعرف خبر الأنبياء؛ وإنما وجّهَ اليهودُ (إليهم) من المدينة يسألونه عن هذا ـ فأنزل الله عز وجل سورة «يوسف» جملة واحدة؛ فيها كل ما في التوراة من خبر وزيادة؛ فكان ذلك آية للنبيّ صلى الله عليه وسلم، بمنزلة إحياء عيسى ابن مريم عليه السلام الميت. «آيَاتٌ» موعظة؛ وقيل: عبرة. وروي أنها في بعض المصاحف «عبرة» . وقيل: بصيرة. وقيل: عجب؛ تقول فلان آية في العلم والحسن أي عجب. قال الثعلبيّ في تفسيره: لما بلغت الرؤيا إخوة يوسف حسدوه؛ وقال ابن زيد: كانوا أنبياء، وقالوا: ما يرضى أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه! فبغوه بالعداوة، وقد تقدّم ردّ هذا القول. قال الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} وأسماؤهم: روبيل وهو أكبرهم. الجلالين: 8ـ اذكر {إذْ قَالُوا} أي بعض إخوة يوسف لبعضهم {لَيُوسُفُ} مبتدأ {وأَخُوهُ} شقيقه بنيامين {أَحَبُّ} خبر {إلَى أَبِينَا مِنَّا ونَحْنُ عُصْبَةٌ} جماعة {إنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ} خطإ {مُّبِينٍ} بيّن بإيثارهما علينا. ابن كثير:

قول تعالى: لقد كان في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات، أي عبرة ومواعظ للسائلين عن ذلك المستخبرين عنه، فإنه خبر عجيب يستحق أن يخبر عنه {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا} أي حلفوا فيما يظنون والله ليوسف وأخوه، يعنون بنيامين وكان شقيقه لأمه {أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة} أي جماعة، فكيف أحب ذينك الاثنين أكثر من الجماعة {إنّ أبانا لفي ضلال مبين} يعنون في تقديمهما علينا، ومحبته إياهما أكثر منا.

واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر هذا السياق يدل على خلاف ذلك، ومن الناس من يزعم أنهم أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل، ولم يذكروا سوى قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} وهذا فيه احتمال لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط، كما يقال للعرب قبائل وللعجم شعوب، يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالاً لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله أعلم، {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم} يقولون: هذا الذي يزاحمكم في محبة أبيكم لكم أعدموه من وجه أبيكم، ليخلو لكم وحدكم، إما بأن تقتلوه أو تلقوه في أرض من الأراضي تستريحوا منه، وتخلوا أنتم بأبيكم {وتكونوا من بعده قوماً صالحين} فأضمروا التوبة قبل الذنب {قال قائل منهم} قال قتادة ومحمد بن إسحاق: وكان أكبرهم واسمه روبيل. وقال السدي: الذي قال ذلك، يهوذا. وقال مجاهد هو شمعون الصفا {لا تقتلوا يوسف} أي لا تصلوا في عداوته وبغضه إلى قتله، ولم يكن لهم سبيل إلى قتله لأن الله تعالى كان يريد منه أمراً لا بد من إمضائه وإتمامه من الإيحاء إليه بالنبوة، ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها، فصرفهم الله عنه بمقالة روبيل فيه وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب وهو أسفله.

قال قتادة: وهي بئر بيت المقدس {يلتقطه بعض السيارة} أي المارة من المسافرين فتستريحوا منه بهذا ولا حاجة إلى قتله {إن كنتم فاعلين} أي إن كنتم عازمين على ما تقولون. قال محمد بن إسحاق بن يسار: لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم، وعقوق الوالد، وقلة الرأفة بالصغير الضرع الذي لا ذنب له، وبالكبير الفاني ذي الحق والحرمة والفضل، وخطره عند الله مع حق الوالد على ولده، ليفرقوا بينه وبين أبيه وحبيبه على كبر سنه ورقة عظمه، مع مكانه من الله فيمن أحبه طفلاً صغيراً، وبين ابنه على ضعف قوته وصغر سنه وحاجته إلى لطف والده وسكونه إليه، يغفر الله لهم وهو أرحم الراحمين، فقد احتملوا أمراً عظيماً رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن الفضل عنه. مفعو©_ السعدي: يقول تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات} أي: عِبَرٌ وأدلة، على كثير من المطالب الحسنة. {للسائلين} أي: لكل من سأل عنها، بلسان الحال، أو بلسان المقال. فإن السائلين، هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر، وأما المعرضون، فلا ينتفعون بالآيات، ولا بالقصص، والبينات. {إذ قالوا} فيما بينهم: {ليوسف وأخوه} بنيامين، أي: شقيقه، وإلا، فكلهم إخوة، {أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة} أي: جماعة، فكيف يفضلهما بالمحبة والشفقة، {إن أبانا لفي ضلال مبين} أي: لفي خطأ بَيِّنٍ، حيث فضلهما علينا، من غير موجب نراه، ولا أمر نشاهده. {اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً} أي: غيبوه عن أبيه، في أرض بعيدة، لا يتمكن من رؤيته فيها. فإنكم إذا فعلتم أحد هذين الأمرين {يخل لكم وجه أبيكم} ، أي: يتفرغ لكم، ويقبل عليكم بالشفقة والمحبة، فإنه قد اشتغل قلبه بيوسف، شغلاً، لا الطبري: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئب في الصحراء، ونحن أحد عشر رجلاً معه نحفظه، وهم العصبة إنَّا إذا لخَاسِرُونَ يقول: إنا إذا لعجزة هالكون. القرطبي:

قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} في موضع رفع؛ أي ذهابكم به. أخبر عن حزنه لغيبته. {وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} وذلك أنه رأى في منامه أن الذئب شدّ على يوسف، فلذلك خافه عليه؛ قاله الكلبيّ. وقيل: إنه رأى في منامه كأنه على ذروة جبل، وكأن يوسف في بطن الوادي، فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته تريد أكله، فدرأ عنه واحد، ثم انشقّت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام؛ فكانت العشرة إخوته، لما تمالؤوا على قتله، والذي دافع عنه أخوه الأكبر يهوذا، وتواريه في الأرض هو مقامه في الجب ثلاثة أيام. وقيل: إنما قال ذلك لخوفه منهم عليه، وأنه أرادهم بالذئب؛ فخوفه إنما كان من قتلهم له، فكنى عنهم بالذئب مساترة لهم؛ قال ابن عباس: فسماهم ذئاباً. وقيل: ما خافهم عليه، ولو خافهم لما أرسله معهم، وإنما خاف الذئب؛ لأنه أغلب ما يخاف في الصحارى. والذئب مأخوذ من تَذَاءبت الريح إذا جاءت من كل وجه؛ كذا قال أحمد بن يحيى؛ قال: والذئب مهموز لأنه يجيء من كل وجه. وروى ورش عن نافع «الذِّيبُ» قوله تعالى: {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي جماعة نرى الذئب ثم لا نرده عنه. {إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ} أي في حفظنا أغنامنا؛ أي إذا كنا لا نقدر على دفع الذئب عن أخينا فنحن أعجز أن ندفعه عن أغنامنا. وقيل: «لَخَاسِرُونَ» لجاهلون بحقه. وقيل: لعاجزون. ابن كثير: جيبين له عنها في الساعة الراهنة {لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون} يقولون: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ونحن جماعة إنا إذاً لهالكون عاجزون. السعدي:

أي: قال إخوة يوسف، متوصلين إلى مقصدهم لأبيهم: {يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون} أي: لأي شيء يدخلك الخوف منا، على يوسف، من غير سبب، ولا موجب؟ {و} الحال {إنا له لناصحون} أي: مشفقون عليه، نود له ما نود لأنفسنا، وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام، لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها. فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة، لعدم إرساله معهم، ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه، الذي يحبه أبوه له، ما يقتضي أن يسمح بإرساله معهم، فقالوا: {أرسله معنا غداً يرتع ويلعب} أي: يتنزه في البرية ويستأنس، {وإنا له لحافظون} أي: سنراعيه، ونحفظه من كل أذى يريده. فأجابهم بقوله: {إني ليحزنني أن تذهبوا به} أي: مجرد ذهابكم به، يحزنني، ويشق عَلَيَّ، لأنني لا أقدر على فراقه، ولو مدة يسيرة. فهذا مانع من إرساله {و} مانع ثان، وهو: أني {أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} أي: في حال غفلتكم عنه، لأنه صغير، لا يمتنع من الذئب. {قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة} أي: جماعة، حريصون على حفظه، {إنا إذاً لخاسرون} أي: لا خير فينا، ولا نفع يرجى منا، إن أكله الذئب، وغلبنا عليه. فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله، وعدم الموانع، سمح حينئذٍ بإرساله معهم، لأجل أنسه. طبري {الَّذِينَ جاءُوا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} قال: الشرّ لكم بالإفك الذي قالوا، الذي تكلَّموا به، كان شرّا لهم، وكان فيهم من لم يقله إنما سمعه، فعاتبهم الله، فقال أوّلَ شيء: {إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ثم قال: {والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .

وقوله: {لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ ما اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ} يقول: لكلّ امرىء من الذين جاءوا بالإفك جزاء ما اجترم من الإثم، بمجيئه بما جاء به، من الأولى عبد الله. وقوله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} يقول: والذي تحمل معظم ذلك الإثم والإفك منهم هو الذي بدأ بالخوض فيه. كما: حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ يقول: الذي بدأ بذلك. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عُصْبَةٌ مِنْكُمْ قال: أصحاب عائشة عبد الله بن أبيّ ابن سَلُول، ومِسْطَح، وحَسّان. قال أبو جعفر: له من الله عذاب عظيم يوم القيامة. وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: كِبْرَهُ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: كِبْرَهُ بكسر الكاف، سوى حميد الأعرج فإنه كان يقرؤه: «كُبْرَهُ» بمعنى: والذي تحمل أكبره. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: القراءة التي عليها عوامّ القرّاء، وهي كسر الكاف، لإجماع الحجة من القرّاء عليها، وأن الكِبْر بالكسر: مصدر الكبير من الأمور، وأن الكُبْر بضم الكاف: إنما هو من الولاء والنسب، من قولهم: هو كُبْر قومه والكِبْر في هذا الموضع: هو ما وصفناه من معظم الإثم والإفك. فإذا كان ذلك كذلك، فالكسر في كافة هو الكلام الفصيح دون ضمها، وإن كان لضمها وجه مفهوم. وقد اختلف أهل التأويل في المعنىّ بقوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ ... الآية، فقال بعضهم: هو حسان بن ثابت. ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن قزعة، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، قال: ثنا داود، عن عامر، أن عائشة قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة، قوله لأبي سفيان: هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزاءُ

فإنَّ أبي وَوَالِدهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٌ مِنْكُمْ وِقاءُ أتَشْتُمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍ ... فَشَرُّكُما لخَيْرِكُما الفِداءُ لِسانِي صَارِمٌ لا عَيْبَ فِيهِ ... وبَحْرِي لا تُكَدّرهُ الدّلاءُ فقيل: يا أمّ المؤمنين، أليس هذا لغوا؟ قالت لا، إنما اللَّغو ما قيل عند النساء. قيل: أليس الله يقول: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم؟ أليس قد ذهب بصره وكُنِّع بالسيف؟. قال: ثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: كنت عند عائشة، فدخل حسان بن ثابت، فأمرت، فأُلقي له وسادة فلما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا وقد قال الله ما قال؟ فقالت: قال الله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ وقد ذهب بصره، ولعلّ الله يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن أبي عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة، فشبَّب بأبيات له، فقال: وَتُصْبِح غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الغَوَافِلِ. فقالت عائشة: أما إنك لست كذلك فقلت: تدعين هذا الرجل يدخل عليك وقد أنزل الله فيه: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ ... الآية؟ فقالت: وأيّ عذاب أشدّ من العمى وقالت: إنه كان يدفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثني محمد بن عثمان الواسطي، قال: ثنا جعفر بن عون، عن المُعَلَّى بن عرفان، عن محمد بن عبد الله بن جحش، قال: تفاخرت عائشة وزينب، قال: فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجِي من السماء. قال: وقالت عائشة: أنا التي نزل عذري في كتابه حين حملني ابن المعَطَّل على الراحلة. فقالت لها زينب: يا عائشة، ما قلت حين ركبتيها؟ قالت: قلت: حسبي الله ونعم الوكيل قالت قلتِ كلمةَ المؤمنين. وقال آخرون: هو عبد الله بن أُبيّ ابن سَلُول. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الذين تكلموا فيه: المنافق عبد الله بن أُبيّ ابن سَلول، وكان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كِبْره، ومِسْطَحا، وحسان بن ثابت. حدثنا سفيان، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا محمدبن عمرو، قال: ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن علقمة بن وقَّاص وغيره أيضا، قالوا: قالت عائشة: كان الذي تولى كبره الذي يجمعهم في بيته، عبد الله بن أُبيّ ابن سَلُول. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن شهاب، قال: ثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عتبة، عن عائشة، قالت: كان الذي تولى كبره: عبد الله بن أُبيّ. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس: إنَّ الَّذِينَ جاءُوا ... الآية،، الذين افْتَرَوا على عائشة: عبد الله بن أُبيّ، وهو الذي تولى كِبْره، وحسان، ومِسْطَح، وحَمْنه بنت جحش. حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أبان العطار، قال: ثنا هشام بن عروة في الذين جاءوا بالإفك: يزعمون أنه كان كِبْرُ ذلك عبدَ الله بن أبيّ ابن سلول، أحد بني عوف بن الخرزج وأخبرت أنه كان يحدّث به عنهم فيقرّه ويسمعه ويستوشيه. حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أما الذي تولى كبره منهم، فعبد الله بن أُبيّ ابن سلول الخبيث، هو الذي ابتدأ هذا الكلام، وقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت، ثم جاء يقود بها. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: والذي تولى كِبْره هو عبد الله بن أُبيّ ابن سلول، وهو بدأه.

وأولى القولين في ذلك بالصواب: قول من قال: الذي تولى كِبْره من عصبة الإفك، كان عبد الله بن أبيّ، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير، أن الذي بدأ بذكر الإفك، وكان يجمع أهله ويحدثهم، عبدُ الله بن أُبيّ ابن سَلُول، وفعله ذلك على ما وصفت كان توليه كِبْر ذلك الأمر. وكان سبب مجيء أهل الإفك، ما:

حدَّثنا به ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، ثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقّاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله، وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت اقتصاصا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضا: زعموا أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد ما أَنْزِل الحجاب، وأنا أُحْمَل في هودجي وأنزل فيه. فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل إلى المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني، أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عِقْدٌ لي من جَزْع ظَفَارِ قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرْحَلون لي، فاحتملوا هو دجي، فَرَحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه. قالت: وكانت النساء إذ ذاك خِفافا لم يُهَبِّلْهُن ولم يَغْشَهن اللحم، إنما يأكلن العُلْقة من الطعام. فلم يستنكر القوم ثقلَ الهودج حين رَحَلُوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السنّ، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عَقْدي بعد ما استمرّ الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني ويرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي، غلبتني عيني، فنمت حتى أصبحت.

وكان صفوان بن المعطَّل السُّلميّ ثم الذَّكْوانيّ، قد عَرَّس من وراء الجيش، فادّلَج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل أن يُضرب الحجاب عَلَيّ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخَمَّرت وجهي بجلبابي، والله ما تكلمت بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته، فوطِىء على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا مُوغِرِينَ في نحر الظهيرة. فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كِبْره عبد الله بن أُبيّ ابن سلول.

فقدمنا المدينة، فاشتكيت شهرا، والناس يُفِيضُون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يَرِيبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللُّطْف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم ثم يقول: «كيف تيكم؟» فذلك يريبني، ولا أشعر بالشرّ. حتى خرجت بعد ما نَقَهت، فخرجت مع أمّ مِسْطَح قبَلَ المَنَاصع، وهو مُتَبرّزنا، ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قَبل أن نتخذ الكُنُف قريبا من بيوتنا، وأَمْرُنا أمر العرب الأُوَل في التنزّه، وكنا نتأذّى بالكُنُف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي ابنة أبي رُهْم بن عبد المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبي بكر الصدّيق، وابنها مِسْطَحْ بن أُثاثة بن عباد بن المطَّلب. فأقبلت أنا وابنة أبي رُهْم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مِسْطَح في مِرْطِها، أوَ لم تسمعي ماقال؟ وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مَرَضا على مرضي. فلما رجعت إلى منزلي، ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «كَيْفَ تِيكُمْ؟» فقلت: أتأذن لي أن آتيَ أبويّ؟ قال: «نعم» . قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستثبت الخبر من قِبَلهما. فأذِن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويّ، فقلت لأمي: أي أمتاه، ماذا يتحدّث الناس؟ فقالت: أي بُنية، هوّني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر، إلا أكثرن عليها. قالت: قلت: سبحان الله، أَوَ قد تحدّث الناس بهذا وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت، فدخل عليّ أبو بكر وأنا أبكي، فقال لأمي: مايبكيها؟ قالت: لم تكن علمت ما قيل لها.

فأكبّ يَبْكي، فبكى ساعة، ثم قال: اسكتي يا بنية فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلى المقبل لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، حتى ظنّ أبواي أن البكاء سيفلق كبدي. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأُسامة بن زيد، حين استْلَبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله قالت: فأما أُسامة، فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي في نفسه من الودّ، فقال: يا رسول الله، هم أهلك، ولا نعلم إلا خيرا. وأما عليّ فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تَصْدُقك، يعني بَرِيرة. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بَرِيرة، فقال: «هَلْ رأيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عائِشَةَ؟» قالت له بَرِيرة: والذي بعثك بالحقّ، ما رأيت عليها أمرا قطّ أَغْمِصْه عليها، أكثرَ من أنها حديثة السنّ تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتأكله فقام النبيّ صلى الله عليه وسلم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «مَنْ يَعْذِرُنِي مِمنْ قَدْ بَلَغْنِي أذَاهُ فِي أهْلِي؟» يعني عبدَ الله بن أُبي ابن سَلُول. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر أيضا: «يا مَعْشَرَ المُسْلَمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَني أذَاهُ فِي أهْلي؟ فَوَاللهِ ما عَلمْتُ عَلى أهْلي إلاَّ خَيْرا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً ما عَلمْتُ عَلَيْهِ إلاَّ خَيْرا، وَما كانَ يَدْخُلُ عَلى أهْلي إلاَّ مَعي» فقام سعد بن مُعاذ الأنصاريّ، فقال: أنا أعذِرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عُنُقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.

فقام سعد بن عُبادة، فقال، وهو سيد الخزرج، وكان رجلاً صالحا، ولكن احتملَتْه الحَمِيّة، فقال: أَيْ سعدَ بن معاذ، فقال لسعد بن عُبادة: كذبت، لعمر الله لنقتلَّنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهم حتى سكتوا. ثم أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في بيت أبويّ، فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنتْ عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جلس عندي، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحَى إليه في شأني بشيء قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: «أمَّا بَعْدُ يا عائشَةُ فإنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرّئُكِ اللهُ، وَإنْ كُنْتِ ألمَمْتِ بِذَنْبٍ، فاسْتَغْفِرِي اللهَ، وَتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَف بَذَنْبِهِ ثُمَّ تابَ تابَ الله عَلَيْهِ» . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قَلَص دمعي، حتى ما أحسّ منه دمعة قلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد عرفت أنْ قد سمعتم بهذا، حتى استقرّ في أنفسكم، حتى كِدْتم أن تصدِّقوا به، فإن قلت لكم: إني بريئة والله يعلم أني برئة، لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة، لتصدِّقُنِّي، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: {وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} .

ثم تولَّيت واضطجعت على فراشي، وأنا والله أعلم أني بريئة وأن الله سيبرّئني ببراءتي، ولكني والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحْي يُتلى، ولَشأني كان أحقَر في نفسي من أن يتكلَّم الله فيّ بأمر يُتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: والله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من البيت أحد حتى أنزل الله على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدّر منه مثلُ الجُمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أُنزل عليه. قالت: فلما سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، كان أوّل كلمة تكلم بها أن قال: «أبْشِرِي يا عائِشةُ، إنَّ اللهَ قَدْ بَرَّأكِ» فقالت لي أمي، قومي إليه فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي. فأنزل الله: {إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عشر آيات، فأنزل هذه الآيات براءة لي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق على مِسْطَح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة قالت: فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ} حتى بلغ: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} فقال أبو بكر: إني لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مِسْطَح النفقةَ التي كان يُنفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري وما رأت وما سمعت، فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما رأيت إلا خيرا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني، فعصمها الله بالوَرَع، وطفقت أختها حَمْنة تحارب فهلكت فيمن هلك. قال الزهريّ بن شهاب: هذا الذي انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهريّ، وعن علقمة بن وقّاص الليثيّ، عن سعيد بن المسيب، وعن عروة بن الزبير، وعن عبيد الله بن عتبة بن مسعود. قال الزهريّ: كلّ قد حدثني بعض هذا الحديث، وبعض القوم كان له أوعى من بعض. قال: وقد جمعت لك كل الذي قد حدثني. وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة قال: وثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة. قال: ثني عبد الله بن بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاريّ، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت وكل قد اجتمع في حديثه قصة خبر عائشة عن نفسها، حين قال أهل الإفك فيها ما قالوا، وكله قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا، ويحدث بعضهم ما لم يحدث بعض، وكلّ كان عنها ثقة، وكلّ قد حدث عنها ما سمع. قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأَيتهُنّ خرج سهمها خرج بها معه. فلما كانت غزاة بني المصطَلِق، أقرع بين نسائه كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهنّ، فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت: وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العُلَق لم يهيِّجْهُنَّ اللحم فيثقلن. قالت: وكنت إذا رحل بعيري جلست في هَوْدَجي، ثم يأتي القوم الذين يرحلون بي بعيري ويحملوني، فيأخذون بأسفل الهودج يرفعونه فيضعونه على ظهر البعير، فينطلقون به. قالت: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وجَّه قافلاً، حتى إذا كان قريبا من المدينة، نزل منزلاً فبات بعض الليل، ثم أذّن في الناس بالرحيل. فلما ارتحل الناس، خرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي من جَزْعَ ظَفارِ، فلما فرغت انسلّ من عنقي وما أدري فلما رجعت إلى الرحْل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل. قالت: فرجعت عَوْدِي إلى بَدْئِي، إلى المكان الذي ذهبت إليه، فالتمسته حتى وجدته وجاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون بي البعير.

ثم ذكر نحو حديث ابن عبد الأعلى، عن ابن ثور. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا وما علمت، فتشهد، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أمَّا بَعْدُ أشِيرُوا عَليَّ فِي أُناسٍ أبَنُوا أهْلِي وَاللْهِ ما عَلِمْتُ عَلى أهْلِي سُوءًا قَطُّ، وأبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللهِ ما عَلِمْتُ عَلَيْهِ سُوءا قَطُّ، وَلا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إلاَّ وأنا حاضِرٌ، وَلا أغِيبُ فِي سَفَرٍ إلاَّ غابَ مَعِي» فقام سعد بن مُعاذ فقال: يا رسول الله، نرى أن نضرب أعناقهم فقام رجل من الخزرج، وكانت أمّ حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل، فقال كذبتَ، أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج في المسجد شرّ وما علمتُ به. فلما كان مساء ذلك اليوم، خرجت لبعض حاجتي ومعى أمّ مِسْطح، فعثرت، فقالت: تَعَس مِسْطح فقلت علام تسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثانية، فقالت: تَعَس مسطح قلت: علام تسبين ابنك؟ فسكتت الثانية. ثم عثرت الثالثة، فقالت: تَعَس مسطح فانتهرتها، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله. قالت: فرجعت إلى بيتي فكأن الذي خرجت له لم أخرج له، ولا أجد منه قليلاً ولا كثيرا. ووُعِكْت، فقلت: يا رسول الله، أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار فإذا أنا بأمي أمّ رومان، قالت: ما جاء بك يا بُنية؟ فأخبرتها، فقالت: خَفِّضي عليك الشأن، فإنه والله ما كانت امرأة جميلة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها وقلن فيها. قلت: وقد علم بها أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسول الله؟ قالت: نعم. فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذُكر من أمرها. ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك إلاّ رَجَعْت إلى بيتك فرجعت.

فأصبح أبواي عندي، فلم يزالا عندي حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بعد العصر، وقد اكتنفني أبواي، عن يميني وعن شمالي، فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أمَّا بَعْدُ يا عائِشَةُ، إنْ كُنْتِ قارَفْتِ سُوءا أوْ ألَمَمْتِ فَتُوبِي إلى اللهِ، فإنَّ اللهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ» . وقد جاءت امرأة من الأنصار وهي جالسة، فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تقول شيئا؟ فقلت لأبي: أجبه فقال: أقول ماذا؟ قلت لأمي: أجيبيه فقالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه تشَّهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد، فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل، والله يعلم إني لصادقة ماذا بنافعي عندكم، لقد تُكُلِّم به وأُشْرِبته قلوبكم وإن قلت إني قد فعلت والله يعلم أني لم أفعل لَتقولُنّ قد باءت به على نفسها، وأيمُ الله مَا أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف وما أحفظ اسمه: {فَصَبْرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} . وأنزل الله على رسوله ساعتئذٍ، فُرفع عنه، وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه يقول: «أبْشِرِي يا عائِشَةُ، فَقَدْ أنْزَلَ اللهُ بَرَاءَتَكِ» فكنت أشدّ ما كنت غضبا، فقال لي أبواي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده ولا أحمدكما، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، ولكني أحمد الله الذي أنزل براءتي. ولقد جاء رسول الله بيتي، فسأل الجارية عني، فقالت: والله ما أعلم عليها عيبا إلا أنها كانت تنام حتى كانت تدخل الشاة فتأكل حصيرها أو عجينها، فانتهرها بعض أصحابه، وقال لها: اصْدُقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عروة: فعَتب على من قاله، فقال: لا، والله ما أعلم عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر. وبلغ ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله ما كشفت كَنَف أنثى قطّ.

فقتل شهيدا في سبيل الله. قالت عائشة: فأما زينب بنت جحش، فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيرا وأما حَمْنة أختها، فهلكت فيمن هلك. وكان الذين تكلموا فيه: المنافقَ عبد الله بن أُبيّ ابن سلول، وكان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كِبْره، ومِسْطحا، وحسانَ بن ثابت، فحلف أبو بكر أن لا ينفع مِسْطَحا بنافعة، فأنزل الله: {وَلا يَأَتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ} يعني أبا بكر، {أنْ يُؤْتُوا أُولي القُرْبَى وَالمَساكِينَ يعني مِسْطحا، ألا تَحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال أبو بكر: بلى والله، إنا لنحبّ أن يغفر الله لنا وعاد أبو بكر لِمْسطَح بما كان يصنع به. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن علقمة بن وقاص وغيره أيضا، قال: خرجت عائشة تريد المَذْهب، ومعها أمّ مسطح. وكان مِسطح بن أثاثة ممن قال ما قال. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل ذلك، فقال: «كَيْفَ تَرَوْنَ فِيمَنْ يُؤْذِينِي فِي أهْلِي وَيجْمَعُ فِي بَيْتِهِ مَنْ يُؤْذِينِي؟» فقال سعد بن مُعاذ: أي رسول الله، إن كان منا معشرَ الأوس جلدنا رأسه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا فأطعناك. فقال سعد بن عبادة: يا ابن معاذ، والله ما بك نُصْرة رسول الله، ولكنها قد كانت ضغائن في الجاهلية وإحن لم تحلل لنا من صدوركم بعد فقال ابن معاذ: الله أعلم ما أردت. فقام أُسَيد بن حُضَير، فقال: يا ابن عبادة، إن سعدا ليس شديدا، ولكنك تجادل عن المنافقين وتدفع عنهم. وكثر اللَّغَط في الحيين في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على المنبر، فما زال النبيّ صلى الله عليه وسلم يومىء بيده إلى الناس ههنا وههنا، حتى هدأ الصوت.

وقالت عائشة: كان الذي تولى كِبْره، والذي يجمعهم في بيته، عبد الله بن أُبّي ابن سلول. قالت: فخرجت إلى المَذْهَب ومعي أمّ مسطح، فعثرتْ، فقالتْ: تَعَس مِسْطح فقلت: غفر الله لك، أتقولين هذا لابنك ولصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت ذلك مرّتين، وما شعرت بالذي كان. فحُدثت، فذهب عنى الذي خرجت له، حتى ما أجد منه شيئا. ورجعت على أبويّ أبي بكر وأمّ رُومان، فقلت: أما اتقيتما الله فيّ وما وصلتما رحمي؟ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي قال، وتحدّث الناس بالذي تحدثوا به ولم تُعْلِماني فأُخْبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أي بنية، والله لقلما أحبّ رجل قطّ امرأته إلا قالوا لها نحو الذي قالوا لك أي بنية ارجعي إلى بيتك حتى نأتَيك فيه فرجعت وارتكبني صالِبٌ من حُمَّى، فجاء أبواي فدخلا، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على سريري وُجاهي، فقالا: أي بينة، إن كنت صنعت ما قال الناس فاستغفري الله، وإن لم تكوني صنعتيه فأخبرني رسول الله بعذرك قلت: ما أجد لي ولكم إلا كأبي يوسف {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ} . قالت: فالتمست اسم يعقوب، فما قدرت، أو فلم أقدر عليه. فشخص بصر رسول الله إلى السقف، وكان إذا نَزَل عليه وَجَد، قال الله: {إنَّا سَنُلْقي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} فوالذي هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب، ما زال يضحك حتى إني لأنظر إلى نواجذه سرورا، ثم مسح عن وجهه، فقال: «يا عائِشَةُ أبْشِرِي، قَدْ أنْزَلَ اللهُ عُذْرَكِ» قلت: بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد أصحابك. قال الله: {إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} ... حتى بلغ: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} . وكان أبو بكر حلف أن لا ينفع مسطحا بنافعة، وكان بينهما رَحم، فلما أنزلت: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ} ...

حتى بلغ: {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال أبو بكر: بلى، أي ربّ فعاد إلى الذي كان لمسطح {إن الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ} ... حتى بلغ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم} . قالت عائشة: والله ما كنت أرجو أن ينزل فيّ كتاب ولا أطمع به، ولكن أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا تُذْهب ما في نفسه. قالت: وسأل الجارية الحَبَشية، فقالت: والله لعائشة أطيب من طيب الذهب، وما بها عيب إلا أنها ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها، ولئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنَّك الله قال: فعجب الناس من فقهها. القرطبي: فيه ثمان وعشرون مسألة:

الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ} «عُصْبَةٌ» خبر «إنّ» . ويجوز نصبها على الحال، ويكون الخبر {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ} . وسبب نزولها ما رواه الأئمة من حديث الإفك الطويل في قصة عائشة رضوان الله عليها، وهو خبر صحيح مشهور، أغنى اشتهاره عن ذكره، وسيأتي مختصراً. وأخرجه البخارِيّ تعليقاً، وحديثه أتم. قال: وقال أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وأخرجه أيضاً عن محمد بن كثير عن أخيه سليمان من حديث مسروق عن أم رُومان أم عائشة أنها قالت: لما رُميت عائشة خرّت مغشيًّا عليها. وعن موسى بن إسماعيل من حديث أبي وائل قال: «حدثني مسروق بن الأجدع قال: حدثتني أمّ رومان وهي أم عائشة قالت: بينا أنا قاعدة أنا وعائشةُ إذ وَلَجت امرأة من الأنصار فقالت: فعل الله بفلان وفعل (بفلان) ! فقالت أم رومان: وما ذاكِ؟ قالت اتّي فيمن حدّث الحديث! قالت: وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا. قالت عائشة: سمع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم! فخرّت مغشيًّا عليها؛ فما أفاقت إلا وعليها حُمَّى بنافضٍ، فطرحْتُ عليها ثيابها فغطيتها؛ فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ما شأن هذه؟» فقلت: يا رسول الله، أخذتها الحُمَّى بنافض. قال: «فلعلّ في حديثٍ تُحُدِّث به» قالت: نعم. فقعدت عائشة فقالت: والله، لئن حلفتُ لا تصدّقوني! ولئن قلت لا تَعْذِروني! مَثلي ومثلُكم كيعقوبَ وبَنِيه، واللَّهُ المستعان على ما تصفون. قالت: وانصرف ولم يقل شيئاً؛ فأنزل الله عذرها. قالت: بحمد الله لا بحمد أحد ولا بحمدك. قال أبو عبد الله الحميدي: كان بعض من لقينا من الحفاظ البغداديين يقول الإرسال في هذا الحديث أبْيَن، واستدلّ على ذلك بأن أم رومان تُوفّيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسروقٌ لم يشاهد النبيّ صلى الله عليه وسلم بلا خلاف.

وللبخاريّ من حديث عبيد الله بن عبد الله بن أبي مُليكة أن عائشة كانت تقرأ «إذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» وتقول: الوَلْق الكذب. قال ابن أبي مُليكة: وكانت أعلمَ بذلك من غيرها لأنه نزل فيها. قال البخارِيّ: وقال مَعْمَر بن راشد عن الزهري: كان حديث الإفك في غَزْوَة الْمُرَيْسِيع. قال ابن إسحاق: وذلك سنة ستّ. وقال موسى بن عقبة: سنة أربع. وأخرج البخاري من حديث معمر عن الزُّهرِيّ قال: قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن عليًّا كان فيمن قَذَف؟ قال: قلت: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عائشة قالت لهما: كان عليٌّ مُسَلِماً في شأنها. وأخرجه أبو بكر الإسماعيليّ في كتابه المخرج على الصحيح من وجه آخر من حديث معمر عن الزهري، وفيه: قال كنت عند الوليد بن عبد الملك فقال: الذي تولَّى كِبرْه منهم عليّ بن أبي طالب؟ فقلت لا، حدثني سعيد بن المسيّب وعُروة وعلقمة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة كلّهم يقول سمعت عائشة تقول: {والذي تولّى كبره} عبدُ الله بن أبَيّ (بن سلول) . وأخرج البخاري أيضاً من حديث الزهري عن عروة عن عائشة: والذي تولّى كِبْرَه منهم عبدُ الله بن أبَيّ.

الثانية: قوله تعالى: {بِالإِفْكِ} الإفك الكذب. والعصبة ثلاثة رجال؛ قاله ابن عباس. وعنه أيضاً من الثلاثة إلى العشرة. ابن عُيينة: أربعون رجلاً. مجاهد: من عشرة إلى خمسة عشر. وأصلها في اللغة وكلام العرب الجماعةُ الذين يتعصّب بعضهم لبعض. والخير حقيقته ما زاد نفعه على ضره. والشرّ ما زاد ضره على نفعه. وإنّ خيراً لا شرَّ فيه هو الجنة. وشرًّا لا خير فيه هو جهنم. فأما البلاء النازل على الأولياء فهو خير؛ لأن ضرره من الألم قليل في الدنيا، وخيره هو الثواب الكثير في الأخرى. فنبّه الله تعالى عائشة وأهلها وصَفْوان، إذ الخطاب لهم في قوله: {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} ؛ لرجحان النفع والخير على جانب الشر.

الثالثة: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة معه في غَزْوة بني المُصْطَلِق وهي غزوة المُرَيْسِيع، وقَفَل ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل قامت حين آذنوا بالرحيل فمشت حتى جاوزت الجيش، فلما فرغت من شأنها أقبلت إلى الرّحْل فلمست صدرها فإذا عِقدٌ من جَزْعِ ظَفَارِ قد انقطع، فرجعت فالتمسته فحبسها ابتغاؤه، فوجدته وانصرفت فلم تجد أحداً، وكانت شابَّة قليلة اللحم، فرفع الرجال هَوْدَجها ولم يشعروا بزوالها منه؛ فلما لم تجد أحداً اضطجعت في مكانها رجاء أن تُفتقد فيُرجع إليها، فنامت في الموضع ولم يوقظها إلا قول صَفْوان بن المُعَطَّل: إنا لِلَّه وإنا إليه راجعون؛ وذلك أنه كان تخلف وراء الجيش لحِفْظ الساقة. وقيل: إنها استيقظت لاسترجاعه، ونزل عن ناقته وتنحَّى عنها حتى ركبت عائشة، وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش في نَحْر الظَّهِيرة؛ فوقع أهل الإفك في مقالتهم، وكان الذي يُجتمع إليه فيه ويَسْتَوْشِيهِ ويُشْعلُه عبدُ الله بن أُبَيٍّ بن سَلُول المنافق، وهو الذي رأى صفوان آخذاً بزمام ناقة عائشة فقال: والله ما نجت منه ولا نجا منها، وقال: امرأة نبيِّكم باتت مع رجل. وكان من قالته حسان بن ثابت ومِسْطح بن أُثَاثة وحَمْنَة بنت جَحْش. هذا اختصار الحديث، وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم، وهو في مسلم أكمل. ولما بلغ صَفْوان قولُ حسان في الإفك جاء فضربه بالسيف ضربةً على رأسه وقال: تَلَقَّ ذُباب السيف عني فإنني ... غلام إذا هُوجِيت ليس بشاعر فأخذ جماعة حسان ولَبَّبُوه وجاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح حسان واستوهبه إيّاه. وهذا يدل على أن حسان ممن تَوَلَّى الكِبْر؛ على ما يأتي والله أعلم.

وكان صفوان هذا صاحبَ ساقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته لشجاعته، وكان من خيار الصحابة (رضي الله عنه وعنهم) . وقيل: كان حَصُوراً لا يأتي النساء؛ ذكره ابن إسحاق من طريق عائشة. وقيل: كان له ابنان؛ يدل على ذلك حديثُه المروي مع امرأته، وقولُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في ابنيه: «لهما أشبه به من الغراب بالغراب» . وقوله في الحديث: والله ما كَشَفْت كَنَف أنثى قطّ؛ يريد بزنًى. وقتل شهيداً رضي الله عنه في غزوة أرمِينِيَة سنة تسع عشرة في زمان عمر، وقيل: ببلاد الروم سنة ثمان وخمسين في زمان معاوية. الرابعة: قوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ} يعني ممن تكلم بالإفك. ولم يُسَمَّ من أهل الإفك إلا حسان ومِسْطَح وحَمْنة وعبد الله؛ وجُهل الغير؛ قاله عروة بن الزبير، وقد سأله عن ذلك عبد الملك بن مروان، وقال: إلا أنهم كانوا عُصْبة؛ كما قال الله تعالى. وفي مصحف حَفْصة «عصبة أربعة» . الخامسة: قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} وقرأ حُميد الأعرج ويعقوب «كُبْرَه» بضم الكاف. قال الفراء: وهو وجه جيّد؛ لأن العرب تقول: فلان تولَّى عُظْم كذا وكذا؛ أي أكبره. روي عن عائشة أنه حسان، وأنها قالت حين عَمِيَ: لعل العذاب العظيم الذي أوعده الله به ذهابُ بصره؛ رواه عنها مسروق. وروي عنها أنه عبد الله بن أبَيّ؛ وهو الصحيح، وقاله ابن عباس. وحكى أبو عمر بن عبد البر أن عائشة برّأت حسان من الفِرْية، وقالت: إنه لم يقل شيئاً. وقد أنكر حسان أن يكون قال شيئاً من ذلك في قوله: حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنَّ برِيبَةٍ ... وتُصبح غَرْثَى من لُحُوم الغَوافِلِ حَلِيلةُ خيرِ الناس دِيناً وَمَنْصِباً ... نَبِيِّ الهُدَى والمَكْرمات الفواضل عَقِيلةُ حَيٍّ من لُوَيِّ بن غالبٍ ... كرامِ المساعِي مَجْدُها غيرُ زائل مُهَذّبةٌ قد طَيّب الله خِيمَها ... وطهّرها من كل شَيْن وباطل

فإن كان ما بُلِّغْتِ أَنِّي قلتُه ... فلا رفعَتْ سَوْطي إليّ أناملي له رُتَبٌ عالٍ على الناس فضلها ... تقاصَرُ عنها سَوْرة المتطاول فكيف ووُدِّي ما حيِيتُ ونُصْرتِي ... لآل رسول الله زَيْنِ المحافل وقد روي أنه لما أنشدها: حصان رزان؛ قالت له: لستَ كذلك؛ تريد أنك وقعت في الغوافل. وهذا تعارض، ويمكن الجمع بأن يقال: إن حساناً لم يقل ذلك نصاً وتصريحاً، ويكون عرّض بذلك وأوْمأ إليه فنُسب ذلك إليه؛ والله أعلم. وقد اختلف الناس فيه هل خاض في الإفك أم لا، وهل جلد الحدّ أم لا؛ فالله أعلم أيّ ذلك كان، وهي المسألة: السادسة: فروى محمد بن إسحاق وغيره: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جلد في الإفك رجلين وامرأة: مِسْطَحا وحسان وحَمْنَة، وذكره الترمذي. وذكر القشيريّ عن ابن عباس قال: جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أُبَيٍّ ثمانين جلدة، وله في الآخرة عذاب النار. قال القُشَيْريّ: والذي ثبت في الأخبار أنه ضرب ابن أبَيّ وضرب حسان وحمنة، وأما مِسْطح فلم يثبت عنه قذف صريح، ولكنه كان يسمع ويشيع من غير تصريح. قال الماوردي وغيره: اختلفوا هل حدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحاب الإفك؛ على قولين: أحدهما أنه لم يحدّ أحداً من أصحاب الإفك لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو ببيّنة، ولم يتعبّده الله أن يقيمها بإخباره عنها؛ كما لم يتعبّده بقتل المنافقين، وقد أخبره بكفرهم. قلت: وهذا فاسد مخالف لنص القرآن؛ فإن الله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} أي على صدق قولهم: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} . والقول الثاني: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم حدّ أهل الإفك عبدَ الله بن أُبَيّ ومِسْطح بن أثَاثة وحسان بن ثابت وحَمْنة بنت جحش؛ وفي ذلك قال شاعر من المسلمين: لقد ذاق حسّان الذي كان أهلَه ... وحَمْنَةُ إذ قالوا هجيراً ومِسْطَحُ

وابنُ سَلُولَ ذاق في الحَدّ خِزْية ... كما خاض في إفك من القول يُفْصِح تعاطَوْا برجم الغيب زَوْجَ نبيِّهم ... وسخطة ذي العرش الكريم فأبرحوا وآذوْا رسولَ الله فيها فَجُلِّلُوا ... مخازِيَ تبقى عُمِّمُوها وفُضِّحوا فصُبّ عليهم مُحْصَدات كأنها ... شآبيب قطر من ذُرَى المُزْن تَسْفَحُ قلت: المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذي حُدّ حسان ومِسْطح وحَمْنةُ، ولم يُسمع بحدٍّ لعبد الله بن أبَيّ. روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل عُذْري قام النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك، وتلا القرآن؛ فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضُرِبوا حدَّهم، وسمّاهم: حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحَمْنة بنت جحش. وفي كتاب الطحاوي «ثمانين ثمانين» . قال علماؤنا. وإنما لم يُحدّ عبد الله بن أبَيّ لأن الله تعالى قد أعدّ له في الآخرة عذاباً عظيماً؛ فلو حُدّ في الدنيا لكان ذلك نقصاً من عذابه في الآخرة وتخفيفاً عنه مع أن الله تعالى قد شهد ببراءة عائشة رضي الله عنها وبكذب كل من رماها؛ فقد حصلت فائدة الحدّ، إذ مقصوده إظهار القاذف وبراءة المقذوف؛ كما قال الله تعالى: «فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون» . وإنما حدّ هؤلاء المسلمون ليكفر عنهم إثم ما صدر عنهم من القذف حتى لا يبقى عليهم تَبِعة من ذلك في الآخرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحدود: «إنها كفارة لمن أقيمت عليه» ؛ كما في حديث عُبَادة بن الصامت. ويحتمل أن يقال: إنما ترك حدّ ابن أبيّ استئلافاً لقومه واحتراماً لابنه، وإطفاءً لثائرة الفتنة المتوقعة من ذلك، وقد كان ظهر مبادئها من سعد بن عُبَادة ومن قومه؛ كما في صحيح مسلم. والله أعلم. السابعة: قوله تعالى: {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} هذا عتاب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في ظنّهم حين قال أصحاب الإفك ما قالوا.

قال ابن زيد: ظن المؤمنون أن المؤمن لا يفجر بأمّه؛ قاله المَهْدَوِيّ. و «لولا» بمعنى هَلاّ. وقيل: المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمرَ على أنفسهم؛ فإن كان ذلك يبعد فيهم فذلك في عائشة وصفوان أبعد. وروي أن هذا النظر السديد وقع من أبي أيوب الأنصاريّ وامرأته؛ وذلك أنه دخل عليها فقالت له: يا أبا أيوب، أسمعتَ ما قيل! فقال: نعم! وذلك الكذب! أكنتِ أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك! قالت: لا والله! قال: فعائشة والله أفضل منك؛ قالت أم أيوب نعم. فهذا الفعل ونحوه هو الذي عاتب الله تعالى عليه المؤمنين إذ لم يفعله جميعهم. الثامنة: قوله تعالى: {بِأَنْفُسِهِمْ} قال النحاس؛ معنى «بأنفسهم» بإخوانهم. فأوجب الله على المسلمين إذا سمعوا رجلاً يقذف أحداً أو يذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه. وتواعد من ترك ذلك ومن نقله. قلت: ولأجل هذا قال العلماء: إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان؛ ومنزلةَ الصلاح التي حلّها المؤمن، ولُبْسة العفاف التي يستتر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع، إذا كان أصله فاسداً أو مجهولاً. التاسعة: قوله تعالى: {لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ} هذا توبيخ لأهل الإفك. و «لولا» بمعنى هلاّ؛ أي هلاّ جاؤوا بأربعة شهداء على ما زعموا من الجلالين:

1ـ {إنَّ الذِينَ جاؤوا بِالإِفْكِ} أسوأ الكذب على عائشة رضي الله عنها أمّ المؤمنين بقذفها {عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} جماعة من المؤمنين، قالت: حسان بن ثابت، وعبد الله بن أبيّ، ومسطح، وحمنة بنت جحش {لا تَحْسَبُوهُ} أيها المؤمنون غير العصبة {شَرّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} يأجركم الله به ويظهر براءة عائشة ومن جاء معها منه وهو صفوان فأنها قالت كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بعدما أنزل الحجاب ففرغ منها ورجع ودنا في المدينة وآذن بالرحيل ليلة فمشيت وقفيت شأني وأقبلت إلى الرحل فإذا عقدي انقطعـ هو بكسر المهملة القلادة ـ فرجعت ألتمسه وحملوا هودجيـ هو ما يركب فيه ـ على بعيري يحسبونني فيه وكانت النساء خفافا إنما يأكلن العلقة ـ هو بضم المهملة وسكون اللام ـ من الطعام ـ أي القليل ـ ووجدت عقدي وجئت بعدما ساروا فجلست في المنزل الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إليّ فغلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان قد عرّس من وراء الجيش فادّلج ـ هما بتشديد الراء والدال أي نزل من آخر الليل للاستراحة ـ فسار منه فأصبح في منزله فرأى سواد إنسان نائم ـ أي شخصه ـ فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ـ أي قوله إنا لله وإنا إليه راجعون ـ فخمرت وجهي بجلبابي ـ أي غطيته بالملاءة ـ والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته ووطىء على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ـ أي من أوغر: واقفين في مكان وغر من شدّة الحر ـ فهلك من هلك وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول. اهـ قولها رواه الشيخان.

قال تعالى: {لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ} أي عليه {مَا اكْتَسَبَ منَ الإِثْمِ} في ذلك {والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} أي تحمّل معظمه فبدأ بالخوض فيه وأشاعه وهو عبد الله بن أبيّ {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} هو النار في الآخرة. من_ ابن كثير: هذه العشر آيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله عز وجل لها ولنبيه صلوات الله وسلامه عليه، فأنزل الله تعالى براءتها صيانة لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} أي جماعة منكم يعني ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة، فكان المقدم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين، فإنه كان يجمعه ويستوشيه، حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين فتكلموا به، وجوزه آخرون منهم، وبقي الأمر كذلك قريباً من شهر حتى نزل القرآن، وسياق ذلك في الأحاديث الصحيحة.

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنامعمر عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله تعالى، وكلهم قد حدثني بطائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت لها اقتصاصا، وقد وعيت عن كل واحدٍ منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضاً، ذكروا أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة رضي الله عنها: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعدما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، قالت: وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يُهَلَبْهُنَّ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين

رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب على الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته، فوطىء على يدها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمناها شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول «كيف تيكم؟» فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعدما نقهت، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه في البرية وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم) أم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئسما قلت تسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: أي هنتاه ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم، ثم قال «كيف تيكم؟» فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس به؟ فقالت: أي بنية هوني عليك، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها.

قالت: فقلت سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ويستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه له من الود، فقال أسامة: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيراً. وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر. قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله.

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي» فقام سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا بأمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ: لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت (!) لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان: الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال «أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبٍ ثم تاب، تاب الله عليه» قالت:: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال والله ما أدري

ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أحفظ كثيراً من القرآن، والله لقد عرفت، أنكم قد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا والله حينئذٍ أعلم أني بريئة وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.

قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال «أبشري يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك» قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل هو الذي أنزل براءتي، وأنزل الله عز وجل: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} العشر آيات كلها، فأنزل الله هذه الآيات في براءتي قالت: فقال أبو بكر رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربي} ـ إلى قوله ـ {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً.

قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري، فقال «يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟» فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيراً، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله تعالى بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها، فهلكت فيمن هلك. قال ابن شهاب: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الزهري، وهكذا رواه ابن إسحاق عن الزهري، كذلك قال: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري عن عمرة، عن عائشة بنحو ما تقدم، والله أعلم.

ثم قال البخاري وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيّ خطيباً، فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثم قال: أما بعد أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي، وايم الله ما علمت على أهلي إلا خيراً، وما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي، فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أئذن لنا أن نضرب أعناقهم، فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل، فقال: كذبت أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم، حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد وما علمت، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح، فعثرت فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أم تسبين ابنك؟. فسكتت، ثم عثرت الثانية فقالت: تعس مسطح فقلت لها أي أم تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة فقالت: تعس مسطح فانتهرتها، فقالت: والله ما أسبه إلا فيك، فقلت: في أي شأني؟ قالت: فبقرت لي الحديث، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله، فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً، ووعكت وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار فوجدت أم رومان في السفل، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت لي أم رومان: ماجاء بك بنية، فأخبرتها وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني، فقالت: يابنية خففي عليك الشأن فإنه والله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدنها، وقيل فيها، فقلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

قالت: نعم ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه رضي الله عنه وقال: أقسمت عليك ـ أي بنية ـ إلا رجعت إلى بيتك، فرجعت، ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي فسأل عني خادمتي فقالت: لا والله ما علمت عليها عيباً إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها، وانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به. فقالت: سبحان الله، والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ عن تبر الذهب الأحمر، وبلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله، والله ما كشفت كنف أنثى قط.

الت عائشة رضي الله عنها: فقتل شهيداً في سبيل اللهو قالت: وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العصر، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد يا عائشة إن كنت قارفت سوءاً أو ظلمت فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده» قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار فهي جالسة بالباب فقلت: ألا تستحيي من هذه المرأة أن تذكر شيئاً؟ فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت إلى أبي فقلت له: أجبه قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه قالت: ماذا أقول؟ فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل والله عز وجل يشهد أني لصادقة ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم، وإن قلت لكم إني قد فعلت، والله يعلم أني لم أفعل، لتقولن قد باءت به على نفسها، وإنني والله ما أجد لي ولكم مثلاً، والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فسكتنا فرفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول «أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك» قالت: وكنت أشد ما كنت غضباً فقال لي أبواي: قومي إليه، فقلت لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه.

وكانت عائشة تقول: أما زينب بنت جحش فقد عصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيراً، وأما أختها حمنة بنت جحش فهلكت فيمن هلك، وكان الذي يتكلم به مسطح وحسان بن ثابت وأما المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول، فهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة، قالت: وحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعة أبداً، فأنزل الله تعالى {ولا يأتل أولو الفضل منكم} يعني أبا بكر {والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين} يعني مسطحاً إلى قوله {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فقال أبو بكر: بلى والله يا ربنا إنا لنحب أن تغفر لنا، وعاد له بما كان يصنع. هكذا رواه البخاري من هذا الوجه معلقاً بصيغة الجزم عن أبي أسامة حماد بن أسامة أحد الأئمة الثقات. وقد رواه ابن جرير في تفسيره عن سفيان بن وكيع عن أبي أسامة به مطولاً مثله أو نحوه. ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة ببعضه. وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، أخبرنا عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل عذري من السماء جاءني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني بذلك، فقلت: نحمد الله لا نحمدك. وقال الإمام أحمد: حدثني ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة أيضاً عن عائشة قالت: لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم، وأخرجه أهل السنن الأربعة وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ووقع عند أبي داود تسميتهم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، فهذه طرق متعددة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في المسانيد والصحاح والسنن وغيرها.

وقد روي من حديث أمها أم رومان رضي الله عنها، فقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا حصين عن أبي وائل عن مسروق عن أم رومان، قالت بينا أنا عند عائشة إذ دخلت علينا امرأة من الأنصار فقالت: فعل الله بابنها وفعل، فقالت عائشة: ولم؟ قالت: إنه كان فيمن حدث الحديث، قالت عائشة: وأي الحديث؟ قالت: كذا وكذا، قالت: وقد بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، قالت: وبلغ أبا بكر؟ قالت: نعم، فخرت عائشة رضي الله عنها مغشياً عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فقمت فدثرتها، قالت: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم قال «فما شأن هذه؟» فقلت: يا رسول الله أخذتها حمى بنافض، قال «فلعله في حديث تحدث به» قالت: فاستوت له عائشة قاعدة، فقالت: والله لئن حلفت لكم لا تصدقوني، ولئن اعتذرت إليكم لا تعذروني، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه حين قال: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عذرها، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فدخلال: يا عائشة «إن الله تعالى قد أنزل عذرك» فقالت: بحمد الله لا بحمدك، فقال لها أبو بكر: تقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. قالت: فكان فيمن حدث هذا الحديث رجل كان يعوله أبو بكر فحلف أن لا يصله، فأنزل الله {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} إلى آخر الآية، فقال أبو بكر: بلى فوصله. تفرد به البخاري دون مسلم من طريق حصين.

وقد رواه البخاري عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة وعن محمد بن سلام عن محمد بن فضيل كلاهما عن حصين به: وفي لفظ أبي عوانة حدثتني أم رومان، وهذا صريح في سماع مسروق منها، وقد أنكر ذلك جماعة من الحفاظ منهم الخطيب البغدادي، وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخطيب: وقد كان مسروق يرسله فيقول: سئلت أم رومان ويسوقه فلعل بعضهم كتب سئلت بألف اعتقد الرواي أنها سألت فظنه متصلاً، قال الخطيب: وقد رواه البخاري كذلك ولم تظهر له علته كذا قال، والله أعلم. فقوله تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك} أي بالكذب والبهت والافتراء {عصبة} أي جماعة منكم {لاتحسبوه شراً لكم} أي يا آل أبي بكر {بل هو خير لكم} أي في الدنيا والآخرة لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة وإظهار شرف لهم باعتناء الله تعالى بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث أنزل الله براءتها في القرآن العظيم {الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} الآية، ولهذا لما دخل عليديه {ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} الآية، ولهذا لما دخل عليها ابن عباس رضي الله عنه وعنها وهي في سياق الموت، قال لها: أبشري فإنك زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحبك ولم يتزوج بكراً غيرك، وأنزل براءتك من السماء. وقال ابن جرير في تفسيره: حدثني محمد بن عثمان الواسطي، حدثنا جعفر بن عون عن المعلي بن عرفان عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: تفاخرت عائشة وزينب رضي الله عنهما فقالت زينب: أنا التي نزل تزويجي من السماء قال، وقالت عائشة: أنا التي نزل عذري في كتاب الله حين حملني صفوان بن المعطل على الراحلة، فقالت لها زينب: يا عائشة ما قلت حين ركبتيها؟ قالت: قلت حسبي الله ونعم الوكيل، قالت: قلت كلمة المؤمنين.

وقوله تعالى: {لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم} أي لكل من تكلم في هذه القضية ورمى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بشيء من الفاحشة نصيب عظيم من العذاب {والذي تولى كبره منهم} قيل ابتدأ به، وقيل الذي كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه {له عذاب عظيم} أي على ذلك، ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبي ابن سلول قبحه الله تعالى ولعنه، وهو الذي تقدم النص عليه في الحديث، وقال ذلك مجاهد وغير واحد، وقيل المراد به حسان بن ثابت، وهو قول غريب، ولولا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على ذلك، لما كان لإيراده كبير فائدة، فإنه من الصحابة الذين لهم فضائل ومناقب ومآثر، وأحسن مآثره أنه كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «هاجهم وجبريل معك» . وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: كنت عند عائشة رضي الله عنها، فدخل حسان بن ثابت، فأمرت فألقي له وسادة، فلما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا؟ يعني يدخل عليك، وفي رواية قيل لها: أتأذنين لهذا يدخل عليك، وقد قال الله {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} قالت: وأي عذاب أشد من العمى، وكان قد ذهبظيم} قالت: وأي عذاب أشد من العمى، وكان قد ذهب بصره، لعل الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم ثم قالت إنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنه أنشدها عندما دخل عليها شعراً يمتدحها به، فقال: حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنَّ برِيبَةٍ ... وتُصبح غَرْثَى من لُحُوم الغَوافِلِ فقالت: أما أنت فلست كذلك، وفي رواية، لكنك لست كذلك، وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن قزعة، حدثنا سلمة بن علقمة، حدثنا داود عن عامر عن عائشة أنها قالت: ما سمعت بشعر أحسن من شعر حسان، ولا تمثلت به إلا رجوت له الجنة قوله لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزاءُ

فإنَّ أبي وَوَالِدهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٌ مِنْكُمْ وِقاءُ أتَشْتُمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍ ... فَشَرُّكُما لخَيْرِكُما الفِداءُ لِسانِي صَارِمٌ لا عَيْبَ فِيهِ ... وبَحْرِي لا تُكَدّرهُ الدّلاءُ فقيل: يا أم المؤمنين أليس هذا لغواً؟ قالت: لا إنما اللغو ما قيل عند النساء، قيل: أليس الله يقول {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} قالت: أليس قد أصابه عذاب عظيم؟ أليس قد ذهب بصره، وكنع بالسيف؟ تعني الضربة التي ضربه إياها صفوان بن المعطل السلمي حين بلغه عنه أنه يتكلم في ذلك، فعلاه بالسيف وكاد أن السعدي: لما ذكر فيما تقدم تعظيم، الرَّمْي بالزنا عموماً، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة، التي وقعت على أشرف النساء، أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذه الآيات، نزلت في قصة الإفك المشهورة، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد. وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته، ومعه زوجته عائشة الصديقة، بنت الصديق. فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها، فلم يفقدوها ثم استقل الجيش راحلاً، وجاءت مكانهم، وعلمت أنهم إذا فقدوها، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم. وكان صفوان بن المعطل السلمي، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه، قد عَرَّس في أخريات القوم، ونام، فرأى عائشة رضي الله عنها، فعرفها، فأناخ راحلته، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه، ثم جاء يقود بها، بعد ما نزل الجيش في الظهيرة. فلما رأى بعض المنافقين، الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك السفر، مجيء، صفوان بها في هذه الحال أشاع ما أشاع، وفشا الحديث، وتلقفته الألسن، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين، وصاروا يتناقلون هذا الكلام، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة، فحزنت حزناً شديداً، فأنزل الله براءتها في هذه الآيات. وَوَعظَ الله المؤمنين، وأعظم ذلك، ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك} أي: الكذب الشنيع، وهو رَمْيُ أم المؤمنين {عصبة منكم} أي: جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق في إيمانه، لكنه اغتر بترويج المنافقين، ومنهم المنافق. {ولا تحسبوه شراً لكم بل خير لكم} لما تضمن ذلك من تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك. وإذا أراد الله أمراً جعل له سبباً، ولذلك جعل الخطاب عاماً مع المؤمنين كلهم. وأخبر أن قدح بعضهم ببعض، كقدح في أنفسهم. ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن، كالبنيان يشد بعضه بعضاً. فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه، وعدم نصحه. {لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم} وهذا وعيد للذين جاؤوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة. {والذي تولى كبره} أي: معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أُبَيِّ ابن سلول، لعنه الله {له عذاب عظيم} ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار. ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً} أي: ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيراً، وهو السلام مما رموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل.

{وقالوا} بسبب ذلك الظن {سبحانك} أي: تنزيهاً لك من كل سوء، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة. {هذا إفك مبين} أي: كذب وبهت، من أعظم الأشياء، وأبينها. فهذا من الظن الواجب، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن، مثل هذا الكلام، أن يبرئه بلسانه، ويكذب القائل لذلك. {لولا جائوا عليه بأربعة شهداء} أي: هلا جاء الرامون على ما رموا به، بأربعة شهداء أي: عدول مرضيين. {فإذ لم يؤتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأنه حرم عليهم التكلم بذلك، من دون أربعة شهود، ولهذا قال: {فأولئك عند الله هم الكاذبون} ، ولم يقل «فأولئك هم الكاذبون» . وهذا كله، من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق. {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة} بحيث شملكم إحسانه فيهما، في أمر دينكم ودنياكم. {لمسكم فيما أفضتم} أي: خضتم {فيه} من شأن الإفك {عذاب عظيم} لاستحقاقكم ذلك بما قلتم. ولكن من فضل الله عليكم ورحمته، أن شرع لكم التوبة، وجعل العقوبة مطهرة للذنوب. {إذ تلقونه بألسنتكم} أي: تتلقفونه، ويلقيه بعضكم إلى بعض وتستوشون حديثه، وهو قول باطل. {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم} والأمران محظوران، التكلم بالباطل، والقول بلا علم. {وتحسبونه هيناً} فلذلك أقدم عليه، من أقدم، من المؤمنين، الذين تابوا منه، وتطهروا بعد ذلك. {وهو عند الله عظيم} وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئاً، ولا يخفف من عقوبته، الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته، مرة أخرى.

{لولا إذ سمعتموه} أي: وهلا إذ سمعتم ــــ أيها المؤمنون ــــ كلام أهل الإفك. {قلتم} منكرين لذلك، معظمين لأمره: {ما يكون لنا أن نتكلم بهذا} أي: ما ينبغي لنا، وما يليق بنا الكلام، بهذا الإفك المبين، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح {هذا بهتان} أي: كذب عظيم. {يعظكم الله أن تعودوا لمثله} أي: لنظيره، من رَمْيِ المؤمنين بالفجور، فالله يعظكم، وينصحكم عن ذلك، ونعم المواعظ والنصائح، من ربنا فيجب علينا مقابلتها، بالقبول والإذعان، والتسليم والشكر له، على ما بيَّن لنا {إن الله نعما يعظكم به} . {إن كنتم مؤمنين} دل ذلك على أن الإيمان الصادق، يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات. {ويبين الله لكم الآيات} المشتملة، على بيان الأحكام، والوعظ، والزجر، والترغيب، والترهيب، يوضحها لكم توضيحاً جلياً. {والله عليم} أي: كامل العلم {حكيم} عام الحكمة. فمن علمه وحكمته، أن علمكم من علمه، وإن كان ذلك، راجعاً لمصالحكم في كل وقت. {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} أي: الأمور الشنيعة المستقبحة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة {في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟ وسواء كانت الفاحشة، صادرة، أو غير صادرة. وكل هذا، من رحمة الله لعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له، ما يكره لنفسه. {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} فلذلك علمكم، وبيَّن لكم ما تجهلونه.

{ولولا فضل الله عليكم} قد أحاط بكم من كل جانب {ورحمته وأن الله رؤوف رحيم} لَمَا بيَّن لكم هذه الأحكام والمواعظ، والحكم الجليلة، ولما أمهل من خالف أمره، ولكن فضله ورحمته، وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي، ما لن تحصوه، أو تعدوه. ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه، نهى عن الذنوب عموماً فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} أي: طرقه ووساوسه. وخطوات الشيطان، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان والبدن. ومن حكمته تعالى، أن بيَّن الحكم، وهو: النَّهْيُ عن اتباع خطوات الشيطان. والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه، من الشر المقتضى، والداعي لتركه فقال: {ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه} أي: الشيطان {يأمر بالفحشاء} أي: ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه. {والمنكر} وهو: ما تنكره العقول ولا تعرفه. فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان، لا تخرج عن ذلك. فنهى الله عنها العباد، نعمة منه عليهم، أن يشكروه ويذكروه، لأن ذلك، صيانة لهم عن التدنس بالرذائل، والقبائح. فمن إحسانه عليهم، أن نهاهم عنها، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها. {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً} أي: ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يسعى، هو وجنده، في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء، أمارة به، والنقص مُسْتَوْل على العبد، من جميع جهاته، والإيمان غير قوي. فلو خُلِّي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب، والسيئات، والنماء بفعل الحسنات، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء. ولكن فضله ورحمته أوجبا، أن يتزكى منكم، من تزكى. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» ولهذا قال:

{ولكن الله يزكي من يشاء} من يعلم منه أن يتزكى بالتزكية، ولهذا قال: {والله سميع عليم} . {ولا يأتل} أي: لا يحلف {أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا} . كان من جملة الخائضين في الإفك «مِسْطح بن أثاثة» وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. وكان مسطح فقيراً من المهاجرين في سبيل الله. فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، لقوله الذي قال. فنزلت هذه الآية، ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه، ويحثه على العفو والصفح، ويعده بمغفرة الله، إن غفره له فقال: {ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} إذا عاملتم عبيده، بالعفو والصفح، عاملكم بذلك، فقال أبو بكر ــــ لما سمع هذه الآية ــــ: بلى، واللهوفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب، وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان، والحث على العفو والصفح، ولو جرى منه ما جرى من أهل الجرائم. ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال: {إن الذين يرمون المحصنات} أي: العفائف عن الفجور {الغافلات} اللاتي لم يخطر ذلك بقلوبهن {المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة} واللعنة، لا تكون إلا على ذنب كبير. وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين. {ولهم عذاب عظيم} وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته. وذلك العذاب يوم القيامة {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار. ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم. {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق} أي: جزاءهم على أعمالهم، الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، يجدون جزاءها موفراً، لم يفقدوا منها شيئاً.

{ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً} ، ويعلمون في ذلك الموقف العظيم، أن الله هو الحق المبين فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى. فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعيده حق، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق، فلا ثَمَّ حق، إلا في الله، وما من الله. {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات} أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات، والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له. فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته، أن الأنبياء خصوصاً أولي العزم منهم، خصوصاً سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق، على الإطلاق، لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء. فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين. فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة، من هذا الأمر القبيح. فكيف وهي ما هي؟ صِدِّيقةُ النساء، وأفضلهن، وأعلمهن، وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه، وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها؟!! ثم صرح بذلك، بحيث لا يبقى لمبطل مقالاً، ولا لشك وشبهة مجالاً فقال: {أولئك مبرؤون مما يقولون} والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلاً، وللمؤمنات المحصنات الغافلات، تبعاً لها. {لهم مغفرة} تستغرق الذنوب {ورزق كريم} في الجنة صادر من الرب الكريم.

عصبية في القران1

عصبية في القرآن (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم عصبية في القرآن (1) قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا} وهي البيوت أو المدينة؛ أي من نواحيها وجوانبها، الواحد قُطْر، وهو الجانب والناحية. وكذلك القُتْر لغة في القطر. {ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا} أي لجاؤوها؛ هذا على قراءة نافع وابن كثير بالقصر. وقرأ الباقون بالمدّ؛ أي لأعطوها من أنفسهم، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. وقد جاء في الحديث: أن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يعذَّبون في الله ويُسألون الشرك، فكلٌّ أعطى ما سألوه إلا بلالاً. وفيه دليل على قراءة المدّ، من الإعطاء. ويدل على قراءة القصر قوله: {وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ} ؛ فهذا يدل على «لأَتَوْهَا» مقصوراً. وفي «الفتنة» هنا وجهان: أحدهما سُئلوا القتال في العصبية لأسرعوا إليه؛ قاله الضحاك. الثاني: ثم سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين؛ قاله الحسن. {وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ} أي بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلاً حتى يهلكوا؛ قاله السّدِّي والقُتَيبِيّ والحسن والفراء. وقال أكثر المفسرين: أي وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلاً ولأجابوا بالشرك مسرعين؛ وذلك لضعف نياتهم ولفرط نفاقهم؛ فلو اختلطت بهم الأحزاب لأظهروا الكفر. ابن كثير:

يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله، من اليهود والنصارى حيث فرقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة، وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك، بل بمجرد الهوى والعصبية، فاليهود ـ عليهم لعائن الله ـ آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم، والسامرة لا يؤمنون بنبيٍّ بعد يوشع خليفة موسى بن عمران، والمجوس يقال إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت، ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم، والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي، تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيماناً شرعياً، إنما هو عن غرض وهوى وعصبية، ولهذا قال تعالى: {إن الذين يكفرون} با لله ورسله فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله أي في الإيمان، {ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً} أي طريقاً ومسلكاً، ثم أخبر تعالى عنهم فقال: {أولئك هم الكافرون حقاً} أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به، لأنه ليس شرعياً إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله، لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهاناً منه، أو نظروا حق النظر في نبوته.

وقوله: {وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً} أي كما استهانوا بمن كفروا به، إما لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه، وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته، كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه، فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي {وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله} في الدنيا والآخرة. وقوله: {والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم} يعني بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي بعثه الله، كما قال تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن با لله} الآية، ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل، فقال: {أولئك سوف يؤتيهم أجورهم} على ما آمنوا بالله ورسله {وكان الله غفوراً رحيماً} أي لذنوبهم، أي إن كان لبعضهم ذنوب. إنه é_ القرطبي: وله تعالى: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ} أي بأن يُظهروا لك السلم، ويُبطنوا الغدر والخيانة، فاجنح فما عليك من نياتهم الفاسدة. {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} كافيك الله؛ أي يتولّى كفايتك وحياطتك. قال الشاعر: إذا كانت الهيجاءُ وانشقّتِ العصا ... فحسبُكَ والضّحاكَ سيفٌ مُهَنَّدُ أي كافيك وكافي الضحاك سيفٌ.

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} أي قوّاك بنصره. يريد يوم بدر. {وَبِالْمُؤْمِنِينَ} قال النعمان بن بشير: نزلت في الأنصار. {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} أي جمع بين قلوب الأَوْس والخَزْرج. وكان تألّف القلوب مع العَصبية الشديدة في العرب من آيات النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعجزاته؛ لأن أحدهم كان يُلطَم اللطمة فيقاتل عنها حتى يستقيدها. وكانوا أشدّ خلق الله حَمِيّة، فألّف الله بالإيمان بينهم، حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدِّين. وقيل: أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار. والمعنى متقارب. حدثني أحمد بن حماد الدولابي، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، قال: من قتل في عصبية في رمي يكون منهم بحجارة أو جلد بالسياط أو ضرب بالعصيّ فهو خطأ ديته دية الخطأ، ومن قتل عمدا فهو قود يديه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير ومغيرة، عن الحارث وأصحابه في الرجل يضرب الرجل فيكون مريضا حتى يموت، قال: أسأل الشهود أنه ضربه، فلم يزل مريضا من ضربته حتى مات، فإن كان بسلاح فهو قود، وإن كان بغير ذلك فهو شبه العمد. وقال آخرون: كل ما عمد الضارب إتلاف نفس المضروب فهو عمد، إذا كان الذي ضرب به الأغلب منه أنه يقتل. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة عن عبيد بن عمير، أنه قال: وأيّ عمد هو أعمد من أن يضرب رجلاً بعصا ثم لا يقلع عنه حتى يموت. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن إبراهيم، قال: إذا خنقه بحبل حتى يموت أو ضربه بخشبة حتى يموت فهو القود. وعلة من قال كلّ ما عدا الحديد خطأ، ما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن أبي عازب، عن النعمان بن بشير، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إلاَّ السَّيْفَ، وَلِكُلّ خَطَأٍ أرْشٌ» .

وعلة من قال: حكم كلّ ما قتل المضروب به من شيء حكم السيف من أن من قتل به قتيل عمد، ما: حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا أبو الوليد، قا: ثنا همام، عن قتادة، عن أنس بن مالك: أن يهوديًّا قتل جارية على أوضاح لها بين حجرين، فأتى به النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقتله بين حجرين. قالوا: فأقاد النبيّ صلى الله عليه وسلم من قاتل بحجر وذلك غير حديد. قالوا: وكذلك حكم كلّ من قتل رجلاً بشيء الأغلب منه أنه يقتل مثل المقتول به، نظير حكم اليهودي القاتل الجارية بين الحجرين. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: كل من ضرب إنسانا بشيء الأغلب منه أنه يتلفه، فلم يقلع عنه حتى أتلف نفسه به أنه قاتل عمد ما كان المضروب به من شيء؛ للذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدا فِيها} فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: معناه: فجزاؤه جهنم إن جازاه. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: هو جزاؤه، وإن شاء تجاوز عنه. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن يسار، عن أبي صالح: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: جزاؤه جهنم إن جازاه. وقال آخرون: عُني بذلك رجل بعينه كان أسلم، فارتدّ عن إسلامه وقتل رجلاً مؤمنا؛ قالوا: فمعنى الآية: ومن يقتل مؤمنا متعمدا مستحلاًّ قتله، فجزاؤه جهنم خالدا فيها. ذكر من قال ذلك:

حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: أن رجلاً من الأنصار قتل أخا مقيس بن ضبابة، فأعطاه النبيّ صلى الله عليه وسلم الدية قبلها، ثم وثب على قاتل أخيه فقتله. قال ابن جريج وقال غيره: ضرب النبيّ صلى الله عليه وسلم ديته على بني النجار، ثم بعث مِقْيَسا وبعث معه رجلاً من بني فهر في حاجة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فاحتمل مقيس الفهري وكان أيّدا، فضرب به الأرض، ورضخ رأسه بين حجرين، ثم أُلفي يتغنى: قَتَلْتُ بِهِ فِهْرا وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ ... سَرَاةَ بني النَّجَّار أرْبابِ فارعِ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أظُنُّهُ قَدْ أحْدَثَ حَدَثا، أمَا وَاللهِ لَئِنْ كانَ فَعَلَ لا أُؤَمِّنُهُ فِي حِلٍّ وَلا حَرَمٍ، وَلا سِلْمٍ وَلا حَرْبٍ» فقتل يوم الفتح؛ قال ابن جريج: وفيه نزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} ... الآية. وقال آخرون: معنى ذلك: إلا من تاب. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: ثني سعيد بن جبير، أو حدثني الحكم، عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عباس عن قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، ولا توبة له. فذكرت ذلك لمجاهد، فقال: إلا من ندم. وقال آخرون: ذلك إيجاب من الله الوعيد لقاتل المؤمن متعمدا كائنا من كان القاتل، على ما وصفه في كتابه، ولم يجعل له توبة من فعله. قالوا: فكلّ قاتل مؤمن عمدا فله ما أوعده الله من العذاب والخلود في النار، ولا توبة له. وقالوا: نزلت هذه الآية بعد التي في سورة الفرقان. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد وابن وكيع، قالا: ثنا جرير، عن يحيى الجاري، عن سالم بن أبي الجعد، قال: كنا عند ابن عباس بعد ما كفّ بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا؟ فقال: جزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه، وأعدّ له عذابا عظيما. قال: أفرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه، وأني له التوبة والهدى، فوالذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: «ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ! رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلاً مُتَعَمِّدا، جاءَ يَوْمَ القِيامَة آخِذا بِيَمِينِه أوْ بِشِمالِهِ، تَشْخُبُ أوْدَاجُهُ دَما، فِي قُبُلِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، يَلْزَمُ قاتِلَهُ بِيَدِهِ الأُخْرَى يقولُ: سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي» . والذي نفسي عبد الله بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قُبِض نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما نزل بعدهما من برهان. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد، عن عمرو بن قيس، عن يحيى بن الحارث التيمي، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدا فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وأعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما} فقيل له: وإن تاب وآمن وعمل صالحا؟ فقال: وأنَّى له التوبة!.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا موسى بن داود، قال: ثنا همام عن يحيى، عن رجل، عن سالم، قال كنت جالسا مع ابن عباس، فسأله رجل فقال: أرأيت رجلاً قتل مؤمنا متعمدا أين منزله؟ قال: جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه، وأعدّ له عذابا عظيما. قال: أفرأيت إن هو تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى؟ قال: وأنَّى له الهدى ثكلته أمه! والذي نفسي بيده لسمعته يقول ـ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَةِ مُعَلَّقا رأسُهُ باحْدَى يَدَيْهِ، إمَّا بِيَمِينِهِ أوْ بِشِمَالِهِ، آخِذا صَاحِبَهُ بِيَدِهِ الأُخْرَى تَشْخُبُ أوْدَاجُهُ حِيالَ عَرْضِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يا رَبّ سَلْ عَبْدَكَ هَذَا عَلامَ قَتَلَنِي؟» فما جاء نبيّ بعد نبيكم، ولا نزل كتاب بعد كتابكم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا قبيصة، قال: ثنا عمان بن زريق، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس بنحوه، إلا أنه قال في حديثه: فوالله لقد أنزلت على نبيكم ثم ما نسخها شيء، ولقد سمعته يقول: {وَيْلٌ لِقاتِلِ المُؤْمِنِ، يَجِيءُ يَوْمَ القِيامَة آخِذا رأسَهُ بِيَدِهِ ثم ذكر الحديث نحوه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أي عديّ، عن سعيد، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: قال لي عبد الرحمن بن أبزي: سئل ابن عباس عن قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} فقال: لم ينسخها شيء. وقال في هذه الآية: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلها آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بالحَقّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثاما} قال: نزلت في أهل الشرك. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن سعيد بن جبير قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزي أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين، فذكر نحوه.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، قال: حدثني سعيد بن جبير، أو حُدثت عن سعيد بن جبير، أن عبد الرحمن بن أبزي أمره أن يسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين التي في النساء: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} .... إلى آخر الآية، والتي في الفرقان: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثاما} ... إلى: {وَيخْلُدْ فِيهِ مُهانا} قال ابن عباس: إذا دخل الرجل في الإسلام وعلم شرائعه وأمره ثم قتل مؤمنا متعمدا فلا توبة له. وأما التي في الفرقان، فإنها لما أنزلت قال المشركون من أهل مكة: فقد عدلنا بالله وقتلنا النفس التي حرّم الله بغير الحقّ وأتينا الفواحش، فما ينفعنا الإسلام؟ قال: فنزلت {إلاَّ مَنْ تابَ} ... الآية. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: ما نسخها شيء. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: هي من آخر ما نزلت ما نسخها شيء. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت إلى ابن عباس فسألته، فقال: لقد نزلت في آخر ما نزل من القرآن وما نسخها شيء. حدثني المثنى، قال: ثنا آدم العسقلاني، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو إياس معاوية بن قرّة، قال: أخبرني شهر بن حوشب، قال: سمعت ابن عباس يقول: نزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} بعد قوله: {إلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالِحا} بسنة.

حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سلم بن قتيبة، قال: ثنا شعبة، عن معاوية بن قرّة، عن ابن عباس، قال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: نزلت بعد: {إلاَّ مَنْ تَابَ} بسنة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا أبو إياس، قال: ثني من سمع ابن عباس يقول: في قاتل المؤمن نزلت بعد ذلك بسنة، فقلت لأبي إياس: من أخبرك؟ فقال: شهر بن حوشب. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن أبي حصين، عن سعيد، عن ابن عباس في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} قال: ليس لقاتل توبة إلا أن يستغفر الله. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} ... الآية، قال عطية: وسئل عنها ابن عباس، فزعم أنها نزلت بعد الآية التي في سورة الفرقان بثمان سنين، وهو قوله: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلها آخَرَ} ... إلى قوله: {غَفُورا رَحِيما} . حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن مطرف، عن أبي السفر، عن ناجية، عن ابن عباس، قال: هما المبهمتان: الشرك، والقتل. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله وقتل النفس التي حرّم الله؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدا فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وأعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما} . حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن بعض أشياخه الكوفيين، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود في قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: إنها لمحكمة، وما تزداد إلا شدة.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثني هياج بن بسطام، عن محمد بن عمرو، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت، قال: نزلت سورة النساء بعد سورة الفرقان بستة أشهر. حدثنا ابن البرقي قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا نافع بن يزيد، قال: ثني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: يأتي المقتول يوم القيامة آخذا رأسه بيمينه وأوداجه تشخب دما، يقول: يا ربّ دمي عند فلان! فيؤخذان فيسندان إلى العرش، فما أدري ما يقضي بينهما. ثم نزع بهذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدا فِيها} ... الآية. قال ابن عباس: والذي نفسي بيده ما نسخها الله جلّ وعزّ منذ أنزلها على نبيكم عليه الصلاة والسلام. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن ابن عيينة، عن أبي الزناد، قال: سمعت رجلاً يحدّث خارجة بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت، قال: سمعت أباك يقول: نزلت الشديدة بعد الهينة بسنة أشهر، قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} ... إلى آخر الآية، بعد قوله: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلها آخَرَ} ... إلى آخر الآية. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن أبي الزناد، قال: سمعت رجلاً يحدّث خارجة بن زيد، قال: سمعت أباك في هذا المكان بمني يقول: نزلت الشديدة بعد الهينة، قال: أراه بستة أشهر، يعني: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا} بعد: {إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ} . حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك بن مزاحم، قال: ما نسخها شيء منذ نزلت، وليس له توبة.

قال أبو جعفر: وأولى القول في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه إنْ جزاه جهنم خالدا فيها، ولكنه يعفو أو يتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله، فلا يجازيهم بالخلود فيها، ولكنه عزّ ذكره إما أن يعفو بفضله فلا يدخله النار، وإما أن يدخله إياها ثم يخرجه منها بفضل رحمته لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله: {يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعا} . فإن ظنّ ظانّ أن القاتل إن وجب أن يكون داخلاً في هذه الآية، فقد يجب أن يكون المشرك داخلاً فيه، لأن الشرك من الذنوب، فإن الله عزّ ذكره قد أخبر أنه غير غافر الشرك لأحد بقوله: {إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} والقتل دون الشرك. ابن كثير: يقول تبارك وتعالى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون {إنما أعظكم بواحدة} أي إنما آمركم بواحدة وهي {أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة} أي تقوموا قياماً خالصاً لله عز وجل من غير هوى ولا عصبية، فيسأل بعضكم بعضاً هل بمحمد من جنون. فينصح بعضكم بعضاً {ثم تتفكروا} أي ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه، ويتفكر في ذلك، ولهذا قال تعالى: {أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة} هذا معنى ما ذكره مجاهد ومحمد بن كعب والسدي وقتاده وغيرهم، وهذا هو المراد من الآية.

فأما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أعطيت ثلاثاً لم يعطهن أحد قبلي ولا فخر: أحلت لي الغنائم ولم تحل لمن قبلي، كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أتيمم بالصعيد وأصلي فيها حيث أدركتني الصلاة، قال الله تعالى: {أن تقوموا لله مثنى وفراد} وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي» فهو حديث ضعيف الإسناد، وتفسير الآية بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى بعيد، ولعله مقحم في الحديث من بعض الرواة، فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها، والله أعلم. وقوله تعالى: {إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} قال البخاري عندها: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن خازم حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال: «يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ فقال: «أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني» قالوا: بلى، قال صلى الله عليه وسلم: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا جمعتنا. فأنزل الله عز وجل: {تبت يدا أبي لهب وتب} وقد تقدم عند قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} .

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم. حدثنا بشير بن المهاجر، حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فنادى ثلاث مرات، فقال: «أيها الناس أتدرون ما مثلي ومثلكم؟» قالوا: الله تعالى ورسوله أعلم قال صلى الله عليه وسلم: «إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدواً يأتيهم، فبعثوا رجلاً يتراءى لهم فبينما هو كذلك أبصر العدو، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه، أيها الناس أوتيتم أيها الناس أوتيتم» ثلاث مرات، وبهذا الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة جميعاً إن كادت لتسبقني» تفرد به الإمام أحمد في مسنده. الطبري: أويل ذلك: واذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم التي أنعم بها عليكم حين كنتم أعداء: أي بشرككم، يقتل بعضكم بعضا، عصبية في غير طاعة الله ولا طاعة رسوله، فألف الله بالإسلام بين قلوبكم، فجعل بعضكم لبعض إخوانا بعد إذ كنتم أعداء تتواصلون بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وَاذْكرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلوبِكُمْ} كنتم تذابحون فيها، يأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام، فآخى به بينكم، وألف به بينكم. أما والله الذي لا إله إلا هو، إن الألفة لرحمة، وإن الفرقة لعذاب! حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: {وَاذْكرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً} يقتل بعضكم بعضا، ويأكل شديدكم ضعيفكم، حتى جاء الله بالإسلام، فألّف به بينكم، وجمع جمعكم عليه، وجعلكم عليه إخوانا.

فالنعمة التي أنعم الله على الأنصار التي أمرهم تعالى ذكره في هذه الآية أن يذكروها هي ألفة الإسلام واجتماع كلمتهم عليها، والعداوة التي كانت بينهم، التي قال الله عزّ وجلّ: {إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً} فإنها عداوة الحروب التي كانت بين الحيين من الأوس والخزرج في الجاهلية قبل الإسلام، يزعم العلماء بأيام العرب، أنها تطاولت بينهم عشرين ومائة سنة. كما: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة، حتى قام الإسلام وهم على ذلك، فكانت حربهم بينهم وهم أخوان لأب وأم، فلم يسمع بقوم كان بينهم من العدواة والحرب ما كان بينهم. ثم إن الله عزّ وجلّ أطفأ ذلك بالإسلام، وألف بينهم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فذكَّرهم جلّ ثناؤه إذ وعظهم عظيم ما كانوا فيه في جاهليتهم من البلاء والشقاء بمعاداة بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا، وخوّف بعضهم من بعض، وما صاروا إليه بالإسلام واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به، وبما جاء به من الائتلاف والاجتماع، وأمن بعضهم من بعض، ومصير بعضهم لبعض إخوانا. وكان سببُ ذلك ما:

حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، قال: ثنا عاصم بن عمر بن قتادة المدني، عن أشياخ من قومه، قالوا: قدم سويد بن صامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا. قال: وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم الكامل لجلده وشعره ونسبه وشرفه. قال: فتصدّى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به، فدعاه إلى الله عزّ وجلّ وإلى الإسلام، قال: فقال له سويد: فلعلّ الذي معك مثل الذي معي! قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَما الَّذِي مَعَكَ؟» قال مجلة لقمان ـ يعني حكمة لقمان ـ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعْرِضْها عَليَّ!» فعرضها عليه، فقال: «إنَّ هَذَا الكَلامَ حَسَنٌ، مَعِي أفْضَلُ مِنْ هَذَا، قُرآنٌ أنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَّي هُدًى وَنُورٌ» . قال: فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إن هذا القول حسن ثم انصرف عنه، وقدم المدينة، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، فإن كان قومه ليقولون: قد قتل وهو مسلم، وكان قتله قبل يوم بُعاث.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني الحسين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل: أن محمود بن أسد أحد بني عبد الأشهل، قال: لما قدم أبو الجيش أنس بن رافع مكة، ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فجلس إليهم، فقال: «هَلْ لَكُمْ إلى خَيْرٍ ممَّا جِئْتُمْ لَهُ؟» قالُوا: وَما ذَاكَ؟ قال: «أنا رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي إلى العِبادِ أدْعُوهُمْ إلى اللَّهِ أنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا، وأَنْزَلَ عَلَّي الكِتابَ» . ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ، وكان غلاما حدثا: أي قوم، هذا والله خير مما جئتم له! قال: فأخذ أبو الجيش أنس بن رافع حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا! قال: فصمت إياس بن معاذ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج. قال: ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك قال: فلما أراد الله إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار يعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم. فبينا هو عند العقبة، إذ لقي رهطا من الخزرج أراد الله لهم خيرا. قال ابن حميد: قال سلمة: قال محمد بن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه، قالوا: لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «مَنْ أنْتُمْ؟» قالوا: نفر من الخزرج، قال: «أمِنْ مَوَالىَ يَهُودَ؟» قالوا: نعم، قال: «أفَلا تَجْلِسُونَ حتى أُكَلِّمَكُمْ؟» قالوا: بلى. قال: فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.

قال: وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام أن يهود كانوا معهم ببلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا أهل شرك، أصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء، قالوا لهم: إن نبيا الآن مبعوث قد أظلّ زمانه، نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر، ودعاهم إلى الله عزّ وجلّ، قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلموا والله إنه للنبيّ الذي توعدكم به يهود، ولا يسبقُنكم إليه! فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: إنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك، وسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه، فلا رجل أعزّ منك! ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، راجعين إلى بلادهم، قد آمنوا وصدّقوا، وهم فيما ذكر لي ستة نفر. قال: فلما قدموا المدينة على قومهم، ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوهم إلى الإسلام، حتى فشا فيهم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوه بالعقبة، وهي العقبة الأولى، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب.

حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن عكرمة: أنه لقي النبيّ صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الأنصار، فآمنوا به وصدّقوه، فأراد أن يذهب معهم، فقالوا: يا رسول الله، إن بين قومنا حربا، وإنا نخاف إن جئت على حالك هذه أن لا يتهيأ الذي تريد. فوعدوه العام المقبل، وقالوا: يا رسول الله نذهب، فلعلّ الله أن يصلح تلك الحرب! قال: فذهبوا ففعلوا، فأصلح الله عزّ وجلّ تلك الحرب، وكانوا يرون أنها لا تصلح؛ وهو يوم بُعاث فلقوه من العام المقبل سبعين رجلاً قد آمنوا، فأخذ عليهم النقباء اثني عشر نقيبا، فذلك حين يقول: {وَاذْكرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلوبِكُم} . حدثني محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أما: {إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً} ففي حرب {فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} بالإسلام. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، بنحوه، وزاد فيه: فلما كان من أمر عائشة ما كان، فتثاور الحيان، فقال بعضهم لبعض: موعدكم الحرة! فخرجوا إليها، فنزلت هذه الآية: {وَاذْكرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلوبِكُم فأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانا} ... الآية، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يتلوها عليهم حتى اعتنق بعضهم بعضا، وحتى إن لهم لحنينا، يعني البكاء. وسمير الذي زعم السديّ أن قوله {إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً} عنى به حربه، هو سمير بن زيد بن مالك أحد بني عمرو بن عوف الذي ذكره مالك بن العجلان في قوله: إنَّ سُمَيرا أرَى عَشِيرَتَهُ ... قَدْ حَدِبُوا دُونَهُ وَقَدْ أبقوا إنْ يَكُنِ الظَّنُّ صَادِقي ببني النَّـ ... ـجَّارِ لم يَطْعَمُوا الذي عُلِفُوا

وقد ذكر علماء الأنصار أن مبدأ العداوة التي هيجت الحروب التي كانت بين قبيلتيها الأوس والخزرج وأولها كان بسبب قتل مولى لمالك بن العجلان الخزرجي، يقال له: الحر بن سمير، من مزينة، وكان حليفا لمالك بن العجلان، ثم اتصلت تلك العداوة بينهم إلى أن أطفأها الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك معنى قول السديّ: حرب ابن سمير. وأما قوله: {فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانا} فإنه يعني: فأصبحتم بتأليف الله عزّ وجلّ بينكم بالإسلام وكلمة الحقّ والتعاون على نصرة أهل الإيمان، والتآزر على من خالفكم من أهل الكفر، إخوانا متصادقين لا ضغائن بينكم، ولا تحاسد. كما: حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {فأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانا} ، وذكر لنا أن رجلاً قال لابن مسعود: كيف أصبحتم؟ قال: أصبحنا بنعمة الله إخوانا. القول في تأويل قوله تعالى: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} . يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} وكنتم يا معشر المؤمنين من الأوس والخزرج على حرف حفرة من النار، وإنما ذلك مثل لكفرهم الذي كانوا عليه قبل أن يهديهم الله للإسلام، يقول تعالى ذكره: وكنتم على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه، قبل أن ينعم الله عليكم بالإسلام، فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانا، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم، فتكونوا من الخالدين فيها، فانقذكم الله منها بالإيمان الذي هداكم له. وشفا الحفرة: طرفها وحرفها، مثل شفا الركية والبئر، ومنه قول الراجز: نحْنُ حَفَرْنا للحَجيج سَجْلَهْ ... نابِتَةً فوقَ شَفَاهَا بَقْلَهْ

يعني فوق حرفها، يقال: هذا شفا هذه الركية مقصور، وهما شفواها. وقال: {فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} يعني فأنقذكم من الحفرة، فردّ الخبر إلى الحفرة، وقد ابتدأ الخبر عن الشفا، لأن الشفا من الحفرة، فجاز ذلك، إذ كان الخبر عن الشفا على السبيل التي ذكرها في هذه الآية خبرا عن الحفرة، كما قال جرير بن عطية: رأتْ مَرَّ السِّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي ... كما أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهِلالِ فذكر مرّ السنين، ثم رجع إلى الخبر عن السنين. وكما قال العجاج: طُولُ اللّيالي أسْرَعَتْ فِي نَقْضِي ... طَوَيْنَ طُولي وَطَوَيْنَ عَرْضِي وقد بينت العلة التي من أجلها قيل ذلك كذلك فيما مضى قبل. وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ} كان هذا الحيّ من العرب أذلّ الناس ذلاً، وأشقاه عيشا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودا، وأجوعه بطونا، مكعومين على رأس حجر بين الأسدين: فارس، والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيا ومن مات رُدّي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلاً يومئذٍ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظا، وأدقّ فيها شأنا منهم، حتى جاء الله عزّ وجلّ بالإسلام، فورّثكم به الكتاب، وأحلّ لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعم يحبّ الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قوله: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} يقول: كنتم على الكفر بالله، {فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} من ذلك، وهداكم إلى الإسلام.

حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} بمحمد صلى الله عليه وسلم يقول: كنتم على طرف النار من مات منكم أُوبق في النار، فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم، فاستنقذكم به من تلك الحفرة. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا حسن بن يحيّ: {وكُنْتُمْ على شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنْها} قال: عصبية. القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} . يعني جلّ ثناؤه بقوله: كذلك كما بين لكم ربكم في هذه الآيات أيها المؤمنون من الأوس والخزرج، من علماء اليهود، الذي يضمرونه لكم، وغشهم لكم، وأمره إياكم بما أمركم به فيها، ونهيه لكم عما نهاكم عنه، والحال التي كنتم عليها في جاهليتكم، والتي صرتم إليها في إسلامكم، يعرّفكم في كل ذلك مواقع نعمه قبلكم، وصنائعه لديكم، فكذلك يبين سائر حججه لكم في تنزيله، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. {لَعَلَّكم تهتدون} يعني: لتهتدوا إلى سبيل الرشاد، وتسلكوها فلا تضلوا عنها. القرطبي:

«صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل» . قال أبو عمر: وهذا كله نصٌّ في موضع الخلاف قاطع له عند من أُلْهِمَ رشدَه، ولم تَمل به عصبيّته. وذكر ابن حبيب عن مُطَرِّف وعن أَصْبَغ عن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على ما في هذا الباب. وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يُبْرَز لهما في كل بلد إلا مكة فإنها تُصلَّى في المسجد الحرام. وكان عمر وعلي وابن مسعود وأبو الدَّرْدَاء وجابر يفضّلون مكة ومسجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم؛ وإلى هذا ذهب الشافعي، وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين، وروي مثله عن مالك؛ ذكر ابن وهب في جامعه عن مالك أن آدم عليه السلام لما أُهبط إلى الأرض قال: يا ربّ هذه أحب إليك أن تُعبدَ فيها؟ قال: بل مكة. والمشهور عنه وعن أهل المدينة تفضيل المدينة، واختلف أهل البصرة والبغداديون في ذلك؛ فطائفة تقول مكة، وطائفة تقول المدينة. قوله تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} الأفئدة جمع فؤاد وهي القلوب، وقد يُعبَّر عن القلب بالفؤاد كما قال الشاعر: وإن فؤاداً قادني بصَبَابَةٍ ... إليكِ على طولِ المَدَى لَصَبُورُ

وقيل: جمع وَفْد، والأصل أوفدة، فقدّمت الفاء وقلبت الواو ياء كما هي، فكأنه قال: واجعل وفوداً من الناس تَهْوي إليهم؛ أي تَنزع؛ يقال: هوِي نحوه إذا مال، وهوت الناقة تَهوِي هُوِياً فهي هاوية إذا عَدَت عَدْواً شديداً كأنها في هواء بئر، وقوله: {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} مأخوذ منه. قال ابن عباس ومجاهد: لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم والترك والهند واليهود والنصارى والمجوس، ولكن قال: «مِنَ النَّاسِ» فهم المسلمون؛ فقوله: «تَهْوي إِلَيْهِمْ» أي تحنّ إليهم، وتحنّ إلى زيارة البيت. وقرأ مجاهد «تَهْوَى إِليهِم» أي تهواهم وتجلّهم. {وَارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} فاستجاب الله دعاءه، وأنبت لهم بالطائف سائر الأشجار، وبما يجلب إليهم من الأمصار.

وفي صحيح البخاريّ عن ابن عباس الحديث الطويل وقد ذكرنا بعضه: «فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسمعيل يطالع تَرِكَته فلم يجد إسمعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألهم عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة؛ فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيّر عَتَبة بابه، فلما جاء إسمعيل كأنه آنس شيئاً فقال: هل جاءكم من أحد! قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألني عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشتنا فأخبرته أنّا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاكِ بشيء: قالت: أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيّر عَتَبة بابك؛ قال: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الْحَقِي بأهلك؛ فطلقها وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده، ودخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على الله. قال: ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال فما شرابكم؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ولم يكن لهم يومئذ حبّ ولو كان لهم دعا لهم فيه» . قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه؛ وذكر الحديث.

وقال ابن عباس: قول إبراهيم: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} سأل أن يجعل الله الناس يهوون السُّكْنى بمكة، فيصير بيتاً محرّماً، وكل ذلك كان والحمد لله. وأول من سكنه جُرْهُم. ففي البخاريّ ـ بعد قوله: وإن الله لا يُضيِّع أهْلَه ـ وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السّيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله، وكذلك حتى مرّت بهم رُفقة من جُرْهُم قافلين من طريق كُدَا، فنزلوا بأسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً فقالوا: إن هذا الطائر ليَدُور على ماء! لَعهدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء؛ فأرسلوا جَرِيًّا أو جَرِيَّين فإذا هُم بالماء، فأخبروهم بالماء فأقبلوا. قال: وأمّ إسمعيل عند الماء؛ فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولكن لا حقّ لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: « (فألفى) ذلك أمّ إسمعيل وهي تحب الأنس» فنزلوا وأرسلوا إلى أهلهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، شَبَّ الغلامُ، وماتت أم إسمعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوّج إسمعيل يطالع تَرِكَته؛ الحديث. القرطبي:

ع. قال الزهريّ: حَمِيَّتُهم أنفتهم من الإقرار للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم، ومنعهم من دخول مكة. وكان الذي امتنع من كتابة بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله: سهيل بن عمرو؛ على ما تقدّم. وقال ابن بحر: حمِيّتهم عصبيّتهم لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى، والأنفة من أن يعبدوا غيرها. وقيل: «حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ» إنهم قالوا: قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا؛ واللات والعُزَّى لا يدخلها أبداً. {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ} أي الطمأنينة والوقار {عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} . وقيل: ثبتهم على الرضا والتسليم، ولم يدخل قلوبهم ما أدخل قلوب أولئك من الحمية {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} قيل: لا إله إلا الله. روي مرفوعاً من حديث أُبَيّ بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهو قول عليّ وابن عمر وابن عباس، وعمرو بن ميمون ومجاهد وقتادة وعكرمة والضحاك، وسلمة بن كُهيل وعبيد بن عمير وطلحة بن مُصَرِّف، والربيع والسّدي وابن زيد. وقاله عطاء الخراساني، وزاد «محمد رسول الله» . وعن عليّ وابن عمر أيضاً هي لا إله إلا الله والله أكبر. وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضاً: هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وقال الزهريّ: بسم الله الرحمن الرحيم. يعني أن المشركين لم يُقِرّوا بهذه الكلمة؛ فخص الله بها المؤمنين. و «كَلِمَةَ التَّقْوَى» هي التي يتَّقى بها من الشرك. وعن مجاهد أيضاً أن «كَلِمَةَ التَّقْوَى» الإخلاص. {وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} أي أحق بها من كفار مكة؛ لأن الله تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه. {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} .

محبطات الأعمال 2

محبطات الأعمال (2) (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان محبطات الأعمال (2) الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي صالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما {من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} . أما بعد: معشر الإخوة الكرام..

تقدم معنا أن فرائض الله على كثرتها وتعددها وتنوعها تنقسم إلى قسمين اثنين فرض دائم على الدوام ينبغي أن يقوم به الإنسان في كل مكان وزمان وفرض مؤقت محدد بشروط في أمكنة وأزمنة وتقدم معنا أن الإنسان إذا ضيع الفرض الدائم فهو من الكافرين لرب العالمين ولا يقبل منه عمل عند الله عز وجل والفرض الثاني لا يقبل إلا إذا قام الإنسان بالفرض الأول. وأما الفروض المؤقتة فقد تقدم معنا حالها وكنا نتدارسها وقلت إذا حقق الإنسان الفرض الأول وقام بالعبودية لرب البرية ولم ينقض عبوديته وتوحيده وإيمانه بربه جل وعلا، ففرائضه بعد ذلك إذا وقعت مستوفية للشروط ولا يوجد ما يبطلها فهي مقبولة وقد يوجد ما يبطلها ويحبطها وينقضها وإن لم يكن فاعلها من الكافرين وقد يمن الله على الإنسان بالقبول، وإن أتى بما يحبط العمل إذا لم يكن من الكافرين والأمر إلى رب العالمين سبحانه وتعالى. وتقدم معنا أن محبطات الأعمال ومبطلاتها كثيرة وفيرة سأقتصر على عشرة منها وكان في نيتي أن نتدارس هذه العشرة في الموعظة الأولى الماضية وقدر الله أن يطول الحديث فلعلني أكمل الكلام عليها في هذه الموعظة إن شاء الله. إخوتي الكرام: تدارسنا أربعة أمور من هذه الأمور العشرة التي تحبط العمل عند رب العالمين وإن لم يكن العامل من الكافرين برب العالمين. أولها: الرياء عدم الإخلاص لرب الأرض والسماء. ثانيها: الابتداع وعدم كون العمل على هدي نبينا عليه الصلاة والسلام. ثالثها: المن باللسان على عباد الرحمن والمن بالجنان على ذي الجلال والإكرام. ورابعها: رفع الصوت على نبينا عليه الصلاة والسلام فكيف سيكون الحال إذا قدم الإنسان رأيه وهواه واجتهاده على شرع النبي عليه الصلاة والسلام. تقدم معنا الكلام على هذه الأمور الأربعة وبقي معنا ستة أمور لعلني أتكلم عليها في هذه الموعظة. أولها: ترك صلاة العصر.

وثانيها: الوقوع في الزور والبهتان والآثام في شهر الصيام وعند الصيام. وثالثها: الاحتيال على أكل الحرام. ورابعها: أكل الحرام. وخامسها: الوقوع في المسكرات. وسادسها: إسبال الإزار وجر الثياب. أمور عشرة تحبط الأعمال عند ذي العزة والجلال وإن لم يكن العامل من الكافرين عند رب العالمين. أما الأمر الأول: الذي سنتدارسه في هذه الموعظة وهو الأمر الخامس في ترتيب هذه الأمور العشرة فهو ترك صلاة العصر. من ترك صلاة العصر متعمدا حبط عمله. ثبت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والحديث رواه الإمام ابن ماجه في سننه والنسائي في سننه أيضا ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والحديث في صحيح ابن حبان والسنن الكبرى للإمام البيهقي وهو صحيح صحيح ولفظ الحديث من رواية بريدة بن الحصين رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [بكروا بصلاة العصر أيام الغيم فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من ترك صلاة العصر حبط عمله] . والحديث رواه الإمام أحمد في المسند بسند صحيح كما نص على ذلك الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء 1/308 من رواية سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه بزيادة التعمد ولفظ حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من ترك صلاة العصر متعمدا فقد حبط عمله] . والإنسان إذا ترك صلاة العصر إما أن يتركها تعمدا والتعمد ليس من باب الجحود ولا الاستهزاء إنما التعمد تركها كسلا وأما إذا تركها بعد ذلك ذهولا عنها لاشتغاله بأمور الدنيا فله عقوبة أخرى مع شناعتها أخف من هذه العقوبة.

كما ثبت في مسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك وسنن الدارمي والحديث في الصحيحين والسنن الأربعة ورواه ابن خزيمة في صحيحه كما رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى وهو من أعلى الأحاديث درجة فهو في الصحيحين من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله] . والحديث رواه النسائي والطبراني في معجمه الكبير والإمام أحمد في المسند والبيهقي في السنن الكبرى من رواية نوفل بن معاوية والحديث رواه الإمام الطبري في تهذيب السنن والآثار من رواية سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن أمير المؤمنين ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أجمعين عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام [من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله] : أي سلب وفقد أهله وماله وأصل الموتور في لغة العرب يدل على دلالتين اثنتين الدلالة الأولى إذا أصيب الإنسان بأهله في أهله وفي ماله ووقعت الإصابة أمام عينيه ولا يستطيع أن يثأر ممن أوقع البأس بأهله يقال إنه موتور فقد اجتمع عليه غمان غم وقوع المصيبة على أهله وماله وغم عدم أخذ الثأر ممن أوقع بأهله البأس والضر وهنا اجتمع وعقوبتان على من فاتته صلاة العصر لاشتغاله بأمور الدنيا الغم الأول فاته الثواب والغم الثاني سيحصل العقاب ولله در الإمام البخاري حيث بوب على هذين الحديثين بابين في صحيحه في الجزء 2/30 من فتح الباري في كتاب الصلاة فبوب على حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بابا فقال باب إثم من فاتته صلاة العصر، ثم ذكر الحديث. ولما جاء بعد ذلك لحديث بريدة رضي الله عنه في الباب الذي بعده قال باب في ترك صلاة العصر، أي: هنا ترك تعمدا وهناك فاتته ذهولا لاشتغاله بما يضادها.

هناك كأنما وتر أهله وماله، وأما هنا فقد حبط عمله كما حقق ذلك حذامي المحدثين وأمير المؤمنين شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، فقال لفظ الترك مشعر بأنه تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فإذا فعل الإنسان هذا في صلاة العصر حبط عمله. ومعنى الحديث يحتمل أن يحبط عمله في ذلك اليوم أو أن يحبط عمله كله وعلم ذلك عند ذي الجلال والإكرام وهذا الحبوط لا يعني أن الإنسان كافر لا ثم لا على أن أئمتنا تكلموا في ثلاثة ألفاظ من الحديث وما تحتمله من معاني: أولها: الترك والثاني: الحبوط والثالث: العمل قال الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا من ترك صلاة العصر قال بعض العلماء أي جحودا وعنادا أو استهزاءًا واستخفافًا فهو كافر بالله حبط عمله وهنا نقض عبوديته لربه، فهو أتى بما يسقط عمله ويبطل عمله عند ربه جل وعلا. والفرض المؤقت لا يقبل إلا إذا قام الإنسان بالفرض الدائم على الدوام وهو العبودية لذي الجلال والإكرام. وقال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أنه من ترك صلاة العصر متعمدا كسلا فقد حبط عمله قال هذا ورد مورد الزجر والتغليظ وأن العمل قد يحبط عند الله عز وجل دون أن يكون العامل من الكافرين ومال إلى هذا الحافظ ابن حجر. والذي يظهر أنه لا تعارض بين هذه التوجيهات فمن ترك صلاة العصر جاحدا لفرضيتها مستخفا مستهزئا بها فلا شك في كفره وردته وليس كلامنا فيه لأنه نقض الفرض الدائم إنما لو تركها عامدا كسلا دون جحود لفرضيتها ودون استهزاء بها فقد عرض عمله للحبوط عند الله عز وجل. وأما الحبوط: فقال الحافظ ابن حجر: قال: بعض العلماء هذا كالتشبيه والتمثيل أي حاله كحال من حبط عمله والله عليم هل يحبط العمل أم لا وأورد قولا ثانيا لبعض العلماء قال أي كاد أن يحبط عمله. ولا داعي لهذه التكلفات والتوجيهات، ولذلك المعني الثالث والمعتمد وهو ما قاله شيخ الإسلام الإمام أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي.

قال الحبوط قسمان: حبوط إسقاط بحيث يزول العمل الصالح عند الله ويكون فاعله من عداد الكافرين فهذا لا يكون إلا إذا كفر الإنسان بربه جل وعلا. والثاني يقول حبوط موازنة وهي أن تجتمع الحسنات والسيئات فتغلب السيئات على الحسنات فهنا يحبط ثواب الحسنات بمعنى يضيع ويختفي حتى يعاقب الإنسان على تلك السيئات فإذا طهر عاد إليه ثواب الحسنات ودخل الجنة برحمة رب الأرض والسموات. وهذا هو المعنى المراد من هذا الحديث وأما العمل فقد أورد الحافظ ابن حجر قولين في بيان المعنى الثاني منهما وهو متكلف بل باطل، والأول هو الحق المراد من العمل هنا العمل الصالح عند الله عز وجل. أي: بطل أجره وضاع الثواب عليه، وقال بعض العلماء فقد حبط عمله، أي: عمله الدنيوي في ذلك اليوم فلا ينتفع به ولا يمتع به فإذا شغلته الدنيا عن أداء هذا الفرض يحرمه الله بركة ذلك العمل الذي قام به وشغله عن فرض ربه قول كما قلت متكلف. إخوتي الكرام: والسبب الذي من أجله خصت صلاة العصر من بين الصلوات الخمس بهذه الميزة العظيمة أمور كثيرة يمكن أن نجملها في أربعة أمور: أولها: صلاة العصر هي مظنة انشغال الناس عنها وقتها يقع بعد تعب في النهار وقيلولة ينام الإنسان فيها بعد الظهر فقد يشغل عن هذا الفرض العظيم الذي له أجر كريم عظيم عند ربنا الكريم من أجل هذا وقع هذا التغليظ والتشديد في ترك صلاة العصر. والثاني: صلاة العصر هي خاتمة الطاعات التي يتقرب بها الإنسان إلى رب الأرض والسموات في ذلك اليوم فهي آخر صلاة وجبت عليك في ذلك اليوم فإذا أذَّن المغرب دخلت في اليوم الثاني، واليوم يخرج يقينا بغروب الشمس. وقد ورد ما يرشح هذا المعنى في نظائر هذا المعنى أيضا في أحاديث أخرى عن نبينا صلى الله عليه وسلم تبين أن شناعة المعصية بعد العصر أكثر من شناعتها قبل العصر ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين والسنن الأربعة والحديث رواه شيخ الإسلام عبد الرزاق في مصنفه.

كما رواه الإمام الطبري والبيهقي في السنن الكبرى والحديث صحيح صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم؛ رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل ورجل بايع بسلعة بعد العصر فحلف بالله أنه أعطي بها كذا وكذا فصدقه ولم يعط بها ذلك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه وفى وإن لم يعطه لم يف] . وفي بعض الروايات [فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط] . فالأول: على ماء زائد في الصحراء فمر به ابن السبيل وطلب ماءا يشربه فمنعه لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم. والثاني: يا عبد الله وقت صلاة العصر مؤذن بزوال النهار وزوال النهار مؤذن بانقضاء هذه الدار أما وعظك زوال النهار عن الكذب والافتراء والغش والتزوير، ففي آخر اليوم عصيت الله وكذبت وحلفت اليمين الغموس حالك كحال من يكذب ويعصي عند احتضاره فلك هذه العقوبة من الله عز وجل وهذا هو الشاهد وهنا كذلك صلاة العصر ختام عمل اليوم فمن تركها حبط عمله. المعنى الثالث: الذي من أجله صار لصلاة العصر تلك المنزلة ما قاله شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال إن صلاة العصر عرضها الله على الأمم السابقة وكلفهم بها فأبوا أن يتحملوها وما قاموا بها فكلفت بها هذه الأمة المباركة فلها شأن عظيم فمن قام بها أعطاه الله أجرين، وهذا الذي أشار إليه الإمام ابن تيمية ثبت ما يقرره في صحيح السنة في صحيح مسلم وسنن النسائي ومعجم الطبراني الكبير.

والحديث رواه الإمام أبو يعلى في مسنده أيضا والبيهقي في السنن الكبرى وابن قانع في معجم الصحابة كما رواه الإمام البارودي وهو حديث صحيح من رواية أبي بصرة الغفاري واختلف في اسمه فقيل حميد وقيل جميل الغفاري وهو من الصحابة الكرام قال: [صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق ثم قال إن هذه الصلاة قد فرضها الله على الأمم قبلكم فأبوا أن يحملوها فمن قام بها منكم أعطاه الله أجره مرتين] . إذن لهذا الاعتبار لها منزلة عظيمة وهذا الحديث روي أيضا من رواية أبي أمامة الباهلي في معجم الطبراني الكبير والأحاديث الجياد المختارة للضياء المقدسي عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه. والمعنى الرابع: الذي من أجله صار لصلاة العصر تلك المنزلة أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى والله جل وعلا يقول في كتابه: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} . وقد أكثر أئمتنا المفسرون رضوان الله عليهم أجمعين في بيان المراد من الصلاة الوسطى وخلاصة كلامهم يدور على ثلاثة أمور إما أن يكون المراد من الوسطى الوسطى في العدد وهذا لا يراد عند جماهير المفسرين. وإذا كان المراد الوسطى في العدد فهي صلاة المغرب لأن الصلوات أربع ركعات أو ثلاث ركعات أو ركعتان والمغرب هي الوسطى في الأعداد وخصت بالذكر على هذا القول لضيق وقتها ولمنزلتها أيضا عند ربنا جل وعلا. وإما أن يكون المراد من الوسطى هنا أي الصلاة الخيرة العظيمة الشأن الفاضلة التي لها منزلة قال الإمام ابن الجوزي وغيره من أئمة التفسير وهذا يصلح على كل صلاة فكأن المعنى حافظوا على الصلوات وحافظوا عليها واعتنوا بها وإياكم إياكم أن تفرطوا في شيء منها. وإما أن يكون المراد من الوسطى هنا الوسطى في المحل وعلى هذا جمهور المفسرين واختلفوا في تعيين المحل الذي يراد منه الصلاة الوسطى على سبعة أقوال: أولها:

المراد من الصلاة الوسطى الصلوات الخمس وعليه أعيدت بلفظ ثاني لبيان منزلة الصلاة ورفعة قدرها حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى أي الصلاة الفاضلة التي هي في المحل وسط من بين الصلوات كيف تكون الصلوات الخمس وسطا بين الصلوات وكل واحدة وسط اسمعوا إلى توجيه أئمتنا في ذلك كل صلاة وسط من حيث المحل الفجر وسط بين الصلوات. قال أئمتنا الكرام إن الليل يخرج يقينا بطلوع الشمس وإن النهار يدخل يقينا بطلوع الشمس وما بين الفجر وطلوع الشمس متردد هل هو من الليل أم من النهار وعليه هذا الوقت وسط بين الليل وبين النهار فيه شيء من ظلمة الليل وهو غلس الفجر وفيه شيء من ضوء النهار وهو الاصفرار الذي يكون في الفجر. والظهر صلاة وسطى لأنها تكون وسط النهار. والعصر تكون صلاة وسطى لأنه تقدمها فرضان في النهار الفجر والظهر ويأتي بعدها فرضان في الليل المغرب والعشاء. والمغرب تكون وسطى لأن أول صلاة فرضت هي الظهر وتليها العصر فالمغرب هي وسطى من حيث المحل بين ترتيب الصلوات المفروضة أول ما فرضت ثم العشاء ثم الفجر. والعشاء تكون وسطى بين الصلوات ووجه ذلك أنها بين فريضتين لا تقصران فصلاة المغرب لاتقصر أبدا وصلاة الفجر لا تقصر أبدا وعليه حافظوا على الصلوات وحافظوا عليها أيضا فكل واحدة منها صلاة وسطى. والقول الثاني: من الأقوال السبعة قالوا إن الله أبهمها ولم يعينها ليكون العباد على محافظة تامة على جميع الصلوات كما أبهم الله تعيين ليلة القدر في أي ليلة تكون في شهر رمضان وفي العشر الأخير منه. ثم بعد ذلك هناك خمسة أقوال كل قول حدد صلاة من الصلوات الخمس كما تقدم معنا وأرجحها كما قال شيخ المسلمين الحافظ ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا الجليل قال: وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام تفسير الصلاة الوسطى بصلاة العصر فتعين القول إلى هذا والمصير إليه. إخوتي الكرام:

وما أشار إليه شيخ الإسلام الإمام ابن كثير ثابت في مسند الإمام أحمد والكتب الستة والحديث رواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة في مصنفه ورواه عبد بن حميد في مسنده والإمام الطبري في تفسيره وابن المنذر في تفسيره وابن أبي حاتم في تفسيره والإمام البيهقي في السنن الكبرى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه. والحديث صحيح صحيح فهو في الصحيحين من رواية سيدنا علي عليه وعلى جميع الصحابة رضوان رب العالمين قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب في موقعة الخندق: [ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس] . وفي رواية أخرى [شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ... ] . وثبت الحديث بذلك من رواية عبد بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم ورواه الإمام الترمذي وابن ماجه في السنن ورواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه والطبري في تفسيره وابن المنذر في تفسيره والإمام البيهقي في السنن الكبرى والحديث صحيح صحيح أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا أو حشى الله أجوافهم وقبورهم نارا] . والأحاديث في ذلك كثير وفيرة منها رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها وهي ثابتة في المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجه والحديث رواه عبد بن حميد في مسنده والطبري في تفسيره كما رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، وهكذا ابن الأنباري في كتاب المصاحف أيضا وفي السنن الكبرى للبيهقي عن أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت في قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} الصلاة الوسطى صلاة العصر سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد ثبت نظير هذه الرواية أيضا عن أمنا حفصة رضي الله عنها وأرضاها في الموطأ والتاريخ الكبير للبخاري وهو في مصنف عبد الرزاق ورواه عبد بن حميد في مسنده والطبري في تفسيره. كما رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف والأنباري في المصاحف أيضا، وأبو عبيد في كتاب فضائل القرآن، ورواه أبو يعلى في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى عن أمنا حفصة رضي الله عنها وأرضاها بنحو رواية أمنا عائشة وانظروا روايات متعددة عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في تفسير الصلاة الوسطى بصلاة العصر في الدر المنثور في الجزء 1/300 إلى 305. فالصلاة الوسطى هي العصر فهي ختام أعمال اليوم هي فرضت على الأمم قبلنا فما تحملوها وبها أقسم الله جل وعلا على أحد أقوال ثلاثة قيلت في تفسير سورة العصر خلاصتها أن الله أقسم بالعصر والمراد منه ثلاثة أقوال: القول الأول: هو الدهر هو الزمن. ويدخل في هذا ثلاثة أقوال تدخل في هذا القول: العصر: هو العشي. ... وهو الوقت الذي يكون من زوال الشمس إلى غروبها العصر. ... هو عصر الإنسان وزمن كل إنسان فأقسم الله بعمر كل إنسان وبما يوقع في عمره من أعمال ينال بها الفوز أو الخسران. والقول الثالث: العصر هو عصر النبي صلى الله عليه وسلم ونقل هذا عن عدد من أئمتنا الكرام. قال الإمام الرازي: وقد أقسم الله جل وعلا بعمر النبي عليه الصلاة والسلام وأقسم ببلد النبي عليه الصلاة والسلام وأقسم بزمن النبي عليه الصلاة والسلام فقال جل وعلا: {وهذا البلد الأمين} . وقال: {فلا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد} . وقال في سورة الحجر: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} .

ثبت عن حبر الأمة سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في كتاب دلائل النبوة لأبي نعيم ودلائل النبوة للبيهقي والأثر رواه ابن مردويه في تفسيره قال: [ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من محمد عليه الصلاة والسلام وما سمعت الله أقسم بعمر إنسان إلا بنبينا عليه الصلاة والسلام] . والثاني: أن الكلام من باب حذف والتقدير ورب العصر أقسم الله بذاته وبربوبيته لمخلوقاته. والقول الثالث: وهو محل الشاهد أقسم الله بصلاة العصر لما لها من منزلة وشأن عند الله جل وعلا. وهذه السورة مع وجازتها بليغة بليغة وكلام الله كله محكم بليغ يقول الإمام الشافعي لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم وقد بلغ من تذكير الصحابة بعضهم بعضا بها ما رواه الطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان. والحديث رجاله ثقات وإسناده صحيح ولفظ الحديث من رواية أبي مدينة رضي الله عنه وأرضاه قال: [كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على صاحبه والعصر إن الإنسان لفي خسر ... ] وأبو مدينة صحابي وحكى الطبراني في معجمه الأوسط أن اسمه عبد الله بن حصن وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة وتعجيل المنفعة إن كان الطبراني حفظ ذلك ففي التابعين من يسمى بعبد الله بن حصن السدوسي، أما هذا فعبد الله بن حصن الدارمي وعليه فقد اتفق الصحابي مع التابعي في الاسم واسم الأب والكنية واختلفا في النسبة قال: وإن لم يضبط الطبراني هذا في أبي مدينة فالذي يسمى بعبد الله بن حصن هو التابعي لهذه الأمور المتقدمة كان لصلاة العصر تلك المنزلة من ترك صلاة العصر حبط عمله. والأمر الثاني: الذي يحبط لعمل عند الله عز وجل الوقوع في الزور والبهتان والآثام في شهر الصيام فمن صام كذب ووقع في الزور وعمل الآثام فقد بطل صيامه عند ذي الجلال والإكرام. إخوتي الكرام:

تقدم معنا ما للصيام من منزلة عند الله عز وجل وأن من صام شهر رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لكن هذا يكون للصيام المقبول الذي لا تأتي فيه بعمل مرذول تنقض به صيامك وتحبط أجره عند ربك جل وعلا. ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري والسنن الأربعة، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه كما رواه البيهقي في السنن الكبرى من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه] . والحديث رواه الطبراني في معجمه الأوسط والصغير من رواية سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه بلفظ: [من لم يدع الكذب والخنا في صيامه فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه] . وتقدم هذا معنا في مواعظ شهر الصيام وكنت ذكرت أن كثيرا من الصائمين لا يحصلون من صيامهم إلا الجوع والعطش كما أن كثيرا من القائمين لا يحصلون من قيامهم إلا السهر وهذا ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم. ففي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه والنسائي ومستدرك الحاكم والسنن الكبرى وشعب الإيمان للبيهقي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه والحديث رواه الطبراني في معجمه الكبير من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش وربّ قائم حظه من قيامه السهر] فإذا وقعت في شيء من الآثام بطل الصيام عند ذي الجلال والإكرام. أسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يحسن ختامنا أقول هذا القول وأستغفر الله. الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وارض، اللهم عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إخوتي الكرام:

لولا أنني أواصل سلسلة المواعظ المتصلة حول هذا الموضوع لكان في نيتي أن أتكلم على أمر يتدارسه الناس في هذه الأيام وتتحدث عنه وسائل الإعلام ألا وهو الجامعة الغوية التي يقال لها الجامعة العربية وعلى تعبيرهم قد مضى عليها خمسون عاما، وقد أسست في الثاني والعشرين من شهر آزار والحمد لله لا ينتسبون إلى الأشهر القمرية ولا إلى السنة الهجرية فبينهم وبين خير البرية عليه الصلاة والسلام ما بين المشرقين الجامعة العربية التي أسست سنة 1945م وقد مضى عليها كما يقولون خمسون عاما تشتتا وفرقة وتناحرا وخصومة وتلاعنا هذه الجامعة التي يطنطن لها ويجرى كلام حولها مما يفري الكبد والأمة للآن ما وعت أمرها ولا طريقها وحالها كما قال القائل: كالعيس في البيداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول ... ... إخوتي الكرام: السبب في تأسيس هذه الجامعة دولتان ملعونتان الدولة الأولى بريطانيا وهم كما قال عنهم أئمتنا الكرام أخدع من الضب وأمكر من الثعلب وأعيث من الذئب وأخبث من الشيطان والدولة الثانية فرنسا وقد لعب مندوب الدولة الأولى دورته الفظيعة حول تأسيس الجامعة العربية وأسسها هؤلاء بإيحاء من هؤلاء لأمرين اثنين: الأول: القضاء على الخلافة الإسلامية وتشتيت المسلمين فلا بد من إثارة النعرات الوطنية والقومية وما قضي على آخر خلافة إسلامية عثمانية إلا بسلاحين بسلاح الإلحاد ونشر الفساد وبإثارة النعرات بين العباد عربية وكردية تورانية وما شاكل هذا وهنا كذلك جامعة عربية لتتخلص على تعبيرهم من الاستعمار العثماني. الثاني: المراد من إنشائها: أن لا يفكر مسلم ما دامت الروح تتحرك فيه بإعادة الخلافة اَلإسلامية ولا بإعادة الوحدة بين المسلمين بهذا التخدير الذي يجري بينهم فهم في اتحاد ولكن كما قال الله: {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى} .

.. ومن سمع المقابلات التي تجري بين المسؤولين في تلك المنظمة يتذكر حديث خير البريات عليه الصلاة والسلام [سيأتي عليكم سنوات خداعات يؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين ويصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق وينطق فيها الرويبضة قالوا وما الرويبضة يا رسول الله قال الرجل التافه في أمر العامة] . وفي بعض الروايات [وينطق فيها الفويسق] [وينطق فيها الفاسق] [وينطق فيها السفيه] [وينطق فيها من لا يؤبه له] . ... والحديث صحيح روي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأنس بن مالك وأمنا أم سلمة وعمرو بن عوف وعوف بن مالك الأشجعي وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أجمعين أما رواية أبي هريرة رضي الله عنه فقد رواها الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وابن ماجه في السنن والخرائطي في مكارم الأخلاق. ... وأما رواية أنس بن مالك رضي الله عنه فقد رواها الإمام أحمد في المسند وأبو يعلى في مسنده أيضا والطبراني في معجمه الأوسط وانظروا هذه الرواية في مجمع الزوائد في الجزء 7/284 وأما رواية أمنا أم سلمة رضي الله عنها فهي في معجم الطبراني الأوسط والكبير في المكان المشار إليه آنفا في مجمع الزوائد وأما رواية عمرو بن عوف فقد رواها البزار في مسنده وأما رواية عوف بن مالك فهي في معجم الطبراني الكبير انظروها في المجمع في الجزء 7/330. ... وأما رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في معجم الطبراني الكبير كما في المجمع في الجزء 6/324 وألفاظ رواياتهم متقاربة إخوتي الكرام خمسون عاما نصف قرن مرت عليها والأمة لا تجد منها إلا الذل ومن كلامهم أن الميزانية التي تصرف عليها في كل عام سبعة وعشرون مليون دولارا ينبغي أن نعي أين نسير في هذه الأيام وقد اتفق أعضاء الجامعة العربية على أن لا يتفقوا إلا في أمر واحد ألا وهو عدم الرجوع إلى رب العالمين والأمة الإسلامية في هذه الأيام حالها يفطر الأكباد ونشكوا أمرنا رب العباد.

.. اللهم صلي على نبينا محمداً وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ... اللهم ألف بين قلوب أمة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم. ... اللهم ارحم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، اللهم أصلح أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ... اللهم أهلك أعداء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً. ... اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف وهذا المكان المبارك. ... اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريباً سميعاً مجيباً للدعوات، والحمد لله رب العالمين، وصلي الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر * إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر *} .

(3) محبطات الأعمال

محبطات الأعمال (3) (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم محبطات الأعمال (3) الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا. الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويما وهدانا صراطا مستقيما وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبيا عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} . أما بعد: معشر الإخوة الكرام.. تدارسنا في ثلاث مواعظ سابقة مبطلات الأعمال وكان في نيتي أن ننتهي من مدارستها في موعظة واحدة وقدر الله وما شاء فعل وهذه هي الموعظة الرابعة في مبطلات الأعمال وسأنهي الكلام على مبطلات الأعمال فيها بإذن ذي العزة والجلال. إخوتي الكرام:

تقدم معنا أن مبطلات الأعمال تنقسم إلى قسمين اثنين: منها ما يبطل العمل ويبطل عبودية الإنسان لله عز وجل فهي تنقض فرضه الدائم وتخرجه عن رسم العبودية لرب البرية وقد ذكرت لذلك خمسة أنواع الكفر والشرك والردة والنفاق الأكبر والبدعة المكفرة نسأل الله أن يصوننا منها ومن جميع المخالفات إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأما المحبطات من النوع الثاني فهي تحبط الطاعات لكنها لا تبطل عبودية المخلوقات لرب الأرض والسموات وهذه كثيرة وفيرة كما قرر أئمتنا الكرام وأكثر الخلق ليس عندهم خبر عنها ولا اعتناء بها وقلت سأقتصر على عشرة منها مضى الكلام على ستة منها ألا وهي: الشرك الأصغر: وهو الرياء عدم الإخلاص لرب الأرض والسماء. والابتداع وعدم اتباع حبيبنا خاتم الأنبياء عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه. والمن على المخلوق باللسان وعلى الخالق بالجنان. ورفع الصوت على نبينا عليه الصلاة والسلام فكيف بتقديم الآراء على حديثه وهديه عليه الصلاة والسلام. وترك صلاة العصر. والوقوع في الزور والآثام في شهر رمضان ووقت الصيام. وقد مر الكلام على هذه الأمور الستة مفصلا بأدلته وبراهينه وبقيت أربعة أمور ن الأمور المكملة للعشرة أذكرها في هذه الموعظة وأختم الكلام بها على مبطلات الأعمال بإذن ذي العزة والجلال. إخوتي الكرام الأمور الأربعة المتبقية هي: 1- الاحتيال على الحرام: 2- وأكل الحرام: 3- وشرب الخمر: 4- وإسبال الإزار: هذه أمور أربعة إذا ضمت إلى الستة صارت عشرة أمور تبطل العمل ولا تنقض العبودية لله عز وجل هذه كما قلت نماذج مما يبطل العمل لا من باب الحصر لجميع يبطل الأعمال عند ذي العزة والجلال. الأمر الأول: من الأمور الأربعة وهو السابع من العشرة على الترتيب:

الاحتيال على ما حرمه ذو العزة والجلال إخوتي الكرام إذا امرنا الله بأمر فالواجب علينا أن نقوم بذلك الأمر وبما يستلزمه ذلك الأمر وإذا حرم الله علينا أمرا فالواجب علينا أن نترك ذلك الأمر وأن نترك ما يؤدي إلى ذلك الأمر الذي حرمه الله علينا وعندما حرم الله علينا استعمال فروجنا في غير ما أحل الله لنا من أزواجنا وسرارينا إن هذا التحريم يستلزم تحريم النظر إلى ما حرم ربنا جل وعلا لأن النظر بريد الزنا: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون} . وقد وجد في هذه الأمة كما وجد في الأمم السابقة أناس يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون فيحتالون على إبطال ما شرعه الله وعلى إسقاط ما أوجبه الله وعلى تحليل ما حرمه الله بحيل ردية لا تقبل عند رب البرية. وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا المسلك وحذرنا منه وأخبرنا أن اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة استحلوا ما حرم الله بالحيل الباطلة عند الله روى شيخ الإسلام أبو عبد الله بن بطة في كتابه تحريم الحيل في صفحة47. وإسناد الحديث صحيح كما نص على ذلك الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء 19/29 وقال رواه أبو عبد الله بن بطة بإسناد حسن وقد حكم على الإسناد شيخ الإسلام الإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في تفسيره في الجزء 2/257 عند تفسير آية الأعراف: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ... } .

قال وقد روى أبو عبد الله بن بطة بإسناد جيد ثم قال ومثل هذا الإسناد يصحح به الإمام الترمذي كثيرا من الأحاديث وحكم عليه بالصحة الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه إغاثة اللهفان في 1/348 وكتب حول الحيل المحرمة ما يقارب 170 صفحة، والحديث صحيح ورواه هذا العبد الصالح أبو عبد الله بن بطة وهو من أئمتنا الربانيين صاحب كتاب الإبانة الكبرى في عقائد أهل السنة المكرمين في ثلاث مجلدات وله جزء صغير في حدود المائة صفحة في تحريم الحيل وقد توفي سنة 387هـ ومن مناقبه أن كان صالحا مجاب الدعوة رضي الله عنه يقول أبو محمد الجوهري قال لي أخي الحسين الجوهري نمت ليلة وأنا مغموم لاختلاف المذاهب والطرق علي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختلفت المذاهب والطرق علي وكثرت الأقوال فبأي شيء تشير علي قال عليك بطريقة أبي عبد الله بن بطة قال فشددت رحلي وذهبت إلى عكبرى فلما دخلت عليه المسجد تبسم وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الإمام الذهبي في السير في الجزء 16/536، ويذكر هذا الإمام ابن كثير في البداية والنهاية في الجزء 11/322 أن أبا عبد الله بن بطة بعد أن انتهى من طلب العلم وأخذ الحديث وتلقيه بقي في بيته أربعين سنة لا يخرج من بيته إلا إلى المسجد وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويباشر ذلك بنفسه هذا العبد الصالح يروي في كتابه تحريم الحيل بسند حسن جيد والحديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل] . اليهود عليهم لعائن ربنا المعبود ندما حرم الله عليهم الاصطياد يوم السبت احتالوا على ذلك المحرم بأمرين اثنين: بالتأويل الخاطئ الجائر: والاحتيال الخبيث الماكر:

أما فريق منهم: وهم المؤولة تأويلا باطلا قال إن الله حرم علينا أكل الصيد يوم السبت ولم يحرم علينا الاصطياد وعليه نصطاد وندخر لنأكل يوم الأحد فما بعده. والفريق الثاني: الذين سلكوا مسلك الاحتيال الماكر انقسموا إلى قسمين: فريق منهم: فحفر أحواضا وبركا بجوار البحر وفتحوا لها طريقا ليدخل الماء مع السمك يوم السبت، فإذا امتلأت تلك الأحواض بالسمك وضعوا الحاجز لئلا تعود إلى البحر مرة ثانية. والفريق الثاني: كان يمسك السمك من البحر بيديه ثم يربطها بحبل ويدق لها وتدا ويربط هذا الحبل بالوتد ثم يلقي السمك مرة أخرى في البحر فإذا صار يوم الأحد سحب هذا الحبل والسمك فيه فأكله يوم الأحد والله جل وعلا يقول في كتابه: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذا يعدون في السبت إذا تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون * وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربهم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين * وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم *} . لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ـ بتأويل خاطئ جائر باحتيال خبيث ماكر ـ.

وقد تقدم معنا عن إمام أهل السنة أنه كان يقول: خطأ وضلال بني آدم منحصر في أمرين اثنين: في تأويل خاطئ وقياس فاسد والتأويل الخاطئ في الأدلة السمعية والقياس الفاسد في الأدلة العقلية فإذا جاء وأول النص تلاعب به وإذا جاء وأتى بحجج عقلية ففرق بين المتماثلين وسوى بين المختلفين فقاس قياسا فاسدا ولذلك قال أئمتنا إن أهل الضلال يسفسطون في العقليات ـ والسفسطة هي المكابرة وجحد حقائق الأشياء ـ ويقرمطون في السمعيات ـ والقرمطة هي التلاعب بالمعاني ـ فإذا جاؤوا إلى مسلك السمع سلكوا مسلك القرامطة الباطنية، واخترعوا للنصوص معاني ما أرادها رب البرية وهو التأويل الخاطئ، وإذا جاؤوا للحجج العقلية أتوا بالأقيسة الفاسدة، وقد جمع اليهود بين الأمرين، وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك المسلك المشين فقال: [لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل] . ولذلك قال الإمام ابن القيم: الحيل المحرمة في شريعة الله هي ما تضمنت إسقاط ما شرعه الله وإبطال ما أوجبه الله وتحليل ما حرمه الله. إخوتي الكرام: إن الحيل قد انتشرت في الأمة لاسيما في هذا الزمان وسلكوا مسلك اليهود اللئام إن الربا حرمه ربنا علينا فكل ما يؤدي إلى ذلك الأمر المحرم ينبغي أن نمتنع عنه وكثير من الناس يحتالون عليه بصور من صور المبايعات لكنها لا تخرج هذا الأمر عن كونه ربا محرما في شريعة رب الأرض والسماء. فبيع العينة بيع؛ لكن الإنسان فيه أراد أن يحتال على الربا فباع سلعة بثمن مؤجل نسيئة بأقساط ثم اشتراها من المشتري منه بثمن معجل أقل مما باعها به. هذه هي صورة العينة، وهي صورة من صور الربا؛ لكنها عن طريق الاحتيال، وقد بين لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الأمة إذا وقعت في الاحتيال فقد سقطت من عين ذي العزة والجلال.

ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود، والحديث رواه أبو يعلى في مسنده والبزار في مسنده والطبراني في معجمه الكبير ورواه البيهقي في السنن الكبرى وإسناد الحديث صحيح من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر وتبعتم الزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم] . تحتالون على ما حرم الله وتخلدون إلى الدنيا وتجرون وراءها ولا تجاهدون في سبيل الله إذا اتصفتم بهذه الأمور لا لله عظمتم ولا على الخلق أشفقتم فهمكم الاستغلال وتحصيل المال ولو كان عن طريق الاحتيال ثم بعد ذلك خلود إلى الدنيا وإعراض عن إعزاز دين الله عن طريق الجهاد إذا وقع فيكم ذلك سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم، وما أظن أنه يوجد أمة من الأمم تعاني من الذل والعناء والبلاء ما تعانيه الأمة الإسلامية في هذه الأيام ولا يظلم ربك أحدا {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} . وهذه المبايعة المحرمة وقع بها بعض الصحابة الطيبين المهتدين عن طريق الخطأ وعدم تعمد لما حرم رب العالمين ولما نبه إلى ذلك تنبه ورجع إلى رشده وصوابه وكل بني آدم خطاء والذي وقع في هذه المبايعة بعد وفاة نبينا عليه صلوات الله وسلامه العبد الصالح زيد بن أرقم رضي الله عنه وأرضاه فأصدرت في حقه أمنا الجليلة الفاضلة المفضلة أمنا عائشة رضي الله عنها حكما يخلع القلوب ولا كفارة لذلك العيب من العيوب إلا أن يتوب زيد بن أرقم إلى علام الغيوب.

والقصة رواها الإمام أحمد وعبد الرزاق في مصنفه والداراقطني في سننه والبيهقي في السنن الكبرى، وإسناد القصة صحيح ثابت وقد نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن عبد الهادي كما في كتابه التنقيح في التعليق على كتاب التحقيق لابن الجوزي وانظروا الكلام على هذه الرواية في نصب الراية للإمام الزيلعي في الجزء 4/15. وقد اختصر الكتاب الإمام ابن حجر وزاد عليه فوائد في الدراية انظروا كلامه حول هذا الحديث في الجزء 2/150 وقد ذكر ابن الأثير، هذا الحديث في جامع الأصول مع أنه ليس في الأصول الستة في الجزء الأول من جامع الأصول صفحة 572، ولفظ الأثر عن أبي إسحاق السبيعي وهو عمرو بن عبد الله السبيعي وقد توفي سنة 129 هـ وهو ثقة فقيه مكثر حديثه في الكتب الستة روى هذا الحديث عن زوجه العالية وهي امرأة معروفة دخلت على أمنا عائشة رضي الله عنها وروت عنها كما ذكر ذلك الحافظ ابن سعد في الطبقات وعليه من حكم على.

الحديث بالضعف بجهالة العالية زوج أبي إسحاق السبيعي فهو واهم، أبو إسحاق يروي عن زوجه العالية أنها دخلت على أمنا عائشة رضي الله عنها فسألتها أم محبة وهي امرأة من الكوفة فقالت يا أم المؤمنين بعت جارية إلى زيد بن أرقم بثمانية درهم إلى عطائه واشترط عليه أنه إذا أراد أن يبيع الجارية فينبغي أن يبيعني إياها فبعد فترة أراد أن يبيعها فباعني إياها فاشتريت الجارية منه بستمائة درهم نقدا فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها يا أم محبة بئس ما شريت وبئس ما اشتريت أخبري زيدا أن جهاده قد بطل مع رسول الله إلا أن يتوب فقالت أم محبة فما كفارته يا أم المؤمنين؟ فقالت: التوبة لرب العالمين {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ، فالتحايل على الحرام يحبط العمل عند ذي الجلال والإكرام. نعم إن العبرة في العقود في المقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني فبيع العينة معاملة ربوية وهو في الظاهر مبايعة شرعية قال الإمام ابن الأثير ولذلك قالت أمنا عائشة رضي الله عنها هذا الكلام وانتشر بين الصحابة الكرام فلم ينكر ذلك عليها أحد منهم رضي الله عنهم وانظروا كلام الإمام الشافعي حول هذا الحديث وقارنوه بما ذكرت في كتابه الجليل الأم في الجزء 3/78. هذا الأمر الأول من الأمور الأربعة التي سنتدارسها في هذه الموعظة الاحتيال على أكل ما حرمه ذو العزة والجلال. إخوتي الكرام: لو قدر أن الإنسان وقع في معصية من معاصي الرحمن فليعترف بتقصيره وانكساره لربه وليستغفر الله جل وعلا أما أن يسلك مسلك التأويل الاحتيال والتبرير فليس هذا من صفة المؤمنين ولذلك قال بعض القائلين ونعم ما قال: وأشربها وأعلمها حراما ... وأرجو عفو ربي ذي امتنان

ويشربها ويزعمها حلالا ... وتلك على المسيء خطيئتان ... يقول إذا ابتليت بشرب الخمر فاشربها وقل أنا عاصي لله وأرجو مغفرة الله ورحمة الله وإياك ثم إياك أن تحلل الخمر وبالتالي لا ترى أنك مسيء وبذلك قد ارتكبت وزرين شرب الخمر وعدم الاعتراف بالذنب. والأمر الثاني أكل الحرام: وأريد من أكل الحرام تناول الحرام سواء كان عن طريق الأكل أو الشرب أو اللباس أو السكن أو الأساس المقصود أنك تستعمل شيئا لا يحل لك أن تستعمله وحرمه الله عليك شراب طعام لباس أساس مسكن كل هذا حصلته من غير طريق شرعي هذا يحبط عملك عند الله وإن لم ينقض عبوديتك لربك وإن لم يجعلك من الكافرين لكن العمل لا يقبل عند رب العالمين لا تقبل الصلاة ولا الصيام ولا يستجاب الدعاء إذا كان في تلك الأشياء التي تتعاطاها في هذه الحياة حرام، وقد أشار الله جل وعلا إلى هذا فقال بعد آيات الصيام: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون} . منبها إلى أننا إذا خالفنا هدي الله جل وعلا في آيات الصيام فأكلنا وشربنا ما حرم الله علينا في نهار رمضان لا يقبل الله منا الصيام وهكذا لو أكلنا الحرام من باب أولى لايقبل الله منا الصيام لأن ترك الحرام آكد في شريعة ذي العزة والجلال من ترك الطعام والشراب في نهار رمضان استمع لهذه الدلالة التي استنبطها أئمتنا المفسرون عليهم رحمات الحي القيوم يقول: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} .

كأن الله يقول يا عبادي يا من أطعتموني في ترك الشراب والطعام في نهار رمضان أطيعوني في ترك الحرام على الدوام فإذا تناولتم شرابا وطعاما في نهار الصيام لا يقبل الصيام وإذا دخل جوفكم أو استعمل بدنكم شيئا مما حرم الله في شراب أو طعام أو لباس أو سكن أو أساس لا تقبل العبادة عند الله جل وعلا كما لم أكلت في نهار رمضان ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون تعلمون أن هذا حرم عليكم لا يجوز أن تأكلوا الأموال بالباطل ولا يجوز أن تدفعوا الرشوة إلى الحكام ليحكموا لكم بالباطل الذي حرمه الرحمن إذا فعلتم شيئا من ذلك لن تقبل الصلاة والصيام ولا غير ذلك من عبادات الرحمن وهذه الآية جاءت بعد عبادة الصيام وفي أثناء عبادة الصيام ذكر الله عبادة الدعاء ثم عقبها بالامتناع عن الحرام في جميع الأوقات وأن من لم يمتنع لن يقبل الله دعاءه ولن يقبل صومه ولن يقبل سائر عباداته فأكل الحرام محبط للأعمال عند ذي العزة والجلال. وقد وضح لنا هذا نبينا صلى الله عليه وسلم: ففي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم، والحديث رواه الترمذي في سننه والدارمي في سننه والبيهقي في السنن الكبرى وهو صحيح صحيح من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال جل وعلا: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} ، وقال جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} قال أبو هريرة رضي الله عنه: ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك] .

وقد ثبت في صحيح ابن حبان من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة رضي الله عنهم أجمعين: [يا كعب بن عجرة كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به] والحديث رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه أيضا من رواية كعب بن عجرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [قال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا كعب كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به] . والحديث رواه أبو يعلى في مسنده والبزار في مسنده والطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي في السنن الكبرى وإسناده حسن كما نص على ذلك الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء 2/552 ولفظ الحديث عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [كل جسد غذي بالحرام فالنار أولى به] . وانظروا أيضا كلام الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد في الجزء 10/293 في كتاب الزهد باب في من نبت لحمه من الحرام، وفي ذلك الباب أحاديث أخرى فيها هذا المعنى عن سيدنا حذيفة بن اليمان وسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين هذا الأمر الثاني الذي يحبط العمل عند الله عز وجل أكل الحرام. والأمر الثالث: شرب الخمر: من شرب الخمر يحبط عمله أربعين يوما لا يقبل عند الله عز وجل كما أشار إلى هذا نبينا صلى الله عليه وسلم الخمر أم الخبائث الخمر مصدر الرذائل وهي المصائد والمثبطات التي يثبط بها الشيطان بني الإنسان الخمر مفتاح كل شر الخمر يحصل بها اغتيال العقل وقد ذم الله الخمر وعابها في العهد المكي في سورة النحل في قوله جل وعلا: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون} . ثم حرمها الله جل وعلا في العهد المدني في العام الثامن للهجرة فاستمرت إباحتها إحدى وعشرين سنة ثم بعد ذلك حرمت وأول ما نزل في ذمها آية النحل.

ثبت ذلك في السنن الكبرى للإمام البيهقي في الجزء 8/297 عن سيدنا عبد الله بن عباس وعن تلميذه مجاهد بن جبر رضي الله عنهم أجمعين قالا: السكر هو الخمر قبل تحريمها والرزق الحسن هو الطعام وقال سيدنا عبد الله بن عباس إن الله حرم بعد ذلك السكر مع تحريم الخمر لأنه منها ثم في العهد المدني أنزل الله فيها ثلاث آيات في الآية الأولى أخبر الله جل وعلا عن وجود الإثم فيها فقال: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ... } . ثم أنزل الله جل وعلا آية أخرى في سورة النساء منع الله فيها عباده عن الخمر في أوقات الصلاة: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءا فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا} . ثم أنزل الله في تحريمها الآية الثالثة في العهد المدني وهي في سورة المائدة وفيها يقول الله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ... } . فالخمر فيها اغتيال للعقل فإذا شربت قطرة منها تظل أربعون يوما أعمالك حابطة ما تفعله بعد شرب الخمر من صالحات لمدة أربعين يوما لايقبل عند رب الأرض والسموات.

ثبت الحديث بذلك في سنن الترمذي وحسنه ومستدرك الحاكم وصححه وأقر التصحيح الإمام الذهبي والإمام المنذري ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد الثالثة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد في الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب لم يتب الله عليه وغضب عليه وكان حقا عليه أن يسقيه من نهر الخبال قالوا وما نهر الخبال قال عصارة أهل النار] . إخوتي الكرام: وكون شارب الخمر لا تقبل له أعمال أربعين يوما هل لأن الخمر لها أثر حسي في النفس لا يزول إلا بعد أربعين يوما أو هل لها أثر معنوي لا يزول إلا بعد أربعين يوما أو لها أثر حسي ومعنوي لا يزول إلا بعد أربعين يوما مرد ذلك وعلمه إلى الله وجل وعلا، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ما قاله بعض أئمتنا إن أثر الخمر الحسي يبقى في البدن أربعين يوما ولا يمكن أن يستحيل الطعام والشرب على وجه التمام إلا بعد مضي هذه المدة هذا محتمل وما قاله بعض أئمتنا من أنه يبقى أثر معنوي لما تزرعه في النفس من خبث ردي مدة أربعين يوما وعليه مادام هذا الأثر المعنوي باق في النفس البشرية لا يقبل عمل لشارب الخمر بعد أن يشربها مدة أربعين يوما هذا محتمل والعلم عند الله جل وعلا.

والحديث أقطع بصحته وأسأل أمام الله عز وجل فقد روي عن عدة من الصحابة الكرام بروايات متعددة فيه هذا المعنى ومن تلك الروايات رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهي في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وابن ماجه ورواها الحاكم في المستدرك وصحح الرواية وأقره الإمام الذهبي ورواها ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده بنحو اللفظ المتقدم من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دون الزيادة التي في آخر الحديث [فإن عاد الرابعة فتاب لم يتب الله عليه وغضب عليه ... ] ، وإنما [فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من نهر الخبال من طينة الخبال قالوا وما نهر الخبال وما طينة الخبال يا رسول الله قال صديد أهل النار] . ورواية ثالثة عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما هي في سنن أبي داود وإسنادها حسن لغيره، ولفظ الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كل مسكرٍ خمر وكل مسكرٍ حرام ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباح فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من رضغة الخبال قالوا وما رضغة الخبال يا رسول الله قال عصارة أهل النار] بخست أي انتقصت صلاته وما قبلت عند الله عز وجل. وهناك روايات متعددة بهذا المعنى منها رواية أسماء بنت يزيد رضي الله عنها وأرضاها في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني الكبير ومنها رواية أصدق هذه الأمة لهجة سيدنا أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه في المسند ومعجم الطبراني الكبير ومسند البزار وإسناد الروايتين حسن كما في الترغيب والترهيب للمنذري في الجزء 10/367، ولفظ الروايتين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من شرب الخمر غضب الله عليه أربعين ليلة فإن مات مات كافرا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من نهر الخبال قالوا وما نهر الخبال يا رسول الله قال عصارة أهل النار] .

وإذا غضب الله عليه لن يقبل منه عملا وقول نبينا صلى الله عليه وسلم فإن مات مات كافرا كما تقدم معنا في نظائر هذه الأحاديث التي فيها الوعيد الشديد وطلاق لفظ الكفر على العاصي إما أنه إذا استحل وإما أنه كفر دون كفر والعلم عند الله عز وجل أو أنه شابه الكافرين في هذه الخصلة المذمومة تأويلات خمسة ذكرها أئمتنا في نظائر هذا الحديث هذه خصلة ثالثة من فعلها حبط عمله وإن لم يخرج عن العبودية لرب البرية. والرابعة: في مبحثنا والعاشرة في مبحث محبطات الأعمال إسبال الإزارعن الكعبين في حق الرجال: من أسبل إزاره لا يقبل الله صلاته وترد عليه صلاته إذا صلى وهو مسبل للإزار سواء كان بمفرده أو في الجماعة وقد رتب الشارع المطهر على جر الإزار عقوبتين: الأولى: أن من نزل إزاره عن كعبيه فهو في النار قصد الخيلاء أو لم يقصد. الثانية: أنه إذا نزل إزاره عن كعبيه خيلاء أو بطرا ورياءا فهو في النار ولا ينظر إليه الجبار جل جلاله، ثم لا تقبل الصلاة بعد ذلك، وهذا لا ينبغي لإنسان أن يقوله من رأيه؛ إنما ينبغي أن ينقله عن نبينا عليه الصلاة والسلام؛ وسأقتصر على حديثين اثنين أختم بهما هذه الموعظة إن شاء الله في تقرير هذا الأمر.

الحديث الأول رواه أبو داود ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام أحمد في المسند عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسم الصحابي في روايته فليس هو من طريق أبي هريرة، وإسناد المسند كما قال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد في الجزء 5/125 قال رجاله رجال الصحيح وأما رواية أبي داود والبيهقي فهي من طريق أبي جعفر المؤذن المدني عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبو جعفر المؤذن المدني روى له البخاري في الأدب المفرد وأهل السنن الأربعة وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب مقبول وقال أخطأ من ظن أبا جعفر المؤذن هو محمد بن علي بن الحسين بن علي ـ الإمام الباقرـ رضي الله عنه وأرضاه وقد وهم شيخ الإسلام الإمام النووي عليه رحمة الله ورضوانه في رياض الصالحين فظنه أنه هو الإمام الباقر فقال رجال الإسناد على شرط مسلم وليس كذلك ولذلك قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء 3/92 إن كان المراد من أبي جعفر الإمام الباقر فالرواية مرسلة لأن الإمام الباقر لم يرو عن أبي هريرة رضي الله عنه فأبو هريرة توفي سنة 57هـ وقيل 58هـ وقيل59 هـ أما الإمام الباقر فقد ولد سنة 56هـ قال المنذري وإن كان المراد منه غيره فلا أعرفه.

وقال الإمام الخزرجي في الخلاصة حسن له الترمذي ولفظ الحديث من رواية أبي هريرة ومن رواية بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام: [أن رجلا دخل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى وهو مسبل إزاره فلما انتهى من صلاته جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسلم عليه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: اذهب فتوضأ وصلي فذهب وتوضأ وصلى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ وصلي فلما ذهب فكر في نفسه وأن الأمر ليس بسبب وضوئه فقصر ثيابه، ثم جاء إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام فصلى فسكت عنه النبي عليه الصلاة والسلام فقال الصحابة لنبينا عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله مالك أمرته بالوضوء ثم سكت عنه قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره ولا يقبل الله صلاة رجل مسبل] . وتقدم معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوضوء من أجل أن يكسر نفسه لأن الشيطان خلق من النار والنار تطفأ بالماء فلما كان الإزار يزرع في النفس الكبر والخيلاء أمره خاتم الأنبياء بالوضوء ليظهر هذا المعنى الذي حصل في نفسه من جر إزاره ثم قال له لا يقبل الله صلاة رجل مسبل. والحديث الثاني: رواه أبو داود في سننه وأبو داود الطيالسي في مسنده مرفوعا وموقوفا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ورواه البيهقي في السنن الكبرى والطبراني في معجمه الكبير موقوفا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وإسناد الأثر الموقوف حسن كما نص على ذلك شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء 10/257 والهيثمي في المجمع في الجزء 5/125 ولفظ الأثر أن عبد الله بن مسعود رأى رجلا يصلي وهو مسبل إزاره فقال: [من أسبل إزاره في صلاته فليس من الله في حل ولا حرام] ، وقد ذكر أئمتنا لأثر عبد الله بن مسعود ثلاث معاني:

1- أن من جر إزاره في صلاته فحاله كحال من لا يعتقد بتحليل ولا تحريم وصار كأنه من عداد الكافرين الذين لا يعتقدون بتحليل ولا تحريم إنما يفعلون حسبما تهوى أهواؤهم فليس من الله في حل ولا حرم. 2- أن من جر إزاره في صلاته ليس من الله في حل ولا حرام لا يحله الله ولا يدخله الجنة ولا يحرم عليه النار. 3- أن من جر إزاره في صلاته ليس في حل ولا حرام؛ أي ليس له من الله في فعل حلال عندما جر إزاره إنما فعل معصية وإثما ولا حرام؛ أي ليس له احترام ومنزلة عند ذي الجلال والإكرام. إخوتي الكرام: هذه أمور أربعة تكمل الستة المتقدمة يصبح المجموع عشرة تحبط الأعمال عند ذي العزة والجلال وإن لم تنقض عبودية الإنسان لذي الجلال والإكرام وأكثر الخلق ليس عندهم خبر عنها ولا يهتمون بها ولا يبالون بشأنها كما هو الحال فينا معشر الحمقى المغرورين نحسب ما لنا ولا نحسب ما علينا وكما قلت في البداية إن حفظ العمل على العمال أشق عليهم من القيام بسائر الأعمال. نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يوفقنا لفعل الصالحات والمحافظة عليها من الحبوط عند رب الأرض والسماوات ونسأله أن يتقبلها منا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين أقول هذا القول وأستغفر الله. الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمَّن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. خلاصة الكلام:

لا يقبل الله العمل إلا إذا صدر من تقي قام بحق العبودية لربه على وجه التمام فإن نقض عبوديته لربه فهو من الكافرين، ولا يقبل عمله عند رب العالمين وإن خدش عبوديته لربه فعمله مردود عليه، وإن لم يخرج من دائرة العبودية لرب البرية فالله لا يتقبل إلا من المتقين كما قرر ذلك ربنا في كتابه الكريم، فقال سبحانه وتعالى في سورة المائدة عند حديثه عما جرى بين ولدي أبينا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين} . يقول سيدنا علي رابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وعن الصحابة الطيبين كما في كتاب التقوى لابن أبي الدنيا: لا يُقَلُّ ما تُقُبِل ثم تلى قول الله: {إنما يتقبل الله من المتقين} . إذا قبل الله عملك هذا له شأن كبير كبير عند الله الجليل. وثبت عن ثلاثة من الصحابة أولهم فضالة بن عبيد كما في كتاب التقوى لابن أبي الدنيا وثانيهم أبو الدرداء كما في تفسير ابن أبي حاتم وثالثهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين كما في تاريخ ابن عساكر قال هؤلاء الثلاثة كل واحد منهم يقول: لو أعلم أن الله تقبل مني ركعة أو سجدة أو صدقة كان أحب إلي من الدنيا وما عليها ثم تلى كل واحد منهم هذه الآية: {إنما يتقبل الله من المتقين} . وزاد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في الأثر المنقول عنه بعد أن تصدق بدرهم قال لو أعلم أن الله قبل مني صدقة أو سجدة لما كان غائب أحب إلي من الموت ثم تلى: {إنما يتقبل الله من المتقين} . وتقدم معنا كلام بعض الصالحين أبي يزيد البسطامي أنه كان يقول والله لو صفت لي تهليلة لما باليت بعدها.

لابد إذن من تحقيق العبودية على وجه التمام ليقبل العمل ولا يعني هذا أن يكون الإنسان من المعصومين إنما كما قلت لا ينقض عبوديته لربه وإذا وقع في شيء من المعصية عن طريق الغفلة والذهول والشهوة التي تحجب العقل أحيانا لا أنه يوطن نفسه على ذلك، لا ثم لا، والله يقول في كتابه: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجناتٌ تجري من تحتها خالدين فيها ونعم أجر العاملين} . فإياك ثم إياك أن توطن نفسك على المعصية وإياك ثم إياك أن تستحل ما حرم الله عليك. ثبت في سنن ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات عن ثوبان مولى نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث رواه أبو نعيم في الحلية في الجزء 1/177 من رواية سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لأعلمن أناسا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله هباءا منثورا قالوا يا رسول الله: صفهم لنا حلهم لنا جلهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم فقال عليه الصلاة والسلام: أما إنهم إخوانكم ويأخذون بحظهم من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها] . وفي رواية الحلية: [ولكن كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا عليه] قال مالك بن دينار هذا والله هو النفاق فقام المعلى بن زياد وقبض على لحية مالك بن دينار، وقال: صدقت أبا يحيى.

روى البزار في مسنده كما في كشف الأستار في الجزء 1/176، والحديث بوب عليه الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء 2/147 في كتاب الصلاة باب علامة قبول الصلاة وانظروه في الترغيب والترهيب في الجزء 1/350 وجميع رجال الإسناد ثقات أثبات وما فيهم إلا عبد الله بن واقد الحراني أبو قتادة وكان قاضيا من الصالحين ضعفه البخاري وبعده النسائي ومعهما يحيى بن معين في رواية ووثقه في رواية أخرى، كما وثقه شيخ الإسلام الإمام أحمد بن حنبل واستنكر قول من ضعفه وقال البزار عقيب الرواية كما في كشف الأستار إنه رجل صالح فقيه عفيف لكنه كان يخطئ فيصر على الخطأ وتوفي سنة 210 هـ ومعنى الحديث ثابت ولفظ الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى: [إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل بها على خلقي ولم يبت مصرا على معصيتي وقطع نهاره في ذكري ورحم المسكين والأرملة وابن السبيل ورحم المصاب فذلك ضوؤه كضوء الشمس أكلؤه بعزتي واستحفظه ملائكتي أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة] . والفردوس أعلى الجنة وأشرفها وأفضلها. كما ثبت في المسند وصحيح البخاري وفي السنن الكبرى والأسماء والصفات وفي كتاب البعث للبيهقي، والحديث صحيح صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة] . ... اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى بفضلك ورحمتك فأنت الكريم وأنت الأعلى اللهم. آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها يا أرحم الراحمين. اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربوَّنا صغارا. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا. اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين. اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، {والعصر* إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*} . ... ... ...

(1) محبطات الأعمال

محبطات الأعمال (1) (من خطب الجمعة) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان محبطات الأعمال (1) الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. الحمد لله رب العالمين شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير. اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله أنت الطيبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين وخالق الخلق أجمعين ورازقهم فما {من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} . {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} . وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} . أما بعد: معشر الإخوة الكرام.. تدارسنا في الموعظة السابقة أن فرائض الله التي فرضها على عباده والواجبات التي أوجبها على خلقه تنقسم إلى قسمين اثنين فرض دائم على الدوام ينبغي أن يقوم به الإنسان في كل زمان ومكان وهو تحقيق العبودية لذي الجلال والإكرام.

والثاني فروض مؤقتة بأمكنة وأزمنة وقد مر الكلام على هذين القسمين وبينت في الموعظة السابقة أن القسم الثاني من فرائض الله وواجباته أعني الفروض المؤقتة لا تقبل إلا إذا حقق الإنسان الفرض الدائم وقام به وبينت أن الناس ينقسمون نحو الفرض الدائم إلى ثلاثة أقسام تكلمت على قسمين اثنين ووعدت بأن أتكلم على القسم الثالث في هذه الموعظة وهم عباد الله طوعاً واختياراً ورضوا بدينه منهجاً لهم في هذه الحياة ورضوا به إلهاً لهم ورضوا بنبيه صلى الله عليه وسلم رسولاً لهم ولا يوجد عندهم خلل من هذه الناحية: ناحية الاعتقاد إنما خلطوا وقصروا وفرطوا في جانب العمل ووقع منهم تقصير وزلل، هذا القسم الثالث الذي وقع منه الزلل الزلل الذي يقع منهم إما أن يكون من الزلل الذي لا ينفك عنه البشر بحكم بشريته وإنسانيته فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فإذا وقعوا في شيءٍ من القاذورات رجعوا إلى رب الأرض والسموات {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون} ، {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} وإذا وقعوا في شيءٍ من القاذورات الكبيرات رجعوا إلى رب الأرض والسموات {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فهم في جانب الاعتقاد على سلامة ونقاء لكن في جانب العمل عندهم تفريط وزلل هذا التفريط الذي يصدر منهم أحياناً يؤدي إلى حبوط طاعاتهم وإن لم يكونوا من الكافرين وقد يمن الله عليهم بقبول أعمالهم فهو أرحم الراحمين. إخوتي الكرام.. كما قلت: بعض المعاصي تحبط الطاعات والإنسان بطبيعته وبشريته لا ينفك من مخالفات لكن المؤمن إذا وقع في مخالفة العمل هو صحيح الاعتقاد بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبدينه فلا يرضى بديلاً عن ذلك ومع أنه مخطئ مسرف مقصر إذا فعل المخالفات يستاء وإذا فعل الطاعات يفرح فهذا دليل على عبوديته لربه مع تقصيره ونقصان إيمانه.

وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من سرته حسنته وساءته معصيته فهو مؤمن} . والحديث ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية عدد من الصحابة الكرام رواه الإمام أحمد في مسنده والترمذي في السنن وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وعبد الرزاق في مصنفه والقُضاعي في مسند الشهاب. والحديث صحيح صحيح من رواية أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من سرته حسنته وساءته معصيته فهو مؤمن] ، وروي من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد ومسند البزار ومعجم الطبراني الكبير وروي أيضاً من رواية أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه وأرضاه في مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومعجم الطبراني الأوسط والكبير ومصنف عبد الرزاق وفي مسند الشهاب للقُضاعي. كما أن الحديث روي أيضاً من رواية عمر بن ربيعة في مسند الإمام أحمد ومن رواية جابر بن عبد الله في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ومن رواية عبد الله بن عمر في مسند الشهاب للقُضاعي ومن رواية أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه في معجم الطبراني الأوسط هؤلاء سبعة من الصحابة يروون هذا الكلام عن نبينا صلى الله عليه وسلم نعم المؤمن يسهو ويقع في زلل لكنه يرجع إلى الله عز وجل، لكنه يرى أن ما فعله سيئ لا يحسنه ولا يستحسنه وقد ثبت في مسند الإمام أحمد ومسند أبي يعلى بسند رجاله ثقات كما في المجمع في 10/201.

والحديث رواه ابن حبان في صحيحه وأبو نعيم في الحلية من رواية أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه وأرضاه ورواه الإمام الرامهر مزي في الأمثال بسند صحيح كما قال الإمام السيوطي في الجامع الكبير من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول ثم يرجع إلى آخيته والمؤمن يسهو ثم يرجع فأطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين] والآخيةُ هي واحدة الأواخي وهي الخشبة الوتَِد بكسر التاء وفتحها الوتد الذي يدق بالأرض أو في الجدار ثم يربط به الفرس والإيمان في قلوب المؤمنين قد يبتعد عنه الإنسان في بعض الأحايين لكن الإيمان يشده فلا يحصل ابتعاد تام عن الإيمان بحيث ينسى إيمانه ويعرض عن ربه ويجحد رسوله صلى الله عليه وسلم ويستحسن غير شريعة الإسلام لا يمكن أن يقع هذا من أحد من أهل الإيمان فإذا وقع في شيء من المعاصي هذا جولان في هذه الحياة وهذا عصيان وخروج عن طاعة رب الأرض والسموات، لكن ليس في ذلك ضياع لحقيقة العبودية نعم إن العبودية خدشت وما زالت ولذلك ما يأتي به الإنسان من مخالفات قد يزيل حقيقة العبودية وقد يكدرها وينقصها فالمعاصي تنقص والإنسان لا يكون من عداد أولياء الله الكاملين وأمره إلى رب لعالمين نعم إخوتي الكرام بعض المعاصي قد تبطل الطاعات وهي كثيرة وفيرة كما قال شيخ الإسلام الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب في صفحة 11 فما بعدها قال ومحبطات العمل ومفسداته أكثر من أن تحصى نعم فليس الشأن في أن يعمل الإنسان إنما الشأن في أن يحافظ على العمل الذي عمله ولذلك قال أئمتنا الأبرار حفظ العمل على العمال أشق عليهم من القيام بسائر الأعمال وكم من إنسان يبني قصراً لكنه يهدم مصراً كما هو حالنا معاشر الحمقى نعمل الأعمال الصالحات ثم نأتي بما ينقضها عند رب الأرض والسموات والطاعات فيها من التقصير ما لا يعلمه

إلا الله ثم نأتي أيضاً بما يبطل ما في تلك الطاعات من سلامة ونحسب ما لنا ولا نحسب ما علينا وحالنا كما قال القائل: قابلت بين حسانها وفعالها ... فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي وسأقتصر في هذه الموعظة على عشر معاصي إذا فعل الإنسان شيئاً منها تحبط طاعاته كما هو مبين بالصفات المذكورة في هذه المعاصي ثم أختم هذا الأمر والكلام على هذا الموضوع في الموعظة الثانية من هذه الخطبة بخاتمة حسنة نسأل الله أن يختم لنا بالحسنى إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أما هذه الأمور التي تحبط العمال: أولها: الرياء. وثانيها: الابتداع وعدم الاتباع. وثالثها: المن على المخلوقات وعلى رب الأرض والسموات. ورابعها: الجهر بالقول على خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وتقديم الآراء بين يديه وبين شريعته الغراء. والخامس: تفويت صلاة العصر. والسادس: عدم حفظ الصيام من الهذيان والزور والآثام. والسابع: الاحتيال على أكل الحرام. والثامن: أكل الحرام فمن وقع فيه فالنيران أولى به عند ذي الجلال والإكرام. والتاسع: شرب الخمر. والعاشر: إسبال الثوب. هذه الأمور العشرة من جملة ما يحبط الأعمال وكثير من الناس في غفلة عن ذلك. أما أولها: 1- الرياء: وهو أن لا يخلص الإنسان في عبادته لربه جل وعلا فالعمل مردود قال ربنا المعبود في سورة الكهف: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} . وثبت في صحيح مسلم وسنن ابن ماجه من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [قال الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه] . وفي رواية ابن ماجه [فهو للذي أشرك وأنا منه بريء] الرياء يحبط الطاعات ويبدل الحسنات إلى سيئات هذا محبط أول فانتبه يا عبد الله والله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاًا ولوجهه خالصاً.

2- الابتداع وعدم اتباع نبينا خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه: وهذا أشير إليه في الآية السابقة أيضاً العمل الصالح هو المشروع الذي تتبع فيه نبينا عليه الصلاة والسلام فليس هو من قِبَل الأذهان والآراء والأوهام وكل عمل من غير اتباع فهو حظ النفس وكل اتباع من غير إخلاص فهو نحس ونقص فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً ولوجهه خالصاً وقد ثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه وغير ذلك من دواوين السنة من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد] ، وفي رواية لمسلم [من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد] . 3- المن على المخلوقات باللسان وعلى رب الأرض والسموات بالجنان: تمن على الله بقلبك وتعجب بفعلك وكأنك تمن عليه عندما عبدته وتمن بعد ذلك على المخلوقات عندما تقوم بالإحسان والخيرات {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنِّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين} . انظر لهذه الصورة التي صور الله بها عمل المان الذي يمن بقلبه على ربه ويمن بلسانه على خلق الله فمثله كمثل صفوان والصفوان هي الحجارة الصلدة الملساء الصلبة- كالبلاط والرخام - صار عليه شيء من التراب والغبار لكن هذا التراب لا يثبت ولا يستقر على هذا الصفوان ولا ينبت شيئاً فإذا نزل عليه من السماء وابل وهو الماء الغزير المنصب بقوة غسل هذا الصلد وزال عنه التراب وما يمكن أن ينتفع منه الإنسان بزراعة من هذا التراب. {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير} .

بستان مرتفع أصابه مطر غزير فآتى أكله ضعفين فإن لم يصبه وابل فطل وهو المطر الخفيف والندى ولن تخرج عن هاتين الحالتين إما رطوبة من الجو وهو الندى والمطر الخفيف ينزل عليها فتؤتي خيراً وإما أن ينزل مطر كثير فتؤتي أكلها مضاعف. إذن ـ إخوتي الكرام ـ المن يبطل العمل عند الله عز وجل وبأي شيء تمن يا عبد الله أنت ملك لله وما تقوم بطاعته إلا بتوفيق الله ثم تلك الطاعات التي تقوم بها فهي من كرم الله فهو الذي من عليك بهذا المال حتى تصدقت فأنت منه وبه وإليه فبأي شيء تدل ولم تعجب وعلام تمن؟!

والله جل وعلا يقول في الحديث القدسي، وهو حديث أبي ذر الطويل وهو ثابت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي وابن ماجه وهو حديث شامي رواه عن أبي ذر أبو إدريس الخولاني وكان إذا حدث بهذا الحديث كما في صحيح مسلم جثا على ركبتيه، وقال الإمام أحمد كما في جامع العلوم والحكم هذا أشرف حديث لأهل الشام ولفظ الحديث روى أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: [يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاتغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه] . وفقت للعمل الصالح فهذا زيادة فضل من الله عليك وأما أن تمن على الله وعلى عباد الله فهذا حال المخذولين من يحبطون عملهم في هذه الحياة ويلقون الله مفلسين يوم الدين فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. 4- أن يرفع الإنسان صوته وأن يجهر بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام:

وأن يرفع صوته عند سرد حديث النبي عليه الصلاة والسلام وأن يقدم رأيه واجتهاده وكلامه على كلام النبي عليه الصلاة والسلام هذا محبط للعمل وإساءة أدب مع خير خلق الله عليه الصلاة والسلام قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} . لا رفع لصوت على صوته ولا في حضرته وإذا نودي ينادى بأشرف الألفاظ وأفخمها فهذا خير المخلوقات عند رب الأرض والسموات عليه صلوات الله وسلامه كما قال ربنا العزيز الغفور في آخر سورة النور: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} . والآية تحتمل معنيين المعنى الثاني الذي يتعلق بغرضنا في هذه الموعظة وهو أن هذا من باب إضافة المصدر إلى المفعول لا تجعلوا دعاءكم للرسول صلى الله عليه وسلم عندما تدعونه وتنادونه وتتكلمون في حضرته الشريفة المباركة كما يدعوا بعضكم بعضاً إياكم ثم إياكم فهذا يخاطب بألفاظ التوقير والتبجيل والتعظيم يا رسول الله يا نبي الله يا خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام. وأما أن يخبر الإنسان عن نبينا رسول الرب عليه الصلاة والسلام بأنه محمد بن عبد الله فذلك من قلة الأدب والبذاءة والجفاء ألا قلت قال محمد خير خلق الله ألا قلت قال محمد رسول الله ألا قلت قال رسولنا حبيب الله ألا قلت قال سيدنا محمد خاتم النبيين، ولا يضاف نبينا عليه الصلاة والسلام إلى والده إلا عند حكاية نسبه فقط محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عند بيان النسب الشريف المبارك وأما أن يقال في مجالس العلم قال محمد بن عبد الله فهذه بذاءة وجفاء وعدم احترام لخاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وقد أفتى الحافظ ابن حجر الهيثمي بأن من قال ذلك فينبغي أن يعذر من قبل ولي الأمر لبذاءته وعدم تأدبه مع نبينا خير خلق الله صلى الله عليه وسلم. سبحان ربي العظيم! رفع الصوت على صوت النبي عليه الصلاة والسلام وفي حضرته وفي مجلسه قد يترتب عليه حبوط العمل عند الله عز وجل فكيف بمن قدم رأيه على حديث النبي عليه لصلاة والسلام؟! كيف من احتكم إلى ذوقه ورأيه واجتهاده ورد حديث النبي عليه الصلاة والسلام من أجل هوسه؟! إن البلية شنيعة شنيعة فظيعة فظيعة وقد ابتلينا في هذه الأيام بأناس ينسبون أنفسهم إلى السلف الكرام وما عندهم من هذه النسبة إلا الاسم اسم بلا جسم لفظ بلا معنىً0 ثم بعد ذلك لا يتورع من رد حديث النبي عليه الصلاة والسلام برأيه وهوسه وذوقه واجتهاده وترهاته وأوهامه واستمعوا إلى هذا لخبر الذي قابلني به بعض الإخوة الكرام بعد الموعظة الماضية أعطاني رسالة من خمس صفحات لشيخ من بلاد الشام يقيم في بلد الله الأمين وقد زاد عمره على الستين وكنت قلت له يا عبد الله رفقاً بنفسك واغتنم فضل ربك؛ أقامك الله في ذلك المكان فاغتنمه بالطاعات الحسان ولا داعي لإثارة الفتن بين أهل الإسلام فأعطاني هذا الأخ خمس ورقات له فيها على زعمه ردود على بعض طلبة العلم وفي الصفحة الأولى في مطلعها يقول إنني سمعتك في شريط تذكر حديثا عن النبي عليه الصلاة والسلام ـ والحديث أذكر لفظه ثم أبين من خرجه كما هي عادتي، وسمعتك تقول قال النبي عليه الصلاة والسلام: [لا تمس النار مسلماً رآني ولا رأى من رآني] ثم اعترض هذا المعترض برأيه الفاسد على هذا الحديث بأمرين قال: هذا الحديث ضعيف فهو من رواية موسى بن إبراهيم الأنصاري المدني ولم يوثقه إلا ابن حبان، وقال: إن معناه غير صحيح فلا يمكن أن يعلق هذا الأمر على مجرد رؤية النبي عليه الصلاة والسلام ورؤية الصحابة الكرام، أي عدم دخول النار أو مسها فهو ضعيف.

والقول بتضعيف هذا الحديث قول فاسد سخيف، والقول بعد ذلك إن معناه ليس بصحيح افتراء قبيح وأنا أعجب ممن ينسب نفسه إلى السلفية في هذه الأيام، ثم بعد ذلك يرد حديث نبينا خير الأنام عليه الصلاة والسلام إن السلفية الصادقين الطيبين بريؤون من هذا المسلك الذميم. نعم نحن نتبرك بذكر سلفنا ونتقرب بحبهم أيضاً إلى ربنا لكن لابد من أن نقف عند ما وقفوا عنده وأن لا نتقدم بين يديهم ولا بين يدي الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أيها المعترض على حديث خير الأنام نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام بالأوهام والهذيان.

كنت قلت لمعترض مثلك ضع رأيك تحت رجلك، وأنا أقول لك الآن ضع رأيك تحت نعلك فهذا الحديث رواه الترمذي في سننه وقال هذا حديث حسن غريب وصححه الحافظ الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة وأقر التحسين والتصحيح شيخ الإسلام السيوطي وهذا الذي ذكرته سابقاً وأضيف الآن روى هذا الحديث أبو نعيم في المعرفة ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة أيضاً من رواية سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما والحديث في دواوين السنة فانظروه في سنن الترمذي في كتاب المناقب وهو في الطبعة الحمصية من بلاد الشام في الجزء 9/380 وبوب عليه الإمام الترمذي باباً فقال: باب ما جاء في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه قال الإمام الترمذي: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي البصري وهو شيخ الإمام الترمذي ثقة إمام توفي سنة 248هـ، حديثه في صحيح مسلم والسنن الأربعة قال أخبرني موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري وهذا هو الذي يزعم هذا السلفي المتأخر بجميع ما في هذا اللفظ من معنىً يزعم بأنه ضعيف لم يوثقه إلا ابن حبان ومن أجله الحديث ضعيف ولا يثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام وأنا أقول لم يضعف هذا العبد الصالح أحد من الإنس والجن قبل هذا المتأخر في هذا العصر فاستمعوا لترجمته قال عنه الإمام ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق ويخطئ وحديثه في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود وهذا حكم من الحافظ ابن حجر على هذا الراوي بأن حديثه لا ينحط عن درجة الحسن وقال الذهبي في الكاشف في الجزء 3/159 وثق أي هو موثق وأورده في الميزان ليفرق بينه وبين راوٍ شاركه في اسمه واسم أبيه موسى بن إبراهيم فبعد أن ترجم لذاك وتكلم عليه قال: وأما موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري المدني فهو مدني صالح يعني يقول لا داعي لإيراده في الميزان فيمن تكلم فيهم فلم يتكلم عليه أحد ولذلك لم يورده الحافظ الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء وقال الإمام الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن حبان

وهذا المعترض يقول لم يوثقه إلا ابن حبان افتراء على أئمة الإسلام يا عبد الله الإمام الترمذي أوليس هو أسبق من ابن حبان عندما حكم على الحديث بأنه حسن هذا الحكم من الإمام الترمذي حكم من ولد أو من إمام أوليس في ذلك توثيق لرجال الإسناد عندما قال هذا حديث حسن إذن جميع رجال الإسناد مقبولون ثقات ولا يوجد ضعف في واحد منهم فقولك لم يوثقه إلا ابن حبان كذب قبل ابن حبان وثقه الترمذي وبعد ابن حبان وثقه ابن حجر والذهبي ولم ينقل عن أحد تضعيف لهذا الراوي، قال سمعت طلحة بن خراش وطلحة مدني أيضاً صدوق حديثه في السنن الأربعة إلا سنن أبي داود قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تمس النار مسلماً رآني أو رأى من رآني] ، قال طلحة فقد رأيت جابر بن عبد الله كأنه يقول بشارة عظيمة لي أنني رأيت بعض الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وقال موسى: وقد رأيت طلحة بن خراش الذي رأى جابراً. قال يحيى بن حبيب شيخ الترمذي قال لي موسى وقد رأيتني ونحن نرجوا الله كأن موسى بن إبراهيم الأنصاري يقول هذه البشارة ثابتة للصحابة والتابعين لكن بما أن أعيننا اكتحلت برؤية من رأى الصحابة وكما أعطى الله هذا الفضل للتابعين أسأله أن يعطيه لأتباع التابعين قال أبو عيسى الترمذي شيخ الإسلام الذي كان يقول في حقه أمير المؤمنين وجهبذ المحدثين أبو عبد الله البخاري يقول له انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم الأنصاري وروى علي بن المديني وغير واحد من أهل الحديث عن موسى هذا الحديث.

والحديث كما قلت حسنه الترمذي وصححه الضياء المقدسي والشيخ المباركفوري في تحفة الأحوذي في الجزء 4/359 أقر تحسين الترمذي والسيوطي أقر تحسين الترمذي وتصحيح الضياء المقدسي في الجامع الصغير والجامع الكبير ولم يعترض عليه الإمام المناوي في فيض القدير في الجزء 6/421 فالقول بأن هذا العبد الصالح موسى بن إبراهيم بن كثير سبب ضعف الحديث لأنه لم يوثقه إلا ابن حبان هذا قول باطل سخيف وأنا أعجب لمن وجدوا في هذا العصر بعد أن ضللوا الأحياء وخطؤوهم انتقلوا إلى تضليل وتخطئة المتقدمين يا عبد الله أيها المعاصر تعيش في حرم الله إياك والإلحاد في حرم الله وهذه البلية مع شناعتها وفسادها وظلمتها أيسر مما بعدها وهي التي دعتني لذكر هذا المثال عند المحبط الرابع من محبطات الأعمال يقول ومعنى الحديث غير صحيح؛ لأن رؤية النبي عليه لصلاة والسلام أو صحابته لا تمنع مس النار أو دخولها سبحان الله وهل أطلعك الله على غيبه وهل الجنة والنار ملكاً لك أو لأبيك ولأمك حتى تتصرف فيها كما تريد؟! نبينا الذي هو رسول ربنا عليه الصلاة والسلام يخبرنا بهذا، وأنت تقول هذا لا يعقل لم لا يعقل يا من سلبك الله الفهم أوليست هذه البشارة لمسلم موحد ستتحكم على الله أما يكفيك أنك تتحكم فينا وتحكم علينا بما تريد تريد أن تحكم على الله المجيد بأن معنى الحديث غير صحيح سبحان الله العظيم هذا بهتان عظيم أيها العبد من كان من سلفنا يرد الأحاديث بمثل هذا التعليل العليل أي عن طريق الرأي الهزيل إن الفرق بين أهل السنة وأهل البدعة أمر واحد وهو أن أهل السنة أسسوا دينهم على المنقول وجعلوا المعقول تبعاً وأهل البدعة أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا المنقول تبعا فيعرض أحاديث خير خلق الله على رأيه يقول هذا صحيح وهذا باطل مردود معنى الحديث غير صحيح ثم أقول لهذا المتهجم على سنة النبي عليه الصلاة والسلام باسم السلف الكرام إن هذا الحديث الذي فيه بشارة للصحابة

وللتابعين رضوان الله عليهم أجمعين ليس هو بأعجب من الحديث الذي فيه بشارة لعموم المسلمين لهم ما يشبه هذه البشارة فكيف بالصحابة والتابعين وماذا تقول في ذلك الحديث. ثبت في صحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائي وقد ذكر الحديث أئمتنا في كتب السنة أعنى كتب التوحيد التي تذكر أمور الاعتقاد حسبما ثبت عن نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام منهم الإمام اللالكائي وغيره عليهم جميعاً رحمة الله ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان] فيا عبد الله صحابي رأى النبي عليه الصلاة والسلام رؤية النبي عليه لصلاة والسلام ألا تعدل مثقال حبة خردل من خير؟! ألا تعدل بلى والله لو أنفقنا كل يوم مثل أحد ذهب ما بلغنا مد أحدهم ولا نصيفه لما حصل في قلبهم من اليقين الاطمئنان برؤية نبينا عليه الصلاة والسلام وهل رؤية النبي عليه الصلاة والسلام يسيرة، نعوذ بالله من الافتراء على الشريعة الغراء. إخوتي الكرام:

رفع الصوت والجهر بالقول على قول النبي عليه الصلاة والسلام مشعر بحبوط العمل عند الله عز وجل فكيف بتقديم الآراء على الشريعة الغراء فكيف بالافتراء على خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وإلى من يدعي تقليد السلفية بالاسم لا في الحكم أذكر لك كلام الإمام ابن القيم في مثلك وفيك وفي أمثالك يقول في كتاب مدارج السالكين في الجزء 1/325 هل كان في الصحابة من إذا سمع نص رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه أو ذوقه أو وجده أو عقله أو سياسته وهل كان قط أحد منهم يقدم على نص الرسول صلى الله عليه وسلم عقلاً أو قياساً أو ذوقاً أو رأياً أو سياسة أو تقليد مقلد، فقلد من أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله أو يكون في زمانهم ولقد حكم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه على من قدم حكمه على نص النبي عليه الصلاة والسلام بالسيف وقال هذا حكمي فيه. وتقدمت معنا قصته فأقول فيا الله كيف لو رأى سيدنا عمر ما رأينا وشاهد ما بلينا به من تقديم رأي فلان وفلان على قول المعصوم عليه الصلاة والسلام ومعاداة من اطرح آراءهم وقدم عليها قول المعصوم صلى الله عليه وسلم وأثر سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه الذي أشار إليه الإمام ابن القيم نزل على إثره قول الله عز وجل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} . وقد روى الأثر الإمام الثعلبي والكلبي من رواية أبي صالح عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما والإسناد ضعيف قال حذامي المحدثين الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء 5/37 وإن كان إسناده ضعيفا لكنه يتقوى بطريق مجاهد وقد روي هذا الأثر عن مجاهد وغيره من أئمة التابعين رضوان الله عليهم أجمعين.

أما أثر مجاهد فقد رواه الطبري في تفسيره، وهكذا عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر كما روي عن الإمام الشعبي بسند صحيح في تفسير الطبري ورواه إسحاق بن راهُوْيَهْ وروي الأثر عن الربيع بن أنس في تفسير الطبري وروي عن أبي الأسود في تفسير ابن أبي حاتم وابن مردويه كما رواه أبو إسحاق إبراهيم بن دحيم في تفسيره عن ضمرة بن حبيب الزبيدي وهذه الآثار المرسلة تشهد للأثر المتصل عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وخلاصة ما فيها أنه وقعت خصومة بين بعض المنافقين وبين يهودي في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام فطلب اليهودي من المنافق الاحتكام إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فأراد المنافق من اليهودي الاحتكام إلى حبر من أحبار اليهود ثم ذهبا إلى نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام فقصا عليه قصتهما فحكم نبينا صلى الله عليه وسلم بأن الحق لليهودي فلما خرجا قال المنافق هلم بنا إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فذهبا إليه فلما عرض المنافق عليه القصة قال اليهودي يا أبا بكر ذهبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فحكم بأن الحق لي فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ما كان لابن أبي قحافة أن يحكم في مسألة حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذهبا إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فلما قص المنافق عليه القصة وطلب منه الحكم فيها قال اليهودي يا عمر ذهبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فحكم بأن لحق لي ثم ذهبنا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال ما كان لابن أبي قحافة أن يحكم في مسألة حكم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه للمنافق أحقيق ما يقول اليهودي قال نعم قال انتظرا ثم دخل إلى بيته وأخرج سيفه وضرب عنق المنافق وقال هذا حكمي في من لم يقبل بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ... } وأئمتنا قالوا في الحديث المتقدم {لا

يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان} كما قال الإمام الترمذي قال قال بعض أهل العلم أي لا يدخل النار التي يخلد فيها الكفار إما أنه لا يدخلها رأسا وإذا قدر أن بعض الموحدين دخل فلن يخلد. فالأحاديث إذا ماستبانت لك سلم لنبيك عليه الصلاة والسلام وإذا استبان لك معناها فاحمد الله وقد ذكر نحو ما قاله الإمام الترمذي شيخ الإسلام الإمام النووي في شرح صحيح مسلم صفحة 2/90 فما بعدها. إخوتي الكرام: الافتراء على سنة نبينا عليه الصلاة والسلام في هذه الأيام باسم السلفية لا بد لها من وضع حد يقول بعض من يشتغل في علم الحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة في الجزء 3/30 يقول: (ولقد تتبعت سنن الترمذي حديثا حديثا فوجدت فيها نحو ألف حديث ضعيف هذا عدا عما وجدت فيها من أحاديث ضعيفة لها متابع أو شاهد) . ألف حديث ضعيف أعان الله هذه الأمة بما ابتليت به في هذه الأيام والإمام الترمذي يقول ما أوردت في كتابي الجامع حديثا إلا عمل به الفقهاء غير حديثين اثنين وأنت تقول ألف حديث ضعيف والأمة تمشي على عمي حتى جئت لتصحح لها حديث النبي عليه الصلاة والسلام في القرن الخامس عشر كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

يروي الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وهكذا يعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ والقصة يرويها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة هارون الرشيد في الجزء 9/288 ورواها ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة هارون الرشيد أيضا في الجزء 10/215 وخلاصة القصة أن أمير المؤمنين في الحديث أبو معاوية الضرير محمد بن خازن وقد أصيب بالعمى وهو صغير قيل ابن أربع سنين وقيل ابن ثمانية وهو أوثق الناس رواية في حديث الأعمش فقد صحبه عشرين سنة ثقة إمام عدل رضا توفي سنة 195هـ وحديثه في الكتب الستة كان في مجلس أمير المؤمنين في الحكم هارون الرشيد وهارون الرشيد صاحب مروءة وأريحية واتباع لنبينا عليه الصلاة والسلام ولا يخلو بشر من تقصير كان سيد المسلمين في زمنه الإمام الفضيل بن عياض وهو ثقة شيخ الحرم المكي وتوفي سنة 187هـ وحديثه في الكتب الستة إلا سنن ابن ماجه كان يقول ما من نفس تموت أشد علي من نفس هارون الرشيد ووالله لوددت لو أن الله أخذ من حياتي فوضعها في حياة هارون فاستعظم الناس هذا الكلام من أبي علي الفضيل بن عياض فلما مات هارون وجاء المأمون وأحدث في هذه الأمة ما أحدث علموا صدق كلام الفضيل بن عياض فقد كان المأمون بأسا وبلاءا على الإسلام وعلى أهل الإسلام كما قرر ذلك أئمتنا الكرام انظروا سير أعلام النبلاء الجزء 10/234 حدث أمير المؤمنين في الحديث محمد بن خازم أبو معاوية الضرير في مجلس هارون الرشيد وكان محمد بن خازم يقول ما حدثت بحديث إلا قال هارون الرشيد صلى الله وسلم على سيدي يقول فحدثت بحديث اختصام نبي الله موسى وآدم والمحاجة التي وقعت بينهما والحديث في المسند والكتب الستة إلا سنن النسائي ولفظ الحديث كما في الصحيحين وغيرهما من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام قال: [احتج آدم وموسى فقال نبي الله موسى: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم قال نبينا صلى

الله عليه وسلم فقال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره علي قبل أن يخلقني قال نبينا صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى] . وفي بعض روايات الحديث: [احتج آدم وموسى عند ربهما] ، والعندية هنا عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين كما قرر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء 11/505 [فحج آدم موسى قال موسى أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأسكنك في جنته ثم أهبط الناس بخطيئتك إلى الأرض قال أبونا آدم: أنت موسى الذي اصفاك الله برسالته وبكلامه وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق قال موسى بأربعين عاما قال آدم فهل وجدت فيها وعصى آدم ربه فغوى قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتبه الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة] . قال نبينا صلى الله عليه وسلم [فحج آدم موسى] عليهم جميعا صلوات الله وسلامه؛ ومعنى حج آدم موسى أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها والسبب في ذلك أن أبانا آدم تاب إلى ربه وأناب وقد غفر له الكريم الوهاب وقد خرج أبونا آدم من دار التكليف إلى دار الجزاء والحساب فلومه محض تخجيل ولا يترتب عليه إلا التحسير وهو ممنوع منه في شرع الله الجليل ولذلك قال ساداتنا الأولياء ذكر الجفاء وقت الصفاء من الجفاء فحج آدم موسى؛ لما حدث بهذا الحديث قال عم هارون يا أبا خازن أين اجتمعا فقال هارون الرشيد علي بالسيف والنطع فقال أبو خازن ومن في المجلس يا أمير المؤمنين إنها هفوة قال والله زندقة.

يعترض على حديث النبي عليه الصلاة والسلام ويقول أين التقى موسى بآدم على نبينا وعليهم الصلاة والسلام يا عبد الله عقلك سيحيط بملك ربك بالمشهود والغائب بالمتقدم والمتأخر {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} كلام قاله من لا ينطق عن الهوى فاسمع وسلم لذلك وأيقن بصحته ـ فقال عم هارون: يا أمير المؤمنين والله ما قلت هذا عنادا وجحودا إنما رأيا وقع في نفسي فقال لله علي أن أضرب رقبتك أو تخبرني بمن قال لك هذا الكلام، ثم قال وراءه أناس يبيتون هذا الكلام والاعتراض على حديث النبي عليه الصلاة والسلام. هذه مدرسة زنادقة لابد من أن نوقفها بهذا السيف.. قال يا أمير المؤمنين: ما أعلمني بهذا أحد ولا تحدثت به لأحد ولا حدثني به أحد إنما لما ذكر هذا الحديث انقدح في ذهني هذا الكلام وهذه زلة وهفوة فقال: خلدوه في السجن حتى يقر على من يعلمه هذا الكلام ثم بعد ذلك له ولمن معه هذا السيف وهذا النطع فمكث في السجن زمانا وأقسم بالأيمان المغلظة أنه ما قال هذا عنادا للنبي عليه الصلاة والسلام ولا إنكارا لحديثه وما علم به أحد فأطلقه هارون وكفر عن يمينه لا إله إلا الله كلام النبي عليه الصلاة والسلام وفي دواوين الإسلام وفي كتب السنة والتي يقول عنها أئمتنا كتب الأصول في الحديث في سنن الترمذي يروى تحت باب ما جاء في فضل من رأى النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه أي رأى صحبه ثم يقول هذا حديث حسن غريب.

ويرويه الإمام المقدسي ويرويه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ويرويه أبو نعيم في كتاب المعرفة ويأتي هذا متكئ على أريكته يقول موسى بن إبراهيم الأنصاري سبب علة الحديث فالحديث ضعيف ثم معناه غير صحيح أن سيف هارون الذي يطهر هذه الأمة في هذه الأيام أين سيف هارون الذي يطهر هذه الأمة من الإلحاد في بلد الله الحرام اعتراض على حديث النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام بتجريح راوي ظلما وعدوانا وبرد الحديث إفكا وبهتانا هذه هي السلفية التي تنادون بها وتدعون إليها رد أحاديث خير البرية عليه الصلاة والسلام إخوتي الكرام والحديث كما قلت في كتاب السنة لابن أبي عاصم انظروه في الجزء 2/630 وهناك في الحديث زيادة وهي ما رجاها موسى بن إبراهيم ولفظ الحديث في السنة لابن أبي عاصم [لن تمس النار مسلما رأى من رأى من رآني] . يعني من رأى التابعين أيضا وعليه موسى بن إبراهيم عندما قال أنا رأيت طلحة بن خراش وأرجو الله رجاؤه في محله وأورد الحديث من رواية ثانية عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخل النار مسلم رآني ولا من رأى من رآني ولا رأى من رأى من رآني] . ولم يتكلم محقق الكتاب على هذين الإسنادين ووضع حول الإسناد الثاني علامة استفهام عند ولد عقبة بن عامر وإن كنت لا أطمئن إلى تحقيقه ولابد من الرجوع إلى أصل المخطوطة. إخوتي الكرام: هذا أمر رابع محبط للأعمال عند ذي العزة والجلال وأما بقية الأمور الستة المكملة للعشرة فكان في ظني أن أكمل الكلام عليها وقدر الله وما شاء فعل أتكلم عليها في الموعظة الآتية إن شاء الله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أقول هذا القول وأستغفر الله الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله وخير خلق الله أجمعين.

اللهم صلي على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم قنا شرور أنفسنا، اللهم احفظنا من كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم اجعل هوانا تبعا لشرع نبيك عليه الصلاة والسلام، اللهم اجعل حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من كل شيء من أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا وأحب إلينا من الماء البارد في اليوم القائظ. اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربوَّنا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعاء والحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {والعصر* إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*} .

حكم التناكح بين الإنس والجن 2

حكم التناكح بين الإنس والجن (2) (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم حكم التناكح بين الإنس والجن 2 الدليل الثالث: الذى يحرم التناكح بين الإنس والجن الآثار المنقولة عن السلف الأبرار منها ما تقدم معنا أثر الحسن لا تزوجوه ولا تكرموه عندما قالوا له إن جنيا يخطب منا ويزعم أنه يعنى علق وأحب إحدى بناتنا ولا يريد أن يقترب منها عن طريق الحرام فقال لا تزوجوه ولا تكرموه وهكذا لما ذهبوا إلى قتادة قال لا تزوجوه ولا تكرموه قال أئمتنا وجمهور الفقهاء على المنع من التزاوج تحريما هذا هو قول جمهور أئمتنا وأنا أقول يد الله مع الجماعة مع جمهور أئمتنا رضى الله عنهم وأرضاهم والإمام مالك عليه وعلى أئمتنا الذى هو فقط رأى الأصل الزواج أيضا منعه خشية المحذور عليه وعليه ما عدا الإمام مالك كما تقدم معنا عند الحنفية والشافعية والحنابلة يحرم التناكح بين والإنس والجن والإمام مالك كرهه وإن كان الأصل عنده الجواز وكرهه لعلة سيأتينا ذكرها إن شاء الله، إذن هذا دليل ثالث الكتاب والسنة والآثار المنقولة عن السلف الكرام

الدليل الرابع: وما أقواه وهو قياس الأولى وهذا أقوى من القياس الذى هو فى معنى الأصل فى معنى الأصل أن تبين أن العلة الموجودة فى الأصل موجودة فى الفرع وعليه يجب أن يحرم هذا الفرع لتحريم هذا الأصل لاشتراكهما فى العلة قياس فرع بأصل لعلة جامعة بينهما فى أى شىء تقيسه فى الحكم تقول حكم هذا كحكم هذا لأن شريعة الله جاءت فى التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين وقياس الأولى تقول إذا نهيت عن هذا فذاك من باب أولى أنت منهى عنه يعنى قول الله جل وعلا {فلا تقل لهما أف} فى الوصية بالوالدين فلا تقل لهما أف فإذا أنت تقول إذا كان لا يجوز أن تتأفف منهما من باب أولى يحرم أن تضربهما هذا قياس الأولى فمن باب أولى يعنى إذا حرم عليك التأفف والتضجر وإظهار الاستياء فقط فمن باب أولى هذا قياس الأولى إذا حرم ذلك من أجل علة الأذى فالأذى فى هذا أكثر فهذا يحرم من باب أولى هذا قياس الأولى وهنا عندنا قياس الأولى فى هذه القضية أى فى تحريم التناكح بين الإنس والجن عندنا قياس الأولى يحتج به على من ما هو هذا القياس أشار إليه الإمام السيوطى وحقيقة هو فى منتهى القوة والرجاحة ذكره فى الأشباه والنظائر صفحة سبع وخمسين ومائتين فقال إن شريعة الله منعت من نكاح الحر للأمة لا يجوز للحر أن يتزوج أمة وهى من جنسه إلا فى حالتين كما هو مقرر.

الحالة الأولى: إذا خشى على نفسه العنت والثانية إذا لم يكن قادرا على نكاح حرة فالأمة هى آدمية من جنسك وقد تكون أصلح منك وأتقى لله وأبر أنت إذا كنت حرا منهيا إذا كنت حرا تنهى عن نكاحها إلا فى حالتين إذا ما عندك القدرة على نكاح حرة وتخشى على نفسك من الوقوع فى العنت أى فى الوقوع فى الزنا فيباح لك أن تتزوج أمة والعلة من ذلك أن الأمة أولادها أرقاء لأن الولد يتبع أمه فى الحرية والرق فأنت إذا كنت حرا وتزوجت أمة أولادك أحرار أو أرقاء؟ أرقاء يولد الأولاد على فراشك وفى بيتك وينسبون إليك يقال هذا ابن فلان ثم يأخذه مالك الأمة ويحرج عليهم فى السوق ويبيعهم وأنت تنظر إليهم هم ملك لمالك الأمة وأنت ولدك لا تستطيع يعنى أن تأخذه ولا أن تتحكم فيه لمجرد ما يملكه مالك زوجتك التى هى أمة عندك فمن أجل استرقاق الولد الذى يكون عند نكاح الأمة نهانا الله عن نكاح الإماء ولا يجوز أن تتزوج أمة إلا ما أمكنك أن تتزوج حرة وخشيت على نفسك من الزنا حقيقة زواج الأمة خير من الزنا لا شك لأن هناك فى ضياع الدين وأما هنا فى ضياع الذرية ضياع الولد وأنه يصبح عبدا رقيقا بالإمكان أن يحرر فى المستقبل وممكن أن تشتريه أنت أو يشتريه غيرك ويعتقه ممكن ويصبح حرا أما الزنا هذه بلية البلايا وعليه نكاح الأمة مع ما فيه من غصة فهو أخف من الزنا وأيسر إذن أنت منهى عن نكاح الأمة وهى من جنسك لأجل ألا يصبح الولد كما قلت رقيقا فالولد سيتضرر بالرق طيب إذا كان الأمر كذلك.

استمع إلى كلام السيوطى يقول ولا شك أن الضرر بكونه من جنية أى الولد إذا كان من جنية وفيه شائبة الجن خلقا وله بهم اتصال ومخالطة أشد من ضرر الإرقاق يعنى لو صار رقيقا هذا أيسر عليه من أن يكون ابن جنية أو ابن جنى أعطينا إنسية لجنى فصار فيه شائبة من خلقهم ثم يخالطهم ويتصل بهم فهذا الضر الذى سيقع على هذا الآدمى الأنسى أعظم من الضر الذى سيقع على ولد الأمة هناك سيرقى فيه خصال الأنس كاملة لكنه رقيق ويمكن أن يحرر. وأما هنا ما يمكن أن تخلصه من الجن بحال يعنى أمه جنية وأبوه جنى وأمرنا ببر الوالدين يعنى تقول له لا علاقة لك بأمك حتى لو طلقتها مأمور ببر والدته التى هى جنية فالضرر سيلحق عليه أكثر مما لو كان رقيقا لأن ضرر الرق كما تقدم معنا مرجو الزواج بكثير قال الإمام السيوطى فإذا منع الحر من نكاح الأمة مع اتحاد الجنس للاختلاف فى النوع هذا حر وتلك أمة والجنس واحد كلهم من بنى آدم اختلفوا فى النوع لا فى الجنس فلا أن يمنع من نكاح ما ليس من الجنس من باب أولى هناك الجنس واحد والاختلاف فى النوع حر رقيق هنا الجنس كله مختلف فإذا منعت من نكاح الأمة لأنها تخالفك فى الحرية والرق أى فى النوع وهى تماثلك فى الجنس هى آدمية وأنت آدمى فلا أن تمنع من نكاح ما يخالفك فى الجنس من باب أولى.

قال الإمام السيوطى وهذا تخريج قوى لم أر من تنبه له وواقع الأمر كذلك وحقيقة ما رأيت أحدا من أئمتنا ذكر هذا قبل الإمام السيوطى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول ما رأيت أحدا تنبه لهذا وهو أنه إذا نهينا عن نكاح الأمة للاختلاف بيننا وبينها فى النوع ولأن الولد سيتضرر إذا كان رقيقا وبالإمكان أن يحرر فلا أن نمنع عن نكاح الجنية للاختلاف بيننا وبينها فى الجنس ولأن الضر يقع على الولد أكثر مما لو كان ابنا لأمة فلا أن نمنع إذن عن نكاح الجنية من باب أولى هذا تخريج قوى ولم أر من تنبه له ثم هو التقرير فقال ويقويه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن إنزاء الحمر على الخيل لا يجوز أن تنزى الحمير أى أن يركب الحمار الخيل الفرس فى مهر المهرة الأصيلة خيل عراض ولو وطء الحمار فرسا لجاء المولود بغلا أوليس كذلك يأتى الآن ليس بحمار وليس بخيل يأتى بغل البغل هذا عند اختلاف الجنس حمار أنزيته على فرس فيأتى بغل والبغل خلقته بين الحمار وبين الفرس وهو من الجافى الخلقة كما يقول أئمتنا لكن شتان شتان بين البغل وبين الخيل بين الحصان بين الفرس شتان نهانا نبينا عليه الصلاة والسلام عن إنزاء الحمير على الخيل وعلة ذلك اختلاف الجنس وكون المتولد منها يخرج عن جنس الخيل فيلزم منه قلتها يعنى الخيل ما يبقى لها بعد ذلك نسل كثير لأنها تنتج بغالا وعلل النبى صلى الله عليه وسلم هذا ونهى عنه فقال إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون. قال الإمام السيوطى فالمنع من ذلك فيما نحن فيه أولى..نكاح الجنى الإنسية أولى وأحرى يعنى إذا منعنا من أن ننزى الحمار على الخيل فنحن إذن نمنع من أن يتصل إنسى بجنية من باب أولى أما حديث إنزاء الحمير على الخيل فهذا حديث صحيح ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية ثلاثة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

الحديث الأول: حديث سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه رواه الإمام أحمد فى المسند وأبو داود والنسائى فى السنن وراه الطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الثالث صفحة واحدة وسبعين ومائتين وهو غير مشكل الآثار هذا شرح معانى الآثار فى أربع مجلدات ومشكل الآثار فى أربع مجلدات لكنه ثلث الكتاب الذى ألفه الإمام الطحاوى والثلثان مفقودان أخبرنى بعض الإخوة الكرام البارحة يقول كأنه عثر على بقية الأجزاء وطبع الآن أخيرا فى طبعة فى ستة عشر مجلدا مشكل الآثار والعلم عند الله جل وعلا على كل حال المطبوع منه أربعة مجلدات ثلث الكتاب وأما شرح معانى الآثار هذا كاملا للإمام الطحاوى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فالحديث فى شرح معانى الآثار للإمام الطحاوى فيورد بالإسناد ويحتج بذلك على طريقة المحدثين. والحديث رواه الإمام أبو داود الطيالسى وابن أبى شيبة فى المصنف وإسناد الحديث كما قلت صحيح صحيح انظروه إن شئتم فى جامع الأصول فى الجزء الخامس صفحة ثلاث خمسين عن على رضى الله عنه وأرضاه قال أهديت إلى النبى صلى الله عليه وسلم بغلة وهى المتولدة بين الخيل والحمير بغلة فركبها عليه الصلاة والسلام فقال على رضى الله عنه وأرضاه لو حملنا الحمير على الخيل فكانت لنا مثل هذه يعنى ننزى الحمير على الخيول من أجل أن يخرج لنا بغال كالبغلة التى ركبها نبينا المختار عليه الصلاة والسلام فقال النبى عليه الصلاة والسلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون.

وبوب الإمام أبو داود على هذا الحديث بابا فى كتاب الجهاد فقال باب فى كراهية الحمير تنزى على الخيل وبوب عليه الإمام النسائى بابا فى سننه فى كتاب الخيل عنده باب خاص فى الخيل كتاب الخيل أحد الأبواب فيه باب فى التشديد فى حمل الحمير على الخيل وبوب عليه الإمام البيهقى فى السنن الكبرى فى كتاب السبق والرمى باب فى كراهية إنزاء الحمير على الخيل وبوب عليه الإمام ابن أبى شيبة فى المصنف فى الجزء الثانى عشر صفحة أربعين وخمسمائة باب فى إنزاء الحمير على الخيل يعنى هذا منهى عنه إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون ومراد النبى عليه الصلاة والسلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون يعنى لا يعلمون ما فى ذرية الخيل من الخير والمصلحة الشرعية ومائة بغل بل ألف بغل لا يسدون مسد حصان وخيل وفرس ولذلك يفعل هذا الذين لا يعلمون وما يحصله الإنسان من تربية الفرس والخيل من الأجر لا يحصل هذا الأجر لو ربى ألف بغل ولذلك ما كان شيئا أحب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام بعد النساء فى هذه الحياة من الخيل، الخيل يحبها هى آلة الجهاد المفضلة وسيأتينا ماذا يوجد من أجر على تربية الخيل فأنت لو أنزيت الحمير على الخيل سيأتى بغال والبغال ليست كالخيل لا تصلح للجهاد لا يصلح البغل للجهاد عندما تركب البغل كأنك ركبت الحمار لكن هذا على..لكن لا كر ولا فر ولا قتال معك ولا ولا سرعة الخيل أحيانا إذا كانت مسرعة تبلغ مائة كيلو فى الساعة هذه الخيل التى هى عادية وإذا زادت ممكن تصل إلى مائة وستين كيلو متر فى الساعة يعنى يغلب السيارة حقيقة هذا فى الحقيقة يعنى آلة عظيمة ثم يقاتل معك ثم ثم فهذه الأشياء عظيم الخيل.

ولذلك ثبت فى سنن النسائى بسند حسن عن أنس رضى الله عنه وأرضاه قال لم يكن شىء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل أكثر ما يحبه فى هذه الحياة بعد النساء الخيل الخيل هذه لها شأن عظيم ولا يحب النبى عليه الصلاة والسلام إلا ما يقربه إلى ذى الجلال والإكرام فالنساء ذرية طيبة وبعد ذلك عشرة ينتج عنها خيرات فى العاجل والآجل وهنا كذلك خيل فلها هذه المكانة. وقد ثبت فى الصحيحين من رواية ثلاثة من الصحابة الكرام من رواية ابن عمر وعروة البارقى وأنس ابن مالك رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال الخيل معقود فى نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم والحديث روى من رواية أبى هريرة رضى الله عنه لكن فى سنن الترمذى والنسائى فليس هو فى الصحيحين وقد ثبت فى المسند وصحيح البخارى وسنن النسائى من رواية أبى هريرة أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [من احتبس فرسا إيمانا واحتسابا فإن شبعه وريه وروثه وبوله فى ميزانه يوم القيامة] شبعه وريه وبوله وروثه كل هذا يوضع فى ميزانه يوم القيامة وله هذا الأجر العظيم. وكما قلت بأنه آلة الجهاد وتقدم معنا أن الإمام أبا حنيفةعليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كره أكل لحوم الخيل لا لآفة فى لحمها يؤكل لحمها عند الجمهور فلحمها كلحم الضأن فهى كريمة طيبة مباركة لكن كره أكل لحمها لكرامتها لا لآفة فى لحمها قال هذا لو يعنى تمادى الناس وفشى فيهم ذبح الخيل وأكلها ينقطع بعد ذلك وسيلة الجهاد فيمنع الناس من ذبح الخيل لا لأن الخيل لا يحل لحمها إنما كرامة لها من أجل أن يستعان بها على هو ما أعظم من الأكل ألا وهو القتال فى سبيل الله عز وجل الخيل لها هذا الشأن الكبير عند ربنا الجليل سبحانه وتعالى هذا الحديث الأول وهو حديث على رضى الله عنه وأرضاه وهو حديث صحيح كما قلت.

الحديث الثانى: من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم وأجمعين رواه الإمام أحمد فى المسند والترمذى والنسائى فى السنن وقال الترمذى هذا حديث حسن صحيح والحديث رواه ابن أبى شيبة فى مصنفه والبيهقى فى السنن الكبرى والإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار انظروا المكان المتقدم عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا لا شك هو عبد وهو أفضل العبيد وأحبهم إلى ربنا المجيد سبحانه وتعالى فما خلق الله وما ذرأ ولا برأ نفسا أكرم عليه من حبيبنا وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كان رسول الله عليه الصلاة والسلام عبدا مأمورا يعنى يبلغ ما أمر بتبليغه هو عبد لله عز وجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا مأمورا ما اختصنا دون الناس بشىء إلا بثلاث يقول نحن آل البيت الطيبين الطاهرين ما خصنا بشىء لأأنه مأمور بالبلاغ لكل الناس إلا بثلاثة أمور خصنا بها هذا من قبل الله عز وجل لآنه قدم مقدمة قال كان عبدا مأمورا فالله أمره أن يخص آل البيت بهذه الأمور الثلاثة كما خصهم بكثير من الأمور وهنا هذه الأمور الثلاثة خصهم بها إلا هذه الأمور الثلاثة يقول عبد الله ابن عباس رضى الله عنه. الأمر الأول: أمرنا أن نسبغ الوضوء. والثانية: ألا نأكل الصدقة. والثالثة: ألا ننزى حمارا على فرس.

طيب قد يقول قائل الأولى والثالثة يعنى يشترك فيها آل البيت وغيرهم لا ثم لا إسباغ الوضوء على آل البيت واجب وعلى غيرهم سنة فبقى بيننا وبينهم فارق هناك ينبغى أن يسبغوا الوضوء هؤلاء الذرية الطيبة الطاهرة لهم شأن إذا توضأ يسبغ الوضوء أكثر منا والإسباغ هو المبالغة بالدلك والفرك عند الوضوء من أجل يعنى كمال الإنقاء على وجه التمام الأصل صب الماء عندما تدلك هذا إسباغ الوضوء وهذا واجب على آل البيت الطيبين الطاهرين وفى حقنا سنة مستحب يستحب لك الدلك وإسباغ الوضوء والأمر الثانى صدقة هذه محرمة عليهم ولا تحرم على غيرهم والثالث يحرم عليهم أن ينزوا حمارا على خيل لأن هؤلاء هم أول من يقوموا بالجهاد وهم يعنى ينبغى أن ينصروا دين الله قبل غيرهم وإذا هم أرادوا البغال بدل الخيل وتأخروا عن الجهاد من باب أولى فيحرم عليهم ويكره فى حق غيرهم يكره لنا أن ننزى حمارا على خيل ولا يحرم وفى حق آل البيت يحرم وليس المقصود الكراهة ولذلك كان يقول كان رسول الله عليه الصلاة والسلام عبدا مأمورا ما اختصنا دون الناس بشىء إلا بثلاث أولها أمرنا أن نسبغ الوضوء والثانية لا نأكل الصدقة والثالثة ألا ننزى حمارا على فرس. إخوتى الكرام: هذا أحد القولين فى توجيه الحبيب إذن هذه واجبة علينا وعلى غيرنا سنة وبالنسبة لأكل الصدقة نحن نمنع منها على سبيل التحريم وغيرنا الأولى أن يتعفف وهناك قول ثان لأئمتنا خصنا قال بمزيد حث ومبالغة فغيرنا يندب له هذه الأمور وأما نحن الندب فينا قوى ومبالغ فيه أكثر من غيرنا ندب لكن فيه كما قلت تأكيد وهناك ندب فيه ترغيب.

هذان جوابان ذكرهما أئمتنا فى شرح هذا الحديث وانظروا مثلا تحفة الأحوذى فى الجزء الثالث صفحة واحدة وثلاثين قال الإمام الطحاوى مبينا أن الكراهة أن المنع للكراهة من إنزاء الحمير على الخيل فى حق الأمة لكن تقدم معنا فى حق آل البيت الطيبين الطاهرين على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه هل هو للمنع أو أن الكراهة شديدة يمنعون من ذلك بشدة أكثر من غيرهم.

يقول الإمام الطحاوى تواترت الأحاديث على نبينا عليه صلوات الله وسلامه بركوب البغال وهذا مما يدل على أن إنزاء الحمير على الخيل جائز لكنه مكروه ولو كان محرما لما ركب النبى عليه الصلاة والسلام البغل وزجر عنه لأنه تولد من شىء محرم لا بد من أن ينهى عنه ثم روى الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الثالث صفحة خمس وسبعين ومائتين عن أبى جهضم وهو موسى ابن سالم مولى بنى هاشم رضى الله عنهم وأرضاهم وهو صدوق حديثه فى السنن الأربعة أبو جهضم موسى ابن سالم يقول حدثنى عبيد الله ابن عبد الله يعنى لهذا الحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن إنزاء الحمير على الخيل ألا ننزى حمارا على فرس نهانا نحن آل البيت ما خصنا دون الناس بشىء ألا بثلاث يقول حدثنى بهذا الحديث عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس رضى الله عنهم فقال فلقيت عبد الله ابن الحسن رضى الله عنهم أجمعين وهو يطوف فحدثته بهذا الحديث الذى بلغنى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى عليه الصلاة والسلام خص آل البيت بهذه الأمور الثلاثة بإسباغ الوضوء وبمنعهم من الصدقة وألا ينزوا حمارا على خيل فقال عبد الله ابن الحسن صدق كانت الخيل قليلة فى بنى هاشم فأحب النبى صلى الله عليه وسلم أن تكثر فيهم فكأنه يقول هذا الأمر أيضا هم وغيرهم فيه سواء إنما نهاهم النبى عليه الصلاة والسلام عنهم فى أول الأمر لأن الخيول كانت قليلة عند بنى هاشم فلأجل أن تكثر فيهم من أجل أن يكونوا يعنى فى القتال على الصفة الكاملة نهاهم على وجه التحريم فى حقهم عن إنزاء الحمير على الخيل لتكثر الخيل فيهم ولئلا تنتج خيولهم بغالا وعليه كأنه يقول عبد الله ابن الحسن رضى الله عنهم أجمعين إذا كثرت الخيل كما هو الحال الآن فى بنى هاشم فلا داعى بعد ذلك للمنع على سبيل التحريم نحن وغيرنا فى ذلك سواء والعلم عند الله جل وعلا.

الحديث الثالث: فى النهى والزجر عن إنزاء الحمير على الخيل مروى من رواية دحية ابن خليفة الكلبى وحديثه فى المسند انظروه فى الجزء الثالث صفحة إحدى عشرة وثلاثمائة فى المسند وهو فى معجم الطبرانى الأوسط كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الخامس خمس وستين ومائتين ورواه ابن أبى شيبة فى المصنف فى المكان المتقدم. وهكذا رواه الضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة والإمام البغوى وابن قانع كما فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة ثمان وتسعين ومائتين ورجال إسناده رجال الصحيح تقدم معنا الحديثان المتقدمان صحيحان حديث سيدنا على وسيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وحديث دحية رجاله رجال الصحيح قال الهيثمى خلا عمر ابن حسين ابن سعد ابن حذيفة ابن اليمان رضى الله عنهم وأجمعين وقد وثقه ابن حبان جميع رجال إسناده رجال الصحيح إلا عمر ابن حسين ابن سعد ابن حذيفة وقد وثقه ابن حبان وقال ابن أبى الحاتم فى الجرح والتعديل قال وكيع كان ثبتا وقد روى عنه وكيع كان ثبتا لكن قال عن الشعبى حديثا مرسلا أن دحية الكلبى وسيأتينا لفظ الحديث إن شاء الله وهو حديث إنزاء الحمير على الخيل وقال الإمام البخارى فى التاريخ الكبير عمر ابن حسين عن الشعبى مرسل والذى يظهر والعلم عند الله جل وعلا أن عمر ابن حسين من الرواة عن الشعبى روى عنه وهو من تلاميذه والشعبى روى عن دحية الكلبى وهو يعنى عندما روى الحديث عن الشعبى والشعبى عن دحية الشعبى من تلاميذ دحية ودحية صحابى رضى الله عنهم أجمعين وعليه الإسناد متصل وهو ما أرسل الحديث يعنى ما رواه عمر ابن حسين عن دحية وأسقط الشعبى وما رفعه من الشعبى إلى النبى عليه الصلاة والسلام فعمر ابن حسين من تلاميذ الشعبى والشعبى أدرك دحية وروى عنه عليه ينبغى أن يكون الإسناد متصلا.

وانظروا إيضاح هذا الأمر فى تعجيل المنفعة فى صفحة سبع وتسعين ومائتين وفى الإصابة للحافظ ابن حجر فى الجزء الأول صفحة أربع وستين وأربعمائة وكيفما كان أمر الحديث مرسلا أو متصلا فهو صحيح قطعا وجزما بشهادة الحديثين المتقدمين له ولفظ حديث دحية قال قلت للنبى صلى الله عليه وسلم ألا أحمل لك حمارا على فرس فتنتج يعنى الفرس لك بغلا فتركبها ألا أحمل لك حمارا على فرس فتنتج لك بغلا فتركبها فقال النبى صلى الله عليه وسلم إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون وفى رواية المصنف ابن أبى شيبة عن دحية رضى الله عنه وأرضاه قال أهديت إلى النبى صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فقال دحية رضى الله عنه وأرضاه لو شئنا أن نتخذ مثلها فقال له النبى عليه الصلاة والسلام وكيف كيف ستأتى بمثلها هذه البغلة فقال نحمل الحمر على الخيل العراض الجيدة الخالصة فتأتى بها تتأتى ببغال فقال النبى عليه الصلاة والسلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون. وفى رواية قال دحية ألا ننزى حمارا على فرس فتنتج مهرة نركبها فقال النبى عليه الصلاة والسلام إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون إذن الحديث صحيح كما قلت من رواية ثلاثة من الصحابة سيدنا على وعبد الله ابن عباس ودحية الكلبى رضى الله عنهم أجمعين نهى نبينا عليه الصلاة والسلام عن إنزاء الحمير على الخيل لاختلاف الجنس ولأن الذرية ستأتى تخالف الأصل ونهانا ربنا عن نكاح الأمة إذا كنا قادرين على حرة وإذا لم نكن قادرين فإذا ملكنا أنفسنا فلا نتزوجها أيضا وإذا ما قدرنا على نكاح حرة وخشينا على أنفسنا من الزنا فيجوز نكاح الأمة فإذن منعنا عنها للحالتين المتقدمتين مع أنها من جنسنا لكن النوع مختلف فلأن نمنع عن نكاح ما ليس من جنسنا أولى وأحرى والعلم عند الله وهذا استدلال الإمام السيوطى وهو قياس الأولى هذا الدليل الرابع أوليس كذلك.

الدليل الخامس: اختلاف الجنس دليل على تحريم التناكح بين الجن والإنس اختلاف الجنس وقد قرر هذا أئمتنا الكرام ففى رد المحتار على الدر المختار فى الجزء الثالث صفحة خمسين وهو من كتب فقه الحنفية والإمام ابن عابدين له حاشية رد المحتار توفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين بعد الألف رد المحتار على الدر المختار يوجد حاشية أيضا على الدر المختار للإمام الطحطاوى وهذا كان فى بلاد مصر الطحطاوى وابن عابدين فى بلاد الشام وهما متعاصران وكتابهما أيضا متقاربان فى الحجم وفى الشرح لكن كتب الله الذيوع والانتشار لحاشية رد المحتار دون حاشية الطحطاوى الطحطاوى توفى سنة واحدة وثلاثين ومائتين بعد الألف وهو فى الأصل من بلاد الشام أيضا حلبى لكن ذهب إلى بلاد مصر واستقر فيها الطحطاوى له حاشية أيضا على كما تقدم معنا على الدر المحتار شرح متن تنيير الأبصار فى الفقه الحنفى فى حاشية الطحطاوى فى الجزء الثانى صفحة ثلاثة ومثل هذا التقرير الذى سأذكره فى لقط المرجان للإمام السيوطى صفحة سبع وثلاثين عرفوا النكاح فقالوا النكاح عند الفقهاء عقد يفيد ملك المتعة قصدا بهذا العقد يفيد لك أن تتمتع يحصل لك يباح لك أن تتمتع بمن عقدت عليها قصدا أنت تقصد الوطء وهذا يباح لك وخرج الوطء ضمنا كما لو اشتريت أمة هناك عندما اشتريت أمة يباح لك التمتع بها شراء لكن أنت لا تقصد هذا وقد لا تتمتع بها طول حياتك تشتريها ولا تقربها أما هذه كما قلت أنت تقصد ذلك عقد يفيد ملك المتعة أنت تملك التمتع بها قصدا وأما هناك عند شراء الأمة يقع حل التمتع ضمنا قال أئمتنا أى حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعى هذا معنى النكاح عند الفقهاء عقد يفيد ملك المتعة قصدا أى حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعى قالوا خرج بقوله امرأة خرج الذكر وخرج الخنثى لجواز ذكورته فلا يجوز أن تتزوج هذا ولا ذاك خرج هذا حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من

نكاحها مانع شرعى قالوا خرج بالمانع الشرعى المحارم من أم وجدات وبنات وخالات وعمات وغير ذلك المحارم امرأة لكن منع من التمتع منها مانع شرعى وخرج المشركة غير الكتابية منع من نكاحها مانع شرعى وخرج إنسان الماء لو وجدت فى البحر مخلوقا على صورة الإنسان ويوجد. يقول الفقهاء إنسان الماء على صورة بنى آدم لا يجوز أن تقربه ولا أن تطأه ولا أن تتزوجه ولا أن تملكه لأجل وطء لاختلاف الجنس ليس هو امرأة من بنى آدم وخرجت الجنية فقوله لم يمنع منها مانع شرعى خرج معنا أربعة أصناف المحارم والمشركة غير الكتابية وإنسان الماء والجنية خرج بقولنا امرأة الذكر والخنثى إذن حل استمتاع الرجل بامرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعى وعليه هنا الجنية ليست من جنسنا فلا يجوز لنا أن نتزوجها. قال الإمام ابن عابدين فى حاشية رد المحتار وقول الله جل وعلا فى سورة النحل والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا بين المراد من قوله انتبه لهذا البيان فانكحوا ما طاب لكم من النساء أنه سيأتينا ضمن استدلال المبيحين قال يطلق على رجال الجن وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن يطلق عليهم إخوان لنا كما معنا فى هذا الحديث وهذا مما استدلوا به إنه زاد إخوانكم من الجن إذا كان رجالهم الذكور فيهم رجالا وهم إخوان لنا والإناث فيهم نساء إذن يجوز أن نتزوج من نساء الإنس ويجوز أن نزوج من رجال الجن لأن الله يقول فانكحوا ما طاب لكم النساء والأنثى من الجن من النساء.

قال الإمام ابن عابدين فقول الله فى سورة النحل {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} بين المراد من قوله فانكحوا ما طاب لكم من النساء ما هو وهو الأنثى من بنات آدم وبنات بنى آدم فلا يثبت حل غيرها بلا دليل ثم قال ولأن الجن يتصورون بصور مختلفة شتى فقد يكون الجنى ذكرا وتصور بصورة أنثى فكيف ستتجوزه ما عندك يقين أيضا على أنه أنثى وإذا كان الأمر كذلك فيمنع من التزواج والتناكح بين الإنس والجن إذن اختلاف الجنس النكاح حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعى خرج بقولنا من امرأة أمران وخرج بقولنا مانع شرعى أربعة أمور منها الجنية وعليه قول الله والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يبين المراد من قوله فانكحوا ما طاب لكم النساء أى من النساء الآدميات لأن الله يقول من أنفسكم والله جعل لكم من أنفسكم يضاف إلى هذا أن هذه الجنية ليس عندنا وثوق بأنها أنثى فقد تتشكل بأشكال مختلفة وقد تكون ذكرا وظهرت بصورة أنثى والعلم عند الله جل وعلا.

نعم إخوتى الكرام: اختلاف الجنس من موانع النكاح والإنسان ينبغى أن يتزوج من جنسه الذى يكافئه والله جل وعلا عندما نفى الوالدية والولدية عنه نفى الزوجة عنه بعدم وجود كفء له فقال فى سورة الإخلاص {قل هو الله أحد الله الصمد} سيد سبحانه وتعالى اكتمل فى السؤدد والشرف والكمال يصمد إليه فى الحاجات وهو غنى ليس بأجوف سبحانه وتعالى هو الذى يطعم ولا يطعم لم يلد أى ليس له فرع ولم يولد ليس له أصل لا ولد ولا والد ولم يكن له كفوا أحد قال أئمتنا فى كتب التفسير فى ذلك دليل على نفى الزوجية عن الله جل وعلا لأن الزوجة تكون من جنس زوجها والله لا يوجد من يكافئه ولا من يماثله وهل يرضى الواحد منا نحن من بنى آدم أن يتزوج من غير جنسه لا والله جل وعلا أحد لا يوجد من يكافئه ولا من يماثله فكيف تنسبون إليه الزوجة هذا نقص فى حقه عظيم تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة سبحانه وتعالى ولم يكن له كفوا أحد فى هذا دليل على انتفاء الزوجة كما هو مقرر فى كتب التفسير لأنها تكافىء الزوجة تكون من جنسه والله لا يماثله شىء فى ذاته فى صفاته وفى أفعاله ليس كمثله شىء وهو السميع البصير سبحانه وتعالى إذن لا ولد ولا والد ولا زوجة وهنا كذلك اختلاف الجنس كما قلت من موانع النكاح. الدليل السادس: منافاته أى الزواج بين الإنس والجن التناكح بين الإنس والجن منافاته لمقصود النكاح وعدم حصول المقصود بذلك النكاح.

المقصود من النكاح أن يسكن كل من الزوجين إلى صاحبه وأن يحصل له الأنس بصاحبه هذا لا يوجد إذا تزوج الإنسى جنية ولا إذا تزوجت الأنسية جنيا لا يوجد هذا وهذا مقصود من مقاصد النكاح العظيمة كما تقدم معنا فى آية الروم ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها يحصل سكن ... وأما هذه بأى سكن سيحصل لتكون معك فى الفراش وتتشكل بصورة ثعبان بأى سكن سيحصل لك تأتى بعد ذلك إلى البيت ولا تراها ثم تخرج من غير إذنك ثم ثم هذه كلها الآن أى بعد ذلك سكن سيحصل بينك وبينها وأى وئام وأى ارتباط وأى التزام فإذا كان مقصود النكاح لم يحصل بهذا النكاح إذن النكاح كله لا يجوز لأنه ما حصل المقصود منه ولذلك قال أئمتنا لو قدر لو قدر لو قدر أن هذا جائز هل له القدرة على إجبارها على ملازمة المسكن تستطيع أن تجبرها لا تستطيع أما الإنسية بإمكانك وهل منعها من التشكل فى غير صور الآدميين وهل سيعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها وخلوها عن الموانع تكون هى مزوجة لغيرك من جنى أو إنسى أيضا ما الذى يدريك وهل إذا رآها فى غير صورتها التى ألفها وادعت أنها هى يعتمد على قولها ويطأها أو تشكلت بصورة أخرى غير ما يألف منها هل يجوز أن يقترب منها وهل يكلف بالإتيان بما تألفه من قوت يحضر لها العظام لتكسى اللحم على أوفر ما كانت يكلف بهذا وهل وهل قال أئمتنا وكل هذا مما يوجب النفر ولا يحصل به مقصود النكاح ولذلك لا يجوز التزاوج بين الإنس والجن والعلم عند الله جل وعلا وإن كان هذا واقع الوقوع شىء والحل بعد ذلك شىء آخر.

يعنى المشركة التى هى وثنية ما أحل لنا نكاحها لأنه أيضا لا يحصل سكن واطمئنان إليها بوجه من الوجوه والكتابية نفرنا الله عن نكاحها فى آخر الآية التى أحل نكاحها بها فقال جل وعلا بعد أن ذكر وطعام أهل الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان بأى شىء ختم الآية ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو فى الآخرة من الخاسرين ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله ما دخل الكفر الآن عند موضوع التزاوج بين مسلم وكتابية الكتابية قد تقود زوجها إلى الشرك ويميل إليها وهكذا الوثنية فإذن الانسجام لن يحصل هى على ملة وأنت على ملة الانسجام لا يحصل إلا إذا أنت على ملتها وهى على ملتك وكل واحد على مشرب الآخر أما أنت مسلم وهى كتابية يعنى أنت تعبد الله الواحد وهى تعبد ثلاثة آلهة لن يحصل انسجام ولا وئام لكن حتما فى ذلك شىء من المصلحة ومن أجل هذا أبيح هذا النكاح بيننا وبينها بعض الأمور المشتركة لعلها تدعوها إلى الإيمان الكامل أما الوثنية فليس بيننا وبينها اشتراك فى أمر من الأمور وهنا كذلك لا يجوز نكاح الجنية من قبل الإنسى لاختلاف الجنس.

الأمر السابع: وهو آخر الأمور الأصل فى الأبضاع وفى الفروج الحرمة والتحريم حتى يرد دليل الحل وهذا الأمر وحده كاف فى التحريم لو لم يوجد إلا هذا الدليل لكفى لو لم يرد دليل يحرم نكاح الإنسى للجنية والعكس لكفى هذا الدليل دليلا على التحريم لأن الأصل أنت أن تأتى بدليل على الحل أن تقول يدل على الحل قول الله تزوجوا جنية أو قول النبى عليه الصلاة والسلام تثبت حديثا أو آية لأن الأصل فى الفروج التحريم ولا يباح لك بضع إلا بنص يدل على حل ذلك البضع ولذلك الأبضاع محرمة وهذه قاعدة قررها أئمتنا الأصل فى الأشياء الإباحة إلا الأبضاع فالأصل فيها الحل وإلا إلا الأبضاع الأصل فيها التحريم الأصل فى الأشياء الإباحة إلا الأبضاع فالأصل فيها التحريم والمنع وإلا اللحوم أيضا أمران انتبه لهما الفروج واللحوم الأصل فيهما التحريم إلا أن يثبت دليل الحل دليل الإباحة أبيح لك هذا البضع وأحل لك أن تأكل هذا اللحم كما سيأتينا بالنسبة للحوم أيضا.

من باب التنبيه على هذه الفائدة وهذه القاعدة قررها أئمتنا انظروا الأشباه والنظائر لابن نجيم صفحة سبع وستين وانظروا شرحه فى الجزء الأول صفحة خمس وعشرين ومائتين عند قاعدة الأصل فى الأشياء الإباحة إلا الأبضاع فالأصل فيها التحريم الأصل فيها الحظر الأصل فيها الحرمة والمنع وانظروه فى الأشباه والنظائر للإمام السيوطى صفحة واحدة وستين انظروا هذه القاعدة فى دفع إيهام الإضطراب عن آى الكتاب لشيخنا فى الحزء العاشر صفحة أربع وسبعين وهى فى آخر أضواء البيان فى الجزء العاشر له كتاب مطبوع فى آخر التفسير دفع إيهام الإضطراب عن آى الكتاب ولذلك قال الفقهاء الأصل فى النكاح الحظر وأبيح للضرورة وإذا تقابل حل وحرمة غلبت الحرمة حتى النكاح والأصل منه المنع وأبيح فقط للضرورة إنه كشف عن عورات وسوءات وهذا الاتصال هذا الأصل منه المنع لكن أباحه الشارع لأنه طريق إلى إخراج الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية فلنقتصر على هذا ولنقف عنده فإذا قام الدليل على حل شىء فهو حلال إلا فلا بالنسبة للأبضاع فالأصل فى الأبضاع الأصل فى الفروج التحريم وإذا كان كذلك فلا يجوز للإنسى أن يتزوج جنية ولا للجنى أن يتزوج إنسية إلا بدليل يدل على الحل.

وهذه القاعدة أشار إليها سيدنا عثمان ابن عفان ذو النورين رضى الله عنه وعن الصحابة الكرام عندما سئل عن الجمع بين الأختين بواسطة ملك اليمين هل يباح أن يجمع بين الأختين بملك اليمين لا للنكاح فقال سيدنا عثمان رضى الله عنه وأرضاه أحلتهما آية وحرمتهما آية فإذن ما الحكم تحريم واضح هذا بما أنه هو يوجد ما يحل الحل والتحريم التحريم يغلب فلا بد الآن من نص صريح فى لحل أما الآية التى أحلتهما فهى قول الله جل وعلا فى سورة المؤمنون وفى سورة المعارج {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} أو ما ملكت أيمانهم هذا مطلق أختان أو ما شئت من عدد الإماء هذا يحل لك ما ملكته يمينك حلال وهكذا زوجتك التى أحلها الله إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم أحلتهما آية وقول الله جل وعلا فى سورة النساء: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم ونساؤكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما} وأن تجمعوا بين الأختين..

ما خص هذا عن طريق ملك اليمين أو عن طريق النكاح يحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين وهناك قال وأحل لكم ما وراء ذلكم وهناك قال والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم قال أحلتهما آية وحرمتهما آية قال أئمتنا الفقهاء يحرم على الإنسان أن يجمع بين الأختين بملك اليمين لما فهنا عموم يحل وهنا عموم يحرم لخمسة أمور أولها النص الذى يحرم وهو قول الله فى سورة النساء وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف نص فى محل المدرك أى فى محل النزاع فى محل المطلوب فى محل المدرك المقصود وأخذ الحكام من مظانها أولى من أخذ الأحكام من غير مظانها الآية فى سورة المؤمنون وفى سورة المعارج مسوقة للثناء على عباد الله الموحدين المتقين فهناك قد أفلح المؤمنون من صفاتهم كذا وكذا فهذا الآن ثناء على المؤمنين من صفاتهم أنهم يحفظون فروجهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ثم ما هى الزوجة التى يحل له أن يقترب منها هذا مبين فى أدلة أخرى لا يستفاد الآن من هذا هذه الزوجة بعينها وهكذا ما الإناث اللائى يحل له أن يقترب منهن أن يجمع بينهن هذا انظر تفصيله فى أدلة أخرى هنا ليس الآن مسوق لبيان عدد الزوجات وعدد الإماء وتفصيل الكلام فيهن الكلام مسوق فى الثناء على المؤمنين وأنهم يحفظون فروجهم ولا يتصرفون بفروجهم إلا على حسب شرع ربهم أما هناك آية كما قلت تبين المقصود لأنها مسوقة لبيان ما يحل لك وما يحرم من الأبضاع والله قال وأن تجمعوا بين الأختين فعموم آية النساء يقدم على عموم آية المؤمنون وآية المعارج لأن ذلك كما قلنا نص فى محل النزاع فى محل المدرك المقصود فى محل المطلوب فى محل البحث فى القضية التى يبحث فيها وأما هنا آية مسوقة للثناء كما قلت على عباد الله الأتقياء فشتان شتان بين هذين الأمرين فأخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذ الأحكام من غير مظانها هناك الأصل أن تأخذ الحكم من هذه الآية التى تبين لك ما يحل لك وما

يحرم عليك من الأبضاع. الدليل الثانى: آية المؤمنون وآية المعارج هذه الآية التى فيها {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} ليست باقية على عمومها باتفاق أئمتنا بلا نزاع وأما هناك وأن تجمعوا بين الأختين غى ما قد سلف هذا باقى على عمومه ما يستثنى شىء وأما هنا ليست باقية على عمومها إن قيل كيف نقول الأخت من الرضاعة لا تحل بملك اليمين لا الأخت من الرضاعة لا تحل بملك اليمين يعنى لو سبيت أو اشتريت أختك من الرضاعة هى رضعت معك هى أمة وأمها أرضعتك ثم اشتريتها يحل لك أن تقترب منها إذن لا يحل الله يقول فى كتابه إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم وهذه بملك يمين واضح إذن هنا خرجت الأخت من الرضاعة بملك اليمين موطوءة الأب لو قدر أن الأب وطء هذه الأمة ثم آلت إليك بعد ذلك يجوز أن تطأها يبقى موطوءة الأب لا يجوز للابن أن يقترب منها سواء عن طريق النكاح أو عن طريق التسرى فخرجت إذن خرجت صور كثيرة من ذلك العموم الذى هو إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ليست كل أنثى ملكتها يمينك يجوز أن تطأها إلا بصفات شرعية وضوابط تؤخذ من محلها أختك من الرضاعة إذا ملكتها بملك يمينك لا يجوز أن تطأها موطوءة أبيك وهكذا إذن هناك عموم لم يبق على عمومه خص لصور كثيرة مجمع عليها وهناك عموم باقى على عمومه بالاتفاق وأن تجمعوا بين الأختين فتقديم ذلك العموم على هذا أولى وعليه لا يجوز للإنسان أن يجمع بين الأختين بملك يمين كما لا يجوز له أن يجمع بينهما بعقد النكاح لما الأصل فى الأبضاع كما قلنا المنع التحريم أحلتهما آية حرمتهما آية نقدم دليل التحريم لهذه الأمور.

الدليل الثالث: عموم الآية الأولى وهى آية النساء غير وارد فى معرض مدح ولا ذم إنما فى بيان الأبضاع المحرمة والأبضاع المباحة وأما عموم قوله جل وعلا كما تقدم معنا والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم هذه فى معرض الثناء والمدح وهذا يختلف عن الأمر الأول من حيث التعليل هناك قلنا نص فى محل النزاع هناك قلنا أخذ الأحكام من مظانها هناك آية لبيان ما يحل وما يحرم وأما هنا بيان ما يحل وما يحرم وأما هناك بقى ثناء ومدح وإذا كان النص عام وسيق من أجل الثناء من أجل المدح من أجل الذم يقول أئمتنا لا عموم له ولذلك الإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى قول الله جل وعلا {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} هذه الآية استدل بها الإمام أبو حنيفة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا على وجوب الزكاة فى الحلى الذى تلبسه المرأة قال لأنه حلى ذهب وفضة وإذا ما أدت زكاته فهو كنز الإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول الآية مسوقة للترغيب فى الإنفاق ما الذى يجب علينا أن نخرج منه الزكاة ولا يجب هذا يحتاج إلى دليل خاص فى المسألة وعليه عموم هذه الآية مسوقة للترغيب فى الإنفاق ما على أن الزكاة واجبة على كل ذهب وفضة لا هذا يحتاج بعد ذلك لبيان نوع الذهب الذى يجب فيه الزكاة ونوع الذهب الذى لا يجب فيه الزكاة لأنها مسوقة كما قلت فى الثناء على الإنفاق والتحذير من البخل والتقتير فقط والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم فالإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول هذه ثناء على المنفقين وذم غير من لا ينفقون أما الحلى هل فيه زكاة أم لا هذا يحتاج إلى دليل خاص أبو حنيفة ...

حكم التناكح بين الإنس والجن 1

حكم التناكح بين الإنس والجن (1) (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم حكم التناكح بين الإنس والجن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك. اللهم صل على نبينامحمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. لازلنا نتدارس مبحث الجن وكما قلت فى الموعظة الماضية نحن الآن فى آخر مباحثه ألا وهو الصلة بيننا وبينهم وقلت هذا المبحث الأخير من مباحث الجن يقوم على أربعة أمور. أولها: استعانة الإنس بالجن. وثانيها: التناكح بين الإنس والجن. وثالثها: صرع الجن للإنس. ورابعها: تحصن الإنس من الجن. إخوتى الكرام: انتهينا من الأمر الأول ألا وهو الاستعانة استعانة الإنس بالجن وشرعنا فى الموعظة الماضية فى مدارسة الأمر الثانى ألا وهو وقوع التناكح بين الإنس والجن وقلت هذا الأمر أيضا يبحث ضمن ثلاثة مراحل. المرحلة الأولى: تقدمت معنا وقوع التناكح بين الجن وقلت هذا ثابت كوقوعه بين الإنس وذكرت الأدلة التى تؤيد هذا وتبين أنه للجن ذرية كما أنه للإنس ذرية. والأمر الثانى: إمكان التناكح والتزاوج بين الإنس والجن قلت أيضا الإمكان ممكن والوقوع واقع والحوادث فى ذلك كثيرة تصل إلى درجة التواتر ومنكرها مكابر.

بقيت معنا الجزئية الثالثة: فى الموضوع ما حكم هذا لو وقع وهل يجوز للإنسى أن يتزوج جنية وهل يجوز للجنى أن يتجوز إنسية هذا ما سنتدارسه فى هذا المبحث إخوتى الكرام وهذه الجزئية على وجه الخصوص ومبحث الجن على وجه العموم يعنى قد تكون فائدته كثير من المسلمين به قليلا ولا يحتاجون إليه. وهذا التوسع الذى حصل كما قلت لنتعرف أولا على هذا العالم الذى يقابل عالم الإنس الأمر الثانى إخوتى الكرام عندما نتعلم أحكام الإسلام فى كل قضية من القضايا سواء احتجنا إليها أم لا نكون على بينة من أمرنا فى جميع أحوالنا ونرى بعد ذلك عظمة هذه الشريعة وسعتها ودقتها كيف حوت حكم كل شىء فى هذه الحياة ثم أنك تحتاج بعد ذلك إلى هذا الحكم أو لا تحتاجه هذا موضوع آخر ونحن كما ترون حتى فى مبحث الجن عندما نتدارس أحكام الجن نتعرض لأحكام الإنس ثم نستعرض الأدلة الشرعية التى تعطى للإنسان يعنى سعة نظر ويعنى فهما ووعيا بشريعة الله جل وعلا فى القضايا التى نتدرسها وفى غيرها وقد يدرس الإنسان قاعدة من القواعد ضمن مباحث الجن تلزمه بعد ذلك فى مبحث آخر يتعلق بالإنس وشريعة الله مترابطة ببعضها فكن على علم بذلك.

إخوتى الكرام: كما قلت نحن فى القضية الثالثة فى حكم التناكح بين الإنس والجن كنت أشرت فى آخر الموعظة الماضية إلى أن الحكم هو المنع ولا يجوز أن يتجوز الإنسى الجنية ولا الجنى إنسية وهذا هو المقرر عند جماهير أئمة المسلمين عند أبى حنيفة وعند الشافعى وعند الإمام أحمد وقلت الإمام مالك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كرهه لاعتبار معين سيأتينا إن شاء الله وإن كان يرى أن الأصل الجواز والعلم عند الله جل وعلا وقلت إن الذى يظهر القول بالمنع وأن التحريم فى حق كل أحد من الإنس والجن فلا يجوز أن يقع التزاوج بينهما لسبعة أمور وقلت لكم اكتبوها إجمالا فى آخر الموعظة الماضية وأشرحها الآن تفصيلا وترى بعد ذلك سعة هذه الشريعة وعظمتها ودقتها كما قلت فى تشريعها ويزداد الإنسان بصيرة بأن هذا الشرع هو شرع الحكيم الخبير سبحانه وتعالى. أول هذه الأمور كما تقدم معنا إخوتى الكرام التى تدل على التحريم قلت كتاب الله وثانيها حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وثالثها الآثار المنقولة عن سلفنا الكرام ورابعها القياس السوى الذى هو من أعلى أنواع الأقيسة لهذه المسألة ألا وهو قياس الأولى كما سيأتينا وخامسها التمسك بالأصل فالأصل فى الأبضاع التحريم ولا يحل لك بضع إلا بدليل كما سيأتينا وسادسها اختلاف الجنس وسابعها عدم حصول المقصود من الزواج عند تزاوج الإنسى بجنية أو جنى بإنسية لا يحصل مقصود. التزاوج مقصود النكاح وهو السكن الذى أشار إليه ربنا فى كتابه كما سيأتينا ومن أجله يتزوج الإنسان فلن يحصل هذا المقصود وبالتالى لا يجوز التناكح بين الإنس والجن. الدليل الأول: كتاب الله جل وعلا دل على تحريم التناكح بين الإنس والجن والله أشار إلى هذا فى آيتين من كتابه جل وعلا: الآية الأولى: فى سورة النحل وفيها يقول عز وجل: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون} .

والآية الثانية: فى سورة الروم: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون} قول الله جل وعلا فى الآيتين جعل لكم من أنفسكم ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم من أنفسكم كلمة من هنا إما أن تكون للجنس وعليه من جنسكم ونوعكم وعليه من هنا ابتدائية من أنفسكم وإما أن تكون للتبعيض والله جعل لكم من أنفسكم ويراد من ذلك هنا خصوص حواء التى خلقت من خصوص أبينا آدم على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعنى جعل حواء من بعض وجزء أبينا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام لأنه خلقها من ضلعه الأيسر الأقصى فإذن هنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا فإن قيل كيف جمع والمراد فرد من أنفسكم وهى مخلوقة من نفس واحدة أزواجا وهى زوج فهذا من باب تغليب الجمع على المفرد لأجل التعظيم لأن ما حصل عظيم عظيم أن تخلق أنثى من ذكر بدون اتصال بين الأنثى والذكر هذا أمر عظيم والله جل وعلا خلق ذكرا من غير أنثى وذكر وهو أبونا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام وخلق أنثى من ذكر بلا أنثى كما خلق أمنا حواء من أبينا آدم على نبينا وعليهما الصلاة والسلام خلق ذكرا من غير ذكر يعنى من أنثى فقط وهو عيسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام وخلقنا نحن من ذكر وأنثى فاكتمل الخلق يعنى من أنثى من أم بلا أب ومن أب بلا أم ومن غير أب وأم ومن أب وأم سبحان الخالق سبحانه وتعالى هو الذى يخلق ما يشاء إذن والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعنى جعل حواء من آدم من للتبعيض خلقها من بعضه من أحد أجزائه وهى بعد ذلك يعنى أصل لكل أنثى وأبونا آدم أصل لكل ذكر على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا كما قلت إما للجنس وإما للتبعيض وهى إما ابتدائية وإما بعضية كما تقدم معنا وكون أمنا حواء مخلوقة من أبينا آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام هذا ثابت إخوتى الكرام عن

نبينا عليه الصلاة والسلام. كما ثبت هذا فى كتاب الرد على الجهمية صفحة خمسين وهو لابن منده أيضا الرد على الجهمية للإمام الدارمى أيضا لكن هذا لابن منده الرد على الجهمية لابن منده صفحة خمسين عن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال إن الله لما خلق آدم مسح ظهره سبحانه وتعالى وجرى من ظهره كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة ثم انتزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء فهى مخلوقة من أحد أضلاعه وإلى هذا أشار الله فى أول سورة النساء {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة} وهى آدم وأنثت واحدة لتأنيث لفظ النفس لا للتأنيث المعنوى الحقيقى فيه إنما للتأنيث اللفظى من نفس واحدة لأن لفظ النفس مؤنث تقول هذه نفسى ولا تقول هذا نفسى هذه وهذه أنفسكم إذن من نفس واحدة {وخلق منها زوجها} وهى أمنا حواء على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه.

وهذا التفسير هو الذى أشار إليه نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذا الحديث مسح على ظهر آدم فخرج من ظهره كل نسمة كائنة إلى يوم القيامة وأشهدهم بعد ذلك على أنفسهم أنه ربهم فشهدوا ثم انتزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء ولذلك هى مخلوقة من شىء حى قيل لها حوا وحواء وهى أم لكل حى حواء خلقت من شىء حى من أبينا آدم على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه وهى أم لكل حى حى حوا حواء وهذا هو التفسير الحق وما قاله بعض الضالين فى هذه الأيام فى أمريكا قال إن آدم خلق من حواء لأن الله يقول: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة} من نفس واحدة قال هى حواء لأنها مؤنث وخلق منها زوجها وهو آدم فقال الزوج هذا ذكر والنفس الواحدة هى أنثى فخلق الذكر من الأنثى وهذا هو تفسير الأعاجم الذين يتلاعبون بكلام الله عز وجل الزوج يطلق على الذكر والأنثى والأفصح إطلاق هذا اللفظ على المرأة إذا كانت زوجة تقول لها هذه زوجى ولا تقول زوجتى ولو قلت يصح من حيث اللغة يعنى كلاهما صحيح فصيح لكن الأفصح وبه نزل القرآن الزوج فى حق الذكر والأنثى ولذلك ولكم نصف ما ترك أزواجكم لم يقل زوجاتكم واستعمال الزوجة فصيحا أيضا وورد فى أشعار العرب لكن الأفصح ونزل به القرآن الزوج لكل منهما وعليه وخلق منها زوجها لا يراد منه الزوج الذكر وخلق منها زوجها خلق منها حواء فهى الزوج لأبينا آدم على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه.

وهذا التفسير كما هو ثابت على نبينا وعليه الصلاة والسلام منقول أيضا عن حبر الأمة وبحرها سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين نقل ذلك عنه ابن أبى حاتم فى تفسيره وابن المنذر فى تفسيره والبيهقى فى شعب الإيمان وإسناد الأثر إليه صحيح والأثر فى تفسير ابن كثير انظروه فى الجزء الأول صفحة ثمان وأربعين وأربعمائة وانظروه فى الدر المنثور فى الجزء الثانى صفحة مائة وست عشرة يقول عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما يقول [إن الرجل خلق من الأرض فجعلت نهمته فى الأرض وإن المرأة خلقت من الرجل فجعلت نهمتها فيه فاحبسوا نسائكم] يعنى تريد أن ترجع إلى أصلها وتتعلق به ولا تستقر المرأة إلا إذا كانت فى كنف رجل والرجل لو أعطيته نساء الدنيا يتطلع إلى تملك العقار والديار وأما هى إذا حصلت رجلا لو لم تملك من الأرض شبرا لا تبالى لذلك الرجل خلق من الأرض فجعلت نهمته فى الأرض يريد يتملك يبنى مع أنه حبب إليه أيضا الشهوات الأخرى من النساء والبنين لكن الأرض هذه خلق منها يحب أن تزداد عنده المساحات والدور العقارات فجعلت نهمته فى الأرض والمرأة خلقت من الرجل فجعلت نهمتها فى الرجل فاحبسوا نسائكم لأنها إذا خرجت الرجل يريدها لأنها محل شهوته وهى تريده لأنها فرعا منه فالفتنة مشتركة من الجانبين هو يريدها وهى تريده فاحبسوا نسائكم.

الشاهد كما قلت مخلوقة من أبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وما يوجد فى الأصل من خصائص يسرى إلى الفرع {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} ، {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها} وهناك جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وتقدم معنا غالب ظنى ضمن مباحث النبوة ما يتعلق بهذه الآية وقلت البنين المراد إما خصوص الأولاد الذكور وهذا هو الظاهر وحفدة يراد منها على أحد أقوال الستة قيلت البنات لأن صفة الخدمة فيهن من الحفد وهو الخدمة بسرعة على وجه السرعة والنشاط أكثر من البنين وعليه بنين وبنات وقيل الحفدة كما تقدم معنا الأولاد الذكور أيضا وأعيد هنا العطف مع الاختلاف فى الحقيقة فنزل تغاير الصفات منزلة تغاير الذوات كما تقدم معنا إذن بنين يعنى تحبونهم وهم جنس الذكور ولهم شأن وهم يخدمونكم أيضا أو أن المراد الأولاد مطلقا بنين وبنات أو أولاد الأولاد كما تقدم معنا أو أولاد الزوجة أو الأصهار والأختان أو أن المراد من الحفدة الخدم من غير هذه الزوجة وعليه جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة وجعل لكم خدما تستعينون به وترتفقون بهم فى هذه الحياة والعلم عند الله كما تقدم معنا فى سرد هذه الأقوال.

إذن {وجعل لكم من أنفسكم وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات} ، {أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون} قد يقول قائل ما وجه الدلالة فى هاتين الآتين على تحريم التناكح والتزاوج بين الإنس والجن وأئمتنا استدلوا بهايتين الآيتين على المنع منهم شيخ الإسلام الإمام البارزى وهو هبة الله ابن عبد الرحيم توفى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة للهجرة وكان قاضى القضاة فى بلاد الشام فى حماه فى القرن الثامن للهجرة ولما مات غلقت حماه من أجل شهود جنازته رحمة الله ورضوانه عليه هبة الله ابن عبد الرحيم سأله تلميذه الإسنوى كما سيأتينا عدة أسئلة من جملتها عن موضوع التزاوج بين الإنس والجن فأفتى بالمنع من هايتين الآيتين والإمام البارزى كان إماما راسخا خيرا محبا للعلم ونشره قال أئمتنا فى ترجمته كما فى الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة لحزام المحدثين الحافظ ابن حجر فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعمائة يقول صارت إليه الرحلة فى زمانه يرتحل إليه طلبة العلم قال الإمام الإسنوى فيما ينقله عنه الحافظ ابن حجر وقف على شىء من كلامى أى اطلع البارزى على شىء من كلام الإسنوى يقول فأعجب به وأرسل لى إذنا بالفتوى يقول أنت تأهلت للفتيا والإمام الإسنوى من تلاميذ البارزى وتوفى سنة اثنتين وسبعمائة للهجرة يعنى عاش بعده فترة طويلة ذاك ثمان وثلاثين وهذا اثنتين وسبعين قال الحافظ ابن حجر فى الدرر الكامنة قلت كان الإسنوى قد جهز إليه أسئلة للإمام البارزى فأجابه عنها وأذن له وهى أجوبة مشهورة من جملة هذه الأسئلة والإجابة عليها التناكح بين الإنس والجن فأفتى بالمنع لهايتين الآيتين وسيأتينا وجه الاستدلال إن شاء الله.

وقد حكى استدلاله الإمام الشبلى فى آكام المرجان والإمام السيوطى فى لقط المرجان والسيوطى فى الأشباه والنظائر حكوا استدلاله بهاتين الآيتين وأقروه على تحريم التناكح بين الإنس والجن والإمام البارزى كما قلت كان قاضى القضاة والإمام ابن كثير عندما ترجمه فى البداية والنهاية فى حوادث سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة فى الجزء الرابع عشر صفحة اثنتين وثمانين ومائة والإمام ابن كثير أدرك الإمام البارزى وعاش معه قرابة ثلاثين سنة لأن الإمام ابن كثير ولد سنة سبعمائة للهجرة وتوفى سنة واحدة وسبعين أوليس كذلك وسبعمائة فعاش مع الإمام البارزى ثلاثين سنة فهو يعرفه وكلاهما من بلاد الشام يقول كان شيخ الإسلام والإمام الذهبى ترجمه فى معجم الشيوخ واعتبره من شيوخه الإمام البارزى فى معجم الشيوخ فى الجزء السادس صفحة ست وخمسين وثلاثمائة يقول شارك فى الفضائل وصنف التصانيف مع العبادة والدين والتواضع ولطف الأخلاق وما فى طباعه من الكبر ذرة وله ترامن على الصالحين وحسن ظن فيه أى يحب الصالحين الزهاد العابدين ويحسن ظنه فيهم رحمة الله ورضوانه عليه وعلى أئمة المسلمين أجمعين وهذه الكلمة له ترامن على الصالحين وحسن ظن فيهم سيأتينا شىء من التعليق عليها عند كلام الذهبى فى الحرانى أحد أئمة الإسلام أيضا لكن جرى حوله كلام فيما سيأتينا إن شاء الله ضمن مبحث الصرع فسينقل عن الحرانى كلام الحرانى كان بينه وبين البارزى صلة أبينها هناك إن شاء الله.

وأما الإسنوى الذى وجه الأسئلة فهو عبد الرحيم ابن الحسن ابن على الإسنوى من بلاد إسنا وهى فى مصر الإسنوى ضبطها بالكسر الإسنوى كثير من الناس يلحنون يقولون الأسنوى الإسنوى إسنا كان بينه وبين الإمام أبى حيان صلة وكتب إليه أبو حيان فنعته بالشيخ وقال ما شيخت أحدا فى سنك أى أنت أصغر منى ومن هو فى عمرك أنا ما أخاطبه بلفظ الشيخ هذه يعنى اعتبرها واحفظها أبو حيان يكتب إلى الإسنوى أيها الشيخ ما شيخت أحدا فى سنك وترجمه أيضا الحافظ ابن حجر فى الدرر الكامنة فى الجزء الخامس صفحة أربع وخمسين وثلاثمائة فى الجزء الثانى إخوتى الكرام فى الجزء الثانى أربع وخمسين وثلاثمائة قال كان شيخنا يجله أى يريد به الإمام العراقى حافظ الدنيا فى زمنه كان شيخنا يجله يقول وكان هو يحبه أى الإسنوى ونعته بأنه حافظ عصره الإسنوى يقول عن العراقى أنه حافظ عصره والأمر كذلك إذن الإسنوى سأل البارزى عن موضوع التناكح بين الإنس والجن فأفتى بالتحريم والمنع واستدل بهاتين الآيتين وجه استدلاله اضبطوه وانتبهوا له إخوتى الكرام.

الله جل وعلا يقول: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} نكرة أو معرفة نكرة ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا أيضا نكرة النكرة إذا جاءت فى سياق نفى فى سياق نهى فى سياق شرط فى سياق نفى ونهى وشرط تفيد العموم طيب وهنا لا يوجد لا نفى ولا نهى ولا شرط فلما تفيد العموم وأئمتنا قالوا المراد منها العموم والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا يعنى عموم الزوجات لا يخرجن عن كونهن من أنفسكم لا يمكن أن توجد زوجة من غير جنسك التى خلقت منك وهى آدمية من أنفسكم أزواجا وللجن يقال لهم من أنفسكم أزواجا كما أن الجنية للجنى فالإنسية للإنسى إذن هنا نكرة فى سياق اثبات والأصل أنها لا تفيد العموم يعنى مما جعل لكم من أزواجكم مما جعل لكم زوجات من جنسكم يمكن أن تقول هناك زوجات من غير جنسكم يعنى الجنيات هذا الظاهر فهنا استدل بالآية على العموم ما وجه ذلك؟ أئمتنا يقولون النكرة إذا كانت فى سياق الإثبات وسيقت فى معرض الامتنان تفيد العموم فى معرض الامتنان تفيد العموم ومنه قول الله جل وعلا: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} كل ماء ينزل نكرة فى سياق اثبات لكن هذا للامتنان كل ماء ينزل من السماء فهو طهور طاهر مطهر وهنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا لا يوجد زوجة نفسك وجنسك لا يوجد الزوجة آدمية فما خرج عن ذلك هذا محرم ومنهى عنه فالنكرة إذا كانت فى سياق امتنان وإخبار عن فضل الرحمن تفيد العموم كما هو هنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وإن كانت فى سياق نفى أيضا تفيد العموم كما تقدم معنا.

ومنه قول الله جل وعلا: {ما لكم من إله إلا الله} ، {ما لكم من إله غيره} ، {ما لكم من إله} قوله من إله ما لكم نفى فتفيد العموم أى الآلهة كلها إلا هذا الإله الحق وهكذا إذا وردت كما قلت فى سياق شرط {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} إن أحد أحد نكرة أيضا فى سياق نفى فى سياق شرط تفيد العموم وهكذا إذا وقعت النكرة فى سياق النهى ولا تطع منهم آثما أو كفورا فتفيد العموم وعليه النكرة إذا كانت فى سياق اثبات وهى فى معرض الامتنان تفيد العموم وإذا كانت فى سياق نفى تفيد العموم فى سياق نهى تفيد العموم فى سياق الشرط تفيد العموم وهنا نكرة فى سياق اثبات لكن فى معرض الامتنان الله يمن علينا بنعمه التى أنعم بها علينا فلو كان هناك زوجة من غير جنسها لما صح الامتنان بهذه الآية لأنه يوجد زوجة أخرى لما ما ذكرت فإذن هنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا نكرة فى سياق اثبات لكن فى معرض امتنان تفيد العموم يعنى لا يوجد زوجة من غير هذا الصنف من عدا هذا الصنف هذا محرم فى شريعة الله جل وعلا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا نكرة فى سياق اثبات لكن فى معرض الامتنان فأفادت العموم فانحصرت الزوجات فى هذ النوع للآدمى آدمية وللجنى جنية ولا يجوز لأحد الصنفين أن يتزوج من الآخر والعلم عند الله عز وجل هذا استدلال أئمتنا وهذا هو كما قلت استدلال الإمام البارزى وغيره وهو الذى أيضا وضحه شيخنا عليه رحمة الله فى أضواء البيان فى الجزء الثالث صفحة عشرين وثلاثمائة إذن هذا الدليل الأول آيتان من القرآن نصتا على أن الزوجات منحصرات فى جنسنا فلا يجوز أن نتزوج الجنيات والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا وإن قال قائل هذه نكرة فى سياق اثبات ولا تفيد العموم نقل إذا ورد فى معرض الامتنان تفيد العموم فالله يخبر عن منته على عباده لأنه جعل لهم زوجات من هذا الصنف وعليه ما خرج عن هذا الصنف فلا يحل وسورة النحل من أولها

إلى آخرها هى سورة النعم وتقدم معنا أن الله عدد نعمه على عباده فيها أصول النعم وعدد متمات النعم فيها جميع النعم الأصول والفروع ذكرت فيها وهنا والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا فلو كان هناك زوجة من غير جنسنا ونوعنا لما حصل الامتنان الكامل لهذه الآية فى الإخبار والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا والعلم عند الله. الدليل الثانى: السنة سنة النبى عليه الصلاة والسلام دلت على تحريم التناكح بين الإنس والجن روى الحديث بذلك عن نبينا عليه الصلاة والسلام لكنه مرسل وسيأتينا أن الحديث المرسل يستدل به إذا اعتضد بشواهد وقد أفتى بموجبه كثير من أئمة التابعين ولذلك هذه الشواهد تعتبر مقوية لهذا المرسل ويحتج به وأما المرسل فقد رواه حرب كما تقدم معنا فى مسائل حرب قلنا هى من أجل كتب الإسلام ومن أجل ما نقل عن الإمام الهمام أحمد ابن حنبل فى حرب ما نقله عن الإمام أحمد فى مسائل حرب نقل عن الإمام الزهرى مرسلا أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الجن والأثر فى آكام المرجان ولقط المرجان والأشباه والنظائر لابن نجيم وللإمام السيوطى أيضا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن قال قال ابن نجيم من أئمة الحنفية والإمام السيوطى من أئمة الشافعية فى الأشباه والنظائر أيضا الأشباه والنظائر لابن نجيم إن شئت صفحة سبع وعشرين وثلاثمائة وللسيوطى الأشباه والنظائر صفحة ست وخمسين ومائتين قال هذان الإمامان الأثر وإن كان مرسلا لكنه اعتضد بأقوال العلماء والمرسل عند من لم يحتج به يحتج به إذا اعتضد بأقوال العلماء أفتى بموجبه صحابى أو قال به إمام من أئمة التابعين وهنا اعتضد

تقدم معنا أن قتادة والحسن البصرى تقدم معنا نهيا عن نكاح الجن فإذن يقول السوقى وابن نجيم وهو وإن كان مرسلا لكنه اعتضد بأقوال العلماء والإمام الحموى فى حاشيته على ابن نجيم وهو أربع مجلدات فى حاشيته على الأشباه والنظائر لابن نجيم فى الجزء الثالث صفحة تسع وأربعمائة يقول هذا الكلام فيه نظر لابن نجيم والنظر هو يقول المرسل عندنا حجة بنفسه فلا داعى بأن يعتضد بأقوال العلماء لأن المرسل حجة عند الأئمة الثلاثة عند أبى حنيفة ومالك والإمام أحمد من غير قيد ولا شرط المرسل حجة بنفسه يقول الإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الألفية: واحتج مالك كذا النعمان ... وتابعوهما به ودانوا ورده جماهر النقاد من جاهل ... الساقط فى الإسناد يعنى جماهير المحدثين ردوا المرسل ولذلك يقول الإمام مسلم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى أول صحيحه المرسل فى قولنا وقول عامة أهل العلم ليس بحجة لكن الفقهاء خالفوا المحدثين فى ذلك فأبو حنيفة يحتج بالمرسل بلا قيد ولا شرط وهكذا الإمام مالك وهكذا الإمام أحمد والشافعى لا يحتج به إلا بشروط.

وغالب ظنى تقدمت معنا بين مباحث الحديث فى مسجد..عند مبحث الحديث المرسل الشاهد هنا بما أن ابن نجيم من الحنفية يقول أنت تقول هذا مرسل اعتضد بأقوال العلماء احتجوا به يقول هذا خطأ على حسب أصول المذهب المرسل يحتج به من غير اعتضاد إذا كان هذا المرسل ثابتا يحتج به ثم قال الإمام الحموى والأولى أن يقال إن فى إسناده ابن لهيعة فهو ضعيف فما ينبغى أن نعلل الضعف بالإرسال فهو ضعيف ويحتج به مع وجود ابن لهيعة لفتيا العلماء بمدلوله يعنى قولك إنه مرسل اعتضد بأقوال العلماء الإرسال ليس بآفة تمنعنا من أن نحتج بهذا الأثر إنما فى إسناده ابن لهيعة وابن لهيعة فيه ضعف فإذن مرسل فيه ضعف لا يقوى بنفسه هذا الضعف الذى فيه انجبر بفتيا العلماء بمدلوله ابن لهيعة تقدم معنا حاله إطلاق القول بضعفه غير مسلم وقلت إن شاء الله إن حديثه لا ينزل عن درجة الحسن والعلم عند الله كما تقدم معنا مرارا فى ترجمة ابن لهيعة خلاصة الكلام أثر مرسل ثابت عن الزهرى رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الجن وعليه هذا دليل من السنة يفيد التحريم فإن قلنا إن المرسل حجة بنفسه الأمر واضح وإن قلنا لا بد له من تقوية لأجل أن يحتج به فقد أفتى بموجبه أئمة التابعين الكرام رضوان الله عليه أجمعين. الدليل الثالث: الذى يحرم التناكح بين الإنس والجن الآثار المنقولة عن السلف الأبرار منها ما تقدم معنا أثر الحسن لا تزوجوه ولا تكرموه عندما قالوا له إن جنيا يخطب منا ويزعم أنه يعنى علق وأحب إحدى بناتنا ولا نريد..

لا عدوى 2

لا عدوى (2) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم لا عدوى 2 وهى أول الروايات أوليس كذلك. هذه إخوتى الكرام: اثنتا عشرة رواية منها كما تقدم معنا صحيح بنفسه ومنها ما هو منجبر بغيره تثبت هذا المعنى ألا وأنه لا عدوى ولا يعدى سقيم صحيحا. هذه الرويات إخوتى الكرام: تؤيد الحديث الذى ورد فيه أن نبينا عليه الصلاة والسلام أكل مع مجذوم وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه والحديث مروى من طريق جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما أخرجه أهل السنن الأربعة إلا النسائى ورواه الإمام ابن حبان فى صحيحه وابن خزيمة فى المستدرك وصححه ووافقه عليه الذهبى فى الجزء الرابع صفحة تسع وثلاثمائة ورواه ابن السنى فى كتابه عمل اليوم والليلة ورواه البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء السابع صفحة تسع عشرة ومائتين وراوه ابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ من حديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام صفحة تسع وأربعمائة وسأنقل إليكم بعد النقول منه عما قريب إن شاء الله ناسخ الحديث ومنسوخه ورواه سعيد ابن منصور فى سننه والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة وعبد ابن حميد وابن أبى عاصم وأبو يعلى كما فى جامع الجوامع للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة ثمان وعشرين وستمائة ورواه الطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الرابع صفحة تسع وثلاثمائة ولفظ الحديث عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما قال أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مجذوم فأخذ بيده ووضعها فى القصعة وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه والحديث إخوتى الكرام من حيث الصناعة الحديثية والبحث فى الإسناد ضعيف والحاكم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عندما صححه وأقره عليه الذهبى كما قلت فى ذلك شىء من التساهل كما سيأتينا فى الإسناد رجل ضائع لكن الحديث يشهد لمعناه ما تقدم معنا من أنه لا عدوى كل ثقة بالله وتوكلا عليه إذا كان لا عدوى كل ثقة بالله وتوكلا عيه والكتاب ابن الجوزى

فى كتابه العلل المتناهية فى الأحاديث الواهية فى الجزء الثانى صفحة ست وثمانين وثلاثمائة أورد الحديث تحت عنوان حديث فى الأكل مع المجذوم ثم قال قال الدار قطنى تفرد به المفضل وهو المفضل ابن فضالة عن حبيب ابن الشهيد عن محمد ابن المنكدر عن جابر ابن عبد الله قال يحيى يعنى ابن معين ليس المفضل بذاك وقال العقيلى لا يتابع عليه إلا من طريق فيها لين ثم ساق الطريق الثانى من غير طريق المفضل عن محمد ابن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتى بطعام ومجذوم قاعد فى ناحية القوم فدعاه فأقعده إلى جنبه فقال كل بسم الله وإيمانا بالله وتوكلا عليه قال أحمد إسماعيل المكى منكر الحديث قال يحيى لم يزل مخلطا وليس بشىء وقال على لا يكتب حديثه وقال النسائى متروك الحديث إذن عندنا فى الإسناد الأول مفضل ابن فضالة وتابعه إسماعيل المكى مع أنه أضعف منه استحى للمفضل المفضل ابن فضالة فى تقدير الحافظ تأكد منه يقول عنه ضعيف لكن لا يصل الحديث إلى درجة الترك ولا النكارة والشاهد الذى من طريق آخر متابع ضعيف لكن معنى الحديث بوجه عام يشهد له ما تقدم لا عدوى ولا طيرة المفضل عندك عدد من الرواة المفضل ابن فضالة اقرأ لى الذى كما قلنا نحن الآن خرج له أهل السنن الأربعة إلا النسائى واضح هذا, هذا إذا عندك من رجاله ... ما ينفعنا هذا فى مسلم أريد الآن قدت لأن من رجال هؤلاء فقط ومعه خرج له فى الصحيحين اقرأ عن مفضل ابن فضالة..أبو مالك البصرى أخو مبارك ضعيف..ضعيف هذا الذى أريده ورمز له..

لأنه أخرج حديثه كما قلت أهل السنة الأربعة إلا النسائى لم يرمز له ب س وحديثه فى آخر كتاب الطب من سنن أبى داود آخر حديث فى كتاب الطب هو هذا الحديث حديث جابر وأبو داود سكت عنه وعلى اصطلاحه صالح والحاكم صححه وأقره عليه الذهبى كما قلت فيه المفضل من ناحية الصناعة الحديثية فيما يظهر الإسناد ضعيف يضاف إليه المتابعة لا تقويه بقى المعنى العام ثابت وتشهد له الأحاديث المتقدمة عن نبينا عليه الصلاة والسلام لا عدوى وهنا كل ثقة بالله وتوكلا عليه فإن قيل سيأتينا فر من المجذوم كما تفر فرارك من الأسد نقول هذا لا يتعارض مع الأكل مع المجذوم ولا مع لا عدوى كل واحد يمشى فى طريق كما سيأتينا عندما نجمع بينهما بعون ربنا على كل حال هذا جانب أول من هذه الأحاديث تنفى العدوى ولا يأذى شىء شيئا.

جانب ثانى: وهو الذى سأذكره لتحل المعارضة بينهما وقد مرت الإشارة إلى بعض الجانب الثانى ضمن حديث أبى هريرة لا يورد ممرض على مصح وهنا حديث آخر فيه هذا المعنى رواه الإمام أحمد فى المسند ومسلم فى صحيحه والنسائى فى سننه وابن ماجة فى سننه أيضا وراوه الإمام ابن أبى شيبة فى مصنفه فى الجزء الثامن صفحة عشرين وثلاثمائة وفى الجزء التاسع صفحة أربع وأربعين ورواه الحربى فى غريب الحديث وابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ صفحة ثمان وأربعمائة وهو فى السنن الكبرى للإمام البيهقى فى الجزء السابع صفحة ثمانى عشرة ومائتين وعندكم هنا الإمام ابن الأثير ينبغى أن يعزوه الآن إلى مسلم والنسائى أوليس كذلك قصر غاية التقصير فعزاه إلى النسائى فقط ولم يعزه إلى صحيح مسلم رمزله س عن الشريد ابن سويد رضى الله عنه قال كان فى وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبى عليه الصلاة والسلام ارجع فقد بايعناك أخرجه النسائى فقط وهو فى صحيح مسلم يعنى لو قال أخرجه مسلم فى صحيحه دون النسائى لكانت أيضا يعنى الخطيئة أيسر من أن يحذف صحيح مسلم ويقتصر على سنن النسائى واصطلاحه يلزمه أن يذكر مصدرين سم أخرجه مسلم والنسائى والحديث فى صحيح مسلم كما قلت لكم إخوتى الكرام فانتبهوا لذلك مع من خرجه من أصحاب الكتب الأخرى وقد روى الحديث أيضا مرسلا فى مسند أبى داود الطيالسى كما فى منحة المعبود فى الجزء الأول صفحة ست وأربعين وثلاثمائة ورواه ابن شاهين أيضا فى الناسخ والمنسوخ فى المكان المشار إليه من حديث يعلى ابن عطاء عن أبيه أن النبى عليه الصلاة والسلام عندما جاء وفد ثقيف وفيهم رجل مجذوم وأراد أن يبايع نبينا المعصوم عليه الصلاة والسلام قال له النبى عليه الصلاة والسلام قولوا له فليرجع فإنى قد بايعته ويعلى ابن عطاء العامرى الطائفى توفى سنة عشرين ومائة أو بعدها ثقة حديثه فى صحيح مسلم والسنن الأربعة وأما أبوه فهو مقبول وحديثه فى البخارى وفى السنن الثلاثة

يعنى الأربعة ألا سنن ابن ماجة فى النسائى والترمذى وأبى داود وعليه هو مرسل لأنه ليس بصحابى وهو عطاء يعلى ابن عطاء عن أبيه أن النبى عليه الصلاة والسلام قال له قولوا فليرجع فإنى قد بايعته. هذه أحاديث إخوتى الكرام تنفى العدوى وأحاديث ظاهرها تثبت ذلك فما الجمع بين هذه الأحاديث أذكر هذا بعد صلاة المغرب إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إخوتى الكرام: تقدم معنا سرد الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام التى تنفى العدوى وتقدم معنا أيضا بعض الأحاديث ظاهرها يفيد اثبات العدوى فر من المجذوم كما تفر من الأسد فر من المجذوم فرارك من الأسد لا يوردن ممرض على مصح ارجع فقد بايعناك للمجذوم وأبى أن يبايعه وأن يصافحه عليه صلوات الله وسلامه هذه كما قلت تقابل القسم الأول والقسم الأول تقدم معنا أيضا معه أن النبى عليه الصلاة والسلام أكل مع مجذوم وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه وحول الحديث اختلاف فى درجته لكن معناه من حيث العموم ثابت عن نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام لا عدوى لا يعدى شىء شيئا لا يعدى سقيم صحيحا ما التوفيق بين هذه النصوص كما قلت هذا لا بد من التعرض له بعد الأدب النبوى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والذى تقدم معنا أننا لا ندخل إلى البلدة التى فيها الطاعون ولا نخرج منها لا نخرج منها فرارا فنتوكل على الله ونثق به ثم بعد ذلك لا ندخلها هذا كما تقدم معنا من باب التعليم والإرشاد وتحصين أنفسنا مما نخشى عليها من الهلاك والعطب والفساد كذاك له تعليل هذا له تعليل وهنا ما المسلك السديد نحو هذه الأحاديث فى هذا الموضوع.

إخوتى الكرام: تقدم معنا مرارا أن الأحاديث إذا تعارضت من حيث الظاهر لأئمتنا نحو هذا التعارض أربعة مراحل الأول ثم الثانى ثم الثالث ثم الرابع أولها الجمع وإذا أمكن لا يعدل عنه إلى غيره وثانيها النسخ ونقدمه على ما بعده لأننا بالنسخ نترك كلام بعض النبى عليه الصلاة والسلام لبعض كلامه لبينة تدل على ذلك فما أدخلنا عقولنا فى النسخ والطرق الثالث الترجيح وقلت الترجيح نؤخره عن النسخ لأنه فيه إعمال الجهد البشرى وقد نخطأ فى الترجيح وتقدم معنا أن المرجحات ذكرها الإمام الحازمى فى أول الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ من الآثار فبلغت خمسين مرجحا وهذا ذكرته فى آخر الموعظة أيضا فى موعظة الثلاثة ضمن مباحث النبوة والإمام العراقى فى لوكته على ابن الصلاح كما تقدم معنا إخوتى الكرام فى صفحة ست وثمانين ومائتين فى التقييد والإيضاح قال إن المرجحات تزيد على مائة وأحصاها فبلغت عشر مرجحات ومائة مرجح المرحجات بلغت هذا ثم قال وثم وجوه أخر للترجيح بعد هذه المرجحات يوجد أيضا وجوه أخر للترجيح والإمام السيوطى فى تدريب الراوى صفحة ثمان وثمانين وثلاثمائة يقول استوفاها الإمام العراقى فى لوكته على ابن الصلاح كما ذكرت لكم فإذا ما أمكن الترجيح وهو الطريق الثالث نتوقف ونعتبر كأن هذه النصوص لم ترد فى هذه القضية ونلجأ إلى الأدلة الشرعية العامة الأخرى فى هذه المسألة وهذه كما قال أئمتنا صورة فرضية نظرية وضعت لبيان ما ينبغى أن نفعله نحو النصوص لكن لا يوجد فى الحقيقة نصان لا يمكن أن نجمع بينهما ولا أن ننسخ واحدا منهما بالآخر ولا أن نرجح بينهما لا يمكن من باب ما تحتمله القسمة العقلية نحو النصوص المتعارضة من حيث الظاهر فأولها الجمع قال الإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى ألفيته: والمتن إن نافه متن آخر ... وأمكن الجمع فلا تنافر كمتن لا يورد مع لا عدوى ... فالنفى للطبع وفر عدوى أو لا فإن نسخ بدا فاعمل به ... أو لا فرجح واعملن بالأشبه

إذن المتن إن نافاه متن آخر وأمكن الجمع فلا تنافر فلا تعارض ضرب مثالا بما نبحث فيه قال كمتن لا يورد لا يورد ممرض على مصح من عنده إبل مريضة لا يوردها على من عنده إبل صحيحة كمتن لا يورد هذا حديث مع لا عدوى تعارض لا يورد ممرض على مصح لا عدوى لا يورد ممرض على مصح ومعه فر من المجذوم فرارك من الأسد معه ما يقابل لا عدوى أكل مع مجذوم وقال كل ثقة بالله وتوكلا عليه كمتن لا يورد مع لا عدوى فالنفى للطبع فهذا أحد أوجه سبعة من أوجه الجمع كما سيأتينا يعنى لا عدوى فى ذاتها ونفسها إنما بتقدير الله جل وعلا فالنفى للطبع ليس كما هو اعتقاد المشركين يعنى إذا جاء البعير الأجرب سيجرب الإبل..فالنفى للطبع لا يوجد شىء بطبعه يعدى إلا بتقدير الله فهو سبب من الأسباب الظاهرة فالنفى للطبع وفر عدوى أى مسرعا فيما يضرك واضح هذا وفر عدوى مسرعا تعدو بسرعة أو لا ما أمكن الجمع فإن نسخ بدا فاعمل به أو لا فرجح واعملن بالأشبه نحو هذه الأحاديث أئمتنا سلكوا المسالك الثلاثة غفر الله لنا ولهم فسلكوا الجمع وسلكوا النسخ وسلكوا الترجيح فلنبدأ بما هو ضعيف ثم نختم بما هو قوى.

الطريق الثانى: من أوجه كما قلت الموقف نحو الأحاديث المتعارضة النسخ الجمع الآن دعونا منه نبدأ الآن بالنسخ فما بعده النسخ قال به بعض الناس من أئمة الإسلام رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين منهم عيسى ابن دينار من أئمة المالكية الكبار توفى سنة اثنتى عشرة ومائتين للهجرة وهو فقيه الأندلس وفقيهها أبو محمد الغافقى القرطبى كان مجاب الدعوة خيرا صالحا ورعا صلى الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة فمن الذى يقول الآن بدعة رحمة الله ورضوانه عليه صلى الصبح بوضوء العشاء أربعين سنة انظروا ترجمته العطرة فى السير فى الجزء العاشر صفحة أربعين وأربعمائة وفى ترتيب المدارك فى طبقات أصحاب سيدنا الإمام مالك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء الثانى صفحة ست عشرة فى ترتيب المدارك وله كرامة عند موته كما كان مجاب الدعاء فى حياته خلاصتها أنه فى مرض موته قيل له من يصلى عليك قال ابنى وكان ابنه فى السفر فلما قبض ولده ما جاء من السفر وجهز وأحضروه إلى المصلى من أجل أن يصلى عليه بدأوا يلتفتون من يصلى عليه فجاء ولده من السفر على دابته وما عرفوه أنه ولده قالوا تقدم فصلى على هذا الميت فصلى عليه عليه رحمة الله ورضوانه ابنى يصلى على فجاء وصلى عليه هذا أئمتنا ختموا ترجمته بذلك هذا العبد الصالح عيسى ابن دينار قال الأحاديث التى تدل على اجتناب المرضى والمجذومين منسوخة بحديث النبى عليه الصلاة والسلام لا عدوى فر من المجذوم هذا منسوخ لا يوردن ممرض على مصح هذا منسوخ هذا نسخ بقول النبى عليه الصلاة والسلام لا عدوى وبفعله بعد ذلك كل ثقة بالله وتوكلا عليه قال الإمام العراقى فى شرح ألفيته فى الجزء الثانى بحدود صفحة ثلاث وثلاثمائة وذهب إلى هذا المسلك أى إلى النسخ بين هذه الأحاديث أيضا ابن شاهين فى كتاب الناسخ والمنسوخ من الآثار لأنه أورد الأحاديث التى تثبت العدوى فى الظاهر والتى تنفيها ضمن الناسخ والمنسوخ كأنه يرى أنه يوجد بينها نسخ

يقول حديث آخر فى المجذومين لا تديموا النظر إلى المجذومين إلى آخره سيأتينا هذه الأحاديث ثم بعد ذلك يقول الخلاف فى ذلك كأنه يذهب إلى ما ذهب إليه عيسى ابن دينار من أنه كان فى أول الأمر ثم نسخ ولذلك يقول الخلاف فى ذلك ثم أورد كل ثقة بالله وتوكلا عليه الأحاديث يوردها بأسانيدها وحديث أبى ذر سيأتينا رضى الله عنهم أجمعين أن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام قال كل مع صاحب البلاء تواضعا لربك وإيمانا به وأثر آخر ختم به هذا الأمر وهو أثر عبد الله ابن عباس وسيأتينا يقول أجلس ابن عباس مجذوما معه يأكل فقال له عكرمة قال عكرمة فكأنى كرهت ذلك فقال ابن عباس فلعله خير منك وسيأتينا خير منك ومنى حتى قال ابن عباس فى غير رواية ابن شاهين قد جلس مع من هو خير منى ومنك يأكل معه يعنى النبى عليه الصلاة والسلام ابن شاهين يرى أيضا النسخ كعيسى ابن دينار والحافظ ابن حجر أضاف القول بالنسخ إلى عيسى ابن دينار فى الفتح والإمام العراقى كما قلت لكم فى شرح ألفيته له شرح عليها فى المكان المشار إليه أضاف القول بالنسخ إلى ابن شاهين عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أبو حفص عمر ابن أحمد ابن عثمان ابن شاهين توفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة للهجرة هذا المسلك الأول وهذا فى الحقيقة مع سلامته من حيث الظاهر فيه تخطى للطريق الأول فإذا أمكن لا يجوز أن نعدل عنه والجمع ممكن فإعمال الدليلين خير من إهمال أحدهما والقاعدة عند أئمتنا لا يصار إلى النسخ والترجيح عند إمكان الجمع لا يصار إليهما إلا عند تعذر الجمع فإذا أمكن لا نعدل عنه لأننا نعمل بجميع كلام الشارع الذى لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام ونحمل كل واحد من كل صنف من كلامه على حالة معينة فهذا كما قلت مع وجاهة مسلكه وجلالة من قال به فيه تجاوز للطريق الأول ألا وهو الجمع أبعد من تخطى الطريق الأول والثانى وذهب إلى الترجيح والذين سلكوا الترجيح على طرفى نقيض منهم من رجح الأخبار التى تدل

على نفى العدوى على تلك لا عدوى ومنهم من رجح الأخبار التى ظاهرها يفيد اثبات العدوى على الأخبار التى تنفى العدوى ترجيح يقول هذا ثابت وهذا ثابت لكن ذاك أرجح فكأنه هو المحفوظ وهذا شاذ لأنه مخالف للراجح الأرجح الثابت فهذا له حكم الشذوذ وذاك له حكم الصحة والثبوت فهو المحفوظ سلكوا كما قلت هذا الذين قالوا بهذا انقسموا إلى قسمين الفريق الأول كما قال الحافظ ابن حجر فى الفتح رجحوا الأخبار الدالة على نفى العدوى وقالوا بتزييف الأخبار الأخرى التى تدل على عكس ذلك وهذا يختلف عن النسخ واضح هذا أن يقول لا يوجد نسخ لكن كأنه يقول تلك حصل فيها شذوذ حصل فيها خطأ حصل فيها وهم فى الضبط والنقل أما هناك يقول كل منهما صحيح لكن هذا فى البداية وذاك فى النهاية فنسخ فر من المجذوم بقوله لا عدوى هنا يقول لا عدوى هو الراجح وذاك بمثابة الشاذ الذى وهم فيه الرواة فيختلف عن النسخ بكثير ولذلك قلت لكم النسخ عندنا يقدم لأنك تدرك كلام الشارع بكلام الشارع ولا يمكن أن ننسخ إلا بنص أو قول صحابى أو بتاريخ أو بإجماع وهى طرق النسخ الأربعة.

وأما الترجيح: مائة وعشر مرجحات مرجحاته هناك طرق أخرى للترجيح فمثلا لو قدر أن الحديث فى الصحيحين يقدم على حديث فى سنن ابن ماجة هذا مرجح حديث يتسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين يرجح على غيره تقدم معنا فى الترجيح بين رواية الرجل والمرأة من جملة المرجحات مرجحات كثيرة فهنا دخل كما قلت جهد البشر فقد يخطأ وقد يصيب وأما هناك نص هذا فى البداية وهذا فى النهاية نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها قول صحابى عرف التاريخ الإجماع وهى طرق النسخ الأربعة إذن هنا رجحوا الأخبار الدالة على نفى العدوى وزيفوا ما عداها التى تدل على عكس ذلك وقووا قولهم هذا بعدة أمور فقالوا الأخبار التى تعارض ذلك شاذة لما قالوا أولا ورد عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها ما يدل على وهم الرواة فى تلك الروايات ثبت فى تفسير الطبرى ومصنف ابن أبى شيبة فى الجزء الثامن صفحة تسع عشرة وثلاثمائة أنها قالت لما قيل لها أن النبى عليه الصلاة والسلام قال فر من المجذوم كما تفر من الأسد والحديث تقدم معنا فى صحيح البخارى وغيره قالت ما قال النبى صلى الله عليه وسلم ذلك ما قال النبى عليه الصلاة والسلام ذلك كأنها تريد أصحاب هذا القول يقولون إذن هذا غير محفوظ..ثم قالت كان لى مولى فيه هذا الداء وكان ينام على فراشى ويأكل من صحافى ولو عاش لكان كما كان يقول لكن هناك فيه مولى عندها هذا يأكل فى صحافها وينام على فراشها أى فى بيتها ثم بعد ذلك فيه هذا الداء والنبى عليه الصلاة والسلام يطلع ولو كان فر من المجذوم كما تفر من الأسد يعنى ثابتا لو كان لهذا المجذوم أخرج من هذا البيت ولما أكل فى صحافى ولا ما نام على فراشى هذا كلام أمنا عائشة رضى الله عنها قلت فى تفسير الطبرى ومصنف ابن أبى شيبة.

والمرجح الثانى: قالوا الأخبار التى وردت بنفى العدوى لا عدوى كثيرة شهيرة ولا يضر تردد أبى هريرة رضى الله عنه فى هذا تقدم معنا لا عدوى وقف عنها وبدأ يقول لا يورد ممرض على مصح قالوا لا يضر لأن الرواية محفوظة من رواية غيره تقدم معنا عن اثنى عشر صحابيا هذا مما ورد ولو جمعت لحصيت أكثر من ذلك وعادتى كما تقدم معنا دائما إذا زادت الرواية عن عشرة يعنى حصلنا المطلوب وهو أنه وصف التواتر حصل فى هذه القضية اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. الدليل الثالث: عندهم قالوا الأخبار الأخرى المعارضة لهذا هل التى ترخص بالفرار والتى تشير فى ظاهرها إلى اثبات العدوى قليلة فلا تقاوم هذه الأخبار الكثيرة الشهيرة المتضافرة.

الدليل الرابع: عندهم قالوا يمكن أن تأول بعض الأدلة التى ظاهرها يدل على نفى العدوى بما لا يثبت العدوى يمكن أن تأول الأخبار التى ظاهرها يثبت العدوى بما لا يكون فيه دليلا على اثبات العدوى يمكن وأن تلك إذن هى السليمة لا عدوى وأما التى فيها اثبات العدوى فى الظاهر يمكن أن تأول يكون لها مخرج فمثلا حديث الشريد ابن سويد تقدم معنا فى صحيح مسلم وسنن النسائى وغيرهما أوليس كذلك عندما قال ارجع فقد بايعناك أوليس كذلك تقدم معنا يقول ليس صريحا بسبب الجزام يعنى ليس من أجل علة الجزام قال له ارجع فقد بايعناك العلم عند الله يعنى هو فيه داء الجزام فوقع أن النبى عليه الصلاة والسلام قال له ارجع فقد بايعناك لكن ما العلة هل العلة فى الجزام أو لاعتبار آخر فيه هذا ما ذكر يعنى ما قيل ارجع فقد بايعناك لأنك مجذوم هذا ما ورد هنا أنا أقول هذا لو سلم فى هذا يبقى معنا كما كما تفر من الأسد فى حديث فر من المجذوم هنا لا مجال للتأويل على كل حال هم يتصيدون يعنى أدلة ظاهرها يقوى قولهم يحكم بالشذوذ على القول المقابل وهذا كما قلت مسلك المرجحين لاثبات لا عدوى ونفى ما عداها مسلكهم سديد لكن تجاوزوا خطوتين وطريقين النسخ وقبله الجمع فإذا لم يمكن النسخ يمكن أن يعنى نرجح وإذا لم يمكن الجمع يمكن أن نرجح الجمع ممكن قبل النسخ فعلام الترجيح. والفريق الثانى: قابل هذا فرجحوا الأحاديث التى تثبت الفرار من المجذومين والمرضى التى أيضا لا يورد فيها ممرض على مصح رجحوا هذه الأخبار على الأخبار التى تنفى العدوى لا عدوى وسبب ترجيحهم عدة أمور أيضا. أولها: رجوع أبى هريرة رضى الله عنه عن روايته لا عدوى يدل على أنه يشك فى صدور هذا عن النبى عليه الصلاة والسلام إذن حديث لاعدوى محفوظ والمحفوظ فر من المجذوم والمحفوظ لا يورد ممرض على مصح والمحفوظ ارجع فقد بايعناك إذن يقولون لشكه أو لثبوت عكسه عنده من أجل هذا رجع عن قوله فى رواية لا عدوى.

الدليل الثانى: عندهم هو نفس الدليل المتقدم الثانى قالوا الأخبار الدالة على اجتناب المرضى والمجذومين والفرار منهم أكثر مخارجا وطرقا وواقع الأمر ليس كذلك لكن هذا ما قالوه فى الترجيح وواقع الأمر تلك أكثر. القول الثالث: عندهم كما أن أولئك فى القول الرابع قالوا يمكن أن نصرف بعض الأحاديث التى قالوا ظاهرها تثبت العدوى عن ما قالوه فليس فيها موضوع اثبات العدوى ليس ارجع فقد بايعناك من أجل أن الجزام يعدى لا الله عليم بأى شىء صرفه وهنا هؤلاء قالوا ممكن أن نقول إن بعض ما أثبتموه وظاهره ينفى العدوى فيه تأويل وأنه ليس يعنى فيه نفى للعدوى فحديث كل ثقة بالله وتوكلا عليه قالوا أولا رجح الترمذى وقفه على ابن عمر فليس هو مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ثم على تقدير ثبوته ليس فيه أنه أكل معهم بل وضع يده فى القصعة ليس فيه أنه جلس وأكل معهم وصاحبه وكما قلت ما قالوه يعنى يمكن أن يقبل من ناحية ما سلكوه من طرق الجمع لأجل إزاة التعارض لو أنهم أيضا تخطوا طريقين اثنين فلا نقبل هذا القول إلا إذا لم يمكن المصير إلى الجمع ولا إلى النسخ. إذا انتهينا من هذين القولين وهو القول بالنسخ لا يصح الاعتماد عليه والقول بالترجيح لا يصح الاعتماد عليه وما أحد قال من أئمتنا بالقول الرابع وهو التوقف فماذا بقى عندنا القول الأول وهو الجمع وهذا الذى سلكه أئمتنا فقرروا عدة أوجه يمكن أن تصل معنا إلى سبعة أوجه فى الجمع بين هذه الأخبار اضبطوها إخوتى الكرام.

الأمر الأول: وهو القول الأول فى الجمع لا عدوى يثبت نفى العدوى جملة فلا يعدى شىء شيئا ولا يعدى سقيم صحيحا لا عدوى طيب وفر من المجذوم ولا تديموا النظر إلى المجذوم كما سيأتينا قال هذا ليس من أجل اثبات العدوى لما قال هذا رعاية لخاطر المجذوم المصاب المبتلى لما لأن المصاب إذا نظر إليه الصحيح تعظم مصيبته وينكسر خاطره يعنى أنت لو رأيت أعور تحب النظر فيه ينكسر خاطره يا عبد الله غمض عينيك يعنى لا داعى أن تخبره أنه أعور أعور أعور بتقدير الله وهذا الشىء الذى فيه يثاب عليه لكن أنت عندما تجلس تتأمله ولو جئت قلت له أين عينكم الوضع يعنى تكسر خاطره حقيقة يشعر بنقص مع أنه بغير اختياره لكن يشعر بنقص فأنت غض الطرف وهذا المجذوم هذا مصاب بجدرى هذا مصاب بعلة بآفة لا يعديك إذا جلست بجواره ولا إذا دلكت جلدك بجلده..يا عبد الله أنت عندما تجلس إليه وهو أنت صحيح وهو المصاب وتنظر إليه ينكسر خاطره فاتركه مع أصحابه الذين ألفهم والبقية خليهم بعداء بعيدين عنه وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك وابن خزيمة عليهم جميعا رحمة الله فقالوا الفرار لا من أجل الفار إنما من أجل المصاب المبتلى لئلا تكسر خاطره إذا رأيت مجذوما ابتعد عنه من أجل يعنى ألا تنظر إليه يقول هذا يحقرهم وشىء قدره الله عليه وحقيقة طريق من طرق الجمع المعتبرة وقرروا هذا بحديث نبينا عليه الصلاة والسلام لا تديموا النظر إلى المجذومين انتبه ما قال فر يقول إذا اجتمعت مع مجذوم لا تحد النظر فيه لا تجلس تتأمل هذه العلة التى فيه والجذام داء أولا كريه الرائحة فى الإنسان إذا أصيب به يفيح منه رائحة النتن يصاب..جلده يتساقط ويسيل منه الدم ويتساقط جلده فأنت لا تديم النظر إليه يعنى إذا جلست معه غض الطرف فنظرك إليه يكسر خاطره لا تديموا النظر إلى المجذومين قال..

فى هذا الحديث فإذن هناك فر أيضا يعنى إن أردت أن لا تراه ولا يراك هذا أيضا حسن وإذا قدر أنك جلست معه لا تحد النظر إليه لئلا تكسر خاطره لا تديموا النظر إلى المجذومين والحديث ثابت عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام رواه الإمام أحمد فى المسند فى الجزء الأول صفحة ثلاث وثلاثين ومائتين ورواه ابن ماجة فى سننه فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وسبعين ومائة بعد الألف قال الإمام البوصيرى كما فى التعليق على سنن ابن ماجة فى الزوائد الزجاجة فى زوائد سنن ابن ماجة فى الجزء الثالث صفحة اثنتين وأربعين ومائة قال إسناده الثقات ورواه ابن أبى شيبة فى مكانين من مصنفه فى المجلد الثامن أربع وأربعين ورواه الإمام البخارى..روى فى سنن ابن ماجة رواه الإمام ابن ماجة من طريق فاطمة بنت الحسين رضى الله عنها وأرضاها عن ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وأما طريق معجم الطبرانى الكبير رواه من طريق عمر ابن دينار عن ابن عباس فكأنه يقول هنا طريق ثان يختلف عن طريق سنن ابن ماجة ولذلك أورده فى المجمع والعلم عند الله جل وعلا.

والحديث رواه الطبرى وابن عساكر والبيهقى فى السنن الكبرى انظروا الجزء السابع صفحة تسع عشرة مائتين ورواه ابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ صفحة ست وأربعمائة والإمام الحربى فى غريب الحديث فى الجزء الثانى ثمان وعشرين وأربعمائة والضياء المقدسى وأبو داود الطيالسى كما فى منحة المعبود فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعين وثلاثمائة والحديث كما قلت إسناده صحيح رجاله ثقات عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا تديموا النظر إلى المجذومين وفى رواية فى مسند أبى داود الطيالسى والبيهقى لا تحدوا النظر إلى المجذومين لا تديم ولا تحد النظر إليه وإذا نظرت أطرق بصرك والحديث له شواهد رواه الطبرانى فى معجمه الأوسط والكبير كما فى المجمع فى المكان المشار إليه عن معاذ ابن جبل والرواية الأولى عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنه قال الإمام الهيثمى فى المجمع شيخ الطبرانى الوليد ابن حماد الرملى لم أعرفه وبقية رجاله ثقات لا تديموا النظر إلى المجذومين رواية معاذ رضى الله عنهم أجمعين ورواه أبو يعلى والطبرانى فى معجمه الكبير والبيهقى فى السنن الكبرى والطبرى وابن عساكر من رواية الحسن ابن على رضى الله عنهم أجمعين قال الإمام الهيثمى فى المجمع اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا قلت من رواية الحسين إخوتى الكرام ابن على لأن فاطمة بنت الحسين تروى أيضا عن أبيها من رواية الحسين ابن على رضى الله عنه أجمعين عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال لا تديموا النظر إلى المجذومين إلى المجذمين وإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم قيد رمح مقدار رمح رواه أبو يعلى والطبرانى وفى إسناده أبى يعلى الفرج ابن فضالة وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائى وغيره وبقية رجاله ثقات وفى إسناد الطبرانى يحيى الحمانى وهو ضعيف وبقية رجاله ثقات كل من الطريقين يتقوى بالثانى إخوتى الكرام طريق الطبرانى فيه يحيى كما قلت

الحمانى وهكذا طريق السنن الكبرى للإمام البيهقى ويحيى الحمانى قال أئمتنا فى ترجمته حافظ منكر الحديث وهو من رجال مسلم استحال يحيى الحمانى حافظ منكر الحديث غاية ما عيب عليه مع كلام كثير أورد الحافظ ابن حجر فيه قرابة خمس صفحات أنه كان يسرق الحديث سيأتينا معنى السرقة إن شاء الله يحيى ابن عبد الحميد الحمانى فى حرف الياء ... اقرأ يحيى ابن عبد الحميد ابن عبد الرحمن ... حافظ إلا أنه يتهم بسرقة الحديث من كبار..مات..من رجال مسلم على العين والرأس..

رضى الله عنه وأرضاه يحيى ابن عبد الحميد الحمانى إخوتى الكرام السرقة تطلق على ثلاثة أنواع سرقة الحديث أولها وهو ما يريده أئمتنا والثانى وأما الثالث كما قال الإمام الذهبى أنحسها أولها أن ينفرد راو بالرواية فى حديث عن شيخ فيدعى بعض التلاميذ والناس مشاركته فى رواية هذا الحديث انفرد راو فى رواية حديث عن شيخ ما روى هذا الحديث عن هذا الشيخ إلا هذا الراوى أجاب أنا سمعت أيضا من هذا الشيخ هذه سرقة الحديث فكأنه الآن أخذه منه ذاك كان مختص به معروف به هو يرويه هذا جاء وأخذه منه والثانى أيضا هناك أن يعرف راو برواية حديث الحالة الثانية أن يعرف راو بالسماع من شيخ ما روى عنه إلا راو فقط هذا الشيخ, هذا الشيخ روايته من طريق فلان فقط هناك رواية أما هنا شيخ فهنا يدعى فى مشاركته لهذا الشيخ هناك فى مشاركته بالرواية قد يكون هذا الشيخ سمع منه آلاف لكن هذا الحديث بعينه ما سمعه إلا واحد وقال أنا سمعت معه والحالة الثانية شيخ لم يسمع منه واحد فقط قال أنا سمعت معه هذان كما قلت نموذجان لسرقة الحديث والنموذج الثالث يقول عنه الذهبى أنحس من هذين أن يسرق الكتب من مؤلفيها وأصحابها قال وسرقة الأجزاء والكتب أنحس من ذلك عليهم جميعا رحمة الله إذن راو انفرد بالرواية عن شيخ فادعى مشاركته فى الحمل عن ذلك الشيخ راو انفرد بالرواية فى رواية معينة فى حديث بعينه قال أنا شاركت سرقة الأجزاء والكتب من المصنفين..

هذه أنحس على كل حال يحيى ابن عبد الحميد الحمانى يقول اتهم بسرقة الحديث يعنى يأتى إلى راو انفرد بالحديث يقول أنا شاركتك فيه وإلى راو انفرد بالرواية عن شيخه يقول أنا سمعت من ذلك الشيخ أيضا هذا الذى أخذ عليه والعلم عند الله جل وعلا على كل حال كما قلت فى إسناد الطبرى والطبرانى والبيهقى يحيى الحمانى وفى إسناده أبى يعلى الفرج ابن فضالة فى كل منهما كلام كل منهما يتقوى بالثانى يضاف إلى هذا رواية معاذ يضاف إلى هذا رواية عبد الله ابن عباس وقلنا هى حسنة بنفسها لا تديموا النظر إلى المجذومين. رواية رابعة: عن سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه رواها شيخ الإسلام عبد الله ولد الإمام المبجل عليهم جميعا رحمة الله الإمام أحمد ابن حنبل فى زياداته على المسند عن على ابن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه عن النبى عليه الصلاة والسلام قال لا تديموا النظر إلى المجذمين وإذا كلمتموهم فليكن بينكم وبينهم قيد رمح يعنى مقدار رمح رواه عبد الله ابن أحمد وفيه الفرج ابن فضالة فى رواية أبى يعلى التى تقدمت معنا فيها الفرج ابن فضالة وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائى وغيره وبقية رجاله ثقات إن لم يكن سقط من الإسناد أحد حقيقة رجعت لإسناد المسند فما تبين لى سقوط أحد يعنى هل فى الأمر شىء يحتاج الأمر لبحث يقول بقية رجاله ثقات إن لم يكن سقط من الإسناد أحد والعلم عند الله جل وعلا.

خلاصة الكلام: مروى من طريق عبد الله ابن عباس رضى الله عنه ومن رواية معاذ ابن جبل وسيدنا الحسين ابن على ووالده على رضى الله عنهم أجمعين لا تديموا النظر إلى المجذمين إلى المجذومين والحديث كما قلت لا ينزل عن درجة الحسن الرواية الأولى وبهذه الطرق يرتقى إلى درجة الصحيح بغيره والعلم عند الله جل وعلا الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء العاشر صفحة تسع وخمسين ومائة حكم على إسناد سنن ابن ماجة بأنه ضعيف وقواعد التعديل والترجيح لا تساعد الحافظ فيما قال فرجال كما قلت إسناد ابن ماجة ثقات ويقول إسناده سنده ضعيف هذا فى الجزء العاشر صفحة تسع وخمسين ومائة مع أنه كما قلت له هذه الشواهد والحديث لا ينزل عن درجة الحسن والعلم عند الله جل وعلا.

إذن هذا الجمع الأول لا يوجد عدوى ولا يعدى شىء شيئا وما أجمل هذا القول وأحسنه لربط القلوب بعلام الغيوب إذن لما نفر يا عبد الله لئلا تكسر خاطر المجذوم وخاطر المصاب وإذا قدر أنك اجتمعت به وما يعنى ابتعدت عنه لا تحد أيضا النظر إليه مما يدل على أنه ليس من أجل عدوى أننا نفر إنما لئلا يكسر خاطره وهذا من يقوله إمام دار الهجرة نجم السنن وبعده إمام الأئمة الإمام ابن خزيمة هذا نقلوا له من بين أئمة الإسلام إمام الأئمة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا تفضل هذا هو هذا من باب كما قلت لك لا زال نحافظ على شعوره هو أنت لو اقتربت منه واحتككت به هو يتأثر يعنى هو يتأفف من نفسه ويظن أنه فى منقصة هو يظن أنه فى منقصة فأنت تقترب منه تلتصق به يشعر كأنه يعنى أنك الآن تتأذى به يجد فى نفسه شيئا فأنت لئلا تكسر خاطره..مسافة فلا تحد النظر إليه وبينك وبينه مسافة هو الآن مرتاح يعنى يعلم أنك ما تتأفف به لو جلست بجواره يقول أنا أخشاك يعنى هذا إخوتى الكرام يعنى مثل أحيانا لو قدر إنسان مسكين يعنى هذه تقع فى الأعراف الدنيوية إنسان مسكين لو جاء بعده من له شأن وقدر وكذا ولاصقه فى الجلوس بجنبه ذاك يتمنى أحيانا لو بلعته الأرض ما يعرف كيف سيجىء لأنك لو بعيد عن الآخر لراحة له الآن من أجل تقديم هذا الكبير الذى لو شاء يضم نفسه يجلس على ركبتيه يضبط نفسه لما..قيده يعنى لو ابتعد عنه مسافة رمح لأخذ النفس طليقا صحيحا من هذا الباب وهنا كذلك يعنى حتى نبتعد مسافة رمح لا من أجل العدوى بقيت من أجل ضعفه يتصرف كما يريد ولا تحرجه لأنك عندما تلتصق به هو يشعر كما قلت بضيق يريد يتنفس يقول اخشى الآن هذا يفسر يعنى ألا يؤذى يضبط نفسه هذا يعمل الإنسان بشر يقدر شعور الآخرين فيتضايق أنت..

أحد فتجعل بينك وبينه مقدار رمح وإذا نظرت إليه لا تحد النظر وأكرمه أما لو كان المراد فيه عدوى لما كان هناك رمح لم يمنع العدوى ونفس الإنسان يصل ما شاء الله من مسافات يعنى عندما يتنفس فليس هو موضوع نفس موضوع كما قلت هذا من أجل رعاية خاطره دعه يتصرف كما يريد وجه من أوجه الجمع المعتبرة وإذا قال أئمتنا واحتملها الدليل فلا جدال ولا قيل كما قلت مرارا واحتمله الدليل وقال به إمام جليل نسلم ثم بعد ذلك يوجد أوجه أخرى من أوجه الجمع يوجد لكن نحن أمام أحاديث كما قلت متعارضة فى الظاهر ماذا سنعمل قال لا عدوى هذه صيغة ثابتة محكمة تنفى العدوى بجملتها طيب نفر من المجذوم ولا يورد ممرض على مصح وكذا قال هذا كله من باب رعاية خاطر المصاب فقط لا أنه يوجد عدوى تنتقل من السقيم إلى السليم. الوجه الثانى: من أوجه الجمع لو انتهينا منها فى خمس دقائق نريد ننتهى من هذه الأوجه أوجه سبعة ما أريد أن أبدأ بها فى الموعظة الآتية فاصبروا بعض الشىء إخوتى الكرام لأنها إذا انتهت معنا اليوم كان حتى فى نيتى أن نبدأ بشىء من الأمر الرابع الذى كما قلت التحصن من سبعة تخلية وبعد ثمانية تحلية خمسة عشر بعدد أبواب النار والجنة نتخلى عن سبع فلعل الله يحفظنا من أبواب جهنم السبعة ونفعل ثمانية لعله يمن علينا بدخول أبواب الجنة الثمانية نحصن أنفسنا فى الدنيا والآخرة فهذه هل تكلمنا على واحد منها لكن إذا ما أمكن فالأقل ننتهى من هذا المبحث.

الأمر الثانى: من أوجه الجمع النفى والإثبات فى حالتين مختلفتين كيف هذا فحديث لا عدوى لمن قوى يقينه وعظم توكله وتعلق قلبه بربه فلا يضره أن يخالط من..كما فعل خير العباد عليه الصلاة والسلام كل ثقة بالله وتوكلا عليه وكما فعلت أمنا الطاهرة المطهرة مع المجذوم الذى فى بيتها ينام على فراشها ويأكل فى صحافها وقوله فر هذا من أجل سد باب اعتقاد العدوى فالإنسان لا يباشر ما يكون سببا فى مرضه فإذا أصيب يثبت العدوى التى نفاها الشارع فيقع فى المحذور لا عدوى إذا كان يقينك قوى وخالطت المرضى لن تتأثر خالط إذا فى يقينك ضعف إذا خالطت فتقول هذا بسبب فلان يا عبد الله فر وأرح نفسك لئلا تقع فى الشرك فى العدوى وما معها من الطيرة التى نهينا عنها لا عدوى هذا لمن يقينه قوى عندك ضعف خذ بالرخصة والشارع أباح لك أن تبتعد عن المصاب الذى فى مرضه يعنى انتشار إلى غيره لا عدوى فى الأصل وإذا فى يقينك ضعف لك أن تفر وهذا الجواب الثانى قال به الإمام ابن خزيمة أيضا والطبرى وإليه ذهب الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الرابع صفحة سبع وثلاثمائة وعشر وثلاثمائة وذهب إليه الإمام ابن أبى جمرة وهو عبد الله ابن سعد ابن سعيد الأندلسى توفى سنة خمس وتسعين وستمائة وقيل تسع وتسعين وستمائة من بلاد الأندلس وذهب إلى مصر وقبر فيها وتوفى وكم حوت مصر من صالحين من بلاد الله جميعا يأتون إليها ويتوفون فيها رحمة الله على المسلمين أجمعين قال الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية فة ترجمته فى الجزء الثالث عشر صفحة ست وأربعين وثلاثمائة فى البداية والنهاية وترجمه فى وفاة سنة خمس وتسعين وستمائة يقول كان قوالا بالحق أمارا بالمعروف نهائا عن المنكر واختصر صحيح البخارى سماه جمع النهاية فى بدء الخير والغاية والكتاب مطبوع على ما أحضرته على كل حال وشرحه هو فى أربعة أجزاء فى مجلدين كبيرين سماه بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما عليها وما لها هذا القول

الذى قاله ابن أبى جمرة موضوعه فى الجزء الرابع من بهجة النفوس لابن أبى جمرة صفحة واحدة وثلاثين ومائة فقال كما قلت النفى لمن قوى يقينه وذاك لمن ضعف يقينه ولا عدوى فى الحقيقة قال الحافظ ابن أبى جمرة وقد فعلهما النبى عليه الصلاة والسلام ليتأسى به كل من الطائفتين قال لذاك ارجع فقد بايعناك فحتى الإنسان أراد أن يبتعد لا يقال له يعنى أنت كفرت لا الأمر فيه سعة وقال لذاك كل ثقة بالله وتوكلا عليه وقال لا عدوى حتى لو أن الإنسان أكل لما نقول له عرضت نفسك للتلف فعل كلا من الأمرين من أجل أن يقتدى به الفريقان من قوى يقينه ومن يخشى على يقينه من الضعف إذا خالط المرضى وأصيب قول معتبر كالقول الأول.

القول الثالث إخوتى الكرام: قبل أن ننتقل للقول الثالث يدخل فى القول الثانى بعض الأحاديث التى فيها أيضا هذا التوجيه وهو أنه لا يوجد تشاؤم ولا طيرة ولا عدوى لكن أنت إذا يعنى تخوفت من شىء وخطر فى نفسك شىء ابتعد عنه وسلم نفسك ولا داعى أن تدخل نفسك فى ضيق وحرج مما يشهد لهذا أيضا لهذا الجمع ما ثبت فى كتاب الأدب المفرد للإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا والأثر رواه الإمام أبو داود فى السنن والبيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء الثامن صفحة أربعين ومائة ورواه الإمام ابن قتيبة بسنده فى تأويل مختلف الحديث صفحة واحدة وسبعين والحديث فى جامع الأصول فى الجزء السابع صفحة أربعين وستمائة وإسناد الحديث حسن من رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه قال قال رجل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنا كنا فى دار كثر فيها عددنا وكثر فيها أموالنا فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروها فإنها ذميمة طيب هل هذا تشاؤم تطير لا لما كأن النبى عليه الصلاة والسلام يقول لهم هل البقاع كلها لله جل وعلا لكن أنتم بدأ يقع فى نفوسكم شىء من هذه الدار قلتم أموالنا كانت كثيرة لما جئنا لما افتقرنا عددنا كان كثيرا لما جئنا هنا مات أكثرنا فبدأتم هذه الديار كأنكم تقولون لها اعتبار هذه دار نحس يا عباد الله أريحوا أنفسكم ما أكثر الدور ذروها فإنها ذميمة ما دام هذا الاعتقاد عندكم اتركوها واذهبوا إلى غيرها خلاص افعلوا على حسب اعتقادكم ما هو مباح ولا داعى أن تتشاءموا وتقيموا فى هذا المكان قال الإمام ابن الأثير فى جامع الأصول أى مذمومة وإنما أمرهم بالتحول عنها إبطالا لما وقع فى نفوسهم من أن المكروه إنما أصابهم بسبب الدار وسكناها فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم وزال ما خامرهم من الشبهة والوهم الفاسد والله أعلم وهذا حقيقة يعنى مجرد أحيانا بعض الإخوة يأخذ سيارة يجرى

حادث يجرى حادث يقول هذه مشأومة نقول يا عبد الله لا شؤم فيها لكن أنا أنصحك ومرارا وقلت دعها يا عبد الله واشترى غيرها وأنا أقول لكم عن نفسى عادتى خاصة بالنسبة للسيارات لو أخذتها ووجدت فيها مشكلة ليس من باب يعلم الله لا تشاؤم ولا تطير أقول ما أريد أن يكون معى شىء فيه مشاكل خلاص أتخلص منه وأستريح ما تعين على أن أكون مع هذه السيارة يعنى مشكلة مشكلة خلاص تخلص منها وخذ غيرها وأنت فى سعة هنا كذلك لا يوجد كما قلت شؤم فى هذه السيارة المسكينة جماد ما الشؤم الذى فيها ولا فى هذه الدار ولا فى هذه البقعة لكن أنت بدأ يقع فى نفسك هذا الوهم كل ما تدخل لهذه الدار يقول يا لطيف ستنزل عليه على قاصمة الظهر يا عبد الله خذ غيرها وإذا دخلت قل ما شاء هذه دار وسيعة فسيحة ما فيها لا ضر ونكد نعمة هذا مطلوب هذا كما قلت لكم هذا لحديث يشهد لهذا الجمع وهو الجمع الثانى أوليس كذلك وأيضا يدخل فى هذا الباب ما تقدم معنا حديث فروة ابن مسيك المرادى وتقدم معنا وهو فى سنن أبى داود والسنن الكبرى للإمام البيهقى تقدم معنا إخوتى الكرام حديث فروة ابن مسيك المرادى عندما قال للنبى عليه الصلاة والسلام عندنا أرض يقال لها أرض أبين هى أرض ريفنا وميرتنا وهى وبيئة أو قال وبائها شديد فقال له النبى عليه الصلاة والسلام دعها عنك فإن من القرف التلف وقلت معنى الحديث فإن التلف من القرف أى تصاب بالتلف والآفات والنكبات إذا قارفت أى اقتربت والقرف المقاربة من هذا المكان الذى ترى فيه وباء ترى فيه ما فيه من الضر إن من القرف التلف إن التلف من القرف كما تقدم هذا يدخل فى هذا المعنى وفى ذلك عدة أحاديث لو ذكرتها أيضا قبل أن ننتقل إلى القول الثالث حديث رواه الإمام البزار كما فى المجمع فى الجزء الخامس صفحة خمس ومائة من رواة عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين يدخل فى هذا المعنى وفى قوله ذروها فإنها ذميمة عن ابن عمر رضى الله عنهما أن قوما جاءوا

إلى النبى عليه الصلاة والسلام فقالوا يا رسول الله دخلنا هذه الدار ونحن ذو وفر فافتقرنا وكثير عددنا يعنى عندنا مال وفير فافتقرنا وكثير عددنا فقل عددنا وحسنة ذات بيننا فساء ذات بيننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها فهى ذميمة فقالوا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف ندعها قال بيعوها أو هبوها ليتهم يهبوها إذا الإنسان يتشائم من بيته فليحوله إلى بعض خلقه لهو عباده بيعوها أو هبوها لمن تريدون رواه البزار وقال أخطأ فيه صالح ابن أبى الأخضر والصواب أنه من مرسلات عبد الله ابن شداد أوليس كذلك قلت وصالح ضعيف يكتب حديثه وفيه أيضا فى الإسناد سعيد ابن سفيان ضغفه الإمام المدينى وذكره ابن حبان فى الثقات ونقل تضعيف المدينى له إخوتى الكرام أما صالح الذى يقول ضعيف ضعيف يعتبر به وهو من رجال أهل السنن الأربعة وتوفى بعد أربعين ومائة للهجرة وأما سعيد ابن سفيان هو سعيد ابن سفيان الجحدرى البصرى صدوق كما قال الحافظ ويخطأ وهو من رجال الإمام الترمذى وتوفى سنة أربع أو خمس بعد المائتين وقال الإمام ابن حجر فى التهذيب والتاريخ فى الجزء الرابع صفحة أربعين قال ابن حبان قال ممن يخطأ ونقل كلام ابن المدينى الذى يقول هنا الهيثمى ذكره فى الثقات ونقل كلام ابن المدينى فيه وقال إنه يخطأ لكن قول هنا الإمام البزار الصواب أنه من مرسلات عبد الله ابن شداد وهو عبد الله ابن شداد ابن الهاد انتبه أثره إذا كان من مرسلات عبد الله ابن شداد يعنى ليس هو من رواية ابن عمر وقد رواه من مرسل عبد الله ابن شداد البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء الثامن صفحة أربعين ومائة عن عبد الله ابن شداد ابن الهاد أن امرأة من الأنصار جاءت إلى نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقالت سكنا دارنا هذه ونحن كثير فهلكنا وحسن ذات بيننا فساءت أخلاقنا وكثير أموالنا فافتقرنا قال أفلا تنتقلون عنها ذميمة قالت فكيف نصنع قال تبيعونها أو

تهبونها. قال الإمام البيهقى هذا مرسل انتبه لتعليق الإمام ابن التركمانى فى الجوهر النقى على سنن البيهقى يقول عبد الله ابن الهاد ابن شداد يعنى لو لم يكن حتى الحديث من رواية عبد الله ابن عمر ليس بمرسل ولد على عهد النبى عليه الصلاة والسلام قال الإمام العجرى هو من كبار التابعين الثقات وهو معدود فى الفقهاء توفى سنة واحدة وثمانين فقط قبل المائة وحديثه مخرج فى الكتب الستة قال الإمام ابن التركمانى فى التعليق على سنن البيهقى هذه المرأة صحابية لأن امرأة من الأنصار جاءت إلى النبى عليه الصلاة والسلام وابن شداد وهو عبد الله ابن شداد ابن الهاد سمع من قدماء الصحابة كعمر وعلى ومعاذ وقوله إن فلانا قال كذا هو يقول أن امرأة من الأنصار كقولهم وقوله إن فلانا قال كذا كالعنعنة انتبه لهذا الفقه الدقيق عند جماهير أصحاب الحديث فالحديث مرفوع يعنى عندما يقول عبد الله ابن شداد ابن الهاد أن امرأة من الأنصار هو لا يحكى أنه وقع فحضر الواقعة بنفسه أن بمعنى عن وعليه بما أنه هو روى عن الصحابة الكبار كبار كعمر وعلى وغيرهما رضى الله عنهم أجمعين فإذن ما يريد هذه المرأة وعليه عبد الله ابن شداد ابن الهاد عن امرأة من الأنصار قالت فإذا كان الحديث عن عبد الله ابن عمر رضى الله عنه فالرفع ظاهر ولا انقطاع وإذا كان من رواية عبد الله ابن شداد فكذلك لأن قوله أن امرأة لا يفيد أنه حضر بنفسه وقد قرر أئمتنا أن صيغة أن بمعنى عن كالعنعنة فإذا قال عن امرأة من الأنصار لا يعنى أنه حضر وإلا سنحكم على جميع روايات التابعين بأنها مرسلة لأنه يقول عن ابن عمر أوليس كذلك لإذا قال أن ابن عمر قال أو عن ابن عمر أنه قال الأمر واحد وهنا عبد الله ابن شداد ابن الهاد يروى عن امرأة من الأنصار فالحديث متصل مرفوع وليس بمرسل.

هذا تحقيق الإمام ابن التركمانى فى الرد على الإمام البيهقى عليهم جميعا رحمة الله وعليه قول البزار هنا كقول البيهقى الصواب أنه من مرسلات عبد الله ابن شداد كيف من مرسلات عبد الله ابن شداد كما قلت وهو لو قال أن امرأة أو قوما جاءوا بمعنى عن أناس من الصحابة قالوا للنبى عليه الصلاة والسلام وعدم تسمية أعيان لا يضر بعد التحقق من أنهم صحابة وهناك امرأة صحابية والعلم عند الله جل وعلا هذا حديث للبزار وغيره كما قلت من رواية ابن عمر ومن رواية عبد الله ابن شداد وهو متصل وليس بمرسل.

حديث آخر رواه الطبرانى فى معجمه الكبير من رواية سهل ابن حارثة الأنصارى قال اشتكى قوم إلى النبى عليه الصلاة والسلام أنهم سكنوا دارا وهم عدد فقلوا فقال هلا تركتموها وهى ذميمة رواه الطبرانى فيه يعقوب ابن حميد ابن كاسب وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جماعة إذن صار معنا عدة روايات رواية أنس التى تقدمت معنا ذروها فإنها ذميمة أوليس كذلك وبمعناها رواية فروة ابن نسيك إن من القرف التلف ورواية ابن عمر ورواية سهل ابن حارثة ورواية عبد الله ابن شداد أوليس صار خمس روايات فيها هذا المعنى وهى أن الإنسان يبتعد عن المكان الذى لا يرتاح إليه لا لوجود شؤم فيه فلا شؤم لا بالمكان ولا فيما تستعمله من حاجات مباحة إنما أنت إذا وقع فى خلدك وذهنك شىء نحو هذا فتخلص منه واسترح وانتهى الأمر وهنا كذلك لا عدوى والعدوى منتفية لمن قوى يقينه وعظم توكله على ربه وفر من المجذوم لمن ضعف يقينه وهنا هذه الدار بدأ يحصل فى قلوبكم ما يحصل هنا تتخلصوا منها والعلم عند الله جل وعلا ما أعلم العشاء قريب بقى معنا خمسة أقوال خمسة دقائق نعم على كل حال إخوتى الكرام بالنسبة لشهر رمضان المبارك نسأل الله أن يبلغنا دخول هذا الشهر الكريم وأن يمن علينا بصيامه وقيامه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ستكون الدروس فيه فى يوم السبت والأحد بعد صلاة الفجر فى هذا المسجد المبارك وفى يوم الأثنين بعد العصر جمعا بين المصلحتين لأن بعض الإخوة يريدون بعد الفجر وبعض الإخوة يريدون بعد العصر وبعض الإخوة عندهم ارتباط بعد العصر وهذا المسجد فيه دروس بعد العصر فى تحفيظ القرآن أوليس كذلك إلا يوم الإثنين فليس فيه درس الأحد فيه فدعونا نجمع هذا الأمر وهى أربعة أسابيع نسأل الله أن يتقبل منا السبت والأحد فقط استعينوا بالله سبت وأحد بعد الفجر إلى ساعة ونصف على أكثر تقدير بحيث نملؤ شريطا واحدا ويوم الإثنين بعد العصر إن أحيانا الله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع

الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللم ارحمهم كما ربيونا صغارا اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن لمن أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا عدوى 1

لا عدوى (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم لاعدوى 1 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك. اللهم صل على نبينامحمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. لازلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث الجن ألا وهو صلة الجن بالإنس وصلة الإنس بالجن أوليس كذلك صلة الجن بالإنس وصله الإنس بالجن صلتنا بهم وصلتهم بنا وقلت هذا المبحث يقوم على أربعة أمور كما تقدم الكلام على ذلك مرارا. أولها: فى حكم الاستعانة بهم. وثانيها: فى حكم المناكحة بيننا وبينهم. وثالثها: فى مس الجن للإنس. ورابعها: فى تحصن الإنس من الجن. والمبحث الثالث إخوتى الكرام: نحن على وشك الانتهاء منه النقطة الثالثة من المبحث الثالث وهى مس الجن للإنس وتقدم معنا يصيبون بنى آدم بالصرع وقد يعتدون عليه بالخطف وقد يحصل منهم وخز لبنى آدم فيتسبب مرض الطاعون الذى إلى وفاة الإنسان فتقدم معنا إخوتى الكرام هذا الأمر وأن الطاعون هو وخز الجن وبينت هذا بالأحاديث الصحيحة الكثيرة. ثم تكلمنا أيضا وتدارسنا مبحث الطاعون ضمن أربعة أمور. أولها: فى تعريف الطاعون وأعراضه. وثانيها: فى فضل الإصابة بالطاعون. وثالثها: فى أسباب الإصابة بالطاعون. ورابعها: وهو ما تدارسناه فى الموعظة الماضية فى أدب نبوى ينبغى أن نحرص عليه عند وجود الطاعون فى بلدة فيما يتعلق بالخروج من تلك البلدة وفيما يتعلق بالدخول إليها.

وآخر ما تكلمت عليه فى هذا الأمر بيان الحكمة من النهى عن الخروج من البلدة التى ينتشر فيها الطاعون وبينت سبع حكم فى ذلك وبقى علينا أن نتدارس الحكم من منع الخروج أوليس كذلك من منع الدخول إلى البلد الذى ينتشر فيه الطاعون تقدم معنا أنه إذا وجد الطاعون فى بلد لا يجوز أن ندخلها ولا أن نخرج منها لا يجوز أن نخرج منها لأمور كثيرة بينتها لا يجوز أن ندخلها أيضا الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه زاد المعاد فى هدى نبينا خير العباد عليه الصلاة والسلام فى الجزء الرابع صفحة أربع وأربعين أورد خمس حكم لذلك أى فى المنع من الدخول إلى البلدة التى ينتشر فيها الطاعون؟ أولها: لتجنب الأسباب المؤذية تجنب الأسباب المؤذية تقدم معنا الطاعون يخبر الجن ويظهر بعد ذلك أعراض كما تقدم معنا من انتفاخ فى بدن الإنسان من عفونة من رائحة من من فأنت سلم نفسك من مباشرة هذا ومن رؤيته بما أنه لم يقدر عليك وأنت بعيد عنه فحصن نفسك منه تجنب الأسباب المؤذية. الحكمة الثانية: الأخذ بالعافية والعافية هى مادة المعاش فى هذه الحياة وبعد الممات لتطلب العافية لنفسك وأن تسأل الله جل وعلا السلامة من كل ضر وأذى إذا كان فيه ضر فيه أذى ابتعد عنه. والحكمة الثالثة: أن لا يستنشق الإنسان الهواء الذى يصبح فيه عفونة عند ظهور مرض من الأمراض فى بلد من البلاد. والحكمة الرابعة: ألا يجاور المرضى لأنه قد يحصل له من جنس ما يحصل لهم بتقدير الله لا عن طريق العدوى كما سيأتينا وقلت سأختم الكلام فى أمر العدوى على هذا الأمر إن شاء الله.

وآخر الحكم: أن يحصن الإنسان نفسه من الطيرة التى نهينا عنها فقد يدخل البلد التى ينتشر فيها الطاعون فيصاب بتقدير الله بمرض الطاعون فيقول لو لم أدخل لما أصبت وهذه كلام لغو باطل لا حقيقة له فإذن وقع فى الطيرة والتشاؤم ودخل فى باب اللغو التى نهينا عنها فليحصن نفسه من البداية لا يدخل ويستريح ويريح نفسه وكفى الله المؤمنين القتال هذا إخوتى الكرام فيما يتعلق بهذا الأدب النبوى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه. أما الموضوع الذى سنتدارسه فى هذا اليوم فى أمر العدوى وردت أحاديث كثيرة عن نبينا عليه الصلاة والسلام تنفى العدوى وأنه لا عدوى ولا يعدى شىء شيئا ووردت أحاديث أخرى ظاهرها يفيد اثبات العدوى هذه القضية لا بد من أن نتدارسها فى هذا اليوم لننتقل بعد ذلك إلى الأمر الرابع من المبحث الثالث ألا وهو تحصن الإنس من الجن بإذن الله جل وعلا. إخوتى الكرام.. قبل أن أدخل فى هذا الموضوع بعض الإخوة قدم سؤالا أنا أريد أن أعلم الأخوة الذين يسألون هل يعون ما سبق تقريره مرارا أم لا يقول نرجو بيان الدليل فى عدم الخروج عن المذاهب الأربعة لقول مجتهد من المجتهدين من غير أصحاب المذاهب وهو الحق فى المذاهب الأربعة فقط، ما أعلم هذا يعنى ما قلته مرارا أم لا حقيقة يعنى إن وعى ما أريد من هذا السؤال وإذا لم يع فكلما كرر ما الفائدة إن لم يكن هناك وعى.

إخوتى الكرام: تقدم معنا مرارا أن الحجة فى كتاب الله وحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم سلفنا الكرام هذه الأمور الثلاثة انحصرت فى المذاهب الأربعة ايتنا بقول خرج عن المذاهب الأربعة فيما تقول حتى بعد ذلك نقول الحق لا يوجد فى المذاهب الأربعة..نحن كما قلنا قلت كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم الصحابة الكرام هات لنا مسألة من المسائل لا توجد فى المذاهب الأربعة وعليها دليل من الكتاب والسنة وقال بها أحد من سلفنا هات فإذا أعياك هذا دل على أنك أنت على بطلان وتطالبنا بالدليل لن نطالبك..نقول هات مسألة ليست فى المذاهب الأربعة وأنت تقررها بآية وحديث وقول إمام من سلفنا الكرام هات فإن يوجد أوجد عندك على العين والرأس نبحث وإذا تبين لك على وهم فإذن الحق كما قلت فى هذه المذاهب وهذه المذاهب ليست أربعة مذاهب لأربعة أئمة لا ثم لا أربعة مذاهب للأمة فأبوحنيفة رضى الله عنه وأرضاه ما أسس هذا المذهب بمفرده لا هو ولا غيره يستطيع أن يستنبط هذه الأحكام بمفرده وهكذا الشافعى وهكذا الإمام أحمد وهكذا الإمام مالك فى مدرسة كاملة متكاملة على مراحل عدة قرون يحقق المذهب وينقح من قبل أهل الخبرة والتحقيق والديانة والصلاح والإمامة وانظر وجود تلك المدرسة إلى الإمام مالك فمذهب الإمام الشافعى ليس أقوال قررها الإمام الشافعى وانتهى..جاء بعد الشافعى أئمة كرام فى درجة الإمام الشافعى يلتزمون بمذهبه وبما وجد..فإذا وجد شىء أحيانا يخالف يقولون هذا مرجوح وإن احتمله الدليل والراجح كذا فى مسائل كثيرة مقرر عند الأئمة فإذا السائل عنده مسألة فى هذا الوقت أو فى غيره أنا مستعد البحث معه يأتينا بمسألة تخرج عن المذاهب الأربعة والدليل معه هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه أن نكون على بينة من الأمر وتقدم معنا مرارا قلت الذين خرجوا إما أن يوافقوا المذاهب الأربعة فى بعض الأقوال ويقولون نحن لا نلتزم..

ضمن دائرتهم شاءوا أم أبوا وإما أن يشذوا ويأتونا بأقوال ما أنزل الله بها من سلطان كشذوذ ابن حزم الذى من الحزم ألا تتبع ابن حزم يعنى لما جاء فى بحث المفطرة حقيقة قال قولا لم يسبق ما سبقه لا إنس ولا جن فى موضوع المفطرة قال كل معصية تفطر الصائم ثم بعد ذلك يعنى لو نظر فقد أفطر لكن ما عليه القضاء أفطر وما عليه القضاء ثم بعد ذلك قال لو قدر أن الإنسان أفطر يعنى يحتاج الآن لتحقق من قوله بشىء من المفطرات وقد أفطر ولا عليه القضاء إلا إذا أفطر بالجماع وإلا إذا أفطر بعذر كما لو كان مريضا أو مسافرا أو ممن رخص لهم هؤلاء يقضون هؤلاء أما من عداهم لا يقضى وإن أفطر هذا الآن خارج عن المذاهب الأربعة نعم خارج لكن هل هو حق أو له هذا يحتاج إلى بحث أئمتنا باختصار كما ناقشه الإمام ابن رجب الحنبلى باختصار قال له ما نهى عنه الصائم ينقسم إلى قسمين نهى عنه لخصوص الصوم فيبطل صومه إذا فعله نهى عنه مطلقا لأنه صائم ولأنه غير صائم من نظر محرم من غيبة من كذب هذا لا يبطل الصوم ليس معناه أنه مباح له هذا إذا فى خارج الصوم منهى عنه يعنى إذا فى الصوم أشنع وأشد وهو عند الله ككلب جائع لكن ليس معناها أفطر كما تقول وعليه القضاء أفطر ما عليه قضاء فهذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه لذلك عند ابن حزم لو زنى لو لاط أفطر وما عليه القضاء ولا الكفارة قال هذه معصية ولو باشر زوجته عليه كفارة هذا فقه يا إخوتى الكرام لكن لا بد من نعى أن عوضا ومع ذلك من كانت عنده أهلية العلم كالإمام ابن حزم نلتمس له عذرا ونرد قوله ونستغفر له نقول يستحيل أن نأخذ قولك ونترك أقوال أئمتنا لكن نحن فقط عندما نرد عليك لأنك تتهجم على أئمتنا فقط أم أنت لك اجتهاد حتما أنت مطالب إذا كنت إماما أن تفهم على حسب ما يؤديك إليه الدليل فأنت1310 عند الله جل وعلا أو تثاب أكثر من الأئمة هذا لا يحكم فيه إلا رب العالمين لكن يستحيل أن نأخذ بقولك ونترك أقوال أئمتنا انتبه

لهذا أنت وغيرك وممن يأتى بعدك إلى يوم القيامة فانتبه لهذه القضية فالأخ السائل إن كان يعى هذا الكلام فلا داعى للسؤال. المذاهب الأربعة هى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم سلفنا فانحصرت هذه الأمور فى مذاهب أئمتنا إذا عندك إشكال فى هذا ايتنا بمسائل لنضع الأصبع عليها ونتناقش لا تأتينا بكلام نظرى هات مسألة حتى نقول هل موجودة فى المذاهب الأربعة أم لا, لا تأتينا بكلام ما الحكم وما الدليل هذا كلام لا ينتهى هذه هى المجادلة بالباطل والمجادلة التى لا توصل إلى نتيجة.

فيما كنت أقول لبعض الإخوة قبل قليل قبل صلاة العصر قلت كما هو حال الألبانى فى مقدمة كتاب صفة صلاة النبى عليه الصلاة والسلام يقول الأئمة كانوا ينهون أتباعهم عن تقليدهم فأبو حنيفة يقول يا يعقوب أى أبى يوسف لا تأخذ بقولى فإننى أقول القول اليوم وأرجع عنه غدا قلت والله هذا المثال ينطبق على الألبانى بالمائة مائة فإنه يصحح الحديث اليوم ويرجع عنه غدا ويضعف الحديث اليوم ويرجع عنه غدا فإذا كان..

أخطأ فى اجتهاده على تعبيرك اجتهاد وأما أنت جئت تجعل حديث خير العباد عليه الصلاة والسلام تبعا لمادة بحث تبحثها وما تلقيت علما عن أئمة ولا التزمت بأقوال الأئمة وجئت يوم تقول إن هذا ليس من كلام النبى عليه الصلاة والسلام ويوم تقول هذا من كلام النبى عليه الصلاة والسلام حيرتنا هل إذا قال أبو حنيفة عليه رحمة الله ما قال هذا قال هذا اجتهاد قد أرجع عنه وأما أنت تقول هذا حديث صحيح هذا حديث حسن بعد فترة تقول هذا حديث منكر من الذى إذن يتراجع أنت الآن حالك أشنع من ذلك الحال الذى تقول لا يجوز أن نتبع أئمتنا يعنى إذن نتبعك لا نتبع أئمتنا كم من حديث كم صححه ثم حكم عليه بالنكارة والضعف وكم من حديث ضعفه ثم استبان لى أنه صحيح وهو لو عرف قدره وقدر أئمتنا لكانت المسألة سهلة هذا حال البشر لكن هو كأنه يريد أن يقول إن كلامى حق وصدق وكلام من عداه يخطأون ويصيبون فحد الله أنت تخطأ وتصيب وتخلط أكثر مما يخلطون وإذا هم لهم أحيانا استنباط قد يكون مرجوح يوجد له أرجح فأنت تأتى بشىء أى بمتناقضين وتثبتهما فأنت الآن يعنى فى منتهى البعد عن الصواب فهذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام وكل دعوة للخروج عن المذاهب الأربعة مؤداها التلاعب بدين الله جل وعلا ليقول من شاء ما شاء وانظر الآن للمجتهدين الذين لا يحصون أما وجد مفتى متن فى مصر وتوفى من فترة فأفضى إلى ما قدم أفتى وهذا لما قلته مرة فى العام الماضى على المنبر فى الرد عليه وعلى هوس المجتهدين فى هذه الأيام قال هذا ليس بصحيح وهذا من يعنى من ترتيب فلان قلت يا عبد الله تعال نريكم فقه رسول الله أفتى بجواز صلاة المرأة فى المايوه على شاطىء البحر ولها حق أن تقصر وتجمع تذهب تسبح فى البحر وهذه الآن مشتغلة بالزنى والعربدة داخل البحر ما عندها وقت تصلى الصلاة فى وقتها فلها حق أن تجمع وتقصر وتصلى بهذه الملابس لأنه لا يوجد دليل على ستر جسم المرأة هذا اجتهاد منه هذا اجتهاد..

ما لا مثيل له خذ من هذا ما لا حكم له. نقل لى بعض الشيوخ هنا وحقيقة ليس عندى علم قال لى بعض الإخوة يوجد شريط تسجيل فى ذلك فى مكتبة التسجيل فى موضوع عروض التجارة هل فيها زكاة أم لا عندكم شريط بذلك قال لى رآه بعض الإخوة من أيام عندكم على كل حال عروض التجارة يحتاج الأمر للتحقق فى هذه القضية يقول لا زكاة فيها الذى يقول هذا أريد أن أعلم عنده عقل هل عنده عقل إذا كنت تتاجر عندك عروض تجارة ملابس بالأقمشة بالسكر بالرز بالتين بالتمر وفلوسك كلها فى هذه الأشياء فى العقارات كان يقول هذه ليس فيها زكاة يقول لى هذا الشيخ وعليه يقول لأهل دول الخليج بالمائة تسع وتسعين منهم ليس عليهم زكاة لأنهم تجار أموالهم فى التجارة من الذى عنده زروع الثمار فى هذه الأيام أو مواشى أو أموال مدخرة كلها الآن فى تجارات ترى أن الإنسان أحيانا فى المعمل ليس مليون مئات الملايين من البضائع هذه ليس عليها زكاة عروض التجارة ليس فيها زكاة هذا فقه هذا فقه فى هذه الأيام يقول هذه المسألة قال بها الألبانى وسبقه إليها ابن حزم وتبناها الألبانى فى هذا الوقت والله لو علم بها الأغنياء لطاروا فرحا هم فى الأصل يعنى الأكثر لا يزكى والذى يزكى يتلاعب فى الزكاة والذى بعد يزكى قلبه ينخلع يقول أما الآن فخلاص هذه فتوى رسمية ليس علينا زكاة فى عروض التجارة.

وجد فى هذا الوقت من يقول أنه أشنع من ذلك ورق الفلوس من أولها إلى آخرها لا ربا فيها إنها ليست بنقدين لا ذهب ولا فضة ولا زكاة عليها هذه ورقة مثل ورق الجرائد إذن فئة خمسمائة ريال قال ورقة ما لها قيمة هذه ليست ذهبا الزكاة فى الذهب والفضة هذا فقه هذا خذ من هذا الفقه الذى لا مثيل له هذا فقه فى هذه الأيام هذا لما تركنا فهم أئمتنا وفقه أئمتنا..ولذلك أنا أقول لمن يعترض أقول هات المسألة يا أخى واضحة لنتكلم فيها اليوم فى موضوع الهلال إخوتى الكرام لما نتكلمنا يعنى..

الآن فى أمر الهلال ثلاثة أقوال ماذا تستفيد عليهم كل قول مأخوذ من دليل ومقارنة فإذا قلت يعنى قال به أبو حنيفة وإن قلت بهذا قال به الإمام مالك وإن قلت بهذا قال به الشافعى وأحمد رضى الله عنهم أجمعين أدلة معتبرة نعم يبقى طالب العلم كما تقدم معنا مرارا ينظر يقول هذا الذى يبدو أقوى من حيث الدليل أقوى هذا موضوع ثانى لكن ضمن دائرة الهدى أقول دائما لبعض الإخوة أقول المذاهب الأربعة بركة عذبة وما خرج عنها عذاب إذا أردنا أن نعذب أنفسنا فى الدنيا والاخرة فلنخرج ولما خرج الناس ابتلوا فالأخ السائل أن أريد أن أعلم هضم هذا أم لا فأنا ما أدعوه لاتباع أبى حنيفة ولا لاتباع الشافعى ولا لاتباع الإمام أحمد ولا لاتباع مالك مع أنهم أحق بأن يتبعوا من غيرهم ما أدعوه لفهم فهم مقرر بكتاب وسنة حسبما فهم سلفنا الكرام الصحابة رضى الله عنهم أجمعين ولا يوجد مذهب من المذاهب الأربعة إلا وعمدتهم وأدلتهم كتاب الله سنة رسوله عليه الصلاة والسلام إجماع قياس صحيح سوى إذ كان عندك بعد ذلك ما يخالف هذا هاتى مسألة قل هذه ليس قالها المذاهب الأربعة وليس عليها دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا من إجماع ولا من قياس وأنا عندى مسألة عليها دليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس هات حتى نجعلك إمام هذا الزمان ونترك أئمتنا الكرام هذا الكلام نظرى لا ينتهى ولذلك كما قلت صاحب السؤال إن أراد أن يأتى بمسألة الآن أو لاحقا أو فى أى وقت أنا مستعد له أو لغيره والأمة الإسلامية فى هذه الأيام فى عمى ما واحدا منا قرأ مختصرا من كتب الفقه فضلا عن المطولات والناس أعداء لما جهلوا.. الفقه أريد أن يتعلم حديثين فى العبادات ويصبح بعد ذلك مفتى الثقلين فقط يؤلف له ذاك كتب صلاة النبى عليه الصلاة والسلام واحد أخذ صفة وضوء النبى عليه الصلاة والسلام.

يا معشر المظلومين متى صار الفقه الذى يعالج أمور الحياة من أولها لآخرها فى رسالة أو رسالتين صغيرتين هل البحث فى قضيتين يشكل فقها البحث فى قضيتين يشكل فقها عندما تبحث الآن عندنا فى فقه أئمتنا على أى مذهب كان تذهب من الطهارة وتنتهى بعد ذلك بالجنايات أوليس كذلك والحدود والعقوبات بدأت بطهارة وعبادات جئت إلى معاملة جئت إلى أنكحة جئت جئت انتهيت أمور الحياة من أولها إلى آخرها مرصوصة مرتبة بأحكام مأخوذة من أدلة شرعية هذا ينشر لك يريد من إصدارين أو ثلاثة يجمع فقها للأمة الإسلامية يا عبد الله هذه مضيعة أتريد ان تضيع الأمة بذلك تريد ان تضيعها دعهم يأخذوا صفة صلاة النبى عليه الصلاة والسلام من كتب السنة ومن كتب أئمتنا لا تأتى تشغلهم بهذا وتقول هذا هو الفقه ثم تقول بعد أبو حنيفة نهى عن تقليده والشافعى نهى عن تقليده يعنى أمرونا بتقليدك أنا أريد أن أعلم عندما نهانا الشافعى عن تقليده قال قلدوا الألبانى أو قلدوا غيره هى هى فإخوتى الكرام لا بد وعى القضية فى هذا الزمان نعم شباب طيب بارع يأتى يغرر يقال له الكتاب والسنة الكتاب والسنة لعنة الله على من يخرج عنهما ولعنة الله على من لم يحتكم إليهما لكن يا أخى ليس الكتاب والسنة مع هؤلاء وليس مع أئمتنا أولى الناس بالكتاب والسنة أئمة الإسلام فلا بد من وعى إخوتى الكرام لا بد من وعيه سبحان ربى العظيم حديث واحد يأتى هذا يستدل به على قضية وهذا يستدل به على قضية حسب مفاهيم البشر هذا موجود منذ زمن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فحتما للفوضى إذن لا تأتينا أهواء شاذة فى هذه الأيام.. أما نقول نحن مرارا كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام حسبما فهم سلف الأمة, سلف الأمة من هم..الذى انحصرت مفاهيمهم فى هذه القضية.

إخوتى الكرام: آخر مبحث الآن معنا فى توريث الغرقى والهدم وبعضهم من بعض المذاهب الأربعة عندما يقدم على قولين فى هذه المسألة هل رأيتم قولا من هذين القولين خرج عن أقوال سلف الأمة ما دام من الصحابة إلى التابعين إلى أن استقرت الأقوال عندهم هذا يقول عمدتى من حيث الأدلة العامة كذا الأصل أن الغرقى والهدم والكذا على قول الإمام أحمد الثانى رضى الله عنه وأرضاه أنهم أحياء لا يرث بعضهم من بعض وهذا الأصل لا نتركه لشك ثم عندنا أدلة أخرى منقولة آثار وأولئك يقولوا الجمهور يقول عندنا هذا الشك فى سبب استحقاق الغرقى والهدم ومن يموتون فى موت جماعى شك فى حياتهم ولا توريث مع الشك هذه قضية مستنبطة من أدلة شرعية ثم انتبه وعندنا آثار يرد آثارا عن الصحابة الأبرار رضى الله عنهم أجمعين هذه هى القضية هات لنا قولا ثالثا فى المسألة ماذا ستقول وهذه كما قلت لك فى كل مسألة لذلك لا يأتى إنسان يدلس علينا أحيانا كما قلت لكم وضوء النبى عليه الصلاة والسلام يا أخى ما يتكون الفقه وقضايا المسلمين لا بوضوء ولا بطهارة ولا بصلاة عندنا فقه متكامل لجميع شؤون الحياة وهذا كما قلت يعجز أن يقوم به فرد أمة متكاملة تنقح وتحقق وتهذب وتستبين وتقرر حتى آل الأمر إلينا وقلت مرارا من أعظم معجزات نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذه الأمة فقه الفقهاء هذه هى التى هى أكبر معجزات خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام..

أن نسمع بها فى هذه الأيام تحت ستار الاجتهاد وتقليد فلان وفلان من العباد يا جماعة هذه سفاهة فإخوتى الكرام لا داعى مثل هذا ينبغى أن يعى ما يقول نعى ما نقول ما الدليل ما الدليل ما أعلم ما الدليل الدليل كما قلت بالاستقراء والاستقراء هذا أعظم الأدلة برهانا ما يوجد مسألة إلا ولها فى المذاهب الأربعة حكما ومستنبطة من الكتاب والسنة عندك شىء يخرج عن هذا هاتى لنا لنبحث معك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا هذا لا بد من وعيه إخوتى الكرام أن نكون على بينة من أمرنا وإلا بعد ذلك كما قلت ضجيج ضجيج ما أكثره والتلبيس بالباطل فى هذه الأيام فإنه صار يعنى شعارا.

جاء مرة بعض السفهاء القصة يوردها الإمام ابن الجوزى فى كتابه الأذكياء جاء بعض السفهاء من حمقى اليهود الأمة الغضبية الذين لعنهم رب البرية جاء على زعمه يريد أن يفتن المسلمين بتلبيس من الكلام يأتى للعامة يقول أتؤمنون بنى الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قال نؤمن هذا نبى الله نجى الله كليمه أتؤمنون بالتوراة وأنها حق قالوا نؤمن أنزلها الله على نبيه موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه قال إذن أجمع المسلمون واليهود على الإيمان بموسى والإيمان بالتوراة لكن معشر اليهود نكفر بالقرآن وبمحمد عليه الصلاة والسلام فدعونا على ما أجمعنا عليه واتركونا مما اختلفنا فيه نحن..

حقيقة أمام الناس السذج يخدع العامة حقيقة يعنى كيف سنناظره أما مجمعون عليه دعونا عليه والذى اختلفنا فيه دعونا من هذه الفتنة فقام شاب عمره خمس عشرة سنة ما نبت فى وجهه لحية قال أنا أناظرك فيما تقول قال أنت ستناظرنى هؤلاء رجال كبار ما أحد يرد على من العامة فاستخف قومه فأطاعوه قال أنت ستناظرنى قال أنا أناظرك الآن وإذا غلبتنى أنا أكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام والقرآن وإذا غلبتك آمن بمحمد وبالقرآن وهو نبى الله حقا وصدقا كما آمنا نحن بموسى وبالتوراة قال أسألك أو تسألنى هذا اليهودى لهذا الشأن قال بل أنت ابدأ أنت سل ماذا تريد قال أتؤمن بنبى الله موسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام قال عن أى موسى تسأل عن موسى ابن عمران الذى بشر بمحمد عليه الصلاة والسلام وأخبر عنه نبينا عليه الصلاة والسلام فأنا أومن به هذا رسول الله حقا وصدقا وإذا كان سؤالك عن موسى الذى لم يبشر بالنبى عليه الصلاة والسلام ولم يأمر باتباعه إذا ظهر فهذا شيطان مريد لأننا لا نؤمن به تمعر وجه اليهودى لكن لعله يجد له كما يقال مطبا ذهب لقضية ثانية قال تؤمن بالتوراة قال عن أى توراة تسألنى التوراة التى أنزلها الله وبها البشارة بمحمد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن أومن بها كلام الله وأما إذا كان سؤالك عن التوراة التى ليس فيها البشارة بخير المخلوقات عليه الصلاة والسلام فأنا كافر بها هذه من وساوس الشياطين بقى أن أجمعنا واختلفنا..

أجمعنا على موسى واختلفنا فى محمد عليه الصلاة والسلام أجمعنا على الأمرين أو جلست نبذ الأمرين قال له هذا اليهودى أريد ان أكلمك فيما بيننا قال طيب فدخل إلى الحجرة فبدأ يسبه بأمه وأم من علمه باللفظ الصريح لا يكنى بالكذا وكذا بأمه كذا وكذا لكن الشاب عنده عقل فضبط نفسه قال دعك من هذه السفاهة يقول فيك كذا وفى أمك كذا وفى أم من علمك كذا هذا اليهودى فضبط نفسه وما أجابه بشىء قال عندك شىء ثانى قال نخرج إلى الناس فقال لهم هذا الشاب الحذر قال ترونى أننى غلبته وكسرته قالوا نعم أنت على الحق وهو الآن مجابه بالباطل قال تدرون ماذا قال لى هذا الخبيث أدخلنى إلى الحجرة وسبنى بأمى وأم من علمنى باللفظ الصريح لا يكنى يريد منى أن أضربه من أجل أن يضيع الحق وسط الضجيج فدونكم هذا الخبيث فافعلوا به ما تريدون فقاموا عليه بالنعال وهو يهرب منهم هذا حقيقة..فلا بد إخوتى الكرام تلبيس ما لم نعرف التلبيس لا بد من أن تضع الأمر فى موضعه السوى السديد الرشيد أما التلبيس التلبيس ما أكثره ما أكثره التلبيس ونسأل الله أن يحسن ختامنا بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الكرمين.

بعض الإخوة ما أعلم حضر معنا درس الفرائض ما كان فى نيتى يعلم الله أن أثير هذا ولا أتكلم يأتى عليه كلام إن شاء الله ووضع الحق فى نصابه حول حديث معجم الطبرانى الأوسط وكما تقدم معنا رواه أبو نعيم فى الحلية من رواية سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يبعث إلى المطاعم فيؤتى بالماء فيشربه يرجو بركة أيدى المسلمين الألبانى حسنه كما تقدم معنا فى صحيح الجامع وقال حسن وأحال على الأحاديث الصحيحة وقلت لبعض الإخوة أحضرها لى لأنها ليست عندى فلما أحضر لى المجلد الخامس نظرت فيه يقول أيضا حديث حسن كتب حوله صفحة رجع الآن يقول هذا حديث منكر أحضر لى بعض الإخوة بخط يده ثمانى صفحات أن هذا حديث منكر وقال أنا كنت أخطأت فيما قلته سابقا لكن فلان ويقصدنى يقول كذب وغش ودلس عندما قال إن الحديث صحيح فهل تنسب هذه لنفسك لما أنا كذبت ودلست وغششت عندما قلت إن الحديث صحيح أنا لاصححت ولاضعفت نقلت كلام الإمام الهيثمى وكلام أئمتنا فى تصحيح الحديث ورجال الحديث كما سيأتينا رجال الصحيح لقد أحلت أما أنت أنت لا تقبل لا بكلام الهيثمى ولا بكلام غيره إلا إذا أردت أن تستر عورتك تأتى تتستر بكلام الأئمة فجئت تقول هذا الحديث حديث حسن لما ظهر فيه ما يرد على تشويشكم من أنه لا يجوز التبرك بآثار الصالحين ونبينا الأمين عليه الصلاة والسلام كان يفعل هذا وهذا كما يقال قطعت جهيزة قول كل خطيب قالوا إذن لا بد محاولة وأن نناطح بقرون عجيبة

جاءنى راو اسمه إسماعيل أوليس كذلك حسان ما هذا حسان من رجال الصحيحين جاء يتكلم عليه وكما قلت فى ثمانى صفحات يأتينا الكلام على هذا لكن أنت تحسنه فى مكان من كتبك من اجتهادك ثم تنقض اجتهادك هلا قلت عن نفسك إنك غاش مدلس كذاب يعنى لما أنت تتهم غيرك إذا أنت أخطأت قل غيرى أخطأ قل غيرى قال هذا الحديث صحيح أخطأ كما أخطأت أنت..أو قل غيرى كذب وأنا أكذب منه المسألة سهلة أيضا يعنى أحد أمرين أما غيرى كذاب وغشاش ومدلس يقول هذا صحيح قال ليس بصحيح وأنا يعنى أخطأت فقط لما يا عبد الله لما أريد أن أعلم ...

إذا كنت تحكم على غيرك بالكذب وقل وأنا معه وكلنا فى الهم شاكو كلنا نكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام فى هذا الوقت والله سيحكم هل أنا كذبت أو أنت نعود إليه وإذا كنت تلتمس لنفسك عذرا فالتمس أيضا لأخيك عذرا قل هذا صححه وهو مخطأ وأنا استبان لى الرجوع لكن هو مصر على رأيه لا بأس بذلك أما موضوع غش وكذب ودلس لما يا عبد الله هذا لما أنا أريد أن أعلم لما وكلامه كما قلت الذى ذكره فى ثمانى صفحات نقف عنده إن شاء الله بعض الوقفات فيما يأتى وأذكر لهذا نظائر من كلامه لنقف على بينة من الأمر ولنرى الضجيج حول أئمتنا الذين يتهمونهم بأنهم يقولون القول ويرجعون عنه ما من الذى يقول القول ويرجع عنه من الذى كان يقول إن الصلح مع اليهود لا يجوز من دعاة السلفية أم نحن أريد أن أعلم ولا أقصد إخوتى الكرام انتبهوا من السلفية السلف الصالح أقصد من لهم حزب فى هذه الأيام يسمون أنفسهم سلفية حزب تام لكن اسمه سلفية كانوا يقولون لا يجوز وأصدروا الفتيا تلك تلو الفتيا والاستنكار تلو الاستنكار لما حصل من علماء مصر من بعض علماء مصر فى إقرار الصلح أوليس كذلك آخر ما نطالع به فى هذه الأيام أن الصلح مع اليهود جائز وجائز جوازا مطلقا بغير قيد ولاكما يقال شرط إلى بطاقة مفتوحة وأى صلح يا إخوتى الكرام إن واضع صلح اليهود مع المسلمين والمسلمين مع اليهود لا يدخل تحت الموازين الشرعية ولا باعتبار المناسبة الصلح أن نضع الحرب بيننا وبينهم إذا هناك دولة إسلامية من أجل أن نتقوى لنوقفهم عند حدهم هذا هو أما أن يحصل سفارات كما أنتم تقولون هذا جائز ودبلوماسيات ومعاونات ومساعدات وبعد ذلك تطبيع علاقات على تعبيرهم واليهودى يكرم كما يكرم النصرانى هذه لا بد من وعيها فى بلدان المسلمين أكثر من المسلمين اذهب الآن لأى بلد أنت ليأتى أمريكى أنت تقف فى طرف الطابور كالكلب الأسود حتى وذاك الأمريكى تؤخذ له التحية وأبواب بغير يدخلها من غيرأن يوصد

أمامه باب هذا موجود إخوتى الكرام هذا فى بلاد المسلمين أمريكى بيرطانى المقصود يحمل الجنسية النصرانية الملعونة هذا مفتوح له الباب يأتى مسلم يضرب هنا وهناك واليهودى عما قريب ستجدونه فى بلاد المسلمين أنت صاحب اللحية ستوقف فى المطار يحقق معك وقد يبصق على لحيتك وبعد ذلك ذاك تضرب له التحيات هذا صلح يقره دعاة سلفية أنا أريد ان أعلم عندكم عقول عندما تبحثون فى الواقع أم لا فى القضايا الشرعية.

الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثامن والعشرين فى مجلد الجهاد لكن فى أى صفحة ما عاد استحضره لعله فى حدود خمسمائة وستين فى هذه الحدود ستمائة وستين فى هذه الحدود يبحث من أراد أن يهاجم أعداء الله على تعبيرهم يجعل العلاقات بيننا وبينهم دون يعنى قيد وشرط نتناسى بعد ذلك ما بيننا من جراحات يقول هذا بين ثلاثة أقسام إما أنه كافر خبيث مثلهم يتظاهر بالإسلام وإما أنه قال ما قال بواسطة ترغيب وترهيب كما لو بلطلوه أو رغبوه أوحذروه فى شىء فرع هذا وأما وهذا الثالث يقول يجهل واقع المسلمين يجهل ما يقول هذا أحد أمور ثلاثة أم الإنسان يأتى يقول أعداؤه خلص وسفارات تفتح ولازم أن نأخذ تأشيرات منهم هذا ما يقول عن اليهود فقط عن الكل هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه وأين نسير أو أمكننا أن نغيره على الأقل ما يقال يقول هذا كله ضلال والحياة تعيش فى جاهلية ونشكو أمرنا إلى رب البرية أما أن تأتى تصدر فتوى شرعية فى هذه أو فى تلك هذه ما يفعلها أبو حنيفة ولا يفعلها الشافعى لا أبو حنيفة رضى الله عنه وأرضاه ضرب مائة سوط فى عشرة أيام على أن يلى القضاء فما وليه هذا لا بد من وعيه هذه ديانة أبو حنيفة وهذا ورعه وهذه إمامته وأما نحن نسارع فى هوى من يريد أن يجعل ديننا مطية لدنياه وأشقى الناس من باع دينه بدنيا غيره هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه فى هذه الأيام ثم بعد ذلك ليتنا عرفنا حالنا وقلنا إلى الله نشكو ضعفنا لا المذاهب الأربعة هذه وثن طاغوت احذروه يا عبد الله لو قلت هذا تقوله فى زمن يعنى كما يقال هارون الرشيد فى زمن السلطان عبد الحميد ليس هارون دولة إسلامية يقال لا بأس يريد منا أن نرجع تقول هذا فى أى وقت فى وقت خسرنا فيه الدنيا والآخرة ضيعنا الدين والدنيا وجئت فقط ما بقى عندك سلاح إلا تتهجم به على أئمتنا فقط المذاهب فى الأصل كلها محكيات من الدنيا إنك أيضا من نحى كتاب الله وسنة

رسوله عليه الصلاة والسلام خلاص الآن تهجم عليها لماذا يعنى حتى الآن تريد أن تجهز عليها حتى من أذهان المسلمين ما بقى لها عمل فى الواقع حتى من أذهان المسلمين هذه طواغيت وذكرت لكم كلام بعض السفهاء حول هذه المذاهب ولذلك إخوتى الكرام كما قلت لو وعينا نحن ما نقول لما كررنا مثل هذا السؤال ونسأل الله أن يلطف بأحوالنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتى الكرام: أما الموضوع الذى نتدارسه سنتدارسه إن شاء الله الآن وهو كالتكملة للأمر الثالث من الأمر الثالث أى حول الأدب النبوى الذى ينبغى أن نحافظ عليه عند وجود الطاعون فى بلدة دخولا وخروجا يرتبط بهذا أمر العدوى وردت أحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام تنفى العدوى وأجزم بتواترها وقلت لكم مرارا الحديث دائما إذا جمعت طرقه ومخارجه وتعدد رواياته يزداد الإنسان بصيرة به وبالوثوق منه أنه صدر من نبينا عليه الصلاة والسلام سأذكر لكم ما يزيد على عشر روايات كلها ثابتة عن خير البريات عليه الصلاة والسلام فيها نفى العدوى ثم أشير إلى ما فى ظاهره يعارض هذا وأنه يوجد عدوى وأنه ينبغى أن نفر من المجذوم كما نفر من الأسد وأن مجذوما جاء للنبى عليه الصلاة والسلام يبايعه فقال ارجع فقد بايعناك كما فى صحيح مسلم وغيره وما رضى أن يقابله ولا أن يضع يده بيده عليه الصلاة والسلام هذه لا بد من الجمع بينها وهى ترتبط بمبحثنا وإن كانت من باب التكميل فلا تتعلق بمبحث الطاعون والجن لكن ستأتينا ضمن مباحث سنن الترمذى لن أتكلم عليها إذا جاءتنا بكلمة وأحيل إلى ما سبق بعون الله جل وعلا استمعوا إلى بعض هذه الأحاديث إخوتى الكرام.

الحديث الأول: ثابت فى المسند والصحيحين وسنن أبى داود والترمذى وابن ماجة فهو فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى أوليس كذلك ورواه الإمام أبو داود الطيالسى فى مسنده والبيهقى فى السنن الكبرى من رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه وانظروا الحديث فى جامع الأصول فى الجزء الثانى صفحة واحدة وثلاثين وستمائة فى جامع الأصول الآن سيعزوه إلى كم كتاب ممن ذكرناه هاتوا لا يعزوه إلى أربعة فقط وأبى داود والترمذى فقط البقية ما له علاقة به ابن ماجة ليس له علاقة لأنه ليس من اصطلاحه لأن الكتب الستة على اصطلاحه ولذلك رمز له خمدت وقلت لكم كتاب عظيم نافع فيما يتعلق بالأحاديث التى فى الكتب الستة يبين لك هذا الحديث أين روى فى هذه الكتب التى هى السنن الثلاثة والصحيحين مع موطأ الإمام مالك رضى الله عنهم أجمعين لفظ الحديث عن أنس ابن مالك رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [لا عدوى ولا طيرة ويعجبنى الفأل قالوا وما الفأل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال كلمة طيبة] .

وفى لفظ للبخارى ويعجبنى الفأل الصالح وهى الكلمة الحسنة ولمسلم مثله وقال ويعجبنى الفأل الكلمة الحسنة الكلمة الطيبة لا عدوى ولا طيرة سيأتينا ضمن مراحل البحث قوله يعجبنى الفأل الاستبشار هذا ويعنى الفرح والرجاء بكلمة حسنة تسمعها كما لو كان الإنسان مريضا ومر بإنسان قال ما اسمك قال جابر يقول إن شاء الله علامة جبر وشفاء بإذن الله جل وعلا يعنى هذا يستبشر به قال ما اسمك قال معاذ يقول يحصل لنا إن شاء الله تحصنا بالله جل وعلا بوجود هذا الاسم المبارك هذا هو الفأل فيرى مذموما تتشائم إذا رأيت شيئا تتشائم منه ويستحب لك أن تتصف كما قلت بهذه النفس الطيبة أن تستبشر من أمور الخير كل ذلك يستحب تحسين اسم الإنسان لما يأتيك إنسان مثلا اسمه حسن حقيقة حسن إن شاء الله يدل على حسن وكمال والأمور ميسرة بإذن ذى العزة والجلال اسمه سهل اسمه سهيل ولو جاءك صعب فى الحقيقة صعب صعوبة فيها لا نتشائم من هذا اللفظ لكن أيضا لا يوجد فيه فأل هذا فيه تفاؤل فى الأسماء الحسنة هذا لا نتشائم منه. إخوتى الكرام: كما قلت الحديث فى السنن الكبرى للبيهقى فى الجزء الثامن صفحة تسع وثلاثين ومائة انظروه فى منحة المعبود فى تفسير مسند الطيالسى أبى داود فى الجزء الأول صفحة سبع وأربعين وثلاثمائة ورواه الإمام الطحاوى أيضا فى شرح معانى الآثار وما ذكرته انظروه فى الجزء الرابع صفحة ثمان وثلاثمائة ثلاثمائة وثمانية هذه الرواية الأولى وهى صحيحة صحيحة فى أعلى درجات الصحة فى الصحيحين.

الرواية الثانية: فى المسند أيضا والصحيحين وسنن أبى داود والترمذى والنسائى بدل ابن ماجة الآن النسائى يعنى فى السنن الأربعة إلا ابن ماجة وهناك فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى ورواه الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار هذا الرواية الثانية وهو فى جامع الأصول فى المكان المشار إليه ورواه الإمام مالك فى الموطأ ولذلك رمز له ط لأنه ضمن اصطلاحه وهنا رمزه الآن إلى الستة الستة تماما خمطتدس عن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم فى ثلاث فى الفرس والمرأة والدار] وفى رواية قال ذكروا الشؤم عند النبى عليه الصلاة والسلام فقال إن كان الشؤم ففى الدار وفى المرأة وفى الفرس ولمسلم فى المرأة والفرس والمسكن والمراد من الشؤم هنا إخوتى الكرام ليس التطير المنهى عنه إنما المراد منه هنا ما يحصل منه شدة وعسر وضيق ونكد وكرب وهم وغم على الإنسان لهذه الأمور الثلاثة فهذه أبرز وأكثر ما تسبب له ضيق الحياة ضيق الصدر أولها المرأة نعوذ بالله منها إذا كان جار السوء فى دار مقامة نتعوذ بالله منه فكيف بالتى لها مزيد يعنى صلة بك عن جار السوء على جار السوء حقيقة هذه أشنع امرأة والثانية مسكن وشؤم المسكن ليس كما قلت نتطير نتشائم لكن شؤم ما هو الضيق الذى فيه الكرب الذى يحصل لك منه ضيق الحجرة عصر المنافذ خبث الجيران هذا كله إذا ابتليت بسكن يعنى من هذا أعانك الرحمن والثالث فى الفرس عنده سيارة كالبرص إذا ذهب إلى عمله تقف معه فى الذهاب وإذا عاد تقف معه فى الإياب ذاهب آيب لأنها قديمة تعبانة تحتاج إلى تصليح باستمرار يعنى ما يأخذه لا يكفى تصليحا للسيارة أهذه السيارة كان بعض إخواننا يقول لى يقول ما رأيت سيارة فلان إلا واقفة فى الطريق قلت فى الطريق أى طريق يقول أبدا ما رأيت إلا فى الطريق غير الطريق لا أراها اذهب أراها أما متوجهة لهذه الجهة أو لهذه الجهة هذه حقيقة توجب

للإنسان نكدا فهذا هو الشؤم الذى فيها أنك تتطير إنما هذا كما قلت شؤم شدة يعنى عسر فى هذا الأمر كرب حقيقة إذا كانت المركب بهذه الحالة ففى الحياة يعنى من الشدة ما فيها رواية ثانية كما قلت. رواية ثالثة: فى المسند والصحيحين وسنن أبى داود والحديث رواه الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار ورواه البيهقى فى السنن الكبرى وهو فى جامع الأصول صفحة أربع وثلاثين وستمائة ففيه ثلاثة مصادر مما ذكرت فى الصحيحين وسنن أبى داود فقط ولفظ الحديث من رواية أبى هريرة رضى الله عنه قال إن النبى صلى الله عليه وسلم قال [لا عدوى ولا صفر ولا هامة] العدوى سيأتينا الكلام عليها والصفر تقدم معنا وفسرته بأمرين إما التشاؤم بدخول صفر وكانوا لا يتزوجون فيه ولا يزوجون ولا يبيعون ولا يشترون ويمسكون فيه عن أمور الدنيا وعن التجارات شهر صفر وكانوا أحيانا يحلونه ويحرمونه يتلاعبون بالأشهر الحرم ويجعلون مكانه شهر صفر لا صفر والثانى تقدم معنا داء يأخذ فى بطن الإنسان أيضا يقولون هذا بواسطة يعنى حيوانات تكون فى البطن من القوى الشريرة الخبيثة التى هى من الجن وهى يتشائم بها فهذا لا وجود له ولا هامة الهامة أيضا تقدمت منا على تعبير الجاهلية أن المقتول الميت إذا مات يطير من عظامه طائرا اسمه هامة يقول اسقونى اسقونى فلا يزال يصيح حتى يأخذ أهله بثأره هذه لا هامة يعنى لا حيوان طائر اسمه هامة ينادى هذا كله تخيل ووهم لا ثبوت له فقال أعرابى يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فما ذلك الإبل تكون فى الرمى كأنها الظباء الغزلان أنت تقول لا عدوى عليه الصلاة والسلام نحن نرى الإبل تكون كأنها الظباء فيأتى البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها فقال عليه الصلاة والسلام فمن أعدى الأول قال البخارى ورواه الزهرى عن أبى سلمة ابن عبد الرحمن سنان ابن أبى سنان وفى رواية سنان وحده بنحو ذلك وفى رواية لأبى سلمة أنه سمع أبا هريرة بعد يقول قال النبى صلى الله عليه

وسلم [لا يوردن ممرض على مصح] والممرض الذى عنده إبل مريضة والمصح إبله صحيحة لا يوردن ممرض على مصح على من عنده إبل صحيحة سليمة وهذه الجملة لا يوردن ممرض على مصح كما قلت فى رواية البخارى ورواه ابن أبى شيبة فى مصنفه فى الجزء التاسع صفحة أربع وأربعين وهى فى السنن الكبرى للبيهقى وفى شرح معانى الآثار للإمام الطحاوى وأنكر أبو هريرة رضى الله عنه حديثه الأول لا عدوى بعد ما روى لا يوردن ممرض على مصح أنكر أنه روى حديث لا عدوى قلنا ألم تحدث أنه لا عدوى أنت تقول لا عدوى تنقل عن النبى عليه الصلاة والسلام ثم تأتى بحديث ظاهره يثبت العدوى وهو لا يوردن ممرض على مصح من كانت عنده إبل مريضة فيها جرب فلا يوردها على من عنده إبل صحيحة ظاهره من أجل العدوى ظاهر ألم تحدثنا بأنه لا عدوى فرطن بالحبشية يعنى تكلم بكلام لا يفهم وهو مغضب عندما عارضوه وقالوا أنت حدثتنا والآن تحدثنا بشىء آخر فرطن بالحبشية أى تكلم بكلام لا يفهم من غضبه قال أبو سلمة فما رأيته نسى حديثا غيره وهو لا عدوى هذا نسيه يعنى يقول ما أعلم أنه له أيضا نسى إلا هذا الحديث وفى رواية أخرى عن أبى سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى وتحدث أن رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يورد ممرض على مصح قال الزهرى قال أبو سلمة كان أبو هريرة يحدث بهما كليهما عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ثم صمت أبو هريرة رضى الله عنه بعد ذلك عن قوله لا عدوى وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح على هذه الرواية قال فقال الحارث ابن أبى ذباب وهو ابن عم أبو هريرة رضى الله عنهم أجمعين قد كنت أسمعك يا أبو هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثا آخر قد سكت عنه كنت تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك وقال لا يورد ممرض على مصح فما رآه الحارث فى ذلك حتى غضب فماراه جادله فماراه الحارث فى ذلك وهو ابن عم أبو هريرة فماراه الحارث فى ذلك حتى غضب

أبو هريرة فرطن بالحبشية فقال للحارث أتدرى ماذا قلت قال لا قال أبو هريرة إنى قلت أوتيت يعنى لابن عمه للحارث يعنى أنت الآن يعنى أوتيت من قبل جهلك وعدم وعيك وعدم استيعابك للكلام يزجره بهذا قال أبو سلمة ولعمرى لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى فلا أدرى أنسى أو نسخ أحد القولين الآخر. وفى رواية أخرى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا طيرة وخيرها الفأل قيل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وما الفأل قال الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم أخرجه البخارى ومسلم وفى لفظ للبخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وله فى أخرى زيادة وفر من المجذوم كما تفر من الأسد وهذه الرواية فى مصنف ابن أبى شيبة فى الجزء الثامن صفحة عشرين وثلاثمائة وفى الجزء التاسع صفحة أربع وأربعين وفى رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا هامة ولا صفر إلى آخر الحديث هنا فى زيادة فى رواية مسلم ولا نوء وهى الأنواء التى كان المشركون ينسبون نزول الأمطار إليها ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بالرب سبحانه وتعالى إخوتى الكرام هذا حديث أبى هريرة كما تقدم معنا فى الصحيحين وغيرهما

رواية رابعة عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما رواه الإمام أحمد فى المسند ومسلم فى صحيحه ورواه الإمام الطحاوى فى شرح معانى الآثار وهو فى جامع الأصول صفحة ثلاث وثلاثين وستمائة ولفظ الحديث عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [لا عدوى ولا صفر ولا غول] أخرجه مسلم وتقدم معنا لفظ الغول إخوتى الكرام إذا تغيلت الغيلان تنادوا بالآذان تقدم معنا فى أول مبحث الجن وقلت المراد من نفى الغول نفى ما كان يتوهمه المشركون من أن هذه الغول تنفع وتضر تؤذى بنفسها وأن الإنسان إذا ذهب إلى ذلك المكان فينبغى أن يستتغيث بها وأن يعبدها وأن يقرب إليها القرابين من أجل أن لا تؤذيه فالأمور كلها بيد الله جل وعلا واستعن بالله ولا يضرك شىء كما تقدم معنا هذا هذه رواية جابر ابن عبد الله. الرواية الخامسة: رواها الإمام أحمد فى المسند وأبو داود فى السنن والبيهقى فى السنن الكبرى والطحاوى فى شرح معانى الآثار وهى فى جامع الأصول صفحة أربعين وستمائة وإسناد الحديث حسن وقال عنه المعلق إسناده صحيح حديث صحيح وانظروه فى المسند فى الجزء الأول صفحة أربع وسبعين ومائة وصفحة ثمانين ومائة عن سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه وأرضاه وهو سعد ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة فى شىء والمراد من الطيرة هنا الشؤم والشدة والعناء والبلاء والكرب ففى الفرس والمرأة والدار كما تقدم معنا.

الرواية السادسة: رواية السائب ابن يزيد رواها الإمام أحمد فى المسند والطحاوى فى شرح معانى الآثار وهى فى صحيح مسلم وقد قصر صاحب جامع الأصول فلم يذكرها فى هذا المكان وإذا كانت فى صحيح مسلم فهى على شرطه نعم المسند شرح معانى الآثار ليس على شرطه لكن هى فى صحيح مسلم انظروها فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وأربعين وسبعمائة بعد الألف من صحيح مسلم فى الطبعة التى حققها وضبطها ورقمها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقى عليه وعلى المسلمين أجمعين رحمة رب العالمين والحديث فى المسند فى الجزء الثالث صفحة خمسين وأربعمائة وفى شرح معنى الآثار فى الجزء الرابع صفحة تسع وثلاثمائة من رواية السائب ابن يزيد رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [لا عدوى ولا صفر ولا هامة] . هذه ست روايات الآن كلها صحيحة خمس روايات ما عدا رواية جابر كلها إما فى الصحيحين أو فى بعضهما أما رواية سعد فهى فى سنن أبى داود فقط فليست فى الصحيحين أو فى أحدهما والروايات الأخرى الباقية إما فى صحيح مسلم أو فى الصحيحين كما تقد معنا المقصود الآن الروايات الستة كلها صحيحة وفيها هذا القاسم المشترك لا عدوى.

الرواية السابعة: رواها الإمام أبو يعلى فى مسنده والطبرانى فى معجمه الكبير وأبو نعيم فى حلية الأولياء كما فى الجزء الأول صفحة خمسين ومائتين وأوردها الإمام ابن الأثير فى أسد الغابة بإسناده فى تراجم الصحابة رضى الله عنه أجمعين فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وانظر الحديث فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الثانى صفحة أربع ومائة وصفحة ثمان وخمسين وخمسمائة فى ترجمة العبد الصالح عمير ابن سعد وهو من الصحابة الكرام وما روى إلا هذا الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام وهو فى المجمع فى الجزء الخامس صفحة واحدة ومائة فى مجمع الزوائد وكرره الإمام الهيثمى فى الصفحة التى بعدها بنفس العزو فلما أعاده فى مكان واحد ضمن ترجمة واحدة حقيقة ما اهتديت لذلك ولا علمت قال باب فى العدوى والهام والطيرة وغير ذلك أورد الحديث كما قلت هنا بعد أورد بعده أربعة أحاديث أعاده بنفس الرواية ونفس التخريج ونفس الكلام كما سترون فعلقت هنا بالحاشية قلت لما أعاده لا أعلم يعنى هى هى أما المكان الأول صفحة مائة وواحدة ضمن باب واحد أيضا يعنى ولو ترجم ثانى يستدل به على قضية ثانية لا بأس ضمن باب واحد.

لفظ الحديث من رواية أبى طلحة الخولانى قال بينما عمير ابن سعد فى نفر من أهل فلسطين وكان يقال له نسيج وحده هذا يقوله أبو طلحة الخولانى يعنى كان يسير على طريقة لا يشاركه فيها غيره فى صلاحه واستقامته وزهده وتألهه والذى نعته بذلك فاروق هذه الأمة وثانى الخلفاء الراشدين سيدنا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه قال الحافظ ابن حجر فى الإصابة فى الجزء الثالث صفحة اثنتين وثلاثين أخرج ابن عائذ عن ابن سيرين أن عمر رضى الله عنه سماه نسيج وحده لإعجابه به إذن عمير ابن سعد يقول قاد على دكان له عظيم فى داره والدكان هى المكان المرتفع من دكان مرتفع يجلس الناس عليه موجود الآن عند الناس من أجل الهواء وارتفاعه عن الأرض هذا يسمونه دكان عندنا يقولون لها يعنى دكة ويقولون المصطبة ما أعلم هل هذا يستعمل أو لا مصطبة فى مصر وفى السودان وعلى كل حال مكان مرتفع ينام الناس عليه فى الصيف وكذا بكثرة وهنا يجعلونه مجالس لهو على كل حال يقول قام على دكان له عظيم فى داره فقال لغلامه يا غلام أورد الخيل أوردها لتدخل ولتستقى وتشرب قال وفى الدار كور من حجارة أوردها لتستقى تشرب الماء كور وهو الوعاء الكبير قال فأوردها قال أين فلانة هى إحدى خيله يسأل عنها لما لم تورد يعنى الفرس الغلامية أين فلانة قال هى جربة تقطر دما أو تقطر ماء من شدة جربها شك أبو إسحاق قال أوردها فقال أحد القوم إذن تجرب الخيل كلها لو دخلت هذه الفرس الخيل كلها تصبح جرباء قال أوردها فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا عدوى ولا طيرة ولا هامة فقيل له ألم تر إلى البعير يكون فى الصحراء يصبح عندكم فى المجمع فى كريه ضبطها رجعت إلى حلية الأولياء يصبح فى كركرته والكركرة هى الصدر للدابة كركرته يصبح فى كركرته أو فى مراقه ما سفل من بطنه كما تقدم معنا نكتة من جرب لم يكن وهنا أيضا نكتة كتبها ننلة طبعة المجمع والتصحيح كما قلت لكم من حلية الأولياء البعير

يكون فى الصحراء ثم يصبح فى كركرته فى صدره فى مراقه ما سفل من بطنه كما تقدم معنا نكتة من جرب لم يكن قبل ذلك قال فمن أعدى الأول رواه أبو يعلى كما قلت والطبرانى باختصار وفيه عيسى ابن سنان الحنفى وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره وبيقة رجاله ثقات ومعنى الحديث ثابت قطعا وجزما فلفظ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ثابت فى الصحيحين ولفظ فمن أعدى الأول ثابت فى الصحيحين كما تقدم معنا واضح هذا فهنا عيسى ابن سنان الحنفى يقول وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات عليهم جميعا رحمة رب الأرض والسماوات عمير ابن سعد رضى الله عنه وأرضاه ولاه سيدنا عمر رضى الله عنه على بلاد حمص أميرا فى خلافته فلما تأخر خبره عن أمير المؤمنين خشى عمر رضى الله عنه وكان يتفقد عماله بكثرة أكثر مما يحاسب الشريك الشحيح شريكه من أجل رعاية مصالح المؤمنين فهى أمانة فخشى أن يكون جرى منه يعنى ما يجرى من بنى آدم إذا وسد وترأس فأرسل إليه أن يأتى فجاء من بلاد حمص إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه يمشى على رجليه ما عنده دابة يركبها فقال له بأى شىء جئت قال جئت بخير عظيم وظن عمر أنه يقود معه المغانم والخيرات يعنى مما زاد عن تلك البلاد يؤتى به إلى مركز الخلافة الإسلامية فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه قال وما الخير الذى أتيت به قال عكاظ أتكأ عليها ونحلات أحمل فيها طعامى وكوز أشرب فيه قال ليس لك إلا ذاك قال هذا يكفينى ماذا تريد أكثر من هذا أنت أمير المؤمنين رضى الله عنهم أجمعين قال وعلى أى شىء جئت قال جئت على رجلى أمشى فتغيظ عمر رضى الله عنه على أهل الحمص وغضب وقال أما كان فيهم واحد يعطيك دابة تركبها أنت أميرهم وتمشى من هناك إلى هنا ما أحد يعطيك دابة تركبها قال ما أحد عرض على وما أردت أن أطلب من أحد وأنت استدعيتنى فجئت فلما تحقق من حاله وعلم صدقه قال عد إليهم قال أعفينى الآن لا ألى

عملا بعد اليوم فأقاله عمر رضى الله عنه وأرضاه وأراد أن يتابع البحث عن حاله فأرسل بعض الناس إليه بمائة دينار وقال إن وجدته فى سعة فلا تعطيه إياها عد والدنانير معك وإن وجدته فى ضائقة فأعطه إياها وكان مسكنه خارج المدينة المنورة ومن الصحابة البررة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فبات فبقى عنده ثلاثة أيام فقال له عمير ابن سعد يا هذا يا هذا قد آذيتنى ما لى إلا طعامى وطعام أهلى لو أنت تشاركنا فيه يعنى خلاص اليوم الأول والثانى والثالث ما عندنا بعده يعنى الطعام الذى يكفينا تشاركنا فيه فقام وجئت هذا بعد أيام ثلاثة يبحث عن حاله وما يأكل جئت من عند أمير المؤمنين قال كيف حاله حفظه الله للمسلمين وكيف أحوال المسلمين ويسأله عن الصحابة الكرام وأحوال الأمة الإسلامية فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه فأعطاه مائة دينار قال مالى ولها قال أنفقها فى مصالحك وحوائجك وعلى ما شئت قال إن كان كذلك فلا بأس فأحضر ثياب زوجته وشقه وصر هذه الدنانير صررا ووزعها على من حوله وما ترك لنفسه دينارا يعنى خسر ثوب الزوجة ثم استدعاه عمر بعد ثلاث لا زال مراقبة أخرى هذا هو كما قلت الذى سماه نسيج وحده رضى الله عنهم وأرضاهم فلما استدعاه قال أين الدنانير التى أرسلت إليك وأعطيتك إياها قال يا أمير المؤمنين أعطانى إياها وخولنى أن أتصرف فيها هل تريد أن تستردها مرة ثانية قال ماذا فعلت فيها فى ثلاثة أيام فأخبره أنه وزعها وما بقى منها دينارا واحدا فأمر له بأوسق من طعام يأخذها وبملابس لزوجته قال أما الطعام فعندى ما يكفينى من طعام أنا وأهلى وأما هذا اللباس فزوجتى ليس عندها لباس آخذه منك يا أمير المؤمنين فأخذه وذهب إلى زوجه رضى الله عنهم وأرضاهم.

انظروا ترجمته فى الحلية كما قلت إخوتى الكرام فى الجزء الأول صفحة خمسين ومائتين وبعد أن أورد أبو نعيم هذا الحديث فى ترجمته قال لا نعلم أنه أسند غير هذا الحديث ما عنده إلا هذا الحديث يرويه عن النبى عليه الصلاة والسلام عندما قال يا غلام أين فلانة عن إحدى خيله خذ خيله ثم قال أوردها لا عدوى ولا طيرة ولا هامة والإمام الذهبى فى السير فى الجزء الثانى صفحة ثلثمائة يقول له حديث واحد وهو هذا وقد روى ابن منده بسند حسن كما فى الإصابة عن عبد الرحمن ابن عمير وهو ولد عمير ابن سعد قال قال لابن عمر رضى الله عنهم أجمعين ما كان بالشام أفضل من أبيك أفضل الصحابة الذين ذهبوا إلى بلاد الشام عمير ابن سعد رضى الله عنهم أجمعين وفى حلية الأولياء بعد أن جرى من عمر مع عمير ناداه جمع عمر الصحابة وقال تمنوا هذا فى الحلية وتقدمت معنا أمنية ثانية لسيدنا عمر فى ترجمة حذيفة وهنا أمنية قال تمنوا فقال بعضهم يتمنى أن يكون عنده قوة وجلد وأسقى الحجيج يعنى ينزح من ماء زمزم ويسقى الحجيج وقال بعضهم يتمنى يقاتل فى سبيل الله وقال بعضهم يتمنى أن يكون عندى مال لأتصدق به فى سبيل الله وكل واحد يتمنى فقال رضى الله عنه وأرضاه وددت لو أن عندى رجالا مثل عمير ابن سعد أستعين بهم فى أعمال المسلمين وقال هذا سابقا مثله فى ترجمة حذيفة قال وددت فى ترجمة حذيفة ابن اليمان هى القصة تقدمت معنا فى ترجمة حذيفة أو فى غيره؟ يا إخوتى ما تقدم معنا ترجمة لسالم نحن ترجمنا سابقا لحذيفة ابن اليمان راوى الحديث فعند ترجمته أوردت والخبر فى أسد الغابة فى الجزء الأول صفحة تسع وستين وأربعمائة قال تمنى فلما تمنى قال لكنى أتمنى رجالا مثل حذيفة ومعاذ وأبا عبيدة هذا موضوع آخر لكن هذا عند ترجمة من عند ترجمة حذيفة ابن اليمان هذا تقدم معنا إخوتى الكرام ما أوردت ترجمة سالم..

انظر لى فى أى ترجمة لأننى أذكر أوردته فى ترجمة حذيفة وفيه هذا نعم تأكد وانظر إذا كان معك لأنى متأكد أنه فى ترجمة حذيفة رضى الله عنه وأرضاه أحد معه الدفتر السابق ترجمة حذيفة افتحوا عليها بسرعة إذا كان أحد معه ترجمة حذيفة فيها هذا الأمر أما إذا كان أبو عبيدة ومعاذ وحذيفة وسعيد فلا مانع..لا مانع لكن هؤلاء مروا معنا فى ترجمة حذيفة أنا على يقين منه لكن موضوع سعيد ابن..يحتاج لتحقق نعم فى الحلية لكن فيه تمنى اقرأ لى العبارة يا إخوتى سعيد تقدم معنا جعله أيضا فى بلاد الشام وله شأن رضى الله عنه وأرضاه لكن ما هى قصة تمنى أنا الذى أتذكر أن قصة التمنى مرت فى ترجمة حذيفة وأنا على يقين منها وقال هذا لكن هى فى أسد الغابة فى هذا المكان رجال كأبى عبيدة ومعاذ وحذيفة فإذا أيضا فى سعيد رضى الله عنه وأرضاه له شأن تقدم معنا حاله لكن يعنى تحتاج لتحقق تحقق منها إذا عندك اقرأه على إذا ما عندك نرجع إليه لكن فى ترجمة حذيفة مر معنا مثل هذه الأمنية والآن فى ترجمته هذا العبد الصالح عند رواية عمير ابن سعد إذا مرت معنا فى ترجمة غيره فلا بأس اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

الرواية الثامنة: أوليس كذلك رواها الإمام أحمد فى المسند إخوتى الكرام قبل الرواية الثامنة كما قلت الحديث فى الجزء الخامس صفحة واحدة ومائة فى صفحة اثنتين ومائة فى نفس الباب يقول هنا أيضا وعن أبى طلحة الخولانى قال دخلنا على عمير ابن سعد فى نفر من أهله فلسطين فذكرت عنده العدوى فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا عدوى ولا طيرة ولا هامة رواه الطبرانى وأبو يعلى وبه قصة طويلة وفيه عيسى ابن سنان الحنفى وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أحمد وغيره وبقية رجاله ثقات هو هو نفس الكلام فلما أعاده وما أورد بين هذا وذاك غير حديثين يعنى ما الحكمة من ذلك ما أعلم هل تكرار منه أو من الطابع أو فى شىء آخر خفى عليه العلم عند الله يعنى كما قلت الحديث أعيد مرتين فى باب واحد بنفس اللفظ والتخريج.

الرواية الثامنة رواها الإمام أحمد فى المسندوهى فى المجمع فى الجزء الأول صفحة واحدة ومائة فى المكان المتقدم من رواية عبد الله ابن عمر ابن العاص رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [لا عدوى ولا طيرة ولا حسد] والعين حق وهنا لا حسد فهذا ذم ونهى للحسد فلا يحسد بعضنا بعضا وأيضا لا حسد لا يضر الحسد بإذن الواحد الأحد الفرد الصمد إذا كنت تحصن نفسك فمهما حسدت لا تصاب بأذى لكن إذا أنت ما حصنت نفسك هذا موضوع آخر الحسد يعنى إذا قلت على نفسك الرقى الشرعية والأدعية الشرعية كما سيأتينا عند تحصن الإنس من الجن وهكذا إذا قلت ما تدفع به عنك مضرة أعين الإنس وحسدهم لو قلت لا يضرك بعد ذلك حسد من يحسدك لا يضرك لا عدوى ولا طيرة ولا حسد والعين حق ولذلك حصنوا أنفسكم منها بالالتجاء إلى الله جل وعلا رواه أحمد عليه رحمة الله وفيه رشدين ابن سعد وهو ضعيف وقد وثق تقدم معنا مرارا رشدين ابن سعد قلت هو إمام مصر رجل صالح أخذته غفلة الصالحين من رجال الترمذى وابن ماجة القزوينى وتقدم معنا توفى سنة ثمان وثمانين ومائة للهجرة وهو رجل صالح إنما غاية ما فيه غفلة الصالحين ولذلك هنا ماذا يقول ضعيف والإمام الهيثمى فى المجمع فى نفس الجزء فى الجزء الخامس صفحة أربع وسبعين ومائتين يقول وثقه الإمام أحمد فى الصفحة أربع وسبعين يقول هنا وثقه الإمام أحمد وضعفه جماعة هذا فى حديث آخر وهذا ضمن حديث كنت ذكرته فى الموعظة الماضية لكن فى خطبة الجمعة لما جاءت المرأة التى ذهب زوجها فى الغزو وقالت تريد أن تعمل عملا من أجل أن تدركه وأن تلحقه فى المنزلة لأنها كانت تقتدى به وتصلى بصلاته تعمل بمثل عمله فبأى عمل الآن تنال منزلة الجهاد فقال عليه الصلاة والسلام لها تستطيعين أن تقومى فلا تقعدى وأن تصومى فلا تفطرى وأن تذكرى فلا تفترى قالت أنا أعجز من ذلك كيف أطيق هذا قال والذى نفس محمد عليه الصلاة والسلام بيده لو طوقتيه لما بلغت

العشر من عمله الحديث تقدم معنا رواه أحمد والطبرانى وفيه رشدين ابن سعد وثقه أحمد وضعفه جماعة والحكم عليه كما قلت ضعيف من أجل حفظه لغفلة الصالحين التى فيه رضى الله عنه وأرضاه رشدين ابن سعد ومعنى الحديث ثابت وله الشواهد المتقدمة. الرواية التاسعة: طيب نقرأ الروايات التى فى المجمع على الترتيب قبل أن انتقل إلى غيرها رواه أبو يعلى فى مسنده والطحاوى فى شرح معانى الآثار فى الجزء الرابع صفحة سبع وثلاثمائة من رواية سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صفر ولا هامة ولا يعدى سقيم صحيحا رواه أبو يعلى وفيه ثعلبة ابن يزيد الحمانى وثقه النسائى وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات وثعلبة ابن يزيد الحمانى لو فتحتم عليه لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة فى كتبهم إنما خرج له الإمام النسائى فقط فى فضائل على خصائص لعلى رضى الله عنه وأرضاه وهو جزء صغير فى حدود مائة صفحة خصائص على رضى الله عنه وأرضاه فالإمام النسائى يقول وثقه من ذلك خرج له فى هذا الكتاب لكن ما خرج له فى السنن هذا ثعلبة ابن يزيد الحمانى لا يعدى سقيم صحيحا بمعنى لا عدوى هذه صارت الرواية التاسعة أوليس كذلك طيب. الرواية العاشرة: رواها الطبرانى فى معجمه الكبير والطحاوى فى شرح معانى الآثار من رواية أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا عدوى ولا صفر ولا هامة ولا يتم شهران ثلاثين يوما] قلت وله طريق أتم من هذه فى الديات فيمن قتل ذميا رواه الطبرانى وفيه عمرو ابن محمد الغازى لم أعرفه وعبد الرحمن ابن ثابت ابن ثوبان وثقه ابن حبان وغيره وضعفه النسائى وغيره وبقية رجاله ثقات قوله لا يتم شهران ثلاثين يوما هذا من باب الغالب فى الغالب لا يأتى يعنى فى الأشهر القمرية شهران متتابعان كل منهما ثلاثين يوما فى الغالب باعتبار الغالب وقد يحصل هذا الرواية العاشرة انتهينا منها.

الرواية الحادي عشرة: رواها ابن حبان فى صحيحه والاطحاوى فى شرح معانى الآثار انظروا رواية ابن حبان فى موارد الظمآن صفحة ست وأربعين وثلاثمائة وهى فى شرح معانى الآثار صفحة سبع وثلاثمائة للإمام الطحاوى إذن فى صحيح ابن حبان وشرح معانى الآثار ولفظ الحديث من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما ما تقدمت معنا له رواية أوليس كذلك الرواية الحادى عشرة عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا طيرة ولا هامة ولا عدوى] . الرواية الثانية عشرة: وهى الأخيرة رواها الطحاوى فى شرح معانى الآثار من رواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه بمعنى رواية أبى هريرة رضى الله عنه التى تقدمت معنا عن أبى هريرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال لا عدوى فقال رجل يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى آخره فى موضوع فمن أعدى الأول يقول هنا بعد ذلك حدثنا أبو أمية حدثنا قبيصة عن سفيان عن عمارة ابن القعقاع عن أبى زرعة عن رجل عن عبد الله عن رسول الله عليه الصلاة والسلام مثله وعبد الله هو عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وفى الإسناد رجل مبهم لم يسم ثم بعد ذلك أعاده فقال حدثنا ابن أبى داود بإسناد آخر أيضا عن أبى زرعة عن رجل من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عن ابن مسعود عن النبى عليه الصلاة والسلام مثله إما رواية ابن عمر التى بعده تقدمت معنا وهى أول الروايات أوليس كذلك. هذه إخوتى الكرام: اثنتا عشرة رواية منها كما تقدم معنا صحيح بنفسه ومنها ما هو منجبر بغيره تثبت هذا المعنى ألا وأنه لا عدوى ولا يعدى سقيم صحيحا.

أسباب غنى المتزوجين (1)

أسباب غنى المتزوجين (1) (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان أسباب غنى المتزوجين (1) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. لازلنا نتدارس مقاصد النكاح ولعلها تكون هذه آخر موعظة فى هذا الموضوع وننتقل بعد ذلك إلى ما بعده إن شاء الله وتقدم معنا إخوتى الكرام إن مقاصده الأساسية وحكمه البارزة كما تقدم معنا خمس. أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية سواء كانت حسية أو معنوية. وثانيها: إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية. وثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدته أيضا فى نفقته. ورابع المقاصد: كما تقدم معنا تذكر لذة الآخرة. وخامس المقاصد: وهو ما كنا نتدارسه ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه وقرابته.

إخوتى الكرام: الأمر الخامس كما قلت سأقرره بخمس آيات وقد تدارسنا أربع آيات ونحن نتدارس الآية الخامسة الأخيرة فى هذا الموضوع ألا وهى قول الله عز وجل وأنحكوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وقد تقدم معنا إخوتى الكرام تقدم معنا أن هذه الآية فيها عدة كريمة من رب كريم بإغناء المتزوجين وقلت هذا المعنى هو الذى دلت عليه آيات القرآن العظيم ووردت به أحاديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وهو نقل عن سلفنا الطيبين وهو المقرر فى كتب أئمتنا المفسرين هذا انتهينا منه وقررت هذه الدلالات ثم استعرضت قولين ضعيفين مرجوحين الأول كما تقدم معنا قاله الزين ابن المنير وذهب إليه الإمام الرازى عليهم جميعا رحمة الله إنه ليس فى هذه الآية عدة بإغناء المتزوجين إنما لما ركز فى الطباع بأن النكاح مانع من الغنى لكثرة ما يتحمله المتزوج من نفقات وتبعات أراد الله أن ينفى هذا الوهم فأراد أن يخبر بأن هذا النكاح لا يمنع من الغنى فعندما أراد بأن ينفى هذا المعنى دل عليه بهذه الصورة وهو وجود الغنى مع النكاح والمقصود أصالة نفى الفقر بالنكاح يعنى لا يمكن أن يفتقر الإنسان إذا تزوج وإذا قدر له الغنى سيأتيه الغنى سواء كان متزوجا أو لا وتقدم معنا أن هذا القول مردود لما تقدم معنا من الأدلة والآثار.

والقول الثانى تقدم معنا قال به الإمام الثعلبى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وخلاصته أن الله وعد المتزوج بالغنى كما وعد العزب بالغنى فإن قيل يقول فما الفارق إذن يعنى لمَ ذكر وعد الله بإغناء المتزوجين وهذا حاصل لغيرهم قال أيضا من أجل أن الإنسان إذا لم يتيسر له الزواج وكان عزبا فليستعفف حتى يغنيهم الله من فضله وإذا طلب الزواج وهو فقير فما ينبغى للمرأة ولا لأهلها أن يمنعوه لفقره فهو يستعفف ويصبر ويأمل الغنى من فضل الله وإذا خطب يزوج ولا يمنعهم فقره من تزويجه ويأملون الغنى من فضل الله وقلت هذا القول مع أنه أقل فى البعد من القول الذى قبله أيضا ظواهر ما تقدم معنا يرد هذا ولذلك قال الإمام الألوسى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى روح المعانى فى الجزء الثامن عشر صفحة تسع وأربعين ومائة عند تفسير هذه الآية الكريمة ولا يخفى عليك أن الأخبار الدالة على وعد الناحك بالغنى كثيرة ولم نجد فى وعد العزب الذى ليس بصدد النكاح من حيث هو كذلك خبرا ما ورد خبر بأنه إذا كان عزبا سيضمن له من المعونة والرعاية والعناية والتوفيق كما هو الحال فى حق المتزوج الفقير والعلم عند الله الجليل. إخوتى الكرام: هذا كله تقدم معنا كما قلت وسأختم الكلام على هذه المسألة بأسباب حصول الغنى للمتزوج هذه الأسباب متنوعة متعددة كلها كما قلت تقرر هذا الأمر أعنى أن كل واحد من الزوجين يرتفق بزوجه وبما يترتب على مصاحبته لصاحبه من غنى فى هذه الحياة.

أول هذه الأسباب سبب عادى وهو معروف عند البشر أجمعين أن الإنسان إذا تزوج يصبح عنده مزيد اهتمام بالكسب ويقوم بعد ذلك بالجد على وجه التمام فى السعى لتحصيل الرزق هذا سبب عادى لأنه يشعر بالمسؤولية كان هو بمفرده ولربما كان أيضا مع أسرته مع أبويه وإخوته لا يعنى لا يكلف بشىء لكن عندما استقل وصار بعد ذلك له بيت وهو قيم ومسؤول وصار عنده رعية حتما سيهتم لمصلحته ولمصلحتهم ولذلك سيبحث عن تحصيل الرزق وإذا تعرض لنفحات الله فتح الله عليه الرزق من حيث لا يحتسب ولذلك إخوتى الكرام كان أئمتنا يقولون الزواج قيد للرجال يقيده والإنسان قبل زواجه يكثر التطواف والأسفار ويذهب إلى هذه الديار وتلك الديار فإذا تزوج استقر فى الدار التى تزوج فيها ويبتعد بعد ذلك عن الذهاب والإياب قيد للرجال ولا يقوى عليه البطال, البطال يحب دائما أن يتجول هنا وهناك إما أنه لا يريد أن يتحمل مؤنة الزواج ولا يريد الفساد أيضا لكن يقول أصبر على عناء العزوبة وضغطها ولا أريد الزواج وإما أنه يريد الفساد ولا ريرد أن يتحمل مسؤولية فتح بيت وإنجاب ذرية همه أن يعيث فسادا هنا وهناك نسأل الله العافية لكن كما قلت هو قيد للرجال لا يقوى عليه البطال وأئمتنا كانوا يدركون هذا رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين وهذا الأمر كما قلت مما هو مركوز فى فطر الخلق أجمعين.

يذكر أئمتنا فى ترجمة العبد الصالح معمر ابن راشد وهو شيخ الإسلام أبو عروة معمر ابن راشد البصرى من بلاد البصرة من جهة العراق ذهب إلى اليمن لأجل تحصيل العلم وطلبه فأعجب به أهل اليمن وأحبوه وما أرادوا أن يفارقهم معمر ابن راشد فبدأوا يتشاورون فيما بينهم كيف سيستقر معمر عندنا فقال بعض الشيوخ الكبار قيدوه قالوا بأى شىء نقيده سيقيد من يديه ورجليه ويربط رضى الله عنه وأرضاه قال يعنى زوجوه إذا تزوج خلاص سيستقر عندكم ولن يفارق دياركم وكان كذلك حتى توفى فى بلاد اليمن سنة ثلاث وخمسين ومائة وحديثه فى الكتب الستة وقد نعته الإمام الذهبى فى السير فى الجزء السابع صفحة خمسة وترجمته أول ترجمة فى الجزء السابع قال إنه شيخ الإسلام أبو عروة البصرى نزيل اليمن فقد شهد جنازة الحسن البصرى عليهم جميعا رحمة الله فهو من أتباع التابعين الكبار وطلب العلم وهو حدث وكان من أوعية العلم مع الصدق والتحرى والورع والجلالة وحسن التصنيف قال الإمام أحمد لست تضم معمرا إلى أحد إلا وجدته فوقه لست تضم معمرا إلى أحد لتقارنه مع الرواة إلا وجدته فوقه وقال الإمام العجلى ثقة رجل صالح بصرى سكن صنعاء وتزوج بها قال العجلى ولما دخلها كرهوا أن يخرج من بين أظهرهم فقال لهم شيخ قيدوه فقيدوه عن طريق تزويجه فاستقر عندهم قال الحافظ فى التقريب هو فقيه ثبت فاضل وكما قلت فى سنة ثلاث وخمسين ومائة فى سير أعلام النبلاء والحاكم ابن حجر يقول سنة أربع وخمسين مائة ولعل واحدا منهما جبر الكسر والآخر ألغاه والعلم عند الله جل وعلا إذن الزواج قيد والإنسان إذا تزوج يشعر بالمسؤولية وبالتالى سيتحرك من أجل تحصيل الرزق ويجد ويجتهد وأئمتنا كانوا يشيرون إلى هذا فيقولون: إن ذئبا أمسكوه ... وتماروا فى عقابه قال شيخ زوجوه ... ودعوه فى عذابه

إن ذئبا أمسكوه وتماروا فى عقابه بأى شىء يعاقبونه فقال أكبر القوم زوجوه وإذا زوجتموه هذه أكبر عقوبة له ودعوه فى عذابه خله يعانوا ما يعانى ويقاسى ما يقاسى من نفقة من إنجاب أولاد من رعاية لهم من من من هذه كلها تحتاج حقيقة كما قلت إلى جهد وأنا لما كنت أذكر هذين البيتين للأخوة سابقا عندما أذكرهما أقول: إن ذئبا أمسكوه ... وتماروا فى عقابه قال شيخ زوجوه ... ودعوه فى عذابه ليس دعوه وخلصوه من عذابه حقيقة إذا تزوج يعنى يتحمل شيئا من العناء والجهد والتعب الظاهرى البدنى لكن يجد كما قال الله ومن آياته أن خلق لكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة وتقدم معنا ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون والزوجان كل واحد منهما للآخر كاليدين للبدن وكالعينين للإنسان وكالأذنين له وكالرجلين له يعنى لو فقد شيئا من ذلك إحدى الرجلين تعطل عن المشى إحدى اليدين تعطل أيضا عن مزاولة الحاجات على وجه التمام إحدى العينين إحدى الأذنين فإذن هذا لا بد من مراعاته أما أنه فى الدنيا يعنى يوجد لذة لا تنغيص فيها هذا لا يمكن أبدا كما تقدم معنا مرارا حتى الطعام نتعب فى تحصيله نتعب فى هضمه وأكله ونتعب فى إخراجه هذا لا بد منه لا يوجد فى الدنيا لذة كاملة إنما لذاتها مشوبة بالنقص والتنغيص والعكر والكدر اللذات الكاملة هذه فى دار الكمال بجوار ذى العزة والجلال فى الجنة كما تقدم معنا عند يعنى نقص هذه اللذة فى مدارسة هذا الأمر فى أول المبحث وذكرت الأمور العشرة فى بيان امتهان هذه اللذة ووجود النقص فيها وأنها لا تكون على وجه الكمال إلا فلا الآخرة فى دار كرامة الله جل وعلا إذن هذا إخوتى الكرام كما قلت الأمر الأول وهو سبب عادى لتحصيل الرزق الإنسان يتحرك يكون عنده كسل إذا تزوج لا بد أن يقوم بالعمل لا بد صار يشعر بمسؤولية.

إخوتى الكرام: الإمام الذهبى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى ترجمة معمر ابن راشد فى السير ذكر كلاما حقيقة ينبغى أن نذكر به أنفسنا جميعا يقول عليه رحمة الله فى الجزء السابع صفحة سبع عشرة قال عبد الرزاق أنبأنا معمر قال كان يقال إن الرجل يطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكون لله ونقل أيضا عن معمر أنه قال لقد طلبنا هذا الشأن وما لنا فيه نية ثم رزقنا الله النية من بعد حقيقة الإنسان فى أول أمره قد يكون عنده شىء من التخليط فى نيته عند طلبه يتطلع للدنيا1526للمنزلة لحطام الدنيا لى لى لى لهذه الرعونات والآفات لكن إذا طلب العلم الشرعى سيكسره هذا العلم ويذكره بالله فتراه بعد ذلك يصحح نيته ويقبل على الله عز وجل مع أنه عندما دخل كان هناك شىء من الشوائب يقول الذهبى قلت نعم يطلبه أولا والحامل له حب العلم وهذا كما يقول كثير من الناس اطلب العلم للعلم لا, نطلب العلم لله عز وجل لا للعلم ولا للجهل لا نطلبه إلا إرضاء لله عز وجل همهم يصبح عالما يعنى ليعلم الشىء لا ما نطلب العلم من أجل أن نعلمه فقط من أجل أن نتقرب إلى الله عز وجل يقول والحامل له حب العلم وحب إزالة الجهل عنه وحب الوظائف ونحو ذلك هذا كثير من الناس يفعل هذا ونسأل الله أن يتوب علينا ثم قال ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه ولا صدق النية فإذا علم عندما يدرس هذه العلوم الشرعية وتذكره بالله حاسب نفسه وخاف من وبال قصده فتجيئه النية الصالحة كلها أو بعضها هذا بعد أن سار فى طلب العلم وقد يتوب من نيته الفاسدة ويندم وعلامة ذلك أنه يقصر من الدعاوى وحب المناظرة ومن قصد التكثر بعلمه ويزرى على نفسه فإن تكثر بعلمه أو قال أنا أعلم من فلان فبعدا له فإذا تعلم ليتشدق وأنه هو وهو وأنه لا يوجد أحد يساويه ولا يقرب منه فبعدا له هذا كما قلت حقيقة كلام ينبغى أن نذكر به أنفسنا جميعا أن النية قد لا تكون خالصة فى البداية لكن من طلب العلم الشرعى سيذكره بالله

فإذا تذكر تراه دائما يوبخ نفسه ويعترف بتقصيره وأنه ما عنده من العلم إلا قليل ولا بعد ذلك يزرى على فلان ولا على فلان ونسأل الله أن يشغلنا بعيوبنا عن عيوب خلقه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين هذا السبب الأول. السبب الثانى إخوتى الكرام: مساعدة المرأة له هذا أيضا من أسباب حصول الرزق إذا تزوجت تأتى المرأة وتساعدك قال الإمام الألوسى فى روح المعانى فى الجزء الثامن عشر صفحة تسع وأربعين ومائة وهذا كثير فى العرب وأهل القرى فقد وجدنا فيهم من تكفيه امرأته أمر معاشه ومعاشها بشغلها وحقيقة كما يقول الإمام الألوسى أنا أدركت هذا موجودا فى بلاد الشام فى القرى بكثرة أنهم إذا الإنسان تزوج المزرعة من أولها لآخرها تقوم بها المرأة الاحتطاب تقوم به المرأة إعداد الطعام تقوم به المرأة يعنى صارت هى المسؤولة عن كل شىء وما عنده إلا أن هذا المال فى الأصل له لكن التثمير بعد ذلك هى وهى تقوم على الماشية وهى تحلبها هى تجبن هى تنزلها على السوق متحجبة يعنى هى تبيع هى كذا دون أن يتحرك ذاك يقول الإمام الألوسى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا هذا كثير فى العرب وأهل القرى وقد وجدنا فيهم من تكفيه امرأته أمر معاشه ومعاشها بشغلها تشتغل فتكفى نفسها وتكفيه وأنا أعرف بعض طلبة العلم من إخواننا ولا زال على قيد الحياة كان طالبا وكان بعدى فى مراحل الطلب فتعرضت له بعض النساء عن طريق خطبة شرعية يعنى بواسطة محارمها من أجل أن يتزوجها وهى كانت مدرسة نعم أكبر منه لكن هو طالب ما يملك شيئا فتزوجها فبدأت تنفق عليه وما كانت يعنى كدسته وجمعته من رواتب أعطته أيضا هذه الرواتب فالرجل تحسنت حاله وظهرت عليه البهجة والنعيم والنضرة ونحن بقينا على حالتنا لما كنا فى سن الطلب وأعرفه وصار حاله كما يقال يعنى كذكر النحل حقيقة تنفق عليه هذه الزوجة تكرمه تحسن إليه وليس فى ذلك منقصة إذا جاء الأمر عن طريق ما أحل الله فليس فى ذلك منقصة وهى تعمل فى مهنة

التدريس متحجبة تتقى الله وتصون عرضها وكرامتها فلا حرج أيضا وهذا عندما تزوجها حقيقة ارتفق بها وحصل وما كلفته من المهر درهما واحدا قالت أنت إذا وافقت كل شىء يتم وتم الأمر يعنى نسأل الله أن يبارك لهما وللمسلمين أجمعين هذا يقع إخوتى الكرام بكثرة أعرف بعض إخواننا أيضا فى بلاد الشام ذاك أكبر منى بكثير هو كان يخبرنى يقول تزوج امرأة قريبة له أيضا مدرسته يقول إذا أخذت راتبها تأتى تضعه فى جيبه دون علمه يعنى فى المساء هو نام وخلع الملابس تضع الفلوس فى جيبه فإذا استيقظ وجد الفلوس فى الجيب يقول من أين هذا يقول ما لى علاقة بهذا أنا لا أستلم ريالا واحدا أنا الآن امرأة فى بيت لا يصلح أن يكون بين يدى فلوس يقول إن احتاجت بعد ذلك إلى ليرة واحدة إلى درهم تطلب منه كأن ليس لها مال هذا موجود أيضا حقيقة ارتفاق هذا ارتفق بها وحصل خيرا بسببها إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله هذه أسباب كثيرة هذا سبب ثان يحصل الإنسان بسببه الغنى سبب ثالث: عن طريق إرثه منها وقد أيضا هى ترثه كل منهما أيضا يرتفق وهناك إذا كانت فقيرة وزوجها غنى ترتفق به أيضا فى الحالة الأولى أحيانا تكون هى فيها ما يمنعها من العمل وتحصيل الرزق لنفسها جاء رجل يسعى لها فهذا أيضا يحصل يعنى كما أنه هو يرث هى ترث إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وكم من إنسان حصل الغنى الكثير بسبب زوجته كم هى من أسرة غنية ثرية ورثت يعنى مئات الألوف بعد ذلك جاءه منها ذرية فقدر الله عليها الموت مالها من أوله لآخره الذى هو فى الأصل مال أهلها انتقل إليه وإلى ذريته أوليس كذلك جاء الأولاد والمال كله استولوا عليه وإذا قدر الله على ذريته الموت يكون أحرز المال من أوله لآخره وهذا حصل بكثرة.

يذكر أئمتنا فى ترجمة شيخ الإسلام أبى بكر محمد ابن عبد الباقى البزاز الذى توفى سنة خمس وثلاثين وخمسمائة للهجرة وهو من كبار شيوخ شيخ الإسلام الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وقد ترجمه هو وغيره وذكروا هذه القصة فى ترجمته التى سأذكرها انتظروا إخوتى الكرام المنتظم للإمام ابن الجوزى فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وتسعين وانظروا سير أعلام النبلاء فى الجزء العشرين صفحة ثلاث وعشرين وانظروا الذيل على طبقات الحنابلة للحافظ ابن رجب فى الجزء الأول صفحة سبع وتسعين ومائة وانظروا المنهج الأحمد فى طبقات أصحاب الإمام أحمد عليهم جميعا رحمة الله فى الجزء الثانى صفحة ثمان وأربعين ومائتين فى ترجمة هذا العبد الصالح حقيقة يعنى يذكر عجبا كما سأحكى لكم قصته بعد أن أذكر لمحة عن حياته رضى الله عنه وأرضاه هو من أئمتنا الأبرار وقد ظهرت عليهم علامة النجابة والذكاء والألمعية من الصغر حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحضر سماع الحديث وهو ابن أربع سنين وقيد هذا فى مسموعاته وفى روايته يعنى كان يحفظ وهو ابن أربع سنين الحديث يحضر مجالس الشيوخ أبو بكر محمد ابن عبد الباقى البزاز ولذلك كان يقول بعد ذلك عندما تصدر من خدم المحابر خدمته المنابر ويقول عندما ولد جاء منجمان عليهما غضب الرحمن فاسقر رأيهما أن هذا الشيخ لا يزيد أكثر من اثنتين وخمسين سنة لا يعيش أكثر من اثنتين وخمسين سنة يقول هو فها أنا قد بلغت ثلاثا وتسعين سنة يقول الإمام ابن الجوزى وكان يقرأ الخط الدقيق من بعد وفى هذه السن فمن حفظ أعضاءه فى الصغر حفظها الله له فى الكبر احفظ الله يحفظك حفظوها فى الشبيبة فحفظها الله لهم فى الشيب سبحانه وتعالى طلب العلم كما قلت وعمره أربع سنين يدور على المحدثين ويحضر عندهم ولذلك هذه الكرامة التى حصلت له وكانوا أحق بها وأهلها والله سبحانه وتعالى يكرم عباده الصالحين فى كل حين.

إخوتى الكرام: فيما يتعلق بموضوع تحمل شيخ الإسلام محمد ابن عبد الباقى البزاز وعمره أربع سنين هذا مقرر عند أئمتنا ويصح للإنسان أن يحمل الحديث قبل البلوغ لكن لا يقبل منه إلا بعد البلوغ يعنى يشترط لقبوله أن يكون بالغا مسلما أما لا يشترط لتحمله أن يكون بالغا ولا مسلما فيصح أن يتحمل وهو كافر لكن لا يروى إلا بعد الإسلام ويصح أن يتحمل وهو صغير ولا يروى إلا بعد البلوغ يقول شيخ الإسلام الإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: وقبلوا من مسلم تحملا ... فى كفره كذا صبى حمل وقبلوا من مسلم تحملا فى كفره حمل شيئا فى كفره ثم رواه بعد إسلامه يصح كذا صبى حمل: ثم روى بعد البلوغ ومنع ... قوم هنا ورد كالسبطين مع إحضار أهل العلم للصبيان ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم يقول قوم منعوا رواية الصغير إذا رواها بعد أن يكبر تحمل الصغير إذا رواها بعد أن يكبر يقول هذا مردود كالسبطين الحسن والحسين يرويان عن جدهما خير خلق الله علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهما صغيران تحملا فى حال الصغر يعنى رواية الحسن والحسين هى من باب أنه تحملا فى حال صغرهما ورويا بعد البلوغ والنبى عليه الصلاة والسلام عندما توفى ما بلغ لا الحسن ولا الحسين علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه لأن سيدتنا البضعة الطاهرة فاطمة رضى الله عنها وأرضاها تزوجت عليا رضى الله عنه للعام الثانى للهجرة أوليس كذلك يعنى على أكثر تقدير سن الحسن والحسين على أقل تقدير ست سنين سبع سنين فهذا دون البلوغ لكن رواية الرواية بعد البلوغ يعنى عند موت النبى عليه الصلاة والسلام سن الحسن والحسين بحدود الست أو السبع إلى هذا المقدار لا تزيد لكن روايتهما بعد ذلك بعد البلوغ كما قلت معتبرة ومقبولة باتفاق أئمتنا ولا يعتبر كلام من رد ولذلك يقول: ثم روى بعد البلوغ ومنع ... قوم هنا ورد كالسبطين مع إحضار أهل العلم للصبيان ثم ... قبولهم ما حدثوا بعد الحلم ثم قال الإمام العراقى:

فكتبه بالضبط والسماع ... حيث يصح وبه نزاع متى يصح السماع إذا ضبط كتب وضبط يعتبر الآن يعنى سماع ما فى أى سن يصح السماع منه قال والماع حيث يصح وبه نزاع فى ذلك أربعة أقوال: فالخمس للجمهور ثم الحجة ... قصة محمود وعقل المجة يقول عند الجمهور ينبغى أن يتحمل وهو ابن خمس سنين هذا عند الجمهور لم قال لقصة محمود ويقصد به محمود ابن الربيع وهو من الصحابة الكرام رضى الله عنه وأرضاه وحديثه فى الصحيحين وسنن ابن ماجة والنسائى وصحيح ابن حبان يقول عقلت من النبى صلى الله عليه وسلم مجة مجها فى وجهى من دلو وأنا ابن خمس سنين وفى رواية يقول مجها من دلو فى دارنا وأنا ابن خمس سنين والمج وقع من النبى عليه الصلاة والسلام على كيفيتين أخذ يعنى شربة من الدلو وملء فمه الشريفة الطاهرة على نبيناو عليه الصلاة والسلام فمج فى وجه محمود ابن الربيع مداعبة وتبركا ثم مج عليه الصلاة والسلام مجة أخرى فى البئر من أجل أن يحصل فيها بركة ولذلك مج فى وجهه ومج أيضا فى البئر التى فى دار محمود ابن الربيع يقول أنا عقلت هذه المجة وأنا ابن خمس سنين إذن هو يقول: فالخمس للجمهور ثم الحجة ... قصة محمود وعقل المجة وهو ابن خمسة وقيل أربعة هذا الذى قاله ابن عبد البر ولكن كما قال الحافظ ابن حجر فى الفتح لا دليل على ذلك المعتمد خمسة وهو يقول وأنا ابن خمس سنين يعنى أربع ما ورد فى الأثر وهو ابن خمسة وقيل أربعة وليس فيه سنة متبعة. يعنى ليس هذا يعنى بحد فاصل لسماع الصغير لا سمع محمود ابن الربيع وعقل وهو ابن خمس سنين طيب لو عقل وهو ابن أربع سنين يقبل أم لا؟ يقبل واضح هذا يعنى فى الغالب أن الإنسان يعقل ويضبط ابن خمس لو ضبط ابن أربعة أيضا يعنى يعتبر مقصود أنه يضبط ما يسمعه فى صغره ولذلك القول الثانى يقول وليس فيه سنة متبعة. بل الصواب فهمه الخطاب ... مميزا ورده الجواب

الصواب أن يكون واعيا بصيرا إذا سمع شيئا يجيب على مقتضاه ولا يعنى يهذى فى الكلام ولا يدرى ما يقول كحال الصبيان. بل الصواب فهمه الخطاب ... مميزا ورده الجواب وقيل لابن حنبل فرجل ... قال لخمس عشرة التحمل يعنى لا يتحمل إلا وهو ابن خمس عشرة سنة يعنى ينبغى أن يكون بالغا يجوز لا فى دونها فغلطه قال الإمام أحمد بئس ما قال ما قال بهذا أحد من قال التحمل لا يصح إلا إذا كان ابن خمس عشرة سنة ما قال هذا أحد يجوز لا فى دونها فغلطه قال يعنى الإمام أحمد إذا عقله ضبطه يعنى يصح سماعه ويعتبر تحملا هذان قولان خمس سنين للجمهور ثم يقول الصواب أن يكون مميزا واعيا عندما يتحمل والقول الثالث يعود إلى هذين القولين. وقيل من بين الحمار والبقر ... فرق سامع ومن لا فحضر وقيل من بين الحمار والبقر يعنى يميز الحمار من البقر ولا يشتبه عليه هذا بهذا وبعض الأولاد قد لا يميز يعنى ولا يعرف ما هو الحمار وما هو البقر ولا يميز الذكر من الأنثى فإذا كان لا يميز لا يعتبر تحمله ينبغى أن يكون فطنا واعيا وقيل من بين الحمار والبقر فرق إذا فرق بينهما سامع صح سماعه فإذا روى بعد بلوغه يقبل منه ومن لا يميز فحضر هذا له مجرد الحضور للبركة ولا يعتبر سماعه ولا يصح سماعه ولا يجوز أن يروى بعد ذلك إلا إذا اتصف بهذه الصفة هذا القول الثالث قال به الحمال هذا قول الإمام الحمال عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إذن هذا قول ثالث أوليس كذلك ثم قال: وابن المقرى سمع ... لابن أربع ذى ذكر

القول الرابع الذى تقدم معنا وهو خمس عشرة سنة وهو الذى رده الإمام أحمد يفرق بين الحمار والبقر قول ثانى القول الثالث وهو المعتمد أنه يتعلق الضبط والتمييز والوعى وقيل ابن خمس سنين هذه الأربعة أقوال ثم قال وابن المقرى الإمام ابن المقرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول سمع لابن أربع ذى ذكر يعنى لإنسان له ذكر قدر وفضل وهو الإمام ابن اللبان فى قصة شهيرة جرت له عندما جاء ليستمع من الحافظ ابن المقرىء وغيره من أئمة الحديث فقال لهم سمعوه والعهدة على بعد اختبار جرى له وستسمعونه إن شاء الله وهو ابن أربع سنين هذه الأبيات إخوتى الكرام انظروا شرحها فى كتاب التبصرة والتذكرة لشيخ الإسلام الحافظ العراقى وهى شرح ألفيته فى الجزء الثانى صفحة أربع عشرة إلى ثلاث وعشرين فى عشر صفحات ومعها فى الحاشية فتح الباقى أيضا للشيخ زكريا الأنصارى فى شرح ألفية العراقى وانظروا فتح المغيث فى الجزء الثانى أول الجزء الثانى تماما من صفحة ثلاثة إلى خمس عشرة.

وأما القصة التى أشار إليها الإمام العراقى ذى ذكر لصاحب الذكر والقدر والشأن انظروها إخوتى الكرام فى تاريخ بغداد فى الجزء العاشر صفحة أربع وأربعين ومائة وحقيقة قصة طريفة عجيبة يورها الإمام الخطيب البغدادى فى الجزء العاشر صفحة أربع وأربعين ومائة فى ترجمته يقول عبد الله ابن محمد ابن عبد الرحمن ابن أحمد يقول بعد ذلك وهو أبو محمد الأصبهانى المعروف بابن اللبان وكان من شيوخ الخطيب البغدادى يعنى هذا من شيوخه ويترجمه هنا يقول هو أحد أوعية العلم ومن أهل الدين والفضل والإمام الذهبى فى السير فى الجزء السابع عشر صفحة ثلاث وخمسين وستمائة يقول عظمه الخطيب وقال كان من أهل الدين والفضل ومن أوعية العلم ثم يقول الخطيب البغدادى وكان ثقة صحب القاضى أبا بكر الأشعرى ودرس عليه أصول الديانات وأصول الفقه ودرس فقه الشافعى على أبى حامد الإسفرايينى وقرأ القرآن بعدة روايات وولى القضاء ثم قال وله كتب كثيرة مصنفة وكان من أحسن الناس تلاوة للقرآن ومن أوجز الناس عبارة فى المناظرة مع تدين جميل وعبادة كثيرة وورع بين وتقشف ظاهر وخلق حسن سمعته يقول حفظت القرآن ولى خمس سنين هذا ابن اللبان وأحضرت عند أبى بكر ابن المقرىء ولى أربع سنين فأرادوا أن يسمعوا لى يعنى الأحاديث ليس القرآن يعتبروا سماعه يضبطوه معهم سمع فلان وفلان عن هذا الشيخ فيما حضرت قراءته فقال بعضهم إنه يصغر عن السماع أربع سنين تسمعونه فقال لى ابن المقرىء تعال اقرأ سورة الكافرون هو حفظ القرآن كما قلنا ابن خمس سنين يقول فقرأتها فقال اقرأ سورة التكوير وهذه السور التى يخطىء يعنى أكثر الناس بها إلا من كان حافظا حاذقا اقرأ سورة التكوير قال فقرأتها فقال لى غيره اقرأ سورة والمرسلات وهذه أصعب الثلاثة يقول فقرأتها ولم أغلط فيها فقال ابن المقرىء سمعوا له والعهدة على اكتبوا سماعه وهذا معتبر ابن أربع سنين والعهدة على يقول ثم قال سمعت أبا صالح أبى مسعود يقول سمعت أبا

مسعود أحمد ابن الفرات يقول أتعجب من إنسان يقرأ سورة المرسلات عن ظهر قلب ولا يغلط فيها أتعجَب أو لعله أتعجّب يقول حكى إن أبا مسعود ورد أصبهان ولم يكن كتبه معه فأملى كذا وكذا ألف حديث عن ظهر قلبه فلما وصلت الكتب إليه قوبلت بما أملى فلم يختلف إلا فى مواضع يسيرة يقول أدرك ابن اللبان شهر رمضان من سنة سبع وعشرين وأربعمائة وهو ببغداد فكان يسكن درب الآجر من نهر الطاق يقول فصلى بالناس صلاة التروايح فى جميع الشهر وكان إذا فرغ من صلاته بالناس فى كل ليلة لا يزال قائما فى المسجد حتى يطلع الفجر وهو يصلى فإذا صلى الفجر دارس أصحابه وسمعته يقول لم أضع جنبى للنوم فى هذا الشهر ليلا ولا نهارا وكان ورده كل ليلة فيما يصلى لنفسه سبعا من القرآن يقرأه بترتيل وتمهل ولم أر أجود ولا أحسن قراءة منه مات أبو محمد ابن اللبان فى أصبهان فى جمادى الآخرة من سنة ست وأربعين وأربعمائة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهو شيخ الخطيب البغدادى ولذلك هنا يقول وابن المقرى سمع لابن أربع ذى ذكروهذه القصة يقول عنها الحافظ فى الفتح فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وسبعين ومائة يقول قصة أبى بكر ابن المقرىء الحافظ فى تسميعه لابن أربع لكن ما سماه والحقيقة ينبغى أن يسمى هذه منقبة كبيرة لابن اللبان بعد أن امتحنه بحفظ سور من القرآن مشهورة يقول هذه القصة مشهورة بين العلماء الكرام.

ثم قال الحافظ ابن حجر تحديد السن بخمس كما ذهب إلى ذلك الجمهور يقول بأنه يعنى هذا مظنة الضبط مظنة لا أن هذا يعنى على سبيل التحديد الجازم مظنة الضبط يقول وقريب منه ضبط الفقهاء سن التمييز بست أو سبع والمرجح أنها مظنة للضبط والتمييز ليس هذا من باب التحديد فقد يميز الإنسان وابن أربعة وقد لا يميز إلا وهو ابن تسع لكن فى الغالب ابن ست أو سبع يميز ثم يقول ومن أقوى هذا كلام الحافظ فى الفتح ما يتمسك به فى أن المراد فى ذلك فى أن المرد فى ذلك إلى الفهم أن المرد فى قبول السماع إلى الفهم فيختلف باختلاف الأشخاص الذى يحقق هذا يقول ما أورده الخطيب من طريق أبى عاصم قال ذهبت بابنى وهو ابن ثلاث إلى ابن جريج فحدثه هذا ابن ثلاث سنين قال أبو عاصم ولا بأس بتعليم الصبى الحدث أى الصغير ولا بأس بتعليم الصبى الحدث الحديث والقرآن وهو فى هذا السن يعنى إذا كان فهما يعنى وهو ابن ثلاث سنين عناية ربانية من صغرهم وهكذا أبو بكر محمد ابن عبد الباقى البزاز حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحضر مجالس السماع وضبط سماعه وهو ابن أربع سنين يقول عليه رحمة الله عندما ذهب إلى الحج اشتد بى الجوع فخرجت من بيتى أبحث عن طعام آكله يقول فرأيت كيسا فى الطريق فأخذته فإذا به عقد من لؤلؤ وحواه أحجار كريمة يقول فأخذته ووضعته فى البيت وخرجت لأبحث عن رزقى يقول وإذا بمناد ينادى من وجد كيسا فيه كذا وكذا فله خمسمائة دينار هو الدينار الواحد فى ذاك الوقت يتزوج ويولم بدينار فخمسمائة دينار وسيأتينا أن هذا العقد بيع بمائة ألف دينار جائزة عليه خمسمائة دينار فقلت ما وصف الكيس وماذا فيه يقول فوصف لى الكيس والرباط الذى عليه وعدد ما فيه من أحجار ووصف العقد الذى فيه يقول فدفعته إليه فأعطانى الدنانير فأبيت أن آخذ دينارا وقلت عمل عملته لله لا آخذ أجرة عليه وهذا مالك يعنى بأى حق آخذ هذا فقال نفسى طيبة قلت لا أريد أن آخذ أجرا على طاعة عملتها خذ مالك

وبارك الله لك فيه يقول ووالله إن بحاجة إلى كسرة خبز انظر لهذه العفة وهذه الشهامة وهذه المروءة وهذه الرجولة بحاجة إلى كسرة خبز وهذا يعرض عليه خمسمائة دينار طيبة بها نفسه يقول لست بحاجة إليها ثم حصل ما حصل من رزق وأنهى حجته ولما عاد وركب البحر انكسرت به السفينة أو بخشبة من خشباتها فضربته الأمواج حتى استقر فى جزيرة يقول فدخلت إلى غيضة ومشيت فيها شجر كثير ملتف حتى بان لى علامة يعنى مسجد وذهبت فدخلت إلى هذا المسجد يقول فالحمد لله وجدت أن أهل الجزيرة على الإسلام وأنه يعنى ضربته إلى جزيرة مسلمة فى ذاك الوقت ليست من جزر الكفر يقول فدخلت إلى المسجد فبدأت أقرأ القرآن فجاء أهل القرية وقالوا تحسن قراءة القرآن قلت نعم هذا شيخ الإسلام يحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين هذا محدث الدنيا الآن قالوا علمنا فعلمتهم فأكبرونى وأحسنوا ضيافتى وأحبونى ثم رأونى بعد أيام أكتب يخرج الأوراق ويكتب فيها قال أنت تحسن الخط قلت نعم قال علمنا يقول فعلمتهم يقول فزادت الألفة والمودة بينى وبينهم فلما عزمت على الرحيل عزموا على أن أبقى وقالوا نزوجك عندنا قلت أنا أريد أن أذهب إلى بلادى ولم يكن متزوجا قالوا تتزوج عندنا يقول فقلت على بركة الله فبعد أن أجريت يعنى كما يقال مراسيم الزواج وتم الأمر ودخل على زوجه وجد العقد الذى وجده فى مكة فى صدر هذه الزوجة الطيبة الطاهرة بدأ ينظر إلى صدرها وإلى هذا العقد الذى فى صدرها ويتعجب يعنى أنا هذا رأيته فى مكة ما الذى أحضره إلى هذا المكان هذه الجزيرة النائية وما رفع طرفه إلى وجه زوجته مشدوه حقيقة ليس من أجل عرض الدنيا يعنى هذا من أين جاء فقال له يعنى أقارب الزوجة يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة المسكينة تنظر إلى العقد ولا تنظر إليها قال لهذا العقد قصة وما هى فأخبرهم بالقصة وأنها وجده فى مكة وأن بعض أهل الخير أخبره أن هذا العقد له فدفعه إليه وأراد أن يعطيه جائزة فأبى ثم بعد ذلك ما عنده خبر

عن صاحب العقد قالوا صاحب العقد هو والد هذه المرأة والد زوجتك وقد حج معك فى السنة التى حججت فيها ورجع قبلك وكان كلما صلى يقول ما رأيت على وجه الأرض أتقى من الذى وجد على عقدى فى مكة وكان كلما صلى صلاة يقول اللهم اجمع بينى وبينه حتى أزوجه ابنتى هذه الأمانة وهذه الديانة هذا أمر عجيب اجمع بينى وبينه لأزوجه ابنتى قال لكن الأجل يعنى انتهى والعمر محتوم الأجل جاءه فذهب إلى لقاء ربه وقد أجاب الله دعاءه فكبر من فى البيت وكبر معهم وقال حتى ارتجت بعد ذلك الجزيرة بالتكبير من هذا الخبر العجيب يقول فجلست معها ورزقنى الله منتها ولدين ثم ماتت فورثتها أنا وولداى ثم مات الولدان فآل المال كله إلى فبعت العقد بمائة ألف دينار بدل خمسمائة يقول فكان من أغنى العلماء فى زمنه فيسألونه من أين لك هذا المال يقول هذا بسبب ما حصل لى بمكة ثم ترتب عليه هذا الزواج المبارك حقيقة هذا ارتفاق لا يخطر بالبال تزوج هذه المرأة وورثت من والدها ما ورثت فآل إليه هذا ارتفاق إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله. إخوتى الكرام: ومثل هذه القصة جرت أيضا لشيخ الإسلام أبى الوفاء على ابن عقيل الذى توفى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وانظروا قصته أيضا فى سير أعلام النبلاء فى الجزء التاسع عشر صفحة خمسين وأربعمائة كهذه القصة تماما وأيضا وجد عقدا فى مكة لكن تبين بعد ذلك أن هذا الرجل من بلاد الشام من حلب وجاء الإمام ابن عقيل إلى حلب واستوطن فيها فترة ولما أحبه أهل حلب وزوجوه زوجوه تلك البنت التى مات والدها وخلف لها العقد الذى وجده أيضا الإمام ابن عقيل انظروا هذا كما قلت إخوتى الكرام فى سير أعلام النبلاء فى ترجمة أبى الوفاء ابن عقيل عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا الجليل ولا غرو فى ذلك ولا عجب صنائع المعروف تقى مصارع السوء احفظ الله يحفظك.

إخوتى الكرام: وهاتان الجملتان صنائع المعروف تقى مصارع السوء احفظ الله يحفظك قطعتان من حديثين صحيحين ثابتين عن نبينا علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أما الجملة الأولى صنائع المعروف تقى مصارع السوء مروية فى حديث حسن رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير وقد نص على تحسينه الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الثانى صفحة ثلاثين والإمام الهيثمى أيضا فى مجمع الزوائد فى الجزء الثالث صفحة خمس عشرة ومائة ولفظ الحديث من رواية سيدنا أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال صنائع المعروف تقى مصارع السوء وصدقة السر تطفىء غضب الرب جل وعلا وصلة الرحم تزيد فى العمر وانظر فى هذين الكتابين فى الترغيب والترهيب ومجمع الزوائد وفى جمع الجوامع للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة ستين وخمسمائة أحاديث أخرى بمعنى ذلك.

وأما الجملة الثانية فهى قطعة من حديث صحيح أيضا رواه الإمام أحمد فى مسنده والترمذى فى سننه والحاكم فى مستدركه والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة وابن السنى فى عمل اليوم والليلة رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين ولفظ الحديث من رواية سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال كنت رديف النبى صلى الله عليه وسلم فقال لى يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن قلت بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك احفظ الله تجده تجاهك تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء لن ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف والحديث مروى بغير هذه الرواية انظروا إخوتى الكرام هذا الحديث فى جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وقد شرحه فى خمس عشرة صفحة من صفحة ثلاث وسبعين ومائة إلى صفحة ثمان وثمانين ومائة وهو الحديث التاسع عشر فى جامع العلوم والحكم وقد أشار فى جامع العلوم والحكم إلى أنه أفرد لهذا الكتب جزءا كبيرا والجزء مطبوع إخوتى الكرام سماه الإمام ابن رجب نور الاقتباس فى مشكاة النبى صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضى الله عنهما قال الإمام ابن رجب الحنبلى فى جامع العلوم والحكم وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين حتى قال بعض العلماء تدبرت هذا الحديث فأدهشنى وكدت أطير فوا أسفاه من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه وهذا العالم الذى قال هذا الكلام هو الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا كما وضح ذلك الإمام ابن رجب الحنبلى فى نور الاقتباس فى صفحة ثلاث وعشرين يقول حتى قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزى فى كتابه صيد الخاطر تدبرت هذا الحديث

فأدهشنى وكدت أطير ثم قال فوا أسفاه من الجهل بهذا الحديث وقلة الفهم لمعناه قال الإمام ابن رجب فى جامع العلوم والحكم قلت وقد أفردت لشرحه جزءا كبيرا ونحن نذكر هاهنا مقاصده على وجه الاختصار إن شاء الله تعالى والجزء كما قلت إخوتى الكرام مطبوع وهو فى حدود ستين صفحة شرح فيه هذا الحديث الجميل احفظ الله يحفظك. إخوتى الكرام: هذا كما قلت سبب ثالث من أسباب غنى المتزوجين هو يرثها هى ترثه كم من أحيان كان يتزوج امرأة من أسرة يملك أهلها ليس الملايين المليارات كم وإذا مات بعد ذلك والدها ورث ثروة طائلة طائلة ستؤول بعد ذلك إلى الزوج وإلى أولاده والعكس كذلك كم من إنسان أيضا يملك فيموت فترثه زوجته وهكذا الأولاد ثم يموت الأولاد تنتقل بعد ذلك التركة إلى هذه الزوجة التى صارت أما للأولاد هذا يقع بكثرة فى الحياة وهذا كله من أسباب ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه إذن هذا طريق ثالث لتحصيل الغنى عن طريق الإرث الذى جعله الله بين الأزواج والقرابات والأهل والأولاد:

السبب الرابع لحصول الغنى للمتزوجين مساعدة الأولاد له إذا تزوجت وجاءك أولاد هؤلاء الأولاد سيساعدونك يشدون عضدك وأزرك وأيضا يعملون ويقدمون لك وكم من إنسان اغتنى بسبب أولادهم هو فقير لعله ما ملك رهما ولا ريالا فى جيبه طول حياته فاضلا عن حوائجه ثم فتح الله على أولاده يعنى الخيرات من حيث لا يحتسب ما يملكه الأولاد ملك للوالد فحصل له الغنى بسبب الأولاد وهذا واقع بكثرة لذلك قال الإمام الألوسى قد ينضم إلى ذلك حصول أولاد له فيقوى أمر التساعد والتعاضد وقد تقدم معنا إخوتى الكرام أن الله امتن علينا بذلك والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة وقلنا حفدة يحفد حفدا وحفدان واحتفد إذا خف وأسرع فى الخدمة على وجه النشاط فيخدمونك ويساعدونك هذا تقدم معنا إخوتى الكرام ونفقة الأبوين واجبة على الأولاد هذا باتفاق أئمتنا إذا كان الوالدان فقيرين فنفقتهما واجبة على الأولاد رغم أنفهم هل للأبوين أن يأخذا ما زاد على حاجتهما؟ تقدم معنا أنه عند الحنابلة مال الولد مال الوالد يتصرف فيه كما يتصرف فى ماله بشرطين اثنين كما تقدم معنا الأول ألا يأخذ ما يحتاجه الولد لئلا يضره فمصلحة المالك تقدم على مصلحة غيره والثانى ألا يأخذ منه ليعطى إخوته الآخرين لأنه منهى عن المحاباة بين أولاده فيما هو من ماله فكيف يأخذ من مال هذا الولد ليعطى ولدا آخر ما عدا هذا تقدم معنا هذا قلت يأخذ ما شاء ويدع ما شاء لا يجوز للولد أن يقول لم ولا يتمعر وجهه بل ولا أن يتكدر قلبه ولو فعل هذا فهو عاق هذا والد هذا وتقدم معنا تقرير هذا وقلنا أن الله جعل الولد كسبا للوالد تقدم معنا تقرير هذا بالأدلة ما أغنى عنه ماله ما كسب كسبه أولاده وذكرت أيضا حديث النبى عليه الصلاة والسلام وخرجته هذا ضمن الثمر الثانى والمقصد الثانى من مقاصد النكاح ألا وهو إنجاب الذرية وما فى إنجاب الذرية من فوائد فى الدين والدنيا فى العجل والآجل تقدم معنا

هذا حديث النبى عليه الصلاة والسلام إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه فكلوا من كسب أولادكم وتقدم معنا أيضا الحديث الثانى أنت ومالك لأبيك تقدم معنا هذا إذن هو كسبه وهو أيضا هبة لوالده يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور وتقدم معنا استدلال سفيان ابن عيينة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا على هذا الأمر بأن الله عندما ذكر البيوت التى يرخص للإنسان أن يأكل منها لم يذكر بيوت الأبناء بيوت الأولاد لم لأن بيوتهم بيوت للأب فما فى داعى أن يقال أو بيوت أبنائكم ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا قوله من بيوتكم دخل فى ذلك بيتك الذى تملكه وبيت ولدك دخل فى هذا ولذلك ما قال الله أو بيوت أولادكم ما قال هذا ولو قيل كما قلت فيه كسر لخاطر الوالد يقول صار مال الولد يختلف عن مالى ولا بد يعنى من تنصيص على ذلك هذا لايليق ولذلك انظر لهذه الدلالة الكريمة من بيوتكم هذا شامل لبيتين لبيته الأصلى ولبيت ولده يأكل ويتصرف فيه كما يتصرف فى بيته تماما تقدمت معنا هذه الدلالات إذن إذا جاءه أولاد يرتفق بهم كم من إنسان كما قلت حصل الغنى بسبب أولاده ولو لم يتزوج لبقى يعنى طول حياته لا يملك ريالا ما أكثر هذا ما أكثره فى الحياة وهو واقع مشاهد إذن هذا سبب رابع لتحصيا الغنى للأزواج إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله.

سبب خامس: مساعدة أهل زوجته له إذا كان فقيرا وهذا يقع بكثرة قال الإمام الألوسى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وربما يكون للمرأة أقارب يحصل له منهم الإعانة بحسب مصاهرته إياهم ولا يوجد ذلك فى العزب هذا من الذى صاهر أحدا ليساعد وهذا إخوتى الكرام يعنى ما أعرفه تعرفونه حقيقة ما أكثره كم من إنسان يتزوج وهو فى الأصل لا أقول ما عنده المهر ما عنده شىء قالوا له نحن نساعدك ونحن نجهز المرأة طيب أين سيسكن يسكن فى العراء يشترون له بيتا لو بقى خمسين سنة ما يجمع قيمة البيت هذا مشاهد بكثرة بيت اشتروه له فرشوه دفعوا له المهر اهدوا إليه الزوجة ما شاء الله على هذا الزواج ما أحسنه حقيقة يقع هذا بكثرة إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وهذا واقع ولا أتكلم عن خيال وأنا أعرف بعض الناس فى بلاد الشام عنده عدد من البنات ما زوج واحدة إلا واشترى لها بيتا على علم يقين يقول أنا أشترى لها البيت شراء ليس موضوع استئجار البيت أشتريه وأنت بعد ما تيسرت1:1:41 أما البيت أنا أكفيك لبيت بيت ملك له لها وأنت تسكن وأسأل الله أن يجمع بينكم على طاعته هذا موجود بكثرة هذا ارتفاق وسعادة حصلت للإنسان بسبب هذا التمسوا الغنى بالنكاح وتقدم معنا النكاح مفتاح للرزق هذا من جملة الأسباب وهذا كما قلت سبب أيضا لتحصيل الغنى. سبب سادس: مساعدة أهله له لثقل حمله الذى يحمله يعنى هو عندما يتزوج والده يساعده أمه تساعده إخوته يساعدونه أعمامه يساعدونه كلهم يشتركون يقلون هذا تزوج مسكين فى بداية حياته ما يملك كل واحد يحضر له ما تيسر من هدية من معونة من من ترى ما بين الحين والحين تأتيه الخيرات والبركات هذا أيضا من أسباب تحصيل الرزق والله هو الذى يلقى فى قلوب هؤلاء هذا الشىء فعملك يحضر لك ووالدك يحضر لك وهكذا وهكذا تحصل خيرا هذا سبب سادس أيضا لتحصيل الرزق.

سبب سابع: مساعدة أهل الخير له ومواساتهم له فى تحصيل رزقه ومساعدتهم له الآن لا أهل الزوجة ولا أهل الزوج أهل الخير إذا رأوا طالب علم فقير رأوا إنسانا فقيرا طيبا صالحا تزوج ليس من شيمتهم يعنى أن ينظروا إليه وتزوج يعنى ما شاء الله بارك الله لك وعليك وانتهى لا ثم لا إذا عندك بعد ذلك شىء مع بارك الله لك وعليك خذ هذه بركة أيضا تعطى عشرة آلاف تعطيه مائة ألف تعطيه خمسة آلاف على حسب حالك حقيقة هذا أيضا موجود وهذا مستعمل فى جميع العصور ولذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام ينبه أيضا إلا إليه ويلفت الأنظار له ووقع هذا فى العصر الأول فى ترجمة الصحابى الجليل خادم نبينا علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ربيعة ابن كعب أبو فراس الأسلمى الذى كان يبيت مع النبى عليه الصلاة والسلام وإذا قام نبينا عليه الصلاة والسلام بعد ذلك لقضاء حاجته تبعه بوَضوئه فقال له مرة كما فى صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وسنن أبى داود والنسائى سل حاجتك يريد أن يكافئه نبينا عليه الصلاة والسلام ماذا تريد ستبيت معى تخدمنى إذا ذهبت لقضاء الحاجة تحمل هذا الماء سل حاجتك سل طلبا أقضيه لك انظر لهذا الطلب الذى هو أغلى الطلب قال أسألك مرافقتك فى الجنة قال أو غير ذاك اطلب شيئا آخر من عرض الدنيا ماذا تريد قال هو ذاك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما أريد غيره وفى بعض روايات المسند قال له نبينا عليه الصلاة والسلام من علمك هذا أنت علمته يا رسول الله عليه الصلاة والسلام علمته أن يتعلق بما عند الله وألا يفكر فى الدنيا أنت الذى علمته قال من علمك هذا من أشار عليك تكون معى فى الجنة فقال ربيعة لا والله يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما علمنى أحد هذا ليس يعنى بواسطة تدبير مع أحد أبدا إنما نظرت فى الدنيا فعلمت أنها منقطعة وأن لى فيها رزقا سيأتينى يقول وما فقلت أسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام لآخرتى وعلمت أنك عند الله بالمنزل الذى

أنت فيه يعنى لك شأن أنت رسول الله عليه الصلاة والسلام فقلت أسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام لآخرتى ورد فى رواية المسند أن نبينا عليه الصلاة والسلام أطرق قليلا كأنه يوحى إليه ثم قال يا ربيعة إنى فاعل فأعنى على نفسك بكثرة السجود أسألك مرافقتك فى الجنة وهنا لا يقولن قائل أسألك استغاثة بغير الله فى طلب ما لا يقدر عليه إلا الله المراد أسألك أن تشفع لى إلى ربك لأنال هذه الحظوة عنده لأكون معك فى عليين فأطرق النبى عليه الصلاة والسلام ينتظر الأمر من ربه هل سيشفع فى هذا بخصوصه لينال هذه المنزلة فقال إنى فاعل سأشفع لك لتنال هذه المنزلة فى الآخرة لكن يعنى أبذل ما فى وسعك بعد بكثرة التقرب إلى ربك فأعنى على نفسك بكثرةالسجود هذا ربيعة انظروا لمعاونة الصحابة له بإرشاد نبينا عليه الصلاة والسلام ثبت فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير والحديث فى المجمع فى الجزء الرابع صفحة خمس وخمسين ومائتين وبوب عليه الإمام الهيثمى فى كتاب النكاح بابا فقال باب الأمر بالتزويج والإعانة عليه أمر بالتزويج إعانة عليه قال وفى إسناده مبارك ابن فضالة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح والحديث ذكره فى ترجمة فضائل الصحابة فى ترجمة سيدنا أبى بكر صديق هذه الأمة رضى الله عنه وأرضاه فى الجزء التاسع صفحة خمس وأربعين وقال فى إسناده مبارك ابن فضالة حديثه حسن وبقية رجاله ثقات وإنما أورده فى ترجمة سيدنا أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه لما تسمعون من منزلة لأبى بكر رضى الله عنه وأرضاه لا يصل إليها أحد من الصالحين والصديقين لا من المتقدمين ولا من المتأخرين وما وصل إليها وجاوزها إلا أنبياء الله ورسله علي نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: والمبارك ابن فضالة كما قال الإمام الهيثمى حديثه حسن وقد حكم عليه الحافظ فى التقريب فقال صدوق يدلس ويسوى وقد توفى سنة ست وستين ومائة للهجرة يدلس ويسلك أيضا تدليس التسوية وتقدم معنا أنه يحذف ضعيفا بين ثقتين وقد توفى سنة ست وستين وخرج له البخارى فى صحيحه تعليقا وهو أيضا مخرج له فى سنن أبى داود والترمذى وابن ماجة فهو فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى أوليس كذلك والحافظ الذهبى فى السير فى الجزء السابع صفحة أربع وثمانين ومائتين يقول قلت هو حسن الحديث كما قال الإمام الهيثمى تماما يقول حديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح وهنا كذلك حديثه حسن وبيقة رجاله رجال الصحيح وقال فى المكان الثانى الإمام الهيثمى حديثه حسن وبقية رجاله ثقات إذن هو فى المسند ومعجم الطبرانى الكبير ورواه الإمام الطيالسى فى مسنده كما فى منحة المعبود فى ترتيب مسند الطيالسى أبى داود فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وأربعين ومائة ورواه الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثانى أيضا صفحة أربع وسبعين ومائة وقال صحيح على شرط مسلم يستقيم الكلام لا يستقيم على شرط مسلم لأنه مبارك ابن فضالة ليس من رجال مسلم علق عليه الذهبى بقوله قلت لم يحتج مسلم بمبارك الحديث صحيح صحيح لكن لم يحتج مسلم بمبارك فهو صحيح وليس على شرط مسلم وقال شيخ الإسلام الإمام أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الثانى صفحة أربع وعشرين بإسناد حسن إسناد الحديث حسن والحديث رواه الحافظ فى الفتح فى الجزء السابع صفحة ست وعشرين محتجا به فلا ينزل عن درجة الحسن على شرطه خلاصة الكلام هو فى المسند ومعجم الطبرانى الكبير ومسند أبى داود الطيالسى ورواه الحاكم فى المستدرك والحديث صحيح انظروا لحصول الغنى له والخير والبركة بواسطة وسبب زواجه إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم والحديث إخوتى الكرام طويل أخذ قرابة صفحتين لكن حقيقة

كما قلت يعنى فيه هذه الدلالة العجيبة. باب فى الأمر بالتزويج والإعانة عليه عن ربيعة الأسلمى وكما قلت هو ربيعة ابن كعب رضى الله عنه وأرضاه أبو فراس قال قلت أخدم النبى عليه الصلاة والسلام فقال لى يا ربيعة ألا تتزوج قلت لا والله يا رسول الله عليه الصلاة والسلام لا أريد أن أتزوج وما عندى ما يقيم المرأة وما أحب أن يشغلنى عنك شىء لا أريد الزواج وليس عندى ما أنفق على المرأة ولا أريد أن أشتغل بالزواج عنك فأعرض عنى ثم قال الثانية يا ربيعة ألا تتزوج فقلت ما أريد أن أتزوج وما عندى ما يقيم المرأة وما أحب أن يشغلنى عنك شىء فأعرض عنى ثم رجعت إلى نفسى رجع الآن إليه عقله ووعيه فقلت والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم منى بما يصلحنى فى الدنيا والآخرة والله لئن قال لى أتتزوج لأقولن نعم انتهى الآن ما فى كلام لا لا ولا يعنى اختر لى أقول نعم لأقولن نعم يا رسول الله عليه الصلاة والسلام مرنى بما شئت فقال لى يا ربيعة ألا تتزوج الثالثة فقلت بلى مرنى بما شئت أنا مستعد فأنت الآن المسؤول عن البقية قال انطلق إلى آل فلان إلى حى من الأنصار كان فيهم تراخ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلنى إليكم يأمركم أن تزوجونى فلانة لامرأة منهم فذهب إليهم يقول فذهب إليهم إخوتى الكرام لعله فذهبت إليهم فقلت لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلنى إليكم يأمركم أن تزوجونى فقالوا مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يرجع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحاجته يقول فزوجونى وألطفونى وما سألونى البينة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا فقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام أتيت قوما كراما فزوجونى وألطفونى وما سألونى البينة وليس عندى صداق فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام يا بريدة الأسلمى كأنه يقول اربط قلبك بربك ولا داعى للحزن ولا للهم يا بريدة ثم قال

النبى عليه الصلاة والسلام اجمعوا له وزن نواة من ذهب هذا مساعدة أهل الخير اجمعوا له وزن نواة من ذهب قال فجمعوا لى وزن نواة من ذهب فأخذت ما جمعوه لى فأتيت النبى عليه الصلاة والسلام قال اذهب بهذا إليهم فقل لهم هذا صداقها فأتيتهم فقلت هذا صداقها فقبلوه ورضوه وقالوا كثير طيب قال ثم رجعت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام حزينا مرة ثانية ما يكفى فى البداية فقال يا ربيعة مالك حزين فقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما رأيت قوما أكرم منهم رضوا بما آتيتهم وأحسنوا وقالوا كثير طيب وليس عندى ما أولم فقال يا بريدة اجمعوا له شاة قال فجعوا لى كبشا عظيما سمينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب إلى عائشة رضى الله عنها وأرضاها فقل لها فلتبعث بالمكتل الذى فيه الطعام قال فأتيتها فقلت لها ما أمرنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هذا المكتل فيه سبع آصع من شعير لا والله ولا والله إن أصبح لنا طعام غيره ما عندنا إلا هذا الطعام خذه فقال فأخذته فأتيت به النبى صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما قالت عائشة رضى الله عنها وأرضاها قال اذهب بهذا إليهم فقل لهم ليصبح هذا عندكم خبزا وهذا طبيخا فقالوا أما الخبز فسنكفيكموه وأما الكبش فاكفونا أنتم يقول فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم فذبحناه وسلخناه وطبخناه فأصبح عندنا خبز ولحم فأولمت ودعوت النبى صلى الله عليه وسلم ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانى بعد ذلك أرضا وأعطى أبا بكر رضى الله عنهم أجمعين أرضا وجاءت الدنيا فاختلفنا فى عزق نخلة فقلت أنا هى فى حدى وقال أبو بكر هى فى حدى وكان بين وبين أبى بكر كلام فقال لى أبو بكر رضى الله عنهم أجمعين كلمة كرهتها وندم فقال لى يا ربيعة رد على مثلها حتى يكون قصاصا قلت لا أفعل فقال أبو بكر رضى الله عنه لتقولن أو لاستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت ما أنا بفاعل قال فرفض أبو بكر الأرض رضى الله عنه

وأرضاه ضربها برجله مغضبَا لم َلم يرد عليه ربيعة كلمة خشنة كالتى صدرت من سيدنا أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه فى حق ربيعة قال وانطلق أبو بكر إلى النبى عليه الصلاة والسلام وانطلقت أتلوه فجاء أناس من أسلم فقالوا رحم الله أبا بكر فى أى شىء يستعدى رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى سيحرض الرسول عليه الصلاة والسلام عليك لم َ وهو الذى قال لك ما قال قال فقلت أتدرون ما هذا أترون من هذا هذا أبو بكر الصديق هذا ثانى اثنين هذا ذو شيبة المسلمين إياكم لا يلتفت فيراكم تنصرونى عليه فيغضب فيأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله عز وجل لغضبهما فتهلك ربيعة يعنى ربيعة وأسرته وقبيلته كلهم يهلكون إذا غضب أبو بكر وترتب عليه غضب النبى عليه الصلاة والسلام وغضب ذى الجلال والإكرام قالوا ما تأمرنا قال ارجعوا انصرفوا أنتم لا أحد منكم يتكلم قال فانطلق أبو بكر رحمة الله عليه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فتبعته وحدى حتى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إليه فقال يا ربيعة مالك وللصديق قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كذا كان كذا فقال لى كلمة كرهتها قال لى قل لى كما قلت يعنى كما قلت لك حتى يكون قصاصا فأبيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل لا ترد عليه ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر قال الحسن فولى أبو بكر رحمة الله عليه يبكى رواه أحمد والطبرانى وفيه مبارك ابن فضالة وحديثه حسن وبقية رجاله رجال أحمد رجال الصحيح. إخوتى الكرام: كما ترون هنا حصلت معونة من الصحابة الكرام لهذا الصحابى الجليل والعبد الصالح ربيعة ابن كعب رضى الله عنه وأرضاه.

إخوتى الكرام: قبل أن ننتقل إلى السبب الثامن من أسباب حصول الرزق للمتزوج قبل أن ننتقل للسبب الثامن عندى تعليق على هذه القصة التى جرت لسيدنا أبى بكر رضى الله عنه وأرضاه مع هذا الصحابى الجليل ربيعة ابن كعب رضى الله عنهم أجمعين اترك الكلام عليها على التعليق عليها إلى الموعظة الآتية إن أحيانا الله نتدارس السبب الثامن والتاسع والعاشر وهو آخر ما يكون عندنا كما قلت فى هذا المبحث وكان فى نيتى أن أنتهى منه فى هذه الموعظة وقدر الله وما شاء فعل. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اجعل هذا الشهر الكريم أوله لنا رحمة وأوسطه لنا مغفرة وآخره عتقا لنا من النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علامات فى نفس رسول الله2

علامات في نفس رسول الله (2) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان كل نبى بمن كان قبله وبمن كان بعده يلزم أنه هذا النبى الذى سيأتى بعده لو بعث وهو حى أن يصدق به وأن يتبعه وأن يكون من أعوانه وأنصاره، إذاً هذا النبى على نبينا صلوات الله وسلامه الذى فيه هذا الكمال والجمال فى خَلْقِه وخُلُقِه وهو فى أتم صور الكمال سيتحيل أن يكذب، ثم لو تنزلنا وقلنا يمكن أن يقع منه كذب نقول فأين الله، كيف يقر هذا الكذاب وينصره ويؤيده ويجيب دعاءه ويعلى كلمته ويرفع ذكره، هذا كما قلنا طعن فى ربوبية الله بل جحد لربوبية الله وكأنه ليس لهذا العالم رب يدبره ولا حكيم يصرف شئونه عندما أيد هذا المبطل ونصره وهو كاذب ليس برسول من قبل الله جل وعلا، هذا لايمكن أن يقع على الإطلاق، ولذلك إخوتى الكرام تأمل حال النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه خَلْقاً وخُلُقَا يدل على أنه رسول صلى الله عليه وسلم، سأتناول هذا بالتفصيل وسنأخذ شيئاً من خَلْق نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام، ثم نتدارس خُلُقه بعد ذلك النبيل لنرى هذا الخَلْق وهذا الخُلُق وكيف صاغه الله جل وعلا بصورة الكمال والجمال والجلال فى الأمرين خَلْقاً وخُلُقا فما خلق الله مخلوقاً أكرم وزلا أفضل وأبهى ولا أجمل من نبينا عليه الصلاة والسلام والأنبياء يلونه فى ذلك فهم على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه. ومن تأمل حال النبى عليه الصلاة والسلام فى الخَلْق، وهو الأمر الأول، لن يرتاب فى أن هذا المخلوق ليس بإنسان عادى، هذا المخلوق هو نبى الله حقاً وصدقا، يتميز عنهم فى كل شىء بصورته فى حركاته فى ريحه فى جميع أحواله إذا نظرت إليه تقول هذا إنسان يخنلف عن البشرية فى هذه الأحوال، هذا اصتنعه الله لنفسه فهو قدوة لأمته على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

وذكرت فى الموعظة الماضية قول عبد الله بنرواحة رضي الله عنه وأرضاه وقلت هو من أحسن ما قيل فى بيان حقيقة نبينا عليه الصلاة والسلام وما يدل على نبوته عندما يقول: لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخبر، تأتيك بالخبر، أى لو لم يكرمه بآيات واضحات من خوارق العادات وغيرها تدل على أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا كانت طلعة وجهه الشريف والنظر إليه فى أول وهلة هذا كافى فى أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا كافى فى الدلالة على صدقه على أنه رسول ربه على نبينا صلوات الله وسلامه، ولذلك ثبت فى المسند وسنن ابن ماجة وسنن الترمذى والحديث قال عنه الإمام الترمذى صحيح، والحديث رواه الحاكم فى المستدرك فى كتاب الهجرة فى الجزء الثالث صفحة 13 وقال صحيح على شرط الشيخيخن وأقره عليه الإمام الذهبى ولفظ الحديث عن حبر اليهود وإمامهم فى زمانه عبد الله بن سلام رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام، يقول: لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة من مكة مهاجرا تنادى الناس قد م رسول الله قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام فانجفل الناس إليه ليروه على نبينا صلوات الله وسلامه، يقول: وكنت فيمن انجفل أى ذهبت بسرعة، يقول: فلما استثبت من وجهه أى تحققت وتمكنت من النظر إلى جماله وبهائه وكماله ونوره عليه صلوات الله وسلامه، فلما استثبت من النظر إلى وجهه قلت: إن وجهه ليس بوجه كذاب، وسمعته يقول: (هذا قبل أن يقول، إنما جاء ونظر الناس انجلوا إليه وأسرعوا لإستقباله وللنظر إلى طلعة وجهه ونوره وبهائه عليه الصلاة والسلام، يقول: فجئت معهم فلما استثبت وتمكنت من النظر وتحققت إلى نور وجهه، وجهه ليس بوجه كذاب عليه صلوات الله وسلامه، ثم سمتعه يقول: يا أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصِلُوا الأرحام وصَلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، هذا أول خطاب يلقيه نبينا عليه الصلاة والسلام فى طيبة

وطابا فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصِلُوا الأرحام وصَلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام، حقيقة أحسن وصية أن تحسن صلتك بربك وصلتك بخلق الله جل وعلا، أن تعظم الله وأن تشفق على عباد الله والدين كله يدور على هاتين الدعامتين، تعظيما لله وشفقة على خلق الله، إطعام الطعام تعظيم شفقة على خلق الله إفشاء السلام إحسان لعباد الله رفق بهم مواسات لهم، ثم بعد ذلك الصلاة بالليل والناس نيام، تعظيم لذى الجلال والإكرام، فإذا عظمت الخالق وأشفقت على المخلوق وأحسنت إليه تدخل الجنة بسلام، هذا خطاب النبى عليه الصلاة والسلام فى أو لقاء بأصحابه فى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، الشاهد فى الحديث وهو صحيح، فلما استثبت من النظر إلى وجهه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب على نبينا صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام: لنفصل كما قلت الكلام على خَلْق النبى عليه الصلاة والسلام وخُلُقه، ونرى دلالة هذين الأمرين على نبوته ورسالته على نبينا صلوات الله وسلامه.

أما خَلْقه الظاهرى وصورته الظاهرة بدنه جسده من راسه إلى رجليه الشريفتين المباركتين على نبينا صلوات الله وسلامه، أعطاه الله ملاحة وبهاء، مليح ولكن هذه الملاحة فيها بهاء فيها جلال جمال وجلال هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام، كمال، والكمال ما انتظم أمرين، جمال وجلال ملاحة وبهاء، وترتب على هذين الأمرين أمران نحو من يراه، أولهما كان من يرى النبى عليه الصلاة والسلام يحبه لما فبه من جمال وبهاء وملاحة، وكان أيضاً يجله ويوقره لما يرى فيه من جلال وبهاء على نبينا صلوات الله وسلامه، ملاحة وبهاء ترتب عليهما فى نفوس الناس كما قلت: أمران جليلان معتبران أقرر هذه الأمور بأدلة إن شاء الله، حب من الناس له، تعظيم وتوقير وإجلال من الناس له على نبينا صلوات الله وسلامه، فكان له هيبة وهو مرهوب عليه الصلاة والسلام، وكان أيضا فيه حلاوة وهو محبوب عليه الصلاة والسلام، ولابد من الأمرين، أن يوجد فيه الهيبة وأن يكون محبوبا، أما الهيبة بدون محبة فهذا يصبح حاله كحال الجبابرة والملوك فزعا وخوفا منه، لكن ليس فى القلب تعلق به، ويريدون الخلاص منه كما يحصل فى الجبابرة والملوك يخافونهم يرهبونهم لكن دون تعلق ومحبة وميل إليهم، ومحبة بلا رهبة بلا إجلال، يصبح فيها ميوعة وشطط، فإذاً بهاء وملاحة ترتب عليها هيبة ومحبة. كان الصحابة يحبونه ويجلونه عليه صلوات الله وسلامه، أما الملاحة التى فيه والجمال الذى فيه ومنحه الله له عليه صلوات الله وسلامه ولا يمكن أن يعطى الله هذا لمن يكذب عليه بعد ذلك ولو كان يحصل من هذا الذى ممنح هذا الكمال فى خلقه وخلقه، يحصل منه كذب على ربه لمسخه الله وعجل عقوبته، أما الملاحة التى فى خَلْقه عليه صلوات الله وسلامه فحدث ولا حرج.

وتقدم معنا إخوتى الكرام عند بيان الأمور التى ينبغى أن توجد فى النبى والرسول على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، الشروط فى النبى والرسول، وقلت إنها ثمانية، السابع والثامن الكمال فى الخَلْق والخُلُق، حسن الخلق والخلق، وذكرت عند خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام بعض الأحاديث وقلت: كان أضوأ من الشمس وأبهى من القمر عليه صلوات الله وسلامه وقررت هذا بأحاديث صحييحة ثابتة ذكرتها، وقلت: أضيف إليها شيئاً أخر ومن جملة الأحاديث التى تقدمت معنا حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وهو فى الصحيحين وغيرهما قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خَلْقا، ليس بالطويل البائن ولا القصيرعليه صلوات الله وسلامه كان أحسن الناس وجها أحسنهم خَلْقا، الوجه وسائر الجسم بعد ذلك فى خِلْلقة معتدلة مستقيمة بهية جميلة ليس بالطويل البائن الذى فحش فى الطول ولا بالقصير، فكان ربعة عليه الصلاة والسلام وفيه هذا الجمال، والرويات فى بيان حسنه كثيرة متواترة عليه صلوات الله وسلامه.

فمن ذلك ما ثبت فى صحيح مسلم وسنن أبى داود والحديث من رواية خالد بن عبد الله الجورينى وهو من التابعين قال لأبى الطفيل وهو عامر بن واسلة الليثى، أبو الطفيل وهو آخر الصحابة موتا على الإطلاق آخر من مات من الصحابة أبو الطفيل سنة 110 للهجرة فى مكة المكرمة، هذا آخر صحابى فارق الحياة أبو الطفيل عامر بن أسلة، يقول خالد بن عبد الله الجورينى لأبى الطفيل عامر بن واسلة، هل رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: نعم رأيته، قال: كيف رأيته؟ فقال أبوا الطفيل: كان عليه الصلاة والسلام كان أبيض مليحا، وفى رواية كان أبيض مليح الوجه عليه صلوات الله وسلامه نور يتلألأ فيه هذه الملاحة وهذه الإشراقة على نبيناصلوات الله وسلامه، كان أبيض مليحا، وفى رواية فى صحيح مسلم يقول أبو الطفيل عامر بن واسلة: ما بقى على وجه الأرض أحد رأى النبى صلى الله عليه وسلم إلا أنا، لايوجد أحد من الصحابة فى زمنى إلا أنا، وأنا الذى انفردت فى هذه العصور بحصول الرؤية لى من النبى عليه الصلاة والسلام وما يشاركنى فى الأحياء أحد فى هذه الصفة التى حصلت لى، رأيته عليه الصلاة والسلام فكان أبيض مليحا مُقَصّدا، والرواية فى صحيح مسلم، أبيض وهذا البياض كما تقدم معنا مشرب بحمرة صلوات الله وسلامه نور يتلألأ مقصدا أى متوسطاً فى كل شىء فى طوله وقصره فى ضعفه وسمنه عليه الصلاة والسلام كان قصداً متوسطاً فى هذا الأمر فما فيه شىء ينزل عن الحد المطلوب ولا يزيد كان أبيض مليحاً مقصدا، عليه صلوات الله وسلامه، وهذا الصحابى الجليل أبو الطفيل كما قلت إخوتى الكرام هو آخر صحابى مات وفارق سنة 110 للهجرة فى مكة المكرمة.

وأما الذى ادعى الصحبة فى القرن السادس للهجرة وهو الدجال رتن بن عبد الهندى فهذا من كذبه وزوره وإفكه وضلاله، وقد أورد أئمتنا هذا فى ترجمة رتن فى كتب الجرح والتعديل انظروا ذلك فى ميزان الإعتدال ولسان الميزان بل إن الحافظ الذهبى أورد ترجمته فى تجريب أسماء الصحابة ليبين أن رتن ليس بصحابى والحافظ ابن حجر فى الإصابة أورد ترجمة رتن أيضاً فى الإصابة وأطال الكلام فى ترجمة هذا الضآل المضل الزنديق المفترى، لكن ما ادعى النبوة، ادعى الصحبة فى القرن السادس للهجرة، وهل هو موجود أيضا أو ادعاه له سوتوفى سنة 630 للهجرة رتن الهندى وهو من رأى النبى عليه الصلاة والسلام وصحبه ودعى له بطول العمر، كل هذا كذب وإفك مفترى.

والحافظ ابن حجر أورد هذا كما قلت فى الإصابة وذكر هذا فى الفصل الرابع من حرف الراء والفصل الرابع دائما فى كل حرف يورده لتراجم أناس معينين يريد بهم من ادعى أنهم صحابة وليس كذلك، وهذا الباب الرابع فى الإصابة عند كل حرف مما انفرد به الحافظ فى الإصابة فلا تجدونه فى كتب تراجم الصحابة الأخرى، جعل فى كل حرف أربعة فصول، الفصل الأول: فيمن ثبتت صحبته ولا خلاف فى ذلك، الفصل الثانى: لأولاد الصحابة الذين ثبتت ولادتهم فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام ولم يثبت من طريق صحيح مجيئهم إلى النبى عليه الصلاة والسلام أو حصول هذا لهم، كيف أدرجهم ضمن الصحابة؟ قال: لأن كل مولود كان يؤتى به إلى النبى عليه الصلاة والسلام ليحنكه وليدعوى له عليه الصلاة والسلام فإذا ثبتت له وإن لم يرد نص بخصوصه فى بيان الصحبة لهذا الإنسان الذى ثبت أنه ولد فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام، والفصل الثالث: للمخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يثبت لقاءهم بنبينا عليه الصلاة والسلام، والفصل الرابع: لممن ادعى انهم وليسوا كذلك منهم رتن الهندى، وأطال الكلام كما قلت فى ستة صفحات ولو أفردت لبلغت ما يزيد على عشرين صفحة من الحجم المتوسط، لكن الطبعة الأولى للإصابة الكلام فيها دقيق جدا، وغاية ما فعله ابن حجر لخص كتاب الإمام الذهبى له كتاب إسمه (كسر وثن رتن) ، جزء ألفه افمام الذهبى يقول الحافظ ابن حجر لازلت أبحث عنه حتى وجدته بخط مؤلفه، فلخص ما فى الكتاب فى الإصابة وما عندنا خبر عن هذا الجزء الذى ألفه الإمام الذهبى فى كسر وثن رتن، ثم تحدث الإمام الذهبى فى هذا الكتاب عن رتن الهندى وعن ضلالاته وافترآءته ومنها قوله سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: من مشط حاجبيه عند المساء وصلى على لا يصبه رمد ما بقى حيا، عند المساء يمشط الحاجبين ويصلى على النبى عليه الصلاة والسلام فلا يصاب برمد ومنها ما من عبد يبكى فى يوم قتل الحسين عليه وعلى

سائر الصحابة رضوان الله جل وعلا، إلا أعطاه الله ثواب الأنبياء وحشره مع أولى العزم. لا إله إلا الله، ومنها من ضلالاته يقول: من أعان تارك الصلاة بلقمة فعليه إثم من قتل الأنبياء جميعا، ومن هذا حدث ولا حرج، ثم علق الذهب على هذه الخرافات يقول: هذه الخرافات هى خرافات الزنادقة من الصوفية الذين يقولون حدثنى قلبى عن ربى، كلهم أيضاً هكذا الباب مفتوح وهنا الباب مفتوح لكن باب الشيطان ليقول ما شاء من غير زمام ولا خطام، من أين لك هذا وفىأى كتاب؟ يقول: أنا صحبت النبى عليه الصلاة والسلام ما أريد واسطة ودعى لى بطول العمر فاسمعوا أحاديث، وذاك من أين تروى هذا الدجل؟ يقول: عن الله مباشرة، أنتم تأخون من الكتب ونحن نأخذ من الرب جل وعلا، القلب عن الرب، هذه دعوى الزنادقة، وهكذا رتن الهندى، وأنا أعجب لبعض علماء الإسلام كالصلاح الصفدى غفر الله له، قال: وما المانع أن يكون هناك رجل صحابى اسمه رتن وأن الحياة قد امتدت به والعقل لا يحيل هذا وإذا كان جائزفى العقل لما نسبعد هذا، فقال له شيخ الإسلام فى زمانه، الإمام ابن جماعة، ليس المسألة ليس التعويل فى هذه المسألة على تجويز العقل، التنعويل على النقل، بأى طريق ثبتت صحبة هذا الإنسان، يعنى لو جاءنا إنسان من بلاد مجهولة وما نعرف أصله ولا فصله وقال: أنا رأيت النبى عليه الصلاة والسلام واجتمعت به ودعى لى بطول العمر فأنا صحابى نصدقه، وهذا يحتاج إلى نقل، العقل يجوز يجوز، قال: ليس هذا المر مبناه تجويز العقل، مبناه على ثبوت النقل، فمن أين ثبتت صحبة رتن وأنه عاش إلى القرن السادس وتوفى سنة630 للهجرة، أين ثبتت؟ ومن الذى نقل هذا؟ بل المنقول، يقول الإمام ابن جماعة يرد ذها ويبين أنه لايمكن لصحابى أن يعيش بعد النبى عليه الصلاة والسلام أكثر من مائة سنة، والنبى عليه الصلاة والسلام توفى فى العام العاشر من الهجرة أوليس كذلك، أبو الطفيل مات سنة 110، ولذلك ورد الحديث كما سأذكر لكم

ويستدل به ابن جماعة وغيره فى الصحيحين وغيرهما على أنه لا يمكن أن يعيش أحد ممن كان حياً فى آخر حياة النبى عليه الصلاة والسلام وقال هذا الكلام قبل موته بشهر لا يمكن أن يعيش أكثر من مائة سنة، مائة سنة كل من كان حياً فى زاك الوقت سوآء راى النبى عليه الصلاة والسلام أو لم يره سيموت وسينقرض أهل ذالك القرن وسيأتى بعدهم أناس أخرون. والحديث ثابت فى الصحيحين ومسند الإمام أحمد وسنن أبى داود والترمذى من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول [أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على راس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض اليوم أحد] أى لا يبقى ممن هو عل ظهر، لا يبقى أحد ممن هو على الأرض هذا اليوم، والنبى عليه الصلاة والسلام قال هذا الكلام قبل موته بشهر، كما وضحت هذا رواية المسند والصحيحين أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قام قبل موته فقال [ما من نفس منفوسة اليوم يأتى عليها مائة سنة وهى يوم إذٍ حية، وعليه فغاية ما يمكن أن يعيش الإنسان مائة سنة، وهذا الذى ثبت لواحد فقط وهو أبو الطفيل عامر بن واسلة توفى سنة 110للهجرة ولم يبقى بعد ذلك صحابى رضوان الله عليهم أجمعين.

إخوتى الكرام: من تأمل خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام بدنه وصورته الظاهرة لن يرتاب فى أنه رسول ربنا الرحمن سبحانه وتعالى، أعطاه الله ملاحة وبهاء عليه صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا بيان تلألىء وجهه عليه الصلاة والسلام وبيان نور وجهه عليه الصلاة والسلام وأنه أبهى من القمر واضوء من الشمس ووتقدم معنا أيضا طيب عرقه عليه صلوات الله وسلامه، وكيف كان يؤخذ ليوضع فى الطيب ليزداد الطيب طيبا، فطيب نبينا عليه الصلاة والسلام عرق نبينا عليه الصلاة والسلام أطيب أنواع الطيب على نبينا صلوات الله وسلامه، إذا هذا الخلق الذى ينفرد بهذه الأمور له اعتبارات ينبغى أن نستدل بها، فقد يقول قائل: قد يوجد هذا لصالح أن يكون له ريح طيبة وعرقه طيب؟، نقول: هل الصالح ادعى النبوة؟ وهل ما يحصل للصالح من كرامات يدل على أنه نبى، ما حصل له هذا إلا بركة اتباعه للنبى عليه الصلاة والسلام، لكن أرينى متنبئاً دجالا ادعى النبوة وهوكذاب يشم منه ريح الطيب وريح المسك من غير تطيب ومن غير تعطر ثم بعد ذلك إذا مج فى بئر يفو منها المسك أرنى هذا، نعم قد يأتى صالح ويكرمه الله بهذا لكن لا يوجد دعوى النبوة والرسالة، هذا ببركة اتباعه للنبى عليه الصلاة والسلام فذاك كرامة، أما عندنا هذا صادق وقال: أنا رسول الله عليه الصلاة والسلام إذاً بين أمرين إما أنه صادق فى دعوى الرسالة فهذا الكمال فى خَلْقه وخُلُقه فى محله، إما أنه كاذب فى دعوى الرسالة لابد من أن يهتك الله ستره وأن يشوه خَلْقه وأن يبين بعد ذلك إنحطاطه ووضاعته وشناعة خلقة فى الحياة قبل الممات لابد، وأما أن يؤيده الله وأن يزيده بعد ذلك تمكيناً ومددا، هذا لايمكن أن يحصل بحال، فانظر لهذه الأحاديث التى تبين لنا خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام وملاحته وطيبه عليه صلوات الله وسلامه.

ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة والحديث إسناده صحيح من رواية وائل بن حُجُر رضي الله عنه وأرضاه قال: أوتنى النبى عليه الصلاة والسلام بدلو من ماء فأخذه وشرب منه ثم مج فيه مجة ثم حمله وطرحه وصبه فى بئر ففاحت من البئر ريح المسك وفى رواية شرب من الدلو وأخذ مجة مجها فى البئر مباشرة دون أن يمجها فى الدلو ويصب ما فى الدلو فى البئر مرة ثانية، ففاحت منها ريح المسك. هذا الأمر الذى يحصل لهذا البدن الكريم الطاهر من حسن وبهاء وكمال ينبغى أن يكون له دلالة، هذا لو كان كذاباً لفاحت من تلك المجة رائحة النتن، كما سيأتينا فى علامات المتنبىء الكذاب عند خوارق العادات، وكيف يهتك الله ستره ويظهر أمره ويفضحه فى الدنيا مع ما له من الفضيحة على رؤوس الأشهاد، وتقدم معنا كيف كان يجمع عرق النبى عليه الصلاة والسلام ويوضع فى الطيب ليطيب، وهنا بئر يصب فيه مجة النبى عليه الصلاة والسلام فتفوح من هذا البئر رائحة المسك على نبينا صلوات الله وسلامه، وكنت ذكرت غالب ظنى فى الموعظة الماضية أن نبينا عليه الصلاة والسلام قرأ فى فم أحد القرآء السبعة وهو نافع الذى توفى سنة 169 للهجرة فكان لا يقرأ فى مجلس من المجالس إلا عبقت فيه رائحة المسك، فقيل له هل تطيب فمك؟ قال: لا رأيت النبى عليه الصلاة والسلام فى النوم فقرأ القرآن فى فىّ فما تشمون من الرائحة الشذية الطيبة هذا بسبب قرأة النبى عليه الصلاة والسلام فى فىّ فى فمى، ولذلك يقول الإمام الشاطبى عليه رحمة الله فى حرز الأمان فى المنظومة التى عملها فى القراءات السبع، يقول: فأما الكريم السر فى الطيب نافع ... فذاك الذى اختار المدينة منزلا فأما الكريم السر فى الطيب نافع، كريم السر كريم الباطن أكرمه الله بهذا الأمر، فذاك الذى اختار المدينة منزلا.

وهنا مجة يمجها فى بئر تفوح منها رائحة المسك على نبينا صلوات الله وسلامه وهذا الخَلْق الظاهرى من بهاء وملاحة، زانه حياء عظيم عظيم، حياء طبيعى غريزى وحياء مكتسب فى عِلِىّ حصله نبينا عليه الصلاة والسلام بما أدبه به ربنا جل وعلا بتوجيهات القرآن وتعاليم القرآن ولذلك ورد فى وصف نبينا عليه الصلاة والسلام أنه كان أشد حياء من العذراء فى خدرها والحديث فى المسند والصحيحين ورواه البخارى فى الأدب المفرد ورواه ابن ماجة فى سننه من رواية أبى سعيد الخدرى ورواه البزار فى مسنده بإسناد صحيح عن أنس من رواية أبى سعيد وأنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء فى خدرها، وكان إذا رأى شيئاً يكرهه عرفنا ذلك فى وجهه دون أن يتلكم صلوات الله وسلامه، فكان إذا سر يستنير وجهه كأنه فلقة قمر، وكأن الشمس تجرى فى جبهته عليه صلوات الله وسلامه وكان إذا غضب كأنه يفقأ فى وجهه حب الرمان عليه صلوات الله وسلامه تظهر عليه هذه العلامات وهو كان أشد حياء من العذراء فى خدرها عليه صلوات الله وسلامه وإذا رأى شيئا يكرهه عرفنا ذلك فى وجهه عليه صلوات الله وسلامه، والعذراء هى البنت البكر والخدر هو المكان الذى تجلس فيه فلا يراها فيه أحد، فهذه المرأة كم تستحى؟ بكر مخدرة، فنبينا عليه صلوات الله وسلامه الذى هوسيد الرجال وإمام الأبطال وأفضل خلق الله أشد حياء من هذه البنت المخدرة على نبينا صلوات الله وسلامه، جمال وبهاء زانه هذا الحياء، ولذلك كما قلت: صار له فى قلوب الناس مهابة كما صار له محبة.

انظر للمهابة التى كانت تقع فى قلوب الصحابة وفى قلوب من يراه ثبت فى سنن ابن ماجة والحديث رواه الحاكم وإسناده صحيح من رواية أبى مسعود البدرى الأنصارى ورواه الحاكم فى المستدرك أيضا والطبرانى فى الأوسط عن جرير بن عبد الله البجلى، فمن رواية أبى مسعود ومن رواية جرير رضي الله عنهم أجمعين، قال: أوتى برجل إلى صلى الله عليه وسلم، فلما وقف أمامه ورأه بدأت ترتعد فرائصه، يطرب من الخوف والفزع فقال النبى عليه الصلاة والسلام: هون عليك إنى لست بملك، إنى ابن امرأة كانت تأكل القديد على نبينا صلوات الله وسلامه لما هذا الفزع؟ لما هذا الرعب؟ هذا هو الوجل وهذه هى الرهبة لكن معها كما سيأتينا محبة لا نهاية لها فعندما يراه فى الأمر وليس حوله صلوات الله وسلامه لا خدم ولا حشم ولا حراس ولا جنود عليه صلوات الله وسلامه {والله يعصمك من الناس} ، لكن من ينظر لطلعة وجهه وبهاءه عليه الصلاة والسلام يعتريه هذا الوجل من النبى عليه الصلاة والسلام، هون عليك أنى لست بملك ليس حالى كحال الجبابرة أنا امرأة كانت تأكل القديد، والقديد: هو اللحم الذى يجفف ويملح، وهذا يفعله الإنسان فى الغالب إذا كان فقيراً، يملح اللحم عندما يذبح الذبيحة لا يريد أن يأكلها بكاملها ولا يوجد ثلاجات فى ذاك الوقت، فما بقى إلا أن يملح ويجفف ليؤكل عند الحاجة، فكأنه يقول أنا يعنى ابن امرأة تأكل كما يأكل الناس من أسرة يعنى عادية ليس من أسرة ملوك، فعلى ما هذا، يعنى الفزع والفرائص والأعضاء تتطرب، ولا يقولن قائل هذا حال إنسان لم يسبق له أن رأى النبى عليه الصلاة والسلام هذا حال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ما استطاع صحابى أن يحد النظر فى وجه نبينا عليه الصلاة والسلام، واسمعوا لهذا الحديث الذى هو فى صحيح مسلم اتروا أن هذا ليست بحالة كما يقال فى أول لقاء لا، الذين عاشروه لا يستطيع واحد منهم أن يديم النظر إلى وجه نبينا عليه الصلاة والسلام مما

فيه من الهيبة والمهابة صلوات الله وسلامه والبهاء. ثبت فى صحيح مسلم من رواية عبد الرحمن بن شماسة ويقال بفتح الشين شماسة المهرى رحمه الله، قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو فى سياق الموت وعمرو أسلم فى العام الثامن للهجرة هو وخالد قبل فتح مكة رضي الله عنهم أجمعين، ثم امتدت حياته إلى أن توفى سنة 43 للهجرة وعاش تسعا وتسعين سنة رضي الله عنه وأرضاه، عمرو بن العاص، لما مات كان عمره 99 سنة، مات سنة43 للهجرة وهو كما قال الذهبى داهية قريش ورجل العالم ومن يضرب به المثل فى الفطنة والدهاء والحزم، عمرو بن العاص، يقول عبد الرحمن بن شماسة حضرنا عمرو بن العاص وهو فى سياق الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه عبد الله يقول: ما يبكيك يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، قال له النبى عليه الصلاة والسلام والحديث فى المسند وغيره وإسناده صحيح أسلم الناس وآمن عمرو، ولعل نبينا عليه الصلاة والسلام يقصد بالناس الذين أسلموا بعد فتح مكة فهؤلاء أسلموا لأن الغلبة صارت للإسلام وأما عمرو فجاء قبل فتح مكة هو وخالد وآمنو رغبة لا رهبة، رغبة فى الإسلام لا رهبة مما حصل من قوة الإسلام، والحديث رواه الترمذى أسلم الناس وآمن عمرو، ورواه الإمام أحمد فى المسند وإسناده حسن، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، فأقبل بوجهه وقال: إن أفضل ما نعد شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، إنى كنت على أطباق ثلاث، أى على ثلاث حالات، لقد رأيتنى، هذه الحالة الأولى وما أحد أشد بغضاً لرسول صلى الله عليه وسلم منى ولا أحب إلىّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت، مت بكسر الميم وضمها على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام فى قلبى صلى الله عليه وسلم هذا الحالة الثانية، فقلت: أبصت يمينك فل أبايعك فبسط يمينه فقبضت يدى فقال: مالك يا عمرو، قلت: أردت أن أشترط، قال:

تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لى، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، ان الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله، وما كان أحد أحب إلىّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحلى فى عينى منه، إنتبه لكلام عمرو وما كنت أطيق أن أملأ عينى منه إجلالاً له ولو قيل لى صفه لما استطعت أن أصفه، وكان بعض شيوخنا يقول: وما أعلم صحة هذا القول، يقول: ما استطاع أحد أن يصف النبى عليه الصلاة والسلام إلا النساء، وأما الصحابة الكرام ما استطاعوا أن يصفوه وأن يحدوا النظر فيه عليه صلوات الله وسلامه، ولو قيل لى صفه لما استطعت أن أصفه لأنى لم أكن أملأ عينى منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، الحالة الثالثة: ثم ولينا أشياء ما أدرى ما حالى فيها فإذا أنا مت فلا تصحبنى نائحة ولا نار، فإذا دفنتمونى فسنوا فشنوا بالسين المهملة والشين المعجمة، فسنوا علىّ التراب سنا شنا، أى ضعوه برفق دون شدة وغلظة وعنف، ثم أقيموا حول قبرى قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، حى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربى، الحديث كما قلت فى صحيح مسلم وهذا لفظه، انظر لعمرو بن العاص وله هذه المكانة رجل العالم أقوى الناس فى الحزم والعزم والدهاء ما استطاع أن ينظر إلى خاتم الأنبيناء عليه الصلاة والسلام وأن يملأ عينيه منه عليه صلوات الله وسلامه، لاإله إلا الله، وأما محبته فى القلوب وتعلق القلوب به أتلكم على هذا فيما يأتى مع بيان الأمر الثانى والشق الثانى من الأمر الأول، ألا وهو بيان خُلُق النبى عليه الصلاة والسلام بعد الإنتهاء من الكلام على خَلْقِه.

اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوما، اللهم لا تجعل فينا ولا منا ولا معنا ولا بيننا شقياً ولا محروما، اللهم اغفر لأباءنا وأمهاتنا وأرحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلأى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبيناء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علامات فى نفس رسول الله1

علامات في نفس رسول الله (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان علامات في نفس رسول الله (1) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام:

كنا فى المبحث الثالث من مباحث النبوة على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهذا المبحث كما تقدم معنا مبحث جليل يدور حول بيان الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء ورسله صلوات الله وسلامه، وقلت إخوتى الكرام: هناك تدل على صدق النبى وكذب المتنبىء، فلا بد من وجود علامات تدل على صدق المحق وكذب المبطل، لا بد من وجود علامات تدل على صدق الصادق وعلى كذب الكاذب، فنبينا عليه الصلاة والسلام وأنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه لابد وأن يكون فيهم علامات تدل أنهم رسل رب الأرض والسماوات، وهذه العلامات كما تقدم معنا إخوتى الكرام كثيرةوفيرة، ويمكن أن يصل الإنسان إليها عن طريق النظر بعقله وتحكيم فطرته، إذا تأمل هذه العلامات فرق بين النبى والمتنبىء، وتقدم معنا بعض هذه العلامات عن طريق الإجمال، وذكرت ما استدل به هرقل على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام فى نبوته وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقا، ودارت أسئلته كما تقدم معنا على عشرة أمور منها ما يتعلق بنسب النبى عليه الصلاة والسلام وأسرته، ومنها ما يتعلق ببيان دعوته، ومنها ما يتعلق ببيان معاملته لغيره، ومنها ما يتعلق ببيان حال أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ثم خلص بعد ذلك من هذه الأسئلة والأجوبة التى أجاب عليها أبو سفيان، خلص من ذلك إلى أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو رسول الله حقا، فقال لأبى سفيان: إن كان ما تقول حقاً فهو نبى فسيملك موضع قدمى هاتين، وهذا الذى تحقق بعد ذلك على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهذه الأسئلة التى وجهها هرقل إلى أبى سفيان كنت سردتها وبينت جواب أبى سفيان وتعليقنا أيضاً عليها فى الموعظة الماضية، أبو سفيان بعد أن سئل تلك الأسئلة الحسان من قبل هرقل ملك الروم وعظيم الروم يقول أبى سفيان: ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف أى الذى لم

يختتن، وتقدم معنا أن النصارى لا يختتنون، ويقول: هذه الأسئلة تدل على دهائه وذكائه وعظم عقله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف، إنتهينا إخوتى الكرام من بيان هذه العلامات عن طريق الإجمال، ووعدتكم أن أتكلم على نهاية هرقل فى أول هذه الموعظة، لنكمل إن شاء الله بعد ذلك تفصيل الكلام على الأمور التى يعلم بها صدق الرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

هرقل إمتدت به الحياة وعاش بعد وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام، فحياته امتدت لكن ما شرح الله صدره للإيمان وأمره عند ربنا الرحمن سبحانه وتعالى، ففى غزوة مؤتة فى العام الثامن للهجرة، بعد الأسئلة التى سألها لأبى سفيان بسنتين، قاد جحافل الروم وكان مائةألف، وانضم إليه أيضا مائة ألف من قبائل لخم وجذمان، وحصلت بين هؤلاء الجموع من الروم ومن هذه القبائل وبين المسلمين الموقعة الشهيرة فى العام الثامن للهجرة وهى غزوة مؤتة، وفيها كان أمير الجيش حب رسول عليه الصلاة والسلام زيد بن حارثة ثم بعد ذلك جعفر بن أبى طالب، ثم عبد بن رواحة رضي الله عنهم أجعين، ثم لما قتل هؤلاء الثلاثة بنأمير النبى عليه الصلاة والسلام لهم على التوالى والتعاقب أخذ الراية خالد بن الوليد فاستطاع أن يعود بمن بقى من الجيش سالمين إلى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، وهذا أقل ما قيل فى عدد الروم ومن معهم مئتا ألف، وكان عدد المسلمين ثلاثة آلاف، عددهم ثلاثة آلاف فى هذه الموقعة، فكل فرد يقابه سبعون فردا، فهذه الموقعة كان فيها هرقل، موقعة مؤتة، ثم فى العام التاسع فى غزوة تبوك عندما قاد النبى عليه الصلاة والسلام الصحابة بنفسه فى هذه الغزوة الطويلة البعيدة، وكان هذا فى العام التاسع فلما وصل النبى عليه الصلاة والسلام إلى تبوك كتب إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام مرة ثانية وكاد هرقل أن يسلم لكن حصل منه ما حصل فى المرة الأولى عندما عرض الأمر على بطارقته وعلى أهل ديانته نفروا فبقى على دينه وأرسل إلى النبى عليه الصلاة والسلام شيئاً من الذهب كما ثبت هذا فى صحيح ابن حبان فقسمه النبى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وفى رواية المسند كما ذكر هذا الحافظ فى الفتح وإسناد الأثر صحيح، أنه كتب إلى النبى عليه الصلاة والسلام يعنى هرقل، يقول له: إنى مسلم، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: كذب، وفى رواية كتاب أبى عبيد الأموال لأبى عبيد، لكن من

رواية بكربن عبد الله المدنى، مرسلة، أن هرقل كتب إلى النبى عليه الصلاة والسلام يقول له: إنى مسلم، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: كذب عدو الله لا زال على نصرانيته. وهذا الذى حصل من هرقل وجواب النبى عليه الصلاة والسلام يدل على أن هرقل مات على نصرانيته وأنه كذاب فى دعوى الإسلام كما أخبر عن ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث الطويل الذى أوره الإمام البخارى فى أخر كتاب الوحى، إفتتح الإمام البخارى كتاب الوحى بحديث عمر رضي الله عنه وهو فى الكتب الستة [إنما الأعمال بالنيات] .، وختمه بهذا الحديث الطويل عن ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم معنا أن أبا سفيان بن حرب أخبره عن هذا الحديث الطويل، وختم الإمام البخارى كتاب الوحى بهذا الحديث الطويل كأن الإمام البخارى يشير بهذا إلى أن أمر هرقل أمر مستبهم لن يجرى منه إيمان ويثبت عليه، والله أعلم بحقيقة أمره، كأنه يشير بختم كتاب الوحى بهذا الحديث مع بدءه بحديث إنما الأعمال بالنيات، كأنه يشير إلى أن هرقل إذا كان فى قرارة نفسه وفى قلبه إذا كان موحدا مؤمنا بالله ورسوله النبي صلى الله عليه وسلم لكن منعه من الإظهار خشية القتل، خشية القتل منعه من إظهار الإيمان، فبقى فى الظاهر على دين قومه لكنه أقر وأذعن لله جل وعلا ولرسوله عليه الصلاة والسلام وشهد له بالرسالة، فإن كان كذلك فيبقى الحديث إنما الأعمال بالنيات، والله هو الذى سيحكم فى هذا يوم تبلى السرائر، كأن الإام البخارى كما قال الحافظ ابن حجر، يشير إلى هذه المسألة أمر هرقل يعنى غير واضح مغلق مستبهم غير ظاهر، فإذاً إذا كانت نيته صادقة فى قوله: إنى مسلم إذا كانت، لن يضيع ما صدر منه عند الله، لكن جواب النبى عليه الصلاة والسلام الذى ذكرته فيما يظهر والعلم عند الله يزيل هذا الإشكال وأن أمره ليس يعنى بخفى إنما هو واضح مُصِرّ على نصرانيته، آثر الدنيا على الآخرة.

والإمام الذهبى عليه رحمة الله فى كتاب سير أعلام النبلاء ذكر ما يؤيد ما أشاره الإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، فكأنه يرى أنه إذا صدر ما صدر من هرقل من الإذعان والإقرار والإعتراف وأنه لو أمنه لتجشن الذهاب إلى نبينا عليه الصلاة والسلام ولو كان عنده لغسل عن قدمه ولقبل رأسه عليه صلوات الله وسلامه كما قال هرقل، يقول: هذا إذا صدر منه على سبيل الإذعان والحقيقة ثم ما استطاع أن يظهر هذا وأن يثبت عليه من أجل الخوف الذى يحيط به من رعيته وأهل دينه لعله ينفعه فى يوم من الأيان عند الله، لعله.

يقول الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الثانى صفحة15، فمن أسلم فى باطنه هكذا ويقول هذا بعد قصة أذكرها عند نهاية كلامه فيرجى له الخلاص من خلود النار، إذ قد حصل فى باطنه إيماناً ما، وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام وأعتقد أنهما حق مع كون أنه على دين صحيح، فتراهم يعظمو للدينين، يعنى الإسلام حق والنبى عليه الصلاة والسلام صدق، لكن ما هو عليه من اتلنصرانية أيضاً دين صحيح فيعظم الدينين، يعظم الإسلام ونبى افسلام ويبقى على نصرانيته ويعظم ديانته، فإن كان كذلك هذا لا شك فى كفره، واعتقد أنه حق مع كون أنه يعنى هو هرقل وأمثاله على دين صحييح فترام يعظم للدينين كما فعله كثير من المسلمانية أى الذين يظهرون الإسلام وأن الإسلام أحق من النصارى وهم على نصرانيتهم، فهذا لا ينفعه الإسلام حتى يتبرأ من الشرك، هذه القصة هذا الكلام أوره الإمام الذهبى فى ترجمة عبد الله بن حذافة رضي الله عنه وهو من الصحابة الأطهار الأبرار قيل أنه شهد بدراً رضي الله عنه وقيل لم يشهدها، حول شهوده بدر خلاف، هو من الصحابة على كل حال، عبد الله بن حذافة، هذا أرسله عمر رضي الله عنه أميراً على جيش ليقاتل بلاد الروم، والروم فى بلادهم، فأسر على حدود الشام عبد الله بن حذافة صاحب النبى عليه الصلاة والسلام، قيل لملك الروم أسر أمير الجيش وهو صاحب نبى الإسلام على نبينا صلوات الله وسلامه، فقال: إتونى به ثم لما جاء عبد الله بن حذافة إلى ملك الروم، عرض عليه أن يتنصر وقال: أزوجك ابنتى وأعطيك نصف ملكى، أيطمع فى ذلك لأنه صحابى جليل وفى ردته فتنة للمسلمين الذين يعنى فى قلوبهم أحياناً ضعف إيمان لكن الإيمان كما قال هرقل: إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، فقال عبد الله بن حذافة لملك الروم: لو أعطيتنى جميع ما تملك وجميع ما تملك وجميع ملك العرب، يعنى ما تملك ومثله وما يملكه العرب ما رجعت عن دينى محمد عليه

الصلاة والسلام طرفة عين، فاقطع أملك من ذلك، قال: أقتلك، قال: أنت وذاك، فقال: لأعوانه وحراسه وأفراد جيشه خذوه وضعوه على شجرة واضربوه بالسهام لكن لا تسددوا السهام عليه دعوها تسقط بجواره ليدخل فى قلبه الروع والفزع لعله يرتد إذا فاوضناه مرة ثانية، فأخذوه ووضعوه على شجرة وربطوه بها ثم سلطوا السهام عليه يضربونه سهاماً كالمطر لكن لا يقصدوه بالضرب بحيث تقع يميناً أو يساراً، ثم استدعاه هرقل، قال: هل تكفر وترجع عن دينك وتدخل فى النصرانية أزوجك ابنتى وأعطيك نصف ملكى، فردد عليه الكلام السابق، قال: أقتلك، قال: أنت وذاك، فقال هرقل: هاتوا قدراً كبيرأ ووضعوا فيه ماء ثم أوقد عليه النار، فأتى بأحد المسلمين فألقاه فى الماء أمامه، فظهر عظمه، أى انسلخ اللحم منه وظهر العظم، فقال: أترجع عن دينك وتدخل فى دينى وإلا أفعل فيك كما فعلت، فبكى عبد الله بن حذافة، فطمع ملك الروم قال: على ما تبكى، قال: أبكى لأننى لا أملك إلا نفساً واحدة، كنت أتمنى أن يكون لى أنفاساً أى أرواح بعدد شعر جسمى حتى يكون أعظمنى أجرى، نفس واحدة الآن تلقينى فى القدر وأموت فأنا أبكى لأن أجرى الآن سيقل، لو كان لى أرواح كثيرة واحدة بعد الواحدة تخرج لكان أحسن، أنا أغبط من مات لكن أريد أن تكون لى أرواح متعددة لأحصل أجراً كثيرا، فقال هرقل فقال ملك الروم: دعوه فى بيت وأغلقوا عليه وضعوا معه الخمر والخنزير، فإما أن يأكل وإما أن يموت، ففتحوا عنه بعد ثلاث فالتوى عنقه، فقال: ما منعك أن تأكل، قال: والله إن الله قد أحل لى ذلك عند الضرورة لكن لا أوريد أن أشمتكم بمسلم، تقولون: أكل خنزير شرب خمرا هذا لا يمكن، فقد الحياة أيسر، فقال له ملك الروم: هل لك أن تقبل رأسى وأطلق سراحك، قال: وتطلق سراح المسلمين، وكانوا ثلاث مائة، قال: نعم، قال: أقبل رأسك، فقام عبد الله بن حذافة وقبل رأس هذا الملك النصرانى النجس الكافر، فأطلق سراحه وسراح ثلاثمائة من المسلمين

مأسورين وأعطاه ثلاثين ألف دينار وثلاثين وصيفة عبدة، فأخذ كل هذا وعاد معه أسرى المسلمين إلى المدينة فى عهد خلافة عمر رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، فقص عبد الله بن حذافة على عمر ما حصل له وأنه قبل رأس ملك الروم الكافر، فقال عمر: حق على كل سلم أن يقبل رأس عبد بن حذافة، وأنا أول من يبدأ فقام وقبل رأسه رضي الله عنه وأرضاه، وحقيقة ما قبل رأس هذا الكافر لمصلحة لنفسه، إنما إذا توقف الأمر على إطلاق ثلاثمائة من المسلمين فحقيقة الأمر إن شاء الله يسهل بجانب إطلاق هذه النفوس العزيزة. الإمام الذهبى بعد أن أورد هذه القصة علق عليها، والقصة صحيحة ثابتة رواها البيهقى فى دلائل النبوة وابن عساكر فى تاريخ دمشق، يقول الإمام الذهبى: ولعل هذا الملك قد أسلم سراً ويدل على ذلك مبالغته فى إكرام عبد الله بن حذافة، ملك الروم بعد أن رأى من عبد بن حذافة ما رأى لعله أسلم، وقال لعبد بن حذافة: قبل رأسى وانا أعطيع ما أعطيع لألا ألام أمام رعيتى ولألا أيضاتً يبطشوا بى، يقول هذا يعنى حيلة عليهم وما أستطيع أنا أن أظهر الإسلام لعله يكون، يقول الذهبى: وكذا القول فى هرقل إذ عرض على قومه الدخول فى الدين فلما خافهم قال: إنما كنت أختبر شدتكم فى دينكم، فمن أسلم فى باطنه هكذا فيرجى له الخلاص من خلود النار، إذ قدحصل فى باطنه إيماناً ما، وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام والرسول واعتقد أنهما حق مع كونه على دين صحيح، هذا لو صدر منه لا ينفعه ذلك الإعتقاد، فتراه يعظم للدينين كما فعله كثير من المسلمانية فهذا لا ينفعه الإسلام حتى يتبرأ من الشرك والعلم عند الله جل وعلا، هذه القصة فى ترجمة عبد الله بن حذافة فى سير أعلام النبلاء يذكرها أيضاً الإمام ابن حجر فى الإصابة، يقول: ومن مناقب عبد الله بن حذافة ثم ذكر هذه القصة وأنه تسبب فى إطلاق ثلاثمائة من أسرى المسلمين من ملك الروم.

وعبد الله بن حذافة: هو الصحابى الجليل رضي الله عنه وأرضاه وكان فيه شىء من الدعابة والمزاح، وهو قائد الغزوة المشهورة التى طلب من المسلمين أن يقدوا ناراً وأن يضرموها وان يلقوا أنفسهم فيها، عبد الله بن حذافة، وهذا من باب كما قلت من باب المداعبة والمزاح ليختبر طاعتهم وليمزح معهم، وهل سيلقون أنفسهم فيها أم لا.

والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند وابن ماجة فى السنن ورواه ابن خزيمة فى صحيحه وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه، وإسناده صحيح، فيه أن النبى عليه الصلاة والسلام من رواية أبى سعيد الخدرى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز أميراً على بعث، يقول أبو سعيد: أنا فيهم، فأذن عبد الله بن مجزز، علقمة بن المجزز أذن لطائفة من الجيش من هؤلاء البعث أن ينصرفوا وأن يذهبوا إلى مكان ما وأمر عليهم عبد الله بن حذافة، فلما تأمر عليهم هذا من قبل علقمة بن مجزز الذى أمره رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال: أوليس لى عليكم حق السمع والطاعة، قالوا: بلا، قال: اجمعوا حطباً وأقدوا نارا ثم قال: أوقدوا أنفسكم فيها، فلما هم بعضهم أن يلقى نفسه فيها وبدأ يحتجز أى يربط صدره وثيابه من أجل أن يلقى نفسه فيها، قال: أردت أن أختبر حالكم وهل تطيعونى أم لا؟ وتكررت مثل هذه القصة كما فى الصحيحين عن على رضي الله عنه مع بعض الأنصار عندما أمره النبى صلى الله عليه وسلم على سرية، فذاك غضب منهم ويعنى كأنهم أزعجوه ويعنى خالفوه فى بعض الشىء فى الطريق فقال: اجمعوا حطباً إننى أميركم ثم أوقدوا نارا ألقوا أنفسكم فيها فاؤلئك جابلوه، وقالوا: أمنا برسول الله عليه الصلاة والسلام فرراراً من النار وفريق هم أن يلقى نفسه فيها، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه إنما الطاعة فى المعروف، وقال كما فى الصحيحين فى حديث على رضي الله عنه والذى نفسى بيده عليه صلوات الله وسلامه، لو دخلوا فيها ما خرجوا منها، إنما الطاعة فى المعروف، وقوله: ما خرجوا منها أى إذا استحلوا الدخول من غير تأويل فهذا استحلال لمعصية فهو كفر، أو أنهم ما خرجوا منها أى سيموتون ويحترقون وواقع الأمر كذلك، أوما خرجوا منها أى أن دخولهم فيها سيوصلهم إلى نار جهنم بعد ذلك وأمرهم إلى الله جل وعلا، فإن شاء عفى عنهم وإن شاء عذبهم سبحانه وتعالى

هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، عبد بن حذافة هذا شأنه، فلما فعل مع ملك الروم ما فعل، يقول الذهبى عليه رحمة الله لعل ملك الروم أسلم سرا، يقول: وهكذا هرقل فإذاكان فى قلبه إيمانا حقيقى وما استطاع أن يظهره من أجل خوف قومه لعله ينفعه ذلك عند ربه والعلم عند الله جل وعلا..... اقول هذا احتمال يقوله الذهبى، لكن ما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام من أن هرقل كذب وأنه عدو الله ولا زال على نصرانيته، هذا يقطع كل احتمال والعلم عند الله جل وعلا. إخوتى الكرام: فى الحديث الذى ذكرته فى أخر فى الموعظة الماضية، حديث ابن عباس رضي الله عنه حول أسئلة هرقل لأبى سفيان، تقدم معنا أن هرقل كان حزاء ينظر فى النجوم، وهذا قلنا فيه شىء من التكهن ودعوى وزعم علم الغيب، فكيف يرد الإمام البخارى هذا فى صحيحيه ويسكت عليه؟ والجواب أن البخرى عليه رحمة الله أراد أن يورد فى كتاب الوحى ما يدل على نبوة النبى عليه الصلاة والسلام وأن الأدلة والإشارات تتابعت وتواترت على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام من كل طريق بكل لسان بلسان العربى ولسان الأعجمى بلسان الإنسى بلسان الجن من جميع الطرق ورد ما يدل على أن نبينا عليه الصلاة والسلام رسول الله حقاً وصدقا، وهذا أبدع ما يشير إليه عالم وأقوى ما يحتج به محتج، ليس نحن نثبت الكِهانة والكَهانة لا لكن طريق الكهانة أشار غلى أن النبى عليه الصلاة والسلام هذا حق وصدق وبعثته فى هذا الوقت هو الذى يدل عليه كهانتهم، والجن صرحت بذلك والإنس صرحت بذلك والعرب صرحت بذلك والعجم صرحت بذلك فهذه الطرق على اختلاف أساليبها واعتباراتها متفقة على صدق نبينا عليه الصلاة والسلام فى أنه رسول الله حقا وصدقا، يقصد الإمام البخارى عليه رحمة الله من إراده هذه الجملة عن هرقل، يقصد هذه الدلالة وأن جميع الطرق والإشارات والدلالات دلت على أن نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً.

إخوتى الكرام: هذه الأمور كما قلت مجملة تدل على صدق النبى عليه الصلاة والسلام فى نبوته ورسالته وأنه رسول الله حقاً وصدقاً على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وكنت ذكرت فى الموعظة الماضية حديث الحارث بن مالك الأشعرى، وقلت: روى من طريقه ومن طريق أنس بن مالك فى معجم الطبرانى الكبير ومسند البزار والحديث رواه البيهقى فى شعب الإيمان كما تقدم معنا وعبد الرزاق فى مصنفه وفى التفسير، وفيه الإشارة إلى أن كل شىء له علامة ودلالة، عندما قال نبينا عليه الصلاة والسلام لحارثة كيف أصبحت، قال: أصبحت مؤمناً حقا، إلى أخر الحديث الذى ذكرته، قال: انظر ما تقول إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك، قال: أصبحت وقد عزفت نفسى عن الدنيا فأظمئت نهارى وأسهرت ليلى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزاً كما ذكرت هذا فى الموعظة الماضية، وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وإلى أهل النار يعذبون، بعض الأخوة الكرام كأنه أشكل عليه الأمر، فيقول: قرأ فى كتاب الفتن والملاحم للإمام ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل فكأنه يقول: أشار الإمام ابن كثير إلى أن الحديث فى صحيح البخارى، وقلت لكم الحديث فى تلك الكتب واسناده ضعيف لكن معناه يدل على أنه لا بد لكل شىء من علامة تدل تلك العلامة على صدق ذلك الشىء أو على بطلانه، وكأن الأخ اشتبه عليه الأمر، يقول الإمام ابن كثير فى كتابه الفتن والملاحم وهو النهاية الملحق بأخر البداية، يقول: ذكر تزاور أهل الجنة بعضهم بعضا، وتذاكرهم أمور كانت منهم فى دار الدنيا من طاعات وزلات، يقول بعد ذلك: ولهذا مزائر كثيرة قد ذكرنها فى التفسير، وذكرنا فى أول شرح البخارى فى كتاب الإيمان حديث حارثة حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصبحت يا، قال: أصبحت مؤمنا حقا إلى أخر الحديث، يا إخوتى لا يدل هذا على أن الحديث فى صحيح البخارى، الإمام ابن كثير شرح قطعة من صحيح البخارى ولم يكمله، وهكذا الإمام

النووى شرح قطعة من صحيح البخارى ولم يكمله، فعند باب حقيقة الإيمان فى صحيح البخارى عند هذا الباب أورد بعض شراح البخارى هذا الحديث، حقيقة الإيمان، قول حارثة أن الإيمان إذا وجد فى القلب ينبغى أن يكون لذلك علامات تدل عليه، يقول: ذكرنا فى أول شرح البخارى فى كتاب الإيمان حديث حارثة، من الذى ذكر؟ ابن كثير استشهد به فى الشرح على أن الإيمان إذا وجد فى قلب الإنسان ينبغى أن تكون عليه علامات فينبغى أن يصدقه العمل أن تعزف نفسه عن الدنيا أن يظمأ نهاره وأن يسهر ليله فيصوم ويقوم، ثم بعد ذلك كأنه يرى عرش الرب بارزا ويرى أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار، هذه حقيقة الإيمان فى باب حقيقة الإيمان من كتاب الإيمان ذكر بعض شراح الحديث هذا الحديث لتقرير هذه القضية وهى أن الإيمان وقر فى القلب يظهر عليه أثراً على نفس الإنسان وسلوكه، ذكرنا فى أول شرح البخارى فى كتاب الإيمان حديث حارثة، فليس الحديث فى صحيح البخارى، لا رواه البخارى وليس هو فى الصحيح بل إن اسناده الحديث ليس بصحيح كما قلت: إسناده ضعيف كما ذكرت سابقا، نعم معناه صحيح صحيح ويدل على ما قررته وهو أن كل شىء لابد له من علامة تدل عليه إما أنه حق وإما أنه باطل.

إخوتى الكرام: بعد بيان هذه الأمور المجملة فى بيان صدق أنبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه وأن العقل الصريح والفطرة السوية يمكن أن تتأمل العلامات التى فى الرسول وفى النبى وبعد ذلك تطلق الحكم وتصدر الحكم على هذا النبى أنه رسول الله حقاً وصدقاً، وهذا الذى فعله هرقل وفعله غيره وفعله النجاشى أيضاً عندما استدل بما بلغه عن النبى عليه الصلاة والسلام على أنه رسول الله حقاً وصدقا وآمن بنبينا عليه الصلاة والسلام ووحد الله ولما مات صلى عليه نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث ثابت فى الصحيحين...... إذاً هناك علامات تدل على صدق النبى عليه الصلاة والسلام قلت: هذه العلامات إخوتى الكرام كثيرة يمكن أن نجملها فى أربعة علامات. أولها: علامات فى نفس النبى عليه الصلاة والسلام فى خلقه وفى خُلُقه، علامات فى دعوته، علامات فى أصحابه، علامات تكون فى المعجزات والخوارق التى يؤيده الله بها بهاناً ودليلاً على صدقه وأنه رسول من عند ربه على نبينا صلوات الله وسلامه، هذه علامات تدل على صدق النبى عليه الصلاة والسلام،

سنأخذ كما قلت أولا واحدة من هذه العلامات فى كل موعظة إن يسر الله وأعان لعلنا نتكلم على بعضها فى موعظة واحدة وعلى بعضها كما قلت فى أكثر من موعظة، نأخذ العلامة الأولى، علامات تكون فى نفس الرسول عليه الصلاة والسلام فى خلقه وفى خُلُقِه، فى صورته الظاهرة وفى صورته الباطنة التى يدل عليها علامات فى ظاهره فالخلق هو الصورة الظاهرة، والخُلُق هيئة باطنة فى نفس الإنسان تصدر عنها الأفعال بسهولة وروية، فإن كانت تلك الأفعال حسنة فى الشرع ممدوحة فى العقل يقال لتلك الهيئة خُلُق حسن وإن كانت تلك الأفعال مذمومة فى الشرع قبيحة فى العقل يقال لتلك الهيئة التى تصدر عنها الأفعال إنها خُلُق سىء قبيح دنىء، إذاً من تأمل خَلْقَ النبى وخُلُقَه على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، لن يرتاب فى ان هذا النبى هو رسول الله حقاً وصدقا وفخَلْقه وخُلُقه، العلامة الأولى حاله فى نفسه يدل على أنه صادق أو كاذب نبى أو متنبىء، لابد من هذا، وهذا ما سأوضحه فى هذه الموعظة إن شاء الله.

إخوتى الكرام: جعل الله نبينا عليه الصلاة والسلام فى أكمل صورة فى خَلْقِه وفى خُلُقِه، فهو صاحب الكمال عليه الصلاة والسلام فى الأمرين صورة كاملة فى الظاهر صورة نقية كاملة فى الباطن عليه الصلاة والسلام، فهو موهوب من قبل علام الغيوب وهب الكمالين فى خلقه وفى خُلُقِه وهو محبوب من قبل الله ومن قبل عباد الله على نبينا صلوات الله وسلامه، موهوب محبوب عليه صلوات الله وسلامه، جمع الله له كمال الخَلْقِ وتمام الخُلُق على نبينا صلوات الله وسلامه، هذان الأمران خَلْقه وخُلُقه من تأملهما يعلم أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا، كيف هذا؟ ما فى خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام من كمال وجمال وبهاء وجلال وما فى خُلُقِه عليه الصلاة والسلام من كمال وحسن وتمام يدلان على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وصدقا، كيف هذا؟ من كان فيه تلك الصفات الكاملة بانواعها فى خَلْقه وخُلُقه يستحيل أن يكذب، وأى كذب؟ كذب على الله كما استدل بذلك هرقل، فقال: لم يكن ليذر الكذب على الناس ثم يكذب على الله، ولو تنزلنا وقلنا صاحب هذا الخُلُق العالى والخَلْق الجميل الجليل يمكن أن يكذب لو تنزلنا لما أقره الله بالكذب عليه طرفة عين، فلو قدرنا أن النبى عليه الصلاة والسلام فيه جميع الصفات الحسنة فى خَلْقه وخُلُقه لكنه فى هذه الصفة ليس بصادق، لو قدرنا، فادعى أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام وما أوحى الله إليه بالرسالة، لو قدرنا قلنا ما فيه من صفات حسنة يمنع هذا التقدير لكن لو تنزلنا وقدرنا، لو ادعى هذا الأمر وهو ليس بصادق فيه لما أمهله الله طرفة عين، ولذلك قال أئمتنا فى كتب التوحيد جحد النبوة والطعن فى نبوة نبينا ونبوة الأنبياء عليهم جميعا صلوات الله وسلامه طعن فى كمال الرب بل نفى لوجوده وربوبيته سبحانه وتعالى، ووجه ذلك، أن الله جل وعلا حكيم عليم عظيم على كل شىء قدير، كيف يمكن دجالاً فى هذه الحياة يدعى أنه رسول رب

الأرض والسماوات والله ينصره ويظهره ويمكن له ويجيب دعائه ويخلد ذكره، لو فعل الله هذا بكذاب لما كان حكيما، هذا لا يفعله الحكيم سبحانه وتعالى، ففى هذا طعن فى ربوبية الرب بل جحد لربوبيته، فهذا الإله العظيم المهيمن على شئون خلقه كيف يمكن هذا الكذاب من الإفتراء عليه ثم لا يعاجله بالعقوبة؟

نعم قد يقوم هناك ظالم فينصر فى هذه الحياة، لكن لا يكون هناك دعوى النبوة، هو معروف أمام الناس أنه ظالم ولو قدر أنه ادعى النبوة سيفضح عاجلاً غير آجل وسيخذله الله جل وعلا ويجعله عبرة للعالمين وهذا الذى حصل أما متنبىء يخلد الله ذكره ويرفع قدره وينصره ويجيب دعائه ويجعله فى أكمل خلق وأتم خُلُق هذا يستيحل أن يوجد فى حكمة ربنا الجليل سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الله جل وعلا {فلا أقسم بما تبصرون. وما لا تبصرون. إنه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون. ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون. تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين} ، وهونياط القلب عرق يعلق به القلب إذا قطع هذا مات الإنسان {ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين. وإنه لتذكرة للمتقين. وإنا لنعلم أن منكم مكذبين. وإنه لحسرة على الكافرين. وإنه لحق اليقين. فسبح باسم ربك العظيم} ، إذاً إذا تقول على الله بعض الأقاويل لعاجله الله بالعقوبة ولا ما أمهله طرفة عين، والله جل وعلا يقول فى سورة الطور {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون. قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} ، لو كان هذا شاعرا مفترياً أفاكاً ينسب النبوة لنفسه وليس بصادق ما تفعلونه من الإنتظار به وقطع دابره واستئصاله سيحصل له، لكن إذا كان صادقا ستستئصلون أنتم ويرفع ذكره ويعلوا قدره، {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون} ، حوادث الدهر ليموت ونستريح منه، {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} ، فالظالمون لن يفلحوا والمفترون لن يفوزوا، فإذا كنت ظالما حقيقة سيبتر ذكرى ويمح أثرى، إذا كنتُ صادقا سترون لمن يكون الظهور والعلو ورفعة القدر، {قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} ، ما النتيجة؟ {ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك.

ورفعنا لك ذكرك} ، هل يرفع الله ذكر الدعى الكذاب المفترى؟ لو حصل هذا لكان طعناً فى حكمة الرب وجحداً لربوبيته قبل أن يكون طعناً فى رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام، {ورفعنا لك ذكرك} ، لا يذكر الله إلا ويذكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثبت فى صحيح ابن حبان والحديث رواه أبو يعلى فى مسنده والبغوى فى معالم التنزيل ورواه ابن المنذر فى تفسيره وابن أبى حاتم وابن مردوية فى التفسير أيضا وأبو نعيم فى دلائل النبوة وإسناد الحديث حسن من رواية أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبى عليه الصلاة والسلام قال لجبريل عندما نزلت عليه هذه الآية {ورفعنا لك ذكرك} ، قال: ما هذا يا جبريل، ما المراد برفع الذكر وعلو القدر، ما هو؟ فقال: يقول الله لاأذكر إلا ذكرت معى، لايدخل الإنسان فى الإسلام ولا يقبل منه إيمان إلا بركنين ينطق بهما لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، دين الله من أوله وأخره يقوم على هاتين الدعامتين لا إله إلا الله محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، إياك أريد بما تريد حسبما شرعن على لسان نبيك عليه الصلاة والسلام فلا نعبد غيرك ولا نتبع إلا نبيك عليه الصلاة والسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا أذكر إلا ذكرت معى، إذاًرفع الله ذكر النبى عليه الصلاة والسلام، فما يمكن إذاً أن يحصل من الله تأيد لكذاب دل هذا على صدق النبى عليه الصلاة والسلام حقاً وصدقا، لا أذكر إلا ذكرت معى، وهذا التفسير الثابت عن ربنا جل وعلا فى بيان معنى الآية، أنه لا يذكر الله وهذا قول الله إلا يذكر معه رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا منافسة بينه وبين ما ورد عن سلفنا الكرام فى معنى الآية فقيل {ورفعنا لك ذكرك} بالنبوة، فأنت نبى حتماً هو نبى فرفع ذكره ومن أجل ذلك قرن الله اسمه باسمه نبيه عليه الصلاة والسلام.

{ورفعنا لك ذكرك} عند الملائكة مترتب على المعنى الأول، {ورفعنا لك ذكرك} فى الآخرة وفى الدنيا، {ورفعنا لك ذكرك} عندما أخذنا العهد والميثاق على الأنبياء قبلك أنهم يجب عليهم أن يؤمنوا بك إذا بعثت وهم أحياء وإذا ماتوا قبل بعثتك ينبغى أن يأخذوا العهد على أممهم إذا بعثت وهم أحياء يؤمنوابك كما قال الله جل وعلا {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين} ، وإن مات قبل بعثته فينبغى أن يأخذ العهد على أمته إذا بعث محمد عليه الصلاة والسلام وهم أحياء أن يؤمنوا به. قال الإمام ابن كثير: وما ورد عن بعض السلف من أن معنى الآية {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه.....} إلى أخرها من أنه يجب عليهم أن يصدق بعضهم بعضا، قال: هذا لا ينفى القول الأول، والثابت عن على وابن عباس هذا لا ينفيه، بل يستلزمه ويقتضيه، أى إذا صدق كل نبى بمن كان قبله وبمن كان بعده يلزم أنه هذا النبى الذى سيأتى بعده لو بعث وهو حى أن يصدق به وأن يتبعه وأن يكون من أعوانه وأنصاره، إذاً

لآفات الردية فى الشهوة الحسية

الآفات الردية في الشهوة الحسية (2) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان الآفات الردية في الشهوة الحسية (2) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. لازلنا فى دراسة فصل مستطرد ضمن مباحث النبوة وقد دخلنا فيه وعلقناه كما فى دخلنا فى مباحث سنن الترمذى فى بحث أيضا مستطرد ضمن مباحث الترمذى فيما يتعلق بالجن عند قول النبى عليه الصلاة والسلام لا تستنجوا بالروث ولا بالعظم لفإنه زاد إخوانكم من الجن عند هذا الحديث كنت أظن أننا سننهى الكلام على الجن بموعظتين أو بثلاث مواعظ فلعل الأمر سيأخذ منا أكثر من عشر مواعظ وهكذا فى مبحث النبوة دخلنا فى هذا المبحث كما قلت المستطرد وشاء الله له أن يطول وعلى كل حال نحن إن شاء الله نتدارس أحكاما شرعية على أى نوع كانت المباحث. إخوتى الكرام: الذى جرنا إلى هذا المبحث خلق نبينا عليه الصلاة والسلام وقد تقدم معنا أن الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعا صلوات وسلامه أربعة أمور.

أولها: النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه وخلقه وثانيها النظر إلى دعوة النبى عليه الصلاة والسلام ورسالته التى بعث بها وثالث الأمور النظر فى المعجزات التى أيد الله بها رسله خير البريات على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه ورابعها تأمل حال أصحابه فهم صورة لشيخهم لنبيهم الذى رباهم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد شرعنا فى مدارسة الأمر الأول منها النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه فى خلقه وخلقه وقد انتهينا من مدارسة الشق الأول المتعلق بخلق النبى عليه الصلاة والسلام ودخلنا بعد ذلك فى الشق الثانى من الأمر الأول من التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعا صلاته وسلامه.

الأمر الثانى: كما قلت الشق الثانى خلق النبى عليه الصلاة والسلام وقلت إن خلق النبى عليه الصلاة والسلام ينقسم إلى قسمين إلى خلق مع الخلق وإلى خلق مع الحق أما خلقه مع الخلق فتقدم معنا له سبعة أنواع وأقسام خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه والمؤمنين به من أمته خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الإنس خامسها خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الجن سادسها خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات سابعها خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات الصامتات وأول هذه الأمور السبعة خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه على آل بيته صلوات الله وسلامه بعد أن انتهينا من مدارسة خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام قلت ينبغى أن نتعرف على أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقلت هذا يدعونا قبل أن نتعرف عليهن ونتدارس ترجمة موجزة لهن قبل هذا ينبغى أن نتكلم على حكمة التعدد التى خص الله بها نيبه عليه الصلاة والسلام زيادة على ما أباح لهذه الأمة وينبغى أن نتكلم على حكمة التعدد فى الأمة وينبغى أن تكلم على مقاصد النكاح بوجه عام وقلت هذه الأمور الثلاثة يندرج تحتها خمس وعشرون حكمة خمس حكم لمقاصد النكاح العامة وعشر حكم للتعدد فى حق الأمة وعشر حكم للتعدد فى حق نبينا عليه الصلاة والسلام.

أما مقاصد النكاح العامة وكنا نتدارسها ومن مشروعيته أولهاكما تقدم معنا تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية أو معنوية وثانيها إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية ... الأمور المالية والحكمة الرابعة تذكر لذة الآخرة وكنا نتدارس ما يتعلق بالحكمة الخامسة كما تقدم معنا مرارا ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه من أهله وعشيرته هذه الحكم الخمسة كنا فى الحكمة الرابعة وهى تذكر لذة الآخرة قلت هذه الحكمة لا بد لها من تمهيد لنتكلم عليها هذا التمهيد بدأته إخوتى الكرام فى الموعطة الماضية أعظم الشهوات الحسية عند المخلوقات شهوة النكاح وقضية الجنس فهى إذن أعظم الشهوات عند المخلوقات ومع عظمها وتعلق النفوس بها قلت فيها آفات وآفات فإذا كانت هذه الشهوة فى هذه الحياة فيها تلك الآفات وتتعلق بها نفوس المخلوقات فمن باب أولى ينبغى أن تتعلق أن تتعلق همتنا بهذه الشهوة التى تكون فى جنة ربنا وليس فيها آفة من الآفات التى سأذكرها فى هذه الشهوة الجنسية فى الحياة الدنيوية وبضدها تتميز الأشياء وكنا إخوتى الكرام نتدارس الآفات التى تكون فى شهوة النكاح فى هذه الحياة غالب ظنى أننى ذكرت خمس آفات أكملها بخمس آفات أخرى توجد فى شهوة النكاح فى هذه الحياة لا يوجد شىء منها فى شهوة النكاح التى سيحصلها المؤمنون فى نعيم الجنات الآفة الأولى تقدم معنا الكلام عليها وتقريرها قلت صورة النكاح فى هذه الحياة ممتهنة ثانيها قلت لا تحصل هذه الشهوة ولا يمكن أن يحصلها الإنسان إلا بتعب وجهد ونصب ثالثها يترتب تعب عليه وعلى زوجه كل منهما يتعب ولذلك يجهد الإنسان زوجه ويجتهد ويجهد نفسه عندما يقوم بقضاء تلك الشهوة رابعها كما تقدم معنا لا تطيب إلا عند الحاجة إليها فإذا فقد الإنسان الا حتياج إليها لا يفكر بها ولا تخطر على باله ولذلك الصغير لا يشعر بها وهكذا الهرم وهكذا وهكذا وقلت هذا من منغصات الشهوة ومن مكدراتها ومن وجود النقص

والآفات فيها أنك لا تشتهيها إلا إذا احتجت إليها إذن هى شهوة ليست كاملة والآفة الخامسة وهى آخر ما ذكرت من الآفات وسأتبعها بالآفات التى بعدها إن شاء الله. قلت إن حقيقة شهوة الجنس فى هذه الحياة كما هو الحال فى سائر المشتهيات الحقيقة دفع ألم بألم والتخلص من تعب بتعب هذه هى شهوات الدنيا والأمر كما قال القائل: أصبحت فى دار البليات ... أدفع آفات لآفاتج ولذلك لا يوجد فى هذه الحياة شهوة خالصة من جميع الوجوه وبكل الاعتبارات إلا الإيمان بالله إلا ذكر الله إلا محبة الله جل وعلا أما الشهوات الأخرى ففيها نغص ونكد قبل تناولها وعند تناولها وبعد تناولها وكنت بينت ما فى شهوة الطعام من نقص وامتهان فى مباحث سنن الترمذى وهنا شهوة الجنس أيضا كما قلت إننا نتخلص من ألم بألم وندفع تعبا بتعب فليس إذن هى لذة خالصة ولذات الدنيا كما قال أئمتنا هى كلذة الأجرب عندما يحك جلده فإذا حك الجلد خدش الجلد وسال الدم يتلذذ لكن بما يؤذيه الأجرب لا يصبر عن الحك يحك وترى الدم يسيل من جلده يتلذذ بحكه لنفسه ويؤذى نفسه ويخدش جلده ويخمش وجهه ويسيل الدم من جسمه وهو يتلذذ وهكذا الشهوات الدنيوية بأسرها بلا استثناء هى كلذة الحك عند الأجرب يلتذ بالحك لكن هل هذا لذة حقيقية لا يتلذذ بما يتأذى به وهذه شهوات الدنيا كلها وهذه هى دار النقص ودار البلاء ودار الآفات ولا عيش إلا عيش الآخرة ولو كان هناك شهوة واحدة كاملة لربما ركن الناس إليها وقالوا يوجد شهوة كاملة نتمتع بها من جميع الوجوه لا لا يوجد فى هذه الحياة شهوة كاملة خالصة لا يوجد إنما الشهوات الكاملة التى فيها نقص بوجه من الوجوه فى الدار التى من دخلها لا يمسه فيها نصب ولا يخرج منها نسأل الله أن يمن علينا برضوانه وبدار كرامته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

الآفة السادسة إخوتى الكرام: من آفات شهوة الجنس شهوة التمتع بما أحل الله من النساء من الآفات فى هذه الحياة أن النفس لا تشبع منها ولا تقنع بما عندها مع أنه ما عندها يكفيها ويزيد على حاجتها يعنى عنده زوجة يريد ثانية تزوج ثانية يريد ثالثة تزوج ثالثة يريد رابعة طيب بعد يقول أريد النفس البشرية طبيعتها لو كان فى حوزتها جميع نساء الدنيا إلا واحدة فقط لقال أريد تلك الواحدة جميع نساء الدنيا بلا استثناء هن فى حوزته وفى عصمته وتحت رغبته إلا واحدة يقول أريد تلك ماذا عندها ما أعلم لعل حاجتى عندها يا عبد الله ما عند تلك عند هذه ما عند هذه عند هذه لكن هذه النفس البشرية إذن النفس البشرية لا تشبع من هذا مع أنه تكفيها منها شىء قليل يكفيه منها لكن هكذا النفس البشرية تتطلع كما قلت ولا غرو فى ذلك ولا عجب هذه الدار هى دار النقص وهى دار الذل وهى دار الحاجة وهى دار الفقر وهى دار الجشع ولذلك النفس تصاب بهذه الآفات نحو هذه الشهوة ونحو غيرها كما لو أنه لو ملك واديا من ذهب لأحب ثانيا طيب يا عبد الله الوادى يكفيك ويكفى ذريتك إلى عشرة قرون وادى من ذهب يريد ثانيا ولو كان عنده واد ثان لابتغى ثالثا ولو أعطيته ثلاثين لطلب الزيادة ولا يملأ جوفه إلا التراب ويتوب الله على من تاب وهنا كذلك شهوة كما قلت مع ما فيها من الآفات فيها هذه الآفة أن الإنسان لا يقنع منها ويتطلع ونفسه تزهد فيما يملكه وتتطلع إلى ما لا تملكه ولا يقنع يعنى من هذه الشهوة بما يكفيه إلا الكيس الفطن العاقل اللبيب وهم قليل قليل الذين حالهم كما قال الله {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} وأما أكثر الناس فحاله أن يتمتع من هنا وهناك ولا يقنع بما يحصل من واحدة إلى أربع وهذا كما قلت حال هذه الحياة. وليس العجب ممن هلك كيف هلك ... إنما العجب ممن نجا كيف نجا

ومن حماقة الإنسان أن يتعلق بغير ما عنده مع أن ما عنده يسد مسد ما يتعلق به بل ربما كان ما عنده أفضل بكثير مما ليس عنده لكن دار النقص وهذه النفس كما قلت فيها النقص وفيها الفقر لذلك تتطلع إلى غير ما تملك من المشتهيات مع أن ما تملكه كما قلت يكفى النفس ويزيد عليها والسبب فى هذا قصور عقل الإنسان ونظره إلى الظاهر وعدم وصوله إلى حقيقة الأمر إلى الأمر الباطل والإمام ابن الجوزى عليه رحمة الله له نحو هذا الأمر توجيهات ونصائح سديدة ذكرها فى كتابه صيد الخاطر فمنها ما ذكره فى صفحة واحدة وستين ومائتين يقرر فيه شأن العاقل وشأن الحمقى فيقول تحت عنوان من عرف النساء رضى بزوجته يقول أكثر شهوات الحس النساء وقد يرى الإنسان امرأة فى ثيابها فيتخايل له أنها أحسن من زوجته أو يتصور بفكره المستحسنات وفكره لا ينظر إلا إلى الحسن من المرأة فقط فيسعى فى التزوج والتسرى فإذا حصل له مراده لم يزل ينظر فى عيوب الحاصل التى ما كان يتفكر فيها فيمل ويطلب شيئا آخر ولا يدرى أن حصول أغراضه فى الظاهر ربما اشتمل على محن منها أن تكون الثانية لا دين لها أو لا عقل لها أو لا محبة لها أو لا تدبير لها فيفوت أكثر مما حصل وهذا المعنى هو الذى أوقع الزناة فى الفواحش لأنهم يجالسون المرأة حال استتار عيوبها عنهم وظهور محاسنها فتلذهم تلك الساعة هذه الساعة يعنى تدخل على نفسهم اللذة عندما جالسها من حيث الظاهر دون أن يسبر غورها وأن يعرف حقيقتها ثم ينتقلون إلى أخرى فليعلم العاقل ألا سبيل إلى حصول مراد تام كما يريد ما دام فى هذه الحياة لا يمكن أن يحصل ما يريد, ما يريد هذا لا يكون إلا فى دار كرامة الله لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد.

يقول الإمام ابن الجوزى وما عيب نساء الدنيا بأحسن من قوله عز جل {ولهم فيها أزواج مطهرة} وذو الأنفة يأنف من الوسخ صورة وعيب الخلق معنى فليقنع لما باطنه الدين وظاهره الستر والقناعة فإنه يعيش مرفه السر طيب القلب ومتى استكثر فإنما يستكثر من شغل قلبه ورقة دينه إذن هذا حقيقة من آفة هذه الشهوة أنه عندك ما يكفيك ويسد حاجتك وأنت مع ذلك تتطلع إلى شىء آخر ربما كان أنزل مما عندك وذكر نحو هذا فى صفحة ثمانين ومائتين تحت عنوان لذات الدنيا مشوبة بنغص ثم قال عليه رحمة الله إن النفس لا تقف على حد بل تروم من اللذات ما لا منتهى له وكلما حصل له غرض برد عندها وطلبت سواها هذا الغرض الذى كان عنده حرارة فى طلبه وحصله إذا حصل عنده برد طلبه وفتر يريد شيئا آخر فيفضى العمر فيفنى العمر ويضعف البدن ويقع النقص ويرق الجاه ولا يحصل المراد وليس فى الدنيا أشد بلاهة ممن يطلب النهاية فى لذات الدنيا وليس فى الدنيا على الحقيقة لذة إنما هى راحة من مؤلم يدفع بلية ببلية يتخلص من ألم بألم فالسعيد من إذا حصلت له امرأة أو جارية فمال إليها ومالت إليه وعلم سترها ودينها أن يعقد الخنصر على صحبتها وأكثر أسباب دوام محبتها ألا يطلق بصره فمتى أطلق بصره أو أطمع نفسه فى غيرها فإن الطمع فى الجديد ينغص الخلق خلقه وينغص الخلق أى القديم الذى عنده من زوجة قديمة وينقص المخالطة ويستر عيوب الخارج فتميل النفس إلى المشاهد الغريب ويتكدر العيش مع الحاضر القريب كما قال الشاعر: والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... فى أعين الناس موقوف على الخطر يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر فى أعين العلم موقوف على الخطر

طيب حصل الثانية ما النتيجة ثم تصير الثانية كالأولى وتطلب النفس الثانية ثالثة وليس لهذا آخر بل الغض عن المشتهيات ويأس النفوس من طلب المستحسنات يطيب العيش مع المعاشر مع من يعاشره وتعاشره ومن لم يقبل هذا النصح تعسر فى طريق الهوى وهلك على البارد وربما سعى لنفسه فى الهلاك العاجل أو فى العار الحاضر فإن كثيرا من المستحسنات لسن بصينات ولا يفى التمتع بهن بالعار الحاصل ومنهن المبذرات فى المال ومنهن المبغضة للزوج وهو يحبها كعابد صنم إلى آخر كلامه فى هذا الأمر إذن هذا من آفة هذه الشهوة أن النفس لا تقنع بما يكفيها وهى فقيرة تريد المزيد وفى ذلك إضرار عليها فى هذه الحياة وإضرار أيضا لها بعد الممات والإمام ابن الجوزى يقرر هذا أيضا فى كتابه ذم الهوى فى صفحة اثنتين وخمسين وستمائة وهكذا الإمام ابن القيم الجوزية فى كتابه روضة المحبين وهو كذم الهوى لكن الهوى إذا صرف فى الحلال فحقيقة مباح وروضة وإذا صرفته فى غير ذلك فيذم وتمنع منه فذاك نظر إلى جانب وهذا إلى جانب فذاك سمى كتابه ذم الهوى وهنا هوى مباح فسماه روضة المحبين يذكر الإمام ابن الجوزى وبعده الإمام ابن القيم عليهم جميعا رحمة الله فى هذا الكتاب فى ترجمة الخليفة المتوكل حقيقة أمرا عجيبا والمتوكل هو جعفر ابن المعتصم توفى سنة سبع وأربعين ومائتين للهجرة ومن الغريب أنه مات مقتولا قتله أعوانه بتآمر مع ولده المستنصر ثم بعد أن تآمر مع أعوان أبيه على قتل أبيه دبر هؤلاء مكيدة فقتلوا الابن فكان يقول لأمه وقد قتل بعد أبيه بخمسة أشهر ونصف خسرت الدنيا والآخرة تعجلت قتل أبى فقتلت المستنصر يتآمر على قتل أبيه الخليفة المتوكل انظر فى حال المتوكل يقول الإمام ابن الجوزى خرج مرة وهو واجم أى ساكت كأنه مشدوه فقال له وزيره ما لك عليك علامة الحيرة والدهشة ووضعك ليس بطبيعى قال فى الدار عشرون ومائة جارية ما فيهن واحدة تطلبها نفسى عنده من الجوارى مائة وعشرون من الغيب

الحسان يقول نفسى ملتهن ما تتطلع إلى واحدة من هؤلاء تريد شيئا آخر شيئا غريبا هذا حقيقة من علامة النقص فى هذه الشهوة وكما قلت لو كان النساء كلهن فى عصمتك إلا واحدة لقلت أريد تلك الواحدة ماذا عندها مائة وعشرون ثم بعد ذلك يفكر فى إرواء شهوته يقول نفسى لا تميل إلى واحدة من هؤلاء هذا حقيقة من الآفة التى فى هذه الشهوة فى هذه الحياة والسبب فى ذلك إخوتى الكرام أن عين الهوى عوراء ولو كان الذى يهوى يبصر لقنع بواحدة وإذا أراد أن يتوسع فأحل الله له ثانية وثالثة ورابع وقف عند الحد وانتهى لكن عين الهوى عوراء يرى المستحسنات ولا يعلم ما فيهن بعد ذلك من آفات وبليات فيريد أن يعدد وأن يجدد وفى ذلك حتفه وهلاكه فى العاجل والآجل وكما قلت هذا من النقص الذى فى هذه الشهوة وجميع الشهوات فى هذه الحياة لا يخرجن عن هذا الوصف ألا وهو النقص يقول الإمام ابن الجوزى عليه رحمة الله فى ذم الهوى صفحة ثلاث وخمسين وستمائة فى علاج هذا الأمر فى علاج الهوى الذى يدعو صاحبه إلى أن ينظر بعين واحدة ويغمض الأخرى يقول له يقول ومما يداوى به إذا أردت أن تداوى هواك ومما يداوى به الباطل أنت تفكر أن محبوبك ليس كما فى نفسك فأنت تنظر إلى شىء والواقع بخلافه فاعمل فكرك فى عيوبه تسلو عنه إذا تفكرت فيما عنده من عيوب زهدت فيه إن الآدمى محشو بالأنجاس والأقذار وإنما يرى العاشق معشوقه فى حال الكمال ولا يصور له الهوى عيبا لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال وسلطان الهوى حاكم جائر يغطى المعايب فيرى العاشق القبيح من معشوقه حسنا وبهذا السبب يعرض الإنسان عن زوجته ويؤثر عليها الأجنبية وقد تكون الزوجة أحسن من الأجنبية والسبب أن عيوب الأجنبية لم تبن له قود تكشفها المخالطة ولذلك إذا خالط هذه المحبوبة الجديدة وكشفت له المخالطة ما كان مستورا مل وطلب أخرى إلى ما لا نهاية ثم نقل عن سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه أنه قال إذا أعجبت

أحدكم المرأة فيذكر مناتنها ما فيها من نتن من بول وغائط وحيض ونفاس ومخاط وبصاق أذكر هذه المناتن نفسك تزهد فيها. ومرة اغتصب بعض الفجار امرأة وأرادوا الاعتداء عليها فمن خوفها تغوطت فى ثيابها فتركوها وهربوا عنها شاردين من النتن وكريه الرائحة التى فاحت منها إذا أعجبت أحدكم المرأة عجبته المرأة فليذكر مناتنها ثم نقل عن امرأة عفيفة صينة صالحة أن بعض الغواة تعرض لها وراودها فقلت ويحك تعلم ما هنالك هنالك بالوعة وأنت تريد أن تبول فيها هى أنتن من الكنيف تعلم ما هنالك يعنى أسرتك هذه الشهوة أنت ما تعلم ما يوجد فى ذلك المكان استحى يا عبد الله من نفسك هذا أمر عن طريق الحلال يطلب مع ما فيه من نقص لما ترتب عليه من خيرات وفضائل أما بعد ذلك تعلق همتك بهذا الأمر وتجعله غاية وإن كان من الحرام أما تعلم ما هنالك هذه بالوعة أنتن من الكنيف أما يردعك هذا عن همتك الدنيئة إذا أعجبت أحدكم المرأة فليذكر مناتنها.

حقيقة إخوتى الكرام: هذا علاج لمن ينظر بعين واحدة وكما قلت نساء الدنيا فيهن ما فيهن وفينا كذلك ولذلك هذا الكلام موجه للنساء أيضا فإذا أعجبها الرجل فلتذكر مناتنه يعنى لا تظن أن المرأة فيها نتن والرجل ليس كذلك الآدمى محشو بالأقذار والأنجاس وأوله كما قال أئمتنا نطفة مذرة وآخره جيفة قذرة وهو بينهما يحمل فى جوفه العذرة ابن آدم تأمل حالك وحال غيرك تغسل الخراءة فى اليوم بيدك مرتين فقف عند حدك وعلق قلبك بربك جل وعلا وإياك وهذه الشهوات الحسيات الزائلات فإن تيسرت عن طريق الحلال لما يترتب عليها من خير تناولتها بالصفة الشرعية وإلا فعندك فيها ما يزهدك فيها هذا عدا عما بعد ذلك عند الله من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب هذا هى الشهوة بنفسها لو تأملتها لزهدت فيها ووالله لولا ما يترتب عليها من طيب الخصال لأعرض عنها عقلاء الرجال لولا أن هذه الشهوة هى الطريق لإنجاب الذرية هى أيضا تذكر باللذة العظيمة التى سينالها الموحدون بجوار الحى القيوم فى دار كرامته لأعرض العاقل عنها يقول هذه فيها ما يدعو إلى الإعراض عنها إذن هذا من آفاتها النفس لا تشبع منها وعندها ما يكفيها يعنى هى الواحدة تكفى وتكفى أمثاله معه وتراه يتطلع يا عبد الله اتق ربك وعلق همتك بما عند الله جل وعلا.

الآفة السابعة: فى آفات الشهوة الجنسية فى هذه الحياة إخوتى الكرام هذه الشهوة محفوفة بالأخطار يترتب عليها حسب العباد وينتج منها فساد الزوجة والأولاد وكم من إنسان ذبح من أجل زوجته, زوجته جميلة وأرادوا الاعتداء عليها فذبحوه وكم من إنسان ذبحته زوجته الفاسدة وولده الفاسد كم فهى إذا فعلت عن طريق حلال محفوفة بالأخطار مع أنها عن طريق حلال كما قلت تبتلى بحسد من قبل الناس عنده زوجة جميلة يحسد ويتآمرون على قتله وسيأتينا أن حاكم مصر أراد قتل خليل الرحمن إبراهيم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه من أجل زوجته سارة فتخلص إبراهيم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه من ذلك بقوله إنها أختى شأنك بها لست أنا بزوجها لا كما سيأتينا والحديث فى الصحيحين قال إنها أختى وإذا أردتها خذها أما إذا كانت زوجة ذاك لا بد من أن يقتل زوجها ليتمتع بها بعد ذلك قال أختى سآخذها خذها والله جل وعلا سيحول بينك وبينها إنما إذا قال زوجتى قبل أن يأخذها سيبطش به والسبب فى تطلع الملك إليها السبب عندما دخلت إلى بلاد مصر جاءه أعوانه قالوا دخلت امرأة جميلة وضيئة لا تصلح إلا أن تكون لك هى مع إنسان دونك أنت الملك ينبغى أن تكون هذه المرأة الجميلة عندك وسيأتينا الحديث فى ذلك وهكذا بعد ذلك فساد الزوجة والأولاد إذن شهوة محفوفة بالأخطار أما كما قلت الحسد الذى يتعرض له صاحب الزوجة الجميلة من قبل الأشرار بسبب ما فى زوجته من حسن وجمال فهذا واقع فى جميع الأعصار وكما قلت حصل لخليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وقد نجا الله خليله وزوجه من المكيدة التى دبرت لهما.

ثبت الحديث بذلك فى المسند والصحيحين ورواه أبو داود فى سننه والإمام الترمذى فى سننه وهو من أعلى الأحاديث درجة وصحة فهو فى الصحيحين كما قلت والحديث من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه وفيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب إبراهيم النبى على نبيناو عليه الصلاة والسلام قط إلا ثلاث كذبات ثنتين فى ذات الله وفى بعض الروايات كلها فى ذات الله يماثل أى يجادل بها عن دين الله وإنما قال ثنتين فى هذه الرواية لأن الثالثة زوجته سارة قد يظن أن له تعلق بها ومن أجل مصلحته دفع ما دفع وقال ما قال إنما الأمر أيضا من أجل الله وفى ذات الله والكلام إخوتى الكرام وسيلة إلى المقاصد وإذا كان لا يتوصل إلى المقصود إلا بالكذب تعين الكذب وإذا كان المقصود واجبا ولا يمكن أن تصل إليه إلا بالكذب تعين أن تكذب ولا حرج عليك فى ذلك فإذا هرب مظلوم من ظالم وجاء الظالم وبيده سكين يريد أن يقتله والمظلوم عندك فى البيت قال أين فلان تقول ما رأيته ما دخل بيتك ما دخل بيتى ولا أعرفه ولا يعرفنى وهذا واجب عليك ولو أردت أن تتصف بالورع البارد وتقول الكذب حرام تقول دخل إلى بيتى وهو فى الحجرة الفلانية ودخل فقتله فأنت شريكه فى القتل يجب عليك أن تكذب نعم إذا أمكن أن تورى هذا أحسن وأن تفهم المخاطب شيئا وأنت تريد شيئا كما قال علماء اللغة والكلام أوسع من أن يكذب ظريفة تقول ما رأيته أى ما ضربت رأته وهو يفهم منك ما رأيته بعينيك هذا موضوع آخر على كل حال قوله إنى سقيم عندما ذهبوا إلى عيدهم وعبادتهم غير ربهم إنى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا محل الشاهد وواحدة فى شأن سارة فإنه قدم أرض جبار وهى أرض مصر ومعه سارة وكانت أحسن الناس هذه هى محل3646هى لو كانت زوجة عادية لما تطلع هذا الملك إليها وكانت أحسن الناس فقال لها إن هذا الجبار إن يعلم أنك امرأتى يغلبنى عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختى فإنك أختى فى الإسلام فإنى لا أعلم فى الأرض

مسلما غيرى وغيرك فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار فأتاه فقال لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغى لها أن تكون إلا لك فأرسل إليها فأتى بها فقام إبراهيم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه إلى الصلاة فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها هذا الجبار فقبضت يده قبضة شديدة فقال لها قبضت يدك ووقفت وشلت وما استطاعت أن تتحرك لما مد قبضت وشلت ويبست اليد فليس فيها حركة فقال لها ادعى الله أن يطلق يدى ولا أضرك ففعلت فعاد فقبضت أشد من القبضة الأولى فقال لها مثل ذلك ففعلت فعاد فقبضت أشد من القبضتين الأوليين فقال ادعى الله أى يطلق يدى فلك الله ألا أضرك ففعلت وأطلقت يده ودعا الذى جاء بها فقال له إنك إنما جئتنى بشيطان ولم تأتنى بإنسان فأخرجها من أرضى وأعطها هاجر أمة خادمة قال فأقبلت تمشى فلما رآها خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه انصرف فقال لها مهيم أى ما أمرك وما حالك وما شأنك وماذا جرى قالت خيرا قالت كف الله يد الفاجر وأخدم خادما قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بنى ماء السماء وكما قلت الحديث فى الصحيحين وغيرهما: إخوتى الكرام: سأذكر بعض الروايات الأخرى لهذا الحديث إنما هنا خليل الرحمن إبرهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كيف أعطى زوجته إلى هذا الجبار وأيضا تخلص أن يقول إنها أختى هذه أختى كيف هذا.

إخوتى الكرام: هو على يقين أن الله جل وعلا سيحفظ زوجة نبيه الكريم زوجة خليله إبراهيم محفوظ فإذا كان الأمر كذلك لا داعى أن يعرض نفسه للخطر أن يدخل مع الجبار فى مشكلة ومشاكلة لا داعى هذه محفوظة ولن تصل يد الجبار إليها وورد فى بعض الآثار أن الله جعل القصر كالقارورة الصافية فكان إبراهيم يراهما ويسمع كلامهما وهو يصلى ويناجى ربه وهى أيضا مع الجبار لكن أمامه كأنها قارورة زجاجة صافية يراهما أيضا ويسمع حتى يطمئن تمام الاطمئنان لو أيضا ما رأى وما سمع لربما قالت ما فعلت شيئا ويقع فى نفسه ما يقع فى نفوس البشرية إذن اعلم هذه مصونة محفوظة وهذه زوجة نبى وتقدم معنا أن نساء الأنبياء يصن عن الفواحش وإذا كانت لا تزنى زوجة النبى باختيارها فلا يمكن أن يقع الزنى أيضا بها باضطرارها والله يصونها من هذه الفاحشة فى الحالتين لا باختيار ولا باضطرار لا يمكن أن تقع منها كرامة لنبيها لزوجها للنبى على نبينا وأنبياء الله جميعا صلوات الله وسلامه فهو مطمئن إذن قال أنا أخ لها وهى أختى لينجو بنفسه وتلك ناجية ما عنده شك فى ذلك وهذا إخوتى الكرام هو الجواب المعتمد فى هذه يعنى الحادثة وما قيل إن خليل الرحمن إبراهيم هى أختى لأنه كان فى دين الملك أحق الناس بالمرأة أخوها وعليه هى أختى وأنا سأتزوجها فلا تقربها أنت لأن الأخ أولى بها من غيرها فقيل كان الملك يرى نكاح المحارم وأراد خليل الرحمن إبراهيم أن يقول إنها أختى من أجل أن يمنع الملك عنها لأنه لو علم أن هذه المرأة أخت لهذا الإنسان يقول هو أولى بها فلا داعى أن نعتدى عليها لكن هذا فى الحقيقة غير سليم لم لأن هذا الجبار إن أراد عن طريق النكاح يمكن أن يقال هذا لكن هو لا يريدها عن طريق النكاح يريدها عن طريق السفاح فلا يمنعه مانع سواء كان الذى معها أخ لها وسيتزوجها أو كان زوج وليس بأخ سيقتله إذن كما قلت الجواب الأول هو المعتمد خلص نفسه وهو ضامن كما قلت خلاص زوجه سارة.

السبب كما قلت فيما حصل له فى هذه المحنة حسن سارة وجمالها رضى الله عنها وأرضاها ولوكانت كسائر النساء لما تعرض لها الجبار ولما ذهبت إلى تلك المجنة وله فى أخرى أى لأبى هريرة رضى الله عنه فى رواية أخرى مسندة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إبراهيم على نبيناو عليه الصلاة والسلام بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة قيل لها دخل إبراهيم فقيل له دخل إبراهيم بامرأة هى من أحسن النساء. وفى بعض الروايات قالوا له إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه التى معك قال أختى ثم رجع إليها فقال لها لا تقرى بحديثى فإنى أخبرتهم أنك أختى والله إن على الأرض يعنى ما على الأرض مؤمن غيرى وغيرك فأرسل بها إليه فقام إليها فقامت توضأ وتصلى فقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجى إلا على زوجى فلا تسلط على يد الكافر فغط حتى ركض برجله غط أخذه الغطيط وهو الصراع أى صرع والغيبوبة ركض برجله بدأ يفحص برجليه ويضطرب كأنه مخنوق فقالت اللهم إن يمت يقال هى قتلته يعنى لا أريد أن يموت يمتنع منى لا أريد أن يموت وإلا نقع فى مشكلة أخرى مع أنواعه وزبانيته فأرسل ثم قام إليها فقامت توضأ وتصلى وتقول اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجى فلا تسلط على هذا الكافر فغط حتى ركض برجله قال أبو هريرة فقالت اللهم إن يمت يقال هى قتلته فأرسل فى الثانية أو فى الثالثة فقال والله ما أرسلتم إلى إلا شيطانة ارجعوها إلى إبراهيم وأعطوه هاجر فرجعت إلى إبراهيم فقالت أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة وفى بعض الروايات قيل للجبار إنه نزل هاهنا رجل معه امرأة هى أحسن الناس قال فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختى بنحو الروايات المتقدمة.

إذن محفوفة بالأخطار إن تزوجت جميلة تحسد من قبل الناس وتتعرض لمشاكلهم ثم هذه الزوجة قد تفسد وتكون فاسدة فتصاب ببلاء من قبلها تأتى بذرية فاسدة تصاب ببلاء من قبل هذه الذرية وقد أشار الله جل وعلا إلى هذا فى كتابه فى سورة التغابن فقال جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم هذه هى أخطار فى هذه الزوجة فيما ينتج عنها من أولاد فيما تتعرض له أيضا من مشاكل وحسد العباد وسبب نزول هذه الآية ما ثبت فى تفسير الطبرى وسنن الترمذى وقال الترمذى حسن صحيح والأثر رواه الإمام الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثانى صفحة تسعين وأربعمائة وصححه وأقره عليه الذهبى رواه عبد ابن حميد والإمام السريابى والإمام الطبرانى فى معجمه الكبير ورواه ابن مردويه فى تفسيره وابن أبى حاتم فى تفسيره وابن المنذر فى تفسيره عن ابن عباس رضى الله عنه وإسناد الأثر كما قلت صحيح هذه الآية قال نزلت فى قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فمنعهم قراباتهم نساؤهم وأولادهم منعوهم من الهجرة وقالوا لهم فارقتمونا فى الأديان تفارقونا أيضا فى الأبدان والأوطان يعنى ما يكفى أنكم على خلاف ديننا ورضينا بأنكم آمنتم بالنبى عليه الصلاة والسلام أيضا تتركون الوطن وتفارقون أرحامكم فمنعوهم من الهجرة فلما بعد ذلك هاجر هؤلاء إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وجدوا من سبقهم قد فقهوا وفهموا وتعلموا وهؤلاء منعوا من هذا الفقه والتعلم فترة طويلة وحرموا هذا الخير من النبى عليه الصلاة والسلام فهموا بعقوبة أهليهم الذين منعوهم من الهجرة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فأنزل الله هذه الآية وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم عفا الله عما سلف لكن ينبغى على الإنسان أن يحترس يا أيها الذين آمنوا إن

من أزواجكم وأولادم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم وإنما قال الله جل وعلا إن من أزواجكم ومن تبعيضية لأنه ليس كل الأزواج والأولاد أعداء حقيقة منهن من تكون عونا لزوجها على أمور الدين والدنيا ومن الأولاد من هو قرة عين ويعين والده فى الدنيا وينفعه فى الآخرة ويوجد أيضا من الزوجات من هى بلاء يوجد من الأولاد من هم بلاء من للتبعيض إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم.

(إنما أموالكم وأولادكم فتنة) حذف من فى قوله أموالكم وأولادكم ولم يقل إن من أموالكم وأولادكم فتنة إنما أموالكم وأولادكم فتنة لأن واقع الأمر أنه لا تخلو الأموال وهكذا مشاكل الأولاد والعيال لا تخلو من فتنة ومشكلة الولد حقيقة أمره صعب صعب وكم ستبذل يعنى فى تربيته وبعد ذلك كيف سيكون حاله نسأل الله أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين والأموال قل أن يسلم الإنسان من فتنتها وهنا ما أدخل الأزواج لأن من الأزواج حقيقة من الأزواج من لا تكون فتنة للزوج وهنا عمم قال إنما أموالكم وأولادكم فتنة أما الأولاد واقع الأمر كل ولد فتنة والمال فتنة لك من جميع الجهات وقد تحفظ لكن بالنسبة للزوجة قد يكون كما قلت بعض النساء عدوا لكن بعضها قد لا تكون يعنى عدوا ولا يكون فيها فتنة إنما هى أحلى من العسل طيبة لا تكلف زوجها رهقا لا فى أمر الدين ولا فى أمر الدنيا ولذلك إنما أموالكم وأولادكم فتنة أشار إلى هذا أئمتنا عليهم رحمة الله فى كتب التفسير انظروا كتاب السراج المنير للخطيب الشربينى فى الإعانة على معرفة بعض معانى كلام ربنا الحكيم الخبير فى الجزء الرابع صفحة سبع وثلاثمائة وانظروا زاد المسير للإمام ابن الجوزى فى الجزء الثامن صفحة خمس وثمانين ومائتين وهذا الكلام والتوجيه نقلوه عن الإمام البقاعى عليه رحمة الله قال منهن من يكون صلاحا وعونا للزوج على الآخرة {إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم} .

نعم إخوتى الكرام قد يكون بعض الأزواج بعض الأولاد عدوا للزوج وهذا بسبب شهوة النكاح أى خطر أشنع من هذا الخطر زوجتك تعبت فى تحصيلها ثم أتعبت نفسك فى معاشرتها ثم بعد ذلك تآمرت عليك مع الأولاد فذبحوك وهذا وقع سابقا وحاضرا وسيقع لاحقا وقع بكثرة طيب هذه الشهوة انظر إلى هذه الأخطار التى فيها يعنى شهوته أدت إلى ذبحه هذا أكثر ما يقع ولذلك يعنى كم يغتاظ الإنسان إذا حصلت العداوة له من قبل أزواجه وأولاده هذه أعظم البلايا عداوة الأزواج والأولاد واقعة وهى فظيعة منكرة وقد روى عن نبينا عليه الصلاة والسلام ما يشير إلى ذلك فى أثر ضعيف ومعناه صحيح صحيح رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير كما فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة خمس وأربعين ومائتين والأثر فى إسناده محمد ابن اسماعيل ابن عياش الحمصى قال عنه الإمام الهيثمى ضعيف وبذلك حكم عليه الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وثمانين ومائة فصدر الحديث بلفظ روى وهذا الرجل وهو محمد ابن اسماعيل فى طبعة تقريب التهذيب الجديدة التى هى فى مجلد واحد رمز إلى أنه من رجال سنن ابن ماجة فقط وقال الحافظ ابن حجر فى ترجمته عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع وكما قلت رمز إلى أنه من رجال ابن ماجة وفى الطبعة القديمة من التقريب فى مجلدين وهكذا فى تهذيب التهذيب رمز ب دق إلى أنه من رجال أبى داود وسنن ابن ماجة وهذا هو الثابت وورد فى كتاب الكاشف للإمام الذهبى الاقتصار على د أى إلى أنه من رجال أبى داود وكذلك فى الميزان وكذلك فى المغنى فى الضعفاء فبعضه كما قلت الطبعة الجديدة من التقريب ق وكتب الذهبى من المغنى والميزان والكاشف د أجمعوا بين الرمزين كما فى تهذيب التهذيب والطبعة القديمة من تقريب التهذيب هو من رجال سنن ابن ماجة وسنن أبى داود كما قلت نقموا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع وحكم عليه الحافظ الذهبى فى الكاشف فقال ليس بذاك وما عدا هذا

رجال الإسناد ثقات أثبات فالحديث ضعيف لكن معناه صحيح ولفظ الحديث من رواية أبى مالك الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ليس عدوك الذى إن قتلته كان لك نورا وإن قتلك دخلت الجنة يقول هذا عدو معلوم وليس هذا بالعدو الحقيقى الذى يغيظ القلب إغاظة شديدة إن قتلته كان لك نورا وإن قتلك دخلت الجنة ليس هذا هو العدو الحقيقى من هو العدو الحقيقى قال ولكن أعدى عدوك ولدك الذى خرج من صلبك حقيقة إذا خرج الولد خبيثا فهذا أشنع من العدو الكافر أشنع وأغيظ للنفس من العدو الكافر ولكن أعدى عدوك ولدك الذى خرج من صلبك ثم أعدى عدوك مالك الذى ملكت يمينك إنما أموالكم وأولادكم فتنة أعدى عدوك ولدك الذى خرج من صلبك أعدى عدوك مالك الذى ملكت يمينك والأثر رواه الإمام الديلمى كما فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة واحدة وثمانين وستمائة بلفظ ولكن أعدى أعدائك نفسك التى بين جنبيك وامرأتك التى تضاجعك على فراشك وولدك الذى خرج من صلبك فهؤلاء أعدى عدو لك نفسك التى لا تستقيم على حالة زوجتك تضاجعك على الفراش ولد خرج من صلبك إذا ما استقام هؤلاء الثلاثة هؤلاء أعظم عدو لك. هذا كله كما قلت مترتب على الشهوة الجنسية فكم حول هذه الشهوة من أخطار وهذا الحديث إخوتى الكرام ذكره الإمام ابن كثير فى تفسيره فى الجزء الرابع صفحة ست وسبعين وثلاثمائة وانظروه فى فيض القدير مع الكلام عليه للإمام المناوى فى الجزء الخامس صفحة ثمان وستين وثلاثمائة.

إخوتى الكرام: حذرنا الله جل وعلا من التلهى بالأزواج والأولاد والإعراض عن ذكر رب العباد فكثيرا ما يتلهى الإنسان بزوجه بولده ويعرض عن طاعة ربه ولذلك احترس وانتبه نحو هذا لأمر قال الله جل وعلا فى آخر سورة المنافقون {ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} وكثيرا ما حمل حب الإنسان لزوجه لأولاده حمله على البعد عن طاعة ربه فكم من إنسان ترك الهجرة من أجل الزوجة والأولاد ترك الجهاد من أجل الزوجة والأولاد ترك التصدق من أجل الزوجة والأولاد ويستغل الشيطان جانب الضعف فى الإنسان ويأتيه من هذه الجوانب فانتبه لهذا وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فى الحديث الصحيح الذى رواه الإمام أحمد فى المسند والنسائى فى السنن والحديث رواه ابن حبان فى صحيحه ورواه البيهقى أيضا فى شعب الإيمان ورواه الإمام البغوى فى شرح السنة وراه الإمام أبو يعلى فى معجمه والطبرانى فى معجمه الكبير أيضا والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة.

وإسناد الحديث كما قلت صحيح كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن حجر العسقلانى فى الإصابة فى الجزء الثانى صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة فقال إسناد النسائى حسن وصححه الإمام ابن حبان ونص الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الثالث صفحة ثمانية وعشرين على أن إسناد الحديث صحيح وإلى ذلك ذهب الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الثانى صفحة أربع وثمانين ومائتين نعم وهم الخطيب الشربينى فى تفسيره فى الجزء الرابع صفحة ست وثلاثمائة فعزا الحديث إلى صحيح البخارى وليس فيه إنما كما قلت فى المسند وسنن النسائى وصحيح ابن حبان وغير ذلك ولفظ الحدبديث من رواية سبرة ابن الفاكه ويقال له ابن أبى الفاكه سبرة ابن الفاكه ابن أبى الفاكه رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه قعد فى طريق الإسلام فقال تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك فعصاه وأسلم يقول الآن ستترك قوميتك أنت تنتمى إلى أقوام معينين ترغب عن ملة الآباء والأجداد فعصاه وأسلم فقعد له بطريق الهجرة فقال تهاجر وتذر أرضك وسماءك يعنى تترك وطنك لا قومية ولا وطنية وإنما مثل المهاجر هذا كله من وسوسة الشيطان للإنسان وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس فى الطول يعنى فى الحبل المربوط فرس مربوط فعصاه فهاجر ثم قعد له بطريق الجهاد فقال تجاهد فهو جهد النفس والمال فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال هذه المرأة ستضيع والمال يذهب فعصاه فجاهد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يدخله الجنة إذا أسلم وهاجر وجاهد وما استجاب لوساوس الشيطان وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة الشاهد إخوتى الكرام عندما يريد الجهاد يأتيه الشيطان يقول إن جاهدت تقتل وإذا قتلت نكحت المرأة وقسم المال فيدعوه من هذا الجانب إلى ترك الجهاد.

{إنما أموالكم وأولادكم فتنة} ، {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} . نعم إخوتى الكرام: إن الغلو فى محبة الأولاد والأزواج كثيرا ما يدعو إلى الغى والفساد وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا وأخبرنا أن الولد سبب للجهل سبب للحزن سبب للبخل سبب للجبن وليس معنى هذا أننا لا ننجب الذرية إنما إن جاءتنا الذرية نحذر هذه الأمور السلبية فالولد يدعوك إلى الجبن إلى البخل إلى الجهل إلى الحزن فانتبه لنفسك وحذارى حذارى أن تقع فى هذه البليات بسبب الأولاد وقد شار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى فى أحاديثه الكثيرة الصحيحة وكثير من الناس ما فهموا معنى الأحاديث وظنوا أن الولد شؤم وأن الأولاد شؤم وقالوا كيف يرغب الشارع فى الأولاد ثم يرتب عليها ما يرتب من الشؤم والفساد هذا تناقض ولا تناقض إنما كل شىء يوضع فى موضعه الشرعى هذا الولد فيه خير وفيه شر فاحذر جانب الشر فيه واغتنم جانب الخير فيه ووجهه الوجهة السليمة السديدة الرشيدة وإذا دعاك حرصك على الولد إلى الجبن وانقدت إلى ذلك فالولد شؤم عليك إنما كما قلت يدعو فجاهد نفسك وقف عند حدود الشرع.

روى الإمام الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة ست وتسعين ومائتين والحديث رواه الإمام البزار كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الثامن صفحة خمس وخمسين ومائة وانظروه فى كشف الأستار فى الجزء الثانى صفحة ثمان وسبعين وثلاثمائة وإسناد الحديث رجاله ثقات كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع ورواه الإمام البغوى وابن السكن كما فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة ست عشرة ومائتين ولفظ الحديث عن الأسود ابن خلف رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ حسنا فقبله وهو ابن سيدتنا فاطمة على نبينا وآله وصحبه جميعا صلوات الله وسلامه أخذ حسنا فقبله ثم أقبل عليهم فقال إن الولد مبخلة مجهلة محزنة زاد الحاكم فى روايته مجبنة لكنه ذكر أن المقبل فى الرواية هو الحسين وليس بسيدنا الحسن عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه وعلى نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه أخذ الحسين فقبله أخذ الحسن فقبله ثم قال إن الولد مجبنة مبخلة مجهلة محزنة مجبنة قلت زادها الإمام الحاكم عن البزار وعمن روى الحديث معه من أئمة الحديث. ومعنى الحديث كما قلت الولد يدعو إلى البخل يدعو إلى الجهل يدعو إلى الحزن يدعو إلى الجبن فانتبه لذلك كم من طالب علم عندما تزوج خف طلبه للعلم فلما جاءه الأولاد أعرض عن طلب العلم كم شغل بالزوجة وبالأولاد صار الأولاد شؤما عليك وكان كريما لما جاءت الزوجة والأولاد أمسك يده كان جريئا يقول الحق ولا يخاف فى الله لومة لائم وإذا طلب إلى القتال فى سبيل الله ما تأخر جاءت الزوجة والأولاد وقف فإذن الولد يدعو كما قلت إلى هذا كان بعد ذلك لا يبالى بالدنيا إن أقبلت ولا يحزن عليها إن أدبرت صار يتعلق بها ويحزن عليها من أجل أولاده فانتبه لهذا احترس من ذلك أنجب الأولاد واستكثر ما شئت لكن إياك أن يدعوك الولد إلى جبن أو إلى بخل أو إلى حزن أو إلى جهل فالولد يدعو إلى هذا فعالج نفسك وكن يقظا.

والحديث كما قلت صحيح وروى من غير طريق الأسود ابن خلف رضى الله عنهم أجمعين رواه أبو يعلى والبزار كما فى مجمع الزوائد فى المكان المتقدم من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه وفى إسناد الحديث عطية العوفى وهو ضعيف كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع وقال عنه الإمام ابن حجر فى التقريب صدوق يخطأ كثيرا ومع خطئه يدلس وقد توفى سنة إحدى عشرة ومائة عطية ابن سعيد العوفى وهو من رجال البخارى فى الأدب المفرد وأخرج حديثه أهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائى عليهم جميعا رحمة الله والرواية التى معنا تشهد لها الرواية المتقدمة, الرواية المتقدمة قلنا من رواية الأسود ابن خلف هذه من رواية أبى سعيد رضى الله عنهم أجمعين لفظ رواية أبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال الولد ثمرة القلب وإنه مجبنة مبخلة محزنة يدعو إلى الجبن وإلى البخل وإلى الحزن فاحترس من هذا واستكثر من الأولاد ما شئت إنما إياك أن يوقعك الأولاد فى هذه السلبيات الولد ثمرة القلب.

وبعض إخوتى الكرام من يعنى من يشتغلون بعلم الحديث فى هذه الأيام أورد حديث أبى سعيد فى كتابين فأورده فى الأحاديث الضعيفة ثم أورده فى الأحاديث الصحيحة صححه هنا وضعفه هناك انظروا إخوتى الكرام ضعيف الجامع الصغير وصحيح الجامع الصغير أورده فى الضعيف وأرده فى الصحيح ثم بعد ذلك قال فاتنا حذف الزيادة ما هى الزيادة يقول ثمرة القلب هذه يقول هى الزيادة فى الحديث يعنى كان ينبغى أن نحذفها أما الحديث الولد مجبنة مبخلة محزنة هذا ثابت لأنه كما تقدم معنا فى الرواية المتقدمة أما هذه الرواية وهى الولد ثمرة القلب يقول فاتنا حذف الزيادة وأنا كما قلت إخوتى الكرام إذا شهد الحديث المتقدم لهذا بقيت الولد ثمرة القلب المعنى صحيح ثابت ولا إشكال فيه واضح هذا وإذا شهد الحديث ذاك لهذا الحديث وسيشهد له ما بعده أيضا فالحديث ثابت وأما أن يورده الإنسان تارة فى الضعيفة وتارة فى الصحيحة كما قلت إخوتى الكرام هذا من عدم تتبع طرق الحديث وقلت لكم مرارا إخوتى الكرام إذا تتبعت طرق الحديث ورواياته تبين لنا أن الصحيح متواتر وتبين لنا أن ما فيه ضعف ينجبر فيتقوى بغيره وهذا لا بد من العناية به وقد تنظر أحيانا إلى إسناد بانفراده ففيه ضعف ثم بعد ذلك تجد ما يشهد له من نصوص كثيرة.

وهذا الحديث سأورده من خمس روايات عن خمسة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين الرواية المتقدمة كما تقدم معنا صحيحة بنفسها ورواية أبى سعيد قيها شىء من ناحية وجود عطية العوفى لكن يشهد لها ما تقدم وما سيأتى الرواية الثلثة لهذا الحديث رواها الإمام أحمد فى المسند والإمام الطبرانى فى معجمه الكبير كما فى المجمع فى المكان المتقدم فى الجزء الثمن صفحة خمس وخمسين ومائة وهذه الرواية من رواية الأشعس ابن قيس وفى إسنادها مجالد ابن سعيد قال الإمام الهيثمى ضعيف وقد وثق ومجالد هو من رجال مسلم والسنن الأربعة تغير حفظه فى آخر عمره وحديثه إن شاء الله فى درجة الحسن وهو كما قلت من رجال مسلم والسنن الأربعة مجالد ابن سعيد ولفظ الحديث كما قلت عن الأشعس ابن قيس رضى الله عنه وأرضاه قال قدمت على النبى عليه الصلاة والسلام فى وفد كندا فقال لى النبى عليه الصلاة والسلام هل لك من ولد لك أولاد قلت نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام ولد لى فى مخرجى إليك عندما جئت إليك مهاجرا ولد لى غلام ولوددت أن مكانه شبع القوم لوددت بدل هذا الولد طعام يأكله قومى فقال النبى عليه الصلاة والسلام لا تقولن ذلك فإن فيهم قرة عين وأجرا إذا قبضوا إذا عاشوا قرة عين وبهجة المال والبنون زينة الحياة الدنيا زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين فإن فيهم قرة عين وأجرا إذا قبضوا ثم قال النبى عليه الصلاة والسلام ثم ولئن قلت ذاك يعنى مع قولى هذا هم قرة عين وإنما فيهم أجر إذا قبضوا ثم ولئن قلت ذاك إنهم لمجبنة محزنة يدعون إلى الجبن وإلى الحزن مع أنهم قرة عين وفيهم أجر إذا قبضوا إنهم مجبنة محزنة وكما قلت هذا لنحترس لا لنحذر الأولاد أى إنجاب الأولاد.

الرواية الرابعة رواها الإمام أحمد فى المسند والترمذى فى سننه فى كتاب البر والصلة وبوب عليه باب حب الولد والحديث إسناده منقطع فى هذه الرواية بين عمر ابن عبد العزيز الخليفة الخامس الراشد رضى الله عنه وأرضاه وعهن سائر الخلفاء الراشدين وبين رواية الحديث وهى خولة بنت حكيم رضى الله عنها وأرضاها خولة الصحابية وعمر ابن عبد العزيز لم يلتق بها ولم يسمع منها فالحديث فيه انقطاع قال عمر ابن عبد العزيز زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو محتضن أحد اثنى ابنته يعنى سيدنا الحسن أو سيدنا الحسين على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه خرج يحتضن ويحمل أحد ابنى ابنته الحسن أو الحسين ثم قال تقول خولة بنت حكيم إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون وإنكم لمن ريحان الله إنكم لتبخلون تحملون على البخل تجبنون تحملون على الجبن تجهلون تحملون على الجهل وإنكم لمن ريحان الله الريحان هنا إخوتى الكرام المراد منه الرزق أى لمن ريحان الله أى من رزق الله كما ذكر ذلك الإمام ابن الأثير فى نهاية غريب الحديث فى الجزء الثانى صفحة ثمان وثمانين ومائتين فقال لفظ الريحان يأتى فى اللغة بمعنى الرحمة وبمعنى الرزق وبمعنى الراحة وبالرزق سمى الولد ريحانة وإنكم لمن ريحان الله يعنى من رزق الله الذى فيه منة علينا وراحة لنا وإنكم لمن ريحان الله نعم الولد من رزق الله وريحه أيضا من الجنة والوالدان كم يتلذذان بشم الولد الصغير وعندما يشم ولده الصغير كأنه يشم الرياحين غريزة جعلها الله فى قلوب الآباء والأمهات وقد أشار إلى هذا خير البريات على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ففى معجم الطبرانى الأوسط والصغير كما فى المجمع فى الجزء الثامن صفحة ست وخمسين ومائة والحديث رواه ابن حبان فى كتاب الضعفاء كما فى تخريج أحاديث الأحياء للإمام عبد الرحيم الأثرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء الثانى صفحة ثمانى

عشرة ومائتين وكا فى جمع الزوائد للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة سبع وثلاثين وخمسمائة والحديث رواه الإمام البيهقى فى شعب الإيمان أيضا كما فى فيض القدير فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وأربعين إذن فى معجم الطبرانى الأوسط والصغير وكتاب الضعفاء لابن حبان وشعب الإيمان للإمام البيهقى عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنه والحديث حكم عليه أئمتنا بأنه ضعيف الإسناد لكن معناه حقيقة حق ومثله لا مانع من ذكره حتى دون بيان ضعفه فيما يتعلق بهذا الأمر لأنه لا يتعلق فى إثبات جكم شرعى لفظ الحديث كما قلت عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ريح الولد من ريح الجنة وواقع الأمر كذلك وإن أردت أن تتحقق من هذا فانظر إلى الأبوين إذا ما كان عندك أولاد كيف كل واحد منهم يشم ولده الصغير ويجد متعة لا يعدلها متعة يعنى أعظم مما لو شم الفاكهة أو الطيب ريح الولد من ريح الجنة وورد أيضا أن الولد أيضا من ريحان الجنة روى ذلك الحكيم الترمذى من رواية خولة بنت حكيم رضى الله عنها وأرضاها عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أنه قال الولد من ريحان الجنة يعنى من رزقها ونعيمها وريحه أيضا من ريح الجنة أيضا كما تقدم معنا انظروا الحديث فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة أربع وخمسين وأربعمائة وانظروه أيضا فى فيض القدير فى الجزء السادس صفحة ثمان وسبعين وثلاثمائة إذن إنكم لتبخلون تجبنون تجهلون وإنكم لمن ريحان الله هذه رواية رابعة عن الأسود ابن خلف عن أبى سعيد عن الأشعث ابن قيس عن خولة بنت حكيم والرواية الخامسة الرواية الأولى صحيحة بنفسها وذاتها والخامسة صحيحة بنفسها وذاتها والروايات الثلاث بينهما كما تقدم واحدة فيها انقطاع وروايتان ضعيفتان تشهد الروايات لبعضها وتتقوى بالرواية الأولى والأخيرة الرواية الخامسة رواها الإمام ابن ماجة فى سننه ورقم الحديث ثلاثة آلاف وست ومائة وست وستون فى سنن ابن ماجة فى

الجزء الثانى صفحة تسع بعد المائتين والألف وانظروه فى المستدرك فى الجزء الثالث صفحة أربع وستين ومائة وإسناد الحديث على شرط مسلم وقال الإمام البوصيرى إسناده صحيح ورجاله ثقات ولفظ الحديث عن يعلى العامرى وقيل يعلى الثقفى العامرى الثقفى فى رواية الحاكم يعلى الثقفى وفى رواية ابن ماجة يعلى العامرى وفرق أئمتنا فى كتب تراجم الصحابة بينهما وبعضهم قال إنهما واحد واختلف فى نسبهما فرق بينهما الإمام الطبرانى والعسكرى وابن شاهين وأبو عمر ابن عبد البر وذكر ابن عبد البر أنه اختلف فى نسب يعلى فقيل العامرى وقيل الثقفى على كل حال لا يضرنا الخلاف فى نسبه هو صحابى سواء كان عامريا أو ثقفيا يعلى العامرى يعلى الثقفى أن النبى صلى الله عليه وسلم يقول يعلى العامرى الثقفى يقول جاء النبى عليه الصلاة والسلام إلينا فجاءه الحسن والحسين على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه جاءه الحسن والحسين يسعيان جاء نبينا عليه الصلاة والسلام إلى الصحابة فتبعه الحسن والحسين يسعيان قال يعلى فأخذهما النبى عليه الصلاة والسلام فضمهما وتقدم معنا ضم الحسن وضم الحسين وهنا جاءا مجتمعين فأخذهما فضمهما عليه الصلاة والسلام ثم قال إن الولد مبخلة مجبنة زاد الإمام الحاكم محزنة إن الولد مبخلة مجبنة محزنة وتقدم معنا أيضا مجهلة هذه الأمور الأربعة ثابتة عن النبى عليه الصلاة والسلام وكما قلت الولد يدعو إلى هذا والزوجة تدعو إلى هذا إذا رزقك الله زوجة فاحذر هذه السلبيات يعنى تحتاج إلى مجاهدة لنفسك أكثر مما كنت قبل زواجك وإذا جاءك الولد تحتاج إلى مجاهدة أكثر وليس معنى هذا الحديث أن تعرض عن الزوجة وألا تنجب الأولاد إنما الأولاد والأزواج يدعون إلى الجبن إلى الجهل إلى الحزن إلى البخل فانتبه إلى هذا وجاهد نفسك ولا تقع فى هذه السلبيات وفى هذه الشائبات هذا هو معنى الحديث والمعصوم من عصمه الله والمحفوظ من حفظه الله إذن الولد كما قلت ثمرة للنكاح

والنكاح عندما ينتج عنه هذه الثمرة تحف هذه الثمرة بأخطار فإذن هذه الشهوة فيها هذه الأخطار فيها هذه الشوائب فينبغى أن تحترس كم إنسان حقيقة تزوج ووقع فى أخطار الزواج. اعرف بعض إخواننا من طلبة العلم قبل أن يدخل فى زوجه وقبل أن يأتيه الأولاد لحيته ما شاء الله كانت تملأ صرته صدره تقارب أن تصل إلى صرته تملأ الصدر تزينه إذا نظرت إليه عنده مهابة كأنه سيدنا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه من هذا الجمال والنور ولحية تستر الصدر فى ليلة العرس على زعمه ذهب إلى الحلاق من أجل أن يزين رأسه فقال له تريد يعنى أن أهذب لحيتك قال كما ترى أنا رأيته فى اليوم الثانى من أيام العرس اللحية أقل يعنى من عشرها تسعة أعشار ذهبت ولو أردت أن تمسكها يحتاج إلى كلفة يا شيخ فلان أين اللحية أنت الآن يعنى من ليلة العرس حاربت هذه اللحية يا عبد الله أين اللحية قال أحكى لك ما حصل لى قلت وما الذى حصل قال أنا ذهبت إلى الحلاق واستسلمت وهو سيقص أنا قلت يعنى لله فى ذلك إرادة ماذا يفعل أنا مستسلم قلت أسألك بالله لو أن هذا حصل قبل زواجك ترضى قال لا قلت لو أن الحلاق مد يده إلى لحيتك قبل ليلية الزواج أراد أن يقص منها ترضى قال لا كنت أمسك يده قلت هلا مسكت يده أيضا فى تلك الليلة إنما هذا وافق هواك وأنت قدمت له مقدمة أنك هذه الليلة ستذهب إلى زواج ويعرف يعنى ميول أهل الدنيا فقال ماذا ترى لو هذبت اللحية وهى فى الحقيقة لو شوهتها ماذا ترى أنت لما وافقته بدأ يعتدى يا عبد الله قلت من البداية فماذا سيكون الحال فى النهاية أسأل الله العافية والسلامة نعم إخوتى الكرام كما قلت الزواج محفوف بأخطار وهذه هى حال هذه الشهوة فى هذه الحياة ولا تسلم فى هذه الحياة شهوة ولا يعنى هذا أن نعرض عن هذه الشهوة عن طريق ما أحل الله لا إنما نتاولها بالطريق الشرعى وما فيها من سلبيات من محاذير نتجنبه والمعصوم من عصمه الله سبحانه وتعالى.

إخوتى الكرام: هذه الشوائب التى توجد فى النكاح وفى هذه الشهوة الجنسية فى هذه الحياة تقدم معنا أيضا تقابل بالفوائد التى توجد فى النكاح وتقدم معنا من فوائد النكاح الخمسة البارزة أولها كما تقدم معنا وذكرتها فى أول هذه الموعظة تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية ومعنوية إلى غير ذلك من الفوائد فعندنا كما قلت آفات وعندنا بعد ذلك مغانم وفوائد يعنى يوجد مغارم ويوجد ومغانم فالمغارم تجنبها والفوائد حصلها. إخوتى الكرام: هذه الآفات التى فى النكاح مما ذكرت ومما سأذكرحقيقة لو أن الإنسان وقف عندها ربما يعرض عن هذا النكاح الذى أحله الله جل وعلا ولكن ليس هذا برأى سديد فلا بد من أخذ النافع واجتناب الضار إذن هذه هى آفة سادسة آفة سابعة ألا وهى أن هذه الشهوة محفوفة بهذه الأخطار. الآفة الثامنة: فى النكاح فى شهوة الجنس فى هذه الحياة هذه الشهوة يشاركك فيها الغواة من العصاة من المشركين والمشركات من بل يشاركك فيها البهائم العجماوات بل لعل نصيبهم منها أكثر من نصيبك منها فالعصفور مع صغر حجمه أكثر سفادا ووطأ من الإنسان بكثير فإن افتخرت بكثرة وطأ العصفور غلبك وإن افتخرت بقوة فالسباع تغلبك وإن افتخرت بحمل الأثقال فالبغال تحمل أكثر منك فبأى شىء تفتخر إذن هذه كما قلت كمالات يشاركك فيها أرذل المخلوقات فهذه الشهوة يشاركك فيها أعداء الله يشاركك فيها البهائم والمشاركة فى اللذة يضعف اللذة لا سيما إذا وقعت المشاركة من قبل الأعداء فى الصورة والمعنى ولذلك لا تتم لذة الإنسان بهذه الشهوة لأنها ما صفيت له بخلاف لذتنا فى الآخرة فهى صافية لا يشاركنا فيها من غضب الله عليه ولا يشاركنا فيها من ليسوا مثلنا التكليف من البهائم والعجماوات {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون} .

إخوتى الكرام: بقية الآفات وهى الآفة التاسعة والعاشرة أذكرهما إن شاء الله فى أول الموعظة الآتية ثم بعد ذلك ننتقل إلى ما ينبغى أن نأخذه من عبرة من هذه الآفات ومن وضع هذه الشهوة وما ينبغى أن نستفيده منها ألا وهو تذكر اللذة الآخرة التى نحصلها عن طريق التمتع بما أحل الله لنا فى تلك الدار نسأل الله رحمته التى وسعت كل شىء إن أحيانا أن يحيينا على الإيمان وإن توفانا أن يتوفانا على الإسلام ونسأله برحمته التى وسعت كل شىء أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا. اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

67الآفات الردية فى الشهوة الحسية

الآفات الردية في الشهوة الحسية (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان الآفات الردية في الشهوة الحسية (1) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. كنا نتدارس كما تقدم معنا فصلا مستطردا جرنا إليه مبحث من مباحث النبوة ألا وهو خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام وبعد أن انتهينا من مدارسة هذا الجانب من حياة نبينا عليه الصلاة والسلام وتبين معنا أن من تأمل خلقه عليه الصلاة والسلام مع آل بيته الكرام عليه وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه لن يرتاب فى أن نبينا رسول الله حقا وصدقا عليه صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: كما قلت بعد أن انتهينا من هذا الجانب قلت ينبغى أن نتدارس ترجمة لأمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وهذه الدراسة قلت سيسبقها ثلاثة أمور أولها فى بيان مقاصد النكاح والحكم من مشروعيته والأمر الثانى فى بيان حكم التعدد فى حق الأمة والأمر الثالث فى بيان حكم التعدد فى حق النبى عليه الصلاة والسلام بعد هذه المقدمات الثلاثة ننتقل إلى مدارسة أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكنا نتدارس إخوتى الكرام: الأمر الأول من هذه الأمور الثلاثة وهى الحكم العامة والمقاصد البارزة من مشروعية النكاح وقلت لذلك حكم جليلة يمكن أن نجملها فى خمس حكم أولها كما تقدم معنا تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية أو معنوية والأمر الثانى الحكمة الثانية إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية وتقدم معنا ما فى إنجاب الذرية من فوائد فى العاجل والآجل فى الدنيا والآخرة وثالث الأمور تحصيل الأجر لكل من الزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدته أيضا فى النفقة والأمر الرابع والحكمة الرابعة تذكر لذة الآخرة وخامس الحكم ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه كنا إخوتى الكرام: بدأنا فى الحكمة الرابعة ألا وهى تذكر لذة الآخرة وقدمت لها مقدمة لا زلنا نتدارس هذه المقدمة لننتقل بعد ذلك إلى كيفية تذكير النكاح بلذة عظيمة تكون فى الآخرة إن شاء الله.

إخوتى الكرام: تقدم معنا أن أعظم الشهوات الحسية عند بنى آدم شهوة الجنس وتقد معنا تقرير هذا من كلام الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبين معنا أن النفس البشرية لا تصاب بالعشق المفرط الذى يؤدى بصاحبه إلى تلف وهلاك إلا فى هذه الشهوة فمهما اشتهى الطعام لا يؤدى به ذلك إلى الهيام والجنون وإلى أن يموت هما وغما لأنه ما حصل شهوة طعام ما وهكذا شهوة الشراب أما شهوة الجنس فقد يصاب الإنسان لضعفه وعدم تعلقه بربه أحيانا بالتلف والعشق والوسوسة والجنون هذا حاصل فى الناس بكثرة فى القديم وفى الحديث ونسأل الله أن يعلق قلوبنا به وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين تقدم معنا تقرير هذا أن هذه الشهوة هى أشد الأشياء تسلطا على النفس البشرية والنفس البشرية تقدمها على غيرها من الشهوات الحسية وآخر ما ذكرته فى ذلك الحديث الثابت فى الصحيحين وغيرهما كما تقدم معنا قول نبينا عليه الصلاة والسلام ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن وبينت ما يتعلق بهذا الحديث من معنى فى الموعظة الماضية ولا أريد أن أعيد شيئا من ذلك إنما هذا كما قلت آخر شىء ذكر فى آخر الموعظة الماضية أبنى عليه لأنتقل بعد ذلك كما قلت إلى بيان أن هذه الشهوة مع تعلق النفس بها هى شهوة أيضا خسيسة وضيعة يعنى ليس لها قدر ولا اعتبار ومع ذلك النفس تتعلق بها وتقدمها على غيرها فكيف بالشهوة الحقيقية التى تكون فى الجنة فى دار السلام.

إخوتى الكرام: كما قلت هذه الشهوة لها هذا الأثر عند النفس وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا أيضا فى أحاديث أخرى سأقرر هذا بحديثين آخرين ثم أنتقل إلى بيان منزلة هذه الشهوة وحقارتها فى هذه الحياة لنعلم أننا عندما نفعلها عن طريق الحلال نفعلها إرضاء لذى العزة والجلال وأما إذا عرضت على المرء من طريق حرام فيعرض عنها إعراض الكرام ويقول إنى أخاف ذا الجلال والإكرام سبحانه وتعالى. إخوتى الكرام: الذى يدل على كما قلت تعلق النفس البشرية بهذه الشهوة الحسية أيضا ما ثبت فى المسند والكتب الستة إلا سنن أبى داود الحديث فى الصحيحين والسنن الثلاثة رواه الإمام الحميدى فى مسنده وابن أبى شيبة فى مصنفه وراه ابن حبان فى صحيحه والبرانى فى المعجم الكبير والبيهقى فى السنن الكبرى والبغوى فى شرح السنة ورواه الإمام العنى وابن قانع كما ذكر ذلك الإمام السيوطى فى جمع الجوامع فى الجزء الأول صفحة تسع وتسعين وستمائة.

والحديث كما قلت فى المسند والصحيحين وغير ذلك من رواية حب رسول الله وابن حبه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه من رواية أسامة ابن زيد رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء] إذن هذه الشهوة الحسية لها هذا الأثر تزيد كما قلت على أثر ميل الإنسان إلى الطعام والشراب وغير ذلك ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء هذا لفظ الحديث إخوتى الكرام: وسمعت بعض الخطباء يذكره على المنبر بزيادة ما وقفت عليها لا بد من التحقق مما ينسب إلى النبى عليه الصلاة والسلام فيزيدون فى الحديث يقول وما تركت بعدى فتنة أضر على النساء من الرجال كما قلت بعد تفتيش وبحث ما وقفت على هذه الزيادة وإن كان المعنى صحيحا لكن لفظ الحديث ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء وأما ذاك الزيادة فكما قلت ما أعلمها مروية لكن المعنى حقيقة فيها صحيح فكما أن أعظم فتنة للرجل المرأة فأعظم فتنة للمرأة أيضا الرجل والأمر صحيح وقد ثبت معنى هذا فى تفسير ابن أبى حاتم وتفسير ابن المنذر والأثر رواه البيهقى فى شعب الإيمان عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال خلق الرجل من الأرض فجعلت نهمته فيها يحب أن يتملك وأن يبنى وأن يكون له العقار والمزارع وخلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها فيه فاحبسوا نسائكم المرأة لا يهدأ بالها ولا يقر قرارها إلا إذا كانت فى كنف رجل وتحت رعايته وإذا حصلت هذا الرجل حصلت وطرها من الحياة إذا حصلت هذا الرجل حصلت وطرها أما الرجل حقيقة مع ميله للمرأة يحب أيضا أن يتملك وأن يكون له كذا وكذا من العمارات المرأة لا تسأل عن شىء من ذلك إذا حصلت بعلا جعلت نهمتها فى الرجل فاحبسوا نسائكم لأن الفتنة مشتركة من الجانبين هو يميل إليها فهى بعض منه وهى تميل إليه فهو أصلها فاحبسوا نسائكم نعم إخوتى الكرام: إن الميل كما قلت بينها مشترك فأعظم فتنة على الرجل المرأة

وأعظم فتنة على المرأة الرجل لكن لا يجوز أن ننسب إلى النبى عليه الصلاة والسلام إلا ما قاله ونطق به عليه صلوات الله وسلامه والمرأة كما قلت بعض من الرجل وهى مخلوقة منه وقد ثبت هذا فى كتاب التوحيد والرد على الجهمية للإمام ابن مندة فى صفحة خمسين من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فجرى من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ثم انتزع الله ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء] ولذلك هو الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء انتزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء ولذلك قيل لأمنا حواء رضى الله عنها وعن سائر الصديقين والصديقات لأنها خلقت من شىء حى كما ثبت هذا فى تاريخ ابن عساكر عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قيل لها حواء خلقت من شىء حى وأنا أقول قيل لها كذلك لأنها أم كل حى فهى أم الأحياء وخلقت من شىء حى رضى الله عنها وأرضاها إذن خلقت من أحد أضلاع أبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وقد وردت الإشارة إلى ذلك فى الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأن المرأة خلقت من ضلع إشارة إلى هذا الأثر الثابت كما قلت فى كتاب التوحيد والرد على الجهمية للإمام ابن مندة ثبت معنى هذا الحديث فى الصحيحين وسنن الترمذى من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [إن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شىء فى الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا] خلقت من ضلع وأعوج شىء فى الضلع أعلاه وأعوج شىء فى المرأة لسانها وقد أحيانا يخرج منها ما يخرج فهو حال أيضا بنى آدم ذكرا أو إناثا لكن صفة يعنى الخفة فيها أكثر فإن ذهبت تقيمه كسرته وكسر الضلع بالنسبة للمرأة كسرها طلاقها وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا هذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا الحديث ثابت من

رواية عدة من الصحابة الكرام. ثبت فى المسند وسنن النسائى وكتاب الأدب المفرد للإمام البخارى والأثر رواه الإمام الدارمى فى سننه والإمام الضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة من رواية أبى ذر رضى الله عنه وأرضاه ورواه الإمام أحمد أيضا وابن حبان فى صحيحه والحاكم فى مستدركه والطبرانى فى معجمه الأوسط والإمام النسائى فى السنن الكبرى من رواية سمرة ابن جندب إذن من رواية أبى هريرة وأبى ذر ومن رواية سمرة ورواه الإمام العسكرى فى الأمثال عن أمنا عائشة رضى الله عنها بمعنى حديث أبى هريرة المتقدم رضى الله عنهم أجمعين المرأة خلقت من ضلع وهذا إشارة إلى خلق أمنا حواء من أبينا آدم على نبيناو عليهما صلوات الله وسلامه وهذه إحدى الحكم المعتبرة فى أن بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل كما تقد معنا فى بعض مواعظ الجمعة وقد ثبت هذا الحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى وإسناده صحيح كالشمس من رواية على رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية وهذا ما لم يطعما ما دام يتناولان الحلب واللبن من الثديين فإذا بال الغلام ينضح يرش رشا خفيفا بالماء وأما بول الجارية لا بد من غسله ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية كما قلت الحديث فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى.

ورد فى سنن ابن ماجة وهو فى الجزء الأول صفحة خمس وسبعين ومائة عن أبى يمان المصرى ولعل هذا غلط كما قال الحافظ ابن حجر فى التقريب هو أبو لقمان ليس أبو اليمان أبو لقمان وهو محمد ابن عبد الله ابن خالد مستور من رجال سنن الإمام ابن ماجة ورد عن أبى لقمان بدل اليمان ورد فى سنن ابن ماجة كما قلت عن أبى اليمان يقول الحافظ فى التقريب هذا غلط كنيته أبو لقمان أنه قال لشيخه سيد المسلمين فى زمانه أبى عبد الله الإمام الشافعى عليهم جميعا رحمة الله عن الحكمة من ذلك لما ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية فقال الإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا لأن بول الغلام أصله ماء وطين وبول الجارية أصله لحم ودم فقال أبو لقمان كيف هذا يعنى كيف هذا أصله ماء وطين وذاك أصله لحم ودم فقال الإمام الشافعى عليه وعلى أئمتنا جميعا رحمة ربنا إن الله خلق آدم من تراب وعليه أولاده يحملون خصائصه فخلق حوا من ضلعه القصير والإناث يحملن خصائصها فالأنثى مخلوقة أصلها من دم ولحم والذكر أصله مخلوق من ماء وطين ثم قال له فهمت لقمت قال نعم قال بارك الله فيك ونفعك الله انتبه أصل هذا الغلام ماء وطين وأصل هذه الأنثى لحم ودم إذن ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء وواقع الأمر كذلك وما آيس إبليس من أحد إلا أتاه من قبل النساء وكان سعيد ابن المثيب من أئمة التابعين الكبار لا يبصر بإحدى عينيه فى آخر حياته وبالأخرى يعشو وهو فى بلد نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى العصر الأول ولا يوجد يعنى شىء من التبرج ولا عدم الانضباط ومع ذلك يقول لا يوجد شىء فى المدينة أخافه إلا النساء يقول هؤلاء النساء يعنى فتنة للرجل كما أن الرجل حقيقة أيضا فتنة للمرأة ولذلك عندما فصل الإسلام بين الجنسين ضبط الجنسين بهذا الفصل والاختلاط من أشنع الأمور فى الإسلام وخلطة اانساء بالرجال فى شرعنا من أقبح الخصال وسمة الفساق والجهال فى كل وقت

وفى بكل حال ومن أجل موجبات الطرد وما نتج عن الاختلاط من الفساد فى هذه الأوقات لا يحتاج إلى ذكر ما نتج عنه من مفاسد وفساد لا يحتاج إلى ذكر ولذلك {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} وهذا كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ما تركت بعد فتنة أضر على الرجال من النساء الشاهد إخوتى هذا الحديث يقرر لنا كما قلت منزلة تعلق بنى آدم بشهوة الجنس فهى أعظم الفتن إذا ما اتقوا ربهم نحوها ومما يقرر هذا حديث آخر رواه الإمام أحمد فى المسند والإمام مسلم فى صحيحه ورواه الأئمة أهل السنة الأربعة إلا سنن أبى دواد والحديث رواه الإمام الحميدى والإمام البغوى والإمام القضاعى وكما تقدم معنا هو فى صحيح مسلم وغيره فالحديث صحيح من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء] إن الدنيا حلوة خضرة وإذا اجتمع هذان الوصفان تتعلق يعنى النفس بالشىء على التمام حلوة طعم طيب ومنظر بهيج حلوة خضرة هذه هى الشهوات لكن نعوذ بالله حقيقتها سم قاتل يعنى هى مثل حبة الفخ قطعة الجبن التى توضع فى المصيدة من أجل أن يصاد العصفور أو الفأرة حقيقة طعم الجبن طيب لكن ينتج عنها هلاك وعطب وهنا إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعلمون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء أى احذروا تناول شىء من هذين على غير هدى رب الكونين وليس المقصود أن تترك الدنيا ولا أن تبتعد عما أحل الله لك من النساء لا إنما انتبه لا تتناول شيئا من هذين على غير هدى الإسلام وخص النساء بالذكر مع أنها من الدنيا فالدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة لأنها أعظم فتن الدنيا وأعظم مغرياتها بالنسبة للرجل فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء وحقيقة

من تأمل أحوال بنى إسرائيل علم هلاكهم وعطبهم بسبب عدم انضباطهم نحو النساء فلما حصل الاختلاط ترتب عليه الفساد غضب عليهم رب العباد. وقد أشار الله جل وعلا إلى هذا فى سورة الأعراف فقال جل وعلا {واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} .

وخلاصة قصته كما ثبت فى كتب التفسير فى تفسير الطبرى وفى كتاب أبى الشيخ وتفسير ابن مردويه وتفسير ابن أبى حاتم عن الإمام الشعبى وعن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى قصة الرجل من أهل الكتاب الذى يسمى ببلعام ابن باعوراء رجل من أهل الكتاب اسمه بلعام ابن باعوراء قال الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير عند تفسير هذه الآية فى الجزء الثالث صفحة ثمان وثمانين ومائتين المشهور فى التفسير أن هذه الآية تتحدث عن رجل فى الأمم السابقة اسمه بلعام ابن باعوراء وهكذا قال فى كتاب التبصرة فى الجزء الأول صفحة ثلاث وستين ومائتين قال هذا هو المشهور والأثبت وإلى هذا ذهب الإمام الألوسى فى روح المعانى وغيره من أئمة التفسير عليهم جميعا رحمة الله وخلاصة قصته أن نبى الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه عندما أرسل جيشا إلى فتح بيت المقدس وكان فيها الجبارون المتكبرون لفتح بيت المقدس جاؤا إلى بلعام ابن باعوراء وطلبوا منه أن يدعو على جيش موسى ليهلكه الله وليستأصله ويقال كان قد أوتى اسم الله الأعظ وكان إذا دعا به أجيب وإذا سأل أعطى واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فقالوا ادع على جيش موسى ليهلكهم الله قال كيف ادعو على جيش نبى على نبينا وأنيباء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه كيف ادعو عليهم إنهم على الحق ولو دعوت لما استجيب قالوا شاور ربك استخر ربك فى هذا فنام فظهر له ملك فى الرؤيا يقول له لا تدعو على جيش موسى إنهم على الحق انتبه لا تتورط وتنسلخ من دين الله فجاء قومه إليه فى الصباح ماذا قال لك ربك قال نهانى أن أدعو على جيش موسى إنهم على الحق قالوا شاور ربك مرة ثانية استخره فشاوره واستخار ربه فرأى فى الرؤيا فى الليلة الثانية ما رآه فى الليلة الأولى وهكذا فى الليلة الثالثة ثم جاؤا إليه فى اليوم الرابع قالوا شاور ربك رابعة طيب يعنى هى المسألة لعب انتهى مرة ومرتين ثلاثة ماذا تريدون أكثر من هذا

فشاور ربه واستخاره فما رأى فى الرؤيا شيئا قالوا ماذا رأيت قال لم أر شيئا قالوا رضى ربك أن تدعو على جيش موسى ولو لم يرض لنهاك كما نهاك فى الليالى الماضية قال أمنوا فرفع يديه وبدأ يدعو فكان إذا أراد أن يقول اللهم أهلك جيش موسى يقول اللهم أهلك جيشنا وإذا أراد أن يقول اللهم انصر جيشنا يقول اللهم انصر جيش موسى الله على كل شىء قدير وهذا اللسان لا يتحرك إلا بإذن من الرحمن سبحانه وتعالى فلما انتهى من الدعاء قالوا ويحك أهلكتنا دعوت علينا ودعوت لهم قال لا خيار لى فى هذا يعنى هذا الذى حصل بغير اختيارى ولو دعوت عليهم لما استجيب لى لكان أخبركم بما أن الأمر وقع وغضب الله حل علينا إذن لو كان عاقلا لتاب وأناب إنما سيسلك مسلك إبليس عندما حصل منه ما حصل كان الواجب عليه أن يقول رب تب على استغفرك أعتذر مما وقع إنما أنظرنى إلى يوم يبعثون ثم لا تجد أكثرهم شاكرين ولأغوينهم أجمعين يعنى هى محادة لا تضر إلا نفسك وهنا كذلك يعنى إذا ظهر خذلان هو علم أن الله غضب عليه فالواجب أن يتدارك وأن يقول يا قوم أنا أتوب إلى الله لما صدر منى وتوبوا إلى واحترسوا لكن انظر ماذا فعل فلما علم أن الله خذله قال أنا أرشدكم إلى شىء إذا فعلتموه تنتصروا على جيش موسى الأمر يسير قالوا وما هو قال إن جيش موسى جاء من مصر من بلاد بعيدة وليس مع الجيش نساؤهم وهو يتطلعون إلى هذه الشهوة فجهزوا البنات ليبعن الطعام ويختلطن بجيش موسى وليستقبل البنات الجيش وزينوا البنات بحيث تغرى الرجال وإذا أراد بعض الرجال شيئا من النساء فلتمكنه يعنى لا تمتنع فإن الجيش إذا وقع فى الزنا غضب الله عليه وبذلك تنتصرون عليهم من غضب الله هذا لا قيمة له ولا وزن واعتبار وكان الأمر كذلك فجهزوا البنات وذهبن ليبعن الطعام ويتلقين هذا الجيش وحصل فى الجيش ما حصل من الضياع والفساد وفشى فيهم الطاعون ويقال مات منهم كما فى أخبار الكتب السابقة سبعون ألفا من أثر وقوع الجيش

فى الزنا وأوحى الله إلى نبيه وكليمه موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ما حصل فى الجيش فأرسل فرقة أخرى تتدارس الموقف يقال حتى إن الفرقة الأخرى التى جاءت مددا لتصحح الموقف جاء رئيسها فدخل على رئيس الفرقة الأولى فى خيمته فرأى معه بغيا أيضا يفعل معها ما حرم الله فضربهما برمحه ثم رفعهما إلى النساء وقال اللهم من فعل هذا فعلنا به هذا فاكشف عنا البلاء يعنى الجيش وقع وأنت عاقبتنا لكن نتوب إليك أنت ربنا وولينا وحسبنا فكشف الله عنهم البلاء والطاعون ثم بعد ذلك فتح لهم ودخلوا منتصرين ظاهرين فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء ولذلك ينقل الإمام ابن القيم فى كتابه روضة المحبين صفحة ست وتسعين عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لم يكن كفر من كفر ممن مضى إلا من قبل النساء وسيكون كفر من بقى من قبل النساء يعنى كفر الماضين سببه النساء وكفر اللاحقين سيكون فى المستقبل بسبب النساء ونسأل الله العافية والسلامة وكما قلت هذه الآثار تبين لنا منزلة هذه الشهوة فى النفس البشرية بحيث توصله إلى الكفر وتخرجه من دين الله.

نعم إخوتى الكرام: إن الزنا يبغضه الله وإذا ظهر الزنا ومعه الربا فى قوم فاعلم أن الله يحاربهم من حاربه الله فلا نصير له ثبت الحديث بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم فى مسند الإمام أحمد ومسند أبى يعلى وتفسير الطبرى عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه وإسناد الحديث جيد كما فى الترغيب والترهيب فى الجزء الثالث صفحة ثمانية وفى صفحة أيضا ثمان وسبعين ومائتين وقد حكم الإمام الهيثمى أيضا على الحديث أن إسناده جيد فى مجمع الزوائد فى الجزء الرابع صفحة مائة وثمانى عشرة وكذلك حكم عليه الإمام ابن حجر الهيثمى فى الزواجر عن اقتراف الكبائر فى الجزء الأول صفحة سبع وعشرين ومائتين والحديث روى أيضا عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى المستدرك فى الجزء الثنى صفحة سبع وثلاثين ورواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والبيهقى فى شعب الإيمان وعليه هو مروى عن صحابيين عن عبد الله مسعود وعن عبد الله ابن عباس وإسناد الحديث صحيح من الطريقين ولفظ الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال [إذا ظهر الربا والزنا فى قوم فقد أحلوا بأنفسهم عقاب الله فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله إذا ظهر الربا والزنا فى قوم فى قرية فقد أحلوا بأنفسهم عقاب الله أحلوا بأنفسهم عذاب الله] .

إخوتى الكرام: كما قلت هذه الآثار وما تقدمها كلها تقرر منزلة تعلق النفس البشرية بهذه الشهوة الحسية فلها شأن كبير هذه الشهوة مع تعلق النفس بها إخوتى الكرام أيضا لا قيمة لها فى الحقيقة فهى ناقصة بكل اعتبار ولا غرو ولا عجب فى ذلك فهذه الشهوة تكون فى هذه الدار وهذه الدار دار كمال أو دار نقصان؟ دار نقصان ودار ذل ودار امتهان وهوان فكل الشهوات فيها ناقصة ولا يوجد شهوة كاملة إلا فى الدار الآخرة فهى دار الحيوان هذه الشهوة كما سيأتينا محفوفة بالأخطار هذه الشهوة يشاركك فيها الكفار والفجار بل الحيوانات البهيمية هذه الشهوة منقطعة يعتريها الفتور والفناء والزوال هذه الشهوة قد توصل إلى ذل الدنيا وعذاب النار وسأبين إخوتى الكرام ما فى هذه الشهوة من نقائص ليعلم الإنسان وضعه فى هذه الحياة وليتبصر أمره نحو هذه الشهوة ونحو غيرها من المشتهيات وكنت ذكرت فى ما فى شهوة الطعام من نقائص وشوائب وكدر فما يكون قبل تناولها وعند تناولها وبعد تناولها عند أحكام الخلاء فى مبحث سنن الترمذى وقررت هذا كما تقدم معنا من عشرة أوجه وشهوة الجنس عندنا هذه سأقرر نقصها وامتهانها وخستها فى هذه الدار من عشرة أوجه هذه الأوجه لا يوجد شىء منها فى الدار الآخرة فإذا كانت هذه الشهوة ناقصة والنفس البشرية تتعلق بها إذن من باب أولى ينبغى أن يتعلق الإنسان بهذه الشهوة الكاملة فى الدار الكاملة التى هى فى دار الآخرة فهناك لا نقص فى هذه الشهوة بوجه من الوجوه وهذه السلبيات فى هذه الشهوة كما قلت إخوتى الكرام: نذكرها لا لنعرض عن هذه الشهوة عن طريق ما أحل الله لنا لا ثم لا فالنقص فينا مركب وهذه الحياة هى دار النقص لكن كما قلت لنعلم وضع هذه الشهوة لئلا ننهمك فيها وإن كانت مباحة ولأن نحذرها إن كانت محرمة ولنصرف بعد ذلك همتنا إلى الشهوة الكاملة التى تكون فى الدار الآخرة ولنذكر نذكر بما يكون من شهوة كاملة فى تلك الدار الآخرة الفاضلة ولذلك كما

قلت سأذكر عشرة أمور تبين نقص هذه الشهوة ثم بعد ذلك أنتقل إلى موضوع البحث وهو النقطة الرابعة تذكر لذة الآخرة عند هذه الحكم العامة للنكاح. إخوتى الكرام: أول نقص فى هذه الشهوة أعنى غريزة الجنس إرواء الشهوة البشرية أول نقص فيها صورتها ممتهنة ولذلك تفعل فى السر وهى شهوة بهيمية فى حقيقة الأمر صورتها ممتهنة حقيقة يستحى منها العقلاء يستحى منها الفضلاء ولذلك تفعل سرا وما يجهر الإنسان بها حتى عن طريق الحلال يفعلها سرا مع من أحل الله له صورة ممتهنة. أثر عن سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه كما فى إحياء علوم الدين فى الجزء الثالث صفحة ست ومائتين والأثر موجود فى شرح الإحياء للإمام الزبيدى فى الجزء الثامن صفحة ثمان وتسعين وما وقفت على من خرج هذا الأثر عن هذا الخليفة المبارك رابع الخلفاء الراشدين على ابن أبى طالب من الكتب التى تروى بالإسناد إنما كما قلت فى الإحياء وفى شرحه عن على رضى الله عنه أنه قال إنما الدنيا ستة أمور يعنى شهواتها ملذاتها تقوم على ستة.

أولها: يقول مطعوم وأعلى المطعومات مذقة ذباب وهو العسل مذقة ذباب يعنى لعاب ذباب أعلى المطعومات العسل والنحلة كما قال أئمتنا يعنى بأحد طرفيها تعسل وبالطرف الآخر تلسع ومقلوب العسل لسع يعنى عسل اقلب الآخر إن الأول يصبح لسع فالعسل من الفم واللسع من الإبرة فى المؤخرة بأحد طرفيها تعسل وبالآخر تلسع ومقلوب العسل لسع مخلوق صغير يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس يعنى من الذى فضلها على الذبابة وهى أحيانا الذبابة الكبيرة بحجمها ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى فهذه تأكل من كل الثمرات وسهل الله لها أن تسلك سبل ربها ذللا وتلك تقف على القاذورات والأشياء المستقبحات نحلة تقف على غائط لا تقف لكن هذا مكان الذباب ولو قدر أن الإنسان قضى حاجته فى صحراء يعنى فى حال قضاء الحاجة يتجمع الذباب على هذا الغائط الذى يخرج منك أما النحل لا يأتى نحل ثم كلى من كل الثمرات لم ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوما ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلى من كل الثمرات فاسلكى سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن فى ذلك لآية لقوم يتفكرون} .

إذن أشرف المطعومات مذقة ذباب ذبابة مذقة ذباب لعاب ذباب هذا أشرف المطعومات قال ومشروب يعنى الدنيا مطعوم ومشروب وأشرف المشروبات الماء ويستوى فيه البر والفاجر وهو هذا الماء أهون موجود وأعز مفقود يعنى إذا وجد لا قيمة له وليس له ثمن لكن إذا فقد هو أعز شىء يعنى عندك وأغلى شىء عندك الماء ولذلك الماء يلى الهواء فى احتياج الكائنات الحية إليه أهون موجود عندما يوجد لا قيمة له لكن إذا فقد أعز مفقود رحمة الله على محمد ابن السماك عندما دخل على هارون الرشيد رحمة الله عليهم جميعا ودعا بقلة ماء ليشربها فى أيام الحر وهو خليفة المسلمين فى ذاك الوقت إذا أراد أن يشرب ماء مثلجا فى القلة التى هى من الفخار أما ثلجات وثلج هذا كان لا يوجد خليفة المسلمين كان إذا أراد أن يخرج من بلاد العراق للحج يعنى يعتريه ما يعترى غيره من ظروف الطبيعة من رياح وأمطار وبرد ووو والآن صار عند الناس من وسائل الرفاهية والراحة حقيقة ما يعنى ما تشاهدونه وتعلمونه ونسأل الله أن يجعل الآخرة دارنا وألا يجعل الدنيا دارنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين دعا بماء ليشربه قال لا تشرب يا أمير المؤمنين قال علام قال إن منعت هذا الماء فى هذا اليوم القائظ كم تدفع ثمنا له قال ادفع نصف ملكى حقيقة هذا أعز مفقود إذا فقد عزيز غالى وهو يقول يدفع نصف ملكه هذا فى حال الاختيار هو الآن ما يقدر قيمة الماء لأنه لا يشعر بقيمته إلا إذا فقد هو الآن يقول نصف الملك والله يدفع الملك بكامله إذا اضطر إلى كوز من الماء قال اشرب قال الآن إذا احتبس هذا الماء فى بطنك وما خرج كم تدفع ثمنا لإخراجه قال نصف الملك الآخر قال تبا لهذا الملك الذى لا يعدل بولة إن ملكا يا أمير المؤمنين لا يسوى بولة لا ينبغى أن يتنافس الناس فيه يعنى الدنيا من أولها إلى آخرها ثمن بولة ثمن كوز من الماء تشربه وتخرجه واقع الأمر كذلك ولذلك إخوتى الكرام: نعم الله علينا لا تحصى وإن تعدوا نعمة

الله لا تحصوها وكثير من الناس يظن أن النعم يعنى بكثرة المطعومات وتنوعها وأشكالها يا عبد الله نعمة الهواء ما أعظمها بلا ثمن بل بلا كلفة لا تشعر بها على الإطلاق لو كان الهواء يشرى بثمن لمات أكثر الناس يليه نعمة الماء بلا ثمن وهو كما قلت أهون موجود يليه الغذاء ومن قنع بالخبز لم يستعبده أحد يليه يليه ومن رحمة الله بعباده أنه كلما اشتدت حاجتهم إلى الشىءبدا لهم بلا ثمن وبلا كلفة وكلما قلت حاجتهم إليه جعل له قدرا واعتبارا فمثلا يعنى رفيع الثياب الحلى والزينة للنساء لها ثمن لكن لو أن المرأة طول حياتها ما لبست الحلى يعنى نقصت قيمتها ما نقصت قيمتها. سبحان من خص العزيز بعزه ... والناس مستغنون عن أجناسه وأذل أنفاس الهواء وكل ... ذى نفس لمحتاج إلى أنفاسه الهواء ذليل بلا ثمن وهكذا الماء أعز مفقود أهون موجود وهذا أشرف مشروبات الدنيا الماء. الأمر الثالث من شهواتها قال ملبوس الأمر الثالث فى الدنيا ست أشياء ملبوس قال وأشرف الملبوسات نسج دودة وهو الحرير هذا أشرف الملبوسات أغلاها ألينها أنعمها وهو نسج دودة هناك مزقة ذباب وهنا نسج دودة وما بينهما الماء أعز مفققود وأهون موجود. قال ومركوب وأشرف المركوبات الخيل وعليه يقتل الرجال على هذا الخيل فى المعارك يموت الرجال فى ساحات الوغى وهذا أشرف مركوب يركبونه يموتون عليه. يقول ومشموم وهو الأمر الخامس يقول وأشرف المشمومات أعلاها المسك وهو دم الغزال والسادس ومنكوح وهو مبال فى مبال هذه الدنيا مطعوم مشروب ملبوس مركوب مشموم منكوح المنكوح مبال فى مبال.

قال على رضى الله عنه وإن المرأة لتزين أحسن شىء فيها ويراد أخس شىء منها ترى تجمل وجهها وتزينه بأنواع المساحيق والزينة ويراد منها ما يستحى من ذكره مبال فى مبال والله الذى لا إله إلا هو إخوتى الكرام: لولا أن الله أمر الرجال بتناول هذه الشهوة لما يترتب عنها من طيب الخصال من إخراج ذرية تعبد وتوحد رب البرية من صحة للجسم من تذكر للذة الآخرة من من من يعنى لولا أن الله أمرهم وحسهم على تناولها لما يترتب عليها من مصالح لولا ذلك لأعرض عنها الرجل العاقل يكفى فى الإعراض عنها هذا الامتهان فيها مبال فى مبال ولذلك كما قلت هند ما أقبحه حلالا فكيف به حراما يعنى هو فى صورة الحلال صورة ممتهنة ثم بعد ذلك يفعله الإنسان عن طريق الحرام هذا حيوان هذا بهيمة ليس من بنى آدم ما عنده كرامة فعل هذا عن طريق ما أحل الله بدافع شرعى لما يترتب عليه من مصالح فى العاجل والآجل أما أنه يفعل هذا عن طريق ما حرم الله حقيقة هذا ليس من عداد بنى آدم هذا الآن بهيمة من البهائم لكن يختلف عن البهائم أنه يمشى على اثنتين وتلك تمشى على أربع فقط. أبنى إن من الرجال بهيمة ... فى صورة الرجل السميع المبصر هو بهيمة لكن فى صورة رجل فهذا النقص الأول بهذه الشهوة صورتها ممتهنة ولذلك تفعل فى السر وهى شهوة بهيمية فى حقيقة الأمر.

الأمر الثانى: من أمور النقص فيها هذه الشهوة لا تحصل إلا بإرهاق وتعب لا يمكن للإنسان أن يحصل شهوة الجنس إلا بعد تعب يكد ويكدح ويجد ويجتهد ويبذل ويدفع ويوسط ويخطب ووعود وترتيبات حتى بعد ذلك يقترن مبال فى مبال كل هذا الجهد من أجل هذه الشهوة ألا تصرف بعد ذلك همتك لشهوة لا نقص فيها بوجه من الوجوه فى الدار الآخرة أما عندك عقل يذكرك بهذا الأمر انتبه للإرهاق والتعب الذى يكون فى هذه الحياة وكما قلت هذه دار النقص وقلت مرارا لا يوجد فى هذه الحياة شهوة كاملة إلا بما يتعلق بتوحيد الله وذكره والأنس به وما طابت الدنيا إلا بحبة الله وذكره وما طابت الجنة إلا برؤيته ومشاهدته لكن هنا شهوة تامة كاملة لا يمكن لا فيما يوصل إليها ولا فى تناولها ولا فيما يعقبها نقص من جميع جهاتها لم لتعلم أن هذه الحياة دار هوان والآخرة هى دار الحيوان انتبه للتعب الذى يحصل فى هذه الحياة لا تخلو هذه الحياة من تعب عندما جعل الله أبانا آدم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه فى الجنة هناك أخبره أنه لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحى وحذره من الركون إلى وساوس الشيطان فقال له إذا ركنت إليه وأخرجك منها ستشقى {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} تشقى فى أى شىء فى تحصيل أمور الحياة فى الدنيا ليس المراد من الشقاء الذى هو ضد السعادة فيما يتعلق بالطاعة والمعصية لا فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى تشقى فى تحصيل رزقك أما فى الجنة لا تجوع ولا تعرى ولا تظمأ ولا تضحى لا يصيبك حر ولا ظمأ ولا....

أما فى الدنيا لا تحصل يعنى الشبع إلا بتعب ولا تحصل الرزق إلا بتعب ولا تدفع عنك الحر إلا بتعب فانتبه لهذا إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى إذن فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى الخطاب إخوتى الكرام: لآدم وزوجه على نبينا وعليهما صلوات الله وسلامه فلا يخرجنكما ثم الإخبار بصيغة الإفراد فتشقى لم لم يقل فتشقيا قيل لأن المخاطب بذلك آدم أصالة وزوجته تبع له وما يشمله يشملها هى ستشقى أيضا مع شقائه هو وكل واحد سيتعب فى هذه الحياة وإنما آثر الله الإخبار بصيغة الإفراد من أجل المحافظة على رؤوس الآى فتشقى أن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فمن أجل المحافظة على رؤوس الآيات السابقة واللاحقة أتى بصيغة الإفراد وقيل لأن الشقاء والتعب فى حق الرجل أكثر منه فى حق المرأة لأنه هو المطالب بالنفقة وتحصيل أمور المعيشة فالشقاء فيه والتعب فيه والعناء يحصل له أكثر مما يحصل للمرأة إذن شقاء سيحصل للإنسان قبل تحصيل هذه الزوجة أما يحتاج الزواج إلى مهر لا بد منه يحتاج إلى كلفة وشدة وعناء وتعب وقهر هذا حال الحياة ولايمكن أن يحصل الإنسان فى هذه الحياة لذة إلا بعد مكابدة شدة كما قال الله جل وعلا فى سورة البلد لقد خلقنا الإنسان فى كبد مكابدة مشقة بعد مشقة ويتحمل شدة بعد شدة تحصيل مآربه وشهواته ولذائذه التى أحلها الله له لكن لا توجد شهوة بلا تعب بلا كدح بلا جهد بلا عناء ولو قدر أن الطعام جاءك لو قدر من طريق حلال لا بد من أن تتعب كما تقدم معنا فى مضغه ولو قدر أنه يعنى بذل لك المهر5548مع امرأة تميل نفسك إليها سيأتين بذلك تعب تعب تعب تعب بعد ذلك فى الاتصال بها وفيما يترتب عليك ما سيأتينا عشرة أمور من النقص فى هذه الشهوة وعلى ذلك تتعلق النفس بها فإذا كانت النفس عاقلة تتعلق بهذه الشهوة إذا لم يكن فيها نقص من باب أولى لقد خلقنا الإنسان فى كبد يكابد كما قلت شدة بعد شدة ونصبا بعد نصب

ومشقة بعد مشقة وهذا مما قيل فى تفسير الآية. وقيل وهو معنى ثان معتبر أيضا ومذكور فى كتب التفسير ومنقول عن أئمتنا لقد خلقنا الإنسان فى كبد قيل المراد من ذلك لقد خلقناه منتصبا يمشى على رجلين قامته معتدلة خلق على هذه الصورة فى بطن أمه رجلاه إلى أسفل ورأسه إلى أعلى بخلاف سائر الحيوانات وإذا قدر الله خروجه انقلب إذن الله وقت الخروج فخرج الرأس قبل الرجلين وهو فى هذه الحياة صورته أكمل الصور يمشى على رجلين ورأسه مرتفع بخلاف البهائم التى صورتها فى صورة ناقصة كبد أى منتصب القامة وقيل المراد خصوص آدم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه خلقه الله فى كبد السماء أى فى وسطها والذى يظهر القول للعموم ولا مانع أيضا من أن يقال إن الله خلق آدم فى وسط السماء منتصبا وخلق ذريته فى بطون أمهاتهم منتصبين وأخرجهم إلى هذه الحياة بصورة منتصبة يمشون على أرجلهم وقاماتهم مرتفعة ثم بعد ذلك يكابدون الشدائد والمشقات والأهوال فى جميع الأحوال والأطوار لقد خلقنا الإنسان فى كبد الإمام القرطبى عليه رحمة الله فى تفسيره عند هذه الآية فى الجزء العشرين صفحة اثنتين وستين نقل عن أئمتنا الكرام شيئا من مكابدات الإنسان فى هذه الحياة حقيقة يحسن بنا أن نذكره لنعلم الشدائد التى يكابدها الإنسان فى هذه الحياة يقول الإمام القرطبى عليه رحمة الله قال علماؤنا أول ما يكابد قطع سرته يتألم عندما يقطع السر ثم إذا قمط قماطا وشد رباطا يعنى شد عليه يكابد الضيق والتعب يوضع فى القماط وهو يعنى الذى يربط به الولد بعد ولادته من أجل ألا تتحرك أعضائه يبقع كل ما قمط ولم تترك يداه يعنى متروكتان كان هذا أضبط لصحته فى أول حياته يقمط بالقماط يشد الرباط ثم يكابد الارتضاع ولو فاته لضاع ثم يكابد نبت أسنانه يتغير مزاجه يبكى ويصيح ويصبح معه حرارة زائدة عند خروج الأسنان ثم يكابد نبت أسنانه وتحرك لسانه ثم يكابد الفطام الذى هو أشد من اللطام يعنى لو لطمته أسهل

عليه من أن تفطمه ثم يكابد الختان والأوجاع والأحزان ثم يكابد المعلم صولته عندما يعلمه يصيح به ويضربه هذه شدة يكابدها الولد والمؤدب وكياسته والأستاذ5942ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه ثم يكابد شغل الأولاد والخدم والأجنان ثم يكابد شغل الدور وبناء القصور ثم الكبر والهرم وضعف الركبة والقدم فى كلها مكابدات فى مصائب يكثر تعدادها ونوائب يطول إيرادها من صداع الرأس ووجع الأضراس ورمد العين وغم الدين ووجع السن وألم الأذن ويكابد محنا فى المال والنفس مثل الضرب والحبس ولا يمضى عليه يوم إلا يقاسى فيه شدة ولا يكابد إلا مشقة ثم الموت بعد ذلك كله ثم مساءلة الملك وضغطة القبر وظلمته ثم البعث والعرض على الله جل وعلا إلى أن يستقر به القرار إما فى الجنة وإما فى النار قال الله تعالى لقد خلقنا الإنسان فى كبد فلوكان الأمر1:0:51 لما اختار هذه الشدائد يعنى لو أنت حرقت نفسك ولك اختيار فى تدبير حالك لما اخترت هذه الشدئد ودل ذلك على أن له خالقا دبره وقضى عليه بهذه الأحوال فليمتثل أمره لقد خلقنا الإنسان فى كبد. إخوتى الكرام: كما قلت هذه الشهوة لا تحصل إلا بإرهاق وتعب.

النقص الثالث: فيها كما أنها لا تحصل إلا بتعب يصاحب تناولها تعب ويعقبها ضعف ونصب يعنى تعب قبلها وتعب عند تناولها وتعب بعدها لا بد للذكر وللأنثى يتعبان يعنى عملية الوقاع مع ما فيها من لذة للصنفين للجنسين فيها تعب لهما وقد أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ففى المسند والصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن الترمذى والحديث رواه الإمام الدارمى فى مسنده وابن أبى شيبة فى مصنفه وعبد الرزاق فى مصنفه أيضا والدار قطنى فى سننه والبيهقى فى السنن الكبرى وأبو داود الطيالسى فى مسنده ورواه ابن حبان فى صحيحه وأبو عوانة فى مسنده والحديث كما تقدم معنا فى الصحيحين وغيرهما إسناده صحيح صحيح فهو فى أعلى درجات الصحة من رواية أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل جهدها تعبها والشعب الأربع ما بين الرجلين والساقين إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فى عملية الوقاع وجب الغسل حصل إنزال أو لم يحصل إذا حصل الإيلاج حصل كما قلنا الكبد الشدة المشقة التعب المرأة تجهد وهو يجهد ويتعب وفى بعض روايات الحديث كما فى رواية السنن والمسند وسنن الدار قطنى ومسند أبى عوانة ومصنف ابن أبى شيبة ثم اجتهدا يعنى اجتهدا فى تلك العملية وبذل جهدا ومشقة وتعبا يعنى هذه تحصل يعنى بدون كلفة لا ثم لا يحتاج الانتصاب إلى شدة وجهد فى الإنسان ثم ما يخرج منه بعد ذلك خلاصة الدم هذا يضعفه تعب متتابع عليه ثم اجتهدا وفى رواية البيهقى فى السنن الكبرى والدار قطنى وصحيح أبى عوانة ثم أجهد نفسه إذن إذا جلس بين شعبها الأربع وجهدها واجتهدا وأجهد نفسه وجب الغسل هى جهدت وتعبت وهو اجتهد وأجهد نفسه وتعب إذن هذه ما حصلت إلا بعد جهد بعد تعب بعد عناء بعد شدة وإذا أكثر الإنسان منها فالويل له والشقاء له والمرض والأسقام له فى هذه الحياة عندما يكثر منها وقد قرر هذا أئمتنا الكرام ففى كتاب نزهة المتأمل

ومرشد المتأهل لمن للإمام السيوطى نزهة المتأمل ومرشد المتأهل فى صفحة ثمان ثمانين يقول الإفراط فى الجماع يورث الفالج إذا أكثر منه يصاب بالشلل وهذا واقع يورث الفالج ويضعف قوة البصر وبين الشهوة وقوة البصر ارتباط وثيق وسبحان من جعل هذا الربط بينهما فكلما أكثر الإنسان من تناول هذه الشهوة إذا لم يكن قويا وما عنده استعداد كلما ضعف من بصره وقد يعمى سبحان ربى العظيم شهوة وترتب عليها عمى هذا لقد خلقنا الإنسان فى كبد.

والآفة الثالثة يقول يورث الهرم ويسرع المشيب قبل وقته يهرم والشيب ينتشر فى شعره عندما يفرط فى الجماع هذا كما قلت فى كتاب نزهة المتأمل ومرشد المتأهل يعنى الذى يريد أن يتأهل ينتبخ لهذا الأمر هذه الشهوة تفعل عند الاحتياج أما تكثر منها تصاب بهذه الأشياء وأصعبها الفالج والعمى نسأل الله العافية أما الشيب أمره يسير يعنى من شاب وما أصيب بعمى وفالج وشلل أمره يسير لكن هذه كما قلت شدائد يصاب بها الإنسان قد نص أئمتنا الكرام أيضا على أن من أكثر من تناول هذه الشهوة يصاب برعشة فى أعضائه ترى أعضائه تتحرك اضطرارا لا اختيارا لا يملكها من كثرة إفراطه فى تناول هذه الشهوة وتضعف ذاكرته ويصاب بنسيان وببلادة ويصاب بوجع فى المفاصل فلو مشى أمتارا لتعب وبدأ قلبه يخفق ونفسه يعلو من صدره هذا أيضا من هذه الشهوة كبد وقد يعقبها الموت وكم من إنسان مات بسبب الإفراط فى الجماع كم من إنسان بحوادث وقعت فى التاريخ كثيرة ونعرف بعض الحوادث كنت مرة فى بعض البلاد وبعض الناس كان فى المستشفى وما جلس فترة طويلة فجاءت أهله وهو فى حجرة خاصة فما ملك نفسه فوقع فمات إثر الوقاع مباشرة أعرفه معرفة شخصية فى بعض البلاد الإسلامية وأئمتنا ذكروا هذا أيضا فى كتبهم إن هذا حصل فى الزمن القديم بكثرة مع كثير من الناس جماعه أدى به إلى موته سبحان ربى العظيم كما تقدم معنا صورة ممتهنة لا تحصل إلا بتعب ثم بعد ذلك تعب فى تناولها ونصب يترتب عليها طيب مثل هذا يتنافس الإنسان فيه لو لم يؤمر بها لأعرض العاقل عنها ولذلك هى1:7:55 فليست يعنى هى فضيلة فى هذه الحياة فانتبه لذلك تتناول بمقدار الحاجة.

يذكر الإمام الذهبى عليه رحمة الله فى كتابه معجم الشيوخ فى الجزء الأول صفحة اثنتين وأربعين ومائة فى ترجمة شخه الإمام الهمام إبراهيم ابن عبد السلام القبيسى وتوفى سنة ثلاث عشر وسبعمائة للهجرة ينقل هذا إبراهيم ابن عبد السلام عن والده عبد السلام القبيسى أنه قال سمعت أبى يقول احفظ الدمين تثنية دم دم ودم احفظ الدمين هل فى الإنسان دمان؟ نعم كما عندك ذهبان أحمر وأبيض عندك دمان أحمر وأبيض احفظ الدمين الأبيض والأحمر فى صغرك ينفعانك فى كبرك يعنى إياك أن تضيع شيئا من هذا الدم الذى هو أحمر والدم الذى هو أبيض لا تفرط فى الجماع فى أول نشأتك وإذا كنت شابا وتزوجت فارت الشهوة قضيتها أما أنك تتكلفها كما يفعل كثيرا من الناس بحيث أحيانا يأخذ ما ينشطه من أجل يعنى أن يأتى هذه الشهوة والله ليس بعد هذه الحيوانية حيوانية وليس بعد هذه البهيمية بهيمية عندك نشاط فعلته لا تتعب نفسك وتخلصت من فضلة وحصلت خيرا أما أنك تتكلف هذا لتخرج خالص الدم من دمك وخالص الدم يتحول إلى منى أشرف أنواع الدم يتحول إلى منى. احفظ منيك أيها الإنسان ... فإنه ماء الحياة يصب فى الأرحام

احفظه هذا ماء الحياة به تحيا ما دام فيك فأنت فى صحة وسلامة وعافية نقص منك تتضرر احفظ الدمين الأبيض والأحمر فى صغرك ينفعانك فى كبرك وقد بلغ من حرص بعض الناس على صحته وإن كان مسلكه لا يقتدى به كما أنه لا يقتدى أيضا بشخصه فمسلكه باطل وهو على باطل وهو أبو مسلم الخرسانى الذى هلك سنة سبع وثلاثين ومائة للهجرة وهو مؤسس الدولة العباسية من السفاحين الذين زاد سفكهم للدماء وظلمهم للناس على ظلم الحجاج فالحجاج قتل عشرين ومائتا ألف وأما هذا أحصى من قتلهم فبلغ ستمائة ألف من قتله أبو مسلم الخرسانى قتل فى دمشق فقط خلال ثلاث ساعات خمسين ألفا أبو مسلم الخرسانى لكن بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين من الذى قتله الذى أفنى حياته فى خدمته وأسس له ملكه أبو جعفر المنصور استدعاه وقتله أمامه وأنشد أبو جعفر بيتين من الشعر بعد قتل أكبر قواده ومؤسس دولته فقال: زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاستوفى بالكيل أبا مجرم ج واشرب بكأس كنت تسقى ... بها أمر بالحلق من العلقم بدل أبا مسلم أبا مجرم أبو مسلم الخرسانى يذكر أئمتنا فى ترجمته كما يذكر هذا الإمام الذهبى فى السير فى الجزء السادس صفحة ثمان وأربعين أنه كان لا يأتى النساء إلا مرة واحدة فى العام فقط محافظة على صحته وعناية بأمر جسمه ثم يقول لشرفه واشتغاله يعنى بأمور الرعية مرة واحدة فى السنة يجامع بها زوجته بعد هذا لا صلة له بالنساء كما قلت لا يقتدى لا بفعله ولا به لكن انظر يعنى فى الفكرة العامة أن الإكثار منه حقيقة ضار فلا بد من وضع الشىء فى موضعه نعم ينبغى للإنسان أن يتعهد نفسه وأن يعف أهله لكن ينبغى أن يكون ذلك باقتصاد بحيث لا يرهقه ولا يتعبه ولا يؤذيه أما يترتب على هذا أذى فهذا فى الحقيقة لا ينبغى أن يحصل.

يقول الإمام الذهبى فى الجزء الخامس صفحة اثنتين وخمسين فى السير ناقلا عن عبد الله بريدة وهو من أئمة التابعين توفى سنة خمس عشرة ومائة للهجرة حديثه فى الكتب الستة عن عبد الله ابن بريدة يروى عن أبيه وأبو بريدة ابن الحصين وهو من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه كما قلت بريدة ابن الحصين وعبد الله ابن بريدة من التابعين روى عن أبيه وعن عمران ابن حصين عن أبى هريرة وعن أبى موسى وعن أمنا عائشة وأمنا أم سلمة رضى الله عنهم أجمعين يقول قال كما قلت بريدة ابن الحصين ينبغى للرجل أن يتعاهد نفسه أن يتعاهد من نفسه ثلاثة أشياء ولا يدعها يعنى أمور ثلاثة ينبغى الإنسان أن يتعاهد من نفسه المحافظة عليها لكن بكيفية معينة سيوضحها الإمام الذهبى فاستمع له. أولها: يقول المشى فينبغى الإنسان أن يتعاهد من نفسه المشى ولا يترك المشى لأنه إذا احتاجه وجده إذا تعلم الركوب باستمرار إذا أراد أن أن يمشى يتعب فليتعاهد نفسه نحو هذا الأمر فليمش دائما وبعض الناس يعنى أصيبوا بالكسل فى هذه الأيام حتى لو أراد أن يخرج لصلاة الجماعة ينبغى أن يركب السيارة الأمر الثانى: الأكل أيضا لا يمسك عن الأكل فترة طويلة فإن أمعاءه تضيق فليعود نفسه أيضا الأكل بمقدار.

والثالث: الجماع فإن البئر إذا لم تنزع ذهب ماؤها فمن أعرض عن بعد ذلك يعنى يجف هذا الماء عنده ولو تزوج بعد ذلك لوجد كلفة ومشقة هذه الأمور الثلاثة ينبغى للإنسان أن يعتنى بها مشى وأكل وجماع قال الإمام الذهبى معلقا على هذا الكلام الحق قلت يفعل هذه الأشياء باقتصاد لا سيما الجماع إذا شاخ فتركه أولى لا سيما الجماع إذا شاخ والشيخوخة من سنة الستين فما بعد إذا ما دخل فى الستين تركه أولى ولو فعله يبقى كما قلت باقتصاد يفعل هذه الأشياء باقتصاد لا سيما الجماع إذا شاخ فتركه أولى لأنه يغض من حياته ويضعف جسمه إضعافا كثيرا يعنى لو جلد الشيخ ألف جلدة أقل ضررا على نفسه من أن يجامع أهله إذا لم يجد لذلك نشاطا فلا بد من وضعه فى موضعه لا سيما الجماع إذا شاخ إذن إخوتى الكرام: شهوة لكن فيها هذا النقص تعب عندما يتناولها وتعب يترتب عليها وكما قلت بعض الناس تناولها ثم صار هلاكه بسببها وبعض الناس تناول شيئا ليقوى هذه الشهوة فى نفسه فهذا المقوى قتله كما حصل للخليفة الواثق يذكر الإمام الذهبى فى السير فى الجزء العاشر صفحة ثلاثمائة واثنتى عشرة فى ترجمة الخليفة الواثق وقد توفى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين للهجرة وهو هارون ابن المعتصم ابن هارون ابن الرشيد على المسلمين أجمعين رحمة رب العالمين يقول كان ذا نهمة بالجماع وسبب موته أكل لحم سبع من ذئب من أسد السبع المعروف حيوان مفترس ليقوى جسمه فى تناول تلك الشهوة قال فولد له أمراضا صعبة كان فى ذلك حتفه أكل لحم السبع ليقوى نفسه على هذه الغريزة فقضت عليه هذه الشهوة ولما احتضر رحمة الله عليه وعلى المسلمين أجمعين ألصق خده بالتراب ثم بكى وقال يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه ملك الله لا يزول وملك من عداه زائل إذن كما قلت إخوتى الكرام: شهوة لكن محفوفة بهذه الأخطار. ثلاث مهلكات للأنام ... ومدعاة الصحيح إلى السقام دوام ندامة ودوام وطء ... وإدخال الطعام على الطعام

فإذن لابد من وعى هذا والإمام ابن الجوزى عليه رحمة الله حقيقة له كلام محكم يعنى ينقش على القلب نحو هذا الأمر فى كتابه صيد الخاطر وهو كتاب ليس له موضوع معين كتبه فى مراحل متعددة فى حياته ما يعن له من فوائد يقيده فليس هو لا فى تفسير ولا فى الحديث ولا فى الفقه إنما كما هو أخبر عنه صيد الخاطر ما يعن على خاطره من فائدة وحكمة يقيدها يقول فى صفحة واحدة وثمانين ومائتين من صيد الخاطر نحو هذه الشهوة كلاما طيبا تحت عنوان لذات الدنيا مشوبة بنغص حقيقة لا يوجد لذة خالصة يقول وأبلغ البله الشيخ الذى يطلب صبيا ولعمرى إن كمال المتعة إنما يكون بالصبا لكن متى لم تكن الصبية بالغة لم يكمل بها الاستمتاع فإذا بلغت أرادت كثرة الجماع والشيخ لا يقدر فإن حمل على نفسه لم يبلغ مرادها وهلك سريعا يعنى لو أراد أن يتحمل ما يكفيها حقها شيخ مع صبية ما بلغ مرادها وهلك أيضا ولا ينبغى أن يغتر بشهوته إلى الجماع شهوة الشيخ فإن شهوته كالفجر الكاذب والفجر لكاذب هذا الذى يخرج قبل الفجر الصادق نور يظهر فى الأفق فى وسط السماء يبدو مستطيلا ثم يعقبه ظلمة الفجر الكاذب كذنب السرحان كذنب الذئب هذا لا يدخل به الفجر ولا يمتنع على الإنسان أن يأكل إذا أراد أن يصوم وأما الفجر الصادق هذا النور المنتشر فى الأفق مستطير وأشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الفجرين فى الحديث الذى ثبت فى المسند وصحيح مسلم والسنن الأربعة إلا سنن النسائى والحديث أيضا فى مصنف ابن أبى شيبة والسنن الكبرى للإمام البيهقى ورواه أبو داود الطيالسى وابن خزيمة فى صحيحه والإمام الطحاوى والإمام الدار قطنى عليهم جميعا رحمة الله من حديث سمرة ابن جندب رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا يمنعنكم من سحوركم وهو طعام السحور الذى يؤكل عند السحر لا يمنعنكم من سحوركم آذان بلال ولا الفجر المستطيل باللام وهذا هو الفجر الكاذب ولكن الفجر المستطير فى الأفق مستطير

ينتشر مستطيل كما قلنا كذنب السرحان والحديث ثابت من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها وابن عمر فى الصحيحين وسنن النسائى وموطأ الإمام المالك وثابت أيضا فى الصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن الترمذى من رواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه الشاهد هنا ولا ينبغى أن يغتر بشهوته إلى الجماع فإن شهوته الفجر الكاذب قال الإمام ابن الجوزى وقد رأينا شيخا اشترى جارية فبات معها فانقلب عنها ميتا ليلة واحدة اشترى جارية ليتسرى بها فمات قبل أن يطلع عليه الفجر إنما هى الحرارة الغريزية التى عنده ذهبت عن طريق إخراج المنى خلاص ما بقى فى الجسم ما يحفظه هلك وعطب ومات يقول وكان فى المارستان ما شاء الله هذه قصة تشبه القصة التى ذكرتها لكم وكان فى المارستان شاب قد بقى شهرين بالقيام فدخلت عليه زوجته فوطأها فانقلب عنها ميتا فبان أن النفس باقية بما عندها من الدم والمنى فإذا فرغا يعنى أخرجا من البدن الدم الأحمر والأبيض ولم تجد النفس ماء تعتمد عليه ذهبت يقول وإن قنع الشيخ بالاستمتاع من غير وطأ فهى لا تقنع فتصير كالعدو له فربما ضربها الهوا ففجرت أو احتالت على قتله خصوصا الجوارى اللواتى أغلبهن قد جئن من بلاد الشرك ففيهن قسوة القلب حقيقة مرة بعض الناس كنت فى بعض البلاد وأراد أن يتزوج وأراد أن يختبرنى أيضا مستشارا فى زواجه كان يسكن قريب من الحجرة التى أسكنها وقال أريد أن تنظر فى أمرى هل هذه تصلح لى فى يوم من الأيام أحضر وهو يزيد على الستين سنة أحضر فتاة معها يعنى من يحضرها له من أهلها والله عليم على كل حال فى حدود السابع عشرة ويعنى سبحان الخالق فى جسمها وكذا فقال ما رأيك قلت يا رجل أما تتقى الله فى نفسك أنت ما تحافظ على سمعتك وعلى يعنى مكانتك بين الناس قال لم قلت يا عبد الله هذه بين أمرين إما أن تموت عنها وإما أن تفجر ولا يمكن أن تبقى معك على حالتك يعنى طرفة عين اتق الله فى نفسك قال يعنى مادام هى راغبة قلت

أتركها ولو راغبة ابحث عن واحدة تزيد على الأربعين وأنت تزيد على الستين يعنى فى ذلك يعنى قد يتحمل منك ومنها لكن امرأة دون العشرين وأنت فوق الستين اتق الله فى نفسك أنت إذا كان عندك يعنى كرامة خاصة من قبل الله يمدك بمعونة وقوة هذا أمر آخر. يقول الإمام ابن الجوزى وقبيح بمن عبر الستين أن يتعرض بكثرة النساء فإن اتفق معها صاحبة دين قبل ذلك فليرع لها معاشرتها وليتمم نقصه عندها تارة بالإنفاق وتارة بحسن الخلق وليجد فى تعريفها أحوال الصالحات والزاهدات وليكثر من ذكر القيامة وذم الدنيا إلى آخر كلامه الذى يتعلق بهذه القضية وأشار إلى مثل هذا الكلام أيضا فى صفحة تعسن ومائتين والكتاب كله إخوتى الكرام: حقيقة نافع وفيه مواعظ بالغة تحت عنوان الكهل والزوجة الصغيرة والكهل هذا الذى دون الشيخ يعنى من طعن فى الأربعين فهو كهل قد دخلنا فى سن الكهولة ونسأل الله حسن الخاتمة يقول شكا لى بعض الأشياخ فقال قد علت سنى وضعفت قوتى ونفسى تطلب منى شراء الجوارى الصغار ومعلوم أنهن يردن النكاح وليس فى ولا تقنع منى النفس بربة البيت إذ قد كبرت عنده زوجة لكن يريد أن يشترى جارية فقلت له عندى جوابان أحدهما الجواب العامى جواب العامة وهو أن أقول ينبغى أن تشتغل بذكر الموت وما قد توجهت إليه وتحلم باشتراء جارية لا تقدر على إيفاء حقها فإما تبغضك فإن أجهدت يعنى نفسك استعجلت التلف وإن استبقيت قوتك غضبت هى على أنها لا تريد شيخا كيفما كان حتى لو أتعبت نفسك تنفر منك وقد أنشدنا على ابن عبيد الله قال أنشدنا محمد التميمى ثم روى أبياتا من الشعر هى موجودة أيضا فى كتاب غذاء الألباب للإمام السفارينى فى الجزء الثانى صفحة ثمان وثمانين وثلاثمائة ونقلها عن ابن الجوزى: أفق يا فؤادى من غرامى واستمع ... مقالة محزون عليك شفيق علقت فتاة قلبها متعلق بغيرك ... فاستوثق غير وثيق واصبحت موثوقا وراحت طليقة ... فكم بين موثوق وبين طليق

فاعلم أنها تعد عليك الأيام وتطلب منك فضل المال لتستعد لغيرك وربما قصدت حتفك وكم من الناس أن ذبحته زوجته وسيأتينا هذا إن من أزواجكم عدوا لكم فاحذروهم سبحان الله ما أخس هذه الشهوة إذا كان فيها هذه المنغصات والمكدرات وربما قصدت حتفك فاحذر والسلامة فى الاقتناع والاقتناع بما يدفع الزمان هذا الجواب العامى أوليس كذلك هذا جواب العامة. يقول والجواب الثانى فإنى أقول لا يخلو أن تكون قادرا على الوطء فى وقت أو لا تكون فإن كنت لا تقدر فالأولى مصادرة الترك للكل وإن كان يمكن الحازم أن يدارى المرأة بالنفقة وطيب الخلق إلا أنه يخاطر وإن كنت تقدر فى أوقات على ذلك ورأيت من نفسك توقا شديدا فعليك بالمراهقات فإنهن ما عرفن النكاح وما طلبن الوطء وأمرهن بالإنفاق وحسن الخلق مع الاحتياط عليهن والمنع من مخالطة النسوة وإذا اتفق وطء فتصبر على الإنزال ريثما تقضى المرأة حاجتها واعتمد وعظها وتذكيرها بالآخرة واذكر لها حكايات العشاق من غير نكاح واذكر لها قبح صورة الفعل وألفت قلبها إلى ذكر الصالحين ثم يقول بعد ذلك ولا تخلى نفس من الطيب والتزين والكياسة والمداراة والإنفاق الواسع فهذا ربما حرك الناقة للمسير مع خطر السلامة. إذن إخوتى الكرام: هذه آفة ثالثة كما قلت يصاحب تناولها تعب ويعقبها ضعف ونصب.

الآفة الرابعة: هذه الشهوة لا تطيب إلا عند الحاجة وهذا علامة نقصها كلما اشتدت الحاجة إليها طابت وإذا لم يكن هناك حاجة فى النفس ما تذكرها الصغير يشعر بها الصغير لا يشعر بلذة الجنس وليس عنده خبر عنها لأنه لا يحتاج إليها الحالم الذى فارت شهوته قد يعرض عنها الإنسان بعد قضاء وطره وانتهاء حاجته انتهى الآن ما عاد يفكر بشىء إلا بعد تعود بعد ذلك إليه هذه الشهوة ويعنى يعود الماء عنده إذن هذه لا تطيب إلا عند الحاجة فإذا ذهبت الحاجة فتر الإنسان عنها وسلا عنها وهذا من علامات النقص فى الشهوة من علامات النقص فى الحاجة أنه إذا احتجت إليه طاب عندك وإذا استغنيت عنه فلا قيمة له عندك هذا بخلاف أمر الآخرة إن شهوات الآخرة كما سيأتينا ليست كذلك والطيب فيها موجود فى كل وقت وهى شهية فى جميع أحوالها وأنت عنك قوة وتشتهى هذا فى جميع أحوالك ولا تحصل بتعب ولا يعقبها نصب وتعب فإذن هذا أيضا من علامات النقص فيها. الآفة الخامسة: أذكرها وأشرحها وما بعدها فى الموعظة الآتية إن شاء الله حقيقة هذه الشهوة وجميع شهوات الدنيا حقيقتها دفع ألم بألم وتخلص من تعب بتعب هذا حال الدنيا تدفع بلية ببلية كما قال بعض أئمتنا: أصبحت فى دار البليات ... أدفع آفات بآفات يعنى هنا تخلصت من الشهوة يعنى كما قلنا بلية وصارت عندك شوشت الذهن لكن ما توصلت إليها إلا بتعب وأعقبها تعب وبلاء وقد تكون يعنى ما يكون التخلص منها أصعب منها قد هذه جميع شهوات الدنيا كذلك لا يوجد شهوة كاملة لا فى الوصول إليها ولا فى تناولها ولا فيما يعقبها فهى دار نقص فلا تزن عند الله جناح بعوضة كما قلت إخوتى الكرام: عند هذه الحكمة يعنى أشرحها هذه وأشرح ما بعدها فى الموعظة الآتية إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

18قوة النبى صلى الله عليه وسلم

علامات قوة النبي (2) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان وذهب النبى عليه الصلاة والسلام تحت شجرة وعلق سبفه بغصن من أغصانها ثم نام تحتها وما معه أحد فداه نفسى وأبى وأمى عليه صلوات الله وسلامه، ففطن بعض المشركين لحال الصحابة الكرام الطيبين وأنهم ناموا وابتعدوا عن النبى عليه الصلاة والسلام، فجاءه واسمه غورث بوزن جعفر كما وردت الإشارة إلى هذا فى صحيح البخارى، جعفر غورث، وقيل بضم الغين غُورث، وقيل: غُويرث، وقال القرطبى بالكاف كورث، وضبط الإسم لايهمنا، غورث جعفر هذا أرجح فيما يظهر والعلم عند الله، مشرك اسمه غورث، جاء والنبى عليه الصلاة والسلام نائم القائلة تحت ظل الشجرة وسيفه معلق بغصن من أغصانها، فأخذ السيف وسله، فانتبه النبى عليه الصلاة والسلام، قال: يا محمد عليه صلوات الله وسلامه، من يمنعك منى إنسان مضجع وفوقه إنسان قائم عدو السيف بيده مسلط، يعنى أخرج من قرابه وغمده، من يمنعك منى، أنا النبى لا كذب، وعدنى الله بالنصر، الله فقط، من يمنعك منى؟ الله، هذا كالتعليل الذى ذكرناه، أنا النبى لا كذب، وعدنى الله بنصره، ولن يخلف الله وعده، ليس عندما يأتى أهل الأرض معك وسيوفهم مصلتة لا يقع فى قلبى مقدار ذرة شعرة من فزع، من يمنعك منى؟ الله، قال: فشام السيف، شام من الأضداد كما يقول أئمتنا، يأتى بمعنى أدخل اتلسيف فى غمده وبمعنى سله من غمده، والمراد هنا، أدخله، لما أدخله؟ علم يقيناً أنه لا قدرة له على النبى عليه الصلاة والسلام، ولا قبل له به، هذا كلام الواثق المطمئن، والله جل وعلا ألقى فى قلب هذا المشرك الرعب، فالسيف بيده بعد أن أخرجه ومن يمنعك منى؟ الله، فشام السيف، أى أدخل السيف مرة أخرى إلى قرابه وغمده، فقام النبى عليه الصلاة والسلام وأخذ السيف منه، وقال: من يمنعك منى؟ قال: لا أحد وكن خير آحذ يارسول الله عليه الصلاة والسلام، يعنى لا تعاقب وعاملنى بالعفو والمسامحة، لكن ما يمنعنى

منك أحد، فقال له النبى عليه الصلاة والسلام: اذهب فقد عفوت عنك، فقال هذا المشرك: أنت خير منى يارسول الله صلى الله عليه وسلم، والله إنى أعاهدك ألا أقاتلك وألا أقاتل مع أحد يقاتلك، يعنى أنا لا أقاتل مباشرة ولا أساعد قوماً يقاتلونك، ولا أقاتل مع أحد مع قزم يقاتلونك، كل من بينك وبينهم عداوة لا أنصرهم، فتركه النبى عليه الصلاة والسلام وأخبر الصحابة الكرام بقصته، ذهب يعنى سالما أمناً من بين الصحابة الكرام إلى قومه آمن بعد ذلك. كما ثبت هذا فى رواية ابن اسحاق، وفى رواية الواقدى آمن هو وقومه، وقال: جئتكم من عند خير الناس محمد عليه الصلاة والسلام، من يمنعك منى؟ الله، ثم يقول: من يمنعك منى؟ يقول: لا أحد بإمكانه أن يبطش بى هذا ليس كحالى، ألقى فى قلبه، ليس كحالى، ألقى فى قلبه الرعب كما ألقى فى قلبى، لا هو مع أصحابه والسيف بيده، لكن قال: عفوت عنك، والنبى عليه الصلاة والسلام، فعل به هذا ليتألفه وهو رؤوف رحيم عليه صلوات الله وسلامه، وكان العلاج فى محله، فآمن بعد ذلك وآمن قومه كما فى رواية ابن اسحاق والواقدى. وورد فى رواية ابن اسحاق فى المغازى وأن هذا المشرك غورث عندما حمل السيف والنبى عليه الصلاة والسلام مضجع نائم، ففتح عينيه فرأى هذا المشهد قال: من يمنعك منى؟ قال النبى عليه الصلاة والسلام الله، فى رواية ابن اسحاق عن جابر، يقول: فضرب جبريل فى صدره، الله غلى كل شىء قدير، فضرب جبريل فى صدره فوقع السيف من يده فقام النبى عليه الصلاة والسلام وأخذ السيف وقال: من يمنعك منى؟ قال: لا أحد كن خير آخذ على نبينا صلوات الله وسلامه، هذه قوة نبينا عليه صلوات الله وسلامه، هذا الخلق فى منتهى الكمال والقوة والصحة والفتوة على نبينا صلوات الله وسلامه.

وسيأتينا إخوتى الكرام فى حادث الإسراء عندما أسرى بنبينا عليه الصلاة والسلام وعرج به ومر على السماء السادسة وفيها نبى الله موسى على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، ولما مر عليه وجاوزه بكى، فقال كما فى حديث الإسراء: غلام بعث بعدى يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتى، نبينا غلام عليه الصلاة والسلام، فى حادث الإسراء زاد على الخمسين، الذى وقعت قبل الهجرة بسنة، يعنى صار له فى البعثة اثنتى عشرة سنة، عمره اثنتان وخمسوت سنة، وأنت تقول عنه غلام، قال غلام فى الجد والعزم والنشاط والحيوية والفتوة، لا فى العمر، هو شيخ لكن هذا الشيخ، همة الغلمان والفتيان والشجعان والشبان دون همته، وهذا تعبير نبى الله موسى، قال: غلام بعث بعدى، هو لما بعث كان كهلا عليه صلوات الله وسلامه، تم الأربعين، وبعد بعثته باثنتى عشرة سنة أسرى به، وأنت تقول غلام، كيف غلام؟ قال: هذا غلام فيه معنى الغلمان لا عمرهم، هذا عمر الشيخوخة، لكن هذا الشيخ فيه قوة الشبان والشجعان والغلمان والفرسان على نبينا الصلاة والسلام هذا حاله، وهذا الكمال فى خَلْقهم عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام: مما يتعلق بالقوة بحث أحب أن اذكر به، لأنه جرى حوله لغط فيما يتعلق بقوة نبينا عليه الصلاة والسلام وحقيقة هو مما يمدح به وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يذكره ولا يتمدح به إلا ذكور الرجال ولا يكرهه إلا مخانيثق الرجال، هذا الوصف الذى فى نبينا عليه الصلاة والسلام كثير من الأنذال لا سيما فى هذا الوقت أكثروا الغط حوله، نذكره ولنبين يعنى الكمال فيه، وكيف هو يوضح قوة نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

ثبت فى المسند والكتب الستة فى الصحيحين والسنن الأربعة إلا سنن أبى داود فهو فى سنن الترمذى والنسائى وابن ماجة مع الصحيحين ومسند الإمام أحمد، عن أنس رضى الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نساءه فى الساعة الواحدة فى الليل أو النهار بغسل واحد، ليس فى الساعة الواحدة بعضكم يظن يعنى الساعة الواحدة، نهاراً ظهراً أوليلا، لا، يعنى فى جزء من الوقت يدور على نساءه عليه صلوات الله وسلامه وهن تسع فى ساعة واحدة جزء وقت قصير من ليل أو نهار، نساءه التسع على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه يعنى ما اكتملن عنده تسع إلا فى آخر حياته عليه صلوات الله وسلامه يعنى كان جاوز الخامسة والخمسين وقارب الستين حتى اتكمل عنده التسع، هو فى العام الثانى تزوج أمنا عائشة وقبلها سودة ففى العام الثانى ما عنده غير زوجتين على نبينا ولى آل بيته صلوات الله وسلامه، العام الثانى من الهجرة، وكان عمره فى العام الثانى من الهجرة خمس وخمسون سنة وما عنده إلا زوجتين ثم ها يعنى النساء التسع يعنى ليتنى ضبط التحديد لكن لعله يعنى ما اكتملن كصفية مثلا من نساءه، يعنى كانت هذه فى موقعة بنى قريظة أو ليس كذلك كانت فى العام السادس للهجرة، نعم، خيبر؟، خيبر على كل حال، خيبر او قريظة؟ ما يضر على كل حال فى العام السادس وخيبر فى العام السابع يعنى كان عمر النبى عليه الصلاة والسلام فى العام السادس للهجرة مع ثلاثة عشر سنة فى مكة وستة تسعة عشر سنة وأربعين، تسع وخمسون سنة، يعنى ما أكتملت هذه النسوة عنده إلا وقد قارب على الستين، ثم يقول أنس يطوف على نساءه التسع فى الساعة الواحد من ليل أو نهار بغسل واحد أيضا،، سبحان الله يعنى نحن أمرنا غذا أراد الإنسان أن يتصل بزوجته مرة ثانية أن يغتسل أو أن يتوضأ لأنه أنشط للعود لأن الجسم يفتر، فلعلك تجهد نفسك ولا تتمكن بعد ذلك من مواصلة هذا مرة ثانية، فلا بد من منشط عن طريق الإستحمام أو

الوضوء، ثم تسع نسوة، من هذا العمر على نبينا وأيامه وحياته وكل ما يتعلق به صلوات الله وسلامه، هذا النبى فى هذا الحال تسع نسوة يطوف عليهن فى جزء قصير بغسل واحد، فقيل لأنس أو كان يطيق ذلك؟، يعنى فى هذا العمر وتسع نسوة ووقت قصير يطوف عليهن يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين، على نبينا وأنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه. والحديث رواه الإسماعيلى، أنه اعطى قوة أربعين وراه أيضاً روى عن طاووس مرسل أنه أعطى قوة أربعين ورواه أبو نعيم فى كتاب صفة الجنة أنه أعطى قوة أربعين من أهل الجنة، قال الحافظ فى الفتح، فى الجزء الأول صفحة 378، وقد ثبت والحديث صحيح فى المسند وسنن النسائى وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم ومعجم الطبرانى الكبير وسنن الدارمى وإسناد الحديث صحيح صحيح عن زيد بن أرقم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: [إن الرجل من أهل الجن ليعطى قوة مائة، فى الأكل والشرب والجماع والشهوة] . وفى كتاب صفة الجنة المتقدم، أعطى نبينا عليه الصلاة والسلام قوة أربعين من رجال أهل الجنة، والواحد منهم قوته، الرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة، والحديث صحيح فى الأكل والشرب والجماع والشهوة، قال الحافظ ابن حجر وعلى هذا قوة نبينا عليه الصلاة والسلام تعدل أربعة آلآف، أربعة آلآف رجل يعنى لو اجتمع أربعة آلآف أقوياء ليس يعنى مثلنا أيضاً من أقوياء العالم، الذين يتخصصون فى الملاكمات والمصارعات، لصرعهم خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، أعطاه الله قوة أربعة آلآف رجل والحديث كما قلت صحيح، ولذلك قال أنس كنا نتحدث وهذا فى الصحيحين كما قلت: أنه أعطى قوة ثلاثين وورد أربعين وفى كتاب صفة الجنة لأبى نعيم قوة أربعين من أهل الجنة، والرجل من أهل الجنة يعطى قوة مائة فى الأكل والشرب والجماع والشهوة، فعنده قوة أربعة آلآف عليه صلوات الله وسلامه، هذا نشاطه وهذا كماله عليه صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: وهذا الأمر أعنى كثرة التزوج وكثرة الوطء مما يتمدح به الذكور فى هذه الحياة، وهو من علامة كمال الفحولة واكتمال الذكورة فى الإنسان، وقد كان العرب يتمدحون به، وقد كرهه المخنثون فى هذه الأيام واعتبروه منقصة عندما يتزوج الإنسان اثنتين أو ثلاثة أو أربع وعندما يطوف على نساءه الأربع فى ليلة واحدة يقول: أنت شهوانى؟ اما تستحى من الله، فى الفحولة هذا كمال، والضعف الجنسى فى الإنسان منقصة ولذلك من صفات النفص الكبيرة التى يساوى الإنسان عليها إذا احتسب العنة، والعنة على قسمين، إما عنة كاملة، وما معه شىء من الحركة كالخرقة البالية، وإما عنة ناقصة كأمر أكثر الناس فى هذه الأيام، هو هنا كذب وزور، هناك كلام فى الراوى هنا كلام فى الرواية، اختلف الأمر غاية الإختلاف، لذلك إخوتى الكرام حقيقة العكوف على كتب سلفنا هذا خير لنا من أن نأخذ من كتب يعنى أخذت من تلك الكتب وصار فيها شىء من التصرف الشهوة لكن يحجزها عنها حاجز طبيعى ـ ونشاط ولا عنده قوة وفتور وبرود يصاب به الإنسان، هذا كسل فى الإنسان، والنشاط يدل على حيوية الإنسان وكماله ورجولته وفحولته، ولذلك يتزوج الإنسان وامرأة وفيه عنة كاملة، غاية ما تصبر عليه سنة واحدة، وبعد ذلك لها حق طلب الطلاق وتطلق مع أخذ المهر من أوله لأخره، لأن العجز جاء منه، إذا كان أنت لست برجل لما تغررالنساء بنفسك، العن ضعف، وقد قضى بذلك عبد الله بن مسعود، هذا ثابت فى مصنف ابن أبى شيبة وسنن الدارقطنى بسند صحيح كالشمس، وروى عن على، وعن عمر، وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنهم أجمعين من الصحابة، قال الإمام ابن قدامة ولا يعرف لهم الصحابة مخالف فكان إجماعا، على ذلك المذاهب الأربعة.

لو أن إنساناً تزوج امرأة وما استطاع أن يتصل بها يؤجل سنة لتمر عليه الفصول الأربعة، فإذا كان عنده حرارة مزاجه كثير، وهذه الحرارة وجبت عنده فتورة، يأتى فصل الشتاء عنده برودة يأتى الصيف، عنده كذا يأتيه فصل الخريف، فصل الربيع، فإذا مرت عليه الفصول الأربعة التى تقاوم طبيعته إذا بها شىء من الشذوذ وهو لا زال فى عنته وفتوره وضعفه، تطلق المرأة منه، وهذا فى المذاهب الأربعة بلا خلاف. فالفحولة والرجولة كمال وهذا هو الموجود فى خير خلق على نبينا صلوات الله وسلامه وفى أنبياء الله ورسله، {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية} ، وهذا الأمر حقيقة مما يحبه ذكور الرجال ويكرهه مخنثوهم.

وقد ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال [حبب إلىّ من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة] ، هذا فحل هذا قوى هذا ذكر، هذا شهم، وليس بذلك منقصة من شهامة الإنسانم وفحولته ورجولته أن يحب النساء لكن عن طريق ما أحل الله، [وفى بضع أحدكم صدقة] ويؤجر على ذلك ورب جماع خير من عبادة ألف سنة، كما يقول الإمام ابن الجوزى فى تلبيس إبليس، فى صفحة 297، وأنت إذا عددت وأردت إنجاب الذرية من تعددك فهذا هو الغاية فى التعدد، وإذا أرت به التلذذ فهو مباح يندرج تحته من أنواع الطاعات ما لا يحصى، من إعفاف امرأة وسترها والإنفاق عليها ومجاهدة النفس فى تربية الأهل والأولاد هذه كلها أجور ومغانم وخيرات تحصلها، صارت هذه المحمدة التى اختارها الله لأنبياءه ورسله عليهم صلوات الله وسلامه وكان يفعلها الصالحون، صارت هذه المحمدة مذمومة فى هذه الأيام وعندما يريد الإنسان أن يتزوج ثانية، أول ما يقال له: أنت شهوانى، واحدة ما تكفيك، ما تستحى من الله هذا فحل هذا رجل، فإذا أنمت يعنى أخذت بالضعف الذى يناسبك يعنى كيف بعد ذلك تعترض على غيرك، يعنى بك ضعف ونقص وتريد بعد ذلك أن تعير غيرك، استر سؤتك واسكت، أما أنك بعد ذلك تعترض على الناس، وحقيقة هذا مذمة، لا إله إلا الله، وهذا نقص فى الإنسان فى هذه الأيام، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. والحديث إخوتى الكرام الذى ذكرته حبب إلى من دنياكم، من الدنيا الطيب والنساء،] حديث صحيح، رواه الإمام أحمد فى المسند، ولا يقولن قائل: لما لم تذكر من خرجه، رواه الإمام أحمد فى المسند والنسائى فى السنن ورواه البيهقى فى السنن الكبرى والحاكم فى المستدرك وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره عليه الإمام الذهبى، عن أنس رضي الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال [حبب إلىّ من الدنيا من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عينى فى الصلاة] .

أما مايرويه بعض النعاء، وهذا موجود فى الإحياء وموجود فى تفسير الزمخشرى وغيره، [حبب إلىّ من دنياكم ثلاث] هذا باطل، والصلاة ليست من الدنيا، وهذه زيادة مفسدة للمعنى، حبب إلىّ من دنياكم الطيب والنساء] ، وأما أحب شىء إلى نبينا عليه الصلاة والسلام مناجاة الله وجعلت قرة عينى فى الصلاة] . وانظروا للتنبيه على فساد الزيادة [حبب إلىّ من دنياكم ثلاث] ، فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثامن والعشرين صفحة 31، وفى زاد المعاد فى هدى خير العباد على نبينا صلوات الله وسلامه فى الجزء الأول صفحة 150، وانظروها فى كتاب الحاوى للفتاوى للإمام السيوطى فى الجزء الثانى صفحة 270، أكمل هذا بعد أذان العشاء إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. إخوتى الكرام: من باب وعى الكلام أقول من كره هذا الأمر حقيقة هو مخنث وفيه خنوثة، أما كونه لا يفعله هذا موضوع أخر، يعنى لو جاء كما سأنقل لكم كلام بعض الضآلين ممن يدعون أنهم علماء وينقضون شريعة الله الغراء، من جاء، وأنقل لكم كلامه بالحرف، يعترف على هذا فلا شك فى أنه مخنث سافل خسيس حقير، يعترض على شرع الله الجليل، وأما لو قدر أن إنساناً ما تزوج إلا واحدة أو لم يتيسر له، فهذا موضوع أخر، واضح هذا، اختار هذا غاية ما يقال: يعنى ما حصل فضيلة وانتهى الأمر، أما الذى يعترض فهذا بلاء لأنه يعترض على أمر حق، يدل على فحولة الإنسان وكماله ورجولته، ورغبت فيه شريعة الله المطهرة.

وقد ذكر الإمام القاضى عياض الذى توفى سنة 544 للهجرة فى كتاب الشفا بالتعريف فى حقوق المصطفى على نبينا صلوات الله وسلامه فى صفحة 87، أن مما يتمدح به الإنسان كثرة أزواجه وكثرة وطئه، هذا مما يتمدح به، هذا دليل على صحته وقوته وفحولته ورجولته، وأقول: وهذا مما فطر الله عليه الناس، هذا فى الأصل فطرة عند الناس، وكان العرب يتمحون به وحث عليه الشرع المطهر، ولذلك ثبت فى صحيح البخارى فى كتاب النكاح باب كثرة النساء، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: خير هذه الأمة أكثرهم نساءا، فخير هذه الأمة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثرها نساءا، ثم بعد ذلك الصحابة. يقول الإمام الغزالى فى الإحياء: من كان عنده الصحابة ثلاث والأربع كثير، ومكن كان عنده اثنتان ليحصى والقليل من كان عنده واحدة، هذا حال الصحابة، ويستحيل أن يأخذ هؤلاء بالمفضول ويتركوا الفاضل، فلو كان التعدد مفضولاً ناقصا لما أخذوا به رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان على أزهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولما توفى عنده أربع حرائر، وسبعة عشر سرية، مات عن واحد وعشرين امرأة.... إحدى وعشرين امرأة رضي الله عنه وعنهن وعن الصحابة أجمعين، هذا حال على. ولذلك قال سفيان بن عيينة: كثرة النساء ليست من الدنيا فعلى أزهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وعنده أربع حرائر وسبعة عشر سرية، يستشهد رضي الله عنه وعنهن، يستشهد عنهن رضي الله عنهم أجمعين.

هذا لابد من وعيه وهذا كما قلت: من علامات الكمال للإنسان وقد ذكر أئمتنا فى ترجمة العبد الصالح سليم بن عتر، وكان من القضاة الكبار فى مصر وهو من التابعين، أدرك عمر بن الخطاب وروى عنه، وأدرك علياً وروى عنه وعهن عدد من الصحابة الكرام، وانظروا ترجمته فى الجزء الرابع صفحة 132، من سير أعلام النبلاء، وغير ذلك من الكتب التى ترجمته، سليم بن عتر، تابعى وهذا مفخرة لأهل مصر، الإمام الفقيه قاضى مصر وواعظها وقاصها وعابدها، أبو سلمة، ثم يقول بعد ذلك: وروى أنه كان يختم كل ليلة ثلاث ختمات، ويأتى امرأته ويغتسل ثلاث مرات، أنها قالت بعد موته: رحمك الله لقد كنت ترضى ربك وترضى أهلك، علق المعلق، وانا أعجب لهذه التعليقات التى تتردد فى كل مكان، قال: لا يعقل ذلك وربما لايصح عنه، لما لا يعقل؟ لأنه مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول، لا يعقل أنت عندك عقل عندما تقول أو لا، عندك عقل يعقلك عن مخالفة العقل أم لا لا يعقل ما معنى لا يعقل؟ يعنى مستحيل لا يتصور وجوده، أوليس كذلك، ألا يتصور أن يختم هذا فى اللية مائة ختمة عن طريق خارق العادة، أما يتصور أن يسير من هنا إلى مكة ويعود فى جزء من الليل، يعقل أم لا يعقل؟ يعقل، أما أنه بعيد فى العادة هذا أمر أحر، وليس إذا استبعد الحس والعقل الشىء معناه لايعقل، لا يعقل يعنى مستحيل، لا يمكن أن يقع وهذا باطل، مخالف لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: [لم يفقه من قرأ القرآن فى أقل من ثلاث] ، الحديث صحيح رواه أبو داود والترمذى بسند صحيح.

لكن إخوتى الكرام إذا ثبت هذا عن طريق إكرام الله له وخرق العادة، وهو الذى يسميه أئمتنا نشو الزمان، وتوسعة الوقت للإنسان، فتقضى فى وقت قصير ما يقضيه غيرك فى أوقات ليس فى وقت، فى أوقات طويلة، والله على كل شىء قدير {سبحان الذى أسرى بعبده ليلا} ، ليلا اتى به منكرا للإشارة إلى انه فى جزء من إسراء ومعراج ليلا، ما قال: أسرى به فى الليل، حتى يقال: استغرقت عملية الإسراء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ليلا، فى جزء منه، طيب ماذا جرى يا يعنى؟ أمر نعم غريب مستغرب لكن ليس بمستحيل لا يقع، هذا هو إذا ورد به خبر صادق صدقنا به، فهنا ينقل فى كتب أئمتنا فى ترجمة هذا العبد، يختم ثلاث ختمات ويتصل بأهله ثلاث مرات ويغتسل ثلاث مرات، لما تقول لا يعقل، هذا لا يعقل هذا كلام بعيد، وهذا هو الحاصل فى هذا الإنسان. ورد فى معجم الطبرانى الكبير بسند رجاله ثقات كما قال الهيثمى فى المجمع فى الجزء الرابع صفحة 295، أن أكّاراً عند أنس، أى كان مزارعاً، يسقى له بستانه، خاصمته زوجته إلى أنس كما يقول محمد بن سيرين، سبب الخصومة، قالت: لا يدعنى فى ليل ولا فى نهار، كل ما يرانى يريد أن يتصل بى وأنا ضعيفة لا أتحمل، فأصلح بينهما أنس على س مرات فى كل يوم وليلة، لا يزيد، فهذا ثابت بإسناد صحيح، فإذا أنت يعنى عندك ضعف لما بعد ذلك تقول لا يعقل؟، ثابت فى كتب أئمتنا بسند رجاله ثقات، إذا خلقك الله ضعيفا وفيك ضعف، إذا حدك. يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: لقد أعطيت من الجماع شيئا ما أعلم أحد أعطيه إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى رواية قال: إنى لأظن أنه قسم لى منه ما لم يقسم لأحد إلا للنبى عليه الصلاة والسلام.

قال الإمام ابن القيم فى الجواب الكافى صفحة 249، هذا لا يذم إذا صادف حلالا بل يحمد، وقال: من كمال الرجال أن يحب النساء حباً شرعياً شرعه الله جل وعلا، هذا من كمال الرجل، أى منقصة فى ذلك، وهذا الذى حبب لخير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه. وورد فى ترجمة ابن عمر أنه أحيانا كان يفطر على الجماع، وأى حرج فى ذلك، وانه يقع على ثلاث من جواريه قبل أن يدخل جوفه شىء من الطعام إذا كان صائما، عنده هذه القوة، هذه الفحولة هذا الكمال، هذه الرجولة، تأتى بعد ذلك انت تعلق على هذه الأخبار تقول: لاتعقل. هذا الحديث الذى ذكرناه إخوتى الكرام وهو فى الصحيحن يوجد كتاب لشيطان من شياطين الإنس فى هذه الأيام سماه الفرقان، وهو اسمه محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن الخطيب، صاحب كتاب الفرقان، كله هذيان، ووسوسة من الشيطان، أقرأ لكم بعض ضلاله، وكفره عليه سخط ربه فى هذا الكتاب الذى حول القرآن، وهو وشيطانم أخر اسمه أبو رية، فى هذا الوقت، تبنيا هدم الإسلام باسم الإسلام، هذا فى القرآن وذاك فى السنة، فاستمع لهذا الشيطان ماذا يقول حول هذا البحث الذى ذكرناه والحديث فى الصحيحن، أنظر ماذا يعلق عليه صفحة 161، يقول هنا: وهناك الكثير من أمثال هذا الحديث مما يناقض العقل والمرؤة والآداب، وقد وردت جميعها فى أمهات الكتب الصحيحة المعتمدة، يعنى موجودة فى الصحيحن، لكن تناقض العقل والمرؤة والآداب، وسأورد طرفاً منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، نسأل الله ان يجعل جهنم لك حصيرا، سيورد أمثلة مما فى الصحيحن لا يقبلها العقل ولا المرؤة ولا الآداب على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.

فمن ذلك ما روى عن إحدى امهات المؤمنين رضي الله عنهن قال: كان رسول صلى الله عليه وسلم يطوف على نساءه فى الليلة الواحدة وغسل واحد، وقد جاء هذا الحديث بروايات أخرى وعن طرق شتى بهذا المعنى، والحديث كما ترى يرفضه الذوق السليم وتمجه النفوس السامية، طيب إذا كنت مخنث فماذا نريد منك؟ أنا أريد أن أعلم لما يرفضه الذوق السليم؟ لما تمجه النفوس السامية؟ إذا إنسان فى هذه الفحولة وهذه القوة وهذا النشاط، وهو فى سن الشيخوخة عليه صلوات الله وسلامه، يبرهن فيه عن قوته وعن إكرام الله له، تقول: يرفضه الذوق السليم وتمجه النفوس السامية، لما؟ قال: فإذا ما حاولنا أن نبحث طريق وصوله لروايته أو لراويته أو لراويه عجبنا كل العجب، وحق لنا أن نعجب إذا ليس له سوى طريقين. طريق أول: أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول ذلك لإحدى زوجاته، يقول: هذا ما نستبعد وقوعه من عصاة الأمة وطغاتها، فما بالنا بأكرم مخلوق تحلى بأعظم الأخلاق، وحاش أن يفعل الرسول عليه الصلاة والسلام ما يتوجب اللوم، أو ما يوجب الزراية، ولا أحق من أن يذكر مثل هذا أمام إحدى يعنى الزوجات والضرائر، لما غذا قال الإنسان هذا وأنه أعطى قوة وفحولة، دون أن يصف كيفية ما يقع، أى حرج فى ذلك؟ فقال: إنسان عندى نشاط وبإماكنى أن أتصل بأربع نسوة فى ساعة من ليلة، ماذا حرج، ماذا حصل فى هذا؟

يقول والطريق الثانى: يقول، أن يكون دخل عند راوية الحديث وأفضى إليها يعنمى عند إحدى أمهاتنا أزواج نبينا عليه وعليهن صلوات الله وسلامه، كما يفضى الرجل إلى امرأته ثم تركها فتبعته، فدخل عند إحدى زوجاته الأخريات فنظرت من شق الباب ورأت ما رأت، يقول: إذا هذا إما أن يخبر وهذا لا يليق بمرؤةالنبى عليه الصلاة والسلام، أو أنه كان يأتى الراوى أو الراوية ينظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام ماذا يفعل فى بيته، يقول: وهذا لا يمكن، ومن اعجب العجب ألا يتعرض شراح الحديث لمثل هذا الحديث بتجريح أو تصحيح، بل كل ما يقولون ويصرفونه الجهد فيه هم، هل كان نساءه عليه الصلاة والسلام الآتى مر عليهن فى ليلة واحدة تسعا أم سبعاً فى هذا العهد، كذاب ما أحد قال سبعة على الإطلاق، وإنى أترك المؤمن الذى لا يتقيد يالتقليد الأعمى ولا يتبع الأسماء الرنانة التى دس الداسون وأبطل المبطلون تحت ستارها، وهى من كل هذا براء، إنى أتركه ليفكر فى نفسه هل مثل هذا صحيح؟ نعم تحتكم إلينا نقول صحيح، وعقلك قبيح، وهل نشر مثله على سواد الأمة جائز وهو فى الصحيحن، ثم بعد ذلك يقول: يا للداهية الداهية الدهياء والخطة العمياء الرسول الكريم الذى يقول: إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق، والذى ورد من صفاته وشمائله أنه كان يستحى كاستحياء البكر فى خدرها، والذى يقول الله فيه {وإنك لعلى خلق عظيم} ، هذا الرسول وتلك صفاته وأخلاقه وهذه شهادة الله له يزعمون أنه جلس بين صحابته وقال: إنى أوتيت قوة أربعين منكم فى الجماع، لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وأستغفر الله، إلى أخره، يقول بعد ذلك: على أن هذه الأحاديث سواء صح سندها أو لم يصح فهى على ضعفها وظهور بطلانها، قلة لا يعتد بها ما دام إلى جانبها إجماع الأمة وتظاهر الأحاديث الصحيحة التى تدمغها، وتظهر أغراض الدين والمشرع باجلى مظاهرها إلى أخر كلامه.

هذا ألان كتاب يعتبر هذه الأمور نقص، وهذا الكتاب إخوتى الكرام، حقيقة أنا أعجب كيف ينشر ويباع فى بلاد ألإسلام ولما كنت فى بعض الأماكن، أخبرت بعض الكتب التى تبيعه لأن هذا حرام ونشره إفساد للاجيال من قبل هذا الضآل. استمع هنا إلى القرأة التى مرت معنا فى المبحث الثانى نبى ونبىء وقلنا قرأ بها نافع، يقول هنا: لكن القرآء أثابهم الله يأبون إلا قراة نبىء بالهمز، قراة صحيحة متواترة يأثم جاحدها ويكفر منكرها، وانا أشهد الله وملائكته ورسله أنى بها أول الجاحدين، ولكلام القرآء أول المكذبين، ولحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أنزل عليه القرآن أول المصدقين، أنت كذبت الحديث قبل قليل ورددته أوليس كذلك، والقرأة المتواترة الآن تقول: أنت تشهد الله والملائكة والرسل أول الجاحدين بها والقرآء أول المكذبين. إخوتى الكرام: الطعن فى القرآء طعن فى القرأة، يعنى الآن القرأة التى نقرأها قرأة من حفص عن عاصم، أوليس كذلك؟ وهناك نافع فعندما تتطعن فى قرأة حفص، كنافع طعنت فى القرآن يعنى ما هو القرآن، كيقية القرأة للقرآن هى قرأة القرآء. يقول هنا أيضاً للقرآء، يقول: يزعم القرآء أن القرآء يقولون: القرآن الذى نزل ليفهمه سائر الناس لا يجوز تلاوته إلا إذا تلقيناه عن بعض الناس، يعنى لا يجوز تلاوة القرآن إلا بالتلقى، لأنك {حم عسق} ستقرأها حمعسق، فلا بد من التلقى كيف ستضبط كيفية القرأة،.

يقول هنا: يا معشر القرآء إن الرسول والإسلام منكم برآء حتى تتوبوا عن هذا الهرآء، فآخر ما ختم به كتابه هو أخر شىء صفحة 235، يقول هنا: إن سائر الأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام مهما بولغ فى توثيق روايتها وثبوت صحتها لايجوز نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم إلا إذا كانت متفقة مع العقل السليم....... أنا أعجب كلمة العقل، أى عقل سنكتحكم إليه، عقل أم عقلك أم عق بجين أم عقل كارتر أم عقل الشيطان؟ أى عقل سنحتكم إليه؟ يعنى إذا كان مرد الأمور إلى العقل فلا داعى إذاً للنقل، يعنى إذا كنا سنعرض النقل على العقل، خلاص لا داعى إذا لوحى الله ورسله، وكل واحد يقول عقلى عقلى، يقول: مهما بولغ فى توثيق روايتها، لعله يقصد رواتها وثبوت صحتها لا يجوز نسبتها إليه عليه الصلاة والسلام إلا إذا كان متفقة مع العقل السليم والكتاب الكريم، أنت الآن تقول ستصدق النبى عليه الصلاة والسلام، والآن سترد أحديثه، أما إذا اختلفت عن ذلك فى شىء فهى مما دسه الأعداء والرسول منه عليه الصلاة والسلام برآء ولايحق لمسلم أن يدعى صحة ما يرفضه العقل والذوق والمنطق والدين، نعم ما يرفضه العقل لا نقبله، لكن أى عقل؟ العقل الصريح ليس العقل القبيح، العقل الصريح لا يتناقد نقل صحيح مع عقل صريح، أما إذا جاء العقل واستحل الزنا وقال حرية شخصية، كما هو أكثر البشرية والقرآن حرم الزنا حصلت معارضة فماذا نعمل؟ نرد النقل من أجل العقل، سبحان ربى العظيم، تحت كتاب الفرقان فى جمع القرآن وتدوينه هجاءه ورسمه تلاوته وقرآءته وجوب ترجمته وإذاعته، الناشر دار الباز للنشر والتوزيع مكة المكرمة، والله أسأل الله أن يكرمها من هذا الدنس الذى تنشرونه فيها وفى غيرها.

ولما كنت كما قلت لكم فى بعض البلاد فى أبها قلت: يا أخوتى اتصلت بصاحب مكتبة قلت: ما تتقى الله أنت تنشر هذا، قال: يا شيخ ما أعلم ما فيه، قلت: والله إذا زنيت أيسر للك، إذا زنيت أيسرمن أن تنشر هذا الكتاب بين النشىء فى طالب فى المتوسط أو فى الثانوى لا يعرف يأخذه على أنه كتاب لعالم من العلماء وكله ضلال من أوله إلى أخره، وهذا كما يقال: قطرة من مستنقع آثم فى هذا الكتاب، وما اكثر هذه الكتب. الكتاب الثانى كما قلت لكم لأبى رية، الذى سماه أضوآء على السنة النبوية، ورد عليه الشيخ المعلم عليه رحمة الله، الأنوار الكاشفة لما فى كتاب أضواء على السنة، من الذلل والتضليل والمجازفة، وهذا يحتاج إلى رد لكن بالسيف لا بالقلم،

إخوتى الكرام: كان فى نيتى كما قلت فى أول الدرس أن أتكلم على ثلاثة أمور وقعت لنبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه فى خَلْقه، شق الصدر وكم مرة حصل، وما فى ذلك من عبر وعظات، وخاتم النبوة الذى بين كتفيه، وهذا فيما يتعلق بخلقه، وولادته عليه الصلاة والسلام مسرورا مقطوع السرة مختوناً، عليه صلوات الله وسلامه هذه كما قلت: كمال خَلْقى أكرم الله به النبى على نبينا وأنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، أترك الكلام على هذه الأمور الثلاثة للموعظة الآتية، وقدر الله وما شاء فعل، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، اللهم زدنا ولا تنقصنا وأعطنا ولا تحرمنا، اللهم اكرمنا ولا تهنا، اللهم آثرنا وتؤثر علينا، اللهم أرضنا وارض عنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماَ كثيرا، اللهم اغفر لآباءنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارى، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، اللهم لا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبيناء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

17قوةالنبىصلى الله عليه وسلم

علامات قوة النبي (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان علامات قوة النبي (1) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام: كنا نتدارس العلامات التى يعرف بها صدق أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه، وقلت: هذه العلامات كثيرة وفيرة يمكن أن نجملها فى أربع علامات، الأولى منها: النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه، فيما يتعلق بخَلْقِه وخُلُقه. والأمر الثانى: النظر إلى دعوته. والثالث: النظر إلى المعجزات وخوارق العادات التى أيده بها رب الأرض والسماوات. والرابع: النظر إلى حال أصحابه.،

هذه الأمور الأربعة إخوتى الكرام، قلت من تأملها يستطيع أن يفرق بين النبى والمتنبىء، بين النبى والدعى، بين النبى الصادق والمتنبىء الكذاب، وكنا إخوتى الكرام نتدارس العلامة الأولى، النظر إلى النبى عليه الصلاة والسلام فى نفسه، فمن تأمل أنبياء الله ورسله عليهم جمعيا صلوات الله وسلامه خَلْقاً وخُلُقا واستبان من هذا التبين أنهم رسل الله حقا، كنا نتكلم إخوتى الكرام عن حال الأنبياء من حيث الخلق وهو الشق الأول من العلامة الأولى وغالب ظنى أننا تدارسنا هذا فى موعظتين ويعلم الله ما كان فى ظنى أن يطول الأمر إلى هذا المقدار ولعل هذه الموعظة أيضا ستكون فى بيان أيضاً ما يتعلق بخلق النبى عليه الصلاة والسلام، وأما الخلق وهو الشق الثانى من العلامة الأولى فنتدارسه فى المواعظ الآتية إن أحيانا الله. إخوتى الكرام: قلت إن الله جعل أنبياءه ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه فى درجة الكمال فيما يتعلق بخَلْقهم وخُلُقهم، أما الخَلْق ففيه الكمال جلال وجمال، كما تقدم معنا، ملاحة وبهاء فجمع هذا النبى نبينا وأنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه الطكمال فى الخلق ففيه ملاحة وبهجة وإشراق وفيه جلال وهيبة ورهبة كما تقدم معنا شىء من تقرير هذا. إخوتى الكرام: هذا الخلق الذى جعلهم الله عليه بهذه الصورة مع الخٌلٌق الذى هو أيضا فى درجة الكمال قلت: يستحيل أن يكون كمن اتصف بهذا الوصف فىكمال فى خَلءقه وخُلُقه ثم بعد ذلك يكذب على ربه جل ولاع ولا يعاجله الله بالعقوبة وهو يقول إنه رسول عليه الصلاة والسلام، والله يزيده كمالا فى خَلْقه وخُلُقه، هذا لا يمكن أن يقع على الإطلاق تقدم معنا شىء كما قلت مما يتعلق بخَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام وأريد أن أكمل هذا الموضوع فى هذه الموعظة إن شاء الله. و إخوتى الكرام:

أنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه حازوا درجة الكمال فى الخَلْق ومن هذا الكمال الذى كانوا عليه فى خلقهم القوة والشجاعة على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فأقوى الناس على الإطلاق أنبياء الله ورسله، وأقوى أنبياء الله ورسله نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرنا ربنا جل وعلا عن هذه القضية فيما يتعلق بالأنبياء وأثنى عليهم بالقوة فالله جل وعلا يقول فى حق العبد الصالح داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه {واذكر عبدنا داود ذا الأيدى إنه أوآب} ، والأيد: مصدر آد يأيد أيداً إذا قوى واشتد، {واذكر عبدنا داود ذا الأيدى} أى ذا القوة، صاحب القوة البدنية والقوة القلبية العلية، {واذكر عبدنا داود ذا الأيدى} ، والأيد: كما قلت: مصدر آد يأيد أيداً كما لفظ الأيد يأتى بمعنى جمع اليد أيدى، والمراد هنا المصدر ومنه قول الله جل وعلا {والسماء بنيناها بأيد} ، أى بقوة وإحكام وإتقان، {ما رتى فى خلق الحمن من تفاوت} ، وليس المراد بنيناها بأيدينا كما قال الله {ما منع أن تسجد لما خلقت بيدى} ، لا ليس هنا إثبات صفة اليد لأن الأيد هنا مصدر آد يأيد أيدا، أى قوى، {واذكر عبدنا داود ذا الأيدى} .

وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قوة هذا العبد الصالح فى خَلْقه وخُلُقه على وجه التمام والكمال، ففى المسند والصحيحين وغير ذلك والحديث فى أعلى درجات الصحة من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال سمعغت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: [أحب الصلاة إلى صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان لا يفر إذا لآقى] إذا التقى بأعداء الله لا يفر، فهذا نبى والله ضمن له النصر وهو صاحب القوة على نبينا وعلى أنبيناء الله ورسله صلوات الله وسلامه، كيف يتوقع أن يقرويهرب؟ هذا لايممكن أن يتصف به نبى صيامه أكمل صيام يصوم يوماً ويفطر يوما وهذا أشق من صيام الدهر، لأن من صام الدهر صار له عادة وديدنة لا يشعر بمشقة أما الذى يصوم ثم يفطر ثم يصوم، هذه عبادة يميزها عن العادة، وحقيقة هذا هو العزم وهو الكمال وهكذا فى القيام ينام نصف الليل ثم يقوم الثلث، ثم ينام السدس،.

وهذا أعظم مما لو قام الجزء الأخير أوالجزء الأول أو الليل بكامله هذا أشق وأعظم عند الله جل وعلا، فلو قدرنا أن الليل عشر ساعات من الساعة السابعة ننتهى من صلاة العشاء مثلا إلى الفحر الساعة الخامسة، لو قدرنا أن الليل عشر ساعات ينام خمس ساعات هذا النصف، ثم يستيقظ ثلاث ساعات وكسر، قدرها ثلاث ساعات ونصف فى التهجد، ثم ينام ساعة ونصف، فيكون قد قام من الثلث الأخير نصفه، لأن الثلث الأخير ثلثا الليل أوليس كذلك، نام النصف وهو الذى سدس الليل كله نام نصف الثلث الذى هو سدس وقام بعد ذلك نصفه مع نصف الليل أيضا لأنه قد يقول قائل: يعنى لما ما قام ثلث الليل الأخير كله؟ نقول: قام قبله فحصل من ثلث الليل الأخير الذى له فيه فضيلة حصل نصف ثلث الليل الأخير واضح هذا، بعنى هو عندما نام عندما قام ثلث الليل، ثلث الليل كما قلت: فيه جزء من ثلث الليل الأخير وهو نصف الليل الأخير دخل معه، لأن ثلث الليل الأخير سدسان، فلما نام السدس بقى كما قلت: سدس، وهوسدس الليل الكامل قامه فى قيامه، انظر لهذا القيام ينام النصف يقوم الثلث ينام السدس وفى نيامه السدس هذا إعانة لبدنه على صلاة الفجر بجد ونشاط وذهاب للصفرة من وجهه لأن من واصل القيام اصفر وجهه، فلا يريد ان يحصل فيه هذه العلامة ويريد أن يستقبل الطاعة بجد ونشاط ثم انظر لهذا كما قلت: نوم قيام نوم قيام، هذا أصعب مما لو كان قياما متصلا فى الثلث الأخير، فهذه عبادته وقوته وكان لا يفر إذا لاقى، وهذا حال نبينا عليه صلوات الله وسلامه فلنمتع أنفسنا بقوة نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذه الموعظة، ثم بعد ذلك أتكلم على ثلاثة أمور أكرم الله بها بدن نمبينا عليه الصلاة والسلام شق صدره وخاتم النبوة الذى بين كتفيه وولادته مختوناً مسرورأ عليه صلوات الله وسلامه، وهذه كلها من باب الكمال فى الخَلْق الذى تميز به عن سائر الخلق عليه صلوات الله وسلامه.

أما قوته: فقد ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن النسائى والحديث إسناده صحيح عن على رضي الله عنه وهو الشجاع الصنديد، يقول على رضي الله عنه فى موقعة بدر لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهوأقربنا إلى العدو وكان أشد الناس بأساً، أى قوة، على والصحابة الكرام يلوذون أى يحتمون بالنبى عليه الصلاة والسلام، سبحان الله، يعنى متى جرت عادةالجنود أن يحتموا بقائدهم، الأصل: الأمير هو الذى يحتمى بالجنود، هنا العكس، أشجعنا يلوذ يحتمى يختبىء ورآء النبى عليه الصلاة والسلام من شدة بأس الحرب وكان عليه الصلاة والسلام أشد الناس بأساً. الحديث فى المسند وفى سنن النسائى كما قلت، لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهوأقربنا إلى العدو وكان أشد الناس بأسا. وفى رواية يقول على رضي الله عنه كما فى المسند: لما حضر البأس يوم بدر، البأس: القتال والشدة والمشقة،.لما حضر البأس يوم بدر إتقينا رسول صلى الله عليه وسلم، أى احتمينا به وجعلناه وقاية لنا بيننا وبين العداء عليه صلوات الله وسلامه، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أشسد الناس بأسا، ما كان أو لم يكن احد أقرب إلى المشركين منه، ما كان أو لم يكن أحد أقرب إلى المشركين منه، هذا النبى عليه صلوات الله وسلامه هو فى المقدمة وهو أشد الناس بأسا، وشجعان الصحابة الكرام يلوذون به ويتقون به عليه صلوات الله وسلامه، هذه قوة الأنبياء هذا كمال الخَلْق، هذه القوة العظيمة التى أعطاها الله لأنبياءه ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه ليكونوا فى درجة الكمال، خَلْقاً وخُلُقا، أما نبى رعديد جبان لو خوف ينقطع قلبه حقيقة هذا لايصلح أبداَ، هذا فى الناس منقصة فكيف يتصف به نبى الله على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه.

لذلك فى قصة حادث الهجرة الشهير، أشجع الخلق بعد الأنبياء أبو بكر على نبينا وعلى أنبياء ورسله والصديقين جميعا صلوات الله وسلامه، مع ذلك يقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدمه لرأنا، انظر لكلام النبى عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظتك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا، فانظر لحال أبى بكر وحال نبينا عليه الصلاة والسلام وحال أبى بكر على حسب حاله، وكان خوفه رضي الله عنه على النبى عليه الصلاة والسلام، يتخوف عليه ويقول: أنا إن مت ومت ففرد، وأما أنت فالعالم كله بحاجة إليك عليك صلوات الله وسلامه، لكن اعتراه ما اعتراه من الخوف البشرى والضعف الجبلى فى الإنسان، لكن نبينا عليه الصلاة والسلام هون عليه، ما ظنك باثنين الله ثالثهما، {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} ، حقيقة هذا هو حال أنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه إذا أجدع الصحابة يلوذ ويتقى ويحتمى ويتترس بالنبى عليه الصلاة والسلام وهذا الوصف من على رضي الله عنه تتابع الصحابة رضوان الله عليم على ذكره فى نبينا عليه الصلاة والسلام وعلى أن هذا الوصف كان وصفا للنبى عليه الصلاة والسلام فى جميع المعارك، فهوالذى لايمكن أن يفر ولا أن يقع فى قلبه شىء من الهول الرعب والفزع عليه صلوات الله وسلامه. فى موقعة حنين، والحديث فى الصحيحين قال رجل للبراء رضي الله عنه وأرضاه يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ أفررتمك هذه كلمة عامة شاملة دخل فيها النبى عليه الصلاة والسلام والصحابة، فقال البر اء رضي الله عنه وأرضاه: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر وفى رواية لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يولى، أى ظهرهو لم يهرب، وفى رواية، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ولى.

نعم نحن حصل منا ما حصل لكن النبى عليه الصلاة والسلام ما حصل منه فزع ولا رعب ولا فرار، إذا من الذى فر؟ شبان هؤلاء بعد فتح مكة، خرجوا سراعا إلى موقعة حنين وأكثرهم حديث عهد بإسلام وشبان ليس عندهم أسلحة، فكانوا فى المقدمة كما سيأتينا فلما رشقوا بسهام كالمطر ولوا وفروا، وما عندهم علم بأساليب الحرب والقتال، فمن الذى ثبت؟ ثبت النبى عليه الصلاة والسلام ومعه كبار الصحابة كما سيأتينا رضوان الله عليهم أجمعين، قال: جاء رجل إلى البراء فقال: أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة، قال: أشهد على نبى الله صلى الله عليه وسلم ما ولى ولكنه انطلق اخفاء من الناس، أى متخففون ليس عليهم سلاح وهم أيضا أخفة فى أنفسهم شباب عندهم نشاط وحسر أخفاء من الناس، شباب حسر جمع حاسر لا يحملون شيئاً من الأسلحة ويعنى عدة القتال، إلى هذا الحى من هوازن، وهم قوم رماة، فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد، رجل: أى قطعة كبيرة من جراد، أى كأنها سرب عظيم، كأنها رجل من جراد، أى جراد منتشر، جاءت السهام كأنها مطر فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث وهو ابن عم النبى عليه الصلاة والسلام، أبو سفيا بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم النبى عليه الصلاة والسلام، وأبو سفيان بن الحارث، يقود به بغلته، فنزل النبى عليه الصلاة والسلام عن بغلته وترجل ودعى واستنصر وهو يقول: أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، اللهم نزل نصرك، قال البراء: كنا والله إذا احمر البأس نتقى به، وإن الشجاع منا للذى يحاذى به، يعنى النبى صلى الله عليه وسلم.

وفى رواية لمسلم، قال رجل للبراء "يا أبا عمارة فررتم يوم حنين، قال: لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شبان أصحابه واخفائهم حسر، ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح فلقوا قوماً رماة، لا يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا، ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر وقال: أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، على نبينا صلوات الله وسلامه، وبعد ذلك جاءه الصحابة الذين فروا رضوان الله عليهم أجمعين وحصل لهم النصر.

وثبت فى الصحيحن أيضاً من حديث أنس وعبد الله بن زيد وهو الأنصارى الذى أُرى الآذان فى نومه رضي الله عنهم أجمعين، أن النبى عليه الصلاة والسلام عندما كان على بغلته فالتفت يمينا وقال: يا معشر الأنصار، قالوا لبيك رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن معك أبشر، فالتفت عن يساره وقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن معك أبشر، نحن ما نفر، ولذلك طلب النبى عليه الصلاة والسلام من العباس أن ينادى: يا أهل بيعة الشجرة، يا أهل بيعة العقبة تعالوا أنتم الخلص، فهؤلاء الشبان الأخفاء ما عندهم دراية بالحرب وحديث عهد بإسلام فحصل ما حصل، أما الخميرة والأساس تظهر فى هذا الوقت، فانعطفوا على النبى عليه الصلاة والسلام ورجعوا إليه عطفة البقر على أولادها، وكتب الله لهم النصر، ونتيجة المعركة عندما تألف النبى عليه الصلاة والسلام بقسط كبير من هذه الغنائم بعض الذين أسلموا فى فتح مكة ودخل فى قلب بعض الأنصار شىء، أما أهل الرأى منهم والشيوخ فسلموا الأمر للنبى عليه الصلاة والسلام، وأما الشبان منهم، فكأنهم وجدوا شيئا، وأنهم هم أهل القتال وأهل النجدة وعن يمين النبى عليه الصلاة والسلام وعن شماله، فعند الفزع يكثرون وعند المغانم بعد ذلك يأتوا أهل الطمع ويأخذون، هم أولى حقيقة بهذه المغانم فلما علم النبى عليه الصلاة والسلام، بما دار بينهم جاءهم وقال لهم: أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، فبكوا وقالوا: بلا، فقال النبى عليه الصلاة والسلام: والله لو سلك الأنصار شعبا وسلك الناس شعبا باسرهم لسلكت شعب الأنصار، والحديث فى الصحيحن، الأنصار شعار والناس دثار، والشعار هو الثوب الذى يلاصق البدن، والدثار ما يكون فوقه، أى أنتم خاصتى وليس بينى وبينكم كلفة، ولذلك إذا حصل يعنى شىء من الحيث الظاهرى عليكم فأنا وأنتم حالنا واحد، أما هلاء نتألفهم ونعطيهم هذا

المال، وأما أنا وأنتم فليست همتنا فى هذا العرض الدنيوى، أنتم شعارى، الأنصار شعارى، شعار والناس دثار، رضي الله عنهم وأرضاهم. إذاً كانوا يتقون برسول الله صلى الله عليه وسلم كما يقول البراء: كنا والله إذا احمر البأس أى اشتد القتال، وحصل لمعان السيوف وبريقها كأنها شمس تضىء من اصطكاك السيوف ببعضها، ونار تقدح كنا فى هذه الحالة نتقى برسول الله صلى الله عليه وسلم. إخوتى الكرام: قول نبينا عليه الصلاة والسلام أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، هذا شعر وهو نوع من أنواع الرجز والرجز الشعر، والله يقول فى حق نبيه عليه الصلاة والسلام {وما علمناه الشعر وما ينبغى له} ، والسبب فى ذلك أن الله صان أنبياءه ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه عن الشعر أن الشعر كما قال أئمتنا مبنى على المجازفات والمبلاغات والخيالات والتلبيسات فأعذبه أكذبه، فلا يمكن أن يكون إذا فى النبى عليه الصلاة والسلام يضاف إلى ذلك أن الشعر فيه شىء من الفصاحة فلو اتصف النبى عليه الصلاة والسلام لقالوا: ما يأتينا به هو من باب الفصاحة التى هو ماهر فيها وهو الشعر عدى كما قلت: عن أن الشعر قائم على التخييل والتلبيس وإظهار الباطل بثوب الحق، فقد يقال: ما أتانا به من نصوص شرعية، هذا هو حال الشاعر موه علينا بهذه العبارات المعسولة، {وما علمناه الشعر وما ينبغى له} ، فكيف قال الشعر، أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب.، زعم بعض روات الحديث أن البيت ينبغى أن يفتح، أنا النبى لا كذب لينكسر الوزن وللألا يكون شعر، انا ابن عبد المطلب، فيقول: إذا يخرج عن وزن الشعر، وهذا فى الحقيقة خلاف الرواية الثابتة، وإذا ثبتت الرواية فما هو التوجيه بين قول نبينا عليه الصلاة والسلام للشعر ونفى الله للشعر عنه والشاعرية فيه فلم يكن شاعراً عليه صلوات الله وسلامه. ذكر أئمتنا عدة توجيهات لذلك منها:

قيل هذا لم يقله النبى عليه الصلاة والسلام، إنما قيل له فغيره هو الضمير، قيل له: أنت النبى لا كذب أنت ابن عبد المطلب، فى غير موقعة حنين، فتمثل بما قيل له مع تغيير الضمير فليس هو من نظمه وقوله وإنشاءه عليه صلوات الله وسلامه.، أنت النبى لا كذب أنت ابن عبد المطلب، فهذا الذى مدح به، أخبر به عن نفسه فى موقعة حنين فقال: أنا النبى بدل أنت أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، وهذا يحتاج إلى اثبات كما قال أئمتنا. والجواب الثانى، والتوجيه الثانى، قالوا: هذا رجز والرجز ليس من الشعر وهذا لا يصح الرجز نوع من أنواع الشعر، والقول الثالث: قيل إن الشعر يطلق على القطعة التامة والقيدة، فمن قال بيتا أو بيتين لا يقال له شاعر، وقد يقول الإنسان أحياناًء كلاما فيأتى على وزن الشعر ولا يقصد الشعر هذا يقع أحيانا فى كلام الناس، مرة قلت يعنى هكذا جملة مع بعض إخواننا قال: هذا على وزن كذا من بحور الشعر، قلت: يعلم الله، لا أعرف الشعر ولا أوزانه، وهذا لا لمدح فىّ هذا نقص، عدم الشعر فى البنى عليه الصلاة والسلام مدح، أما فينا لجهلنا به، يعنى ما عندى علم، قال: هذا الذى تقوله من أحد إخواننا ممن يدرس الأدب، يقول: هذه الجملة التى ذكرت الآن بيت من الشعر خلال كلامك، فهذا دون قصد، وهنا: أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، قالها دون قصد للشعر، والشاعر هو الذى يلقى قصيدة وقصائد، أما أن يقول الإنسان بيتاً واحداً، فهذا لا يدخله فى وصف الشعراء.

والتوجيه الرابع: وهو الذى ذهب إليه الحافظ ابن حجر وقدمه على هذه التوجيهات الثلاثة وهو قريب من الثالث، قال: يكون الإنسان شاعراً إذا قال الشعر لما قصده، إذا قال شعراً وقصده، وأما إذا قال شعراً بيت أو أكثر دون قصد، أى تكلم بكلام ووافق أوزان الشعر فلا يكون شاعرا، فالجواب الفارق بين الثالث والرابع، الثالث يقول: لا يكون شاعراً إلا إذا قال قطعة كبيرة، البيت والبيتين لا يكون فيها شاعرا، على التعليل الرابع يقول: مهما قال من أبيات لا تعتبر شعرا إلا إذا قصدها، فقد يقول كلاماً وهذا الكلام يأتى عهلى أوزان الشعر لكن دون قصد منه، فلا يدخل إذا فى وصف الشعراء وأنه شاعر {وما علمناه الشعر وما ينبغى له} . وقول النبى عليه الصلاة والسلام: أنا النبى لا كذب، يحتمل أمرين اثنين. الأول: وهو الذى يتعلق ببحثنا أنا النبى، قد وعدنى الله بالنصر ولن يكذبنى الله، ولن يخلف وعده، فكيف أفر، كيف أولى الأدبار، هذا يقع أعنى الفرار ممن ليس بمبوعوث ومرسل من قبل العزيز القهار، فهو لا يثق هل سيحصل له النصر أم لا، أما أنا لو اجتمع العالم بأسره، أنا نبى الله حقاً وصدقاً، أنا النبى وعدنى الله بالنصر بدون كذب ولن يكذبنى، لن يخلف الله وعده، أنا ابن عبد المطلب، فإذا أنا النبى حقا وصدقا ووعدنى الله بالنصر ولا يمكن أن يخلف الله وعده، ولذلك تحصل فىّ هذه الشجاعة هذه القوة، هذا الثبات، هذه الرجولة على وجه التمام والكمال. والقول الثانى: قريب منه لكن يختلف فى التعليل، أنا النبى لا كذب، أى أنا صادق فى دعوى النبوة، أنا ابن عبد المطلب، فليس إذا على التوجيس يعنى لا كذب بمعنى أنه لن يكذبنى الله ما وعدنى به من النصر.

أما القول ألأول: أنا النبى ووعدنى الله بالنصر فلا كذب فى وعد الله لى وسأنتصر وتكون الدائرة لى على من خالفنى وعادانى مهما كثر وقوى، أنا النبى لاكذب لوعد الله لى بالنصر، أنا النبى لا كذب فى دعواى فأنا رسول الله حقاً وصدقا، والقولان متقاربان لكن القول الأول والتعليل الأول كما قلت أظهر القولين، فكأنه يقول: أنا النبى وإذا كان نبياً فهو صادق فى دعوى النبوة كأنه يقول: أنا النبى وبرهان نبوتى ان الله سيحقق لى ما وعدنى من نصرى عليكم وسترون فى نهاية الأمر، {ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} ، أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، على نبينا صلوات الله وسلامه، وإنما أضاف نفسه إلى جده لأنه يشتهر بذلك عند الناس، فوالده عبد الله توفى والنبى عليه الصلاة والسلام حمل فى بطن أمه على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه ولذلك كان يضاف إلى جده الذى تعهده وتعهد به وتكفل به ورباه حتى بلغ من عمره ثمانى سنين أوليس كذلك عبد المطلب توفى وعمر النبى عليه الصلاة والسلام كان ثمانى سنين، فكان يقال له: ابن عبد المطلب، ولذلك عندما كانت تأتى وفود الأعراب ليسألوا النبى عليه الصلاة والسلام كحديث ضمامة فى صحيح مسلم وغيره يقول: يا ابن عبد المطلب إنى سائلك ومشدد عليك، ابن عبد المطلب سيخاطب بهذا، وهنا أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب على نبينا صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: فى موقعة حنين لما نزل النبى عليه الصلاة والسلام من بغلته وترجل على رجليه أخذ كفاً من رمل وحصى كما هو ثابت فى صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، ثم رماها فى وجوه هوازن الذين جاءوا ورشقوا الصحابة كما قلنا برشق من نبل كأنها رجل من جراد، أى جماعة كبيرة من جراد، أخذ كفاً من تراب وحصى ثم نسفها فى وجوه القوم، فقال: شاهت الوجوه، يقول سلمة: فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ الله عينيه ترابا من هذه الرمية التى رماها نبينا عليه صلوات الله وسلامه {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} ، شاهت الوجوه. إخوتى الكرام: فى حديث سلمة أمر ينبغى أن تنتبهوا له غاية الإنتباه، وقد وهم بعض الناس فيه وهماً فاحشا قبيحا، يصان عنه نبينا عليه الصلاة والسلام ويتنزه عنه، فى حديث سلمة رضي الله عنه يقول سلمة: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما، قوله منهزما، هذا حال من الفاعل لا من المفعول، أى مررت منهزماً برسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن فى التعبير تأخير، الأصل يقول سلمة: أنا كنت منهزما، هكذا الكلام مررت وأنا منهزم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته البيضاء ويقول: أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب، فقوله: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما، هذا حال من ضمير مررت وهو سلمة لا من المفعول فى قوله برسول الله عليه الصلاة والسلام، واضح هذا، يعنى ليس حال من رسول الله، حال من سلمة الذى كنى عنه بالضمير، ضمير الفاعل، مررت منهزماً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام النوى عند شرح هذا الحديث يقول: أجمع المسلمون على أن النبى عليه الصلاة والسلام لا يفر ولا ينهزم ولا يقع فى قلبه الروع والرعب عليه صلوات الله وسلامه، فإذاً منهزما حال من سلمة، وتقدم معنا حال نبى الله داود على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه ذا الأيد ولا يفر إذا لاقى، فكيف بمن هو أشجع وأشجع وأقوى وأقوى منه ومن خلق الله أجمعين، نبينا الأمين عليه صلوات الله وسلامه، يهزم فى موقعة حنين؟ هذا لا يمكن إنما الرواية، مررت منهزماً برسول الله عليه الصلاة والسلام، يغنى أنا منهزم لكن مررت والنبى عليه الصلاة والسلام ثابت، فبعض الناس ينصرف ذهنه إلى أن منهزماً حال من رسولنا عليه الصلاة والسلام، وهذا فى منتهى الضلال، فإياك أن تظن هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أشجع الخليقة وأقوى الخليقة واكمل الخليقة خَلْقاً وخُلُقاً عليه صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام: هذا الوصف كما قلت فى كمال، الكمال الخًَلْقى فى النبى عليه الصلاة والسلام متواتر وورد نقله عن الصحابة بروايات متعددة، تقدمت معنا رواية على فى بدر رواية البراء فى حنين.

انظرلهذه الرواية الثالثة من رواية أنس رضي الله عنه وأرضاه فى غير الموقعتين المتقدمتين وهذا هو حال النبى عليه الصلاة والسلام فى جميع الأحوال. ثبت فى المسند والصحيحين والحديث فى سنن أبى داود والترمذى عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس، جمع الله فيه الكمال والجلال، الملاحة والبهاء عليه صلوات الله وسلامه، أحسن الناس وكان أجود الناس، والصفةة الثالثة كان أشجع الناس، طيب برهن على شجاعته، هات قصة تبرهن على هذا، يقول أنس: كما فى الصحيحن والكتب الذى ذكرتها، ولقد فزع أهل المدينة ليلة، اعتراهم فزع، لشىء حدث فى ناحية من نواحى المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، حصل شىء ظنوا أنه يعنى باغت المدينة عدوا فى تلك الناحية، فاعتراهم فزع، يقول: فانطلق ناس قبل الصوت، لنفرض أنه مثلا وجد حريق أو وجد شىء فى ذلك المكان فاعترى الصحابة فزع فى تلك الليلة فأسرعوا إلى جهة الصوت الذى جاء منه يعنى أسباب الفزع، قال: فاستقبلهم االنبى صلى الله عليه وسلم عائداً من جهة الصوت، هم لا زالوا يذهبون، هذا ذهب قبلهم، وكشف الخبر وعاد عليه صلوات الله وسلامه، على فرس عرىٍ، أى ليس عليه سراج يضعه، الذى يوضع على ظهر الخيل، على فرس عرى، وهذا لا يقال إلا فى البهائم، وأما بنى أدم، يقال لهم: عريانا، على فرس عرى استعاره من أبى طلحة، وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا، لا يوجد فزع، إنما هناك شىء طرأ من داخل المدينة على منورها صلوات الله وسلامه، وما جاء عدو وما يوجد شىء من أسباب الفزع، هم خرجوا والنبى عليه الصلاة والسلام، خرج وكشف الخبر وعاد بمفرده على فرس عرى عليه صلوات الله وسلامه، ويقول: لن تراعوا لن تراعوا لن تراعوا لن تراعوا، ثم قال لأبى طلحة: غن وجدناه أى هذا الفرس الذى استعرته منك لبحرا، أى هو متسع واسع الجرى شديد السرعة كأنه بحر لا ينفد وهذا الفرس قوته لا تضعف وجريه لا

يفتر، إن وجدناه لبحرا، هو كذلك؟ لا، يقول انس رضي الله عنه، ولقد كان يبطأ، هذا الفرس، يعنى إذا مشى مع الخيول هو أبطأها، لكن لما ركبه خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه، صار بحرا، وإن كان ليبطأ، ثم ماسبق بعد ذلك، هذا الفرس ما سبق بعد ذلك، والحديث فى الصحيحين، إن كان ليبطأ وشىء يركبه رسول الله عليه الصلاة والسلام يسبق؟، هو لا يسبق، ومركوبه لا يسبق عليه صلوات الله وسلامه قطعاً وجزماً، هذا حاله كان لا يبطأ، نعده بطيئا، وإذا حصلت المسابقة بينه وبين الخيول هو فى المؤخرة، لكن صار بعد ذلك لا يسبق، إن وجدناه لبحرا، هذا يعنى عظيم، سرعته قوية لا تفتر كالبحر لا ينفد، إن وجدناه لبحرا.

إخوتى الكرام: يحق لمركوب يركبه خير خلق الله عليه الصلاة والسلام أن يكون كذلك، سيأتينا إن شاء الله عند حديث الإسراء، لما قدم البراق إلى النبى عليه الصلاة والسلام ليركبه وهو دابة دون الفرس وفوق الحمار على نبينا صلوات الله وسلامه، دون البغل وفوق الحمار، لما قدم له هذا البراق ليركبه، مأخوذ كما سيأتينا من البريق، وهو اللمعان أو من البرق من شدة السرعة كأنه برق خاطف، لما قدم له ليركبه، بدأ يستصعب ويعنى يعتريه امتناع وإباء، فقال له جبريل: ما لك والله ما ركبك أحد قبله، خير منه، مالك، ما ركبك قبل النبى عليه الصلاة والسلام أحد قبل النبى عليه الصلاة والسلام، مالك: قال: فانصب عرقاً، بدأ هذا البراق وهذه الدابة تسيل عرقا حياء، أما تعليل امتناع البراق، علل بأمرين محل الشاهد، يقول الإمام ابن حجر،: امتنع الراق ليس امتناع إباء إنما امتناع زهوٍ وخيلاء لما قدم البراق للنبى عليه الصلاة والسلام ليركبه بدأ يضرب برجليه ويفتخر يركبنى خير خلق الله، لكن هذا الإفتخار يعنى ما فيه كما قلت ليونة ليركبه النبى عليه الصلاة والسلام لكن هو يفتخر وامتناعه ليس امتناع إباء إنما امتناع زهو وخيلاء، فهذا الزهو والخيلاء الذى حصل له عندما اقترب من النبى عليه الصلاة والسلام ليركبه ترتب عليها نفور فيه فاستصعب على النبى عليه الصلاة والسلام، لكن هذا الإستصعاب لا من باب الإباء، من باب الزهوّ والخيلاء يبتهج يركبنى خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه، لكن هذا الزهو، إذا طغى يعنى على الأدب الواجب يعاتب عليه مالك، ماركبك أحد قبله خير منه عليه صلوات الله وسلامه، فكيف أنت إذاً يعنى يحصل فيك ما يحصل، انصب عرقاً واستكان حياءا فركبه نبينا عليه الصلاة والسلام، وهنا هذا الفرس العرى الذى ركبه نبينا عليه الصلاة والسلام ليكسف اثر الفزع الذى حصل فى قلوب أهل المدينة المنورة على نبينا صلوات الله وسلامه، يركبه وهو عرى وهو كما قلنا بطىء

المشى يبطأ فيقول له النبى عليه الصلاة والسلام: إنه بحر ثم ما سبق بعد ذلك، والحديث فى الصحيحين، أخذ القوة ممن ركبه واخذ الشجاعة ممن امتطاه، ظهره على نبينا صلوات الله وسلامه. إذاً هذه قوة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، هم أكمل الناس خلقا، جمالا وجلالا ملاحة وبهاءا على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام: والأحاديث فى ذلك كثيرة كما قلت: نعطر حياتنا بما يتعلق بقوة نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذه الموعظة وأنتقل للأمور الثالثة بعدها، حديث رابع: ثيت فى الصحيحين وغيرهما من حديث جابر وصحابة مختلفون، على والبراء وأنس وجابر، ووالله إن ذلك متواتر عن نبينا عليه الصلاة والسلام فيما وصفه به الصحابة الكرام، أنه أشجع الناس أنه أكرم الناس، أنه أحسن الناس، أنه أقوى الناس عليه الصلاة والسلام، هذا فيه تواتر، والقوى منهم يلوذ بالنبى عليه الصلاة والسلام عند الشدة ويتقى به عليه صلوات الله وسلامه ويتترس به عليه صلوات الله وسلامه. انظر لهذا الحديث وهو فى الصحيحين وغيرهما من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: غزونا قبل نجد ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما يعنى أردنا أن ننام القيلولة عند القائلة فى الظهيرة تفرق الصحابة تحت الشجر وذهب النبى عليه الصلاة والسلام تحت شجرة وعلق سبفه بغصن من أغصانها ثم نام تحتها وما معه أحد فداه نفسى وأبى وأمى عليه صلوات الله وسلامه، ففطن بعض المشركين لحال الصحابة الكرام الطيبين وأنهم ناموا وابتعدوا عن النبى عليه الصلاة والسلام، فجاءه واسمه غورث بوزن جعفر

قوت النى صلى الله عليه وسلم2_2

ذكر الشيخ 1_تكملة الرواية التى تدل على ان النبى صلى الله عليه وسلم اختار الدون من الطعام فى الكم وفى الكيف 2_الروايات التى تدل على شد صفائح الحجارة على بطن نبينا صلى الله عليه وسلم 3-معجزة تكثير الطعام فى يد النبى صلى الله عليه وسلم

قوت النبى صلى الله عليه وسلم2_2

تكملة قوت النبي - صلى الله عليه وسلم - (2) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان وما أعلم من هذه الترتيبات هل رأى النبى صلى الله عليه وسلم النقى فقال سهل ما رأى النبى صلى الله عليه وسلم النقى من حين ابتعثه الله حتى قبض ما وقعت عيناه على نقى دقيق بر منخول هذا ما رآه مطلقا عليه الصلاة والسلام ودقيق الشعير لا ينخل عندهم ينفخ نفخا أما دقيق بر وستنخله أيضا يعنى هذا فى الحقيقة ترف يعنى كترفنا فى هذه الأيام ونسأل الله حسن الختام ما رأى النبى صلى الله عليه وسلم النقى من حين ابتعثه الله حتى قبض فقيل لهم هل كانت عندكم مناخل تنخلون بها فقال سهل ابن سعد ما رأى النبى صلى الله عليه وسلم منخلا قط من حين ابتعثه الله حتى قبض فقيل له فكيف كنتم تأكلون الشعير ما عندكم النقى يعنى دقيق البر ولا مناخل كيف تأكلون الشعير غير منخول ومناخل لا توجد فقال كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار وما بقى فريناه بالماء يعنى بللناه بالماء وعجناه ثم خبزناه نطحنه وننفخه فيطير ما طاب وما بقى فريناه والشعير إخوتى الكرام لعل من أكله يعرف حاله قشره كالإبر يعنى لو أخذت قشرة الشعير وضربتها فى جلدك يخرج الدم منها فكيف ستدخل للجوف بدون نخل هذا حال من آثر الآخرة على الدنيا ينفخ فما طار منه طار من هذا القشر الخفيف والباقى بعد ذلك يبل بالماء ويعجن ثم يخبز ويؤكل.

إخوتى الكرام: المنخل قال علماء اللغة بضم الميم والخاء وهذا من النوادر لأنه اسم آلة والأصل أن يقال مِنخَل مطرقة هذا الأصل لكن خرج عن الأصل فهو منخل واسم الآلة ينبغى أن تكسر أوله وتفتح ثالثه منخل هذا الأصل لكن هذا من النوادر كما قال علماء اللغة مُنخُل بضم الميم وضم الثالث ثالثة الحروف الخاء منخل والأصل منخل هذا الأصل مطرقة وهنا منخل منشار الأصل أن يكسر الأول ويفتح الثالث اسم آلة لكن هنا منخل جاء على كما قلت هذه الصيغة وهو من النوادر فى الاستعمال عند العرب بضم الأول والثالث وهو اسم آلة منخل وهو ما ينخل به ومعروف ما رأى عليه الصلاة والسلام منخلا منذ أن بعثه الله حتى قبضه الله عليه صلوات الله وسلامه وهذا ثابت فى أحاديث كثيرة ففى مسند الإمام أحمد عن أمنا عائشة رضى الله عنها ولا تعتبر رواية كاملة لأنه تقدم معنا رواية عائشة فى تقرير طعام نبينا عليه الصلاة والسلام إنما أريد ما يتعلق بالمنخل فقط رواية أخر ى تقول أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها والذى بعث محمدا بالحق عليه صلوات الله وسلامه ما رأى النبى صلى الله عليه وسلم منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ بعثه الله إلى أن قبض ما رأى منخلا ولا أكل خبزا منخولا منذ أن بعثه الله إلى أن قبض فقال لها عروة رضى الله عنه وأرضاه كما قال لها سابقا هناك هلال وهلال وهلال قال فماذا كان يعيشكم وهنا قال كيف كنتم تأكلون الشعير شعير لا ينخل كيف تأكلونه إذن فى زمن التابعين وجدت المناخل بل صار ينخل أيضا البر لذلك يقول أئمتنا أول بدعة حدثت فى هذه الأمة أول بدعة وتوسع فى أمر الحياة نخل الدقيق صارت المناخل تنخل ليس الشعير صار أيضا لدقيق البر وأرادوا بعد ذلك أولون الأطعمة فقال عروة لأمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها كيف تأكلون الشعير قالت كنا نطحنه ثم نقول أف يعنى ننفخ عليه أف والحديث كما قلت فى مسند الإمام أحمد.

إخوتى الكرام: هذه الروايات كلها تقرر المعنى الذى تقد معنا فى أن نبينا عليه الصلاة والسلام اختار الدون فى قوته وطعامه من حيث الكمية الكيفية عليه صلوات الله وسلامه بعد هذا التقرير فى هذه الروايات كما وعدتكم سابقا أننى أذكر حالة لنبينا عليه الصلاة والسلام فى جوعه وهى معجزة من معجزاته عليه صلوات الله وسلامه جوع لكن انظر ما يترتب عليه من معجزة تدل على أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا.

إخوتى الكرام: بلغ من جوع نبينا عليه الصلاة والسلام عندما يطوى الأيام والليالى لا يأكل يشد على بطنه الشريف فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه يشد صفائح الحجارة يأتى بالحجارة الرقيقة التى كحجم الكف فيضعها على بطنه ثم يشد الإزار عليها من أجل أن يقيم صلبه وظهره لأن البطن سيأتينا إذا خوى وضمر يسقط الإنسان على وجهه فمن أجل أن يقوم الصلب يأتى بهذه الحجارة ويضعها على البطن ويشد عليها عليه صلوات الله وسلامه وقد وجد فى الصحابة من شد كما سيأتينا حجرا على بطنه لكن ما وصل لحال النبى عليه الصلاة والسلام شد حجرا واحدا أم هو كان يشد حجرين فى كثير من الأحوال عليه صلوات الله وسلامه كما سيأتينا فإن وقع بهم أحيانا شىء من الشدة لكن بمقدار أما هو عليه صلوات الله وسلامه يتحمل ما لا يتحملون وسأذكر فى ذلك ثلاثة أحاديث فقط فيما يتعلق بشد صفائح الحجارة على بطن نبينا الشريف عليه صلوات الله وسلامه لنعلم مدى اعتنائه بطعامه عليه الصلاة والسلام وكان بعض شيوخنا يقول ونسأل الله أن يلطف بنا يقول من همه ما يأكله فقيمته ما يخرج منه هذا حالنا إلا ما رحم ربك حقيقة هذا حالنا فى هذه الأيام ليس لنا هم ولا فكر ولا بحث إلا ماذا سنأكل وماذا سنطبخ هذا اليوم وماذا سنضع من ألوان الأطعمة ولو أن الإنسان قدم له لون واحد يعنى يرى كأنه فعل كبيرة يعنى سيأكل لونا واحدا يعنى لو قيل له مثلا حتى خبزا ولحما فقط يقول لا لازم يكون سلطة ولازم يكون لبن ولازم يكون عصيرات ولازم يكون فواكه هذا أحسن لو خبز ولحم ومن باب أولى لو قلت له خبز وزيت يقول خبز وزيت أحد يأكل خبز وزيت فى هذه الأيام أو خبز خل أو خبز بندورة فقط خذ حبة بندورة مع رغيف من الخبز وكلها واحمد الله يقول هذا مضى زمنه هذه أحوالنا حقيقة ولذلك إخوتى الكرام نحن أمة لا تصلح لا لدين ولا دنيا والله نحن عار حتى على الأرض، الأرض التى نمشى عليها تتعير بنا تقول هذه

الأمة التى وجدت وما تهتم إلا ببطونها كيف ابتليت الأرض بنا وانظر لحال نبينا عليه الصلاة والسلام وسلفنا حقيقة خلقوا لغاية فالغاية التى خلقوا من أجلها قاموا بها على وجه التمام وأما بعد ذلك أكل أو لم يأكل يعنى ماذا نقص منه إذا يعنى ما ملأ بطنه من أطايب الطعام ماذا أصابه ما نقص منه ولا شىء على الإطلاق وكما كان أئمتنا يقولون البطن زجاجة لا تشف يعنى إن وضعت فيها لحما أو وضعت فيها خبز يابسا أحد يعرف ماذا فى بطنك ما أحد يعرف زجاجة لا تشف لكن إذا اعتاد الناس على الشهوات هذه هى المهلكات ومن قنع بالخبز كان أئمتنا يقولون لم يستعبده أحد يأكل الخبز هذا لا يستعبده أحد من خلق الله والخبز موجود فى كل مكان {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون} وما حصلت الخبز دعه ورق الشجر وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كثيرا ما يقتاتون بورق الشجر ويضعون كما تضع الشاة يعنى هل نقص من قدرهم فى الدنيا أو فى الآخرة لا والله ونبى الله موسى على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه لما شرد من بلاد مصر إلى بلاد مدين ما له طعام إلا ورق الشجر ولذلك بعد ذلك قال ربى إنى لما أنزلت إلى من خير فقير أيام متتابعة ما دخل جوفى إلا ورق الشجر طيب هل نقص يعنى من قدرهم عند ربه أو فى هذه الحياة لا ثم لا ولذلك ما أوتينا إلى من قبل شهواتنا. ورحمة الله على أبى حازم سلمة ابن دينار كان عندما يدخل السوق ويرى الفاكهة يقول لها موعدك الجنة أما فى هذه الحياة بينى وبينك حواجز موعدك الجنة

كنت مرة فى بعض البلاد الإسلامية فى أندونيسيا والفقر شديد فقالوا لى مرة يا شيخ يعنى بعض الفواكه كيلو التفاح هناك إخوتى الكرام التفاح يزيد على عشر ريالات هذا بالريالات القطرية الكيلو الواحد وراتب الإنسان هناك فى الشهر هذا لو يعنى كان مدرس فى ثانوية راتبه ميت ليرة سورية مائة ريال قطرى أو مائة وخمسين أقصى حد وكيلو التفاح عشر ريالات هذا أقل شىء عن هذا التفاح الردىء وأحيانا إلى خمسة عشر إلى عشرين على حسب نوعه فقالوا لى يعنى مرة ذكرت لهم التفاح وكذا قال لى واحد منهم يقول ياشيخ أنا فى حياتى ما ذقت التفاح أراه فقط فى السوق أما أننى ذقته والله ما أعرف طعمه وهو طالب فى كلية الشريعة فذكرت له هذه القصة ففرحوا قلت قولوا لها موعدكم الجنة كما كان سلمة ابن دينار أبو حازم يمر بالسوق ويرى الفاكهة ويقول موعدك الجنة وأنتم يعنى ماذا تعملون هذا حال الشهوات فاستمع لحال النبى عليه الصلاة والسلام واعلم أن هذه الحالة كما قلت اختارها ولو أراد أن تسير معه الجبال ذهبا لسارت لتعلم مذا فى نفسه عليه الصلاة والسلام من معانى فى تعظيم الله ومعاملة هذه الحياة بما تستحق.

الحديث الأول إخوتى الكرام وفيه شد الحجر على بطن نبينا الشريف عليه الصلاة والسلام رواه الإمام أحمد فى المسند ورواه الشيخان فى الصحيحين ورواه الإمام البيهقى فى دلائل النبوة ولفظ الحديث عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما فى موقعة الخندق الشهيرة جرت هناك حادثة لنبينا عليه الصلاة والسلام من الشدة التى قالبها المسلمون فى تلك الموقعة فكان يشد الحجر على بطنه الشريف عليه صلوات الله وسلامه ولفظ الحديث عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنما قال لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا يعنى ضمور بطن بطنه ضامرة سيأتينا فى الرويات أن هذا الضمور شدة أيضا عليه بحجر من أجل أن يقوم صلب النبى عليه الصلاة والسلام وأن يعتدل قال فانكفأت إلى امرأتى يعنر رجعت إليها وذهبت إليها فقلت هل عندك شىء فإنى رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا فأخرجت إلى جرابا فيه صاع من شعير وصاع الشعير تقدم معنا عند الجمهور كيلو وسبعمائة وثمانية وعشرين جراما أوليس كذلك يعنى تقريبا كيلوين إلا ربع وأقل بشىء قليل صاعا من شعير بمقدار اثنين كيلو ولنا بهيمة داجن البهيمة هى ولد الضأن والداجن هى التى تكون فى البيت وتألفه فلا تخرج إلى المرعى قال فذبحتها هو ذبح البهيمة جابر وطحن زوجته الصاع من الشعير ففرغت إلى فراغى أنا لما ذبحت البهيمة وسلختها زوجتى فرغت من طحن الصاع من الشعير وقطعتها فى برمتها فى القدر ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له زوجته لا تفضحنى برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه انتبه يعنى هذه بهيمة يهنى بهيمة ما يأتى فيها اثنين كيلو من لحم واثنين كيلو من شعير يعنى إياك أن تدعو جمعا كثيرا النبى عليه الصلاة والسلام ومعه واحد واثنان ونحن بعد ذلك أهل البيت سنأكل لا تفضحنى برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه يظن أنه عندنا طعام كثير يدعو أهل الخندق وأهل الخندق كم عددهم ألف رجل يحفرون

قال فجئته فساررته فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبحنا بهيمة لنا وطحنت يعنى زوجى صاعا من شعير كان عندنا فتعالى أنت ونفر معك توسع جابر رضى الله عنه فى الدعوة نفر وزوجته سيأتينا فى بعض الروايات قالت له فى بعض الروايات يأتى واحد أو اثنان قف عند حدك قال فصاح النبى صلى الله عليه وسلم يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سؤرا فحي هلا بكم والسؤر بلغة الفارسية الوليمة والطعام وقد تكلم نبينا عليه الصلاة والسلام بالفارسية بهذه اللفظة فمعه سلمان الفارسى السؤر هو الوليمة والطعام بلغة فارس فحى هلا بكم يعنى تعالوا وعجلوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر لا تنزلَن تنزلُن برمته هذا القدر لا ينزل عن النار ولا تخبزن عجينتكم حتى أجىء البرمة تبقى منصوبة على الأثافى والعجين لا يخبز حتى أحضر عليه صلوات الله وسلامه فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس حتى جئت امرأتى فقالت بك وبك بدأت تعاتبه وتلومه ألف رجل عندنا بهيمة وصاع من شعير وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد فعلت التى قلتِ قلتُ له أنت ونفر ممن معك فأخرجت عجينا فبصق فيه عليه صلوات الله وسلامه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك أى دعا بالبركة ثم قال لى ادعى لى خابزة فلتخبز معك واحدة ما تكفى ألف واحد سيأكلون هو صاع من شعير يعنى خابزتان ستخبزان على تنورين واقدحى من برمتكم واقدحى يعنى اغرفى وأخرجى منها ماشئت لكن إياك أن تنزليها أو تكفتيها كما تقد معنا لا تحصى فيحصى الله عليك ولا توعى فيوعى عليك ولا توكى فيوكى عليك ولا تنزلوها قال جابر وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تروكوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هى وإن عجيننا لتخبز كما هو. وفى رواية يقول جابر ابن عبد الله إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة والكدية هى الحجر الصلب.

القوى الذى لا يستطيع الإنسان أن يفتته فجاؤا النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا هذه كدية عرضت فى الخندق فقال أنا نازل أى نازل أى نازل إليها هذا هو البطل المغوار عليه صلوات الله وسلامه أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر عليه صلوات الله وسلامه فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا قال جابر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا وعصب النبى عليه الصلاة والسلام بطنه بحجر فأخذ النبى صلى الله عليه وسلم المعول فعاد كثيبا أهين يعنى تلك الكدية والحجر الصلب عاد كثيبا والكثيب هو الرمل المجتمع أهيل سائلا كأنه صار رمل يسيل كأنهما كما تسير الرمال بالرياح فى البوادى والصحراء.

وفى رواية فعاد كثيبا أهيم أى ترابا دقيقا يابسا يتطاير هذه الحجرة الصماء الصلبة صارت كأنها رماد دقيق يتطاير يقول جابر فى رواية الإمام أحمد فى المسند أصابهم جهد شديد حتى ربط النبى صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرا من الجوع وأما تلك الصخرة فلما ضربها نبينا عليه الصلاة والسلام ظهرت معجزات عدا عن معجزة تكثير الطعام تلك المعجزات أشارت إليها رواية الإمام أحمد فى المسند والنسائى فى السنن ورواها أبو نعيم فى دلائل النبوة والبيهقى فى دلائل النبوة أيضا وإسناد الأثر حسن كما فى فتح البارى فى الجزء السابع صفحة سبع وتسعين وثلاثمائة وانظروا الأثر فى مجمع الزوائد أيضا فى الجزء السادس صفحة واحدة وثلاثين مائة ولفظ الحديث عن البراء ابن عازب رضى الله عنهم أجمعين قال عرضت لنا صخرة فى بعض الخندق لا تأخذ فيها المعاول تضرب المعول يرجع إليك ولا تنحتها ولا تؤثر فيها فجاؤا إلى النبى عليه الصلاة والسلام وقالوا له صخرة لا تعمل فيها المعاول قال إنى نازل إن شاء الله فجاء ورش عليها الماء عليه الصلاة والسلام وقال بسم الله فضربها الضربة الأولى فكسر ثلثها وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إن لأبصر قصورها الحمر الساعة انظر إليها وكيف ستفتحها أمتى وقد حصل هذا فى عهد عمر ابن خطاب رضى الله عنه وأرضاه ثم قال بسم الله فضربها الضربة الثانية فقطع الثلث الآخر وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والذى نفسى بيده إنى لأبصر قصر المدائن الأبيض الساعة ثم ضربها الثالثة وقال بسم الله فقطع بقية الحجر فقال عليه الصلاة والسلام أعطيت مفاتيح اليمن والله لأبصر أبواب صنعاء فى مكانى الساعة اليمن وفارس وبلاد الشام فقال المنافقون لعنات الحى القيوم عليهم محمدا عليه الصلاة والسلام يعدنا أننا سنفتح الشام وبلاد كسرى واليمن وأحدنا لا يستطيع أن يقضى حاجته وقد حقق الله لنبينا عليه الصلاة والسلام ما أطلعه عليه سبحان ربى العظيم حجر على بطنك

يا خير خلق الله عليه الصلاة والسلام ومع ذلك عندك هذه الهمة يعنى مع ذلك ستفتح الشام وبلاد كسرى واليمن وأنت الآن ثلاثة أيام ما ذقت طعاما وتعصب بطنك بحجر هذا هو رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا. إخوتى الكرام: وهذه الرواية صحيحة رواها الإمام الطبرانى أيضا فى معجمه الكبير وأبو نعيم أيضا فى دلائل النبوة من رواية عبد الله ابن عمرو ابن العاص ورواها ابن سعد فى الطبقات والطبرى فى تفسيره وابن أبى حاتم فى تفسيره وأبو نعيم فى دلائل النبوة والبيهقى فى دلائل النبوة من وراية كثير ابن عبد الله ابن عمرو ابن عوف المزنى عن أبيه عن جده والجد هو عمرو ابن عوف صحابى رضى الله عنهم أجمعين ورواها أبو نعيم فى دلائل النبوة عن أنس ابن مالك ورواها الإمام أحمد لكن من زيادات ولده عبد الله فى المسند عبد الله فى زياداته على المسند والطبرانى فى معجمه الكبير بسند صحيح من رواية ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين بأن النبى عليه الصلاة والسلام ضرب ثلاث ضربات وبشرهم فى الضربة الأولى سيفتح الشام والثانى سيفتح بلاد كسرى والثالثة ستفتح اليمن عليه صلوات الله وسلامه أكمل إخوتى الكرام هذا بعد آذان العشاء. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

إخوتى الكرام: فهذه رواية جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما يقول فيها عندما قام النبى عليه الصلاة والسلام بطنه معصوب بحجر وفى رواية أبى يعلى فى مسنده يقول لما كان يوم الخندق نظرت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فوجدته قد وضع حجرا بينه وبين إزاره ليقيم به صلبه من الجوع عليه صلوات الله وسلامه فانظر لفعل جابر رضى الله عنه وأرضاه لما رأى بنبينا عليه الصلاة والسلام ما رأى فقلت يا رسول الله ائذن لى إلى البيت أريد أن أذهب لحاجة وما أعلمه بما دبر فى نفسه وأنه سيذبح تلك البهيمة للنبى عليه الصلاة والسلام فقلت لامرأتى إنى رأيت بالنبى صلى الله عليه وسلم شيئا ما فى ذلك صبر نبينا عليه الصلاة والسلام يش الحجر على بطنه الشريف وعندنا صاع من شعير وعندنا بهيمة لا نستطيع أن نصبر على ذلك فعندك شىء قالت عندى شعير وعناقة فذبحت العناقة وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم فى البرمة ثم جئت إلى النبى صلى الله عليه وسلم والعجين قد انكسر يعنى تجهز واختمر للخبز والبرمة بين لأثافى وهى الحجارة التى تنصب من أجل أن تكون عليها البرمة ثلاثة الأثافى قد كادت أن تنضج يعنى البرمة وتستوى فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كعيم لى يعنى طعام قليل قليل فقم أنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ورجل أو رجلان قام كم هو فذكرت له صاعا من وبهيمة عناق قال كثير طيب قل لها لا تنزعى البرمة ولا الخبز من النتور حتى آتى فقل قوموا يا أهل الخندق ألف رجل يأكلون من صاع ثم من عناق وليتهم أكلوا فقط سيأتينا أهدوا إلى الجيران لأن الناس أصيبوا بمجاعة والحديث كما قلت فى الصحيحين وغيرهما فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبى عليه الصلاة والسلام بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت هل سألك يعنى ماذا عندكم قلت نعم قالت الله ورسوله أعلم هدأ روعها وذاك بد أت لومه كما تقدم معنا تقول بك وبك أما هنا سألت ماذا عندكم قلت نعم قالت الله

ورسوله أعلم إن كان الأمر كذلك نحن نعلم أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حقا وصدقا ولن يخيبنا الله إذا جاء رسول الله عليه صلوات الله وسلامه فقال ادخلوا قلت نعم فقال ادخلوا النبى عليه الصلاة والسلام ولا تضاغطوا يعنى لا تتزاحموا خذوا يعنى الأمر بالراحة وطول البال وكل واحد يأتيه أكثر مما يريد فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا وبقى منه بقية فقال كلى هذا وأهدى فإن الناس أصابتهم مجاعة هذه الحادثة الأولى فيها شد النبى عليه الصلاة والسلام على بطنه حجرا وأكرمه الله بهذه المعجزة الذى أكرمه بهذه المعجزة أما كان بالإمكان أن ينزل له السماء برا دقيقا وخبزا نقيا كان بالإمكان لكن هو الذى اختار هذا عليه الصلاة والسلام وإذا بعد ذلك جد الجد وحزم الأمر الله جل وعلا لا يتخلى عن رسوله عليه الصلاة والسلام فصاع من شعير بمقدار اثنين كيلو إلا ربع يأكل منه ألف مقاتل وأى ألف هم جياع يعنى ليس كالواحد منا الآن عندما نذهب الآن للوليمة نحن فى طريقنا للوليمة نتجشأ يعنى قبل أن نأكل وأنت ذاهب لتأكل تتجشأ فى طريقك وأما ذاك جائع يعنى جاء يريد أن يرى شكل الطعام فهذا يسليه فكيف إذا حصل بين يديه خبز ولحم خبز ولحم خبز ولحم يأكل منه ألف ثم يقول بعد ذلك أهدوا إلى الجيران ووزعوا على أهل المدينة فالناس أصابتهم مجاعة ووالله لو اجتمع أهل الأرض وكانوا مليارات وبلايين لأكلوا من تلك البرمة التى برك عليها نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام. وتقدم معنا فى معجزاته تقدم معنا وطعامه عند النهى عن الإحصاء والعد والربط والاستقصاء قال لمن يعنى أحصوا ما عندهم لو تركتموه لقام لكم ما بقى تأكلون منه أنتم ومن يأتى إلى يوم القيامة لكن أنتم حرمتم أنفسكم تلك البركة هذا الحديث الأول إخوتى الكرام: فيه شد الحجر على بطن نبينا عليه الصلاة والسلام

حادثة ثانية فى غير موقعة الخندق شد أيضا الحجر على بطنه الشريف عليه صلوات الله وسلامه حتى دعاه أبو طلحة إلى طعام لكن هناك لا يوجد صاع من شعير كيلوان ولا يوجد بهيمة إنما كسيرات فقط من خبز ويصب عليها شىء من الأدم فى عكة لو عصرناها نحن ما خرج منها قطرة تعصر فيها عكة فيها شىء من زيت أو ثمن على هذه الكسيرات من خبز الشعير يأكل منها ثمانون نفرا ثم يبقى بقيى ليهدى منها أيضا للجيران أيضا.

الحادثة الثانية أيضا حديث صحيح رواه الإمام أحمد فى المسند والشيخان فى الصحيحين ورواه الإمام مالك فى الموطأ وابن حبان فى صحيحه والترمذى فى سننه ورواه البيهقى فى دلائل النبوة ورواه حماد ابن إسحاق فى تركة النبى عليه الصلاة والسلام ولفظ الحديث عن أنس ابن مالك رضى الله عنه قال أبو طلحة لأم سليم رضى الله عنهم أجمعين قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شىء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت ثوبى وردتنى ببعضه ثم أرسلتنى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فى المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت عليهم أى وقفت عليهم ومعه ما معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلك أبو طلحة وهو زوج أم أنس رضى الله عنهم أجمعين قلت نعم قال ألطعام قلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا قال فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم هذا الأمر اتركه لرسول الله عليه الصلاة والسلام والأمر ليس بتدبيرى ولا تدبيرك فانطلق أبو طلحة حتى لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمى ما عندك يا أم سليم ماذا يوجد أقراص من خبز شعير فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فآدمته ثم قال فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام ما شاء أن يقول من الدعاء والالتجاء إلى رب الأرض والسماء ثم قال ائذن لى عشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لى عشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن

لى عشرة حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون. وفى رواية أن أم سليم عمدت إلى مد من شعير والمد عند الجمهور الأئمة الثلاثة تقدم معنا ضبطه بالموازين الحديثة كم المد أربعمائة واثنان وثلاثون غراما لأن الصاع أربعة أمداد ألف وسبعمائة وثمانية وعشرين اقسمها على أربعة تخرج معك أربعمائة واثنان وثلاثون اضربها فى أربعة تصبح ألف وسبعمائة وثمانية وعشرون أوليس كذلك نعم قريب من نصف كيلو أربعمائة واثنان وثلاثون اضربها فى أربعة يصبح أف وسبعمائة وثمانية وعشرون غراما هذا هو الصاع، الصاع أربعة أمداد عمدت إلى مد يعنى أقل من نصف كيلو يعنى لو جبرنا الكسر لدى بدل اثنان وثلاثين أربعمائة وخمسين بقى نصف كيلو ناقص خمسون غراما أيضا أقل من نصف كيلو أوليس كذلك إلى مد من شعير هذا الذى عندها جشته وجعلت منه خطيفة يعنى طحنته والخطيفة لبن ودقيق يطبخ ويلعق يعنى هذا الذى هو مد من شعير طحنته ثم بعد ذلك طبخته ووضعت معه شيئا من اللبن ليعقد دقيق ولبن حتى يرمى ويصب فى القصعة والناس يلعقون منه ويأكلون يأتى ثمانون شخصا يلعقون بنصف كيلو من شعير وعصرت عليه عكة لها ليصبح شىء من الدسم مع اللبن وخبز الشعير ثم بعثته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والرواية كما قلت فى الصحيحين وهذه رواية البخارى فأتيته وهو فى أصحابه فدعوته فقال ومن معى يأتى أيضا الصحابة الحاضرون فجئت فقلت أنه يقول ومن معى فخرج إليه أبو طلحة فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو شىء صنعته لك أم سليم بنصف كيلو وأقل هذا لك خاص لتأكله فدخل فجىء به وقال أدخل على عشرة حتى عد أربعين ثم أكل النبى عليه الصلاة والسلام ثم قام فجعلت أنظر هل نقص منها شىء فى رواية لمسلم.

قال أنس بعثنى أبو طلحة رضى الله عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأدعوه وقد جعل طعاما قال فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس فنظر إلى فاستحيت فقلت أجب أبا طلحة يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال للناس قوموا فقام أبو طلحة فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صنعت لك شيئا فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة ثم قال أدخل نفرا من أصحابى عشرة وقال كلوا وأخرج لهم شيئا من بين أصابعه فأكلوا حتى شبعوا فخرجوا فقال أدخل عشرة فأكلوا حتى خرجوا فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبعوا ثم هيأها يعنى جمعها الذى بقى وجمعها على بعضها فإذا هى مثلها حين أكلوا منها. وفى رواية فوضع النبى عليه الصلاة والسلام يده فيه وسم عليه ثم قال ائذن لى عشرة فأذن لهم فدخلوا فقال كلوا وسموا الله فأكلوا حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ثم أكل النبى عليه الصلاة والسلام بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرا عنى بقية ليهدى منها كما سأتينا إلى الجيران وفى رواية قال أبو طلحة يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان شيئا يسيرا قال هلمه فإن الله سيجعل فيه البركة فاكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهل البيت ثم أفضلوا ما بلغوا إلى جيرانهم. وفى رواية أخرى ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنس وفضلت فضلة فأهدوا منها لجيراننا.

وفى رواية أخرى أنه سمع أنس ابن مالك يقول جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فوجدته جالسا مع أصحابه قد عصب بطنه بعصابة على حجر والرواية فى الصحيح قال فقلت لبعض أصحابى من القائل أنس رضى الله عنه لم َعصب رسول الله عليه الصلاة والسلام بطنه الآن كشف لى عن بطنه ورأيت هذه الحجر هذا أمر غريب لم َعصب بطنه فقالوا من الجوع فركض إلى زوج أمه وإلى أمه يخبرهما بحال النبى عليه الصلاة والسلام فذهبت إلى أبى طلحة وهو زوج أم سليم بنت ملحان فقلت يا أبتاه قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا من الجوع فدخل أبو طلحة على أمى فقال هل من شىء فقالت نعم عندى كسر من خبز وتمرات فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه وإن جاءنا آخر معه قل عنهم يعنى لو واحد فقط معه يقل الطعام ولا يشبع النبى عليه الصلاة والسلام ثم ذكر الحديث بمعنى ما تقدم. إذن هذه حالة أخرى عصب النبى عليه الصلاة والسلام بطنه بحجر وجعل الله بعد ذلك العسر يسرا وجعل له معجزة وكرامة بحيث نصف كيلو من الشعير كفت ثمانين رجلا ثم أكل النبى عليه الصلاة والسلام وأكل أبو طلحة وأم طلحة وأنا ثم أهدوا إلى الجيران.

الحادثة الثالثة أذكرها إخوتى الكرام وبعد الحوادث الثلاثة تحتاج إلى تعليق فى موضوع تعصيب بطن نبينا عليه الصلاة والسلام بحجر وما الفائدة من ذلك ووهم بعض أئمتنا الكرام فى هذه الحوادث هذا يأتى الكلام عليه فى الموعظة الآتية لكن أختم كما قلت هذا الموعظة بالحديث الثالث رواه الإمام الترمذى فى سنه وفى الشمائل وقال عنه غريب وسبب غرابته واستغراب الإمام الترمذى له أنه من رواية سيار ابن حاتم العنزى أبو سلمة البصرى وهو صدوق له أوهام توفى سنة مائتين أو قبلها وحديثه فى السنن الأربعة إلا سنن أبى داود وحديثه يشهد له شواهد كثيرة وكما قلت هو فى السنن والشمائل المحمدية على نبينا صلوات الله وسلامه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا ثيابنا عن حجر حجر إلى بطوننا نضع كل واحد حجرا على بطنه فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثيابه عن حجرين يعنى إذا أصبتم بشدة فهو يتحمل ما هو أشد عليه صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام: ما يتعلق بهذه الأحاديث وبموضوع شد الحجر على البطن عند الجوع يأتينا الكلام عليه على وجه الاختصار إن شاء الله وكما قلت مع التنبيه على وهم بعض علمائنا الكرام فى هذه الأحاديث وظن أنه يوجد تصحيف فى هذه الروايات ولا تصحيف فيها يأتى الكلام على هذا فى الموعظة الآتية إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسلسما كثيرا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب سميع مجيب الدعوات.

والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

12علامات صدق النبى

علامات صدق النبي (2) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان قلت: بل يزيدون. السؤال السادس: قال فهل يرتد أحد منهم سَخطةً سُخطة بفتح السين وضمها، سخطة، أى كراهية لدينه، هل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه سخطاً لدينه؟ كراهية له وعدم محبة فيه بعد أن يدخل فيه، أحد ارتد من الصحابة، قلت: لا، وإنما قال سخطةً ليخرج لنا الإكراه وإذا أكره الإنسان على الكفر كما حصل من عمار بن ياسر {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} ، فكونه كفر من باب الإكراه ليتخلص من القتل وقال فى الإسلام قولاً منكرا هذا لا إثم عليه ولا يعتبر أنه كره الإسلام وخرج منه، إنما يريد هو كره الإسلام، بعد أن دخل قال " هذا دين عفن دين باطل لا قيمة له، وجد أحد من الصحابة قال هذا، أما أنه أكره، أو ترك الإسلام من أجل عرض دنيا ما نتحدث عن هذا، أسألك أحد كره الإسلام بعد دخوله وقال فيه منقصة، قلت: لا. فسأله السؤال السابع: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، هذا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام الذى ادعى أنه نبى فيكم، قبل أن يدعى النبوة أحد منكم ينقل عنه كذبا وتتهمونه بذلك؟ وانظر إلى كلام هرقل ودقة احتياطه ما قال: هل كان يكذب؟، إنما قال: هل تتهمونه؟ لأنه إذا انتفت التهمة فالكذب منفى من باب أولى، لكن قد ينفى الكذب لا يكذب وهم يتهمونه، أنتم عنكم شك فى صدقه، لا أقول يكذب هذا مفروغ منه إذا كلن نبياً لن يكذب، لكن أنتم عندكم كان شك فيه، هم كانزا يسمونه بالصادق الأمين فداه أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه، هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا.

السؤال الثامن: فقال هرقل: فهل يغدر؟، إنتبه لقول أبى سفيان وما استطاع أن يضيف شيئاً من البهتان إلا فى هذه الجمل، قلت: لا، ونحن منه فى مدة أى فى صلح،، الآن صلح الحديبة وضع فى الحرب عشرة سنين بينهم وبين النبى الأمين عليه الصلاة والسلام ثم غدروا ففتحت مكة بعد سنتين فى العام الثامن، هذا لغدرهم، قلت: لا ونحن منه فى مدة، لا ندرى ما هو فاعل فيها، يعنى هل سيغدر الآن أم لا، لاندرى، وإنما قال أبو سفيان هذا لأنه الآن بإمكانه أن يقول هذا لأنه مستقبل وهو غيب ولا أحد يقول له تكذب أو تصدق، يقول: فما التفت إلىّ هرقل عندما ذكرتها، يعنى يعلم أنها كذبة، لكن لن يقول له: إنك كذاب، ما يوجد دليل، يعنى المستقبل هل سيغدر أم لا؟ ما نعلم، أنتم تعلمون قطعاً أنه لا يغدر، هل يغدر؟ قلت: لا ما غدر لكن نحن منه فى مدة صلح لا ندرى ما فاعل فيها، سيغدر أم لا لا ندرى، فما انتبه ولا التفت إليها هرقل ويعلم أن هذا غاية ما فى وسع أبى سفيان أن يزيده، قال أبو سقيان: ولن يمكنى كلمة أدخل فى كلامى غير هذه، لماذا؟ لأن هنا عنده مبرر، كما قلنا أمر سيقع فى المستقبل وهو غيب، وما يستطيع أحد قيول له تكذب لن يغدر هذا علمه عند الله، فلكن هرقل عرف المراد أرض عنه ووجه إليه السؤال التاسع.

السؤال التاسع: قال: هل قاتلتوه؟ قلت: نعم، لا زلنا فىالسؤال التاسع، قال: كيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ننال منه وبينال منا، نال منا فى موقعة بدر ونلنا منه فى موقعة أحد، هذا من حيث الظاهر لكن أى نصر حصل للمشركين فى موقعة أحد، كما قال لهم المشركون فى مكة: لا محمد قتلتم عليه الصلاة والسلام ولا الكواعب أردفتم ما أتيتم ولا بسرية ولا بمؤمنة من أجل أن نلهو وأن نعبث بعرضها، لا محمد قتلتم ولا الكواعب أردفتم ولا المغانم أحرزتم بأى نصر، يعنى فقط حصل من المسلمين ما حصل من مخالفة أمرهم للنبى عليه الصلاة والسلام أن أصيبوا فقتل منهم سبعون لكن ولى أبو سفيان ومعه الأدبار بعد النصر هذا نصر؟ طيب المدينة أمامك مفتوحة أدخل واستأصل خضراء المسلمين ولا تترك منهم ديارا، اما أنكط جئت يعنى فى معركة هكذا ساعات أثبت رجولة وهربت، يعنى كما يقال: اضرب واهرب هذه ليست شجاعة، الأصل اضرب واثبت، أما اضرب واهرب هذه ليست شجاعة، فلكن من حيث الظاهر هى نصر، يعنى من حيث الظاهر قتلوا سبعين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، هذا من حيث الظاهر، لكن أى نصر يعنى المنتصر يهرب هذا ما حد سمعها، لعله فى هذه الأيام نصر الناس أشنع من نصر المشركين فى يعنى موقعة أحد أشنه تراه يذبح تؤخذ منه بلاده ويقول انتصرنا، كيف انتصرنا؟ يقول: حررنا إرادة الإنسان العربى، ما شاء الله على هذا النصر، ذبح وأخذت البلاد وهتكت الأعراض وما بقى بعد هذا الذل ذل، يقول: نحن فى نصر، ما نصرك؟ حررنا إرادة الإنسان العربى وقفنا أمام أكبر دولة، ما شاء الله على هذا الوقف، على هذه الوقفة التى يقفها الناس فى هذه الأيام، وهكذا المشركون لكن أولئك من حيث الظاهر أحرزوا نصراً يسيراً ثم هربوا، وهذا ليس بنصر، النصر كان نبينا عليه الصلاة والسلام إذا حارب قوماً وانتصر عليهم يقيم ثلاثة، لا يفارق المكان ثلاثة أيام، ثم يعود إلى المدينة المنورة على نبينا صلوات

الله وسلامه، هذه هى الرجولة، انتصرنا عليكم بإمكانكم أن تستأنفوا القتال وأن يأتيكم مدد فنحن رجال ننتظركم، أنتم انتصرنا عليكم وهربتم، خلاص ماذا نعمل؟ نحن حصلنا المراد، هذه هى الرجولة وهذا هو النصر وهذا هو الحرب، فقال: هل قاتلتموه، قلت: نعم، قال: كيف كان قتالكم إياه، قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، من السجل وهى الدلو والزنوب العظيمة، كأنه يريد أن يجعل المقتتلين كالمستقيين الذين يستقيان من البئر، أنا أستقى دلواً وأنت دلوا، وهنا مرة أنا أنتصر ومرة أنت تنتصر، الحرب بيننا وبينه سجال، كأننا نستقى من بئر نحن دلو وهو دلو، هذا من حيث الظاهر كما قلت، تركه هرقل يعنى من حيث الظاهر انتصروا فى موقعة أحد، ختام الأسئلة وهو العاشر. السؤال العاشر: قال: بماذا يأمركم؟ وفى هذا دليل على أن النبى لابد من أن يأمر لأنه مبلغ عن الله جل وعلا، وما يأتى نبى لا يامر ولا ينهى فأى فائدة من نبوته؟، بماذا يأمركم؟، قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما كان يعبد آباءكم ويأمرنا بالصلاة والصدق، وفى رواية بدل الصدق والصدقة، وفى رواية جمع بين الأمور الثلاثة، بالصلاة والصدق والزكاة، والعفاف وصلة الأرحام، إذاً اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والصدقة التى هى الزكاة والعفاف وصلة الأرحام.

هذه عشرة أسئلة وهرقل هو شيخ النصارى وسيأتينا كان أسقفى، سقفا، أى من أساقفتم، ورؤساءهم فى الدين مع كونه حاكما وهو نصرانى عدو للإسلام والمسلمين، سأل هذه الأسئلة، انظروا لجوابه، وللشهادة التى أنطق الله بها هذا الكافر كيف شهد لنبينا عليه الصلاة والسلام بعد أن سأل هذه الأسئلة ولم يرى النبى عليه الصلاة والسلام، فقال لترجمانه: قل له سألتك عن نسبه فيكم، فذكرت أنه ذو نسب وكذلك الرسل تعبث فى نسب قومها، أى تبعث من الأسر الشرسفة الكريمة، لأنه لو كان نسبه نازلا، ليس عليه منقصة عند الله، لكن يحقر عند أهل الأرض، فلألا يكون فى النبى مطعن كما تقدم معنا فى خلقه وخلقه يختار ويكون خياراً من خيار من خيار، على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث فى نسب قومها. السؤال الثانى: وسألتك هل قال هذا القول أحد قط قبله، فذكرت أن لا فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله لكان يتأسى يأتسى، يعنى يقتدى بقول قيل قبله، يعنى لو هذا فاشى فيكم ومنتشر وكل سنتين واحدمنكم يدعى النبوة، لقلنا هذا على شاكلة المنبئين الكذابين، فالأمر ليس بغريب عليه، أما أنتم ما تعلمون أحداً ادعى النبوة ولا الرسالة، إذاً هذا أوحى إليه فهو حق وصدق وليس هذا من باب تقليد المتقدمين، وسألتك، هل كان فى آباءه من ملك، مَلِك، مَن مَلَك، فذكرت أن لا، فقلت: لو كان فى آباءه ملك لكان يطلب ملك أبيه، جاء ليتشرف عليكم ويتسود فادعى النبوة والرسالة.

وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاءهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل، ولذلك قال قوم نوح لنبى الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، كما حكى الله عنهم هذا فى سورة هود {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين. أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم. فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} ، من فضل: فى الغنى والجذى واليسار والثروة والمال { ... وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} ، إذاً اتبعت الذين هم أراذلنا من أول وهلة، وهذا الذى عيروا به نبى الله نوح على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وجعلوه من المنفرات عن اتباعه هو فى الحقيقة من موجبات اتباعه لأنه عندنا أغنياء متغطرسون أهل جبروت وعلو، وعندنا مساكين مهتدون، عندما يأتى الحق ليس بين الضعفاء ولا بين أعل القلوب الطاهرة من مانع يمنعهم من اتباع الحق، وأما اؤلئك يقول: إذا اتبعنا الحق ذهب عزنا ذهب ملكنا، يطلب كمنا بعد ذلك مساعدة للفقراء كل هذه تعتبر من الموانع، وهى موانع مصطنعة، أما إذا كانت النفس طاهرة وليس عندها مانع بعد ذلك من هذه الموانع والحواجز الدنيوية وبلغتها دعوة الحق هذا دين الفطرة، تهتدى به بلا توقف. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون فى ازدياد، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم.

وسألتك: لا إله إلا الله، هلى يرتد أحدمنهم لسخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حينما تخالط بشاشته القلوب، القلوب مفعول به، تخالط بشاشة الإيمان القلوب، لا يسخطه أحد أى حلاوة الإيمان إذا دخلت إلى قلب الإنسان لا يسخطه، وضبط وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، لا إله إلا الله، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلب، بشاشة القلوب، فإذاً هنا، هناك تخالط بشاشته القلوب، يعنى حلاوة الإيمان تخالط القلوب وأما هنا نور القلب انشراح الصدر يخالط الإيمان ويسكن فيه على التمام، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب،،وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، يخالط بشاشة القلوب، لا سخطه أحد. ثم قال له وهو الآن السؤال السابع أليس كذلك، السابع، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد كنت أعرف أنه لن يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، يعنى لبس فيكم عمراً طويلا، {فقد لبثت فيكم عمر من قبله أفلا تعقلون} ، أربعين سنة وما جربتم عليه كذباً قط، هل يليق بهذا الصادق الأمين عليه صلوات الله وسلامه أن يترك الكذب على الناس ثم يكذب على رب الناس، هذا لا يمكن أن يصدق بحال من. وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وأما تلك، ونحن منه فى مدة هذه ما التفت لها ولا يمكن أن نحكم عليها لا بصحة ولا ببطلان إذا نهملها والمستقبل يكشف عنها، هل سيغدر أم لا؟ هذا المستقبل يكشفه، فهل يغدر؟ قلت: لا، وكذلك الرسل لا تغدر، لما لا يغدر الرسل؟ لأنهم لا يريدون بدعوتهم الدنيا، فلا يمكن أن يجرى منهم غدر على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

والأمرالثامن إخوتى الكرام: سألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، قلنا ما ذكره أبو سفيان باطل وبهتان، عندما قال: ونحن منه فى مدة أى صلح لا ندرى ما هو فاعل فيها، هذا كذب، والتنقيص على قسمين، تنقيص حقيقى أن يقول: يغدر وهنا يفتضح ويكذب، وتنقيص نسبى، وهو أن يقول يتوقع منه الغدر فى المستقبل ولا نعلم، والأصل لو كان صادقاً فى كلامه لقال كما أنه لم يغدر فى السابق لن يغدر فى الاحق، بقى معنا بعد دعوى النبوة ثلاثة عشر سنة فى مكةوستة سنوات فى المدينة، تسعة عشر سنة ما رأينا منه غدراً، فلا يمكن أن يغدر بعد ذلك انتهى، لكن هذه هى معادن الكفار الأشرار فى كل وقت، إذا أمكنه أن يؤذى مسلما أمكنه آذاه بما يستطيع، يعنى هو ليس بإمكنه أن يكذب كذباً صريحا من أجل أن يفتضح ويكشف، وإذا ظهر هرقل بعد ذلك على حقيقة أمره بطش به وقتله، إذا هو غاية ما عنده أنه يكذب فى أمر مستقبل لا يعلم فى هذا الوقت يعنى حقيقته، نفوض الأمر لا ندرى ما هو فاعل، فى الحقيقة يقصد التحقير لكن تحقير نسبى ليس حقيقى، والأصل أن يقول: ما غدر ولن يغدر، وهكذا كما قلت حال الكفار، إذا ما أمكن أن يقتلك يطأ على ظلك {لا يألونكم خبالا ودّو ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواهم وما تخفى صدورهم أكبر} ، يغدر لا لكن نحن منه فى مدة لا ندرى ما هو فاعل فيها. الأمر التاسع: لا إله إلا الله، وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنكم قاتلتموه وأن الحرب بينكم وبينه سجال، قال هرقل: وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، انتصرتم فى أحد وقتلتم من قتلتم هذا ليحصل التمحيص وليميز الله الخبيث من الطيب وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، الرسل يبتلون ويؤذن، لكن فى النهاية ثم تكون لهم العاقية.

وسألتك: ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم تعبدوا الله وحده لا شريك له وان تتركوا ما يعبد آباءكم ويأمركم بالصلاة والصدق والصدقة والعفاف والصلة، وهذه صفة نبى، لا يأمر بهذه الأمور إلا نبى، وفى رواية قال: إن كان ما تقول حقا، ما ذكرته لا كذب فيه فإنه نبى، هذا كلام هرقل، علامات لابد منها، هنا علامات تتعلق بعدة أمور بنسبه باصحابه بدعوته، وكما قلت سأفصل الكلام على واحدة من هذه الأمور فى موعظة، أقرأ لكم الحديث إخوتى الكرام فله بعد ذلك تكملة فى بيان حال هرقل ومصيره وإلى أى شىء صار، وكما قلت الحديث فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى وهو فى أعلى درجات الصحة.

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، جماعة ثلاثين أو عشرين ـ وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّأْمِ ـ وقلت كانوا فى ذلك الوقت فى مدينة غزة ـ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، (ماد: صالح وهادن وعاهد، وكان هذا فى صلح الحديبة فى العام السادس على أن تترك الحرب بين المشركين ونبينا الأمين عليه الصلاة والسلام والمؤمنين عشرسنين، ثم نكسوا ففتحت مكة فى العام الثامن) ـ فَأَتَوْهُ (أى لهرقل، لا إله إلا الله) فأتوه وَهُمْ (إذا أن أباسفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه فى ركب من قريش وكانوا تجاراً بالشام فى المدة التى كان رسول صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه (أى إلى هرقل) وهم بِإِيلِيَاءَ (وهى بيت المقدس) فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ (البطارقة والقسس) ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا.

فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ (لتُرجمانه) قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا (يأثُروا) عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ (مَلِكٌ، مَن مَلَكَ) قُلْتُ لاَ. قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قُلْتُ لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ.

قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، (وكأن أبا سفيان يقول يعنى وترك ما عليه الآباء صعب عندنا وعندكم يا معشر النصارى فأتانا بشىء مردود، كيف نترك ما عليه الأباء، لا إله إلا الله) وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ (وقلت لكم فى بعض الروايات بالصلاة والصدقة والزكاة وفى بعضها والزكاة والصدق، واجمعوا بينها يصبح بالصلاةوالصدق والعفاف والصدقة والصلة) . فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ (فى هذه الرواية هنا تقديم وتأخير فى الأجوبة والأجوبة رتبتها لكم على حسب الأسئلة كما هى من روايات صحيح البخارى ومسلم عليهم جميعاً رحمه الله.

فقال للترجمان قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي (يتأسى) بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ (سُخطة لدينه) بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وحده، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ.

إنتبه ماذكر أمر الجهاد هنا، وأنهم ينالون منه وينال منهم، ما ذكر هذا هنا، وهو وارد فى روايات البخارى عندما قال له: وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، هذا ثابت فى الصحيحين، لكن فى هذه الرواية ما ورد، وهنا بعد ماذا يأمركم عقب على هذا السؤال العاشر، قال: هذه صفة نبى، إن كان ما تقول حقا فهو نبى، ثم قال هرقل: فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ، (هذه البلاد ستكون فى نهاية الأمر وهى بلاد الشام بيت المقدس وبلاد الشام كلها ستكون ملكاً للإسلام، إن كان ما تقول حقا، هذا نبى وسيظهره الله على أهل الأرض) وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، (حسب ما عندنا فى الكتب السابقة من الإنجيل والتوراة) لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، (يا معشر العرب وأنتم الآن ستفوقون بهذه المرتبة) فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ (بضم اللام، أى أصل إليه وأقترب منه وأكون عنده) أنى أخلص إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، (أى لتكلفت وتحملت الصعوبات من أجل الوصول إليه) وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ.

(وفى رواية لقبلت رأسه وغسلت عن قدميه) ثُمَّ دَعَا (أى هرقل) بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، (وعظيم بصرى هو أمير ورئيس حوران، وهى مدينة فى بادية الشام قرب الشام، دمشق) ، ثم دعابِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أى هرقل) الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ (بعثه النبى عليه الصلاة والسلام مع الصحابى دحية، دحية الكلبى، وكان جبريل على نبينا عليه صلوات الله وسلامه كثيراً ما يأتى فى صورة دحية، بعث النبى عليه الصلاة والسلام بكتاب إلى عظيم بصرى أآ إلى ملكها وأميرها.، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ (فعظيم بصرى حول الكتاب إلى هرقل لأنه هو صاحب المملكة العامة وهو المسئول عن الأمراء) فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ (ويقال: هِرْقِل) عَظِيمِ الرُّومِ. سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، (ليس فيه تحية لكافر ولا بدء له بسلام، إنما فى ذلك إخبار أن من تبعى الهدى فله من الله السلام والأمان ومنا كذلك) سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (إذا لم يتبع عليه إثم عظيم كما سيأتينا فى نهاية الرسالة) أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، (أى بالدعوة التى بعثت بها، وهى أن تسلم لله جل وعلا) أَسْلِمْ تَسْلَمْ، (وليت هرقل وعى هذا وعلم أنه إذا أسلم سيسلم فى دنياه وفى أخرته ولن يمس بسوء، لكن الخبيث ظن بملكه وآثر الدنيا على الأخرة) يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، (لما؟ لأمرين اثنين، لأنك آمنت بالنبى السابق ثم آمنت بالنبى اللاحق.

وقد ثبت فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى والنسائى وابن ماجة والحديث فى أعلى مراتب الصحة من حديث أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل من أهل كتاب آمن بنبيه ثم آمن بى على نبينا صلوات الله وسلامه، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها وأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران أجر التربية والتعليم والعتق ثم الزواج بها عندما جعلها حرة وسترها عن طريق النكاح الذى أحله الله، هؤلاء يؤتون أجرهم مرتين،) يؤتك الله أجرك مرتين، والأمر الثانى إذا أسلمت الرعية ستتبعك فلك أجرك وأجورهم، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ (بفتح الهمزة ويقال: الإرسيين، ويقال: اليراسين، ومعناه الأكار وهو الفلاح المزارع، اسمه الأرسيين واليراسين الإرّسيين الفلاح المزارع، بمعنى العامى، يعنى عليك إثم رعيتك الذين يتبعونك وغالب الرعية أهل فلاحة وزراعة وعامة هذا غالب الرعية، وخواصك وبطارقتك هؤلاء يشاركون فى الوزر تحمل أنت يعنى ومن معك إثمكم وإثم هؤلاء الأرسيين، الإرسيين واليراسين.

{قل يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، (يعنى من قرأة الكتاب الذى بعث به دحية إلى هرقل عظيم الروم) وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، (يعنى الضجيج والكلام والمجادلة من هؤلاء البطارقة والقسس وخواص أصحابه) وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، (قيل أخرجوا يا معشر العرب عندنا ما يشغلنا عنكم الآن أخرجوا) ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ (أمِر أى بلغ وعظم) أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، (يعنى نبينا عليه الصلاة والسلام، وكانوا يعيرونه بهذا الوصف، وهذه كنية قيل لبعض أجداده من أمه وقيل من أبيه وقيل من مرضعته حليمة السعدية، إذاَ يكنى بأبى كبشة، فإذاً كانوا ينسبونه إليه قيل للإحتقار والتصغير، يعنى إنُّ هذا الذى جده البعيد يكنى أبى كبشة صار له شأن وملك الروم هرقل يخافه، قيل أبو كبشة رجل كان من قبيلة خزاعة لا يعبد صنماً معينا وهى الشعرى التى كانوا يعبدونها فكان كل من لا يعبد هذا الصنم أو ينحرف عن عادة من عادات الجاهلية يقولون هذا حاله كحال أبى كبشة، وهذا كأنه على طريقته وإبن له، والعلم عند الله) .

لقد أمِرَ (يعنى بلغ وعظم وصار أمر (يعنى شأن) ابن أبى كبشة (يعنى بينا عليه الصلاة والسلام) إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ (ملك الروم هرقل يخاف هذا اليتيم الذى طردناه من مكة وهو فى المدينة على نبينا صلوات الله وسلامه) . فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ (يعنى زال اليقين، فى العبارة إشكال، مَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ، ما هو التقدير؟ فأظهرت يقينى وجهرت به ما زلت موقناً حتى أظهر علىّ الإسلام، ليس يعنى بطل اليقين، إنما أظهرته، هذا اليقين الذى كان فى قلبى وانا موقن أن الله سيظهر النبى عليه الصلاة والسلام، كان مكتوما فلما أسلمت أظهرت هذا اليقين. قال: وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ (لأن هرقل كانت مركز ملكه ومملكته فى حمص من بلاد الشام، ووكان على إيلياء ابن الناطور، وهنا عظيم بصرى أمير أخر، وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل سُقُفًّا (سُقِفا أُسقُفّا أُسْقٌفَا، وهى معناها العالم الذى له شأن فى النصرانية، كما يقال: شيخ إمام، سُقُفاً عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، (يعنى هرقل وابن الناطور أمرآء وعلماء فى النصرانية) يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ (على ابن الناطور فى بيت المقدس) أَصْبَحَ يَوْمًا (يعنى هرقل) خَبِيثَ النَّفْسِ، (يعنى استيقظ ونفسه يعنى كئيبة حزينة) فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ.

قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً (بالزاى ليس بالذال، والحزّاء هو الذى ينظر فى النجوم ويزعم أنه يستدل بها على المغيبات، وقيل الحزاء هو صاحب الفراسة،) وكان هرقا حزاء يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، (وضبط مُلْكُ الخِتان قد ظهر، ملكهم يعنى حكمهم، ملك الختان من سيملكهم قد ظهر وسينتشر سلطانه فى هذه الحياة، سيملك الناس فى هذه الحياة من يأمر أتباعه بالختان، والنصارى لا يختتنون عليهم لعنات الحى القيوم، بل ولا يستنجون. اختصم مرة نصرانيان وهذه النكت اللطيفة التى تذكر فى أحوال النصارى، إختصم نصرانيان، فمد يده إلى مؤخرته أحدهما وهو من القسس وأخذ قطعة من القلق التى يكون يعنى من الغائط اليابس فى مؤخرته كما يكون فى الغنم وضرب بها خصمه، فقال له: آه، يعنى كدت أن تشق رأسى، قال: ضربتك بالرطبة، لو ضربتك باليابسة لقلعت رأسك، هذا حالهم لا يختتنون ولا يستنجون، لا إله إلا الله.

هذا يقول: إنى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم ملك الختان، ليس مَلَكَ، مَلِك، يعنى الذى سيملكهم، يملك أمة تختتن، مَلِكَ الختان قد ظهر، مُلْكَ الختان قد ظهر، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ (من أهم يعنى لا تغتم ولا تنزعج) وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ (لألا يكون لهم الملك) . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذا وصل متعددون، بصرى وهنا ابن الناطور، ملك غسان يرسشلون الخبر إلى هرقل وأنه أتتنا كتب من رسول صلى الله عليه وسلم، وقد انتشر أمره وأنت الملك الأعظم فى المملكة النصرانية فماذا عندك؟) أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ (أرسل برجل هذا الرجل جاء من عند رسول الله عليه الصلاة والسلام، بخبر إلى ملك غسان، فأرسله إلى هرقل ليستفسر منه ويسأله عن أحوال النبى عليه الصلاة والسلام، فلما استخبره هرقل، قَالَ اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لاَ (هذا الذى من هذا النبى عليه الصلاة والسلام هذا الرسول الذى جاء لملك غسان وأرسله إلى هرقل يختتن؟ إكشفوا عن مئزره وانظروا إلى سوءته. فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ فَقَالَ هُمْ يَخْتَتِنُونَ. فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ.

ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ، (وذاك أيضاً عظيم من عظماء الروم، وهو أيضاً أسقف على النصارى كهرقل، مع أنه أيضاً حاكم) وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ، (يعنى يسأله هل عندك خبر عن هذا النبى عليه الصلاة والسلام، وهل هذا وقت ظهوره؟) وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، (إلى مكان مملكته) فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ (يصل إليها، يستقر فيها) حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ (صاحب رومية) يُوَافِقُ رَأْىَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ (أذِن من الإذن بمعنى الترخيص، أو آذن هرقل، أعلم ودعى) لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ (والدسكرة هى القصر الذى حوله يعنى سور واسع، يقال له دسكرة، قصر وحوله سور واسع عالى مشرف، وهذه الدسكرة قصر حصين لا يمكن أن يدخل إليه من فى السور إذا كانت الأبواب مغلقة) فأذن هرقل لعظمار الروم فى دسكرة لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا.

(وفى رواية فتتابعوا) هَذَا النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام، فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ، فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ (هو أدخلهم فى السور وأغلق باب الدسكرة) ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ، وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَىَّ. وَقَالَ إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ، (أى فيما يتعلق بهذه القصة، لكن حياته إمتدت وقاتل المسلمين فى العام الثامن للهجرة فى موقعة مؤتة بألفى مقاتل، وقاتل بعد ذلك وجهز جيشاً كبيراً ليقتل النبى عليه الصلاة والسلام فى غزوة تبوك فى العام العاشر، وكتب له النبى عليه الصلاة والسلام كتاباً يدعوه إلى الإيمان وكاد أن يؤمن ثم لم يؤمن، وكتب للنبى صلى الله عليه وسلم كتاباً فقال: أسلمت، فقال النبى: كذب عدو الله على نبينا صلوات الله وسلامه، إنه على نصرانيته، ثم قيل: امتدت حياته لعهد أبى بكر وعمر، ثم زال ملكه فى عهد عمر عندما فتحت بلاد الشام فى العام السادس للهجرة بعد هذا الكتاب بعشر سنين بقيادة أبى عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين، وكان ذلك فى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.

ما يتعلق بهرقل بعد ذلك وحال إيمانه، أترك الكلام عليه لأول الأتية إن أحيانا الله وأكمل بعد ذلك العلامات والكلام عليها وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، اللهم اغفر لأباءنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

11علامات صدق النبى

علامات صدق النبي (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان علامات صدق النبي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعا وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. تدارسنا المبحث الثانى من مباحث النبوة على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقد دار المبحث الثانى حول تعريف النبى والرسول والصفات التى ينبغى أن توجد فى كل منهما ليكون كل منهما نبياً ورسولا لله جل وعلا على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقبل أن ننتقل إلى المبحث الثالث فى بيان الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، بقى معنا كما ذكرت فى الموعظة الماضية فى أخرها أمر يسير قصير يرتبط بموضوع تعريف النبى والرسول والصفات التى ينبغى أن توجدفى كل من النبى والرسول، وهذا اتلأمر الذى بقى هو بيان عدة أنبياء الله ورسله على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، كم عدد الأنبياء؟ وكم عدد الرسل؟ عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، هذا يرتبط بالمبحث الثانى فى بيان تعريف النبى والرسول وصفات كل منهما ثم بعد ذلك كما قلت عدد الأنبياء والرسل لعلمائنا الكرام أهل الهدى أهل السنة قولان فى بيان عدد الأنبياء والرسل.

القول الأول: ونسب إلى الجمهور كما فى شرح الطحاوية للإمام ابن أبى العز فى صفحة 262، فقال: نعلم ونوقن ونجزم أن أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عددهم كثير، وهم جمٌ غفير، لكن ليس عندنا علم بعدد معين لهم، إنما نعلم أنهم عدد كثير جم غفير، فما من أمة إلا وقد بعث الله فيها نذير وما من أمة إلا وقد جاءها نذير، وهذا القول كما قلت نسب إلى الجمهور وقرروه بدليلين معتبرين محكمين من حيث الظاهر. الدليل الأول: قالوا لم يرد خبر صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام فى بيان عدد انبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، وطريق الكلام فى هذه المسألة هو النقل لا العقل، فلا يجوز للعقل أن يحدد عدداً معيناً لأنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، وعلى هذا القول يقولون لم يرد خبر صريح صحيح عن النبى عليه الصلاة والسلام فى بيان عدد أنبياء الله ورسله فنمسك عن بيان العدد ونوقن بأن جميع الأمم السابقة جاءها أنبياء وبعث إليها رسل وقد بلغوا دعوة الله جل وعلا على أتم وجه وأكمله، هذا الدليل الأول.، وهو كماترون يعتمد على النفى أنه ما ورد نص صحيح عن نينا عليه الصلاة والسلام فىى بيان عدد أنبياء ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.

والدليل الثانى: قالوا نص الله جل وعلا فى القرآن أن كثيراً من أنبياء الله ورسله الكرام على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، أن كثيراً من أنبياء الله ورسله ما ذكر شأنهم وخبرهم وأمرهم إلى النبى عليه الصلاة والسلام مما يدل على أن عددهم مثبوت عنه، قال الله جل وعلا فى سورة النساء {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا. ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل (إنتبه لموطن الدلالة) ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما} ، ورسلا لم نقصصهم عليك. إذاً هناك عدد من أنبياء الله ورسله ما قص خبرهم ولا ذكر شأنهم ولا أعلم نبينا عليه الصلاة والسلام بحالهم وأمرهم على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، فلهذين الدليلين يقول جم غفير من أهل السنة الكرام لا يعلم عدد أنبياء الله ورسله عليهم جميعا صلوات الله وسلامه.، الأمر الأول: لم يرد فى بيان عددهم والإخبار بعدتهم خبر صحيح.، الثانى: قول الله { ... ورسلا لم نقصصهم عليك..} ، فلهذين الدليلين نمسك عن بيان عددهم والإخبار بعدتهم، ونقول إنه جم غفير وعدد كثير {فما من أمة إلا قد خلا فيها نذير} . القول الثانى: وهو فيما يظهر لى والعلم عند ربى أقوى القولين، وإن نسب القول الأول إلى جمهور أهل السنة من باب التجوز، والحقيقة يعنى، هل القول الأول قال به الجمهور أم لا؟ يعنى فيما وقفت عليه أن كثيراً من العلماء نصوا على القول الثانى وأخذوا به واعتمدوه ووجد ما يقرره ويدل عليه، والقول الأول حكى فقط، يقال: هو قول الجمهور، والذى يبدوا لى والعلم عند ربى أن النسبة فيها شىء من التجوز والتساهل وأن هذا ليس بقول الجمهور ولعل القول الثانى هو قول الجمهور والعلم عند العزيز الغفور.

القول الثانى: خلاصته نعلم عدد أنبياء الله ورسله، أما الرسل فهم ثلاثمائة وخمسة عشر رسولا، وأما الأنبياء فهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، وتقدم معنا الفارق بين النبى والرسول فى المبحث الماضى على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وقد ثبت الحديث بذلك فقولهم فى الدليل الأول لم يرد خبر صحيح هذا على حسب علم القائل وإلا فقد ورد خبر صحيح أما الرسل على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه فقد ثبت فى بيان عددهم خبر صحيح إسناده كالشمس ذكره الحاكم فى المستدرك وصححه، وهكذا وافقه عليه الإمام الذهبى فى تلخيص المستدرك، وقد نصا الحاكم والذهبى بعده على أن إسناد الحديث على شرط الإمام مسلم، والحديث فى الجزء الثانى صفحة 262 ولفظ الحديث عن أبى أمامة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كم كانت عدة الرسل؟ فقال: ثلاثمائة وخمسة عشر] . إذاً الحديث الصحيح فى بيان عدد الرسل وأما الأنبياء مع بيان عدد الرسل معهم فقد ورد ذلك فى حديثٍ ضعيف لكن من عدة طرق وقد صحح الحديث بعض أئمتنا كما سأذكر فتتقوى هذه الطرق ببعضها ويصبح إذا عندنا حديث ثابت فى بيان عدد الرسل، وحديث ثابت بطرقه فى بيان عدد الرسل والأنبياء على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

أما الحديث الذى فيه التصريح ببيان عدد أنبياء الله ورسله وأن عدة الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وأن عدة الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر، ورد ذلك فى مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان وأورده فى صحيحه وصححه، ورواه الحاكم فى المستدرك وصححه لكن تعقبه الذهبى بأن فى الإسناد ضعفا والحديث مروى من رواية أبى أمامة وهو راوى الحديث الأول ومن رواية أبى ذر رضي الله عنهم أجمعين، وفيه أن كل واحد من هذين الصحابيين المباركين عليهما وعلى الصحابة الكرام رضوان الله جل وعلا، سألا النبى عليه الصلاة والسلام عن عدة الأنبياء وعن عدة الرسل، فأجيب كل واحد منهما بأن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، وأن عدد الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر جماً غفيراً، والحديث كما قلت صححه ابن حبان وأورده الحافظ فى الفتح فى الجزء السادس صفحة 261 فى أول كتاب أحاديث الأنبياء فى شرح صحيح البخارى ونسب الإمام الحافظ ابن حجر تصحيح الحديث إلى ابن حبان ولم يعقب عليه بشىء وعلى حسب شرط الحافظ الذى ذكره فى مقدمة شرحه لصحيح البخارى فى هدى السارى فى صفحة 4، يقول: كل حديث أذكره إذا لم أضعفه فلا ينزل عن درجة الصحة أو الحسن وعلى هذا فقد حكى تصحيح الحديث عن ابن حبان ولم يعترض عليه مما يدل والعلم عند الله أن الحافظ ابن حجر يميل إلى تصحيح الحديث وقبوله، وقد ذهب إلى هذا القول الإمام ابن القيم عليه رحمه الله فى زاد المعاد فى الجزء الأول صفحة 43 فى الطبعة الحديثة التى هى فى خمس مجلدات، ففى بداية الكتاب عند قول الله جل وعلا {وربك يخلق ما يشاء ويختار} ، تكلم على اختيار الله فقال: واختار الله جل وعلا من العالم الأنبياء وعدتهم مائةألف وأربعمائة وعشرون ألفا، وأختار من الأنبياءالرسل وعدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، وهذا ورد فى رواية لكن الرواية التى رويت من عدة طرق ثلاثمائة وخمسة عشر وهى رواية المستدرك، الأولى بإسناد صحيح على شرط مسلم كما تقدم معنا، لا

منافاة بين ذكر القليل والكثير، فإذا أقررت لك بمائة لا يعنى أننى أنكر أن يكون لك على ألف، فمائة أقر بها ثم أقر بألف لا منافاة بين القليل والكثير كما يقول أئمتنا، فالرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر وهم أيضاً يزيدون على ذلك رسولين بحيث يصلون إلى ثلاثمائة وخمسة عشر، جمعاً بين الرويات، يقول: واختار من الأنبياء الرسل على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، واختار الله من الرسل أولى العزم الخمسة، {وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم} صلى الله عليه وسلم {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى....} واختار من ارسل أولى العزم، واختار من أولى العزم الخليلين، ووقف عند هذا، أنا أقول واختار من الخليلن أحب خلقه وأفضلهم عنده ألا وهو نبينا عليه الصلاة والسلام فهو خير خلق الرحمن فما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفساً أطهر من نبيناعليه الصلاة والسلام، ولا أكرم عليه من نبينا عليه الصلاة والسلام، وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق، ويفهم من تفسير ابن كثير فى الجزء الأول صفحة 586 عند آية النساء المتقدمة {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك..} ، أنه يميل إلى هذا القول فبعد أن ذكر الحديث وأنه ضعف من قبل إسناده ذكر له روايات متعددة كأنه يشير إلى أن تلك الروايات تشد بعضها بعضا والعلم عند الله جل وعلا. وخلاصة القول: ورد بذلك حديث صحيح كما تقدم معنا بالنسة للرسل بالإتفاق الحديث صحيح، بالنسبة لعدة الأنبياء مع الرسل فى الحديث الذى جمع بين عدد الأنبياء والرسل حول إسناده ضعف وصح من قبل أئمتنا لكن طرقه يعضد بعضها بعضا قيتقوى ويصل إلى درجة القبول والعلم عند العزيز الغفور.

إذاً هذا القول الأول والدليل الأول وهو يرد دليل أصحاب القول الأول بأنه لم يرد خبر صحيح فى بيان عدد أنبياء الله ورسله عن نبينا عليه الصلاة والسلام.، الدليل الثانى: الذى استدلوا به وهو قول الله جل وعلا.. {ورسلا لم نقصصهم عليك..} ، إذاً هناك أنبياء ما ذكر أمرهم ولا شأنهم لنبينا عليه الصلاة والسلام وهذا يقررالقول الأول لأنه لا تعلم عدة الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، والجواب لا إشكال قد أزال أئمتنا الإشكال الذى قد يرد فى ذهن بعض الناس من بيان عدد الأنبياء والرسل مع هذه الآية فهناك بين لنا عدة الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والرسل ثلاثمائة وخمسة عشر، وهنا {ورسلا لم نقصصهم عليك..} ، فكيف هنا بين لنا عددهم وهنا رسل ما قص علينا خبرهم، قال أئمتنا من الإمام الألوسى وغيره لا منافاة بين الآية وبين المقرر عند أهل السنة لا منافاة، لأن الآية غاية ما نفت أنها ما بين الله لنبيه عليه الصلاة والسلام خبر جميع الأنبياء مفصلا كما هو الحال فى بعض الأنبياء فكثير من أنبياء الله ورسله طوى الحديث عنهم، وهل عندنا فى القرآن مائة ألف وأربعمائة وعشرون ألف نبى ذكر أخبارهم؟ لا، فصل إذاً خبر عدد منهم فإذا أعلم بعدتهم إجمالا ثم أخبر ببعضهم تفصيلا ولم يخبر بتفصيل بعض أحوال بعضهم الأخر، فإذاً لا تعارض بين الأمرين {ورسلا لم نقصصهم عليك..} ،

أى لم نفصل لك أخبارهم كما فصلنا أخبار من ذكرنا لك شأنهم وأحوالهم، وأما عددهم هذا عدد إجمالى، فذكر العدد المجمل لا يتنافى مع عدم تفصيل أحوالهم ذكر عددهم مجملاً لكن لم يفصل شأن كثير منهم وعليه لا تدل اآية على أنه لا تعلم عدة الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم جميعا أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه، وهذا القول كما قلت فيما يظهر لى ويبدو والعلم عند ربى أنه أقوى القولين وخلاصة الكلام على هذه الجزئية اليسيرة والنقطة الأخيرة أن عدد الأنبياء مائة ألف وأربعة عشرون ألفا، وأن عدد الرسل من الأنبياء وتقدم معنا كل رسول فيه وصف النبوة، أن عدد الرسل من هذا العدد الجم الغفير الكثير ثلاثمائة وخمسة عشر والعلم عند الله جل وعلا. والذى يتأمل هذا المبحث ويسرح النظر فيه يعلم رفق الله بعباده وإحسان الله إلى عباده ورحمة الله بعباده كيف أرسل لهم هذا العدد الكثير لهدايتهم فى كل وقت مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا يبلغون دعوة الله، والمؤمن عندما يعلم هذا العدد يشد أزره ويقوى نفسه ويعلم أن نسبه عريق عريق قديم قديم، ثابت ثابت، هذا أقوى نسب أنك تنتسب إلى دين بعث الله به مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا، فهذا هو صراط الله المستقيم وهذا هو الطريق السليم وما عداه بنيات متعرجة توصلك إلى مَهلكة مُهلكة ولذلك أعرق نسب على وجه الأرض هو نسب الإسلام {إن الدين عند الله الإسلام} ، به بعث الله أدم وبه ختم الله به بعثة الرسل بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فكل رسول كان يقرر هذا الأمر كما سيأتينا {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} ، {ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} ، هذا فيما يتعلق إخوتى الكرام فى المبحث الثانى جزئية يسيرة أكملنا بها المبحث، ننتقل إلى المبحث الثالث إلى العلامات التى يعرف بها صدق الأنبياء والرسل عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام..

عندما يأمرالله باتباع الحق والإقتداء بالمحقيقن وينهانا عن اتباع الباطل ويحذرنا من السعى ورآء المبطلين يلزم من أمره لنا باتباع الحق ونهيه لنا عن اتباع الباطل أن ينصب للحق علامات ودلالات هى أوضح وأظهر من الشمس إذا كانت فى الظهيرة ليس دونها سحاب ولا غمام وهى أظهر من المنارات الطويلة العالية الشامخة التى تدل على بيوت الله فى الأرض، وإلا نؤمر بحق ولا يوجد علامة تدل على ان هذا حق، وننهى عن اتباع الباطل ولا يوجد علامة تدل على أن هذا باطل، هذا لا يمكن ولذلك إخوتى الكرام: من ضل فى هذه الحياة ما ضل لجهله إنما ضل لسوء قصده وسبب الضلال أحد أمرين: إما جهل وإما سوء قصد، أما الجهل فقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقطع الأعزار وأقام الحجة كالشمس فى رابعة النهار ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة، بقى بعد ذلك أمر أخر وهو خبث فى النفس لا تريد اتباع الحق، وقد قرر الله هذا فى كتابه فقال {الذين الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} ، هذا دافعه ومبناه الجهل أو سوء القصد، سوء القصد،.

ولكن إذا كان الضلال متسبباً عن سوء القصد فلا علاج له، إذا كان الضلال متسببا عن الضياع وعن عدم البصيرة ومعرفة الحق سرعان ما يهتدى الضآل فما أوضح الحق وما أظهره، فالله عندما أمرنا باتباع رسله عليهم صلوات الله وسلامه سيقيم لنا أدلة على ذلك الله أقام ادلة تدل عليه على أنه الخالق الموجد المعبود بحق سبحانه وتعالى، عندما يقول جل وعلا فى كتابه فى أول سورة من كتابه فى سورة الفاتحة {الحمد لله رب العالمين} ، الحمد لله، هذه قضية، الله يحمد لما يحمد؟ ويستحق الحمد ماالسبب لذلك؟ وما الدافع له؟ وما المبرر له؟ أتاك بالدليل والبينة قال هو الرب، رب من؟ رب العالمين وكل من عدا الله من العالمين، مفرد عالم جمع عالم، والعالم سمى عالما لأنه علامة على موجده وخالقه وهو الله جل وعلا فلله الحمد، ما الدليل على أنك إلاه تحمد وينبغى أن نشكرك وأن نعبدك وأن نوحدك؟ قال: أنا سيدكم أنا مالككم كيف، كيف هذا؟ قال: أنتم خلقى وتدلون على وكل واحد من مخلوقات الله من حجر وبشر وبقر وشجر وغير ذلك يدل على الله، وفى كل شىء له آية تدل على أنه واحد سبحانه وتعالى. {الحمد لله رب العالمين} ، من العالم كما قلنا وهو جمع عالم من العلامة فالعالم سمى عالماً لنه علامة على وجود خالقه وعلى عظمة خالقه وعلى أن هذا الخالق ينبغى أن يعبد سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، وهكذا الأنبياء والرسل عليهم جميعا صلوات الله وسلامه ينبغى أن يكون هناك علامات تدل على صدقهم وأنهم رسل الله لنفرق بين النبى والمتنبىء، وبين الصادق والكذاب، وبين المحق وبين المبطل.

يروى الإمام الخرائطى فى كتابه مساوىء الأخلاق، كما نسب الإمام ابن كثير الأثر إلى هذا الكتاب فى تفسير سورة العصر، أن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه جاء إلى المتنبىء الكذاب مسيلمة الكذاب، فقال مسيلمة لعمرو ماذا أنزل على صاحبكم، يعنى محمد عليه الصلاة والسلام، وكان عمرو لا يزال على شركه فى ذلك الوقت هو مشرك، ماذا أنزل على صاحبكم؟ الذى هو من قومكم وقبيلتكم، ماذا أنزل عليه؟ قال أنزل الله عليه سورة وجيزة بليغة، قال: وما هى؟ قالك سورة العصر، {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} ، فقال هذا المتنبىء الكذاب الدعى الخبيث أنزل على أنفاً مثلها، إذا كان ينزل على صاحبكم قرآن وتقول سورة وجيزة بليغة عندى ما نزل على مثلها بحجمها ببلاغتها وفصاحتها، قال: أسمعنى ماذا أنزل عليك، فقال له وقرأ عليه ما أنزل عليه من شيطانه وهوسه ووهمه وضلاله، فقال: يا وبر ياوبر إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر، والوبر كما قال علماء اللغة يقولون حشرة حيوان كالقطة كالهرة كالسنور، أعظم ما فيه أذناه وصدره وبقية أعضاءه صغيرة لا يعنى أثر لها فى الرؤية ولا فى الحجم، يا وبر ياوبر إنما أنت أذنان وصدر أعظم ما فيك أذناك طويلة وصدرك بارز وسائرك حفر نقر، يعنى لا قيمة له ولا أثر له فى حجمك وشكلك، فقال: ماذا ترى يا عمر؟، ألا تعدل هذه السورة تلك السورة، قال: والله إنك لتعلم أننى أقول إنك كذاب، أنت تعلم لما تسألنى؟ هذه كهذه، لأين تذهب عقولكم، هذه كهذه؟ والله الذى لا إله إلا هو لو نظر الإنسان إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وإلى مسيلمة لا يرتاب فى أن هذا رسول الله وهذا عدوا الله لا يرتاب، هنا كل حركة تدل على طهارة وفضيلة، وهناك كل حركة تدل على قبح ورذيلة. النبية الثانية سجاح عندما جاءت إلى مسيلمة كانت النتيجة أن زنا بها وقال بعد ذلك قومها:

أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها ... وغدت أنبياء الناس ذكرانا فلعنة الله رب الناس كلهم ... على سجاح ومن بالإفك أغوانا نبية جاءت إلى نبى زنا بها، طيب هذه نبية؟ وهذا نبى؟ كل حركة من هذه النبية سجاح ومن هذا النبى الدعى مسيلمة كل حركة تدل على كذبهما كما سيأتينا تفصيل ذلك، وهناك إذا نظرت فقط غلى وجه النبى عليه الصلاة والسلام تقول ليس هذا بإنسان عادى، {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} ، كما قال النسوة فى حق نبى الله يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه. ولذلك قال عبد الله ابن رواحة وهو أحسن ما قيل فى بيان حقيقة نبينا الجليل عليه صلوات الله وسلامه، قال: لو لم تكن فيه آيات مبينة كانت بديهته تنبيك بالخبر كانت بديهته تأتيك بالخبر، لو لم يكن فى رسول الله عليه الصلاة والسلام من الآيات التى يعلم بها صدقه فى جميع الأوقات لو لم يكن هذا، أنت فقط إذا نظرت إلى وجهه تقول وجهه ليس بوجه كذاب كما كان يقول هذا الأعراب يأتون فيقولون أيكم محمد عليه الصلاة والسلام،؟ فيقال: هذا فينظرون إلى وجهه يقول: وجهه ليس بوجه كذاب، وجهه ليس بوجه كذاب، لو لم تكن فيه آيات بينة كانت بديهته تنبيك بالخبر تأتيك بالخبر، أى تخبرك عن طهارة قلبه وسره وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً. إذاً لابد من علامات، يا وبر ياوبر، هذه علامة تدل على كذبه، وعلى افتضاحه وعلى نجاسته وحقارته، يستوى هذا مع هذا كلام الله مع هذا الهذيان وهذه الثرثرة وهذا الكلام الباطل الفارغ؟ ماذا ترى يا عمرو؟ قال: والله إنك لتعلم أننى أقول إنك كذاب، أنت تعلم هى علامة فضحتك لو سكت لكان خيراً لك، لا بد إ×وتى الكرام من علامة على حال الإنسان، فالعلامة هى التى تبين صدق النبى وكذب المنتبىء. ولذلك كل من ادعى شيئا فإذا لم يظهر علامات على دعواه هذه الدعوة لا قيمة لها ولا وزن ولا اعتبار.

ورد فى معجم الطبرانى الكبير والأثر رواه البزار فى مسنده ورواه عبد الرزاق فى مصنفه وفى تفسيره ورواه البيهقى فى شعب الإيمان عن أنس بن ماك وعن الحارث بن مالك الأشعرى رضي الله عنهم أجمعين، وإسناد الحديث ضعيف كما قال الحافظ فى المجمع فى مجمع الزوائد فى الجزء الأول صفحة 57 لكن معناه حق صحيح، الغرض منه أن نستدل على أنه لابد للشىء من علامة يستدل بها عليه وإلا كان هذا الشىء بلا دليل وبالتالى لايصح كلامه، فى الحديث الذى من رواية أنس والحارث بن مالك الأشعرى أن النبى عليه الصلاة والسلام لقى الحارث ويقال له حارثة، فقال له النبى عليه الصلاة والسلام: كيف أصبحت يا حارثة، قال: أصبحت مؤمناً حقا، قال: انظر ما تقول فإن لكل قول علامة، فما علامة إيمانك، أنت مؤمن ثم مؤمن حقا، فما العلامة؟ عندك علامة تدل على ذلك أو مجرد كلام حقيقة العلامة تبين صدق الإنسان، قال: يارسول الله عليه الصلاة والسلام عزفت نفسى عن الدنيا وأقبلت على الأخرة، فأظمئت نهارى وأسهرت ليلى، وكأنى أنظر إلى عرش ربى بارزا وكأنى أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وإلى أهل النار يعذبون، هذا أصبح مؤمنا حقا أم لا؟، قال: عرفت فالزم، عبد نور الله قلبه. الأثر من حيث الإسناد كما قلت ضعيف لكن المعنى، لابد لكل قول من علامة، لابد من كل شىء من براهان يدل عليه، فما هى البراهين التى تدل على صدق النبيين والمرسلين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه، لابد من وجود براهين كما سيأتينا. إخوتى الكرام..

ما فى قلب الإنسان سيظهر على جوارحه مهما تكتم وكتم، وإذا أسر الإنسان سريرة أظهرها الله على جوارحه إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وورد الحديث بذلك فى معجم الطبرانى الكبير والأوسط من رواية جندب بن سفيان والأثر إسناده ضعيف، ما أسر أحد سريرة إلا ألبسه الله راءها إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فى قلبك شىء لابد من أن يظهر، وهكذا نبى لابد من ان صدقه، متنبىء لابد من أن يظهر كذبه، ولذلك سيشيع حال الإنسان على ألسن الناس سوآء علم أم لم يعلم، ما فى قلبك وما أنت عليه سيتناقله الناس بألسنتهم ويذكرونك بما فيك. وقد ثبت فى مستدرك الحاكم والحديث رواه البيهقى فى شعب الإيمان وإسناد صحيح، عنم أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إن لله ملائكة فى الأرض تنطق على ألسنة بنى أدم بما فى المرء من خير وشر،، ولذلك المؤمنون فى هذه الحياة هم شهداء الله فى الأرض، إذاً لابد من علامات، العلامات التى نعرف بها صدق النبى وكذب المتنبىء كثيرة يمكن أن نجملها فى أربعة أمور، وكل واحد من هذه الأمور سيأخذ معنا موعظة أو أكثر، موعظة على أقل تقدير، وإذا زاد الوقت فنسأل الله أن يبارك لنا فى علمنا وديننا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، هذه العلامات الأربعة، أذكرها على سبيل الأجمال، ثم أذكر أمراً عاما يدل على هذه العلامات، وأما تفاصيل هذه الأربعة كل واحد منها على حدة، هذا يكون فى المواعظ الأتية إن أحيانا الله. الأمر الأول: النظر إلى النبى فى نفسه، أن تتأمل حاله فى معيشته فى معاملاته بين أسرته كما سيأتينا برهان هذا وتقريره والتدليل عليه. الأمر الثانى: النظر إلى الشريعة التى أتى بها النبى والديانة التى بلغها، والهدى الذى جاء به. الأمر الثالث: النظر إلى معجزات النبى وخوارق العادات التى أتى بها. الأمر الرابع: النظر إلى أصحابه.

من تأمل هذه الأمور الأربعة فى نبيناعليه الصلاة والسلام لن يرتاب ولا واحد من مليارات بأنه رسول رب الأرض والسموات لم يرتاب، ومن أراد أن يأخذ واحدة منهاليتأملها فى متنبىء دعى كذاب لن يرتاب فى أنه غشاش كذاب ليس بنبى ولا رسول، إنما هو يجدل ويكذب ويقترى. أربعة أمور لا بد من علامات العلامات يمكن أن تجمل فى أربعة أمور، قبل أن أفصل الكلام كما قلت على كل واحد منها، أحب أن أذكر أمراً عاما يدل على هذه الأمور، وهذا الأمر منقول، ثم أتحدث بعد ذلك عن ألأمور الأخرى. ثبت فى مسند الإمام أحمد والصحيحين وهو فى أعلى مراتب الصحة والحديث رواه الإمام الترمذى أيضا من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، قال: أخبرنى أبو سفيان بن حرب فى بعض الرويات فى صحيح البخارى كما فى كتاب التفسير فى تفسير سورة المائدة يقول، من فيه إلى فىّ من فمه إلى فمى، والأصل أن يقول من فيه إلى أذنى، وإنما قال بن عباس هذا عمدا، كأنه يقول: أخبرنى من فيه إلى فىّ، من فمه إلى فمى، أى أخبرنى وأنا أسمع وإذا السماع يحتاج إلى إستفسار واستظهار تكلمت بفمى وضبط الأمر يعنى ليس هو سماع مجرد وليس لى فم ينطق ويستفسر، فمه إلى فمى منفيه إلى فىّ، أى فمه إلى أذناى، لكن الفم إذا لزم أن يتكلم تكلم من أجل أن يسأل عن الحقيقة وأن يستوضح عن المراد.

وخلاصة حديثه أقرأه بعد ذلك بلفظه الطويل من صحيح البخارى إن شاء، خلاصة الحديث أن أبا سفيان عندما كان فى تجارة مع بعض أصحابه من قريش إلى بلاد الشام، وقيل كانوا ثلاثين شخصاً راكبا وقيل عشرين رضي الله على من اهتدى منهم بعد حينه، يعنى من اهتدى ومن بقى على كفره أو مات على الكفر العلم عند الله إنما أبو سفيان من جملة من اهتدى وآمن بالنبى عليه الصلاة والسلام، يقول: فلما وصلوا إلى بلاد الشام ورد فى بعض الرويات أنهم كانوا فى غزة من بلاد الشام طلبهم هرقل عظيم الروم الذى يلقب بقيصر وهذا لقب لكل من ملك الروم، فسألهم عشرة أسئلة تتعلق بالنبى عليه الصلاة والسلام عندما علم خروج النبى عليه الصلاة والسلام وبعثته وكان هذا فى العام السادس للهجرة بعد صلح الحديبية لأنه لما وضعت الهدنة بين النبى عليه الصلاة والسلام وبين مشركى قريش تفرغ المشركون واستطاعوا أن يسافروا إلى بلاد الشام وأن المسلمين فى المدينة المنورة وفيما حولها لم يعترضوهم من أجل الهدنة التى بينهم كما سيأتينا هذا إن شاء الله، فسألهم هرقل عشرة أسئلة، عشرة أسئلة كما سيأتينا، هذه الأسئلة هى علامات تدل على صدق خير البريات عليه الصلاة والسلام فى دعواه النبوة والرسالة وهذه العشرة أسئلة تقدمها سؤال ويتعلق هذا بمن هو أقرب نسباً بنينا عليه الصلاة والسلام، فقال هرقل لما جاء أبو سفيان وأصحابه: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذى يزعم أنه نبى على نبينا صلوات الله وسلامه، فقال أبو سفيان: أنا وهو أقرب الموجدين نسباً وأبو سفيان يلتقى مع نبينا عليه الصلاة والسلام فى الجد الرابع فى عبد مناف فهو الجد الرابع لأبى سفيان ولنبينا عليه الصلاة والسلام، فقال: أنا،.

فقال هرقل لترجمانه: قربوه واجعلوا أصحابه ورآء ظهره ورآء أبى سفيان، ثم قال لأصحابه الذين معه وكما قلت كانوا ثلاثين أوعشرين: إنى سائل هذا، أى عن هذا النبى الذى بعث سأسئله فإن كذبنى فكذبوه، قال علماء اللغة: هذا من غرائب الألفاظ، كذب بالتخفيف تتعدى إلى مفعولين، كذّبوه تتعدى إلى مفعول واحد، والأصل أن الفعل إذا شدد وثقل إذا كان لازماً يتعدى إلى مفعول إذا كان متعدى إلى مفعول يتعدى إلى مفعولين، هذا إذا ثقل يتعدى إلى مفعول واحد وإذا خفف يتعدى إلى مفعولين، هذا من غرائب الأفعال كما قال علماء اللغة، إن كذبنى الحديث والخبر والقول، فالمفعول الأول الياء الضمير والثانى إن كذبنى القول الخبر الكلام فكذبوه، هذا لا يتعدى إلى مفعول واحد، كذبوا أبا سفيان، يقول أبو سفيان: والله لولا أن يأثرونى بكسر الثاء وضمها يأثُر أى يروا ويتناقلوا عنى كذباً لكذبت عنه، انتبه قال: يأثروا وما قال يكذبونى، هو واثق من عدم تكذيبهم له واثق لآنهم على نحلته وعلى ضلالته، فإذا غمط النبى عليه الصلاة والسلام وحقره وأنقص من شأنه لن يقولوا لهرقل إنه يكذب، كلهم يتآمرون على الباطل لكن سيسقط من أعينهم بعد ذلك، يقولون: هذا كذاب والكذب منقصة، عند الموحدين وعند المشركين الذى يكذب هذا ناقص يقول: لولا أن يأثروا أى يروا ويتناقلوا فيما بعد خبر كذبى وأنه لاقيمة لى إلا كذبت لأننى واثق من عدم تكذيبهم لى، لكن بعد ذلك سأفتضح لذلك سأتكلم بالحق، إلى هنا كله سؤال عمن يقرب من النبى عليه الصلاة والسلام وله به صلة من أجل أن يستوثق هرقل من أحواله وأخباره، فاسمعوا إلى الأسئلة العشرة.

قال هرقل لأبى سفيان: كيف نسبه فيكم، هذا محمد عليه الصلاة والسلام خير عباد الله الذى بعث فيكم فى مكة وهاجر إلى المدينة وأنتم من قومه وأنت تزعم أنك من رهطه وأقرب الحاضرين به، كيف نسبه فيكم: قلت هو فينا ذو نسب، والتنكير فى نسب للتعظيم، أى نسب عظيم جليل رفيع كريم من خير بيوتات قريش، وهذا كقول الله {ولكم فى القصاص حياة..} أى حياة كريمة سعيدة هنيئة، فالتنكير للتعظيم والتفخيم، هو فينا ذو نسب، هذا السؤال الأول عدوا الأسئلة عشرة. ووجه إليه السؤال الثانى وهذا سؤال نصرانى سؤال كافر وبقى على كفره، لكن اسمعوا لشهادة الحق نعلم أن الحق أبلج من النهار وأوضح وأظهر، فقال هرقل السؤال الثانى: هل قال هذا القول أحد قط قبله؟، أحد فى قريش كان يدعى أنه نبى ورسول قبل محمد عليه الصلاة والسلام، عندكم من ادعى النبوة يا معشر العرب؟، قلت: لا ما سمعنا بهذه الدعوة على الإطلاق، ونحن نعبد الأصنام وما جاءنا أحد قال: أنا نبى أتركوا عبادة الأصنام. السؤال الثالث: فقال: هل كان من أباءه من ملك؟، قوله من ملك بزيادة من وحذفه، هل كان من آباءه ملك، من ملك؟ وعلى الزيادة تضبط بوجهين كما قال علماء الحديث وكل من هذه الوجوه منقول، هل كلن من آباءه مَن مَلَكَ، مِن مَلِكٍ، هل كان من آباءه مَلِكٌ؟، وقال الحافظ ابن حجر فى الفتح، والوجوه الثلاثة متقاربة، والمعنى هل أحد من آباءه كان ملكاً عليكم رئيسا، مسئول، قلت: لا ما كان من أحد من آباءه ملك، مَلَكَنا أحد من أسرته.

السؤال الرابع: قال أشراف الناس يتبعونه أم ضعفائهم، قلت: بل ضعفاءوهم، وإنما يريد بالشرف هنا أهل النخوة والكبر والعزة والأنفة الذين يتغطرسون ولا ينقاضون للحق، ليخرج بذلك أبو بكر وعمر فهم من سادات قريش، ويمكن أن نقول: يقصد بذلك التغليب يعنى غالب من يتبعه الضعفاء لا أهل الشرف فما تبعه إلا قلة من أهل الشرف، وإذا قلنا على المعنى الأول وهو أوجه والعلم عند الله، أشراف الناس أم ضعفاءهم؟ يقصد بالأشراف أهل العتو والكبر والعظمة، فأبو بكر شريف فى النسب لكنه طاهر القلب لا كبر عنده ولا تعالى ولا تعاظم، وهكذا عمر، أشراف الناس يتبعونه أو ضعفاءهم، قلت: بل ضعفاءهم، السؤال الخامس أوليس كذلك: قال: يزيدون أم ينقصون، قلت: بل يزيدون. السؤال السادس: قال فهل يرتد أحد منهم سَخطةً سُخطة بفتح السين وضمها، سخطة، أى كراهية لدينه، هل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه سخطاً لدينه؟ كراهية له وعدم محبة فيه بعد أن يدخل فيه، أحد ارتد من الصحابة، قلت: لا، وإنما قال سخطا.

50نماذج من بيت النبى1_2

نماذج من بيت النبي (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان نماذج من بيت النبي (2) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. لا زلنا نتدارس خلق نبينا عليه الصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم مع أهله الكرام وتقدم معنا أن خير الناس خيرهم لأهله ونبينا عليه صلوات الله وسلامه هو خير المخلوقات فهو خير المخلوقات إذن لأهله عليه صلوات الله وسلامه فى جميع الأحوال والأوقات وقد تقدم معنا شىء من معاملة نبينا عليه صلوات الله وسلامه وخلقه مع أهله فبينت أنه كان فى كل يوم يمر نبينا عليه صلوات الله وسلامه على نسائه أمهاتنا الطيبات الطاهرات ويتفقد أحوالهن ويؤانسهن كما كان عليه صلوات الله وسلامه يخلص فى حبهن ويحفظهن فى حياتهن وبعد موتهن على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه. كما تقدم معنا الأمر الثالث ألا وهو حسن عشرته وكريم معاشرته لهن على نبينا عليهن صلوات الله وسلامه.

والأمر الرابع: قلت وبه يتجلى به حسن الخلق على وجه التمام والكمال كان يتحمل تقصيرهن ويصبر على قصورهن على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقلت إخوتى الكرام ما جرى من تقصير وقصور من أمهاتنا نحو نبينا على نبينا وآل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه فقلت إن هذا يسير وعدده محصور وقلنا إذا أردنا أن نستقصى ما جرى فى بيت نبينا عليه صلوات الله وسلامه من نسائه مما يمكن أن يعتبر قصورا وتقصيرا فتقدم معنا أنه لا تصل الحوادث فى ذلك إلى عدد أصابع اليدين فهى دون العشر حوادث كما تقدم معنا ذلك وذكرت غالب ظنى خمس حوادث مما جرى من أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فيما بينهن وفيما بينهن وبين نبينا عليه صلوات الله وسلامه وبينت أن ذلك القصور والتقصير لا تنفك عنه طبيعة البشر وإذا جرى على حسب ما ركز فى الإنسان من غفلة وغضب وقصور وتقصير فلا يدل إلا على أن الإنسان فيه هذه الصفات فينبغى أن يجاهد نفسه ويدل أيضا على أن هذه الحياة لا تخلو من المعكرات والمكدرات فالقصور إذا لم يكن متعمدا ولم يكن دافعه خبثا فى القلب وفسادا فى النفس فلا يدل كما تقدم معنا إلا على قصور هذا البشر وأنه ما دام فى هذه الحياة ما يمكن أن يكون كاملا مكملا إنما دار الآخرة هى دار الكمال وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون هى الحياة الكاملة لا تنغيص فيها بوجه من الوجوه. كما تقدمت معنا الإشارة إلى ذلك فنبينا عليه صلوات الله وسلامه خير خلق الله أدبه ربنا فأحسن تأديبه وأثنى عليه بقوله إنك لعلى خلق عظيم فهى الذى لا يصدر منه القصور والتقصير عليه صلوات الله وسلامه وأما من عداه فالأمر كما قال أئمتنا: من الذى ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط محمد الهادى الذى ... عليه جبريل هبط

هذا الذى ما ساء قط وهذا الذى يتصف بالحسنى فقط عليه صلوات الله وسلامه ولا يجرى منه القصور ولا التقصير عليه صلوات الله وسلامه وأما من عداه فكما قلت إذا جرى منه القصور والتقصير دون أن يكون ذلك متعمدا ودون أن يكون الدافع لذلك خبثا فى القلب وفسادا ونجاسة فى النفس فلا يضر الإنسان إنما يدل فقط على أن الإنسان فى هذه الحياة مجبول على القصور والتقصير وما عليه إلا أن يلجأ إلى الله الجليل سبحانه وتعالى فى جميع أحواله وأن يقلع عن قصوره وأنت يندم على ما جرى من تقصيره هذا الذى ينبغى أن يتصف به الإنسان. ولذلك إخوتى الكرام ما جرى من شوائب من أمهاتنا أزواج نبينا الطيبات الطاهرات المطهرات على نبينا وعلى آل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه فقلت ما نذكره من باب تعييرهن فحاشاهن من أن يعيرن إنما نذكر ذلك كما قلت لبيان ما حصل فى بيت النبوة وكيف عولج من قبل نبينا الحليم الرحيم عليه صلوات الله وسلامه لنتقدى به فى معالجة هذه الأحوال التى تطرأ فى بيوتنا بعد نبينا عليه صلوات الله وسلامه فهو أسوتنا وقدوتنا كما تقدم معنا فيما نحب وفيما نكره فينبغى أن نقتدى به فى الشدة كما نقتدى به أيضا فى الرخاء ونقتدى به فيما نحبه عندما نعاشر الزوجة وتطيعنا ونقتدى به فيما نكرهه أيضا عندما نعاشر الزوجة وأحيانا تقصر فى حقنا وهكذا إذا نحن قصرنا فهى تتحمل ونسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من ذوى الأخلاق الحسنة الطيبة الهينين اللينين إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

سأذكر إخوتى الكرام فى هذه الموعظة ثلاث حوادث أيضا مع الخمسة يصبح المجموع ثمانية ولا يمكن أن يزاد على ذلك شائبة من الشوائب وما قلت جمعتها وحقيقة جمعها غير محمود أن يجمع الإنسان يعنى هذه السلبيات فى مكان واحد لكن كما قلت لنقطع ألسنة الذين يتكلمون بالباطل ويقولون كان يجرى فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام ويجرى وهذا يدل على أنه إذا حصل تعدد سيترتب عليه مشاكل قلت لا ثم لا هن تسع نسوة فى تسع سنوات ما جرى فى هذه السنوات التسع تسع حوادث إنما على سبيل الاستقصاء خمس وهذه ثلاثة ثمانى حوادث وقعت فى بيت نبينا عليه صلوات الله وسلامه عولجت بعد ذلك بهذه المعالجة الحكيمة الحليمة الرحيمة فاستمعوا إخوتى الكرام للحادثة السادسة التى جرت فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام أوردها مختصرة ثم أذكر الروايات والدلالات عليها تقدم معنا أنه ركز فى طبيعة النساء الغيرة فنبينا عليه صلوات الله وسلامه كما تقدم معنا كان يعدل فى القسم ولم يوجب الله عليه ذلك وكان يقوم به على وجه التمام فهو فى بيت عائشة رضى الله عنها وأرضاها تكررت ثلاث حوادث. الحادثة الأولى: أرسلت أمنا حفصة رضى الله عنها وأرضاها إلى النبى عليه الصلاة والسلام طعاما وهو مع أصحابه فى بيت أمنا عائشة. حادثة ثانية: أرسلت أمنا أم سلمة طعاما إلى النبى عليه الصلاة والسلام وهو مع أصحابه وأمنا عائشة تصنع طعاما على عجلة. حادثة ثالثة: أرسلت أمنا صفية على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه طعاما إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وهو مع أصحابه أيضا فى بيت أمنا عائشة.

الحوادث الثلاث فى بيت أمنا عائشة وفى قسمها ونصيبها فما تحملت أمنا الطيبة الطاهرة المباركة فأخذتها الغيرة وضربت القصعة فكسرتها وتناثر الطعام فجمعه نبينا عليه الصلاة والسلام ولا أظهر تأففا ولا غضبا ولا انفعالا والصحابة حضور فماذا قال يلتمس عذرا لأمنا عائشة قال غرت أمكم يعنى التمسوا لها عذر ما أحد يتكلم الذى يتكلم نقطع لسانه الآن هذه جاءتها غيرة وطياشة فى البشر ولذلك ليس هذا من باب خبث فى القلب ولا فساد فى النفس غارت أمكم ثم جمع عليه الصلاة والسلام هذا الطعام وحبس الرسول الذى جاء من قبل حفصة وأم سلمة كما قلت وصفية فى الحوادث المتعددة حتى جاءت قصعة أمنا عائشة فأرسلها إلى التى كسرت قصعتها وقال إناء كإنائها وطعام كطعامها وانتهت المشكلة يعنى هذه حقيقة جرت فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام ولا أريد أن يقول يا ليتها لم تجرِ لا إنما جرت ولله الحكمة فيما شاء وقدر لنقتدى بهذا الفعل وأن هذا لا يعتبر تعييرا فى الرجل ولا منقصة فيه إذا جرى هذا بين أزواجه حتى أمام ضيوفه لا حرج ونلتمس العذر غارت أمكم أى لا أحد يتكلم لا فى وقت انفعال والإنسان دعوه ليهدأ هو يندم لذلك تقول أمنا عائشة كما سيأتينا فى الرواية التى سأذكرها قالت فنظرت إلى النبى عليه الصلاة والسلام فقلت أعوذ برسول الله أن يلعننى هذا اليوم يعنى أنا أغضبتك الآن وكسرت القصعة وتناثر الطعام كما سيأتينا والرواية صحيحة قال أو لا لا ألعنك ولا ألعن أحدا وما لعن عليه الصلاة والسلام أحدا من خلق الله حتى يلعن زوجه أم المؤمنين أو لا إناء كإنائها وطعام كطعامها انتهى مشكلة تزول ولا داعى للعن وللانفعال ولا للغضب يعنى إذا أنت غضبت لا بد من معالجة هذه القضية فنلتمس لك عذرا ولئلا يتكلم أحد غارت أمكم فاستمع لهذه الحوادث كما قلت الثلاثة التى جرت فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام.

أما الحادثة الأولى قلت حفصة أوليس كذلك بدل حفصة زينب رضى الله عنها وأرضاها زينب وأم سلمة وصفية الحادثة الأولى رواها الإمام البخارى فى صحيحه وأبو داود والترمذى والنسائى فى سننه فهى فى صحيح البخارى والسنن الأربعة إلا سنن ابن ماجة عن أنس ابن مالك رضى الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه أبهمها أنس تفخيما لشأنها فكأنه يقول هى أفضل نساء النبى عليه الصلاة والسلام وهى معلومة قال فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام والصحفة كالقصعة والقصعة كما قال علماء اللغة إنا من خشب وأما الصحفة فهى قصعة مبسوطة قد تكون من خشب وقد تكون من غيره إذن أرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام هذه المرسلة هى زينب بنت جحش كما ثبت ذلك فى المحلى لابن حزم بإسناده أن زينب رضى الله عنها أهدت إلى النبى عليه الصلاة والسلام وهو فى بيت عائشة رضى الله عنهم أجمعين جفنة من حَيث والحيث طعام متخذا من تمر وأقط وسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق يعنى تمر وسمن لا بد منه وقد يكون معه أقط وقد يكون دقيق تمر وسمن ودقيق تمر وسمن وأقط يعجن مع بعضه والأقط هو لبن مجفف هذا يقال له حيث أرسلت أمنا زينب على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه جفنة من حيث وكما قلت هو فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنهم أجمعين قال فأرسلت إليه إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التى هو فى بيتها يد الخادم عندما يحمل القصعة ضربت هذه القصعة لتسقط من يده فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذى كان فى الصحفة ويقول غارت أمكم غارت أمكم ثم حبس الخادم قال لا تذهب انتظر حتى أوتى بصحفة من عند التى هو فى بيتها يعنى من عند أمنا عائشة فدفعها إلى التى كسرت صحفتها وأمسك المكسورة فى بيت التى كسرتها وزالت المشكلة خلص المشكلة زالت من أولها لآخرها فانظر لهذا النبى الحليم الكريم عليه

صلوات الله وسلامه كيف عالج هذا دون أن يتكلم كلمة عتاب لا لمن كسرت ولا لغيرها ولا لتلك لمَ أرسلت وتلك فى الحقيقة أيضا على حسب موازين يعنى الغيرة أيضا تعتبر تجاوزت حدها ينبغى أن تستأذن من صاحبة القسم هل ترسل يعنى أم لا فكأن أمنا عائشة رضى الله عنها ترى أن تلك تجاوزت الحد وأنها هى ما تقوم نحو النبى عليه الصلاة والسلام بما يجب حتى أرسلت تلك طعاما وطعام أمنا عائشة قد تأخر فإذن كأنها مقصرة فهذا الذى دعاها للانفعال ضربت القصعة والنبى عليه الصلاة والسلام لا عاتب هذه ولا عاتب تلك قال المسألة سهلة ولا داعى للتعليق عليها ولا ببنت شفة اجلس أيها الخادم فعندما يأتى طعام أمنا عائشة نرسله بصحفته إلى أمنا زينب وانتهت المشكلة حقيقة حادثة كما جرت ليس فيها لغط ولا سباب ما تقدم معنا ولا مهاترات كما يجرى من البشر فى هذه الأوقات. نعم كما قلت شائبة لكن لا بد من معالجتها بالحكمة هذه القصة الأولى كما قلت وهى فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنها والمرسلة هنا زينب. وفى رواية الترمذى قال أهدت بعض أزواج النبى صلى الله عليه وسلم إلى النبى طعاما فى قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها فقال النبى صلى الله عليه وسلم طعام بطعام وإناء بإناء.

49نماذج من بيت النبى1

نماذج من بيت النبي (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان نماذج من بيت النبي (1) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام..

كنا نتدارس معاملة نبينا عليه الصلاة والسلام مع زوجاته أمهاتنا الطاهرات المباركات على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقد تقدم معنا إخوتى الكرام أن خير الناس خيرهم لأهله وبما أن نبينا عليه صلوات الله وسلامه هو خير المخلوقات قطعا وجزما فهو خيرهم للزوجات عليه الصلاة والسلام وقد تقدم معنا أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يطوف على نسائه أمهاتنا الطاهرات فى جميع الأوقات فيتفقدهن فى كل لك يوم كما مر معنا هذا وتقدم معنا أيضا أن نبينا عليه صلوات الله وسلامه كان يحنو عليهن ويحفظ ودهن فى حياتهن وبعد مماتهن كما تقدم معنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وتقدم معنا أيضا أنه كان يحسن عشرتهن ومعاشرتهن وقررت هذا بالأحاديث الصحيحة الصريحة فى الدلالة على هذا الأمر ووصلنا عند الأمر الرابع ألا وهو أن نبينا عليه الصلاة والسلام كان يصبر عليهن ويتحمل منهن قصورهن وتقصيرهن على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقلت هذا الأمر الرابع به يتجلى حسن الخلق على وجه التمام والكمال فحسن الخلق أن تبذل الندى وهو الخير والمعروف والبر والإحسان وأن تتحمل الأذى أحسنت إلى عباد الله ثم بعد ذلك تتحمل الأذى منهم وتصبر عليهم وهنا أحسنت إلى زوجتك وزوجاتك فلو قدر أنه جرى منهن قصور نحو فينبغى أن تصبر وأن تحتسب وأن تحلم وأن ترفق وهذا هو خلق الكرام الذين يتصفون بالأخلاق الحسنة ولنبينا عليه الصلاة والسلام من ذلك النصيب الأوفى الذى لا يمكن لبشر أن يصل إلى درجته فى ذلك كيف لا والله يقول فى حقه وإنك لعلى خلق عظيم اللهم صل على نبينا وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الكرام المباركين.

إخوتى الكرام: حسن الخلق يتجلى كما قلت عند هذا الأمر الرابع فلا بد من الرفق وتحمل الأذى من الزوجات عندما يصدر منهن نحو أزواجهن وقد ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه ولا ينزع من شىء إلا شانه فعليك بالرفق فى جميع حياتك لا سيما مع أهلك وزوجاتك واضبط أعصابك فإذا أحسنت ما أحسنت وجرى منها ما جرى من النساء حذارى أن تقابل هذه الإساءة بغضب وانفعال لئلا تحبط عملك الذى عملته ولئلا يضيع إحسانك الذى بذلته ولذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام يوصينا بأن نضبط أنفسنا فى جميع أحوالنا.

ففى مسند الإما أحمد وموطأ الإمام مالك والحديث رواه الإمام البخارى فى صحيحه والإمام الترمذى فى سننه عن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن رجلا جاء إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه فقال أوصنى قال لا تغضب فردد مرارا أوصنى أوصنى يقول لا تغضب لا تغضب كلما يكرر طلب الوصية يجيبه نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه القضية لا تغضب فإن الغضب يجمع شر الدنيا والآخرة وسوء الدارين العاجلة والآجلة لا تغضب وهنا جرى من أهلك نحوك ما جرى لا تغضب وأنت حقيقة إذا ضبطت نفسك ولم تضيع إحسانك فأنت الرجل الشهم وأنت الكريم وأنت صاحب الخلق الحسن وقد ثبت فى المسند وموطأ الإمام مالك والصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب ليس الشديد بمن يصرع الرجال فهو مصارع قوى ماهر يضجعهم على الأرض ويلقيهم على التراب ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب فأنت قيم وأنت سيد بكتاب الله وألفيا سيدها لدى الباب وأنت ترعى البيت ومن فيه لكن ليس معنى هذا ينبغى أن تتصف بالجبروت والغلظة والفظاظة والغضب والحماقة لا ثم لا فإذا جرى من هذه المسكينة ما جرى نحو إحسانك ومعروفك وفضلك قابله بصدر رحب وصرف الأمور على حسب شرع العزيز الغفور. نعم أمران لا ينبغى أن تتهاون فيهما إذا صدرا من الأهل والزوجات. الأول: معصية فى حق الله جل وعلا فلا بد من أن تثأر لله كما يثأر الليث الحرب وأن توقف الأمور عند حدها وألا تتساهل فى حقوق الله جل وعلا أما فى حقوقك كلما صفحت فهذا خير لك والناس عكسوا القضية يغضبون لحقوق أنفسهم ويحلمون عند ضياع حقوق ربهم وهذا هو الضلال المبين.

الأمر الثانى: إذا جرى من زوجة اعتداء على زوجة أخرى حقيقة لا يصلح الحلم أيضا والصفح فى هذا الأمر فهذا ليس حقك ينبغى أن تعطى كل زوجة حقها وألا تميل مع واحدة على حساب الأخرى هذا ليس الآن حق لك تتنازل عنه ما عدا هذين الحقين كلما عفوت وصفحت فأنت أحسن فإذا أطالت لسانها بل مدت يدها ودفعت يعنى بك فى صدرك وأحيانا جرى منها ما جرى من هجران ونفور فكل هذا تحمله وطيب خاطرها بكلام طيب لعل الله جل وعلا يعفو عنك ويستر الزلات التى تصدر منى ومنك يوم القيامة فهو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتى الكرام: هذا الأمر الرابع قلت سأستعرض نماذج منه مما جرى من بيت نبينا عليه الصلاة والسلام من أمهاتنا نحو نبينا عليه صلوات الله وسلامه وهو بلا شك كما تقدم معنا قصور منهن وتقصير نحو نبينا عليه الصلاة والسلام ولا نقصد بذلك أن نعيرهن كما تقدم معنا فهن أكمل النساء وأطهر النساء بلا شك لكن هذه هى الحياة الدنيا كما سيأتينا وقلت هذه السلبيات التى جرت فى بيوت خير البريات عليه الصلاة والسلام إن أحصيت واستوعبت لقلت سأحصيها لا تصل إلى عدد أصابع اليدين ثم هى كما سيأتينا سلبيات ظاهرة ما دخلت إلى القلب ولا عشعشت فيه ونحن عندما ندرس هذا نستفيد فوائد عظيمة أبرزها فائدتان. الفائدة الأولى: لنعلم أن الدنيا دار كدر مهما صفت فلا تخلو من عكر وكدر. والأمر الثانى: لنستفيد معالجة هذا الكدر من بيوت نبينا خير البشر عليه صلوات الله وسلامه فقد جرى هذا فى بيته وهو عليه صلوات الله وسلامه أسوتنا وقدوتنا وأمامنا فى جميع شؤوننا فيما نحب وفيما نكره فإذا طرأ فى بيوتنا شىء مما نكرهه نعالجه كما كان نبينا عليه الصلاة والسلام يعالجه حقيقة هذا يدل على حال الدنيا ثم ما سلم من هذا بيت النبى عليه الصلاة والسلام وإن كانت الحوادث كما قلت بمقدار وعولجت معالجة حسنة فلنقتدى بنبينا عليه الصلاة والسلام فى هذا الأمر.

إخوتى الكرام: الناس فى هذه الحياة لا ينفك عنهم وصف البشرية لا يخرجون عن وصف الإنسانية وفيهم الخطأ والنسيان والذهول والتقصير هذا لا يمكن أن ينفك عنه بشر ما دام فى هذه الحياة وهذه الحياة لا يمكن أن تكون دار صفاء ووفاء إنما الصفاء والوفاء على وجه التمام هذا فى غرف الجنان هناك {لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} هناك {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} هناك {لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد} . أما هنا ما يحصل لك مما تشاؤه أقل بأضعاف مضاعفة مما لا يحصل لك فأنت تريد أشياء كثيرة ولا يحصل لك منها إلا القليل فانتبه لهذا الأمر هذا حال الدنيا والأمر كما قال بعض الأكياس: طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب فى الماء جذوة نار

لا يمكن أن تحصل يعنى جذوة نار قطعة نار من جوف الماء لا يمكن هذا وهذا حال الدنيا إذا أردت الصفاء والراحة والطمأنينة فيها فهذا خيال ووهم هذا لا يحصل إلا فى الدار التى لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين فهذا نبينا عليه الصلاة والسلام وهو خير عباد الرحمن وهو خير المخلوقات مع ذلك جرى فى بيته عليه صلوات الله وسلامه ما جرى وتحمل وعفا وصفح لحياة كدر حياة عناء حياة يقع فيها شىء من الشدة والبلاء فلا بد من أن تصبر ولا تقل للزوجة يعنى أن أفعل وأحسن وأقدم وأنت تقابلين بعد ذلك هذا بهذه المعالمة يا عبد الله هذا حال الحياة لا راحة إلا بلقاء الله جل وعلا ثم كما قلت هذه الحوادث من أولها لآخرها إذا كنت القلوب طاهرة تبقى انفعالات ظاهرية تزول بعد ذلك مباشرة إنما حصل انفعال {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} ذكرت الحادثة الأولى إخوتى الكرام فى تآمر من تآمر من أمهاتنا على نبيناو عليهن صلوات الله وسلامه على نبينا عليه صلوات الله وسلامه وكيف تسبب عن هذه المؤامرة أن يحرم نبينا عليه الصلاة والسلام على نفسه سريته وأن يحرم على نفسه شرب العسل فعوتب من قبل الله عز وجل ثم بعد ذلك هجر نساءه شهرا فكل واحدة تتمنى لو قطعت فى ذلك الشهر قطعا بعدد ذراتها ولم يحصل هذا الهجر من نبينا عليه الصلاة والسلام لها ثم عندما نزلت آية التخيير وبدأ بأصغرهن بأمنا عائشة رضى الله عنهن جميعا قال سأعرض عليك أمرا لا تستعجلى حتى تستشيرى أبويك ثم تلا الآية قالت أفيك أستشير بل اختار الله ورسولهعلى نبينا وآل بيته جميعا صلوات الله وسلامه ثم استقرأ نساءه التسع كل واحدة تقول هذا بل اختار الله ورسوله. {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا* وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} .

وسأذكر إخوتى الكرام حوادث كما قلت لو جمعت دون أصابع اليدين يعنى ما تزيد ولا تصل دون أصابع اليدين وإذا كانت هذه الحوادث مع نبينا عليه الصلاة والسلام كان يتحمل ويعفو ويحلم ويصفح عليه صلوات الله وسلامه بلغ الأمر بأمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها أن قالت لنبينا عليه الصلاة والسلام أنت تزعم أنك رسول الله عليه صلوات الله وسلامه فتحمل النبى عليه الصلاة والسلام هذا منها قالت أو فى ذلك شك يا عائشة أنت تشكين قالت أقول أنت تزعم إنك رسول الله اعدل عليه صلوات الله وسلامه فتحمل هذا لكن أبا بكر رضى الله عنه عندما سمع هذه المقالة ما تحمل من ابنته فلطمها على وجهها وما أقره نبينا عليه صلوات الله وسلامه على هذا الأمر والحديث رواه أبو يعلى ورواه أبو الشيخ ابن حيان وهو فى مجمع الزوائد فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وأتكلم على درجة إسناده بعد روايته إن شاء الله تقول أمنا عائشة رضى الله عنها قالت وهذا حصل فى حجة الوداع تقول كان متاعى فيه خف المتاع الذى يحمل على الراحلة على البعير على الناقة وكان على جمل ناج أى عندها أمتعة خفيفة وجملها قوى مسرع نشيط سريع وكان متاع صفية فيه ثقل وكان على جمل ثفال أى بطىء ضعيف فى المشى ولو ضبط ثقال لكن من حيث اللغة صحيحا لكن الرواية الواردة بالفاء على جمل ثفال ثقال أى ثقيل فى المشى ثفال أى ضعيف لا يسرع ولا يلحق بالركب أمتعتها كثيرة وعلى جمل ثفال وتلك أمتعتها خفيفة وعلى جمل ناج وكان إذن متاع صفية فيه ثقل وكان على جمل ثفال بطىء يبطىء بالركب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حولى متاع عائشة على جمل صفية وحولوا متاع صفية على جمل عائشة يعنى هذه الأمتعة غيروا بينها بحيث يكون متاع صفية على جمل أمنا عائشة رضى الله عنها الذى هو ناج مسرع حتى يمضى الركب ولا يتأخر والركب كلهم تبع للنبى عليه الصلاة والسلام قالت عائشة فلما رأيت ذلك قلت يال عباد الله غلبتنا هذه

اليهودية على رسول الله عليه الصلاة والسلام والله كلمة كبيرة وسيأتينا يعنى جرى هذا من حفصة أيضا ومن أمنا عائشة وجرى من زينب هذه اللفظة ثم هجر النبى عليه الصلاة والسلام زينب قرابة ثلاثة أشهر من أجل هذه الكلمة لما تطورت القضية يال عباد الله غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله عليه الصلاة والسلام قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم عبد الله عندكم فى المجمع هنا يا أم سلمة وهذا غلط إنما أمنا عائشة تكنى بأم عبد الله كنيت إما بابن أختها عبد الله ابن الزبير وقيل بسقط لها وهذا لم يثبت يقال لها أم عبد الله عليها وعلى سائر أمهاتنا رحمة الله ورضوانه يا أم عبد الله إن متاعك كان فيه خف وكان متاع صفية فيه ثقل فأبطأ بالركب فحولنا متاعها على بعيرك وحولنا متاعك على بعيرها يعنى ماذا جرى قالت فقلت ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولست تزعم ويتبسم نبينا عليه الصلاة والسلام.

وكلمة الزعم إخوتى الكرام تأتى غالبا فى القول المشكوك فيه الذى لا يثبت وقد تأتى فى القول الحق الصدق الذى لا شك فيه فى وقوعه وفى حقيقته وهنا كذلك قد ثبت فى صحيح مسلم فى حديث أنس رضى الله عنه عندما جاء ضمام ابن ثعلبة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فقال له أتانا رسولك فزعم أن الله أرسلك قال صدق زعم قال صدق فهنا أطلق الزعم والنبى عليه الصلاة والسلام أقره عليه وقال هذا كلام حق ثم إلى آخر الحديث قال من خلق السماء قال الله فمن خلق الأرض قال الله قال فمن خلق هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال أسألك بالذى خلق السماء والأرض والجبال وجعل فيها ما جعل آلله أرسلك قال نعم قال صدقت ثم سأله بعد ذلك عن الصلاة وعن غيرها ثم قال وزعم رسولك إن الله افترض علينا خمس وصلوات فى اليوم والليلة قال صدق قال الإمام النووى عند شرح هذا الحديث فى شرح صحيح مسلم فى الجزء الأول صفحة سبعين ومائة نبينا عليه الصلاة والسلام قال صدقت مع ضمام مع قوله زعم يقول فى ذلك دليل على أن لفظ الزعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه بل يطلق أيضا على القول المحقق والصدق الذى لا شك فيه قال وقد أكثر سيبويه إمام العربية فى كتابه فى الكتاب الذى سمى بهذا الاسم الكتاب ولم يسمه باسم إنما أطلق عليه لفظ الكتاب للإمام سيبويه كان يقول زعم الخليل زعم الخليل بمعنى قال الخليل وقرر الخليل وذكر الخليل وهنا ألست تزعم يعنى ليس المراد أنك تتدعى زورا وكذبا هذا لا يمكن أبدا يعنى ألست تقول إنك رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف أنت رسول الله عليه الصلاة والسلام وخير خلق الله وتأمر بالعدل ثم تأخذ المتاع الثقيل لصفية تضعه على جملى ومتاعى الخفيف تحوله إلى جمل صفية ألست تزعم أنك رسول الله عليه صلوات الله وسلامه قالت فتبسم فقال أفى شك أنت يا أم عبد الله انتبه ما تريد أن لست فى شك أيضا تعيد الكلام من غضبها وانفعالها والغيرة التى تلبستها قالت قلت

ألست تزعم أنك رسول الله عليه الصلاة والسلام أنا ما أقول أننى فى شك أنا أخاطبك أنت, أنت ما تخبرنا أنك رسول الله عليه صلوات الله وسلامه فهلا عدلت قالت وسمعنى أبو بكر وكان فيه غرب أى شدة فأقبل على ولطم وجهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا أبا بكر فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى ابنته عائشة أما سمعت ما قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الغير أى التى تعتريها الغيرة لا تبصر أسفل الوادى من أعلاه هذه ما تميز أين السفل وأين العلو هذه اختلط عقلها الآن عند حصول الغيرة فيها فاعذرها هى الآن فى ثورة غضب وانفعال اصبر عليها بعد ذلك ستندم على مقالها ما نستعمل اليد مباشرة مهلا يا أبا بكر إن الغير لا تبصر أسفل الوادى من أعلاه رواه أبو يعلى وفيه محمد ابن إسحاق وهو مدلس وتقدم معنا ترجمته فى محاضرة سنن الترمذى وقلت إنه من رجال مسلم والسنن الأربعة وهو صدوق كما تقدم معنا لكنه يدلس وإذا عنعن يتوقف فى رواته حتى يثبت السماع وفيه أيضا سلمة ابن الفضل, سلمة ابن الفضل أمره يسير قال عنه الحافظ صدوق كثير الخطأ توفى بعد سنة تسعين ومائة للهجرة حديثه فى سنن أبى داود والترمذى وأخرج له ابن ماجة لكن فى التفسير قال الإمام الهيثمى وفيه سلمة ابن الفضل وقد وثقه جماعة ابن معين وابن حبان وأبو حاتم وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح وقد رواه أبو الشيخ ابن حيان فى كتاب الأمثال وليس فيه غير أسامة ابن زيد الليثى هذا فى رواية أبى الشيخ وأسامة ابن زيد الليثى صدوق يهم توفى سنة ثلاث وخمسين ومائة وحديثه فى صحيح مسلم والسنن الأربعة وأخرج له البخارى فى صحيحه معلقا إذن وليس فيه غير أسامة ابن زيد الليثى وهو من رجال الصحيح وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات والحديث ذكره الإمام الغزالى فى الإحياء وخرجه شيخ الإسلام الإمام أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم الأثرى فى المغنى عن حمل الأسفار فى الأسفار انظروه فى الجزء

الثانى صفحة أربع وأربعين قال فيه ابن إسحاق وقد عنعنه ألست تزعم أنك رسول الله عليه صلوات الله وسلامه وهذا الكلام يقابل بالتبسم يعنى هذا انفعال من حبيبك خلص يتسع صدرك له يزول عما قريب وهى تأتى بعد ذلك تقول أنا يعنى أخطأت فى هذه الكلمة أنا لا أشك فى أنك رسول الله عليه الصلاة والسلام وأجزم بذلك وأنك رسول الله أكثر مما أجزم أننى أنا عائشة وسيأتينا إخوتى الكرام هذه الانفعالات التى ستجرى ستأختمها بحادثة كل واحدة منهن تتمنى لو اقترن معها أقرب الناس إليها بالنسب مع نبينا عليه الصلاة والسلام لتنال أعلى الرتب سيأتينا أن كل واحدة سيأتينا كانت تعرض قريباتها وأخواتها على نبينا عليه الصلاة والسلام سيأتينا هذا وثابت فى الصحيح تقول رملة أم حبيبة أمنا رضى الله عنها وأرضاها كما سيأتينا هل لك فى أختى وهل هى عزة أو درة كما سيأتينا اسمها قال أعمل فيها ماذا تنكحها أختها تعرضها على نبينا عليه الصلاة والسلام قال وتحبين ذلك قال خير من شاركنى فى خير أختى هذه تأتى أختى وأنا ما عندى شك أن صحبتك هذا خير لا يعدله خير وأنا أريد الخير لأختى فأريد أن تتزوج أختى معى قال إنها لا تحل لى لا يجوز أن نجمع بين الأختين هذه من المحرمات لكن انظر مع انفعالهن أيضا عندما تروق وهذه الانفعالات كما قلنا ليست هى الخط العام لحياتهم هذه يعنى فى تسع سنوات تسع انفعلات من تسع زوجات طيب ماذا جرى ولا شىء على الإطلاق.

ولذلك قلت ما يقف عند هذه السلبيات ويضخمها ويجعلها صورة لبيت نبينا عليه الصلاة والسلام ألا من لعنه الله وغضب عليه إنه يريد أن يجعل هذا الأمر الذى هو فى حكم الشذوذ والنادر يريد أن يجعل هو المسلك العام الذى يخيم على بيت نبينا عليه الصلاة والسلام ليس كذلك المسلك العام هل لك فى عزة أعمل فيها ماذا قالت تنكحها أو تحبين ذلك يعنى يتعجب امرأة فى الأصل ركز فيها الغيرة وهى تعرض على زوجها أن يتزوج عليها قالت خير من شاركنى بخير أختى يعنى ما الحرج وصحبتك يعنى خير لا يعدلها خير فأريد أن تتزوج أختى معى لتنال ما نلت هذه لو لم تعلم أن صحبتها لنبينا عليه الصلاة والسلام أعظم صحبة وأنها تفدى نبينا عليه الصلاة والسلام بروحها وترى هذا قليلا فى حقه لما عرضت عليه أختها ورغبت فى ذلك.

وعليه ما يجرى من انفعالات كما قلت انفعالات طفيفة يعنى تلقى فى مكانها ولا بعد ذلك يطورها الإنسان ويجعلها منهجا لحياة الزوجية ومثل هذا إخوتى الكرام كان يقع وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يتحمل كما قلت ويعفو ويصفح وقد روى الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط والأثر فى تاريخ بغداد للخطيب البغدادى كما ذكر ذلك شيخ الإسلام الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى المكان المتقدم فى الجزء الثانى صفحة أربع وأربعين والإمام الزبيدى فى إتحاف السادة المتقين فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وخمسين وثلاثمائة نقل كلام العراقى على هذا الحديث ولم يزد عليه شيئا ولفظ الحديث عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت جرى بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما حتى أدخل النبى عليه الصلاة والسلام بيننا أبا بكر حكما وشاهدا قال تعال احكم بينى وبين ابنتك بين أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها فاستشهده النبى عليه الصلاة والسلام فلما جاء أبو بكر رضى الله عنهم أجمعين قال نبينا عليه الصلاة والسلام لأمنا عائشة رضى الله عنها تتكلمين أو أتكلم من الذى يبدأ فى عرض الأمر على أبى بكر قالت بل تكلم أنت ولا تقل إلا حقا تكلم ولا تقل إلا حقا فلطمها أبو بكر رضى الله عنه حتى خرج الدم من فمها فقامت مستجيرة برسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمت وراء ظهره أنت الآن تخاصمينه إلى أبيك بدأت تلوذين به ووالله هو أرحم بها وأرأف بها من نفسها لا من أبيها وأمها فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم ولما لطمها أبو بكر قال يا عدية نفسها يعنى تصغير عدوة يعنى يا عدوة نفسها أنت تعادين نفسك بهذا الكلام ولا تدرين وهل يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الحق تكلم ولا تقل إلا حقا وعلى كل حال كلام ليس فيه يعنى محذور والنبى عليه الصلاة والسلام لا يتكلم إلا بالحق لكن انفعال يعنى قل الحق وتكلم وليس معناها يعنى هذا الاستثناء يفهم منه أنه يتكلم

بالباطل حاشاه من ذلك عليه صلوات الله وسلامه لكن انفعال فى نفسها الكلمة شرعية لكن وإن كان التعبير يعنى فيه شىء من الخشونة تكلم ولا تقل إلا حقا فلما استجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره قال نبينا عليه الصلاة والسلام لأبى بكر يا أبا بكر لم ندعك لهذا ولا أردنا منك هذا ما أردناك أن تدخل فى خصومة نحن جئنا فقط لتصلح أتينا بك لتصلح بينى وبين هذه الزوجة الحبيبة شىء من يعنى الكلام وأنت تأتى يعنى تصلح بيننا ويعنى تقول لى أنت تجاوز ولها تجاوزى أما يعنى تستعمل اليد ما أردنا منك هذا وما جئنا بك لهذا لا لتضرب ابنتك الأثر قال عنه الإمام العراقى كما قلت رواه الطبرانى والخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد قال بسند ضعيف عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها لكن مثل وقع كثيرا فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام والكثرة دون العشرة أيضا فاستمعوا لبعض الحوادث عدا عما ذكرت.

الحادثة الأولى رواها الإمام أحمد فى المسند والترمذى فى السنن وقال حسن صحيح غريب ورواه هذا الأثر الإمام النسائى فى السنن الكبرى والأثر فى صحيح ابن حبان وإسناده صحيح عن أنس رضى الله عنه وأرضاه قال بلغ صفية رضى الله عنها وأرضاها وهى أمنا الطيبة الطاهرة المباركة بلغ صفية أن حفصة وهى أمنا حفصة رضى الله عنها وأرضاها قالت عنها إنها بنت يهودى حفصة تقول عن صفية هذه بنت يهودى هى نعم بنت يهودى طيب وكان ماذا أسلمت وصارت زوجة لخير خلق الله عليه الصلاة والسلام كان ماذا ابنة يهودى يعنى تعير لأن أباها يعنى كان يهوديا فإذن يعنى هى هذا يلحقها تعيير به هذا لا يجوز هذا منطق غير سليم فى شريعة الله المستقيمة إنها بنت يهودى بلغ صفية كلام حفصة رضى الله عنها وأرضاها فبكت يقول أنس لما بلغ صفية هذا الكلام من حفصة بكت فدخل عليها النبى عليه الصلاة والسلام وهى تبكى قال ما يبكيك وفى رواية فى المسند ما شأنك تبكين لماذا قالت قالت لى حفصة أنت ابنة يهودى فانظر لحل المشكلة والقضاء عليها فقال عليه الصلاة والسلام يا صفية إنك لابنة نبى أنت نسبك ينتهى إلى هارون وإن عمك لنبى وإنك تحت نبى فما تفخر حفصة عليك يعنى قولى لها والدى هارون أنتمى إليه وهو نبى وعمى موسى وهو نبى وأنا زوجة نبى تفتخرين على بأى شىء يعنى تفتخرين بمن بنت نبى عمها نبى هى تحت نبى تفتخرين بأى شىء ما قيل كلام فارغ خلص كفى عنه وانتهى الأمر وأنت لم َتنفعلين أيضا قولى لها من قالت لك إنك ابنة يهودى قولى أنال بنت نبى وعمى نبى وأنا تحت نبى من ثبت منكن لها يعنى لها هذه الفضيلة خلص يسكتن ثم التفت نبينا عليه الصلاة والسلام إلى حفصة وقال يا حفصة اتق الله كلام الجاهلية لا داعى له يا حفصة اتق الله فاستمع الآن لهذا التوجيه من نبينا عليه الصلاة والسلام أصلح بين الزوجتين وأعطى حفصة حقها من النصح والزجر اتق الله وهذا كلام خروج عن التقوى وتلك طيب خاطرها لا تتأثرين

بنت بنى أنت عمك نبى وأنت تحت نبى. من جملة اللطائف حول هذه القصة كان بعض إخواننا عندما كنا فى أيام الدراسة يقول لى35:16 هذه يعنى تلقفها من بعض الشيوخ وهى فى الحقيقة نكتة لكن كانت فى منتهى الغرابة ننكرها عليه ثم تبين صحتها أنا ولى ابن نبى نقول اتق الله يا رجل اتق الله قال أنا ما أشك أننى ولى ابن نبى قلت يا عبد الله كيف هذا قال أنا مؤمن والمؤمنون إن شاء الله أولياء الله وأبونا آدم على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه كلنا ننتمى لآدم وآدم من تراب وهو نبى الله فأنا ولى ابن نبى وهنا كذلك من باب تطييب خاطر أمنا صفية أنت ابنة نبى حتما ليس هو الأب الأقرب إنما بينها وبين هارون مسافة وعمك نبى وأفضل الفضائل أنت تحت نبى خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه فبم َ تفخر حفصة عليك يا حفصة اتق الله.

وهذا الكلام كما قلت الذى صدر من حفصة صدر أيضا من أمنا عائشة رضى الله عنها وتقدم معنا أيضا قالته أمنا عائشة كما فى رواية أبى يعلى التى فيها عنعنة محمد ابن إسحاق كما تقدم معنا لكن هذا الكلام ثابت عن أمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام فى حق صفية فى أحاديث أخر منها هذا الحديث ومنها ما فى الترمذى ومستدرك الحاكم عن أمنا صفية رضى الله عنها وأرضاها قالت دخل على النبى صلى الله عليه وسلم وانظروا الحديث فى مستدرك الحاكم فى الجزء الرابع صفحة تسع وعشرين وقد بلغنى كلام عن عائشة وحفصة إذن المتكلم الآن زوجتان من أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وقد بلغنى كلام عن عائشة وحفصة وأنا أبكى فقال النبى عليه الصلاة والسلام ما شأنك ما يبكيك فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة وعائشة ينالان منى ويقولان نحن خير منها نحن بنات عمه وأزواجه يعنى نحن لنا مزية على هذه اليهودية على زعمهما نحن بنات عمه فى النسب ونحن أزواجه طيب هى زوجة لكن هى ليس لها صفة بنت العمومة نحن بنات عمه ونحن أزواجه فقال نبينا عليه الصلاة والسلام يا صفية ألا قلت كيف تكونان خيرا منى وأبى هرون وعمى موسى وزوجى محمد عليه الصلاة والسلام قولى لهما هذا وخلص لا داعى للبكاء والكلام ينقطع ولا داعى بعد ذلك للتشويش بغير حق أبى هارون وعمى موسى وزوجى محمد عليه صلوات الله وسلامه نعم إخوتى الكرام الغيرة إذا جاوزت حدها لا بد من ردعها فهذه تكررت كما قلت من أمنا عائشة من أمنا حفصة نحو أمنا صفية على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه ثم تكررت من زينب لكن فى وقت حقيقة يعنى صدور هذا من زينب يعنى ينبغى أن يعنى يحصل عليه شىء كما قلت من الحسم والتوجيه لئلا يتطور الأمر يعنى أكثر مما يسمح به فاستمع لهذا الذى حصل من زينب مع أمنا صفية فى حجة الوداع بعد أن حصل من أمنا عائشة مع صفية ما حصل.

تقدم معنا أخذ المتاع الثقيل لصفية ووضع على جمل أمنا عائشة لكن جملها مع ذلك الجمل الثفال ما استطاع أن يمشى مع خفة متاع أمنا عائشة فبرك فى النهاية فلا بد الآن من تغييره فاستمع ماذا جرى يعنى عند طلب تغيير الجمل الحديث رواه الإمام أحمد فى المسند والطبرانى فى معجمه الأوسط وانظروه فى مجمع الزوائد فى الجزء الرابع صفحة واحدة وعشرين وثلاثمائة إلى ثلاث وعشرين وثلاثمائة وهو فى المسند فى بلوغ الأمانى فى ترتيب مسند الإمام أحمد الشيبانى ومعه الفتح الربانى فى الجزء الثانى والعشرين صفحة أربع وأربعين ومائة عن سمية وقيل شميسة سمية شميسة وهما بصريتان مقبولتان كما قال الحافظ ابن حجر فى التقريب قال الإمام الهيثمى كل منهما لم يجرحها أحد يعنى سمية البصرية لم يجرحها أحد وشميسة لم يجرحها أحد أما الأولى وهى سمية فحديثها فى السنن الثلاثة فى سنن أبى داود والنسائى وابن ماجة وأما شميسة فقد روى لها البخارى فى الأدب المفرد إذن إما عن سمية أو شميسة كما قلت كلاهما من البصرة بصريتان من التابعين تابعيتان كريمتان رضى الله عنهما وعن سائر المسلمين عن سمية أو عن شميسة عن عائشة وصفية رضى الله عنهم أجمعين لتنقل سمية أو شميسة عن أمنا عائشة وأمنا صفية ما جرى فى حجة الوداع مع نبينا عليه الصلاة والسلام مع نسائه فى السفر والطريق قالت حج النبى صلى الله عليه وسلم بنسائه فلما كان ببعض الطريق نزل رجل فساق بهن فأسرع والرجل الذى يسوق هو الذى يحدو بالإبل من أجل أن يعنى تمشى وتسرع وتلحق بالركب فأسرع فقال النبى عليه الصلاة والسلام كذاك سوقك بالقوارير يعنى هكذا تسوق القوارير وهذا الذى كان يسوق هو أنجشة وهو الذى كان يسوق النساء والضعفة عندما يسافرون مع النبى عليه الصلاة والسلام وورد التصريح باسمه فى الصحيحين وغيرهما فى المسند والصحيحين وسنن النسائى عن أنس رضى الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير وحاد يحدو بنسائه

فضحك النبى صلى الله عليه وسلم فإذا هو قد تنحى بهن يعنى سبقن الركب من كثرة يعنى سير أنجشة بالضعفة والنساء فقال النبى عليه الصلاة والسلام يا أنجشة ويحك ارفق بالقوارير القارورة فى الأصل هى الزجاجة الرقيقة اللطيفة شبهت النساء هنا بالقوارير لأمرين اثنين. الأول: هى تشبه النساء فى الرقة هى تشبه القوارير الزجاجة فى الرقة واللطافة وضعف البنية هذه ضعيفة لا تتحمل كما أن الزجاجة لا تتحمل الخض وشبهت أيضا بالزجاجة والقوارير أى المرأة من وجه ثانى لسرعة انقلابهن عن الرضا وقلة دوامهن على الوفاء ولذلك يسرع إليهن الكسر وقد لا يقبل الجبر لذلك هذه الزجاجة التى عندك حافظ عليها وإذا أردت يعنى أن تخضها انكسرت والقارورة إذا انكسرت لا تجبر وكسرها بالنسبة للمرأة طلاقها يا أنجشة ارفق بالقوارير هذا المعنى الأول يعنى ارفق بالنساء اللاتى هن كالقوارير فى الرقة واللطافة وضعف البنية هذا على التشبيه الأول وهن كالقوارير كما قلت لا يتحملن يعنى شدة وعناء ينكسرن بسرعة وإذا انكسرن لا ينجبرن فارفق بهن.

ويمكن أن يكون المراد يا أنجشة ارفق بالقوارير أى سقهن كما تسوق الإبل لو كان على ظهرها القوارير من الزجاج كيف لا تسرع بالسير من أجل ألا تتكسر القوارير ارفق أيضا بالنساء لما فيهن من ضعف وهنا كذاك سوقك بالقوارير فلما كانوا يسيرون وأنجشة يحدو قال برك لصفية جملها هذا الذى وضع عليه المتاع الخفيف هو جمل ثفال فى حجة الوداع برك وكانت من أحسنهن ظهرا لكن قدر الله على ظهرها ما قدر يعنى هو فى الأصل فيه نشاط لكن فى هذه السفرة وفى هذا الطريق تعب فبكت وهى تقول فبكيت قالت فجاء النبى صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها بيده عليه صلوات الله وسلامه وجعلت تزداد بكاء وبكاؤها من أجل أنها ستأخر الركب ستأخر خير خلق الله عليه الصلاة والسلام عن السفر فلا يمكن أن يسير الصحابة ومعهم النبى عليه الصلاة والسلام ويتركوا أمنا صفية هذا لا يمكن على الإطلاق وبدأت تبكى يعنى أنها تتسبب الآن فى مشكلة للنبى عليه الصلاة والسلام لصحبه الكرام وقد ينظر الناس إليها بعد ذلك نظرة تشاؤم فبدأت تبكى والنبى عليه الصلاة والسلام يمسح دموعها المباركة وهى تزاد بكاء وهو ينهاها فلما أكثرت زبرها وانتهرها يعنى زجر لتقف عند حدها طيب قدر الله وما شاء فعل الجمل يعنى عطب وهلك ووقع طيب خلص لا داعى لكثرة البكاء ونحصل غيره إن شاء الله قال وأمر النبى صلى الله عليه وسلم الناس بالنزول فنزلوا ولم يكن يريد أن ينزلوا إنما نزلوا من أجل جمل صفية رضى الله عنها وأرضاها فنزلوا وكان يومى وهذه الليلة هى ليلة صفية بالنسبة للسفر لا يوجد قسم فى ليل أو فى نهار إنما القسم يكون للزوجة عند النزول يعنى صاحبة الليلة عندما ينزل المسافر ليستريح..

ليلة أمنا صفية رضى الله عنها وأرضاها وهى كما قلت تسببت فيما تسببت والنبى عليه الصلاة والسلام فى نهاية الأمر زجرها وانتهرها لكثرة بكائها قالت فلما نزلوا ضرب خباب النبى عليه الصلاة والسلام ودخل فيه فلم أدر علام أهجم عليه أى أدخل عليه بأى شىء وأنا الآن هذه ليلتى ونساؤه التسع معه على نبيناو عليهن صلوات الله وسلامه لكن هذه ستكون معه فى خبائه عندما ضرب له فهذا حقها قالت فلم أدر علام أهجم أى أدخل من النبى عليه الصلاة والسلام وخشيت أن يكون فى نفسه شىء منى أنه تأثر لما حصل قال فانطلقت إلى عائشة وقلت لها يا عائشة تعلمين أنى لم أكن أبيع يومى من رسول الله عليه الصلاة والسلام بشىء أبدا اليوم لا أتنازل عنه مهما بذل لى وإنى قد وهبت يومى لك على أن ترضى عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى أن يكون قد تأثر فهذا اليوم لك وأنت ادخلى معه إلى الخباء وطيبى خاطره ليرضى النبى عليه الصلاة والسلام عنى اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا قالت نعم تقول فأخذت خمارا لها قد سردته بزعفران فرشته بالماء ليزكى أى ليفوح ريحه ثم لبست ثيابها ثم انطلقت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فرفعت طرف الخباب فقال يا عائشة مالك هذا ليس يومك قلت ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فقال النبى صلى الله عليه وسلم مع أهله فلما كان عند الرواح قال لزينب أفقرى أختك جملا أى أعيريها جملا لتركب عليه مأخوذ من ركوب فقار الظهر أفقرى أختك جملا وكانت من أكثرهن ظهرا فقالت أنا أفقر يهوديتك أنا أعطيها جملا لتركبه وفيها هذه الصفة فغضب نبينا عليه الصلاة والسلام حين سمع ذلك منها الآن تتابعت ونحن الآن كما قلت فى موقف حرج وصفية حالتها كما تقدم معنا وهبت يومها لأمنا عائشة وبعد ذلك يعنى تقابل من قبل زينب بهذه المقابلة فغضب النبى عليه الصلاة والسلام عليها حين سمع ذلك منها فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى فى سفره حتى رجع

إلى المدينة والمحرم وصفر يعنى ذا الحجة والمحرم وصفر وهو يهجر أمنا زينب رضى الله عنها وأرضاها من أجل هذا الكلام الشديد فى هذه السفرة وهذا الموقف الذى يحتاج إلى مساعدة فلم يأتها ولم يقسم لها ويأست منه على نبينا وآل بيته جميعا صلوات الله وسلامه قال فلما كان ربيع دخل على شهر ربيع نبينا عليه الصلاة والسلام فلما رأت غله. قالت إن هذا لغل رجل وما يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن دخل بيتى فى هذا الوقت فمن هذا فلما نظرت إليه وعرفته وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ما أدرى ما أصنع يا رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى ماذا أكافؤك الآن ماذا أعمل يعنى لأرضيك وأطيب خاطرك لترضى عنى قال وكان لها جارية تخبؤها من رسول الله عليه الصلاة والسلام فوهبتها له فمشى النبى عليه الصلاة والسلام إلى سريرها وكانت قد رفعته فوضعه بيده ثم بقى عند أهله وأصاب أهله ورضى عنها على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه.

قصة جرت وكما قلت إخوتى الكرام سلبية من السلبيات لكن هذه السلبيات انفعال ظاهرى يعالج عندما يحصل فى ذلك اعتداء على حق الغير ويكفى أنها هجرت ثلاثة أشهر يعنى ماذا تريد أكثر من ذلك وهذا الهجر حقيقة يمزق الكبد عند أمنا زينب رضى الله عنها وأرضاها وعفا الله عما سلف رحمة الله واسعة بعد ذلك والله غفور رحيم كما قلت حوادث معدودة هذه من ضمنها جرت فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام وعولجت بهذه المعالجة الكلام الأول الذى جرى من حفصة ما تطور عالجه نبينا عليه الصلاة والسلام بما تقدم يا صفية قولى لها أنا ابنة نبى وعمى نبى وأنا تحت نبى فاتق الله يا حفصة جرى الكرم من أمنا عائشة عولج بذلك زاد الكلام من أمنا عائشة فى السفر وقالت غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله عليه الصلاة والسلام وكيف وضع متاعها على جملى وأخذ متاعى ووضع على جملها وهذا خلاف العدل على حسب زعمها ومع ذلك كل هذا تجاوز بعد ذلك يعنى بعد كل هذه المواقف وفى النهاية التى وصلنا إلى موقف محرج والجمل برك ولا بد من مواصلة السير أفقريها جملا قالت أنا أفقر يهوديتك طيب هذا لابد الآن من زجر لوضع حد لهذا الكلام الذى تكرر وكثر فزجرن بما زجرن به من قبل نبينا عليه الصلاة والسلام فكان ماذا وهذا وضع الحياة ولو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم سبحانه وتعالى لكن كما قلت شتان بين أن يكون هذا الخطأ دافعه التعمد وهو مستأصل ثابت فى القلب وبين أن يكون دافعه الخطأ والانفعال وهو طارىء يطرأ على الإنسان فيزول شتان ما بين هذا وذاك فهذه الحوادث كلها من باب الأمور الطارئة التى كانت تزول عند المعالجة وتستقر الحياة بعد ذلك.

ومثل هذا كان يقع وكما قلت سأحصى جميع هذه الحوادث وحتى لو جاء متكلم يتكلم قل هل عندك زيادة على هذه الحوادث حتى جئت تتكلم وكما قلت يجرى بين الإنسان وأبيه بين الإنسان وأمه بين الإنسان وأخيه فضلا عن بينه وبين زوجته الوحيدة التى يحبها وتحبه لا أقول كما قلت فى العمر مشكلة أو فى الشهر أو فى السنة مشكلة أو فى الأسبوع مشكلة مشاكل كثيرة لكن إذا لم تكن هذه المشاكل من قلب خبيث سرعان ما تزول وهنا كذلك تسع نسوة يعشن فى حياة تقدم معنا وصف بيوت النبى عليه الصلاة والسلام ووصف أثاثه ووصف طعامه ولو جاءت الفأرة ما تحصل طعاما فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام ما عندهن ما يأكله ذو كبد كما تقدم معنا والحجر فى تلك الحالة والحياة وهن صابرات محتسبات ولما فتح على نبينا عليه الصلاة والسلام ما فتح من المغانم قلت كل هذا صرف إلى المسلمين ولم ينل بيت النبوة منه شيئا كما تقدم معنا لا شبع البطن ولا عمر البيت كما هو فإذا جرى منهن وهن تسع تسع حوادث فى حياتهن مع نبينا عليه الصلاة والسلام كان ماذا ولا شىء على الإطلاق وكما قلت هذه هى طبيعة الحياة نحن لا نعيش فى جنة فى الجنة حقيقة هناك لا يمكن أن يصدر شائبة أما ما دمت فى هذه الحياة لا بد من عكر وكدر يزال بعد ذلك وإذا لم يكن هذا العكر والكدر من قبل كما قلت وهو مستأصل فيه فى لا حرج وهذا طبيعة بنى آدم.

استمع لمثل هذه الحوادث أيضا ولمعالجة النبى عليه الصلاة والسلام لها ثبت فى صحيح مسلم والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند وصاحب كتاب بلوغ الأمانى فى ترتيب مسند الإمام أحمد الشيبانى فى الجزء الثانى والعشرين صفحة ثلاث وخمسين ومائة يقول لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وهو فى صحيح مسلم كما قلت لكم يعنى هو يظن أن هذه الرواية انفرد بها الإمام أحمد لكنها فى صحيح مسلم نعم هى فى المسند أيضا عن أنس رضى الله عنه قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع نسوة وكان إذا قسم بينهن لا يتنهى إلى المرأة الأولى إلا فى تسع طيب يعنى ثمانية أيام ولا يجتمع بزوجاته هذا لا يمكن تقدم معنا بعض الروايات عند الأمر الأول أن نبينا عليه الصلاة والسلام ما من يوم يمر عليه إلا ويطوف عليهن جميعا كان عليه الصلاة والسلام إذا قسم بينهن لا ينتهى إلى المرأة الأولى إلا فى تسع فكن يجتمعن فى كل ليلة على هذا الود والحب والوئام فى كل ليلة يجتمعن فى بيت من هى ليلتها مع نبينا خير خلق الله عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه فكن يجتمعن فى كل ليلة فى بيت التى يأتيها طيب إذا حصل فى هذه الاجتماعات فى تسع سنوات هذا اجتماع فى كل ليلة يجتمعن إذا حصلت حادثة أو حادثتان يعنى هذه تعكر أو تكدر لا ثم لا فاستمع لما جرى فكن يجتمعن فى كل ليلة فى بيت التى يأتيها فكان فى بيت عائشة فى إحدى الأيام ليلة عائشة وأمهاتنا فى بيتها قال فجاءت زينب فمد النبى صلى الله عليه وسلم إليها يده زوجته ومد يده إليها يلاعبها يداعبها عليه صلوات الله وسلامه أمنا عائشة ما تحملت يعنى هذه ليلتها وفى بيتها تمد يدك إلى زينب استمع ماذا جرى فقالت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه زينب انتبه هذه ليست عائشة لم َتمد يدك إليها عليه صلوات الله وسلامه قالت فكف يده مباشرة امتنع لكن زينب لن تسكت الآن فتقاولتا كل واحدة بدأت تكلم الأخرى ولا تظن أن هذه مقاولة يعنى شتيمة كما يجرى

فى نساء الناس الهابطين سب أب وأم وبذاءة لا يعنى تلك تقول هذه ليلتى ليس لك حق فى أن يستمتع رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه الليلة بك قفى عند حدك وأنت ينبغى أن تقولين له إذا مد يده هذه ليلة عائشة اتق الله يا زينب فزينب تقول وأنت لم َتمنعين رسول الله عليه الصلاة والسلام من حظه والمؤمنون إخوة وإذا مد النبى عليه الصلاة والسلام كان ماذا ولم َ يعنى أنت ضيق العطن يعنى من هذا الكلام يعنى لا تظن أن المقاولة كما سيأتى فى بعض الروايات المساببة يعنى فيها شتم وكلام بذىء هذا لا يمكن أن تتفوه به أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه فتقاولتا حتى استحثتا وهو استفعال من الحث وهو أخذ التراب ونسفه فى الوجه كل واحدة أخذت ترابا ترش على الأخرى طيب ما الحرج لكن لا كلام بذىء وأقيمت الصلاة يعنى صلاة العشاء ستقام وحجر النبى عليه الصلاة والسلام كما لا يخفى عليكم هى ملاصقة للمسجد وتقدم معنا قلنا جريد نخل طين ما أكثر يعنى هذا يسمع ما يجرى فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام يسمعه الصحابة الكرام فى المسجد لو أن الإنسان مضغ الطعام يسمع فى المسجد ونساء الآن يعنى فى رفع صوت ثم نسف بالتراب كل واحدة ترش على الأخرى ترابا والحديث فى صحيح مسلم وأقيمت الصلاة فمر أبو بكر رضى الله عنه فسمع أصواتهن فقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام اخرج إلى الصلاة واحثوا فى أفواههن التراب يعنى أنت لو زلت مع ذلك عليه صلوات الله وسلامه تطول بالك وتوسع صدرك وأنت حليم جالس زينب وعائشة كل واحدة تتكلم على الأخرى ثم تأخذ التراب وتنسفه وأنت جالس يعنى مع كل هذا اتركهن واحثوا فى أفواههن التراب فخرج النبى عليه الصلاة والسلام لصلاة العشاء سكن النسوة أمهاتنا رضى الله عنهن فقالت عائشة الآن يقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فيجىء أبو بكر فيفعل بى ويفعل يعنى هى ما تخاف من النبى عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا إنما تخاف من أبيها

قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أتاها أبو بكر وقال لها قولا شديدا أتصنعين هذا برسول الله عليه الصلاة والسلام من أنت ومن أبوك ومن أهل الأرض وتصنعون هذا أنتن برسول الله عليه الصلاة والسلام والحديث كما قلت فى صحيح مسلم كان ماذا يعنى كان ماذا إذا حصل هذا فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام أى حرج تسع نسوة يجتمعن فى تسع سنوات فى جميع الليالى على الترتيب فى كل ليلة فى بيت التى هى ليلتها طيب إذا جرى يعنى فى هذه الليالى المتعددة المتكررة حادثة أو حادثتان هذا يقال فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام خصومة والله من قال هذا فخصمه الله هذا لا يقال خصومة هذا يدل على نبلهن وشرفهن ومحبتهن وودهن لبعضهن لكن أحيانا انفعال مد يده هى نبهت هذه زينب انتبه فكف النبى عليه الصلاة والسلام يده تلك حرمت خيرا فتريد أن تجيب هذه لن تسكت كلام بين كما قلت المحاورة الشرعية لكن فيه رفع صوت تطور الأمر أخذ تراب ورش على الصاحب وبعد ذلك هدأت الأمور وانتهى الأمر ولا يوجد يعنى أن واحدة تضمر لأختها عداوة أو بغضا وفى الليلة الثانية سيجتمعن فى بيت زينب وزال كل شىء على نبينا وعلى آل بيته صلوات الله وسلامه كما قلت إخوتى الكرام هذا فى صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد.

وورد نظير هذه القصة مع أمنا عائشة وأمنا أم سلمة على نبيناو عليهن جميعا صلوات الله وسلامه والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند وانظروه فى المكان المتقدم أو فى مكان آخر فى الجزء الثانى والعشرين صفحة ثلاث عشرة ومائة هناك تقدم معنا ثلاثا وخمسين أوليس كذلك وانظروه فى مجمع الزوائد أيضا فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وجميع رجال الإسناد ثقات أثبات وفيهم على ابن زيد ابن جدعان قال الإمام الهيثمى وفيه ضعف وحديثه حسن وعلى ابن زيد ابن جدعان أخرج له البخارى فى الأدب المفرد ومسلم فى صحيحه وأهل السنن الأربعة وتوفى سنة واحدة وثلاثين ومائة للهجرة ولفظ الحديث فى المسند عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت كانت عندنا أم سلمة فى بيت أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت فجاء النبى صلى الله عليه وسلم فى جنح الليل فذكرت شيئا صنعه بيده ذكر النبى عليه الصلاة والسلام ذكرت شيئا صنعه النبى عليه الصلاة والسلام بيده مع أمنا عائشة وما ذكرت هذا الشىء حتما كما حصل من مد يده إلى زينب لكن هنا إلى عائشة فى بيتها وفى ليلتها لكن أمام أم سلمة على نبيناو عليهن جميعا صلوات الله وسلامه قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطن لأم سلمة ما انتبه لها دخل فى الليل ولم يكن فى البيوت مصابيح على نبينا صلوات الله وسلامه وهى ليلة أمنا عائشة فلما دخل تقول ذكرت شيئا بدأ يفعله مع أمنا عائشة ولم ينتبه لأمنا أم سلمة قال وجعلت أومأ إليه حتى فطن يعنى انبهه أم سلمة موجودة يعنى لا داعى الآن لمعاتبة أخرى فلما فطن وقف النبى عليه الصلاة والسلام عن فعله فقالت أم سلمة أهكذا الآن يعنى بعد ما كنت تفعل وتفعل مع أمنا عائشة رضى الله عنه أهكذا الآن أما كانت واحدة منا عندك إلا فى خلابة أى فى خداع كأنك تخادعنا وعائشة هى المقدمة علينا ونحن كلنا كأننا نخادع عائشة تقدم وإذا فطنت لنا يعنى تقف عما أنت عليه وحتما كلمة فى غير

محلها تقدم معنا فعل هذا مع زينب فى بيت أمنا عائشة لا يخادع واحدة إنما نفس البشر أحيانا تمتد إلى بعض اليد إلى بعض زوجاته فليس معنى هذا أنه يخادع البقيات لا ثم لا قالت أما كانت واحدة منا عندك إلا فى خلابة كما أرى وسبت عائشة والسب كما قلت كلام شديد ليس فيه بذاءة ولا سفالة وجعل النبى عليه الصلاة والسلام ينهاها لأم سلمة كفى عن قولك فتأبى فقال لأمنا عائشة سبيها يا عائشة أبدئى أنت خذى حقك وهو جالس عليه صلوات الله وسلامه قالت فسببتها حتى غلبتها عندها سكت بعد ذلك أمنا أم سلمة فذهبت إلى على وفاطمة رضى الله عنهم أجمعين فقالت إن عائشة سبتها يعنى سبت أم سلمة وقالت لكم وقالت يعنى هى تفضل نفسها حتى عليكم يا على وفاطمة هذه عائشة رضى الله عنها وأرضاها فقال على لسيدتنا فاطمة على نبينا وآله جميعا صلوات الله وسلامه اذهبى إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وقولى له إن عائشة قالت لنا وقالت فجاءت فاطمة وقالت للنبى عليه الصلاة والسلام إن عائشة قالت لنا وقالت قال يا بنيتى إنها حبة أبيك ورب الكعبة أى هذه حبيبتى وزوجتى وهكذا أم سلمة وهكذا حفصة وهكذا صفية هذه حبتى يعنى أنت تتكلمين عليها ما تحبين ما أحب فسكتت فاطمة رضى الله عنها وأرضاها وعادت إلى على فلما ذكرت لعلى ما قاله لها النبى عليه الصلاة والسلام جاء على وقال يا رسول الله عليه الصلاة والسلام أما كفاك إلا أن قالت لناعائشة وقالت فلما أتتك فاطمة قلت لها إنها حبة أبيك ورب الكعبة يعنى أيضا هذا ولا تعاتب عائشة لكن هذا هو خلق النبى عليه الصلاة والسلام أم سلمة بدأت نهاها ما انتهت قال تلك دونك انتصرى سبيها كما تسبك لكن كما قلت لا تفهم من هذا سب بكلام سافل بذىء يتنزه عنه الإنسان ويتنزه عنه أهل الإسلام إنما معاتبات شرعية فيها كما قلت شىء من الشدة والغلظة فى الصوت فلما غلبت حجة عائشة حجة أمنا أم سلمة تلك سكتت وسيأتينا أن أمنا عائشة أحيانا كانت ترد على بعض

أمهاتنا كما سأتينا ضمن الحوادث على أمنا زينب تقول فردت عليها حتى جف ريقها بفمها وسكتت ما استطاعت أن تتكلم فبدأ وجه النبى عليه الصلاة والسلام يتهلل وقال إنها ابنة أبيها هذه يعنى وليس إذن مرتب عنى إذن تعرف كيف تسكت. الخصم وتأتى بحجج شرعية على ما تقول أنها على حق وأن تلك عندما تكلمت يعنى انفعال ينبغى أن تتركه ولا يجوز أن تثبت عليه هذه حوادث إخوتى الكرام تجرى فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام وصدره أوسع من السماوات والأرض عليه صلوات الله وسلامه يتسع ويقول لهذه انتصرى وبعد ذلك بعد هذه المقاولة ذهب كل شىء ومضى وما بقى فى القلب شىء. أكمل هذا بعد آذان العشاء. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.

إخوتى الكرام: قبل أن أكمل هذا المبحث شىء خطر ببالى ليتنى نبهت عليه عند ذكر القصة عندما حج النبى عليه الصلاة والسلام بنسائه وبرك جمل أمنا صفية رضى الله عنها وأرضاها ووهبت بعد ذلك كما قلنا لأمنا عائشة هذا يتعين أن يكون فى عودة نبينا عليه الصلاة والسلام من حجته واضح هذا أنه فى الذهاب هم محرمون ولا يمكن لأمنا عائشة أن تأخذ هذا الثوب الذى فيه زعفران وبعدها نبينا عليه الصلاة والسلام يعنى يباشرها فى خبائه هذا كله بعد عودتهم فيما يظهر والعلم عند الله عز وجل يعنى هذا ما حصل فى حالة الإحرام قطعا وجزما أو ممكن أن يقال إذا كان فى البداية قبل أن يصلوا إلى الميقات لعله لكن المسافة قصيرة من المدينة المنورة إلى الميقات الذى والعلم عند الله أن هذا فى حالة العودة ما فصل الأمر لكن هذا يتعين قطعا يعنى ما حصل ليس فى حال الإحرام والذى يظهر والعلم عند الله يظهر لى أن هذا فى العودة ولذلك وصف جملها بأنه كان يعنى من أحسنهن ظهرا هذا فى حال الذهاب ثم لعله فى الإياب أصابه ما أصابه فلما برك وطلب النبى عليه الصلاة والسلام من أمنا زينب أن تفقرها أى أن تعطيها أن تعيرها جملا من جمالها قالت ما قالت والعلم عند الله. هذه حوادث كما قلت تجرى فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام والذى دعانا إليها كما قلت الأمر الرابع بعد أن يحسن الإنسان إلى أهله ينبغى أن يتحمل منهن ما يتحمل وإذا ابتلاك أو أقول أكرمك يعنى الابتلاء يحصل بالإكرام والخصام ونسأل الله أن يجعل هذا إكراما لنا لا خصاما إذا ابتلاك بزوجة أو زوجات وهذا إن شاء الله من باب الكرامة والإكرام لا من باب مشقة وشدة وخصام.

اعلم هذه الأخلاق التى كان يتخلق بها وهى خلق خير الله عليه صلوات الله وسلامه اعلم هذا لتعرف كيف تعيش فى بيتك مع زوجك أو مع زوجتك وهذا كما يلزمك مع الزوجة يلزمك من باب أولى مع الزوجات إذا حصل ما حصل لا داعى للانفعال ولا لصراخ ولا لمشاتمة ولا لضرب ولا لسب ولا طلقات أحيانا تطلقها فتطلق الثلاثة أو الأربعة بألفاظ يعنى أكثر مما تملك فاتق الله فينا واقتدى بنبيك عليه الصلاة والسلام وقلت سابقا يعنى هذه الحوادث جرت فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام لحكم منها كثيرا. أولها للدلالة على أن هذه الحياة حياة كدر مهما صارت والثانى لنقتدى بنبينا خير البشر عليه الصلاة والسلام فى جميع أحوالنا فلو لم يوجد هذا فى بيتى يعنى كيف سنعالجه أمورنا فانتبه هذا خير خلق الله عليه الصلاة والسلام يجرى بين نسائه ما يجرى وليس هو يعنى يسكت ويقر لا بل يقول دونك قومى فانتصرى وسبيها كما تسبك وهو جالس عليه الصلاة والسلام يستمع حتى تنتهى هذه الخصومة يعود الود والوئام والحب بين هذه القلوب الطاهرة بعد أن يعنى فرغ كل واحد كما يقال انفعاله خلص يعود لطبيعته وإلى رشده وإلى عقله ووعيه كان ماذا.

واستمع لهذه الحادثة أيضا وهى فى مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن الترمذى والنسائى وغالب ظنى كنت ذكرتها فى محااضرات مسجد الدفنة أول ما جئت فى ترجمة أمنا عائشة رضى الله عنها وفى ترجمتها أيضا فلا مانع من ذكرها لأنها تتعلق الآن هذه الحادثة بمبحثنا فى موضوع ما كان يجرى بين أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وانتبه كيف بعد ذلك عندما الواحدة تكلم من قبل النبى عليه الصلاة والسلام تقف عند حدها كما قلت الحديث فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى والنسائى عن أمنا عائشة رضى الله عنها قالت إن الناس كانوا يتحرون هداياهم يوم عائشة يبتغون بها أو يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك علموا أنه يميل لأمنا عائشة قلبه أكثر من ميله إلى غيره وقلنا هذا الميل كله بإرشاد ربانى ووحى إلهى فما نزل عليه الوحى كما سيأتينا فى لحاف امرأة من نسائه إلا فى لحاف أمنا عائشة وهذا للإشارة إلى تقديمها وكما قلنا هذا تقديم قلبى أما المعاملة الظاهرة تقدم معنا هذا قسمى فيما أملك فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك كما تقدم معنا هذا.

وفى رواية عن أمنا عائشة رضى الله عنها قالت إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا حزبين التسع ينقسمن إلى قسمين حزبين حزب رئيسه أمنا عائشة وحزب آخر رئيسه أم سلمة فاستمع لهذين الحزبين المباركين وأحسن ما عرفته البشرية من أحزاب للمنافسة على الخير والحرص على خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه قالت أمنا عائشة فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والرئيس عائشة والحزب الآخر أم سلمة وسائر أزواج النبى عليه الصلاة والسلام وهن أربع مع أم سلمة زينب وميمونة وجويرية ورملة أم حبيبة هذه خمسة مع أم سلمة أربعة وهى وأما عائشة ثلاثة وهى أربعة تسع كنا حزبين قال وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أخرها إلى حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت عائشة رضى الله عنها وأرضاها ذهب صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فى بيت عائشة فكلم حزب أم سلمة أم سلمة الأربعة فقلن لها كلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية فليهدى إليه حيث كان من نسائه وهذه الهدية ما تستأثر بها أمنا عائشة لا ثم لا لكن يحصل لها الفضيلة فى بيتها جاءت الهدية إليها ثم قسمها النبى عليه الصلاة والسلام بين نسائه فكأن تلك البيوت مفضولة وهذه بيت فاضل يعنى هذا هو الذى يجود ويخرج منه الجود وتلك البيوت تأخذ فقط فقالت يعنى أمهاتنا الأخريات لم َيعنى بيت عائشة هو منبع الجود تأتى الهدية إلى البيت الذى يكون فيه النبى عليه الصلاة والسلام ثم تقسم لسائر بيوته فهذا الحزب الثانى قال للمسؤول أمنا أم سلمة رضى الله عنهن جميعا كلمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل لها شيئا سكت فما أجابها بشىء فسألنها فقالت ما قالت لى شيئا فقلن لها

كلميه مرة ثانية قالت فكلمته حين دار إليها إذن قالت فكلمته حين دار إليها يعنى حين جاءتها ليلتها ونوبتها فلم يقل لها شيئا فسألنها فقالت ما قال لى شيئا قلن الثالثة فقلن كلميه حتى يكلمك يعنى لا تقبلى منه السكوت قولى له النساء يطلبن أن تقول للصحابة كل واحد يهدى إليك حيث كنت ولا يتحرون بهداياهم ليلة عائشة ولا تسكتى أعيدى عليه حتى يجيبك ننظر ماذا سيقول النبى عليه الصلاة والسلام فدار إليها فكلمته فقال لها لا تؤذينى فى عائشة فإن الوحى لم يأتنى وأنا فى ثوب امرأة إلا عائشة وتقدم معنا الحكمة من ذلك قلنا لمكان أبيها فأبوها لم يفارق النبى عليه الصلاة والسلام فى سفر ولا حضر فسرى سره إليها فكان الوحى ينزل على نبينا عليه الصلاة والسلام وهو فى لحاف ابنة أبى بكر على نبينا وآله وصحبه جميعا صلوات الله وسلامه وقيل لحكمة ثانية أوردها الحافظ ابن حجر ذكرتها وهى أنها كانت تبالغ فى نظافة ثيابها وجسمها وطهارتها فكان الملك يخصها بذلك من قبل الله جل وعلا فينزل على النبى عليه الصلاة والسلام فى لحافها قالت فقلت انتبه للإنصاف والوقوف عند الحد أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا كان هذا الكلام يؤذيك أنا أتوب إلى الله منه ولا أعود إليه انظر لهذا الإنصاف وكما قلنا إذن يعنى غيرة ظاهرية تزول بعد ذلك ثم إنهن بيقة الحزب دعون فاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام فأرسلنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول إن نساءك يسألنك العدل فى بنت أبى بكر فكلمته يعنى فاطمة فقال يا بنية ألا تحبين ما أحبه فقالت بى وفى رواية المسند إنها حبة أبيك ورب الكعبة فأحبى هذه أتحبيننى فى بعض الروايات قالت نعم قال فأحبيها فرجعت إليهن فأخبرتهن فقلن لها ارجعى إليه يعنى مرة ثانية فأبت أن ترجع فأرسلن زينب بنت جحش هذا المبعوث الثالث وهى لا زالت من الحزب الثانى زينب فأتته فأغلظته وقالت إن نساءك ينشدنك الله العدل فى

بنت أبى قحافة فرفعت صوتها ثلاثا حتى تناولت عائشة وهى قاعدة يعنى ما ذنبها الآن هى لا دخل لها فى ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام يأتى إليها والمسلمون يهدون إليها فى بيتها طيب هى ما دخلها تناولت عائشة وهى قاعدة فسبتها افهم معنى السب لا تفهمه على اصطلاحنا سبته كأنها تقول أنت لم َ ما تقولين للنبى عليه الصلاة والسلام كما نقول له نحن قل للصحابة ليهدوا إليك حيث كنت لم َ أنت تستأثرين بالخير تتميزين علينا ومن هذا الكلام كله يعنى محاسبات يعنى شرعية حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تلكم يعنى تتكلم قال فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها فنظر النبى صلى الله عليه وسلم إلى عائشة فقال إنها ابنة بى بكر. وفى أخرى كان الناس يتحرون بهدياهم يوم عائشة يعنى رواية أخرى قالت فاجتمع صواحبى إلى أم سلمة فقلن يا أم سلمة إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريد عائشة فأمرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار قالت فذكرت ذلك أم سلمة للنبى صلى الله عليه وسلم قالت فأعرض عنى قالت فلما عاد إلى ذكرت ذلك له فأعرض عنى فلما كان فى الثالثة ذكرت ذلك له فقال يا أم سلمة لا تؤذينى فى عائشة فإنه والله ما نزل على الوحى وأنا فى لحاف امرأة منكن غيرها.

وفى رواية أخرى قالت أرسل أزواج النبى عليه الصلاة والسلام فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع فى مرطى وهو كساء كان يتغطى به نبينا عليه الصلاة والسلام فى بيت أمنا عائشة فأذن لها فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أزواجك أرسلننى يسألنك العدل فى ابنة أبى قحافة وأنا ساكتة وهى أمنا عائشة رضى الله عنها قالت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أى بنية ألست تحبين ما أحب فقالت بلى قال فأحبى هذه قالت فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبى على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه فأخبرتهن بالذى قالت والذى قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شىء ما حصل فائدة فارجعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولى له إن أزواجك ينشدنك العدل فى ابنة أبى قحافة فقالت فاطمة لا والله لا أكلمه فيها أبدا قالت عائشة فأرسل أزواج النبى عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش زوج النبى عليه الصلاة والسلام وهى التى كانت تسامينى منهن فى المنزلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أى تضاهينى وتناظرنى من السمو وهى العلو فهى لها مكانة كمكانتى وقريبة من مكانتى عند النبى عليه الصلاة والسلام وهى ابنة عمته زينب بنت جحش على نبينا وعلى آله جميعا صلوات الله وسلامه انتبه لكلام أمنا عائشة ولم أر امرأة قط خيرا فى الدين من زينب واتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا يعنى امتهانا وتحميلا لنفسها الصعاب والشداد وأشد ابتذالا لنفسها فى العمل الذى تصدق به وتتقرب به إلى الله عز وجل انظر لهذه الصفات الت تقولها أمنا عائشة فى أمنا زينب فيها هذه الصفات انتبه ما عدا فيه بس خصلة واحدة ما عدا ثورة وهى الوثوب والثوران والغضب والانفعال ما عدا ثورة من حد غضب وشدة كانت فيها هل هذه لازمة كانت تسرع

منها الفيئة فيها تلك الصفات وفيها غضب بمجرد ما تغضب تعود إلى الرشد والصواب قالت فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة فى مرطها على الحال التى دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله على نبينا وآله وصحبه جميعا صلوات الله وسلامه إن أزواجك أرسلننى يسألنك العدل فى ابنة أبى قحافة قالت ثم قعت بى هذه هى ثورة الحد الشدة والغضب والانفعال مع أنها ما رأت مثلها أتقى لله وأصدق حديثا وأصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها فى العمل الذى تتقرب به إلى ربها ثم وقعت بى فاستطالت على وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفا هل يأذن لى فيه يسمح لى أن أرد قالت فلم تبرح زينب لم تفارق المكان حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر إذا انتصرت لا يغضب قالت فلما وقعت بها لم أنشها يعنى لم أهملها ولم أتركها لم أنشبها حتى أثخنت عليها. وفى رواية لم أنشبها أى أهملها وأتركها حتى أثخنتها غلبة أى كأنها قطعتها وأسكتتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم إنها ابنة أبى بكر. وفى رواية المسند قال فأقبلت عليها أمنا عائشة على أمنا زينب حتى رأيتها قد يبس ريقها فى فمها ما ترد على شيئا فرأيت وجه النبى عليه الصلاة والسلام يتهلل. طيب ماذا يعنى حصل من هذا ولا شىء معاتبات كما قلت ظاهرية جرت فى بيوت خير البرية عليه الصلاة والسلام عولجت فى وقتها وانتهى الأمر ثم هذه الثورة من حد غضب فيها زالت بعد ذلك وهذا الانفعال انطفى وفى الليل اجتمعن كما كن يجتمعن فى بيت التى هى ليلتها يتحادثن مع نبينا خير خلق الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

فلا بد إخوتى الكرام من وعى هذا الأمر لكن لا بد من تقدير موقف نبينا عليه الصلاة والسلام وهو الذى ينبغى أن يقتدى به الأزواج الكرام مع الزوجات فى هذه الحياة فالمرأة إذا حصل منها ما حصل من غضب من انفعال من تقصير من قصور نحوك أنت الرجل وإذا أنت ستقصر كما تقصر هى الدنيا خربت أنت القيم وأنت السيد فيعنى أدخل هذا فى واسع صدرك وبعد ذلك عامله بمعاملة الرفق والحنو والشفقة والصفح وتطييب الخاطر بحيث تندم على ما جرى منها وتعود الأمور إلى طبيعتها بما أنه لا يوجد كما قلت مرارا فى القلب خبث متأصل ثابت لازم العلاج سهل أما إذا كانت القلوب نسأل الله العافية فيها الفساد وفيها الخبث هذا كلما أصلحت فى الظاهر تنفجر الأمور لأن الداء كامن لكن انتبه هنا امرأة صالحة تقية نقية وهذا وصف جميع أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه ما بقى إلا انفعال ظاهرى هذا سيقع ليس بين الضرائر هذا سيقع بين أخلص الأصحاب مع بعضهم كان يجرى بين أبى بكر وعمر ما يجرى من هذه الحوادث هذا بشر وقلنا نحن نعيش فى هذه الحياة ولا تخلو من شوائب وكدر فهذه الحوادث القليلة التى جرت فى بيت نبينا عليه الصلاة والسلام عولجت بالحلم والصفح وظهرت كما تقدم معنا معالمة نبينا عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا أحسن إليهن وصبر عليهن وتحمل منهن هو خلق عظيم فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا.

بقية الحوادث لعله بقى معنا حادثتان أذكرهما إن شاء الله وهذا مجموع الحوادث لعله تقدم معنا فى حدود خمسة أو ست حوادث نضيف إليها حادثتان وهذا مجموع ما حصل كما قلت فى بيوت نبينا عليه وعلى أمهاتنا وآل بيته وأصحابه صلوات الله وسلامه بعد الانتهاء من ذلك سأختم كما قلت الكلام على هذا الأمر بترجمة عطرة موجزة لأمهاتنا لأنه إذا ختمنا هذا المبحث بما يجرى منهن من قصور فى الحقيقة نقصر معهن لا بد بعد ذلك من ترجمة طيبة موجزة لكل أم من أمهاتنا مع نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

44خلق النبى مع أهله2

خلق النبي مع أهله (2) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم خلق النبي مع أهله (2) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: إخوتى الكرام.. لازلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث النبوة على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وعنوان هذا المبحث كما تقدم معنا بيان الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وقلت إن هذه الأمور على كثرتها وتعددها وتنوعها يمكن أن تضبط فى أربعة أمور. أولها: النظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه فى خَلقه وخُلقه. وثانيها: النظر فى دعوته ورسالته. وثالثها: النظر إلى المعجزات فى المعجزات وخوارق العادات التى أيده بها رب الأرض والسماوات. ورابعها: تأمل حال أصحابه الكرام على نبينا وآله وصحبه أفضل الصلاة ووأزكى السلام. وكنا نتدارس الأمر الأول من هذه الأمور الأربعة النظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه فى خلقه وخلقه وقد تقدم معنا ما يتعلق بخَلق نبينا عليه الصلاة والسلام ووجه دلالة ذلك على أنه رسول ذى الجلال والإكرام على نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام.

ثم شرعنا إخوتى الكرام فى مدارسة الشق الثانى من الأمر الأول ألا وهو النظر إلى خلق النبى عليه الصلاة والسلام فالله أعطى رسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه الكمال فى خلقهم وفى أخلاقهم فمنحهم الجمال والجلال فى الأمرين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. وخلق نبينا عليه الصلاة والسلام تقدم معنا ينقسم إلى قسمين اثنين بارزين خلق مع الخلق وخلق مع الحق فهو أعبد الخلق للحق جل وعلا وهو أحسن الخلق خلقا مع الخلق على نبينا صلوات الله وسلامه وقلت إن خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع الخلق إذا أردنا أن نقف عليه بصورة مجملة ينبغى أن نبحث فيه ضمن سبعة أمور خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أمهاتنا أزواجه الطيبات الطاهرات وآل بيته على نبينا وآل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه والمؤمنين به خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام على نبينا وعليهم الصلاة والسلام خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الإنس خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الجن خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات الصامتات. وكنا نتدارس الأمر الأول من الأمور السبعة ألا وهو خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته الطيبين الكرام وقلت إن هذا الأمر أيضا يقوم على أربعة أمور مضى الكلام على ثلاثة منها. وشرعنا فى مدارسة الأمر الرابع منها فى الموعظة الماضية. أول هذه الأمور الأربعة: كما تقدم معنا مسكن النبى عليه الصلاة والسلام. ثانيها: أثاث ذلك المسكن. ثالثها: ما يقدم فى ذلك المسكن من طعام وشراب على نبينا صلوات الله وسلامه. رابعها: بعد ذلك معاملة النبى عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا زوجاته الطيبات الطاهرات عليه وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه.

وقلت هذا الأمر الرابع أيضا سنتدارسه أيضا ضمن أربعة أمور أوليس كذلك أولها أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أكمل الخلق عشرة لنسائه وآل بيته عليه صلوات الله وسلامه وثانيها تقرير هذا كما تقدم معنا بشهادة أعلم الخلق به ألا وهى زوجه أمنا الطيبة المباركة خديجة رضى الله عنها وأرضاها ثالثا كما ذكرت سابقا معاملته عليه الصلاة والسلام لنسائه ولآل بيته ومعاملة آل بيته له على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه رابعها كما قلت أستعرض على وجه الإجمال ذرية نبينا الطيبة الطاهرة من نسائه وأولاده وأحفاده على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه.

أما الأمر الأول: فقد تقدم معنا إخوتى الكرام أن نبينا عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خلقا مع الحق ومع الخلق وتقدم معنا أن المؤمنين هم خير البرية وخير المؤمنين خيرهم لنسائهم وعليه نبينا عليه الصلاة والسلام هو خير المخلوقات للنساء وللذرية وللأهل ولا يمكن أن يوجد بيت وما وجد فيه عشرة تعدل عشرة نبينا عليه الصلاة والسلام لنسائه ولآل بيته الطيبين الطاهرين عليهم جميعا صلوات الله وسلامه فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيرهم خيرهم لأهله ونبينا عليه الصلاة والسلام خير الخليقة لأهله على نبينا وعلى آله الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه وقبل أن أنتقل إلى ما يتعلق بشهادة أمنا خديجة رضى الله عنها وكما قلت هى أعلم الخلق به عليه صلوات الله وسلامه فقد عاشرته عشرة لم تحصل لأحد من الخلق غيرها على نبيناو عليها وعلى سائر آل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه قبل أن أنتقل إلى بيان تقرير هذا بشهادة أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها قلت إخوتى الكرام إن من عناية الله برسله وأنبيائه عليهم جميعا صلوات الله وسلامه أن وفقهم ويسر عليهم وقدر لهم رعاية الغنم قبل بعثتهم وهذا ليحصل فيهم التواضع لربهم جل وعلا وليحصل بعد ذلك فيهم حسن الرعاية لأممهم فنقلهم الله من رعاية الغنم إلى سياسة وتعهد والرفق بالشعوب والأمم على نبينا صلوات الله وسلامه وقررت هذا فى الموعظة الماضية وأنه ما من نبى إلا وقد رعى الغنم واختار الله لأنبيائه هذا لما فى الغنم من خلق السكينة والليونة ولما فيها من الخير والبركة كما تقدم معنا ولذلك السكينة والخير والبركة فى أهل الغنم والغلظ والجفاء والفخر فى الفدادين فى أهل الإبل كما تقدم معنا هذا من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم ووضحت هذا إخوتى الكرام لأن من يعنى رعى الإبل وانصرف إليها يحتاج أن يقضى وقتا طويلا فى البادية.

وختمت بعد ذلك الكلام على الموعظة الماضية بحديث عبد الله ابن عباس وأبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين وحديث عبد الله ابن عباس أنه فى المسند والسنن الثلاثة فى سنن أبى داود والترمذى والنسائى أوليس كذلك وقلت رواه أيضا البيهقى وابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله ورواه أبو نعيم فى الحلية وتقدم معنا أن الحديث صحيح كما قال الإمام الترمذى هذا حديث حسن صحيح غريب ولفظ الحديث من رواية عبد الله عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتَتَن ومن أتى السلطان افتُتِن ورواية أبى هريرة رضى الله عنه تقدم معنا تخريجها وقلت بمعنى حديث عبد الله ابن عباس رضى الله عنه. حول ما تقدم عندنا تنبيهان: الأول: نتبيه يتعلق بهذا الحديث. الثانى: تنبيه يتعلق بأمر الإبل التى جرى حالها وذكرها.

أما ما يتعلق بهذا الحديث إخوتى الكرام يقول نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذا الحديث من رواية ابن عباس وأبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين من أتى السلطان افتتن من أتى السلطان افتُتن ولا شك أن الذهاب إلى السلاطين إذا لم يكن الإنسان قويا يريد وجه رب العالمين فتنة له ولهم وإذا أراد النصح لهم ولعباد الله فلا حرج عليه وقد قرر هذا أئمتنا لكن ينبغى للإنسان أن يراقب نبيته وأن يضبظ نفسه وأن يتقى ربه يقول الإمام ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله وما ينبغى فى روايته وجمله فى الجزء الأول صفحة ست وثمانين ومائة بعد أن ذكر هذا الحديث وما يشبهه وتقدم معنا أنه من جملة من روى هذا الحديث وخرجه يقول الإمام ابن عبد البر إذا حضر العالم عند السلطان غِبا غبا يعنى الإمام ما بين الحين والحين لم يعنى يلازم المجلس فى كل وقت إذا حضر العالم عند السلطان غبا فيما فيه الحاجة وقال خيرا ونطق بعلم كان حسنا وكان فى ذلك رضوان الله إلى يوم يلقاه ولكنها مجالس الفتنة فيها أغلب والسلامة منها ترك ما فيها ولذلك إذا ضمن الإنسان نفسه فليس عليه حرج أن يداخل السلطان وأن ينصحه وأن يرشده على ما فيه خير البلاد والعباد ثم استدل الإمام ابن عبد البر بحوادث كثيرة جرت لسلفنا الطيبين منها ما وقع للإمام دار الهجرة الإمام مالك ابن أنس عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه قيل له إنك تبخل على السلاطين وهم يظلمون ويجورون فقال للسائل يرحمك الله فأين الكلام بالحق يعنى أين واجب النصح الذى ينبغى أن نقدمه للمسؤولين والمسلمين أجمعين فأين الكلام بالحق فإذا اعتزل الإمام مالك وغيره وغره فمن الذى سيوجه بعد ذلك السلطان ومن الذى سينصحه ولذلك إخوتى الكرام إذا قصد الإنسان بالاقتراب من السلطان اعزاز الإسلام وتقوية المسلمين وقصد دحر أولياء الشياطين والقضاء على الفساد والمفسدين فهنيئا له ومن المعلوم أن شريعة الله جل وعلا جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وبالقضاء

على المفاسد وتقليلها فمن راقب هذين الأمرين وقصد من مداخلته النصح أن يحصل المصالح وأن يكمل المصالح الموجودة على وجه التمام وأن يقضى على المفاسد أو أن قلل منها من قصد بدخوله هذين الأمرين فهو على هدى والأمر كما قال الإمام ابن عبد البر كان فى ذلك رضوان الله إلى يوم يلقاه. نعم من دخل وداهن واشتعل بالمدح والملق وما بصر السلطان بعيوبه ولا وجهه إلى ما فيه صلاحه وسعادته فى هذه الحياة وبعد الممات فهو أول غاش للسلطان ومن باب بعد ذلك هو غاش لعباد الرحمن وهو أيضا مفسد فى الإسلام هذا إذا دخل وما اتقى الله وإذا دخل بالشروط المتقدمة فلا حرج عليه لكن بما أن أكثر النفوس ضعيفة هزيلة تميل إلى العاجل وإذا اقتربت من السطان غاية ما تريده من اقترابها أن تحصل حظوظا نفسها ولا تسأل بعد ذلك عن دين ربها ولا عن الأمة ولا عن أولياء الله ولا عن دحض الباطل ودحر أعداء الله لما كان الأمر هو هذا الغالب على أكثر الناس حقيقة مجالس فتنة الابتعاد عنها أسلم لك فإذا كنت قويا فتقدم وإذا كنت ضعيفا فتأخر والإنسان على نفسه بصيرة يضاف إلى هذا ما حصل بعد ذلك من فساد كثير من السلاطين فلا يقبلون النصح إلا ما رحم ربك وقليل ما هم.

ولذلك قال شيخ الإسلام الإمام الخطابى فى كتابه العزلة والخطابى توفى سنة ثمان وثمانين ثلاثمائة للهجرة والإمام ابن عبد البر توفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة للهجرة أوليس كذلك أربعمائة وثلاث وستين الإمام ابن عبد البر أربعمائة وثلاث وستون يعنى بعد الخطيب البغدادى بعد الإمام الخطابى لأن الخطيب البغدادى وابن عبد البر توفيا فى سنة واحدة حافظ المشرق وحافظ المغرب سنة أربعمائة وثلاث وستون حافظ المشرق وحافظ المغرب أما الإمام الخطابى فتوفى قبلهما سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة للهجرة يقول فى صفحة ست ثمانين باب فى فساد الأئمة وما جاء فى الإقلال من صحبة السلاطين ثم بعد أن أورد آثارا كثيرة فى ذلك قال أبو سليمان يعنى هو الإمام الخطابى مؤلف الكتاب ليت شعرى من الذى يدخل إليهم اليوم فلا يصدقهم على كذبهم ومن الذى يتكلم بالعدل إذا شهد مجالسهم ومن الذى ينصح ومن الذى ينتصح منهم إن أسلم لك يا أخى فى هذا الزمان وأحوط لدينك أن تقل من مخالطتهم وغشيان أبوابهم ونسأل الله الغنى عنهم والتوفيق لهم حقيقة هذا بالنسبة لأكثر الخلق إذا ابتعدوا فهذا أسلم لدينهم لأنه يدخل لا يريد من دخوله إلا أن يحصل مصالح نفسه وإذا دخل ما قلت بصفة شرعية فله من الأجر ما لا يخطر بالبال وكما قهر الله ضالين مبتدعين بواسطة صالح يقترب من السلاطين وكما عز الله مؤمنين مستضعفين بواسطة صالح يقترب من السلاطين إذا اتقى الله والله جل وعلا هو العلم بما فى قلوب عباده. إخوتى الكرام هذا ما يتعلق بالأمر الأول الذى ختمت به المجلس فى الموعظة الماضية.

أما الأمر الثانى: ما يتعلق بالإبل وقد سألنى عدد من الإخوة الكرام بعضهم عن طريق التليفون عن موضوع نقض الوضوء من أكل لحم الجزور وتقدم معنا إشارة نبينا عليه الصلاة والسلام إلى أنها خلقت من الشياطين ما تقدم معنا فى الأحاديث وأشرت إلى أن من أكل لحم جزور فعليه أن يتوضأ وما ينبغى للإنسان أن يصلى فى أعطان الإبل إنما يصلى فى مرابض الغنم أما فى أعطان الإبل مباركها فلا يصلى ولا يتوضأ إذا أكل لحم الغنم ويتوضأ إذا أكل لحم الجزور فاتصل بى بعض الإخوة وقال هذه مسألة غريبة وهو يزيد على الخمسين سنة قال ما سمعتها فى حياتى وهو معذور لأن منهج الجمهور عليهم جميعا رحمة العزيز الغفور أن لحم الجزور لا ينقض الوضوء وهو يعنى نشأ فى بلاد ليس فيها مذهب الإمام المبجل أحمد ابن حنبل عليهم جميعا رحمة الله يقول هذه أول مرة أسمعها أن من أكل لحم جزور يتوضأ يعنى هل هذا ثابت قلت له ثابت عن النبى عليه الصلاة والسلام والحديث فى صحيح مسلم كما ستسمعون ورود فى ذلك حديثان صحيحان كما سأورد عليكم وقلت هذا الذى رجحه شيخ الإسلام الإمام النووى نعم مذهب إبى حنيفة ومالك والشافعى أن لحم الجزور لا ينقض الوضوء ومذهب الإمام أحمد فقط ينقض الوضوء ووردت فى ذلك كما قلت إخوتى الكرام أحاديث فانتبهوا لذلك لا بد من الكلام على هذه المسألة على وجه الاختصار وهى وإن كانت مسألة فرعية تتعلق بأمر الطهارة ونقض الوضوء فلتكن يعنى من باب الاستطراد فى مبحث النبوة حول هذا الأمر الذى ذكرناه. إخوتى الكرام: الجمهور كما قلت وهم الأئمة الثلاثة وقبلهم الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم أجمعين لا يرون نقض الوضوء من أكل لحم الإبل وهذا قول جماهير الأمة وتعلقوا يعنى بعدة أدلة وتوجيهات على قولهم معتبرة سديدة وأبين بعد ذلك منزلة القول الثانى إن شاء الله.

أول هذه الأدلة قالوا حديث جابر وهو فى سنن أبى داود والنسائى بأسانيد صحيحة كالشمس فى سنن أبى داود والنسائى من رواية جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار فى أول الأمر كل ما طبخ من بالنار ينقض الوضوء إذا أكلته وعليك أن تتوضأ ولذلك ثبت فى صحيح مسلم وغيره توضؤوا مما مست النار من كلام نبينا المختار عليه الصلاة والسلام والأحاديث فى ذلك كثيرة ثم تواتر عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه أكل لحم شاة وكتف شاة وصلى ولم يتوضأ عليه الصلاة والسلام والأحاديث فى الصحيحين وغيرها فيقول هؤلاء الأئمة الكرام هذا الحديث يدل على نسخ الوضوء مما مست النار دخل فى هذا لحم الضأن والبقر والإبل وغيره الحديث عام فما يوجد من أحاديث تأمر بالوضوء من لحم الإبل هذا كالأحاديث التى كانت تأمر بالوضوء من لحم الضأن ومما مسته النار حتى من السمك وعليه بعد ذلك حصل النسخ هذا كما قلت قول الجمهور قالوا تقوى هذا بأمرين معتبرين. الأمر الأول: هو المنقول عن الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين أن لحم الجزور لا ينقض الوضوء قالوا ويتقوى بأمر ثالث لو أكل الإنسان لحم الخنزير وقد عصى الجليل وما انتقض وضوءه وليس الخنزير بأقل من الجزور وليس الجزور بأشنع من الخنزير فقالوا هذه أمور تبين على أن الأمر بالوضوء من لحم الجزور إما منسوخ وإما للاستحباب لا للوجوب هذا قول من قول الجمهور كما قلت الأئمة الثلاثة من أربعة وهو قول الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين وهذه أظهر أدلتهم كما وضحت إخوتى الكرام.

القول الثانى: وهو الذى لم يسمع به الأخ الكريم وسأل عنه أن لحم الجزور ناقض للوضوء وهو قول الإمام أحمد عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه ونقل عن بعض الصحابة نقل عن ابن عمر وأبى طلحة وأبى موسى الأشعرى وزيد ابن ثابت وأبى هريرة وعائشة رضى الله عنهم أجمعين وهؤلاء الذين نقلت عنهم هذا القول انتبهوا إخوتى الكرام هؤلاء يقولون بأن كل ما مسته النار ينقض الوضوء حتى لحم الضأن هذا القول يخالف القول الذى تقدم معنا والقول الثالث هذا قول ثان بأن الإمام النووى أورد ثلاثة أقوال ما كان فى نيتى أن أورد القول الثانى إنما يرون أن كل ما مسته النار يتوضأ الإنسان منه ولو من لحم الضانى وقالت طائفة يجب من أكل لحم الجزور خاصة وهو قول أحمد ابن حنبل إسحاق ابن راهويه ويحيى ابن يحيى وحكاه الماوردى عن جماعة من الصحابة منهم زيد ابن ثابت لأنه إذا كان يقول بالوضوء مما مسته النار من غير لحم الإبل فمن الإبل كذلك منهم زيد ابن ثابت وابن عمر وتقدم معنا أيضا يقول بأن كل ما مسته النار نتوضأ منه وأبى موسى وأبى طلحة وأبى هريرة وعائشة يعنى من تقدم ذكرهم يقولون أيضا بهذا القول وحكاه ابن المنذر عن جابر ابن سمرة الصحابى ومحمد ابن إسحاق وأبى ثور وأبى خيثمة واختاره من أصحابنا أبو بكر ابن خزيمة وابن المنذر وأشار إليه البيهقى كما سنرى هذا القول منقول أيضا عن الإمام الشافعى فى المذهب القديم لكن الجديد من قوليه على أنه لا ينقض الوضوء وهو المعمول به عند الشافعية انظر لقول الإمام النووى يقول والقديم من مذهب الشافعى أنه ينتقض الوضوء وهو ضعيف عند الأصحاب لكنه هو القوى أو الصحيح من حيث الدليل هذا كلام من النووى الشافعى وهو الذى أعتقد رجحانه وقد أشار البيهقى إلى ترجيحه واختياره والذب عنه وسترى دليله إن شاء الله هذا القول رجحه النووى وهو شافعى والبيهقى وهو شافعى وابن خزيمة وهو شافعى وابن المنذر وهو شافعى رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.

يقول هنا الإمام النووى واحتج القائلون بوجوب الوضوء بأكل لحم الجزور بحديث جابر ابن سمرة رضى الله عنه أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ من لحوم الإبل رواه مسلم من طرق والحديث ثابت أيضا فى السنن الكبرى للإمام البيهقى وغيره وفيه أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ قال أصلى فى مرابض الغنم قال نعم صلِ قال أصلى فى مبارك الإبل قال لا يقول الإمام النووى عليهم جميعا رحمة الله وعن البراء وهذا الحديث الثانى الأول حديث جابر ابن سمرة وهذا الحديث الثانى كما قلت فى المسألة حديثان وعن البراء ابن عازب قال سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فأمر به وحديث البراء رواه الإمام أحمد فى المسند وأبو داود فى السنن والترمذى فى السنن ورواه ابن الجارود قى المنتقى وإسناده صحيح كالشمس وضوحا عن البراء ابن عازب رضى الله عنه قال سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل قال توضؤوا منها وسأل عن الوضوء من لحوم الغنم قال لا تتوضؤوا منها وسأل عن الصلاة فى مبارك الإبل قال لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين وسأل عن الصلاة فى مرابض الغنم قال صلوا فيها فإنها بركة يقول الإمام النووى فى المجموع قال أحمد ابن حنبل وإسحاق ابن راهويه صح عن النبى عليه الصلاة والسلام فى هذا حديثان حديث جابر يعنى جابر ابن سمرة والبراء ابن عازب وقال إمام الأئمة محمد ابن إسحاق ابن خزيمة لم نر خلافا بين علماء الحديث فى صحة هذا الحديث وانتصر البيهقى لهذا المذهب ثم ذكر أن الجمهور أولوا هذين الحديثين بعدة تأويلات.

أولها: قالوا إن الوضوء هنا يحمل على غسل اليد والمضمضة وليس المراد منه الوضوء الشرعى لما فى لحم الإبل من زيادة سهوكة والسهوكة هى الرائحة الشديدة الكريهة يقال سهك سهكا إذا عرق فانتشرت منه رائحة كريهة فلحم الإبل فيه زهومة شديدة فلذلك أمر الناس بغسل الكفين والمضمضة منه بعد أكله وليس المراد الوضوء الشرعى قال الإمام النووى فى المجموع يقول هذا ضعيف لأن الحمل على الوضوء الشرعى مقدم على اللغوى كما هو معروف فى كتب الأصول. القول الثانى: قالوا هذا منسوخ بحديث جابر المتقدم ابن عبد الله كان آخر الأمرين من رسول الله عليه الصلاة والسلام ترك الوضوء مما مست النار قال النووى وأما النسخ فضعيف أو باطل لأن حديث ترك الوضوء مما مست النار عام وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص والخاص يقدم على العام سواء وقع قبله أو بعده ثم قال النووى وأقرب ما يُستروح إليه يعنى يميل إليه الإنسان قول الخلفاء الراشدين وجماهير الصحابة يعنى أقرب ما يمكن أن يلتمس لهذا القول من دليل قول الخلفاء الراشدين الأربعة وجماهير الصحابة بأن لحم الجزور لا ينقض الوضوء. خلاصة الكلام: عندنا قولان معتمدان أما القول الثالث الذى هو وسط بينهما بأن الوضوء من كل ما مسته النار فالإمام النووى فى شرحه لصحيح مسلم حكى الإجماع بعد عصر الصحابة على أنه لا يجب الوضوء مما مست النار إنما الكلام فقط فى لحم الجزور خاصة انتقاض الوضوء من لحم الجزور رجحه النووى فى المجموع ورجحه فى شرح صحيح مسلم فى الجزء الرابع صفحة تسع وأربعين قال هذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه.

وحقيقة المسألة تحتملها الأدلة فمن قال بالنقض فهو على هدى ومن قال بعدم النقض فهو على هدى ومن قال أحد القولين ضلال وردى فهو أضل من حمار أهله ومن أراد أن يبدع أحدا القولين فهو المبتدع الضال وحذارى حذارى أن يأتيك ملبس فى هذه الأيام ويقول هذا حديث البنى عليه الصلاة والسلام ماذا تفعلون به على العين والرأس لكن عندنا كما قلت نصوص تعارضت فى الظاهر هذا حديث وحديث جابر ابن عبد الله كان آخر الأمرين من رسول الله عليه الصلاة والسلام ترك الوضوء مما مست النار دخل لحم الجزور فيه واضح هذا وإذا ما علم التاريخ فما ينبغى أن نقول يعنى قولك أقوى من قولنا بأن لحم الجزور يستثنى ولا قولنا أقوى من قولك تبقى المسألة تحتملها الأدلة ثم عندنا الخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعثمان وعلى يقلون بعدم النقض رضوان الله عليهم اجمعين وحقيقة يستبعد غاية البعد أن تخفى هذه السنة الثابتة عنهم وإن رجح الإمام النووى قول الإمام أحمد ابن حنبل رحمة الله ورضوانه عليهم جميعا.

وعليه فمن رأى أن يتوضأ من لحم الجزور وأن الوضوء ينتقض فهو على هدى ومن قال أنا تنشرح نفسى للقول الثانى وقال أنا شافعى المذهب أو حنفى المذهب أو مالكى المذهب وعندنا لا ينتقض الوضوء فإياك أن تقول لا هذا حديث ثابت وأنت تتركه فأنت ضال والله ما يضلله إلا من كان ضالا هو ما ترك حديث النبى عليه الصلاة والسلام عنادا وطرحا للحديث وإهمالا إنما يقول عندنا أدلة فى هذا الموضوع ظاهرها متعارض لا بد من الجمع بينها فأنت جمعت بينها فرجحت النقض أنت على هدى وأنا جمعت بينها فرجحت عدم النقض فأنا على هدى يعنى أنت ستلزمنا بقول لم َ لا يوجد الآن يعنى شىء قطعى يبن أن هذا متقدم وهذا متأخر أوليس كذلك بل عندنا فعل الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين مما يوقع فى القلب قوة وقبولا لقول الجمهور لأنهم هؤلاء عملوا بذلك بعد النبى عليه الصلاة والسلام فما كانوا يرون انتقاض الوضوء من أكل لحم الجزور وعليه المسألة كما قلت فيها سعة ورحمة الله واسعة وأقول ما قاله الإمام ابن قدامة وبعده الإمام ابن تيمية عليهم جميعا رحمة الله إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة وكما ترون ما أحد قال إن لحم الجزور ينقض الوضوء أو لا ينقض بناء على دليل عقلى أو عرف أبدا أدلة شرعية ونصوص ثابتة عن خير البرية عليه الصلاة والسلام لكن هؤلاء قالوا هذه النصوص نراه هى التى حكمت على تلك وقضت عليها ونسختها وهؤلاء قالوا لا هذا خاص لا يشمله النسخ فى حديث جابى أولئك قالوا عندنا فعل الخلفاء الراشدين بقى مسألة كما قلت المصيب أجران والمخطىء أجر ولعل كلا من القولين يكون صوابا فلكل من القولين أجران ورحمة الله واسعة ولا تحجر رحمة أرحم الراحمين سبحانه وتعالى.

لكن انظر لإنصاف أئمتنا هذا الإمام النووى الذى هو شافعى ماذا يقول يقول هذا قول الجمهور ضعيف وقول الإمام أحمد هو أقوى الأقوال دليلا وإن لم يأخذ به الجمهور هذا فيما ظهر له حقيقة هذه فريضة الله فى حقه ظهر له أن قول الإمام أحمد هو أقوى الأقوال فانظر لديانته وإنصافه وأمانته واهتدائه قال أنا فيما يظهر لى أن هذا أقوى الأقوال ثم قال هذا الذى أعتقده أوليس كذلك يقول هذا الذى أعتقده وهذا الذى آخذ به وإليه ذهب البيهقى وابن خزيمة وابن المنذر وكلهم من أئمة الشافعية رضوان الله عليهم أجمعين.

وما يثيره بعض السفهاء فى هذه الأيام من نغمة التعصب المذهبى فلينظر لإنصاف أئمتنا فى كتبهم هذا كتاب المجموع هو أحسن وأعظم وأصح كتب الشافعية فانظر ماذا يقرر فيه الإمام النووى خلاف مذهبه هو رأى هذا أليست مسألة تعصب من باب يعنى التعصب بالباطل لكن إن ظهر له أن مذهبه الدليل معه أخذ به وإلا فالتمس لتلك الأقوال التمس لها وجها حسنا وقال القائل بها على هدى لكن أنا أعتقد قول الإمام أحمد فى هذه المسألة والله هذا هو الإنصاف وهذه هى الديانة وهذا هو الهدى لا من يثيرون اللغط فى هذه الأيام فيرجح قولا ثم يحصر دين الله فيما رجحه إن أخذت به فأنت مهتد وإلا فأنت ضال يا عبد الله أنت جعلت نفسك الآن منزلة النبى عليه الصلاة والسلام عندك قطع فى أن ما فعلته هو هو المتعين أو غاية ما فعلت ترجيح وهذا الترجيح يحتمل أنك أخطأت فيه وأن القول الآخر الذى جعلته مرجوحا هو الراجح وأقول لكم بالنسبة فيما يظهر لى وإن كنت أتوضأ من لحم الجزور ومرة أكلت لحم جزور وأنا فى طريقى إلى المسجد عدت وتوضأت الذى أراه فى قرارة نفسى أن لحم الجزور لا ينقض الوضوء وهذا قول الجمهور وما يمكن أن تغيب هذه السنة الثابتة عن الخلفاء الراشدين الأربعة لكن يبقى كما قلت الأحوط وهذا الذى أفعله إن أكلت لحم جزور لا أستجيز الصلاة إلا بوضوء لكن ليس معنى هذا أننى أقول القول الثانى باطل لا أبدا بل أراه أرجح من هذا لكن دائما أمور الاحتياط مطلوبة فى العبادة يعنى إذا كان لا ينتقض وتوضأت ماذا جرى ولا شىء على الإطلاق عندما توضأت زيادة خير وزيادة بركة لكن لو قدر تركت الوضوء ليس عندى فى ذلك أى حرج ولا خطأ والخلفاء الراشدون الأربعة هم بعد النبى عليه الصلاة والسلام ويرون أن لحم الجزور لا ينقض ولذل هذا الأخ الذى حضر وسمع يقول هذه ما سمعت بها فى حياتى أن لحم الجزور ينقض قلت أنت على هدى لا تشكك نفسك أنت على هدى لكن القول الثانى لا تنكره أيضا قال ما أنكره لكن إذا

ما أخذت به يعنى على حرج قلت لا أبدا ابقى على ما أنت عليه ابقى على أن لحم الجزور لا ينقض وأنت على هدى لكن القول الثانى إذا سمعته لا تقل لقائله أنت على ضلال فى ذلك إخوتى الكرام تعيش الأمة متآلفة متحاببة وأما هذا رأى أنه ينقض وقال من لم يتوضأ صلاته باطلة وذاك قال لا ينقض يقول من يتوضأ فهو متنطع وبقيت الأمة يضلل بعضها بعضا ويخاصم بعضها بعضا هذا كله ضلال والله جل وعلا لن يحصل له تعظيم إلا بنيتنا {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} وهى النيات الخالصة هى التى نعظم بها ربنا فأنت عندما تأكل جزور ولا تتوضا تعظم الله لأنك ترى أن لحم الجزور لا ينقض وهذا عندما يأكل لحم الجزور ويتوضأ يعظم الله لأنه يرى أن لحم الجزور ناقض فكلنا عظمنا الله وهذا مقصودنا عبادة الله إذن لم َيضلل بعضنا بعضا لم. َ

فانظر لهذه السعة وهذا النور عند الصحابة وانظر لهذه الظلمة والضيق الذى نعيشه فى هذه الأيام يتبنى قولا ثم يحصر دين الله فيه إن خرجت عنه نبذك بالضلال والله هو الضال الذى يضلل عباد الله الأخيار فانتبهوا لهذا إخوتى الكرام وهذه الكلمة لا تغيبن عنكم ول من أنكرها لا شك فى ضلاله إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة هذا يقوله شيخ الإسلام الإمام ابن قدامة فى المغنى وهو توفى سنة ستمائة وعشرون انظروه فى مقدمة المغنى ويقوله الإمام ابن تيمية كما ذكرت هذا ونسبت إليه مرارا فى مجموع الفتاوى فى الجزء الثلاثين صفحة ثمانين فى محاضرات سنن الترمذى مرت معنا يقول إجماع العلماء حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة حقيقة هذه هى الرحمة, الرحمة جئنا نعتبرها فى هذه الأيام نقمة يأتيك أعمى القلب فى هذه الأيام فيقول إذا كان اختلافهم رحمة يعنى أن اتفاقهم نقمة طيب أنت لم َتتلاعب بالكلام نحن ماذا قلنا قلنا إجماعهم حجة قاطعة قلنا إن إجماعهم نقمة قلنا هذا أعوذ بالله إذ يتلاعبون فى الكلام ويفصلون آخره عن أوله قلنا إذا أجمعت الأمة على أمر فالخروج عنه ضلال هذا لا خلاف فيه لكن إذا اختلف علماؤنا فى مسألة حسب تعارض الأدلة فى الظاهر يبقى الأمة على هدى وإن أخذت بهذا فأنت على خير وإن أخذت بهذا فأنت على خير وانتهى الأمر ما أحد قال إن الاتفاق نقمة لكن نحن أمام أمر واقع فلا بد من النظر إليه بمنظار الشرع وهذا الذى كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين إجماع أئمتنا حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. إخوتى الكرام:

ما يتلعق بأكل لحم الجزور وأنها خلقت من الشياطين هذا ورد فى عدة أحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام منها أيضا ما ثبت فى المسند ومعجم الطبرانى الكبير والحديث رواه البيهقى وإسناده ثقات كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء الثانى صفحة ست وعشرين ورواه الإمام النسائى والسنن مختصران من رواية عبد الله ابن مغفل رضى الله عنه وهو من الصحابة الكرام قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا فى أعطان الإبل فإنها من الجن خلقت ألا ترون إلى عيونها وهدابها يعنى هيجانها وثورانها إذا ندت وشردت ونفرت وهبابها إذا نفرت وصلوا فى مرابد الغنم مرابد مرابض كله واحد مراح كما تقدم معنا وصلوا فى مرابض الغنم فإنها أقرب من الرحمة وتقدم معنا أنها بركة ومباركة وفى بعض روايات المسند فإنها يعنى الإبل خلقت من الشياطين وفى بعض روايات سنن البيهقى إذا أدركتم الصلاة وأنتم فى مراح الغنم فصلوا فيها فإنها سكينة وبركة وإذا أدركتم الصلاة وأنتم فى أعطان الإبل فاخرجوا منها فصلوا يعنى فى غير أعطان الإبل فإنها جن من جن خلقت ألا ترى إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها. قول النبى عليه الصلاة والسلام جن من جن خلقت وقوله فيما تقدم معنا من حديث البراء فإنها من الشياطين ذكر الإمام ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث قولين لمعنى هذه الجملة الشريفة من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام الإبل من الشياطين جن خلقت من جن، جن من جن خلقت.

المعنى الأول يقول خلقت من جنس ما خلقت منه الشياطين ففيها النفور والإباء وفيها الكبر والاستعلاء فيها هذه الصفة صفة العظمة صفة الخيلاء ولذلك الفخر كما تقدم معنا والخيلاء فى أهل الإبل فى فدادين كما تقدم معنا وهنا يقول خلقت من جنس ما خلقت منه الشياطين فيها نفور وإباء فيها كبر واستعلاء وكأن نبينا عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا عندما قال ألا ترون إلى عيونها وهبابها إذا نفرت والرواية الأخرى التى فى سنن البيهقى ألا ترى إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها والله جل وعلا لولا أنه ذلل الإبل لما استطاع أحد أن يقترب منها فهى أقوى من الأسد ولذلك {أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون *وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون *ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} لولا أن الله ذللها بحيث يقودها الولد الصغير لما استطاع أحد أن يقترب منها فهى أقوى من الأسد ولذلك هى تحفظ نفسها بنفسها فى البادية ولو اقترب منها الحيوان المفترس لضربته بيدها وقطعته قطعا الإبل بخلاف الغنم السكينة المسكينة فتلك فى زريبة الغنم لو جاء ذئب واحد لقضى عليها من أولها لآخرها فهذه التى تشمخ بأنفها وألا ترى إلى هبابها إذا نفرت ذللها الله جل وعلا لكن فيها كما قلت هذه الصفة فيها كبر إباء فيها فخر خيلاء فيها نفور إباء هذه الصفات موجودة فيها لكن الله ذللها لنا وعليه خلقت من جنس ما خلقت منه الشياطين فيها صفة النفور فيها صفة الخيلاء فيها صفة الكبر فيها صفة التعالى كما هو الحال فى الشياطين ولذلك الكبر ممن من الشيطان والغضب من الشيطان وإذا الإنسان غضب الدم ينتفخ فى أوداجه ووجنتاه تحمران وأمره نبينا عليه الصلاة والسلام بأن يتوضأ لمَ لأن الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء.

وهذا ثابت عن خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام ففى سنن أبى داود ومسند الإمام أحمد والحديث رواه الإمام البخارى فى التاريخ الكبير وإسناد الحديث حسن وقد ذكره الحافظ فى الفتح فتح البارى فى الجزء العاشر صفحة سبع وستين وأربعمائة وذكره شيخ الإسلام الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الثالث صفحة ثلاث وستين ومائة وصفحة مائة سبعين فى الإحياء من حديث أبى وائل القاص وهو عبد الله ابن بحير الصنعانى حديثه مخرج فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى قال دخلنا على عروة ابن محمد السعدى فكلمه رجل فأغضبه فقام فتوضأ وقال سمعت أبى يحدث عن جدى يعنى عروة يحدث عن من عن محمد السعدى جده عطية السعدى من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يقول عروة ابن محمد السعدى سمعت أبى يحدث عن جدى عن عطية السعدى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.

وهنا كذلك هذه فيها الإبل صفة الخيلاء صفة الكبر صفة النفور والإباء ولذلك أمرت إذا أكلت أن تتوضأ ليزول ذلك الأثر الذى يغرس فيك عند أكل لحمها فإذن جن من جن خلقت أى من جنس ما خلقت منه الجن فيها النفور الموجود فى الجن والخيلاء الموجودة فى الجن والكبر الموجود فى الجن ولذلك إذا أكلت منها فتوضأ كما هو الحال إذا غضبت تتوضأ من أجل أن تلزم نفسك السكينة والليونة وقد أمرنا نبينا عليه الصلاة والسلام إذا غضبنا أيضا إذا كنا قائمين أن نقعد والحديث ثابت فى المسند وسنن أبى داود وصحيح ابن حبان من رواية أبى ذر رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول إذا غضب أحدكم وهو نائم فليجلس فإن ذهب عنه ما به وإلا فليتضجع يغير هذه الهيئة التى وسوس له الشيطان فيها فإن كنت قائما اجلس ذهب عنك الغضب وإلا فاضجع وهناك توضأ واجمع بين الأمرين فإن أمكنك أن تتوضأ هذا أحسن علاج الماء بعيد عنك فدار نفسك مباشرة إن كنت قائما فاجلس وإن كنت جالسا فاضجع وإذا جلست وما ذهب عنك الأثر اضجع مباشرة وقد ورد الأمر بالاغتسال مع الوضوء.

أيضا رواه أبو نعيم فى الحلية فى الجزء الثانى صفحة ثلاثين مائة من رواية معاوية ابن أبى سفيان رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليغتسل لكن الحديث فى سنده مجهول يشهد لمعناه ما تقدم معنا من حديث عطية السعدى بأن الإنسان يتوضا إذا غضب إذن هذا المعنى الأول من المعنيين اللذين ذكرهما ابن قتيبة فى تأويل مختلف الحديث فى صفحة تسعين تأويل مختلف الحديث وابن قتيبة توفى سنة ست وسبعين ومائتين للهجرة وقد أثنى عليه أئمتنا عليهم جميعا رحمة الله يقول الإمام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى فى الجزء الخامس صفحة ثلاث وأربعمائة رد فى هذا الكتاب يعنى فى تأويل مختلف الحديث على أهل الكلام الذين يطعنون فى الحديث ويقول الإمام الذهبى فى ترجمته فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الثالث عشر صفحة تسع وتسعين ومائتين بعد أن حكى كلام سبط ابن الجوزى فى مرآة الزمان أن الإمام ابن قتيبة كان يقول بالتمثيل وحاشاه من ذلك أى بتمثيل الخالق بمخلوقاته وأنه يفهم من صفات الله ما يفهمه من صفات العباد يقول الإمام الذهبى ما رأيت فى كتابه يعنى كتاب مشكل الحديث ما رأيت فى كتابه مشكل الحديث ما يخالف طريقة المثبتة والحنابلة ومن أن أخبار الصفات تمر ولا تتأول يقول ما رأيت خلاف هذا فمن أين ينسب إليه سبط ابن الجوزى هذا ثم قال إن صح عنه التشبيه فسحقا له فما فى الدين محاباه ولكن لم يصح إن صح لكن يقول أنا قرأت كتبه واطلعت عليها فما فيها تشبيه إنما يمر أخبار الصفات ولا يأولها كما هو طريقة أهل السنة الكرام طريقة المثبتة كما هو قول الإمام المبجل أحمد ابن حنبل رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين ثم مع ذلك لا تظنن أننا عندما ندافع عنه من أجل يعنى هكذا هوى شخصى لا إن صح عنه التشبه فسحقا له وبعدا إن صح عنه وعن غيره من يقول بتشبيه الخالق بخلوقاته فلا شك فى ضلاله من شبه الله

بخلقه فقد كفر والله ليس كمثله شىء سبحانه وتعالى وتقدم معنا مرارا أن طريقة أهل السنة فى صفات الله جل وعلا إقرار وإمرار إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل ليس كمثله شىء وهو السميع البصير هذا المعنى الأول الذى ذكره الإمام ابن قتيبة هو فيما يظهر أقوى المعنيين وأولاهما بالقبول. المعنى الثانى: قال ابن قتيبة لا مانع أن تكون الإبل من نتاج نَعم الجن فى الأصل نعم الجن يعنى من إبل الجن وما عندنا شك أن الجن عندهم إبل وعندهم غنم كما عندنا نحن إبل وغنم وعندهم ما عندنا ولا نبحث فيما عندهم إلا بما أطلعنا الله جل وعلا وأعلمنا لكن حالهم كحالنا لكن هى أجسام فقط يعنى قادرة على التشكل ونحن منعنا من ذلك لكن يأكلون ويشربون ويقضون الحاجة ويتناكحون يتناسلون فيقول لا مانع أن أصل الإبل من نتاج الجن من نتاج نعم الجن لا أنها هى مولودة من الجن الذين هم مكلفون مثلنا هم أحد الثقلين لا إنما من نَعمهم فقوله جن خلقت من جن يعنى من نعم الجن فى الأصل ثم قال بعد أن ذكر هذا كما قلت فى صفحة تسعين يقول وقد يجوز على هذا المذهب أن تكون فى الأصل من نتاج نعم الجن لا من الجن أنفسها ولذلك قال من أعنان الشياطين أى من نواحيها وهذا شىء لا ينكره إلا من أنكر الجن أنفسها والشياطين ولم يؤمن إلا بما رأته عينه وأدركته حواسه وهو من عقد أى من اعتقاد وعقيدة وهو من عقد قوم من الزنادقة والفلاسفة يقال لهم الدهرية وليس من عقد المسلمين يعنى يقول هذا المعنى أيضا لا مانع من قبوله وهى أنها جن من جن خلقت يعنى من نعم الجن خلقت فى الأصل ففيها ما فى صفات الجن وما فى الأشياء التى يستعملونها من النفور والإباء والكبر والاستعلاء وما شاكل هذا فهذا هو المراد خلقت من جن يعنى من نعم الجن فى الأصل ثم قال وهذا لا ينكره إلا من أنكر الجن والشياطين ولم يؤمن لا بما رأته عينه وحواسه كما هو حال كثير من السفهاء ينكر وجود الجن ينكر وجود الملائكة على نبيناو عليهم

جميعا صلوات الله وسلامه يجحد المغيبات بحجة أنه ما رآها ولا لمسها وكأنه رأى عقله أو لمسه فينبغى أن يقول إنه ليس عنده عقل لأنه إذا كان لا يؤمن إلا بمحسوس فهل رأى عقله وهل لمس عقله لا كان مرة بعض الأساتذة السفهاء فى بعض البلاد التى تسمى أنفسها عربية ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يردنا إليه ردا جميلا يقرر وهذا فى بلاد المسلمين على أنه لا إله والحياة مادة وأن الله خرافة يقول لهم لأنه ديننا الآن يقول نحن الآن حياتنا الآن مبنية على الإثباتات والتجارب أنا موجود رأيتمونى إذن أنا موجود فلان موجود رأيتموه التفاحة البرتقالة كذا ثم الشىء الذى ما رأيناه إذن هو غير موجود طالب ذكى فى المرحلة يعنى الإبتدائية المتوسطة ما أدرى فى المراحل الأولى رفع أصبعه قال عندى سؤال قال تفضل قال للطلاب ترون الأستاذ قالوا نراه الأستاذ موجود ترون عقله قالوا لا قال الأستاذ مجنون انتهى هذا عقل ولد قال إننا لا ترى عقلك أنت الآن مجنون اخرج من الفصل يعنى إذا ما رأينا الله لا وجود له تعالى الله عما يقول الظالون علوا كبيرا والله إن وجوده أظهر من وجودنا ومن لم ير وجود الله أظهر أوضح من وجوده فليتهم عقله وفطرته وليس يصح فى الأذهان شىء إذا احتاج النهار إلى دليل قالت رسلهم أفى الله شك سبحانه وتعالى وهل يعقل وجود هذا الخلق بلا خالق يا من أنت لا تصدق بوجود عمارة بلا بان وكرسى بلا نجار يعنى كيف بعد ذلك هذا الكون من عرشه إلى فرشه ليس له خالق بهذا النظام المحكم البديع {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} .

وهنا لذلك يقول هذا القول وهو أن الإبل جن خلقت من جن يعنى من نعم الجن يقول هذا لا ينكره إلا من ينكر الجن ولا يؤمن إلا بما رأته عينه وأدركته حواسه وليس المراد على القولين أن الإبل خلقت من ذات الجن ولذلك انظر ماذا يقول الإمام ابن قتيبة وأن الجن ولدت الإبل ليس المراد هذا عنى ليس المراد أن الإبل من نسل الجن لا إما كما قلنا فيها صفات الجن وإما من نعم الجن فى الأصل والله على كل شىء قدير والله أعلم بمراده من كلامه ورسول الله عليه الصلاة والسلام أعلم بمراده من كلامه وما أشكل علينا نقول فيه آمنا بالله وما جاء عن الله على مراد الله وآمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك يقول ابن قتيبة وكما قلنا أورد فى هذا الأحاديث يرد على المتكلمين وعلى الفلاسفة الذين قالوا يوجد أحاديث متناقضة يقول قال ابن قتيبة قالوا حديث يفسد أولُه آخره ويمكن أن تقول يفسد أولَه آخره يعنى ما يوجد فى الأول الآخر ينقضه قالوا رويتم أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة فى أعطان الإبل لأنها خلقت من الشياطين ونهيه عن الصلاة عليه الصلاة والسلام فى أعطان الإبل لا ينكر وهو جائز فى التعبد فلما وصلتم ذلك بأنها خلقت من الشياطين علمنا أن النبى صلى الله عليه وسلم يعلم أن الإبل خلقت من الإبل كما أن البقر خلقت من البقر والخيل خلقت من الخيل والأسد خلقت من الأسد والذباب من الذباب قال أبو محمد يعنى ابن قتيبة ونحن نقول إن النبى عليه الصلاة والسلام وغير النبى عليه الصلاة والسلام يعلم أن البعير تلده الناقة وأنه لا يجوز أن تكون شيطانة تلد جملا ولا أن ناقة تلد شيطانا وإنما أعلمنا أنها فى أصل الخلقة خلقت من جنس خلقت منه الشياطين يعنى هذا على المعنى الأول من الجنس الذى خلقت منه الشياطين وهو الذى قلته أنها فيها نفور وإباء وكبر واستعلاء والعلم عند الله جل

وعلا. إخوتى الكرام: هذا فيما يتعلق بهذا الأمر وهذه القضية وأما ما يتعلق بأكل لحم الجزور كما فصلت إن أردتم زيادة إيضاح فى المسألة انظروا إخوتى الكرام أيضا زاد المعاد وانتصر لقول الإمام أحمد لكن دون رد للقول الثانى وتسفيه لمن قال به فى الجزء الرابع صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة وانظروه كما قلت فى شرح صحيح مسلم وانظروه فى مجمع الزوائد الآثار التى وردت فى ذلك فى الجزء الأول صفحة خمسين ومائتين وفى الجزء الثانى صفحة ست وعشرين والعلم عند رب العالمين. إخوتى الكرام..

تقدم معنا أن نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم كما هو حال جميع الأنبياء على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه لكن الله أضاف إلى نبينا عليه الصلاة والسلام شيئا آخر ألا وهو رعاية الإبل عند رعاية الإبل سأتكلم على ما يتعلق بهذا لأنه مع رعايته للإبل ننتقل إلى الأمر الثانى زواجه بأمنا خديجة وشهادة خديجة فيه بعد أن رغبت فيه ثم عندما جاءه الوحى ماذا قالت فهذا يعتبر ممتد ما سأذكره بين الأمر الأول وبين الأمر الثانى فى شهادة أمنا خديجة من الأمور الأربعة رضى الله عنها وعن أمهاتنا أجمعين نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم ورعى الإبل وامتاز على الأنبياء بذلك وقلت فى ذلك إشارة إلى ما سيحصل لنبينا عليه الصلاة والسلام من العلو ورفعة القدر والسؤدد الذى سيناله فى هذه الحياة مع عظيم قدره عند ربه على نبينا وآله صلوات الله وسلامه فلذلك حصل له السكينة وتواضع لله عندما رعى الغنم ثم كما قلت صفة السيادة صفة العز صفة النخوة صفة الكبر تحصل أيضا عند رعاية الإبل حصلت فى نبينا عليه الصلاة والسلام لكن ضمن الضوابط الشرعية ولذلك قلت يغلظ على المنافقين ويرفق ويشفق ويرحم المؤمنين وهو الضحوك القتال عليه صلوات الله وسلامه ويضع كل شىء فى موضعه وهو كما قلت مرارا مظهر للكمال الإلهى والكمال الإلهى يجمع أمرين جلال وجمالا فمظهر الكمال الإلهى نبينا عليه الصلاة والسلام أما نبى الله موسى مظهر للجلال الإلهى ونبى الله نوح مظهر للجلال الإلهى ونبى الله عيسى مظهر للجمال الإلهى ونبى الله إبراهيم على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه مظهر الجمال الإلهى هنا صفة رقة وليونة ورأفة ورحمة هناك صفات شدة وغلظة لكن كلها فى الموضع الشرعى يعنى ما فى نبى الله موسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام من شدة فى الحق {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا

حتى يروا العذاب الأليم} ولما جرى من العاتى اللعين قارون ما جرى قال يا أرض خذيه وذاك يناشده الله والرحم يقول يا أرضى خذيه وما ظلمه ولا اعتدى عليه والظالم إذا أخذت على يديه فقد عاملته بما يستحق. الحال فى نبى الله عيسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام على العكس من ذلك رأفة ورحمة وليونة ومن سبه وضربه يستغفر له هذا جائز وذاك جائز الحال فى نبينا عليه الصلاة والسلام يضع الأمر فى موضعه إن رأى حكمة من اللليونة والرحمة سيترتب عليها أثر فى العاجل والآجل رحم وعفا وصفح ولذلك فى وقعة مكة بإمكانه عليه الصلاة والسلام أن يعمل السيوف فى أهل مكة وبإمكانه عندما جاءه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين لكن رجى أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وقد حقق الله دعوته لوما حصل فى موقعة بدر ما حصل كان رأى جمهور الصحابة إعمال السيف فى الأسرى ورأى أبى بكر مع نبينا عليه الصلاة والسلام إنهم أبناء العم والعشيرة ولعل الله يشرح صدورهم للإسلام وكان كذلك لكن ليس هذا رأى عمر وليس رأى الصحابة الآخرين رضوان الله عليهم أجمعين وبعضهم اقترح أن يملأ النبى عليه الصلاة والسلام الوادى حطبا ثم يؤجج فيه نارا ثم أن يلقى فيه المشركين الذين أسروا فى أول موقعة فصل الله بها بين الموحدين والمشركين لكن النبى عليه الصلاة والسلام اختار ما هو أرفق بخلق الله وأنفع لعباد الله فعفا وأخذ الفدية ثم بعد ذلك آمنوا هؤلاء الأسرى آمنوا ودخلوا بعد ذلك فى دين الله.

وإذا رأى أنه لا فائدة من العفو والصفح حقيقة هو أشد خلق الله جل وعلا ويحزم الأمور ويحسمها فهذا مظهر للكمال الإلهى ولذلك من كمال نبينا عليه الصلاة والسلام أن قدر الله له هاتين المهنتين رعاية الغنم ثم رعاية الإبل فعز مع تواضع تواضع فى عز وهذا هو حال نبينا عليه الصلاة والسلام أكمل خلق الرحمن وليس فى هذا تعريض لأحد من أنبياء الله الكرام على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه فانتبهوا ومقام النبوة من يعرض بشىء منه فلا شك فى ردته لكن من باب قول الله جل وعلا تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض يعنى هنا كما قلت جلال وهنا جمال وهنا جلال وجمال وليس الجلال بمنقصة وليس الجمال بمنقصة لكن من جمع بينهما فحقيقة هذا أكمل ممن انفرد بوصف منهما فنبى الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام مظهر للجمال الإلهى وهذا يقرره الإمام ابن تيمية وينقله عنه تلميذه ابن القيم فى مدارج السالكين بكثرة ونبى الله موسى مظهر للجلال والقهر الإلهى ونبى الله محمد على نبيناو عليهم جميعا صلوات الله وسلامه مظهر للكمال الإلهى الذى جمع الجلال والجمال ووضع كل شىء فى موضعه عليه الصلاة والسلام ولذلك رعى الإبل بعد أن رعى الغنم وقلت لكم إن الحديث بذبك صحيح فاستمعوا له ويتعلق برعيه للإبل بعد ذلك مناسبة حصلت ألا وهى زواجه بأمنا خديجة ثم توقفت عليها ترتب عليها شهادة منها لنبينا عليه الصلاة والسلام عندما جاءه جبريل على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه أكمل هذا بعد آذان العشاء إن شاء الله. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا

إخوتى الكرام: أما الحديث الذى يقرر أن نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الإبل وفى ذلك إشارة إلى ما سيحصل له من العز والفخر والسيادة مع ما حصل فيه عليه الصلاة والسلام من الليونة والرحمة والرأفة والمسكنة والتواضع وقد جمع الجلال والجمال عليه صلوات الله وسلامه الحديث كما قلت صحيح رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والبزار فى مسنده قال الإمام الهيثمى فى المجمع رجال الإسناد رجال الصحيح غير شيخيهما يعنى شيخ الطبرانى وشيخ البزار وغير أبى خالد الوالدى إذن ثلاثة وهم ثقات يعنى ما عدا هؤلاء الثلاثة كلهم من رجال الصحيح من رجال البخارى ومسلم إلا شيخ البزار وشيخ الطبرانى وأبى خالد الوالدى هؤلاء ليسوا من رجال الصحيحين لكن هم ثقات فالحديث صحيح صحيح انظروا كلام الهيثمى فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة اثنتين وعشرين ومائتين وانظروا الحديث فى كشف الأستار عن زوائد مسند البزار فى الجزء الثالث صفحة سبع وثلاثين ومائتين وأبو خالد الوالدى توفى سنة مائة للهجرة وحديثه مخرج فى الكتب الأربعة السنن إلا سنن النسائى روى الحديث عن جابر ابن سمرة أو عن رجل من أصحاب النبى عليه الصلاة والسلام وعدم معرفة عين الصحابى لا تضر بعد أن علم أنه صحابى سواء جابر ابن سمرة أو غيره رضى الله عنهم أجمعين قال كان النبى صلى الله عليه وسلم يرعى غنما ثم كان يرعى الإبل مع شريك له يرعى الغنم ثم كان يرعى الإبل مع شريك له ولعل الله وفق نبيه عليه الصلاة والسلام لهذا جبرا لخاطر أهل الغنم والإبل فى هذه الأمة المباركة المرحومة يعنى حتى لا يجد أهل الإبل فى أنفسهم يعنى هكذا منقصة فمهنتهم باشرها نبينا عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا افتخر أهل الإبل وأهل الغنم عند النبى عليه الصلاة والسلام وأخبرهم أنه هو أنبياء الله رعوا الغنم وهنا أيضا رعى الإبل عليه الصلاة والسلام لكن يعنى عادته الغالبة هى رعى الغنم عليه صلوات الله وسلامه يقول ثم كان يرعى

الإبل مع شريك له فأكريا أخت خديجة رضى الله عنهم أجمعين أى أكريا أنفسهما عند خديجة فى رعاية لها وعمل من أعمالها وبقى لهما عليها شىء يعنى من الأجرة والكراء فجعل شريكه يأتيها فيتقاضاه يعنى يأخذ ما بقى له على أخت خديجة من أهل خديجة ويقول للنبى عليه الصلاة والسلام انطلق معى لنأخذ ما بقى لنا من الكراء والأجرة فيقول له النبى عليه الصلاة والسلام اذهب أنت فإنى استحى يعنى لا أريد أن أقابل امرأة وكان عليه الصلاة والسلام أشد حياء من العذراء فى خدرها كما تقدم معنا عليه صلوات الله وسلامه اذهب فإنى استحى أنت خذ الأجرة وأنت شريكى وبعدها تعطينى نصيبى أما أنا أذهب أقابل امرأة ما بين الحين والحين يعنى أطلب أجرتى أنا استحى أنا فقالت مرة أخت خديجة لهذا الشريك أين محمد عليه الصلاة والسلام قبل نبوته قطعا وجزما لا يأتى معك فقال شريك نبينا عليه الصلاة والسلام لأخت خديجة قد قلت له أن يأتى معى لما آتى فزعم أنه يستحى فقالت أخت خديجة ما رأيت رجلا أشد حياء ولا أعف ولا ولا ولا من محمد عليه الصلاة والسلام يعنى تعدد صفات الكمال ما رأيت أنا يعنى ما رأيت من يصل إلى درجته عليه صلوات الله وسلامه هو أشد الناس حياء أعف الناس أكرم الناس أفضل الناس عليه صلوات الله وسلامه فوقع فى نفس أختها خديجة لما سمعت خديجة هذا الكلام وقع هذا الكلام فى نفسها كما وقع فيها كلام ميسرة عندما أرسلته مع النبى عليه الصلاة والسلام وهو غلامها فى تجارة إلى بلاد الشام وأخبرها ما رأى من نبينا عليه الصلاة والسلام فوقع فى نفسها كلام ميسرة وهنا وقع كلام أختها وهذه تجمعها حتى بعد ذلك نفذت رغبتها ووصلت إلى مرادها وليتنا كنا مكانها رضى الله عنها وأرضاها.

بعض السفهاء فى هذه الأيام لما ذكرت عن الحسن ابن على رضى الله عنهما أنه حصن تسعين على أقل ما قيل قلت هنيئا لمن اقترن بالحسن ومن التى تحظى بريق الحسن ليتنا كنا نساء ونقترن بالحسن فقال هذا السفيه يعلق يقول انظر كيف يعنى للحقارة والنذالة إنسان يريد أن يتنازل عن رجولته من أجل أن يقترن برجل ويعنى أنت تعد نفسك من الرجال. ذهب الرجال وحال دون مجالهم ... زمر من الأوباش والأنذال والله نحن عار على بنى آدم لا على الإسلام أنت تعد حالك أيضا من الرجال وإذا أكرمك الله بالحسن أو بالحسين من باب أولى بسيد الكونين عليه الصلاة والسلام ليتك كنت دابة يركبك الحسن خير لك من رجولتك التى تزعم أنك رجل وأى منقصة فى ذلك وسيأتينا حديث امنا خديجة وقول ورقة رضى الله عنه وأرضاه عندما قال يا ليتنى فيها جذعا ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك يقول أئمتنا شراح كلام نبينا عليه الصلاة والسلام عند شرح هذا الحديث فى هذا الحديث تمنى المستحيل طلبا لرضوان الله الجليل ورقة ماذا يقول ليتنى فيها جذعا ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك مضى سن الشباب من فترة هو شيخ قد عمى وماذا يقول ليتنى كنت جذعا فتيا قويا عندما يخرجك قومك فى المستقبل هذا تمنى أمور الخير وإن كانت لن تحصل ولذلك عدد من سلفنا وعلى رأسهم نبينا عليه الصلاة والسلام كان يقولون من شدة خوفهم كما بينت فى بعض مواعظ الجمعة يا ليتنى كنت شجرة تعضد هل معنى هذا أن نبينا عليه الصلاة والسلام تنازل عن رجولته وعن شهامته وعن نبوته هذا من أجل خوفه من ربه عليه الصلاة والسلام ونحن لنعبر عن حبنا لآل بيت نبينا عليه الصلاة والسلام ولنبينا عليه الصلاة والسلام نقول هذا وإن كنا نعلم أنه لن يقع فإن قيل لو كان سيقع تختارونه نقول والله نختار أن نكون دابة يركبنا النبى عليه الصلاة والسلام وهنيئا لنا إذا فزنا بهذا لكن إذا كان هذا لا يمكن فلا أقل من نية نعبر بها عن تعلقنا بخير البرية عليه الصلاة والسلام.

يعلق بعبارات سافلة سافهة يقول انظروا ماذا يقول وأى حرج فى ذلك والله إن أمنا خديجة حصلت مفخرة ما أعلم الرجال هل يحصلوا واحد يعنى من بلايين مما حصلته من المفخرة باقترانها بخير الأولين والآخرين على نبيناوآله صلوات الله وسلامه ثم يقول بعد ذلك يعنى تتنازل عن رجولتك لا خير فى هذه الرجولة التى نحن عليها ليتنا كنا دابة ليس امرأة ثم بعد ذلك نحظى بخير خلق الله عليه الصلاة والسلام فقلت من الذى يحظى بريق الحسن هنيئا لها يعنى امرأة عرضت نفسها على الحسن وكان يحصن من أجل رغبة النساء به تبركا بجسده الشريف رضى الله عنه وأرضاه فهو ابن بضعة النبى عليه الصلاة والسلام وجده خير خلق الله من الذى يحظى بالحسن من الذى يحظى وذكرت عند ذلك الكلام أن أبا هريرة رضى الله عنه وأرضاه لما كان فى جنازة ورأى الحسين رضى الله عنهم أجمعين وقد أصاب نعلهم غبار مسحه بأى شىء بثوبه وهذا فخر لأبى هريرة عندما يمسح غبار نعلى الحسين بثوبه إجلالا لجده خير خلق الله عليه الصلاة والسلام سبحان ربى العظيم كيف انطمست القلوب فى هذه الأيام تحت أيضا ستار الالتزام وأن ما خالف هذا تخريف وهذيان من المخرف ومن الذى يهذى.

فأمنا خديجة وقر ذلك الكلام فى نفسها أختها تقول ما رأيت رجلا أشد حياء ولا أعف ولا ولا ولا من محمد عليه الصلاة والسلام فوقع فى نفس أختها خديجة فأرسلت إلى محمد عليه الصلاة والسلام فقالت له ائت أبى فاخطبنى وسيأتينا أيضا وسطت أيضا امرأة نفيسة ووسطت أختها وعرضت عليه بعد ذلك مباشرة ثم هو تقدم عليه الصلاة والسلام إلى أبيها فقال محمد على نبينا صلوات الله وسلامه أبوك رجل كثير المال وهو لا يفعل على حسب مفاهيم الجاهلية نبينا عليه الصلاة والسلام يتيم أبى طالب يقال له عليه صلوات الله وسلامه لأنه نشأ فى كنفه ورعايته فحرم حنان الأب وحنان الجد وهو صغير عليه صلوات الله وسلامه فالعم مهما جاد لن يجود كما يجود الأب والجد مهما جاد فيبقى يعنى ما عنده قل كما سيقول أبو طالب قل قليل فقال أبوك كثير المال وأنت من أغنياء قريش وأسرة غنية ثرية وعلى مفاهيم الجاهلية كيف سيزوجنى قال أبوك كثير المال وهو لا يفعل قالت انطلق فكلمه فأنا أكفيك أنت فقط تقدم للطلب وما عدا ذلك على تدبير الأمر يتم عن طريقى ووالله الذى لا إله إلا هو عندها عقل أوسع من السماوات والأرض وقد فازت بمفخرة تحسدها وتغبطها عليها ملائكة السماء على نبيناو عليهم جميعا صلوات الله وسلامه ثم قالت لنبينا عليه الصلاة والسلام وائته عند سكره عندما يسكر كما هو حالة الجاهلية ويشربون الخمر على أنها أمارة النخوة والفتوة لا على أنها جريمة كما قال حسان رضى الله عنه وأرضاه: ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا لا ينهنهنا اللقاء

فمن علامة الكرم شرب الخمر فى الجاهلية وائته عند سكره ففعل فأتاه فزوجه وأمنا خديجة هى التى تولت الأمر فلما أصبح جلس فى المجلس فجاء الناس إليه وأهله وأسرته وقالوا له أحسنت زوجت محمدا عليه الصلاة والسلام قال أنا زوجته لا علم لى ولم أزوجه لأنه جرى منه وهو سكران فقالت أمنا خديجة بلى إنك قد زوجتنى منه فلا تسفهن رأيك انتبه الآن أنت الآن تعترض على نفسك أنت زوجته وجرى منك هذا أمام الناس فلا تسفهن رأيك فإن محمدا عليه الصلاة والسلام كذا وكذا ما تظن هذا رجل عادى وتذكر ما فيه من الصفات النبيلة الكريمة فإن محمدا عليه الصلاة والسلام كذا وكذا فلم تزل به حتى رضى ثم بعثت بأوقيتين إلى نبينا عليه الصلاة والسلام من فضة أو من ذهب وقالت اشترى حلة فاهدها إليه أى إلى أبى وفى بعض الروايات فاهدها إلى أمام الناس ليقال أهدى إلى عروسه وإلى زوجه هدية لكن من مالها أربعين أوقية، والأوقية أربعون درهما والدرهم تقدم معنا وزنه قلت عند الحنفية ثلاث غرامات ونصف وعند الجمهور غرامين وفاصلة اثنين وخمسين أوليس كذلك وعليه احسب الآن كما قلنا أوقيتان أوليس كذلك الأوقية إذا أردت أن تحسبها بالغرامات اضربها بثلاثة بأربعين أوليس كذلك الأوقية ستكون أربعون درهما اضربها فى ثلاثة ونصف يصبح مائة وعشرون وضف عليها عشرون مائة وأربعون ومائة وأربعون غرام من الذهب أو الفضة ضف إليها أوقيتان يعنى مائتان وثمانون غراما على مذهب أبى حنيفة وعند الجمهور قلنا الدرهم غرامان واثنان وخمسين فاصلة يعنى غرامين ونصف وزيادة من مائة اثنين احسبها غرامين ونصف فالأوقية مائة غرام وعليه مائتا غرام من ذهب خذها واشترى حلة لوالدى ولى من أجل أنك أهديت لوالد الزوجة وللزوجة هدية ثم قالت اشترى حلة فاهدها إلى وكذا وكذا يعنى أيضا من الأشياء ففعل على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه.

الشاهد فى الحديث: أنه رعى الإبل وأما كيفية الزواج وكيف تم يحتاج إلى شىء من التفصيل قبل أن أختم الموعظة أريد أن أبين أن أمنا خديجة رضى الله عنها بذلك حقيقة صاحبة عقل يتضائل بجانب عقلها عقل عقلاء الرجال أمنا خديجة رضى الله عن وأرضاها وعبد الله ابن مسعود رضى الله عنه ليته أضاف أمنا خديجة إلى الأصناف الثلاثة الذين نعتهم بالفراسة الصادقة ثبت الأثر عن عبد الله ابن مسعود فى المستدرك بسند صحيح انظروه فى الجزء الثانى صفحة خمس وأربعين وثلاثمائة وفى الجزء الثالث صفحة تسعين من المستدرك. ورواه الإمام الطبرانى كما قلت بسند صحيح انظروه فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة ثمان وستين ومائتين قال عبد الله ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة أنا أقول ينبغى أن يضاف إليهم لا بد وما تكتمل يعنى النسبة إلا بإضافة هذه العاقلة الحصيفة الطاهرة المباركة ولذلك بشرت حقيقة بما لم يحصل لغيرها كما سيأتينا إن شاء الله عند أخبارها رضى الله عنها وأرضاها أفرس الناس ثلاثة صاحبة موسى وهى دون خديجة بكثير عندما قالت {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} وفهم مرادها و {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين} الحرص على نبى الله موسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام مفخرة فكيف الحرص على نبينا عليه الصلاة والسلام هى صاحبة فراسة ما عندنا شك لكن من هى فراستها أعلى من هذه لما ما ذكرت فى أثر عبد الله ابن مسعود يعنى حقيقة ما أعلم. الصنف الثانى يقول وصاحب يوسف وهو عزيز مصر وسيد مصر عندما قال لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وحقيقة فراسته فى محلها

والصنف الثالث قال وأبو بكر حين استخلف عمر ابن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين يقول هؤلاء أفرس الخلق وأنا أقول لا نزاع فى فراسة هؤلاء وأنهم أفرس الناس لكن النسبة تبقى ناقصة لا بد من إضافة خديجة إليهم ليكتمل أفرس الخلق على الإطلاق خديجة رضى الله عنها عندما اختارت نبينا عليه الصلاة والسلام ووسطت نفيسة ووسطت أختها ثم شافهته بنفسها وقالت كل شىء يتم إذا تقدمت فقط أنت تقدم من أجل العرف أمام والدى وأنا أرتب كل شىء والدى إذا سكر الترتيب على بعد ذلك وسيأتينا فى بعض الآثار وهى ثابتة كيف بعد ذلك خلقته وطيبته وزعفرته بطيب الخلوق وهو طيب أصفر وألبسته الحلة وجلس فى المجلس وقال ما هذا قال هذا من ختنك من عند زوج ابنتك محمد عليه الصلاة والسلام إنك زوجتنى إياه وتم لها ما أرادت وحظيت بنبينا عليه الصلاة والسلام خمسا وعشرين سنة أوليس كذلك من خمس وعشرين إلى سن الخمسين وحصلت منه خمسا وعشرين سنة من حياته الزوجية يعنى نساؤه عداها وهن التسع مع السريات كلهن حصلن بعد ذلك ثلث مدة زواج نبينا عليه الصلاة والسلام يعنى الثلثان لأمنا خديجة والثلث الباقى لتسع نسوة مع السريات فكم لها من شرف الاتصال بخير خلق الله عليه الصلاة والسلام ولا يزاحمها مزاحم أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها يقول الحاكم بعد أن روى الأثر المتقدم رضى الله عن ابن مسعود فلقد أحسن فى الجمع بينهم بهذا وأنا أقول كما قلت ضيفوا أمنا خديجة وأسأل الله أن ينيلنا رضوانه كما دعا الحاكم بذلك لعبد الله ابن مسعود إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتى الكرام..

حول ما يتعلق بزواج نبينا عليه الصلاة والسلام بأمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها سيأتى شىء من الكلام إن شاء الله فى أول الموعظة الآتية ثم أبين شهادة امنا خديجة فى نبينا عليه الصلاة والسلام عند مجىء الوحى وبأى شىء اختبرته وامتحنته مما يدل على رجاحة عقلها رجحانا كما قلت يتضائل عند عقلها عقول الرجال فرضى الله عنها وأرضاها وأسأل الله برحمته التى وسعت كل شىء أن يشفعها فينا وأن يشفع نبينا عليه الصلاة والسلام فينا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك فى الدنيا والآخرة، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

43خلق النبى مع أهله 1

خلق النبي مع أهله (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم خلق النبي مع أهله (1) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. لازلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث النبوة وعنوانه كما تقدم معنا مرارا الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه وهذه الأمور إخوتى الكرام قلت إنها على كثرتها وتعددها وتنوعها يمكن أن تجمل فى أربعة أمور. أولها: النظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه ثانيها النظر فى دعوته ورسالته ثالثها النظر إلى حال أصحابه رابعها النظر فى المعجزات التى أيده الله بها وأكرمها وهى خوارق العادات وقد كنا نتدارس الأمر الأول من هذه الأمور الأربعة النظر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه فى خَلقه وخُلقه على نبينا صلوات الله وسلامه وتقدم معنا إخوتى الكرام أن الله أعطى رسله وأنبياءه الكمال فى الأمرين الجلال والجمال فى خَلقهم وفى أخلاقهم على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه.

وقد تقدم معنا ما يتعلق بالشق الأول فيما يتعلق بخَلق النبى عليه الصلاة والسلام ودلالة ذلك على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا وصدقا ثم شرعنا بعد ذلك فى مدارسة الشق الثانى فى خُلق النبى صلى الله عليه وسلم ودلالة ذلك على أنه رسول الله حقا وصدقا وتقدم معنا فى أول هذا الشق الثانى من المبحث الأول من الأمور التى يعرف بها صدق النبى والرسول على نبينا صلوات الله وسلامه تقدم معنا أنه ليس فى وسع بشر أن يحيط بخلق النبى عليه الصلاة والسلام على وجه الكمال والتمام فخلقه عليه الصلاة والسلام كمعانى القرآن وكما أنه ليس فى وسع الإنسان أن يقف على وجه التمام على معانى كلام ذى الجلال والإكرام فهكذا هو الحال تماما بالنسبة لأخلاق نبينا عليه الصلاة والسلام نعم إذا أردنا أن نقف على صورة واضحة من خلقه عليه الصلاة والسلام لنستدل بذلك على أنه رسول ربنا الرحمن فقلت نبحث فى سبعة أمور على وجه الاختصار كما يليق بحالنا وحسبما فى وسعنا. خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه وأمته خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام على نبينا وعليهم جميعا أفضل الصلاة وأزكى السلام خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من عتاة الإنس خلقه عليه الصلاة والسلام مع شياطين الجن خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات الصامتات.

هذه الأمور السبعة قلت إنها كلها فيما يتعلق بخلق المصطفى عليه الصلاة والسلام مع الخلق وأختمها بأمر آخر ألا وهو خلقه مع الحق عليه الصلاة والسلام بعد الانتهاء من هذه الأمور السبعة وشرعنا أيضا إخوتى الكرام فى مدارسة أول واحد من هذه الأمور السبعة ألا وهو خلق النبى عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته مع أسرته مع أزواجه أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقلت هذا الخلق تجليته بأربعة أمور أيضا مسكن النبى عليه الصلاة والسلام أثاث ذلك المسكن ما يقدم فيه من طعام وقد تقدم الكلام على هذه الأمور الثلاثة فى مواعظ متعددة بأدلتها كما سمعتم وسننتقل إلى الأمر الرابع من الأمر الأول من خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله فى كيفية كعاملة نبينا عليه الصلاة والسلام لمن فى بيته من أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه وقبل أن أبدأ فى هذا الأمر لأربط ما تقدم بما سأذكره الآن. إخوتى الكرام:

عندما استعرضت مسكن النبى عليه الصلاة والسلام وأثاثه وطعامه الذى يقدم فى تلك الحجر المباركة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام تقدم معنا أن النبى عليه الصلاة والسلام قنع بالضرورة وأخذ مقدار البلغة فيما يتعلق بسكنه وأثاثه وطعامه عليه الصلاة والسلام وهذا تقدم معنا أخذه اختيارا عليه الصلاة والسلام لا اضطرارا فقد خيره الله جل وعلا كما تقدم معنا بين أن يكون رسولا ملكا وبين أن يكون رسولا عبدا عليه الصلاة والسلام وبين أن يسير له بطحاء مكة كما تقدم معنا فاختار عليه الصلاة والسلام ما تقدم معنا وسأل ربه أن يجعل رزقه ورزق آله كفافا وقوتا على نبينا صلوات الله وسلامه وختمت المبحث على هذه الأمور الثلاثة بما ذكرته فى آخر الموعظة الماضية بأن هذه الحالة التى اختارها نبينا صلى الله عليه وسلم لنفسه هى التى شاءها الله جل وعلا لأكثر المؤمنين أيضا وأكثر الصالحين فى هذه الأمة المباركة المرحومة حالة الكفاف حالة الفقر لا يكون عندهم سعة وغنى وتقدم معنا أن هذا الأمر هو أسلم للإنسان وأحسن فى هذه الحياة وأرفع لدرجته بعد الممات سأذكر بعض الآثار التى تقرر ما تقدم ذكره ثم أنتقل إن شاء الله إلى الأمر الرابع بعون الله. إخوتى الكرام: كما قلت إن الله زوى الدنيا عن نبيه عليه الصلاة والسلام وعن أوليائه وأحبابه فى هذه الحياة الدنيا لئلا يشغلهم بغير طاعته سبحانه وتعالى وذلك يحمى الله جل وعلا عبده المؤمن من الدنيا00هكذا ربنا جل وعلا يحمى عبده من هذه الحياة كما يحمى أحدنا سقيمه ومريضه من الماء.

ثبت الحديث بذلك فى سنن الترمذى وقال عنه حسن غريب والحديث رواه الحاكم فى المستدرك بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى ورواه ابن حبان فى صحيحه والبيهقى فى شعب الإيمان وهو حديث صحيح صححه عدا من تقدم ذكرهم شيخ الإسلام الإمام عبد الرحيم ابن الحسين الأثرى أيضا فى تخريج أحاديث الإحياء ولفظ الحديث عن قتادة ابن النعمان رضى الله عنه وأرضاه وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قال سمعت النبى عليه الصلاة والسلام يقول إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يحمى أحدكم سقيمه الماء وفى رواية كما يحمى أحدكم مريضه الماء فما زويت الدنيا عمن زويت عنهم من الصالحين إلا لكرامتهم عند رب العالمين إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يحمى أحدكم سقيمه مريضه الماء والحديث رواه الإمام الحاكم فى المستدرك من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وإسناده صحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال إن الله ليحمى عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب كما تمنع المريض من الطعام والشراب برا به ورفقا به وإحسانا إليه وشفقة عليه هكذا يزوى الله الدنيا عن أنبيائه وأحبابه فى هذه الحياة من أجل ألا يشغل بغير الغاية التى خلقوا من أجلها على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

والحديث رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير بسند حسن كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء العاشر صفحة خمس وثمانين ومائتين وشيخ الإسلام الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وثلاثين من رواية رافع ابن خديج رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يظل أحدكم يحمى سقيمه الماء والحديث رواه أبو يعلى أيضا بسند حسن كما فى الكتابين المتقدمين فى ممع الزوائد والترغيب والترهيب من رواية عقبة ابن رافع رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يحمى أحدكم مريضه الماء ليشفى والحديث رواه الإمام أحمد فى مسنده وهو فى المسند فى الجزء الخامس صفحة سبع وعشرين وأربعمائة من رواية محمود ابن لبيب وقد تقدم معنا إخوتى الكرام أن المعتمد أنه صحابى فى أول الموعظة الماضية كما أثبت ذلك الإمام البخارى وابن عبد البر وابن خزيمة رضوان الله عليهم أجمعين وأما قول أبى حاتم عليهم جميعا رحمة الله لم تثبت صحبته أى لم يثبت سماعه وقلت لايشترط للصحبة ثبوت السماع فقد رأى النبى عليه الصلاة والسلام وهذا حاصل باتفاق وهو صغير فهو صحابى وروايته بعد ذلك عن النبى عليه الصلاة والسلام بواسطة صحابى آخر فلا يضر وقد أشار الإمام الترمذى إلى هذه الرواية فى سننه فقال روى الحديث عن محمود ابن لبيب مرسلا أى من مراسيل الصحابة وحكمها أنه موصولة كما قال أئمتنا: أما الذى أرسله الصحابى فحكمه الوصل على الصواب.

الحديث أيضا روى من رواية محمود ابن لبيب فى المسند وغيره هذه الأحاديث تقرر ما تقدم معنا من أن اختيار نبينا عليه الصلاة والسلام لما اختاره فى هذه الحياة من عيشة الكفاف فيما يتعلق بمسكنه وأثاثه وطعامه عليه الصلاة والسلام لأن هذا أسلم له ولمن يقتدى به من أمته وأرفع له فى درجته عند ربه على نبينا صلوات الله وسلامه. بعد هذا إخوتى الكرام: أنتقل إلى الأمر الرابع فى خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع من كان يعيش فى بيته وهذا هو المقصود أصالة بالبحث وما سبقه كالمقدمة والتوطأة إليه لأننا إذا أردنا أن نبحث فى خلق نبينا عليه صلوات الله وسلامه وكيف كان يعامل من فى بيته هذه الصورة المثالية المثلى لا بد لها من مقدمة ما وضع ذلك البيت وضع ذلك البيت كما تقدم معنا وصفه سكن وأثاث وطعام فلا يجلس الإنسان فيه إلا إذا أراد الله والدار الآخرة فقط وإذا كان لا يريد ذلك لا يمكن أن يستقر فى ذلك البيت طرفة عين وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من ذكر الأمور الثلاثة المتقدمة من احل أن نعلم بعد ذلك كيف كان النبى عليه الصلاة والسلام يعامل نساؤه على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه فى تلك الحجر ووصفها ما تقدم معنا مسكن أثاث طعام. إخوتى الكرام:

هذا المبحث الذى هو المبحث الرابع أيضا سنتدارسه ضمن أربعة أمور أولها أثبت فى أول هذا المبحث وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك أيضا عند بيان هذا الأمر الأول من الأمور الأربعة التى يعرف بها صدق النبى على نبينا صلوات الله وسلامه النظر إليه فى نفسه فى خَلقه وخُلقه تقدم الكلام على أخلاق النبى عليه الصلاة والسلام وأنه على خلق عظيم سأشير الآن أيضا إشارة موجزة إلى أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أحسن الخليقة خلقا وأحسن الخليقة خُلقا مع الحق ومع الخلق عليه صلوات الله وسلامه هذا الأمر الأول سأقرر هذا بشهادة أخبر الخلق بنينا عليه الصلاة والسلام ألا وهى أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها الذى عرفت حاله فى الجاهلية قبل أن تقترن به وقبل أن يكرمها الله جل وعلا بالزواج منه ثم عرفت حاله أيضا فى الجاهلية أيضا قبل بعثة نبينا عليه الصلاة والسلام عندما تزوجته وأكرمها الله بالزواج منه وبقيت معه خمسا وعشرين سنة وليس بنبى عليه صلوات الله وسلامه من سنة خمس وعشرين بقيت خمس عشر سنة إلى سنة أربعين ثم بعد ذلك عرفت حاله بعد أن أكرمه الله بالرسالة وهى زوج له مدة عشر سنين فعرفته قبل البعثة عندما لم تقترن به وهذا الذى دعاها للاقتران به وعرض نفسها عليه كما سيأتينا وعرفته بعد البعثة وعرفته عندما اقترنت به قبل البعثة أيضا وعرفته عندما اقترنت به بعد البعثة فهى أعلم الخلق حقيقة بحال هذا المخلوق على نبينا صلوات الله وسلامه سأذكر شهادتها وقولها فى نبينا عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بكلامها فيه قبل أن تقترن به وبعد أن اقترنت به وبعد أن جاءه الملك فى غار حراء. والأمر الثالث: سأستعرض حسن صلة النبى عليه الصلاة والسلام بنسائه وصلتهن به على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه.

الأمر الرابع: كما وعدت سيكون فى لمحة موجزة مختصرة فى التعريف بأمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وبذرية نبينا الطاهرة المطهرة وكيف ذلك يدل دلالة واضحة على أن هذا البيت الفريد هو بيت النبوة على نبينا صلوات الله وسلامه. أما الأمر الأول إخوتى الكرام: فيما يتعلق بأن نبينا عليه الصلاة والسلام هو كما تقدم معنا أحسن الخليقة خلقا فما خلق الله ولا ذرأ مخلوقا أجمل من نبينا عليه الصلاة والسلام تقدم معنا كأن الشمس تجرى فى جبهته عليه الصلاة والسلام ونور القمر ليلة البدر يتضائل عن نور وجهه عليه صلوات الله وسلامه كما تقدم معنا هذا فى خلق نبينا الشريف عليه صلوات الله وسلامه وأما خُلقه عليه الصلاة والسلام فكذلك فهو أنفع الخلق للخلق عليه صلوات الله وسلامه وهو أرحم الخلق بالخلق عليه صلوات الله وسلامه وإذا كان كذلك فأزواجه اللائى يعشن معه على نبيناو عليهن صلوات الله وسلامه ينبغى أن يكون لهن من ذلك الخلق من تلك الرأفة والرحمة وحسن المعاملة أن يكون لهن من ذلك النصيب الأوفى وهذا الذى حصل من نبينا عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا زواجاته الطاهرات المطهرات الكريمات على نبيناو عليهن صلوات الله وسلامه.

وليس حسن الخلق إخوتى الكرام كما يفهم كثير من الناس كف الأذى لا حسن الخلق احتمال الأذى وبذل الندى تبذل المعروف ثم تتحمل بعد ذلك من هذا المخلوق ما يجرى عليك من جهل وتقصير وحقيقة سنستعرض هذا فى الأمر الثالث وكيف كان يجرى منهن ما لا تنفك عنه الطبيعة البشرية فمهما كان حالهن فيهن ما فيهن وصدر نبينا عليه الصلاة والسلام يتسع لهن وصدره أوسع من السماوات والأرض عليه صلوات الله وسلامه حاما ورحمة ورأفة عليه صلوات الله وسلامه ويجرى منهن أحيانا بعض التصرفات كما سيأتينا حقيقة لعلها لو جرت يعنى لبعضنا من زوجاته لما صبر وأين نحن من نبينا عليه الصلاة والسلام ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يحلم ويصبر ويشفق ويرحم عليه صلوات الله وسلامه مع ما يجرى منهن ويداعبهن وهو الصورة المثالية المثلى للزوج الكريم فى تلك البيوت الطاهرة المباركة المشرفة على نبينا صلوات الله وسلامه. ولا يستبعد هذا إخوتى الكرام من خلق نبينا عليه الصلاة والسلام فهو الذى أوصانا بالنساء فى مناسبات كثيرة آخرها أعظم مناسبة شهدها النبى عليه الصلاة والسلام مع أمته فى حجة الوداع على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى تلك المناسبة العامة الشهيرة العظيمة الكثيرة يذكر بعشرة النساء والرفق بهن على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.

والحديث ثابت فى صحيح مسلم وسنن أبى داود وابن ماجة ومسند الدارمى من رواية جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى خطبة يوم عرفة فى حجة الوداع فى خطبته الطويلة الشهيرة فاتقوا الله فى النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحلتم فروجهن بكلمة الله اتقوا الله فى النساء أحسنوا صحبتهن وعشرتهن ومعاملتهن واقتدوا بنينا عليه الصلاة والسلام بذلك أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وهى قول الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان بكلمة الله هى لا إله إلا الله كلمة التوحيد ولولا أنكم على التوحيد لما حل لكم النساء الصالحات المؤمنات بكلمة الله بقول الله فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع بكلمة الله بالكملة التى أمر الله بها عند اتصال الرجل بالمرأة عن طريق ما أحل ألا وهى الإيجاب والقبول أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله اتقوا الله فى النساء هذا فى أعظم اجتماع يقوله خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذه العشرة الطيبة سيأتينا إيضاحها فى حياة نبينا عليه الصلاة والسلام إنما من باب التعجل لتعلم كما قلت أن حسن الخلق احتمال الأذى لا كف الأذى لا أن تكف أذاك إنما أن تحتمل الأذى من غيرك يقع عليك وأنت تحتمل وهذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام وسيأتينا حديث الصحيحين إنما أذكر الآن محل الشاهد فى هذه الجزئية وسيأتينا ضمن المبحث الثالث من هذه الأمور الأربعة الحديث فى الصحيحين وفى سنن الترمذى والنسائى من وراية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال قال عمر ابن الخطاب رضوان الله عليهم أجمعين كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما هاجرنا إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم الأمر انعكس كان الرجال يغلبون النساء فى مكة معشر قريش فلما جاؤا إلى الأنصار وجدوا أن النساء يغلبن الرجال قال عمر ابن الخطاب رضى

الله عنه فطفق نساؤنا يتعلمن من أزواجهم من أزواج هؤلاء الرجال يعنى من النسوة من أجل أن تغلب الواحدة الرجل منا قال عمر ابن الخطاب رضى الله عنه فتغضبت يوما على امرأتى وكلمتها من باب الغضب فردت فى وجهى الكلام فأنكرت ردها قالت علام تنكر على ونساء النبى عليه الصلاة والسلام يراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهن يوما إلى الليل سبحان ربى العظيم والحديث فى الصحيحين نساء النبى عليه الصلاة والسلام إذا تكلم يراجعنه الكلام ثم تهجره إلى الليل يقول فدخلت إلى حفصة لأسألها قلت أتراجعن النبى عليه الصلاة والسلام الكلام كما سيأتينا وتهجرنه يوما إلى الليل فقالت حفصة نعم نراجعه الكلام ونهجره اليوم إلى الليل فقال خبتن وخسرتن كما سيأتينا الحديث بكامله انظر لهذا الخلق فى نبينا عليه الصلاة والسلام خير خلق الله تتبرك الملائكة برؤيته وصحبته ويتشرف الجماد بمشى نبينا عليه الصلاة والسلام عليه فهو خير العباد ومع ذلك أمهاتنا لا أقول من باب طياشتهن لكن هذا هو حال القصور البشرى والضعف الإنسانى يجرى منهن أحيانا ما يجرى يتسع صدره عليه الصلاة والسلام ويحلم ثم هو الذى يبدأ بعد ذلك عليه الصلاة والسلام بالمصالحة وحسن الكلام على نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام. ولا يستبعد هذا ممن نعته الله جل وعلا بأنه رؤوف رحيم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم *فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن خيرنا خيرٌنا لأهلنا فهو خير البشرية لأهله عليه صلوات الله وسلامه فاستمع لتقرير هذا من كلام النبى عليه الصلاة والسلام فى المبحث الأول لنتدارس بعد ذلك ما بعده من مباحث.

ثبت فى المسند وسنن الترمذى وصحيح ابن حبان والحديث إسناده صحيح كالشمس قال عنه الترمذى حسن صحيح من رواية أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم الخير فيكم هو صاحب الخلق الحسن مع أهله وتقدم معنا مرارا إخوتى الكرام أن دين الله يقوم على دعماتين تعظيم لله وشفقة على خلق الله أولى الناس بشفقتك وحسن معاملتك أهلك أولى الناس بإحسانك ومعروفك ولين كلامك زوجتك وخيركم وخياركم خياركم لنسائهم أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم والحديث رواه الإمام أحمد أيضا فى المسند والترمذى فى السنن والحاكم فى المستدرك وقال إسناده صحيح على شرط الشيخين وتعقبه الذهبى فقال فيه انقطاع والحديث صححه الإمام الترمذى ومع ذلك قال لا نعرف لأبى قلابة سماعا من أمنا عائشة والحديث مروى عن أمنا عائشة رضى الله عنها بواسطة هذا الراوى ألا وهو أبو قلابة وهو عبد الله ابن زيد الجرنى ثقة فاضل كثير الإرسال حديثه مخرج فى الكتب الستة توفى سنة أربع ومائة للهجرة مائة وأربعة وتوفى فى بلاد الشام بعد أن هرب من بلاد البصرة وهروبه لئلا يولى القضاء أريد منه أن يتولى القضاء فى تلك البلاد فتخفى وهرب حتى وصل بلاد الشام فقبض فيها وكان يقول ما لى وللقضاء مثل القاضى كمثل من وقع فى البحر فما عسى أن ينجو.

ومن كلام هذا العبد الصالح ما ذكرته أيضا مرارا فى بعض المواعظ أنه كان يقول إذا حدثت الرجل بحديث عن النبى عليه الصلاة والسلام فقال دعنا من هذا وهات القرآن فاعلم أنه ضال وهذا الأثر رواه عنه الإمام ابن سعد فى الطبقات أبو قلابة الجرنى عبد الله ابن زيد الجرنى حديثه فى الكتب الستة توفى سنة أربع ومائة للهجرة روى عن أمنا عائشة ولم يسمع منها والترمذى يقول لا نعرف لأبى قلابة سماعا من عائشة إذن كيف صححت الحديث صححه لشواهده فالمتن ثابت عن النبى عليه الصلاة والسلام تقدم معنا من رواية أبى هريرة وهذه من رواية أمنا عائشة سيأتينا روايات كثيرة بهذا المعنى مع أنه هو الذى يقول لا نعرف لأبى قلابة سماعا من أمنا عائشة رضى الله عنها ثم يقول إن الحديث صحيح ولفظ حديث أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله هذا أكمل أهل الإيمان إيمانا خلق حسن وملاطفة لطيفة مع الأهل فى البيت إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله.

وهذا المعنى ثابت إخوتى الكرام فى أحاديث كثيرة عن نبينا عليه الصلاة والسلام منها ما فى المستدرك فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وسبعين ومائة بسند صحيح على شرط الشيخين أقره عليه الذهبى من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما الأولى من رواية أبى هريرة والثانية من رواية أمنا عائشة وهذه من رواية أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين قال النبى صلى الله عليه وسلم من رواية عبد الله ابن عباس الرواية الثالثة لكن مختصرة ولفظها خيركم خيركم للنساء دون الشق الأول من الحديث خيركم خيركم للنساء الخير فيكم هو صاحب المعاملة الحسنة مع أهله وأزواجه خيركم خيركم للنساء والحديث رواه الطبرانى خيركم خيركم للنساء من رواية أبى كبشة وفى إسناده عمر ابن روبة وفى المجمع همزة رؤبة وهذا خطأ وتصحيف فى الطباعة عمر ابن روبه الواو ساكنة وليس عليها همزة روبه وثقه ابن حبان وغيره وقال الحافظ فى التقريب صدوق وقد أخرج حديثه أهل السنن الأربعة من رواية أبى كبشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال خيركم خيركم للنساء ورواه الطبرانى أيضا من رواية معاوية ابن أبى سفيان رضى الله عنهم أجمعين وفى إسناده على ابن عاصم الواسطى قال الإمام الهيثمى أقر عليه كثرة الغلط وتماديه فيه وقال الحافظ فى التقريب صدوق يخطىء ويصر توفى سنة واحدة ومائتين للهجرة وحديثه فى السنن الأربعة إلا سنن النسائى إذن هنا من رواية معاوية أيضا خيركم خيركم للنساء والحديث رواه ابن ماجة بسند صحيح على شرط الشيخين من رواية عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال خياركم خياركم لنسائهم وإذا كان الأمر كذلك فخير الناس فينا خيرنا خلقا ومعاملة مع أهله فخير الخليقة على الإطلاق نبينا عليه الصلاة والسلام فينبغى إذن أن يكون خير الناس مع أهله عليه صلوات الله وسلامه وهذا هو الواقع والحاصل.

ثبت فى سنن الترمذى وقال حسن صحيح ورواه ابن حبان من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وإذا مات صاحبكم فدعوه والحديث رواه الإمام الترمذى دون الجملة الثانية ولفظه خيركم خيركم لأهله وإذا مات صاحبكم فدعوه رواه الإمام الدارمى الرمذى أو الدارمى قلت؟ الترمذى غلط الترمذى حسن صحيح صحيح لكن رواه الدارمى بدون الجملة الثانية خيركم خيركم لأهله وإذا مات صاحبكم فدعوه ورواية الترمذى الأولى فى الترمذى وصحيح ابن حبان خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وإذا مات صاحبكم فدعوه ثم قلت ورواه الدارمى هكذا ورواه الدارمى بدون الجملة الثانية خيركم خيركم لأهله وإذا مات صاحبكم فدعوه. قول نبينا عليه الصلاة والسلام إذا مات صاحبكم فدعوه إما أن يريد به غيره أى هذا الصاحب هو غير النبى عليه الصلاة والسلام إذا مات واحد منكم من قريب أو غيره فدعوه أى لا تتكلموا عليه كما أمرنا أن نحسن أخلاقنا مع الأحياء فلنحسن أخلاقنا مع الأموات والمجاملة وحسن المعاملة مطلوبة منك نحو الأحياء والأموات إذا مات صاحبك أمرت عليه فى حال حياته فمن باب أولى بعد مماته وإذا مات صاحبكم فدعوه. ويحتمل أيضا الحديث معنى آخر إذا مات صاحبكم فدعوه أى دعوا التعلق به والبكاء عليه فقد قضى نحبه وجاءه أجله إذا مات صاحبكم فدعوه ولذلك إذا مات المريض فانتهى ثم فى حال مرضه قد الإنسان يعنى يبذل ما فى وسعه لعلاجه والشفقة عليه لكن إذا مات دعوه لا داعى بعد ذلك للتعلق به والصراخ والعويل إذا مات صاحبكم فدعوه. والمعنى الثالث الذى يحتمله الحديث على أن الصاحب هو غير النبى عليه الصلاة والسلام إذا مات صاحبكم فدعوه إلى رحمة الله فماعند الله خير للأبرار وهو قد انتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة فدعوه إلى رحمة الله ودعوه يلقى كرامة الله جل وعلا فى قبره وعجلوا بدفنه وإذا مات صاحبكم فدعوه.

وقيل إن الصاحب هو النبى عليه الصلاة والسلام يعنى نفسه إذا مت فدعونى خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وإذا مات صاحبكم يعنى النبى عليه الصلاة والسلام وإن صاحبكم خليل الله وإذا مت فدعونى وعلى هذا تحتمل هذه الجملة المباركة أمرين اثنين أولها فدعوه أى لا داعى للجزع والتحسر ففى الله خلف من كل فائت وحياة النبى عليه الصلاة والسلام خير لكم وموته خير لكم عليه الصلاة والسلام فإذا مات فدعوه ولا داعى للجزع والتحسر كما هو الحال أيضا فى حق غيره عليه صلوات الله وسلامه والمعنى الثانى وإذا مات صاحبكم يعنى النبى عليه الصلاة والسلام فدعوه أى فلا تؤذوه عليه الصلاة والسلام فى أهل بيته وصحابته وفى المؤمنين به من أهل ملته من أمته على نبينا وعليها صلوات الله وسلامه فإيذاء هؤلاء إيذاء له وإذا مات صاحبكم يعنى النبى عليه الصلاة والسلام فدعوه من الأذى وحذارى أن تصيبوه بأذى كيف بواسطة إيذاء آل بيته وصحابته والمؤمنين به عليه الصلاة والسلام خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وإذا مات صاحبكم فدعوه.

والحديث إخوتى الكرام مروى أيضا عن ابن عباس رضى الله عنهما فى سنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان من رواية ابن عباس كما قلت رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى والحديث رواه البزار من رواية عبد الرحمن ابن عوف كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وثلاثمائة خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى وفى إسناده محمد ابن عمرو ابن علقمة قال الإمام الهيثمى وثق وفيه ضعف وقد حكم عليه الحافظ فى التقريب بأنه صدوق وله أوهام وحديثه فى الكتب الستة أى فى الصحيحين وغيرهما وتوفى سنة خمس وأربعين ومائة للهجرة فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن وللشواهد المتقدمة يرتقى لدرجة الصحة فالحديث ثابت من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها ومن رواية ابن عباس ومن رواية عبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنهم أجمعين خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى على نبينا صلوات الله وسلامه. إذن هو عليه الصلاة والسلام أحسن الخليقة خلقا مع الخلق وهذا يظهر بصورة جلية واضحة مع أهله وأسرته عليه صلوات الله وسلامه. إخوتى الكرام..

قبل أن أنتقل إلى شهادة كما قلت أعرف الخلق به ألا وهى أمنا خديجة رضى الله عنه أحب أن أقدم بين يدى ذلك أمرا يرتبط بهذا ألا وهو أن حكمة الحكيم العليم شاءت لنبينا الكريم ولجميع أنبياء الله الطيبين الطاهرين على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه شاءت حكمة الحكيم العليم أن يسهل الله عليهم وأن يوفقهم قبل بعثتهم برعاية الغنم لينتقلوا بعد ذلك إلى رعاية الشعوب والأمم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وحقيقة رعاية الغنم تحتاج إلى سعة صدر وخلق ليتعود الإنسان هذا الخلق بعد ذلك عندما يأتيه ملك الله جل وعلا بتكليفه برسالة الله على نبينا صلوات الله وسلامه وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يشير إلى هذا ويتواضع بهذا الإخبار بربه جل وعلا فهو سيد العالمين ومع ذلك وفقه الله لرعاية الغنم قبل بعثته على نبيناو عليهم صلوات الله وسلامه.

ثبت الحديث بذلك من رواية عدة من الصحابة الكرام منها ما ثت فى صحيح البخارى وسنن ابن ماجة والحديث رواه الإمام البيهقى فى دلائل النبوة انظروه فى الجزء الثانى من الدلائل صفحة خمس وستين وهو فى السنن الكبرى للإمام البيهقى فى الجزء السادس صفحة ثمانى عشرة ومائة وهو فى طبقات ابن سعد فى الجزء الأول صفحة خمس وعشرين ومائة من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول ما بعث الله نبينا إلا رعى الغنم ونبى نكرة فى سياق نفى تفيد العموم فلا يوجد نبى من أنبيا ءالله على نبيناوعليهم جميعا صلوات الله وسلامه إلا وقد رعى الغنم ما بعث الله نبينا إلا وقد رعى الغنم إلا رعى الغنم قال أبو هريرة فقال له أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى هل المتكلم يدخل فى خطابه وكلامه أم لا أنت تخبر عن الأنبياء المتقدمين وأنت أيضا قمت بهذا الأمر وأنت أفضلهم وأكملهم أو استثنيت من هذا وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة وحرف على يحتمل أمرين اثنين معنيين اثنين. أولها: وهو الذى ذهب إليه الجمهور أن على بمعنى الباء فهو للسببية أو للمعاوضة فكنت أرعاها على قراريط يعنى بسبب وبمعاوضة قراريط والقراريط جمع قيراط والقيراط أما أن يكون نصف العشر أو واحد من أربعة وعشرين كما هو فى اصطلاح آل الشام والمصريين عندهم القيراط جزء من أربع وعشرين جزءا وبعضهم يصطلح على أن القراط نصف العشر يعنى جزء من عشرين عشرون نصف العشر جزء من عشرين أرعاها على قراريط جمع قيراط يعنى لو أخذت الدرهم وقسمته إلى أربعة وعشرين قسما الجزء الواحد يقال له قيراط فكنت أرعاها على قراريط يعنى على أجزاء من الدراهم على قراريط إذن على بمعنى الباء سببية للمعاوضة وقلت إلى هذا ذهب الجمهور.

وقد00 والحديث00 سويد ابن سعيد قال يعنى كل شاة بقيراط كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة يعنى كل شاة بقيراط وهل هذا القيراط يعنى أجرة شهر أو أجرة سنة العلم عند الله والذى يظهر والعلم عند الله أن هذا يعنى هذا أجرة شهر أو أجرة سنة يعنى كيف يتعاملون أهل الغنم وليس أجرة يوم قطعا وجزما إما شهرية مشاهرة وإما سنوية كل شاة بقيراط يقوله كما قلت سويد ابن سعيد كل شاة بقيراط يدل على هذا رواية واردة فى سنن ابن ماجة وطبقات ابن سعد ومستخرج الإسماعيلى قال كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط إذن على على قراريط بالقراريط يعنى بقراريط بأجرة آخذها معاوضة على الرعاية وسويد ابن سعيد هو شيخ الإمام ابن ماجة كما أنه هو شيخ الإمام مسلم وقد أخرج هذان عنه من أصحاب الكتب الستة وهو سويد ابن سعيد الهروى صدوق فى نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه فيحدث به توفى سنة أربعين ومائتين للهجرة وكما قلت حديثه فى صحيح مسلم وهو من شيوخ الإمام مسلم وحديثه فى سنن ابن ماجة ومن شيوخ الإمام ابن ماجة وقد تكلم على الإمام مسلم لإخراجه حديث سويد ابن سعيد لكن الإمام مسلم هو أخبر الناس بشيخه والجرح الذى وجه إليه كما قلت مطلق وقوله أنه بعد أن عمى صار يتلقن الإمام مسلم أخذ هذه الروايات عنه قبل العمى مما هو ثابت عنده من أجل علو إسناده أما بعد أن تلقن فما روى عنه ولذلك الجرح إذا لم يكن مفسرا لا يقبل عند الجهابذة الحذاق مع أن البخارى وغيره طعنوا فى سويد لكن بدون بيان سبب الجرح غاية ما قيل بعد أن عمى يلقن طيب إذا روينا عنه قبل العمى كما قلنا صدوق فى نفسه لذلك يقول الإمام العراقى فى ألفيته: واحتج مسلم بمن قد ضعف ... نحو سويد إذ بجرح ما اكتفى

يعنى ما اكتفى الإمام مسلم بما وجه إليه من جرح وما عول عليه ولا قبله لأنه جرح مطلق ولا يقبل الجرح إلا إذا كان مفسرا وكما قلت أنه بعد أن عمى يلقن إذا حدث عنه قبل العمى فلا يضر فالإمام مسلم حدث عنه وهو من شيوخه وهكذا الإمام ابن ماجة وابن ماجة ينقل عن شيخه سويد يعنى كل شاة بقيراط للرواية الأخرى كنت أرعاها لأهل مكة بقراريط هذا المعنى الأول لحرف على كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة. والمعنى الثانى: قيل إنها تفيد الظرف أرعاها على قراريط يعنى فى أمكنة تسمى قراريط كان النبى عليه الصلاة والسلام يرعى فيها غنم أهل مكة والذى يظهر كما قال الحافظ ابن حجر أن القول الأول أولى لأنه لا يعرف فى مكة مكان اسمه القراريط وعليه المراد من القراريط كل شاة بقيراط كما قال سويد ابن سعيد والعلم عن الله جل وعلا. إذن ما من نبى إلا وقد رعى الغنم ما بعث الله نبيا ألا رعى الغنم وهذه الرواية كما قلت إخوتى الكرام هى فى صحيح البخارى وغيره فهى فى أعلى درجات الصحة ومنقولة أيضا عن غير أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه رويت أيضا من رواية أبى سعيد الخدرى رواها الإمام أحمد فى المسند ورواها الإمام البزار وعبد ابن حميد أيضا وفى الإسناد الحجاج ابن أرطاه وهو مدلس وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس توفى سنة خمس وأربعين ومائة للهجرة وحديثه فى كتاب الأدب المفرد للإمام البخارى وصحيح مسلم والسنن الأربعة.

ويشهد لهذه الرواية لرواية أبى سعيد حديث أبى هريرة المتقدم فهو فى صحيح البخارى ولفظ هذا الحديث من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه قال افتخر أهل الإبل وأهل الغنم عند النبى صلى الله عليه وسلم هؤلاء يقولون مهنتنا أعلى وهؤلاء يقولون مهنتنا أعلى وهؤلاء يقولون نحن نكتسب يعنى صفات حميدة من هذه الحيوانات التى يعنى نرعاها وهؤلاء يقولون نحن نكتسب صفات حميدة من الحيوانات التى نرعاها افتخر أهل الإبل وأهل الغنم عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم بعث موسى وهو يرعى غنما على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه وبعثت وأنا أرعى غنما لأهلى بجياد ويقال أجياد وهى جمع جيد وهو العنق ويسمى به جبل معروف فى مكة وجهة منها أجياد جياد بغير ألف أو بالألف أجياد جياد كما قال الخزرجى فى مراصد الاطلاع لأسماء الأمكنة والبقاع فى الجزء الأول صفحة ثلاث وثلاثين بعث موسى على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه وهو يرعى غنما وبعثت وأنا أرعى غنما لأهلى بجياد لا يصح أن يتعلق بهذا الحديث أهل القول الثانى إبراهيم الحربى ومن معه من أنه كان يرعاها لأهله بجياد وبمكان يسمى قراريط وما كان يأخذ أجرة لأنه فسر المكان هنا وأنه كان يرعاها لأهله ما كان يرعى بالأجرة لا يصح التعلق بذلك كما قال أئمتنا لأن الأهل هنا إذا أريد بهم حقيقة الأهل فهم القرابات الذين ينتمى إليهم الإنسان فكان يرعاها لأهله بغير أجرة كما أنه كان يرعى غنما لقومه بأجرة فلا تعارض بين الأمرين ويمكن أن يقال من الأهل ما هو أعم من القول أهلى أى لقومى أرعاها لهم بجياد بأجرة على قراريط آخذها كنت أرعاها فى مكان أجياد وجياد لكن بقراريط فالمراد من الأهل هنا القوم لا خصوص القرابات والأهل ولذلك قال الحافظ ابن حجر فى أحد الخبرين بين الأجرة وفى الآخر بين المكان فهنا يقول يرعاها بجياد بأجياد وهناك يرعاها على قراريط وهذا يرجح القول الأول كما قلت.

إذن بعث موسى على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه يرعى غنما وبعثت وأنا أرعى غنما وهذا الحديث رواه الإمام أيضا أبو داود الطيالسى كما فى منحة المعبود فى ترتيب مسند الطيالسى أبى داود فى الجزء الثانى صفحة ست وثمانين ورواه البخارى فى الأدب المفرد صفحة خمس وثمانين ونسبه الإمام ابن حجر فى الفتح فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعين وأربعمائة إلى الإمام النسائى ولعله فى السنن الكبرى وليست عندى والحديث رواه ابن السكن أيضا ورواه البغوى وابن منده وأبو نعيم كما فى جمع الجوامع للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة ستين وأربعمائة والإصابة للحافظ ابن حجر من رواية عبدة ابن حزن والرواية المتقدمة من رواية أبى سعيد من رواية عبدة ابن حزن ويقال له بشر ابن حزن ويقال له نصر ابن حزن عبدة بشر نصر عبدة ابن حزن النصرى مختلف فى صحبته له حديث فى رعى الغنم كما قال الحافظ فى التقريب أخرج حديثه البخارى فى الأدب المفرد فقط ولم يخرج لهذا الصحابى رضى الله عنه فى غير كتاب الأدب المفرد للإمام البخارى من الكتب الستة من أصحاب الكتب الستة والحديث رواه ابن سعد فى الطبقات موقوفا على أبى إسحاق السبيعى الراوى عن عبدة ابن حزن أو بشر ابن حزن أو نصر ابن حزن فلم يروه عن عبدة عن النبى عليه الصلاة والسلام إنما رواه موقوفا عليه مرفوعا إلى النبى صلى الله عليه وسلم أى وقفه الإمام ابن سعد من رواية زهير عن أبى إسحاق السبيعى ولفظ الحديث كرواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنهم أجمعين ولفظه تفاخر أهل الإبل وأصحاب الشاء عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم بعث موسى وهو راعى غنم وبعث داود هنا زيادة وهو راعى غنم وبعثت أنا وأنا أرعى غنم أهلى وفى رواية وأنا أرعى غنما لأهلى بجياد وفى رواية بأجياد.

هذه رواية ثالثة من وراية أبى هريرة وأبى سعيد وعبدة ابن حزن والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند أيضا من رواية أبى سعيد الخدرى بسند جيد ورواه الطبرانى فى الأوسط من رواية عبد الرحمن ابن عوف لكن أبا سلمة ولد عبد الرحمن ابن عوف لم يسمع منه ويشهد للحديث ما تقدم ورواه ابن سعد من رواية أبى سلمة وحذف الصحابى ألا وهو عبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنهم أجمعين ولفظ الحديث أما حديث أبى سعيد فى المسند كما قلت إسناده جيد وحديث عبد الرحمن ابن عوف فى سنده انقطاع ويشهد له هذا الحديث من رواية أبى سعيد والرويات المتقدمة لفظ الحديث يقول عبد الرحمن ابن عوف وأبوسعيد الخدرى رضى الله عنهم أجمعين كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم نجتنى الكباث وهو النضيج من ثمر الأراك إذا نضج ثمر الأراك يقال له كباث النضيج من ثمر الأراك كنا نجتنى الكباث فقال النبى صلى الله عليه وسلم عليكم بالأسود منه فإنه أطيب عليكم بالأسود من الثمرة السوداء من الكباث فإنه أطيب ناضجة تماما النضج فإنى كنت أجتنيه وأنا أرعى الغنم قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رعيت الغنم قال نعم وما من نبى إلا وقد رعاها.

وفى رواية وهل من نبى إلا قد رعاها والحديث ثابت أيضا من رواية جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما فى صحيح مسلم فى كتاب الأشربة رقم خمس وستين ومائة من كتاب الأشربة عن جابر رضى الله عنه قال كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وهى مكان قريب مكة بمرحلة دون مكة بمرحلة كما قال علماؤنا كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ونحن نجتنى الكباث فقال النبى صلى الله عليه وسلم عليكم بالأسود منه فإنه أطيب فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنك رعيت الغنم فقال نعم وهل من نبى إلا وقد رعاها والأثر رواه الإمام مالك فى موطئه بلاغا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما من نبى إلا وقد رعى الغنم قيل وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال وأنا قال الإمام الزرقانى فى شرح الموطأ فى الجزء الرابع صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة صح الحديث موصولا من رواية عبد الرحمن ابن عوف وأبى هريرة وجابر وزيدوا عليه وأبى سعيد الخدرى وزيدوا عليه كما تقدم معنا وعبدة ابن حزن النصرى أوليس كذلك هذه روايات خمسة وأقتصر على ثلاثة وزيدوا عليه رواية ثالثة أوردها الإمام ابن سعد فى الطبقات فى الجزء الأول صفحة خمس وعشرين ومائة من رواية عبيد ابن عمير مرسلا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ما من نبى إلا قد رعى الغنم قيل وأنت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال وأنا وعبيد ابن عمير هو أبو عاصم المكى ولد فى عهد النبى عليه الصلاة والسلام مجمع على ثقته وإمامته قيل مات قبل عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين وموت عبد الله ابن عمر كان سنة واحدة وسبعين للهجرة على نبينا صلوات الله وسلامه قيل مات قبل ذلك يعنى سنة سبعين أو قبل عبيد ابن عمير وكان قاص أهل مكة ويحضر ابن عمر وعظه رضوان الله عليهم أجمعين روى الحديث مرفوعا إلى النبى عليه الصلاة والسلام وهو تابعى فحديثه مرسل وإسناده صحيح ويشهد له ما تقدم.

إخوتى الكرام: هذه عدة روايات ست روايات تفيد أن النبى عليه الصلاة والسلام رعى الغنم وأن جميع أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه قد قاموا بتلك المهمة ألا وهى رعاية الغنم ليتهيأ لهم بعد ذلك رعاية الأمم على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه. قال الحافظ ابن حجر فى الفتح فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعين فى شرح الحديث المتقدم ألا وهو حديث أبو هريرة وقلت إنه فى صحيح البخارى يقول قال العلماء الحكمة فى إلهام الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه من رعى الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم ولأن فى مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها فى المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتاجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعى الغنم وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها فى العادة المألوفة ومع أكثرية تفرقها فهى أسرع انقيادا من غيرها وفى ذكر النبى صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن عَلم كونه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح بمنته عليه وعلى إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء. إخوتى الكرام..

وكما حصل من نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم قبل بعثته فسيأتينا إن شاء الله أنه رعى الإبل أيضا وهذا مما خص الله به نبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم ثم رعى الإبل ليجمع الله له السكينة ويجمع له العزة والسيادة فسيأتينا أهل الإبل فيهم صفة النخوة والفخر والخيلاء وما أحسن ذلك إذا كان فى الحق وفى طاعة رب الأرض والسماء ونبينا عليه الصلاة والسلام هو سيد العالم عليه الصلاة والسلام وأفضل المخلوقات وهو أكثر المخلوقات تواضعا ومسكنة عليه صلوات الله وسلامه سيد مسكين متواضع عزيز كريم على نبينا صلوات الله وسلامه وحقيقة هو مظهر الكمال الإلهى والكمال الإلهى جمع الجلال وجمع الجمال ونبينا عليه الصلاة والسلام جمع الأمرين فهو الضحوك القتال عليه الصلاة والسلام وهو الذى يغلظ على الكافرين والمنافقين وهو الذى بالمؤمنين رؤوف رحيم عليه الصلاة والسلام فمن صفات الإبل أخذ العزة والسيادة وفى ذلك إشارة إلى ما سيحصل له عليه الصلاة والسلام من علو المقام والرتبة فى الدنيا والآخرة ومن صفات الغنم أخذ المسكنة والتواضع والليونة على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه عزيز متواضع لين ولا يوجد أحسن من هذا وصف تواضع مع عز عز فى تواضع هذا حال نبينا عليه الصلاة والسلام وسأقرر هذا إن شاء الله بعد الانتهاء على ما يتعلق بالغنم سأقرر هذا بأحاديث صحيحة أن النبى عليه الصلاة والسلام رعى الإبل كما رعى الغنم وهذا مما انفرد به نبينا عليه الصلاة والسلام فمن قبله رعوا الأغنام وأما هو فقد رعاها وقد رعى الإبل أيضا على نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام.

أما الغنم إخوتى الكرام حقيقة الذى يعنى يرعاها ويعتنى بها تحصل فيه السكينة والليونة والرحمة والرأفة لهذا الخلق الذى فيها ولما تحتاجه أيضا من رأفة ورحمة وشفقة وحنو ورعاية وقد جعل الله فى الغنم سكينة وبركة خاصة لا توجد فى غيرها ومن رعاها وأشرف على خدمتها وتربيتها تسرى إليه تلك البركة بإذن الله جل وعلا وقدرته ولطفه وتوفيقه أما الغنم فهى مباركة هذا بنص كلام نبينا عليه الصلاة والسلام وقد بوب أئمتنا على الغنم أبوابا فى كتب الحديث فاستمعوا للطافتهن وذكائهن فى تلك التراجم.

يقول البخارى فى كتاب الأدب المفرد صفحة أربع وثمانين باب الغنم بركة ويقول الحافظ ابن حجر فى المطالب العالية فى زوائد المسانيد الثمانية فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وثلاث مائة باب تسمية الشاة ببركة سبحان ربى العظيم يعنى أنا أعجب للسفهاء فى هذه الأيام الذين ينكرون علينا أن نقول إن المؤمن مبارك والنبى عليه الصلاة والسلام يجعل البركة فى الشاة وأما بركة المؤمن حيا وميتا فسيأتى الكلام عليها فى البحث الذى أشرت إليه ووعدت به وأقطع به إن شاء الله لغط اللاغطين وإرجاف المرجفين الذين ينسبون أنفسهم إلى السلف ولا سلف لهم إلا الخوارج والذين يدعون التوحيد ثم بعد ذلك يكرون على العبيد بالتضليل والتسفيه ولا ضال غيرهم ونغمة التوحيد كما قلت التى يدعى إليها من يدعى فى هذه الأيام قد ادعاها قبلهم المعتزلة فنسبوا أنفسهم إلى ذلك وكانوا يسمون أنفسهم أهل التوحيد والعدل المعتزلى لا يسمى نفسه إلا بهذا أهل التوحيد والعدل وكل من جعل لنفسه لقبا خاصا تميز به عن عامة المسلمين فاعلم أنه على ضلالة ولذلك قال شيخ الإسلام إمام دار الهجرة الإمام مالك ابن أنس قال أهل السنة ليس لهم لقب يعرفون به لقب خاص وجماعات يتمايزون بها عن غيرهم ليس لهم لقب خاص نحن ديننا يقوم على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وبعد ذلك اصطلاحات حدثت من هنا وهناك ليس لهم لقب خاص أما أنه يأتى المعتزلى ويدعى أنه أهل التوحيد والعدل ويأتى محمد ابن التومارت الذى ادعى أنه المهدى فى بلاد المغرب فى القرن الخامس للهجرة وادعى أنه على التوحيد وأنه أهل التوحيد وكان يسمى جماعته بالموحدين هذه دعاوى المبطلين فى كل حين ولا لقب لنا ننتمى إليه إلا لقب أهل السنة والجماعة حسبما كان عليه سلفنا الكرام وأئمة الهدى.

الشاة فيها بركة وبركة الشاة هذا يعنون به بهذا العنوان إمام أهل السنة وشيخ المحدثين وسيد المسلمين الإمام البخارى والإمام ابن حجر فى المطالب العالية تسمية الشاة ببركة وقد صرح نبينا عليه الصلاة والسلام بذلك فاستمع للأحاديث التى تدل على بركة الشاة وقد اختار الله جل وعلا لأنبيائه رعاية الشاء لما فيها من بركة تسرى إلى من يرعاها بإذن خالقها ومولاها ثبت فى سنن ابن ماجة فى كتاب التجارات باب اتخاذ الماشية والحديث إخوتى الكرام إسناده صحيح ورجاله ثقات كما قال الإمام البوصيرى فى الزوائد انظروا كلامه فى الجزء الثانى صفحة ست ومائتين والحديث فى سنن ابن ماجة فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وسبعين وسبعمائة وانظروا الزوائد للإمام البوصيرى فى الجزء الثانى كما قلت مائتين وستة إسناده صحيح رجاله ثقات ولفظ الحديث عن أم هانىء رضى الله عنها وأرضاها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها يا أم هانىء اتخذى غنما فإن فيها بركة والحديث رواه الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد فى الجزء السابع صفحة أحدى عشرة بلفظ تخذوا الغنم فإنها بركة [حان آذان العشاء أكمل هذا بعد الآذان إن شاء الله] . وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.

إخوتى الكرام: هذا تصريح من نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا الأمر بكون الغنم مباركة اتخذوا الغنم فإنها بركة والحديث رواه الإمام أحمد فى المسند انظروه فى الجزء السادس من المسند صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة قال الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء الرابع صفحة ست وستين فيه موسى ابن عبد الرحمن ابن أبى ربيعة لم أعرفه ولفظ الحديث عن أم هانىء أيضا رضى الله عنها وأرضاها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال اتخذى غنما فإنها تغدو بخير وتروح بخير والحديث رواه الخطيب البغدادى أيضا فى تاريخه فى الجزء الثامن صفحة اثنتين ومائتين من رواية أمنا عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأم هانىء يا أم هانىء اتخذى غنما فإن فيها بركة فإنها تغدو بخير وتروح بخير.

وقد صرح نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الغنم من دواب الجنة ثبت الحديث بذلك فى سنن البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء الثانى صفحة تسع وأربعين وأربعمائة والحديث رواه ابن عدى والخطيب فى تاريخ بغداد ورواه البزار كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الثانى صفحة سبع وعشرين وانظروا فى كشف الأستار عن زوائد مسند البزار فى الجزء الأول صفحة واحدة وعشرين ومائتين والحديث روى من طرق وإسناده حسن عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الغنم من دواب الجنة فامسحوا رعامها وصلوا فى مرابضها فامسحوا رعامها والرعام ما يسيل من أنفها فامسحوا رعامها وصلوا فى مرابضها المكان التى تربض فيه وتجلس فيه وتستقر هذا مكان مبارك وهى بركة وإذا رأيت ما يسيل من منخريها امسحه هذا كلام النبى عليه الصلاة والسلام فامسحوا رعامها رفقا بها ورحمة ولما فيها من خير وبركة ولا تتأفف هذه مباركة هذه من دواب الجنة فإذا رأيتها ويسيل منها هذا المخاط امسحه بيدك هكذا طلبا للأجر عند الله وامتثالا لأمر رسول الله عليه الصلاة والسلام فامسحوا رعامها والحديث فى درجة الحسن وصلوا فى مرابضها قال الإمام ابن الأثير فى النهاية فى غريب الحديث فى الجزء الثانى خمس وثلاثين ومائتين صفحة خمس وثلاثين ومائتين الرعام ما يسيل من أنوفها وقد يتأفف الإنسان وأنا أعجب لمن غلظت أكبادهم فى هذا الحين إذا كان رعام الغنم نمسحه بأيدينا ألا نتبرك بعد ذلك بفضل سؤر المؤمن إذا شرب من ماء سبحان ربى العظيم والبركة التى فى الغنم دون دون ما فى المؤمن من بركة بكثير كما سيأتينا بركة المؤمن بعون الله جل وعلا فى الموعظة التى أشرت إليها فامسحوا رعامها وصلوا فى مرابضها والحديث رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير من رواية ابن عمر والرواية المتقدمة قلنا من رواية أبى هريرة أوليس كذلك ورواية أبى هريرة قلت إسنادها حسن مروية من طرق والرواية الثانية فى معجم الطبرانى

الكبير من رواية ابن عمر رضى الله عنهما قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول عليكم بالغنم فإنها من دواب الجنة فصلوا فى مُراحها بمعنى مرابضها المكان التى تستريح فيه فصلوا فى مراحها وامسحوا رعامها قال الإمام الهيثمى فى المجمع فيه صبيح الرواى عن ابن عمر لم أجد من ترجمه وقد ثبت فى سنن ابن ماجة من رواية ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال الشاة من دواب الجنة لكن فى الإسناد زربى الأسدى وهو ضعيف كما قال الحافظ فى التقريب أخرج حديثه الترمذى وابن ماجة فهو من رجال الترمذى وابن ماجة الشاة من دواب الجنة وهناك عليكم بالغنم فإنها من دواب الجنة فصلوا فى مراحها وامسحوا رعامها صلوا فى مراحها صلوا فى مرابضها فهذه بركة وليس حالها كحال الإبل التى خلقت من الشياطين كما أخبر عن ذلك نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وسأذكر ما يشير إلى هذا إن شاء الله عما قريب فشتان شتان هذه مباركة من دواب الجنة صلى فى مرابضها وإذا رأيت هذا الرعام يسيل ومن أنوفها فامسحه ولا تتأفف من ذاك واطلب الأجر من ربك جل وعلا.

وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام فى أحاديثه الكثيرة المتكاثرة عن وجود البركة فى الغنم ففى سنن ابن ماجة ومسند أبى يعلى من حديث عروة البارقى والحديث قال عنه الإمام البوصيرى فى الزوائد فى الجزء الثانى صفحة ست ومائتين هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا بجميع رواته ولفظ الحديث كما قلت عن عروة البارقى رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود فى نواصى الخيل إلى يوم القيامة الإبل عز لأهلها {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم} الخيل عز لأهلها الإبل عز لأهلها والغنم بركة الله يقول فى سورة النعم التى هى سورة النحل {والأنعام خلقها لكم فيها دفء} الأنعام جمع نعم وهى تطلق على خصوص الإبل ولا تطلق على غيرها من بهيمة الأنعام إلا إذا كان معها إبل يعنى لا يقال للغنم أنعام إذا كان معها إبل وتطلق على خصوص الإبل {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون *ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون *وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم} الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود فى نواصى الخيل إلى يوم القيامة وهذا الحديث إخوتى الكرام رواه البزار أيضا كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الخامس صفحة تسع وخمسين ومائتين من رواية حذيفة لكن فى إسناد الحسن ابن عمارة قال عنه الإمام الهيثمى فى المجمع ضعيف قال عنه الحافظ فى التقريب متروك أخرج حديثه الترمذى وابن ماجة وكان قاضى بغداد الحسن ابن عمارة.

والأحاديث فى ذلك كثيرة إخوتى الكرام ففى مسند البزار بسند رجاله رجال الصحيح غير عبد الله ابن عبد الله الرازى وهو ثقة كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع وهو صدوق كما قال الحافظ فى التقريب وقد أخرج حديثه وأهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائى من رواية البراء ابن عازب رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول الغنم بركة والحديث رواه أبو داود بإسناد حسن فى سننه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه سأل عن الصلاة فى مرابض الغنم الحديث من رواية البراء ابن عازب أيضا لكن هناك رواية البزار الغنم بركة وهذه رواية أبى داود سأل عن الصلاة فى مرابض الغنم فقال صلوا فيها فإنها بركة وحقيقة فيها بركة وهى مباركة.

وقد قال حبر الأمة وبحرها ترجمان القرآن عبد ابن عباس كما فى كتاب الأدب المفرد للإمام البخارى صفحة أربع وثمانين قال ابن عباس رضى الله عنهما عجبت للكلاب والشاء يعنى الغنم إن الشاء يذبح منها فى السنة كذا وكذا ويهدى كذا وكذا والشاء أكثر منها والكلب تضع الواحدة كذا وكذا وهى قليلة يعنى الكلبة عندما تلد تلد عدد ثلاثة أو أكثر والغنم الغالب على ولادتها واحدة وإن زادت إلى اثنين وما زاد على اثنين فى حكم الندرة ثم يذبح منها فى العام كذا وكذا وما يخلو يوم من ذبح مئات بل ألوف وإن قلت ملايين لا تبالغ1:22:15 ومع ذلك سبحان من بارك فيها لو أن هذا الذبح استعمل فى الكلاب لما بقى كلب من زمن يعنى هى يعنى مع عدم إعمال السكين فيها وأكل لحمها سبحان من قلل عددها يقول ابن عباس رضى الله عنه عجبت للكلاب والشاء حقيقة أمر عجيب لكن هذا بارك الله فيه وما بارك الله فيه لا يمكن يعنى أن ينقطع ولا أن يقل هذا مبارك وأما تلك فهى نحسة نجسة نعوذ بالله منها شر المخلوقات فلذلك ما وضع الله فيها البركة فما كثرة توالدها ترى قلة عددها الكلاب وأما هذه مع قلة عدد توالدها سبحان الله تنمو كما ينمو الدود الغنم من أين تأتى تأتى من عند الكريم الوهاب سبحانه وتعالى بغير حساب الغنم سأل عن الصلاة فى مرابض الغنم قال صلوا فيها فإنها بركة ولذلك اختار الله لأنبيائه على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه ورعاية الغنم من أجل أن يحصل فيهم هذه البركة ولأجل أن يحصل فيهم هذا الخلق الكريم فى رعاية هذا الحيوان البهيم الذى هو مبارك مسكين أنيس هو خير الحيوانات وأكثرها أنسا ولطافة اختار الله لأنبيائه هذا ثم بما أنها فيها هذا الأمر تحتاج إلى حنو سعة صدر حسن رعاية ضعيفة انقض عليها الذئب يأكلها من أولها لآخرها أما الإبل إذا رآه الذئب يهرب منه لو أن الذئب اقترب من الإبل لضربه بيده فقطعه قطعا لا تعد ولا تحصى أما هذه المسكينة قد يأتى يعنى ذئب واحد

إلى زريبة غنم لا يترك منها شاة حية فتحتاج إلى رعاية إلى حنو إلى الشفقة يعنى مدة حراستها ورعايتها وهكذا دعوة الله تحتاج إلى مواصلة ومواظبة ليس هناك غفلة ولا دعة ولا راحة {يا أيها المدثر *قم فأنذر} ليس هذا وقت تدثر ووقت راحة ووقت كسل ووقت فتور هذا وقت جد ونشاط وأنت كنت ترعى الغنم ثم أكرمك الله جل وعلا بعد ذلك برعاية الإبل ليحصل فيك وصف السيادة كما قلت وهذا حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام رعى الغنم ثم رعى الإبل كما سيأتينا هذا فى الحديث الصحيح إن شاء الله. إخوتى الكرام: لذلك كما قلت اختار الله لأنبيائه على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه رعاية الغنم ليحصل فى الأنبياء السكينة الرحمة الرأفة الرعاية التامة للأمة وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن كل من رعى الغنم وكان معها سيكون فيه سكينة هذا الوصف سينتقل إليه وكما قال أئمتنا الصاحب ساحب إلى الخير أو إلى الشر وأنت عندما تكون مع هذه الحيوانات الأليفة المسكينة الطيبة السكينة ستسرى فيك تلك السكينة وسينتقل إليك ذلك الخلق.

ثبت فى المسند والصحيحين والحديث رواه الإمام مالك فى الموطأ والإمام الترمذى من رواية أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول السكينة فى أهل الغنم والفخر والخيلاء فى أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر السكينة فى أهل الغنم والفخر وهو تعداد محاسن الآباء على حسب أعراف الجاهلية والخيلاء التعالى والتكبر على الناس فى أهل الخيل والإبل الفدادين جمع فدان والفدان هو الذى يعلو صوته فى إبله وخيله وحرثه مأخوذ من الفديد وهو الصوت الشديد الفخروالخيلاء فى أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر وأهل الوبر لأن الغالب على من يرعى الإبل أن يكون فى البادية يقال بمقابل الحاضرة الذين يقال لهم أهل المدر مدر ووبر أهل الوبر فيهم فخر وخيلاء أهل الخيل والإبل الفدادين الذين يصيحون بأصواتهم فى هذه الإبل عند زجرها وجمعها ورعايتها. وفى بعض روايات صحيح مسلم عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال الفخر والخيلاء فى أصحاب الإبل والسكينة والوقار فى أصحاب الشاء وثبت فى المسند والصحيحين من رواية ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن القسوة وغلظ القلوب فى الفدادين كما قلت جمع فدان وهو الذى ينعق ويصيح ويرفع صوته إن القسوة وغلظ القلوب فى الفدادين عند أصول أذناب الإبل فاختار الله لأنبيائه على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه رعاية الغنم ليكون فيهم السكينة والرحمة وحسن الرعاية والتعهد التامين أما الإبل الغالب كما قلت من كان معها ورعاها سيصاب بجفاء وغلظة ويحتاج رعايتها إلى البعد عن المدر واللحوق بأهل الوبر ومن بدا جفا كما قال المصطفى عليه صلوات الله وسلامه.

ولذلك ثبت فى المسند وسنن أبى داود والنسائى والترمذى والحديث رواه الإمام البيهقى فى السنن الكبرى وانظروه فى الجزء العاشر فى السنن الكبرى صفحة واحدة ومائة ورواه ابن عبد البر فى جامع بيان العلم وفضله وأبو نعيم فى حلية الأولياء من رواية ابن عباس رضى الله عنهما والحديث صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتَتَن ومن أتى السلطان افتُتِن من سكن البادية جفا أى صار فيه جفاء وبعد عن العلم لما فى تلك الحالة والطبيعة من غلظ وقسوة إبل وبادية كيف سيكون حاله ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن افتتن قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح غريب والحديث قال وفى الباب عن أبى هريرة رضى الله عنه وحديث أبى هريرة الذى أشار إليه الترمذى رواه الإمام أحمد أيضا فى المسند والبزار ورواه أبو داود فى سننه والبيهقى فى السنن الكبرى من رواية أبى هريرة كما قلت رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن ثم زاد جملة رابعة وما ازداد عبد من السلطان دنوة وفى رواية قربى إلا ازداد من الله بعدا. والحديث أورده الإمام الهيثمى فى المجمع من رواية أبى هريرة وهو فى سنن أبى داود والأصل ألا يورده لأنه يذكر الزوائد على الكتب الستة ثم قال معتذرا الإمام الهيثمى عن فعله قال لم أجده فى نسختى من سنن أبى داود أى هذا الحديث أعنى حديث أبى هريرة نسب إلى أن أبا داود أخرجه لكن لم أجده فى نسختى من سنن أبى داود وهو كما قلت لكم موجود فى سنن أبى داود ثم بعد أن ذكره الإمام الهيثمى قال رواه الإمام أحمد ورواه البزار وقال لم أجده فى نسختى من رواية أبى داود وقلت إنه فى نسخة أبى داود كما أشرت إلى ذلك.

إذن من بدا جفا من اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن افتتن وما ازداد أحدا من السلطان قربا ودنوا إلا ازداد من الله بعدا إذن هذا كله يشير إلى أن الغلظ والجفاء والقسوة فى أهل الوبر فى الفدادين ولذلك اختار الله لأنبيائه الطيبين المباركين على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه رعاية الغنم ليحصل فيهم السكينة والليونة والرحمة والرأفة وحسن التعهد والرعاية. إخوتى الكرام: البحث يحتاج إلى يعنى تكملة فيما يتعلق بهذه القضية الأولى لأنتقل بعدها إلى رعاية نبينا عليه الصلاة والسلام للإبل بعد أن رعى الغنم ثم ننتقل إلى الأمر الثانى فيما يتعلق بشهادة أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

48معاشرة النبى صلى الله عليه وسلم مع نسائه

معاشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع نسائه (حديث ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان معاشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع نسائه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. كنا نتدارس خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته الكرام على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكنت أقدم لهذا الكلام مقدمة فيما جرنا إلى الكلام على هذا الموضوع من المبحث الثالث فى الأمور التى يعرف بها صدق نبينا الرسول عليه الصلاة والسلام ورأيت أن الأمر يطول فى كل موعظة فى تكرار تلك المقدمة لذلك أرى أن ندخل فى هذه الموعظة وفى المواعظ التى بعدها فى الموضوع مباشرة ونكمل ما وقفنا عنده إن شاء الله.

إخوتى الكرام: تقدم معنا الكلام على خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أزواجه أمهاتنا الطيبات الطاهرات على نبينا وآل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه وقد قدمت إخوتى الكرام أن أكمل الناس وأفضل المؤمنين أحسنهم خلقا وخير الناس خيرهم لنسائهم ونبينا عليه الصلاة والسلام هو خير المخلوقات وهو أحسن الناس أخلاقا مع الزوجات على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد قدمت إخوتى الكرام ما يتعلق بطواف نبينا عليه الصلاة والسلام على جميع زوجاته وتفقدهن لأحوالهن فى جميع الأوقات فما من يوم إلا ويطوف على نسائه عليه الصلاة والسلام ويتفقد أحوالهن كما تقدم معنا هذا وكان يقسم عليه الصلاة والسلام فيعدل مع أن الله جل وعلا ما أوجب عليه القسم كما تقدم معنا هذا بل كان عليه الصلاة والسلام يعدل فى القسم فى الحضر والسفر كما بينت هذا ثم انتقلت إلى أمر آخر ألا وهو رعاية نبينا عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا زوجاته الطيبات الطاهرات المباركات على نبينا وأزواجه وصحبه صلوات الله وسلامه وكيف كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقوم على وجه التمام للوفاء نحوهن ويحفظ ودهن فى حال حياتهن وبعد مماتهن كما تقدم معنا تقرير هذا بالأدلة فيما مضى ثم انتقلت إلى الأمر الثالث وكنا نتدارسه وما أكملته ألا وهو حسن عشرة نبينا عليه الصلاة والسلام وكرم معاشرته لزوجاته وملاطفته لهن على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ذكرت حديثا يتعلق بهذا الأمر الثالث فى معاملة نبينا عليه الصلاة والسلام لأزواجه وكيف كان يعطيها العرق العظم للتعرقه فإذا تعرقته أخذه النبى عليه الصلاة والسلام فوضع فاه عليه الصلاة والسلام فمه وضع فيها..

وثقه البزار وبقية رجاله ثقات والبزار فى كشف الأستار كما نقل ذلك عنه الهيثمى لكن ذكر هناك إسناد البزار وكلام البزار فى الجزء الثانى صفحة واحدة وتسعين قال ليس به بأس وهذا ما أشار إليه الهيثمى وثقه البزار وضعفه أبو حاتم ليس به بأس والحديث ذكره الحافظ فى الفتح فى الجزء التاسع صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة عند غيرة النساء من كتاب النكاح فى صحيح البخارى أيضا فقال رواه البزار ولم ينسب الحديث إلى معجم الطبرانى وقال الإمام ابن حجر رواه البزار وأشار إلى صحته لكن اختلف فى عبيد منه وهو أبوعبيد ابن الصباح اختلف فيه هل هو ثقة أو لا فوثقه كما قلت البزار وضعفه أبو حاتم وأبو حاتم فى العلل فى الجزء الأول صفحة ثلاث عشرة وثلاثمائة يقول الحديث منكر عندما يقول ابن أبى حاتم سألت أبى عنه فقال إنه منكر وقال مرة إنه موضوع بهذا الإسناد وحكم ابن أبى حاتم فى كتاب الجرح والتعديل فى الجزء الخامس صفحة ثمان وأربعمائة على عبيد بأنه ضعيف وهذا الذى يفهم من كلام الإمام الذهبى فى الميزان ومن كلام الحافظ ابن حجر فى اللسان فى الجزء الرابع صفحة تسع عشرة ومائة فذكرا إن من مناكير عبيد ابن الصباح من مناكيره هذا الحديث إن الله كتب الغيرة على النساء وكتب الجهاد على الرجال والإمام العقيلى فى كتابه الضعفاء فى الجزء الثالث صفحة سبع عشرة ومائة فى ترجمة عبيد ابن الصباح يقول لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به وقد ذكر خلاصة ما تقدم الإمام السخاوى فى المقاصد الحسنة فى صفحة ثمان عشرة ومائة والإمام المناوى فى فيض القدير فى الجزء الثانى صفحة خمسين ومائتين وقد ذهب الإمام ابن حبان فى كتابه المجروحين فى الجزء الثانى صفحة سبع وعشرين ومائتين إلى أنه فى رجال هذا الحديث فى رجال إسناده رجل آخر من أجله يرد الحديث لا من أجل عبيد ألا وهو كامل ابن العلاء السعدى التميمى وهو شيخ عبيد ابن الصباح يقول كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل فلما فحش غلطه

بطل الاحتجاج به لكن هذا الحكم من ابن حبان على كامل ابن العلاء السعدى التميمى فيما يظهر لم يوافق عليه من قبل أئمتنا ولذلك حكم الحافظ فى التقريب فى تقريب التهذيب بأن كامل ابن العلاء صدوق يخطىء وحديثه فى السن الثلاثة فى سنن أبى داود والترمذى وسنن ابن ماجة. نعم حول عبيد ابن الصباح كما قلت كلام وقد ذهب شيخ الإسلام الشيخ مصطفى صبرى عليه رحمة الله وهو آخر شيوخ الإسلام لآخر دولة إسلامية وهى الدولة العثمانية ذهب فى كتابه قولى فى المرأة فى صفحة أربع وعشرين وهو أحسن ما كتب فى ذلك فى هذا الكتاب ذكر مقالتين اثنتين المقالة الأولى فى تعدد الزوجات والمقالة الثانية فى الحجاب ويريد بالحجاب تغطية الوجه فى تقرير تغطية الوجه وأن هذا هو عنوان التزام المرأة وهذا هو الدليل على حيائها وعفتها وفى المقالة الأولى فى تعدد الزوجات وبيان الحكم من ذلك فى صفحة أربع وعشرين من كتابه هذا يقول إسناد الحديث لا بأس به وكما قلت ليس فيه إلا عبيد ابن الصباح والحكم على كلامه على روايته بأنها منكرة أو موضوعة فى الحقيقة فى ذلك شىء من التشدد والغلو نعم غاية ما يمكن أن يقال أنه ضعيف لكن المعنى ثابت وقد كما تقدم معنا مشى حاله عدد من أئمتنا منهم البزار فقال لا بأس به وهذا توثيق ولذلك يقول شيخ الإسلام إسناد الحديث لا بأس به فهو مما اختلف أئمتنا فى تصحيحه فى قبوله والذى يظهر كما قلت والعلم عند الله يعنى أن عبيد ابن الصباح حوله كلام لكن لا يصل إلى درة النكارة ومن باب أولى لا يصل إلى درجة الوضع.

ومعنى الحديث ثابت فى شريعة الله فهذا مما ركز فى طبيعة المرأة كما أن الله فرض الجهاد على الرجل وعليه معنى الحديث صحيح أما الحكم على إسناده فقد اختلف أئمتنا نحوه والعلم عند الله جل وعلا ففيما يتعلق بهذا الأثر الذى كثر السؤال عنه فى ذلك الوقت وأما النماذج التى سأذكرها مما كان يجرى فى بيت نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكيف كان يتحمل القصور والتقصير الذى يجرى من نسائه على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه فكما قلت سأحصى ما جرى فى بيته مما يعد بأنه سلبيات لكن كما قلت حوادث فرديات لا تصل إلى العشرات كلها بعد ذلك تعالج على حسب شريعة الله المطهرة وهذا هو حال البشر وقد ان يجرى بين أجلة الصحابة الكرام ما كان يجرى ثم بعد ذلك كل هذا يحسم على حسب شريعة الله والقلوب لا تتأثر وتقدم معنا كان يجرى بين النبى عليه الصلاة والسلام وبين زوجته دع بعد ذلك عما يجرى بين النساء فيقول أعلم إذا كنت عنى راضية وإذا كنت على غضبى ثم قالت أجل لكن قلبى يخفق بحبك وهنا كذلك عندما يختصم النساء أحيانا مع بعضهن ويدبرن أحيانا شيئا من المؤامرات والمنازعات يحسم بعد ذلك على حسب شريعة الله ويوضع كل شىء فى موضعه ويصغى الإنسان إلى الحق ويؤوب إليه وكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

ثبت فى المسند والحديث فى الصحيحين وسنن الترمذى والنسائى من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر ابن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين عن المرأتين من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله عز وجل إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وتقد معنا إخوتى الكرام عند المبحث الثانى من مباحث النبوة عند تعريف النبى والرسول وتقد معنا النبى هل هو مشتق من النبأ كما تقدم معنا وهو بمعنى الخبر أو من نبا ينبو نبوا على قراءة الهمز وعلى ترك الهمز وقلنا قرأ بالهمز نافع من العشرة يا أيها النبىء كما تقدم معنا وقلت إنه مأخوذ من النبأ والخبر فهو مخبر ومنبىء عن الله وهو مخبَر ومنبَأ من قبل الله وأما النبى بترك الهمز أما أن يكون من باب التسهيل فمعناه بمعنى الخبر وأما كما قلت من نبا ينبو نبوا إذا علا وارتفع قدره وقلت المعنيان حاصلان فى رتبة النبوة فهو منبأ من قبل الله ومنبىء عن الله وهو صاحب مقام عظيم فرتبة النبوة هى أشرف الرتب عند ربنا الكريم سبحانه وتعالى والنبى هو أفضل أمته بلا نزاع ولا يصل ولى إلى رتبة نبى مهما علت رتبة الولى على أنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه تقد معنا إخوتى الكرام عند تعريف النبى ذكر هذه الآية التى هى من سورة التحريم {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم*قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم *وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير} فهو منبىء عن الله ومنبأ من قبل الله جل وعلا. وتقدم معنا ثلاثة أسباب لنزول هذه الآية الكريمة من كلام ربنا الوهاب قلنا السبب الأول وبينت الآثار وتخريجها عند المبحث الثانى.

السبب الأول: فى تحريم نبينا عليه الصلاة والسلام على نفسه سريته جاريته وهى سيدتنا الطيبة الطاهرة مارية أم سيدنا إبراهيم على نبينا وعلى آل بيته صلوات الله وسلامه وسبب هذا التحريم تظاهر أيضا زوجتين من أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام عائشة وحفصة رضى الله عنهم أجمعين ثم نفذت بعد ذلك هذه القضية من قبل حفصة فى نهاية الأمر عندما باشر نبينا عليه الصلاة والسلام سريته فى بيت حفصة وعلى فراشها وفى ليلتها فلما علمت بذلك قالت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فعلت معى ما لم تفعله مع نسائك فى بيتى وعلى فراشى وفى ليلتى وهى كان بينها فى الأصل وبين أمنا عائشة رضى الله عنهم أجمعين كما قلت تظاهر من أجل أن يفارق النبى عليه الصلاة والسلام سريته وهى ليست زوجة وألا يعاشرها معاشرة الأزواج ليتفرغ لعشرتهن على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه فلما قالت حفصة ما قالت أراد نبينا عليه الصلاة والسلام أن يطيب خاطرها يعنى هى رأت أنه انكسر خاطرها وأنه كأنه اعتدى على حقها على فراشها وفى بيتها وفى ليلتها قال إننى سأحرم مارية على سريتى لكن اكتمى ذلك ولا تخبرى أحدا لكن هى بينها وبين أمنا عائشة فى الأصل كما قلت اتفاق على ذلك فطارت فرحا وما كتمت السر وذهبت إلى أمنا عائشة وقالت حصل المراد والنبى عليه الصلاة والسلام حرم على نفسه سريته وصلنا إلى ما نريد على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه هذا السبب الأول.

والسبب الثانى: أيضا تقدم معنا أن النبى عليه الصلاة والسلام هو الذى سيذكر هنا كان إذا صلى العصر يدخل على نسائه وسيأتينا أحيانا كن يجتمعن أيضا فى الليلة التى تكون ليلتها ثم ينصرفن ويبقى عند التى سيبيت عندها على نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه فكان يطوف على نسائه بعد العصر كانت زينب رضى الله عنها وأرضاها تتحف النبى عليه الصلاة والسلام بشراب يحبه وهو العسل فمن أجل هذا الشراب كان يمكث عندها أكثر مما يمكث عند الأخريات الفضليات على نبينا وعليهن جميعا صلوات الله وسلامه فتآمرت أيضا عائشة مع حفصة على مكيدة من أجل ألا يستقر النبى عليه الصلاة والسلام كثيرا فى بيت زينب دون يعنى أيضا الآن طلاق ومضرة أما تلك يعنى سرية ابتعد عنها وأما هذه لا تطلقها لكن يعنى لا داعى أن تمكث عندها أكثر مما تمكث عندنا المكيدة هى اتفقتا على أن النبى عليه الصلاة والسلام إذا جاء إلى نسائه كل واحدة تقول له أجد منك ريح مغافير وتقدم معنا المغافير قلنا شراب يسيل كالناطف كالعسل وقلنا هذا يخرج من شجر العضاة وهى قلنا التى تسميه الجرسة العرفط من شجر العرفط وهو شجر عضاه معروف فى البادية يسيل منه مادة صمغية حلوة إذا أكلها الإنسان يتلذذ لكن تتغير راحئة فمه فقالت له نجد منك رائحة مغافير يعنى رائحة كريهة وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يتأذى غاية الأذى أن يوجد منه ريح كريهة فقال عليه الصلاة والسلام يعنى ما يوجد شىء يعنى قالت يعنى ماذا عملت شربت عسلا قال زينب فقط سقتنى العسل قالت لعل نحله جرست العرفط جرست أى أكلت أى عملت فى العرفط بشجر العرفط الذى يخرج المغافير فالنحل أكلت من شجر العرفط من هذا المادة من هذه المادة الصمغية الحلوة التى لها رائحة كريهة فخرج فى العسل رائحة كريهة فجاء لحفصة قالت له ذلك فجاء لأمنا عائشة قالت له ذلك تدبير فقال لن أشرب عسلا عند زينب بعد ذلك هذا الذى حرمه أيضا على نفسه عليه الصلاة والسلام لكن كما

كانت حفصة تدبر هذا مع عائشة. كانت أيضا عائشة تدبر هذا مع النساء البقيات نحو حفصة وهذا سبب ثالث أيضا ورد أيضا أن النبى عليه الصلاة والسلام أحيانا كان يدخل على حفصة ويطيل المكث عندها وتسقيه العسل فكما هى دبرت ما دبرته نحو زينب أمنا عائشة رضى الله عنها اتفقت مع سودة وصفية قالت لهن إذا دخل النبى عليه الصلاة والسلام بعد مجيئه من حفصة كل واحدة تقول له أجد منك ريح مغافير سيقول أكلت عسلا نقول له لعل نحله جرست العرفط لا تشرب عند حفصة عسلا فجاء إلى سودة قالت له ذلك جاء لصفية قالت له ذلك جاء لأمنا عائشة عليهن جميعا رضوان الله وعلى نبينا وآل بيته صلوات الله وسلامه قالت له ذلك قال لن أشرب عسلا عند حفصة يعنى كما هى تدبر يدبر لها أيضا لكن كما قلت كل ذلك يعنى يبقى عند يعنى عند حدود معينة وقصور حتما هذا يوقف بعد ذلك عند حده ويوجهن إلى الأكمل فيلتزمن.

يقول عبد الله عباس رضى الله عنهم هذه الآثار كما قلت إخوتى الكرام تقدم ذكرها وتخريجها عند المبحث الثانى يقول كنت حريصا لم أزل حريصا على أن أسأل عمر ابن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله عز وجل (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) حتى حج عمر وحججت معه فلما كان ببعض الطريق عدل عمر أى عن الطريق من أجل حاجة له وعدلت معه بالإداوة وهى الوعاء الذى يحمل فيه ماء وهذا من باب خدمة عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين لأمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضوان الله عليهم أجمعين يقول فتبرز ثم أتانى فسكبت على يديه وتقدم معنا فعل الصحابة هذا مع النبى عليه الصلاة والسلام واشتقوا منه واستنبطوا منه كما تقدم معنا خدمة المفضول للفاضل وأن هذا ليس خاصا بالنبى عليه الصلاة والسلام فسكبت على يديه فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبى صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) يعنى مالت للحق ولانت وانقادت له وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ثم نزل التهديد الذى يخلع القلوب وكل واحدة منها تتمنى لو ضربت رقبتها ما عوتبت بهذا العتاب عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن إلى آخر الآية الكريمة وكان كثير من أئمتنا يقولون هذه الآية أخوف آية عندنا فى القرآن الكريم (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) نساء صالحات طاهرات كريمات مكرمات جرى منهن ما جرى حول تحريم العسل حول عدم المكث مع زوجاته يخاطبن بهذا الخطاب وأنه يعنى إذا انفصلتن عن النبى صلى الله عليه وسلم يعوضه من هو خير منكن فقال عمر وا عجبا لك يا ابن العباس وإنما قال وا عجبا لك تعجبا يعنى كيف خفى عليك هذا وأنت حبر الأمة وبحرها وترجمان القرآن أو وا عجبا لك تعجب عمر من ابن عباس سببه حرص ابن عباس رضى الله عنهما على الفهم

والبحث عن دقيق العلم ومعرفة المبهم لأن الله أبهم هنا المرأتين وما عينهما إن تتوبا إلى الله فكأنه يقول لله درك كم تبحث عن هذه الخفايا وتريد أن تقف على حقيقة الأمر ويمكن وهو الذى استنبطه الزهرى وهو الذى معنا الآن فى الرواية أنه قال هذا كراهة لقوله لأن فى ذلك شىء من المنقصة على ابنته وهى حفصة كأنه كره يعنى سؤاله من أجل أن هذه فيه منقصة على ابنته التى هى بضعة منه قال الزهرى كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه يعنى كره سؤاله لكن ما كتم الجواب أخبره بأنها هى حفصة وعائشة رضى الله عنهن أجمعين فقال هما عائشة وحفصة ثم أخذ يسوق الحديث يعنى عمر رضى الله عنه وأرضاه يبين له ما جرى فى تلك القصة قال كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم قوله نغلب يعنى نحكم على النساء ولا واحدة تتحكم فى شأننا ولا تصدر رأيا فى أمرنا ثم جئنا إلى المدينة وإذ بنساء الأنصار يتحكمن بالرجال وكل واحد تعطيه آراء وهو ينفذ يقول فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم قال وكان منزلى فى بنى امية ابن زيد بالعوالى فتغضبت يوما على امرأتى يعنى اشتد غضبه عليها فإذا هى تراجعنى لما انفعل وكلمها وهو مغضب ردت عليه الكلام ويعنى لما تغضب كل هذا وقف عند حدك واتق الله يا عمر من هذا الكلام قال فأنكرت أن تراجعنى يعنى أنت امرأة تراجعينى وأنا الآن قريشى ونحن نغلب النساء وأنت تردين فى وجهى أمر عجيب فأنكرت أن تراجعنى فقالت وهذا كنت ذكرته فى أول مبحثنا هذا فقالت ما تنكر أن أراجعك لم َ أنت تستنكر هذا فوالله إن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره أحداهن اليوم إلى الليل على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.

وفى رواية مسند أبى داود الطيالسى قال عمر رضى الله عنه لامرأته متى كنت تدخلين فى أمورنا قالت يا ابن الخطاب ما يستطيع أحد أن يكلمك وابنتك تكلم النبى صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان يعنى أنت إذا كلمناك تغضب وانظر إلى ابنتك تكلم من هو أفضل منك ومن الخليقة كلها حتى يبقى اليوم غضبان وأنت تستنكر كلامنا.

وفى رواية يزيد ابن رومان لما كلمته قال فقمت إليها بقضيب فضربتها به فقالت يا عجبا لك يا ابن الخطاب ابنتك تؤذى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأنت تستنكر أن نكلمك وأن نراجعك يعنى عجيب لأمرك فانتبه لحال عمر قال فانطلقت حتى دخلت إلى حفصة ليتحقق هذا يوجد فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام ابنتى حفصة تراجع النبى عليه الصلاة والسلام وتؤذيه وتهجره إلى الليل فقلت أتراجعين رسول الله عليه الصلاة والسلام فقالت نعم قلت أتهجره أحداكن اليوم إلى الليل قالت نعم قلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت أنتن تفعلن هذا مع خير خلق الله عليه الصلاة والسلام التى تفعل هذا فى خسران وخيبة أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله عليه الصلاة والسلام فإذا هى هلكت لا تراجعى رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا تسأليه شيئا وسلينى ما بدا لك ولا يغرنك أن كنت جارتك وهى أمنا عائشة رضى الله عنهن أجمعين هى أوسم يعنى أجمل وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد عائشة قال وكان لى جار من الأنصار فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما فيأتينى بخبر الوحى وغيره وآتيه بمثل ذلك وكنا نتحدث أن غسان على حدود الشام تنعل الخيل لتعزونا أى تجعل لها نعالا بمعنى أنها تحدوها وتتهيأ لتجهيز الخيل من أجل غزونا وقتالنا فى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه قال فنزل صاحبى يعنى إلى من العوالى إلى المدينة المنورة إلى مسجد النبى عليه الصلاة والسلام ليتعلم ثم يأتينى بالخبر وأنا إذا نزلت هو يبقى وأتعلم وآتيه بالخبر ثم أتانى عشاء فضرب دارى ثم نادانى فخرجت إليه فقال حدث أمر عظيم فقلت ماذا جاءت غسان هذا الأمر العظيم الذى ننتظره جاءت هذه الجحافل من جهة الروم تريد أن تغزو المدينة بل أعظم من ذلك وأهون ووالله أنه أعظم فراق نبينا عليه الصلاة والسلام لأمهاتنا أعظم من مجىء جحافل الكفر لقتال الموحدين

طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه هذا أعظم من مجىء الكفار قلت قد خابت حفصة وخسرت وقد كنت أظن هذا يوشك أن يكون حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابى ثم نزلت فدخلت على حفصة وهى تبكى فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدرى هو هذا معتزل فى هذه المشربة وهى الغرفة التى يجلس فيها النبى عليه الصلاة والسلام فأتيت غلاما له أسود فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلى قال قد ذكرتك له فصمت عليه الصلاة والسلام فانطلقت حتى إذا أتيت المنبر فإذا عنده رهط جلوس يبكى بعضهم فإذا عنده عند المنبر فجلست قليلا ثم غلبنى ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلى فقال قد ذكرتك له فصمت فخرجت فجلست إلى المنبر ثم غلبنى ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج فقال قد ذكرتك له فصمت هذه الثالثة فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعونى فقال ادخل فقد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكىء على رمال حصير قد أثر فى جنبه رملت الحصير إذا ضرفته ونسجته ويقصد بذلك أنه لم يكن على سرير النبى عليه الصلاة والسلام غطاء غير الحصير حصير فقط فوق سريره الخشبى قد أثر هذا الحصير فى جنبه فقلت أطلقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءك رفع رأسه إلى فقال لا فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتغضبت على امرأتى يوما فإذا هى تراجعنى فأنكرت أن تراجعنى فقالت ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فقلت قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هى قد هلكت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كنت جارتك

هى أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك فتبسم أخرى فقلت استأنس يا رسول الله عليه الصلاة والسلام يتمدمد رضى الله عنه وأرضاه ليزيل الغضب عن نبينا عليه الصلاة والسلام وهو استأذان فى الأنس والمحادثة يعنى أتأذن لى أن أتوسع فى الكلام الآن أنا جالس وتكلمت فى قضيتين تغضبت على زوجتى فقالت كذا وقلت لها كذا وقالت كذا ثم جئت إلى حفصة وقلت لها ما قلت استأنس أواصل حديثى وأنت تسمح استأنس يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال نعم قال فجلست الآن مطمئن فرفعت رأسى فى البيت فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة جمع إهاب وتقدم معنا هو الجلد الذى لم يدبغ أو الجلد مطلقا ما يوجد إلا ثلاثة جلود لم تدبغ فى بيت النبى عليه الصلاة والسلام فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا ثم قال أفى شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى هذه الحياة فقلت استغفر لى يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهرا من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله قال الزهرى فأخبرنى عروة عن عائشة قالت لما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بى فقلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنك أقسمت ألا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهن كل يوم هذا نحسبه كأنه يقطع منا عضو من أعضائنا فقال إن الشهر تسع وعشرون زاد فى رواية وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة ثم قال يا عائشة إنى ذاكر لك أمرا فلا عليك ألا تعجلى حتى تستأمرى أبويك ثم قرأ {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} قالت عائشة رضى الله عنها قد علم والله

أن أبوى لم يكونا ليأمرانى بفرقاه فقلت أفى هذا أستأمر أبوى فإنى أريد الله ورسوله والدار الآخرة. وفى رواية أن عائشة قالت لا تخبر نساءك أنى اخترتك فقال لها النبى عليه الصلاة والسلام إن الله أرسلنى مبلغا ولم يرسلنى متعنتا. ستأذن العشاء أكمل هذا بعد الآذان إن شاء الله. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا إخوتى الكرام: هذه الحادثة كانت قبل فرض الحجاب والحجاب فرض فى العام الخامس من هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام فهذه قبل هذا التاريخ حصلت ودخل عمر رضى الله عنه على أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام أمهاتنا وكلمهن ثم بعد ذلك وجه الله أمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام هذا التوجيه فاستقمن ورجعن إلى الله جل وعلا فكان ماذا طبيعة البشر أن يخطىء ونبينا عليه الصلاة والسلام عندما قابل ذلك الخطأ بأن حرم ما حرمه على نفسه من شرب العسل أو سريته عاتبه الله جل وعلا وأمره أن يكفر عما صدر منه وأن يعود إلى ما كان عليه عليه صلوات الله وسلامه وهذا الحديث إخوتى الكرام تقدم معنا ذكره لكن من رواية مسلم غالب ظنى عند بيان معيشة النبى عليه الصلاة والسلام وماذا يوجد فى بيته من أمتعة وتقدم معنا ضمن تلك الرواية أن عمر رضى الله عنه عندما استأذن كان ذلك الغلام الأسود اسمه رباح تقدم معنا وقال له يا رباح استأذن لى فإنى أظن أن رسول الله عليه الصلاة والسلام ظن أنى جئت من أجل حفصة والله لئن أمرنى أن أضرب عنقها لأضربن عنقها فإذا يأمر نبينا عليه الصلاة والسلام بذلك الآن أنا أذهب وأقطع رقبة حفصة رضى الله عنها وأرضاها.

انظر لهذا الإيمان انظر لهذه الشدة التى ظهرت مع ما فيها من كره كيف تظهر معادن المؤمنين وحقائقه والله لئن أمرنى أن أضرب عنقها لأضربن عنقها وهذا فى صحيح مسلم قال ورفعت صوتى وأنه أُذن له لعمر عند ذلك عندما قال عمر هذا وسمعه النبى عليه الصلاة والسلام فإذن الله وأنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أن يخبر الناس انه لم يطلق نساءه أيضا فأذن له وأنه قام على باب المسجد فنادى بأعلى صوته لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وأنه قال له وهو يرى الغضب فى وجهه يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك قال وكلما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولى الذى أقول فنزلت هذه الآية آية التخيير {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} وفيه أى فى تلك الرواية التى تقدمت معنا فى صحيح مسلم أنه قال فلم أزل أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك عليه صلوات الله وسلامه وكان من أحسن الناس ثغرا قال ونزلت أتشبث بالجزع وهو الجزع الذى يرقى كما تقدم معنا عليه إلى المشربة إلى الغرفة وهو جزع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشى على الأرض ما يمسه بيده فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كنت فى الغرفة تسعا وعشرين فقال إن الشهر يكون تسعا وعشرين قال ونزلت هذه الآية {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} قال فكنت أنا الذى استنبطت ذلك الأمر فأنزل الله عز وجل آية التخيير {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} إلى آخر الآيات.

وفى رواية للبخارى ومسلم قال مكثت سنة أريد أن أسأل عمر ابن الخطاب عن آية وهذا هو ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين فما أستطيع أن أسأله هيبة له وهذا حقيقة هو إجلال طلبة العلم للعلماء عندما كانت القلوب طاهرة نقية والسؤال مطلوب لكن لا بد أيضا من الوقوف عند الحد والإكثار من الأسئلة لا سيما إذا كنت أحيانا أسئلة من باب التعنت فهذا كله مذموم شنيع مكثت سنة أريد أن أسأل عمر ابن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجا قال فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه فقلت يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبى عليه الصلاة والسلام من أزواجه فقال تلك حفصة وعائشة فقلت والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك قال فلا تفعل ما ظننت أن عندى من علم فسلنى فإن كان لى به علم خبرتك به ثم قال عمر رضى الله عنه والله إن كنا فى الجاهلية ما نعد للنساء أمرا فى رواية ما نعد النساء شيئا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم قال فبينا أنا فى أمر أتأمره يريد يعنى أن يخطط له أمر من أموره إذ قالت امرأتى لو صنعت كذا وكذا فقلت لها مالك ولما هاهنا فيما تكلفك فى أمر أريده لم َتتكلمين فقالت لى عجبا لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع أنت وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة فقال لها يا بنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان فقالت حفصة والله إنا لنراجعه فقلت تعلمين أنى أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله عليه الصلاة والسلام يا بنية لا يغرنك هذه التى أعجبها حسنها وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها يريد عائشة قال ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتى منها فكلمتها انظر لجواب أمنا أم سلمة فقالت أم سلمة عجبا لك يا ابن الخطاب دخلت فى كل شىء حتى

تبتغى أن تدخل بين رسول الله عليه الصلاة والسلام وبين أزواجه قال فأخذتنى والله أخذا كسرتنى به عن بعض ما كنت أجد فخرجت من عندها وكان لى صاحب من الأنصار إذا غبت أتانى بالخبر وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر ونحن نتخوف ملكا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا فقد امتلأت صدورنا منه فإذا صاحبى الأنصارى يدق الباب فقال افتح افتح فقلت جاء الغسانى قال بل أشد من ذلك اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه فقلت رغم أنف حفصة وعائشة فأخذت ثوبى فخرجت حتى جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مشربة له وهى الغرفة كما تقدم معنا يرتقى عليها بعجلة وهى الدرج من جزع النخيل وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس الدرجة فقلت قل هذا عمر ابن الخطاب فأذن لى بعد أن استأذن ثلاثا كما تقدم قال عمر فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد أن تدخل بين رسول الله عليه الصلاة والسلام وبين أزواجه ما كفاك أنك تدخل نفسك بكل شىء حتى فى هذه القضية الخاصة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه على حصير ما بينه وبينه شىء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وإن عند رجليه قرظا مصبورا وروى مضبورا يعنى جلدا مجموعا مجتمعا على بعضه وعند رأسه أُهب أَهب جمع إهاب معلقة فرأيت أثر الحصير فى جنبه الشريف عليه صلوات الله وسلامه فبكيت فقال ما يبكيك فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قلت بلى.

كما تقدم معنا إخوتى الكرام فى الحادثة الأولى مما كان يجرى من أمهاتنا من قصور وتقصير نحو نبينا عليه الصلاة والسلام فتحمل ذلك ثم بعد ذلك يفأن ويرجعن إلى الحق فكان ماذا وكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وهو كما قلت قصور بشرى يعترى البشر فى هذه الحياة ولذلك امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعفو عن المؤمنين وأن يستغفر لهم وأن يشاورهم فى الأمر {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} اعف عنهم فيما يتعلق بحقك استغفر لهم فيما يتعلق بحق ربك فإذا طهروا فأنت قلبك راض عليهم والله قد غفر لهم لاستغفارك تأهلوا الآن لمناجاتك ولمشورتك وشاورهم فى الأمر تطييبا لخواطرهم هذا حال البشر لا ينفك عن قصور وتقصير لكن كما قلت هذا القصور لا بد من علاجه والاعتراف بالخطأ فضيلة والاصرار على الخطأ جريمة ورزيلة فكان يجرى من أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله صلوات الله وسلامه ما يجرى من قصور وتقصير لكن كما قلت حوادث دون أصابع اليدين فى تلك العشرة الطويلة الطيبة الكريمة يجرى حوادث هذه الحوادث بعد ذلك توجه إلى الصواب وبعد ذلك ينبن إلى الله الكريم الوهاب إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وكل واحدة تعد كل يوم عدا ولما نزلت آية التخيير كلهن قلن ما قالته أمنا الأولى عائشة رضى الله عنها وأرضاها التى بدىء بها أفيك أستشير بل اختار الله ورسوله إذن مما يدل على أن ما جرى دافعه انفعال ظاهرى لا لفساد قلبى هذا الانفعال هذا القصور هذا التقصير يعالج وبعد ذلك زال وانتهى الأمر وهذا القصور كما قلت ليس هو ديدن للإنسان إنما يقع فيه على اختلاف الزمان عند تكرر الأيام هذا حال الإنسان فيقلع ويتوب إلى ذى الجلال والإكرام.

هذه الحادثة الأولى إخوتى الكرام وبينت التوجيه نحوها وكما قلت هناك عدة حوادث ستأتينا وكلها يعالجها نبينا عليه الصلاة والسلام وبعد ذلك تعود الأمور إلى أحسن مما كانت عليه فى الظاهر أما فى الباطن فالأصل إن شاء الله لا يوجد انحراف ولا تغير ولا يعنى تكدر إنما شىء من الانفعال الظاهرى عولج وزال ونسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يجعل سرنا خيرا من علانيتنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك واغفر لمن عبد الله فيه. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

خلق النبي مع السيدة خديجة1-2

خلق النبي مع السيدة خديجة (1-2) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان بسم الله الرحمن الرحيم خلق النبي مع السيدة خديجة (1-2) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. أما بعد: إخوتى الكرام.. كنا نتدارس خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الطيبين الطاهرين المباركين وهذا المبحث قدمت له بثلاثة أمور. أولها: فى بيان مسكن النبى عليه الصلاة والسلام. وثانيها: فى بيان أثاث ذلك المسكن. وثالثها: فى بيان الطعام والقوت الذى كان يقدم فى تلك الحجر المباركة الشريفة الفاضلة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام. وبعد ذلك الأمر الرابع الذى شرعنا فى مدارسته فى معاملة نبينا عليه الصلاة والسلام لأهله هذا الأمر الرابع الذى ما تقدم من الأمور الثلاثة تمهيدا له كما قلت وقلت إن هذا الأمر الرابع أيضا سيقوم على أربعة أمور أيضا. أولها: الإثبات الإجمالى بأن نبينا عليه الصلاة والسلام هو خير الناس لأهله الكرام عليه الصلاة والسلام فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيرهم خيرهم لأهله ونبينا عليه الصلاة والسلام هو خير الخليقة لأهله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وقلت هذا الأمر سأقرره بأمر ثان: ألا وهو شهادة أعلم الخلق بنبينا عليه الصلاة والسلام وهى أمنا خديجة الطيبة الطاهرة المباركة رضى الله عنها وأرضاها فقد علمت حال نبينا عليه الصلاة والسلام قبل بعثته وقبل أن تتزوجه ثم علمت حاله بعد بعثته وقبل بعثته وبعد أن تزوجته ثم علمت حاله بعد بعثته عندما كانت أيضا زوجة له على نبينا وآله صلوات الله وسلامه. والأمر الثالث: فى بيان المعاملة التفصيلية لمعاملة خير البرية مع أهله وأسرته على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

والأمر الرابع: إخوتى الكرام كما تقدم معنا فى استعراض موجز لأحوال أمهاتنا أزواج نبينا وذريته الطيبة المباركة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقد كنا نتدارس الأمر الثانى من هذه الأمور الأربعة بعد أن بينت أن نبينا عليه الصلاة والسلام هو أكمل الخلق خلقا مع الحق ومع الخلق وبناء على ذلك فهو أحسن الناس والخليقة معاملة لأهله عليه صلوات الله وسلامه قلت وقد شاءت حكمة العليم الحكيم سبحانه وتعالى شاءت حكمة الله لأنبيائه أجمعين أن يقوموا برعاية الغنم لينتقلوا بعد ذلك إلى سياسة الشعوب والأمم وقد جمع الله لنبينا عليه الصلاة والسلام رعاية الغنم مع رعاية الإبل قبل بعثته عليه صلوات الله وسلامه ليجمع بين السكينة والسيادة عليه صلوات الله وسلامه فهو المتواضع وهو السيد سيد ولد آدم ولا فخر على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه واستعرضت إخوتى الكرام عند هذا المبحث بعد ذلك بداية المبحث الثانى الذى يتضمن شهادة أمنا خديجة لنبينا عليه الصلاة والسلام ضمن مراحل أولها فى بيان اختيارها لنبينا عليه الصلاة والسلام زوجا لها قبل أن يبعثه الله نبيا لهذه الأمة المباركة المرحومة وقد تقدم معنا أنها هى التى فاتحته بذلك وعرضت نفسها عليه كما ثبت هذا فى معجم الطبرانى والبزار بسند صحيح كما تقدم معنا وورد أيضا أن النبى عليه الصلاة والسلام هو الذى تقدم لخطبتها وأن أختها أيضا توسطت أيضا فى خطبتها وأن نفيسة أيضا توسطت أيضا فى خطبتها وهذه الأمور الأربعة كلها حاصلة أذكرها وأدلل عليها ثم أجمع بينها وأنتقل بعد ذلك إلى شهادة أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها فى نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

تقدم معنا إخوتى الكرام فى آخر الموعظة الماضية أنها عرضت نفسها على النبى عليه الصلاة والسلام فقبل وورد فى بعض الروايات أنه هو الذى تقدم ولا معارضة بين الأمر تقدم بناء على عرضها وهى وفت بعد ذلك بوعدها فقامت بإقناع والدها وتم لها ما أكرمها الله به فى الدنيا والآخرة. ثبت فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير والحديث فى مجمع الزوائد فى الجزء التاسع صفحة عشرين ومائتين وإسناده صحيح رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمى فى المجمع والأثر رواه الإمام البيهقى فى دلائل النبوة مختصرا فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وسبعين عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة أى فى الخطبة ويريد أن يقترن بها وأن يتزوجها عليه صلوات الله وسلامه وكان أبوها يرغب عنه أن يزوجه يعنى لا يريد أن يزوجه وتقدم معنا الدافع لذلك هو الدافع المادى فقط فهو فقير عليه صلوات الله وسلامه وهى أبوها أسرة غنية ثرية جدا يرغب عن أن يزوجه فصنعت أمنا خديجة رضى الله عنها طعاما وشرابا كما تقدم معنا فى الرواية الأولى وتلك من رواية جابر ابن سمرة رضى الله عنهم أجمعين فدعت أباها وزمرا من الناس يعنى نفرا وجماعات من الناس وزمرا من الناس من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا يعنى سكروا وفقدوا عقولهم من رؤوسهم فطعموا وشربوا حتى ثملوا فقالت أمنا خديجة رضى الله عنها لأبيها إن محمدا ابن عبد الله على نبينا صلوات الله وسلامه يخطبنى وهو كما قلنا أكل من اللحم وشرب فثمل إن محمدا يخطبى فزوجنى إياه فزوجها إياه وهو سكران قال فخلقته أى جعلت له الخلوق وطيبته به والخلوق بفتح الخاء وضم اللام خلوق طيب يصنع من زعفران وغيره ويميل لونه إلى حمرة أو إلى صفرة الخلوق ونحن نهينا أن نتطيب بهذا الطيب بالخلوق أى بالطيب الذى يظهر له أثر على الجلد.

فقد ثبت فى الكتب الستة إلا سنن ابن ماجة من رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل أى أن يتطيب من طيب له أثر من صفرة أو حمرة كما هو الحال فى الزغفران نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل. وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفى ريحه وخير طيب الرجال ما خفى لونه وظهر ريحه نهى عليه الصلاة والسلام أن يتزعفر الرجل فهى خلقته يعنى طيبته بالخلوق بالطيب الذى يظهر له أثر فى بشرته على وجهه وعلى يديه وعلى أعضائه وألبسته حلة وهى ثياب من قطعتين من لون واحد وكذلك كانوا يفعلون بالآباء يعنى إذا زوجت البنات يفعل بالأب هكذا يخلق ثم يلبس حلة من قبل ختنه الذى هو زوج ابنته فلما سرى عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة فقال ما شأنى ما هذا الذى حصل فقالت أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها إنك زوجتنى محمد ابن عبد الله عليه صلوات الله وسلامه ولذلك خلقك وألبسك الحلة وعملنا هذه الوليمة فقال أبوها وهو خويلد أنا أزوج يتيم أبى طالب لا لعمرى أنا أزوج يتيم أبى طالب يعنى هذا الفقير أزوجه وأنت تملكين ما يطمع أثرياء قريش ثم أزوجك ليتيم أبى طالب هذه الثروة الطائلة كلها تذهب عند هذا اليتيم على نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنا أزوج يتيم أبى طالب لا لعمرى فقالت خديجة رضى الله عنه أما تستحى تريد أن تسفه نفسك عند قريش يقولون أنت زوجت ثم نكست فلم تزل به حتى رضى رضى الله عنها وأرضاها إذن هو تقدم لكن كما قلت يجمع بين هذا وبين ما تقدم, تقدم بناء على عرضها ورغبتها فتقدم وهى وفت بما وعدت فدبرت هذه الحيلة الشرعية المباركة بحيث اقترنت بخير البرية عليه صلوات الله وسلامه بموافقة والدها عن طريق ما عملته من هذه الحيلة التى لا حرج فى استعمالها من أجل أن تنال موافقة ورضى والدها وقد حصل لها ما تريد وهكذا إخوتى الكرام توسطت أختها وكما قلت توسطت نفيسة وبعدما أقرر هذا نجمع بين هذه

الآثار أرسلت نفيسة أن تعرض على النبى عليه الصلاة والسلام فلما قبل لتتحقق وليزداد يعنى الوثوق من موافقة النبى عليه الصلاة والسلام كلمت أختها فكلمته فقبل ثم فاتحته بنفسها ثم هو تقدم عليه صلوات الله وسلامه. أما عرض أخت خديجة خديجة على نبينا عليه الصلاة والسلام فقد رواه الطبرانى أيضا والبزار وانظروا الأثر فى المجمع فى المكان المتقدم فى الجزء التاسع صفحة عشرين ومائتين كما قلت ورواه أيضا البيهقى فى دلائل النبوة لكن الأثر الأول تقدم معنا أن إسناده صحيح وأما هذا ففيه عمر ابن أبى بكر المؤملى وكان قاضيا فى بلاد الأردن وهو ضعيف متروك ضعفه أبو زرعة وغيره وقال أبو حاتم متروك انظروا ترجمته فى الميزان وفى المغنى فى الضعفاء كلاهما للإمام الذهبى وقد نص الحافظ ابن حجر فى التقريب على أنه متروك وذكره ليميز بينه وبين من يشابهه فى الإسم وليس لهذا رواية فى الكتب الستة وإذا رأيتم ترجمة فى التقريب فى نهايتها تمييز يورده من أجل أن يميز بين هذا الراوى وبين من يشاركه فى الإسم من رجال الكتب الستة ويترجمه عندما يذكره لكن ليس له رواية فى الكتب الستة مترجم فى التقريب وليس له رواية فى الكتب الستة والحديث عن عمار ابن ياسر رضى الله عنهم أجمعين الأول تقدم معنا عن جابر ابن سمرة والثانى عن ابن عباس وهذا عمار ابن ياسر رضى الله عنهم أجمعين ومعناه صحيح يشهد له ما تقدم قال عمار إذا سمع ما يتحدث به الناس من تزوج نبينا عليه الصلاة والسلام بأمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها يقول أنا أعلم الناس بذلك أى بتزوج النبى عليه الصلاة والسلام من أمنا خديجة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه كنت له خدنا وإلفا فى الجاهلية أى بمعنى صاحبا مقاربا له فى العمر والسن خدنا بمعنى تربا يعنى أنا وهو فى سنن واحدة وأنا صاحب له قبل أن يبعث عليه صلوات الله وسلامه قال عمار ابن ياسر فخرجت معه حتى مررنا على أخت خديجة رضى الله عنها وأرضاها وهى

جالسة على أدم على جلد مدبوغ وهى جالسة على أدم فنادتنى نادت عمار ابن ياسر رضى الله عنه وأرضاه فانصرفت إليها ووقف النبى صلى الله عليه وسلم بعيدا كما هى حالته كما تقدم معنا فى الرواية الأولى من رواية جابر ابن سمرة عندما كان شريكه يذهب ليتقاضى الأجرة وهو لا يذهب لأنه يستحى أن يقابل النساء عليه صلوات الله وسلامه وهذا قبل أن يبعث والله جل وعلا رباه فأحسن تربيته ونشأه فأحسن تنشأته وإنك لعلى خلق عظيم عليه صلوات الله وسلامه فقالت أخت خديجة لعمار أما لصاحبك فى تزويج خديجة من حاجة ما له رغبة فى تزوجها وأن تكونه خديجة زوجة له فجاء عمار إلى نبينا المختار عليه الصلاة والسلام حتما قبل أن يبعث فعرض عليه الأمر فقال بلى أريد أن أتزوجها إذا تيسر فأخبر عمار أخت خديجة بذلك فى نفس المجلس فقالت أخت خديجة الأمر مرتب كما قلنا سبقت أيضا بالعرض نفيسة ثم هذه ثم بعد ذلك خديجة الأمر كله مرتب والموافقة حاصلة لكن ما بقى إلا إقناع الولى فقالت أخت حديجة اغد علينا إذا أصبحنا فى اليوم التالى مباشرة تعالى فلا تتأخر يقول عمار فغدوت أنا والنبى عليه الصلاة والسلام أنا ومحمد عليه صلوات الله وسلامه وقد ذبحوا بقرة وألبسوا أباها حلة وضربوا عليه قبة فلما أكلوا من اللحم وشربوا من الخمر وسكروا كلمت خديجة أخاها بأن يزوجها بواسطة أبيها وأن يعرض على أبيها الأمر فى تزويجها من محمد عليه الصلاة والسلام فرضى أخوها بذلك فكلم والده فأجاب فعقد لنبينا عليه الصلاة والسلام ووالدها كما قلت سكران ثم نام بعد أن أكل من الطعام وشرب من الخمر فلما استيقظ وجد فى نفسه الخلوق وهذه القبة ويلبس الحلة قال ما هذه فقالت أمنا خديجة رضى الله عنها وأختها هذه حلة كساكها محمد ختنك عليه الصلاة والسلام والختن هو الصهر ويقال له ختن لأن قرابته بسبب التقاء الختانين كما قال أئمتنا ليس عن طريق النسب إنما عن طريق المصاهرة والزواج يقال له ختن كساكها محمد ختنك

عليه الصلاة والسلام فأنكر ذلك وخرج من بيته يصيح فى شوارع مكة مستنكرا لهذا الأمر حتى أتى الحجر فى الكعبة المشرفة وهو يصيح وأنا ما زوجت محمدا عليه الصلاة والسلام من خديجة فخرجت بنو هاشم فكلموه فقال ما زوجت محمدا عليه الصلاة والسلام من خديجة ثم قال أين صاحبكم الذى تزعمون أننى زوجته فبرز إليه النبى عليه الصلاة والسلام وقالوا هذا هو فلما نظر إليه قال إن كنت زوجته فذاك تم الأمر وإن لم أزوجه فقد فعلت وزوجته الآن لما نظر إليه عليه صلوات الله وسلامه وهذه الرواية تفيدنا فائدة ثانية وهى أن والد خديجة اقتنع بعد أن صحا سكره بنبينا عليه الصلاة والسلام على وجه التمام وعندما نظر إليه فقال إن كنت زوجته فذاك الأمر تم وانتهينا وإن لم أزوجه فقد زوجته الآن فقد فعلت هو زوج لابنتى وليس عندى اعتراض على ذلك وكما قلت تقدم من نفيسة وهى بنت أمية التميمى العرض على النبى عليه الصلاة والسلام. والجمع بين هذه الأمور عرضت أمنا خديجة على نفيسة أن تكلم النبى عليه الصلاة والسلام فقبل ثم عرضت على أختها أن تباشر الكلام بنفسها فقبل ثم فاتحته بنفسها فقبل عليه الصلاة والسلام ثم تقدم ودبرت أمنا خديجة رضى الله عنها ما تقدمت الإشار إليه من أجل إقناع والدها رضى الله عنها وأرضاها يجمع بين هذه الأمور الأربعة بهذه الشاكلة عرض من نفيسة ثم من أخت خديجة ثم من أخت خديجة ثم موافقة النبى عليه الصلاة والسلام وتقدم.

نعم إن أمنا خديجة رضى الله عنها عرضت نفسها على نبينا عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا ينبغى أن تدرج مع الأصناف الثلاثة لتكون رابع الأصناف وهى أشد الأصناف فراسة عندما اختارت خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه وقد ثبت فى سيرة ابن هشام فى الجزء الأول صفحة تسعين مائة أن أمنا خديجة رضى الله عنها قالت لنبينا صلى الله عليه وسلم رغبت فيك لقرابتك وسطتك فى قومك سطة يعنى الشرف والعز والمكانة النبيلة وسطتك فى قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك ثم عرضت نفسه عليه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكما قلت إخوتى الكرام الأمور الأربعة حصلت لكن آخرها عرض من أمنا خديجة ثم باشر النبى صلى الله عليه وسلم الخطبة من والدها ودبرت أمنا ما دبرته من أجل إتمام الأمر وقد تم فلله الحمد والمنة.

وفيما فعلته أمنا خديجة رضى الله عنها يستنبط حكم شرعى منه ومن أمثاله قرره أئمتنا ألا وهو جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح وهذه المسألة من فترة قريبة جرى بحث حولها وكنت مع بعض الإخوة والشيوخ الكرام فى هذه القضية وكأنه كتب عنها فكأن بعض الناس استنكر وقال هل المرأة يجوز أن تعرض نفسها على إنسان من أجل أن يتزوجها قلت وما الحرج لكن لا بد من الضوابط الشرعية يعنى هى تعرض نفسها من أجل صلاح فيه ثم بعد ذلك هو يأتى الأمر من بابه عن طريق الولى لكن هو علم رغبتها وأقنعته أنها تقنع أهلها فليتقدم وهى عليها تدبير الباقى فلا حرج كأن بعض الإخوة يعنى استنكر هذا غاية الاستنكار وقال كيف هذا وكان معنا بعض أيضا الإخوة من الشيوخ ولما بحثنا القضية وذكرت له الأحاديث فى ذلك وأنه حصل هذا كأن بعض الناس سبحان الله يعنى هذا الذى عرضت عليه يعنى يريد أن يجادل حتى لو قلت له الشمس طالعة يقول إذا غمضنا لا نراها طيب أنت لم َ تغمض يعنى أنت لم َ تغمض حتى تقول إذا غمضنا لا نراها إذن ليست طالعة يا عبد الله طالعة ذكرت له بعض الآثار الثابتة فى صحيح البخارى وغيره كما سأقرأ عليكم إن شاء الله وأذكر لكم فقال نعم يعنى هذا عرض لكن هذا العرض بُين يعنى هى تعرض بواسطة وليها هذا معنى الأثر يعنى وليها يأتى يعرض ويتكلم قلت يا أخى لا يوجد دلالى فى الأثر على ذلك أبدا وأنس رضى الله عنه عقب على كلام ابنته كما ستسمعون فى صحيح البخارى عندما قالت وا سوأتاه ما أقل حيائها امرأة تعرض نفسها فقال لها أنس هى خير منك رغبت فى رسول الله عليه الصلاة والسلام فعرضت نفسها عليه فهنا ليس موضوع ولى عرض هى جاءت وعرضت وقد بوب أئمتنا على هذا بابا يشير إلى الجواز وهذا ثابت فى صحيح البخارى أصر هو على رأيه وانفض المجلس على هذا ورأيه باطل قطعا وجزما وأنا لا أعلم خلافا بين أئمتنا الكرام فى هذه المسألة وأن المرأة يجوز أن تعرض نفسها على الرجل الصالح حتما

كما قلت بالصفات الشرعية هو قال كيف ستعرض نفسها عليه قلت يا أخى المسألة سهلة يعنى افرض أنها قابلته فى مسجد قابلته فى شارع افرض أنها أرسلت مع يعنى قريب لها قريبة لها كلمت أخته وقالت كلمى فلانا أخاك أننى راغبة فيه يعنى المسألة قلت له سهلة أنت يعنى لازم يحصل خلوة ويحصل ما حرم الله حتى تعرض نفسها عليه لا يلزم هذا على الإطلاق يعنى ودع الناس قلت بعد ذلك فى ستر الله لكن هذا وارد فى السنة الصحيحة وقد وبو عليه أمير المؤمنين فى الحديث الإمام البخارى فى كتاب النكاح بابا فقال باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح هذا فى صحيح البخارى باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح.

والحديث فى سنن النسائى وبوب عليه باب عرض المرأة نفسها على من ترضاه أى من ترضاه زوجا لها وكفأ لها وهو صالح طيب مستقيم يقول ثابت البنانى كنت عند أنس رضى الله عنه وأرضاه وعنده ابنة له قيل هى أميمة والعلم عند الله ما ورد تسميتها فقال أنس جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها قالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألك بى حاجة فقالت بنت أنس ما أقل حيائها وأى قلة حياء فيها ليتنا مكانها يعنى أى قلة حياء فيها أريد أن أعلم امرأة تأتى لخير خلق الله عليه الصلاة والسلام وتقول ألك بى حاجة فغفر الله لك يعنى ما هذا التعبير ما أقل حيائها وا سوأتاه يعنى كأنها تقول هذه فعلة قبيحة امرأة تعرض نفسها على الرجل طيب ما الحرج هى تعرض نفسها فى حرام أو فيما أحله الرحمن والمرأة إذا كانت زوجة للإنسان كلما عرضت نفسها عليه وتجملت له وكانت عروبا تتصنع له فهذا أعظم لأجرها أما تقول أنا ما أعرض نفسى إذا كان له حاجة يأتى يتعرض لى وإلا لا أريده لا خير فى هذه المرأة ما أقل حيائها وا سوأتاه فقال أنس هى والله خير منك رغبت فى النبى صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها يعنى أنت تعترضين عليها أنت المفضولة وهى الفاضلة والبلاء أن يعترض المفضول على الفاضل هذا البلاء يعنى27:40 رغبت فى النبى عليه الصلاة والسلام فعرضت نفسها عليه ثم أورد بعد ذلك حديثا آخر وهو حديث سهل ابن سعد عندما جاءت امرأة أيضا إلى النبى عليه الصلاة والسلام ووهبت نفسها له وقالت إن كان لك بى حاجة فصوب إليها النظر عليه الصلاة والسلام ثم صرفه فقام بعض الصحابة وقال إن لم يكن لك بك حاجة فزوجنيها إلى آخر الحديث.

يقول الحافظ ابن حجر وفى الحديثين جواز عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه وأنه لا غضاضة عليها فى ذلك وأنا الذى تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار يعنى أنت لست بملزم قد امرأة تعرض نفسها عليك لكن ما عندك استعداد للزواج لكن لا ينبغى أن يصرح لها بالرد يعنى ألا يكسر خاطرها بل يكتفى بالسكوت هى إن عرضت لا غضاضة عليها والحديثان يدلان على ذلك وأنت إن كان لك رغبة صرحت وقلت أنا أرغب منك فيما تقولين وتعرضين وإذا ما لك رغبة اسكت فقط فسكوتك يعلم أنك لا تريد فلا تكسر خاطرها وتقول ما أريد هذا فحقيقة يعنى كسر القلوب من العيوب فلا تكسر خاطرها إذا رغبت فيك فاسكت وهى تعرف المراد فلعل الله يهيأ لها من خير منك وخزائن الله ملأى كما قلت إخوتى الكرام هذا فى فتح البارى انظروا فى الجزء التاسع صفحة خمس وسبعين ومائة وهنا أمنا خديجة رضى الله عنها فعلت هذا. إخوتى الكرام.. فيمن زوجة خديجة من نبينا عليه الصلاة والسلام ورد فى الآثار ثلاثة أقوال نجمع بينها كما جمعنا فى كيفية عرض خديجة على نبينا على نبينا وآله صلوات الله وسلامه الذى عرض نفيسة وأختها وهى ثم هو تقد وهنا قيل زوجها عمها وقيل أبوها وقيل أخوها ونجمع بين الأمور الثلاثة والأشخاص الثلاثة فلا تعارض وأما ما ذهب إليه ابن هشام وابن سعد من ترجيح وتصويب كون الولى فى تزوجيها عمها وهو عمرو ابن أسد فبعيد وقيل إن الذى زوجها أخوها وهو عمرو ابن خويلد أيضا بعيد ولا داعى لهذا إنما هؤلاء هم العصبات وهم الأولياء فوالدها هو الذى أبرم عقد النكاح بحضور عمها وبعرض أخيها وموافقته كما تقدم معنا فى بعض الروايات وهؤلاء الثلاثة اشتركوا فى ذلك فلا داعى أن نثبت يعنى وأن نقصر العقد على واحد وأن نقول بقية الروايات يعنى إذن ترد هؤلاء كلهم حضروا العقد فنسب لكل منهم بأنه شارك فى شىء من العقد أنه هو الذى تولى تزويج أمنا خديجة من نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وهذا كما أن الذى رغب أمنا خديجة فى نبينا عليه الصلاة والسلام متعدد أيضا يعنى الذى عرض متعدد والذى حضر العقد متعدد والدافع فى نبينا عليه الصلاة والسلام رغبات متعددة من جملة ذلك ميسرة رغب أمنا خديجة رضى الله عنها فى نبينا عليه الصلاة والسلام عندما أخبرها أنه صادق أمين وهذا غلامها وقد ذهب معه فى التجارة إلى بلاد الشام وأن الغمام يظلله من الشمس عليه صلوات الله وسلامه وأنه يقل الكلام ويقل اللغو وهذا لا نظير له فى البشر عليه صلوات الله وسلامه حقيقة عندما يعرض هذا الغلام أوصاف هذا الإنسان وهو خير إنسان على نبينا صلوات الله وسلامه يكون فى ذلك دافع فى قلب أمنا خديجة من ميل إليه ميسرة من جملة من رغب خديجة فى نبينا عليه الصلاة والسلام. وأختها تقدم معنا قالت ما رأيت رجلا أشد حياء ولا ولا ولا من محمد عليه الصلاة والسلام فرغبت خديجة فى ذلك. منها الثناء العام الذى كان يتميز به نبينا عليه الصلاة والسلام فكان يعرف قبل بعثته بالصادق الأمين عليه صلوات الله وسلامه كما تقدم معنا هذا بأدلته.

ومنها أيضا أمر رابع وهو أمر غريب حقا وهذا من البشائر التى فى الكتب السابقة بنبينا عليه الصلاة والسلام لكن النساء استنكرنه وأمنا خديجة رضى الله عنها فى ذلك الوقت فرحت به وسألت ربها أن يكون من نصيبها روى الإمام ابن إسحاق فى المغازى قال كان لنساء قريش عيد يجتمعن فيه فى المسجد فى المسجد الحرام حول الكعبة المشرفة فاجتمعن يوما في يوم العيد فيه فجاء يهودى فقال أيا معشر نساء قريش إنه يوشك فيكن نبى قرب وجوده يوشك يقرب أن يخرج فيكم نبى فيكن يا معشر قريش فأيتكن استطاعت أن تكون فراشا له فلتفعل هذا اليهودى نساء قريش يجتمعن فى المسجد الحرام وجاء ووقف على رؤوسهن وقال يا معشر نساء قريش اقترب خروج نبى منك من قريش وبشر بنينا عليه الصلاة والسلام فى الكتب السابقة وتقدم معنا سابقا عند خاتم النبوة فيما حصل لسلمان رضى الله عنه وأرضاه وأن آخر الأساقفة والقسس قال له لا يوجد أحد على الدين الحق دين النصرانية إنما قد أظل زمان خروج نبى عليه الصلاة والسلام ووصف له نبينا عليه الصلاة والسلام.

وهنا هذا اليهودى جاء إلى مكة وألهمه الله هذا الكلام قال يا معشر نساء قريش سيبعث عما قريب فيكم نبى من استطاعت منكن أن تكون فراشا له فلتفعل فلتغتنم هذا قال فحصبته النساء وقبحنه وأغلظن له أنت الآن يهودى وتريد منا يعنى أن نعرض أنفسنا على الرجال وأن نكون فراشا لرجل سيبعث ما يعنى استرحن إلى هذا الكلام قال وأغضت خديجة رضى الله عنه على قوله رضى الله عنها وأرضاها على قول اليهودى ووقع ذلك فى نفسها فلما أرسلت معه غلامها ميسرة وعاد من التجارة وذكر لها صفات النبى عليه الصلاة والسلام ولم يكن نبينا عليه الصلاة والسلام نبأ قالت إن كان ما قاله اليهودى حقا ما ذاك إلا هذا ليس يبعث فينا معشر قريش إلا هذا فتعلقت به وما ملكت نفسها وحقيقة طينة طيبة وقلب طاهر وما تظن أنها ترغب يعنى فى الاقتران به من أجل أنه بشر من أجل شهوة بشرية إنسانية لا ثم لا إنما هذا المعنى لما فى قلبها من طهارة رسخ فى ذهنا نبى سيبعث هنيئا لمن تقترن به اليهودى يقول من استطاعت منكن أن تكون فراشا له فلتفعل فالنساء استنكرن وهى كتمت هذا وسألت ربها أن يكون هذا النبى زوجا لها وما تعلم من هو عليه صلوات الله وسلامه لكن لما ذهب غلامها معه وحكى لها صفاته عليه الصلاة والسلام قالت إن كان ما قاله اليهودى حقا ما ذاك الذى بشرنا به اليهودى إلا هذا إلا محمد عليه صلوات الله وسلامه وفراستها فى محلها رضى الله عنها وأرضاها. إخوتى الكرام.. كما تعدد من عرض وتعدد الدافع وتعدد العاقد تعدد أيضا من ذهب من قبل النبى عليه الصلاة والسلام معه لإجراء العقد من أعمامه وما قيل إنه ذهب حمزة وذهب أبو طالب رضى الله عن حمزة وعن آل بيت نبينا وصحبه الكرام وعلى نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وأما أبو طالب فقد شاء قدر الله جل وعلا ألا يؤمن {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} سبحانه وتعالى وهو أعلم بالمهتدين.

وتقدم معنا أن أعمام النبى عليه الصلاة والسلام أربعة آمن اثنان حمزة والعباس وكفر اثنان أبو لهب وأبو طالب أما أبو لهب فهذا العاتى الشرير الذى كان يبذل ما فى وسعه لإيذاء ابن أخيه نبينا الجليل عليه الصلاة والسلام وأما أبو طالب فعلى العكس كان يبذل ما فى وسعه لنصرته لكن ما آمن حتى لا يعير من قبل قريش أنه ترك ملة الآباء والأجداد عبادة الأصنام ونسأل الله حسن الختام فذهب حمزة رضى الله عنه وأرضاه وأبو طالب مع النبى عليه الصلاة والسلام نعم إن الذى عقد العقد هو أبو طالب لأنه كما تقدم معنا نشأ فى كنفه وهو بمثابة الوالد له وألقى أبو طالب خطبته الشهيرة فى عقد ذلك الزواج المبارك الميمون فقال الحمد له الذى جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد ضئضىء بمعنى الأصل والمعدن يعنى نحن من أصل معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا ثم إن ابن أخى هذا محمد ابن عبد الله على نبينا صلوات الله وسلامه لا يوزن برجل ألا رجح به شرفا وفضلا ونبلا وعقلا وهو وإن كان فى المال قُلٌ أى قليل لا يملك منه كثيرا فإن المال ظل زائل وأمر حائل ومحمد عليه الصلاة والسلام من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة وبذل لها ما آجله وعاجله من مال كذا وكذا ومقدار المهر اثنتا عشرة أوقية ونشا وهذه هى مهور أمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا الأوقية قلنا أربعون درهما اثنتا عشرة أوقية تصبح أربعمائة وثمانين درهم والنش نصف الأوقية يعنى عشرون المجموع خمسمائة درهم مهر أمهاتنا جميعا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا تحمله أبو طالب فبعد أن تم العقد أرسلت أمنا خديجة وهى مستعجلة لتنال الخير والبركة ممن سيكون نبى هذه الأمة حسب فراستها على نبينا صلوات الله وسلامه فقالت له مر عمك فلينحر بكرا وهى الفتية من الإبل ما يؤخر الأمر وأطعم الناس فى هذا اليوم تم العقد فلا تؤخر البناء والاتصال وهلم فقِل

مع أهلك يعنى نم القيلولة وصرت زوجتا لك عمك ينحر بكرا وأطعم الناس وهلم فقل مع أهلك فقال النبى صلى الله عليه وسلم معها فقر الله عينه وفرح عمه فرحا شديدا على نبينا صلوات الله وسلامه. هذه المرأة الطيبة المباركة الطاهرة العاقلة الفاضلة صاحبت نبينا عليه الصلاة والسلام خمسا وعشرين سنة خمس عشرة سنة قبل بعثته فانظر عند بعثته من سنة خمس وعشرين إلى أربعين وهذا السن فى الإنسان يعنى يظهر ما عنده يعنى قد بعد الأربعين إنسان يتطلع لكن يعنى من خمس وعشرين إلى أربعين هذا سن الشباب وما فى النفس سيظهر وهى صاحبته فى هذه الفترة وهذا كله قبل أن يكون نبيا فتعرف سره وعلنه مدخله ومخرجه كما كانت تعرف أخباره قبل أن تتزوجه بعد ذلك صاحبته فى جميع أحواله وهذا كله قبل بعثته لما نبأ انتبه ماذا جرى اختبرته باختبار كما سيأتينا وقالت هذا ليس بشيطان ثم قالت له أيضا عندما قال لها خشيت على نفسى قالت والله ما يخزيك الله أبدا فيك وفيك وفيك من الصفات النبيلة الطيبة الطاهرة فكيف ينزل عليك شيطان ويقترب منك الشيطان يأتى إلى شياطين الإنس أمثاله {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين *تنزل على كل أفاك أثيم *يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} أما شيطان يأتى لأولياء الرحمن لا يمكن هذا أبدا فانظر لكلامها فى نبينا عليه الصلاة والسلام ثم انظر لاختبارها وهذا كما قلت هو الأمر الثانى فى مبحثنا فى شهادة أمنا خديجة فى نبينا على نبينا وآله صلوات الله وسلامه.

أما كلامها فيه رواه الإمام أحمد فى المسند والشيخان فى الصحيحين ورواه البيهقى فى دلائل النبوة والترمذى فى السنن ورواه عبد الرزاق فى مصنفه وابن حبان فى صحيحه وأبو نعيم فى دلائل النبوة ورواه الإمام أبو بشر الدولابى وقد توفى سنة عشر وثلاثمائة للهجرة فى كتابه الذرية النبوية الطاهرة على نبينا صلوات الله وسلامه وسيأتينا تلخيص ما فى هذا الكتاب عند المبحث الرابع من هذه الأمور فى استعراض أسرة نبينا عليه الصلاة والسلام عليه وعلى آله صلوات الله وسلامه.

ولفظ الحديث عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها وكما قلت هو فى الصحيحين وغيرهما أعلى الأحاديث صحة ودرجة عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت أول ما بدىء برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة وفى رواية الرؤيا الصادقة فى النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح هذه هى أول مراتب الوحى وقد استمرت مع نبينا عليه الصلاة والسلام ستة أشهر توطأة لنزول الملك عليه رؤيا صالحة صادقة ما يراه فى نومه إذا استيقظ يراه واضحا جليا واقعا من باب تأنيسه بما سيحصل له عليه الصلاة والسلام ولذلك الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة لأن فترة نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام ثلاثا وعشرون سنة وستة أشهر منها أوحى إليه عن طريق المنام وستة أشهر نسبتها إلى ثلاث وعشرين سنة ست وأربعين شهرا أوليس كذلك يعنى واحد من ستة وأربعين هذا أظهر ما قيل بأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة يعنى أنت شابهت النبى عليه الصلاة والسلام فى هذا الأمر الذى هو حصل له قبل نزول الوحى عليه جبريلعلى نبينا وعليه الصلاة والسلام رؤيا صالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح مثل الفجر الصادق الذى لا لبس فيه ولا إشكال ثم حبب إليه الخلاء عليه صلوات الله وسلامه وهذا حاله وحال الأنبياء وحال الأتقياء فى كل وقت يأخذون بحظهم من الخلوة والعزلة بينهم وبين ربهم جل وعلا وينبغى للإنسان أن يكون له دائما وقت يخلو فيه بربه جل وعلا لا يكون معه فيه لا زوجة ولا ولد ولا أحد من خلق الله ولذلك شرع لنا الاعتكاف والاعتكاف من أفضل العبادات وإذا كنت معتكفا أعظم عبادة تقوم بها الفكر والذكر حتى فى المدارسة العلم والتعلم اتركه وتركه فى وقت الاعتكاف أعظم لك وأنفع لأجرك وأصفى لقلبك هذا الآن وقت

69الفروق بين مشتهيات الدنيا ولذات لآخرة

الفروق بين مشتهيات الدنيا ولذات الآخرة (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان الفروق بين مشتهيات الدنيا ولذات الآخرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. كنا نتدارس مقاصد النكاح والحكم العامة من مشروعيته وقلت له حكم كثيرة غزيرة يمكن أن نجملها فى خمس حكم. أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية أو معنوية. الحكمة الثانية والفائدة الثانية: إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية. والحكمة الثالثة: تحصيل الأجر للزوجين عن طريقين اثنين حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدته بعد ذلك فى النفقة. الحكمة الرابعة: تذكر لذة الآخرة وهى التى كنا نتدارسها وما قبلها فقد تقدم الكلام عليها. وآخر الحكم: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه وعشيرته.

إخوتى الكرام: كما قلت كنا نتدارس الحكمة الرابعة من مقاصد النكاح وحكمه العامة تذكر لذة الآخرة وتقدم معنا أن شهوة النكاح هى ألذ شهوات الجسد وهى أعظم الشهوات الحسية والنفس البشرية تتعلق بها وإذا كان الأمر كذلك فهذه اللذة كما تقدم معنا التى يقدمها الإنسان على غيرها من المشتهيات المحسوسة فيها كما تقدم نقائص وآفات فإذا كانت النفس تتعلق بها مع ما فيها من نقص وآفات فمن باب أولى ستتعلق بهذه اللذة فى الدار الآخرة إذا لم يكن فيها آفة مكدرة. وكنا نتدارس إخوتى الكرام العيوب والنقائص والآفات التى تكون فى الشهوة الجنسية فى هذه الحياة وقلت لذلك آفات كثيرة سنتدارس عشر آفات منها تقدم الكلام غالب ظنى على ثمان آفات ووقفنا عند الآفة الثامنة أسرد الآفات باختصار وأتكلم على ما لم نتكلم عليه فيما مضى الآفة الأولى تقدمت معنا إخوتى الكرام قلت صورة قضاء هذه الشهوة صورة ممتهنة الآفة الثانية لا يحصلها الإنسان إلا بتعب وكلفة الآفة الثالثة يترتب عليها تعب وكلفة عليه وعلى زوجه عند قضاء تلك الشهوة كما تقدم معنا يجهدها ويجهد نفسه ويجتهد فى ذلك الفعل الآفة الرابعة قلت إن هذه الشهوة لا تطيب إلا عند الحاجة وهذا من علامات النقص فيها فليست إذن شهوة حقيقية الآفة الخامسة قلت هذه الشهوة وسائر مشتهيات الدنيا حقيقتها تخلص من ألم بألم ودفع تعب بتعب وتخلص من حاجة بحاجة فليست هذه اللذة أيضا كاملة الآفة السادسة قلت مع ما فيها من هذه الآفات النفس لا يقنعها ما يكفيها وهذه هى دار الفقر ودار النقص ولذلك لو حصل منها ما حصل يتطلع ولا يشبع لكن فى الآخرة يوجد ما يشبعه ولا يتطلع إلى غير ما عنده الآفة الثامنة وهى التى كنا نتدارسها قلت يشارك الإنسان فيها الأشرار من بنى الإنسان كما يشاركه فيها البهيم من الحيوان والآفة التاسعة إنها زائلة والآفة العاشرة إذا وضعت فى غير محلها جرت الشقاء عليه وعلى الأمة والناس بأسرهم.

الآفة الثامنة: وهى آخر ما تدارسنه إخوتى الكرام قلت هذه الشهوة مما يدل على نقصها ووجود الآفات فيها أنه يشاركك فيها الغواة من العصاة يشاركك فيها المشركون والمشركات يشاركك فيها البهائم والعجماوات بل ربما كان نصيب تلك البهائم منها أكثر من نصيبك بكثير وواقع الأمر كذلك وقلت لكم إن حيوانا صغيرا وهو العصفور أكثر سفادا ووطأ من بنى آدم وهو أكثر الحيوانات على الإطلاق وأكثر المخلوقات على الإطلاق مباشرة وقضاء شهوة وهو صغير الحجم بمقدار ملىء الكف وهذا كما قلت مما يدل على نقص هذه الشهوة وهكذا كما قلت بقية الأمور التى فينا إذا افتخر الإنسان بقوته فالسباع أقوى منه وإذا افتخر يعنى تحمله وحمله فالبغال تتحمل أكثر منه وخلق الإنسان ضعيفا كما قال الله جل وعلا فإذن هذه الشهوة يشاركك فيها شرار الخلق ويشاركك فيها البهائم والمشاركة فى اللذة كما تقدم معنا من علامات النقص فيها وتضعف التلذذ بها لأنها ليست خالصة لك يشاركك فيها الأراذل يشاركك فيها الحيوانات العجماوات نعم إن مشاركة الأضداد لك فى المعنى فى أمر من الأمور يضغف قيمة ذلك الأمر عندك والكفار هم أضداد لنا فهم نجس بص القرآن إنما المشركون نجس والمؤمن طيب طاهر مطيب هذه اللذة اشتركنا معهم فيها هذا مما يضعف قيمتها عندنا مما يضعف القيمة عند الطيبين إن هذه اللذة شاركك فيها هؤلاء الأراذل وهكذا يشاركك فيها أضادك الذين هم فى الصورة والمعنى أيضا وهم الحيوانات أولئك أضداد لنا فى المعنى وصرتهم كصورتنا لكن حقيقتهم تخلف عن حقيقتنا فهم معادن نجسة وهنا معادن طيبة طاهرة وبعد ذلك يشاركك فيها من يخالفك فى الصورة والمعنى من الحيوانات العجماوات كما قلت هذا كله يضعف قيمة اللذة عندك أما هذه اللذة فى الآخرة لا يشاركك فيها حيوان بهيم ولايشاركك فيها كافر لئيم {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك

نفصل الآيات لقوم يعلمون} ولذلك عندما يطلب أهل النار من الأبرار أن يفيضوا عليهم من الماء أو مما رزقهم الله فيقولوا إن الله حرمهما على الكافرين وحقيقة هناك لذة لا تنغيص فيها بوجه من الوجوه ثم ليس عند غيرك ما ليس عندك هناك {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلاهن أبكارا} كما سيأتى فى وصفهن عربا أترابا فى ترب واحد فى سن واحدة متماثلات فلا تتطلع إلى ما عند غيرك الكل يعنى عنده ما يساوى ما عند غيره وعليه يستوون فى ذلك فلا تتطلع النفس إلى ما ليس عندها فعندها كما عند غيرها إذن لذة خالصة فى الحياة وأما هنا فليست خالصة وكما قلت هذا من علامات النقص فى هذه الشهوة.

الآفة التاسعة: هذه اللذة مهما طالت وصفت فهى زائلة فانية إذا طالت وصفت لك فلا منغص فيها ولا مكدر وهيهات هيهات فالمكدرات تحيط بها من جميع الجهات مع هذا أيضا لا تدوم زائلة ومنتهية وهذا هو حال الدنيا من أولها إلى آخرها وقد فضحها الموت فلم يترك لذى لب فيها فرحا حقيقة إنه هادم وهازم اللذات وكل لذة تتمتع بها يأتى الموت ويستأصلها ويذهبك عنها ويحول بينك وبينها إذن هذه اللذة مع ما فيها من نقص ليست دائمة وأما فى الآخرة فالأمر ليس كذلك وكما قلت هذه الشهوة تناسب حال هذه الدنيا التى هى دار الذل والعناء والبلاء والفقر والتعب والنكد هذه الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذلك إلى زوال بلى وما دنياك إلا مثل فىء أظلك ثم آذن بالزوال ثم آذن بالارتحال حال الدنيا من أولها لآخرها ذاك فىء تستظل به ثم يزول كظل تستظل به ثم يزول وهنا كذلك فهذه الشهوة إذن زائلة وأما شهوات الآخرة نعيم الآخرة هناك يا عبد الله تصح فلا تسقم وهناك يا عبد الله تشب فلا تهرم وهناك يا عبد الله تنعم فلا تبأس كما سيأتينا وهناك تتمتع فلا تتكدر وهناك تحيا فلا تموت فشتان شتان ما بين النعم واللذائذ والمشتهيات فى هذه الحياة وما بين ما يكون فى نعيم الجنات نسأل الله أن يجعل دار كرامته دار لنا بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

آخر المكدرات فى هذه الشهوة إن وضعت فى غير محلها فلا شىء من الضر يعدلها هذه لووضعت فى غير المكان الذى أمر الله أن توضع فيه يترتب عليها من البلاء ما هو عظيم فظيع لا شىء من الضر يعدل ضر وفساد وبلاء هذه الشهوة إن وضعت فى غير محلها تورث الأسقام أمراض فيك وفى من يضع الإنسان شهوته فيها مما لم يؤذن له أن يضع تلك الشهوة فيها أمراض وأسقام تحدث الشقاق والخصام تملأ الدنيا بأولاد الحرام توصل إلى النيران توجب مقت الرحمن وحقيقة إذا وضعت فى غير محلها فهى الفاحشة كما أخبر بذلك ذو الجلال والإكرام والفاحشة هى المعصية التى تناهت فى القبح عقلا وشرعا العقل يذمها والشرع يحرمها ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا أراد أن يتلذذ عن طريق ما حرم الله فابتلاه الله بالأمراض والأسقام بحيث إذا أراد بعد ذلك أن يتناول هذه الشهوة من طريق حلال لما استطاع هذه كله من علامات النقص فى هذه الشهوة وفى هذه اللذة وقد أشار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر وأخبرنا أن الفواحش إذا نتشرت فى الأمة يحصل بها الطاعون والأمراض الفتاكة التى لم تكن فى أسلافهم والحديث مروى عن عدة من الصحابة الكرام ثبت ذلك عن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما فى سنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم والحديث رواه البزار فى مسنده والبيهقى فى السنن الكبرى والإمام أبو نعيم فى حلية الأولياء وإسناده صحيح كما قلت من رواية عبد الله رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم أقبل عليه بوجهه الكريم المنور عليه صلوات الله وسلامه فقال يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهن أعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة فى قوم إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم وهذا ما تعيشه الأمة فى هذه الأيام أرادوا أن يتعجلوا اللذة عن طريق ما حرم الله فسلط الله عليهم ما ينكد حياتهم من الإيدز والهربس والزهرى والسيلان وغير ذلك من الأمراض والأسقام لم تظهر

الفاحشة فى قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم فإذا أحدثوا معصية وعملوا فاحشة وتجاوزوا حدود الله نغص الله عليهم الحياة فى العاجل قبل الآجل والخصلة الثانية ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما فى أيديهم والخصلة الثالثة وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم والخصلة الرابعة لم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان والخصلة الخامسة لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا والشاهد معنا أول هذه الأمور الخمسة فلم تظهر الفاحشة فى قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم.

والحديث إسناده صحيح إخوتى الكرام كما قلت فى المستدرك وغيره صححه الحاكم وأقره عليه الذهبى والحديث روى من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين فى معجم الطبرانى الكبير والسنن الكبرى للإمام البيهقى والحديث كما قال عنه الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الأول صفحة خمس وأربعين وخمسمائة قريب من الحسن وله شواهد قريب من الحسن هذه رواية عبد الله ابن عباس وله شواهد يشهد له رواية كما قلت عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين ولفظه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال خمس بخمس فقال الصحابة الكرام ما خمس بخمس يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال النبى عليه الصلاة والسلام ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم ولا فشت فيه الفاحشة إلا فشا فيهم الموت والموت بسبب الطواعين والأمراض والأسقام التى تنتشر فيهم ولا فشت فيهم الفاحشة الفواحش إلا فشا فيهم الموت ولا طففوا الميزان إلا أخذوا بالسنين جمع سنة وهى القحط والجدب وما منع قوم الزكاة إلا منع القطر من السماء والخامسة ولا جار قوم فى الحكم إلا جعل الله بأسهم بينهم تصبح الخصومات بين الأمة والهرج والمرج والقتل ونسأل الله العافية من سخطه.

إذن روى أيضا من حديث عبد الله ابن عباس وروى من حديث بريدة رضى الله عنهم أجمعين رواه الإمام الحاكم أيضا فى مستدركه والبيهقى فى السنن الكبرى لكنه ذكر ثلاثة أمور فى رواية بريدة أولها عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال ما نقض قوم العهد إلا فشا القتل بينهم وهناك تقدم معنا إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم سلط الله عليهم عدوهم وهنا القتل ينتشر بينهم واجمع هذا مع الروايات التى تقدمت ويسلط الله عليهم أيضا عدوهم والخصلة الثانية وما ظهرت الفاحشة إلا سلط الله عليهم الموت هذا كرواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وراية ابن عمر كما تقدم معنا إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم والخصلة الثالثة وما منع قوم الزكاة إلا منعوا القطر من السماء ورواية بريدة صحيحة الإسناد كرواية عبد الله ابن عمر ورواية عبد الله ابن عباس كما قال الإمام المنذرى قريبة من الحسن يشهد لها رواية عبد الله عمر وبريدة رضى الله عنهم أجمعين. هذه الشهوة إن وضعت فى غير محلها لا شىء من الضر يعدلها.

إخوتى الكرام: هذه الشهوة مع ما فيها من هذه النقائص والآفات النفس تتعلق بها آفات يعنى من بدايتها صورتها ممتنة إلى نهايتها إن وضعت فى غير محلها نشرت البلاء والأمراض والأسقام مع ذلك النفس تتعلق بها إذا كانت النفس تتعلق بهذه الشهوة مع ما فيها من آفات فحقيقة ينبغى أن تتعلق بهذه الشهوة التى تكون فى نعيم الجنات وليس هناك فيها آفة من الآفات فهذه الشهوة تذكرك بما يكون فى الدار الآخرة من لذة كاملة لا تنغيص فيها بوجه من الوجوه فإذا تعلقت بهذه اللذة الناقصة فإذا كنت عاقلا ينبغى أن تتعلق بها إذا كانت كاملة وهذا ما يكون فى الدار الآخرة إذن هذه اللذة تذكرنا باللذات التى تكون فى نعيم الجنات نعم هناك نكاح وهنا نكاح كما أن هناك مطاعم ومشارب وهنا مطاعم ومشارب لكن لا يوجد اتفاق بين ما فى الآخرة مما هو موجود فى الدنيا إلا فى الأسماء فقط أما المسميات والحقائق مختلفة كما ثبت هذا عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما والأثر ثابت عنه بإسناد صحيح رواه الإمام هناد ابن الثرى فى كتاب الزهد انظروا فى الجزء الأول صفحة تسع وأربعين وصفحة واحدة وخمسين ورواه الإمام الطبرى فى تفسيره فى الجزء الأول صفحة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ورواه الإمام أبو نعيم فى كتابه صفة الجنة وهو كتاب عظيم للإمام أبى نعيم صاحب كتاب حلية الأولياء وقد طبع الجزء الأول من كتاب صفة الجنة فى قرابة مائتى صفحة وهو عندى وما عندى علم عن بقية الأجزاء وقد ذكر الإمام أبو نعيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا هذا الأثر فى كتاب صفة الجنة فى صفحة ستين ومائة ورواه الإمام البيهقى فى كتاب البعث والنشور فى صفحة واحدة وعشرين ورواه الإمام المسدد فى مسنده كما نقل ذلك وعزا إليه الإمام ابن حجر فى المطالب العالية فى الجزء الرابع صفحة أربع وأربعمائة والأثر رواه مع هؤلاء الإمام ابن المنذر فى تفسيره وابن أبى حاتم فى تفسيره كما فى الدر المنثور فى الجزء الأول صفحة

ثمان وثلاثين. ورواه أيضا الإمام الضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة كما فى فيض القدير فى الجزء الخامس صفحة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وإسناد الأثر إلى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما صحيح ولفظه قال ليس فى الدنيا مما فى الجنة إلا الأسماء والأثر روى عنه بلفظ ليس فى الجنة شىء مما فى الدنيا إلا الأسماء ليس فى الدنيا مما فى الجنة إلا الأسماء أى هناك نعم وهنا نعم هناك فاكهة ونخل ورمان وهنا فاكهة ونخل ورمان لكن الحقائق تختلف هناك طعام طيب إذا أكلته لا يتحول إلى فضلات رشح أطيب من المسك وهنا بعد ذلك كما سيأتينا فى صفة التمتع بنساء أهل الجنة من المؤمنات الصالحات ومن الحور الطيبات تمتع لا يعدله تمتع كما سأذكر وصف نساء أهل الجنة وكيفية التمتع بهن حقيقة تمتع وتمتع لكن البون بينهما كالبون بين الدنيا والآخرة تماما ولذلك لا يوجد شىء مما فى الجنة يشبه ما فى الدنيا إلا فى الأسماء فقط الأسماء واحدة هنا زوجة وهنا زوجة هنا وطء وهنا وطء وهنا فاكهة وهنا فاكهة لكن الحقائق مختلفة تمام الاختلاف إخوتى الكرام فهذه الشهوة مع ما فيها من نقص كما قلت النفس تتلعق بها وحقيقة هى أيضا أعظم اللذات والمشتهيات الحسية فإذا كان العاقل يتعلق بها مع ما فيها من نقص فإذا كان عاقلا كاملا ينبغى أن يصرف همته للتعلق بهذه الشهوة التى تكون فى دار كرامة الله ورضوانه فلا نقص هناك فيها بوجه من الوجوه.

إخوتى الكرام: هذه الآفات التى توجد فى هذه الشهوة الجنسية فى هذه الحياة حقيقة هى آفات ونقائص وهى مغارم وإذا استحضرها الإنسان قد يعرض عن النكاح الذى أحله الرحمن يقول يعنى تعب ونكد ويترتب عليها ما يترتب وقد زوجة تذبحه وقد ولد يقتله كما تقدم معنا فى هذه الشهوة كل هذا2652 نعرض عنه وأصرف همتى إلى ما عند ربى ولا أريد أن أتزوج فى هذه الحياة حقيقة إذا استحضر الإنسان المغارم قد يعرض عن ما فى الزواج من مغانم لكن الله حكيم وحقيقة قد يعرض بعض الناس عن هذه الشهوة فمن حكمة الله أن جعل الله هذه الشهوة فى النفس البشرية بماثبة سياط ملهبة تلسعه وتدفعه لإخرجها وإشباعها عن طريق ما أحل الله وإلا لم يكن فى النفس شهوة تنبعث من أجل إروائها وقضائها لربما يعنى إذا قلت يعنى أعرض أكثر الناس عن قضاء هذه الشهوة لما بالغت يقول أتحمل كل هذا النكد من أجل يعنى شهوة زائلة ومتعة قليلة وترتب عليها ما ترتب لكن جعل الله كما قلت هذه الشهوة سياط ملهبة تتلغه كما يلدغ العقرب الإنسان وتؤذيه إذا لم يخرجها فإن أخرجها عن طريق ما أحل الله سعد وحصل الخير مع ما فيها من نكد وهذه الحياة لا تخلو من نكد اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة هذه الحياة لا تخلو من نكد فإذن جعل الله الشهوة ليحث العباد بها إلى قضاء هذه الشهوة وإنجاب الذرية التى تعبد رب البرية ثم رتب الله أيضا أجورا عظيمة على قضاء هذه الشهوة ليتنافس الأكياس أيضا فى قضاء هذه الشهوة وتحصيل ما يترتب عليها من خيرات فالإنسان عندما يباشر أهله له أجر عند رب الأرض والسموات كما سيأتينا هذا من كلام نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه إذن سياكا ملهبة تدفعنا لإشباع هذه الشهوة ثم أجر من الله يحثنا أيضا لتحمل ما فى هذه الشهوة من آفات ومن نقائص ومن مكدرات إيثارا لمرضات الله على ما تهواه نفوسنا وعلى ما قد تعرض عنه بعض العقول ولذلك يقدم الإنسان رغبة الشرع على رغبته فقد هو يريد الإعراض

عن النكاح وقد يقاوم تلك السياط الملهبة قد لكن إذا استحضر الأجر العظيم الذى يحصله عند عشرته لزوجه يهون عليه أن يتحمل الكدر الذى فى هذه الشهوة. ولذلك إخوتى الكرام بين لنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن فى قضاء هذه الشهوة أجرا عظيما عند الله جل وعلا ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من رواية أصدق هذه الأمة لهجة سيدنا أبى ذر رضى الله عنه وأرضاه قال جاء ناس من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وهم الفقراء فى زمن النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقالوا يا رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ذهب أهل الدثور بالأجور والدثور جمع دثر وهو المال الكثير أى ذهب أهل الأموال بالأجور العظيمة عند ذى العزة والجلال لم انتبه لهذه المنافسة الشريفة الطيبة يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم عندهم أموال شاركونا فى العبادة التى لا تحتاج إلى مال من صلاة وصيام لكن عندهم مال يتصدقون يعتقون وليس عندنا مال نتصدق فقال النبى عليه الصلاة والسلام: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ليست الصدقة قاصرة على الصدقة المالية هناك أمور كثيرة لكم فى فعلها ثواب الصدقة أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون إن لكم بكل تسبيحة صدقة سبحان الله تعدل صدقة عند الله جل وعلا وبكل تكبيرة صدقة وبكل تحميدة صدقة وبكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهى عن المنكر صدقة ثم قال النبى عليه الصلاة والسلام وهذا آخر حديثه وفى بضع أحدكم صدقة وهى مباضعته لزوجه أى جماعه لزوجه وفى بضع أحدكم صدقة فاستغرب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين هذه الشهوة يفعلها الإنسان ويؤجر عليها عند الرحمن فقالوا يارسول الله صلى الله عليه وسلم أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر هذه الشهوة والنفس تطلبها وتلذذ بها أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر فقال النبى عليه الصلاة والسلام أرأيتم لو وضعها فى حرام أكان عليه وزر لو وضع هذه

الشهوة فى الزنا فى اللواط نسأل الله العافية ما يأثم ويرتكب وزرا قالوا بلى فكذلك لو وضعها فى حلال كان له أجر إذن وفى بضع أحدكم صدقة فالمغانم التى فى النكاح والآفات التى فى النكاح قد يعرض الإنسان عن النكاح من أجلها وسلط الله عليه الشهوة من أجل أن يتزوج ورغبه بعد ذلك فى هذا الأجر الكثير الذى يحصله عند قضاء شهوته عن طريق ما أحل ما أحل الله. وفى بعض روايات الإمام أحمد فى المسند قال نبينا عليه الصلاة والسلام وفى جماعك لزوجتك أجر وبعض الروايات فى المسند ومباضعتك امرأتك صدقة فقال الصحابة الكرام يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نأتى شهوتنا ونؤجر فقال عليه الصلاة والسلام أرأيتم لو وضعت هذه الشهوة وجعلت فى حرام أكان يأثم أى الذى يضعها فى حرام قالوا نعم فعلام تحتسبون بالشر ولا تحتسبون بالخير يعنى إذا وضعت فى الحرام يأثم الإنسان وإذا وضعت فى الحلال يثاب عند ذى الجلال والإكرام. قال الإمام ابن حبان فى صحيحه بعد رواية هذا الخبر انظروا فى الإحسان فى الجزء السادس صفحة خمس وثمانين ومائة يقول هذا أصل فى المقايسات فى الدين يعنى فى القياس السوى كما أن هذه الشهوة إذا وضعت فى الحرام تأثم فإذا وضعت فى الحلال تثاب وهذا من باب قياس العكس كما يسميه أئمتنا فإن وضعت فى الحرام أثمت وإن وضعت فى الحلال أثبت إذن وفى بضع أحدكم صدقة والحديث إخوتى الكرام يدل بظاهره.

كما قال الإمام ابن رجب الحنبلى فى جامع العلوم والحكم صفحة أربع وعشرين ومائتين يدل بظاهره على أن الإنسان يؤجر فى إتيان أهله من غير نية يعنى لو لم ينوى نية حسنة ومن باب أولى لا يجوز أن ينوى نية سيئة هذا لا إشكال فيه لكن ما له نية يعنى لو قدر أنه باشر أهله دون أن يكون له نية فى إنجاب ذرية تعبد الله أو فى تذكر لذة الآخرة وما أيضا قصد نية سيئة أراد أن يأتى ولد ليكون شريرا يقال يعلمه على الفساد لا ما نوى خيرا ولا شرا يقول ظاهر الحديث يثاب ويؤجر الإنسان عند قضاء هذه الشهوة وإن لم يكن له نية وفى بضع أحدكم صدقة يدل بظاهره على أنه يؤجر الإنسان عند إتيان أهله من غير نية ثم قال وإلى هذا ذهب طائفة من المسلمين ثم نقل عن أبى سليمان الدارانى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه قال من عمل عمل خير من غير نية كفاه نية اختياره الإسلام لأن أمر المسلم محمول دائما على السداد والكمال والخير والفضيلة فمن عمل عملا من غير نية وما أراد به شرا يثاب عليه وتكفيه نية العامة وهى اختياره الإسلام دينا فهو إذا ذهل عن النية وفعل ما أبيح له وما رغب فيه وما رتب عليه أجر يحصل ذلك الأجر نعم إذا نوى تتضاعف أجوره عند الله جل وعلا إذن إذا حصلت هذه المباضعة حتى من غير من نية يثاب الإنسان عند فعلها فسبحان الكريم الذى أغدق علينا الثواب العظيم.

إخوتى الكرام: وكما قلت هذه صدقة تعدل الصدقات المالية وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن كل واحد من بنى آدم إذا أصبح ينبغى أن يتصدق على كل عضو سليم منه بصدقة شكرا لله جل وعلا على هذه النعم التى منحه إياها وجعلها تعيش معه فى كل يوم كل عضو سليم ينبغى أن تتصدق عنه كل يوم بصدقة والإنسان فيه كما ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام فى مسند الإمام أحمد والحديث فى سنن أبى داود وصحيح ابن حبان وإسناده صحيح من رواية بريدة رضى الله عنه فيه ثلاثمائة وستون مفصلا إذن ينبغى أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة كل يوم وحقيقة هذا يعنى إذا المراد منه الصدقات المالية صعبة فانظر لتوسعة النبى عليه الصلاة والسلام على أمته. ثبت فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن أبى داود والحديث رواه الإمام البيهقى فى السنن الكبرى وأبو عوانة فى مستخرجه من رواية أبى ذر أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة كل عضو سليم إذا أصبح عندك وفى بدنك ينبغى أن تشكر الله عليه بصدقة يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ثم بين النبى عليه الصلاة والسلام هذه الصدقات التى هى شكر لهذه الأعضاء فى الجسد فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونى عن المنكر صدقة ثم قال النبى عليه الصلاة والسلام ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما الإنسان عند الضحى ركعتا الضحى تجزءان عن هذه الصدقات وفى رواية أبى داود فى هذا الحديث وهذه ليست ثابتة فى صحيح مسلم إنما فى رواية أبى داود بعد أن ذكر ما تقدم فى كل تسبيحة وتحميدة قال النبى عليه الصلاة والسلام وفى بضعة أهله صدقة أى مباضعته لأهله جماعه لأهله وفى بضعة أهله صدقة فقال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين يقضى أحدنا شهوته ويكون له عليها أجر فقال النبى عليه الصلاة والسلام إذا وضعها فى حرام كان عليه وزر فكذلك لو وضعها فى حلال كان له أجر.

هذه الرواية كما قلت فى سنن أبى داود الحديث كما قلت فى صحيح مسلم وغيره وليس فيه هذه الزيادة التى فى رواية أبى داود ولفظ رواية أبى داود يصبح على كل سلامى من بنى آدم صدقة تسليمه على من لقى صدقة وأمره بالمعروف صدقة ونهيه عن المنكر صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة وبضعة أهله صدقة ويجزىء من ذلك ركعتان من الضحى قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدنا يقضى شهوته فتكون له صدقة قال أرأيت لو وضعها فى غير حلها ألم يكن يأثم.

وفى رواية فى أبى داود أكان يأثم نعم يأثم وعليه إذا وضعها فى حلها يؤجر كما قلت لفظ الحديث فى المسند وصحيح مسلم ومن خرج الحديث ليس فيه هذه الزيادة هذه ثابتة فى سنن أبى داود بإسناد صحيح نعم إخوتى الكرام إن الوطء الحلال من خلق كرام الرجال ويحصلون عليه أجرا كبيرا عند ذى العزة والجلال وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يوجه الأمة إلى ذلك ويخبرهم أن من أماثل أعمالهم من أفاضلها وطء النساء عن طريق ما أحل الله جل وعلا ثبت الحديث بذلك فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير والحديث إثباته إسناده ثقات من رواية أبى كبشة الأنمارى رضى الله عنه وأرضاه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه معنا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فدخل إلى بيته ثم خرج وقد اغتسل عليه صلوات الله وسلامه فقال له الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه قد كان شىء حصل شىء دخلت وخرجت وعليك أثر الغسل قد كان شىء ما الذى طرأ فقال عليه الصلاة والسلام نعم مرت بى فلانة فوقع فى قلبى شهوة النساء مرت بى فلانة امرأة من النساء فوقع فى قلبى شهوة النساء فأتيت بعض أزواجى فأصبتها ثم قال النبى عليه الصلاة والسلام فكذلك فافعلوا فإن من أماثل أعمالكم إتيان الحلال فإن الحلال هذا من أماثل وأفاضل وخير وأحسن أعمالكم تعف نفسك وتحصل أجرك وتعف زوجك ويترتب على ذلك مغانم كثيرة نعم هناك آفات هذه الحياة لا تخلو من آفات فإن من أماثل أعمالكم إتيان الحلال وهذا فعله نبينا صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث كما قلت فى المسند ومعجم الطبرانى من رواية أبى كبشة رضى الله عنه وأرضاه قد تكرر هذا مع النبى عليه الصلاة والسلام مرارا وكان يوجه أصحابه الكرام إلى هذا الأمر.

ثبت الحديث أيضا بذلك فى مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم والحديث فى سنن أبى داود والترمذى والسنن الكبرى للإمام البيهقى من رواية جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما ولفظ حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهى تمعس منيئة له تمعس أى تدلك بمعنى تدبغ جلدا للنبى عليه الصلاة والسلام جلد تمعسه أى تدبغه وتصلحه بالقرر وغيره وهى تمعس منيئة له فقضى حاجته منها يعنى تركت الجلد ثم أصاب النبى عليه الصلاة والسلام زوجه وقضى حاجته وتقدم معنا أن الإنسان إذا طلب زوجته وهى على التنور وإن كانت على ظهر قتب ينبغى أن تجيبه فقضى حاجته ثم خرج عليه صلوات الله وسلامه إلى أصحابه فقال إن المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما فى نفسه هذا فعله نبينا صلى الله عليه وسلم. وفى رواية الترمذى فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن معها مثل الذى معها فنفسك لا تتعلق بالحرام فعند زوجتك ما عند تلك. وفى رواية أبى داود أن نبينا المحمود عليه صلوات الله وسلامه رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش فقضى حاجته منها ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم إن المرأة تقبل فى صورة شيطان فمن وجد ذلك فليأت أهله فإنه يضمر ما فى نفسه يضمر ما فى نفسه يعنى يضعفه ويذهبه.

وفى رواية لمسلم أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحدكم إذا أعجبته المرأة فوقعت فى قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما فى نفسه وقد بوب على هذا الحديث أئمتنا أبوابا يشيرون بها إلى المعنى الذى يؤخذ من الحديث الإمام النووى بوب على هذا فى تبويبه لصحيح مسلم وقلت لكم فى بعض المواعظ السابقة الإمام مسلم له عناوين الكتب يعنى كتاب النكاح كتاب الإيمان أما ما يوجد فى داخل الكتاب من تراجم الأبواب هذه ليست من وضع الإمام مسلم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا من وضع الشراح ومنهم الإمام النووى ,الإمام النووى بوب على هذا الحديث فى كتاب النكاح من صحيح مسلم فقال باب ندب من رأى امرأة فوقعت فى نفسه إلى أن يأتى امرأته أو جاريته فيواقعها وبوب عليه أبو داود هذا من تبويبه فى كتاب النكاح فقال باب ما يؤمر من غض البصر وبوب عليه الترمذى فى النكاح فقال باب ما جاء فى الرجل يرى المرأة تعجبه يعنى ماذا يفعل يذهب إلى أهله فإن ذلك يرد ما فى نفسه وبوب عليه الإمام البيهقى فى السنن الكبرى فى الجزء السابع صفحة تسعين فقال ما يفعل إذا رأى من أجنبية ما يعجبه وقول النبى عليه الصلاة والسلام فى الحديث المرأة تقبل فى صورة شيطان وتدبر فى صورة شيطان أى أن هذه المرأة إذا أقبلت إليك النفس تشتهيها وتميل إليها وتغريك للفاحشة إقبالها يغريك وهكذا إدبارها عنك يغريك فإذا رأيتها من أى الجهات تعلقت بها والإغواء والإغراء بالفاحشة هذا من صنع الشيطان فإذا أدبرت هذا الشيطان يعنى يغريك بالفاحشة عند إقبالها وعند إدبارها ولذلك انتبه وحصن نفسك.

قال الإمام النووى يستنبط من هذا الحديث أنه ينبغى للمرأة ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة انتبهوا لهذا الحكم إخوتى الكرام وهذه واقعة تقع فى العصر الأول ونبينا عليه الصلاة والسلام قلبه أطهر القلوب سن لنا هذا إذا حصل لنا ومع ذلك ينبغى أن نعى هذا الأمر يستنبط من هذا أنه ينبغى للمرأة ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة وحقيقة من قلة حياء النساء ومن قلة مروءة الرجال أن تتجول النساء بين الرجال فى الأسواق والشوارع كما هو الحال فى هذه الأيام نعجب لهذه الأمة ما بقيت تغار على أعراضها ألا تستحيون ألا تغارون النساء يخالطن الرجال فى الشوارع والأسواق ويخالطن الصالح والطالح إلى الله نشكو أحوالنا وأمورنا.

وأخبرنى مرة بعض الأخوة الكرام يقول أحيانا يكون الإنسان مع زوجه فى السيارة ويقف أمام باب المطعم هى التى تملى على صاحب المطعم ما تريد ليحضر لهذه السيارة لزوجها وزوجها فقط جالس ينتظر ماذا تطلب سبحان ربى العظيم يستنبط من هذا أنه ينبغى لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة وأنه ينبغى للرجل الغض عن ثيابها والإعراض عنها مطلقا نعم لا يجوز أن تنظر إلى ملاءة وجلباب المرأة وإن كانت متحجبة إذا رأيت امرأة غض البصر غض البصر وما يقوله بعض السفهاء فى هذه الأيام من أن المرأة يباح لها أن تكشف الوجه لأن الله يقول قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم فلو لك يكن الوجه مكشوفا عن أى شىء نغض أبصارنا سبحان ربى العظيم على هذا الفهم المعكوس المنكوس يعنى هو فقط المرأة إذا أظهرت وجهها ينبغى أن تغض النظر عنها هذا لا ثم لا امرأة تمشى لا تنظر إليها لعبت الرياح بثوبها إياك أن تتأمل بعد ذلك ما يبدو من بدنها يعنى لازم يعنى الوجه يبدو حتى الرجل يغض البصر من قال هذا فإذن هنا ينبغى للرجل الغض عن ثيابها والإعراض عنها مطلقا هذا ما ما يستنبط من هذا الحديث إخوتى الكرام وهذه الواقعة تكررت أيضا مع نبينا عليه الصلاة والسلام كما فى رواية أبى كبشة ورواية جابر ابن عبد الله ثبت أيضا معنى ذلك مع زوجة أخرى من أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه روى ذلك الإمام الدارمى فى سننه فى الجزء الثانى صفحة ست وأربعين ومائة من رواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه قال رأى النبى صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته فأتى أمنا سودة وهناك زينب رضى الله عنهن أجمعين فأتى أمنا سودة وهى تصنع طيبا تصنع يعنى سيئا تتطيب به وعندها نساء معها نسوة فأخلينه أى النساء انصرفن خرجن وجعلن النبى عليه الصلاة والسلام يخلو بزوجه بأمنا سودة فقضى حاجته ثم قال أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معه مثل الذى معها.

إذن لأخوتى الكرام النكاح شهوة النكاح مع ما فيها من آفات كما قلت جعل الله الشهوة فينا من أجل إرواء تلك الشهوة ومن أجل تحصيل الخيرات فى تلك الشهوة ومن استحضر المغانم والآفات التى فى تلك الشهوة قد يعرض عنها فسلط الله عليه الشهوة ثم مع ذلك جعل الله أجرا عظيما عندما يباشر تلك الشهوة فإذن لك أجر الصدقة وشهوة بعد ذلك تستحثك وتدفعك إلى إشباعها وإروائها لكن من استحضر تلك الآفات كما قلت بدون هذين الأمرين حقيقة قد يعرض عن شهوة النكاح وشهوة الجنس قد يعرض فجعل الله هذه الشهوة تدفعه إلى إروائها وإشباعها وجعل الله له بعد ذلك أجرا عظيما على قضائها ومن أماثل أعمال الرجال قضاء الشهوة عن طريق الحلال ولذلك إخوتى الكرام هذه الشهوة عبى تحتها حياتان كما قال أئمتنا الكرام حياة حاضرة وحياة مستقبلة أما الحياة الحاضرة فالذرية والأولاد لا يمكن أن توجدإلا بواسطة قضاء الشهوة وعندما تقضى هذه الشهوة تتذكر لذة الآخرة فهذا يدفعك إلى فعل الطاعات وترك المنكرات إلى أن تنعم فى نعيم الجنات وسبحان من جعل حياتين حياة عاجلة وحياة آجلة تحت هذه الشهوة المنقضية الزائلة وقد أشار أئمتنا إلى هذا يقول الإمام الغزالى عليه رحمة الله فى إحياء علوم الدنيا فى الجزء الثالث صفحة ست وتسعين يقول اعلم أن شهوة الوقاع سلطت على الإنسان لفائدتين. الفائدة الأولى أن يدرك لذته لذة الوقاع فيقيس به لذات

70نصيحتان إلى الإخوة الكرام

نصيحتان إلى الإخوة الكرام (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان نصيحان إلى الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. قبل أن نتدارس ما بدأنا فى مدارسته ولم ننته منه وقد طال كثيرا وكما قلت ما كان فى ظنى علم ربى أنه سيأخذ هذا المقدار ولعله سيأخذ ضعف ما مضى أيضا من محاضرات وأقول ما قاله سيدنا أبو بكر رضى الله عنه وأرضاه كما ثبت فى السنن الكبرى للإمام البيهقى فى الجزء الثانى صفحة تسع وثمانين وثلاثمائة من رواية سيدنا أنس ابن مالك رضى الله عنهم أجمعين أن سيدنا أبا بكر رضى الله عنهم أجمعين صلى صلاة الفجر فقرأ فى الركعتين بسورة البقرة حتى أكملها بعد وفاة نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال له سيدنا عمر رضى الله عنه يا خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام قربت الشمس أن تطلع فقال والله لو طلعت ما وجدتنا غافلين فصلاة سيدنا أبى بكر رضى الله عنه بسورة البقرة فى ركعتى الفجر ثابت فى موطأ الإمام مالك ابن أنس رضى الله عنهم أجمعين وهكذا نحن طال الأمر معنا لكننا فى مجالس علم وعبادة فنسأل الله أن يتقبل منا بفضله ورحمته لكن أحب أن أنبه فى هذه الموعظة على أمرين اثنين قبل أن نكمل ما بدأنا فى مدارسته من الفصل المستطرد الطويل.

فالأمر الأول يتعلق بكم والأمر الثانى يتعلق بى وهو أيضا مثار من قبلكم فلا بد يعنى من وضع الأمر فى موضعه لنكون على بينة من أمرنا والدين النصيحة. أما ما يتعلق بكم وألاحظه على بعض الإخوة الكرام فى كثير من المواعظ فى هذا المكان المبارك وفى غيره أرى حقيقة علامات الكسل والفتور فى تحمل العلم وفى طلبه وهذا الكسل يأخذ أشكالا متعددة أحيانا ترى بعض الحاضرين يتكأ أو يستند إما يسند ظهره وإما جنبه وإما يمينه أو يتمايل وأحيانا ترى بعض الحاضرين يتثائب وأحيانا ترى بعض الحاضرين يعبث بأعضائه وأحيانا ترى بعض الحاضرين قد سيطر عليه النعاس وكثيرا ما ينام وإذا كان النوم قبل صلاة العشاء مذموم هذا لو كان فى بيته وأراد أن يستلقى على فراشه فكيف يأتى للإنسان نوم فى بيت من بيوت الله بعد صلاة المغرب وقبل صلاة العشاء وهو فى موعظة حقيقة ما أعلم يعنى هل هو مجهد متعب حقيقة أو أن الشيطان يركب على رأسه عندما يحضر مواعظ العلم من أجل أن يشغله عن ذلك وهذا يعرفه من ينام فى هذه المواعظ ولعل بعضكم تكرر منه النوم وأيقظه بعض الإخوة الحاضرين وبعد أن أستيقظ ذهب وغسل وجهه ثم عاد ونام ثانية وأتابع الأمور فردا فردا ولكن لا داعى لأن نخص واحدا بلوم ونسأل الله أن يتوب علينا وحقيقة عندما يرى المتحدث المتكلم الواعظ الناصح شيئا من ذلك أمامه نفسه تحجم عن الكلام وعندما يتكلم كأنما يضرب بسياط وهذا بثثته مرارا لعدد من الإخوة الكرام فعندنا فى شريعتنا اتصال وثيق بين الإمام والمأموم وبين المتكلم والسامع وإذا كان نبينا خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه يتأثر من عدم تهيأ الحاضرين عند مناجاة رب العالمين فيخلط فى القراءة لتقصير بعضه فى طهوره فمن نحن إذن إذا حقيقة حصل منا ما حصل من تلعثم وتردد وعدم انشراح فى الكلام فنبينا عليه الصلاة والسلام خير الأنام كما سأوضح هذا أم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فخلط فى القراءة وحصل عنده لبث

فيها عندما قرأ سورة الروم فى صلاة الفجر كما سأوضح فالتفت إلى الصحابة وقال بعضكم لا يحسن طهوره عندما يتطهر فيخلط علينا فى القراءة أى بسبب الاتصال الحاصل بين الإمام والمأموم يتأثر نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام فيؤثر النقص الذى فى بعض المأمومين على قراءته فيخلط فى قراءة القرآن وهو خير الأنام عليه الصلاة والسلام. فماذا نقول نحن إخوتى واحد كما قلت يتثائب واحد ينام واحد يعبث بأعضائه واحد يتكأ ويستند واحد يتشاغل وأنت بعد ذلك تنظر إلى هذه المناظر ماذا سيكون حال المتكلم وأنا حقيقة أعجب من جد أهل الباطل فى باطلهم ومن عجزنا فى حقنا فلو نظرت إلى خشوع وإخبات وسكينة وتفاعل أهل الغناء والرقص مع غنائهم ورقصهم لرأيت عجبا حقيقة يخشعونه لضلالهم أكثر مما نخشع لربنا لا أقول أكثر مما يخشع المؤمنون لا أكثر مما نخشع نحن أهل التقصير أما المؤمنون أشد حبا لله وهم خاشعون مخبتون متذللون للحى القيوم لكن نحن حقيقة من نظر إلى صلاتنا وحالنا فيها وهكذا فى مجالسنا مجالس العلم والعبادة وقراءة القرآن ونظر بعد ذلك إلى حال أتباع الشيطان فى مجالسهم لرأى بونا يجلس الواحد منهم ساعات طويلة فى الغناء وهو يستقلها ويستعذبها ولا يتوجه اعتراض من الحاضرين على المغنى والمغنية أما فى مجالس العلم ما يكفى أنه قصر فى أدب الاستماع ثم بعد ذلك قبل أن ينفض المجلس كل واحد عنده قائمة للاعتراضات وإلى الله نشكو أحوالنا. إخوتى الكرام: لا بد كما قلت من أن يصلح الصنفان والمتكلم والسامع ليحصل بعد ذلك تنزلات الرحمة من قبل ذى الجلال والإكرام وهناك ارتباط وثيق محكم بين الإمام والمأمومين وبين المتكلم والسامعين فاستمع لتقرير هذا من حال نبينا الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

ثبت فى مسند الإمام ونظروا الحديث فى المسند فى الجزء الخامس صفحة ثلاث وستين وثلاثمائة ورواه الإمام النسائى فى سننه فى الجزء الثانى صفحة عشرين ومائة فى افتتاح الصلاة فى باب القراءة فى الصبح بالروم أى بسورة الروم ورواه الإمام عبد الرزاق فى مصنفه فى الجزء الثانى صفحة سبع عشرة ومائة والحديث فى معجم الطبرانى الكبير وشعب الإيمان للإمام البيهقى ورواه البزار فى مسنده والبغوى والبارودى كما فى جمع الجوامع للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة ثمان وتسعين وستمائة ولفظ الحديث من رواية شبيب أبى روح ويقال له ابن أبى روح ويقال شبيب ابن نعيم أبو روح هو أبو روح شبيب ابن نعيم أبو روح شبيب كما قلت ابن أبى روح شبيب أبو روح شبيب ابن نعيم أبو روح خلاف فى ضبط اسمه كما ذكر أئمتنا فى ترجمته وهو من أئمة التابعين الكرام رضوان الله عليهم أجمعين شبيب روى عن رجل من الصحابة الكرام ولم يسمه وسيأتينا نقل أنه سمى فى بعض الروايات إن شاء الله ضمن الروايات الآتية أوضح هذا عن رجل من الصحابة الكرام أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الفجر فقرأ فى ركعتى الفجر بسورة الروم فالتبث عليه يعنى اشتبه عليه قراءة هذه السورة اشتبه عليه هذا القرآن الذى هذه السورة بعض منه فالتبث عليه فلما صلى قال عليه الصلاة والسلام ما بال أقوام يصلون معنا لا يحسنون الطهور فإننا يلبث علينا القرآن أولئك يلبث قال أئمتنا كيضرب بمعنى يخلط أو من التلبيث يعنى هؤلاء هم الذين يوقعوننا فى الخلط وفى الإشكال لأنهم لا يحسنون الطهور وهناك صلة وثيقة بين الإمام والمأمومين فإذا قصر بعض المأمومين تأثر هذا الإمام فخلط فى قراءته وحصل لبث عنده ما بال أقوام يصلون معنا لا يحسنون الطهور فإنما يلبث علينا القرآن أولئك هؤلاء هم يتسببون فى هذا الأمر.

والحديث إخوتى الكرام إسناده حسن كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام ابن كثير فى تفسيره فى الجزء الثالث صفحة واحدة وأربعين وأربعمائة عند بداية تفسير سورة الروم فقال هذا إسناد حسن ومتن حسن وفيه سر عجيب ونبأ غريب وهو أن النبى صلى الله عليه وسلم تأثر بنقصان وضوء من ائتم به فدل ذلك على أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام وعليه إذا حصل نقصان فى صلاة مأموم يسرى هذا إلى صلاة الإمام متعلقة صلاتان مرتبطتان ببعضهما وقال الإمام السندى فى حاشيته على سنن النسائى فيه تأثير الصحبة وأن الأكملين فى أكمل الأحوال يظهر فيهم أدنى أثر فإذا كان فى صحبتهم شائبة كدر نقص عكر كان فيهم من يصاحبهم تأثر الكاملون فى أكمل الأحوال وأكمل الكاملين نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وأفضل الأحوال مناجاته لرب العالمين فهذا قرة عينه وتأثر لأن بعض المأمومين لم يحسن طهوره أى قصر فى وضوءه. وهذا الحديث إخوتى الكرام كما قلت مروى من رواية شبيب عن رجل من الصحابة ورواه الإمام أحمد فى الجزء الثالث صفحة واحدة وسبعين وأربعمائة إلى اثنتين وسبعين وأربعمائة من رواية شبيب أبى روح أنه هو الذى صلى مع النبى عليه الصلاة والسلام وقال إنه قال من ذى الكلاء شبيب أبى روح قال من ذى الكلاء وعلى هذا فهو صحابى وأحقق الكلام قريبا إن شاء الله رواه من رواية شبيب أبى روح قال وهو من ذى الكلاء أنه صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فقرأ بالروم فتردد فى آية فلما انصرف قال إنه يلبث علينا القرآن إنه يلبث علينا القرآن أى بعضكم كما تقدم معنا يلبث كيضرب عندما لا يتقنون طهورهم إنه يلبث علينا القرآن إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء.

والحديث قال عنه شيخ الإسلام الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء الأول صفحة واحدة وأربعين ومائتين قال رواه الإمام أحمد كما قلت عن شبيب أبى روح من ذى الكلاء قال ورواه النسائى عن أبى روح عن رجل من أصحاب النبى عليه الصلاة والسلام ورجال أحمد رجال الصحيح وكأن شيخ الإسلام الإمام الهيثمى ما وقف على الرواية التى ذكرتها فى البداية وهى أن الإمام أحمد رواه أيضا فى مكان آخر عن شبيب عن رجل أصحاب النبى عليه الصلاة والسلام كرواية الإمام النسائى وشبيب كما قلت شبيب أبو روح ابن أبى روح ابن نعيم أبو روح قال عنه الحافظ فى التقريب ثقة من الثالثة شبيب ابن نعيم أبو روح ثقة من الثالثة أخطأ من عده فى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وأشار إلى أنه من رجال أبى داود والنسائى ثقة من أئمة التابعين الكرام الطيبين أخطأ من عده فى الصحابة والإمام ابن عبد البر فى كتابه الاستيعاب وهو على هامش الإصابة فى الجزء الثانى صفحة سبع وستين ومائة ونقل عنه هذا الإمام ابن الأثير فى أسد الغابة فى الجزء الثانى صفحة أربع وخمسمائة قال الإمام ابن عبد البر بعد أن روى حديث شبيب المتقدم الذى رواه الإمام أحمد على أنه هو الذى صلى مع النبى عليه الصلاة والسلام دون أن يروى هذا عن رجل بعد أن روى هذا قال أبو عمر هذا حديث مضطرب الإسناد وروى عنه أى عن شبيب عبد الملك ابن عمير وعبد الملك ابن عمير اللخمى ثقة فصيح عالم نعم تغير حفظه بعد ذلك وحديثه مخرج فى الكتب الستة وقد توفى سنة ست وثلاثين ومائة للهجرة عن عمر بلغ ثلاث ومائة سنة ثلاث سنوات ومائة سنة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عبد الملك ابن عمير يروى الحديث عن شبيب أبى روح عن رجل من أصحاب النبى عليه الصلاة والسلام أحيانا رواه عبد الملك ابن عمير عن شبيب وقال ومن ذى الكلاء أنه صلى مع النبى عليه الصلاة والسلام وهذا الذى قال عنه الإمام ابن عبد البر مضطرب الإسناد.

قال الحافظ ابن حجر فى الإصابة فى الجزء الثانى صفحة سبعين ومائة قلت المعروف أنه شبيب ابن أبى روح أو شبيب ابن نعيم أبو روح الكلاعى الحمصى يعنى الكلاعى ليس صحابى هو كلاعى حمصى وهو شبيب ابن أبى روح أو شبيب ابن نعيم يكنى بأبى روح يقول المعروف أنه شبيب ابن أبى روح أو شبيب ابن نعيم أبو روح الكلاعى الحمصى هكذا ذكره البخارى وغيره وبالثانى يعنى على أنه حمصى جزم ابن أبى حاتم وقال إنه حمصى ثم قال الحافظ ابن حجر السبب فى عده من الصحابة أنه ورد فى بعض الروايات التى هى فى المسند ورواها كما قلت عبد الملك ابن عمير قال السبب فى عده من الصحابة أنه ورد فى بعض الروايات اسقاط الرجل الذى هو من الصحابة ولم يسم مبهم وإبهام الصحابى لا يضر كما تقدم معنا مرارا السبب فى عده من الصحابة اسقاط الرجل الذى روى عنه شبيب عن شبيب عن رجل من صحب النبى عليه الصلاة والسلام أنه صلى مع النبى عليه الصلاة والسلام إلى آخر الحديث فلما اسقط الرجل المبهم الصحابى رضى الله عنه وأرضاه ظن بعض الناس أن شبيبا من عداد الصحابة وهو صحابى هذا تحقيق كما قلت الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وكما قلت مرادى من هذا أن خير خلق الله عليه الصلاة والسلام وأكمل الكاملين وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين إذا كان تأثر فى صلاته وخلط فى قراءته واشتبه عليه الأمر والقرآن أنزل عليه عليه صلوات الله وسلامه لتقصير بعض الحاضرين فى طهوره فماذا يقول الواحد منا فى هذا الحين ولذلك إخوتى الكرام من حضر مجلس العلم ينبغى أن يتقى الله فى المتكلم قبل أن يتقى الله فى نفسه ما ينبغى أن يخذل هذا المتكلم ولا أن يعين على يعنى توهين أمره لأنك إذا ما عنك استعداد للتلقى هذا كله سهام تخرج منك إلى المتكلم فيحجم عن الكلام ولا ينطلق لسانه ولا بعد ذلك يتفاعل جنانه فلذلك إذا ما عندك استعداد للحضور لا تحضر وخفف الأمر على نفسك وعلى غيرك ولا تتسبب فى أذى الغير والأذى حرام

عندك استعداد أن تحضر بالصفة الشرعية تتأدب فى جلستك بصفة الخشوع والإخبات احضر وإلا خفف عن نفسك وعن غيرك لأنك ترتكب أثما أولا لم تصغ والأمر الثانى آذيت بعد ذلك هذا المتكلم وبالتالى حصل أذى عام على المستمعين هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه وضبطه. وكما قلت يعلم الله لاحظته مرارا على بعض الإخوة فى عدد من المجالس كما قلت تثاؤب نعاس اتكاء واستناد أحيانا رأيت هذا بعينى بعضكم يمضغ العلك فى مجلس العلم يا عباد الله مضغ العلك يعنى لو مضغت العلك فى السوق لكان قلة مروءة وترد شهادتك فى السوق فكيف تمضغ العلك فى بيت الله وأنت تستمع حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام أنا أريد أن أفهم يعنى الإنسان عندما يرى هذا المنظر وأقول يعلم الله ما رأيت بعينى والذى مضغ العلك هو حاضر الآن معنا ولا أسمى أحدا لكن كما قلت إخوتى الكرام يعنى ماذا سيكون حال المتكلم بعد ذلك ينبغى أن نتقى الله كما قلت إخوتى الكرام فى أنفسنا وفى غيرنا انظروا لمن يحضرون مجالس الغناء والرقص وما يحصل منهم من تشجيع لمن يغنى ولمن يرقص ولو أن كل واحد يعنى أعرض عنه بلحظه لذاك فتر عن غنائه وعن رقصه إنما هو بعد أن يرقص ويغنى ست ساعات وإذا انتهى يقولون له بدرى كما قلت الله لا يطع البدر عليهم بدرى ست ساعات وهنا يعنى لو قدر أنه طالت الموعظة إلى ساعة يقول يا شيخ إن منكم منفرين ما حفظت من دين الله إلا هذه إن منكم منفرين هذا الذى حفظته بعد احترام الشيخ إكرامه حضورك بأدب خشوعك هذا ما تعرفه عرفت من الدين إلا هذا النص إن منكم منفرين وأى تنفير إذا كان صديق هذه الأمة يصلى بالمسلمين كما قلت لكم فى صلاة الفجر فيقرأ بهم سورة البقرة.

ومرة أم بعض الإخوة الكرام بنا فى صلاة الفجر فقرأ سورة الصف فى الركعتين فقال له بعض الحاضرين قال أنت تنفرنا عن الصلاة قال كرهتنا فى الصلاة طيب سورة الصف ماذا تريدون أن يقرأ وجاء يشكو الأمر إلى قال يا شيخ يقرأ سورة الصف قلت ماذا تريد أن يقرأ يريد أن يقول قل هو الله أحد قال يقرأ قل هو الله أحد يعنى ليست جائزة قلت جائزة على العين والرأس لكن أنت تريد هذا يقول قل هو الله أحد إنا أعطيناك الكوثر ماذا تريد يعنى واظب على هاتين السورتين يا عبد الله قلت أما تتقى الله فى نفسك أنت يعنى الصلاة لازم تكون على حسب هواك ورأيك أو على حسب ما شرع النبى عليه الصلاة والسلام ما عندك تحمل للجماعة الشرعية يا عبد الله صل فى نفسك كما يصلى المنافقون وأمرك إلى الحى القيوم أما إنك ستصلى تلزم الإمام بعد ذلك بالكيفية المخترعة من رأيك قال ما تعين أن يقرأ سورة الصف ولا يتعين أن يقرأ سورة الكوثر وهذا إمام سيتبعك أو أنت ستتبعه لو أن إمام الحرب كل واحد سيعطى له توجيها وأمرا لما استطاع أن ينتظم الجيش فى لحظة من اللحظات إنما نحن عندنا رأى الإمام يقدم على صواب الأفراد وإن كان مخطأ وإذا قال الإمام سنبدأ بالحرب الساعة الواحدة ظهرا لو أن الجيش عن بكرة أبيه قال لا سنبدأ المغرب وما أطاعوه كلهم آثمون ملعونون نبدأ الواحدة الواحدة نبدأ قلت هذا ليس فيه مجاوزة لأمر شرعه الله رأيه هو الذى يطاع أما أن الجيش يقول لا نبدأ المغرب تبدأ المغرب هى أنت أمير أو مأمور أنت إمام أو مأموم فالمأموم الآن سيوجه الإمام وقال أمير الجيش تحصنون فى هذا المكان قال له بعض الجيش لا نحصن هناك كل من ذهب إلى هناك إلى جهنم هى المسألة فوضى خطأ هذا الأمير كما قلت فى عدم مجاوزة حدود الشرع خطأه خير من صوابنا والله جل وعلا يبارك لنا عندما نتبع هذا الأمير طاعة لله الجليل ولا بعد ذلك يخالفه وإذا حصل الخلاف فلا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وهكذا حالنا فكيف هنا

يصلى صلاة شرعية وكل واحد يعترض عليه من كل جهة. بعض من اتصل بى إن قلت عشر مرات قليل أكثر قال يا شيخ يعنى الخطبة طويلة وصار ملل وأنا مراقبه يعنى لا أريد أن أحلف يمينا بالله لكن من شاء أحلف له عدة أيمان أنه ما حضر موعظة من المواعظ من خطب الجمعة إلا فى النصف الثانى منها أو فما بعد أحيانا يأتى فى الثلث الأخير أحيانا فى الربع الأخير أما النصف الأول يعنى إذا كانت الموعظة ساعة فى الخطبة النصف الأول من الساعة ما يمكن أن يحضر مستحيل ثم أراقبه أحيانا يأتى فى النصف الثانى الذى إن بقى ربع ساعة أو ثلث ساعة لإنهائها بمجرد ما يجلس ينام يا عبد الله الذى يمشى هذا الطريق لو كان ميتا لتحرك الآن أنت تمشى الآن فى هذا الحر وفى سيارة وتقودها بمجرد ما جلست نمت فى النصف الأخير ينام ثم إذا انتهت الخطبة اتصل بالتليفون يا شيخ الخطبة طويلة يعنى لو تقصر الناس يتحدثون أنا من أجلك يعلم الله لا أريد أن أقابله لكن هو يعرف نفسه لا أريد أن أقول له يا عبد الله أنت ما جئت فى موعظة إلا فى منتصفها الأخير وبمجرد ما تدخل تنام لا أريد أن أقابل أحدا بما يكره بعينه لكن هو ما يستحى من هذا الكلام أريد أن أعلم وهو سيسمع هذا الكلام وما يستحى عندما يعلق فى نهاية كل موعظة أنك أطلت ونفرت يا عبد الله ماذا أطلت الموعظة عندما تأخذ ساعة كما تعلمون نصفها قبل الوقت وهى بمثابة تذكير وهذا النصف لا يحضره إلا قلة قليلة أحيانا يعنى ربع من يحضر الموعظة بكاملها أو أقل وثم بعد ذلك فى النصف الثانى يأتون ننتهى مع انتهاء المساجد الأخرى لكن ماذا عملنا التقديم صار قبل الآذان قبل الوقت وهذا فى مذهب سيدنا الإمام أحمد عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ذلك وفى الامذاهب الأربعة جائز تقديم الخطبة على الوقت إذا وقع الصلاة وجزء من الخطبة بعد دخول الوقت وهذا الذى يحصل منا باتفاق المذاهب جائز إنما لئلا تصبح كلها يعنى بعد الوقت نصفها قبل الوقت هذه مثل موعظة

وتذكير مثل إنسان جالس يسبح والنصف الثانى ننتهى مع المساجد لازم يعلق لأن أمة اعتادت على القيل والقال والكلام الباطل إذا ما تكلم بهذا لايستريح ما استوعب الموعظة ولما دخل نام ثم بعد ذلك هذيان. إخوتى الكرام: ما يقع من هذه الصور كما قلت ينبغى أن نتركه وأنا أقول لك بصراحة حضور الثلاثة أحب إلى من حضور الثلاثين وحضور الثلاثين أحب إلى من الثلاثمائة وحضور الثلاثمائة أحب إلى من الثلاثة آلاف فليست المسألة بكثرة فإذا كان عند الإنسان استعدادا ونشاطا ويريد أن يستفيد مجالس العلم مفتوحة وإذا جلس مجرد تسلية ويعترض بعد ذلك ويصدر توجيهات فأنا أنصحه أن لا يأثم وألا يرتكب محرما فليعتزلنا وليعتزل مجالسنا والله يغنيه عنا ويغنينا عنه هذا إخوتى الكرام لا بد من وعيه أدب المجالسة والاستماع من لم يأخذ العلم بالأدب أسرع إليه الهلاك والعطب هذا لا بد إخوتى الكرام من وعيه.

انظر لحال أئمتنا رضوان الله عليهم أجمعين فى تربية طلاب العلم قبل تعليمهم يذكر أئمتنا فى ترجمة شيخ الإسلام الشريك ابن عبد الله النخعى الذى توفى سنة سبع وسبعين ومائة للهجرة وقد خرج الإمام البخارى عنه فى صحيحه معلقا وخرج له الإمام مسلم وأهل السنن الأربعة شريك ابن عبد الله من أئمة السنة الكبار وكان سيفا مسلولا على أهل البدعة الفجار شريك ابن عبد الله النخعى حضر عنده بعض أولاد الخليفة المهدى اتكأ فى مجلسه فأعرض عنه شريك فسأل ولد الخليفة شريك ابن عبد الله عن مسألة من العلم فما أجاب ولا نظر إليه ولد الخليفة فى مجلس شريك ولد الخليفة المهدى فقال يا شريك أنت تستخف بأولاد الخلفاء ولد الخليفة يحضر لا تنظر إليه ويسألك لا تجيبه قال لا ولكن العلم أجل عند الله من أن أضيعه وفى رواية قال له العلم أزين عند أهله من أن يضيعوه وقد ذكر هذه القصة الإمام ابن جماعة شيخ الإسلام فى كتابه تذكرة السامع والمتكلم فى صفحة ثمان وثمانين العلم أجل عند الله من أن أضيعه العلم أزين عند أهله من أن يضيعوه جالس أنت متكأ وتسأل وستجاب أيضا يعنى ينبغى أن تؤدب وأن تضرب نجيبك أيضا على علمك مع هذا تقول يعنى تستخف بأولاد الخلفاء وأنت ما تستحى فى مجالس العلم تتكأ وتريد أن تسأل هذا العالم وأنت متكأ. كان بعض طلبة العلم كما يذكر الإمام ابن جماعة فى نفس المكان صفحة ثمان ثمانين إذا خرج ليحضر عند شيخه يتصدق بصدقة عن شيخه ثم يقول اللهم استر عيب شيخى عنى ولا تذهب بركة علمه منى يعنى إذا حضرت لا أرى زللا لا فى كلام لا فى مظهر لا فى أمر من الأمور انتفع بهذا العلم الذى أحصله وآخذه من هذا الشيخ المبارك يتصدق عنه ثم يدعو اللهم استر عيب شيخى ولا تذهب بركة علمه عنى. إخوتى الكرام: هذا لا بد من وعيه ولا بد من ضبطه ومجالس العلم مجالس عبادة إذا لم تضبط فلا خير فيها تركها أولى منها.

يذكر أئمتنا فى ترجمة شيخ الإسلام أبى طاهر السلفى الذى توفى سنة ست وسبعين وخمسمائة للهجرة وهو أحمد ابن محمد ابن أحمد ترجمه الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء وهو أول ترجمة فى الجزء الحادى والعشرين من السير أول ترجمة افتتح بها هذا الجزء ترجمة شيخ الإسلام أبى طاهر السلفى ففى صفحة أربع وعشرين وثمان وعشرين يذكر قصة طريفة حاصلها أن شيخ الإسلام أبى طاهر السلفى كان يعظ ويدرس فحضر عنده سلطان المسلمين صلاح الدين الأيوبى وأخوه الملك العادل ففى حال حضورهما تكلم واحد منهما مع صاحبه فى مجلس أبى طاهر فقطع الدرس وصاح فيهما السلطان وأخيه الملك العادل وقال سبحان الله حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ينشر وتتكلمان يا صلاح الدين تتكلم أيضا فى مجلس العلم وأنت أيها الملك العادل تتكلم حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ينشر وتتكلمان فاستحى صلاح الدين سلطان المسلمين وأخوه الملك العادل وأقبلا على الشيخ بخشوع وإخبات حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ينشر تتكلمان وأنا على يقين ما تكلم صلاح الدين مع أخيه الملك العادل إلا فى أمر من أمور المسلمين على يقين لا يتكلم معه فى أمر دنيا ولا فى لغط ولا لهو إنما لعله يعنى قضية مهمة فى بعث فى جيش فى غزو فى كذا أراد أن يعرض عليه الفكرة لما جاءت يعنى على ذهنه قبل أن تضيع فذكره بها ليتباحثا فيها بعد خروجهما من مجلس الشيخ ومع ذلك ما ارتاح لهذا أبو طاهر وصاح فيهما بصلاح الدين الأيوبى وبأخيه الملك العادل.

نعم إخوتى الكرام العلم ينبغى أن يؤخذ بالأدب رضى الله عن الإمام الشافعى عندما يقول وقلت لكم مقولته مرارا يقول اجعل علمك ملحا وأدبك دقيقا الأدب ما ينبغى أن تضيعه فى جزئية من الجزئيات وحالة من الحالات هذا بمثابة الدقيق والعلم بمثابة الملح قليل من العلم يكفى أما قليل من الأدب لا يكفى وإنك لعلى خلق عظيم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قد أدبه ربه فأحسن تأديبه العلم القليل يكفى لكن الأدب القليل لا يكفى إذا أردت أن تخبز تضع من الدقيق كمية كبيرة ومن الملح نسبة قليلة ولو وضعت يعنى عشر نسبة الدقيق من الملح لما استطعت أن تأكل هذا الخبز العشر يكفى واحد ليس من مائة واحد من الألف بالنسبة بين الدقيق والملح اجعل علمك ملحا وأدبك دقيقا كان الإمام الشافعى يقول عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول والله ما استطعت أن أشرب الماء هذا يقوله الربيع تلميذ الشافعى ما استطعت أن أشرب الماء والشافعى ينظر إلى وكان الشافعى يقول كنت أقلب الورق بين يدى الإمام مالك قلبا خفيفا لئلا يتأثر الشيخ من سماع صوت الورق إذا جاء ليقلب الورقة بلطف بيسر بهدوء لئلا ينزعج شيخ الإمام مالك نعم أخذوا العلم بالأدب والخشية هذا لا بد من وعيه وضبطه إخوتى الكرام اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا وحقيقة لما ربيت الأمة على هذه المعانى أثر فيها العلم فى سلوكها وفى عملها وفى حياتها وقد كان طلبة العلم يبذلون مع الشيخ فى يعنى احترامه وتوقيره جهدا يكافئهم الله عليه تعظيما لله جل وعلا.

استمع إلى هذه القصة الطيبة الى يوردها أئمتنا فى ترجمة أبى زكريا يحيى ابن زياد الفراء الذى توفى سنة سبع ومائتين للهجرة وقد عاش ثلاثا وستين سنة وخرج له البخارى فى صحيحه تعليقا يحيى ابن زياد الفراء ابن زكريا والقصة يذكرها شيخ الإسلام الإمام الخطيب البغدادى الذى توفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة فى تاريخ بغداد فى آخر أجزاء تاريخ بغداد فى الجزء الرابع عشر صفحة خمسين ومائة وهى قصة طريفة استمعوا لها إخوتى الكرام يقول كان المأمون قد وكل الفراء يلقن ابنيه النحو ولدا المأمون يتعلمان عند الفراء النحو فلما كان يوما أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه وهو يعلم ولدي الخليفة المأمون ابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانه له فتنازعا أيهما يقدمه كل واحد يريد أن يقدم النعل للفراء ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردا قال أنا أقدم اليمين وأنت تقدم الشمال ولدا الخليفة لهذا العبد الصالح أبى زكريا الفراء فقدماها وكان المأمون له على كل شىء صاحب يعنى عنده

عيون وجواسيس يخبرونه بما يجرى فأخبروه بهذه القصة ولداك يبتدران فى تقديم نعلى الإمام الفراء ثم إذ يتنازعان على ذلك فيصطلحان على أن كل واحد منهما يقدم لهذا الإمام فردا أى حذاء اليمين وذاك حذاء الشمال وكان المأمون له كل شىء صاحب فرفع ذلك إليه فى الخبر فرفع إليه ذلك الصاحب إليه فى الخبر فوجه إلى الفراء فاستدعاه المأمون يستدعى الفراء فلما دخل عليه قال له المأمون من أعز الناس قال ما أعرف أعز من أمير المؤمنين يعنى أنت خليفتنا وأنت سلطان المسلمين كلنا نطيعك ونحبك وندعو لك ما أعلم ما أعرف أعز من أمير المؤمنين قال بلى من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه ولدا عهد المسلمين يقتتلان على تقديم نعليه هذا هو أعز المسلمين أنت أعز منى حتى رضى كل واحد أن يقدم له فردا قال يا أمير المؤمنين لقد أردت منعهما عن ذلك هو فى قلبى أراد لكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها يقول يقدمان نعلى إلى هذه مكرمة وعز لهما لا تظن فى هذا منقصة وأنا أردت أن أمنعهما لكن قلت كيف أمنعهما من مكرمة خليه يتعلم الأدب مع شيوخه ما الحرج إذا قدم ولد الخليفة النعل للإمام ما الذى حصل ما أردت أن أمنعهما عن مكرمة تقديمهما النعل لى مكرمة لهما لكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها أو أكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها هذا شرف ومكرمة.

ويروى عن ابن عباس هذا الفراء يقول للمأمون أنه أمسك للحسن والحسين ركابيهما حتى خرجا من عنده فقال له بعض الحاضرين أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أسن منهما قال اسكت يا جاهل لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوى الفضل قال له المأمون لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوما وعتبا وألزمتك ذنبا لكنت مذنبا عندى ومقصرا وأعاتبك عتابا شديدا لو منعت ولدى من تقديم النعل إليك وما وضع ما فعلاه من شرفهما هذا لا ينقص شرفهما بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما وقد سبتت لى مخيلة الفراسة بفعلهما يعنى علامة الفراسة تفرست فيهما أنهما من أصل كريم وسينتج عنهما شأن عظيم فى المستقبل فليس يكبر الرجل وإن كان كبيرا عن ثلاث هذه لا يمتنع منها الإنسان مهما كان كبيرا القدر عن تواضعه لسلطانه ووالده ومعلمه العلم وقد عوضتهما ما فعلاه عشرين ألف دينار ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما هذا حقيقة الأدب الذى كان يتلقاه أئمتنا وكانوا يعلمونه للنشء ولمن يحضر مجالس الذكر. إخوتى الكرام: هذا لا بد من وعيه وإن كانت عادتى دائما فى مطلع الدروس التى أقوم بها أن أقدم مقدمة فى أدب طلب العلم بعد أن يخلص طالب العلم فى نيته لربه إذا حصل هذا منه ستظهر عليه علامات وآداب يتأدب بها فعلا وتركا وهذه كنت أجملها فى عشرة آداب وذكرتها هنا فى مواعظ النساء وهى مسجلة فى محاضرتين موعظتين أو فى ثلاث مواعظ وهذه كنت أشرحها كما قلت أذكرها على سبيل الإيجاز وهذه تدل كما قلت على صدق طالب العلم فى طلبه وأنه يريد بعلمه وجه ربه ...

ما ينبغى أن يفعله من الآداب حسن الإصغاء حسن الاستماع حسن السكوت يصغى يستمع يخشع ويخبت لا يتحرك منه عضو عندما يتلقى مجالس العلم وهذا يدل حقيقة على صدق طالب العلم فى طلبه وأنه يريد بعلمه وجه ربه وإذا عرف الإنسان ما يطلب هان عليه ما يبذل إن الهرة وهى هرة عندما تريد تصطاد الفأرة تقف أمام الجحر لا يتحرك منها شعرة لم لأنها ستحصل كنزا ثمينا عندها وأنت ستكون خليفة النبى عليه الصلاة والسلام ووارثا له فى طلب هذا العلم الشرعى تزكى نفسك يعنى بعد ذلك ما عندك خشوع ولا سكينة الهرة خشعت من أجل فأرة وأنت بعد ذلك تتعلم آيات الله وأحاديث رسول الله عليه صلوات الله وسلامه وتشاغل وتثاؤب ونعاس واتكاء واستناد هذا كله لا يليق وكما قلت هذا شرحته بأدلة إنما أذكر الآداب العشرة فعلا وتركا تعدادا فقط ومن أراد أن يستمعها من الأشرطة. الأدب الثانى: حسن الفهم حسن التدبر حسن التفكر حسن التأمل انصت وتفكر تفاعل وخشع الظاهر وتفكر الباطن. يتبع هذا أدب ثالث: ألا وهو حسن السؤال حسن الاستفسار فإذا خشع الظاهر وتفكر الباطن سيسأل الإنسان عما يشكل عليه والعلم خزائن مفتاحه السؤال. يتبع هذا أدب رابع: بعد ذلك حسن الحفظ لأنك إذا خشعت فى الظاهر وتدبرت فى الباطن وسألت عما يشكل عليك واتضح لك الأمر جليا فما عليك إلا عليك إلا أن تحفظه. والأمر الخامس: حسن العمل أن تترجمه فى أعمالك وبأفعالك. والأدب السادس: مما ينبغى أن تفعله حسن التعليم وحقيقة إذا قام طالب العلم بهذه الآداب الستة دليل على أنه مخلص لربه فى طلبه حسن كما قلت الإصغاء والاستماع والسكوت حسن الفهم والتدبر حسن السؤال حسن الحفظ حسن العمل حسن التعليم وهناك أربعة أمور ينبغى أن يحذرها والآداب تصبح كما قلت مجموعها عشرة ستة تفعل وأربعة تترك.

أول ما ينبغى أن يحذره وأن يتركه ضياع الوقت احذر ضياع الوقت فتضييع الوقت من المقت فمر معنا كما قلت تقرير هذا بأدلته إنما أذكر الآداب مجملة وشرحت فى ثلاث مواعظ احذر تضييع الوقت وإذا رأيت طالب العلم يضيع وقته فاعلم أنه لا يفلح ولا يأتى منه خير. والأمر الثانى الذى ينبغى أن يحذره الجدل والقيل والقال والمراء والملاحاة فلا يأتى ذلك بخير وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل. والأمر الثالث الوقوع فى سلفنا الطيبين المهتدين ولا خير فى هذه الأمة إذا لعن آخرها أولها فإياك ثم إياك أن تطلق لسانك فى أئمتنا من صحابة نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ومن التابعين ومن أئمة المسلمين وإلى الله نشكو غربتنا فى هذا الحين عندما وجدت نابتة لا يتورع من تضليل فضلا عن تخطيء أبى حنيفة فمن بعده من أئمة الإسلام لا يتورع هذا احذره غاية الحذر وإذا رأيت طالب العلم يقع فى السلف فاعلم أنه ممن لعنه الله وغضب عليه وإياك أن تقترب منه. وآخر الأمور احذر من مخالطة المترفين والسلاطين إذا كان فيهم خير اقتربوا منك وقمت بما يجب نحوهم وأما أن تتمسح بأعتابهم هنا وهناك فهذا ليس من شيمة طالب العلم. هذه أمور أربعة ينبغى أن يحذرها طالب العلم وأمور ستة ينبغى أن يتصف بها هذه كما قلت إخوتى الكرام يعنى توجيهات تتعلق بكم وهى مجملة مختصرة وهو الأمر الأول من الأمرين اللذين سأتكلم عليها كما قلت فى بدء هذه الموعظة. إخوتى الكرام: إذا حافظ الإنسان على هذه الآداب وتلقى العلم بالكيفية الشرعية حقيقة علمه ينفعه وإلا نعوذ بالله منه ومن علمه وليس فى العلم مفخرة إنما العلم النافع هو الذى تفتخر به فى الدنيا وفى الآخرة أما العلم. لو كان فى العلم دون التقى شرف ... لكان أشرف خلق الله إبليس

ليس فى العلم مفخرة إنما المفخرة فى العلم النافع الذى يكسبك خشية من ربك جل وعلا وقد استعاذ نبينا عليه الصلاة والسلام من علم لا ينفع ثبت الحديث بذلك فى المسند وصحيح مسلم وسنن النسائى ومسند عبد ابن حميد وهو فى صحيح مسلم فهو صحيح صحيح من رواية زيد ابن أرقم رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع ومن دعاء لا يسمع وفى رواية ومن دعوة لا يستجاب لها هذه الأمور الأربعة كان نبينا عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله منها ونقل ذلك عنه عدد من الصحابة الكرام زيد ابن أرقم منهم ومنهم أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه كما ثبت ذلك فى مسند الإمام أحمد ومستدرك الحاكم والحديث فى السنن الأربعة إلا سنن الترمذى وإسناده صحيح كالشمس كالرواية المتقدمة كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع من نفس لا تشبع من قلب لا يخشع من دعاء لا يسمع وروى لك أيضا عبد الله ابن عمرو ابن العاص على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والحديث ثابت فى المسند أيضا والمستدرك وسنن الترمذى والنسائى وإسناده صحيح.

ورواه أيضا أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه روايته فى سنن النسائى والمستدرك بإسناد صحيح ورواه عنه أيضا عبد الله ابن مسعود كما فى مستدرك الحاكم بسند صحيح من رواية خمسة من الصحابة الكرام زيد ابن أرقم وأبى هريرة وعبد الله ابن عمرو وأنس ابن مالك وعبد الله ابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع ومن قلب لا يخشع ومن دعاء لا يسمع علم لا ينفع نعوذ بالله منه والعلم إذا ما صاحبته الخشية فهو وبال على صاحبه ولذلك العلم إذا لم ينفعك ضرك والقرآن حجة لك أو عليك فانتبه لهذا هذا إخوتى الكرام كما قلت ما يتعلق بالأمر الأول قبل أن أفارقه إلى الأمر الثانى الذى يتعلق بى وهو مثار من قبل بعضكم أيضا أحب أن أرشدكم إلى بعض الكتب التى تتحدث عما يتعلق بآداب طالب العلم فى طلبه وفى حياته فاحرصوا عليها إخوتى الكرام أولها كتب الخطيب البغدادى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهو حافظ المشرق توفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة للهجرة له كتاب الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع فى مجلدين كله فى هذه القضية فيما يتعلق بآداب الشيخ والتلميذ فى آداب المتكلم والسامع الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع حقيقة أئمتنا كانوا يعنون بهذا يعنى طلب علم لا بد له من ضابط لا بد من أن يتأدب الشيخ وأن يتأدب المستمعون فألف هذا الإمام كتابا فى مجلدين فى هذه القضية الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع..

هو الشيخ الذى يروى محدث وآداب السامع وله كتاب أيضا طيب نافع تعرض فيه لأمور كثيرة فيما يتعلق بأدب طالب العلم والعالم كتاب الفقيه والمتفقه أيضا للخطيب البغدادى وهما كتابان نافعان مباركان عظيمان هناك كتاب آخر لحافظ المغرب وهو يعادل الإمام الخطيب البغدادى توفى أيضا سنة ثلاث وستين وأربعمائة للهجرة ماتا فى سنة واحدة هذا شيخ المسلمين فى المشرق وهذا شيخ المسلمين فى المغرب الإمام أبو عمر ابن عبد البر له كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغى فى روايته وحمله كتاب نافع وفيه خير كثير وهذه أبرز الكتب التى يعنى كما قلت أذكرها فى كتاب الإمام السمعانى أدب الإملاء والاستملاء يعنى أدب من يملى وهو الشيخ ومن يستملى وهو التلميذ للإمام السمعانى كما قلت المتوفى سنة اثنتين وستين وخمسمائة للهجرة والكتاب نافع وفيه خير كثير وهناك كتاب لقاضى القضاة شيخ المسلمين فى القرن الثامن للهجرة ابن جماعة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهو شيخ الإسلام بدر الدين أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم ابن جماعة توفى سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة للهجرة انظروا ترجمته الطيبة العطرة فى البداية والنهاية فى الجزء الرابع عشر صفحة ثلاث وستين ومائة وهو شيخ للإمام ابن كثير عليهم جميعا رحمات ربنا الجليل وانظروا ترجمته فى الطبقات الكبرى للإمام السبكى فى الجزء التاسع صفحة تسع وثلاثين ومائة فى ست صفحات سبع صفحات بعدها ترجمه تذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم وحقيقة يورد فى هذا الكتاب آدابا ينبغى أن يعتنى الإنسان بها يقول الأدب الثامن من آداب التلميذ والسامع يقول أن يجلس بين يدى الشيخ جلسة الأدب كما يجلس الصبى بين يدى المقرىء أو متربعا بتواضع وخضوع وسكون وخشوع ويصغى إلى الشيخ ناظرا إليه ويقبل بكليته عليه متعلقا لقوله بحيث لا يحوجه إلى إعادة الكلام مرة ثانية ولا يلتفت من غير ضرورة ولا ينظر إلى يمينه أو شماله أو فوقه أو قدامه بغير حاجة

ولا سيما عند بحثه أو عند كلامه معه. أنا أعجب لمن يدرسون مادة التربية التى يسمونها التربية فى هذه الأيام لم لا يدرسون هذه الكتب التى هى خلاصة أدب الإسلام أنا أعجب لم ديننا فى مدارسنا فى غفلة عنها إنما يشغلون بعد ذلك بآراء أفلاطون وسقراط وأرسطو وغيرهم من المناحيس بعد ذلك من فرويدو أدولر لم لا تشغل الأمة بما ينفعها فى دينها ودنياها بهذه الآداب يقول فلا ينبغى أن ينظر إلا إليه ولا يضطرب لضجة يسمعها أو يلتفت إليها ولا سيما عند البحث لو انهد نصف المسجد لا تتحرك ولما جاء بعض طلبة العلم غالب ظنى سحنون إذا ما كنت مخطأ أو ابن القاسم لا استحضر للإمام مالك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا جاء إليه ليحضر مجلسه فأشيع أنه جاء الفيل فخرج الناس ينظرون إليه وهذا ما تحرك فأجب الإمام مالك بعقله وأدبه وحصافة رأيه طيب جاء الفيل وإذا جاء الفيل وجاء الأسد ما لنا وله يعنى حيوان نترك مجالس العلم من أجل النظر إلى حيوان هذه هى يعنى العثرة والذلة والضلالة يقول ولا ينفض كميه ولا يحسر عن ذراعيه ولا يعبث بيديه أو رجليه أو غيرهما من أعضائه ولا يضع يده على لحيته أو فمه أو يعبث بها فى أنفه أو يستخرج منها شيئا ولا يفتح فاه ولا يقرع سنه ولا يضرب الأرض براحته أو يخط عليها بأصابعه ولا يشبك بيديه أو يعبث بأزراره ولا يستند بحضرة الشيخ إلى حائط أو مخدة أو درابزين هذه معروفة فى بلاد الشام يقول قوائم منتظمة يعنى شىء يوضع من أدراج حديد يستند عليها الإنسان على كل حال أو يجعل يده عليها ولا يعطى الشيخ جنبه أو ظهره ولا يعتمد على يده إلى ورائه أو جنبه ولا يكثر كلامه من غير حاجة ولا يحكى ما يضحك منه أو ما فيه بذاءة أو يتضمن سوء مخاطبة أو سوء أدب ولا يضحك من غير عجب ولا يعجب دون الشيخ فإن غلبه تبسم تبسما بغير صوت ألبته ولا يكثر التنحنح من غير حاجة ولا يبصق ما أمكنه ولا يلفظ النخامة من فيه بل يأخذها من فيه بمنديل أو خرقة أو طرف

ثوبه ويتعاهد تغطية أقدامه وإرخاء ثيابه يعنى على أقدامه وسكون يديه عند بحثه أو مذاكرته وإذا عطس خفض صوته جهده وستر وجهه بمنديل أو نحوه وإذا تثاءب ستر فاه بعد رده جهده ثم أورد آثارا عن السلف بعد ذلك فى ذلك إلى آخر كلامه وهذا حقيقة لو قرأه الإنسان مائة مرة فى حياته لكان قليلا تذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم هذا فيما يتعلق إخوتى الكرام بالأمر الأول.

الأمر الثانى نقل لى بعض الإخوة الكرام عن أخ كريم ملاحظة تتعلق كما قلت بى وهى من قبلكم لكن موجهة إلى أن بعض الناس نفروا عن حضور المواعظ وأسباب النفرة فى هذه الأيام كثيرة لأن الدافع لها الهوى فانظروا إلى هذه النفرة الغريبة التى يعللها هذا الأخ الكريم وعلى وصفه أناس يعنى مرموقون هم الذين نفروا الآن ولئن كان ينفر يعنى كما يقال المبتدئون الآن أناس مرموقون أهل شهادات وتخصصات لم قال لأنك تعيد الكلام فهذا يحدث الملل فى الأذهان الإنسان يمل تعيد الكلام مرارا وحقيقة أنا لما أخبرنى بعض الأخوة بذلك ما أعلم أننى أعيد كثيرا يعنى قد أعيد الحديث أحيانا مرتين إلى ثلاث يعنى زيادة على ثلاث ما أعلم أننى أعدت ما عدا هذا أمشى وأنا دائما أعاتب نفسى ليتنى أعيد أكثر يعنى أنا أعاتب نفسى بالاسترسال أريد أن أعيد أكثر لأقتدى بالنبى عليه الصلاة والسلام أكثر أنا أعاتب نفسى على عدم الإعادة ويأتينى لوم بأننى أعيد سبحان ربى العظيم لكن أنا فيما يبدو لى أن الأخ المعترض أو الذين نفروا كانوا نياما لما يبدو لى فلعله سمع كلمة ثم نام فى وسطها ثم لما سمع نهايتها قال هذا أعاد الكلمة لعله مرة كنت أخطب فى بعض الأماكن فى بلاد الشام فى بلدة جرابلس بعض الحاضرين ذهب إلى بلدة حلب تبعد مائة وعشرون كيلو مترا فقال لى بعض أئمة المساجد هناك والمشايخ قال الخطيب عندنا فى جرابلس يقول على المنبر الزنى حلال قال له اسكت البعيد وانقلع من هنا هذا العالم الشيخ الذى قال أنا سمعت بأذنى قال من الخطيب قال فلان يقول فزدته زجرا ونهرا وطردته فلما التقيت أنا بهذا الشيخ فى حلب قال أخبرنى ما القصة قال ما أعلم أنه أثير هذا الموضوع من يقول الزنا حلال أهذا مما يعنى فطر الله المسلمين على معرفة تحريمه ومعلوم من الدين بالضرورة. ومن لمعلوم ضرورة جحد ... من ديننا يقتل كفرا ليس حد ومثل هذا من نفى لمجمع ... أو استباح كالزنا فلتعلم

نساء البادية تعلم أن الزنا حرام فالخطيب على المنبر قلت أنا أعلل لك قوله هو صادق فيما قال قال تقول صادق قلت صادق قلت استحضرت عند بحثى فى الضروريات التى هى الكليات الخمس والضروريات المحافظة على الأعراض منها كنت أناقش الإباحية فى الذين يقولون حرية شخصية وبناء عليه لا ينبغى أن يتدخل النظام فى حرية الإنسان فإن شاء أن يزنى له ذلك حلال وإن شاء أن يلوط له ذلك حلال كما هو القوانين الغربية وتبع لهذا بعض البلاد العربية الردية فى هذا الأوقات بالتراضى حلال هذا حرية شخصية ما يمنع أحد ومؤتمر هذا الذى يسمونه إسكان مؤتمر الشيطان هو فى تقرير هذا يعنى الإنسان حر يزنى يلوط يكشف عن عورته يدخل زجاجة فى دبره ما لك وله هو حر حرية شخصية كنت أتكلم عن هذا فلعله الرجل أحدث فى خطبة الجمعة عدة مرات فاستيقظ عند ذكر هذه الجزئية أن الزنا حلال عند هؤلاء الإباحية الكفرة لأن هذا حرية شخصية ثم نام وأحدث ونام وأحدث العلم عند الله فهو وعى هذه الجملة هو لو عنده ذرة أدب وخشية من الرب لجاء وقال أنا سمعتك تقول الزنا حلال يعنى يخبر المسؤول قبل أن يذهب ويتكلم بالفضول والكلام المرذول ويرجف فى حلب وفى غيرها لقال أنت تقول الزنا حلال كيف هذا لكان صححت معلومته وزال الإشكال لكن هذه حالة الأمة بعد ما أحدث وصلى بغير وضوء ضبط كلمة قيلت من قبل دعاة الإباحية فنسبها إلى العبد المسكين ونقلها.

وهنا بعض الإخوة يقول إنك أيضا يعنى الكلام تكرره ونفر بعض المرموقين مما لهم يعنى شهادات من السماع وحقيقة إخوتى الكرام كما قلت لا أبالى لا بمرموقين ولا بغيرهم والمساكين هم أتباع الرسل فى كل حين لكن أنا أريد أن أقول ينبغى نحن أن نتأدب بأدب نبينا الرسول عليه الصلاة والسلام أن نتقى الله فيما نقول لأنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد نعم أنا مقصر فى عدم إعادة الكلام وكان الواجب على وهذا ما يجب على كل أحد أن يسترسل وأن يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه مقصر أحيانا أعيد مرتين بعض الأحاديث وأحيانا أمشى وهذا كما قلت أدب شرعى من أخل به فقد قصر ومن حافظ عليه فهذا هو الأكمل والأفضل أما الاسترسال هذا ليس من ديننا وأنا أقول لمن يعنى يقولون عن أنفسهم إنهم من الفئة المرموقة أنا أريد أن أسألهم ماذا وعوا من هذه الدروس من أولها إلى آخرها إذا كان طائفة مرموقة ويقولون صار بها تكرار أقول مع التكرار ماذا استفدتم تكرار الطائفة المرموقة ما وعت شيئا فكيف لو كان هناك استرسال ومتابعة فى الكلام إلى ما وعى ليس ما وعوا شيئا لفهموا كما فهم ذاك أن الزنا حلال يعنى تكرار وطائفة مرموقة وما فهمت شيئا ولا ضبطت شيئا أعجب غاية العجب إخوتى الكرام كما قلت للهذيان الذى يجرى فى هذه الأيام ولذلك لا بد من توضيح هذه الجزئية فانتبهوا لها إخوتى الكرام.

ثبت فى المسند وصحيح البخارى وسنن الترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح ورواه الإمام الترمذى فى الشمائل المحمدية على نبينا صلوات وسلام رب البرية وأورده فى الشمائل لأن هذا من خصال النبى عليه الصلاة والسلام التى يمدح بها واستمع لذلك ورواه الإمام البيهقى فى المدخل فى صفحة ست وخمسين وثلاثمائة ورواه البغوى فى شرح السنة فى الجزء الأول صفحة ثلاث وثلاثمائة وأما المسند والبخارى والترمذى فما أحدد الصفحات يعنى الرجوع إليه أيسر من هذه المدخل للبيهقى كما قلت والبغوى وبوب عليه البخارى فى كتاب العلم فى الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين ومائة بشرح الحافظ ابن حجر باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه وبمثل هذا الباب بوب الإمام البيهقى فى المدخل وبوب عليه الإمام البغوى باب إعادة الكلام ليفهم ولفظ الحديث من رواية أنس رضى الله عنه وأرضاه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه يحصل هناك استيضاح على وجه التمام ديننا ليس مشى ما عندنا مشى هذا دين لا بد له من بصيرة وتأكد وتبين ثلاث مرات وما يعى الناس فكيف إذا كان مرة واحدة وهذه ثلاث مرات لمن لأذكى الناس وأزكى الناس وأفقه الناس وأطهر الناس وهم الصحابة الأكياس رضى الله عنهم أجمعين الذين عقولهم تسيل ذكاء وأدبا وفطنة وبسطة والواحد منهم يتلقى مشافهة دون كتابة وتقدم معنا فى ترجمة سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه أخذ بضعا وثمانين سورة من فم النبى عليه الصلاة والسلام ما كتب سوداء فى بيضاء يسمع ويحفظ ومع ذلك يعاد لهذا الكلام ثلاثا نحن لو أعدناه ثلاثين لكان قليلا فى حقنا وأنا على يقين من الثلاثين ما نضبط أيضا ما نضبط وأنت تتضايق يعنى من الإعادة لم يا ليل ويا ليل لازم يغنى يعيدها أربعين مرة هو ما يتضايق من يستمع بل يقولون ما شاء عليك زيد ويقول يا ليل ويا ويل ونحن نقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كررناه تضايقت

والطائفة المرموقة انقلعت طيب وإذا ما انقلعت يعنى ماذا جرى قال هذا تضايق منه طائفة مرموقة ولذلك أعرضوا عن الدروس لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ونسأل الله أن يغنينا عنهم وعن أمثالهم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا انتبه سلم عليهم ثلاثا باتفاق أئمتنا إذا كان هذا فى استئذان أما إذا تلاقا المسلمان فى طريق أو مسجدأو1:10:57 فالسنة الجارية بين المسلمين مرة واحدة لكن إذا جئت إلى بيت لتستأذن تسلم ثلاثا استئذانا وسلاما فلا تزد ما عدا هذا تنقص فيسلم ثلاثا أى فى حال طلب الإذن فى حال الاستئذان نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام البيهقى عند رواية هذا الحديث وهكذا البغوى وهكذا الحافظ ابن حجر فى شرحه كما قلت فى المكان المتقدم صفحة ثمان ثمانين ومائة فى فتح البارى والحديث رواه الإمام الترمذى أيضا فى المناقب وفى الشمائل المحمدية على نبينا صلوات الله وسلامه بلفظ أيضا من رواية أنس رضى الله عنه وأرضاه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه هناك تقدم معنا لتفهم عنه أوليس كذلك حتى تفهم عنه هنا لتعقل عنه وهذه الرواية رواها الحاكم فى مستدركه فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وسبعين ومائتين واستدركها على الصحيحين.

وهى كما قلت فى صحيح البخارى تقدمت معنا من رواية أنس ولذلك قال الحافظ الذهبى معلقا على كلام الحاكم قلت أخرجه البخارى سوى قوله حتى تعقل عنه لكن رواية البخارى حتى تفهم عنه هنا لتعقل عنه بمعنى واحد قال الحافظ فى الفتح وهم الحاكم فى استدراكه وفى دعواه أن البخارى لم يخرجه إذن إخوتى الكرام هذا هدى النبى عليه الصلاة والسلام يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه وهذا مروى من رواية عدة من الصحابة الكرام رواه أبو داود فى كتاب العلم وبوب عليه باب تكرير الحديث من رواية رجل من الصحابة خدم النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ولم يسم ولعله أنس لعله إنما صحابى خدم النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ورواه الخطيب البغدادى فى كتابه الجامع ويروى الأحاديث بالإسناد كما تقدم معنا لأخلاق الراوى وآداب السامع فى الجزء الأول صفحة أربع وثلاثين ومائتين وبوب عليه باب إعادة المحدث الحديث حال الرواية ليحفظ ولفظ الحديث وإسناده حسن عن هذا الرجل الذى خدم النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حدث حديثا أعاده ثلاثا والحديث روى من رواية أبى أمامة بإسناد حسن رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الأول صفحة تسع وعشرين ومائة فى كتاب العلم وبوب عليه الهيثمى بابا فقال باب أدب العالم أى من أدب العالم فى تعليمه أن يعيد ما يقوله ثلاث مرات وإن زاد فهذا أحسن باب أدب العالم ولفظ الحديث من رواية سيدنا أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلم تكلم ثلاثا لكى يفهم عنه فهو من رواية أنس ومن رواية رجل خدم النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ومن رواية أبى أمامة والروايات الثلاثة صحيحة ثابتة أما رواية أنس فتقدم معنا فى البخارى والروايتان بعد ذلك فى غير الصحيحين.

إخوتى الكرام: وهذا الأمر الذى نقل عن نبينا عليه الصلاة والسلام متفق عليه بين أئمتنا الكرام نقل الحافظ ابن حجر فى الفتح عند شرح الحديث فى الجزء الأول صفحة تسع وثمانين ومائة عن الزين ابن المنير وتقدمت معنا ترجمته قال نبه الإمام البخارى بهذه الترجمة وقلنا الترجمة ما هى من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه هذا ترجمة البخارى يقول الزين ابن المنير نبه البخارى بهذه الترجمة على الرد على من كره إعادة الحديث يعنى الطائفة المرموقة الآن البخارى يستنكر فعلهم ويقول هؤلاء يكرهون تكرار الحديث وليتهم عندما كرر يحفظون العشر وإذا لم يكرر لن يحفظوا شيئا يقول نبه البخارى بهذه الترجمة على الرد على من كره إعادة الحديث وأنكر على الطالب الاستعادة وعده من البلادة قال والحق أن هذا يختلف باختلاف القرائح فلا عيب على المستفيد الذى لا يحفظ من مرة إذا استعاد ولا عذر للمفيد إذا لم يعد بل الإعادة عليه آكد من الابتداء لأن الشروع ملزم يعنى أنت فى البداية لا يجب عليك أن تدرس ولا أن تعلم فإذا شرعت يجب عليك أن تفهم فإذا لم تعد وما فهم الناس فأنت مقصر لأن الشروع ملزم فإذا شرعت فى خير وضحه الشروع ملزم ولذلك لا عذر للمفيد إذا لم يعد بل الإعادة عليه آكد من الابتداء آكد يعنى من التدريس ومن بدء نشر العلم لأن الشروع ملزمم نقل عن الإمام ابن التين وتقدمت معنا ترجمته من أئمة المالكية الكرام قال الثلاث غاية ما يقع به الاعتذار والبيان يعنى من أعاد ثلاثا انتهى وضح فو طلبت أكثر وما أجابك يعنى أعذرك هو ثلاثة هذا الإنسان يفهم غاية ما يقع به البيان ثلاث وإذا ما فهم الإنسان بعد الثلاث هو الذى يعنى قصر فى الفهم ماذا نعمل له أما أقل من ثلاث فالمستمع له حق يقول أنا ما فهمت أعد أعاد الثانية يقول أعد ولا تتضجر وهذا من حقه عليك وإلا فأنت مقصر فإذا أعدت الثلاث قل يا عبد الله حقك أخذته بعد إن تطوعت نفسى برابعة وخامسة وإلا ليس لك حق أن تطلب

لكن للثلاثة له حق أن يطالب والمفيد إذا أعاد إلى ثلاث من اعترض فهو كحال بنى اسرائيل الذين كانوا يعترضون على أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه لكن إذا زاد على ثلاث فهى كما قلت إذا فى مصلحة فى الزيادة فلا حرج وإذا لم يكن هناك مصلحة فالأحسن عدم الزيادة على ثلاث أما الثلاث هذه متأكدة.

ثم نقل الخطيب البغدادى فى الجامع لأخلاق الرواى وآداب السامع فى المكان المشار إليه أنه روى حديث أنس أوليس كذلك ليس حديث الرجل الذى خدم النبى عليه الصلاة والسلام أوليس كذلك رواه وقلنا فى الجزء الأول صفحة كم عندكم محدد صفحة أربع وثلاثين ومائتين روى الخطيب البغدادى فى هذا الكتاب عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين قال من روى عن النبى عليه الصلاة والسلام حديثا فليردده ثلاثا هذا كلام من عبد الله ابن عمر من روى عن النبى عليه الصلاة والسلام حديثا فليردده ثلاثا وليتنا أخذنا بهذا الأثر وأحيانا إليك نشكو أمرنا يا ربنا نعيده مرتين فيعترض المتنطعون فكيف لو أعيد كل حديث ثلاث مرات كيف يكون الأمر حقيقة ليت الأمة الأمة أخذت بهذا الأدب من أجل أن يرسخ كلام النبى عليه الصلاة والسلام فى أذهان المستمعين من روى عن النبى عليه الصلاة والسلام حديثا فليردده ثلاثا وأمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها سيدتنا الطيبة المطيبة كانت تنكر ما حصل بعد النبى عليه الصلاة والسلام من سرد الحديث وعدم إعادته وتكراره ثبت عنها ذلك فى المسند والصحيحين والحديث رواه الإمام أبو داود فى سننه والإمام الترمذى فى السنن أيضا وفى الشمائل المحمدية على نبينا وآله وصحبه وأتباعه صلوات الله وسلامه رواه الإمام ابن سعد فى الطبقات الكبرى فى الجزء الأول صفحة خمس وسبعين وثلاثمائة ورواه الخطيب البغدادى فى الفقيه والمتفقه فى الجزء الثانى صفحة أربع وعشرين ومائة وفى الجامع فى الجزء الأول صفحة أربع عشرة وأربعمائة ولفظ الحديث عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم يعنى يتابع بين الكلام ويستعجل ولا يعيد ولا يتأنى لم يكن يسرد الحديث كسردكم هذه الرواية كما قلت فى الصحيحين وغيرهما.

زاد ابن سعد فى الطبقات والترمذى فى السنن والشمائل والخطيب فى المكانين المتقدمين فى الفقيه والمتفقه وفى الجامع قالت زيادة ولكنه كان يتكلم بكلام يبينه فصل بكلام فصل بكلام هو فصل مفصول موضح مكرر معاد يحفظه من جلس إليه وفى رواية فى المسند كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم بكلام مفصلا يفقهه كل أحد ولم يكن يسرد الحديث كسردكم قال الحافظ فى الفتح فى الجزء السادس صفحة ثمان وسبعين وخمسمائة وفى مستخرج الإسماعيلى عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها قالت إنما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مفصلا فهما تفهمه القلوب وقد عد أئمتنا هذا الأمر من الآداب التى ينبغى أن يتقيد بها المتكلم نص على ذلك الإمام ابن جماعة فى كتابه تذكرة السامع والمتكلم فى صفحة تسع وثلاثين فذكر من آداب المتكلم من آداب المحدث من آدابه أن يعيد الكلام ثلاثا ليفهم عنه إعادة الكلام ثلاث مرات يقول ولا يسرد الكلام سردا بل يرتله ويرتله ويتمهل فيه ليفكر هو وسامعه وقد روى أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فصلا يفهمه من سمعه وأنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا لتفهم عنه إلى آخر كلامه فى ذلك.

إخوتى الكرام: كما قلت هذا من الأدب الذى ينبغى أن يحرص المتكلم المتحدث وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام مع تكراره لكلامه أحيانا يعيد الجزء منه الجزء منه مرارا ثلاث مرات من أجل أن ينبه الناس إلى ما سيقوله مع تكراره لكلامه العام وهذا ثابت عنه بالتواتر من ذلك الحديث الذى رواه الإمام أحمد وهو فى الصحيحين واستدركه الحاكم على الصحيحين وهو فيهما كما قلت من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه ورواه الإمام أحمد فى المسند والبخارى من رواية أبى شريح العدوى فهو من رواية أبى هريرة وأبى شريح رواية أبى شريح فى البخارى ورواية أبى هريرة فى الصحيحين ولفظ الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن ثلاثا ما نعلم إذا سمع المرموقون ماذا سيقولون الآن عن نبينا الميمون عليه الصلاة والسلام يعنى سينفرون أيضا والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالوا من يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال الذى لا يأمن جاره بوائقه والحديث كما قلت فى الصحيحين من رواية أبى هريرة فى صحيح البخارى من رواية أبى شريح والروايتان فى المسند أيضا الذى لا يأمن جاره بوائقه زاد الإمام الحاكم فى المستدرك قالوا وما بوائقه يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قال شره غوائله شره يعنى لا يأمنون شره فهذا ليس من عباد المؤمنين عند رب العالمين انظر لهذا التكرار من أجل أن يعى الأبرار والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن وأئمتنا الكرام عندما فاضلوا بين البخارى ومسلم بين صحيح البخارى وصحيح مسلم وذهب بعض أهل المغرب إلى تقديم صحيح مسلم قالوا لجودة الصناعة الحديثية فيه فهو يورد الأحاديث مرتبة فى مكان واحد ولا يفرطها فى كتابه فيصعب استخراجها من كتابه وتقدم معنا حديث فضل آية الكرسى أورده فى كتاب الوكالة أوليس كذلك هذا من جملة تراجم أبوابه وفقه البخارى فى تراجم أبوابه على كل حال لما بعض المغاربة

فضل صحيح مسلم للصناعة الحديثية وقالوا صحيح البخارى فيه تفريق وتكرار وهذا يصعب على طالب علم أن يجمع هذه الروايات وأن يتتبع هذه الرواية بطرقها المختلفة فى صحيح البخارى قال أئمتنا فى تفضيل البخارى على صحيح مسلم ومجيبين عن هذا الاعتراض قالوا لمسلم فضل قلت البخارى أعلى قالوا المكرر فيه قلت المكرر أحلى يعنى العسل إذا كرر أحلى مما لو كان بشهده وشمعه أوليس كذلك والله جل وعلا سمى الفاتحة بالمثانى ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم قال المثنية سميت بذلك لأنها تثنى تكرر فى كل ركعة يعنى إذن نقول يا ربنا لم كلها فى الركعة الأولى لا داعى لها فى الركعة الثانية خلاص نقرأ سورة أخرى نعوذ بالله من الاعتراض الذى يقع من العباد فى هذه الأوقات المثانى تثنى فى كل ركعة مثانى وبها ثناء على الله واستثنيت لهذه الأمة لكن مثانى وسمى الله كتابه بذلك مثانى لأنه يكرر ما فيه من الوعد والوعيد والقصص وتمجيد الرب المجيد يكرر هذا بصور مختلفة وكلما كرر كان أحلى فما الحرج يعنى إذا كرر حديث النبى عليه الصلاة والسلام يعنى تتضايق القلوب.

أحضر لى بعض الإخوة الكرام شريطا لبعض المهوسبين فى هذه الأيام الذين يسمون ما يقومون به من أناشيد إسلامية لإعادة دولة الإسلام ولعله سيأتى الكلام على هذا السفهاء إن شاء الله ضمن مواعظ الجمعة التى بدأناها وما نعلم متى سننتهى منها وأحيانا نعد موعظة وموعظتين وتمتد معنا إلى ما شاء الله حقيقة مثل هؤلاء لا بد من مناقشتهم فى بداية الشريط جالس يهمهم مثل الكلب والله الذى لا إله إلا هو مثل الكلب بهمهمة قرابة خمس دقائق على الموسيقى هم هم هم ما أعلم من هذا الكلام قبل أن يتكلم بكلام بعد ذلك هذا النغم كما يفعلون فى أصواتهم هاو ما هاو هاو من هذا الكلام ونفس اللهجة يعيدها فقط قلت سبحانك ربى وهنا أشرطة للدعوة الإسلامية وباسم الجهاد ويوجد من ينشرها كما يقولون من مسموعات ومرئيات وأموال بغير حساب ولما الإنسان بعد ذلك يعيد حديث النبى عليه الصلاة والسلام فى الموعظة مرتين بعض الأحاديث لأننى سمعت يعنى لما قيل لى هذا الكلام من الأسبوع الماضى من عدد من الأشرطة لأتحقق لما سمعت بعض الأشرطة وجدت حقيقة حتى الأحاديث بعضها يعاد أحيانا كما قلت مرتين وأكثر الكلام مشى وإذا أعيد ليتدارك من يكتب ولأنك تسمع وتتضايق لم تضايقت ونفر من نفر لأنه من طائفة مرموقة والله نحن ما لا صلة بيننا وبين أحد من خلق الله لا من طائفة مرموقة ولا من أهل شهادات ولا من أهل مسؤلين ولا من أهل كبار ولا من أهل صغار إلا على حسب شرع العزيز القهار فقط لا صلة بيننا وبين أحد إلا على حسب شرع ربنا وليس فى الدين محاباة وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر أما أن يعترض كل بعد ذلك إنسان حسبما يزين له الشيطان فأنا أنصح هؤلاء الإخوة الكرام أن يعطوا أنفسهم من الحضور لئلا يرتكبوا إثما عند العزيز الغفار فلا يحضروا وحقيقة يريحون ويريحون أنفسهم وكما قلت لو حضر عشرة يتفاعلون خيرا من أن يحضر ليس مائة ألف ونسأل الله أن يجعل سرنا خيرا من علانيتنا وأن

يجعل أعمالنا صالحة ولوجهه خالصة إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتى الكرام: كان فى نيتى أن أوجز الكلام على هذه الأمور لنتكلم كما قلت على ما نحن بصدده وفى مدارسته وقدر الله وما شاء فعل وهذه الآداب حقيقة فى نيتى إذا انتهينا من هذه الاستطرادات فى بعض المباحث أن أرتب لها مواعظ متعددة ولو جمعت بعد ذلك لكان فيها منفعة ماذا ينبغى أن يفعله الإنسان فى طلب العلم فى نفسه وفى طلبه مع شيوخه ومع إخوانه هذا لا بد من وعيه. نسأل الله أن يحسن أدبنا أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه. اللهم اغفر لمن جاوره من المسلمين اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات.

72تكملة وصف الحوريات فى محكم الآيات

وصف الحوريات في محكم الآيات (2) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان وقلت يستحسن من المرأة أربعة أشياء أن تكون واسعة كما يستحسن أيضا أن يكون أربعة أشياء منها ضيقة كلما ضاقت ولم تتسع كان هذا أجمل فيها فمها كلما صغر فم المرأة كانت أجمل فى الخلقة فمها منخرها وهو الأنف والفتحتان فيهما ثم خرق الأذنين قال الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا وذاك منها وهو معروف هذه أمور أربعة إذا ضاقت فى المرأة أجمل مما لو كانت واسعة والأمور الأربعة الأولى إذا كانت واسعة أجمل مما لو كانت ضيقة ثم قال يستحسن وهذا كله كلام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا صفحة ثمان وثلاثين ومائتين ويستحسن أن يكون فيها ثلاثة أشياء سوداء كلما اشتد سوادها فهذا أعظم لخلقتها وجمالها سواد أهدابها أهداب العينين سوداء شديدة السواد سواد حاجبها حاجبيها كما قلت سواد السواد فيه عينيها هذه تكون سوداء هذا أجل فى المرأة يستحسن أن يكون فيها ثلاثة أشياء بيضاء لونها لون البشرة من أولها إلى آخرها وثغرها إذا فتحت فمها كأنها حبات الؤلؤ والفضة المنظومة فى فمها وكما قلت بياض البياض فى عينيها ولذلك وصف الله نساء الجنة بذلك حور عين جمع حوراء بيضاء فى عينها حور يحار الطرف فيها ثم مليحة العينين واسعة العينين وكما قلت هذا من الصفات المستحسنة فى خلق المرأة والآخرة دار نعيم ولذلك يفيض الله على عباده أكمل نعيم هناك وأما هذه الدنيا فتقدم معنا مهما وجد فيها من النعيم فيها عكر وكدر ونقص.

إخوتى الكرام: مع حسن الشكل فى نساء الجنة وكمال الصورة فيهن فيهن أيضا تمام المطلوب الحسى ولا زلنا فى الكمال الحسى فيهن فى خلقهن من تكعب الثدى واستدارته دون استرخائه وتدليه وقد وصفهن الله بذلك وهذا من الجمال فى المرأة أن يكون ثديها مستديرا متكعبا بارزا مرتفعا لا ينزل وهذا يكون فى نساء الجنة باستمرار وفى هذه الحياة متى ما ولدت المرأة وأرضعت يعنى نزل بعد ذلك ثدياها شاءت أم أبت هذه دار القصور دار النقص وأما هناك فاستمع لهذا الوصف فيهن كما أخبر ربنا جل وعلا فقال (إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا) والكواعب جمع كاعب والكاعب عى الناهد وهى التى بدا نهداها أى ثدياها فتكعب الثدى أى يعنى تدور كأنه رمانة تكعب وليس كما قلنا مستطيل تكعب الثدى واستدار مع ارتفاع يسير فيه ولم يتدل إلى أسفل وهذا من أحسن خلق النساء ومنت أحسن الصفات فيهن أن يكون ثديها فى هذه الصورة كواعب جمع كاعب ثديها متكعب مستدير ثم لا ينزل إنما يرتفع قليلا وهذه الصفة تلازمهن فى الجنة كواعب أترابا هذه لا تزول بحال من الأحوال ثم أترابا هذه فى سن واحدة جميع نساء أهل الجنة فى سن واحدة كما أن جميع رجال أهل الجنة فى سن واحدة وكواعب أترابا أى أمثالا يقال هذا ترب هذا أى ولد معه فى زمن واحد وهن كلهن فى سن واحد فليست يعنى ما عندك شابة وما عند غيرك شيخة كبيرة هرمة لا ثم لا وكواعب أترابا أمثالا فى سن واحدة وكلهن فى تلك السورة المشرقة البهية أيضا فما عندك عند غيرك وكل واحد فرح مسرور بما من عليه العزيز الغفور.

وكواعب أترابا قال سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما كما فى تفسير ابن أبى حاتم مستويات قال الإمام ابن القيم فى روضة المحبين صفحة خمس وأربعين ومائتين أى كلهن فى سن الشباب لم يقصر بهن الصغر يعنى عن مقصود النكاح ولم يزر بهن الكبر ليست صغيرة يعنى ما يحصل الإنسان مقصوده منها وليست كبيرة نفسه تنفر عنها لا كواعب أترابا هذه حقيقة صفة نساء أهل الجنة وهى كمال حسى كمال خلقى حور عين كواعب أترابا وسيأتينا شىء أيضا من وصفهن حسا فى الكمال الحسى والمعنوى بعد أن أذكر الكمال المعنوى فيهن أنتقل بعد ذلك إلى الحسى والمعنوى كيف اجتمعا فيهن على وجه التمام والكمال. إذن الكمال الحسى فيهن ولهم فيها أزواج مطهرة حس فليس فى خلقهن آفة ولا نقص بوجه من الوجوه لا مخاط ولا بصاق ولا حيض ولا نفاس ولا أذى ولا قذى ولا صورة يعنى لا يميل الإنسان إليها ولا يستريح بل الصور كما قلت فى أتم ما خلق الله وأحسن ما أنشأ الله سبحانه وتعالى وهكذا الكمال المعنوى كل واحدة قانعة بزوجها راضية به فرحة مسرورة لا تتطلع إلى غيره ولا تنظر إلى سواه ما عندها فى حياتها إلا بعلها ما تعرف أحدا غيره إلا ربها سبحانه وتعالى فقط وهى وزوجها يحمدان الله مع كل نفس كما تقدم معنا يلهم أهل الجنة التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس أما أن غير زوجها تتطلع إليه أو تسرق النظر إليه هذا يستحيل أن يقع فى دار الطهر والكرامة والعفاف والصيانة واستمع لتقرير هذا من كلام ربنا جل وعلا فى سورة الرحمن أخبر الله عن نساء أهل الجنة أنهن قاصرات الطرف وأنهن حور مقصورات فى الخيام.

الصفة الأولى فى نساء أهل الجنة قاصرات الطرف ذكرها الله فى الجنتين الأوليين اللتان تكونان للسابقين المقربين ثم حور مقصورات فى الجنتين الأخريين اللتان تكونان لأصحاب اليمين يقول الله جل وعلا {ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأى آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيما من كل فاكهة زوجان فبأى آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأى آلاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان فبأى آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأى آلاء ربكما تكذبان} ولا بشىء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد هاتان الجنتان للسابقين لأصحاب اليمين {ومن دونهما جنتان فبأى آلاء ربكما تكذبان مدهامتان أى سوادهما كثير من كثرة الخضرة التى فيهما مدهامتان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأى آلاء ربكما تكذبان فيهن خيرات حسان فبأى آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات فى الخيام فبأى آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأى آلاء ربكما تكذبان} ولا بشىء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد فاستمع لهذه الصفة واعلم معناها فيهن هناك قاصرات الطرف وهنا فى الجنة الثانية مقصورات حور مقصورات فى الخيام فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وهناك فى الجنتين الأخريين حور مقصورات فى الخيام. أما الآية الأولى فى وصف الحوريات والنساء الكريمات اللائى يكن فى جنان السابقين المقربين قاصرات الطرف ففسر هذا النعت الكريم بأمرين من قبل سلفنا الكرام الطيبي. ن الأمر الأول: قاصرات الطرف أى قصرت بصرها وطرفها على زوجها لأنها قصرت نفسها وقلبها عليه فلا تلتفت إلى سواه ولا تنظر إلى غيره هذا المعنى الأول.

والمعنى الثانى: وهو حق وتحتمله الآية قاصرات الطرف قصرت هناك ماذا قلنا قصرت بصرها هنا قصرت بصر زوجها عليها فلا يتطلع إلى غيرها لما فيها من الجمال والكمال الذى لا يدعوه إلى أن ينظر إلى سواها. إذن قصرت طرفها وطرف زوجها فما عنده مجال أن ينظر إلى غيرها قاصرات الطرف قصرت طرفها قصرت طرف زوجها وكما قلت الأمران منقولان عن سلفنا الكرام المعنى الثانى كما قلت قصرت بصر زوجها عن غيرها لكمال حسنها نقله الإمام ابن الجوزى فى زاد المسير فى الجزء السابع صفحة ثمان وخمسين عند تفسير هذه الآية الكريمة وقال سمعت من الشيخ أبى محمد الخشاب وهو من شيوخ الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ولم يترجمه الإمام ابن الجوزى فى مشيخته فذكر فى المشيخة سبعا وثمانين شيخا له وأكمل شيوخه بثلاث نسوة تسعين شيخا ذكر من شيوخه كما قلت رجالا وثلاث نسوة ما ذكر من بين شيوخه هذا الشيخ المبارك وهو أبو محمد ابن الخشاب واسمه عبد الله ابن أحمد ابن الخشاب الإمام النحوى توفى سنة سبع وستين وخمسمائة وقد ترجمه الإمام ابن الجوزى فى المنتظم وذكر أنه من شيوخه فى الجزء العاشر صفحة ثمان وسبعين ومائتين وانظروا ترجمته الطيبة فى الذيل على طبقات الحنابلة للإمام ابن رجب فى الجزء الأول صفحة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وترجمته مبتدأة من صفحة ست عشرة وثلاثمائة يعنى ذكر سبع صفحات فى ترجمته من صفحة ست عشرة وثلاثمائة إلى ثلاث وعشرين وثلاثمائة وقال الإمام ابن الجوزى وهكذا الإمام ابن رجب الحنبلى سمع الحديث الكثير وقرأ منه ما لا يحصى وقرأ النحو واللغة وانتهى علمهما إليه لكنه كان مزجى البضاعة فى الفقه كما يقول تلميذه الإمام ابن الجوزى فى صيد الخاطر صفحة عشرة وثلاثمائة وقلت لكم مرارا إخوتى الكرام إن أهم العلوم الفقه الذى فيه خلاصة الشرع المطهر من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والإجماع والقياس السوى السديد هذه هى التى مصادر التشريع ولا

يخرج حكم عنها موجودة ضمن فقه أئمتنا. وقلت مرارا إن فقه الفقهاء هو من أكبر معجزات نبينا خاتم الأنبياء على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذه المعجزة العظيمة كفر بها دعاة التجديد فى هذه الأيام وأرادوا على زعمهم أن يتخلوا عن فقه أئمتنا ليخبط كل واحد بعد ذلك كما يسول الشيطان له فأبو محمد ابن الخشاب مع أنه قرأ الحديث الكثير وكتب منه ما لا يحصى وكان إمام النحو واللغة فى زمنه يقول الإمام ابن الجوزى كان مزجى البضاعة فى الفقه يقول وقد سئل مرة بحضرة الجماعة عن حكم رفع اليدين فى الصلاة إذا كبر للركوع الله أكبر وإذا رفع من الركوع سمع الله لمن حمد قال حكم الرفع ركن قال فدهش الجماعة من قلة فقهه فما يقوله طالب مبتدىء الذى يدرس يعنى أول العبادات من أى كتاب من كتب الفقه بلا استثناء يعلم أن رفع اليدين من المستحبات عند من قال به أما أنه ركن فدهش الجماعة من قلة فقهه كتب من الحديث وسمع ما لا يحصى وهو إمام اللغة والنحو فى زمنه لكن كان مزجى البضاعة فى الفقه فانتبهوا لهذا العلم الجليل إخوتى الكرام. إذن قاصرات الطرف قصرت طرفها كما أنها قصرت طرف زوجها طرف بعلها فلا ينظر إلى غيرها والأمران حاصلان فى غرف الجنان فلا هى تنظر إلى غيره ولا هو ينظر إلى غيرها هى راضية به وهو راض بها وفى هذه الحياة قل من يرضى بزوجه ولو عنده أربع يتطلع وكنت ذكرت أنه لو جمع نساء الدنيا من أولهن لآخرهن إلا واحدة لقال أريد تلك أيضا طيب عندك نساء الدنيا ما ضاقت إلا هذه اتركها لغيرك قال لا أريد أن انظر ماذا عندها هذا قلنا دار الفقر دار النقص دار الجشع والطمع هذه الدار أما هناك قاصرات الطرف وهو لايتطلع وهى لا تتطلع هذه الصفة الأولى. وأما الصفة الثانية فى النساء اللائى يكن كما قلت فى الجنان التى تكون لأصحاب اليمين حور مقصورات فى الخيام قوله مقصورات كما قلت فسر أيضا بأمرين الصفة الأولى فسرت بأمرين وهكذا الثانية.

مقصورات أى مخدرات ملازمات للبيوت فى جميع الأوقات لا يطفن فى الطرقات لا تخرج من بيتها ولا تخرج من خيمتها لا تخرج من قصرها مقصورة فى القصر بمعنى الحبس هى حبست فى هذا المكان والله قدر لها البقاء فيه فلا تتطلع إلى غيره ولا تخرج منه مقدار أنملة وشعرة مقصورات فى الخيام والله ما طاب نساء الجنة إلا بهاتين الصفتين الكريمتين إلا بعد أن قصرت بدنها وقصرت طرفها وقلبها على زوجها والآن خراجة ولاجة تراها فى كل شارع وفى كل سوق يعنى لو لم يكن زوجها أشد انحطاطا منها لما رضى بها إلا مثل هذه تتعلق الهمة بها والله لو أن عند الإنسان كرمة وزوجته تكثر الخروج لأتبعها بثلاث طلقات وهو غير متحسر عليها أيضا خراجة ولاجة فانظر لهذه الصفة الكريمة فيهن إخوتى الكرام إلا إذا دعى داع شرعى للخروج يبقى له حكمه الشرعى بهذه الحياة أما ما عدا هذا من سوق إلى سوق ومن متجر إلى متجر ومن محل إلى محل وكل يوم تتجول من جهة إلى جهة هذه صفة مذمومة فى النساء وانظر لهذه الصفة المحمودة فيهن قاصرات مقصورات إذن مقصورات مخدرات ملازمات للبيوت فى جميع الأوقات لا يخرجن إلى الطرقات ولا إلى غيرها.

والصفة الثانية مقصورات قلوبهن وأبصارهن ونفوسهن على أزواجهن وهذا المعنى الثانى ذكره الإمام ابن الجوزى أيضا فى زاد المسير والإمام الألوسى فى روح المعانى لكنهما مع جمهور المفسرين رجحوا الأول عليه فى تفسير مقصورات كما رجحوا التفسير الأول فى تفسير قاصرات قالوا قاصرات طرفها على زوجها مقصورات محبوسات أبدانهن فى الخيام فى القصور الحسان ليس هنا مقصورات قلوبهن أبصارهن فليس القصر معنويا إنما هو حسى وأنا أقول حمل كلام الله على ما يمكن حمله من المعانى أولى فهناك قلت قصرت طرفها على زوجها وقصرت طرف زوجها عليها وهنا قلت حبست بدنها فى بيتها كما أنها حبست نظرها وقلبها وبصرها فلا تتطلع ولا تفكر ولا تنظر إلى غير زوجها فما دام كلام الله يحتمل هذا وهذا وهو منقول فدائما تكثير المعانى يعنى أولى من أن نقللها والله جل وعلا كلامه كريم مبارك يحتمل كثرة المعانى الطيبة المباركة. إخوتى الكرام: إذن قاصرات الطرف مقصورات فى الخيام فإذن قاصرات مقصورات اللفظ فيهما من القصر بمعنى الحبس وكما قلت حبس حسى وحبس معنوى فيه وفيها أما هو فأباح الله له أن يخرج فبقى القصر فى حقه فيما عدا ذلك وأما هى فلا تفارق ذلك المكان ولا تخرج منه ولا يراد من مقصورات وقاصرات القصر فى الخلقة فهذا لا يراد أبدا فهذا من صفات النقص فى خلقة المرأة إذا كانت قصيرة ولذلك قال بعض الشعراء: وأنت التى حببت كل قصيرة ... إلى وما تدرى بذلك القصائر عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطا شر النساء البحاتر القصيرات التى تمشى مشيتها ضيقة صغيرة لأنها هى أيضا قصيرة فليس عندها خطوة واسعة إذن عنيت قصيرات الحجال يعنى المقصورة فى حجالها والحجال جمع حجلة وهى الغرفة المزينة غرفة العروس يقال لها حجال عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء البحاتر وقال قيس ابن الأسلد: وتكسل عن جاراتها فيذرنها ... وتغفل عن أبياتهن فتعذر

هذه من الصفة الجميلة فى المرأة أن تلازم بيتها إذن قاصرات الطرف مقصورات فى الخيام. إخوتى الكرام: أى الوصفين أبلغ وهل يراد كل وصف فى الصنفين يوجد فيهما فالصفة الأولى توجد فى نساء الجنتين الأخريين والصفة الثانية فى النساء توجد فى صفة الجنة الأوليين هل هذا يراد وأن هاتان الصفتان موجودتان فى جميع نساء أهل الجنة هذا الذى يظهر والعلم عند الله وإن كان الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال إن الصفة الأولى أكمل لأنها تكون لمن هو أفضل فنساء الجنتين اللتين كما قلت أعدتا للسابقين يعنى النساء فيهما أكمل من النساء اللائى يكن فى الجنتين اللتين أعدتا لأصحاب اليمين لكن كما قلت فيما يظهر لى أن المراد أن هذه الصفات تكون فى نساء أهل الجنة قاصرات ومقصورات الإمام ابن القيم كما قلت فى روضة المحبين صفحة أربع وأربعين ومائتين قال عن الصفة الأولى قال هذه أكمل فهن قاصرات وأما أولئك مقصورات كأن هنا هى التى قصرت طرفها وأما هناك هى التى قصرت وحبست وكما قلت الذى يبدو لى خلاف هذا والعلم عند الله وإليكم دليل هذا وتوجيهه.

أولا الله جل وعلا ذكر فى كل منهما أى فى الصنف الأول والصنف الثانى ما لم يذكر فى الأخرى فى الصفة الأخرى فى النساء الأخريات والوصفان مرادان فيهما فنساء الجنة قاصرات الطرف ومقصورات فى الخيام فالصفتان موجودتان فى كل امرأة فى الجنة ويمكن أن يفهم كل من الوصفين من كل وصف منهما يعنى إذا قلنا قاصرات الطرف إذا قصرت طرفها يلزوم من أنها قصرت طرفها وقصرت قلبها وقصرت نفسها على زوجها يلزم من هذا أنها مقصورة لا تخرج ولا تبرح ولا تفارق مكانها وإذا كانت مقصورة فى الخيام يلزم من هذا أيضا أنها قصرت طرفها فلا تنظر إلى غير زوجها فالوصفان مرادان فكل واحدة قصرت طرفها وهى مقصورة فى مكانها لا تفارقه وآيات القرآن وردت عامة فى بعض الأماكن من كتاب الله فى وصف نساء الجنة بهذه الصفة الكريمة قاصرات الطرف دون أن تخص هذه الصفة بما يكون فى النساء فى الجنات التى أعدت للسابقين المقربين.

فمثلا فى سورة الصافات يخبرنا ربنا جل وعلا عما يكون فى دار الجنة من كرامة لأوليائه وأحبابه فذكر أن من جملة ذلك النساء الطيبات المطهرات وأخبر عنهن أنهن قاصرات الطرف عين وهذه صفة مطلقة لجميع نساء أهل الجنة ليست هذه خاصة للسابقين المقربين الآية فى سورة الصافات كما قلت وفيها يقول الله جل وعلا يقول (إنكم لذائقوا العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم) انتبه إلا عباد الله المخلصين هذا لكل من دخل الجنة له هذا النعيم أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون وقلت فواكه كل ما يقدم لأهل الجنة يقال له فاكهة لأن المقصود منه التلذذ فواكه وهم مكرمون فى جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون هذه الصفة خاصة بمن هل خاصة بالسابقين وأنها لنساء السابقين لا ثم لا لكل من دخل جنة النعيم وعندهم قاصرات الطرف عين.

وعليه قول الله قاصرات الطرف وإن كانت فى سورة الرحمن وردت تلك الصفة فى نساء السابقين فى الجنتين المعدتين للسابقين لكن لا يلزم أن تكون هذه الصفة ليست موجودة فى أيضا نساء الجنتين اللتين أعدهما الله لأصحاب اليمين وكما قلت يؤخذ ما لم يذكر مما ذكر يعنى عندما نقول قاصرات يلزم أن تكون مقصورة وعندما نقول مقصورات فى الخيام يلزم أن تكون قاصرات وقصرت طرفها والله ذكر هنا النساء بهذه الصفة وهنا نساء الجنة بهذه الصفة والصفتان مرادتان فى كل امرأة فى الجنة قاصرة تقصر طرفها وقلبها مقصورة قصرت قلبها أيضا قصر قلبها وبدنها فى هذا المكان فلا تفارقه هذه فى سورة الصافات كما قلت وعندهم قاصرات الطرف عين وهكذا فى السورة التى بعدها فى سورة ص ذكر الله أيضا هذا الوصف أيضا فى نساء أهل الجنة على سبيل العموم فقال جل وعلا هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب وهى لكل من يدخل الجنة متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب أيضا بفاكهة كل ما يقدم إلى أهل الجنة فاكهة لأن المقصود منه التلذذ وعندهم قاصرات الطرف أتراب فى سن واحدة وعندهم قاصرات الطرف أتراب فلا داعى أن نقول إن نساء السابقين المقربين أعلى وصفا من نساء أصحاب اليمين ولذلك نعتن فى الصفة الأولى بأنهن قاصرات ونعتن فى الصفة الثانية بأنهن مقصورات هذا الذى ذهب إليه الإمام ابن القيم كما قلت عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فيما يظهر لى أنه بعيد والعلم عند الله المجيد وقد نعت الله نساء أهل الجنة بأنهن قاصرات ولم يخص هذا الوصف بأنه خاص بالنساء اللائى يكن للسابقين المقربين نعم جاء فى سورة الرحمن كما قلت على الصورة المتقدمة ولمن خاف مقام ربه جنتان ثم قال فى وصف النساء فى هاتين الجنتين فيهن قاصرات الطرف ثم لما جاء للجنتين الأخريين قال حور مقصورات فى الخيام لكن كما قلت الوصفان يرادان فى كل امرأة كما وضحت ذلك آيات القرآن والعلم عند ربنا الرحمن.

إذن هذا فيما يتعلق إخوتى الكرام بهذاه الصفة الكمال المعنوى أيضا موجود هذه المرأة مع ما فيها من كمال حسى لا تتطلع إلى غير زوجها ولا تفارق بيتها قانعة راضية بهذا الزوج تسبح الله وتحمده على ما من به عليها وقد جمع الله بين كمالهن الحسى والمعنوى فى كثير آيات القرآن فى كتابه فقال جل وعلا فى سورة الواقعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين انتبه للكمال الحسى والمعنوى الكمال فى الخلق والخلق فجعلناهن أبكارا كمال حسى والبكر هى أحب إلى الزوج من الثيب إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا فالبكر لها شأن ولها فضل على الثيب وهذا مما فطر الله الخلق عليه قاطبة اللهم إلا بعض من انتكست فطرهم فآثروا الثيب على البكر بل لو تزوج بكرا لا يقترب منها حتى تفتح له نعوذ بالله من انطماس القلوب أما هذه الصفة فى الأصل كما قلت صفة كمال هو كمال حسى فى المرأة وفى أصح الكتب بعد كتاب الله بعد كتاب الله ألا وهو صحيح البخارى ترجمة فى كتاب النكاح أشير بها إلى هذا لأمر قال الإمام البخارى باب نكاح الأبكار أى هذا له منزلة على نكاح الثيب ثم نقل عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أنه دخل على أمنا عائشة رضى الله عنها فقال لها يا أماه لم ينكح رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرك يعنى أنت لك مزية على سائر نسائه أنت البكر الوحيدة التى تزوجك رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكح رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرك وهذا الحديث أورده الإمام البخارى معلقا فى كتاب النكاح من صحيحه لكنه وصله فى تفسير سورة النور بسنده إلى عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين لم ينكح رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرك وكانت أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها كما فى صحيح البخارى فى المكان المشار إليه تدل بهذا وتفتخر به

وتذكر هذه يعنى الصفة فيها فتقول للنبى عليه الصلاة والسلام يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه أرأيت لو نزلت واديا فيه شجر قد أكل منها شجر وقيلت شجرة مفرد أو جمع شجرة واحدة أو شجر كثير شجر قد أكل منها شجرة قد أكل منها ووجدت شجرا لم يؤكل منها فى أيها كنت ترتع بعيرك إذا عندك بعير تريد أن ترعاه وذهبت إلى المرعى عندك مرعى رعى وعندك مرعى هناك وعشب وأشجار ما اقتربها الرعاة ولا الإبل فى إيها كنت ترتع بعيرك فقال عليه الصلاة والسلام فى التى لم يرتع منها التى ما جاء أحد إليها وما رتع فيها ولا أكل العشب منها تعنى بذلك أنه لم يتزوج بكرا غيرها على نبينا وآله وأزواجه وصحبه صلوات الله وسلامه وهذا من فطنتها قال الحافظ ابن حجر فى ذلك مشروعية ضرب المثل وفيه بلاغة أمنا عائشة رضى الله عنها وحسن تأتيها فى الأمور كيف تأتى بهذه الصورة لإيضاح منزلتها مع صاحباتها تقول أنت لو نزلت فى واد فيه شجر رعى قسم منه وقسم منه لم يرع شجر لا زالت كما هى فى أيها كنت ترتع بعيرك حتما يرعى بعيره فى الشجر التى لم يرتع منها ولم يرع فيها تعنى أنه لم يتزوج بكرا غيرها والإمام ابن الجوزى أورد هذا الحديث فى كتابه الجليل الظريف الذى أسماه أخبار الظراف وكتاب آخر له كتاب الأذكياء أورده فى آخر الكتابين فى ذكاء النساء وفطنتهن وبدأ فى هذين الترجمتين فى الكتابين بهذا الحديث بحديث أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها للإشارة إلى ذكائها وفطنتها عندما استعملت هذا المثل وأشارت إلى منزلتها على صاحباتها رضى الله عنهن أجمعين.

إخوتى الكرام: كنت ذكرت غالب ظنى فى ترجمة أمنا عائشة رضى الله عنها بعض الأحاديث التى تشير إلى منزلة وفضل ومكانة زواج البكر من جملة ذلك ما تقدم معنا حديث جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما والحديث فى المسند وهو فى الكتب الستة فى الصحيحين والسنن الأربعة تقدم معنا وراه الإمام البغوى فى شرح السنة والإمام البيهقى فى السنن الكبرى وهو فى صحيح ابن حبان وفيه كما قلت الحديث عندما تزوج جابر ابن عبد الله رضى الله عنهما ثيبا بعد موت والده واستشهاده رضى الله عنهم أجمعين فى أحد فقال له النبى عليه الصلاة والسلام ماذا تزوجت يا جابر قال ثيبا فقال له النبى عليه الصلاة والسلام هلا بكرا تلا عبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك وفى بعض الروايات كما فى الصحيحين وتقدم معنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له مالك وللعذارى أى العذراء وهى البكر أين أنت من العذارى ثم قال له أنت أين من العذارى ولعابها ولعابها بالكسر ملا عبتها لعابها بالضم من مص لعابها وهذا يكون فى فم البكر أطهر وأطيب وألذ عند الرجل من فم الثيب التى عاشرت وتغيرت وكبرت أين أنت من العذارى ولعابها ولعابها ملاعبتها ومص لعابها أين أنت من ذلك فقال جابر يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إن عبد الله هلك عن تسع بنات فما أردت أن أجيئهن بخرقاء مثلهن يعنى ببكر لا زالت عندها يعنى طياشة الحداثة فأردت أن تأتى واحدة تقوم عليهن وتمشطهن وترعاهن فقال له النبى عليه الصلاة والسلام بارك الله لك وعليه أولم ولو بشاة إذن هذا شأن نكاح البكر وقد قال النبى عليه الصلاة والسلام لرجل كما فى حديث كعب ابن عجرة والحديث تقدم معنا فى معجم الطبرانى وغيره عندما قال له هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك قال له فى رواية كعب ابن عجرة وتعضها وتعضك فهذا أنشط لنفس الإنسان عندما يتزوج بكرا وتقدم معنا بعض الروايات الأخرى التى تشير إلى هذا وقلت إنها فى درجة الحسن.

منها ما تقدم معنا حديث سنن الإمام ابن ماجة سنن ابن ماجة والسنن الكبرى للإمام البيهقى ورواه الإمام البغوى فى شرح السنة من رواية عويم ابن ساعدة ويقال له عتبة ابن ساعدة أيضا وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أن النبى عليه الصلاة والسلام قال عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير تقدم معنا هذا وقلت إن الحديث لا ينزل عن درجة الحسن وروى عن عدة من الصحابة الكرام رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير عن سيدنا عبد الله ابن مسعود أيضا رضى الله عنهم أجمعين ورواه الطبرانى فى معجمه الأوسط والضياء المقدسى عن جابر ابن عبد الله رضى الله عنهم أجمعين وزاد عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير قال وأقل خبا يعنى خداعا ومكرا لأنها ما زاولت يعنى الرجال ولا اتصلت بهم فلا زالت على فطرتها ولذلك يقال للبكر لا زالت بخاتم ربها كما سيأتينا تقرير هذا وهكذا نساء أهل الجنة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا وهذه الصفة كما سيأتينا فى وصفهن لا تزول عنهن فكلما اتصل الإنسان بزوجه وعاد إليها وجدها بكرا بتقدير العزيز العليم سبحانه وتعالى فلذات متتابعة ليست هى فى أول مرة إنا أنشأناهن إنشاء.

وهذا الحديث إخوتى الكرام تقدم معنا أيضا أنه روى من رواية عبد الله ابن عمر فى كتاب ابن السنى وفى كتاب عمل اليوم والليلة لابن السنى وهكذا فى كتاب الطب لأبى نعيم وهو من رواية عبد الله ابن عمر وفى بعض روايات الحديث فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير فى هذه الرواية وأسخن أقبالا وتقدم معنا أن الحديث روى أيضا مرسلا فى مصنف عبد الرزاق وسنن سعيد ابن منصور من رواية مكحول وغيره وفيه فإنهن أغر أخلاقا وأسخن أقبالا هذا شأن البكر فإذن كمال حسى على وجه التمام إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا قال الإمام ابن القيم فى زاد المعاد فى الجزء الرابع صفحة أربع وخمسين ومائتين غلط من قال من الأطباء إن جماع الثيب أنفع وأحفظ للصحة وهذا من القياس الفاسد بعض الأطباء يدعى أن جماع الثيب أنفع للصحة لأنه لا يحتاج إلى مجهود ولا إلى كلفة ولا إلى تعب ثم قال وهذا من القياس الفاسد حتى ربما حذر منه بعضهم يعنى من الزواج وأنه حتى ربما حذر منه بعضهم هذا بعض الأطباء يعنى حذر من نكاح البكر حتى ربما حذر منه بعضهم قال وهو مخالف لما عليه عقلاء الناس ولما اتفقت عليه الطبيعة والشريعة وفى جماع البكر من الخاصية وكمال التعلق بينها وبين مجامعها وامتلاء قلبها من محبته وعدم تقسيم هواها بينه وبين غيره ما ليس للثيب وقد جعل الله من كمال نساء أهل الجنة من الحور العين أنهن لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ثم ذكر حديث جابر ابن عبد الله المتقدم وحديث أمنا عائشة رضى الله عنها الذى ذكرته فى قولها للنبى عليه الصلاة والسلام ففى أيها كنت ترتع بعيرك حقيقة.

إخوتى الكرام: هذا الوصف كما قلت مما هو محمود فى النساء وهو الموجود فى نساء أهل الجنة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا هذا كمال حسى عربا كمال معنوى سيأتينا الكلام عليه بعد أن أذكر ما يتعلق بشىء أيضا من هذه الصفة وهى البكارة التى هى كمال حسى فى المرأة وأذكر بعض الحكم فى إيثار نبينا عليه الصلاة والسلام الثيبات من زوجاته فى الزواج على الأبكار وذلك متيسر له لحكم شرعية اختار الثيبات على الأبكار أبينها إن شاء الله حكم كثية فى ذلك ثم ننتقل إلى هذه الصفة وهى صفة معنوية وهى العروب وهى المتحببة لزوجها العشيقة العاشقة له التى تتعلق به وتريد وصاله فكما أنها اكتمل فيها الكمال الحسى اكتمل فيها الكمال المعنوى الذى يريح النفس. أسأل الله برحمته التى وسعت كل شىء أن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا وأن يمن علينا برضوانه ودار كرامته أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

71وصف الحوريات فى محكم الآيات

وصف الحوريات في محكم الآيات (1) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان وصف الحوريات في محكم الآيات (1) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. ما زلنا نتدارس مقاصد النكاح وحكمه العامة وقلت إن مقاصده خمسة. أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية أو معنوية. وثانيها: إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية. وثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه وعن طريق نفقته ومساعدته المالية لصاحبه. ورابع: الحكم تذكر لذة الآخرة. وآخرها: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه وقرابته وعشيرته.

وكنا نتدارس الحكمة الرابعة إخوتى الكرام ألا وهى تذكر لذة الآخرة فى هذا النكاح الذى أحله الله وشرعه فى هذه الحياة وبينت فيما تقدم أن أعظم المشتهيات الحسية عند المخلوقات فى هذه الحياة شهوة الجنس فهى ألذ اللذائذ عند البشر وهذه اللذة التى يقدمونها على ما عداها من المشتهيات من اللذائذ المحسوسات هذه اللذة مع أنها تقدم كما تقدم معنا فيها مكدرات وآفات فإذا كانت النفس تتعلق بهذه اللذة مع ما فيها ن كدر ونقص فينبغى أن تتعلق بهذه اللذة فى الدار الآخرة إذا لم يكن فيها شائبة ولا عكر ولا كدر ولذلك إخوتى الكرام سنتدارس فى هذه الموعظة وصف النساء الطاهرات اللائى يكن فى جنة رب الأرض والسماوات من المؤمنات ومن الحوريات المباركات وهذه المدارسة كما سيأتينا تحرك هممنا لطلب ما عند ربنا جل وعلا نعم إن المؤمن يتذكر ما يكون فى الجنة من نعيم حسى من مطاعم ومشارب ومناكح لكن أعظم نعيم عنده فهو الذى ينبغى ألا يغيب عن باله طرفة عين هو رضوان الله جل وعلا عليه فى هذه الحياة وهكذا بعد الممات ثم التنعم بلذة النظر إلى وجهه الكريم فى جنات النعيم نسأل الله أن يمنه علينا بذلك أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وما عدا هذا أيضا فهو من فضل الله الذى تفضل به علينا فى هذه الحياة وفى نعيم الجنات من مآكل ومشارب ومناكح لكن هذا دون رضوان الله علينا ودون تطلعنا إلى التمتع بالنظر إلى نور وجه ربنا سبحانه وتعالى نعم تلك نعم كما قلت تتطلع هممنا إلينا وتتعلق نفوسنا بها لكن نضع كل شىء فى الموضع ولذلك كان كثير من الصالحين يعرض عليهم فى نومهم الحور العين ويرون هذا وهذا وقع لعدد كثير من أئمتنا بل بعضهم أنشدته زوجته الحورية أبياتا من الشعر وهو نائم فحفظها ونقلها إلينا وهذا مدون فى تراجم كثير من أئمتنا.

فمن هؤلاء العباد الصالحين الطيبين أبو سليمان الدارانى وكنت ذكرت فى المواعظ السابقة أنه توفى سنة خمس ومائتين للهجرة أو سنة خمس عشرة ومائتين للهجرة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أبو سليمان الدارانى يقول تلميذه أحمد ابن أبى الحوارى وكان يلقب بريحانة الشام وهو ثقة زاهد خير صالح فاضل تلميذ أبى سليمان الدارانى وقد خرج حديث الإمام أبو داود فى سننه والإمام ابن ماجة فى سننه وتوفى هذا العبد الصالح أحمد ابن أبى الحوارى سنة ست وأربعين ومائتين للهجرة يقول دخلت على شيخى أبى سليمان عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا الرحمن فرأيته فى منتهى السرور يبتسم وهو بمفرده وعليه مظاهر البهجة والفرح فقلت ما الذى حصل أيها الشيخ الكريم قال أخبرك بشرط أن تكتم عنى هذا فلا تخبر به أحدا إلا بعد موتى وكما قلت أبو سليمان توفى سنة خمس أو خمس عشرة ومائتين وأما تلميذه وعاش بعده يعنى قرابة أربعين سنة عاش بعده إلى سنة ست وأربعين مائتين يقول هذه القصة لا تخبر بها ما دمتم حيا ماذا قال كنت نائما بعد الظهر فى القيلولة وإذا بحورية أجمل من الشمس وأبهى من القمر تقول لى يا أبا سليمان تخطبنى وتنام وأنا أربى لك فى الخدر منذ خمسمائة سنة يقول أبو سليمان فوالله ما زال عذوبة حديثها وكلامها فى أذنى إلى الساعة فأنا استحضر هذه اللذة هذه البهجة من هذه الحورية الجميلة القانتة الخيرة الطيبة الكريمة فلذلك ترى على أثر هذه البهجة أبا سليمان تخطبنى ثم تنام نعم كما قلت نتذكر هذا لكن نضع كل شىء فى موضعه ولذلك عندما قال أحمد ابن أبى الحوارى وهذه القصص كلها إخوتى الكرام مذكورة فى حلية الأولياء فى ترجمته فى الجزء التاسع صفحة تسع وخمسين ومائتين فما بعدها يقول أحمد ابن أبى الحوارى قلت لأبى سليمان الدارانى إن الإنسان إذا ذكر الدنيا يعنى وبدأ يفكر فيها تذكر النساء قال لأنها ألذ شهوات الدنيا فقلت له وإذا ذكر الآخرة ذكر الحوريات قال ينبغى أن يقصر نفسه عن

ذلك وأن يفكر فيما هو أعظم منه كأنه يقول لا يسترسل فى البحث فى النعيم الحسى من المطاعم والمشارب والمناكح فى الجنة هناك ما هو أعظم فى الجنة رضوان الله النظر إلى نور وجهه الكريم سبحانه وتعالى يعنى لا يجعل همته أنه يريد فى الجنة أن يأكل ويشرب وأن يتمتع يعنى بالحسان من الحوريات والمؤمنات الطاهرات قال لا ينبغى أن يقصر همته وأن يفكر فيما هو أعظم من ذلك وأبو سليمان من أئمتنا الربانين الكرام وهو الذى يقول أصل كل خير فى الدنيا والآخرة الخوف من الله وكان يقول لكل شىء علم وعلم الخذلان ترك البكاء من خشية الرحمن عليه وعلى أئمتنا رحمات ربنا. والإمام الجنيد جاء بعده وتوفى سنة سبع وتسعين ومائتين للهجرة يقول شىء بلغنى عن أبى سليمان استحسنته وهو يقول الإمام الدارانى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا من اشتغل بنفسه شغل عن غيره ومن اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن غيره حقيقة إذا بحثت فى أمر نفسك وفى عيوبك وكيف ستخلص نفسك من الرعونات والآفات تشتغل عن المخلوقات وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس وإذا فكرت بعد ذلك فى حقوق الله عليك يعنى حقوق النفس يعنى لا حظوظها وشهواتها تسلو عنها وتعطيها بمقدار وتقوم بحق الله عليك وتسلو بعد ذلك عن مشتهيات النفس وعن الكلام فى الغير ومن اشتغل بالله شغل عن نفسه وعن غيره عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إذن هذا عبد صالح يرى حورية فى النوم تقول له أربى لك فى الخدر منذ خمسمائة سنة.

وهكذا قصة أخرى ذكرها أئمتنا فى ترجمة العبد الصالح الأواه منصور ابن عمار وهو من الوعاظ الأبرار فهو ضعيف فى الرواية لكنه صالح تقى نقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول الإمام الذهبى فى ترجمته فى السير فى الجزء التاسع صفحة ثلاث وتسعين كان عديم النظير فى الموعظة والتذكير وسبب ذلك كما فى تاريخ بغداد أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم فتفل نبينا عليه الصلاة والسلام فى فم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أى فى فم المنصور ابن عمار فما كان فى زمنه أوعظ منه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا منصور ابن عمار عديم النظير كان عديم النظير فى الوعظ والتذكير ونبينا عليه الصلاة والسلام يتفل يبصق فى فيه فى نومه رأى النبى عليه الصلاة والسلام فى النوم فتفل فى فيه فآتاه الله الحكمة وحلاوة التذكير منصور ابن عمار رفعت إليه رقعة مكتوب فيها من قبل بعض تلاميذه فى مجالس وعظه كما فى حلية الأولياء فى الجزء التاسع صفحة ست وعشرين وثلاثمائة ومنصور ابن عمار توفى يعنى فى قرابة سنة ماتين للهجرة ما حددت سنة وفاته الإمام الذهبى يقول توفى فى قرابة سنة ماتين للهجرة فى هذا الحدود قبلها بعدها بقليل المقصود فى آخر القرن الثانى منصور ابن عمار رفعت إليه رقعة مكتوب فيها من قبل بعض أصحابه يقول له اهتديت على يديك وبعد أن هدانى الله وشرح صدرى للحق نذرت أن أقرأ ثلاثين ختمة لأجل أن تكون مهرا لحورية فلا يقولن قائل هذا بدعة وهذا يحتاج إلى نص لا بدعة ولا يحتاج إلى نص هذا يأمل ويرجو من الله يقول يا رب أنا أريد أن أقرأ ثلاثين ختمة من كلامك أريد أن أقرأ ثلاثين ختمة لكلامك لكتابك وأسألك أن تجعل هذا نهرا لحورية مما عندك أريد أن أقدم لها مهرا أن أقرأ كلامك من أوله لآخره الذى أنزلته علينا ثلاثين مرة فأكمل هذا العبد الصالح يقول لشيخه منصور ابن عمار تسعا وعشرين ختمة ثم نام بعدها يريد أن يستأنف الثلاثين قال فرأى الحورية وهو

أجمل ما رآه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ثم قالت له تخطبنى ولا تكمل المهر وتنام أى ختمة الأخيرة التى هى الثلاثين ثم أنشدته بيتين من الشعر هما فى حلية الأولياء كما قلت: أتخطب وسنى وعنى تنام ... ونوم المحبين عنا حرام لأنا خلقنا لكل امرىء ... كثير الصلاة براه الصيام أتخطب وسنى وعنى تنام هذا من إنشاد الحورية فى النوم فضبط هذا العبد الصالح هذين البيتين وحدث بهما شيخه فى هذه الرقعة وما سمى نفسه كعادة أئمتنا كما قال أبو سليمان لتلميذه أحمد ابن أبى الحوارى لا تخبر بهذا إلا بعد موتى وهذا يقول لشيخه أنا رأيت كذا وما سمى نفسه لكن الشيخ ينقل هذا فيما قرأه من الرقعة على أصحابه كما فى حلية الأولياء. نعم إخوتى الكرام: إذا تطلع الإنسان إلى ما عند الرحمن فى غرف الجنان ينبغى أن يبذل لذلك ثمنا وأن يقوم بما يكافىء بعد ذلك حسب ما فى وسعه ولذلك عجيب لأمر الجنة ولأمر النار أن الجنة نام طالبها وأن النار نام هاربها وليس ذلك شأن الراغب الطالب ولا شأن الخائف الهارب فالهارب لا ينام والطالب لا ينام فعجيب أمر الجنة وأمر النيران. عجبت للجنة نام طالبها ... وعجبت للنار نام هاربها ولذلك إخوتى الكرام عندما نطلب ما عند الله من الخير العظيم من الحوريات الحسان ومن غيرهن مما أعد الله لأوليائه الكرام فى غرف الجنان ينبغى أن نبذل لذلك ثمنا وأن نقوم بطاعة الله حسب ما فى وسعنا وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ما رأى مثل الجنة ومثل النار ومثل من يطلب الجنة ومثل من يهرب من النار فهذه سلعة غالية نام من يرغب فيها وتلك عذاب وأنكال نام من يهرب عنها والحديث رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط وهو فى مجمع الزوائد فى مكانين فى الجزء العاشر صفحة ثلاثين ومائتين وقال إسناده حسن وذكره فى صفحة اثنتى عشرة وأربعمائة ورواه أبو نعيم فى كتاب صفة الجنة صفحة سبع وخمسين.

والحديث كما قلت لكم إخوتى الكرام يقول الهيثمى إسناده حسن وأقره على ذلك الإمام المناوى فى فيض القدير فى الجزء الخامس صفحة ست وأربعين وأربعمائة ولفظ الحديث عن أنس رضى الله عنه وأرضاه ان النبى صلى الله عليه وسلم قال ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها لأن هذا أمر عجب شىء نفيس ثم طالبه ينام عنه وهناك شىء خبيث الهارب منه ينام من هرب من سبع مفترس وراء شجرة ينام قطعا لا وهكذا إذا كان يعنى فى طريق سفر يريد أن يصل إلى محبوب معتبر لا ينام لا يعتريه نوم فى الطريق يواصل السير ليصل إلى محبوبه وهنا جنة عظيمة تنام عنها نار وخيمة تنام عنها ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها وهذا الحديث الذى هو من رواية أنس رضى الله عنه وأرضاه روى أيضا من رواية ثلاثة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من رواية أبى هريرة ومن رواية عمر ابن الخطاب ومن رواية كليب ابن حزم أما رواية أبى هريرة فقد رواها الإمام الترمذى فى سننه وأبو نعيم فى حلية الأولياء وأبو نعيم أيضا فى كتاب صفة الجنة والكتابان له ورواها شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك فى كتابه الزهد والبغوى فى شرح السنة والإمام القضاعى فى مسند الشهاب هذه رواية أبى هريرة باللفظ المتقدم ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها والحديث كما قلت روى أيضا من رواية سيدنا عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين فى كتاب تاريخ جرجان للإمام السهمى صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وأعاده فى صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة ورواه كما قلت الطبرانى فى الأوسط والطبرانى فى معجمه الكبير كما فى مجمع الزوائد فى المكان المشار إليه آنفا فى الجزء العاشر صفحة ثلاثين ومائتين وقلت من رواية كليب ابن حزم وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وضبط كليب ابن جزى قال الحافظ فى الإصابة وهذا تصحيف.

وضبط كليب ابن جرز بالجيم بدل حرى بالراء بدل الزاى وبدل الميم زاى جرز كليب ابن جرز كليب ابن جزى كليب ابن حزم الضبط الصحيح أولها وهو كليب ابن حزم وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وفى الإسناد إسناد الرواية الأخيرة يعلى الأشدق وعندكم فى المجمع لو نظرتم معلى ابن الأشدق وهذا خطأ وقد أتعبنى غاية التعب فى لفظ معلى لأنى راجعت كتب التراجم فى حرف الميم ما رووا ما ذكروا المعلى ابن الأشدق فى الضعفاء لا فى المغنى ولا فى اللسان ولا الميزان ولا فى غير ذلك ثم يعنى خلال البحث قلت لعله يوجد تصحيف فى الاسم انظر فى يعلى الحمد لله الذى ألهمنى نظرت بعد ذلك فى يعلى ابن الأشدق أورده أئمتنا لم يرو له أحد من أهل الكتب الستة لكنه متروك كما قال الحافظ ابن حجر فى الإصابة وهكذا فى لسان الميزان وحكم عليه الإمام الهيثمى بأنه ضعيف جدا يعلى ابن الأشدق وهذا الحديث الذى هو من رواية كليب ابن حزم رواه الطبرانى فى الأوسط كما قلت وفى معجمه الكبير ورواه ابن منده والبغوى وابن قانع وابن شاهين وهو بمعنى الروايات الثلاثة المتقدمة وفيه اطلبوا الجنة جهدكم والأثر ذكره الإمام المنذرى أيضا فى الترغيب والترهيب وصدره بلفظ روى للإشارة إلى ضعفه اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها بمعنى الروايات الثلاثة المتقدمة, المتقدمة كما قلت من رواية أنس وأبى هريرة وعمر رضى الله عنهم أجمعين ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها وأما هنا اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وإن النار لا ينام هاربها انظروا الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وخمسين وأربعمائة ذكر هذه الرواية وعزاها إلى الطبرانى وقلت لكم أخرجها مع الطبرانى ابن مندة والبغوى ابن قانع وابن شاهين كما فى الإصابة فى الجزء الثالث صفحة ست وثلاثمائة فى ترجمة

كليب ابن حزم رضى الله عنهم أجمعين. نعم إخوتى الكرام من طلب الجنة ينبغى ألا ينام إلا بمقدار الضرورة ومن هرب من النار ينبغى ألا ينام بمقدار الضرورة هذا بما يتعلق بالنوم والنوم فيه راحة للبدن وليس فيه ارتكاب سيئات يعنى خلاص الجوارح أخذت إجازة فى الحركة فكيف إذا كنت مستيقظا وأنت تهيم فى كل واد من أودية الكلام المنكر حقيقة إن الأمر أشنع وأشنع يعنى لا ينبغى أن تنام إلا بمقدار ما يحتاج الجسم ثم تتغرغ لطلب الجنة والهلاب من النار إذا كنت مستيقظا تضيع الأوقات هذا هو الشقاء ولذلك إخوتى الكرام يعنى لا بد من بذل مهر لهؤلاء الحوريات الحسان ما أعلم ما عندنا يؤهلنا للخطبة نسأل الله أن يتوب علينا والإنسان على نفسه بصيرة والله ليس حالنا حال من يطلب الجنة وليس حالنا حال من يهرب من النار ونسأل الله أن يجبر كسرنا وأن يعفو عن تقصيرنا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتى الكرام: تقدم معنا وصف عام بأننا فى الآخرة لا يشابه ما فى الدنيا إلا فى الأسماء وفى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتقدم معنا شىء مما يكون من النعيم العظيم فى الجنات بعد هذا الترغيب العام لما يكون فى غرف الجنان سنستعرض إن شاء الله ونتدارس وصف النساء الحسان اللائى يكن فى تلك الغرف فى غرف الجنان وكيف يكون التمتع بهن على وجه التمام حسبما ورد فى القرآن وفى أحادبيث نبينا عليه الصلاة والسلام.

أما آيات القرآن فاستمع إلى وصف النساء الطيبات الطاهرات المطهرات فى الجنة أخبرنا الله جل وعلا فى كتابه أن الحوريات أن نساء الجنات مطهرات من كل آفات مطهرات من كل الآفات الظاهرات والخفيات الحسيات والمعنويات أزواج مطهرة ليس فيها عيب لا فى خلقها ولا فى خلقها لا فى ظاهرها ولا فى سرها حقيقة مثل هذه يتنافس العقلاء فى تحصيلها وقد أشار الله إلى هذا الوصف أنهن مطهرات فى كثير من الآيات فاستمع إلى تقرير هذا من كلام رب الأرض والسماوات ثم نتدارس معنى التطهير فيهن إن شاء الله. قال الله جل وعلا فى سورة البقرة (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) مطهرات فى الخلق وفى الخلق ومطهرة كما قال أئمتنا فى كتب اللغة أبغ من طاهرة فذلك يفيد التكثير لطهارتهن على وجه الكمال والتمام ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون وتقدم معنا الإشارة إلى أن هذه الآية هى أعظم ما عيب به نساء الدنيا كما قال الإمام ابن الجوزى فى كتاب صيد الخاطر وقلت إن نساء الدنيا يناسبن رجال الدنيا ولذلك فى الآخرة الرجال فى صورة الكمال.

وهكذا النساء فى صورة الكمال لكن هنا نساؤنا على قدرنا ونحن على قدرهن ولا يظلم ربك أحدا سبحانه وتعالى ولهم فيها أزواج مطهرة حسا ومعنى خلقا وخلقا وهم فيها خالدون هذا النعيم الكامل التام لا يخرجون منها وهم فيها خالدون وهذا المعنى أشار إليه ربنا جل وعلا فى سورة آل عمران أيضا فقال جل وعلا زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد أزواج مطهرة كما تقدم معنا فى سورة البقرة أزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد وهذا المعنى أشار إليه ربنا أيضا فى سورة النساء فى سورة البقرة وآل عمران والنساء على الترتيب فقال جل وعلا (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما) ، (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) . إذن النساء فى الآخرة فى جنة الله فى دار كرامته مطهرات وهذه الطهارة شاملة كما قلت للطهارة حسا وللطهارة معنى. أما الطهارة الحسية فلا عيب فيهن فى ظاهرهن فى أبدانهن فى خلقتهن فى صورهن بوجه من الوجوه هن على أكمل صورة وأحلاها وأبهاها وأجملها وأفضلها فاستمع إلى وصف الله لنساء الجنة لأشكالهن لصورهن لحسن خلقهن قال جل وعلا فى كتابه واصفا نساء الجنة بأنهن حور عين ذكر هذا فى كثير من آيات القرآن الكريم فقال جل وعلا فى سورة الدخان (إن المتقين فى مقام أمين فى جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين) .

إن المتقين فى مقام أمين المقام إخوتى الكرام هو مكان المكان والمنزل فى مقام أمين أى فى منزل آمن كريم فى مقام فى غرف الجنان بجوار ذى الجلال والإكرام وقرأ المدنيان نافع وأبو جعفر يزيد ابن القعقاع وابن عامر الشامى فى مقام مقام مقام ومقام من الإقامة إقامة ومقام إذن إن المتقين فى مقام فى إقامة كريمة هناك فى مقام فى مكان آمن فى مقام فى إقامة دائمة لا يخرجون منها وهذا فى مقام أمين يعدل قول الله هم فيها خالدون تماما مقام يعنى إقامة وإقامة دائمة واجمع بين القراءتين هم يمكثون فى ذلك المكان الطيب الآمن الكريم على سبيل الخلود والتأبيد لا يفارقونه ولا يبغون عنه حولا إن المتقين فى مقام فى مكان يمكثون فيه إقامة دائمة لا يخرجون منه فى مقام إقامة مقام فى مقام مكان وصف بأنه آمن إن المتقين فى مقام أمين ثم أخبرنا ربنا عما يفيض عليهم من النعيم العظيم فقال يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يأتينا شرح هذا الوصف بعد أن أذكر بعض الآيات التى فيها نظير هذا وأن نساء الجنة حور عين كمال حسى كمال خلقى هذا المعنى قرره ربنا العزيز الغفور فى سورة الطور أيضا فقال جل وعلا (إن المتقين فى جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين) أنكحناهم حورا صفتهن أنها بيضاء جميلة وهذا أنكحناهن نساء صفتهن أنها جميلة بيضاء فيها حور ثم واسعة العينين مليحة العينين كذلك وزوجناهم بحور عين إن المتقين فى جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم.

قوله فاكهين فيها إشارة لطيفة كما قال أئمتنا فى كتب التفسير حاصلها أن الله أخبر عما يقدم إلى أهل الجنة بأنه فاكهة والمقصود منه التفكه مع أنه قدم لهم اللحم كما يقدم لهم الفاكهة فاكهين بما آتاهم ربهم ويقدم لهم ضمن الجنة نعم مختلفة الأنواع وليست كلها فاكهة لم أخبر الله جل وعلا عن جميع ما يقدم بأنه فاكهة قال لأن المقصود منه ليس المقصود من أكل الطعام فى الجنة حفظ البدن وقوت البدن وقوة البدن إنما يؤكل للتلذذ فقط كما تأكل أنت الفاكهة فى هذه الحياة فبعد أن تأكل وتشبع تأكل الفاكهة لم قوتا أو تلذذا؟ تلذذا جميع طعام أهل الجنة من لحم الطير وغيره كله حكمه حكم الفاكهة تماما يؤكل للتلذذ والتنعم لا لحفظ البدن من التلف فأبدانهم حفظها الله من التلف وصانها من الفناء فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الحجيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور بعين. وهكذا يذكر الله نظير هذه الصفة أيضا مثل هذه الصفة فى سورة الواقعة فيقول جل وعلا فى أوائل السورة (والسابقون والسابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة) الموضونة هى المنسوجة منسوجة بخيوط الذهب والفضة على سرر موضونة منسوجة قضبانها ذهب وفضة على سرر موضونة فليست السرر كسرر هذه الحياة إما من خشب وإما من حديد وإما بعد ذلك من هزازات يعنى بعد فترة تراها نزلت من هنا أو من هناك على سرر موضونة منسوجة كما قلت بقضبان الذهب والفضة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون ومحل الشاهد وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون وحور عين.

إذن هذه الطهارة فى نساء الجنة شاملة للطهارة الحسية والمعنوية الطهارة الحسية كمال فليس فى خلقهن دنس ولا عيب ولا نقص ولا آفة هن كما أخبر الله حور عين أما الحور فهى جمع حوراء كما أن جمع الحوراء حوريات حور حوريات حوراء حوريات حور وحوريات جمع لحوراء فالمفرد حوراء جمعها حور جمعها حوريات حور جمع حوراء حوريات جمع حوراء إذن الحور جمع حوراء والحور معناه فى لغة العرب البياض أى شكلهن على أتم الأشكال وهو البياض الذى يميل إلى شىء من الصفرة كما قال الله كأنهن بيض مكنون بيض النعام يميل إلى الصفرة وهذا أحسن ما يكون فى منظر النساء بياض لأنه إذا كان شديد البياض يشابه البرص إنما يميل إلى صفرة فهذا أحلى ما يكون من وصف النساء وهذا الذى يكون عليه نساء أهل الجنة من المؤمنات الطاهرات ومن الحوريات المباركات حور كما قلت جمع حوراء الحور هو البياض ولذلك الأعراب يسمون نساء الأنصار حواريات لبياضهن وتباعدهن عن قشف الأعراب بنظافتهن ومنه قول الشاعر العربى: فقلت إن الحواريات معطبة ... إذا تفتلن من تحت الجلابيب

الحوريات تقصد بهن نساء المدن ففيهن جمال يزيد على جمال منهن فى البادية لشدة ما يقاسين من أمور الحياة فالشمس تحرق بشرتهن وألوانهم تتغير وأما هنا لا زالت يعنى فى خدرها وفى بيتها وهى مصونة ولذلك ثبت عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير الحور حور قال جمع حوراء وهى البيضاء ونقل فى تقسير ابن المنذر وغيره عن سيدنا مجاهد عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال سميت الحورية بذلك لأنه يحار الطرف فيها يحار أى يدهش الإنسان عندما ينظر إليها لما فيها من جمال وحسن بياض هذا معنى الحور ثم هذا الحور والبياض والجمال الذى فيهن يحار الطرف فيه من عظيم ما خلق الله فيهن وأبدع فيهن من الجمال حور عين قال الإمام ابن القيم فى كتابه روضة المحبين صفحة ثلاث وأربعين ومائتين والعرب تمدح المرأة بالبياض إذا كانت المرأة بيضاء تميل إلى صفرة فى بياضها هذا من أشهى الألوان فى النساء والعرب تمدح المرأة بذلك ثم ذكر قول الشاعر العربى أيضا: بيض أوانس ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرامج يحسدن من لين الحديث زوانى ... ويصدهن عن الخمر إسلام إذن بيض هذا من الصفات الجميلة فى المرأة أن تكون بيضاء وهنا بيضاء كما أخبر الله كأنهن كأمثال الؤلؤ المكنون كأنهن بيض مكنون إذن هذا الجمال الحسى إذن حور جمع حوراء كما أن جمع الحوراء حوريات أى بيضاء والمراد من البياض الذى فيهن أمران.

الأمر الأول: أى الحورية ينبغى أن يكون بدنها من أوله إلى آخره فيه هذه الصفة وهو البياض الذى يميل كما قلت إلى شىء من الصفرة هذا لون البدن ثم لا يطلق عليها حورية إلا إذا اشتد سواد السواد فى عينها وبياض البياض فى عينها فالبياض الذى فى عينها واضح لامع مشرق والسواد الذى فى عينها شديد السواد فلا يقال للحورية حورية إلا إذا كانت بيضاء الجسد ثم فى عينها هذا الحور شدة السواد فى سواد العين وشدة البياض فى بياض العين فالبياض الذى فى العين ناصع أبيض والسواد الذى فى العين أيضا شديد السواد وهذا أجمل ما يكون من وصف العينين عدا عن سعة العينين وملاحتهما البياض مشرق ليس فيه عروق حمر أو زرق أو ما شاكل هذا بحيث تنظر إذا نظرت هناك شىء من التغير فى اللون بياض ناصع كأنه مرآة بياض العين ثم السواد الذى فيها شديد السواد ولذلك قال أئمتنا لا تكون الأدماء حوراء من كانت سمراء لا يقال لها حوراء ولو اشتد بياض البياض فى عينها وسواد السواد فى عينها ينبغى أن يكون أيضا بدنها أبيض فهذا وصف نساء الجنة من المؤمنات الطاهرات ومن الحور الطيبات المباركات حور عين فى بدنها هذه الصفة وفى عينيها هذه الصفة الطيبة المباركة هذه صفة الحور حور كما تقدم معنا عين جمع عيناء وهى عظيمة العينين عظيمة العينين ويستحسن فى المرأة بوصفها امرأة فى الدنيا والآخرة أن تكون عظيمة العينين وكلما كانت كبيرة العينين كلما كان هذا أجمل فيها ولذلك قال أئمتنا أربعة أمور يستحسن أن تكون واسعة فى المرأة عظيمة كلما اتسعت فهذا أجمل فيها سعة جبينها سعة وجهها سعة صدرها سعة عينيها الصدر كلما اتسع حتى فى الذكر والأنثى يدل على انشراح صدر الإنسان وعلى حلمه وعلى عظم قلبه وعلى رجاحة رأيه صدر واسع وهذه من الصفات الخلقية التى إذا وجدت فى الإنسان يدل على تمامه فى الخلق فى الدنيا والآخرة صدر جبين واسع وجه واسع فليس يعنى صغيرة ثم بعد ذلك عينان واسعتان هذه من الصفات

المستحسنة فى المرأة ولذلك أخبر الله عن هذه الصفة فى نساء أهل الجنة فقال حور عين كما قلت جمع عيناء واسعة العينين مليحة العينين حور عين

74وصف القاصرات فى أحاديث خير البريات

وصف القاصرات في أحاديث خير البريات (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان وصف القاصرات في أحاديث خير البريات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. لازلنا نتدارس الحكمة من مشروعية النكاح ومقاصده الأساسية وتقدم معنا أن الحكمة من مشروعيته تدور على خمسة أمور. أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية كانت أو معنوية. وثانيها: إنجاب الذرية التى تعبد رب البرية. وثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منها لصاحبه ومساعدته عليه فى نفقته ومساعدته فى نفقته. والحكمة الرابعة: تذكر لذة الآخرة وآخر الحكم وخاتمتها ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل زوجه وأقاربه.

وكنا نتدارس الحكمة الرابعة من هذه الحكم ألا وهى تذكر لذة الآخرة وتقدم معنا أن أعظم لذائذ بنى آدم فى هذه الحياة من المشتهيات المحسوسات لذة النكاح وهذه اللذة التى هى أعظم اللذات الحسية عنده تقدم معنا فيها آفات ونقص كثير فى هذه الحياة ومع ذلك تتعلق بها النفس وترغب فيها فإذا كان الإنسان عاقلا ينبغى أن يتعلق بهذه اللذة وأن يرغب فيها فى الدار الآخرة فهناك لا نقص فيها بوجه من الوجوه والكمال هناك فيها وفى سائر الشهوات التى يتمتع بها الإنسان نسأل الله أن يمن علينا برضوانه وبدار كرامته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

تقدم معنا أن الله شوقنا فى كتابه إلى نساء أهل الجنة كما شوقنا نبينا صلى الله عليه وسلم فى حديثه إليهن فوصف نساء أهل الجنة فى الكتب والسنة بأوصاف تتعلق بها نفوس العقلاء تتعلق بها النفوس الكريمة الطاهرة وتقدم معنا أن كثيرا من الصالحين كانوا يرون أزواجهم من الحور العين فى المنام من كثرة تعلقهم بهن تقدم معنا أنه حصل هذا لأبى سليمان الدارانى وحصل لعبد صالح منم تلاميذ الشيخ منصور ابن عمار كما تقدم معنا وحصل هذا لعدد من الصالحين منهم صحابيا أو تابعيا العلم عند الله لم يسم لكن خبره ثابت بإسناد حسن فى كتاب الزهد للإمام هناد ابن الثرى وانظروه فى الجزء الأول صفحة تسع وخمسين ورواه شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك فى كتاب الجهاد ورواه أبو بكر الشافعى فى فوائده هو كما قلت إسناده حسن وخلاصة الأثر عن شيخ الإسلام ثابت ابن أسلم البنانى وهو ألصق الناس بسيدنا أنس ابن مالك خادم نبينا علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يقول ثابت ابن أسلم البنانى كنت مع أنس ابن مالك رضى الله عنهم أجمعين فجاء ولده أبو بكر من الغزو ولد سيدنا أنس ابن مالك رضى الله عنهم أجمعين جاء من الغزو فحدث والده بقصة غريبة فقال إن صاحبنا وهذا قلت الذى لم يسم هل هو صحابى أو من التابعين العلم عند الله إن صاحبنا الذى تعرفه ولم يذكر اسمه بينا نحن فى الغزو صاح وا أهلاه وا أهلاه قال فاجتمعنا عليه وظننا أنه طرأ عليه طارىء فقلنا مالك قال كنت أعزم فى نفسى ألا أتزوج فى هذه الحياة وأطلب من ربى أن يزوجنى من الحور الحسان فى نعيم الجنات وكنت أتمنى أن استشهد وأتعجل الشهادة ليعطينى الله أمنيتى فدخلت معارك وغزوات كثيرة وما قدر الله لى الشهادة ففى هذه الغزوة التى أنا معكم فيها لما طال على الوقت ولم أرزق الشهادة عزمت أننى إذا رجعت إلى بلدى أن أتزوج فنمت القيلولة وإذا بإنسان يوقظنى فى النوم ويقول أنت الذى عزمت أن تتزوج إذا قفلت ورجعت من الغزو

قلت نعم قال قم حتى نزوجك العيناء الجميلة الحسناء قم حتى نزوجك العيناء قال فذهبت معه فى الرؤيا فمررت على روضة معشبة فيها عشر جوار من النساء الحسان يقول ما رأيت مثلهن فى الحسن والجمال فقلت لهن فيكن العيناء قالوا نحن من خدمها والعيناء أمامك تقدم يقول فأتيت على روضة أخرى معشبة أكثر من الأولى وفيها عشرون جارية ما حسن العشر إليهن بشىء إذا قيس حسن أولئك إلى العشرين الجوارى الأخريات ما حسن أولئك بشىء فى الحسن والجمال فقلت فيكن العيناء قالوا نحن من خدمها والعيناء أمامك تقدم يقول فإذا بروضة معشبة فيها من الخضرة والجمال ما ليس فى الروضة الأولى والثانية وفيها أربعون جارية ما حسن العشر والعشرين إليهن بشىء فقلت فيكن العيناء قالوا نحن من خدمها والعيناء أمامك يقول فتقدمت وإذا بحجرة من ياقوتة مجوفة عليها امرأة ما رأيت مثل حسنها قد فضل جنباها عن السرير من حسنها وثمنها فضل جنباها زاد عن السرير قال فمددت يدى إليها فقالت أوه ما لا زال فيك روح تمد يدك إلى وفيك روح لا أنت تمد يدك إلى بعد أن تنتقل إلى الآخرة ثم قالت له يا عبد الله فطورك الليلة عندنا ستفطر هذه الليلة عندنا يقول فاستيقظ الرجل فبدأ يقول وا أهلاه وا أهلاه قال فبينا هو يحدثنا بحديثه نادى أمير الجيش يا خيل الله اركبى لمقابلة الأعداء قال فركبنا وبدأنا نتسابق على خيولنا فى مقاتلة أعداء الله جل وعلا يقول فلما غربت الشمس أنا أنظر إليه وإلى غروب الشمس أيهما سيذهب قبل صاحبه لأنها قالت له سيفطر عندها قال فندر رأسه وقتل فى سبيل الله قبل أنت تغرب الشمس فقال أنس لولده أبى بكر رضى الله عنهم أجمعين رحمه الله رحمه الله وا أهلاه وأهلاه حقيقة إذا كان الإنسان يتعلق بهذه اللذة المحفوفة بالأكدار والأخطار والشوائب والنواقص والنقائص فينبغى أن يتعلق بتلك الشهوة التى لا نقص فيها بوجه من الوجوه والأثر كما قلت إخوتى الكرام مروى فى هذه الكتب وإسناده حسن عن شيخ

الإسلام ثابت ابن أسلم البنانى عن ولد سيدنا أنس ابن مالك رضى الله عنهم أجمعين. إخوتى الكرام: تقدم معنا وصف نساء أهل الجنة الحسان فى آيات القرآن وأنه مطهرات فى خلقهن وأخلاقهن كما استعرضنا بعد ذلك شيئا من أوافهن فى أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام وآخر ما ذكرته فى الموعظة الماضية حديث سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه وتقدم معنا تخريجه وقلت روى مرفوعا وموقوفا وبعد أن ذكرت لفظه أعيده الآن وأما تخريجه فقد تقدم فى المواعظ الماضية لكن سأذكر أيضا شواهد لهاتين الروايتين المرفوعة والموقوفة عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه تقدم معنا لفظ الحديث كما قلت من رواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وموقوفا عليه ولذلك حكم الرفع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها مخ ساقها يرى من فوق سبعين حلة وذلك بأن الله يقول كأنهن الياقوت المرجان فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم اطلعت لرأيته من ورائه وهكذا الحوريات الحسان يلبسن هذه الحلل الجميلة لشدة جمالهن وصفائهن ترى مخ ساقها من فوق سبعين حلة كما يرى الشراب الأحمر فى الزجاجة البيضاء هذا الأثر تقدم معنا إخوتى الكرام ذدره فى آخر الموعظة الماضية وقلت روى مرفوعا وموقوفا إلى عبد الله ابن مسعود ومرفوعا إلى نبينا المحمود عليه صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: أما الرواية الموقوفة فتقدم معنا من خرجها بذلك اللفظ لكن رويت بألفاظ أخرى رواها شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك أيضا فى كتاب الزهد انظروها فى صفحة أربع وسبعين وهى فى معجم الطبرانى الكبير فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة ثمانى عشرة وأربعمائة ورواها شيخ الإسلام عبد الرزاق فى مصنفه فى الجزء الحادى عشر صفحة أربع عشرة وأربعمائة وهذه رواية موقوفة عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه بمعنى الرواية المتقدمة ولفظها إن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم من تحت سبعين حلة كما يرى الشراب الأحمر فى الزجاجة البيضاء وهذه الرواية كما قلت موقوفة على عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه ورواها هناد ابن السرى فى كتاب الزهد فى الجزء الأول صفحة سبع وتسعين ومائة والإمام الطبرى شيخ المفسرين فى تفسيره فى الجزء السابع والعشرين صفحة ثمان ثمانين أوردها عن عمرو ابن ميمون الأودى موقوفة عليه وعمرو ابن ميمون الأودى ثقة من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير نبينا عليه الصلاة والسلام وقد توفى سنة أربع وسبعين وقيل خمس وسبعين وقيل ست وسبعين وكما قلت هو من شيوخ المسلمين يقول الإمام الذهبى فى ترجمته هو الإمام الحجة ومن مناقبه كما فى طبقات ابن سعد فى الجزء السادس صفحة ثمانى عشرة ومائة أن هذا العبد الصالح أعنى عمرو ابن ميمون الأودى كان إذا رؤى ذكر الله جل وعلا إذا رؤى إذا رآه الناس يذكرون الله رؤيته تذكر بالله وهذا فى طبقات ابن سعد وكنت ذكرت فى بعض المواعظ الماضية أن عددا من أئمتنا نعتوا بذلك منهم شيخ الإسلام الإمام محمد ابن سيرين وهكذا الحسن البصرى ومنهم عمرو ابن ميمون الأودى كان إذا رؤى ذكر الله وتقدم معنا أن شيخ الإسلام ابن سيرين كان إذا دخل السوق ترك أهل السوق أعمالهم وذكروا ربهم عندما يرون نور وجهه وما فيه من خشية وبهاء وجمال ومنهم هذا عمرو ابن ميمون

الأودى نقل عنه مثل ذلك الأثر موقوفا عليه وكما قلت هذا لا يقال من قبل الرأى فله حكم الرفع لكن هناك رواية موقوفة له حكم الرفع عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه وهنا رواية موقوفة لها حكم الرفع لكنها مرسلة ليست متصلة لأنه تابعى والمخضرم هو فى عداد التابعين لكن أطلق عليه هذا اللفظ لرفعه عن رتبة التابعين ونزوله عن درجة الصحابة من أجل يعنى أن يتميز عن التابعين قليلا لأنه عاصر الزمن الذى كان فيه نبينا عليه الصلاة والسلام فعاش فى عصر النور لكن لم ير النبى عليه الصلاة والسلام فقيل له مخضرم وأما التابعى فما أدرك النبى عليه الصلاة والسلام ورأى الصحابة الكرام فيقال له تابعى رضى الله عنهم أجمعين عمرو ابن ميمون الأودى نقل عنه كما قلت مثل ذلك الأثر الموقوف على عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين.

وروى أيضا ذلك الأثر مرفوعا عن عبد الله مسعود رضى الله عنه وأرضاه بلفظ آخر فى غير الكتب المتقدمة رواه البزار والطبرانى فى معجمه الكبير والكبرانى فى معجمه الأوسط ورواه الإمام البيهقى فى كتاب البعث انظروا فى صفحة وسبعين مائة ورواه شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك فى كتاب الزهد والرقائق وإسناد الأثر صحيح قال شيخ الإسلام الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة تسع وعشرين وخمسمائة إسناد الطبرانى صحيح وإسناد البيهقى حسن وتقدم معنا رواه الطبرانى ورواه البيهقى فى كتاب البعث والنشور إسناد الطبرانى صحيح وإسناد البيهقى حسن وقال شيخ الإسلام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح فى صفحة تسع وثلاثين ومائة إسناد الطبرانى على شرط الصحيح وهذا ما حكم كما قلت به الإمام المنذرى حيث قال إسناد الطبرانى صحيح وإسناد البيهقى حسن وهنا الإمام ابن القيم يقول إسناد الطبرانى على شرط الصحيح والحديث مرفوعا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ولفظه إن أول زمرة يدخلون الجنة أول زمرة أول طائفة يدخلون الجنة كأن وجوههم القمر وفى رواية كأن وجوههم ضوء القمر كأن وجوههم القمر قمر منير بدر مشرق كأن وجوههم ضوء القمر كأن وجوههم القمر ليلة البدر كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر والزمرة الثانية الدفعة الثانية التى تلى هؤلاء على لون أحسن كوكب درى أى مضىء منير على لون أحسن كوكب درى فى السماء لكل منهم زوجتان من الحور العين على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وحللهما ترى مخ الساقين من وراء اللحم ومن فوق الحلل يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وحللهما كما يرى الشراب الأحمر فى الزجاجة البيضاء وهذا كما قلت من كلام نبينا خاتم الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه والحديث صحيح وإسناده كما تقدم معنا حسن حسن وصحيح كما تقدم معنا فى طريق الطبرانى وطريق البيهقى عليهم جميعا رحمة

الله انظر لهذا الحسن وهذا الجمال الذى جعله الله فى نساء أهل الجنة لكل واحد زوجتان وسيأتينا عدد ما يحصل لأهل الجنة من زوجات إن شاء الله ضمن خطوات البحث بإذن الله واستعرض كلام الحافظ ابن حجر وكلام الإمام ابن القيم عليهم جميعا رحمة الله وأبين ما يظهر لى فى هذا الأمر بإذن الله إن شاء الله لكل منهم زوجتان كل واحدة تلبس سبعين حلة ومع ذلك ترى مخ الساقين من وراء اللحم ومن فوق الحلة وأيضا هم فى صورة بهية مشرقة الواحد منهم ضوءه كضوء القمر أو كضوء أحسن كوكب درى فى السماء نسأل الله أن يمن علينا بذلك إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتى الكرام: وهذا الحديث الذى ثبت عن سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه موقوفا عليه ومرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وموقوفا على عمرو ابن ميمون الأودى فى بعض رواياته ورد له شواهد كثيرة من رواية عدد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وقلت مرارا إذا ضمت النظائر إلى بعضها من الأحاديث تزداد قوة ويزداد المسلم وثوقا بصدور هذا عن نبينا صلى الله عليه وسلم فمن هذه الشواهد رواية سيدنا أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه هى كرواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه لكن الصحابى يختلف هناك أبو سعيد وهنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين رواية أبى سعيد رواها الإمام أحمد فى المسند والترمذى فى السنن وقال هذا إسناد حسن صحيح ورواها البغوى فى شرح السنة ورواها أبو الشيخ فى كتاب العظمة انظروها صفحة واحدة وستين ومائتين وهى أيضا فى معجم الطبرانى الأوسط وكتاب المصنف للإمام لابن أبى شيبة فى الجزء الثالث عشر صفحة عشرين ومائة ورواها البيهقى فى البعث فى المكان المتقدم سبع وتسعين ومائة ورواها ابن نعيم فى كتاب صفة الجنة والحديث كما قلت من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه وقلت بمثل وقريب من رواية عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين ولفظ حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة على مثل ضوء القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على مثل أحسن كوكب درى فى السماء لكل امرىء منهم زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من ورائها يعنى من وراء هذه الحلل الكثيرة التى هى سبعون حلة بمثل رواية عبد الله مسعود رضى الله عنهم أجمعين تماما لكن كما قلت اختلف الصحابى الراوى وهذا يزيدنا كما قلت وثوقا واطمئنانا إلى أن هذا منقول عن نبينا عليه الصلاة والسلام وثابت عنه وهذه الرواية أيضا ثبتت عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعة إلى

نبينا صلى الله عليه وسلم ورويت عن أبى هريرة فى مسند الإمام أحمد وفى الصحيحين وسنن الترمذى وابن ماجة ورواها الإمام الدارمى فى سننه أيضا ورواها هناد ابن السرى فى كتاب الزهد وهى أيضا فى المصنف فى المكان المتقدم فى الجزء الثالث عشر صفحة عشر ومائة ورواها شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك فى كتاب الزهد والرقائق ورواها أبو نعيم فى كتاب صفة الجنة وفى أخبار أصبهان انظروها فى أخبار أصبهان فى الجزء الأول صفحة ثلاثمائة ورواها عبد الرزاق فى المصنف فى الجزء الحادى عشر صفحة أربع عشرة وأربعمائة وهى فى شرح السنة للإمام البغوى فى الجزء الخامس عشر صفحة سبع ومائتين وفى كتاب العظمة لأبى الشيخ صفحة ست وستين ومائتين ولفظ حديث أبى هريرة رضى الله عنه وقلت هو فى الصحيحين وغيرهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب درى فى السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة ألوة وهى العود هذه المجامر الرائحة التى يطيبون بها رائحة العود لكن من عود الجنة لا من عود الأرض الألوة الألنجوج, الألنجوج والألوة هوعود الطيب العود المعروف لكن من عود الجنة لا من عود الدنيا مجامرهم التى يجمرون بها ويتبخرون بها الألوة الألنجوج عود الطيب أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد يهنى صورتهم واحدة سيأتينا طول الواحد منهم ستون ذراعا فى عرض سبعة أذرع على خلق أبيهم آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه كما أن النساء أيضا على خلقة واحدة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلاهن أبكارا عربا أترابا أى أمثالا متساويات كما تقدم معنا على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا فى السماء هذا الطول والعرض سبعة أذرع طول الرجل والمرأة فيها من الحسن ما تقدم معنا وفى رواية قال قال أى قال أبو هريرة رضى الله عنه قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد يعنى كما أن خلقهم علو صورة رجل واحد قلوبهم على قلب رجل واحد يعنى تساووا فى الخلق وفى الخلق فى المظهر وفى المخبر ولذلك لا تتطلع المرأة إلى رجل آخر والرجل لا يتطلع إلى غير ما عنده قلوبهم قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا وهذه الروايات كما قلت فى الصحيحين وغيرهما. وفى رواية أخرى قال النبى صلى الله عليه وسلم أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على آثارهم كأحسن كوكب درى فى السماء إضاءة قلوبهم على قلب واحد لا تباغض بينهم ولا تحاسد لكل امرىء زوجتان من الحور العين يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم وهذه كلها كما قلت فى الصحيحين وفى رواية لمسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال أول زمرة تدخل الجنة من أمتى على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد نجم فى السماء إضاءة ثم هم بعد ذلك منازل وفيه قال ابن أبى شيبة على خلق رجل واحد وقال أبو كريت على خلق رجا واحد واجمع بين الأمرين هم على خلق رجل واحد فى الصورة وهم على خلق رجل واحد فى المعنى خلق وخلق ولذلك الرواية التى تقدمت معنا على خلق رجل واحد وعلى قلب رجل واحد وإذا كانوا على قلب رجل واحد فهم على خلق رجل واحد فالخلق استووا فيه والخلق أيضا تماثلوا فيه واستووا فيه على خلق رجل على خلق رجل.

وفى رواية أخرى من رواية شيخ الإسلام محمد ابن سيرين قال إما تفاخروا وأما تذاكروا عند أبى هريرة رضى الله عنه الرجال أكثر فى الجنة أم النساء؟ وسيأتينا الكلام على هذه الرواية عند الحكمة الثانية التى سنبحثها والمبحث الثانى ألا وهو فى الحكمة من التعدد وسيأتينا هناك أن نسبة النساء أكثر من الرجال فى الدنيا وفى الآخرة فى الجنة وفى النار عدد المؤمنات فى الجنة أكثر من عدد المسلمين وعدد الكافرات فى النار أكثر من عدد الكافرين ونسبة النساء فى كل عصر تزيد على نسبة الرجال فى الحياة الدنيا فهن أكثر أهل الدنيا وهن أكثر أهل الجنة وهن أكثر أهل النار سيأتينا هذا إن شاء الله.

إذن إما تفاخروا وإما تذاكروا عند أبى هريرة رضى الله عنه الرجال أكثر فى الجنة أم النساء فقال أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتى تليها على أضوء كوكب درى فى السماء لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان إذن النساء أكثر من الرجال لكل امرىء منهم زوجتان هذا أقل ما يحصل وهذا بعد ذلك ماذا يضم إليه من الحور العين لا يعلمه إلا رب العالمين وسيأتينا زوجتان اثنتان ذهب الحافظ إلى أنهما من أهل الدنيا كل واحد له زوجتان من نساء أهل الدنيا ومن أخذ أكثر لا ينقص نصيبه من كان عنده أربع لا يفرق بينه وبين زوجتين من أزواجه لا لكن لكل واحد زوجتان اثنتان من نساء أهل الدنيا يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما فى الجنة أعزب فكل واحد له زوجتان يرى الحافظ ابن حجر كما قلت سيأتينا هذا فى عدد نساء أهل الجنة وكم يمتع الرجل به من النساء سيأتينا أن الحافظ ابن حجر يقول لكل واحد زوجتان من نساء أهل الدنيا وله بعد ذلك ما شاء من الحور الحسان وعليه ما ورد له اثنتان وسبعون له سبعون له كذا يقول اثنتان من نساء أهل الدنيا والزائد من الحور وللإمام ابن القيم رأى آخر أذكره إن شاء الله وألقى الضوء عليهما بعون الله عند مجىء ذكر هذا العدد بعون الله. إذن حديث عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه الذى تقدم معنا له شواهد متعددة بمعناه من رواية عدة من الصحابة من رواية أبى سعيد رضى الله عنه وأرضاه من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه روى أيضا موقوفا على عمرو ابن ميمون الأودى رضى الله عنهم أجمعين.

إخوتى الكرام: هذا المقدار الذى يكرم الله به الأبرار فى دار القرار لا ينافى حصول ما هو أكثر منه فى تلك الدار يعنى ليس لكل واحد زوجتان لا يمكن أن يأخذ أكثر لا ثم لا لدخول القليل فى الكثير وذلك مقرر عند أئمتنا فى مثل هذا المبحث الشهير تقدم معنا أنه إذا وردت أعداد مختلفة نقول لا تعارض بينها فالقليل يدخل فى الكثير فالثنتان تدخلان فى السبعين وتدخلان فى المائة وتدخلان بعد ذلك فى قول الله لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد فإذا أخذ ألفا دخلت فالثنتان فى الألف وإذا أخذ ألفين دخلت الثنتان فى الألفين فلا تعارض بين الأعداد لدخول القليل فى الكثير وتقدم معنا أن هذا الرأى هو الذى مال إليه شيخ الإسلام الإمام النووى عليه رحمة الله وقرره فى مواطن متعددة فى شرحه لصحيح مسلم منها ما تقدم معنا فى مباحث سنن الترمذى فى الجزء الحادى عشر صفحة عشرين ومائة فى مبحث تعدد نساء نبى الله سليمان علي نبينا وعليه الصلاة والسلام فى هذه الحياة عند الكلام على فتنته التى حصلت له وقلت هى أنه أراد أن يطوف على نسائه ولم يقل إن شاء الله والنساء ولدت والروايات كلها صحيحة كما تقدم معنا ستون وسبعون وتسعون وتسع وتسعون ومائة وهذه الروايات كما تقدم معنا قال الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا هذا كله لا تعارض فيه لأنه ليس فى ذكر القليل نفى للكثير وقد سبق بيان هذا مرات يقول الإمام النووى وهنا كذلك اثنتان سبعون اثنتان وسبعون ثم وهوأكثر من ذلك سيأتينا ذلك له فى الحجرة الواحدة من اللؤلؤ المجوف أهلون وطول هذه الحجرة كما سيأتينا ستون ميلا يعنى ستون ميل يعنى قرابة مائة كيلو متر طول الحجرة من لؤلؤة مجوفة فيها أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضا سيأتينا هذا والحديث فى الصحيحين حجرة واحدة بهذا المقدار له فيها أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضا وهذا كله لا يتعارض مع الإخبار بأنه لكل واحد زوجتان أو سبعون أو كما سيأتينا أعداد لا

نهاية لها حسبما يطلب ويريد لدخول القليل فى الكثير فلا تعارض بين هذه الأعداد والذى يقرر أنه يحصل لرجال أهل الجنة أكثر من زوجتين أحاديث كثيرة متعددة استمعوا لبعضها. إخوتى الكرام: منها ما ثبت فى مسند الإمام أحمد والحديث فى الجزء الثانى صفحة سبع وثلاثين خمسمائة من المسند وانظروه فى المجمع فى الجزء العاشر صفحة أربعمائة وقال إسناده ثقات على ضعف فى بعضهم والحديث ذكره الحافظ ابن حجر فى الفتح فى الجزء السادس صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة وقال فى إسناده شهر وهو شهر ابن حوشب وفيه مقال وشهر ابن حوشب توفى سنة اثنتى عشرة مائة للهجرة شهر ابن حوشب قال الحافظ ابن حجر فى ترجمته فى التقريب صدوق كثير الأوهام والإرسال وقد أخرج حديثه البخارى فى الأدب المفرد والإمام مسلم فى صحيحه وأهل السنن الأربعة وحديثه إن شاء الله فى درجة الحسن ولفظ حديثه من رواية سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه وفيه كما قلت دلالة على أنه يحصل للواحد أكثر من زوجة لفظ الحديث كما قلت من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أدنى أهل الجنة منزلة هذا أدناهم أقلهم فكم سيكون لمن هو أعلى منه أو لمن هو فى عليين لا يعلم هذا إلا رب العالمين هذا أدنى أهل الجنة منزلة أدنى أهل الجنة له أكثر من زوجتين كما ستسمعون العدد إن أدنى أهل الجنة منزلة إن له لسبع درجات فى الجنة وهو على السادسة وفوقه السابعة وإن له لثلاثمائة خادم ويغدى عليه ويراح بثلاثمائة صحفة أى من ألوان الطعام فى الغدو وفى الصباح ثلاثمائة صحفة وفى العشى بثلاثمائة صحفة وعنده ثلاثمائة خادم ولا أعلمه إلا قال من ذهب أى بثلاثمائة صحفة من ذهب فى كل صحفة ما ليس فى الأخرى وأنه ليلذ أوله كما يلذ آخره وإنه ليطول هذا الذى هو أدنى أهل الجنة منزلة يا رب لو أذنت لى لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص ذلك مما عندى يعنى أطعم أهل الجنة من أولهم لآخرهم وإذا

أطعمتهم لا ينقص شىء مما عندى وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة هذا له من الحور العين اثنتان وسبعون زوجة عدا عن نسائه من أهل الدنيا وهذا أقل أهل الجنة منزلة وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض رواه الإمام أحمد فى المسند ورجاله ثقات على ضعف فى بعضهم كما قال الإمام الهيثمى وقلت الذى فيه هو شهر ابن حوشب وحديثه إن شاء الله فى درجة الحسن وله شواهد كثيرة وفيرة منها ما تقدم ومنها ما سيأتى ومنها ما هو معلوم بالضرورة من وصف الجنة لأن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأن للمؤمن فيها ما يشاء وعند الله مزيد هذه الرواية الأولى إخوتى الكرام مقعدها يأخذ قدر ميل ول اثنتان وسبعون زوجة وهذا أقل أهل الجنة منزلة.

رواية ثانية ثابتة فى المسند أيضا وهى فى الجزء الثالث صفحة ست وسبعين من المسند ورواها الإمام الترمذى فى صحيحه وابن حبان انظروا موارد الظمآن صفحة خمس وخمسين وستمائة ورواها الإمام أبو يعلى فى مسنده والضياء المقدسى فى الأحاديث الجياد المختارة ورواها الإمام أبو بكر ابن أبى داود فى كتاب البعث وتقدم معنا أنه جزء صغير فى كتاب البعث لابن أبى داود ورواها شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك فى كتاب الزهد والرقائق والحديث من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى أهل الجنة الذى له ثمانون ألف خادم هناك تقدم معنا له ثلاثمائة ولا تعارض كما تقدم معنا بين القليل والكثير يعطى ثلاثمائة ثم يزيده والثلاثمائة داخلة فى الثمانين ألفا أدنى أهل الجنة الذى له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء والجابية قرية من أعمال دمشق الجابية باب الجابية وصنعاء اليمن فالقبة التى تنصب له وتضرب له من الؤلؤ والزبرجد والياقوت هذه القبة من دمشق إلى صنعاء والحديث إخوتى الكرام بعد أن رواه الإمام الترمذى قال هذا حديث غريب له نعرفه إلا من حديث رشدين ابن سعد قال الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب معلقا على كلام الإمام الترمذى يعنى عن عمرو ابن الحارث عن دراج عن أبى الهيثم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنهم أجمعين لا يعرفه الإمام الترمذى لا من حديث رشدين عن عمرو ابن الحارث قال الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب وقد تابع ابن وهد رشدين ابن سعد فى روايته عن عمرو ابن الحارث فى صحيح ابن حبان وتقدم معنا أن الحديث رواه الإمام ابن حبان كما فى موارد الظمآن صفحة خمس وخمسين وستمائة يقول الإمام المنذرى رشدين ابن سعد فى روايته عن عمرو ابن الحارث تابعه شيخ الإسلام ابن وهد وهو أحد الأعلام الأثبات تابع رشدين فى روايته عن عمرو ابن

الحارث أما رشدين ابن سعد فهو رشدين ابن سعد المهرى المصرى قال الحافظ ابن حجر فى ترجمته ضعيف ورجح أبو حاتم ابن لهيعة عليه والضعف الذى فيه وهو من الأئمة الصالحين والعلماء الربانين الضعف الذى فيه من قبل حفظه وغفلته لذهوله عن الضبط وكان من القضاة الصالحين فى بلاد مصر رشدين ابن سعد أئمتنا يقولون أخذته غفلة الصالحين ليس فى ديانته شىء ولا فى تعمده شىء لا يتعمد خطأ إنما يهم أحيانا على حسب ما يقع عند الصالحين من غفلة ووهم أخذته غفلة الصالحين وقد توفى سنة ثمان وثمانين ومائة للهجرة وهو من رجال الإمام الترمذى والإمام ابن ماجة عليهم جميعا رحمة الله قال الإمام الهيثمى فى مجمع الزوائد عند ذكر رشدين ابن سعد فى غير هذا المكان فى الجزء الخامس صفحة خمس وعشرين ضعيف وقد وثق يعنى محكوم عليه بالضعف لكن وثقه بعض أئمة الإسلام ضعيف وقد وثق إذن هذا الحديث رواه رشدين ابن سعد عن عمرو ابن الحارث رشدين تابعه ابن وهب فزال المحذور لكن فيه شىء آخر ما أشار إليه الإمام الترمذى لأنه معروف وهو رواية دراج كما سيأتينا والكلام الذى حول روايته أما عمرو ابن الحارث الأنصارى وهو شيخ رشدين فهو ثقة فقيه حافظ عابد توفى قبل سنة خمسين ومائة وحديثه مخرجا فى الكتب الستة..

الحارث وأما ابن وهب الذى روى الحديث عن عمرو ابن الحارث أيضا وتابع فيه رشدين ابن سعد فهو عبد الله ابن وهب الفقيه ثقة حافظ عابد من أئمة الإسلام الكبار توفى سنة سبع وتسعين ومائة للهجرة وحديث مخرجا فى الكتب الستة إنما يوجد شىء آخر بعد كما قلت رشدين ابن سعد وبعد عبد الله ابن وهب, عبد الله ابن وهب رشدين ابن سعد اتفقا فى الرواية عن عمرو ابن الحارث لكن عمرو ابن الحارث عمن عن دراج ودراج هو دراج ابن سمعان أبو السمح السهمى المصرى القاص كلهم هؤلاء الذين تقدموا معنا من أهل مصر من رشدين وعمرو ابن الحارث وعبد الله ابن وهب ودراج ابن سمعان أبو السمح السهمى المصرى القاص صدوق وحديثه فى درجة الحسن لكن فى حديثه عن أبى الهيثم ضعف والرواية هنا من طريق دراج عن أبى الهيثم وهو دراج من رجال البخارى فى الأدب المفرد وأخرج حديثه أهل السنن الأربعة أما أبو الهيثم المصرى فهو سليمان ابن عمرو ثقة من أئمة الخير والصلاح وهو من رجال البخارى فى الأدب المفرد أيضا وأهل السنن الأربعة يعنى هو ودراج أخرج حديثهما البخارى فى الأدب المفرد وأهل السنن الأربعة لكن كما قلت عمرو سليمان ابن عمرو الذى هو أبو الهيثم فى روايته عن أبى سعيد الخدرى هذا ثقة وأما دراج هذا صدوق وحديثه فى درجة الحسن إلا فى روايته عن أبى الهيثم فكان يهم ويخطأ لكن هذه الرواية إخوتى الكرام لها شواهد كثيرة اثنتان وسبعون زوجة وهى محل الشاهد تقدمت معنا فى حديث أبى هريرة أوليس كذلك وسيأتينا لذلك شواهد متعددة فالحديث وإن كان من طريق دراج ابن سمعان عن أبى الهيثم فهو إن شاء الله بشواهده ولشواهده يرتفع إلى درجة الحسن لغيره والعلم عند الله جل وعلا.

ومما يشهد لهذه الرواية فى الجملة وأن الرجل من أهل الجنة يتمتع بأكثر من زوجتين اثنتين روايات كثيرة منها رواية سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين وهى فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى ورواها الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير وأبو يعلى فى مسنده وروها ابن أبى شيبة فى مصنفه والطبرى فى تفسيره وابن مردويه فى تفسيره وابن المنذر فى تفسيره أيضا ورواها عبد ابن حميد فى مسنده والدار قطنى فى كتاب الرؤية ورواها شيخ الإسلام عبد الله ولد سيدنا الإمام أحمد ابن حنبل عليهم جميعا رحمة الله ورواها الإمام اللالكئى فى شرح أصول أهل السنة ورواها أبو الشيخ فى كتابه العظمة وهى فى حلية الأولياء وهى أيضا فى مستدرك الحاكم وشرح السنة للإمام البغوى وهى فى كتاب البعث والنشور للإمام البيهقى انظروها فى آخر هذه المصادر صفحة اثنتين وخمسين ومائتين للإمام البيهقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهذه الرواية كما قلت من رواية عبد الله ابن عمر رضى الله عنه أجمعين ولفظ روايته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزوجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة هذا أدنى أهل الجنة منزلة وهناك تقدم معنا ينظر له خيمة ستون ميلا أوليس كذلك قلت مائة كيلو متر تقريبا هنا ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة هذا أدنى أهل الجنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيا يتمتع بالنظر إلى وجه الله الجليل فى الغداة وفى العشى إلى وجهه غدوة وعشيا ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة والحديث كما قلت إخوتى الكرام من رواية عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين وهذه الرواية قال عنها الإمام الترمذى بعد أن رواها قال هذا حديث غريب وروى موقوفا يعنى على عبد الله ابن عمر وهو الراوى وروى موقوفا إذا ثبت أنها موقوفة فلها حكم الرفع فمثلها لا يقال من

قبل الرأى وفى إسناد الأثر سوير ابن أبى فاختة وهو ضعيف ورمى بالتشيع والتشيع الذى كان يرمى به بعض رواة الحديث هو تقديم على رضى الله عنه وأرضاه على من عداه من الصحابة وقلت إن أمر ذلك يسير مع شناعته وليس فى هذا التشيع طعن بأحد من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وقال الإمام الهيثمى فى المجمع مجمع على ضعفه سوير ابن أبى فاختة يقول فى المجمع مجمع على ضعفه والإمام الحاكم روى هذا الحديث وصححه وقالب هذا حديث مفسر فى الرد على المبتدعة يعنى فيه اثبات رؤية الله جل وعلا وأحاديث الرؤية متواترة عن نبينا صلى الله عليه وسلم وسوير لا زال الكلام للإمام الحاكم فى المستدرك وسوير يعنى ابن أبى فاختة وإن لم يخرجا له يعنى البخارى ومسلم فلم ينقم عليه إلا التشيع قال الحافظ فى الفتح فى الجزء الثالث عشر صفحة أربع وعشرين وأربعمائة أخرج الحديث الإمام الحاكم وصححه من طريق سوير عن ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين وقد استشهد بالحديث الإمام ابن كثير فى النهاية فى الفتن والملاحم فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وثمانين ومائة ويشهد له كما تقدم معنا ما تقدم ما سيأتى إن شاء الله وهذه الروايات إذا تضافرت ما بعضها من ضعف يتقوى بالصحيح وتتقوى أيضا ببعضها والعلم عند الله جل وعلا.

رواية ثالثة فيها أيضا هذا التقرير وهو أن الرجل يتمتع بأكثر من زوجتين فى جنات النعيم الرواية رواها الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط ورواها البزار فى مسنده ورواها شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك فى كتاب الزهد والرقائق صفحة خمسين وخمسمائة وهى فى تفسير الطبرى فى الجزء العاشر صفحة أربع وعشرين ومائة فى تفسير سورة التوبة وإذا أحد منكم عنده طبعة الشيخ أحمد شاكر فلينظرها فى الجزء الرابع عشر صفحة تسع وأربعين وثلاثمائة ورواها ابن أبى حاتم فى تفسيره وابن مردويه فى تفسيره كما ذكر ذلك الإمام السيوطى فى الدر المنثور فى الجزء الثالث صفحة سبع وخمسين ومائتين ورواها الإمام الآجورى فى النصيحة والبيهقى فى البعث صفحة ثمان وسبعين ومائة ورواها الإمام البيهقى أيضا فى كتاب شعب الإيمان والحديث من رواية صحابيين جليلين مباركين وهما أبو هريرة وعمران ابن حصين رضى الله عنهم أجمعين والذى روى الحديث عنهما هو الحسن البصرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول الحسن البصرى لقيت أبا هريرة وعمران ابن حصين رضى الله عنهم أجمعين فقلت ليتنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسأله فقالا له تسأله عن ماذا قال عن قول الله جل وعلا ومساكن طيبة فى جنات عدن ما المراد بهذه المساكن وما نوع الطيب فيها مساكن طيبة فى جنات عدن يعنى فى جنات إقامة باقية لا تزول ولا تفنى ومساكن طيبة فى جنات عدن والآية كما قلت من سورة التوبة ولذلك أورد الإمام الطبرى هذا الأثر فى تفسير هذه الآية وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة فى جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم فقالا له أبو هريرة وعمران ابن حصين رضى الله عنهم أجمعين على الخبير سقطت لقد سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن كفيناك ما تريد وهذا السؤال نحن سألناه النبى عليه الصلاة والسلام عن تفسير هذه الآية ومساكن طيبة فى جنات عدن فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيان هذه المساكن قصر فى الجنة من لؤلؤة فيها سبعون دارا من ياقوتة حمراء فى كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء فى كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش امرأة فى كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من طعام فى كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة وهم الخدم الذين يخدمون هذا الولى لله جل وعلا يعطى للمؤمن من القوة ما يأتى على ذلك كله فى غداة واحدة والحديث إخوتى الكرام رمز إليه الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى التضعيف فصدره بلفظ روى ثم قال رواه الطبرانى والبيهقى بنحو وأهمل الكلام عليه فى آخره وعلى حسب شرطه فهو ضعيف ولا شك فى إسناده ضعف لكن معناه من حيث الجملة تشهد له العمومات عن نعيم الجنات وكما قلت يقرر ما معنا من المبحث وهو أن الواحد لهأكثر من زوجة هذا المعنى تضافرت عليه روايات كثيرة صحيحة وضعيفة يعتضد بعضها ببعض فى إسناد هذا الأثر جسر ابن فرقد قال الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء السابع صفحة واحدة وثلاثين وفى الجزء العاشر صفحة عشرين وأربعمائة لأنه أورده فى كتاب التفسير فى تفسير سورة التوبة وأورده بعد ذلك فى وصف نعيم الجنة فى الجزء السابع وفى الجزء العاشر قال وفيه جسر ابن فرقد وهو ضعيف وقد وثقه سعيد ابن عامر وانظروا هذا الحديث فى كشف الأستار فى الجزء الثالث صفحة اثنتين وخمسين فى زوائد الإمام البزار لأنه تقدم معنا أن الحديث رواه البزار مع الطبرانى وغيره الحديث فيه ضعف لكن لا يصل إن شاء الله إلى درجة الترك والنكارة ومن باب أولى ألى درجة الوضع وقد بالغ الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فحكم على هذا الحديث بالوضع فتعقبه أئمتنا وردوا الحكم عليه والإمام ابن الجوزى كما تقدم معنا مرارا متساهل واسع الخطو فى التضعيف يضعف لأدنى علة وقد يضعف أحيانا ما هو صحيح ولذلك لا يعول على تضعيفه وعلى الحكم على حديث بالوضع إلا إذا

وافقه وأقره من جاء بعده من أئمتنا الكرام عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه فى كتابه الموضوعات فى الجزء الثالث صفحة اثنتين وخمسين ومائتين قال هذا حديث موضوع فى إسناده جسر ابن فرقد قال يحيى ابن معين ليس بشىء ولا يكتب حديثه فليس بشىء ولا يكتب حديثه هذا الحكم لا يقتضى أن يكون من الوضاعين كما سيأتينا وقال أبو حاتم خرج عن حد العدالة وقد يعنى وافقه فى الحكم أو حكم يعنى قريبا من حكمه الإمام ابن كثير فى النهاية فى الجزء الثانى صفحة تسع وثمانين ومائة فقال هذا حديث غريب بل الأشبه أنه موضوع فإن هذا الخبر ضعيف جدا استمع لهذه الأحكام الثلاثة غريب الأشبه أنه موضوع إنه ضعيف جدا غريب الأشبه أنه موضوع ضعيف جدا حقيقة ما جرى من الإمام ابن الجوزى وبعده الإمام ابن كثير عليهم جميعا رحمة الله من حكم على هذا الحديث بالوضع رده أئمتنا قال الإمام ابن عراق فى تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة يقول جسر لم يتهم بكذب يعنى كيف يحكم على الحديث بالوضع وجسر ابن فرقد لم يتهم بكذب.

أما جسر ابن فرقد إخوتى الكرام فروايته لا تصل إلى الوضع بحال كما قرر ذلك الإمام ابن عراق وهكذا الإمام السيوطى فى اللآلىء المصنوعة يقول الإمام الذهبى فى المغنى فى الضعفاء فى الجزء الأول صفحة ثلاثين ومائة فى ترجمته ضعفوه وشتان بين أن تقول ضعفوه وبين أن تقول إنه كذاب وضاع ضعفوه وقال عنه الإمام البخارى فى التاريخ الكبير فى الجزء الثانى صفحة ست وأربعين ومائتين ليس بذاك وهذه ليست من يعنى من ألفاظ التجريح التى تقتضى بأن يكون الراوى وضاعا وأن تكون روايته موضوعة ليس بذاك وقال الحافظ ابن حجر فى لسان الميزان فى الجزء الثانى صفحة خمس ومائة كان أبو حاتم كان صالحا وليس بالقوى وقال البزار كما فى كشف الأستار نقل الإمام الهيثمى كلام البزار فقال لا نعلم أحدا رواه مرفوعا إلا عمران ابن حصين وأبا هريرة من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين ولا نعلم لهما طريقا إلا هذا يعنى من طريق جسر ابن فرقد وجسر لين الحديث هذا ليس كما قلت مما يحكم به على رواية الراوى بالوضع وجسر لين الحديث وقد حدث عنه أهل العلم ولا يصح سماع أبى هريرة ولا يصح سماع الحسن عن أبى هريرة من رواية الثقات. فى الحقيقة سماع الحسن من أبى هريرة مختلف فيه هذا كسماع الحسن من سمرة ابن جندب رضى الله عنهم أجمعين سماع مختلف فيه هل سمع الحسن البصرى من أبى هريرة ثبت التصريح فى سنن النسائى فى حديث المختلعات أن الحسن البصرى قال لم أسمع هذا الحديث إلا من أبى هريرة صرح بالسماع قال الحافظ ابن حجر فى تهذيب التهذيب فى الجزء الثانى صفحة سبعين ومائتين وفى هذا دلالة على أن الحسن سمع من أبى هريرة فى الجملة ثبت لقاؤه به وثبت سماعه منه لكن لعله سمع منه حديثا وحديثين هذا موضوع آخر لكن هذا يصرح به الحسن بالسماع وقال لم أسمعه إلا من أبى هريرة لم أسمع هذا إلا من أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه.

إذن إخوتى الكرام: يقول البزار فيه جسر ويقول لم يثبت عند الثقات سماع الحسن من أبى هريرة قلت ثبت فى الجملة سماع الحسن من رواية أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين وجسر ابن فرقد تصحف ضبطه فى تفسير الطبرى فبدل جسر كتب حسن ابن فرقد وهذا خطأ فى الطباعة حسن ابن فرقد هو جسر ابن فرقد كما تقدم معنا جسر إلى حسن وتصحف فى كتاب الزهد والرقائق لشيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك هناك جسر أو جعفر وهذا خطأ فى الطباعة هو جسر ابن فرقد كما تقدم معنا فالقول بأنه حسن خطأ القول أنه جسر أو جعفر خطأ إذن الحديث كما قلت إخوتى الكرام لا يصل إن شاء الله إلى درجة الوضع نعم فيه ضعف وله شواهد بإذن الله جل وعلا والحديث أورده الإمام الغزالى فى الإحياء وخرجه شيخ الإسلام الشيخ عبد الرحيم الأثرى فى تخريج أحاديث الإحياء انظروا الجزء الرابع صفحة اثنتين وعشرين وخمسمائة وهو فى شرح الإحياء فى الجزء العاشر صفحة ثلاثين وخمسمائة لكن من طريق آخر من غير طريق جسر ابن فرقد هناك روى رواه الآجورى من طريق الحسن ابن خليفة عن الحسن البصرى عن أبى هريرة وعمران ابن الحصين ولذلك قال شيخ الإسلام الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء الحسن ابن خليفة يقول الحسن ابن خليفة قال أبو حاتم يقول قال أبو حاتم لا أعرفه الحسن ابن خليفة غير جسر ابن فرقد قال أبو حاتم لا أعرفه قال العراقى والحسن لم يسمع من أبى هريرة على قول الجمهور هذا فى تخريج أحاديث الإحياء والحديث لا يصح قال الإمام ابن حجر فى اللسان معلقا على كلام شيخه شيخ الإسلام الحافظ العراقى عليهم جميعا رحمة الله قال كذا قال شيخنا فى تخريج أحاديث الإحياء يعنى قال أبو حاتم عن الحسن ابن خليفة لا أعرفه كذا قال ولم أره فى كتاب ابن أبى حاتم الحافظ يقول أنا ما رأيت للحسن ابن خليفة ذكرا فى كتاب الجرح والتعديل لابن أبى حاتم أنا أقول إنه مذكور فى الجرح والتعديل فى الجزء الثالث صفحة عشرة لكن بيض له ابن

أبى حاتم فيما نقله عن والده لذلك بعد أن ذكر الحسن ابن خليفة قال روى عن نقاط هذا معنى بيض له ولا يتكلم عليه روى عن وانتهى بيض له ابن أبى حاتم ولم يتكلم عليه لكن هو مذكور فى الجرح والتعديل فلعل هذا التبييض هو الذى دعى شيخ الإسلام الإمام العراقى أن يقول قال أبو حاتم لا أعرفه ولو قال بيض له لكان أدق وقول الإمام ابن حجر إنه يعنى لا يوجد هذا الكلام فى الجرح والتعديل لابن أبى حاتم كما قلت لكم مذكور فى الجزء الثالث صفحة عشرة والعلم عند الله والمعلق على كتاب لسان الميزان للحافظ ابن حجر جوز المعلق على اللسان أن يكون الحسن ابن خليفة جوز أن يكون هو جسر ابن فرقد وقال الخليفة نسب إلى بعض أجداده فبقى ماذا عندنا جسر الحسن كما تصحف فى بعض الروايات فى تفسير الطبرى الحسن جوز يقول فيما يبدو لى أنه أيضا يوجد تصحيف فى ضبطه يقول يجوز ما أجزم الحسن ابن خليفة بيض له ابن أبى حاتم لا يوجد له ترجمة المعلق والنسخة مطبوعة فى الهند يقول يمكن أن يكون الحسن ابن خليفة هو جسر ابن فرقد ولم ينسب إلى أبيه إنما خليفة هذا بعض أجداده ونسب إلى بعض أجداده والعلم عند الله. خلاصة الكلام: الرواية ضعيفة كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام المنذرى وغيره والإمام الهيثمى فقال جسر ابن فرقد ضعيف مع أنه وثقه سعيد ابن عامر وغيره لكن لا تصل الرواية إلى الوضع بحال وفيها شاهد لما ذكرته وهو أن كل ما يدخل الجنة يتمتع بأكثر من زوجتين حيث يعطى لكل واحد كما تقدم معنا قصرا فى الجنة من لؤلؤة فيها سبعون دارا من ياقوتة حمراء فى كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء فى كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش امرأة إلى آخر الحديث فإذن يحصل للمؤمن أكثر من زوجتين فى الآخرة والعلم عند الله جل وعلا.

وهذا المعنى إخوتى الكرام ثابت أيضا فى أحاديث كثيرة منها ما رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط والأثر رواه الإمام ابن مردويه فى تفسيره كما فى الدر المنثور فى الجزء السادس صفحة تسع ومائة وانظروه فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة ثلاث وثلاثين وخمسمائة وقال الإمام الهيثمى فى المجمع لأن الرواية فى معجم الطبرانى الأوسط فى الجزء العاشر صفحة ثمانى عشرة وأربعمائة فيه سعد زربى وهو ضعيف وسعد ابن زربى قال عنه الإمام الذهبى فى الكاشف فى الجزء الأول صفحة خمس وثمانين ومائتين ضعفوه وهو من رجال الترمذى ضعفوه وهو من رجال الإمام الترمذى عليهم جميعا رحمة الله ولفظ الحديث من رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه يقول أنس حدثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حدثنى جبريل على نبينا عليه الصلاة والسلام قال يدخل الرجل على الحوراء فتستقبله بمعانقة والمصافحة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فبإى بنان تعاطيه أى تعاطيه المصافحة والمعانقة بإى بنان تعاطيه وهى عقد الأصابع بإى بنان تعاطيه لو أن بعض بنانها بدى لغلب ضوؤه ضوء الشمس والقمر تقدم معنا هذا المعنى ثابت فى الصحيحين من رواية أنس رضى الله عنه المتقدمة لو بدت لأضاءت ما بين السماء والأرض ولحجب ضوؤها ضوء الشمس فبإى بنان تعاطيه يعنى المعانقة والمصافحة لو أن بعض بنانها بدى لغلب ضوؤه ضوء الشمس والقمر ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها فبينا هو متكىء معها على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه فيظن أن الله جل وعلا قد أشرف على خلقه سبحانه وتعالى فإذا حوراء تناديه يا ولى الله أما لنا فيك من دولة أى من نصيب كما هذه تتمتع بك ينبغى أن يتمتع بك سائر نسائك الحسان أن تتداول بيننا وأن نتداولك ولا تكون مقصورا ومحصورا على واحدة لذلك قال تداولته الأيدى إذا أخذته هذه مرة وهذه مرة وهذه مرة ومنه صار المال دولة أى يتداولونه يكون مرة

عند هذا ومرة عند هذا يا ولى الله أما لنا فيك من دولة فيقول من أنت يا هذه فتقول أنا من اللواتى قال الله تبارك وتعالى ولدينا مزيد لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد فيتحول عندها فإذا عندها من الجمال والكمال ما ليس مع الأولى فبينا هو متكىء معها على أريكته وإذا حوراء أخرى هذه ثالثة الآن زادت على الثنتين تناديه يا ولى الله أما لنا فيك من دولة فيقول من أنت يا هذه فتقول أنا من اللواتى قال الله عز وجل فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون فلا يزال يتحول من زوجة إلى زوجة رواه الطبرانى فى الأوسط ورمز الإمام المنذرى أيضا لضعفه صدره بلفظ روى وقلت فيه زربى كما قلت إخوتى الكرام سعد ابن زربى وهو ضعيف كما قال الإمام الهيثمى فى مجمع الزوائد والآثار فى ذلك كثيرة منها ما هو من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام ومن ما هو من كلام السلف الكرام من الصحابة والتابعين له بإحسان فمن الآثار التى أريد أن أذكر أثرين ضمن هذه الأحاديث ثم ننتقل إلى حديث صحيح ثابت فى الصحيحين إن شاء الله من هذه الآثار أثر كعب الأحبار وكعب الأحبار هو من أئمة التابعين الأبرار وهو مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير نبينا عليه الصلاة والسلام وهو كعب ابن ماتع الحميرى المعروف بكعب الأحبار حديثه مخرج فى السنن الثلاثة فى سنن أبى داود والنسائى والترمذى ورى له الإمام ابن ماجة لكن فى تفسيره لا فى سننه وورد له ذكر فى صحيح مسلم من رواية أبى هريرة عن كعب وورد له ذكر فى صحيح البخارى من حديث بين كعب ومعاوية ابن أبى سفيان رضى الله عنهم أجمعين دون أن يروى عنه البخارى حديثا مرفوعا إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فهو له رواية مرفوعة فى الكتب الثلاثة أبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجة فى تفسيره وله ذكر فى صحيح مسلم وله ذكر فى صحيح البخارى كعب الأحبار وهو ثقة كما قرر الحافظ ابن حجر فى التقريب ثقة مخضرم وقال الإمام الذهبى فى

ترجمته فى السير فى الجزء الثالث صفحة تسعين وأربعمائة كان حسن الإسلام متين الدين من نبلاء العلماء وعليه ما يتكلم بعض الناس فيه وأنه كان يهوديا فأسلم لكن أراد أن يدس أخبار اليهودية فى الإسلام هذا كله من الضلال والأوهام لا ينبغى أن يخطر ببال عباد الرحمن عبد قانت صالح كعب الأحبار وعاش على ما يزيد على مائة سنة وتوفى أواخر خلافة سيدنا عثمان رضى الله عنه وعن الصحابة الكرام له حديث مع معاوية كما تقدم معنا فى صحيح البخارى ليس فى أيام خلافته لكن موته كان فى آخر خلافة عثمان رضى الله عنهم أجمعين وكان يقول كما فى طبقات ابن عساكر لأن أبكى قطرة من خشية الله أحب إلى من أتصدق بوزنى ذهبا فاسمع إلى هذا الأثر من رواية كعب الأحبار والإسناد صحيح إليه لكن من كلامه وهذا لا يقال فيه حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لأنه احتمال أنه أخذه عن أخبار أهل الكتاب وكان يحدث بما فى تلك الصحف على كل حال يقال هذا من الأخبار السماوية إما يعنى مما أخذه عن الصحابة عن خير البرية علي نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وإما عما فى الكتب السابقة لكن تشهد له الأصول التى بين أيدينا من ديننا الثابت الصحيح.

الأثر رواه ابن أبى شيبة فى المصنف فى الجزء الثالث عشر صفحة ست ومائة ورواه هناد ابن الثرى فى الزهد فى الجزء الأول خمس وخمسين عن كعب الأحبار رحمة الله ورضوانه عليه وعلى المسلمين أجمعين قال لو أن امرأة من نساء أهل الجنة بدى معصمها والمعصم هو موضع السوار من الساعد يقال له معصم لو بدى معصمها لأذهب ضوء الشمس وهذا المعنى تقدم معنا ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام لو أن امرأة من نساء أهل الجنة بدى معصمها لأذهب ضوء الشمس وفى رواية فى كتاب الزهد لعبد الله ابن المبارك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عن كعب الأحبار قال لو أن يدا من الحوراء تتدلى ببياضها ولو أن خواتيمها دليت لأضاءت لها الأرض كما تضىء الشمس لأهل الدنيا ثم قال كعب إنما قلت يدها يعنى لو أن يدها تدلت خواتيمها تدلت فكيف بالوجه ببياضه وحسنه وجماله وتاجه بياقوته ولؤلؤه وزبرجده يعنى اليد لو دليت الخواتيم النور الذى يتلألأ فيها يذهب ضوء الشمس وأجمل من ضوء الشمس فى الدنيا فكيف لو بدا الوجه وما فيه من نور وما على الرأس بعد ذلك من تاج بهذه الجواهر الكريمة طيب وماذا فى النار قال ولو أن دلوا من غسلين دليت لمات من ريحها ما بين المشرق والمغرب ولو أن دلوا من غسلين الذى هو طعام أثيم وخيم لا يأكله إلا الخاطئون ولو أن دلوا من غسلين دليت لمات من ريحها ما بين المشرق والمغرب هذا الجمال الذى يكون فى نساء أهل الجنة. إخوتى الكرام: كما قلت لكل رجل أكثر من زوجتين قطعا وجزما والأخبار فى ذلك كثيرة..

هذا أثر ثان عن بعض السلف الكرام وهو أيضا مخضرم ككعب الأحبار وهو كثير ابن مرة ثقة أدرك سبعين بدريا وقد وهم من عده من الصحابة وقد روى له البخارى لكن فى جزء القراءة خلف الإمام لا فى صحيحه وأخرج حديثه أهل السنن الأربعة قال الإمام الذهبى قلت عداده فى المخضرمين ككعب الأحبار أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير نبينا عليه الصلاة والسلام إنما أدرك سبعين من أهل بدر انظروا ترجمته الطيبة فى تهذيب التهذيب وفى تذكرة الحفاظ فى الجزء الأول صفحة واحدة وخمسين وفى سير أعلام النبلاء فى الجزء الرابع صفحة ست وأربعين يقول كثير ابن مرة إن من المزيد لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد إن من المزيد فى الجنة أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول ما تريدون يا أهل الجنة ماذا تريدون أن أمطركم قال فلا يدعون بشىء إلا أمطرتهم والأثر ثابت عن كثير ابن مرة فى كتاب الزهد والرقائق لشيخ الإسلام ابن المبارك صفحة سبعين ورواه عبد الملك ابن حبيب فى كتاب أخبار الفردوس ورواه ابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور فى الجزء السادس صفحة تسع ومائة قال كثير ابن مرة والله لئن أشهدنى الله ذلك إذا من على بالجنة ومرت على السحابة وقالت يا أهل الجنة ماذا تريدون أن أمطركم لئن أشهدنى الله ذلك لأقولن لها أمطرى علينا جوارى مزينات الشاهد كما قلت لكل واحد أكثر من زوجتين ما عنده يريد الزيادة عليه يقول إذا مرت على هذه السحابة وقالت ماذا تريدون أن أمطركم يقول أمطرى جوارى مزينات وكما قلت إخوتى الكرام إذا شوقنا الله إلى ما عنده من إكرام فمن الكمال فينا أن نشتاق لذلك وأن نتطلع إليه ونسأل الله أن يكتب لنا من ذلك النصيب الأوفى أنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين أمطرى علينا جوارى مزينات وكما قلت بعد هذين الأثرين أذكر خبرا فى الصحيحين وهو فى أعلى درجات الصحة وفيه دلالة واضحة ظاهرة على أن المؤمن يتمتع بأكثر من زوجتين ولذلك قلت لا منافاة بين الأعداد ولا منافاة بين

القليل والكثير لدخول القليل فى الكثير والعلم عند الله الجليل. ثبت فى المسند والصحيحين والحديث فى سنن الترمذى ورواه ابن أبى شيبة فى مصنفه ورواه عبد ابن حميد فى مسنده وابن مردويه فى تفسيره وابن حبان فى صحيحه وأبو الشيخ فى كتاب العظمة فى صفحة ست وستين ومائتين ولفظ الحديث من رواية أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه وكما قلت إنه فى الصحيحين عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال إن للمؤمن فى الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها فى السماء ستون ميلا وفى رواية عرضها ستون ميلا وإذا كان عرضها ستون ميلا فالغالب أن يكون الطول أكثر وقلت ستون ميلا يعنى قرابة مائة كيلو متر طول الحجرة عرضها إذا قلت إنها مربعة يعنى مائة كيلو متر فى مائة كيلو متر حجرة خيمة من لؤلؤة مجوفة للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا أخرجه البخارى ومسلم وفى رواية الترمذى إن فى الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا إخوتى الكرام الميل كيلو متر واحد كيلو كما قلت وقرابة الربع يعنى لو قلت ستون تقارب المائة تصبح معنا مائة كيلو أوليس كذلك ستون ميلا مائة كيلو عرضها ستون ميلا فى كل زاوية منها للمؤمن أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم وفى رواية ذكرها رزين إن فى الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلا ما فيها وصم ولا فصم أما الوصم فهو الصدع والعيب أى ما فيها عيب ولا فيها نقص وأما الفصم فهو الكسر من غير فصل إذا كسر الشىء ولم يبن ولم ينفصل يقال له فصم إذا ما أبين فصم ما فيها وصم ولا فصم يعنى لا عيب ولا كسر فى كل زاوية منها للمؤمن أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه فى جنة عدن.

إخوتى الكرام: كما قلت الحديث ثابت فى الصحيحين وغيرهما بعد هذه الأحاديث عندنا حديث طويل لعله سيأخذ صفحتين وقد تأخذ قراءته ساعة مع شىء من التعليق عليه وهو من رواية سيدنا عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه وإسناده صحيح أتكلم عليه فى أول الموعظة الآتية إن شاء الله ففيه وصف لنساء أهل الجنة وفيه أيضا بيان ما يغدق الله على عباده المؤمنين من الجود والفضل والكرم فى جنات النعيم وفيه أيضا إظهار لعدل الله جل وعلا فى عرصات الموقف وساحة الحساب هذا الحديث بطوله ومحل الشاهد منه الذى يتعلق بمبحثنا وصف النساء الحسان فى غرف الجنان لكن الحديث حقيقة مما ينبغى يعنى أن ينتبه له المؤمن لأنه جمع هذه الأمور فيما يتعلق بما يقع فى الفصل ثم بإكرام الله لأوليائه فى دار كرامته ومن جملة ذلك ما فى الحور الحسان من صفات كريمة فى غرف الجنان الحديث كما قلت يأتينا الكلام عليه إن شئتم أن تنظروه فى مجمع الزوائد ونتدارسه إن شاء الله فى الموعظة الآتية إنما إن شئتم أن تراجعوه وأن يعنى تستحضروه قبل الموعظة الآتية فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وسيأتينا من رواه وإسناده صحيح كما قلت فى المجمع فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة أتكلم على هذا الحديث إن شاء الله مع سرده فى الموعظة الآتية إن أحيانا الله ليبقى علينا بعد ذلك بيان كما تقدم معنا عددهن حسبما نقل عن أئمتنا ثم بقى معنا بيان غنائهن ثم بيان لذة التمتع بهن لعلنى أنتهى من هذا بإذن الله فى الموعظة الآتية لننتقل بعد ذلك إلى الحكمة الخامسة إن أحيانا الله. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا.

اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لمن جاوره من المسلمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

75زواج المؤمنين فى جنات النعيم

زواج المؤمنين في جنات النعيم (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان زواج المؤمنين في جنات النعيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام..

لازلنا نتدارس وصف القاصرات فى أحاديث نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه وتقدم معنا أن هذا المبحث ساقنا إليه بحث استطرادى ضمن مباحث النبوة ألا وهو مقاصد النكاح وتقدم معنا من مقاصد النكاح حكمه تذكر لذة الآخرة وعند هذه الحكمة بحثت فى أحوال الحوريات الحسان اللائى يكن فى غرف الجنان فذكرت ما وصفهن به ربنا الرحمن فى آيات القرآن وما ورد من وصفهن فى أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام وباختصار أعطاهن الله الكمال فى خلقهن وفى أخلاقهن فهن مطهرات من كل آفة حسية أو معنوية إخوتى الكرام وعند المبحث فى ذلك تقدم معنا أن الله يمن على عباده الموحدين فى جنات النعيم بعدد كثير عظيم من الحور العين وما ورد من أن الواحد يتزوج زوجتين أو سبعين أو ثنتين وسبعين أو أن له كما تقدم معنا خيمة من لؤلؤة مجوفة له فيها أهلون يطوف عليهن فلا يرى بعضهم بعضا أو أن السحابة تمر كما تقدم معنا فى كلام كثير ابن مرة فتقول يا أهل الجنة ماذا تريدون أن أمطركم فما طلبوا شيئا إلا أمطرتهم إياه قال كثير ابن مرة كما تقدم معنا لئن أشهدنى الله ذلك لأقولن لها أمطرى علينا جوارى مزينات وخلاصة ما قلته حول هذه الأحاديث الثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام أن ذكر القليل لا يتنافى مع الكثير والله يغدق على عباده ما شاؤوا وما أرادوا وما أحبوا لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد وقلت هذا الجواب هو فيما يظهر أسد الأجوبة فى هذا الموطن وفيما يشبهه عندما يرد معنا أعداد مختلفة فالجمع بينها أنه لا تعرض بينها لدخول القليل فى الكثير والعلم عند ربنا الجليل وهذا الجواب هو الذى يميل إليه شيخ الإسلام الإمام النووى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى مثل هذه المباحث وقلت إن هذا الجواب أولى من جواب الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عندما قرر فى الفتح فى الجزء السادس صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة فذهب إلى أن الزوجتين يكونا للموحد المؤمن فى الجنة من أهل

الدنيا زوجتان من أهل الدنيا وما زاد على ذلك فهذا من الحوريات وعليه له اثنتان وسبعون له أكثر من ذلك أربعة آلاف له ما يشاء هذا كله من الحوريات الحسان لكن لكل واحد زوجتان من نساء الدنيا هذا ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر فى الفتح ثم ذكر جوابين آخرين فقال يمكن أن تكون أيضا التثنية من باب التنظير والمشاكلة لقول الله ولمن خاف مقام ربه جنتان ثم قال ذواتا أفنان فيهما عينان تجريان فيهما عينان نضاختان هذه التثنية يقول هنا التثنية أيضا لكل واحد منهم زوجتان لا يراد منها حقيقة العدد إنما يراد المشاكلة بين هذه الصيغة وصيغة عينان تجريان وهناك عيون كثيرة جارية فجاءت التثنية من باب المشاكلة اللفظية ثم استبعد الحافظ ابن حجر هذا ثم ذكر جوابا ثالثا فقال يمكن أن تكون التثنية للتكثير والتعظيم ولا يراد منها حقيقة العدد الذى هو بين الواحد والثلاثة قال وهذا كقولهم لبيك وسعديك لا يريد أننى أطيعك مرة بعد مرة فقط إنما لبيك وسعديك صيغة تثنية والمراد طاعة لك بعد طاعة إلى ما لا نهاية له وإسعادا لك بعد إسعاد إلى ما لا نهاية له من ألب بالمكان إذا أقام على ما يريد الآمر فإذا أنا يعنى طوع أمرك أنفذ ما تريد وأنا عبد لك لبيك فأتى بصيغة التثنية ولا يراد من ذلك العدد المحصور بين الواحد والثلاثة أى طاعة لك بعد طاعة فقط لا طاعة بعد طاعة إلى ما لانهاية له فأنا مطيع لك فى جميع أحوالى فالصيغة صيغة تثنية والمراد منها التكثير والتعظيم هذه ثلاثة أجوبة ذكرها الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا واختار الأول وهو أن ما ورد من زوجتين فهذا من نساء أهل الدنيا والزائد على ذلك من الحور العين وسيأتينا فيما يظهر لى والعلم عند ربى أن هذا القول فيه بعد مع جلالة من قال به لأنه ورد لكل واحد زوجتان من نساء أهل الدنيا وورد له زوجتان من الحور العين وورد ما هو أكثر من ذلك فلابد إذن من أن نجمع لأن هذا كما قلت عددا ولا مفهوم له لا يعنى

أنه إذا حصل له هذا العدد لا يحصل له ما زاد عليه لا ثم لا. وأما الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح فى صفحة ستين ومائة فقد يعنى أبعد كثيرا فى القول فذكر ثلاثة احتمالات لهذه الأعداد المختلفة فى عدد النساء اللائى يتزوج بهن الموحد فى جنات النعيم فقال وهو الاحتمال الأول الذى أورده يقول الأحاديث الصحيحة صرحت بأن لكل منهم زوجتين وليس فى الصحيح زيادة على ذلك هذا الوارد فى الصحيحين مع أنه سيأتينا فى آخر كلامه. وتقدم معنا خبر الصحيحين وهو آخر ما ذكرته حديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه وهو فى المسند وسنن الترمذى أيضا وغير ذلك وإن للمؤمن لخيمة مجوفة من لؤلؤة للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضا إذن ليس زوجتان أهلون فهو يقول أحاديث الصحيحة مصرحة بأن لكل منهم زوجتان ثم قال وأما الأحاديث الزائدة فإن كانت محفوظة نجمع بينها وبين ما فى الصحيح فنقول ما فى الصحيح لكل منهم زوجتان أى الزوجة التى هى زوجة حقيقة سواء من نساء أهل الدنيا أو من الحوريات وما زاد على ذلك فهو من السرارى والإماء والخدم ولسن من باب الزوجات هذا الجواب الأول يقول إن ثبت هذا فى الأحاديث وصحت فهذا الزيادة على الزوجتين على الثنتين هن من باب السريات من باب الإماء من باب الخدم لا أنه زوجات. ثم أورد احتمالا ثانيا أبعد من الأول بكثير فقال لعل النبى عليه الصلاة والسلام ذكر أن كل واحد له زوجتان ويعطى قوة سبعين أو أكثر فى الجماع مع إنه ليس له إلا زوجتان فتصرف بعض الرواة فى حديث نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام فبدل من يقول أنه يعطى قوة سبعين قال يزوج بسبعين فقال هذا لعله من باب تصرف الرواة.

ثم الاحتمال الثالث الذى ذكره قال لعل هذا التفاوت فيما بينهم إن ثبتت به الأحاديث وهى ثابتة لتفاوتهم فى الدرجات فبعضهم له زوجتان وبعضهم له اثنتان وسبعون وبعضهم له سبعون وبعضهم أربعة آلاف على حسب درجاته ومنزلته عند ربه جل وعلا وختم الكلام بقوله ولا ريب بأن للمؤمن أكثر من اثنتين لحديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه. وأنا أقول معلقا على كلام شيخ الإسلام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أما الاحتمال الأول الذى ذكره وهو أن الأحاديث الصحيحة صرحت بأن لكل واحد زوجتين والزائد كما قلت إن ثبت فنقول هذا من باب السريات والإماء فأقول لا فارق بين أحاديث الصحيحين وغيرهما إذا صحت فإذا صحت الكل كلام النبى عليه الصلاة والسلام ينبغى أن نأخذ به والأحاديث الصحيحة سواء كانت فى المسند أو فى الصحيحين إذا صحت فلا داعى بعد ذلك أن نقول ما فى الصحيحين يحمل على أنه زوجة وما فى المسند يحمل على أنه سرية تقدم معنا أحاديث صحيحة متعددة بأن للمؤمن أكثر من زوجتين فى جنات النعيم فهذا الاحتمال بعيد. وأبعد منه فتح باب توهيم الرواة وتخطئتهم بدون بينة ولا برهان لا يعول عليه ولا يجوز أن نفتح هذا الباب قطعا ولا يحل لنا أن نقول به يقول لعل الرواة أخطأوا وتصرفوا بدل من أن يقولوا يعطى الواحد قوة سبعين قالوا يعطى سبعين زوجة هذا فى الحقيقة كما قلت فتح باب تخطئة الرواة بدون مبرر خطأ.

الأمر الثالث قوله يتفاوتون فى المنزلة نعم يتفاوتون وإذا تفاوتوا فلكل واحد على حسب منزلته لكن لا يعنى أن واحد منهم يقتقر على زوجتين لا يتفاوتون الجواب المعتمد أن نقول ذكر القليل لا يتنافى مع الكثير ثم هم يتفاوتون فى ذلك لا مانع أن يكون عند بعضهم عشرة آلاف وعند بعضهم ألف لكن ليس الواحد واحد منهم له زوجتان فقط لا الأحاديث صرحت بأنه كما تقدم معنا أدنى أهل الجنة له اثنتان وسبعون كما تقدم معنا ويوجد أعداد زائدة فلا يجوز إذن نقول يتفاوتون فبعضهم زوجتان بعضهم اثنتان وسبعون بعضهم مائة بعضهم ألف لا ثم لا نقول ذكر القليل لا يتنافى مع الكثير ثم هم يتفاوتون حتما فيما بينهم على حسب رغبتهم فإذا كان الواحد منهم ككثير ابن مرة رضى الله عنه وأرضاه يريد أن تمطره السحاب جوارى مزينات يعطيه الله من الحوريات ما شاء وإذا كان الواحد منهم لا يريد عددا كثيرا على حسب ما يطلب لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد. إخوتى الكرام: والأحاديث الصريحة الصحيحة فى ذلك كثيرة فيأتينا بعد حديث عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه أننى ذكرته وقلت الذى ذكرته فى آخر الموعظة المتقدمة وقلت سأقرأه من الكتاب يأخذ معنا صفحتين بعده سأذكر عدة أحاديث منها ما يتعلق بالشهداء بأن الواحد منهم له أكثر من زوجتين وهذا ثابت عن نبينا سيد الكونين على نبيناوآله وصحبه صلواته الله وسلامه.

إخوتى الكرام: الحديث كما قلت فى مجمع الزوائد وقلت لكم انظروه فى الجزء العاشر فى صفحة أربعين وثلاثمائة إلى صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة الحديث أورده فى قرابة الصفحتين ونصف والحديث كما سيأتينا إخوتى الكرام حديث صحيح ثابت عن نبينا صلى الله عليه وسلم رواه الإمام الطبرانى من طرق فى معجمه الكبير ورجال أحدها رجال الصحيح كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء العاشر صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة قال غير أبى خالد الدالانى وهوثقة جميع رجال الإسناد رجال الصحيح غير أبى خالد الدالانى وهو ثقة وسأتينا ذكر أبى خالد الدالانى وترجمته إن شاء الله وقد نص شيخ الإسلام الإمام الهيثمى على تصحيح هذا الحديث فى مكانين فى هذا المكان الذى ذكرته لكم فى باب جامع فى البعث وذكره بعد ذلك أيضا فى باب أدنى أهل الجنة منزلا وآخر من يدخلها ثم قال تقدم حديث صحيح طويل رواه ابن مسعود رضى الله عنه وأرضاه ذكرته فى جامع فى البعث أى فى باب فيما يتعلق بأمر البعث.

والحديث صححه شيخ الإسلام الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة ست وخمسمائة وعزاه إلى الطبرانى فى معجمه الكبير كما هنا وإلى ابن أبى الدنيا وإلى مستدرك الحاكم ثم قال الإمام المنذرى هكذا رىو عن ابن مسعود رضى الله عنه مرفوعا يعنى إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وأحد طرق الطبرانى رجاله رجال الصحيح إسناده صحيح واللفظ له اللفظ الذى ساقه فى الترغيب والترهيب ثم نقل عن الحاكم فى المستدرك قال وقال الحاكم صحيح الإسناد قال الإمام المنذرى وهو فى صحيح مسلم بنحوه باختصار عنه يعنى هذا الحديث مروى فى صحيح مسلم مختصرا ورواية الحاكم انظروها فى المستدرك فى الجزء الرابع صفحة تسع وثمانين وخمسمائة إلى اثنتين وتسعين وخمسمائة قال الإمام الحاكم فى المستدرك رواة هذا الحديث ثقات عن آخرهم غير أنهما يعنى الشيخين البخارى ومسلم لم يخرجا لأبى خالد وهو أبو خالد الدالانى وسيأتينا ترجمته يقول لم يخرجا لأبى خالد لما ذكرته من انحرافه عن السنة فى ذكر الصحابة كان أحيانا يعنى عندما يذكرهم لا يقف موقف أهل السنة الكرام نحو الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قال الإمام الحاكم فأما الأئمة المتقدمون فكلهم شهدوا له بالصدق والإتقان والحديث صحيح والحديث رواه مع من تقدم ذكرهم الطبرانى فى معجمه الكبير وابن أبى الدنيا والحاكم ورواه اسحاق ابن راهويه فى مسنده كما فى المطالب العالية لشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر فى الجزء الرابع صفحة سبع وستين وثلاثمائة وقال هذا إسناد صحيح متصل رجاله ثقات هذا كلام الحافظ ابن حجر فى المطالب العالية عزاه لاسحاق ابن راهويه والحديث أيضا رواه الإمام عبد الله ولد سيدنا الإمام أحمد ابن حنبل عليهم جميعا رحمة الله فى كتاب السنة فى الجزء الثانى صفحة عشرين وخمسمائة ورواه الإمام الدارقطنى فى كتاب الرؤيا انظروه فى خمس صفحات برواياته وأسانيده من صفحة خمس وثلاثين ومائة إلى صفحة أربعين ومائة ورواه

الإمام الآجورى فى كتاب الشريعة صفحة أربع وستين ومائتين ورواه البيهقى فى البعث والنشور صفحة اثنتين وخمسين ومائتين ورواه عبد ابن حميد فى مسنده وابن مردويه فى تفسيره كما فى الدر المنثور فى الجزء السادس صفحة ست وخمسين ومائتين. فإذن رواه جم غفير الطبرانى فى المعجم الكبير ابن أبى الدنيا الحاكم فى المستدرك إسحاق ابن راهويه عبد الله ابن الإمام أحمد فى كتاب السنة الدارقطنى فى الرؤيا البيهقى فى البعث والنشور الآجورى فى الشريعة أوليس كذلك عبد ابن حميد فى مسنده ابن مردويه فى تفسيره وصححه جم غفير من أئمتنا الحاكم والمنذرى والهيثمى وشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر عليهم جميعا رحمة الله جل وعلا ولفظ الحديث إخوتى الكرام أذكره بطوله وإن كان يعنى محل الشاهد منه مختصر لكن لا أريد أن أفصل هذا المختصر الذى هو محل الشاهد عن هذا الحديث وهذا الحديث يذكرنا بما سنقابله عند بعثنا وحشرنا ونشرنا ونسأل الله أن يحسن ختامنا وأن يجعل خير أيامنا يوم لقاه أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ونحن إخوتى الكرام لا زلنا كما قلت فيما يشوق فى الجنة وفيما يكون فيها وهذا كذلك يبين لنا ما لله من فضل على عباده المؤمنين وما يظهر منه من عدل بين الخلق أجمعين عندما يجمعهم ليوم تشخص فيه الأبصار وأئمتنا كانت الآخرة دائما نصب أعينهم وتقدم معنا عددا من الصالحين عندما شوقوا اشتاقوا فرأوا الحور العين تقدم معنا هذا عدد من الصالحين وكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين قلوبهم متعلقة بالآخرة يعنى الواحد منهم إذا نام تراه بعد ذلك فى عرصات الموقف وفى غرف الجنان وهذا كان يقع بكثرة يعنى للرجال وللنساء أيضا فى العصر الأول لطهارة القلوب يتذكرون الدار التى سيأولون إليها وهى الدار الثالثة التى سيمكثون فيها ولا ينتقلون.

والإنسان يسكن فى ثلاثة دور فى دار الدنيا وهى عاجلة زائلة فى دار البرزخ وهى حاجز بين الدنيا والآخرة ثم فى دار البقاء إما فى جنة وإما فى نار نسأل الله حسن الخاتمة الصحابة هممهم تتعلق بذلك. فهذا الحديث يذكرنا بما يستقبلنا فلعلنا بعد ذلك نشغل أنفسنا بما سنؤول إليه فيصبح حالنا كحال سلفنا رضوان الله عليهم أجمعين يروى الإمام أحمد فى كتاب المسند عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وانظروه إن شئتم فى المسند إخوتى الكرام فى الجزء الثالث صفحة خمس وثلاثين ومائة وصفحة سبع وخمسين ومائتين أورده فى مكانين من مسند سيدنا أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه والأثر رواه الإمام النسائى فى السنن الكبرى وأبو يعلى فى مسنده ورواه البيهقى فى دلائل النبوة إن شئتم انظروه فى الدلائل فى الجزء السابع صفحة سبع وعشرين ورواه الإمام الضياء المقدسى فى كتاب صفة الجنة وصحح إسناده كما رواه عبد ابن حميد فى مسنده وقد حكم على إسناده شيخ الإسلام الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء السابع صفحة خمس وسبعين ومائة فقال رجال إسناده رجال الصحيح والحديث كما قلت يعنى يحرك هممنا لأن نشتاق إلى ما عند ربنا يقول أنس رضى الله عنه وأرضاه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الصالحة فكان أحيانا يقول لأصحابه عليه صلوات الله وسلامه ورضى الله عن الصحابة أجمعين أيكم رأى رؤيا فإذا عرض أحدهم عليه رؤياه سأل عنه فإن قالوا لا بأس به يعنى هو من الصالحين كان رسولنا صلى الله عليه وسلم أعجب لرؤياه يعنى يعجب بها ويطمئن إليها فمرة سأل أصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين وعلى نبينا وآله وصحبه صلواته وسلامه عن رؤيا رأوها فقالت امرأة رضى الله عنها وأرضاها رأت كأنها دخلت الجنة انظر لهذه الهمة العالية العلية قالت دخلت الجنة فسمعت وجبة فيها ارتجت منها الجنة بأثرها دخلت ووقع فيها وجبة يعنى صيحة ووقعة مثل صاعقة فالجنة ارتجت يقول فجىء باثنين عشر رجلا من

أصحابك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام وسمتهم واحدا واحدا وكان هؤلاء قد أرسلهم نبينا عليه الصلاة والسلام ضمن بعث للغزو فى سبيل الله فسمت اثنى عشر من هذا البعث أنهم جىء بهم إلى الجنة تقول عليهم ثياب طلس أى مخضرة بالية قديمة تشخب أوداجهم تسيل الدماء منهم فلما جىء بهم إلى الجنة حصلت هذه الوجبة هذه الرجفة ارتجت الجنة أمر بهم فأخذوا إلى نهر فى الجنة فغسلوا فيه فخرجوا أضوء من القمر ليلة البدر ووضعت لهم كراسى من ذهب فجلسوا عليها وقدمت لهم صحفة إناء وقصعة تقول فيها بسرة والبسر هو التمر قبل أن يصبح رطبا بسرة فيها بسرة واحدة يقول فأكلوا منها من فاكهة ما أرادوا أى فاكهة يريدون من هذه البسرة يأكلون تفاحا موزا برتقالا أى فاكهة يقلبون البسرة تتشكل بأشكال الفاكهة ويأكلون قالت وأكلت معهم يا رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه المرأة والحديث كما قلت إسناده صحيح فى هذه الكتب فنبينا عليه الصلاة والسلام يعنى علم ما أريد بالرؤيا ولم يتكلم عليه صلوات الله وسلامه فلم يلبث إلا قليلا حتى جاء البشير فأخبر نبينا عليه الصلاة والسلام بحصول النصر واستشهاد اثنى عشر رجلا من أصحابه سماهم كما سمتهم المرأة فدعا النيى عليه الصلاة والسلام المرأة وقال قصى على هذا رؤياك فقصت عليه الرؤيا ومن قتل وكيف تشخب أوداجهم فقال هذا الرجل الذى كان فى البعث والله يا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما أخطأت مما وقع شيئا كأنها ترى الأمر رؤيا عيان ونقلوا بعد ذلك إلى غرف الجنان.

حقيقة المنام ينبغى أن يكون مطية لنا إلى ذى الجلال والإكرام إذا نام الإنسان يجتمع مع أحباب الله مع أولياء الله مع الملائكة الكرام مع الأنبياء العظام على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه مع الحور الحسان كما هو حال السلف الكرام عندما ينام ينتقل من روضة إلى روضة كان فى خير فى الدنيا فانتقل إلى خير بعد ذلك فى عالم الرؤى فهذا الحديث كما قلت الطويل يذكرنا بما يقع أمامنا وهو حديث صحيح استمعوا إليه إخوتى الكرام وعن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم بارزة لا تتحرك ولا تغمض شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء يقفون أربعين سنة فى عرصات الموقف وساحة الحساب عند البعث أربعين سنة أبصارهم بارزة شاخصة ينتظرون فصل القضاء قال وينزل الله عز وجل فى ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسى ثم ينادى مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذى خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولى كل إنسان منكم ما كان يعبد فى الدنيا أليس ذلك عدلا من ربكم من كان يعبد شيئا يتولاه ويكون معه فى الآخرة أليس ذلك عدلا من ربكم خلقكم ورزقكم وأمركم بعبادته أنت وما اخترتم فمن عبد شيئا فى الدنيا يكون معه فى الآخرة أليس هذا عدلا من الله بلى فيقول أهل الموقف قالوا بلى هذا عدل من الله كل واحد يكون مع من عبده ويتولاه فى الآخرة كما عبده فى الدنيا قالوا بلى قال فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويقولون فى الدنيا يعنى ويعتقدون فى الدنيا ماذا كانوا يعبدون يقولون يعتقدون فى الدنيا ينطلقون إليه قال فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس ومنهم من ينطلق إلى القمر والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون قال ويمثل لمن كان يعبد عيسى على نبيناو عليه الصلاة والسلام شيطان عيسى حتما لن يكونوا معه وهو ما

أمرهم بعبادته وهو برىء منهم ومن عبادتهم ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير ويبقى سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ويبقى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال فيتمثل الرب تبارك وتعالى فيأتيهم فيقول ما لكم لا تنطلقون كانطلاق وفى رواية كما انطلق الناس لم َ لم تذهبوا كما ذهب الناس إلى أوثان وشمس وقمر وشيطان فى صورة شيطان عيسى وشيطان عزير على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه لم َ لم تنطلقون كانطلاق الناس فيقولون إن لنا لإلها ما رأيناه نحن عبدنا إلها ما رأيناه لنذهب إليه لنكون معه فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه فيقولون إن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناه قال فيقول ما هى فنقول فيقول المسلمون الموحدون يكشف عن ساقه قال فعند ذلك يكشف عن ساقه فيخر كل من كان نظره يعنى نظر إليه ورآه وشاهده من رأى الله عندما كشف عن ساقه سجد له ويبقى قوم ظهورهم كصياصى البقر يعنى كقرون البقر صلبة لا تستطيع أن تنحنى ولا تميل ولا تسجد يريدون السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون وهذا كما قال الله جل وعلا فى آخر سورة ن والقلم: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون* خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون} .

وقد ثبت فى مسند الإمام أحمد والصحيحين وغيرهما من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة فمن كان يعبد الله عرف الله بهذه العلامة وخر له ساجدا نسأل الله أن يمن علينا بذلك أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ومن كان يعبد الله نفاقا ورياء يريد أن يسجد فيصبح ظهره طبقا كالجدار إذا أراد أن يسجد خر إلى قفاه فى الجهة المقابلة ويصبح كما معنا هنا قوم ظهورهم كصياصى البقر كقرون البقر لا تميل ولا تنحنى ولا تسجد وهذا كما ثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام نقره ونمره كما تقدم معنا الكلام فى هذا مرارا إخوتى الكرام قلت صفات الله إقرار وإمرار ليس كمثله شىء وهو السميع البصير ولا ندخل عقولنا فى صفات ربنا سبحانه وتعالى العقل ما ينبغى أن يدخل فى هذه الأمور إنما ندرك أصل المعنى ونفوض كيفيته وحقيقته إلى المتصف به آمنا بالله وبما جاء على الله على مراد الله وآمنا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء عن سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام على مراد سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا لا بد من أن يرسخ فى أذهاننا إخوتى الكرام إقرار وإمرار ليس كمثله شىء هذا رد للتمثيل والتشبيه وهو السميع البصير رد للتحريف والنفى والتعطيل فمن عطل عبد عدما ومن مثل عبد صنما فإياك أن تنفى وإياك أن تفهم من صفات الله ما تفهمه من صفاتك فالله ليس كمثله شىء فى ذاته وصفاته وأفعاله ليس كثله شىء وهو السميع البصير سبحانه وتعالى وإذن هذا هو المعنى يوم يكشف عن ساق يكشف ربنا عن ساقه وما ورد فى تفسير الطبرى ومسند إبى يعلى من رواية أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال فى تفسير هذه الآية يوم يكشف عن ساق قال يكشف ربنا عن نور عظيم فيسجد له المؤمنون الحديث إخوتى الكرام كما قال الحافظ ابن حجر إسناده ضعيف وقال الإمام ابن كثير فى تفسيره فى

الجزء الرابع صفحة ثمان وأربعمائة قال فى إسناده رجل مبهم وانظروا كلام الحافظ فى الفتح فى الجزء الثامن صفحة أربع وستين وستمائة الحديث مع ضعف إسناده لا يتنافى ويتعارض مع ما ثبت فى الصحيحين وغيرهما من كشف ربنا عن ساقه بكيفية يعلمها ولا نعلمها سبحانه وتعالى لأننا نقول إذا كشف الله عن ساقه ظهر نور عظيم فسجد المؤمنون الموحدون وما ثبت عن حبر الأمة وبحرها سيدنا عبد الله ابن عباس سيدنا عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما ونقل هذا عن جم غفير من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين أن المراد من تفسير قول الله يوم يكشف عن ساق قال يوم كرب وشدة يعنى تحصل الكروب والشدائد والأهوال وشدة الامتحان لا يتنافى أيضا مع الأمرين المتقدمين وعليه اجمع بين الأمور الثلاثة إذا كشف ربنا عن ساقه ظهر نور عظيم فحصل كرب وشدة لأهل الموقف أما المؤمن الموحد يسجد لله كما كان يسجد فى هذه الحياة وأما من عداه يصبح ظهره كما تقدم معنا كقرون البقر كصياصى البقر طبقا كأنه جدار لا يستطيع أن يسجد والعلم عند الله جل وعلا إذن ثم يقول ربنا جل وعلا ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ومنهم من يعطى مثل النخلة بيده ومنهم من يعطى أصغر من ذلك إذن جبل أصغر من جبل كالنخلة أصغر من النخلة حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدميه يضىء مرة ويطفىء مرة يعطى نور على إبهام قدميه والإبهام معروفة الأصبع الأولى العريضة فى الرجل إبهام يعطى نور على إبهام قدميه فقط فليس فى جسمه نور من رأسه إلى رجليه إلا على إبهاميه فإذا أضاء قدم قدمه استطاع أن يمشى فى تلك الظلمات وإذا طفىء قام وقف مبهوتا مشدوها لا يدرى ماذا يعمل قال والرب تبارك وتعالى أمامهم لأن هذه نار جهنم وهذا هو الموقف والصراط فوق نار جهنم سينتهون إلى الجنة إلى لقاء الله جل وعلا

قال فيقول مروا على هذا الصراط الذى هو فوق نار جهنم فيمرون على قدر نورهم منهم من يمر كطرفة العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنهم يمر كانقباض الكوكب ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كشد الفرس الفرس المسرعة ومنهم من يمر كشد الرجل الرجل الذى يركض وهو قوى حتى يمر الذى يعطى نوره على ظهر قدميه يحبو على وجهه ويديه ورجليه هذا ما يستطيع أن يركض كشد الرجل ومن باب أولى كشد الفرس والريح والصفات التى سبقت ذلك نور على إبهامى قدميه فهذا يحبو على وجهه ويديه ورجليه تخر يد وتعلق يد وتخر رجل وتعلق رجل وتصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها فقال الحمد لله الذى أعطانى فقد أعطانى الله ما يعط أحدا إذ نجانى منها بعد إذ رأيتها قال فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتس فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانه فيرى ما فى الجنة من خلل الباب أولئك سبقوه ودخلوا وتنعموا فيقول رب أدخلنى الجنة فيقول الله أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار فيقول رب اجعل بينى وبينها حجابا لا أسمع حسيسها قال فيدخل الجنة ويرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأنه ما هو فيه إليه حل فيقول رب أعطنى ذلك المنزل فيقول له لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره وأنى منزل أحسن منه وأى منزل أحسن منه فيعطاه فينزله ويرى أمام ذلك منزلا آخر كأن ما هو فيه إليه حلم ذاك أيضا فيه من الزينة والنعيم أعظم مما أخذه قال رب أعطنى ذلك المنزل فيقول الله تبارك وتعالى له فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك يا رب حلف سابقا والآن يحلف وأنى منزل يكون أحسن منه فيعطاه وينزله ث يسكت فيبتدأه الآن أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين فيقول الله جل ذكره مالك لا تسأل يعنى سألت مرتين والآن انقطعت عن السؤال لم َ فيقول رب قد سألتك حتى استحييتك وأقسمت حتى استحييتك قلت وعزتك لا أسأل مرتين ثم سألت فيقول الله جل ذكره ألم ترض أن أعطيك مثل

الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه فيقول أتهزأ بى وأنت رب العزة فيضحك الرب تبارك وتعالى من قوله قال فكان عبد الله ابن مسعود إذا بلغ هذا المكان من الحديث ضحك فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث هذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان ضحكت قال إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث هذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه عليه صلوات الله وسلامه قال فيقول الرب جل ذكره لا أستهزأ بك والله سبحانه وتعالى حكم عدل لا أستهزأ بك ولكنى على ذلك قادر يعنى إذا أعطيتك الدنيا منذ أن خلقتها إلى أن أفنيتها وعشرة أضعافها يعجزنى ذلك يصعب على يمتنع على لا أستهزأ بك ولكنى على ذلك قادر سل فيقول رب ألحقنى بالناس من سبقونى وحطوا رحالهم فى جنات النعيم وأن لا زلت بعيدا عنهم ألحقنى بهم فيقول الله له ألحق بالناس قال فينطلق يرمل فى الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدا فيقال له ارفع رأسك مالك فيقول رأيت ربى أو تراءى لى ربى فيقال له إنما هو منزل من منازلك قال ثم يلقى رجلا فيتهيأ للسجود له فيقال له مه فيقول رأيت انه ملك من الملائكة فيقوا إنما أنا خادم من خدامك وعبد من عبيدك تحت يدى ألف كهرمان وهو الخادم والأجير على مثل ما أنا عليه قال فينطلق أمامهم حتى يفتح له القصر قال وهو من درة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء فيها سبعون بابا كل باب يفضى إلى جوهرة خضراء مبطنة كل جوهرة تفضى إلى جوهرة على غير لون الأخرى فى كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف وهن الإماء والخدم أدناهن هذه أقلهن شأنا من أزواجه حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها يرى هذا الإنسان يرى مخ ساقها من رواء حللها كبدها مرآته إذا أعرض عنها إعراضة ازدات فى عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك فيقول لها والله لقد ازددت فى عينى

سبعين ضعفا وتقول له وأنت ازددت فى عينى سبعين ضعفا فيقال له أشرف تطلع إلى غير هذا المكان الذى أنت فيه وفى هذه البهجة فيشرف وينظر ويتطلع يمد عينيه فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصرك فقال عمر رضى الله عنه وأرضاه سيدنا أبو حفص الفاروق ثالث الخلفاء الراشدين ألا تسمع ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب وهو كعب الأحبار ألم تسمع إلى هذا الحديث الذى يحدثنا به عبد الله ابن مسعود عن نبينا المحمود عليه الصلاة والسلام ألا تسمع ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا هذا أدنى أهل الجنة له بمقدار الدنيا منذ أن خلقت إلى أن تفنى وعشرة أمثالها وله بعد ذلك زيادة ملك مائة عام ينفذه بصره ويحيط بجميع أطرافه جهاته فقال عمر ألا تسمع ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا فكيف أعلاهم فقال كعب يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت إن الله جل ذكره خلق دارا جعل فيها ما شاء من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة.

ثم قرأ كعب على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} قال كعب وخلق الله دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه ثم قال من كتابه فى عليين نزل فى تلك الدار التى لم يرها أحد حتى إن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير فى ملكه فلا تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه فيستبشرون بريحه فيقولون واه لهذا الريح هذا ريح رجل من أهل عليين وقد خرج يسير فى ملكه قال سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت أى انبسطت بالأمل والرجاء فلا بد أيضا من تقاد بسياط الخوف فاقبضها فقال كعب رضى الله عنهم أجمعين يا أمير المؤمنين إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبى مرسل إلا خر لركبتيه حتى إن إبراهيم خليل الله ليقول رب نفسى نفسى حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت إلا تنجو وفى رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الناس لرب العالمين ألف سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء رواه كله الإمام الطبرانى من طرق ورجال أحدها رجال الصحيح غير إبى خالد الدالانى وهو ثقة. الشاهد فيه إخوتى الكرام: إن هذا الذى هو أقل أهل الجنة منزلا وهو آخرهم دخولا كما تقدم معنا عندما يدخل قصره من درة مجوفة سقائفها وأبوابها ومغاليقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء فيها سبعون بابا كل باب يفضى إلى جوهرة خضراء مبطنة كل جوهرة تفضى إلى جوهرة غير لون الأخرى فى كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها هذا أدنى أهل الجنة منزلا فما هو جزاء الأعلى والأكثر.

إخوتى الكرام: هذا الحديث كما قلا صححه عدد من أئمتنا كما تقدم معنا الإمام الهيثمى والمنذرى والحافظ ابن حجر عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه الإمام الذهبى علق فى تلخيص المستدرك على هذا الحديث فقال ما أنكره حديثا على جودة إسناده ثم قال وأبو خالد هو الدالانى شيعى منحرف. إخوتى الكرام: هذا الكلام الذى قاله الإمام الذهبى عليه رحمة الله ينبغى أن ننظر فيه ضمن ثلاثة أمور. أولها: أما أبو خالد فهو يزيد ابن عبد الرحمن الدالانى قال الحافظ ابن حجر فى ترجمته فى التقريب صدوق يخطىء كثيرا وكان يدلس وقد أخرج حديثه أهل السنن الأربعة وقال الذهبى فى ترجمته فى الكاشف فى الجزء الثالث صفحة تسعين ومائتين وثقه أبو حاتم وقال ابن عدى فى حديثه لين وتقدم معنا أن الإمام الهيثمى قال رجال الإسناد كلهم رجال الصحيح غير أبى خالد الدالانى وهو ثقة وأبو حاتم الهيثمى وثقه ابن عدى يقول فى حديثه لين ولذلك حكم الحافظ ابن حجر عليه حكا وسطا فقال صدوق يعنى حديثه فى درجة الحسن قال الإمام ابن حجر فى تهذيب التهذيب فى الجزء الثانى عشر صفحة اثنتين وثمانين فى تراجم الكنى وأسماء الرجال من تراجم الرجال قلت قال الإمام أحمد لا بأس به إذن هذا العبد وهو أبو خالد الدالانى نقم عليه التشيع وقلت لكم إخوتى الكرام مرارا التشيع الذى يوصف به من يوصف من المتقدمين من رواة الحديث تقديم على على غيره من الصحابة رضى الله عنهم أجمعين وقلت هذا مع شناعته وعدم قبوله لكن ليس فى ذلك يعنى ما يوجب بعد ذلك رد رواية هذا الإنسان لأنه ما انتقص أحدا من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فما وقع فى عرض أحد إنما قال هذا القول المبتدع فى تقديم على وتفضيله رضى الله عنه وعن سائر الصحابة أجمعين.

الأمر الثانى: لم ينفرد أبو خالد الدالانى فى هذه الرواية وعليه زال المحذور الذى نخشاه من يعنى مما قيل فيه من كلام فإذا قال ابن عدى فى حديثه لين هذا المحذور زال مطلقا ولا عبرة بهذا المحذور على الإطلاق لوجود متابع له زيد ابن أبى أنيسة تابع أبا خالد الدالانى وهو يزيد ابن عبد الرحمن تابعه فى الرواية عن المنهال ابن عمرو, المنهال ابن عمرو روى عنه أبو خالد الدالانى وزيد ابن أبى أنيسة هذا الحديث ورواية زيد ابن أبى أنيسة عن المنهال من دون طريق أبى خالد الدالانى هى التى رواها عبد الله فى كتاب السنة ولد الإمام أحمد والإمام البيهقى فى كتاب البعث إذن الحديث روى من طريقين من طريق زيد ابن أبى أنيسة ومن طريق أبى خالد الدالانى فى طريق الحاكم أبو خالد الدالانى فى طريق الحاكم وفى أحدى طرق الطبرانى أبو خالد الدالانى لكن عندنا طريق آخر فيه زيد ابن أبى أنيسة عن المنهال ابن عمرو عن أبى عبيدة عن مسروق عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنهم أجمعين فالشيخ وهو المنهال ابن عمرو روى عنه هذان التلميذان أبو خالد الدالانى وزيد ابن أبى أنيسة وزيد ابن أبى أنيسة ثقة من رجال الكتب الستة توفى سنة تسعة عشرة ومائة وقيل سنة أربع وعشرين ومائة وإذا حذفت هذا خالد الدالانى ووضعت مكانه زيد ابن أبى أنيسة فرجال الإسناد كلهم على شرط الصحيح لأنه تقدم معنا رجاله رجال الصحيح غير أبى خالد الدالانى فاحذف أبا خالد وضع بدله زيد ابن أبى أنيسة وهو من رجال الكتب الستة وثقة وليس حوله كلام وعليه المحذور الذى يخشى من تفرد أبى خالد الدالانى بالرواية لو تفرد زال لوجود هذا المتابع على أن الحديث له طرق أخرى من غير زيد ابن أبى أنيسة ومن غير أبى خالد الدالانى عند الدارقطنى فى كتاب الرؤيا وعند الآجورى فى الشريعة انظروا المكانين المتقدمين فى الشريعة للآجورى وفى الرؤيا للإمام الدار قطنى حددت مكان وجود الحديث.

الأمر الثالث: ليس فى الحديث ما يستنكر إسناده ثابت ومتنه ثابت فى أحاديث صحيحة كثيرة فما الداعى للقول ما أنكره حديثا على جودة إسناده ما الداعى لكل فقرة من فقراته شواهد ثابتة فى الأحاديث الصحيحة الثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام ولذلك أشار المنذرى إلى هذا فبعد أن رواه قال وقد روى هذا الحديث أيضا مختصرا عن عبد الله ابن مسعود فى صحيح مسلم وروى ما يشهد لفقراته فى الصحيحين وغيرهما من رواية أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى رضى الله عنهم أجمعين انظروا بعض هذه الروايات وفيها شواهد لهذا الحديث فى جامع الأصول فى الجزء العاشر صفحة ثمان وثلاثين وأربعمائة وست وأربعين وأربعمائة وثلاث وخمسين وخمسمائة وهى روايات فى الصحيحين منها رواية هذين الصحابيين أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى رضى الله عنهم أجمعين فما هو الذى يستنكر يعنى ما الذى يستنكر ما أعلم ما الذى يستنكر منه ما يوجد فقرة من فقراته إلا ولها شواهد ثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم ولذلك إخوتى الكرام الحديث لا ينزل عن درجة الحسن بل هو صحيح كما نص على ذلك شيخ الإسلام الهيثمى وقبله المنذرى وبعدهما الحافظ ابن حجر عندما قال رواه إسحاق ابن راهويه وإسناده صحيح فالحديث صحيح إن شاء الله والعلم عند الله جل وعلا.

هذا حديث كما قلت إخوتى الكرام يقرر معنى ما تقدم أن للمؤمن أكثر من زوجتين فهذا أقل أهل الجنة منزلا له سرر وعليها أزواج فى هذه الدرة المجوفة وهو يطوف عليهن ولا يرى بعضهم بعضا وهذا وارد فى أحاديث كثيرة بأنه من يدخل الجنة يتمتع بأكثر من زوجتين ولا داعى أن نقول كما تقدم معنا زوجتان من نساء أهل الدنيا والزائد من الحور العين ولا داعى أن نقول له زوجتان وما زاد إما من باب الخدم والإماء وإما من باب خطأ الرواة وإما وإما فى التصرف معنا لا داعى لهذا الجواب المعتمد كما قلت هذا مفهوم عدد ولا يتعارض ولا منافاة بن ذكر القليل والكثير والعلم عند الله الجليل فاستمع للروايات التى سأذكرها وكما صرحت روايات صحيحة بأن للواحد زوجتان من نساء الدنيا صرحت أيضا له زوجتان من الحور العين إذن ما زاد من الحور العين لا يتعارض مع هذا وما زاد من نساء الدنيا لا يتعارض أيضا مع ذاك ولا داعى أن نقول زوجتان من نساء أهل الدنيا والزيادات من الحور العين لا ثم لا لأنه ورد التصريح بأن الزوجتين من نساء الدنيا ومن الحور العين من كلام نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام وعليها الزائد نقول لا يتعارض لدخول القليل فى الكثير أما إذا قلت أحد العددين من نساء أهل الدنيا عندما تأتيك الرواية بأن الزوجتين من الحور العين وقعت فى معارضة أوليس كذلك.

وقلت هذا ثابت فى أحاديث كثيرة منها إخوتى الكرام ما ثبت فى مسند الإمام أحمد والحديث فى الجزء الثانى صفحة خمس وأربعين وثلاثمائة وأعاده فى صفحة سبع وخمسمائة من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين هناك زوجتان من نساء الدنيا وهنا زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب زوجتان من الحور العين زوجتان من نساء الدنيا اثنتان وسبعون أربعة آلاف بعد ذلك خيمة من لؤلؤة مجوفة له فيها أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضا كل هذا لا معارضة كما قلت بينه لا تعارض فيه لدخول القليل فى الكثير ومفهوم الأعداد لا يتعارض ولا يختلف كما تقدم معنا لا منافاة بين هذه الأعداد إذن هنا صرح بأن الزوجتين من الحور العين وثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن الترمذى وابن ماجة.

والحديث رواه أبو يعلى والطبرانى فى معجمه الكبير ورواه البيهقى فى شعب الإيمان ورواه ابن زنجويا وعبد الرزاق وسعيد ابن منصور فى سننه انظروا سنن سعيد ابن منصور فى الجزء الثانى صفحة سبع عشرة ومائتين وانظروا المصنف لعبد الرزاق عليهم جميعا رحمة الله الجزء الخامس صفحة خمس وستين ومائتين والحديث إسناده صحيح كالشمس من رواية المقدام ابن معديكرب رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للشهيد عند الله ست خصال أول هذه الخصال يغفر الله له فى أول دفعة دفقة من دمه أول دفعة تخرج من دمه أول دفقة تخرج من دمه وتقطر على الأرض أول قطرة يغفر الله له ذنوبه هذه الكرامة الأولى والثانية يرى مقعده من الجنة عندما تأتيه الضربة وهو فى ساعة الاحتضار والنزع وفراق أنفاسه الأخيرة يكشف له عن مقعده فى الجنة فيطير فرحا والأمر الثالث والتحفة الثالثة يجار من عذاب القبر والرابعة ويأمن الفزع الأكبر والخامسة ويوضع على رأسه تاج الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها وفى رواية بدل التاج ويحلى حلة الإيمان وهى رواية الإمام ابن ماجة والإمام أحمد فى روايته جمع بينهما يوضع على رأسه تاج الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويحلى حلة الإيمان إذن الآن لو جعلنا الثنتين واحدة صار خمس خصال أوليس كذلك ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين تقدم معنا لكل واحد زوجتان من الحور العين كما تقدم معنا زوجتان من نساء أهل الدنيا والحديث قلت إسناده صحيح كالشمس ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين هذه الستة انتهت على جعل الخامسة كما قلت واحدة تاج الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويحلى حلة الإيمان كأن هذه الحلة والتاج شىء واحد أو أن نقول كما فى رواية معجم الطبرانى سبع خصال أنها رواها برواية سبع إن للشهيد عند الله سبع خصال وهنا ست خصال أو أن نقول كما ورد فى رواية سعيد ابن منصور إن للشهيد عند الله خصالا لأنه سيأتينا على

الاتفاق فى الرواية ست أو سبعة عندنا خصلة زائدة وهى الثامنة ويشفع فى سبعين من أهل بيته وفى رواية فى سبعين إنسانا من أهل بيته هذه زائدة سواء عددت ما تقدم ستة أو سبعة واضح هذا إن كانت ستة فهذه سابعة وإن كانت تلك فصلت الخامسة إلى اثنتين صارت سبعة فهذه ثامنة حتى على رواية الطبرانى سبع خصال ويشفع فى سبعين من أهل بيته فى سبعين إنسانا من أهل بيته كأن النبى عليه الصلاة والسلام والعلم عند ذى الجلال والإكرام بعد أن عد ما يحصله من الكرامة فى حق نفسه ذكر أن الله يكرمه أيضا فى حق غيره وكرامته تصل إلى غيره لأن هذه الشفاعة منه إلى غيره هو ما حصل منها على نفع فى حق نفسه تلك له ست خصال سبع خصال له يكرم بها فى نفسه.

كما تقدم معنا يغفر الله له يرى مقعده من الجنة يجار من عذاب القبر يأمن الفزع الأكبر يوضع على رأسه التاج يحلى حلة الإيمان يزوج ثنتين وسبعين زوجة هذه كلها له ثم أراد الله أن يبين فضله أن هذا الفضل أيضا ينتشر منه إلى غيره لكن ما يكون يعنى نفع لنفسه لذاته وإن كان يدل على كرامته أنه يشفع فى سبعين منه أهل بيته فى سبعين إنسانا من أهل بيته والحديث كما قلت إسناده صحيح كالشمس من رواية المقدام ابن معديكرب الشاهد فيه يزوج اثنتين وسبعين زوجة هذا الحديث فى رواية مصنف عبد الرزاق كما قلت فى الجزء الخامس صفحة خمس وستين ومائتين وهذه تزيل الإشكال الذى مر معنا يقول للشهيد عند الله تسع خصال قال الراوى وأنا أشك يعنى هل هذه اللفظة ثابتة أو لا تسع سبع ست أنا أشك لكن إن ثبت حقيقة فرقت هذه الخصال تصبح بعد ذلك تسع خصال للشهيد عند الله تسع خصال أنا أشك وكما قلت الإمام أحمد جمع بين أنه يوضع على رأسه تاج ويحلى حلة الإيمان ورواية الطبرانى سبع خصال والعلم عند الله والذى يظهر والعلم عند الله لو عددت على التفصيل تصبح ثمانية فالتسع فيها زيادة والست فيها نقصان والسبع يمكن أن تقبل على أن يقال سبع فى حق نفسه ويزاد واحدة ثامنة فى حق غيره والعلم عند الله جل وعلا والحديث الصحيح من رواية المقدام ابن معديكرب ورواه الإمام أحمد فى المسند انظروه فى الجزء الرابع صفحة واحدة وثلاثين ومائة والبزار انظروا كشف الأستار فى الجزء الثانى واحدة وثمانين ومائتين والطبرانى فى معجمه الكبير بسند رجاله ثقات كما فى المجمع فى الجزء الخامس صفحة ثلاث وتسعين ومائتين.

وقال الحافظ ابن حجر فى الفتح فى الجزء السادس صفحة ست عشرة إسناده حسن نفس الحديث المتقدم لكن من رواية عبادة ابن الصامت للشهيد عند الله ست خصال من رواية المقدام ومن رواية عبادة ابن الصامت رضى الله عنهم أجمعين وروى الحديث أيضا من رواية قيس الجذامى وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فهو مروى عن ثلاثة من الصحابة المقدام ابن معديكرب وعبادة ابن الصامت وقيس الجذامى عليهم جميعا رحمة الله ورضوانه رواية قيس فى المسند فى الجزء الرابع صفحة مائتين ورواها الإمام البخارى فى التاريخ الكبير فى ترجمة قيس فى الجزء السابع صفحة أربع وأربعين ومائة ورواها البغوى فى تراجم الصحابة كما فى الإصابة فى الجزء الثالث صفحة سبع وأربعين ومائتين لكن لم يقل ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين إنما قال ويزوج من الحور العين هنا أطلق العدد فى رواية عبادة وفى رواية المقدام اثنتان وسبعون هنا يزوج من الحور العين والحديث كما قلت إخوتى الكرام حديث صحيح بطرقه الثلاثة من رواية قيس وعبادة والمقدام رضى الله عنهم أجمعين وروى أيضا هذا الحديث من رواية عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضى الله عنهم أجمعين فى معجم الطبرانى الكبير كما فى المجمع فى المكان المتقدم وانظروه فى جمع الجوامع للإمام السيوطى لكن فى الإسناد عبد الرحمن ابن زياد ابن أنعم الإفريقى وكان قاضيا صالحا وتقدمت معنا ترجمته وقلت هو من رجال البخارى فى الأدب المفرد تقدم معنا إخوتى الكرام وأخرج له أهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائى وهو من الأئمة الربانين لكنه ضعيف الحفظ وتوفى سنة ست وخمسين ومائة للهجرة ولفظ الحديث للشهيد عند الله ست خصال أيضا ويزوج من الحور العين كمثل رواية قيس ورواية عبادة والمقدام اثنتان وسبعون وهنا عند العد ذكر خمسة فأسقط يوضع على رأسه التاج هذه لم تذكر ولا حلة الإيمان ولا أنه يشفع لسبعين من أهل بيته وأقاربه هذه حذفت من رواية عبد الله ابن

عمرو ابن العاص رضى الله عنهم أجمعين وهذه الرواية يشهد لها ما تقدم فإن شاء الله تصل إلى درجة الحسن بعون الله إذن من رواية أربعة من الصحابة من رواية المقدام ابن معديكرب وعبادة ابن الصامت وقيس وعبد الله ابن عمرو ابن العاص رضى الله عنهم أجمعين. إخوتى الكرام: رواية كما قلت قيس رواية صحيحة الإسناد لكن مع ذلك فى رجال إسناد عبد الرحمن ابن ثابت ابن ثوبان وثقه أبو حاتم وجماعة وضعفه جماعة هذا كلام الهيثمى وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن فقد حكم عليه الحافظ ابن حجر فى التقريب بأنه صدوق يخطىء ثم قال تغير بآخر توفى سنة خمس وستين مائة للهجرة وحديثه مخرج فى كتاب الأدب المفرد للإمام البخارى وأهل السنن الأربعة الشاهد من هذه الروايات أنه له كما تقد معنا فى رواية أبى هريرة المتقدمة رضى الله عنه وأرضاه يزوج اثنتان من الحور العين وهنا اثنتان وسبعون وكل هذا كما قلت لا تعارض بينه والعلم عند الله جل وعلا.

إخوتى الكرام: هذا وارد فى أحاديث كثيرة فهنا الآن اثنتان وسبعون أيضا ورد للشهيد تبتدره زوجتاه وهنا اثنتان وسبعون والروايات كلها صحيحة يعنى لا تقولن فى حديث أبى هريرة هناك للرجل من أهل الجنة لغير الشهيد خذ حتى للشهيد روايات ثابتة عن النبى عليه الصلاة والسلام عندما يستشهد تبتدره زوجتاه وله كما تقدم معنا اثنتان وسبعون كما تقدم معنا لا مخالفة ولا معارضة بين القليل والكثير والعلم عند الله الجليل ثبت فى مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال ذكر الشهيد عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال نبينا صلى الله عليه وسلم لا تجف الأرض حتى تبتدره زوجتاه يعنى لا تجف الأرض من دمه إذا نزل دم الشهيد على الأرض قبل أن يجف هذا الدم قبل أن يجف تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أظلتا فصيليهما بالظاء المعجمة وبالضاد المعجمة أضلتا أظلتا كما سيأتينا توجيه الضبطين إن شاء الله أظلتا فصيليهما فى براح من الأرض وفى يد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها أظلتا من الظلة أى تخيمان عليه كما أن المرأة تخيم على فصيلها إذا كانت فى براح من الأرض فى متسع من الأرض وليس هناك ظل يقيه حر الشمس ورأت فصيلها ولدها الذى فقد منها كيف تحنو عليه وتظلله وتضمه إليها وتستره من حر الشمس تكون له كالمظلة كأنهما ظئران أضلتا فصيليهما أضلتا الآن بمهنى من الضلال الذى هو بمعنى الفقدان والذهاب كأن يعنى الفصيل فقد وضاع وذهب عن الظئر عن المرضعة عن الأم الحنون ثم وجدته كيف تقبل عليه وتحتضنه وتلتزمه وهنا تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيليهما فى براح من الأرض تبتدره الزوجتان وتتعلقان به وتقبلان عليه كحال الأم عندما تقبل على ولدها إذا ضاع منها فى براح من الأرض ثم وجدته. إذن أظلتا أضلتا كلاهما منقول فى ضبط هذا الحديث كما بين ذلك شيخ الإسلام الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب.

إخوتى الكرام: فى إسناد هذا الحديث شهر ابن حوشب وتقدم معنا حاله قلت إن شاء الله إن حديثه فى درجة الحسن فهو من رجال الأدب المفرد للإمام البخارى ومن رجال مسلم وأهل السنن الأربعة وهو صدوق كما تقدم معنا وتوفى سنة اثنتى عشرة ومائة للهجرة لكن فى إسناده هلال ابن أبى زينب لم يخرج له الإمام ابن ماجة القزوينى وحكم عليه الحافظ ابن حجر بأنه مجهول لكن الحديث له شواهد كثيرة من جملتها ما تقدم معنا.

إذن هنا له زوجتان تبتدرانه عندما يسقط على الأرض قبل أن يجف دمه وثبت فى معجم الطبرانى الأوسط كما فى مجمع الزوائد فى الجزء الخامس صفحة ثلاث وتسعين ومائتين الحديث من رواية أبى هريرة إخوتى الكرام فى معجم الطبرانى الأوسط من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهيد يغفر له فى أول دفقة من دمه ويزوج حوراوين وهناك تبتدره زوجتان وهنا حوراوين تثنية حوراء ويزوج حوراوين ويشفع فى سبعين من أهل بيته والمرابط إذا مات فى رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة وأتى عليه وريح برزقه يعنى فى الغداة وفى العشى فى الصباح وفى المساء ويزوج سبعين حوراء وقيل له قف فاشفع إلى أن يفرغ من الحساب قال الإمام الهيثمى فى المجمع قلت روى ابن ماجة بعضه رواه الطبرانى فى الأوسط عن شيخه بكر ابن سهل الدمياطى قال الذهبى مقارِب الحديث مقارَب بصيغة اسم الفاعل والمفعول كما تقدم معنا يقاربه غيره فى الضبط فهو مقارَب يقارب غيره فى الضبط والإتقان فهو مقارِب, مقارِب الحديث مقارَب الحديث وضعفه النسائى الرواية كما قلت من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه الإمام الذهبى فى المغنى حكم على بكر ابن سهل الدمياطى وهو شيخ الطبرانى فى معجمه الأوسط حكم عليه بأنه متوسط فى المغنى فى الضعفاء فى الجزء الأول صفحة واحدة وثلاثين ومائة قال متوسط وضعفه الإمام النسائى وحكم عليه فى اللسان فقال حمل عنه الناس مقارِب الحال كما نقل عنه الإمام الهيثمى قال الذهبى مقارِب الحديث يقول الذهبى فى الميزان حمل عنه الناس يعنى رووا عنه ثم قال مقارِب الحال وتوفى سنة تسع وثمانين ومائتين للهجرة وقد ترجمه فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الثالث عشر صفحة خمس وعشرين وأربعمائة وأورد فى آخر ترجمته كرامة علق عليها المعلق بما ينبغى ألا يؤبه له وألا ينظر إلى هذا التعليق يقول بكر ابن سهل ابن إسماعيل ابن نافع الإمام المحدث أبو محمد

الهاشمى مولاهم الدمياطى المفسر المقرىء ثم بعد أن ترجمه يقول هنا قال أبو بكر القبان سمعت أبا الحسن ابن شنَبوذ ويقال شنّبوذ وهو الإمام المقرىء سمعت بكر ابن سهل الدمياطى وهو الذى معنا شيخ الطبرانى يقول هجرت أى بكرت وذهبت فى الصباح يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمانى ختمات حكاه يحيى ابن منده فى تاريخه وهذه القصة أيضا فى اللسان للحافظ ابن حجر فى ترجمته بكر فى الجزء الأول صفحة اثنتين وخمسين ثم نقل قال أبو بكر القتات فى مسند أصبهان أنه سمع أبا الحسن ابن شنَبوذ ابن شنّبوذ يحكى عن سهل ابن بكر الدمياطى أنه ذهب فى الغدو يوم الجمعة إلى المسجد وبقى إلى العصر فختم القرآن ثمانى مرات.

يقول المعلق هذا غير معقول ولا هو داخل فى نطاق الجائز انظر للكلام الذى لا يوزن بميزان العقل يقول غير معقول وكلامه غير معقول لأن قوله ولا هو داخل فى نطاق الجائز يعنى هذا مستحيل يعنى ليس فى وسع الله أن يمكن عبدا من ذلك هذا معنى غير جائز هذا كلام باطل لا بد من أن نفرق بين الجائز الممكن وبين المستحيل الممتنع وبين الواجب الذى لا يتصور عدمه فالجائز ما يتصور وجوده وعدمه فهل فى وسع الله أن يمكن هذا من قراءة القرآن فى يوم واحد مائة مرة فى وسع الله أم لا الله على كل شىء قدير وهل فى وسع الله أن ينقل هذا من هنا إلى أى بلد كان بأقل من لمح البصر الله على كل شىء قدير هذا جائز أوليس كذلك إن وقع نقول كرامة فهنا انظر للكلام الذى لا يوزن بالميزان العلمى يقول هذا غير معقول ولا هو داخل فى نطاق الجائز يعنى لو ما راقت له القصة لو قال هذا بعيد يحتاج إلى تحقق من ثبوته لا شك أما غير معقول يعنى هذا خارق للعقل يعنى مستحيل ولا هو داخل فى نطاق الجائز هذا كلام باطل لا وزن له ولا اعتبار فإن الحافظ مهما كان قوى الحفظ لا يتيسر له أن يختم القرآن مرة واحدة بأقل من عشر ساعات هذه طامة ثانية الحافظ الذى هو متقن الحفظ يحتاج لعشر ساعات لختم القرآن لا يختمه بخمس ساعات أو ست بسهولة إذا كان حافظا متقن الحفظ هذا إذا ما حصلت له معونات بعد ذلك خاصة ليختمه بساعة أو ساعتين ويوجد فى بلدان المسلمين فى كل مكان من يختمون القرآن فى ليلة من ليالى رمضان إما فى ليلة معينة أو حسبما يتسير يختم القرآن فى ركعتين كان موجود عندنا فى بلاد الشام بعض الشيوخ فى حلب يختم القرآن فى ركعتين هذا موجود بكثرة ويوجد أيضا فى الأمكنة الأخرى يعنى موجود فى مكان من يختم القرآن فى ركعتين يختمه فقوله يحتاج إلى عشر ساعات لم َ يعنى هذا ثم يقول هذا أقل شىء كما معلوم أو مشاهد فكيف يقرأ فى هذه الفترة ثمانى ختمات يا عبد الله إذا كانت كرامة فهى خارق للعادة لا

من العادة ما جرت أن يختم الإنسان هذا المقدار فى وقت قصير ما جرت لكن لو وقع لا نقول هذا خارق للعقل نقول خارق للعادة شتان بين خارق للعقل وخارق للعادة خارق للعادة يعنى مستحيل لا يمكن أن يقبل وهذا ما عنون عليه هو فقال هذا غير معقول ولا هو داخل فى نطاق الجائز هذا كلام لا يوزن بالميزان العلمى هو لو استبعد لو قال هذا بعيد ويحتاج الأمر إلى التحقق من الثبوت فإن ثبت الله على كل شىء قدير لا حرج لو قال أنا لا أصدق إلا بإسناد ثابت لا حرج أما أن يقول هذا غير معقول ولا هو داخل فى نطاق الجائز إلى غير ذلك من الكلام هذا إخوتى الكرام كما قلت كلام باطل فالقصة كما قلت مروية. ومثل هذه الأمور كما يقول أئمتنا يعنى لا تحتاج إلى أن يحقق الإنسان حتى فى إسنادها يعنى هى لن يثبت بها حكم شرعى أوليس كذلك انتهى لا تحليل ولا تحريم الشى حصل لإنسان لو قيل الإنسان طار فى الهواء نقول إن شاء الله يمشى على الماء ما الحرج الله على كل شىء قدير إن كان صالحا فهذه كرامة وإلا استدراج وليس يعنى لهذا الفعل فى الأصل أى مكانة بحد ذاته إلا إذا كان الإنسان على صلاح وديانة انتهى الأمر يعنى لم َ بعد ذلك نحمل الأمر أكثر مما يحتمل كلمة يوردها الإمام الذهبى يوردها أئمتنا كما قلت فى ترجمة هذا العبد الصالح يعنى ما راقت للمعلق فى هذه الأيام فقال غير معقول ولا هو داخل فى نطاق الجائز يعنى يريد أن يجعلها كأنها صار هناك ند لله مستحيل لا يتصور هذا, هذا باطل ليس كذلك أما أنها بعيدة حتما بعيدة فإن وقعت الله على كل شىء قدير وتقدم مرارا أنه يمكن أن يقع ما تحار فيه العقول لا ما تحيله العقول فشرائع الله تأتى بما تحار فيه عقول المخلوقات من أجل أن يسلموا بعجزهم لربهم أما أن تأتى بما تحيله عقول المخلوقات فلا ثم لا وقلت مرارا لا يتعارض نقل صحيح مع عقل صريح والعلم عند الله جل وعلا.

إخوتى الكرام: كما قلت الأحاديث فى ذلك كثيرة وفيرة عن نبينا عليه الصلاة والسلام فيها كما قلت أنه يحصل لكل واحد زوجتان من نساء من نساء الدنيا زوجتان من الحور العين اثنتان وسبعون من الحور العين اثنتان وسبعون من نساء الدنيا سبعون من نساء الدنيا أكثر أقل كل ما ورد نقول لا تعارض بين هذه الروايات فلا تعارض بين القليل والكثير لدخول القليل فى الكثير والعلم عند الله الجليل سبحانه وتعالى.

إخوتى الكرام: مما يدخل أيضا فى هذه الرواية وأختم به الموعظة ما رواه الإمام البزار فى مسنده والطبرانى فى معجمه الكبير ورواه عبد الرزاق فى مصنفه والإمام الحاكم فى مستركه فىة الجزء الثالث صفحة أربع وتسعين وأربعمائة ورواه شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك فى كتاب الزهد والرقائق صفحة ثلاث وأربعين وخمس وتسعين ورواه أيضا فى كتاب الجهاد له ورواه ابن أبى الدنيا كما قى كتاب الترغيب والترهيب للإمام المنذرى فى الجزء الثاثى صفحة واحدة وعشرين وثلاثمائة وانظروا الأثر فى كتاب البعث للإمام البيهقى صفحة اثنتى عشرة وثلاثمائة وهو فى مصنف ابن أبى شيبة وانظروا أيضا فى سنن سعيد ابن منصور وانظروا الأثر فى مجمع الزوائد فى الجزء الخامس صفحة أربع وتسعين ومائتين من رواية يزيد ابن شجرة ويزيد ابن شجرة مختلف فى صحبته وقد رجح الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى المكان الذى أشرته أن صحبته لا تثبت إنما هو من التابعين رحمة الله ورضوانه عليه وعلى المسلمين أجمعين وانظروا كلام الحافظ على صحبته فى الإصابة فى الجزء الثالث صفحة ثمان وخمسين وستمائة وعزى الأثر أيضا إلى كتاب مكارم الأخلاق للإمام الخرائطى وإلى الغيلانيات وقال رواه البغوى وأبو نعيم وابن منده ثم حكم الإمام المنذرى على إسناده إذا كان من كلام يزيد ابن شجرة من كلامه موقوفا عليه فإسناده صحيح وإذا كان مرفوعا إلى النبى عليه الصلاة والسلام أنه روى موقوفا عليه ومرفوعا فيصبح مرسلا ورجح كما قلت رواية الوقف على يزيد ابن شجرة وهو من أئمة التابعين كما تقدم معنا انظروا مثل رواية سعيد ابن منصور فى الجزء الثانى صفحة مائتين وتسع عشرة يقول عن الأعمش عن مجاهد عن يزيد ابن شجرة قال كان يقص يعنى يزيد ابن شجرة كان يقص ويحدث ويعظ وكان يصدق قوله فعله أى هو من العلماء الربانيين القانتين الذين يعملون بعلمهم وكان يقول يزيد ابن شجرة السيوف مفاتيح الجنة وكان يقول إذا التقى الصفان

فى سبيل الله وأقيمت الصلاة يقول نزلن الحور العين فاطلعن فإذا أقبل الرجل قلن اللهم ثبته اللهم انصره اللهم أعنه فإذا أدبر احتجبن عنه وقلن اللهم اغفر له وإذا قتل غفر له بأول قطرة تخرج من دمه كل ذنب له وتنزل عليه ثنتان من الحور العين وتقدم معنا اثنتان وسبعون وتقدم معنا تبتره زوجتاه وكل هذا لا تعارض فيما بينه وتنزل عليه ثنتان من الحور العين تمسحان عن وجهه الغبار تقولان قد آن لك يعنى أن تتصل بنا وأن تتمتع بنا وقد فارقت الحياة ويقول قد آن لكما أن أتصل بكما فقد فارقت الحياة الدنيا قد آن لك قد آن لكما كما قلت روى الأثر مرفوعا وروى موقوفا عليه وهذا الذى صححه رجحه شيخ الإسلام الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب والعلم عند الله جل وعلا إخوتى الكرام بقى علينا من مباحث الحور العين أمران لعلنى أكمل الكلام عليهما فى الموعظة الآتية إن شاء الله وإما فى الموعظة الآتية أو فيما بعدها ننتقل إلى الحكمة الخامسة بإذن الله.

76غناء الحوريات فى الجنات

غناء الحوريات في الجنات (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان غناء الحوريات في الجنات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. لازلنا نتدارس مقاصد النكاح والحكمة من مشروعيته وإباحته ونحن لا زلنا نتدارس أيضا الحكمة الرابعة من حكمه ألا وهى تذكر لذة الآخرة وقد تقدم معنا أن هذه اللذة محبوبة إلى النفس وهى أعظم اللذائذ الحسية فى الحياة الدنيوية والنفس البشرية تتعلق بها مع ما فيها من آفات فإذا كان الإنسان عاقلا يتعلق بهذه الشهوة ويتطلع إليها فى نعيم الجنات فليس هناك فيها آفة من الآفات وتقدم معنا أن شهوات الدنيا تناسب الحياة الدنيا كما أن النعيم الذى فى الآخرة يناسب الدار الآخرة وتقدم معنا أن ما فى الجنة لا يشبه ما فى الدنيا إلا فى الأسماء كما أن ما فى الدنيا لايشبه ما فى الجنة إلا فى الأسماء ولذلك إخوتى الكرام إذا كان الإنسان عاقلا وعلم ما فى الجنة من نعيم عظيم أعده الله لعباده المتقين تطلع إلى ذلك واشتاق إليه وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحثنا على هذا ويحرضنا على التطلع إلى ما أعد الله جل وعلا لأوليائه وأحبابه المؤمنين فى جنات النعيم.

ثبت فى سنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان والحديث عزاه إليهما الإمام العراق فى تخريج أحاديث الإحياء ورواه الإمام ابن أبى الدنيا والبزار والبيهقى أيضا كما فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة خمس عشرة وخمسمائة وأما رواية البيهقى فانظروها فى كتاب البعث والنشور للإمام البيهقى فى صفحة ثلاث وثلاثين ومائتين وانظروها فى كتاب الأسماء والصفات له فى صفحة سبعين ومائة والحديث رواه أيضا أبو يعلى والإمام الطبرانى فى معجمه الكبير ورواه أبو نعيم فى كتاب صفة الجنة ونعيمها فى صفحة خمسين ورواه الإمام أبو بكر ابن أبى داود عليهم جميعا رحمة ربنا فى كتاب البعث صفحة واحدة وستين وهو فى كتاب التاريخ الكبير للإمام البخارى وفى كتاب المعرفة والتاريخ للإمام الفسوى ورواه الإمام الرويانى فى مسنده ورواها الإمام الراما هرمزى فى الأمثال كما فى جمع الجوامع للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة ثمان وخمسين وثلاثمائة والحديث رواه الإمام البغوى فى شرح السنة فى الجزء الخامس عشر صفحة ثلاث وعشرين ومائتين ورواه الإمام الضياء المقدسى فى كتاب صفة الجنة أيضا ورواه ابن أبى حاتم فى تفسيره كما فى تفسير ابن كثير فى الجزء الثالث صفحة خمس وسبعين وخمسمائة ولفظ الحديث من رواية حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه سيدنا أسامة ابن زيد رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ألا هل مشمر للجنة مستعد بازل ما فى وسعه لدخول جنة ربه ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هى ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة كثيرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة فى مقام أبدا إقامة دائمة فى مقام أبدا فى حمرة نضرة وفى دور عالية سليمة بهية هل فيكم من يشمر للجنة فيها هذه الأوصاف فقال الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين نحن المشمرون لها يا رسول الله عليه الصلاة والسلام قالوا قولوا إن شاء الله فقالوا إن شاء الله

ثم ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم الجهاد وحض عليه إن الجنة لا خطر لها يعنى لا عوض عنها ولا مثل لها لا يوجد ما يماثلها ولا ما يعوض عنها إن الجنة لا خطر لها والمعلق على الترغيب والترهيب فى طبعته الأولى وطبعته الأخيرة مصطفى محمد عمارة وهكذا محى الدين عبد الحميد ضبط لا خطر لها لا حظر لها ثم قال لا منع لها وهذا خطأ لا خطر لها كما قلت لا عوض لها ولا مثل لها كما فى النهاية فى غريب الحديث للإمام ابن الأثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فإن الجنة لا خطر لها لا عوض لها لا مثل لها لا يوجد ما يشبهها ولا ما يعوض عنها ما دون الجنة من غنى وما بعدها من فاقة إذا حصل الإنسان الجنة فليس هناك فاقة تصيبه وإذا لم يحصلها فلو حصل الدنيا بما فيها فلا ينال وصف الغنى ما دونها من غنى ولا بعدها من فاقة فإن الجنة لا خطر لها والحديث إخوتى الكرام مروى من رواية محمد ابن مهاجر الأنصارى عن الضحاك المعافرى عن سليمان ابن موسى الأشدق عن كريب مولى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين عن أسامة ابن زيد رضى الله عنهم أجمعين أما محمد ابن مهاجر الأنصارى الشامى فهو ثقة وهو من رجال البخارى فى الأدب المفرد وصحيح مسلم والسنن الأربعة محمد ابن مهاجر الأنصارى وأما الضحاك المعافرى هذا الذى لم يوثقه إلا ابن حبان وهو من رجال الإمام ابن ماجة القزوينى فقط لم يخرج له أهل الكتب الستة إلا ابن ماجة وتقدم معنا الحديث في سنن ابن ماجة وهو أول من خرج هذا الحديث فيما ذكرت وقلت رواه أيضا الإمام ابن حبان وأودعه فهو صحيح عنده لأنه وثقه والحافظ ابن الحجر فى التقريب يقول مقبول وتقدم معنا أن الحافظ يطلق هذا أيضا على من لم يرو عنه إلا راو واحد فإن توبع فهو محتج بحديثه وإلا فلا والإمام ابن حبان يطلق التوثيق كما تقدم معنا على من روى عنه واحد إذا لم يعرف عنه جرح كما تقدم معنا هذا وهنا الإمام ابن حبان وثقه لا يوجد من حوله كلام من رجال الإسناد

إلا الضحاك المعافرى. قال الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب لم أقف على جرح وتعديل فيه لغير ابن حبان يعنى ما أحد تكلم عليه من أئمتنا لا فى جرح ولا فى تعديل إلا ابن حبان فقد وثقه لغير ابن حبان وهو عداد المجهولين لأن الجهالة لا ترتفع عن الراوى إلا إذا روى له راويان ولم يرو عن الضحاك إلا محمد ابن مهاجر الأنصارى وتقدم معنا هو ثقة من رجال مسلم وغيره لكن ما روى محمد ابن مهاجر الأنصارى عن الضحاك المعافرى ولذلك وثقه ابن حبان وعلى تعبير الإمام المنذرى هو فى عداد المجهولين والإمام ابن حجر يقول إنه مقبول والحديث لا يوجد فقرة من فقراته إلا ولها شواهد ونعيم الجنة كذلك يعنى هذا وصف الجنة كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام فى هذا الحديث وإن كان فيه هذا الراوى وهو مقبول وما ارتفعت عنه الجهالة وقد وثقه الإمام ابن حبان عليهم جميعا رحمة ذى الجلال والإكرام فمعنى الحديث ثابت فى أحاديث كثيرة الجنة لا خطر لها هى نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وفاكهة كثيرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة إلى آخر الأوصاف هذا وصف الجنة هذا وصف الجنة لكن من ناحية الإسناد كما قلت الضحاك المعافرى لم يرو عنه من أهل الكتب الستة إلا الإمام ابن ماجة وقد وثقه الإمام ابن حبان عليهم جميعا رحمة ذى الجلال والإكرام أما شيخ الضحاك المعافرى وهو كما سليمان ابن موسى الأشدق فهو أيضا من رجال مسلم والسنن الأربعة وهو صدوق فقيه نعم فى حديثه بعض لين وخولط قبل موته بقليل لكن حديثه لا ينزل عن درجة الحسن إن شاء الله وأما كريب مولى سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين فهو ثقة وحديثه فى الكتب الستة وخلاصة الكلام لا يوجد فى الإسناد من تُكُلِمَ فيه إلا الضحاك المعافرى لم يرو عنه إلا محمد ابن مهاجر الأنصارى الشامى والحديث إن شاء الله معناه كما قلت ثابت صحيح فى أحاديث كثيرة تصف الجنة بما فى هذا الحديث.

إذن أخوتى الكرام ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها لا يوجد شىء يعدلها لا يوجد شىء يماثلها ونسأل الله أن يمن علينا بدار كرامته ورضوانه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. إخوتى الكرام: كما قلت إن الشهوات فى هذه الحياة مع ما فيها من نقائص وآفات تحرك همم العقلاء إلى نعيم الجنات فالشهوات هناك كاملات كاملات لا نقص فيها بوجه من الوجوه وكنا إخوتى الكرام نتستعرض وصف نساء الجنة كما ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام وتقدم معنا وصفهن كما تقدم معنا عددهن وقلت أتكلم فى هذه الموعظة على أمرين اثنين على غنائهن وعلى لذة وصالهن والاتصال بهن وأختم الكلام على الحكمة الرابعة من حكم النكاح بهذين الأمرين لننتقل إلى الحكمة الخامسة ألا وهى ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل زوجه وأقاربه وعشيرته غناء الحور العين ونساء أهل الجنة من النساء المؤمنات الطيبات الطاهرات وماذا يحصل بعد ذلك من لذة عند وصالهن والاتصال بهن.

إخوتى الكرام: أهل الجنة كما أخبرنا الله عنه فى شغل لكن هذه الشغل ليس فى تعب وعناء وكد ونصب فى شغل فاكهون إن أصحاب الجنة فى شغل فاكهون هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم قول الله جل وعلا فى شغل فاكهون فاكهون جمع فاكه وهو من طيب النفس ضحوكا نفسهم طيبة وجوههم مشرقة ابتساماتهم واضحة ظاهرة ضحكهم موجود وهذا حال المسرور كما قال الله جل وعلا فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون فهم كانوا يبكون فى هذه الحياة تعظيما لرب الأرض والسماوات وكانوا يخافون من ولا يجمع الله على عبد خوفين كما لا يجمع له أمنين ومن بكى هنا ضحك هناك ومن ضحك هنا بكى هناك إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون نفوسهم طيبة يضحكون وهم أيضا فرحون يتعجبون بما من الله به عليهم من النعيم العظيم فى دار كرامته إذن نفوسهم طيبة ضحكهم موجود وابتساماتهم ظاهرة ثم بعد ذلك هم فرحون بهذا النعيم معجبون بما من به عليهم ربهم الكريم.

وقيل فاكهون جمع فاكه كما قلت أى ذو فاكهة وهى صيغة نسب على غير القياس كما يقال لابن وتامر إذا كان يبيع التمر فنسب إليه ويبيع اللبن فنسب إليه لابن تامر وهنا فاكه إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون أى عندهم فاكهة كثيرة يتنعمون بها والمعانى كلها حاصلة فى أهل الجنة إذا كانوا فى تلك الدار الكريمة العظيمة فهم فرحون يضحكون مسرورون معجبون بما من به عليهم الحى القيوم وعندهم فاكهة كثيرة إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون هذا الشغل شامل لكل نعيم يتمتع به أهل الجنة فى الجنة ومن جملة ذلك ما نقل عن جم غفير من سلفنا الكرام قالوا فى شغل فاكهون شغلهم قالوا الطرب بغناء القاصرات الأبكار ويغنين وسيأتينا هذا بالأحاديث الصحيحة يغنين لأزواجهن فى غرف الجنان الطرب بغناء القاصرات الأبكار والتمتع بفضهن باستمرار فكلما اتصل بها عادت بعد ذلك بكرا وهكذا كلما جاءها وجدها بكرا يتمتع بغنائها يتمتع بفضها والاتصال بها. ومن جملة الشغل الذى يتفكه به ويتنعم به أهل الجنة النظر إلى وجه العزيز الغفار وهو أعلى النعيم إذن يسمعون غناء الأبكار يشتغلون بفضهن باستمرار يتمتعون بلذة النظر إلى وجه العزيز الغفار سبحانه وتعالى وهذه المعانى كلها منقولة عن سلفنا الأبرار انظروا إن شئتم هذه الأقوال فى زاد المسير للإمام ابن الجوزى فى الجزء السابع صفحة سبع وعشرين وتفسير الإمام ابن كثير فى الجزء الثالث صفحة خمس وسبعين وخمسمائة وانظروا روح المعانى للإمام الألوسى فى الجزء الثالث والعشرين صفحة أربع وثلاثين وانظروا آثار السلف فى ذلك فى الدر المنثور فى الجزء الخامس صفحة ست وستين ومائتين عند هذه الآية من سورة يس إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون يتمتعون كما قلت بغناء القاصرات الأبكار يتمتعون بفضهن والاتصال بهن باستمرار يتمتعون بلذ النظر إلى وجه العزيز الغفار هذا المنقول عن سلفنا الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين.

موضوعنا كما قلت غناؤهن ولذة وصالهن والاتصال بهن.. أما غناؤهن فيغنين بصوت رطب شجى ندى يطرب له أهل الجنة عندما يحصل من نساء أهل الجنة من الحوريات ومن النساء المؤمنات وقد أخبرنا نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه عن غناء النساء الطاهرات المطهرات المقصورات القاصرات فى غرف الجنة لأزواجهن ثبت الحديث بذلك من رواية عدة من الصحابة الكرام بعض هذه الأحاديث صحيح على انفراده وبعضها فيه ضعف ينجبر بالشواهد الصحيحة الثابتة فى هذا المعنى والعلم عند الله.

من هذه الأحاديث حديث سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما وهو فى معجم الطبرانى الأوسط والصغير كما فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة تسع عشرة وأربعمائة والحديث قال عنه الإمام الهيثمى فى المجمع رجاله رجال الصحيح وكذلك قال الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة ثمان وثلاثين وخمسمائة قال رواته محتج بهم فى الصحيح حديث عبد الله ابن عمر ورواه مع الطبرانى فى معجمه الأوسط والصغير أبو نعيم والضياء المقدسى كلاهما فى كتاب صفة الجنة فأبو نعيم له كتاب صفة الجنة وهكذا الضياء المقدسى له كتاب صفة الجنة رويا هذا الحديث عن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين فهو فى معجم الطبرانى الكبير والأوسط وكتاب صفة الجنة لأبى نعيم وكتاب صفة الجنة للإمام الضياء المقدسى وإسناد الحديث صحيح عن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط إن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان الخيّرات والخيرات بالتثقيل والتخفيف كما تقه هيّن هين ليّن لين هذا مستعمل فى لغة العرب التخفيف من أجل التسهيل فى النطق هيّن تقول هين ليّن لين خيّر خير نحن الخيّرات الحسان نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان هذا من غناء أهل الجنان نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان أى بقرة أعين بعيون قريرة مسرورة وهذا لو علمه الإنسان لزوجته فى هذه الحياة لتغنى له به فهذا من الغناء المحبوب المشروع نحن الخيّرات الحسان نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان وإن مما يغنين به أيضا نحن الخالدات فلا نمتن لا يعترينا موت نحن الخالدات فلا نمتن نحن الآمنات فلا نخفن نحن المقيمات فلا نظعن طوبى لكن كنا له وكان لنا هذا من غناء الحوريات والنساء المؤمنات فى غرف الجنات لأزواجهن نحن الخيّرات الحسان نحن الخيرات الحسان أزواج

أقوام كرام ينظرون بقرة أعيان نحن الخالدات فلا نمتن نحن الآمنات فلا نخفن نحن المقيمات فلا نظعن أى لا نرتحل ولا نفارق تبقى فى مكانها ولا تفارق حجرتها قاصرة مقصورة طوبى لمن كنا له وكان لنا والحديث كما قلت إسناده صحيح إخوتى الكرام. رواية ثانية رواية سيدنا أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه رواه الإمام ابن أبى الدنيا والطبرانى فى معجمه الأوسط انظروا المكان المتقدم فى مجمع الزوائد والحديث رواه الإمام أبو بكر ابن أبى داود فى كتاب البعث صفحة ثلاث وستين ورواه سمويا فى فوائده وإسناد الأثر كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع كما قلت فى المكان المتقدم فى الجزء العاشر صفحة تسع عشرة وأربعمائة قال رجاله وثقوا وقال الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى المكان المتقدم أيضا إسناده مقارِب وتقدم معنا بصيغة الفاعل والمفعول مقارِب ومقارَب رجال الإسناد يقاربون غيرهم فى الحفظ فالإسناد مقارِب رجا الإسناد يقاربهم غيرهم فى الحفظ فهو مقارَب إسناده مقارِب إسناده مقارَب والحديث رواه الإمام البيهقى فى البعث فى صفحة سبع وعشرين ومائتين ورواه الإمام ابن أبى شيبة فى المصنف فى الجزء الثالث عشر صفحة ست ومائة لكنه موقوف على أنس رضى الله عنه وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام وبقية التخريجات كلها عن أنس مرفوعة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ورواه الإمام أبو يعلى كما فى المطالب العالية للحافظ ابن حجر فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وأربعمائة ورواه الإمام ابن مردويه فى تفسيره فى الجزء السادس صفحة خمسين ومائة والإمام ابن مردويه رواه من طريق الحسن ابن داود المنكدرى كما فى نخريج أحاديث الإحياء للإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء الرابع صفحة ست وعشرين وخمسمائة وقال قال البخارى يتكلمون فيه وقال ابن عدى أرجو أنه لا بأس به والحسن ابن داود حكم عليه الحافظ ابن حجر فقال لا بأس به تكلموا فى سماعه من المعتمر وهو

من رجال سنن النسائى وابن ماجة القزوينى وتوفى سنة سبع وأربعين ومائتين للهجرة والطرق متعددة وتقدم معنا كلام الهيثمى رجاله وثقوا ويشهد لحديث أنس حديث عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين ولفظ حديث أنس رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الحور العين فى الجنة يغنين والمراد من الغناء عذوبة الصوت بهذا الكلام الحسن الذى لا يشتمل على فحش وخنى إن الحور العين فى الجنة يغنين يقلن نحن الحور الحسان وفى رواية نحن الجوارى الحسان نحن الحور الحسان نحن الجوارى الحسان هدينا لأزواج كرام حببنا لأزواج كرام خبئنا لأزواج كرام نحن الحور الحسان نحن الجوارى الحسان هدينا لأزواج كرام خبئنا لأزواج كرام حببنا لأزواج كرام هذا مما يغنى به الحور الحسان والمؤمنات الكريمات فى غرف الجنان لأزواجهن حقيقة هذه لذة مطربة سيأتينا ما يحصل لها من أثر فى نفوس المؤمنين عند سماع هذا الصوت العذب الرطب الندى الشجى من هؤلاء النساء الطاهرات القاصرات المقصورات المطهرات نسأل الله أن يمن علينا بذلك بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين هذه رواية ثانية.

رواية ثالثة عن سيدنا أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه والرواية فى معجم الطبرانى الكبير كما فى مجمع الزوائد فى المكان المتقدم لكن فى الإسناد مجهولون قال الإمام الهيثمى فيه من لم أعرفه والأثر رواه البيهقى فى البعث فى صفحة ثمان وعشرين ومائتين ورمز الإمام المنذرى إلى ضعف الأثر فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة ثمان وثلاثين وخمسمائة فصدره بلفظ روى وعزاه إلى هذين المصدرين الطبرانى فى معجمه الكبير والبيهقى فى البعث والنشور الإمام المنذرى عزى الأثر إليهما وصدره بلفظ روى لكن الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء وهو المسمى المغنى عن حمل الأسفار فى الأسفار فى الجزء الرابع صفحة ست وعشرين وخمسمائة عزاه إلى الطبرانى وقال إسناده حسن وتقدم معنا هو فى الطبرانى وهوأيضا فى كتاب البعث والنشور للإمام البيهقى وإسناد الطبرانى تقدم معنا أن الإمام الهيثمى قال فيه من لم أعرفه فالله أعلم بحقيقة الحال فهل الإمام العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا اطلع على حال هؤلاء وحسن الإسناد بناء على ذلك أو حسنه للشواهد العلم عند الله جل وعلا يقول رواه الطبرانى بإسناد حسن هذا كما قلت فى تخريج أحاديث الإحياء عن رواية أبى أمامة وقد رواها غير من تقدم رواها الإمام ابن عساكر فى تاريخ دمشق ورواها أبو نصر السجزى فى كتاب الإبانة كما فى كنز العمال وجمع الجوامع إذن هى فى معجم الطبرانى الكبير وكتاب البعث والنشور للإمام البيهقى وتاريخ دمشق لابن عساكر وكتاب الإبانة لأبى نصر السجزى عليهم جميعا رحمة الله كما قلت الحديث من رواية أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد يدخل الجنة إلا عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين يجلس عند رأسه ثنتان وعند رجليه ثنتان أو عند رأسه واحدة وعند رجليه واحدة العلم عند الله مجموعهما ثنتان المقصود ما من رجل يدخل الجنة إلا عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور

العين تغنيان بأحسن صوت سمعه الإنس والجن وتقدم معنا لم يسمع الخلائق بمثل هذا الصوت تغنيان بأحسن صوت سمعه الإنس والجن ليس بمزامير الشيطان ولكن بتحميد الله وتقديسه وهذه كما قلت رواية ثالثة رواية ابن عمر ورواية أنس ورواية أبى أمامة رضى الله عنهم وأرضاهم وكلها كما قلت إما صحيحة بنفسها وإما تتقوى بغيرها فرواية ابن عمر تقدم معنا إسنادها صحيح ورواية أنس تقدم معنا الإسناد وثقوا ورواية أبى أمامة حسنها الحافظ العراقى وعلى التسليم يوجد جهالة فى بعض الرواة فهذا المعنى ثابت فى الحديثين المتقدمين والعلم عند الله جل وعلا.

رواية رابعة وهى رواية سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه أيضا مرفوعة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الرواية رواها الإمام عبد الله ولد الإمام أحمد عليهم جميعا رحمة الله فى زاياداته على المسند فهى من زيادات عبد الله على مسند أبيه فى مسند الإمام أحمد علهم جميعا رحمة الله ورواها الإمام الترمذى فى السنن ورواها ابن أبى شيبة فى المصنف ورواها البيهقى فى كتاب البعث والنشور صفحة ست وعشرين ومائتين ورواها شيخ الإسلام الإمام عبد الله ابن المبارك فى كتاب الزهد فى صفحة ثلاث وعشرين وخمسمائة والحديث كما قلت من رواية على رضى الله عنه وأرضاه وبعد أن رواه الإمام الترمذى قال هذا حديث غريب وفى الباب عن أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى وأنس ابن مالك رضى الله عنهم أجمعين رواية أنس تقدمت معنا أوليس كذلك وهى الرواية الثانية أشار إليها الإمام الترمذى ورواية أبى هريرة ستأتينا ورواية أبى سعيد لم أقف عليها والإمام المباركفورى فى تحفة الأحوذى أشار إلى روايتى أنس وأبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين وقال أما رواية أبى سعيد فلتطلب وليبحث عنها يعنى ما وقف عليها وهذا كما تقدم معنا فى مباحث سنن الترمذى وفى الباب قلت هذه تحتاج إلى تخريجات وليتنا وقفنا على كتاب الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتاب تقدم معنا اللباب فى تخريج قول الترمذى وفى الباب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا خلاصة الكلام الحديث كما قلت فى المسند وسنن الترمذى وغير ذلك من رواية سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فى الجنة لمجتمعا للحور العين مكان يجتمعن فيه الحور العين يرفعن أصواتهن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها ما سمع أحد كهذه اللذة المطربة التى أحلها الله جل وعلا فى دار كرامته فى دار الطهر والصيانة والفضيلة والصفاء والنقاء يرفعن أصواتهن بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها فيقلن نحن الخالدات فلا نبيد نحن الناعمات فلا نبأس

نحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كنا له وكان لنا والحديث إخوتى الكرام كما قلت قال عنه الإمام الترمذى غريب وغرائب الترمذى لا تسلم من مقال وفى إسناده عبد الرحمن ابن إسحاق الواسطى أبو شيبة قال عنه الإمام الحافظ ابن حجر فى التقريب ضعيف وهو من رجال إبى داود والترمذى وحديث على رضى الله عنه لايخرج معناه عن حديث ابن عمر وأنس وأبى أمامة رضى الله عنهم أجمعين وقلت لكم مرارا إخوتى الكرام الأحاديث إذا جمعت يعنى معانيها فى مكان واحد تقوى الضعيف بالصحيح الثابت وتبين أن هذا الحديث له مخارج متعددة منها ما هو صحيح وإذا كانت بعض الطرق فيها بعد ذلك ضعف ينجبر بهذه الروايات الثابتة فهذا المعنى ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام ألا وهو غناء الحور العين بهذه الأصوات المطربة وبهذه الأشعار المحكمة هذا ثابت لكن بعد ذلك بعض الطرق فيها ضعف ينجبر ويتقوى فالحديث فيه كما قلت عبد الرحمن ابن إسحاق الواسطى أبو شيبة وهو ضعيف ومن رجال أبى داود والترمذى لكن الإمام ابن الجوزى أغرب وأبعد فغفر الله لنا وله فأورد هذا الحديث فى كتاب الموضوعات وحكم عليه بالوضع فى الجزء الثالث صفحة سبع وخمسين ومائتين وقوله مردود قطعا وجزما كل من جاء بعده تعقبه ورد عليه قوله الإمام السيوطى فى اللآلىء المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة فى الجزء الثانى صفحة خمس وخمسين وأربعمائة رد على الإمام ابن الجوزى وبين أن الحديث لا يصل إلى درجة الوضع بحال فهو ضعيف لكن ينجبر بوجود الشواهد له وهكذا الإمام ابن عراق فى تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وثمانين وثلاثمائة.

وقلت لكم مرارا إخوتى الكرام تنزيه الشريعة للإمام ابن عراق فى مجلدين هو هذا المجلد الثانى الذى أورد فيه هذا الحديث وقلت إنه يضع الأحاديث فى ثلاثة أصول فى كل باب يعنى هنا كتاب البعث فى كل كتاب البعث ثم يقول الفصل الأول الفصل الثانى الفصل الثالث هذا الحديث فى أى مكان أورده فى الأول أم الثانى أو الثالث فى عندكم تعليل أو هكذا رمز يعنى تعليل لم َ ما يوجد قوة وضعف أريد هنا له اصطلاح خاص وقلت انتبهوا لاصطلاحه إخوتى الكرام قلت الفصل الأول من كل كتاب كتاب الإيمان كتاب التوحيد كتاب الصلاة كتاب الطهارة الفصل الأول يقصد به ما حكم عليه ابن الجوزى بالوضع وهو موضوع بالاتفاق ما نازعه أحد فى ذلك ولذلك قلت إذا عزوت إلى تنزيه الشريعة ينبغى أن تحدد الفصل لتبين للقارىء هل هذا الحديث مما حكم عليه بالوضع وهو متفق عليه أو فيه خلاف فإذا أورده فى الفصل الأول فهو موضوع هذا لا تبحث فيه انتهى ما خالف أحد فى وضعه وإذا أورده فى الفصل الثانى الآن اختلف فى وضعه ابن الجوزى زعم أنه موضوع ابن عراق يحقق الكلام هل هو مو ضوع أم لا أحيانا يكون صحيحا وأحيانا يكون حسنا وأحيانا يكون ضعيفا ينجبر وأحيانا ضعيف لا ينجبر لكن لا يصل إلى درجة الوضع ولذلك أورده فى الفصل الثانى وأما الفصل الثالث أورده فى زيادات على موضوعات ابن الجوزى لم يذكرها ابن الجوزى فى الموضوعات قيل أنها موضوعة حقق الكلام فيها والفصل الثالث لا يوجد فى كتاب الموضوعات لابن الجوزى والفصل الثانى فيه لكن نوزع والفصل الأول فى موضوعات ابن الجوزى ولم ينازع فهو مما ووفق وأقر عليه الفصل الأول والثانى والثالث الثالث قلنا لزيادات ابن عراق على موضوعات ابن عراق على موضوعات ابن الجوزى فهنا أورده فى الفصل الثانى وقلت لكم فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وثمانين أوليس كذلك وثلاثمائة انظر الآن هنا كتاب البعث يبتدىء كتاب البعث فى صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة الفصل الأول أورد أحاديث

على أنها موضوعة لا إشكال فيها ثم جاء بعد ذلك الفصل الثانى من كتاب البعث الآن زاد أحاديث زعم ابن الجوزى أنها موضوعة وحقق الكلام فيها حديث كما هنا إن فى الجنة لسوقا لا فيها بيع ولا شراء إلا الصور من النساء والرجال إن اشتهى الرجل صورة دخل فيها وإن فيها لمجمعا للحور العين يرفعن أصواتا لم يرى الخلائق مثلها يقلن نحن الخالدات فلا نبيد نحن الراضيات فلا نسخط نحن الناعمات فى نبأس طوبى لمن كان لنا وكنا له عبد الله ابن أحمد يعنى روى الحديث فى زوائد المسند من حديث على ولايصح وهذا لا زال الكلام لابن الجوزى يريد كلاما ثم يتعقبه ولا يصح فيه عبد الرحمن ابن إسحاق أبو شيبة الواسطى متروك انتبه تعقبه الحافظ ابن حجر فى القول المسدد سيأتينا إن شاء الله كلام الحافظ ابن حجر فى القول المسدد لأن السيوطى نقل عنه وابن عراق نقل عنه والقول المسدد مما ينبغى أن يعتنى به طالب العلم وأن يقتنيه فى الذب عن المسند فيه أحاديث زعم الإمام ابن الجوزى أنها موضوعة وهى فى مسند الإمام أحمد فانتصر الإمام ابن حجر للمسند وألف كتابه العظيم القول المسدد فى الذب عن المسند أى فى الدفاع عنه وأن ما زُعم أن هذه الأحاديث موضوعة ومردودة ليس بصحيح وحقق الكلام فيها وأقرأ عليكم قوله نحو هذا الحديث الذى هو كما قلت فى المسند فى زوائد عبد الله على مسند أبيه عليهم جميعا رحمة الله وهو فى سنن الترمذى نعم كما قلت عبد الرحمن ابن إسحاق الواسطى فيه ضعف لكن لا يصل إلى درجة الترك ولا النكارة ولا الوضع من باب أولى وهذا الضعف ينجبر إن شاء الله بتعدد الطرق والشواهد التى مرت معنا والعلم عند الله جل وعلا إذن أيضا الإمام ابن عراق فى تنزيه الشريعة رد على ابن الجوزى الحكم عليه بالوضع وهكذا الحافظ ابن حجر فى القول المسدد فى الذب عن مسند الإمام أحمد الكتاب إخوتى الكرام هو هذا ألفه كما قلت الحافظ ابن حج فذكر فى مقدمته تسعة أحاديث ذكر شيخ الإسلام شيخ

الحافظ ابن حجر وهو أبو الفضل عبد الرحيم العراقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ذكرها وقال إنها موضوعة فى مسند الإمام أحمد فالإمام ابن حجر نظر فى كلام شيخه وقال إن هذه الأحاديث لا تصل إلى درجة الوضع وقد سبقه أى سبق العراقى الإمام ابن الجوزى فحكم عليها بالوضع ثم زاد الحافظ ابن حجر على الأحاديث التسعة التى رأى العراقى أنها موضوعة زاد عليها خمسة عشر حديثا من موضوعات ابن الجوزى فصار المجموع أربعة وعشرين حديثا زعم كما قلت ابن الجوزى أنها موضوعة فى مسند الإمام أحمد فرد الحكم عليها بالوضع الحافظ ابن حجر فى هذا الكتاب ثم جاء بعد ذلك الشيخ صبغة الله ابن محمد المدراسى من علماء الهند وتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين بعد الألف للهجرة أو انتهى من جمع كتابه فى هذا الوقت يعنى هم من علماء القرن الثالث عشر الهجرى على نبينا عليه صلوات الله وسلامه فأضاف إلى هذه الأحاديث كتابا أيضا موجود أيضا فى النهاية أخذها من التعقيبات الجياد للإمام السيوطى على موضوعات الإمام ابن الجوزى والإمام السيوطى ذكر ثمانية وثلاثين حديثا زعم ابن الجوزى أنها موضوعة وهى فى المسند فما ذكره ابن حجر من الأحاديث المتقدمة التى هى أربعة وعشرون أسقطها من كتابه ثم البقية أوردها وبعض ما ذكره السيوطى ليس من الأربعة والعشرين وعليه مجموع ما زاده اثنتين وعشرين حديثا اثنين وعشرين حديثا على الأربعة والعشرين يعنى من الثمانية والثلاثين يوجد بعضها ضمن الأربعة والعشرين أسقطها ثم ما هو من الثمانية والثلاثين ولم يذكر ضمن الأربعة والعشرين جمعه فبلغ اثنين وعشرين حديثا فصار المجموع ست وأربعون حديثا فى هذا الكتاب أوله كما قلت للحافظ ابن حجر القول المسدد فى الذب عن المسند فيه أربعة وعشرون وأضاف إليه المدراسى من مدراس فى بلاد الهند اثنين وعشرين فصار المجموع ستة وأربعين حديثا زعم أنها موضوعة وهى فى مسند الإمام أحمد ورد أئمتنا الحكم بوضعها ففى القول المسدد

صفحة ثلاث وثلاثين الإمام ابن حجر يدافع عن هذا الحديث فاستمعوا إليه إخوتى الكرام وكما قلت يعنى كتب العلم لا بد من معرفتها ومعرفة قدرها وهذا الكتاب يعنى لو خير الإنسان بينه وبين وزنه ذهبا لاختاره إن كان يريد العلم والدار الآخرة وإذا كان يريد الذهب فهذه مسألة ثانية والذهب سيذهب ونسأل الله أن يحسن ختامنا.

الحديث الخامس: قال عبد ابن أحمد ابن حنبل فى زوائد المسند قال حدثنا أبو بكر ابن أبى شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن عبد الرحمن ابن إسحاق وهذا هو الواسطى أبو شيبة وهو المتكلَم فيه عن النعمان ابن سعد عن على رضى الله عنهم أجمعين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فى الجنة لسوقا لا فيها بيع ولا شراء إلا الصور من النساء والرجال إذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها وهذا أول الحديث وأنا ما ذكرته عندما ذكرت غناء الحور العين وسيأتينا معنى أول الحديث كما يذهب إليه الحافظ ابن حجر إن شاء الله وإن فيها لمجمعا وأنا لما ذكرت الحديث ذكرت من هنا وإن فيها لمجمعا للحور العين يرفعن أصواتهن بأصوات لم ير الخلائق مثلها يقلن نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا طوبى لمن كان لنا وكنا له قال الحافظ ابن حجر أورده ابن الجوزى فى الموضوعات من طريق المسند أيضا وقال هذا حديث لا يصح والمتهم به عبد الرحمن ابن إسحاق وهو أبو شيبة الواسطى قال أحمد وليس بشىء منكر الحديث وقال يحيى متروك انتهى يعنى انتهى كلام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قلت من القائل حزام المحدثين وأمير المؤمنين فى الحديث الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قلت وقد أخرجه من طريق الترمذى يعنى من طريق عبد الرحمن الواسطى وقد أخرجه من طريقه الترمذى وقال غريب انتبه وحسن له غيره يعنى يالترمذى روى لعبد الرحمن أيضا ابن إسحاق الواسطى وحسن له لكن هذا الحديث لم يحسنه له إنا روى له أيضا فى سننه وحسن الأحاديث التى من طريقه قلت قال الترمذى غريب وحسن له غيره مع قوله إنه تُكلم فيه من قبل حفظه فكلام إذن من قبل حفظه وضبطه لا من ديانته وعدالته نتبه وصحح الحاكم من طريقه طريقا غير هذا الحاكم فى المستدرك يروى عن عبد الرحمن ابن إسحاق الواسطى ويصحح هذه48:9 وأخرج له ابن خزيمة فى الصيام من صحيحه حديثا آخر لكن قال قال فى القلب

من عبد الرحمن شىء إذن هو يقول الحافظ ابن حجر الترمذى يحسن لعبد الرحمن ابن إسحاق الواسطى والحاكم يصحح وابن خزيمة أورد حديثه فى صحيحه لكن قال فى القلب منه شىء انتهى قال الحافظ ابن حجر وله شاهد من حديث جابر يعنى حديث على رضى الله عنه الذى معنا له شاهد من حديث جابر أخرجه الطبرانى فى الأوسط فيما رأيته فى كتاب الترغيب والترهيب للمنذرى رحمه الله ولفظه إن فى الجنة لسوقا ما يباع فيها ولا يشترى ليس فيها إلا الصور فمن أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها لم أقف على إسناده فى الأوسط ثم وقفت عليه فى ترجمة محمد ابن عبد الله ابن مطير وفى إسناده جابر ابن يزيد الجعفى وهو ضعيف ولفظه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مجتمعون فقال يا معشر المسلمين إن فى الجنة لسوقا ما يباع فيها ولا يشترى إلا الصور فمن أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها ما معنى دخل فيها سيشرح الحافظ ابن حجر هذا يقول دخل فيها يعنى تغيرت صورته وتشكلت بصورة هذه الصورة التى رآها وأعجب بها سيشرح هذا فمن أحب صورة من رجل أو امرأة دخل فيها وأخرجه أبو نعيم فى صفة الجنة عن الطبرانى والمستغرب منه قوله دخل فيها والذى يظهرلى أن المراد به أن صورته تتغير فتصير شبيهة بتلك الصورة لأنه دخل فيها حقيقة أو المراد بالصورة الشكل والهيئة فإذن من رأى صورة يعنى هيئة وشكل دخل فيها يعنى تلك الهيئة صارت لذلك الإنسان يعنى إذا تمنى هيئة صورة شكلا حصل له ذلك الشكل فى جسمه وفى بدنه قال وأصل ذكر السوق فى الجنة من غير تعرض لذكر الصور فى الصحيح فى صحيح مسلم من حديث أنس وفى الترمذى وابن ماجة من حديث أبى هريرة والله أعلم يعنى الحديث هنا حديث على رضى الله عنه عندنا إذن فيه ثلاثة أمور أنه يوجد فى الجنة سوقا وأن هذا السوق فيه صور من أحب صورة دخل فيها وأن يوجد غناء للحور العين أما ذكر السوق فهذا ثابت فى صحيح مسلم وغيره كما ستسمعون فإذن له شواهد وأما ذكر غناء

الحور العين فهذا ثابت كما تقدم معنا فى حديث ابن عمر وأنس وأبى أمامة رضى الله عنهم أجمعين وأما موضوع الصورة فقط هذا هو المستغرب فى الحديث يقول الذى يظهرلى أنه تتبدل صورة الإنسان وتتغير إذا أعجب بصورة وأن المراد من الصورة الشكل والهيئة فإذا رأى صورة أى هيئة وتمناها حصلت له والعلم عند الله جل وعلا أما السوق ثابت والغناء ثابت وأما هذا هو المستغرب فتوجيهه كذا فكيف إذن يحكم عليه بالوضع أما موضوع إخوتى الكرام كما قلت السوق هذا ثابت ونسأل الله أن يجمعنا فى سوق الجنة وكان أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه يقول لصهره وهو سعيد ابن المسيب يقول له إذا اجتمع به جمعنا الله فى سوق الجنة وسعيد ابن المسيب مراسيله أعلى المراسيل والإمام الشافعى الذى لم يحتج بالمراسيل استثى مراسيل سعيد ابن المسيب لأنه حمل الأحاديث عن عمه أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين فأحيانا كان لا يسميه لأمر من الأمور فمراسيل سعيد أعلى مراسيل التابعين على الإطلاق سعيد ابن المسيب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا حديث كما قلت أنس رضى الله عنه وأرضاه الذى هو فى سوق الجنة حديث صحيح كما قال الحافظ ابن حجر فى صحيح مسلم وهو فى مسند الإمام أحمد وسنن الدارمى وغير ذلك وهو صحيح صحيح عن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن فى الجنة سوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو فى وجوههم وثيابهم يعنى من ريح المسك والطيب فيزدادون حسنا وجمالا فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعنا حسنا وجمالا فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسن وجمالا يعنى هذه الريح التى هبت أصابت مجامع الرجال فى الأسواق أنه يشرع لهم الاجتماع فكما كانوا يجتمعون فى هذه الحياة يجمعهم الله فى نعيم الجنات فى يوم الجمعة ولا يجتمعون للعبادة هناك يجتمعون للمؤانسة وتذكر نعمة الله عليهم أما النساء فهن قاصرات مقصورات فالريح إذا

هبت أصابت كا من فى الجنة ممن هو فى السوق أو فى القصور فالنساء يقلن لأزواجهن ازددتم بعنا حسنا وجمالا وهؤلاء يقولون لزوجاتهم ازددتن أيضا بعدنا حسنا وجمالا لأن هذه الريح هبت على الجميع لكن أولئك فى المجمع فى السوق وهؤلاء فى القصور هذا كما قلت الحديث فى المسند وصحيح مسلم وسنن الدارمى وغير ذلك.

وأما حديث أبى هريرة ألم يقل هنا وأصل ذكر السوق فى الجنة من غير تعرض لذكر الصور فى الصحيح فى صحيح مسلم من حديث أنس وفى الترمذى وابن ماجة من حديث أبى هريرة أما حديث أبى هريرة فهو فى سنن الترمذى وابن ماجة وغيرهما أيضا من رواية سعيد ابن المسيب قال لقيت أبا هريرة فقال لى أسأل الله أن يجمع بيننا فى سوق الجنة كما اجتمعنا فى هذه الحياة فقلت أفيها سوق قال نعم أخبرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم ثم يؤذن لهم فى مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون ربهم سبحانه وتعالى ويبرز لهم عرشه ويتبدى لهم فى روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم وما فيهم دنى على كثبان المسك الكافور وما يرون أن أصحاب الكراسى أفضل منهم مجلسا قال أبو هريرة قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا إذا جلسنا على هذه الكراسى المنابر من ذهب ولؤلؤ وفضة وزبرجد والذى هو دنى وليس فيهم دنى على كثبان المسك من الكافور وما يرى أن أصحاب الكراسى أفضل منه هل نرى ربنا فى هذا المجتمع الذى هو يوم الجمعة من أيام الدنيا قال نعم هل تتمارون فى رؤية الشمس والقمر ليلة البدر تشكون يخفى عليكم ليلة البدر إذا لم يكن دونه سحاب ولا غمام قلنا لا قال فكذلك لا تتمارون فى رؤية ربكم ولا يبقى فى ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله تبارك وتعالى محاضرة يعنى كلمه كما يتكلم الإنسان فى المحاضرة والحديث يشافهه مشافهة لا يبقى أحد من أهل الجنة إلا حاضره الله وتكلم معه وآنسه وباسطه فى ذلك اليوم الذى اجتمعوا فيه فى السوق يوم الجمعة إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول للرجل منهم يا فلان ابن فلان أتذكر يوم كذا وكذا إذ قلت كذا وكذا جرى منك ما جرى من كلام وأنت تعلم حالك فيذكره ببعض غدراته فى الدنيا فيقول يا رب أفلم تغفر لى فيقول

بلى بسعة مغفرتى بلغت منزلتك هذه فينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط ويقول ربنا تبارك وتعالى قوموا لما أعدتت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم فنأتى سوقا قد حفت به الملائكة فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب فيحمل لنا ماشتهينا بغير بيع ولا شراء وفى ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا فيقبل الرجل من منزلته المرتفعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دنى فيروع ما عليه من اللباس يعنى يعجبه كيف هذا الذى هو دنى وذاك منزلته مرتفعة عليه من البهجة والزينة ما ليس على هذا فما ينقضى آخر سلامه عليه حتى يصير عليه ما هو أحسن منه وذلك أنه لا ينبغى لأحد أن يحزن فيها ثم ننصرف إلى منازلنا فتتلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهلا لقد جئت وإن لك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه فنقول إنا زرنا اليوم ربنا الجبار ويحق لنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. والحديث إخوتى الكرام كما قلت فى سنن الترمذى وابن ماجة كما ذكر الحافظ ابن حجر قال وهو شاهد لحديث على رضى الله عنه إذن السوق وارد فى حديث أنس فى صحيح مسلم وفى حديث أبى هريرة فى سنن الترمذى وابن ماجة وهذا الحديث إخوتى الكرام لا ينزل عن درجة الحسن بشواهده رواه شيخ الإسلام الإمام الترمذى عن أمير المؤمنين وشيخ المسلمين ألا وهو الإمام البخارى قال حدثنا محمد ابن إسماعيل قال حدثنا هشام ابن عمار وهو من شيوخ الإمام البخارى عليهم جميعا رحمة الله عن عبد الحميد ابن حبيب عن الأوزاعى عن حسان ابن عطية عن سعيد ابن المسيب وليس فى الإسناد من حوله كلام إلا عبد الحميد ابن حبيب وقال عنه الحافظ فى التقريب صدوق ربما أخطأ وقد أخرج البخارى حديثه فى صحيحه تعليقا وهو من رجال الترمذى وابن ماجة القزوينى59:49

تقدم عن حديث أيضا فى سنن الترمذى وابن ماجة والبخارى أخرج له تعليقا فى صحيحه صدوق ربما أخطأ قال الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب وقد رواه ابن أبى الدنيا عن هقل ابن زياد كاتب الأوازعى واسمه محمد وهو من رجال مسلم والسنن الأربعة وهو ثقة وقيل عبد الله وهو ثقة احتج به مسلم وغيره عن الأوزاعى قال نبأت أن سعيد ابن المسيب لقى أبا هريرة لقى أبا هريرة ما ذكر الحديث المتقدم إذن لإخوتى الكرام كما قلت هذا نموذج لما فى هذا الكتاب ألا وهو القول المسدد فى الذب عن مسند الإمام أحمد عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إذن هذه رواية رابعة أن نساء أهل الجنة يغنين رواية ابن عمر ورواية أنس ورواية أبى أمامة ورواية على رضى الله عنهم أجمعين أما رواية أبى هريرة التى أشار إليها الإمام الترمذى تقدم معنا هو فى الباب عن أنس وأبى سعيد وأبى هريرة وقلت رواية أنس تقدمت ورواية أبى هريرة تأتى ورواية أبى سعيد كما قال الشيخ المباركفورى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فلينظر من أخرجها يعنى هذا الحديث فلينظر من أخرجه حديث أبى سعيد يقول أنا ما وقفت على من أخرج حديث أبى سعيد أما رواية أبى هريرة فقد رواها البيهقى فى البعث والنشور صفحة مائة وعشرين ومائتين وعزاها إليه الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة تسع وثلاثين وخمسمائة وهكذا الإمام السيوطى فى الدر المنثور فى الجزء الأول صفحة ثمان وثلاثين لكنها موقوفة على أبى هريرة ولها حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام لأنها لا تقال من قبل الرأى وقلت مرارا ما أتى عن صاحب بحيث لا يقال رأيا حكمه الرفع. له حكم الرفع لأنه لا يمكن لصحابى أن يدخل عقله فى أمر غيبى إلا إذا سمعه من النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

ولفظ حديث أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال إن فى الجنة نهرا طول الجنة هذا النهر من أولها لآخرها أينما ذهبت هذا النهر موجود فى الجنة نهرا طول الجنة حافتاه العذارى النساء الصالحات الحوريات الحسناوات الأبكار على حافتى هذا النهر فى الجنة من أولها لآخرها العذارى متقابلات يغنين بأحسن أصوات يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن فى الجنة لذة مثلها صوت ما يرون أن فى الجنة لذة تشبه هذه اللذة وهى أصوات العذارى الأبكار الطاهرات المطهرات فى هذا النهر على حافتى النهر الذى هو كما قلت على طول الجنة قلت يا أبا هريرة وما ذاك الغناء يغنين بأى شىء قال إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب جل وعلا يغنين أى أصوات فيها عذوبة فيها رقة فيها حنو فيها خشوع فيها لذة وليس معنى ذلك الغناء الفاحش الذى اعتاد عليه أهل البذاءة فى هذه الحياة لا ثم لا من سمع الغناء فى هذه الحياة الغناء المحرم لا يسمع غناء الحوريات كما أن من شرب الخمر فى الدنيا لا يشربها فى الآخرة ومن لبس الذهب والحرير فى الدنيا لا يلبسهما فى الآخرة والجزاء من جنس العمل ومن تعجل الشىء قبل أوانه عوقب بحرمانه أما أنه يكرع الخمر هنا ويريد أن يشرب من خمر الآخرة التى لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون لا لما اختار النجسة منعه الله من الخمر الطاهر وسقاهم ربهم شرابا طهورا تلك طاهرة وأما هذه نجسة إذا اخترت النجس تمنع من الطاهر وهكذا بالنسبة للغناء اختار هذا الغناء وقلة الحياء الذى هو فى هذه الحياة يمنع من سماع الحوريات بعد ذلك وأمره إلى الله جل وعلا كما قلت الأثر الذى أشار إليه الإمام الترمذى فقال وفى الباب عن أبى هريرة رواه الإمام البيهقى فى البعث والنشور والأثر كما قلت فى هذا المكان وفيه أن العذارى الأبكار على حافتى هذا النهر الممتد فى الجنة على طولها يغنين بأحسن أصوات يسمعها الخلائق حتى ما يرى أهل الجنة أن فى الجنة لذة مثل هذه اللذة وغناؤهن

تسبيح الله وتحميده وتقديسه سبحانه وتعالى. وهذا المعنى إخوتى الكرام منقول عن سلفنا الكرام رضوان الله عليهم أجمعين بناء على تلك الآثار الثابتة الحسان روى الإمام أحمد فى كتاب الزهد والدارقطنى فى كتاب المدبج والمدبج هذا نوع من أنواع الحديث ولعله مر معكم فى المصطلح. وما روى كل قرين عن أخه ... مدبج فاعرفه حقا وانتخه كما قال الإمام البيقونى فى بيقونيته الشهيرة: وما روى كل قرين عن أخه ... مدبج فاعرفه حقا وانتخه والمدبج مأخوذ من ديباجتى الوجه وهما جانباه الخدان وهذا حديث مدبج كما قال الإمام البيقونى ما روى كل قرين عن أخه جمع الإمام الدارقطنى كتابا فى المدبج أى فى الأحاديث المدبجة التى روى فيها كل قرين عن أخه وهو من يشاركه فى السن وفى التحمل عن الشيوخ فإذا روى كل منهما عن صاحبه يقال له مدبج وإذا روى أحدهما عن صاحبه ولم يرو الآخر يقال له رواية الأقران ولذلك كل مدبج رواية أقران ولا عكس رواية الأقران قد لا تكون مدبجة مثلا رواية أبى هريرة عن سيدتنا وأمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها وعن أبى هريرة وعن الصحابة أجمعين ثم رواية عائشة عن أبى هريرة كل منهما روى عن الآخر اشتركا فى السن وفى الرواية عن النبى عليه الصلاة والسلام فهذا يقال له مدبج فتجمع هذه الروايات ما رواه أبو هريرة عن أمنا عائشة وما روته أمنا عائشة عن أبى هريرة هذا مدبج. ما روى كل قرين عن أخه مدبج وهكذا يعنى الرواة الذين بعدهم قرناء كل واحد روى عن الآخر يقال له مدبج فالإمام الدارقطنى ألف كتابا فى هذا النوع من أنواع الحديث وهو المدبج وهنا كما قلت الأثر فى كتاب الزهد للإمام أحمد وفى المدبج للإمام الدارقطنى عن المعتمر ابن سليمان وهو أبو محمد البصرى ثقة توفى سنة سبع وثمانين ومائة من كبار العلماء الصالحين من أتباع التابعين عليهم جميعا رحمة الله المعتمر ابن سليمان قال إن فى الجنة نهرا ينبت الجوارى الأبكار.

وكما تقدم معنا فى حديث أبى هريرة على حافتى النهر الذى هو على طول الجنة عذارى أبكار وهذا يقول إن فى الجنة لنهرا ينبت الجوارى الأبكار وتقدم معنا فى قول كثير ابن مرة سحابة أيضا تمطر الجوارى الأبكار وهو يقول إن أشهدنى الله ذلك لأقولن لها أمطرى علينا جوارى مزينات وأنا أريد أن أقول كما قلت مرارا أصحاب الهمم الدنيوية الذين يبذلون ما يبذلون فى خطبة الحيض المناتين هلا بذلوا مهرا للحور العين يعنى أحدنا عندما يريد أن يتزوج فى هذه الحياة يعنى يشقى على أقل تقدير ثلاث سنوات هذا أقل تقدير فى الإعداد والترتيب إذا لم يكن ثلاثين سنة هذا شقاء وبلاء ثم إذا اقترن بها ازداد الشقاء والبلاء طيب يا عبد الله ألا تبذل مهرا لهذه الحور العين ألا تبذل لها مهرا بعد ذلك يعنى تريد جنة الله وما فيها من كرامة بغير تعب وبعد ذلك تريد هذه التى فيها ما فيها من نتن كلاكما يشتركان فيه يشتركان فى هذه تحرص عليها وتبذل وتتعب وتكد وتشقى عجبا للجنة نام طالبها وعجبا للنار نام هاربها وهذا المعنى إخوتى الكرام ثابت عن إبراهيم النخعى مرسلا بإسناد حسن رواه الإمام عبد الملك ابن حبيب فى كتاب وصف الفردوس وتقدم معنا الإشارة إلى هذا الكتاب والعزو إليه وتقدم معنا أنه توفى سنة ثلاث وثلاين ومائتين للهجرة يروى فى كتابه هذا كما قلت بسند حسن عن أبراهيم النخعى فى صفحة ست وستين أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإبراهيم النخعى تابعى فرفع الحديث إلى النبى عليه الصلاة والسلام يعتبر مرسلا والإسناد كما قلت إسناد حسن رجاله ثقات أسد ابن موسى عن حماد ابن أبى سليمان عن إبراهيم النخعى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فى الجنة لنهرا ينبت الله على حافاته الجوارى هنا مكتوب الحوارى يعنى إما الحوريات يصح أو الجوارى لم ير مثل وجوههن حسنا فيوحى الله إليهن إلى الحوريات إلى الجوارى الأبكار الطاهرات فيوحى الله إليهن أسمعن عبادى تحميدى وتمجيدى

والثناء علىّ ارفعن أصواتكن بالتسبيح والتحميد وتعظيم الله جل وعلا فيرفعن أصواتهن بالقرآن وتحميد الله ذى الجلال والإكرام وتمجيده لم يسمع الخلائق مثلهن فيطرب أهل الجنة حتى يقول القائل من أهل الجنة سبحانك ربنا وهل فى الجنة من طرب ما سمعنا بهذا فيوحى الله إليهم أن الله أذن لكم أن تأخذوا منهن ما شئتم من الجوارى اللآئى هن على حافات هذا النهر فلا يشتهى عبد شيئا إلا أخذ حاجته منهن لا يتغايرون ولا يتحاسدون ولا يتباغضون والأثر كما قلت مرسل فى كتاب وصف الفردوس وورد إخوتى الكرام نظير هذا أيضا بسند مرسل من رواية أبى مسلم الخولانى فى صفحة خمس وسبعين من رواية أبى مسلم الخولانى لكن الإسناد ضعيف فيه الحسن ابن دينار وهو متروك كما قال الإمام الذهبى فى المغنى فى الجزء الأول صفحة تسع وخمسين ومائة انظروا ترجمته فى الميزان وفى اللسان انظروا اللسان صفحة مائتين فى الجزء الثانى صفحة خمس ومائتين وختم الحافظ ابن حجر ترجمته يعنى ترجمة الحسن ابن دينار فقال ترجمه ذكره فى الضعفاء كل من ألف فيهم يعنى كل من جمع أسماء الضعفاء أورد الحسن ابن دينار على أنه ضعيف والأثر من رواية كما قلت أبى مسلم الخولانى وهو عبد الله ابن ثوب الزاهد الشامى رحل إلى النبى عليه الصلاة والسلام فلم يدركه فهو من التابعين الكبار وهو من الخضرميين أخرج حديثه الإمام مسلم وأهل السنن الأربعة لكن فى الإسناد إليه ضعف كما تقدم معنا والحديث إخوتى الكرام فيه محل الشاهد فيه غناء الجوارى فهن ينادين فى أجواف الخيام بأصوات لم يسمع السامعون بمثلها أين خطابنا أين طلابنا أين رجالنا أين من نحن له نحن الراضيات فلا نسخط أبدا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ونحن الناعمات فى نبأس أبدا ونحن الخالدات فلا نموت أبدا ونحن المحبات فلا نمل أبدا ونحن الآمنات فلا نخاف أبدا ونحن الشواب فلا نهرم أبدا ونحن الفرحات فلا نحزن أبدا ونحن الغنيات فلا نحتاج أبدا ونحن الكاملات فلا

نتغير أبدا ونحن الصادقات فلا نكذب أبدا ونحن الضاحكات فلا نبكى أبدا ونحن الطاعمات فلا نجوع أبدا ونحن الطيبات فلا نسفل أبدا من السفل وهو التغير والنتن ونحن الكاسيات فلا نعرى أبدا طوبى لمن كان لنا وكنا له كما قلت إخوتى الكرام الآثار فى ذلك كثيرة هذه منها. وورد تقدم معنا إذن أربعة روايات عن الصحابة الكرام أوليس كذلك مرفوعة إلى نبينا عليه الصلاة والسلام حديث ابن عمر وأنس وأبى أمامة وعلى وحديث أبى هريرة قلت له حكم الرفع إلى النبى عليه الصلاة والسلام وإن لم يصرح برفعه ورد أيضا هذا المعنى إخوتى الكرام من حديث عبد الله ابن أبى أوفى مرفوعا إلى نبينا صلى الله عليه وسلم والحديث رواه أبو نعيم فى كتاب صفة الجنة وراه البيهقى فى البعث والنشور صفحة أربع وعشرين ومائتين ورواه أبو الشيخ فى كتاب العظمة صفحة خمس وستين ومائتين وإليه عزاه الإمام السيوطى فى الدر فى الجزء الأول صفحة أربعين والحديث فيه بيان ما يحصل لأهل الجنة من الأزواج الحسان قال الحافظ ابن حجر وهذا أكثر عدد وقفت عليه أنه يحصل لأهل الجنة فى هذا الحديث الذى سيأتى معنا والحديث أشار الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة ثمان وثلاثين وخمسمائة إلى تضعيفه فصدره بلفظ روى وقاتل الحافظ ابن حجر فى الفتح فى الجزء السادس صفحة حمس وعشرين وثلاثمائة فيه راو لم يسم ولفظ الحديث من رواية عبد الله ابن أبى أوفى عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء وأربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب أيم أى ممن كانت أيما لكن تكون فى الآخرة بكر كما تقدم معنا إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا للعجوز والثيب والبكر كلهن فى الآخرة أبكار لكن هذه باعتبار ما كان خمسمائة حوراء أربعة آلاف بكر ثمانية آلاف أيم هذا الذى يقول عنه الحافظ ابن حجر أكثر ما وقفت عليه من عدد فى الأحاديث قال نبينا عليه الصلاة والسلام

فيعانق كل واحدة منهن مقدار عمره فى الدنيا فيجتمعن فى كل سبعة أيام ثمانية آلاف وأربعة آلاف وخمسمائة صار اثنا عشر ألفا وخمسمائة يجتمعن فى كل سبعة أيام يجتمعن فى مكان واحد فيقلن بأصوات حسان لم يسمع الخلائق بمثلهن نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن المقيمات فلا نظعن طوبى لمن كنا له وكان لنا والحديث كما قلت فيه راو لم يسم ومعناه ثابت فى الأحاديث المتقدمة وأما هذه الأعداد فيحصل لنا إن شاء الله أضعافها لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد وتقدم معنا لا تعارض بين الأعداد لأنها مفهوم عدد كما تقدم معنا والقليل يدخل فى الكثير ولك بعد ذلك ما أردت وعند الله مزيد.

إخوتى الكرام: هذا المعنى أيضا ثابت من حديث أنس رضى الله عنه وأرضاه تقدم معنا رواية أنس وليتنى ألحقت هذه الرواية بتلك لأن هذه يعنى رواية أخرى أيضا والرواى فيها أنس رضى الله عنه وأرضاه إذن يصبح معنا الروايات ابن عمر وأنس وأبو أمامة وعلى وأبو هريرة وعبد الله ابن أبى أوفى أوليس كذلك هذه ست روايات عن الصحابة مع ما تقدم معنا من المراسيل من رواية أبى مسلم الخولانى رواية أنس هذه يعنى لو تكلم عليها وذكرت مع الرواية المتقدمة لكان أولى على كل حال رواها الإمام البيهقى فى البعث والنشور صفحة خمس عشرة ومائتين ورواها الإمام ابن مردويه فى تفسيره كما فى الدر فى الجزء الأول صفحة واحدة وخمسين ومائة والحديث إخوتى الكرام أورده الغزالى فى الإحياء وقال شيخ الإسلام الإمام العراقى لم أجده هكذا بتمامه وه هكذا بتمامه كما ذكر الغزالى فى هذين الكتابين يقول لم أجده هكذا بتمامه هذا الحديث وهو هكذا بتمامه كما قلت فى هذين الكتابين فى كتاب البعث والنشور وفى كتاب تفسير ابن مردويه عن أنس رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بى دخلت موضعا فى الجنة يقال له البيدج وقيل البيدخ اسم مكان فى الجنة ونهر يجرى عليه قباب الؤلؤ والزبرجد الأخضر والياقوت الأحمر فقلن السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا جبريل على نبيناو عليه الصلاة والسلام ما هذا النداء فقال هؤلاء المقصورات فى الخيام استأذن ربهن فى السلام عليك فأذن لهن فطفقن يقلن نحن الراضيات فلا نسخط ونحن الخالددات فلا نظعن وقرأ نبينا صلى الله عليه وسلم حور مقصورات فى الخيام والحديث كما قلت فى كتاب البعث والنشور وتفسير ابن مردويه ويقول شيخ الإسلام الإمام العراقى لم أجده هكذا بتمامه وهو موجود فى هذين الكتابين والعلم عند الله جل وعلا. هذا ما يتعلق إخوتى الكرام بالأمر الأول بغنائهن يتمتع الإنسان بذلك الغناء ولا يجد لذة تعدل تلك اللذة.

وأما لذة وصالهن والاتصال بهن فحقيقة فوق ما يتصور العقل فاستمع لإخبار نبينا عليه الصلاة والسلام فى ذلك روى الإمام أحمد فى المسند والطبرانى فى معجمه الكبير والطبرانى فى معجمه الأوسط والبزار فى مسنده وقال الإمام الهيثمى فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة ست عشرة وأربعمائة رجاله رجال الصحيح غير ثمامة ابن عقبة وهو ثقة وثمامة ابن عقبة حكم عليه الحافظ ابن حجر فى التقريب أيضا بأنه ثقة وهو من رجال النسائى فى السنن وأخرج له البخارى فى الأدب المفرد والحديث رواه النسائى لكن فى السنن الكبرى ورواه الإمام الحاكم فى المستدرك ولم أر هذه الرواية فى المستدرك بعد بحث وعزاها إليه الإمام ابن القيم فى حادى الأرواح فى صفحة ثمان وعشرين ومائة فإذا عثر أحد منكم على هذه الرواية فى المستدرك فليخبرنى ورواها الإمام الدارمى فى السنن وابن المبارك شيخ الإسلام عليهم جميعا رحمة الله فى الزهد والرقائق صفحة اثنتى عشرة وخمسمائة وهى فى صحيح ابن حبان انظروا موارد الظمآن صفحة خمس وخمسين وستمائة ورواها ابن أبى شيبة فى المصنف فى الجزء الثالث عشر صفحة ثمان مائة ورواها أبو نعيم فى الحلية فى الجزء الثامن صفحة ست عشرة ومائة كما رواها فى كتاب صفة الجنة ورواها البيهقى فى البعث والنشور صفحة خمس ومائتين ورواها هناد ابن الثرى فى كتاب الزهد فى الجزء الأول صفحة خمس وأربعين ومائة وعزاها الإمام السيوطى فى الدر فى الجزء الأول صفحة أربعمائة لعبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم فى تفسيره وعزاها فى كنز العمال إلى سعيد ابن منصور سنن سعيد ابن منصور والحديث إخوتى الكرام صحيح كما تقدم معنا رجاله رجال الصحيح غير ثمامة ابن عقبة وهو ثقة وقال شيخ الإسلام الإمام المنذرى فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة خمس وعشرين ومائتين قال رواته محتج بهم فى الصحيح ولفظ الحديث من رواية زيد ابن أرقم رضى الله عنه وأرضاه قال جاء رجل من أهل الكتاب

إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا القاسم على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال والذى نفسى بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجا فى الأكل والشرب والجماع مائة رجل قال فإن الذى يأكل ويشرب تكون له الحاجة أخراج الفضلات وليس فى الجنة أذى قال تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه كما تقدم معنا الحديث صحيح قال الإمام المنذرى رواته محتج بهم فى الصحيح والحديث رواه الطبرانى كما تقدم معنا ولفظ رواية الطبرانى قال بينا نحن عند النبى صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من اليهود يقال له ثعلبة ابن الحارث والإمام الطبرانى فى روايته سم السائل من اليهود وهو ثعلبة ابن الحارث كما ذكر هنا الإمام المنذرى وهكذا قال الحافظ ابن حجر فى الفتح فى الجزء السادس صفحة أربع وعشرين وثلاثمائة قال سمى الإمام الطبرانى فى روايته السائل بأنه ثعلبة ابن الحارث وهو من اليهود فقال السلام عليك يا محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال وعليكم وهذه هى السنة فى جواب أهل الكتاب السلام عليك يا محمد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وعليكم فإذا سلم أهل الكتاب الرد وعليكم فقال له اليهودى تزعم أن فى الجنة طعاما وشرابا وأزواجا فقال النبى عليه الصلاة والسلام نعم تؤمن بشجرة المسك قال نعم وهذه موجودة عندهم فى التوراة قال وتجدها فى كتابكم قال نعم قال فإن البول والجنابة عرق يسيل من تحت ذوائبهم إلى أقدامهم مسك والحديث كما تقدم معنا رواه ابن حبان فى صحيحه والحاكم وتقدم معنا الإمام ابن القيم قلت لكم عزى إليه الحديث فى حادى الأرواح وحقيقة بعد بحث فى المستدرك ما ووقفت على رواية زيد ابن أرقم فى مستدرك الحاكم وهنا يقول رواه الحاكم أيضا فتأكدوا وإذا أحد وقف على هذه الرواية فليخبرنى.

ولفظ روايتهما رواية ابن حبان والحاكم أنه قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال يا أبا القاسم ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ويقول لأصحابه يعنى هذا اليهودى الذى هو كما تقدم معنا ثعلبة ابن الحارث ويقول لأصحابه إن أقر لى بهذا خصمته يعنى إذا أقر النبى عليه الصلاة والسلام أن أهل الجنة يأكلون ويشربون أنا سأتغلب عليه فى المجادلة والخصومة وأظهر الآن يعنى عدم يعنى صدقه فى أنه رسول الله عليه الصلاة والسلام هكذا يزعم فقال النبى عليه الصلاة والسلام بلى والذى نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل فى المطعم والمشرب والشهوة والجماع فقال له اليهودى فإن الذى يأكل ويشرب تكون له الحاجة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر. إخوتى الكرام: هذا الحديث الأول كما قلت وفيه أن الإنسان يعطى قوة مائة وهذه القوة فى الشهوة وفى الجماع وسيأتينا وصف ما يحصل من لذة عند الاتصال بالحور العين وبالمؤمنات الكريمات فى جنات النعيم يأتينا إن شاء الله هذا فى الأحاديث الأخرى وكان فى نيتى أن أنهى الكلام على هذه الأحاديث فى هذه الموعظة وقدر الله وما شاء فعل. اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المؤمنين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

77تمتع المؤمنين بزوجاتهم فى جنات النعيم

تمتع المؤمنين بزوجاتهم في جنات النعيم (بحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان تمتع المؤمنين بزوجاتهم في جنات النعيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. تقدم معنا أن من مقاصد النكاح وحكمه الخمسة تذكر لذة الآخرة وتقدمت معنا أن هذه الشهوة الجنسية مع ما فيها من آفات ردية هى ألذ الشهوات الحسية فإذا كانت النفس البشرية تتلعق بهذه اللذة الحسية فى الحياة الدنيوية مع ما فيها من آفات فحرى بها أن تستحضر تلك اللذة فى نعيم الجنات حيث لا يوجد فيها آفة من الآفات وكنا نتستعرض إخوتى الكرام وصف النساء الطاهرات المطهرات فى غرف الجنات من النساء المؤمنات ومن الحوريات وتقدم معنا فى الموعظة الماضية أننى سأختم الكلام بأمرين اثنين الأول مر الكلام عليه ألا وهو غناء الحوريات فى غرف الجنات والأمر الثانى لذة التمتع بهن لذة وصالهن وبدأت بالأمر الثانى وذكرت حديثا واحدا وأكمله فى هذه الموعظة إن شاء الله.

إخوتى الكرام: الحوريات شأنهن عظيم غريب عجيب فالله جل والله أنشأ الحوريات فى الجنات من غير أن يخلقن من الآباء والأمهات وقد روى عن نبينا عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام والتابعين لهم بإحسان رضى الله عنهم أجمعين أن الحوريات الحسان خلقن من الزعفران روى هذا كما قلت هذا عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه روى الأثر الإمام البيهقى فى البعث والنشور صفحة تسع وثلاثين ومائتين ورواه الإمام الخطيب البغدادى فى تاريخ بغداد فى الجزء السابع صفحة تسع وتسعين ورواه ابن مردويه عن أنس رضى الله عنه ورواه ابن مردويه فى تفسيره والحديث عن أنس رضى الله عنه وأرضاه عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال خلق الحور من الزعفران وهذا الحديث فى إسناده ضعف كما قرر أئمتنا لكن يشهد له حديث أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه وقد رواه الطبرانى فى معجمه الكبير والأوسط لكن إسناده ضعيف أيضا كما فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة تسع عشرة وأربعمائة ورواه ابن أبى حاتم فى تفسيره كما فى جمع الجوامع الجامع الكبير للإمام السيوطى فى الجزء الأول صفحة إحدى عشرة خمسمائة من رواية أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن الحور خلقن من الزعفران ولكن من رواية أنس وهنا من رواية أبى أمامة رضى الله عنهم أجمعين.

وقد روى هذا موقوفا على عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام فمثله لا يقال من قبل الرأى رواه عنه موقوفا الإمام البيهقى فى كتاب البعث والنشور فى المكان المتقدم الذى أشرت إليه وأشار إلى روايته الإمام السيوطى فى كتابه البدور السافرة فى أمور الآخرة وهكذا الإمام ابن كثير فى النهاية فى الفتن والملاحم فى الجزء الثانى صفحة ست عشرة ومائتين وذكر الأثر عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما أيضا الإمام ابن القيم فى كتابه حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح فى صفحة واحد وستين ومائة عن عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما موقوفا عليه من قوله أنه قال خلق الحور من الزعفران وروى أيضا هذا الأثر عن مجاهد ابن جبر رضى الله عنهم أجمعين وهو من التابعين الكرام روى الأثر عن الإمام الطبرى فى تفسيره والبيهقى فى البعث والنشور والذى حققه الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أن هذا الأثر روى عن صحابيين اثنيين موقوفا عليهما من قولهما عن أنس وعبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وكما تقدم معنا أثر أنس روى أيضا مرفوعا وروى أثر عن أبى أمامة مرفوعا أيضا إلى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه قال الإمام ابن القيم وروى أيضا عن تابعيين اثنين أيضا من قولهما مجاهد ابن جبر وأبو سلمة ابن عبد الرحمن ابن عوف رضى الله عنهم أجمعين ثم قال وبكل حال فهن من المنشآت فى الجنات لسن عن طريق الولادة من الآباء والأمهات ذكر هذا كما قلت فى المكان المشار إليه فى حادى الأرواح وبوب عليه بابا فقال باب ذكر المادة التى خلق منها الحور الحسان إذن شأنهن عظيم وتقدم معنا أن الله أعطاهن الكمال فى الخلق وفى الخُلق وليس فيهن آفة حسية أو معنوية نسأل الله أن يطهرنا وأن يمن علينا بصحبتهن فى غرف الجنات أنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

إخوتى الكرام: تقدم معنا لذة وصالهن التى تحصل فى غرف الجنات وذكرت حديث زيد ابن أرقم رضى الله عنه وأرضاه وهو شىء ذكرته فى الموعظة الماضية وقلت إن إسناده صحيح كالشمس وهو فى مسند الإمام أحمد ومعجم الطبرانى الكبير والأوسط والبزار وغير ذلك من دواوين السنة وخلاصة الأثر أن البنى صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة فى الأكل والشرب والشهوة والجماع كما تقدم معنا هذا فيما سبق: الأثر الثانى الذى يدل أيضا على لذة وصالهن والتمتع بهن فى غرف الجنات أثر أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه وأرضاه والأثر رواه ابن ماجة فى كتاب الزهد من سننه فى كتاب صفة الجنة ورواه البيهقى فى البعث والنشور صفحة اثنتين وعشرين ومائتين ورواه ابن عدى كما فى الدر المنثور فى الجزء الأول صفحة تسع وثلاثين والبدور السافرة فى أمور الآخرة كلاهما الدر والبدور للإمام السيوطى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ولفظ حديث أبى أمامة عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه ثنتين وسبعين زوجة ثنتين من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار ما منهن واحدة إلا ولها قبل شهى وله ذكر لا ينثنى قال هشام ابن خالد شيخ الإمام ابن ماجة عليه وعلى أئمتنا جميعا رحمة ربنا قول نبينا عليه الصلاة والسلام من ميراثه من أهل النار يعنى رجالا دخلوا النار فورث أهل الجنة نساءهم كما ورثت امرأة فرعون على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

إخوتى الكرام: كل من يدخل الجنة فى هذه الرواية يزوجه الله اثنتين وسبعين زوجة وتقدم معنا أن الأعداد التى وردت فى هذا الشأن لا تعارض بينها لدخول القليل فى الكثير وتقدم معنا أن بعض الروايات أنه يزوج بسبعين من نساء الدنيا وبسبعين من الحور العين ويتزوج مما هو أكثر من ذلك كما تقدم معنا أنه يزوج بخمسمائة حوراء وبأربعة آلاف بكر وبثمانية آلاف ثيب وقال الحافظ ابن حجر كما تقدم معنا هذا أكثر عدد وقفت عليه قلت ما هو أزيد ما تقدم معنا ذلك كما تقدم معنا من عمومات واردة ومن قول الله لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد فهذه الرواية لا تخالف ما تقدم يزوج باثنتين وسبعين فى الجنة كل من يدخل فى هذه الرواية زوجتان من الحور العين ويزوج بسبعين زوجة من نساء الدنيا كيف هذا قال من ميراثه من أهل النار وذلك أن رجالا دخلوا النار والنساء نساء أولئك الأزواج دخلن الجنة فزوجهن الله لأهل الجنة فورث أهل الجنة النساء المؤمنات الصالحات اللآئى دخل أزواجهن إلى النار كما ورثت امرأة فرعون عليها وعلى سائر الصديقات رحمة الله ورضوانه وسيأتينا أنه روى فى الآثار أن امرأة فرعون تكون زوجة لنبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إذن يزوج بهذا العدد ثم يتمتع بتلك الصفة التى أشار إليها نبينا عليه الصلاة والسلام كل واحدة لها قبل شهى وكل واحد فى الجنة له ذكر لا ينثنى.

إخوتى الكرام: إسناد الحديث فيه شىء من الضعف لكن له شولهد فيه خالد ابن يزيد ابن مالك الدمشقى وكما قلت الأثر فى سنن ابن ماجة وغيره وانظروه فى سنن ابن ماجة إن شئتم فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وخمسين بعد الأربعمائة والألف من سنن ابن ماجة ألف وأربعمائة واثنتان وخمسون فى الجزء الثانى خالد ابن يزيد ابن مالك الدمشقى وثقه العجلى وأبو زرعة وأحمد ابن صالح لكن الجمهور على تضعيفه وبالغ الإمام ابن نعيم عليه وعلى أئمتنا رحمة رب العالمين فاتهمه وقال والقائل هو ابن نعيم فى العراق كتاب ينبغى أن يدفن وهو كتاب الكلبى الذى رواه عن أبى صالح عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين تفسير الكلبى ينبغى أن يدفن من القائل الإمام ابن معين يقول بالعراق أى ألف الكلبى وهو محمد ابن السائب الكلبى ضعيف متروك كتابا وهو من بلاد العراق ينبغى أن يدفن هذا الكتاب وإذا انضم إلى الكلبى محمد ابن مروان السدى الصغير عن محمد ابن سائب الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين فأئمتنا يسمون هذه السلسة بسلسة الكذب لوجود محمد ابن مروان السدى الصغير وهو كذاب فى روايته عن محمد ابن السائب الكلبى وهو متروك ومتهم أيضا يقول ابن معين فى العراق كتاب ينبغى أن يدفن وهو كتاب الكلبى وبهذه السلسة إخوتى الكرام محمد ابن مروان السدى الصغير عن محمد ابن سائب الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس جمع تفسير المسمى بتنوير المقباس من تفسير ابن عباس رضي الله عنه وعن الصحابة الأكياس أجمعين وهذا مزور ومكذوب على سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما بل إن نسبته إلى جامعه وهو الفيروز آبادى صاحب كتاب القاموس لا تصح أيضا والعلم عند الله جل وعلا.

ومن العجيب أن هذا الكتاب يتداول بين الناس وكما قلت فيه تزويران التزوير الأول نسبته إلى سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ولا يصح عنه والتزوير الثانى نسبته إلى جامعه ألا وهو الفيروز آبادى ولم يثبت ذلك عنه وجمع الكتاب من أوله لآخره بهذه السلسة من رواية محمد ابن مروان السدى الصغير عن محمد ابن سائب الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.

إذن كتاب بالعراق ينبغى أن يدفن وهو تفسير الكلبى قال ابن معين وهناك كتاب بالشام أيضا ينبغى أن يدفن وهو كتاب خالد ابن يزيد ابن مالك الدمشقى الذى هو معنا فى إسناد هذا الحديث قال ابن معين لم يرض أن يكذب عن أبيه يعنى خالد ابن يزيد حتى كذب على الصحابة رضى الله عنهم أجمعين هكذا يقول الإمام ابن معين والحافظ ابن حجر وسع ترجمته فى تهذيب التهذيب فى الجزء الثالث صفحة ست وعشرين ومائة وهكذا الإمام الذهبى فى ميزان الاعتدال فى الجزء الأول صفحة خمس وأربعين وستمائة وأورد الإمام الذهبى هذا الحديث وهو حديث إبى أمامة الذى تقدم معنا رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين هذا الحديث الذى هو فى سنن ابن ماجة أورده فى ترجمته على أن هذا مما أنكر عليه وفى بعض روايات الحديث كما فى الميزان تقدم معنا هناك سبعين من ميراثه من أهل النار أوليس كذلك فى بعض رواياته وسبعين من ميراثه هناك من ميراثه من أهل النار ثنتين من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل النار فى الرواية التى ذكرها الذهبى فى الميزان وسبعين من ميراثه من أهل الجنة ومآل الروايتين شىء واحد فهن فى الأصل كما قلت أزواجهن فى النار لكن هن من أهل الجنة فما ورد فى الرواية سبعين من أهل الجنة هذا باعتبار حالهن وقوله سبعين من ميراث أهل النار أى مما ورث هؤلاء أهل النار الذين كما قلت صار أزواجهن فى النار فلا تعارض بين الروايتين مآل الروايتين شىء واحد والذى حق عليه كلام الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى تقريب التهذيب قال إنه ضعيف مع كونه فقيها نعم كما قلت تشدد فى أمره ابن معين واتهمه بالكذب ولعله برىء من ذلك إن شاء الله ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة سوى الإمام ابن ماجة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وقد توفى خالد ابن يزيد سنة خمس وثمانين ومائة للهجرة وكما قلت ضعيف هذا كلام الحافظ ابن حجر فيه يقول ضعيف مع كونه فقيها وقد حكم الحافظ ابن حجر فى الفتح على

سند هذا الحديث فى الجزء السادس صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة لأن سنده ضعيف جدا وقال الإمام ابن كثير فى النهاية فى الفتن والملاحم فى الجزء الثانى صفحة أربع عشرة ومائتين هذا حديث غريب جدا ثم بعد أن ذكر أن فى إسناده خالد ابن يزيد أوليس كذلك قال الإمام ابن كثير ومثله ممن يغلط ولا يتقن والغلط أئمتنا يقولون أنه قال يزوج بزوجتين من نساء الدنيا يزوج بزوجتين من الحور العين أوليس كذلك وبسبعين من ميراثه من أهل النار أو من أهل الجنة باعتبار دخولهن الجنة قالوا هذا يخالف الروايات التى وردت أنه يزوج بزوجتين من أهل الدنيا وسبعين من الحور العين هذا على العكس أنا أقول من حيث المعنى لا تعارض لأنه تقدم معنا أنه لا منافسة بين هذه الأعداد فيزوج بزوجتين من نساء الدنيا ويزوج بزوجتين من الحور العين ويزوج بسبعين ويزوج بما هو أكثر من ذلك وقد تقدم معنا رواية الإمام أحمد تقدمت معنا فى المسند عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن كل واحد من أهل الجنة يزوج بزوجتين من الحور العين على كل واحدة سبعين حلة كل واحدة بعد ذلك تضىء ويرى مخ ساقها من فوق الحلل تقدم معنا هذا وتقدم معنا أعداد أخرى مما يحصل لأهل الجنة من الزوجات والعلم عند رب الأرض والسماوات إذن إخوتى الكرام هذا العدد الوارد هنا كما قلت لا يتعارض مع بقية الأعداد والعلم عند الله جل وعلا وقد ورد فى رواية أبى يعلى والحديث أورده الإمام الحافظ ابن حجر فى فتح البارى فى المكان المشار إليه فى الجزء السادس صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة وسكت عليه وهو على حسب شرطه فى درجة الحسن من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم يدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله وزوجتين من ولد بنى آدم ولا تعارض كما قلت بين هذه الروايات أحيانا وردت الروايات بأن السبعين من الحور العين وأحيانا من نساء الدنيا مما يرث أهل الجنة أهل

النار والعلم عند العزيز القهار وقد روى الإمام ابن السكن وابن عساكر من رواية حاطب ابن أبى بلتعة رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يزوج المؤمن ثنتين وسبعين زوجة من نساء الآخرة وثنتين من نساء الدنيا وكل هذا كما قلت لا تعارض فيما بين هذه الروايات لأنها مفهوم أعداد ولا تتعارض ولا تختلف. إخوتى الكرام: وما قاله شيخ الإمام ابن ماجة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهو هشام ابن خالد أنه قال مما ورث أهل الجنة أهل النار ما قاله الإمام هشام ابن خالد شيخ الإمام ابن ماجة وأن امرأة فرعون تكون لنبينا صلى الله عليه وسلم فى الجنة ما قاله روى فى كثير من الآثار منها ما رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير وابن مردويه فى تفسيره من رواية بريدة رضى الله عنه وأرضاه قال وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم فى هذه الآية وهى قول الله من سورة التحريم: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} . يقول بريدة رضى الله عنه وأرضاه وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يزوجه بالثيب آسية امرأة فرعون رضى الله عنها وسائر الصديقين والصديقات ومن ذكر مريم بنت عمران ثيبات وأبكارا وعده ربنا أن يزوجه بهذه الآية وعده بهذه الآية أن يزوجه ثيبات وأبكارا أما الثيب فهى آسية امرأة فرعون وأما البكر فهى مريم بنت عمران على نبينا وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه وكما قلت الأثر الأثر فى معجم الطبرانى الكبير وتفسير ابن مردويه وقد أورد الإمام ابن كثير فى تفسيره عند هذه الآية فى الجزء الرابع صفحة تسعين وثلاثمائة آثارا كثيرة تقرر هذا المعنى وحكم عليه بالضعف لكنه يعتضد بعضها ببعض ويثبت هذا المعنى والعلم عند الله جل وعلا.

فمن هذه الروايات ما رواه عن ابن عساكر أنه روى فى ترجمة الصديقة مريم عليها وعلى سائر الصديقين رحمة الله ورضوانه روى فى ترجمتها بإسناده عن ابن عمر رضى الله عنهما قال جاء جبريل على نبيناو عليه صلوات الله وسلامه إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فجلس معه على نبينا وآله وملائكته وملائكة الله وسائر النبيين والمرسلين صلوات الله وسلامه فجلس جبريل مع نبينا عليهما صلوات الله وسلامه فمرت أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها فقال جبريل لنبينا الجليل على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إن الله يقرؤها السلام لأمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها ويبشرها ببيت فى الجنة من قصب بعيد عن اللهب عن نار جهنم لا نصب فيه ولا صخب من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم وبيت آسية بين بيت مريم وبين بيت آسية امرأة فرعون ومريم بيت عمران على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهذا الحديث وهو أن الله يقرىء أمنا خديجة السلام ويبشرها ببيت من قصب تقدم معنا أن المراد من القصب هنا الؤلؤ المجوف ولا يراد منه القصب من الخشب كما تقدم معنا وأطلق عليه القصب لأنها حاز قصبا السبق كما تقدم معنا ولأن حياتها مستوية مع نبينا عليه الصلاة والسلام لا تنغيص فيها بوجه من الوجوه وهكذا بالنسبة للقصب جميع يعنى حباته وأجزائه متساوية العقد التى فيه وهكذا أمنا خديجة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب وتقدم معنا لما كانت حياتها مستقرة مع نبينا عليه الصلاة والسلام ما جرى بينه وبينه شائبة كوفأت فى الآخرة بهذا البيت والجزاء من جنس العمل لا صخب فيه.

وتقدم معنا إخوتى الكرام الحديث قلت هذا ثابت فى المسند والصحيحين من رواية عدة من الصحابة الكرام من رواية أمنا عائشة ومن رواية أبى هريرة ومن رواية عبد الله ابن أبى أوفى رضي الله عنهم أجمعين وروى الحديث من رواية جابر وعبد الله ابن جعفر رضي الله عنهم أجمعين كما تقدم معنا سابقا هذا المعنى ثابت لكن هذه الرواية هنا بطولها فيها ضعف إذن لا صخب فيه ولا نصب من لؤلؤة جوفاء هذا البيت بين بيت الصديقة مريم وبيت آسية امرأة فرعون التى قالت {رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} فبنى الله بيتا فى الجنة وأكرمها بالزواج من أكرم وأفضل وأشرف خلقه ألا وهو نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهى كانت زوجة لألعن خلق الله فى ذلك الوقت فأكرمت بخير خلق الله لطهارة قلبها وصدقها وإنابتها إلى ربها عليها وعلى سائر الصديقين رحمة الله ورضوانه فبيت أمنا خديجة من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم وبين بيت آسية.

وروى أيضا الإمام ابن عساكر كما نقل عنه هذا الحافظ ابن كثير فى المكان المتقدم روى أيضا عن عبد الله رضى الله عنهما أن البنى صلى الله عليه وسلم قال لأمنا خديجة يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن منى السلام وقال لها نبينا عليه الصلاة والسلام هذا فى مرض موتها عند احتضارها رضى الله عنها وأرضاها قال أنت ستذهبين إلى الآخرة قبلى فإذا التقيتى بضرائرك وهن مريم وآسية فأقرئيهن منى السلام فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تزوجت قبلى قال لا والله ولكن الله زوجنى مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وكلثم أخت نبى الله موسى على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعا صلوات الله وسلامه وتقدم معنا إخوتى الكرام فى فضائل أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها أن أفضل نساء العالمين أمنا خديجة وهكذا الصديقة مريم وهكذا آسية امرأة فرعون وتقدم معنا أن كل واحدة من هؤلاء كفلت نبيا فأمنا خديجة تكفلت بأفضل وأطهر وأشرف خلق الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وآسية كفلت وربت نبى الله الكليم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه نبى الله موسى وهكذا مريم أنجبت هذا النبى المبارك وهو نبى الله عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ثم ربته أحسن تربية فكل واحدة من هؤلاء تقدم أنها تكفلت نبيا فإذن أقرئى ضرائرك منى السلام تزوجت قبلى لا لكن الله زوجنى مريم وآسية وكلثم أخت نبى الله موسى على نبيناو عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. وروى ابن عساكر أيضا عن أبى أمامة رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها أعلمت أن الله زوجنى فى الجنة آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران فقالت أمنا خديجة رضى الله عنها وأرضاها هنيئا لك يا رسول الله عليه الصلاة والسلام هنيئا لك يا رسول الله ما يوجد صخب ولا ضجير ولا مشكلة هنيئا لك يا رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وهذه الآثار إخوتى الكرام كما قلت حكم عليها الإمام ابن كثير بالضعف لكن إذا ضم بعضها إلى بعض تعتضد ويثبت هذا وهو أن مريم ستكون زوجة لنبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وهكذا آسية وهكذا كلثم عليهن وعلى سائر الصديقين والصديقات رحمة رب الأرض والسماوات إذن فى حديث أبى أمامة أن الرجل من أهل الجنة يزوج باثنتين وسبعين زوجة زوجتين كما تقدم معنا من الحور العين أوليس كذلك وسبعين من ميراثه من أهل النار من ميراثه من أهل الجنة.

إخوتى الكرام: كل واحد أعد الله له مقعدين ومنزلين منزلا فى الجنة ومنزلا فى النار فالمؤمن إذا دخل الجنة ورث منزل الكافر والكافر إذا دخل النار ورث منزل المؤمن فنحن نأخذ منازلهم وهم يأخذون منازلنا كل واحد له منزلان له مقعدان له مسكنان فى الآخرة واحد فى الجنة وواحد فى النار وقد أشار إلى هذا نبينا المختار على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ثبت الحديث بذلك فى المسند وإسناده ورجاله رجال الصحيح كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع فى الجزء العاشر صفحة تسع وتسعين وثلاثمائة والحديث رواه الحاكم فى المستدرك فى الجزء الثانى صفحة خمس وثلاثين وأربعمائة وقال إسناده على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبى وهذا كما قال الإمام الهيثمى رجاله رجال الصحيح والحديث رواه الإمام الخطيب البغدادى أيضا فى تاريخ بغداد فى الجزء الخامس صفحة أربع وعشرين فهو فى المسند والمستدرك وتاريخ بغداد من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول لولا أن الله هدانى فيكون له شكر يعنى لولا أن الله هدانى لدخلت ذلك المقعد الذى أعد لى وسكنت ذلك المسكن وهو فى النار وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هدانى فتكون عليه حسرة ذاك يكون له شكر وهذا تكون عليه حسرة حقيقة يعنى إذا دخل النار يعنى هو فى حسرة عظيمة ثم إذا مكن من رؤية مقعده فى الجنة وقيل هذا مكانك لو أطعت تزداد حسرته يعنى خسر عندما عذب وخسر عندما فاته ذلك المنزل وذاك أكرمه الله بدار كرامته ورضوانه ثم قال له انظر إلى مقعدك لو كفرت يقول لولا أن الله هدانى لدخلت النار وذاك يقول لو أن الله هدانى لدخلت الجنة فأهل النار تكون عليهم حسرة عندما يرون مقاعدهم فى الجنة وأهل الجنة يكون لهم شكر عندما يرون مقاعدهم فى النار ولذلك يقول الله جل وعلا فى آخر سورة الأنبياء على نبينا وعليهم جميعا صلوات الله وسلامه

{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون * إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين *وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} والأرض إما أرض الدنيا وإما أرض الآخرة وهى أرض الجنة فأرض الدنيا كتب الله فيها النصر والظفر والتمكين لحزبه المفلحين {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} . وهكذا كتب الله الإرث والنصر والفلاح والفوز فى الآخرة فهم يرثون مقاعد الكفار فى الجنة كما من الله عليهم أيضا بدرجات يضمون أيضا إلى درجاتهم مقاعد غيرهم ومنازل غيرهم فيزداد شكرهم لربهم جل وعلا وعليه ما قاله شيخ الإمام ابن ماجة وهو هشام كما قلت ابن خالد هشام ابن خالد وهو صدوق توفى سنة تسع وأربعين مائتين للهجرة وقد أخرج حديثه الإمام أبو دادو وابن ماجة فى السنن ما قاله من أن أهل الجنة يرثون أهل النار ولذلك الواحد من أهل الجنة يأخذ سبعين من نساء الدنيا لأن أزواجهن دخلوا النار هذا تشير إليه النصوص الصحيحة الثابتة فى الجملة والعلم عند الله جل وعلا هذه رواية ثانية تبين لذة التمتع فى الدار الآخرة رواية زيد ابن أرقم هى الأولى والثانية رواية أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه يزوج بثنتين وسبعين زوجتان من نساء الجنة من الحور العين وسبعون من ميراثه من أهل النار من ميراثه من الجنة كل واحدة لها قبل شهى وله بعد ذلك تمتع عظيم عظيم له ذكر لا ينثنى كما أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم.

الرواية الثالثة إخوتى الكرام: عن أنس رضى الله عنه وأرضاه وإسنادها صحيح ثابت ثبوت الشمس فى رابعة النهار رواها الإمام الترمذى فى السنن وقال هذا حديث صحيح غريب ورواها الإمام أبو داود الطيالسى انظروا منحة المعبود فى ترتيب مسند الطيالسى أبى داود فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وأربعين ومائتين ورواها الإمام النسائى لكن فى السنن الكبرى كما فى كتاب العاقبة لعبد الحق صفحة واحدة وخمسين وثلاثمائة والحديث رواه البزار والبيهقى فى البعث والنشور انظروا صفحة واحد وعشرين ومائتين. ورواها الإمام عبد الملك ابن حبيب فى كتاب صفة الفردوس فى صفحة ثمان وستين وقد ذكر هذه الرواية وعزاها إلى من تقدم الإمام ابن كثير فى النهاية فى الفتن والملاحم فى الجزء الثانى صفحة سبع عشرة ومائتين وهكذا الإمام شيخ الإسلام عبد الرحيم الأثرى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الرابع صفحة خمس وعشرين وخمسمائة وحكم على إسناد الحديث بالصحة ولفظ الحديث كما قلت من رواية أنس رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يعطى المؤمن فى الجنة قوة كذا وكذا فى الجماع قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أويطيق ذلك قال يعطى قوة مائة كما تقدم فى رواية زيد ابن أرقم رضى الله عنهم أجمعين وفى بعض روايات الحديث يزوج العبد فى الجنة سبعين زوجة فقيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنطيقا يعنى سبعين زوجة يطيقها الواحد منا وهل عنده قدرة على الاتصال بها فقال عليه الصلاة والسلام يعطى قوة مائة إذن هذا وصفهن ثم هذه لذة التمتع بهن قال الإمام الترمذى عقيب رواية أنس ابن مالك رضى الله عنهم أجمعين وفى الباب عن زيد ابن أرقم وتقدمت معنا رواية زيد وهى أولى الروايات أول الروايات الثلاثة النى مرت معنا إذن هذه رواية ثالثة رواية زيد ابن أرقم رواية أبى أمامة رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه.

الرواية الرابعة: رواية أبى هريرة قبل أن أنتقل إليها رواية أبة أمامة رضى الله عنه وأرضاه أيضا لها ما يشبهها بغير الرواية التى تقدمت معنا فى سنن ابن ماجة وكان فى نيتى أن أذكرها عندها لأنها تعتبر يعنى من رواية صحابى واحد فلا داعى أن نعدها رواية مستقلة فو ضمت قبل رواية أنس رضى الله عنهم أجمعين لكان أحسن إلى رواية أبى أمامة, رواية أبة أمامة الثانية رواها الإمام أبو يعلى فى مسنده والطبرانى فى معجمه الكبير والبيهقى فى البعث روراها ابن أبى حاتم فى تفسيره قال الإمام الهيثمى فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة سبع عشرة وأربعمائة يقول روها الإمام أبو يعلى والطبرانى بأسانيد رجال بعضها وثقوا رجال بعضها بعض الأسانيد وثقوا على ضعف فى بعضهم وانظروا إخوتى الكرام كتاب الدر المنثور الجزء الأول صفحة أربعين وكتاب المطالب العلية فى زوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعمائة والحديث من رواية أبى أمامة رضى الله عنه وفى إسناد الحديث أيضا خالد ابن يزيد الشامى الذى تقدم معنا وفيه ما تقدم من الكلام فلا داعى للإعادة ولذلك كان فى نيتى أن أذكر هذه الرواية عقب الرواية الأولى ولكن قدر الله وما شاء فعل ولفظ الحديث عن أبى أمامة رضى الله عنه وأرضاه أنه قال قيل للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله عليه صلوات الله وسلامه هل يتناكح أهل الجنة يقع بينهم الوطء وهذه اللذة التى يحصلونها فى هذه الحياة ينعمون بها فى غرف الجنات هل يتناكح أهل الجنة قال نبينا صلى الله عليه وسلم نعم بذكر لا يمل وشهوة لا تنقطع دحما دحما وفى بعض الرويات دحاما دحاما والدحم والدحام هو الوطء بدفع وشدة وإزعاج وهذا يكون لكثرة الشهوة فى الإنسان ولتلذذه فى الوطء دحما دحما دحاما دحاما نعم بذكر لا يمل وشهوة لا تنقطع دحما دحما دحاما دحاما قال عليه الصلاة والسلام نعم ويأكلون ويشربون ولكن لا منى ولا منية يعنى لا

يفرزون منيا ولا يكون من ذلك حمل ولا وضع ولا مشقة هذا كما قلت يدخل فى رواية أبى أمامة رضى الله عنهم أجمعين إذن من رواية زيد ابن أرقم وأبى أمامة بالروايتين المختلفتين وفى كل منهما كما تقدم معنا خالد ابن يزيد الشامى الدمشقى والرواية الثالثة رواية أنس رضى الله عنهم أجمعين رواية زيد ثابتة صحيحية ورواية أنس ثابتة صحيحة ورواية أبى أمامة كما تقدم معنا حولها ما حولها من الكلام ومعناها ثابت فى أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام.

الرواية الرابعة صحيحة ثابتة من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه رواها الإمام البزار فى مسند انظروا كشف الأستار الجزء الرابع صفحة ثمان وتسعين ومائة روراها الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط والصغير كما فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة سبع عشرة وأربعمائة وحكم الإمام الهيثمى على إسناد الرواية فقال رجالها رجال الصحيح غير محمد ابن ثواب الكوفى وهو ثقة فالإسناد صحيح ثابت وسيأتينا تنصيص شيخ الإسلام الضياء المقدسى على تصحيح هذه الرواية ومتابعة الأئمة له فى ذلك رجالها رجال الصحيح غير محمد ابن ثواب الكوفى وهو ثقة إذن فى البزار ومعجم الطبرانى الأوسط والصغير ورواها الخطيب فى تاريخ بغداد فى الجزء الأول صفحة واحد وسبعين وثلاثمائة وانظروا الدر المنثور فى عزو هذه الروايات أيضا فى الجزء الأول صفحة أربعين رواية نص على تصحيحها شيخ الإسلام الضياء المقدسى نقل هذا عنه الإمام ابن كثير فى النهاية فى الفتن والملاحم فى الجزء الثانى صفحة ثماني عشرة ومائتين فقال الإمام الضياء المقدسى إسناد هذا الحديث عندى ثابت على شرط الصحيح وأنا أقول نعم ما قلت لكن فيه محمد ابن ثواب هذا ليس من رجال الصحيح من رجال البخارى ومسلم إنما هو حديث ثابت صحيح نعم محمد ابن ثواب لم يخرج له من أهل الكتب الستة إلا الإمام ابن ماجة القزوينى لكن حديثه صحيح وهو إمام ثقة عدل صدوق قال الحافظ ابن حجر فى ترجمته وقد ضعفه مسلمة بلا حجة لكنه كما قلت ثقة صدوق حافظ عدل إمام وقد توفى سنة ستين ومائتين للهجرة محمد ابن ثواب الكوفى الإمام الضياء المقدسى يقول إسناده عندى على شرط الصحيح وكما قلت الأمر كذلك وهذا ما قاله الهيثمى لكن فيه محمد ابن ثواب الكوفى لم يخرج له أحد من صاحبى الصحيحين البخارى ومسلم عليهم جميعا رحمة الله وهذا القول الذى نقله الإمام ابن كثير عن الضياء المقدسى نقله الإمام ابن القيم فى حادى الأرواح صفحة ستين ومائة وفى روضة المحبين

صفحة ثلاث وخمسين ومائتين إسناده يقول عندى على شرط الصحيح والحديث صحيح ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام كما قلت من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه ويشهد لحديث أبى أمامة الذى مر معنا فانتبهوا لذلك ولفظ الحديث قيل للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفضى إلى نسائنا فى الجنة نتصل بهن ونتلذذ بالتمتع بهن فقال عليه الصلاة والسلام والذى نفسى بيده إن الرجل ليفضى فى اليوم الواحد إلى مائة عذراء يعنى فى كل يوم يتمتع بمائة امرأة عذراء بكر وهذا الحديث ونظائره سيقوى معنا ما سأذكره فى نهاية المبحث أن لذة الوطأ هى أكمل اللذائذ الذى يكون فى الوطأ فوطأ لا نظير له لأن الوطأ فى الدنيا المرأة تكون بكرا إذا وطأت زالت عنها تلك الصفة أما فى الآخرة فكلما قمت عنها عادت مطهرة بكرا وما رجع الرجل إلى زوجته واقترب منها إلا ووجدها بكرا وهذا الحديث يشهد لما سأذكره من روايات وهذا الحديث ثابت ليفضى إلى مائة عذراء فى اليوم إذن هو فى كل يوم يتصل بمائة عذراء يعنى نساؤه يعدن أبكارا {إنا أنشأناهن إنشاء *فجعلناهن أبكارا *عربا أتراب* لأصحاب اليمين} .

والحديث كما قلت صحيح يفضى فى اليوم الواحد إلى مائة عذراء ة فى بعض روايات الحديث من طريق آخر من رواية أبى هريرة أيضا رضى الله عنه وأرضاه رواها الإمام البزار فى المكان المشار إليه آنفا ورواها البيهقى فى البعث والنشور هذه الرواية الثانية كما قلت ورواها ابن أبى عمر فى مسنده كما فى المطالب العالية فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعمائة ورواها الطبرانى فى معجمه الكبير وابن أبى الدنيا كما فى الدر المنثور فى الجزء الأول صفحة أربعين ولفظ هذه الرواية عن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال قيل للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل يمس أهل الجنة أزواجهم ما المراد من المسيس الإفضاء والوطء والمباشرة فقال النبى عليه الصلاة والسلام نعم بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وشهوة لا تنقطع بذكر لا يمل وفرج لا يحفى, لا يحفى أى لا يسترخى ولا يمسك ويتعب ولا يريد الوطء لأن المرأة تشتكى إذا كثر الوطأ فى حقها وأما هناك ذكر لا يمل وفرج لا يحفى لا يسترخى ولا يمسك ولا يتعب وشهوة لا تنقطع وهذه الرواية الثانية إخوتى الكرام فى إسنادها عبد الرحمن ابن زياد ابن أنعم الإفريقى وقد حسن حديثه بعض أئمتنا والأمر فيه كما قال الحافظ ابن حجر ضعيف بغير كذب وهذا أيضا كلام الإمام الهيثمى عند الرواية الثانية لا الأولى قلت الأولى إسنادها صحيح وروى برواية أخرى بهذا اللفظ قال الإمام الهيثمى فى المجمع جميع رجال الإسناد ثقات أثبات إلا عبد الرحمن ابن زياد ابن أنعم الإفريقى وهو ضعيف بغير كذب وهذا العبد الصالح توفى سنة ست وخمسين ومائة للهجرة وقد خرج حديثه الإمام البخارى فى الأدب المفرد وأهل السنن الأربعة إلا سنن النسائى وكان من العلماء الربانيين الصالحين قال الإمام الذهبى فى ترجمته فى السير واقرؤا ترجمته لزاما ففيها ما يذكر حقيقة بالله فى ترجمة هذا العبد الصالح فى الجزء السادس صفحة إحدى عشرة وأربعمائة ونعته الإمام الذهبى فقال هو قاضى

إفريقيا ومحدثها وعالمها على سوء فى حفظه يعنى فى حفظه شىء من الوهم لكنه رجل صالح قانت من الربانيين وكان الإمام الثورى يعظمه جدا ويحتج به. وختم الإمام الذهبى ترجمته بكرامة حاصلها أنه حصلت عزوة بين الروم والمسلمين فى ذلك الحين فأسر هذا العبد الصالح عبد الرحمن ابن زياد ابن أنعم الإقريقى فلما قدم لتضرب رقبته من قبل أمير الروم حرك لسانه بكلمة التوحيد فقال الله الله ربى لا أشرك به شيئا يقول فقال ملك الروم هاتوا شماس العرب فالشماس هذا من ألفاظ يعنى الشيوخ عند النصارى كما يقال شيخ وقسيس وشماس ومطران وما شاكل هذا هاتوا شماس العرب قربه إلى قال بأى شىء حركت لسانك قال قلت الله الله ربى لاأشرك به شيئا قال بذلك أمرنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن نقول عند الشدائد اذهب فأنت طليق ختم الإمام الذهبى ترجمته بهذه القصة بعد أن أسر وقدم لتضرب رقبته لجأ إلى الله جل وعلا وفرج عنه وقلوب العباد ونواصيهم بيد الله والله على كل شىء قدير {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} ففى إسناد الرواية الثانية عبد الرحمن ابن زياد ابن أنعم الإفريقى وكما قلت ضعيف من غير كذب والرواية لها شواهد كما تقدم معنا فى الرويات المتقدمة. الشاهد أن هذه اللذة تحصل بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وشهوة لا تنقطع. إخوتى الكرام: رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه من الطريقين المتقدمين الطريق الذى إسناده صحيح والذى فى الإسناد شىء من الكلام رويت أيضا رواية أبى هريرة موقوفة عليه فى كتاب الزهد لهناد ابن الثرى فى الجزء الأول صفحة ست وثمانين وفى كتاب البيهقى فى البعث والنشور صفحة اثنتين وعشرين ومائتين وكما قلت مرارا الموقوف فى هذا الأمر فى هذا الباب له حكم الرفع إلى نبينا صلى الله عليه وسلم هذه رواية رابعة رواية زيد وأبى أمامة وأنس وهذه رواية أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين.

رواية خامسة: فى لذة تمتع أهل الجنة لنسائهم رواية عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين رواها الإمام أبو يعلى فى مسنده كما فى المطالب العالية فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وأربعمائة وانظروها فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة ست عشرة وأربعمائة ورواها الإمام البيهقى فى البعث والنشور فى المكان المتقدم ورواها هناد ابن الثرى فى كتاب الزهد فى الجزء الأول صفحة خمس وستين ومائة ورواها إبراهيم الحربى فى غريب الحديث وأبو الشيخ فى كتاب العظمة كما حادى الأرواح فى صفحة ستين ومائة وما وقفت على هذه الرواية فى كتاب العظمة لأبى الشيخ بعد بحث والعلم عند الله جل وعلا وإسناد الرواية جميع رجال الإسناد ثقات أثبات وما فى الإسناد إلا زيد أبى الحوارى وهو زيد العمّى وتقدم معنا ذكره قريبا فى محاضرات الترمذى وقلت كان من الصالحين وكان قاضيا فى بلدة هراس وهو القائل اللهم ارزقنى جنية أتزوج بها فلما سئل عن سبب ذلك قال تسافر معى حيثما سافرت وتقدم معنا أنه يرى أنه يجوز التناكح بين الإنس والجن زيد العمى وهكذا تقدم معنا الإمام الأعمش وغيرهما من أئمة الإسلام وتقدم معنا أن المعتمد فى هذه القضية أنه لا يجوز التناكح بين الإنس والجن لسبعة أمور ذكرتها فى محاضرات سنن الترمذى إذن جميع رجال الإسناد ثقات أثبات وما فى الإسناد من تكلم فيه كما قلت إلا زيد ابن أبى الحوارى وهو زيد العمى قال الإمام الهيثمى فى المجمع وثق على ضعف وبقية رجاله ثقات وزيد العمى حديثه مخرج فى السنن الأربعة وإنما قيل له العمى كما ذكرت لأمرين إما أنه كان إذا سئل عن شىء وهو صغير لا يجيب يقول حتى أسأل عمى فقيل زيد العمى وقيل نسبة إلى بنى العمنتين والعلم عند الله جل وعلا إذن هذه الرواية كما قلت مروية فى هذه الكتب فى مسند أبى يعلى وكتاب البعث والنشور للإمام البيهقى وغيرهما من دواوين السنة عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال للنبى صلى

الله عليه وسلم يا رسول الله أنفضى إلى نسائنا فى الجنة بمعنى الرواية المتقدمة وهى رواية أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين أنفضى إلى نسائنا فى الجنة كما نفضى إليهن فى الدنيا فقال نبينا صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده إن الرجل ليفضى بالغداة الواحدة إلى مائة عذراء والذى نفسى بيده إن الرجل ليفضى بالغداة الواحدة وهى أول النهار إلى مائة عذراء وهذه الرواية كما قلت يشهد لها رواية أبى هريرة المتقدمة أوليس كذلك ويشهد لها رواية أنس رضي الله عنه التى تقدمت معنا وقلت إسنادها صحيح ورواية أبى هريرة تشهد لهذه وقلت إسنادها صحيح أنفضى إلى نسائنا قال والذى نفسى بيده إن الرجل ليفضى فى اليوم إلى مائة عذراء وهنا يفضى بالغداة إلى مائة عذراء فرواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهما لا تنزل عن درجة الحسن للشواهد المتقدمة من حديث أبى هريرة وأنس وغير ذلك من الروايات رضى الله عن الصحابة أجمعين إذن هذه كما قلت رواية خامسة وهى رواية عبد الله ابن عباس. الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى حادى الأرواح صفحة ستين ومائة إلى بلاد الإفراح بعد أن ذكر ما قيل من كلام فى زيد العمى قاضى هراس قال قلت وحسبه رواية شعبة عنه يكفى أن شعبة ابن الحجاج يروى عن زيد العمى وإذا رأيت شعبة فى الإسناد فاشدد يديك به لأنه كان يحتاط غاية الاحتياط فرواية شعبة عن زيد يقول هذه ترفع من قدر زيد العمى حسبه يقول تكفيه توثيقا وعدالة وإمامة رواية شعبة عنه وقد حكم شيخ الإسلام الإمام السيوطى فى البدور السافرة فى أمور الآخرة صفحة واحدة وخمسين وأربعمائة بالصحة على رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين فقال بسند صحيح ولعله صحح السند للشواهد التى مرت والعلم عند الله جل وعلا إذن هذه خمس ورايات رواية زيد ابن أرقم وأبى أمامة وأنس وأبى هريرة وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.

رواية سادسة: وهى رواية خارجة ابن جَزى ويقال جِزى ويقال جَزىٌ وجِزىٌ وهو من الصحابة الكرام خاجة ابن جزى ويقال خارجة ابن جزىء العذرى خارجة ابن جزى العذرى جزى بالزاى ليست بالذال التى بصورة الدال المنقوطة بصورة الراء المنقوطة خارجة ابن جَزى جِزى جَزىٌ جِزىٌ جزىء كل هذا قيل فى ضبطه رضى الله عنه وأرضاه وهو من الصحابة خارجة ابن جزى العذرى انظروا ترجمته فى أسد الغابة فى معرفة الصحابة فى الجزء الثانى صفحة ثلاث وثمانين رواية خارجة رواها الإمام البيهقى فى البعث والنشور صفحة واحدة وعشرين ومائتين ورواها ابن عساكر فى تاريخه كما فى الدر المنثور فى الجزء الأول صفحة أربعين ورواها ابن السكن وابن منده والخطيب فى تاريخ بغداد والخطيب فى المؤتلف والمختلف لا فى تاريخ بغداد والخطيب فى المؤتلف والمختلف كما فى كنز العمال فى الجزء الرابع عشر صفحة خمس وثمانين وأربعمائة ويراد إخوتى الكرام بالمؤتلف والمختلف يراد من هذا المؤتلف هو المتفق والمختلف هو المفترق والمغاير ويراد بذلك إذا اتفق راويان أو الرواة فى الاسم أو فى الكنية أو فى النسب اتفقا فى الرسم الاسم اتفق فى الرسم واختلفا فى النطق هذا يقال له مؤتلف ومختلف يعنى مؤتلف متفق فى أى شىء رسما ومختلف نطقا مثل سلام وسلّام السُلمى والسَلمى هذا يسميه أئمتنا فى مبحث المصطلح بالمؤتلف والمختلف يعنى متفق فى الرسم فى الكتابة مختلف فى النطق وهذا أكثر ما يقع فيه التصحيف كما قال شيخ المحدثين على ابن المدينى أكثر ما يقع التصحيف فى ضبط الأسماء والكنى والنسب لأنها ليست قياسية إنما سماعية يعنى هذا سلَام أو سلّام لا تعلم إلا بالضبط والتصحيح والنقل عن الشيوخ وهل هو سلَمى أو سُلمى سلمى أو السُلمى يوجد بعض الرواة سلّام ويوجد بعض الرواة سلَام فمثلا عبد الله ابن سلام لا ينبغى أن تقول سلّام هذا غلط لو شددت مع أن الرسم واحد هذا يسميه أئمتنا المؤتلف والمختلف الإمام الخطيب

البغدادى قل فنا من فنون المصطلح إلا وألف فيه كتابا مستقلا ولذلك يقول أئمتنا كل من أنصف كما هو قول أبى بكر ابن لقطة عليهم جميعا رحمة الله كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه وهو حافظ المشرق الذى توفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة للهجرة كما تقدم معنا مرارا الخطيب البغدادى له كتاب المؤتلف والمختلف يعنى راويا أو رواة اتفقوا كما قلت فى الرسم فى اسمهم أو فى كناهم أو فى اسم آبائهم أو فى نسبتهم اختلف النطق فلتمييز هذا من هذا ألفت كتب فى ذلك فى كتاب المؤتلف والمختلف روى الخطيب البغدادى هذا الحديث. يقول الإمام العراقى فى ألفيته: واعن بما صورته مؤتلف ... خطا ولكن لفظه مختلف هذا هو المؤتلف والمختلف واعن أى اعتنى واهتم بما صورته مؤتلف الصورة والرسم مؤتلف متفق واحد سلام وسلّام واعن بما صورته مؤتلف بأى شىء خطا ولكن لفظه مختلف إذا نطقت به يختلف فى النطق فاعن بهذا النوع من أنواع المصطلح فالخطيب روى هذا فى كتاب المؤتلف والمختلف ولفظ الحديث كما قلت من رواية خارجة ابن جزى جزى رضى الله عنه وأرضاه قال سمعت رجلا بتبوك سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أيباضع أهل الجنة نساءهم فى الجنة من المباضعة أيباضع أهل الجنة نساءهم فى الجنة تحصل المباشرة والوقاع والمسيس فقال نبيا صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده إن الرجل الواحد منهم يعطى من القوة فى اليوم أفضل من سبعين منكم ويشهد لهذا ما تقدم معنا من روايات كثيرة صحيحة إذن هذه رواية سادسة تدل على اللذة التى سيحصلها أهل الجنة فى حال تمتعهم بالمؤمنات الطاهرات وبالحوريات تقدم معنا ست روايات رواية زيد ابن أرقم وأبى أمامة بروايتها وأنس ابن مالك وأبى هريرة بروايتيها وعبد الله ابن عباس وخارجة ابن زيد ابن جزى ابن جزىء رضي الله عنهم أجمعين.

وهناك روايات كثيرة فى هذا المعنى إخوتى الكرام ورد أيضا بعض الروايات تشهد لهذا مرسلة وهى ما رفعه التابعى إلى النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه من ذلك ما رواه عامر الكلاعى وهو أبو يحيى الحمصى ثقة توفى سنة خمس وثلاثين ومائة للهجرة وحديثه مخرج فى الأدب المفرد للإمام البخارى وصحيح ومسلم وسنن الأربعة وهو ثقة عدل إمام فاضل من التابعين سليم ابن عامر الكلاعى والمرسل الثانى الهيثم ابن مالك الطائى أبو محمد الشامى الأعلى ثقة حديثه أيضا فى الأدب المفرد للإمام البخارى وهذا المرسل عن هذين عن سليم ابن عامر وعن الهيثم ابن مالك سأذكره رواه عنهما الحارث ابن أسامة فى مسنده كما فى المطالب العالية للحافظ ابن حجر فى الجزء الرابع صفحة واحدة وأربعمائة والأثر رواه ابن أبى حاتم أيضا عنهما كما فى الدر المنثور فى الجزء الأول صفحة أربعين وقد حكم على إسناده بأن جميع الرجال ثقات لكنه مرسل حكم على إسناده بأن جميع الرجال ثقات الإمام السيوطى فى البدور فى صفحة اثنتين وخمسين وأربعمائة ولفظ الأثر من رواية سليم ابن عامر والهيثم ابن مالك وقلت إن الحديث مرسل أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن البضع فى الجنة وهى المباضعة كما جاء فى حديث خارجة ابن جزى عن البضع فى الجنة فقال النبى صلى الله عليه وسلم نعم يقع البضع وتقع المباشرة بين المؤمنين وأزواجهم فى جنات النعيم فقبل شهى وذكر لا يمل وإن الرجل ليتكىء فيها يعنى فى الجنة يعنى اتكاءة مقدار أربعين سنة لا يحول عنه ولا يمل يأتيه منها ما اشتهت نفسه ولذت عينه وهذا الأثر إسناده كما قلت رجاله ثقات ويشهد له ما تقدم من روايات صحيحات ثابتة إذن هذه عدة روايات فى هذا الأمر.

إخوتى الكرام: وهذا التمتع الذى يحصل من المؤمنين بزوجاتهم فى جنات النعيم يجد الإنسان منه لذة أضعاف أضعاف ما يجد من لذة التمتع فى هذه الحياة فهى تشابهها من وجه لكن تزيد عنها بعد ذلك بأوجه كثيرة لا يمكن لإنسان أن يحيط بها والفارق بين تلك اللذة واللذة التى تكون فى الدنيا كالفارق بين الجنة والدنيا تماما تشابهها من وجه فقط يلتذ لكن لذة تناسب تلك الدار ولذلك تقدم معنا ما فى الآخرة لا يشبه ما فى الدنيا إلا فى الأسماء هذا وطء وبضع ومباضعة ومسير لكن حقيقة اللذة تختلف عن اللذة التى يحصلها الإنسان بالوطء الحلال فى هذه الحياة وقد أشار إلى ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم وأخبرنا أن المؤمن عندما يباشر زواجاته فى الآخرة يلتذ بهن كما يلتذ فى هذه الحياة وكما قلت اللذة هنا يعنى لبيان حصول هذه اللذة لا أنها تساويها من جميع الجهات تشبهها من وجه وتزيد عنها فى وجوه لا يعلمها إلا الله جل وعلا ثبت الحديث بذلك فى زيادات المسند من زيادة شيخ الإسلام عبد الله ولد سيدنا الإمام أحمد عليهم جميعا رحمة الله والحديث فى المسند فى الجزء الرابع صفحة ثلاث عشرة ورواه الإمام عبد الله أيضا فى كتاب السنة فى الجزء الثانى صفحة خمس وثمانين وأربعمائة وهو فى مجمع الطبرانى الكبير انظروا مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة أربعين وثلاثمائة ورواه ابن أبى عاصم فى كتاب السنة فى الجزء الأول صفحة ثمان وثمانين ومائتين وانظروه فى كتاب التوحيد للإمام ابن خزيمة فى صفحة تسع وثمانين ومائة ورواه ابن شاهين كما فى الإصابة فى الجزء الثالث صفحة ثلاثين وثلاثمائة وإسناد الحديث الذى سأذكره وهو من رواية لقيط ابن عامر وهو أبو رزين العقيلى رضى الله عنه وأرضاه إسناده حكم عليه الإمام الهيثمى فى المجمع وقلت فى الجزء العاشر صفحة أربعين وثلاثمائة قال أحد طريقى عبد الله من رواه كما قلنا الإمام أحمد والطبرانى ورواه غيرهما لكن هذا ليس من شرط يعنى غيرهما

ليس من شرط المجمع مجمع الزوائد سيعزو الآن الرواية إلى كتابين فقط إلى المسند وإلى معجم الطبرانى حتى كتاب السنة للإمام عبد الله لا يعزو إليه لأنه ليس من شرطه يقول رواه الإمام أحمد والطبرانى ثم قال وأحد طريقى عبد الله إسنادها متصل ورجالها ثقات وعض على هذا الكلام بالنواجذ لأنه سيأتينا تعليق عليه فانتبهوا له إسنادها متصل ورجالها ثقات والإسناد الآخر لرواية المسند ومعجم الطبرانى الكبير والإسناد الآخر وإسناد الطبرانى مرسل هذا الإسناد الآخر عن عاصم ابن لقيط أن لقيط ابن عامر ثم أورد الحديث والحديث إخوتى الكرام أخذ قرابة ورقتين فى المسند ولا أريد أن أذكره كله لأنه يتعلق بأمر البعث إنما سأذكر محل الشاهد منه ألا وهو لذة التمتع التى يحصلها المؤمنون بزوجاتهم فى جنات النعيم وهذا الحديث استشهد به الإمام ابن القيم فى كثير من كتبه فاستشهد به فى روضة المحبين صفحة ثلاث وخمسين ومائتين واستشهد به فى حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح صفحة أربع وستين ومائة وصفحة ثمان وستين ومائة واستشهد به فى زاد المعاد فى الجزء الثالث صفحة سبع وسبعين وستمائة وأطال الإمام ابن القيم فى تقويته وتقريره وتصحيحه نسأل الله أن يطيل له النعيم العظيم فى البرزخ وفى جنات النعيم وأن يجعل لنا ذلك معه ومع عباد الله المؤمنين بفضله ورحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

والحديث فى الزاد فى الجزء الثالث بدايته من صفحة ثلاث سبعين وستمائة أخذ معه مع الكلام عليه إلى صفحة سبع وثمانين وستمائة يشرح الحديث ويقرره أما التى ذكرتها فحة سبع وسبعين وستمائة هذا محل الشاهد الذى سأذكره من الحديث إن شاء الله لكن بداية الحديث وقلت أخذ ورقتان كبيرتان من المسند وهنا ذكره ويعلق عليه من ثلاث وسبعين إلى سبع وثمانين يعنى أكثر من عشر صفحات أوليس كذلك خمس عشرة صفحة فى قدوم وفد بنى المنتفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول روينا عن عبد الله ابن الإمام أحمد ابن حنبل فى مسند أبيه إلى آخره محل الشاهد كما قلت إخوتى الكرام قال نبينا عليه الصلاة والسلام للقيط ابن عامر أبى رزين العقيلى رضى الله عنه وعن الصحابة أجمعين لعمر إلهك إن النار لها سبعة أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وإن الجنة لها ثمانية أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما يعنى أبواب الجنة متباعدة وأبواب النار متباعدة وكل من الدارين عظيمة عظيمة واسعة كبيرة قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلام نطلع من الجنة على أى شىء نشرف ونرى وبأى شىء نتمتع قال عليه الصلاة والسلام على أنهار من عسل مصفى وأنهار من خمر ما بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن ما يتغير طعمه وماء غير آسن وهذا منصوص عليه فى كلام ربنا جل وعلا وفاكهة ولعمر إلهك ما تعلمون يعنى ما تعلمون حقيقة ذلك لأنها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وخير من مثله معه وأزواج مطهرة هذا محل الشاهد قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبو رزين العقيلى لقيط ابن عامر أولنا فيها أزواج أو منهن مصلحات فقال عليه الصلاة والسلام المصلحات للصالحين وفى لفظ الصالحات للصالحين تلذونهن ويلذونكن مثل لذاتكم فى الدنيا وقلنا المثلية ليست من كل وجه من وجه دون بقية الوجوه المقصود تحصل لذة لكن اللذة هناك تناسب تلك الدار واللذة هنا

تناسب هذه الدار. إخوتى الكرام: كما قلت الإمام ابن القيم أطال فى تقرير هذا الحديث وتصحيحه فاستمعوا إلى خلاصة كلامه لأنه علق عليه بعض المشايخ المعاصرين سأذكر كلامه وأرده إن شاء الله يقول الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا هذا حديث كبير جليل تنادى جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن ابن المغيرة ابن عبد الرحمن المدنى رواه عنه إبراهيم ابن حمزة الزبيرى وهم كبارا علماء المدينة ثقتان محتج بهما فى الصحيح احتج بهما إمام أهل الحديث محمد ابن إسماعيل البخارى ورواه أئمة أهل السنة فى كتبهم وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد ولم يطعن أحد منهم فيه ولا فى أحد من رواته رضى الله عنهم أجمعين فممن رواه الإمام ابن الإمام وهو عبد الله ابن سيدنا الإمام أحمد عليهم جميعا رحمة الله أبو عبد الرحمن عبد الله ابن أحمد ابن حنبل فى مسند أبيه وفى كتاب السنة كما بينت ذلك وقال كتب إلى إبراهيم ابن حمزة ابن محمد ابن حمزة ابن مصعب الزبيرى كتبت إليك بهذا الحديث وقد عرضته وسمعته على ما كتبت به إليك فحدث به عنى إلى آخر إسناده ومنهم الحافظ الجليل أبو بكر أحمد ابن عمرو ابن أبى عاصم النبيل فى كتاب السنة له وحدثت مكانه من كتاب السنة لابن أبى عاصم ومنهم الحافظ أبو أحمد محمد ابن أحمد ابن إبراهيم ابن سليمان العسال فى كتاب المعرفة ومنهم حافظ زمانه ومحدث أوانه أبو القاسم سليمان ابن أحمد ابن أيوب الطبرانى فى كثير من كتبه وتقدم معنا رووا فى معجمه الكبير كما تقدم معنا ومنهم الحافظ أبو محمد عبد الله ابن محمد ابن حيان أبو الشيخ الأصبهانى فى كتاب السنة وما عندى علم عنه وكتاب العظمة كما قلت كنت أنقل منه بواسطة فلما وصل صرت أنقل منه مباشرة ومنهم الحافظ ابن الحافظ أبو عبد الله محمد ابن إسحاق ابن محمد ابن يحيى ابن منده حافظ أصبهان ومنهم الحافظ أبو بكر أحمد ابن موسى ابن

مردويه ومنهم حافظ عصره أبو نعيم أحمد ابن عبد الله ابن إسحاق الأصبهانى وجماعة من الحفاظ سواهم يطول ذكرهم وقال ابن منده روى هذا الحديث محمد ابن إسحاق الصنعانى وعبد الله ابن أحمد ابن حنبل وغيرهما وقد رواه بالعراق بمجمع العلماء وأهل الدين جماعة من الأئمة منهم أبو زرعة الرازى وأبو حاتم وأبو عبد الله محمد ابن إسماعيل ولم ينكره أحد ولم يتكلم فى إسناده بل رووه على سبيل القبول والتسليم ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف الكتاب والسنة هذا كلام أبى عبد الله ابن منده.

وهذا الكلام الذى قاله الإمام الهمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى هذا المكان أعنى فى زاد المعاد ذكر أيضا مختصره وما يشبهه فى حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح فى صفحة سبعين ومائة فقال ما خلاصته أيضا يقول هذا حديث كبير مشهور لا يعرف إى من حديث أبى القاسم عن عبد الرحمن ابن المغيرة ابن عبد الرحمن المدنى ثم من رواية إبراهيم ابن حمزة الزبيرى المدنى عنه وهما من كبار علماء المدينة ثقتان يحتج بهما فى الحديث احتج بهما الإمام محمد ابن إسماعيل البخارى وروى عنهما فى مواضع من كتابه رواه أئمة الحديث فى كتبهم منهم أبو عبد الرحمن ابن عبد الله ابن الإمام أحمد وأبو بكر أحمد ابن عمرو ابن أبى العاصم وهو ابن أبى عاصم الذى تقدم معنا فى كتاب السنة وأبو القاسم الطبرانى وأبو الشيخ الحافظ وأبو عبد الله ابن منده والحافظ أبو بكر أحمد ابن موسى ابن مردويه والحافظ أبو نعيم الأصبهانى وغيرهم على سبيل القبول والتسليم قال الحافظ أبو عبد الله ابن منده روى هذا الحديث محمد ابن إسحاق الصنعانى وعبد الله ابن أحمد ابن حنبل وغيرها وقرأوه بالعراق بمجمع العلماء وأهل الدين فلم ينكره أحد منهم ولم يتكلم فيه وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم على سبيل القبول وقال أبو الخير ابن حمدان هذا الحديث كبير ثابت مشهور وسألت شيخنا من السائل الإمام ابن القيم وسألت شيخنا أبا الحجاج المزى وهو شيخ الدنيا فى زمانه فى علم الحديث وهو شيخ الشيوخ فى زمنه عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وسألت شيخنا أبا الحجاج المزى عنه فقال عليه جلالة النبوة يعنى نور النبوة على هذا الحديث والذى يظهر وأنه خرج من مشكاة النبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه والإمام ابن كثير فى النهاية فى الفتن والملاحم روى هذا الحديث بإسناده من طريق شيخه شيخ الإسلام أبى الحجاج المزى فى الجزء الأول فى النهاية فى الفتن والملاحم فى الجزء الأول صفحة ثمان وستين ومائة رواه بإسناده من

طريق شيخه أبى الحجاج المزى ثمانية وستين أوليس كذلك ثمانى وستين ومائة انتهى الحديث هنا وبداية الصفحة ست وستين وعنون عليه حديث أبى رزين فى البعث أخبرنى شيخنا الحافظ أبو الحجاج يوسف ابن عبد الرحمن المزى تغمده الله برحمته وغير واحد من المشايخ قراءة عليهم وأنا أسمع قالوا أنبأنا فخر الدين إلى آخره. إخوتى الكرام: هنا لفظ المشائخ المشايخ همزها المشائخ وهذا خطأ من حيث اللغة جمع الشيخ مشايخ ولا يقال مشائخ هذا لحن وكان بعض علمائنا الكرام وشيوخنا الكبار يعنى يقول نكتة ظريفة فيقول همز المشايخ لا يجوز, لا يجوز أن تهمزهم ولا أن تهمز لفظهم إذا كتبت فلا تقل مشائخ مشايخ وإياك بعد ذلك أن تطعن فيهم همز المشايخ لا يجوز همز المشايخ لحن حرام فهمزهم كما قلت كتابة ومعنى كلاهما محرمان فانتبه لذلك محظوران فهنا وغير واحد من المشائخ هذا غلط وغير واحد من المشايخ قراءة عليهم إلى آخره.

إخوتى الكرام: هذا الحديث أورده الإمام ابن كثير فى البداية والنهاية أيضا فى الجزء الخامس صفحة اثنتين وثمانين فقال هذا حديث غريب جدا وألفاظه فى بعصها نكارة انتبه لهذا غريب جدا وألفاظه فى بعضها نكارة وهنا بعد أن أورده من طريق شيخه قال وقد رواه أبو داود فى رواية أبى سعيد ابن الأعرابى عن أبى داود عن الحسن ابن على عن إبراهيم ابن حمزة قال شيخنا لعله من زيادات ابن الأعرابى يقصد قال شيخنا المزى عليهم جميعا رحمة الله وقال الوليد ابن مسلم وقد جمع أحاديث وآثارا فى مجلد تشهد لحديث الصور فى1:23:7 متفرقاتهم يعنى هذه المفرقات التى جاءت والجمل فى حديث الصور الطويل كل جملة منه وجد لها شواهد كما سيأتينا إن شاء الله الإشارة لذلك فى البداية والنهاية يقول هذا حديث غريب جدا وألفاظه فى بعضها نكارة قال الإمام ابن كثير وقد رواه البيهقى فى البعث والنشور لم أره فى كتاب البعث والنشور بعد بحث وهو فى مجلد واحد فابحثوا فيه وإن وجدتم الحديث فيه فأخبرونى قال ورواه عبد الحق فى كتاب العاقبة نعم موجود فى كتاب العاقبة فى صفحة تسع وخمسين ومائتين وصفحة خمس وسبعين ومائتين فى كتاب العاقبة لعبد الحق الإشبيلى عليهم جميعا رحمة الله قال ابن كثير ورواه القرطبى فى التذكرة فى أحوال الموتى وأمور الآخرة انظروا التذكرة فى صفحة ثلاث عشرة ومائتين قال ابن كثير وسيأتى فى كتاب البعث والنشور يعنى فى كتاب البعث من البداية والنهاية والنهية هى هذه كتاب النهاية فى الفتن والملاحم تابع للبداية هذا حديث أبى رزين فى البعث أورده هنا يقول سيأتى وأورده فى هذا المكان والحديث أشار إليه الحافظ ابن حجر فى تهذيب التهذيب فى الجزء الخامس صفحة ست وخمسين فى ترجمة عاصم ابن لقيط فقال رواه الطبرانى مطولا وهو غريب جدا ابن كثير ما يقول عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا حديث غريب وألفاظه فى بعضها نكارة والإمام الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول هذا

حديث غريب جدا. إخوتى الكرام: ما المراد بالغرابة وما المراد بالنكارة هذا ما كان فى نتيى أن أتكلم عليه لأذكر تعليق بعض المعلقين فى هذا الحين وقد كتب تعليقا على هذا الحديث بقرابة صفحة وذهب إلى أن الحديث لا يصح ثم بعد ذلك يعنى عرض بالإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة رينا وقال إن الحديث لما اتفق مع مشربه جمع جراميزه ويقصد بالجراميز هنا يعنى جمع أعضاءه مع نفسه يعنى جمع كليته يقال جمع جراميزه ليثبت على الخيل يقال أخذت الشىء بجراميزه يعنى بحذافيره وكله يقول جمع جراميزه لتقوية هذا الحديث ثم أعطى النصيحة على حسب اجتهاده وهو فى مقال إن شاء الله يعنى مجتهد لكن الكلام مردود كما سأبين ثم قال ينبغى أن نحترس من الإمام ابن القيم فى مثل هذه المواطن إذا كان الحديث يعنى يوافق مشربه يجمع جراميزه لتصحيحه ولتقويته مع أن هذا الحديث الذى روى فى تلك الكتب قال تلك الكتب معروفة بالتساهل ففيها الضعيف والمنكر والمتروك ويشيع فيها الموضوع ومسند الإمام أحمد تقدم معنا هذا الحديث فى المسند وقلنا لا يشيع فيه الموضوع وقد ألف الحافظ ابن حجر كما تقدم معنا ومن بعده كتبا فى الدفاع عن المسند القول المسدد فى الذب عن المسند فالقول بأن المسند مما يشيع فيه الموضوع هذا غير مسلم على أن معنى الحديث وإسناده سيأتينا الكلام عليه وما أحد من أئمتنا قال إن الحديث لا يصح أو موضوع نعم إذا كان فى الإسناد رواة اختلف فيهم انتبه اختلف فيهم فى توثيقهم وفى تضعيفهم لا يعنى أن الحديث لا يصح وتقدم عنا فى البداية كلام شيخ الإسلام الحافظ الهيثمى قال هذا إسناد رجاله ثقات وهو متصل الإسناد أوليس كذلك فهو يرى أن كل راو فى هذا الإسناد ثقة ورأى هذا غيره من أئمة الإسلام كما سيأتينا وصححه عدد من الأئمة نعم وجد من ضعفه لكن الضعف الذى فى إسناده إذا وجد بعد ذلك شواهد لمتنه ينحبر هذا الضعف على أن بعض الأئمة حسنه وصححه بافراده دون شواهد له فالقول

بأنه لا يصح قائل هذا الكلام لا أريد أن أذكره الآن إنما أذكره فى أول الموعظة الآتية وأقرأ كلامه وأبين إن شاء الله بطلانه من أوجه ثابتة بعون الله جل وعلا ومعنى الحديث سواء هذه الجزئية والفقرة التى تقدمت معنا فى حديث لقيط ابن عامر أبى رزين أو فى الفقرات الأخرى كلها ثابتة عن نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا. اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا. اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

78ملازمة البكارة للزوجات فى الآخرة

ملازمة البكارة للزوجات في الآخرة (مبحث) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان ملازمة البكارة للزوجات في الآخرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد إخوتى الكرام.. لازلنا نتدارس مقاصد النكاح العامة وحكمه الأساسية وتقدم معنا أن الحكمة من مشروعيته تدور على أمور كثيرة أبرزها خمسة أمور أولها تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية سواء كانت حسية أو معنوية وثانيها إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية وثالثها تحصيل الأجر للزوجين عن طريقين اثنين حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدته فى نفقته رابع هذه الحكم ورابع المقاصد كما تقدم معنا تذكر لذة الآخرة وما قبلها مر الكلام عليه وضحا مفصلا وكنا نتدارس هذه الحكمة ولعلنا ننتهى منها فى هذه الليلة المباركة إن شاء الله والحكمة الخامسة كما تقدم معنا ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل صاحبه وعشريته. إخوتى الكرام..

الحكمة الرابعة أخذنا فيها وقتا غير قليل فى مدارستها ألا وهى أن لذة النكاح فى هذه الحياة تذكر بلذة النكاح التى تكون فى نعيم الجنات عند تمتع المؤمنين بالمؤمنات والحوريات وتقدم معنا أن هذه الشهوة هى أعظم المشتهيات عند المخلوقات وهى ألذ اللذائذ الحسية مع ما فيها من آفات ردية وإذا تعلقت النفس البشرية بهذه الشهوة فى هذه الحياة مع ما فيها من آفات فحرى بها أن تتعلق بها فى الدار الآخرة حيث لا يوجد فيها آفة من الآفات ولذلك ما ذكر الله فى الجنة من نعيم عظيم ينبغى أن يحث ذلك التذكير والذكر هممنا إلى ما رغبنا فيه ربنا ورحمة الله ورضوانه على سيد المسلمين وإمامهم الإمام الحسن البصرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا عندما كان يقول ما حلى الله الجنة ولا جلاها لأحد من الأمم السابقة كما حلاها وجلاها لهذه الأمة يعنى ما نعت الله الجنة بالأوصاف التى فيها بحيث كأنهم يرونها أمام أعينهم ما نعت الله هذه الدار لأحد من الأمم السابقة كما نعتها لهذه الأمة والسبب فى ذلك أنها آخر الأمم وهى أحب الأمم إلى الله جل وعلا ومن أجل ذلك نعت الله ما فى الجنة لعباده المؤمنين لأتباع نبينا الأمين عليه وعلى وآله وصحبه صلوات الله وسلامه من أجل أن يشتاقوا ويتطلعوا إلى هذه الجنة وإلى ما أعد الله لهم فيها ما حلى الله الجنة ولا جلاها لأحد من الأمم السابقة كما حلاها ووصفها وبين ما فيها من نعمة وجلاها لهذه الأمة ثم قال الحسن البصرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وليس فينا عاشق لها يعنى مع ذلك الله جل وعلا حلاها لنا وجلاها لنا ورغبنا فيها وما فينا من يعشقها ويتعلق بها ويرغب فيها وحقيقة عجيب أمر الجنة كما تقدم معنا نام طالبها وعجيب أمر النار نام هاربها. إخوتى الكرام..

تقدم معنا أن عددا من الصالحين عليهم جميعا رحمات رب العالمين كانوا يرون فى منامهم ما رغبوا فيه فى آخرتهم ما سيكون فى الآخرة كانوا يرونه وتقدم معنا أنه عدد من الصالحين رأوا الحور العين تقدم معنا هذا فى أخبار من تقدم من التابعين وحكى هذا عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وافتتح هذه الموعظة بعبد صالح أيضا رأى حورية جميلة وأنشدته بعض الأبيات الشعرية فحفظها وضبطها لنا ألا وهو مالك ابن دينار عليه وعلى أئمتنا رحمة العزيز الغفار وتقدم معنا هذا عن أصحاب منصور ابن عمار سابقا وعن غيره وهنا عن مالك ابن دينار عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وتقدم معنا هذا عن أبى سليمان الدارانى وتقدم معنا عن تابعى أو صحابى كما فى كتاب الزهد لهناد ابن الثرى وهنا هذه القصة عن مالك ابن دينار ويرويها الإمام القرطبى فى التذكرة فى بيان أحول الموتى وأمور الآخرة فى صفحة ست وسبعين وخمسمائة عن هذا العبد الصالح وهو مالك ابن دينار وهو من أئمتنا الأخيار الأبرار أبو يحيى نعته الإمام ابن حجر فى التقريب فقال صدوق عابد توفى سنة ثلاثين ومائة للهجرة وقد أخرج حديثه الإمام البخارى فى صحيحه معلقا وأهل السنن الأربعة والإمام الذهبى فى السير ترجمه فى الجزء الخامس صفحة اثنتين وستين وثلاثمائة فقال علم العلماء الأبرار مالك ابن دينار ثم قال حديثه فى درجة الحسن رحمة الله ورضوانه عليه ومن مناقبه وأخباره الطيبة أنه دخل عليه مرة بعض اللصوص بعض السراق فلم يجد فى بيته شيئا يسرقه فقال يا هذا هل وجدت شيئا قال لا قال إن دللتك على شىء تفعله قال نعم توضأ وصل ركعتين فتوضأ وصلى ركعتين ثم تعلق بهذا العبد الصالح مالك ابن دينار وصار من تلاميذه الأخيار فقال جاء ليسرق فسرقناه سرقناه من الشيطان قال وصار من جند الرحمن مالك ابن دينار عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا. يقول هذا العبد الصالح قرأت مرة وردى ثم نمت فرأيت جارية أضوء من الشمس وأبهى من القمر

فقلت لها من أنت فقالت ألا تعلم من أنا أنا أربى لك فى الخدر منذ كذا وكذا نحن نربى لك فى خيام الجنة وأنت نائم ثم أنشدته أبياتا من الشعر حفظها وضبطها ونقلها لنا رحمة الله ورضوانه عليه قال فقالت له: لهاك النوم عن طلب الأمانى ... وعن تلك الأوانس فى الجنان تعيش مخلدا لا موت فيها ... وتلهو فى الخيام مع الحسان وإذا كنت الحوراء تخاطب مالك ابن دينار بهذا فماذا تقول عنا: لهاك النوم عن طلب الأمانى وعن تلك الأوانس فى الجنان تعيش مخلدا لا موت فيها لا تموت فى الجنة إذا دخلت فيها حور مقصورات فى الخيام فيهن خيرات حسان وتلهو فى الخيام مع الحسان. تنبه من منامك إن خيرا ... من النوم التهجد بالقرآن فقام وواصل ورده رحمة الله ورضوانه عليه.

إخوتى الكرام: يعنى من استقرأ أخبار الصالحين وجد هذا مبثوثا فى سيرهم بكثرة إذا نام الواحد منهم يكون نومه مطية له إلى الآخرة ولذلك قد يحصل من الفوائد والفرائد فى نومه ما لا يحصله فى يقظته فإذا نام اجتمع بالنبى عليه الصلاة والسلام إذا نام التقى بالحور الحسان إذا نام كلمه ذو الجلال والإكرام وهذه لا تحصل فى اليقظة يعنى رؤية النبى عليه الصلاة والسلام لا تحصل لواحد منا فى اليقظة بعد انتقال نبينا عليه وعلى آله وصحبه صلوات الله وسلامه إلى الرفيق الأعلى لا تحصل لنا رؤيته باليقظة لكن إذا نمنا نراه وهكذا الحور الحسان وهكذا ذو الجلال والإكرام لا نراه فى هذه الحياة فى اليقظة ونسأل الله أن يكرمنا بلذة النظر إلى وجهه الكريم فى جنات النعيم إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين لكن رؤية الله فى المنام جائزة بإجماع أهل السنة فإذا نام الإنسان يرى ربه يرى نبيه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يرى الحور الحسان تخاطبه تقول أنت من تعلم من أنا تسألنى من أنتِ أربى لك فى الخدر فى الخيام منذ كذا وكذا يا مالك ابن دينار فشد العزم فى طاعة العزيز القهار سبحانه وتعالى كما قلت إخوتى الكرام أخبار الصالحين فى ذلك كثيرة كثيرة وكنا نستقرأ إخوتى الكرام ونتدارس فى المواعظ السابقة ما ورد فى وصف الحور الحسان من أخبار عن نبينا المختار عليه الصلاة والسلام كنا نتدارس ما ورد فى وصفهن بعد أن تدارسنا وذكرت وصفهن فى كتاب الله انتقلت إلى وصفهن فى أحاديث نبينا رسول الله عليه الصلاة والسلام وكما قلت فى الموعظة الماضية سأختم الحديث عنهن بأمرين اثنين الأمر الأول فى لذة التمتع بهن والأمر الثانى أن الواحد منهن تعود بكرا كلما قام زوجها عنها كما تقدم معنا هذا آخر ما تكلمت عليه فى الموعظة الماضية.

وقلت سأكمله فى أول هذه الموعظة حديث لقيط ابن عامر رضى الله عنه وأرضاه لقيط من بنى المنتفق كما تقدم معنا فى زيادات سيدنا عبد الله ولد سيدنا الإمام المبجل أحمد ابن حنبل عليهم جميعا رحمة الله فى زياداته على المسند ورواه أيضا فى السنة ومروى فى غير ذلك من دواوين الإسلام ونقلت كلام الإمام ابن القيم الجوزية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية فى تصحيح هذا الحديث وتقويته من كتابين من كتبه من كتاب حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح ومن كتاب زاد المعاد فى هدى نبينا خير العباد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه كما نقلت فى بداية الكلام عند هذا الحديث توثيق الإمام الهيثمى لجميع رجال إسناد الحديث وقال إسناده متصل ورجاله ثقات كما تقدم معنا أذكر لفظه إخوتى الكرام لأتكلم على ما قيل من اعتراض على الإمام ابن قيم الجوزية عليه وعلى أئمتنا رحمة رب العالمين ما قيل من اعتراض عليه فى تصحيحه لهذا الحديث تقدم معنا إخوتى الكرام أن الحديث طويل وأخذ قرابة صفحتين من المسند كما قلت وقلت إنه فى مسند الإمام أحمد فى الجزء الرابع من صفحة ثلاث عشرة فما بعدها ومحل الشاهد منه وإن الجنة لها ثمانية أبواب بعد أن قال لعمر إلاهك إن النار لها سبعة أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وإن الجنة لها ثمانية أبواب ما منها بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما وتقدم معنا هذا وهذا آخر شىء ذكرته كما قلت قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلام نطلع من الجنة ماذا نشاهد وماذا نحصل فيها قال على أنهار من عسل مصفى وأنهار من خمر ما بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن ما يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة ولعمرك إلاهك ما تعلمون يعنى يوجد أشياء لا تعلمونها ولعمر إلاهك ما تعلمون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة قلت يا رسول الله عليه الصلاة والسلام أولنا فيها أزواج أو منهن مصلحات هذا موجود فى القرآن الكريم ولهم فيها أزواج

مطهرة كما تقدم معنا فقال عليه الصلاة والسلام المصلحات للصالحين للصالحين وفى لفظ الصالحات للصالحين تلذونهن ويلذونكن مثل لذاتكم فى الدنيا وقلنا المثلية من وجه دون وجوه متعددة فاللذة حاصلة لكن شتان شتان ما بينهما من حقيقة اللذة فالبون بينهما كالبون بين دار الآخرة ودار الدنيا. إخوتى الكرام: هذا الحديث تقدم معنا أن الإمام الهيثمى قال إنه متصل ورجال إسناده ثقات والإمام ابن القيم أطال كما تقدم معنا النفس فى تصحيح هذا الحديث وتقويته وقلت إن بعض المعلقين فى هذه الأيام على بعض الكتب ما ارتضى مسلك الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ورد عليه ثم بعد ذلك قال ينبغى أن نحتاط نحو كلام ابن القيم إذا وافق كلامه مشربه إذا صحح أحاديث توافق مشربه ينبغى أن نحتاط فيها فأحيانا يتساهل فقد يكون الحديث مردودا ضعيفا متروكا منكرا ويأتى الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فيصححه أقرأ لكم كلام هذا المعلق ثم بعد ذلك نتدارس منزلة هذا التعليق إن شاء الله المعلق هو الشيخ عبد الفتاح أبو غدة فى كتابه فى تعليقه فى الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة وهو يعنى شيخ جليل لكنه فى الحقيقة قسى على الإمام ابن القيم الجوزية فى تعليقه فلا بد من بيان قيمة هذا التعليق انظروا التعليق كما قلت فى هذا الكتاب فى صفحة ثلاثين ومائة أقرأ لكم تعليقه ثم إن شاء الله أناقشه بعد ذلك فيه أما الإمام ابن القيم فمع جلالة قدره هنا يتكلم على الكتب التى تحمل الأحاديث الواهية فذكر نماذج من الكتب المتقدمة والمصنفين لها ثم جاء إلى الإمام ابن القيم قال أما ابن القيم فمع جلالة قدره ونباهة ذهنه ويقظته البالغة فإن المرء ليعجب منه رحمه الله كيف يروى الحديث الضعيف والمنكر فى بعض كتبه كمدارج السالكين من غير أن ينبه عليه بل تراه إذا روى حديثا جاء على مشربه المعروف طيب ما هو مشربه ما صرح به بالغ فى تقويته وتمتينه كل المبالغة حتى يخيل

للقارىء أن ذلك الحديث من قسم المتواتر فى حين أنه قد يكون حديثا ضعيفا أو غريبا أو منكرا ولكن لما جاء على مشربه جمع له جراميزه وكنت ذكرت هذه العبارة سابقا وقلت المراد من الجراميز الأطراف أطراف البدن المقصود جمع كله وحشد طاقته لتقوية هذا الحديث يقال جمع جراميزه يعنى تقبض وانجمع وجمع أطرافه ليثب جمع جراميزه وأخت الشىء بجراميزه كما قلت لكم أى بحذافيره وكله جمع جراميزه جمع له جراميزه زهب لتقويته وتفخيم شأنه بكل ما أوتيه من براعة بيان وقوة لسان هاتى مثالا على ذلك ذكر هذا الحديث الذى معنا وهو حديث لقيط من بنى المنتفق رضى الله عنه وأرضاه قال وأكتفى على سبيل المثال بالإشارة إلى حديث واحد من هذا النمط رواه رحمه الله فى كتابه زاد المعاد فى هدى خير العباد على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه أثناء كلامه عن وفد بنى المنتفق وكنت ذكرت أن هذا موجودا فى الجزء السابع فى صفحة سبع وسبعين وستمائة وما بعدها وما قبلها حول هذا الكلام لكن محل الشاهد الذى قرأته فى هذا المكان سبع وسبعين ستمائة وحديثه على وفد بنى المنتفق قلت أخذ قرابة عشر صفحات هذا محل الشاهد هنا يقول فقد ساق هناك حديثا طويلا جدا ثم بعض فقرات من هذا الحديث الذى قلت أخذ صفحتين من مسند الإمام أحمد ثم قال المعلق وبعد أن ساق الحديث المشار إليه أتبعه بكلام طويل فى تقويته استهله بقوله هذا حديث جليل كبير وتقدم معنا كلام الإمام ابن القيم تنادى جلالته وفخامته وعظمته على أن قد خرج من مشكاة النبوة لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن ابن المغيرة المدنى نقاط ثم استرسل يقول الشيخ المعلق فى توثيق عبد الرحمن ومن رواه عنه استرسالا غريبا استرسل فى توثيق عبد الرحمن ومن رواه عنه استرسالا غريبا كما أنه سرد الكتب التى روى الحديث فيها وتقدم معنا روى فى المسند وكتاب السنة للإمام عبد الله وروى أيضا فى السنة لابن أبى عاصم وغير ذلك كما أنه موجود فى غير ذلك من

الكتب كما تقدم معنا استرسل يقول فى ذلك سرد الكتب التى روى الحديث فيها وهى كتب معروفة بشيوع الحديث الضعيف والمنكر والموضوع فيها ضعيف ومنكر وموضوع وهو من أعلم الناس بحالها ولكن غلبته عادته ومشربه فذهب يسردها ويطيل بتفخيم مؤلفيها تهويلا بقوة الحديث وصحته مع أن الحديث حينما رواه صاحبه الحافظ ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه البداية والنهاية وتقدم معنا كلام الحافظ أيضا أعقبه بقوله هذا حديث غريب جدا وألفاظه فى بعضها نكارة تقدم معنا هذا وكذلك الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئنمتا رحمة ربنا فى تهذيب التهذيب تقدم معنا أنه نقل هذا الكلام وذكره فى ترجمة عاصم ابن لقيط ابن عامر ابن المنتفق العقيلى بعد أن أشار للحديث ومن رواه من المؤلفين قال الحافظ ابن حجر وهو حديث غريب جدا يقول الشيخ المعلق على كتاب الأجوبة الفاضلة للإسئلة العشرة الكاملة فحينما يقول الحافظ ابن كثير الحافظ ابن حجر فى الحديث المشار إليه حديث غريب جدا وألفاظه فى بعضها نكارة ترى الشيخ ابن القيم يسهب ويطنب فى دعمه وتصحيحه حتى نقل مرتضيا قول من قال ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة هذا نقله الإمام ابن القيم كما تقدم معنا ونقله غالب ظنى عن الإمام ابن منده كما تقدم معنا أوليس كذلك يقول قال ابن منده روى هذا الحديث محمد ابن إسحاق الصنعانى وعبد الله ابن أحمد ابن حنبل وغيرهما وقد رواه بالعراق بجمع من العلماء وأهل الدين جماعة من الأئمة منهم أبو زرعة الرازى وأبو حاتم وأبو عبد الله محمد ابن إسماعيل ولم ينكره أحد ولم يتكلم فى إسناده بل رووه على سبيل القبول والتسليم ولا ينكر هذا الحديث هذا كلام مَن الإمام ابن منده ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتب والسنة هذا كلام أبى عبد الله ابن منده فهنا ما سماه يقول حتى نقل مرتضيا قول من قال ولا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة

ثم ختم الشيخ المعلق كلامه بقوله قال فصنيع ابن القيم هذا يدعو إلى البحث والفحص عن الأحاديث التى يرويها من هذا النوع ويشيد بها فى تآليفه وهى من كتب يوجد فيها الحديث الضعيف والمنكر والموضوع فهذا الكلام حقيقة مردود ولا بد من أن نقف عنده أيضا. أولا إخوتى الكرام: قول المعلق على الكتاب غفر الله لنا وله وللمسلمين أجمعين إن الإمام ابن القيم عندما وافق هذا الحديث مشربه جمع جراميزه لتقويته وتصحيح حاله يعنى حقيقة لابد من بيان المشرب ما مشرب الإمام ابن القيم مشربه مشرب أهل السنة والجماعة فليس فى الحديث خروج عن أصول أهل السنة والجماعة وعن قواعدها فماذا فى الحديث يعنى من أمور منكرة لو حددها وقال هذا لا يصح وهذه اللفظة باطلة على حسب أصول أهل السنة والجماعة لكان فهم يعنى ماذا يراد وافق الحديث مشربه حقيقة يعنى هذا الأمر غير مقبول أبدا ومطلقا الحديث وافق مشربه ابن القيم ولذلك جمع قوته لتصحيح هذا الحديث طيب ما مشرب الإمام ابن القيم مشربه مشرب أهل السنة والجماعة فإذا كان عنده مشرب آخر لا بد من تحديد المشرب وأين هذا الحديث وافق ذلك المشرب حتى ينظر هل هذا الأمر كذلك أو لا.

الأمر الثانى: قول الشيخ أيضا المعلق إن الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا استرسل فى توثيق عبد الرحمن ومن رواه عنه استرسالا غريبا حقيقة هذا التعليق غريب عجيب ماذا قال الإمام ابن القيم انتبه ماذا يقول فى عبد الرحمن يقول هذا حديث كبير جليل تنادى جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة انتبه لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن ابن المغيرة ابن عبد الرحمن المدنى رواه عنه إبراهيم ابن حمزة الزبيرى ماذا قال الإمام ابن القيم لا يوجد استرسال أبدا كلام باختصار فى بيان حال هذين الراويين قال انتبه وهما من كبار علماء المدينة ثقتان محتج بهما فى الصحيح احتج بهما إمام أهل الحديث محمد ابن إسماعيل البخارى انتهى وما زاد على هذا ولا كلمة ثم قال ورواه أهل السنة فى كتبهم هذا حديث كلام آخر وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد هذا موضوع آخر للحديث لكن فى الكلام على هذين الراويين كلام فى سطرين يعنى تكلم على روايين فى سطرين هذا استرسال قال استرسل استرسالا غريبا فى توثيق عبد الرحمن ابن المغيرة ومن رواه عنه فى الحقيقة ما يوجد استرسال كلام فى منتهى الاختصار وأنا أقول عبد الرحمن ابن المغيرة من رجال البخارى وأبى داود فى السنن كما قال الإمام ابن القيم روى عنه الإمام أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل شيخ المحدثين وهكذا الراوى عنه وهو تلميذ إبراهيم ابن حمزة الزبيرى أيضا روى له البخارى وأبو داود والنسائى هذا موجود فى تقريب التهذيب عنكم فالأول روى له البخارى وأبو داود والثانى البخارى وأبو داود والنسائى وهو ثقة عدل إمام صدوق مبارك فهو من رجال البخارى هما من رجال البخارى أين استرسل ما استرسل بل إن الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا الكلام الذى ينبغى أن يسترسل فيه وأن يتكلم عليه وأن يزيل الإشكال نحوه طوى عنه صفحة يعنى هو لا إشكال فى هذين الراويين وهما الراوى الذى روى عنه عبد الله ابن الإمام أحمد

وهو شيخ له وهو إبراهيم ابن حمزة هذا الراوى الأول عن عبد الرحمن ابن المغيرة ابن عبد الرحمن المدنى واضح هذا هذان لا كلام عليهما كل منهما من رجال البخارى لكن الكلام فى الراوى الثالث والرابع والخامس والإمام ابن القيم ما تكلم لا على الثالث ولا على الرابع ولا على الخامس أما هذان من رجال البخارى وقوله استرسل فى ترجمة عبد الرحمن ومن روى عنه يعنى تلميذه وهو إبراهيم ابن حمزة وإبراهيم ابن حمزة هذا شيخ عبد الله ولد الإمام أحمد فإذن لا يوجد استرسال الآن هنا الاسترسال يعنى لو أطال فى ترجمة حولها كلام قال فقط هذان احتج بهما البخارى اختصر غاية الاختصار لكن الإمام ابن القيم المكان الذى ينبغى أن يتكلم عليه وأن يزيل الإشكال نحوه طوى عنه صفحة فو تكلم هناك واسترسل لربما قيل تكلم هنا فقط قال لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن ابن المغيرة ابن عبد الرحمن المدنى رواه عن إبراهيم ابن حمزة الزبيرى وهما من كبار علماء المدينة ثقتان محتج بهما فى الصحيح احتج بهما إمام أهل الحديث محمد ابن إسماعيل البخارى عليهم جميعا رحمة الله هذا كلام حق أم لا حق هذا كما قلت موجود فى سائر كتب أئمتنا كلاهما من رجال البخارى فقول الشيخ المعلق استرسل هنا كما يقول استرسل فى توثيق عبد الرحمن ومن رواه عنه استرسالا غريبا حقيقة الحكم عليه بأنه استرسل فى توثيق هذين الرجلين وهذا غريب من ابن القيم الحكم عليه بالغرابة غريب.

الأمر الثالث: قول الشيخ المعلق إن الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا نقل هذا الحديث من كتب يشيع فيها الضعيف والمنكر والموضوع العبارة فى الحقيقة يعنى ثقيلة ثقيلة فهل يشيع الموضوع فى مسند الإمام أحمد تقدم معنا أن الحديث فى المسند وهو يقول تلك الكتب يشيع فيها الضعيف والمنكر والموضوع فهل يشيع فى مسند الإمام أحمد الحديث الموضوع حقيقة الأمركما قلت ليس لذلك وتقدم معنا فى الواعظ السابقة لعلها الماضية والتى قبلها كلام حول مسند الإمام أحمد عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وأنه ألف فى ذلك كتب من قبل الحافظ ابن حجر وممن بعده فى الذب عن مسند الإمام أحمد عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إذن قوله هذه الكتب التى نقل منها هذا الحديث يشيع فيها الضعيف والمنكر والموضوع بالنسبة للموضوع وإدخال هذا الوصف فى المسند ثقيل ثقيل ثقيل. الأمر الرابع: هذا الحديث إخوتى الكرام من حيث معناه لا إشكال فيه معناه ثابت ولفقراته شواهد وما ورد فيه من وصف لله جل وعلا ببعض الصفات التى يتصف بها ككونه جل وعلا يضحك أو غير ذلك من الصفات التى وردت فى هذا الحديث لا إشكال فى ذلك على الإطلاق فتقدم معنا إخوتى الكرام مرارا أن إيماننا بصفات ربنا يقوم على ركنين ركينين اقرار وامرار فالله ليس كمثله شىء سبحانه وتعالى وهو السميع البصير وقلت مرارا من أدخل عقله فى صفات الله فهو بين أمرين إما أن يعطل وإما أن يمثل وكلاهما محذوران منكران فإن أردت أن تتوهم من صفات الله ما هو معروف فى خلقه فقد مثلت الله بخلقه ومن شبه الله بخلقه فقد كفر وإذا أردت بعد ذلك أن تنفى ما يتصف به ربنا لئلا يلزم من ذلك مشابهة بينه وبين خلقه فقد عطلت الله عن صفاته وقلت إن المعطل يعبد عدما كما أن الممثل يعبد صنما والله ليس كثله شىء وهو السميع البصير.

وقلت مرارا إخوتى الكرام إدخال العقل فى أمور الغيب أشنع عيبا إياك أن تدخل عقلك فى المغيبات ونحن آمنا بربنا جل وعلا وهذات أول ركن فى الإيمان الذين يؤمنون بالغيب {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين* الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} يؤمنون بالغيب فآمنا بربنا جل وعلا فينبغى أن نقف عند حدنا ولا يجوز أن ندخل عقولنا فى تكييف ربنا كما لا يجوز أن ندخل عقولنا فى نفى الصفات عن إلاهنا جل وعلا اقرار وامرار فمعنى الحديث ثابت وهذه الجزئية التى معنا أن الإنسان له زوجات فى الجنة ويلذهن وأيضا هن يتلذذن به كل هذا ثابت فى آيات وأحاديث ثابتة قطعية أى محذور فيه يعنى لو حدد المحذور فى الحديث ليحصل حوله كلام لكان الأمر واضحا إذن معناه كما قلت ثابت أما من حيث السند فيبقى هذه قضية لها كلام إذا اختلف فيه أئمتنا فينبغى نحن يعنى أن ننظر إلى هذا الكلام حسب قواعد علم الحديث ولا داعى بعد ذلك يعنى أن نرد قولا بشدة على حساب قول نعم هذا الحديث أئمتنا تكلموا حول سنده واختلفوا فى أمره فالإمام الهيثمى يرى أن جميع رجال الإسناد ثقات عليهم جميعا رحمة الله ولا يجوز أن تحكم عليه بكلام غيره والإمام ابن القيم إذا ارتضى هذا فهذا أيضا إمام من الأئمة نعم عندما بحث أئمتنا فى الترجمة التفصيلية لرواة هذا الحديث أنقل لكم ترجمته بما يبين أن الحديث فيه ضعف يسير ينجبر هذا الضعف بوجود متابع أو شاهد فقط كما فى رجال الإسناد من تكلم فيه أو جرح غاية ما فيه أنه لا يوجد فى بعض رجال الإسناد من لم يرو عنه إلا راو واحد وقد وثقه ابن حبان والإمام الهيثمى ينص على توثيقهم بعض الأئمة لا يقبلون هذا لكن الحديث لا يصل إلى درجة نكارة ووضع وما حكم يعنى على بعض ألفاظه بنكاره سيأتينا توجيه هذا فى كلام أئمتنا بما يسميه الشيخ المحقق إن شاء الله فانتبهوا لذلك إخوتى الكرام تقدم معنا الراوى الأول من رجال البخارى أوليس كذلك إبراهيم

ابن حمزة وهذا ممن جاوز القنطرة وارتفع عنه القيل والقال والراوى الثانى ألا وهو عبد الرحمن ابن المغيرة أوليس كذلك عبد الرحمن ابن المغيرة الراوى الأول من الطرف الأخير يعنى الذى أذكره ليس من جهة الصحابى من جهة عبد الله شيخه إبراهيم ابن حمزة من رجال البخارى شيخ شيخه وهو روى الحديث عن عبد الرحمن ابن المغيرة تقدم معنا من رجال البخارى الراوى الثالث الذى معنا روى الحديث عبد الرحمن ابن المغيرة رواه عن عبد الرحمن ابن عياش السمعى المدنى عبد الرحمن ابن عياش حكم عليه الحافظ فى التقريب بأنه مقبول وقال من رجال أبى داود وقال الخزرجى فى الخلاصة وثقه ابن حبان وقال الذهبى فى الكاشف عليهم جميعا رحمة الله فى الجزء الثانى صفحة ستين ومائة وثق هذا عبد الرحمن ابن عياش السمعى لم يتكلم عليه ابن القيم هذا عبد الرحمن ابن عياش السمعى كما قلت وثق وثقه ابن حبان الإمام ابن حجر يقول مقبول إذا وجد متابع ووجد شاهد لهذا الحديث فقد اعتضد وتقوى عبد الرحمن إخوتى الكرام الذى هو ابن عياش انفرد بالرواية عنه مَن الراوى الثانى عبد الرحمن ابن المغيرة لم يرو عنه إلا هذا يعنى ليس فيه جرح فى عبد الرحمن ابن عياش السمعى ما قيل فيه جرح ولا اتهم بشىء لكن الجهالة ما زالت عنه برواية راو على اصطلاح الجمهور لذلك قاتل عنه أئمتنا قال الذهبى فى الميزان لم يرو عنه إلا عبد الرحمن ابن المغيرة الذى تقدم معنا واضح هذا وهو صاحب حديث لعمر إلاهك وعبد الرحمن ابن المغيرة تقدم معنا الذى روى عن عبد الرحمن ابن عياش ولذلك قلنا من رجال البخارى إذن هذا الراوى الأول على حسب اصطلاح الجمهور حوله كلام ومع ذلك كما قلت فى ذلك نزاع الذهبى فى الكاشف يقول وثق وابن حبان يوثق والهيثمى يطلق القول جميع الرجال ثقات الراوى الرابع وهو شيخ عبد الرحمن ابن عياش فيه ما فيه التلميد لم يرو عنه إلا تلميذه وهو عبد الرحمن ابن عياش الشيخ هو دلهم ابن الأسود ابن عبد الله

العقيلى حجازى مقبول قال الحافظ فى التقريب من رجال أبى داود فقط قال الخزرجى فى الخلاصة مقاله فى عبد الرحمن ابن عياش السمعى المدنى تماما وثقه ابن حبان وقال الذهبى فى الكاشف ما قاله فى تلميذه عبد الرحمن ابن عياش السمعى وقال وثق هذا ثان حوله كلام وعلى حسب اصطلاح الجمهور كما قلت فيه جهالة لأنه لم يرو عنه إلا راو واحد قال الذهبى فى الميزان دلهم لم يرو عنه إلا عبد الرحمن وحده وهو عبد الرحمن من ابن عياش السمعى لم يرو عنه إلا عبد الرحمن وحده ثم قال وثقه ابن حبان والراوى الثالث دلهم روى هذا الحديث عن أبيه لم يرو عن والد دلهم وهو الأسود إلا الولد دلهم فهؤلاء الثلاثة لم يرو عن كل واحد منهم إلا راو واحد فالحافظ ابن حجر حكم على الثلاثة بالقبول مقبول مقبول وكل واحد من هؤلاء كما تقدم معنا وثق إذن دلهم روى الحديث عن أبيه أبوه هو الأسود ابن عبد الله العقيلى حجازى قال الحافظ فى التقريب مقبول قال الذهبى فى الميزان فى ترجمته فى الجزء الأول صفحة ست وخمسين ومائتين ما روى عنه سوى ولده له حديث واحد رواه عن عمه عاصم ابن لقيط الحديث الذى تقدم معنا إذن إخوتى الكرام فمعنا عبد الرحمن ابن عياش ودلهم ووالد دلهم وهو الأسود ابن عبد الله هؤلاء الثلاثة وثقوا والحافظ ابن حجر حكم عليهم بالقبول فقال فى ترجمة كل منهم مقبول مقبول مقبول هؤلاء الثلاثة كما تقدم معنا وثقوا كما قال الحافظ الذهبى بالنسبة للأخير وهو تابعى أوليس كذلك تابعى تقدم معنا مرارا يروى الحديث عن صحابى وروى عنه راو ولا يعلم فيه جرح فالأمر فيه يسير ومن بعده نقل أيضا توثيق عن ابن حبان وعن غيره والذهبى كما تقدم معنا يقول وثق وثق وثق إذا اختلف أئمتنا فى توثيق بعض رجال الحديث هل يجوز أن نقول إذا جاء واحد منا واستدل بكلام بعض الأئمة فى توثيق هذا الحديث ممن وثقه بالهيثمى وابن حبان والذهبى لو أن واحدا منا جاء فى هذا الوقت أنا أرى أن هذا الحديث على حسب ما

نص هؤلاء الأئمة إنه حديث صحيح وهو فى دواوين الإسلام هل يجوز أن يقال إنه جمع جراميزه لتقويته لأنه يوافق مشربه فى إثبات الصفات لله جل وعلا هذا فى الحقيقة كما قلت يعنى كلام 42:31 إطلاقا والحقيقة ليست كذلك والإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ما صحح هذا الحديث لأنه يوافق له مشربا معينا إنما هذا الحديث أصول أهل السنة تشهد له وليس فيه ما يوجب تركا ولا نكارة ضعف يسير محتمل على التسليم بأن الجهالة ما زالت عن الأسود ولا عن ولده دلهم ولا عن عبد الرحمن ابن عياش على التسليم بقى أن أنه كما قلت روى عنهم راو يحتاج إلى متابع إلى شاهد ليتبين لنا أن الحديث له مخرج آخر وأنه يعنى ما فيه بعد ذلك خطأ ولا وهم هذا الحديث كما قلت شهدت له الأحاديث الثابتة والإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وقفت على مسلكه فيما يشبه هذا كثيرا وتقدم معنا فى دروس سنن الترمذى تقدم معنا فى حديث إبى أمامة الباهلى وغالب ظنى الصحابى الثانى عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين لما طرد الله الشيطان الرجيم من الجنة وقال رب طردتنى ولعنتنى إلى آخر الحديث اجعل لى كتابا قال كتابك الشعر إلى آخره الحديث تقدم معنا يقول الإمام ابن القيم هو بنفسه يقول ضعيف وتقدم معنا الحديث وتخريجه فى معجم الطبرانى الكبير وغيره يقول لكن لكل فقرة من فقراته شواهد ثابتة من الكتاب والسنة أوليس كذلك تقدم معنا وهنا كذلك.

لذلك هنا الإمام ابن القيم يقول انتبه يا عبد الله الطبقة المتقدمة وهى آخر الإسناد عندنا عبد الله ومن روى الحديث عنه ومن رواه عن هؤلاء الثلاثة أئمة أعلام هؤلاء رووا الحديث فى بلاد الإسلام وقبلوه كأنه أراد أن يخبرنا أنه متلقى بالقبول عند أئمة الإسلام ثم محل الإشكال ما بحث فيه على الإطلاق وهو من عبد الرحمن ابن عياش السمعى ومن بعده كأنه يقول هذا الحديث لو كان فيه محذور لما تلقاه أئمتنا بالقبول ثم قال تنادى جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة ويوجد شواهد ثابتة له وعليه الحديث معتمد هذا الذى يريد أن يقوله ثم ختم كلامه بكلام الإمام ابن منده عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه لا ينكر هذا الحديث إلا جاحد أو جاهل أو مخالف للكتاب والسنة فليس إذن الكلام أنه ساق حديثا وسكت عنه يعنى تقول لنا احترسوا قد أحيانا يروى الضعيف ساق حديثا وبين كلام أئمة الإسلام نحوه وأنه روى فى أمصار المسلمين من غير نكير بل علق عليه أئمة المسلمين فقالوا هذا الحديث لا يرده إلا جاهل أو جاحد أو مكابر فاختلف الأمر عما إذا رووا حديثا بالإسناد أو بدون إسناد وسكتوا قد تقول هناك رووه لبيان الجمع وبيان ما نقل فى هذه المسألة ثم أنت محص أما هنا رووه وعلقوا عليه قال انتبه هذا حديث كل جملة من جمله وفقرة من فقراته تشهد له شواهد ثابتة وبناء عليه لا يرده إلا جاهل أو جاحد أو مكابر إلى آخر كلام أئمتنا فالحديث كما قلت معناه لا نزاع فيه إسناده نعم فيه كما قلت شىء من الكلام والشيخ الألبانى فى تعليقه على كتاب السنة لابن أبى عاصم ضعفه وأنا أعجب له كما أعجب لهذا الشيخ أيضا هنا لأن الحديث كما قلت إذا وجد له شواهد وضعفه يسير محتمل يزول عنه الضعف والشيخ الألبانى يفعل هذا بكثرة يرى أحيانا الحديث ضعفه ظاهر بين يقويه بمرسل يقويه بحديث ضعيف آخر يقويه بحديث حسن طيب هنا إذا كان فى الإسناد على حسب الصناعة الحديثية عند الجمهور ضعف

يسير طيب أين الشواهد الأخرى وأين الكلام بعد ذلك على هذا الحديث من أجل تمشيته على حسب القواعد الكاملة فى علم المصطلح إذا نظرت إليه على انفراد هو كما قلت عند الجمهور يمكن أن تقول عنه إسناده ضعيف لكن إذا نظرت للشواهد زال الضعف على أن هذا الضعف أيضا على انفراده غير متفق عليه عند أئمتنا فأى محذور إذن حتى يقال إن هذا الحديث يعنى فيه ما فيه ووافق مشربه وبناء عليه جمع جراميزه لتصحيح الحديث وتقويته كما قلت إخوتى الكرام معناه ثابت وإسناده غاية ما يقال مختلف فى إسناده لا يصل إلى درجة الترك ولا إلى النكارة ولا إلى الوضع بحال وبقى ضعف يسير هذا على حسب تراجم الرجال رجلا رجلا ضعف يسير يزول بالشواهد التى تشهد له والعلم عند الله جل وعلا فإن قيل الحافظ الإمام الجِهبَز والجهبِز ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهكذا حزام المحدثين الإمام ابن حجر عليهم جميعا رحمة رب العالمين تقدم معنا يقول الإمام ابن حجر هذا غريب جدا والإمام ابن كثير يقول هذا غريب جدا وألفاظه فى بعضها نكارة.

إخوتى الكرام: لفظ الغرابة والنكارة يطلقها أئمتنا على إطلاقين اثنين فانتبهوا لذلك أحيانا يريدون بالنكارة ما اشتد ضعفه والإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول إذا قلت عن راو إنه منكر الحديث فلا يحل أن يروى عنه انتهى حديثه ساقط لا يروى عنه وهذه يعنى أشد كلمة جرح يطلقها شيخ المحدثين على الراوى إذا كان متروكا يقول عنه منكر الحديث ولا يزيد بعد ذلك فى الألقاب فلا يقول دجال ولا وضاع ولا كذاب ولا مفترى ولا خبيث من هذه الألفاظ عنده عفة فى لسانه رحمة الله ورضوانه عليه إذا اشتد ضعف الإنسان وحديثه لا يحتج به بحال قال عنه منكر الحديث وأحيانا يطلق لفظ النكارة ويراد به تفرد الراوى برواية أى جاء برواية تفرد بها هنا هذا الإسناد ما جاء من طريق غيره وفى هذا الإسناد تفرد به هذا الإسناد بهذا المتن ما جاء من إسناد آخر أى هو فى هذا الإسناد متفرد بالنقل وهنا لا يراد الآن من النكارة ولا من الغرابة الضعف غاية ما يراد أنه انفرد ولذلك يقال منكر صحيح ومنكر حسن ومنكر ضعيف فمنكر صحيح ما المراد منه يعنى انفرد بهذه الرواية لكن حديثه صحيح من رجال البخارى منكر حسن منكر ضعيف فانتبه لهذا وهذا نفس الشيخ المعلق هنا على كتاب الأجوبة الفاضلة ينقله فى الرفع والتكميل عن الشيخ التهانوى فى صفحة تسع وأربعين ومائة فيقول إياك أن تغتر بقول الذهبى فى الميزان أو قول العجلى فى الكامل الكامل للعجلى أو للعقيلى لابن عدى عليهم جميعا رحمة الله الكامل فى الضعفاء لابن عدى على كل حال أئمتنا يقولون الكامل للناقصين يعنى هو فى الضعفاء الكامل لابن عدى إياك أن تغتر ما كتبت كلامه بكامله بقول الذهبى فى الميزان أو قول ابن عدى فى الكامل من مناكير فلان كذا أو أنكر ما رواه فلان كذا أو فلان يروى المناكير إياك أن تغتر بقول الذهبى أو قول ابن عدى بهذا اللفظ عن راو وتحكم عليه بالضعف بمجرد هذا الحكم عليه من قبل الذهبى أو ابن عدى قال فأئمة

الحديث قد يريدون بالنكارة يريدون كونه منفردا به فحسب أى انفرد بالرواية ولا يريدون الضعف الشديد الذى تترك به رواية الراوى وذكر هذا أيضا فى قواعد فى علوم الحديث فى صفحة ثلاث وسبعين ومائتين فقال أئمة الحديث يطلقون هذا الضعف وهو النكارة على الحسن والصحيح أيضا بمجرد تفرد روايه وعليه فيما يظهر لى هنا والعلم عند الله قول الحافظ ابن كثير هذا حديث غريب جداكأنه يريد أن يقول هذا السند تفرد به هؤلاء الرواة وما جاء هذا المتن من طريق غيرهم فقط وهكذا قول الإمام ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا حديث غريب جدا والعلم عند الله جل وعلا على أنه إخوتى الكرام لو قدر أن الإمام ابن كثير والحافظ ابن حجر يريان ضعف الحديث لو قدر يبقى مما اختلف فيه أئمتنا فلا يجوز أن نمثل بهذل الحديث على تساهل الإمام ابن القيم وأننا إذن نقول احترس من هذا الحديث ومن نحوه عندما يبذل الإمام ابن القيم ويجمع جراميزه لتصحيح مثل هذا الحديث فلا فما انفرد الإمام ابن القيم بهذا قلت الإمام الهيثمى وهو أمكن منه فى علم الحديث قال جميع رجال إسناده ثقات وهو متصل وتقدم معنا كل واحد من هؤلاء الرجال من الذين تكلم فيهم يقول الذهبى وثق وثق أيضا إذا كان الأمر كذلك فإذا أردنا أن نمثل على تساهل الإمام ابن القيم فينبغى أن نمثل بمثال يسلم به جميع علماء الحديث على أنه منكر متروك ضعيف موضوع ثم هو جمع جراميزه لتصحيحه نقول هذا فعلا انفرد به أما هنا أمر كما قلت طبيعى فما ينبغى يعنى أن يمثل على تساهل الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا بهذا المثال فإذا عنده مثال آخر فليذكره لينظر فيه أيضا والعلم عند الله جل وعلا.

إخوتى الكرام: كما قلت هذا الآن تنبيه خامس لرد هذا الكلام وعليه آخر الأمور التى يمكن أن نقولها ما بدأ به المعلق كلامه يقول حتى يخيل للقارىء أن ذلك الحديث من قسم المتواتر فى حين أنه قد يكون حديثا ضعيفا أو غريبا أو منكرا من هذه الأوصاف الثلاثة ضعيفا أو غريبا أو منكرا يعنى ماذا تقصد بالغرابة تقصد به افراد الراوى وهو صحيح أو تقصد به الضعف الضعف أوليس كذلك إذن تاغريب هو الضعيف يعنى هل تقصد بالغرابة انفراد الراوى فقط وإن كان صحيحا فهذا لا حرج عليه الإمام ابن القيم فى تقويته أم تقصد به ضعيفا فإن كان ضعيفا تكرار بمعنى واحد لكن بلفظ متغاير قد يكون ضعيفا أو غريبا أو منكرا وماذا تقصد بالمنكر هل هو الضعيف أيضا كلام كما قلت جاء فى التعليق الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وكما قلت لا أرى المعلق بذلك على كلام الإمام ابن القيم والعلم عند الله جل وعلا وهذا الحديث إخوتى الكرام من باب توضيح أمره حاله كما ذكرت نعم فيه من انفرد بالرواية عنهم راو واحد وعلى اصطلاح الجمهور لم ترتفع عنهم الجهالة والإمام ابن حبان وثقهم والحافظ ابن حجر حكم عليهم بأنهم مقبولون والإمام الذهبى مع ما حكى الكلام فيهم قال وقد وثقوا قال عن كل واحد منهم أنه قد وثق وإذا كان الأمر كذلك فالحديث إن شاء الله فى درجة القبول والعلم عند الله جل وعلا وأما الصفات التى وردت فيه كما قلت كصفة الضحك وغيرها فنقول فيها ما نقوله فى سائر صفات ربنا سبحانه وتعالى يضحك بكيفية يعلمها ولا نعلمها كما ينزل بكيفية يعلمها ولا نعلمها كما يتكلم بكيفية يعلمها ولا نعلمها كما له يدان سبحانه وتعالى يعلمهما ويعرف حقيقتهما ولا نعلمها ولا نعرف حقيقتهما وغاية ما عندنا فى صفات ربنا اقرار وامرار ومن أقر ولم يمر فهو ممثل ومن لم يقر فهو معطل فانتبه لذلك نقر بالصفة كما وردت ثم لا نبحث لا فى كنهها ولا فى كيفيتها ونقول ما قاله سيدنا الإمام الشافعى عليه وعلى

أئمتنا رحمة ربنا آمنت بالله وما جاء عن الله على مراد الله عز وجل وآمنت برسوله عليه الصلاة والسلام بما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك إذا نحن يعنى أخرجنا العقول من هذه المتاهة ما نستغرب شيئا مما ورد فى هذا الحديث. وقلت لكل صفة وردت نظائر ولها مثيل ومشابه ولذلك لا داعى أن نقول إن هذا الحديث وافق مشرب الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ولذلك جمع جراميزه لتصحيحه وتقويته والعلم عند الله جل وعلا الكلام حقيقة طال لكن الحديث كما تقدم معنا يعنى لما يبدو ويظهر لى والعلم عند الله أنه ثابت محتج به وجرى حوله هذا الكلام وأردت أبين هذا الأمر حتى إذا وقف الإنسان على هذه التعليقة أن يكون على علم بها ولا يقولن قائل إنك استدللت بهذا الحديث وقلت خرجه فلان وفلان لكن الإمام ابن القيم هول حول هذا الحديث وأنت ما بينت لنا فاستمع هذا عندى علم بما قيل من اعتراض لكن ذلك الاعتراض لا قيمة له والعلم عند الله جل وعلا.

إخوتى الكرام: نتابع بعد ذلك خطوات البحث فيما تقدم معنا من وصف الحوريات والنساء المؤمنات فى نعيم الجنات تقدم معنا إخوتى الكرام أنه بعد وطئهم يعدن أبكارا وقلت أشار الله جل وعلا إلى هذا فى كتابه جل وعلا كما تقدم معنا فى وصفهن {إنا أنشأناهن إنشاء *فجعلناهن أبكارا* عربا أترابا* لأصحاب اليمين} وقد روى الإمام الضياء المقدسى فى كتاب صفة الجنة كما فى الدر المنثور فى الجزء الأول صفحة أربعين والحديث رواه الإمام عبد الملك ابن حبيب فى كتاب وصف الفردوس فى صفحة ثمان ستين وإسناد الأثر رجاله ثقات من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيطأ أهل الجنة فى رواية قال أنطأ يا رسول الله عليه الصلاة والسلام فى الجنة والمراد من الوطء المسيس والمباشرة وهذا معروف أنطأ أيطأ أهل الجنة فقال النبى عليه الصلاة والسلام نعم والذى نفسى بيده دحما دحما كما تقدم معنا فى الروايات السابقة وقلت الدحم هو الوطء بشدة كما تقدم معنا وشهوة الوطء بشدة وشهوة قوية دحما دحما وتقدم معنا دحاما دحاما بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وتقدم معنا معناه لا يستمسك لا يسترخى لا يتعب بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وشهوة لا تنقطع هذا كله تقدم معنا فى وصف تمتع المؤمنين بنسائهم فى جنات النعيم هنا الزيادة فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا والحديث كما قلت رجال إسناده ثقات.

حديث آخر يقرر هذا الأمر من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين رواه الإمام أيضا عبد الملك ابن حبيب فى كتاب وصف الفردوس فى صفحة ثمان وستين أيضا وعنون عليه باب ما جاء فى جماع أهل الجنة وإسناد الأثر أيضا ثقات عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليعطى قوة مائة رجل محتلم فى الجماع وما يأتى أحدهم زوجته إلا وجدها عذراء ثم تعود عذراء يعنى بعد الاتصال بها ترجع إليها تلك الصفة فمن شاء منهم أدام الأكل فأمن الكظة وهى التُخَمَة إذا أراد أن يديم الأكل يأمن آفات الشبع وكثرة الأكل فلا يصاب بتخمة ولا بأذى فإذا شاء أحدهم فمن شاء منهم أدام الأكل فأمن الكظة ومن شاء منهم أدام الشراب فأمن الصداع والسكر فالمراد من الشراب هنا خمر الجنة إن أراد أن يشرب كثيرا يأمن الصداع والسكر لا يصدعون عنها ولا ينزفون ومن شاء منهم لها عنهما أى عن الطعام وعن الشراب فأمن الجوع والظمأ لأنه تقدم معنا لا يكون الطعام لدفع عادية وشدة الجوع ولا يكون الشراب لدفع العطش إنما كله تفكه وتلذذ وإنهم ليأكلون كل يوم مرتين مقدار الغداء والعشاء فى الدنيا وما يحدثون إنما يخرج منهم عرق رشحا فيرشحونه ريحه ريح المسك هذه رواية ثانية من رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنه أن نساء أهل الجنة يعدن أبكارا فإذا قام عنها عادت عذراء تقدم معنا هذا فى حديث أبى هريرة وهذا ثابت فى حديث عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين وتقدم معنا الحديثان رجالهما ثقات.

الرواية الثالثة التى سأذكرها إسنادها ضعيف رواها الإمام البزار فى مسنده وانظروها فى كشف الأستار فى الجزء الرابع صفحة تسع وتسعين ومائة ورواها الإمام الطبرانى فى معجمه الصغير كما فى مجمع الزوائد فى الجزء العاشر صفحة سبع عشرة وأربعمائة ورواها أبو الشيخ فى كتاب العظمة صفحة تسع وخمسين مائتين ورواها الإمام الخطيب فى تاريخ بغداد فى الجزء السادس صفحة ثلاث وخمسين وانظروها فى الدر المنثور فى الجزء الخامس صفحة ست وستين ومائتين وفى البدور السافرة كلاهما للإمام السيوطى صفحة ثلاث وخمسين وأربعمائة وهذه الرواية تناقلها أئمتنا وإنما أريد أن أذكر من نقلها ممن لم يرو بالإسناد لأبين أنها مع ضعفها تشهد لها الشواهد الثابتة كما تقدم معنا وليس التعويل فى اثبات البكارة وعودها إلى نساء أهل الجنة بناء على هذه الرواية إنما هذا لبيان ما روى, روى فى أحاديث صحيحة وورد هذا فى أحاديث ضعيفة هذه الرواية ذكرها الإمام عبد الحق فى كتاب العاقبة صفحة واحدة وخمسين وثلاثمائة وهكذا الإمام ابن كثير فى النهاية فى الفتن والملاحم فى الجزء الثانى صفحة ثمانى عشر ومائتين والإمام ابن القيم فى روضة المحبين صفحة ثلاث وخمسين ومائتين وفى كتاب حادى الأرواح صفحة أربع وستين مائة وفى إسناد الرواية كما قال الإمام الهيثمى فى المجمع معلى ابن عبد الرحمن الواسطى قال عنه الهيثمى كذاب ذاهب الحديث معلى ابن عبد الرحمن الواسطى وقال الإمام ابن الجوزى فى العلل المنتاهية فى الجزء الثانى صفحة ثمان وأربعمائة ومائة تفرد بها معلى ابن عبد الرحمن الواسطى قال عنه أبو حاتم متروك الحديث وقال عنه الإمام ابن المدينى ذاهب يضع وقال عنه أبو زرعة ذاهب الحديث وقد حكم عليه الإمام ابن حجر فى التقريب فقال متهم بالوضع ورمى بالرفض يعنى جمع البلايا رافضى واتهم بأنه يضع وأكثر الوضاعين من الرافضة متهم بالوضع ورمى بالرفض قاف أى من رجال ابن ماجة فقط لم يرو له أحد من

أصحاب الكتب الستة إلا الإمام ابن ماجة وقال الذهبى فى المغنى فى الضعفاء فى الجزء الثامن صفحة سبعين وستمائة قال الدارقطنى ضعيف كذاب والإمام ابن حجر فى التهذيب ترجمه وأسهب فى ترجمته فى الجزء العاشر صفحة ثمان وثلاثين ومائتين فقال قال ابن معين أحسن أحواله عندى أحسن أحواله أننا نحمل حاله على حسب قوله ماذا قال معلى ابن عبد الرحمن الواسطى قال عندما احتضر قيل له حسن ظنك بربك قال كيف لا وقد وضعت سبعين حديثا فى فضل على رضى الله عنه وأرضاه فابن معين عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول أحسن أحواله أن نأخذ بكلامه وهو يقر على نفسه بالوضع والكذب على النب عليه الصلاة والسلام حسن ظنك بربك كيف لا وقد وضعت سبعين حديثا فى فضل على رضى الله عنه وأرضاه يعنى سيكون لك يد عند سيدنا رضى الله عنه وأرضاه أو عند النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إذا كذبت وافتريت نسأل الله العافية والسلامة ومثل هذا فعله كثير من الوضاعين منهم ميسرة ابن عبد ربه الفارسى الأكال ونعته مرة الذهبى الأكول ولما قيل له كم رغيفا يشبعك قال من مال من قالوا من مالك قال رغيف أو رغيفين قالوا من مال غيرك قال اخبز واطرح ويقال أكل مرة سبعين رغيفا ومرة مائة رغيف فجمعوا فأحضروا فيلا وقدموا له مائة رغيف فأكلها إلا واحدا فزاد أكله على أكل الفيل وله أخبار فى الأكل أطال أئمتنا فى ترجمته حقيقة عجيبة غريبة يقولون كان يأكل ما يكفى سبعين رجل ميسرة ابن عبد ربه انظروا ترجمته المظلمة فى ميزان الاعتدال للإمام الذهبى فى الجزء الرابع صفحة ثلاثين ومائتين إلى اثنتين وثلاثين ومائتين وأوجز فى ترجمته فى السير فى الجزء الثامن صفحة أربع وستين ومائة لأنه قال ذكرته مطولا فى الميزان انظره فى الميزان فترجمته هناك وانظروا أيضا لسان الميزان للحافظ ابن حجر فى الجزء السادس صفحة ثمان وثلاثين ومائة فما بعدها وقد وضع سبعين حديثا فى فضل على رضى الله عنه وأرضاه كما

وضع معلى ابن عبد الرحمن الواسطى وأيضا لما احتضر قيل له حسن ظنك بربك قال كيف لا وقد وضعت فى فضل على سبعين حديثا وعلى مبدأ الشيعة حب على حسنة لا يضر معها خطيئة ويروون حديثا وهذا موجود فى كتبهم وهو مكذوب وينسب إلى نبيا عليه الصلاة والسلام وهو لا تصح نسبته أن رجلا جاء إلى النبى عليه الصلاة والسلام فقال أحب المصلين ولا أصلى قال أنت مع من أحببت قال أحب الصائمين ولا أصوم قال أنت مع من أحببت وهنا حب على حسنة لا يضر معها خطيئة فإذا أحببت عليا رضى الله عنه وأرضاه افعل ما شئت فهذا ميسرة أيضا حسن ظنك بربك قال كيف ولا وقد وضعت سبعين حديثا فى فضل على رضى الله عنه وأرضاه ووضع أربعين حديثا فى فضل قزوين وهو أحد أركان أحاديثه العقل الذى وضعه الوضاعون أحد أركانه ميسرة ابن عبد ربه الفارسى الأكول الأكال هذا كمعلى ابن عبد الرحمن يقول الحافظ ابن حجر قال ابن معين أحسن أحواله عندى أن نحمل قوله أن نحمل حاله على حسب قوله الذى قاله وأقر على نفسه بالوضع ثم نقل عن ابن عدى أنه قال أرجو أنه لا بأس به يقول الحافظ ابن حجر قلت روى له عدة أحاديث إخوتى الكرام وهذا الذى دعانى أن أذكره هنا وهو فى هذا الحديث الذى سأرويه بأن نساء أهل الجنة يعدن أبكارا هذا الذى دعانى أن أذكره أنه يوجد شواهد له وأئمتنا نقلوا عن هذا كما فعل إمام الأئمة وهو الإمام ابن خزيمة نقل فى صحيحه حديثا عن هذا ثم علق عليه بما ستسمعونه وتعليق الإمام ابن خزيمة هو تعليقى فى ذكر هذا الحديث فى هذا الموطن.

قال الحافظ ابن حجر قلت روى له عدة أحاديث وروى له الإمام ابن ماجة عدة أحاديث ثم قال روى عنه الإمام ابن خزيمة فى كتاب الصيام من صحيحه والإمام ابن خزيمة روى عنه هذا فى الجزء الثالث فى صفحة تسع وأربعين وثلاثمائة يقول هنا الحافط ابن حجر أقرأ عليكم كلامه الآن روى له فى كتاب الصيام من صحيحه وقال ليس هذا مما يحتج به ولولا أن له أصلا من طريق غيره لم أستجز أن نبوب له بابا الباب الذى روى الإمام ابن خزيمة عنه فى كتاب الصيام يقول هنا باب الرخصة فى السمر للمعتكف مع نسائه فى الاعتكاف ثم قال خبر صفية رضى الله عنها وأرضاها أمنا الطيبة الطاهرة من هذا الباب وهذا حديث صحيح حديث صفية ثابت فى المسند والصحيحين وسنن أبى داود وابن ماجة ورواه الإمام ابن حبان فى صحيحه والبيهقى فى السنن الكبرى كما رواه شيخ الإسلام عبد الرزاق فى مصنفه لما كان نبينا عليه الصلاة والسلام معتكفا بمسجده على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وجاء نساءه يزرنه ومنهن صفية رضى الله عنها وأرضاها ولما تأخرت فى المجىء وتأخرت بعد ذلك فى الانصراف انصرف النساء قبلها قام نبينا عليه الصلاة والسلام يشيعها إلى بيتها وسمرن معه وهو معتكف فى المسجد عليه الصلاة والسلام فلما خرج وهو يشيعها مر به أنصاريان وتقدم معنا الحديث فى مباحث سنن الترمذى قال على رسلكما إنها صفية يقول قالا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنى أفيك نشك فقال إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم خشيت أن يقذف فى قلوبكما شرا أو شيئا على كل حال الحديث يقول خبر صفية من هذا الباب تقدم فى الباب الذى قبله عند الإمام ابن خزيمة ثم قال حدثنا الفضل ابن أبى طالب قال حدثنا قال حدثنا المعلى ابن عبد الرحمن الواسطى وهو الذى عندنا هنا قال حدثنا عبد الجميد ابن جعفر عن عبيد الله ابن أبى جعفر عن أبى معمر عن أمنا عائشة رضى الله عنها قالت كنت أسمع عند النبى عليه الصلاة والسلام وهو معتكف وربما

قال قالت كنت أسهر هنا أمنا عائشة فى حديث صفية أمهات المؤمنين لكن التى تأخرت وخرجت صفية رضى الله عنهن أجمعين قال أبو بكر من هو إمام الأئمة ابن خزيمة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا هذا خبر ليس له من القلب موقع وهو خبر منكر لولا ما استدللت من خبر صفية على إباحة السمر للمعتكف لم يجز أن يجعل لهذا الخبر باب على أصلنا لأن هذا كما قلت فيه معلى ابن عبد الرحمن الواسطى فلا يجوز أن نثبت حكما وأن نأخذ حكما وهى الترجمة للباب من هذه الرواية فإن هذا الخبر ليس من الأخبار التى يجوز الاحتجاج بها إلا أن فى خبر صفية غنية عن هذا فأما خبر صفية فهو ثابت صحيح وفيه ما دل على محادثة الزوجة زوجها فى اعتكافه ليلا جائز وهو السمر نفسه وهنا تقول أمنا عائشة كنت أسمر كنت أسهر فيقول هذا المعنى ثابت فى حديث صفية ولولا حديث صفية رضى الله عنها وأرضاها لما استجزت أن أترجم لهذا الحديث باب السمر يعنى سمر المعتكف مع زوجه فإذن الإمام ابن خزيمة عند ثبوت رواية صحيحة لمعلى ابن عبد الرحمن الواسطى ذكر روايته فى صحيحه وهكذا أنا فعذر الإمام ابن خزيمة هو عذرى فى هذه الرواية والرواية إخوتى الكرام كما قلت من طريق معلى ابن عبد الرحمن الواسطى قلت إنها فى النهاية أوليس كذلك فى صفحة ثمانى عشرة ومائتين لفظ الحديث من رواية أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه وأرضاه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكارا هذا لفظ الحديث وهذا المعنى ثابت فى حديث أبى هريرة وحديث عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين.

رواية رابعة إخوتى الكرام فيها أيضا شىء من الضعف وأئمتنا احتجوا بها واستشهدوا بها لوجود شواهد لها مروية أيضا عن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه رواها الإمام البيهقى فى البعث والنشور صفحة أربع وأربعين وثلاثمائة وهو آخر حديث فى كتاب البعث ونسبها الإمام السيوطى فى الدر فى الجزء الخامس صفحة تسع وثلاثين ثلاثمائة إلى عبد ابن حميد وعلى ابن سعيد فى كتاب الطاعة والمعصية وإلى مسند أبى يعلى وهى فى تفسير الطبرى رواها أبو المنذر فى تفسيره وابن أبى حاتم فى تفسيره وأبو موسى المدينى كما رواها الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير وأبو الحسن القطان فى كتابه المطولات ورواها أبو الشيخ فى كتاب العظمة والحديث كما قلت إخوتى الكرام من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه وفى إسناد الحديث إسماعيل ابن رافع قال عنه الحافظ فى التقريب ضعيف الحفظ توفى فى حدود سنة خمسين ومائة للهجرة وهى السنة التى مات فيها فقيه هذه الأمة المباركة سيدنا أبو حنيفة عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وإسماعيل ابن رافع رمز له الإمام ابن حجر فى التقريب بأنه من رجال البخارى فى الأدب المفرد بخ والترمذى وابن ماجة القزوينى وذكر الإمام ابن حجر فى ترجمته فى التهذيب فى الجزء الأول صفحة خمس وتسعين ومائتين فقال قال شيخ الإسلام عبد الله ابن المبارك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا لم يكن به بأس ولكنه كان يحمل عن هذا وهذا لم يكن به بأس ولكنه يحمل عن هذا وهذا وقال الإمام الفسوى صاحب كتاب المعرفة والتاريخ ليس بمتروك ولا يقوم حديثه مقام الحجة يعنى لا يحتج به على انفراد ولا يترك إنما يكتب حديثه ويستشهد به إذا وجد له شاهد اعتضد وتقوى وقال الإمام الترمذى ضعفه بعض أهل العلم يقول وسمعت محمدا وهو الإمام البخارى شيخ الإمام الترمذى عليهم جميعا رحمة الله يقول إنه ثقة مقارب الحديث مقارِب كما تقدم معنا يقارب غيره فى الحفظ والضبط والإتقان مقارَب يقاربه غيره فى الحفظ والضبط

والإتقان وعلى اصطلاح سيدنا الإمام البخارى الحديث لا ينزل عن درجة الحسن من طريق إسماعيل ابن رافع مع أنه ضعيف الحفظ وليس فى ديانته وعدلاته خدش هذا ينقله الإمام الترمذى يقول ضعفه بعض أهل العلم وسمعت محمدا يقول إنه ثقة مقارب الحديث والإمام الذهبى فى المغنى يقول ضعفوه جدا ثم روى عن الإمام الدارقطنى والنسائى أنهما قالا إنه متروك وقال فى الكاشف الإمام الذهبى أيضا ضعيف واهن وأما فى الميزان فذكر عبارة خشنة خشنة ما أعلم سببها قال فى الجزء الأول صفحة سبع وعشرين ومائتين ومن تلبيس الإمام الترمذى وأى تلبيس يا عبد الله والإمام الذهبى ومن هو فى منزلته لا يزنون شعرة من الإمام الترمذى وكل واحد ينبغى أن يقف عند حده وأن يعرف مقداره يقول ومن تلبيس الإمام الترمذى قال ضعفه بعض أهل العلم وقال الإمام البخارى ثقة مقارب الحديث يعنى على من تتكلم على البخارى أو على الإمام الترمذى إن كنت تتهم الإمام الترمذى فى النقل إن كنت فلن يوثق بشىء بعد ذلك من السنة إذا كان حول الإمام الترمذى كلام وإذا كان كلام الإمام البخارى لا يقبل فالأمر أشنع وأشنع فغاية ما يقال إن هذا الراوى مما اختلفت أنظار العلماء فيه أما أن يقال من تلبيس الإمام الترمذى عبارة خشنة.

وقلت لكم مرارا إخوتى الكرام أئمتنا ينبغى أن نتأدب معهم وغفر الله للإمام الذهبى ورحمه ورضى عنه وغفر للأئمتنا أجمعين وهذه العبارة ما ينبغى أن تقال فى حق الإمام أبى عيسى الإمام الترمذى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول ومن تلبيس الإمام الترمذى ثم نقل هذا وحقيقة ما أعلم ماذا يقصد وما علق الذهبى على هذا بشىء والعبارة خشنة تطرح ممن صدرت منه وليس هذا من تلبيسه إنما هذا من نصحه وديانته أنه ينقل لنا ما قاله أئمتنا فى رواة حديث نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ولذلك إخوتى الكرام هذا الحديث جميع رجال إسناده ثقات أثبات وما فيهم من تكلم فيه إلا إسماعيل ابن رافع وقد اختلف أئمتنا بناء على ذلك فى تصحيح هذا الحديث وتضعيفه قال الإمام السيوطى فى البدور السافرة فى أمور الآخرة صفحة عشرين اختلف الناس فى تصحيح هذا الحديث وتضعيفه ثم قال صححه الإمام أبو بكر ابن العربى وسيأتينا نقل التصحيح عنه الإمام ابن حجر فى فتح البارى وأما أبا بكر ابن العربى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا صحح هذا الحديث فى كتابه سراج المريدين وما عندى هذا الكتاب لأنظر تحقيقه وأتحقق منه صححه أبو بكر ابن العربى وصححه الإمام القرطبى فى التذكرة فى أمور الآخرة وصححه مغلطاى ابن قليج وهو علاء الدين من أئمة الحنفية الكبار توفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة للهجرة من علماء القرن الثامن للهجرة وشرح البخارى فى عشرين مجلدا والإمام ابن حجر ينقل عنه واضبطوه مغلطاى وهو من الأتراك ويسمون بهذه الأسماء مُغَلطاى وبعض الناس عندما ينطق به يقرؤه مَغلَطاى مغلطاى ابن قليج علاء الدين الحنفى شرح البخارى فى عشرين مجلدا انظروا ترجمته العطرة فى الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة لحزام المحدثين الإمام ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى الجزء الرابع صفحة اثنتين وخمسين وثلاثمائة إذن صححه أبو بكر ابن العربى والقرطبى ومغلطاى يقول وضعفه البيهقى وعبد الحق

وصوبهما ابن حجر إذن أئمة ضعفوه وأئمة حسنوه وصححوه ولفظ الحديث تسمعونه وتعلمون أن الشواهد التى تقدمت معنا تشهد له قطعا وجزما هو فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة أربع وثلاثين وخمسمائة أقرأ لفظ الحديث وأما كلام الحافظ ابن حجر عليه فى فتح البارى أنقله إن شاء الله فى أول الموعظة الآتية حول هذا الحديث والإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا يقول لا يوجد لهذا الحديث جملة إلا ولها شواهد ثابتة ثم فصل الكلام على هذا الحديث جملة جملة فى كتابه النهاية وذكر الشواهد على هذا الحديث وهو المعروف بحديث الصور الطويل سأذكر هنا الرواية التى تدل على بحثنا ألا وهو أن نساء أهل الجنة إذا وطئن يعدن أبكارا وعن محمد ابن كعب القرظى عن رجل من الأنصار عن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه وهنا محمد ابن كعب القرظى تارة يروى الحديث عن أبى هريرة مباشرة وتارة يرويه بواسطة رجل مبهم وهو رجل من الأنصار عن أبى هريرة رضى الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى طائفة من أصحابه فذكر حديث الصور بطوله وقلت لكم ختم به الإمام البيهقى كتابه البعث والنشور وأخذ قرابة خمس صفحات فى كتاب الإمام البيهقى وهو أول حديث فى كتاب البدور السافرة وآخر حديث فى البعث والنشور يقول هنا قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى طائفة من أصحابه فذكر حديث الصور بطوله إلى أن قال فأقوا يا رب وعدتنى الشفاعة فشفعنى فى أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله جل وعلا قد شفعتك وأذنت لهم فى دخول الجنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والذى بعثنى بالحق ما أنتم فى الدنيا بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة لأزواجم ومساكنهم فيدخل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله وثنتين من ولد آدم وتقدم معنا الاختلاف فى العدد وقلت لا تعارض بين الروايات فى ذلك ولا معارضة بين ذكر القليل والكثير يقول وثنتين من ولد آدم على نبينا وعليه

الصلاة والسلام لهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما الله فى الدنيا يدخل على الأولى منهما فى غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل بالؤلؤ عليه سبعون زوجا من سندس واستبرق ثم يضع يده بين كتفيها ثم ينظرإلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها وأنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك فى قصبة الياقوت كبده لها مرآة وكبدها له مرآة فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله ولا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء كما تقدم معنا فى رواية أبى هريرة الأولى وإسنادها ثابت رجال الإسناد ثقات وهكذا الرواية الثانية رواية عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين ولا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ما يفتر ذكره ولا يشتكى قبلها فبينا هو كذلك إذ نودى إنه قد عرفناك أنك لا تَمل ولا تُمل أنت لا تتعب ولا تكرهك زوجتك الطيبة الطاهرة إلا أنه لا منى ولا منية لإلا أن لك أزواجا غيرها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة بعد كلما جاء واحدة قالت والله ما فى الجنة شىء أحسن منك وما فى الجنة شىء أحب إلى منك الحديث أى إلى آخره يقول الإمام المنذرى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا رواه أبو يعلى والبيهقى فى آخر كتابه من رواية إسماعيل ابن رافع ابن أبى رافع انفرد به عن محمد ابن يزيد ابن أبى زياد عن محمد ابن كعب كما قلت إخوتى الكرام أنقل كلام الحافظ حول هذا الحديث فى الفتح اكتبوه لنقف عنده فى الجزء الحادى عشر صفحة ثمان وستين وثلاثمائة وأكمل بقية المبحث إن شاء الله وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا.

80تكملة ختام وصف الزوجات فى الجنات ب

ختام وصف الزوجات في الجنات (ب) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان ختام وصف الزوجات في الجنات (ب) وإنما انتخب من أصوله ما رواه وما بقى فرغب عنه ما وجدوا لذلك سوى الإعدام فلهذا ونحوه دفن رحمه الله كتبه وهكذا أيضا غيره كم سبب ذكر؟ ذكر سببين والسبب الثالث وهو أخذ العلم عن طريق الوجادة لعله لا يقر ذلك ذاك ذكره فى ترجمة إسحاق ابن راهويه صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة يقول قال أبو عبد الله الحاكم إسحاق يعنى إسحاق ابن إبراهيم الحنظلى وإسحاق ابن راهويه وجد هذا فى ترجمته وهو شيخ الإسلام وحديثه مخرج فى الكتب الستة إسحاق ابن راهويه توفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين للهجرة إسحاق ابن راهويه وابن المبارك شيخ الإسلام حديثه فى الكتب الستة أيضا وتوفى سنة واحدة ثمانين ومائة إخوتى الكرام إسحاق ابن راهويه حديثه فى الكتب الستة إلا سنن ابن ماجة, ابن ماجة ما خرج لإسحاق ابن راهويه ومحمد ابن يحيى وهو الزهلى شيخ البخارى وقد جرى بينهما ما نسأل الله أن يصلح بينهما فى جنات النعيم وأن يجمعهما إخوانا على سرر متقابلين محمد ابن يحيى الزهلى وقد أخرج له أهل الكتب الستة إلا مسلما كما أنه لم يرو عن شيخ البخارى فلما حصل النزاع بين هذين الشيخين المباركين لأمور أثارها الغوغاء اعتزل الإمام مسلم الرواية عن هذين الشيخين فما روى فى صحيحه عن إمام المسلمين وسيدهم أبى عبد الله البخارى ولا عن شيخه محمد ابن يحيى الزهلى عليهم جميعا رحمة الله ولذلك حديثه فى الكتب الستة إلا صحيح مسلم هؤلاء يقول هؤلاء دفنوا كتبهم هذا يقوله الحاكم قلت هذا فعله عدة من الأئمة وهو دال على أنهم لا يرون نقل العلم بالوجادة والوجادة كما قلت أن تنقل من خط الشيخ إذا ثبت عندك هذا أو من كتابه إذا ثبت أن هذا كتابه صحيح البخارى مقطوع بالنسبة إلى الإمام البخارى وأنت ما تلقيته بالإسناد إليه فجئت تنقل منه إن كنت ماهرا فلا حرج وتروى عن البخارى وجادة وإذا كنت

تتخبط فهذه هى بلية البلايا يقول فإن الخط قد يتصحف على الناقل وقد يمكن أن يزاد فى الخط حرف فيغير المعنى ونحو ذلك وأما اليوم فهذا أى يوم فى القرن الثامن فى الهجرة فقد اتسع الخرق وقل تحصيل العلم من أفواه الرجال بل ومن الكتب غير المغلوطة وبعض النقلة للمسائل قد لا يحسن أن يتهجى. وحقيقة من يقال إنه أمير المؤمنين فى الحديث فى هذه الأيام اعقد له مجلس الإملاء وقل له أمل علينا ألف حديث فقط ليس مائة ألف بأسانيدها ومتونها وأحص عليه الخطأ أولا هو لا يحفظ ولا مائة حديث بأسانيدها ومتونها وأما الخطأ قل له أقرأها من الكتب وأحص عليه الخطأ عندما يقرأ من كتاب فخطؤه أكثر من صوابه هذا من يقال له محدث الدنيا فكيف بمن عداه وهذه أحوالنا ونسأل الله أن يتوب علينا وهذه الأمة لو عرفت قدرها فى هذا الوقت لاستحت من ربها وأجلت علماءها وما يأتى الصعلوك منا فى هذه الأيام يتطاول على أئمة الإسلام كالإمام الترمذى وغيره يعرف حده ويقف عنده ومجالس الإملاء كما قلت منتشرة بين سلفنا وكان يحدثون من صدورهم يجلس ويحدث فالذى يقال عنه محدث الدنيا يتشرف ويجلس فى أى مجلس يريد وانزع هذه الوريقات من وريقات كما ترون بين يدى انزعها وقل له حدث واروى لنا هذه الأحاديث وصحح وضعف وتكلم انظر كيف سيتخبط برأسه ورجليه إخوتى الكرام أن يجلس الإنسان فى مكتبة وأن يأخذ من كتب وأن يأخذ كما قال أئمتنا من هاهنا وهاهنا ويقول بعد ذلك مؤلفه أنا هذا ليس بعلم فلنتق الله فى أنفسنا ولنعرف قدر أئمتنا تقدم معنا فى ترجمة الإمام الترمذى أنه على أحد الأقوال ولد أعمى أوليس كذلك أكمه ولد إذن علمه أين كان فى صدره فالعلم محواه الصدر لا محواه القمطر تعكف فى كتبة وتأتى توصل وترقع من هنا وهنا وأنت عالة فى جميع ما تقول على أئمتنا وبعد ذلك محدث الزمان لكن إذا كان الزمان الذى نعيش فيه فى هذا الانحطاط فحقيقة محدثه فى ذلك الانحطاط لكن لو عرفنا قدرنا كما قلت لكان ذلك

كرامة لنا نعرف قدرنا وقدر أئمتنا رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين كانوا لا يطلقون لفظ الحافظ إلا على من حفظ مائة ألف حديث انتبه بأسانيدها ومتونها وطرقها يعنى قد يكون حديث يروى من عشرة طرق فيرويه لك من صدره هذا حقيقة هو الحافظ هذا هو الجهباز هذا هو الجهبز لما يأتى الإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إلى بغداد ويعمد الطلبة إلى مائة حديث ويعطونها لعشرة طلاب وهذا يعطونه عشرة متون فيرتبون لها لأسانيد لمتون أخرى وهذا يعطونه عشرة متون فيضعون لها هذه الأسانيد فغيروا بين المتون والأسانيد وجلس وقام واحد من العشرة ليمتحنه قال حديث كذا وروى الإسناد إلى النبى عليه الصلاة والسلام ثم ذكر المتن قال لاأعرفه بهذا الإسناد الحديث الثانى الثالث الرابع إلى العشرة فيقول لا أعرفه لا أعرفه لا أعرفه قام الثانى عشر أخرى لا أعرفه قام الثالث عشرة ثالثة لا أعرفه حتى انتهى إلى العشرة الحاضرون الذين لا يعرفون القصة قالوا أمير المؤمنين فى الحديث يعرض عليه مائة حديث ما عرف واحدا منها فبعد اتنهوا قال اجلسوا عشرتك الأولى متونها كذا وأسانيدها كذا وعشرتك الثانية يعيد على الترتيب متونها كذا وأسانيدها كذا وعشرتك الثالثة يورد حديثا حديثا متونها كذا وأسانيدها كذا حقيقة هذه هى الإمامة نحو امتحانهم إمام الفن فى مائة لما أتى بغداد فردها وجود الإسناد وامتحن الآن المحدث منا فى ثلاثة أحاديث فقط وركب له أسانيد وقل له تكلم ونسأل الله أن يحسن ختامنا إخوتى الكرام وكا قلت لو عرفنا بضاعتنا المزجاة وقلنا هذه أحوالنا وقلت البركة فى زمننا فى كل شىء وضعفت العزيمة لو قلنا هذا حالنا ونحن نسأل الله أن يتوب علينا ليتنا نأخذ من كتب أئمتنا نعترف لهم بالفضل وإذا تكلم من قبلنا فلا كلام لنا إذا قلنا هذا فحقيقة هذه كرامة لنا إذا كنا نفهم كلام أئمتنا ونتأدب معهم هذه كرامة لنا لكن إذا جاء الآخر يضلل الأول وكل واحد الآن يعربد ويصول ويجول

كأنه هو يحيى ابن معين وهو إمام الجرح والتعديل وهو صعلوك لا يستطيع أن يقرأ حديثا واحدا من كتاب مشكول ولا يلحن فيه حديث مشكول من كتاب إذا قرأه سيلحن فيه ويصحف ثم هو محدث الدنيا ونسأل الله أن يحسن ختامنا إخوتى الكرام هذا أبو كريب كما قلت شيخ الطبرى يرويه عن عبد الله ابن إدريس الأودى شيخ الإسلام كما نعته بذلك الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء فى الجزء التاسع صفحة اثنتين وأربعين وهو ثقة فقيه عابد إمام حديثه مخرج فى الكتب الستة توفى كما قلت سنة اثنتين وسبعين ومائة للهجرة عبد الله ابن إدريس الأودى أريد على القضاء ومن الذى سيكلفه بالقضاء تدرون هارون الرشيد فلما جاءه كتاب هارون الرشيد بتوليته القضاء بعد العصر أغمى عليه عليه رحمة الله ورضوانه وقال بدأ يعرفنى هارون ما الصلة بينى وبين هذا الإنسان أغمى عليه وما أفاق إلا قبيل المغرب وكأنه مذهول ثم توضأ العصر وأدركها قبل أن تغرب الشمس وامتنع عن القضاء وأرسل إليه هارون خمسمائة دينار مكافأة وصلة فردها فقال ما وليت لنا عملا ولا قبلت لنا جائزة يأتيك ولدى المأمون فحدثه قال إن جاء من طلبة الحديث حدثته يأتى مع الطلبة أما ولدك له خصوصية على أولاد المسلمين لا ثم لا ثم عبد الله ابن إدريس الأودى هذا حال أئمتنا إخوتى الكرام هذا كما قلت شيخ أبى كريب وهو الحلقة الثانية فى الإسناد عبد الله ابن إدريس الأودى يرويه عن ليث ابن أبى سليم وقد تقدم معنا صدوق طرأ عليه الاختلاط توفى سنة ثمان وأربعين ومائة للهجرة وقلت حديثه فى صحيح مسلم والسنن الأربعة وروى له البخارى تعليقا يروى الحديث عن مجاهد ثقة إمام فى التفسير والعلم والزهد والعبادة وتقدم معنا توفى سنة اثنتين وثلاث أو أربع بعد المائة حديثه أيضا فى الكتب الستة مجاهد ابن جبر عن أمنا عائشة الطيبة المباركة رضى الله عنها وأرضاها هذه الطريق الأولى.

انظر للطريق الثانية للحديث وبعض من يشتغل بالحديث فى هذه الأيام ما ميز بين الطريقين ولا بحث ولا نظر عندما أورد هذا الحديث فكن على علم هذه الطريق الأولى كما قلت طريق ثابتة عندنا طريق بعد ذلك فيها من تكلم فيه فهذه طريق وهذه طريق لهذا الإسناد. الحديث رواه الطبرانى فى معجمه الأوسط كما فى المجمع فى الجزء العاشر صفحة تسع عشرة وأربعمائة وكما فى الدر المنثور فى الجزء السادس صفحة ثمان خمسين ومائة وهكذا ابن أبى شيبة فى مصنفه من طريق مسعدة ابن اليسار وليس معنا فيه رجال الطريق الأولى أوليس كذلك هنا مسعدة ابن اليسار قال عنه الهيثمى فى المجمع ضعيف وأورده هذا فى كتاب صفة الجنة باب فيمن يدخل الجنة من عجائز الدنيا والحديث من طريق مسعدة ابن اليسار أورده الإمام ابن كثير فى النهاية فى الجزء الثانى صفحة ثلاث عشرة ومائتين لأنه من طريق معجم الطبرانى الأوسط كما قلت الطريق الأولى الرجال ثقات أثبات وما فيهم إلا ليث ابن أبى سليم الذى طرأ عليه الاختلاط مسعدة ابن اليسع ضعيف مسعدة ابن اليسار الهيثمى يقول ضعيف والإمام الذهبى فى المغنى يقول هالك كذبه أبو داود وقال فى الميزان قال الإمام أحمد خرقنا حديثه منذ دهر خرّقنا أحاديثه منذ دهر مزقنا أحاديثه منذ دهر يعنى من زمن لما تبين لنا حال مسعدة ابن اليسع مزقنا وخرقنا أحاديثه التى كتبناها عنه وانظروا ترجمته فى اللسان فى الجزء السادس صفحة ثلاث وعشرين وفى كتاب الضعفاء والمتروكين للإمام ابن الجوزى فى الجزء الثالث صفحة ست عشرة ومائة وزاد الإمام ابن الجوزى قال قال الدارقطنى ضعيف وقال الأسدى متروك الحديث ولفظ الحديث كما قلت من الطريق الأولى التى هى فى تفسير الطبرى وقلت أيضا فى كتاب البعث والنشور للإمام البيهقى أوليس كذلك الطريق الأولى لفظ الحديث إخوتى الكرام عن مجاهد عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت دخل النبى صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها عجوز فقال من هذه قالت

إحدى خالاتى قال أما إنه لا يدخل الجنة العجائز عجائز لا يدخلن الجنة فدخل العجوز من ذلك ما شاء الله يعنى من الهم والخوف والفزع والرعب والمشقة والحرج فقال النبى عليه الصلاة والسلام إنا أنشأناهن إنشاء خلقا آخر يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا وأول من يكسى إبراهيم خليل الرحمن على نبياو عليه الصلاة والسلام ثم قرأ النبى صلى الله عليه وسلم إنا أنشأناهن إنشاء وفيما يتعلق بالجزء الأخير من الحديث وأن الخلائق يحشرون حفاة عراة غرلا أى غير مختونين الجلدة التى قطعت من ذكر الرجل وهكذا من فرج المرأة تعاد إليهما يوم القيامة غرلا غير مختونين وأول من يكسى من الخلائق خليل الرحمن إبراهيم على نبيناو عليه الصلاة والسلام والحديث ثابت فى المسند والصحيحين وسنن الترمذى والنسائى وهو فى أعلى درجات الصحة من رواية حبر الأمة وبحرها عبد الله ابن عباس رضى الله عنهم أجمعين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إنكم محشورون حفاة عراة غرلا كما بأنا أول خلق نعيده وأول من يكسى خليل الرحمن إبراهيم على نبيناو عليه الصلاة والسلام. وهنا فى تقديم خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام فى الكسوة واللباس وهذا الأمر على نبينا وعليه الصلاة والسلام لأئمتنا فى ذلك عدة توجيهات معتبرة. أولها: قيل أنه أول من يكسى بعد نبينا عليه الصلاة والسلام لأن المتكلم لا يدخل فى عموم كلامه فقوله أول من يكسى أى من الخلائق غيرى بعدى فأول من يكسى نبينا عليه الصلاة والسلام ثم خليل الرحمن إبراهيم ووجه ذلك أن أفضل الخليلين نبينا عليه الصلاة والسلام فكسى ثم كسى خليل الرحمن إبراهيم هذا توجيه وقال به جم غفير من أئمتنا انظروا توجيه هذه الأقوال التى سأذكرها فى الفتح فى الجزء الحادى عشر صفحة خمس وثمانين وثلاثمائة.

القول الثانى: قيل إن الحديث على ظاهره ولا يضاف إليه قيد أول من يكسى مطلقا وعليه فى ذلك مزية لخليل الرحمن إبراهيم على نبينا وآله وعليه وصحبه صلوات الله وسلامه فى ذلك مزية كما قلت وتفضيل فى هذه الخصلة على نبينا عليه الصلاة والسلام لكن هذا لا يلزم أنه أفضل منه مطلقا وكما قال أئمتنا المزية لا تقتضى الأفضلية فكونه امتاز عليه بهذه الخصلة هو دونه كما سيأتينا فى مكانة نبينا عليه الصلاة والسلام وتفاضل الأنبياء فيما بينهم ضمن مباحث النبوة والحديث فى صحيح مسلم عندما يذهب الخلائق إلى خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام يطلبون منه الشفاعة لأنه خليل الله يقول كنت خليلا من رواء وراء الخلة الكاملة ما وصلت إليها ما وصل إليها إلا واحد من عباد الله وهو خير خلق الله نبينا صلى الله عليه وسلم الجواب الثانى والتوجيه الثانى يقول الحافظ ابن حجر ظهر لى الآن يعنى تقييد هذه الحكم ظهرت له هذه الحكمة ألا وهى أن نبينا عليه الصلاة والسلام لا يحتاج إلى كساء فى الآخرة لأنه يمتاز عن أهل الموقف يخرج من قبله قبره عليه الصلاة والسلام مكسوا أما الخلائق كلها يخرجون عراة وفيهم خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلا نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فيخرج بلباسه وعليه لا يحتاج إلى كسوة تخلع عليه ويستر بها كما هو الحال فى خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه. وآخر الأجوبة والتوجيهات: قيل إن نبينا عليه الصلاة والسلام يتأخر فى الكسوة عن خليل الرحمن إبراهيم لكنه يكسى بحلة أنفس وأغلى وأثمن من حلة خليل الرحمن إبراهيم لأجل أن يعوض ما فاته من السبق وفذاك سبقه لكن هنا أعطى ما هو أنس وأجمل وأفخم وأبهى والحكمة من تعجيل الكسوة لخليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام قبل غيره من الخلق أجمعين حتى قبل أبينا آدم على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه عدة أمور.

أولها: قيل أنه عندما ألقى فى النار جرد من لباسه كحال العتاة والطواغيت فى هذه الأيام عندما يعذبون عباد الرحمن يجردونهم من ثيابهم وأحيانا يجمعون مع التجريد تعميش العينين يشد على عينيه بخرقة وثيابه منزوعة عنه حتى يظهر بادى السوأتين أمام التحقيق فهذا يقع فى كثير من البلاد التى أيضا تنتسب إلى ونشكو أحوالنا إلى ذى الجلال والإكرام فخليل الرحمن إبراهيم على نبيناو عليه الصلاة والسلام هو أول من جرد فى الله ووضع فى المنجنيق ورمى على النار ولمن يجرد فى هذه الحياة لهم فى هذا النبى عليه الصلاة والسلام أسوة واقتداء فعجل الله له الكسوة هو أوذى فى سبيله بحيث جرد عن ثيابه من ثيابه فينبغى إذن أن يكسى قبل غيره. الحكمة الثانية: من تعجيل الكسوة لخليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام قيل كان شديد الحياء من رب الأرض والسماء وهو من لبس السراويل من المخلوقات وهذا أئمتنا يوردونه فى الأوائل أول من تسرول خليل الرحمن إبراهيم والسراويل أستر ما يكون للصنفين للذكر وللأنثى مهما لبست ثيابا واسعة ساترة إذا لم تلبس السراويل قد يبدو منك شىء عندما تجلس عندما تضجع عندما تتحرك إذا كان عليك السراويل الطويلة لو قدر أن الإزار الثوب القميص ارتفع لا تظهر العورة السراويل ساترة فلما سن لأمته ولمن بعده السراويل عجل الله له الكسوة هذا صاحب حياء هو الذى لبس السراويل فإذن يعجل بالستر قبل غيره. حكمة ثالثة: قيل إنه كان أخوف أهل الأرض وكان يسمع خفقان قلبه من مسافة ميل إبراهيم الخليل على نبينا وعليه الصلاة والسلام فعجل الله له الكسوة إيذانا بتأمينه ليعلم أنه آمن وليس عليه فى هذا اليوم رعب ولا خوف فهذه الكسوة دليل على الفوز والسعادة وأنه لن يحصل شيئا من الخوف.

وقيل وهى الحكمة الرابعة: فى تعجيل الكسوة له لإظهار منزلته أمام الخلق ليعلموا أنه خليل الله فهو الذى جعل قلبه للرحمن وبدنه للنيران وماله للضيفان وولده للقربان إذ جاء ربه بقلب سليم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. إذن هذا الحديث إخوتى الكرام كما قلت مروى من طريقين أوليس كذلك فى نهاية الطريقين يصل إلى أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها الطريق الثانية فيها مسعدة ابن اليسع مع ما فيه من ضعف يستغنى عن هذه الرواية بالرواية الأولى وأن الرواية الثانية تتقوى بالرواية الأولى على أنه سيأتينا للحديث الشواهد متعددة كما قلت ترفعه إلى درجة الصحة إن شاء الله من هذه الأحاديث حديث أنس رضى الله عنه وأرضاه أشار إليه الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الثالث صفحة ست وعشرين ومائة فقال أسنده ابن الجوزى فى الوفا بإسناد ضعيف عن أنس رضى الله عنه وأرضاه بالمعنى المتقدم أن امرأة كانت عند أمنا عائشة على نبينا وأزواجه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فقال لها لا يدخل الجنة عجوز العجز العجائز فاعتراها ما اعتراها فأخبرها أنها إذا أنشأت فى الخلق الآخر تكون عذراء بكرا مطهرا يقول الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء أسنده ابن الجوزى فى الوفا بإسناد ضعيف كتاب الوفا فى التعريف بالمصطفى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه للإمام ابن الجوزى مطبوع فى مجلدين الإمام ابن الجوزى ذكر هذا فى الجزء الثانى صفحة خمس وأربعين وأربعمائة لكن ما ذكر الإسناد إلى أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه ولا ذكر من خرج هذا من أصحاب الكتب المصنفة فهل له بعد ذلك إسناد لهذا الكتاب ما أعلم لأن الإمام العراقى يقول أسنده ابن الجوزى بالوفا بإسناد ضعيف عن أنس رضى الله عنه وأرضاه الرواية موجودة فى الوفا كما قلت لكن من غير إسناد قال عن أنس رضى الله عنه ثم أورد القصة.

والحديث إخوتى الكرام روى مرسلا من طريقين اثنين مرسلين المرسل الأول عن قتادة عن سعيد ابن المسيب والمرسل الثانى عن الحسن البصرى. والحديث الضعيف إذا روى مرسلا يتقوى فكيف إذا كان الحديث بالطريق الأولى كما تقدم معنا ومعه هذه المراسيل حديث أنس وكما قلت يصل إلى درجة الصحة والقبول إن شاء الله أما مرسل سعيد ابن المسيب فإسناده صحيح كالشمس عن قتادة وقد رواه هناد ابن الثرى فى كتاب الزهد فى الجزء الأول صفحة تسع ومائة عن قتادة رضي الله عنهم أجمعين قال قلت لسعيد ابن المسيب أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمازح هل يمزح هو إمام المازحين وإمام المتقين وإمام المجاهدين وإمام العابدين ولا يوجد خصلة شريفة إلا وهو إمامنا فيها عليه صلوات الله وسلامه أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمازح وسعيد ابن المسيب من التابعين ومن كبار التابعين فعندما يقول نعم أو لا وينقل قصة وما أدراك يرويها إذن بينه وبين الراوى واسطة ما ذكره يقول نعم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمازح أتته عجوز فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع ربك أن يدخلنى الجنة فقال إن الجنة لا يدخلها عجوز ثم قام النبى عليه الصلاة والسلام وذهب إلى المسجد فلما رجع أتى أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها فقالت لنبينا على نبينا وأزواجه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد لقيت خالتك من كلمتك مشقة شديدة قلت الجنة لا يدخلها عجوز فقال النبى عليه الصلاة والسلام نعم إن الله إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا فهذه الصفة عامة الحوريات وللنساء المؤمنات كل امرأة تكون فى نعيم الجنات هى بكر عذراء وكلما وطأت تعود إليها البكارة بحول الله وقوته ومشيئته سبحانه وتعالى هذا المرسل الأول وكما قلت إسناده صحيح وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يمازح.

والمزاح كما قال أئمتنا إذا كان بالحدود الشريعة والضوابط الإيمانية فهو حسن مستحسن أن تمازح لماما لا تكثر من أكثر من المزاح استخف به ثم تكون العبارات بعد ذلك ليس فيها غلظة ولا فظاظة. والمقصود حسن إنما الأسلوب الذى تورد فيه هذا فيه أحيانا شىء من الخفاء على السامع عندما تمازحه تقصد حسنا ومداعبة وألفاظ صدق لكن العبارات كما قلت عند سياقتها تداعب بها صاحبك قد يخفى عليه المراد بها.

اتصل مرة بى بعض الإخوة الكرام من بلاد المغرب لما كنت فى أندونيسيا وفى مكالمة تليفونية ثم أقول له كيف أصبحت لعلك بخير قال أصبحت مصلى بلا وضوء وأحب الفتنة وأكره الحق قلت أعوذ بالله يا عبد الله إلى هذا الحد قال هذا جواب أمير المؤمنين على لسيدنا الفاروق عمر ابن الخطاب رضى الله عنهم أجمعين قلت بين لى قال أصلى بلا وضوء أصلى على النبى عليه الصلاة والسلام27:28 قلت صدقت قال أصلى بلا وضوء أصلى على النبى عليه الصلاة والسلام هذه ممازحة ما ألطفها قال وأكره الحق أكره الموت يعنى كما قالت أمنا عائشة رضى الله عنها أكراهية الموت تعنى فكلنا نكره الموت وتقدم معنا فى تحفة المؤمنين الموت المراد من هذه الكراهة كراهة طبيعية جبلية ليست كراهة اختيارية ثم قال أحب الفتنة أحب الأموال والأولاد إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم حقيقة هذا مزاح وما أجمله وما ألطف هذا المزاح فنبينا عليه الصلاة والسلام كان يمازح ولا يقول إلا حقا وقد ثبت فى المسند وسنن الترمذى والحديث رواه الإمام الترمذى أيضا فى الشمائل المحمدية على نبينا أزواجه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ورواه البخارى فى الأدب المفرد ورواه البغوى فى شرح السنة كما رواه الإمام البيهقى فى السنن الكبرى والإمام ابن كثير أورده فى البداة والنهاية فى مبحث السيرة النبوية فى باب مزاح نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه فى الجزء السادس صفحة ثمان وأربعين ولفظ الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه قال قيل للنبى عليه الصلاة والسلام يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تداعبنا أى تمازحنا تلاعبنا تباسطنا عليه صلوات الله وسلامه قال نعم غير أنى لا أقول إلا حقا والحديث إخوتى الكرام صحيح مروى من عدة طرق أيضا رواه الإمام الطبرانى فى معجمه الأوسط بسند حسن عن أبى هريرة أيضا رضى الله عنه وأرضاه انظروه فى المجمع فى الجزء التاسع صفحة سبع عشرة أيضا فى المناقب

فى فضائل نبينا عليه الصلاة والسلام فى باب حسن خلقه عليه صلوات الله وسلامه قال عليه الصلاة والسلام إنى لأمزح ولا أقول إلا حقا فقالوا يا رسول الله عليه الصلاة والسلام إنك تداعبنا قال نعم إلا أنى لا أقول إلا حقا والحديث روى أيضا من رواية سيدنا عبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين رواه الطبرانى فى معجمه الصغير وهناك فى المعجم الأوسط رواه الطبرانى فى معجمه الصغير انظروا المعجم الصغير الجزء الثانى صفحة تسع وخمسين وأورده الهيثمى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى المجمع فى الجزء الثانى صفحة تسع وثمانين فى كتاب الأدب باب فى المزاح وما أورد حديث أبى هريرة فى هذا الباب هناك أورده كما قلت فى الترجمة النبوية فى بيان خلق نبينا عليه الصلاة والسلام وأما هنا رواية ابن عمر أوردها فى هذا الباب فى كتاب الأدب باب فى المزاح عن نبينا عليه الصلاة والسلام بمثل لفظ رواية أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال إنى لأمزح ولا أقول إلا حقا ورواية عبد الله ابن عمر رواها الإمام الطبرانى فى معجمه الكبير والطبرانى فى معجمه الأوسط كما فى المجمع فى المكان المشار إليه فى الجزء الثامن صفحة تسع وثمانين وفى الإسناد مجاهيل قال الإمام الهيثمى فيه من لم أعرفهم من رواية عبيد ابن عمير وهو أبو عاصم المكى قاص أهل مكة مجمع على ثقته وإمامته وديانته وفضله رضى الله عنه وأرضاه وكان عبد الله ابن عمر يحضر وعظه عبيد ابن عمير وتوفى قبل ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين بقليل لم يحدد هذا وعبد الله ابن عمر رضى الله عنهم أجمعين توفى سنة ثلاث وسبعين وقيل أول السنة التى بعدها وهى أربع وسبعون فتوفى هذا قبله مع أنه تابعى عبيد ابن عمير رضى الله عنه وأرضاه الحديث كما قلت فى معجم الطبرانى الكبير والأوسط وفى الإسناد من لم يعرفهم الإمام الهيثمى عن عبيد ابن عمير قال إن رجلا قال لابن عمر ألم تسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنى لأمزح ولا أقول إلا

حقا وما سمى هذا الرجل وفى الإسناد أيضا مجاهيل والعلم عند الله جل وعلا والحديث إخوتى الكرام روى مرسلا فى السنن الكبرى للإمام البيهقى أن النبى عليه الصلاة والسلام مرسلا عن عطاء كان فيه دعابة وكان يمزح ولا يقول إلا حقا عليه صلوات الله وسلامه إذن هذا المعنى وهو أنه العجوز تحول إلى بكر عذراء إذا دخلت الجنة ثابت أيضا فى مرسلين مع الحديثين المسندين الحديث الأول حديث أمنا عائشة والثانى حديث أنس كما تقدم معنا رضى الله عنهم أجمعين وقلت روى فى مرسلين المرسل الأول عن قتادة عن سعيد ابن المسيب والثانى عن الحسن البصرى وكا قلت نبينا عليه الصلاة والسلام يمزح ولا يقول إلا حقا والمزاح إذا كان بمقدار محبوب. يقول أبو فراس الحمدانى الذى هو خاتمة الشعراء كما يقول الصاحب ابن عباس بدىء هذا الشعر بملك وختم بملك بدىء بامرىء القيس وختم بأبى فراس الحمدانى الذى توفى سنة سبع وستين ثلاثمائة للهجرة وكان أميرا على بلدة منبج من بلاد الشام بينها وبين حلب ثمانين كليو مترا أبو فراس الحمدانى وقد ولد سنة عشرين وثلاثمائة فعاش كم سنة سبعا وثلاثين سنة ما أكمل الأربعين عليه رحمة الله وهو من الشعراء يعنى الماهرين أبو فراس الحمدانى يقول: أروح نفسى ببعض الهزل ... تجاهلا منى بغير جهل أمزح فيه مزح أهل الفضل ... والمزح أحيانا جلاء العقل

والأبيات أوردها الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى أول كتابه الحمقى والمغفلين نسأل الله ألا يجعلنا منهم بمنه وكرمه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين إذن الرواية الثانية المرسلة رواها الإمام الترمذى فى الشمائل المحمدية على نبينا صلوات الله وسلامه صفحة اثنتين وعشرين ومائة وأشار إليها الإمام العراقى فى تخريج أحاديث الإحياء فى الجزء الثالث صفحة ست وعشرين ومائة ورواها البيهقى فى البعث والنشور صفحة سبع عشرة ومائتين وانظروها فى تفسير البغوى معالم التنزيل فى الجزء السابع صفحة تسع عشرة وفى شرح السنة فى الجزء الثالث عشر صفحة ثلاث وثمانين ومائة وهى موجودة فى تفسير مجاهد فى الجزء الثانى صفحة ثمان وأربعين وستمائة والحديث نسبه الإمام السيوطى فى الدر فى الجزء السادس صفحة ثمان وخمسين ومائة إلى عبد ابن حميد وإلى ابن المنذر ونسبه الإمام ابن القيم فى حادى الأرواح صفحة خمس وخمسين ومائة إلى بلاد الأفراح إلى آدم ابن أبى إياس والحديث إخوتى الكرام عن مبارك ابن فضالة عن الحسن البصرى مرسلا كما سأذكر لفظ الحديث إن شاء الله قال الإمام ابن كثير هذا مرسل من هذا الوجه أما مبارك ابن فضالة فهو أبو فضالة البصرى صدوق يدلس ويسوى ولذلك تدليسه من التدليس الردىء الوخيم هو ثقة يدلس ويسوى أخرج حديثه البخارى تعليقا فى صحيحه وأهل السنن الأربعة إلا الإمام النسائى وتوفى سنة ست وستين ومائة على الصحيح هذا مبارك ابن فضالة قال الإمام الذهبى فى السير فى الجزء السابع صفحة أربع وثمانين ومائتين قلت هو حسن الحديث مبارك ابن فضالة لم يذكره ابن حبان فى الضعفاء وكان من أوعية العلم وقال الإمام أحمد عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا ما روى مبارك ابن فضالة عن الحسن يحتج به لأنه هو أروى تلاميذ الحسن وألصق الناس به مبارك ابن فضالة عن الحسن البصرى أبى سعيد سيد المسلمين فى زمنه ووقته ما روى مبارك عن الحسن يحتج به نعم قال أبو داود

كان شديد التدليس فإذا قال حدثنا فهو ثبت على كل حال رواية مبارك عن الحسن مقبولة كما نص على ذلك شيخ المسلمين الإمام أحمد عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أما الحسن البصرى فتقدم معنا تابعى ومراسيله كما تقدم معنا أضعف المراسيل لكن هنا تتقوى معنا لأنه كان يرسل عن الضعفاء كثيرا ويدلس وتقدم معنا أنه كان يترخص فى نوع من التدليس عظيم عظيم ومع ذلك أئمتنا ما اعتبروا هذا منقصة فى هذا الإمام رحمة الله ورضوانه عليه تقدم معنا إن هذا مما انفرد به الحسن يقول حدثنا وأخبرنا عن أناس لم يسمع منهم كلمة قط وهذا لو قاله غيره لكان كذبا ترد روايته ويجرح عدالته لكن هو كما قال الإمام البزار احتمل أئمتنا ذلك منه لما عادته حدثنا والمحدث قومه أخبرنا والمخبر قومه يقول حدثنا وأخبرنا وهو ما رأى من حدثه إنما قومه حُدثوا فيقصد قومى حُدثوا وقومى أُخبروا وهذا ذكرته فى بعض المواعظ فى سنن الترمذى واستشكله بعض الإخوة وقال أين نجد هذا فقلت له فى تهذيب التهذيب ثم لما نظرت موجود حتى فى التقريب إذا أحد بين يديكم معه تقريب التهذيب فليفتح على ترجمة الحسن الحافظ ابن حجر يورد هذا حتى فى التقريب فى المختصر فى ترجمة الحسن البصرى يقول كان يعانى هذا النوع فيقول حدثنا وأخبرنا يقصد قومنا حدثوا وقومنا أخبروا وأنا أنوب عنهم فأتكلم باسمهم رضى الله عنهم أجمعين على كل حال عرفت عادته فى ذلك فاحتمل أئمتنا ذلك منه قال الإمام الذهبى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا معروف بالتدليس ويدلس على الضعفاء ولذلك أعرض أهل الصحيح عن كثير مما يقول فيه الحسن عنه وإن ثبت لقاؤه لمن روى عنه بصيغة العنعنة ولفظ الحديث إخوتى الكرام كما قلت هنا الرواية فى كتاب البعث والنشور للإمام البيهقى أوليس كذلك يقول حدثنا آدم حدثنا مبارك ابن فضالة عن الحسن رضى الله عنهم أجمعين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة عجوز فبكت عجوز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

أخبروها أنه ليست يومئذ عجوز إنها يومئذ شابة إن الله عز وجل يقول إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا وهذا الإنشاء إخوتى الكرام شامل للنساء من الصنفين للحوريات الحسان وللمؤمنات الطاهرات اللاتى عبدن الرحمن فى هذه الحياة ولذلك قال الإمام ابن الجوزى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى زاد المسير فى الجزء الثامن صفحة اثنتين وأربعين ومائة والصواب أن يقال إن الإنشاء عمهن كلهن فالحور أنشأن ابتداء أبكارا وما طرأ عليهن طارىء يزيل هذا قبل ذلك فالحور أنشأن ابتداء والمؤمنات أنشأن أبكارا بالإعادة وتغير الصفات وقد روى هذا المعنى عن نبينا خير البريات على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه روى الإمام الترمذى فى سننه والبيهقى فى البعث والنشور والحديث رواه الطبرى فى تفسيره ورواه أبو نعيم فى صفة الجنة وهناد ابن الثرى فى الزهد فى الجزء الأول صفحة خمس ومائة ورواه الفريابى وعبد ابن حميد والطبرى فى تفسيره وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه كما فى الدر المنثور فى الجزء السادس صفحة ثمان وخمسين ومائة من رواية أنس ابن مالك رضى الله عنه وأرضاه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال إن من المنشآت إنا أشأناهن إنشاء يدخل فى هذا الأمر وفى هذا الوصف إن من المنشآت اللاتى كن فى الدنيا عجائز عمشا رمصا والرمص إخوتى الكرام وسخ أبيض فإذا سال فهو غمص وإذا جمد فهو رمص الوسخ الأبيض الذى يخرج من العينين إذا سال يقال له غمص وإذا جمد رمص إذن عجائز عمشا رمصا إذن من المنشآت اللاتى كن فى الدنيا وهن النساء المؤمنات الذى صار حالهن عجز عجائز عمش فيهن هذه الصفة رمص فيها هذا الوسخ الذى يجتمع فى العينين ومع ذلك إذا أعيدت فى الخلق الآخر صارت بكرا عذراء عروب عاشقة لزوجها فيها ما تقدم معنا لا نعرفه إلا من حديث موسى ابن عبدة ويزيد ابن أبان وهما يضعفان فى الحديث لكن هذا الحديث المروى عن أنس رضى الله عنه فى هذه المناسبة وفى هذا

المكان روى ما يشهد له من رواية أمنا أم سلمة رضى الله عنها وأرضاها وسأختم هذا الباب بحديث أمنا أم سلمة رضى الله عنها وأرضاها وهو حديث أخذ قرابة الصفحة وروى ما يشهد له من رواية سلمة ابن يزيد الجعفى وهو صحابى رضى الله عنهم أجمعين أترك الكلام على هذين الأثرين أول الموعظة الآتية وأسأل الله أن ننتهى من هذا المبحث فى أول الموعظة الآتية لندخل فى الحكمة الخامسة بعون الله جل وعلا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا. ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشياخنا ولمن علمنا وتعلم منا اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

79ختام وصف الزوجات فى الجنات أ

ختام وصف الزوجات في الجنات (أ) (لقاء ديني) للشيخ الدكتور عبد الرحيم الطحان ختام وصف الزوجات في الجنات (أ) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين ورضى الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين. اللهم زدنا علما نافعا وعملا صالحا بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين. ... سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. ... أما بعد إخوتى الكرام:.. لازلنا نتدارس مبحثا مستطردا ضمن مباحث النبوة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وتقدم معنا أن هذا المبحث المستطرد سيقوم على عدة أمور أولها فى بيان مقاصد النكاح وحكمه العامة وثانيها فى بيان حكمة التعدد فى حق أفراد الأمة وثالثها حكمة التعدد فى نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ورابعها فى ترجمة موجزة لأمهاتنا أزواج نبينا وعلى نبينا وأزواجه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ولازلنا نتدارس الأمر الأول وحقيقة قد طال ولله الحكمة فيما قدر. إخوتى الكرام:: تقدم معنا أن مقاصد النكاح وحكمها البارزة كثيرة يمكن أن نجملها فى خمسة أمور أولها تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية سواء كانت حسية أو معنوية وثانيها إنجاب الذرية التى تعبد وتوحد رب البرية وثالثها تحصيل الأجر للزوجين عن طريقين اثنين حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدة كل منهما لصاحبه فى النفقة ورابع هذه الأمور والحكم كما تقدم معنا تذكر لذة الآخرة وخامسها وهى آخر هذه الحكم ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل زوجه وعشيرته.

إخوتى الكرام: كنا نتدارس الأمر الرابع من هذه الأمور الخمسة ألا وهو تذكر لذة الآخرة وقد تقدم معنا أن لذة النكاح عظيمة عند النفوس فى هذه الحياة فهى أعظم المشتهيات وتقدم معنا ما فيها من عيوب وآفات فإذا كانت نفوس المخلوقات تتعلق بهذه الشهوة فى هذه الحياة مع ما فيها من نقص وآفات فحرى بها إن كانت النفوس عاقلة أن تتعلق بهذه الشهوة فى الدار الآخرة حيث لا يوجد فيها آفة مكدرة وكنا نستعرض إخوتى الكرام حال هذه اللذة التى تكون فى غرف الجنان وتقدم معنا وصف الحور الحسان ووصف المؤمنات اللآئى يكن أيضا فى غرف الجنان لما يرغب نفوس المخلوقات إلى التعلق فى الآخرة وفى الجنة التى تكون فى الآخرة.

إخوتى الكرام: وقد تقدم معنا أن كثيرا من سلفنا عندما رُغبوا رغبوا وكان يعرض عليهم فى نومهم نماذج مما يكون فى جنة ربهم فكثيرا منهم كما تقدم معنا رأى الحور العين فى نومه وكلمته بما كلمته به كما تقدم معنا وحقيقة إخوتى الكرام: إذا كان الإنسان عاقلا يتعلق بما أعد الله لأوليائه فى دار كرامته ومهر ذلك أن يفطم الإنسان نفسه عن المعاصى وعن الرزائل والمحرمات فى هذه الحياة ولذلك قال العبد الصالح يحيى ابن معاذ الرازى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وهو من كبار المشايخ ومن العلماء الربانيين توفى سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة وانظروا ترجمته العطرة الطيبة فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الحادى عشر صفحة خمس عشرة يقول هذا العبد الصالح ترك الدنيا شديد وفوت الآخرة أشد ومهر الآخرة ترك الدنيا, ترك الدنيا شديد حقيقة أن يبتعد الإنسان عن المحرمات واللذائذ التى هى فيها معصية لرب الأرض والسموات والنار حفت بالشهوات كما أن الجنة حفت بالمكاره ترك الدنيا شديد وتقدم معنا أن كل ما ورد من ذم للدنيا فى كلام ربنا وحديث نبيا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وكلام أئمتنا يراد من ذلك التلهى بها عما خلق الإنسان من أجله وعليه كل ما شغلك عن الله فى هذه الحياة فهو مذموم عليك وشؤم عليك ولذلك هنا فوت الدنيا ترك الدنيا شديد حقيقة يحتاج إلى جهد ومجاهدة لكن إذا استحضر الإنسان أن فوت الآخرة أشد يهون عليه أن يترك المشتهيات فى هذه الحياة من أجل أن ينال ما هو أعظم منها بعد الممات وفوت الآخرة أشد فما مهر الآخرة وما مهر الحور العين وثمن جنات النعيم ترك الدنيا يترك الإنسان ما يلهيه عن ربه جل وعلا فى هذه الحياة ومهر الآخرة ترك الدنيا وكما قلت هو من العلماء الربانيين وحقيقة له كلام فى الوعظ يصدع القلب والإمام ابن الجوزى فى صفة الصفوة ترجمه فى قرابة عشرين صفحة وهكذا الإمام أبو نعيم فى حلية الأولياء فانظروا ترجمة هذا العبد الصالح فى

هذه الكتب ومن كلامه رحمة الله ورضوانه عليه أنه كان يقول الليل طويل فلا تقصره بمنامك هذا طويل من أجل أن تناجى فيه ربك الجليل فلا تقصره الليل ويذهب طوله عنك بنومك والنهار نقى فلا تندسه بآثامك الليل طويل فلا تقصره بمنامنك والنهار نقى صافى فلا تندسه بآثامك وكان هذا العبد الصالح يقول الدنيا خراب وأخرب منها القلب الذى يعمرها والآخرة عمران وأعمر منها القلب الذى يعمرها أعمر من الآخرة قلب يهتم بالآخرة وأخرب من الدنيا قلب يعمرها ويركن إليها وكان يقول وسأختم ترجمته بهذه الجملة المباركة عنه يقول العاقل الكيس المصيب من فعل فى هذه الحياة ثلاثة أولها من بنى قبره قبل أن يدخله وثانيها يقول من ترك الدنيا قبل أن تتركه وآخر هذه الأمور الثلاثة من أرضى ربه قبل أن يلقاه عمر قبره وبناه قيل أن يسكنه وقبل أن يدخله وأعرض عن الدنيا وتخلى عن المعاصى فيها قبل أن تتركه الدنيا وأن تلفظه ثم أرضى ربه قبل أن يلقاه إذن إخوتى الكرام ترك الدنيا شديد وفوت الآخرة أشد ومهر الآخرة ترك الدنيا كما قلت إخوتى الكرام كان كثير من سلفنا عندما يعنى رُغبوا فيما عند الله رَغبوا تمام الرغبة وكان يعرض عليهم هذا فى نومهم وكانوا يقولون هذه الكلمات لأجل تحريك عزائم المؤمنين والمؤمنات.

إخوتى الكرام: كنت أستعرض فى الموعظة الماضية آخر شىء عندنا فى الأمر الرابع ألا وهو أن نساء الجنة يعدن أبكارا بعد الاتصال بهن وذكرت فى ذلك عدة أحاديث ثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام وهى كما تقدم معنا ما بين أحاديث ثابتة ورجال الإسناد ثقات وما بين أحاديث فيها ضعف يشهد لها ما هو ثابت آخر حديث ذكرته حديث أبو هريرة رضى الله عنه وأرضاه وقلت والمعروف بحديث الصور الطويل أوليس كذلك وقلت هو آخر حديث فى كتاب البعث والنشور للإمام البيهقى وقد أخذ هذا الحديث ثمانى صفحات فى كتاب البيهقى وبه ختم الإمام البيهقى كتابه وقلت هو أول حديث أيضا فى كتاب البدور السافرة فى أمور الآخرة للإمام السيوطى على أئمتنا جميعا رحمة ربنا وتقدم معنا تخريج هذا الحديث ومن رواه الإمام البيهقى فى البعث وغيره كما عددت هذا فى الموعظة الماضية وقلت إن هذا الحديث فى إسناده إسماعيل ابن رافع وهو قاص أهل المدينة على منورها صلوات الله وسلامه وهو قاص أهل المدينة المنورة فى القرن الثانى للهجرة على منورها صلوات الله وسلامه وتقدم معنا أنه توفى فى حدود سنة خمسين ومائة للهجرة أوليس كذلك وهو من رجال البخارى فى الأدب المفرد وروى له الإمام الترمذى فى السنن وهكذا ابن ماجة القزوينى فى سننه عليهم جميعا رحمة الله وتقدم معنا أن الجمهور من أئمتنا على تضعيفه وبذلك حكم عليه الحافظ ابن حجر فقال ضعيف الحفظ وليس فى ديانته وعدالته وإمامته أى منقصة إنما يهم ويخطىء إذا حدث على أن الإمام الترمذى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا نقل عن الجبل فى الحفظ وإمام أهل الدنيا فى الحديث ألا وهو سيدنا الإمام البخارى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أنه قال إنه ثقة وهو مقارِب الحديث مقارَب الحديث كما تقدم معنا هذا وقلت هذا النقل ثابت ينقله التلميذ عن شيخه الإمام الترمذى عن شيخه عبد الله محمد ابن إسماعيل البخارى عليهم جميعا رحمة ربنا عليه هو مما اختلف حاله بالنسبة لنظر

أئمتنا ما بين موثق ومضعف ثم قلت إن الحديث بعد ذلك ما حكمه إن كان هذا ثقة فالحديث صحيح وإن كان ضعيفا فالحديث فيه ضعف فقلت إن أئمتنا اختلفوا على قولين فى هذا الحديث ذكرتهما وقلت سأقرر هذا فى أول الموعظة الآتية أوليس كذلك القول الأول ذهب جم من أئمتنا إلى تصحيح هذا الحديث منهم الإمام أبو بكر ابن العربى فى كتابه سراج المريدين كما ذكرت ومنهم الإمام القرطبى فى كتاب التذكرة فى علوم الآخرة ومنهم الإمام مغلطاى أوليس كذلك مغلطاى وهو قلت مغلطاى ابن قليج ابن عبد الله من أئمة الحنفية توفى سنة اثنتين وستين وسبعمائة للهجرة وتقدم معنا أنه شرح البخارى فى عشرين مجلدا مغلطاى وهو من علماء الأتراك وسكن فى مصر وتوفى فيها عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا مغلطاى هؤلاء صححوا الحديث أبو بكر ابن العربى والإمام القرطبى ومغلطاى وتقدم معنا أن الإمام البيهقى ضعفه وهكذا الحافظ عبد الحق ضعفه الإشبيلى والإمام ابن حجر صوب قولهما ومال إلى أن الحديث ضعيف والذى يظهر لى والعلم عند ربى جمعا بين كلام أئمتنا الحديث ضعيف حسب النظر إلى إسناده لوجود إسماعيل ابن رافع قد ضعفه الجمهور لكن كل فقرة من فقراته كما سيأتينا قال عنها الإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا لدى الشواهد ثابتة فهو ضعيف بالنظر إليه على انفراد حسن والحسن نوع من الصحيح المحتج به وحسن صحيح على حسب الشواهد التى شهدت له والآثار التى دلت عليه وأئمتنا يشيرون إلى هذا بكثرة يقولون هذا ضعيف ثم تراهم يقولون عنه حسن وصحيح كيف هذا ضعيف على انفراده كما قال أئمتنا فى حديث يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين الجاهلين صحح الحديث إمام أهل السنة الإمام أحمد ابن حنبل عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا والحديث فى إسناده ضعف وبعض الأئمة كالعلاء وغيره قال نتوسط فنقول إنه حسن والذى يظهر من الجمع بين كلامهم كما ذهب إلى ذلك الإمام القاسمى عليهم

جميعا رحمة الله هو ضعيف بالنظر إلى سند واحد من إسناد هذا الحديث ويرتقى إلى درجة الحسن بالنسبة لطرقه وشواهده والحسن نوع من الصحيح جمعت بين يعنى أقوال الأئمة ورفعت التعارض بينهم ضعيف على انفراده حسن لشواهده والحسن نوع من أنواع الصحيح فمن قال ضعيف مصيب ومن قال حسن مصيب ومن قال صحيح مصيب وهنا كذلك.

إخوتى الكرام: هذا ما تقدم معنا قبل أن أذكر كلام الحافظ ابن حجر وقلت سأبدأ به فى هذه الموعظة أعيد لفظ الحديث الذى تقدم معنا من رواية أبى هريرة رضى الله عنه وأرضاه وقلت إخوتى الكرام: إنه فى الترغيب والترهيب فى الجزء الرابع صفحة أربع وثلاثين وخمسمائة أوليس كذلك ولفظ الحديث عن محمد ابن كعب القرظى عن رجل من الأنصار عن أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين والحديث كنت ذكرته فى آخر الموعظة الماضية ووقفنا عند كلام الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أذكره بعد سرد هذا الحديث إن شاء الله قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى طائفة من أصحابه فذكر حديث الصور بطوله وأخذ ثمانى صفحات وما لنا الآن علاقة بسرده من أوله لآخره ولا أريد أن أقرأه من كتاب البعث والنشور للإمام البيهقى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إنما سأذكر محل الشاهد منه فيما يتعلق بوصف نساء أهل الجنة وأنهن يعدن أبكارا بعد اتصال أزواجهن بهن يقول فذكر حديث الصور بطوله إلى أن قال فأقول يا ربى وعدتنى الشفاعة فشفعنى فى أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله قد شفعتك وأذنت لهم فى دخول الجنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والذى بعثنى بالحق ما أنتم فى الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم كل واحد يعرف مسكنه وزوجته وأهله فى الآخرة أكثر من معرفته بمسكنه وزوجته وأهله فى هذه الحياة الدنيا فيدخل كل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله يعنى من الحور العين وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله لعبادتهما الله فى الدنيا يدخل على الأولى منهما فى غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل بالؤلؤ عليه سبعون زوجا أى صنفا ولونا من سندس وإستبرق ثم يضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك فى قصبة الياقوت كبده

لها مرآة وكبدها له مرآة فبينا هو عندها لا يملها ولا تمله ولا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ما يفتر ذكره ولا يشتكى قبلها فبينا هو كذلك إذ نودى إنا قد عرفناك أنك لا تمل ولا تُمل إلا أنه لا منى ولا منية إلا أن لك أزواجا غيرها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة بعد كلما جاء واحدة قالت والله ما فى الجنة شىء أحسن منك وما فى الجنة شىء أحب إلى منك الحديث قال الإمام المنذرى رواه أبو يعلى والبيهقى فى آخر كتابه من رواية إسماعيل ابن رافع ابن أبى رافع انفرد به عن محمد ابن يزيد ابن أبى زياد عن محمد ابن كعب.

إخوتى الكرام: هذا الحديث كما قلت صححه من صححه من أئمتنا وضعفه من ضعفه وله شواهد تقرر هذا فاستمعوا إلى هذا من كلام أئمتنا يقول الحافظ ابن حجر فى فتح البارى فى الجزء الحادى عشر صفحة ثمانية وستين وثلاثمائة ويورد هذا فى كتاب الرقاق فى باب نفخ الصور يقول تنبيه اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام الذى ينفخ فى الصور هو الملك إسرافيل على نبيناو عليه الصلاة والسلام ونقل فيه الحليمى الإجماع وهو صاحب كتاب المنهاج فى شعب الإيمان فى ثلاث مجلدات وهو أول ما ألف فى شعب الإيمان قبل الإمام البيهقى عليهم جميعا رحمة الله ونقل فيه الحليمى الإجماع يقول ووقع التصريح به فى حديث وهب ابن منبه المذكور وفى حديث أبى سعيد عند البيهقى وفى حديث أبى هريرة عند ابن مردويه وكذا فى حديث الصور الطويل الذى أخرجه عبد ابن حميد والطبرى وأبو يعلى فى الكبير والطبرانى فى المطولات الطولات وعلى ابن معبد فى كتاب الطاعة والمعصية والبيهقى فى البعث من حديث أبى هريرة تقدم معنا أن هؤلاء ممن أخرجوا حديث أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين يقول ومداره على إسماعيل ابن رافع واضطرب فى سنده مع ضعفه يعنى فيه ضعف ثم هو اضطرب فتارة رواه عن محمد ابن كعب القرظى بواسطة وتارة حذف الواسطة ورواه بنفسه مباشرة عن محمد ابن كعب القرظى وتارة رواه عن محمد ابن كعب القرظى عن رجل من الأنصار عن أبى هريرة وتارة حذف هذا الرجل من الأنصار ورواه عن محمد ابن كعب القرظى عن أبى هريرة فهنا اضطراب فى مكانين مع ما فيه من ضعف هو ضعفه كما تقدم معنا لعدم تمام حفظه وكذلك ضبطه فذلك وقع الاضطراب إذا كان هذا يعتبر اضطرابا ولا يمكن أن نجد له مخرجا فنقول تارة رواه بنفسه وتارة رواه بواسطة عن محمد ابن كعب القرظى ومحمد ابن كعب القرظى تارة رواه عن أبى هريرة مباشرة وتارة بواسطة رجل من الأنصار ولا إشكال لكن لو قدرنا أن هذا نوعا من أنواع الضطراب لو قدرنا

فالضطرار سببه ضعف حفظ إسماعيل ابن رافع عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا والاضطراب يكون فى الإسناد وفى المتن وتقدم معنا أن هذا فى سنن الترمذى وقلت هو رواية الحديث على أوجه مختلفة متعارضة متدافعة لا يمكن الجمع بينها وهنا فيما يظهر والعلم عند الله يمكن الجمع فيمكن تقول رواه عن محمد ابن كعب القرظى بنفسه ورواه بواسطة فتارة ذكر الواسطة وتارة أخبر أنه تلقاه مباشرة وهذا له نظائر والعلم عند الله جل وعلا يقول هنا واضطرب فى سنده مع ضعفه فرواه عن محمد ابن كعب القرظى تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل مبهم ومحمد من هو محمد ابن كعب القرظى عن أبى هريرة تارة بلا واسطة وتارة بواسطة رجل من الأنصار مبهم أيضا يقول وأخرجه إسماعيل ابن أبى زياد وهو إسماعيل ابن مسلم الشامى لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة والإمام الدارقطنى قال إنه كان يضع الحديث انظروا هذا فى المغنى فى الضعفاء فى الجزء الأول صفحة اثنتين وثمانين والإمام ابن حجر أورده فى التقريب مع أنه لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة ليميز بينه وبين راو آخر شاركه فى الإسم واسم الأب ولذلك عنون عليه تمييز يعنى هذا لم يخرج له فى الكتب الستة انظروه أيضا فى التقريب وفى تهذيب التهذيب فى الجزء الأول صفحة تسع وتسعين ومائتين وصفحة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة فيه إذن يقول وأخرجه إسماعيل ابن أبى زياد وهو إسماعيل ابن مسلم الشامى أحد الضعفاء أيضا فى تفسيره عن محمد ابن عجلان عن محمد ابن كعب القرظى واعترض مغلطاى على عبد الحق فى تضعيف الحديث بإسماعيل ابن رافع وخفى عليه أن الشامى أضعف منه ولعله سرقه منه فألصقه ابن عجلان وقد قال الدارقطنى إنه متروك بل نقل عنه الذهب أنه كان يضع إنه متروك يضع الحديث وقال الخليلى شيخ ضعيف شحن تفسيره بما لا يتابع.

عليه نحن ما لنا ولإسماعيل ابن أبى زياد واضح هذا الحديث الآن الذى نتكلم عليه من طريق إسماعيل ابن رافع وأما إذا نضم هذا فهذا موضوع آخر ما لنا علاقة به فهذا طريق وذاك طريق كون هذا رواه وفيه هو هذا الراوى الذى هو متروك واتهم بالوضع ليس كحال إسماعيل ابن رافع فذاك غاية ما فيه كما قلنا ضعف فى الحفظ وهو من رجال الترمذى وابن ماجة وروى له البخارى فى الأدب المفرد بل شيخ أهل الصناعة الحديثية الإمام البخارى إنه ثقة مقارِب الحديث مقارَب الحديث وقلت تعليق الإمام الذهبى على كلام الترمذى بما ينبغى ألا يسمع وألا يعول الإنسان عليه كما تقدم معنا من عبارة خشنة لا داعى لإعادتها قال الإمام ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير فى حديث الصور سأقرأ عليكم كلامه فى النهاية فى الفتن والملاحم جمعه إسماعيل ابن رافع من عدة آثار وأصله عنده عن أبى هريرة رضى الله عنه فساقه كله مساقا واحدا كأنه يقول إسماعيل ابن رافع جمع هذه الأحاديث المروى عن أبى هريرة فى أحاديث متعددة وجعله فى سياقة واحدة مروى هو فى عدة آثار فجعله حديثا واحدا وقد صحح الحديث من طريق إسماعيل ابن رافع القاضى أبو بكر ابن العربى فى سراجه فى سراج المريدين وقلت لكم ما أعلم هل أنه طبع ولا زال مخطوطا أخبرنى بعض الإخوة الكرام أنه ذهب إلى بلاد المغرب فقال طبع الكتاب هناك ويعنى هذه منقبة فاز بها أهل الغرب على أهل الشرق والإمام أبو بكر ابن العربى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا أصله من إشبيليا فيعنى ينبغى أن نعتنى بكتبه وإن كان من بلاد الغرب عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا قال لى سراج المريدين مطبوع قلت لا علم لى به وليس عندى خبر عنه قلت عندك نسخة هنا منه يقول رآه هناك قال لا لكن عندى علم بأنه طبع يعض الإخوة الكرام كان حاضرا معنا فى الموعظة الماضية يقول إذن صحح الحديث من طريق إسماعيل ابن رافع القاضى أبو بكر ابن العربى فى سراجه وتبعه

القرطبى فى التذكرة وقول عبد الحق فى تضعيفه أولى هذا اختيار الحافظ ابن حجر وضعفه قبله البيهقى إذن تصحيح وتضعيف اجمع بينهما كما قلت إذا جمع الإنسان بينهما إن شاء الله يزول الإشكال والإمام ابن كثير عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى النهاية فى غريب الحديث فى الجزء الأول صفحة ثلاثة وخمسين ومائة تعرض لهذا الحديث وبين أنه تُكلم عليه فى النهاية فى الفتن والملاحم قلت فى غريب الحديث لا فى ابن الأثير عليهم جميعا رحمة الله النهاية فى الفتن والملاحم وأما النهاية فى غريب الحديث للإمام ابن الأثير فى خمس مجلدات النهاية فى الفتن والملاحم وهو ملحق وتكملة لكتاب البداية والنهاية للإمام ابن كثير عليهم جميعا رحمة الله أورد الحديث بطوله أيضا هنا وأخذ حديث الصور بطوله أخذ فى الحجم الكبير معه خمس صفحات متتالية فى النهاية يقول هنا عنوان حديث الصور بطوله ثم قال قال الحافظ أبو يعلى فى مسنده وذكر الإسناد بعد أن انتهى من الحديث يقول هنا بعد أن ذكر من خرج الحديث يقول من طرق متعددة يعنى خرج الحديث عن إسماعيل ابن رافع قاص أهل المدينة وقد تلكم فيه بسببه بسبب إسماعيل ابن رافع وفى بعض سياقاته نكارة واختلاف وقد بينت طرقه فى جزء مفرد ما عندى علم به قلت وهو القائل الإمام ابن كثير إسماعيل ابن رافع المدنى ليس من الوضاعين وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة فجمعه وساقه سياقة واحدة فكان يقص به على أهل المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه انتبه هذا كما تقدم معنا فى كلام الإمام ابن القيم عليه رحمة الله فى الزاد الذى نقلته حول الحديث هناك أيضا الذى حديث لقيط وأنه قرىء فى مجامع المسلمين بحضور شيوخ المسلمين وما أنكره منكر تقدم معنا الحديث فى الكلام عليه فى الموعظة الماضية ونستمع هنا يقول ابن كثير وقد حضره جماعة من أعيان الناس فى عصره ورواه عنه جماعة من الكبار عن من عن إسماعيل ابن رافع كأبى عاصم النبيل والوليد

ابن مسلم ومكى ابن إبراهيم ومحمد ابن شعيب ابن شابور وعبدة ابن سليمان وغيره يقول واختلف عليه فيه فتارة يقول عن محمد ابن أبى زياد عن محمد ابن كعب فيذكر واسطة بينه وبين محمد ابن كعب القرظى عن رجل عن أبى هريرة وتارة يسقط الرجل يعنى عن محمد ابن كعب عن أبى هريرة رضى الله عنهم أجمعين وقد رواه إسحاق ابن راهويه عن عبدة ابن سليمان عن إسماعيل ابن رافع عن محمد ابن يزيد ابن إبى زياد هنا فى الطبعة محمد ابن يزيد عن أبى زياد هذا خطأ عن محمد ابن يزيد ابن أبى زياد عن رجل من الأنصار عن أبى هريرة عن النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ومنهم من أسقط الرجل الأول وهو يزيد ابن أبى زياد الذى هو بين إسماعيل ابن رافع وبين محمد ابن كعب القرظى قال شيخنا الحافظ المزى وهذا أقرب يعنى هم رواه عن محمد ابن كعب القرظى مباشرة وقد رواه عن إسماعيل ابن رافع الوليد ابن مسلم وهو الوليد ابن مسلم الدمشقى ثقة كما قال الحافظ ابن حجر فى التقريب لكنه كثير التدليس وكان يدلس شر أنواع التدليس ألا وهو تدليس التسوية فيحذف الضعيف بين ثقتين ويسوى الإسناد إلى أنه كلهم ثقات والإمام الذهبى فى السير يقول عنه عالم أهل الشام من أوعية العلم ثقة حافظ لكنه ردىء التدليس فإذا قالوا إنه ردىء التدليس أو قالوا إنه شنيع التدليس وخيم التدليس يقصدون به تدليس التسوية يقول فإذا قال حدثنا فهو حجة وحديثه مخرج فى الكتب الأربعة السنن ولم يخرج له صاحبا الصحيح وقد توفى سنة خمس وتسعين ومائة للهجرة هذا الوليد ابن مسلم كما قلت الدمشقى هنا عندكم الوليد ابن سليمان غلط فى الطباعة الوليد ابن مسلم وله عليه مصنف بين شواهده من الأحاديث الصحيحة يعنى الوليد ابن مسلم الدمشقى روى هذا الحديث عن إسماعيل ابن رافع وجعل عليه مصنفا مستقلا بين شواهد هذا الحديث ما يشهد لكل فقرة من فقراته وقال الحافظ أبو موسى المدينى بعد إيراده له بتمامه وهذا الحديث وإن كان فيه

نكارة وفى إسناده من تكلم فيه فعامة ما فيه يروى مفرقا من أسانيد ثابتة ثم تكلم على غريبه قلت القائل ابن كثير ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا وبالله المستعان ثم تكلم على هذا الحديث من هذا المكان وهو كما قلت الجزء الأول من صفحة عندنا ثلاثة وخمسين ومائة إلى آخر كتاب النهاية فى الجزء الثانى فى إيراد هذا الحديث وإيراد الشواهد لكل جملة من جمله شرح هذا الحديث فى كتابه ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا وبالله المستعان فموضوع الشاهد عندنا وهو أن نساء أهل الجنة فيهن ما فيهن من الصفات العظيمة الفخيمة ويعدن أبكارا أورد هذه الجملة فى الجزء الثانى صفحة ثلاث عشرة ومائتين جاء نصيبها فى ذلك المكان يقول وتقدم فى حديث الصور فى صفة دخول المؤمنين الجنة قال فيدخل الرجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله واثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ لعبادتهما الله فى الدنيا إلى آخره يقول ولهذا الحديث شواهد من وجوه كثيرة تقدمت وستأتى إن شاء الله وبه الثقة أيضا سيذكر الشاهد لهذه الجملة ثم بدأ يورد الشواهد لهذا الحديث فى وصف نساء الجنة وتقدمت معنا أحاديث كثيرة تشهد لهذا الوصف وأنهن يعدن أبكارا كما تقدم معنا فى أول هذا المبحث والعلم عند الله جل وعلا وهكذا الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى كتابه حادى الأرواح إلى بلاد الأفراح فى صفحة تسع وخمسين ومائة يفهم من كلامه أنه يميل إلى قبول الحديث وتمشية حاله يقول بعد أن أورده وأورد المكان المتعلق معنا والذى قرأته عليكم والذى بعثنى بالحق ما أنتم فى الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم فيدخل الرجل منهم على اثنتين وسبعين زوجة إلى آخره يقول وهذا قطعة من حديث الصور الذى تفرد به إسماعيل ابن رافع وقد روى له الترمذى وابن ماجة والبخارى فى الأدب المفرد وضعفه أحمد ويحيى وجماعة وقال الدارقطنى وغيره متروك الحديث وقال ابن عدى عامة أحاديثه فيها نظر

وقال الترمذى ضعفه بعض أهل العلم وسمعت محمدا يعنى البخارى عليهم جميعا رحمة الله يقول هو ثقة مقارِب وقال لى شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزى وهو شيخ لابن كثير وللإمام ابن القيم هذا الحديث مجموع من عدة أحاديث ساقه إسماعيل أو غيره هذا السياقة وشرحه الوليد ابن مسلم فى كتاب مفرد وما تضمنه معروف فى الأحاديث والله أعلم هذا كلام الأئمة حول هذا الحديث إخوتى الكرام أن صفة البكارة تعود إلى نساء أهل الجنة كلما وطئن.

وصفة البكارة إخوتى الكرام ثابتة لكل امرأة طاهرة فى الدار الآخرة سواء كانت تلك المرأة من الحور العين أو من نساء المؤمنين اللآئى كن فى هذه الحياة كل امرأة فى الدار الآخرة تنشأ بكرا عندما تنشأ وتخلق خلقا ثانيا آخر فى الجنة ثم كلكما توطأ تعود إليها هذه البكارة بإذن الله وقدرته والله على كل شىء قدير وهذا المعنى ثابت عن نبينا عليه الصلاة والسلام كما تقدم معنا فى تلك الأحاديث ورد أيضا ما يدل على هذا فى أحاديث أخرى كان نبينا عليه الصلاة والسلام يباسط بها بعض العجائز ويمازحهن فاستمعوا إلى مزاحه ومباسطته لبعض العجائز من الصحابيات الطاهرات المباركات لما طلبت منه العجوز أن يدعو لها بأن تكون من أهل الجنة كما سيأتينا والحديث صحيح قال لا يدخل الجنة العجائز فالمرأة حزنت غاية لحزن وبدأت تبكى والنبى عليه الصلاة والسلام بعد أن تركها وذهب إلى المسجد وعاد ووجدها عند أمنا عائشة ولا يعلم بحالها إلا الذى خلقها فقالت أمنا عائشة لنبينا على نبينا وأزواجه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه إن خالتك دخل عليها مشقة مما قلت جالسة تبكى فقال أخبروها أنه إذا أنشأها الله إنشاءة أخرى وخلقها خلقا آخر يعيدها بكرا شابة عذراء مطهرة ما تعود بهذه الحالة يعنى التى فيها ما فيها فاستمع للأحاديث الواردة فى ذلك وكما قلت إن الحديث بذلك صحيح صحيح وهو مروى عن عدة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين رواه الطبرى فى تفسيره فى الجزء السابع عشر صفحة ثمانين من طريق شيخه أبى كريب عن عبد الله ابن أدريس الأودى عن ليث ابن أبى سليم عن مجاهد ابن جبر عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها ورواه الإمام البيهقى فى كتاب البعث والنشور صفحة ست عشرة ومائتين أيضا من طريق عبد الله ابن أدريس الأودى عن ليث عن مجاهد عن أمنا عائشة رضى الله عنهم أجمعين وهكذا رواه أبو الشيخ فى كتاب أخلاق النبى على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه صفحة سبع وثمانين

ورواه أبو نعيم فى تاريخ أصبهان فى الجزء الثانى صفحة اثنتين وأربعين ومائة كما قلت من طريق ليث عن مجاهد عن أمنا عائشة رضى الله عنها وأرضاها والحديث أورده الإمام ابن القيم فى حادى الأرواح صفحة خمس وخمسين ومائة وانظروه فى الدر فى مكانين مما وقفت فى الدر فى الجزء الرابع صفحة أربعين وثلاثمائة وفى الجزء السادس صفحة ثمانى وخمسين ومائة وهذه الطريق الذى روى منها هذا الحديث روى من طريق أخرى كما سأذكر إن شاء الله. إخوتى الكرام: هذا الطريق الذى معنا الطبرى عن شيخه أبى كريب عن عبد الله ابن إدريس الأودى عن ليث ابن أبى سليم عن مجاهد عن أمنا عائشة رضى الله عنهم أجمعين جميع رجال الإسناد ثقات أما شيخ الطبرى وهو أبو كريب فهو محمد ابن العلاء الهمدانى ثقة حافظ توفى سنة سبع وأربعين ومائتين وقيل ثمان وأربعين ومائتين وحديثه مخرج فى الكتب الستة أبو كريب محمد ابن العلاء الهمدانى انظروا ترجمته العطرة فى تهذيب التهذيب فى الجزء التاسع صفحة خمس وثمانين وثلاثمائة وانظروا أخباره الطيبة فى سير أعلام النبلاء فى الجزء الحادى عشر صفحة خمس وتسعين وثلاثمائة ونعته بأنه الشيخ الإمام شيخ المحدثين ومن الطرائف فى ترجمة هذا الإمام أنه أصاب رأسه يبوسا واشتكى رأسه فطلى الأطباء رأسه بالفالوذج وهى كالحلوى كالعسل شىء حلو دهن به رأسه من أجل أن يلين يصبح فيه شىء من الطراوة فكان يأخذ الفالوذج من رأسه ويأكلها بفيه ويقول بطنى أحوج إلى الفالوذج من رأسى رحمة الله ورضوانه عليه بطنى أحوج إلى الفالوذج من رأسى دهنتم رأسى وبطنى يعنى بعيد عن الفالوذج أبو كريب رحمة الله ورضوانه عليه. من أخباره أيضا ومما ينبغى أن ينتبه له طالب العلم عندما احتضر أوصى بدفن كتبه وهذا فعله كثير من أئمتنا وقد يعترض بعض السفهاء على ذلك فانتبهوا لذلك إخوتى الكرام: أئمتنا عندما دفنوا كتبهم وأوصى بدفنها لحظوا فى ذلك عدة ملاحظ.

أولها: خشية أن تقع يد أثيمة مجرمة تتلاعب بهذا الكتاب فتزيد فيه وتنقص منه وينسب ذلك إلى ذلك الإمام وهو برىء منه فكان يأمر بدفن الكتاب بتغريقه بتحريقه هذا أمر. أمر ثان: أيضا كان يعنى يخشى من حصول التصحيف والتحريف فيه فكان لا يريد أن يأتى إنسان يقرأ كتابه ويصحف ويحرف فيريد أن ينتشر العلم عن طريق الصدر والتلقى والمزاحمة بالركب لا أن يجلس الإنسان يعكف على كتاب يأخذ منه وهذه الكتب احرقوها وأنا قد حدثت بما فيها انتهى الأمر ولذلك سيأتينا أن أخذ العلم عن طريق الوجادة بعض الأئمة كان لا يقره والوجادة أن تجد شيئا مكتوبا بخط الشيخ إن كنت تعرف خطه أو إن ثبت عندك أن هذا خطه أو ثبت أن هذا الكتاب من تأليفه ويوجد بينات على ذلك فتنقل عنه وجادة فلا تقول حدثنى ولا سمعت ولا أخبرنى إنما تقول وجدت بخط الشيخ ونقلت من كتابه تتلقى العلم عنه وجادة كحال يعنى الجم الغفير فى هذه الأيام وإلى الله نشكو أحوالنا فيأتى من هذه الكتب ويأخذ وعن طريق الوجادة لكن يتقن أم لا هذا موضوع آخر إن أتقن فالبلية يسيرة وإن لم يتقن فالطامة كبيرة. والأمر الثالث: لعله حدث بالأحاديث المتصلة الثابتة ثم المقطوعات والمراسيل وما فيه من أخبار ضعيفة44:15 الكتب أراد أن يتلف لأن الصحيح مما فيها حدث به فلا فائدة من بقاء هذه الكتب.

والإمام الذهبى عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا فى السير أشار إلى هذا فقال فى صفحة ست وتسعين وثلاثمائة قال وقد أوصى أبو كريب بكتبه أن تدفن فدفنت قلت فعل هذا بكتبه من الدفن والغسل والإحراق عدة من الحفاظ ذكر سببين والسبب الثالث الذى ذكرته ذكره فى ترجمة إسحاق ابن راهويه فى هذا الجزء أيضا أذكره لكم إن شاء الله هذه ثلاثة أسباب لإتلاف الكتب من قبل أئمتنا يقول خوفا من يظفر بها محدث قليل الدين فيغير فيها ويزيد فيها فينسب ذلك إلى الحافظ أو أن أصوله كان فيها مقاطيع وواهيات ما حدث بها أبدا وإنما انتخب من أصوله ما رواه وما بقى فرغب عنه ما وجدوا لذلك سوى الإعدام فلهذا ونحوه دفن رحمه الله كتبه وهكذا أيضا غيره كم سبب ذكر؟ ذكر سببين والسبب الثالث وهو أخذ العلم عن

§1/1