خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية

عبد العزيز الحجيلان

تقديم لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ

[تقديم لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ] خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية تقديم لمعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المشرف العام على مركز البحوث والدراسات الإسلامية الحمد لله أفضل الحمد وأكمله، وأثني عليه أحسن الثناء وأجمله، وأصلي وأسلم على خير خلقه، وأفضل رسله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن من منن الله أن جعل لهذه الأمة مواسم للخيرات، تنال بها أعلى الدرجات، ويكفر عنها السيئات، بأقل عمل تنال عظيم الأجر، وتضع عن نفسها عظيم الوزر، فأعظم بها من منة، وأكرم بها من نعمة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ومن تلك المواسم العظيمة، يوم الجمعة الذي يكفي في بيان فضله وعظيم شأنه قول نبي الأمة صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه الله إياه» . ومن المنن العظيمة في هذا اليوم، أن شرع الله لعباده فيه خطبة الجمعة، فيها يتعلم الجاهل، ويتذكر الناسي، ورتّب على أدائها وحضورها الأجر العظيم، والثواب الجزيل، ولأهمية هذا وجب على المكلف تعلم أحكام الجمعة وخطبتها بالجملة، لإدراك فضلها

واغتنام أجرها، فخطبة الجمعة - كسائر العبادات - علق بها مع تقادم العهد أمور كدرت السنة، وأحيت البدعة. وقد كان لأئمة الدعوة الإصلاحية، منهج واضح في خطبة الجمعة، بُني على السنة، وما درج عليه أهل العلم من أئمة السلف، فأبانوا عما ينبغي، ويجب توافره فيها، من الحرص على الوعظ والتذكير فيها، والاهتمام بأمر الاعتقاد، وقراءة القرآن، والإِكثار منه، والدعاء لأئمة المسلمين بالخير والثبات، والإيجاز فيها، والحرص على مخالفة أهل البدع فيها، بالترضي عن الأئمة الخلفاء الراشدين، والدعاء لمن ولاه الله الأمر، في أشياء وتفاصيل يطول ذكرها. وكان من فضل الله - جل شأنه - على مؤلف هذا المصنف أن وفقه لبيان أحكام خطبة الجمعة بدليل الكتاب والسنة، وبيان ما عليه أئمة السلف ومن تبعهم من أئمة الدعوة الإصلاحية وغيرهم، ففي هذا المؤلف " خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية " للدكتور عبد العزيز بن محمد الحجيلان - وفقه الله - بيان لجل أحكام الخطبة، فشكر الله له جهده، ونفع به. وأشكر مركز البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على اهتمامه بهذا الموضوع، وعنايته بإصدار هذا الكتاب المفيد. والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله على محمد رسوله وعبده وعلى آله وصحبه وسلم.

المقدمة

[المقدمة] بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] (¬1) . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71] (¬3) (¬4) . ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية رقم (102) . (¬2) سورة النساء، الآية رقم (1) . (¬3) سورة الأحزاب، الآيتان (70، 71) . (¬4) هذه هي ما تسمى بـ " خطبة الحاجة " التي رواها عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخرجها أبو داود في سننه في كتاب النكاح - باب في خطبة النكاح 2 / 238 - 239، الحديث رقم (2118) ، وسكت عنه وقال النووي في شرح صحيح مسلم 6 / 160: " بإسناد صحيح "، والترمذي في سننه في أبواب النكاح - باب ما جاء في خطبة النكاح 2 / 285 - 286 وقال: " حديث حسن "، وأحمد في مسنده 1 / 392، 393، وعبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجامع - باب خطبة الحاجة 11 / 162 - 163، الحديث رقم (20206) ، وابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب النكاح - باب ما قالوا في خطبة النكاح 4 / 383، وغيرهم.

أما بعد. . . فإن نعم الله - تعالى - على هذه الأمة عظيمة وكثيرة: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] (¬1) ومن أعظم النعم التي اختصَّ بها دين الإسلام وتميز بها عن غيره من الأديان الجمعة وخطبتها، فهي - أي الخطبة - موعظة أسبوعية عامة، توقظ القلوب الغافلة، وتشحذ الهمم العالية، وتصل النفوس بخالقها - جل وعلا -، لتعبد ربها على علم وبصيرة حتى يأتيها اليقين، كل ذلك وغيره من الفوائد الكثيرة إنما يدل على أهميتها، والحاجة إلى العناية التامة بها. وإنما تتحقق هذه الفوائد وغيرها إذا توفر للخطيب ما هو مطلوب من الشروط والأركان والسنن، وخلت مما لم يشرعه الله - تعالى - من الأمور المحرمة والمبتدعة، فكانت وفق هدي ¬

(¬1) سورة إبراهيم، جزء من الآية رقم (34) .

النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه، والسلف الصالح من هذه الأمة. وقد كنت أفكر في الكتابة في هذا الموضوع من الناحية الفقهية منذ وقت بعيد، لما أرى من أهميته، وحاجة الناس إلى معرفة أحكامه معرفة تامة مبنية على بحث علمي دقيق وعميق كما أسلفت، ولكن الشواغل أدت إلى التأخير حتى يَسَّر الله - تعالى - لي فسحة من الوقت، فله الحمد أولا وآخرا، وظاهر، وباطنا. وتتلخص أبرز الأسباب التي دفعتني للكتابة في هذا الموضوع فيما يلي: 1 - أهمية خطبة الجمعة الكبيرة كما أسلفت. 2 - خلو الساحة - حسب علمي حين الكتابة - من بحث علمي يتناول خطبة الجمعة وأحكامها من الناحية الفقهية بدقة وعمق، فرغبت في القيام به، جامعا أقوال الفقهاء وأدلتها والمناقشات الواردة عليها، ومنتهيا إلى الترجيح المبني على قوة الأدلة. والموجود إما بحوث تتناول الخطبة من الجانب الدعوي، أو الأدبي، أو التاريخي، أو تنبيهات وتوجيهات موجزة حول بعض الأخطاء، أو نحو ذلك، فأردت المشاركة بهذا البحث المتواضع في هذا المجال.

3 - ما يحتمله مقتضى عملي، حيث أقوم بإلقاء خطبة الجمعة بصفتي إماما احتياطيا، فأردت معرفة أحكامها معرفة مبنية على البحث والتمحيص، وإفادة إخواني المسلمين بها. 4 - حصول بعض النواقص والأخطاء من بعض الخطباء، نتيجة عدم الإلمام ببعض الأحكام الفقهية للخطبة، مما قلل من الاستفادة منها مع أهميتها كما أسلفت. وبعد القراءة حول الموضوع، وتتبع ما وقع في يدي مما كتب عن الخطبة من مختلف الجوانب، واستشارة بعض مشايخي، وزملائي من الأساتذة، وطلاب العلم عقدت العزم متوكلا على الله - عز وجل -، ومستعينا به في الكتابة في هذا الموضوع [خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية] . منهج البحث: وسلكت في هذا البحث المنهج العلمي المتعارف عليه وذلك حسب النقاط التالية: 1 - اقتصرت على ما يدخل تحت العنوان دخولا ظاهرا، وهو ما يتعلق بذات الخطبة والخطيب من الأحكام، دون ما يتعلق بالحاضرين إلا ما رأيت أنه قد يتعلق بالخطيب في بعض الأحيان كالكلام حال الخطبة ونحوه، وذلك حرصا على المحافظة على مقصود العنوان، وعدم تشعب الموضوع تشعبا يجر إلى الخروج عن مقتضى عنوانه.

2 - أعبر بلفظ " الخطبة " مفردا وأقصد الخطبتين معا غالبا ما لم تدل قرينة الكلام على قصد أحدهما، وذلك اتباعا لعامة الفقهاء. 3 - ذكرت الشروط والأركان والسنن المختلف فيها في أماكنها حسب ما ترجح لدي ما عدا الأركان الأربعة: الحمد، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والموعظة، وقراءة آية، فقد ذكرتها أركانا وإن لم أرجح ذلك في جميعها، لكثرة من قال بركنيتها وشهرته. 4 - اقتصرت على ذكر أقوال أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة - الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي - حسب المستطاع - ومذهب ابن حزم في بعض الأحيان، وقد أذكر أقوال السلف إذا خالفت المذاهب الأربعة، وإذا لم أجد لمذهب قولا في مسألة فإني لا أشير إلى عدم وجوده، بل أسكت، تلافيا للتكرار والإطالة. 5 - رتبت أقوال الفقهاء حسب القوة، فقدمت القول الذي ظهر لي رجحانه وأخرت الضعيف لكون ذلك - فيما يظهر لي - أوضح للقارئ، ويغني عن تكرار بعض الأدلة وأنسب للبحث. 6 - رتبت المذاهب داخل القول حسب الترتيب الزمني،

فقدمتُ المذهب الحنفي، ثم المالكي، ثم الشافعي، ثم الحنبلي، ثم ابن حزم. 7 - اعتمدت في نسبة القول للمذهب على أمهات كتب أصحابه إلا إذا لم أطلع على قول صريح لهم في المسألة فإني أحاول أن أستنتج ذلك ولو لم يكن صريحا، أو أبينه على قول آخر لهم إن ظهر لي ذلك، ولا أوثقه من غير كتب المذهب إلا إذا تعذر ذلك من كتبه. 8 - اكتفيت في توثيق كل مذهب بالإحالة على بعض كتبه، وقد أنقل بعض النقول إذا رأيت أن المقام يتطلب ذلك لتوضيح القول، أو أن الكلام جيد في تحرير المسألة، أو أن صاحبه من المعروفين بالتحقيق كشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم - رحمهما الله - أو نحو ذلك. 9 - نهجت في ترتيب المسائل بتقديم الأقوال، ثم ذكر الأدلة لكل قول، مقدما الأدلة من الكتاب، ثم السنة، ثم آثار الصحابة - رضي الله عنهم -، ثم المعقول، وأتبعت كل دليل بما يتعلق به من مناقشة وإجابة عنها ونحو ذلك لأن هذه الطريقة - فيما يظهر لي - أوضح للقارئ، وأبعد عن انقطاع تفكيره. 10 - استدللتُ للأقوال التي لم أعثر على أدلة لها - حسب ما

ظهر لي - إلا ما لم يتبين لي فيه دليل. 11 - وجهتُ الاستدلال بكل دليل نقلي من خلال كلام أهل العلم إذا اطلعتُ على كلام لهم فيه، وإلا وجهته ما لم يكن واضح الدلالة. 12 - ناقشت ما ورد عليه مناقشة من الأدلة من خلال كلام أهل العلم عليه، مصدرا ذلك بلفظ " نُوقشَ "، وما لم أطلع على كلام لهم عليه ناقشته حسب ما ظهر لي مُصدِّرا ذلك بلفظ " يناقش ". كما أجبتُ عما يمكن الإجابة عنه منها من خلال كلام أهل العلم، مصدرا ذلك بلفظ " أجيب " وإلا أجبتُ عنه حسب ما ظهر لي، مُصدِّرا ذلك بلفظ " يُجاب ". 13 - بعد استعراض الأقوال والأدلة والمناقشات والإجابات أعمل على التوفيق إن أمكن إعمالا للأدلة، فإن تعذر عمدتُ إلى الترجيح بناءً على قوة الأدلة، وسلامتها من المناقشات، وبما يتمشى مع قواعد الشريعة ومقاصدها العامة، معتمدًا في صيغة الترجيح على قوة الدليل ووضوحه. 14 - عزوتُ الآيات القرآنية إلى مواضعها من كتاب الله - تعالى - بذكر السورة ورقم الآية.

15 - خرَّجتُ الأحاديث من كتب السنة المعروفة، وما كان منها في الصحيحين أو أحدهما اكتفيتُ بتخريجه منهما، ولم أتعرض للكلام على الحكم عليه؛ للاتفاق على صحة ما ورد فيهما أو في أحدهما، وما لم يكن كذلك خرجته مما ورد فيه من كتب السنة حسب المستطاع مع بيان درجته نقلا عن أصحاب هذا الفن، ولم أترك إلا ما لم أعثر على كلام عنه، وما لم أعثر عليه في كتب السنة أبين من ذكره من الفقهاء، وهي قليلة. 16 - خرَّجتُ الآثار من كتب الآثار المعروفة مع الحكم عليها من خلال كلام أهل العلم عليها، ولم أترك إلا ما لم أعثر على كلام حوله، وما لم أعثر عليه في كتب الآثار أبين من ذكره من الفقهاء، وهي قليلة. 17 - تجنبتُ ذكر الأحاديث والآثار الضعيفة إلا ما ظهر لي الاعتماد عليه في الاستدلال بم يكون أكثر من قال بالقول يستدل به، مع بيان ضعفه. 18 - عرفتُ الكلمات والألفاظ الغريبة الواردة في بعض الأحاديث والآثار وكلام الفقهاء من كتب اللغة والغريب، والشروح. 19 - ترجمتُ لما سوى الخلفاء الأربعة والأئمة الأربعة بترجمة موجزة، حيث رأيتُ أن الشهرة أمر نسبي غير منضبط.

خطة البحث (¬1) سرتُ في هذا البحث حسب الخطة التالية: قسَّمتُ البحث إلى مقدمة وخمسة فصول، وخاتمة. المقدمة: تشتمل على الافتتاحية، والأسباب الدافعة لبحث الموضوع، ومنهج البحث، وخطته. الفصل الأول: تعريف الخطبة والجمعة، وحكم خطبة الجمعة. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف الخطبة، والجمعة وتسميتها بذلك. وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الخطبة. المطلب الثاني: تعريف الجمعة وتسميتها بذلك. المبحث الثاني: حكم خطبة الجمعة. المبحث الثالث: هل الشرط خطبة واحدة، أو خطبتان؟ الفصل الثاني: شروط خطبة الجمعة. وفيه ثمانية مباحث: ¬

(¬1) اقتصرت على ذكر الفصول والمباحث والمطالب تحاشيا للإطالة، واكتفاء بورود ما سوى ذلك في ثنايا البحث، وفي فهرس الموضوعات.

المبحث الأول: النية. المبحث الثاني: حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة. وفيه تمهيد، ومطلبان: التمهيد: في أقوال الفقهاء في العدد الذي تنعقد به الجمعة إجمالا. المطلب الأول: اشتراط العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة. المطلب الثاني: استمرار الحضور حتى نهاية الخطبة. المبحث الثالث: أن تكون بعد دخول وقت الجمعة. المبحث الرابع: تقديمها على الصلاة. المبحث الخامس: القيام. المبحث السادس: الجهر. المبحث السابع: كونها باللغة العربية. المبحث الثامن: الموالاة. وفيه تمهيد، ومطلبان: التمهيد في معنى الموالاة، وضابطها هنا. المطلب الأول: الموالاة بين أجزاء الخطبة. المطلب الثاني: الموالاة بين الخطبة والصلاة. الفصل الثالث: أركان خطبة الجمعة.

وفيه تمهيد، وستة مباحث: التمهيد: وفيه خلاف الفقهاء في وجوب توفر أركان في الخطبة إجمالا. المبحث الأول: حمد الله - تعالى -. المبحث الثاني: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الثالث: الموعظة. المبحث الرابع: قراءة شيء من القرآن. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حكم قراءة شيء من القرآن في الخطبة. المطلب الثاني: أقل مقدار للقراءة. المطلب الثالث: قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة، والسجود له. المبحث الخامس: حكم ترتيب هذه الأركان عند من قال بها. المبحث السادس: الإتيان بهذه الأركان في كل خطبة من الخطبتين عند من قال بها. الفصل الرابع: سنن خطبة الجمعة. وفيه مبحثان:

المبحث الأول: السنن لها. وفيه أحد عشر مطلبا: المطلب الأول: الطهارة. المطلب الثاني: ستر العورة، وإزالة النجاسة. المطلب الثالث: التجمل. المطلب الرابع: أن تكون على منبر أو موضع عال. المطلب الخامس: استقبال الخطيب للناس. المطلب السادس: استقبال الناس للخطيب. المطلب السابع: السلام على الناس. المطلب الثامن: الجلوس على المنبر حتى يفرغ المؤذن. المطلب التاسع: الاعتماد على قوس أو عصا أو سيف أو نحوها. المطلب العاشر: رفع الصوت بها زيادة على القدر الواجب. المطلب الحادي عشر: الجلسة بين الخطبتين. المبحث الثاني: السنن في خطبة الجمعة. وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: تقصيرها. المطلب الثاني: أن تكون فصيحة بليغة مؤثرة مرتبة. المطلب الثالث: قراءة سورة (ق) فيها. المطلب الرابع: الدعاء للمسلمين في الخطبة الثانية.

المطلب الخامس: الدعاء لولاة أمور المسلمين في الخطبة الثانية. المطلب السادس: ختم الخطبة الثانية بالاستغفار. الفصل الخامس: مسائل متفرقة في خطبة الجمعة. وفيه ثلاثة عشر مبحثا: المحبث الأول: التقصير في إعدادها، بالاعتماد على خطب مدونة قديما، ونحو ذلك. المبحث الثاني: إخراجها عن مقصودها الشرعي. المبحث الثالث: صلاة الخطيب تحية المسجد بعد دخوله وقبل صعود المنبر. المبحث الرابع: دعاء الخطيب عند صعود المنبر وقبل جلوسه حال الأذان. المبحث الخامس: الخطبة من صحيفة. المبحث السادس: السلام فيها. وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم الكلام في الخطبة. المطلب الثاني: وقت المنع من الكلام في الخطبة. المبحث السابع: الدق بالسيف على المنبر. المبحث الثامن: إشارة الخطيب في أثنائها.

المبحث التاسع: التفات الخطيب يمينا وشمالا في أثنائها. 50 المبحث العاشر: قول الخطيب في آخر الأولى: " ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة "، ونحو ذلك، والمداومة عليه. المبحث الحادي عشر: المبالغة قي الإسراع في الثانية، وخفض الصوت بها. المبحث الثاني عشر: رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة. المبحث الثالث عشر: ختم الثانية بقوله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] والمداومة على ذلك. الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج التي توصلت إليها. ثم ذيّلتُ البحث بفهارس شاملة تتيح للمطلع سهولة الرجوع إلى ما يريد والاستفادة منه، وهي كما يلي: أولا: فهرس الآيات القرآنية. ثانيا: فهرس الأحاديث النبوية. ثالثا: فهرس الآثار. رابعا: فهرس الأعلام. خامسا: فهرس المصادر والمراجع. سادسا: فهرس الموضوعات.

هذا وقد بذلتُ جهدي - قدر المستطاع - في الإلمام بالموضوع وجمع أطرافه، معتذرا للقارئ الكريم عما حصل فيه من نقص أو خطأ أو زلة قلم؛ لأن قدرة البشر محدودة، فقد جُبلوا على النقص، إذ الكمال لله وحده، والعصمة لرسله - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -. وفي الختام أحمد الله - عز وجل - وأشكره على نعمه العظيمة، وأسأله المزيد من فضله، وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، ومن العلم الذي يُنتفع به في حياتي وبعد وفاتي، وأرجو من إخواني طلاب العلم والخطباء الذين يطلعون عليه إبداء ما يرونه من توجيهات وملاحظات لتلافيها مستقبلا، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، والله - تعالى - من وراء القصد، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين ومن اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين. كتبه د / عبد العزيز بن محمد بن عبد الله الحجيلان

الفصل الأول تعريف الخطبة والجمعة وحكم خطبة الجمعة

[الفصل الأول تعريف الخطبة والجمعة وحكم خطبة الجمعة] [المبحث الأول تعريف الخطبة والجمعة وتسميتها بذلك] [المطلب الأول تعريف الخطبة] الفصل الأول تعريف الخطبة والجمعة وحكم خطبة الجمعة وفيه ثلاث مباحث: المبحث الأول: تعريف الخطبة، والجمعة وتسميتها بذلك. المبحث الثاني: حكم خطبة الجمعة. المبحث الثالث: هل الشرط خطبة واحدة، أو خطبتان؟

المبحث الأول تعريف الخطبة والجمعة وتسميتها بذلك وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الخطبة. المطلب الثاني: تعريف الجمعة، وتسميتها بذلك. المطلب الأول: تعريف الخطبة أولا: تعريفها في اللغة: الخُطْبَةُ: هي بضم الخاء، وهي ما يُقال على المنبر، يُقال: خَطَبَ على المنبر خُطْبَة - بضم الخاء - وخَطَابة، وأما خِطْبَة - بكسر الخاء - فهي طلب نكاح المرأة. وهي مشتقة من المخاطبة، وقيل: من الخطب، وهو الأمر العظيم؛ لأنهم كانوا لا يجعلونها إلا عنده. قال في تهذيب اللغة: " والخطبة مصدر الخطيب، وهو يخطب المرأة ويخطِبُها خِطبة وخِطِّيبى. . . قلت: والذي قال الليث أن الخطبة مصدر الخطيب لا يجوز إلا على وجه واحد، وهو أن الخُطبة اسم للكلام الذي يتكلم به الخطيب، فيوضع موضع المصدر، والعرب تقول: فلانٌ خِطْبُ فلانة، إذا كان يخطبها (¬1) . ¬

(¬1) تهذيب اللغة الأزهري، مادة " خطب " 7 / 246.

وقال في القاموس: ". . . وخَطَبَ الخاطب على المِنْبَر خَطابة بالفتح، وخُطبة بالضم، وذلك الكلام خُطبة أيضا، أو هي الكلام المنثور المُسَجَّع ونحوه، ورجل خَطِيبٌ حسن الخُطبة بالضم " (¬1) . - وقال في مختار الصحاح: " خاطَبَه بالسلام مُخَاطَبة وخِطَابا، وخطب على المنبر خُطْبَة - بضم الخاء - وخَطَابة، وخَطَب المرأة في النكاح خِطْبَة - بكسر الخاء - يخْطُبُ بضم الخاء فيهما، واختَطَبَ أيضا فيهما، وخَطُبَ من باب ظَرُفَ صار خطيبا " (¬2) . وقال في المصباح: " خَاطَبَه مُخَاطَبَة وخِطَابا، وهو الكلام بين متكلم وسامع، ومنه اشتقاق الخُطبَة - بضم الخاء وكسرها - باختلاف معنيين، فيُقال في الموعظة: خَطَبَ القوم وعليهم من باب قتل، خُطبة - بالضم -، وهي فُعلة بمعنى مفعولة. . . وجمعها خُطب، وهو خطيب القوم إذا كان هو المتكلم عنهم، وخَطَبَ المرأة إلى القوم إذا طلب أن يتزوج منهم، واختطبها، والاسم الخِطْبة - بالكسر -. . . . (¬3) . ¬

(¬1) القاموس المحيط، مادة " خطب " 1 / 65. (¬2) مختار الصحاح، مادة " خطب " ص (76) . (¬3) المصباح المنير للفيومي، مادة " خطب " 1 / 173.

وقال في حلية الفقهاء: " وأما الخُطْبة فاشتقاقها من المُخاطبة، ولا تكون المخاطبة إلا بالكلام بين المُخاطَبين، وكذلك خِطْبَة النكاح، وقال قوم: إنما سمِّيتْ الخُطبة لأنهم كانوا لا يجعلونها إلا في الخَطْب والأمر العظيم، فلهذا سميت خُطْبة " (¬1) . ثانيا: تعريفها في الاصطلاح: عرَّفها بعضهم بأنها: الكلام المؤلف المُتضمِّن وعظا وإبلاغا (¬2) . ولكن هذا فيه إجمال. وأوضح منه تعريف من قال: إنها قياس مركب من مقدمات مقبولة أو مظنونة، من شخص معتقد فيه، والغرض منها ترغيب الناس فيما ينفعهم من أمور معاشهم ومعادهم (¬3) . وعرَّف بعض المعاصرين الخطابة: بأنها فنّ من فنون الكلام، يقصد به التأثير في الجمهور عن طريق السمع والبصر معا (¬4) . وكل هذه التعريفات ونحوها تدور حول التعريف بالخطبة عموما، ومعناها متقارب. ¬

(¬1) حلية الفقهاء لابن فارس ص (87) . (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه، أو المسمى بـ " لغة الفقهاء " للنووي ص (84 - 85) . (¬3) التعريفات للجرجاني ص (99) . (¬4) الخطابة في الإسلام للدكتور / مصلح سيد بيومي ص (11) .

وأما خطبة الجمعة بخصوصها فلم أطلع على تعريف صريح لها - فيما بين يدي من كتب الفقهاء - لعلهم تركوا ذلك لوضوحها عندهم، وقد جاء في بدائع الصنائع في معرض كلامه على أحكام خطبة الجمعة قوله: " والخطبة في المتعارف اسم لما يشتمل على تحميد الله والثناء عليه، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والدعاء للمسلمين، والوعظ والتذكير لهم " (¬1) . وهذا بيان لمعناها حسب المتعارف عليه، وليس تعريفا دقيقا تتوفر فيه الشروط المعتبرة عند الأصوليين. ولكن بعد تأمل ما تقدم ذكره من التعريف اللغوي والتعاريف الأخرى، وبناءً على ما ترجح في أحكامها يمكن أن أعرّفها تعريفا تقريبيا بأنها: ما يُلقى من الكلام المتوالي الواعظ باللغة العربية قبيل صلاة الجمعة بعد دخول وقتها بنية جهرا قياما مع القدرة على عدد يتحقق بهم المقصود. ¬

(¬1) بدائع الصنائع1 / 262.

المطلب الثاني تعريف الجمعة وتسميتها بذلك

[المطلب الثاني تعريف الجمعة وتسميتها بذلك] المطلب الثاني: تعريف الجمعة وتسميتها بذلك هي بضم الميم وإسكانها وفتحها: الجُمُعَة، والجُمْعَة، والجُمَعَة، والمشهور الضم، وبه قُرئ في السبع في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] (¬1) والإسكان تخفيف منه، ووجه الفتح بأنها تجمع الناس كما يُقال: هُمزة، وضُحكة للمكثرين من ذلك، والفتح لغة بني عُقَيل، ويُجمع على جُمُعات وجُمَع. قال في لسان العرب: ". . . والأصل فيها التخفيف جُمْعَة فمن ثقل أتبع الضمة الضمة، ومن خفف فعلى الأصل، والقرّاء قرءوا بالتثقيل، ويُقال: يوم الجُمَعَة لغة بني عُقَيل، ولو قُرئ بها كان صوابا، قال: والذين قالوا: الجُمَعَة ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يجمع الناس كما يُقال: رجل هُمَزة لُمَزة ضُحَكة، وهو الجُمْعَة، والجُمُعَة والجُمَعَة. . . ويُجمع على جُمُعات، وجُمَع، وقيل: الجُمْعَة على تخفيف الجُمُعَة، والجُمَعَة لأنها تجمع الناس كثيرا كما قالوا: رجل لُعَنة يُكثر لعن الناس، ورجل ضُحَكة يُكثر ¬

(¬1) سورة الجمعة، جزء من الآية (9) .

الضحك. . . . (¬1) . وقال في مختار الصحاح: " ويوم الجُمُعَة بسكون الميم وضمها يوم العروبة، ويُجمع على جُمُعات وجُمَع، والمسجد الجامع، وإن شئت قلتَ مسجد الجامع بالإضافة، كقولك: حق اليقين، والحق اليقين، بمعنى مسجد اليوم الجامع، وحق الشيء اليقين، لأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز إلا على هذا التقدير " (¬2) . وقال في تحرير ألفاظ التنبيه: " الجُمُعَة بضم الميم وإسكانها وفتحها، حكاها الفراء والواحدي، سُميت بذلك لاجتماع الناس، وكان يُقال ليوم الجمعة في الجاهلية العروبة، وجمعها جُمُعات وجُمَع " (¬3) . - تسميتها وسببها: يُقال إن هذا اليوم كان يُسمى في الجاهلية بـ " يوم العُروبة " كما تقدم في النقول السابقة (¬4) ونقل ابن حجر الاتفاق على ¬

(¬1) لسان العرب، مادة " جمع " 8 / 58. (¬2) مختار الصحاح، مادة " جمع " ص (47) . (¬3) تحرير ألفاظ التنبيه للنووي ص (84) ، وينظر أيضا المجموع له 4 / 482. (¬4) وينظر أيضا: المحلى 5 / 45، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18 / 97، وفتح الباري 2 / 353، والإنصاف 2 / 364، ونيل الأوطار 3 / 222.

ذلك (¬1) ثم سُمِّي قبيل الإسلام بـ " يوم الجمعة "، سمَّاه بذلك كعب (¬2) بن لؤي، فكانت قريش تجمع إليه فيه، فيخطبهم ويعظهم، وقيل: لم يسم بيوم الجمعة إلا بعد الإسلام " (¬3) . وأما سبب التسمية فتعددت الأقوال فيه: - فقيل: لأن الله - تعالى - جمع فيه خلق آدم - عليه السلام، ويستدلون بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له: لأي شيء سُمِّي يوم الجمعة؟ قال: «لأن فيها طُبعت طينة أبيك آدم، وفيها الصعقة والبعثة، وفيها البطشة، وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استُجيب له» (¬4) . ¬

(¬1) فتح الباري 2 / 353. (¬2) هو كعب بن لؤي بن غالب، من قريش، من عدنان، يكنى بأبي هُصيص، من سلسلة النسب النبوي، ومن أبرز خطباء الجاهلية، كان عظيم القدر عند العرب حتى أرّخوا بوفاته إلى عام الفيل، أول من سن الاجتماع يوم الجمعة الذي كان يسمى بـ " يوم العروبة "، توفي سنة 183 قبل الهجرة. (ينظر: الكامل لابن الأثير 2 / 9، وتاريخ الطبري 2 / 185) . (¬3) تنظر المراجع في الصفحة السابقة. (¬4) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 2 / 311 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال ابن حجر في فتح الباري 2 / 353: " ذكره ابن أبي حاتم موقوفا بإسناد قوي، وأحمد مرفوعا بإسناد ضعيف "، وقال الأرنؤوط في تخريجه في هامش زاد المعاد 1 / 392: " وفي سنده الفرج بن فضالة، وهو ضعيف وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من أبي هريرة "، وقد جاء خلق آدم - عليه السلام - في هذا اليوم في عدد من الأحاديث في السنن وغيرها.

وصحَّحَ هذا القول في فتح الباري (¬1) ونيل الاوطار (¬2) . - فقيل: لاجتماع الناس فيها في المكان الجامع لصلاتهم (¬3) . - وقيل: لأن الله - تعالى - جمع فيه آدم مع حواء في الأرض. - وقيل: لما جُمع فيه من الخير (¬4) . وقيل غير ذلك. وهذه الأقوال بعضها مأخوذ من دلالة الاسم، وبعضها مستند إلى أحاديث لم تثبت، ولا مانع أن تكون كل هذه الأشياء سببا للتسمية، والله أعلم. ¬

(¬1) فتح الباري 2 / 353. (¬2) نيل الاوطار 3 / 222. (¬3) وجزم به ابن حزم في المحلى. (¬4) تنظر هذه الأقوال وغيرها في: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18 / 97، وفتح الباري 2 / 353، والإنصاف 2 / 364، وكشاف القناع 2 / 20 - 21، ونيل الأوطار 3 / 222 - 223.

المبحث الثاني حكم خطبة الجمعة

[المبحث الثاني حكم خطبة الجمعة] المبحث الثاني: حكم خطبة الجمعة اختلف الفقهاء في حكم الخطبة لصلاة الجمعة هل هي شرط لها فلا تصح بدونها، أو سنة فتصح الصلاة بدون خطبة؟ وذلك على قولين: القول الأول: أن الخطبة شرط للجمعة. وبهذا قال الحنفية (¬1) وجمهور المالكية وهو الصحيح عندهم (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) . قال في الحاوي: " فهو مذهب الفقهاء كافة إلا الحسن البصري فإنه شذ عن الإجماع وقال: إنها ليست واجبة " (¬5) . ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 23 - 24 والهداية للمرغيناني 1 / 83، وبدائع الصنائع 1 / 262، وتبيين الحقائق 1 / 219، والفتاوى الهندية 1 / 146. (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 131، والتفريع 1 / 231، وبداية المجتهد 1 / 160، والقوانين الفقهية ص (86) ، والفواكه الدواني 1 / 306. (¬3) ينظر حلية العلماء 2 / 276، والوجيز 1 / 63، والمجموع 4 / 513، 514، وروضة الطالبين 2 / 24، ومغني المحتاج 1 / 285. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 173، والمغني 3 / 170 - 171، والفروع 2 / 109، والمحرر 1 / 146، والإنصاف 2 / 386. (¬5) الحاوي 3 / 44.

وقال في المغني: " وجملة ذلك أن الخطبة شرط في الجمعة لا تصح بدونها. . . ولا نعلم فيه مخالفا إلا الحسن " (¬1) . القول الثاني: أن الخطبة سنة للجمعة. وبه قال الحسن البصري (¬2) . (¬3) . وهو مروي عن الإمام مالك، وبه قال بعض أصحابه (¬4) . وبه قال ابن حزم (¬5) (¬6) . ¬

(¬1) المغني 3 / 170 - 171. (¬2) هو الحسن بن يسار البصري، يكنى بأبي سعيد، من كبار فقهاء التابعين، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، قال عنه سليمان التيمي: شيخ أهل البصرة، وكان يرسل ويدلس، توفي سنة 120هـ. (ينظر: طبقات ابن سعد 7 / 156، وتهذيب التهذيب 2 / 163) . (¬3) وممن نقل ذلك عنه ابن قدامة في المغني 3 / 171، والماوردي في الحاوي 3 / 44، النووي في المجموع 4 / 514، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 18 / 114، وأخرج عنه ابن حزم في المحلى 5 / 95 قوله: " من لم يخطب يوم الجمعة صلى ركعتين على كل حال ". (¬4) ينظر: الإشراف 1 / 131، وأحكام القرآن لابن العربي 4 / 1805، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18 / 114. (¬5) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، يكنى بأبي محمد، أحد أئمة الظاهرية، كان ذكيا حافظا، وكان شافعي المذهب فانتقل إلى القول بالظاهر، قال عنه صاعد بن أحمد: " أجمع أهل الأندلس لعلوم الإسلام "، له مصنفات منها: المحلى، ومراتب الإجماع، توفي سنة 456 هـ. (ينظر: تذكرة الحفاظ 3 / 1146، وشذرات الذهب 3 / 299) . (¬6) المحلى 5 / 57.

الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدل أصحاب القول الأول بأدلة من الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة والتابعين: أولا: من الكتاب: 1 - قول الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] الآية (¬1) . وقد اختلف السلف في المراد بذكر الله فيها على قولين: فمنهم من قال: الخطبة، ومنهم من قال: الصلاة (¬2) وصحَّح ابن العربي (¬3) أنها تشمل الجميع (¬4) . فعلى القول بأن المراد الخطبة تدل على وجوبها من وجهين: ¬

(¬1) سورة الجمعة، جزء من آية رقم (9) . (¬2) ذكر ذلك الطبري في تفسيره 28 / 65 - 66، وابن العربي في أحكام القرآن 4 / 1805، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن 18 / 107، وغيرهم. (¬3) هو محمد بن عبد الله بن محمد المعافري، الأندلسي، المالكي، المعروف بابن العربي، دخل بغداد وسمع بها، ولقي جماعة من المحدثين بالقاهرة، ثم عاد إلى الأندلس، وتولى قضاء أشبيلية، له مصنفات منها: أحكام القرآن، والمحصول في الأصول، وتوفي سنة 543 هـ. (ينظر: الديباج المذهب ص (281) ، وشذرات الذهب 4 / 141) . (¬4) أحكام القرن 4 / 1805، ونقله عنه القرطبي في الجامع 18 / 114.

الأول: أنه أمر بالسعي إليها، والأصل في الأمر الوجوب، والسعي الواجب لا يكون الا إلى واجب (¬1) . الثاني: أن الله - عز وجل - أمر بترك البيع عند النداء لها، أي أن البيع يحرم في ذلك الوقت، فتحريمها للبيع دليل على وجوبها، لأن المستحب لا يحرم المباح (¬2) . وعلى القول بأن المراد الصلاة فإن الخطبة من الصلاة، والعبد يكون ذاكرا لله بفعله كما يكون مسبِّحا لله بفعله (¬3) . 2 - قول الله - عز وجل -: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] الآية (¬4) . وجه الدلالة: أن الله - تعالى - ذمهم على الانفضاض وترك الخطبة، والواجب هو الذي يذم تاركه شرعا (¬5) . ¬

(¬1) المبسوط 2 / 24، وبدائع الصنائع 1 / 161، والحاوي 3 / 44، وشرح الزركشي على الخرقي 2 / 173، وكشاف القناع 2 / 31. (¬2) أحكام القرآن لابن العربي 4 / 1805. (¬3) المرجع السابق. (¬4) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (11) . (¬5) ينظر: أحكام القرآن لابن العربي 4 / 1810، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18 / 114.

ثانيًا: من السنة: 1 - ما رواه عبد الله (¬1) بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم، كما تفعلون الآن» (¬2) . 2 - ما رواه جابر (¬3) بن سمرة - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد ¬

(¬1) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي، العدوي، ابن الخليفة الثاني، أسلم مع أبيه وهو صغير، ورده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر لصغره، واختلف في شهوده أحدا، وشهد الخندق وما بعدها، وكان شديد الاحتياط والتوقي لدينه في الفتوى، ولم يشهد شيئا مما وقع بين الصحابة، وتوفي سنة 73 هـ، وقيل غير ذلك. (ينظر: أسد الغابة 3 / 227، والإصابة 4 / 107) . (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب الخطبة قائما 1 / 221، وباب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة 1 / 223. ومسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة 2 / 589، الحديث رقم (861) . (¬3) هو جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن حجير العامري، ثم السوائي، مولى بني زهرة، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكن الكوفة، وتوفي سنة 73 هـ، وقيل غير ذلك (ينظر: أسد الغابة 1 / 254، والإصابة 1 / 212) .

كذب، فقد صليتُ معه أكثر من ألفي صلاة» (¬1) . وهذا الفعل دلالته ظاهرة. مناقشة هذين الدليلين: نوقشا بأن ما ورد فيهما مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الواجب (¬2) . الإجابة عن هذه المناقشه: يجاب عنها بالتسليم بذلك لو لم يكن هناك دليل غيرهما على المسألة، لكن ورد الأمر بالخطبة مجملا في قوله - تعالى -: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] كما تقدم، فيكون هذا الفعل بيانا لهذا الأمر المجمل، فيكون واجبا، والله أعلم. 3 - ما جاء في حديث مالك (¬3) بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬4) . ¬

(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة 2 / 589، الحديث رقم (862) . (¬2) ينظر: نيل الأوطار 3 / 265. (¬3) هو مالك بن الحويرث بن أشيم بن زياد بن خشيش الليثي، يكنى بأبي سليمان، سكن البصرة، وقدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في شبيبة من قومه فعلمهم الصلاة، وأمرهم بتعليم قومهم إذا رجعوا إليهم، وتوفي سنة 74 هـ. (ينظر أسد الغابة 4 / 277، والإصابة 3 / 342) . (¬4) أخرجه البخاري في صحيحة في كتاب الأذان - باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة. 1 / 155.

وجه الدلالة: قال غير واحد من أهل العلم: والنبي - صلى الله عليه وسلم - ما صلى الجمعة في عمره بغير خطبة (¬1) وقد أمرنا بالصلاة كما كان يصلي، ولو جازت الجمعة بغير خطبة لفعله ولو مرة تعليما للجواز (¬2) . مناقشة هذا الاستدلال: نوقش من وجهين: الأول: أن هذا الحديث - حديث مالك بن الحويرث - لا يصلح الاستدلال به على الوجوب؛ لأنه لو قيل بذلك للزم أن يكون كثير من السنن واجبات لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لها في صلاته (¬3) . الإجابة عن هذا الوجه: يجاب عنه بأنه يقال بذلك لو لم يكن هناك أدلة أخرى تفيد الوجوب، وتجعل هذا الفعل دالا على الوجوب كما سبق في الآيات وكما سيأتي - إن شاء الله - بالإضافة إلى المداومة. ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 24، وتبيين الحقائق 1 / 219، والإشراف 1 / 131، والفواكه الدواني 1 / 306، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18 / 114، والمغني 3 / 171، وشرح الزركشي على الخرقي 2 / 173، وكشاف القناع 2 / 31. (¬2) ينظر المبسوط 2 / 42. (¬3) ينظر: نيل الأوطار 3 / 265.

الثاني: أن حديث مالك هذا ليس فيه إلا الأمر بإيقاع الصلاة على الصفة التي كان يوقعها عليها، والخطبة ليست بصلاة (¬1) . الإجابة عن هذا الوجه: يجاب عن ذلك بأن الخطبة وإن كانت ليست بصلاة فهي عمل متعلق بها ومن أجلها، ولا اعتبار له بدونها فأخذ حكمها، بالإضافة إلى أن بعض السلف - كما سيأتي إن شاء الله - قال: إن الخطبتين بدل عن ركعتين، فيكون لهما حكم الصلاة، والله أعلم. ثالثا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين: - ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: " الخطبة موضع الركعتين، من فاتته الخطبة صلى أربعا " (¬2) وفي رواية: " إنما جُعِلَت الخطبة مكان الركعتين فإن لم يدرك الخطبة فليصل أربعا " (¬3) . ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) أخرج ذلك عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجمعة - باب من فاتته الخطبة 3 / 237، الأثر رقم (5485) . وابن حزم في المحلى 5 / 58. (¬3) أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب الرجل تفوتة الخطبة 2 / 128.

وجه الدلالة: دل هذا الأثر على أن الخطبتين بدل عن ركعتين من صلاة الظهر، وهما واجبتان؛ لأنهما جزء منها، فكذلك حكم بدلهما. مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الأول: أن هذا الأثر منقطع السند (¬1) فلا يصلح للاستدلال. الثاني: أن هذا على تقدير ثبوته قول صحابي، وهو مختلف في الاحتجاج به. وقد نُسِبَ القول بذلك إلى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - (¬2) وإلى عائشة (¬3) - رضي الله عنها - (¬4) . ¬

(¬1) ذكر ذلك محقق شرح الزركشي على الخرقي في هامشه 2 / 173، ولم أطلع على كلام عليه في كتب التخريج التي بين يدي. (¬2) وممن نسبه إليه الزركشي في شرح الخرقي 2 / 173، ولم أعثر عليه فيما بين يدي من كتب الآثار. (¬3) هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، الصديقة بنت الصديق، تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة بسنتين وكان عمرها ست سنين، وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع، وكانت من أفقه الناس وأحسنهم رأيا، وروت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرا، وتوفيت سنة 57 هـ، وقيل: 58 هـ. (ينظر: أسد الغابة 5 / 501، والإصابة 8 / 139) . (¬4) وممن نسبه إليها ابن قدامة في المغني 3 / 171، والزركشي في شرح الخرقي 2 / 173، ولم أعثر عليه فيما بين يدي من كتب الآثار.

ويناقش بالوجه الثاني من وجهي مناقشة أثر عمر - رضي الله عنه - المتقدم. كما قال بمثل ذلك بعض التابعين (¬1) ولكن قولهم ليس بحجة، فلا أطيل بذكر ذلك، وإنما أشرتُ إليه لاستدلال بعض الفقهاء به. دليل أصحاب القول الثاني: أن الجمعة تصح ممن لم يحضر الخطبة، ولو كانت شرطا يجب الإتيان به لم يصح إدراك الجمعة إلا بها (¬2) . مناقشة هذا الدليل: قال صاحب الحاوي بعد ذكر هذا الدليل: " وهذا خطأ، ويوضحه إجماع من قبل الحسن وبعده "، ثم ناقشه بأنه غير صحيح، لأن الركعتين واجبتان بالإجماع. ¬

(¬1) ومنهم عطاء، وطاوس، ومجاهد، ومكحول وغيرهم. وأخرجه عنهم ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب الرجل تفوته الخطبة 2 / 128، كما أخرجه عن إبراهيم النخعي، وعطاء، وسعيد بن جبير: البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب وجوب الخطبة وأنه إذا لم يخطب صلى ظهرا أربعا 3 / 196. (¬2) الحاوي 3 / 44.

ثم إنه لا يتعلق إدراك الجمعة بها، فلو أدرك ركعة صحت له بالجمعة، فكذلك الخطبة (¬1) . الترجيح: الراجح في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بأن الخطبة شرط لصحة الجمعة، لقوة أدلته، بل نقل بعضهم شبه إجماع عليه كما تقدم عن صاحب الحاوي. ¬

(¬1) المرجع السابق.

المبحث الثالث هل الشرط خطبة واحدة أو خطبتان

[المبحث الثالث هل الشرط خطبة واحدة أو خطبتان] المبحث الثالث هل الشرط خطبة واحدة أو خطبتان؟ اختلف القائلون في المسألة السابقة باشتراط الخطبة للجمعة - وهم الجمهور - فيما يتحقق به هذا الشرط، هل يتحقق بخطبة واحدة، أو لا بد من خطبتين؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه يشترط خطبتان. وبهذا قال الإمام مالك في رواية عنه، وبها أخذ بعض أصحابه (¬1) وبه قال الشافعية (¬2) وهو الرواية المشهورة عن الإمام أحمد، والمذهب عند أصحابه (¬3) . القول الثاني: أنه لا يشترط خطبتان، بل يجزئ خطبة واحدة. ¬

(¬1) ينظر: الكافي لابن عبد البر 1 / 250، والقوانين الفقهية ص (86) ، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 2 / 158. (¬2) ينظر حلية العلماء 2 / 276، والمجموع 4 / 513، 514، وروضة الطالبين 2 / 24، ومغني المحتاج 1 / 285. (¬3) ينظر الهداية لأبي خطاب 1 / 52، والمغني 3 / 173، والمحرر 1 / 146، وشرح الزركشي 2 / 177، والإنصاف 2 / 386، وكشاف القناع 2 / 31.

وبهذا قال الحنفية (¬1) والإمام مالك في رواية عنه، وبها أخذ بعض أصحابه (¬2) وهو رواية عن الإمام أحمد (¬3) . الأدلة: استدل أصحاب القول الأول بما يلي: 1 - ما رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس» (¬4) . 2 - ما رواه جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما. . .» الحديث (¬5) . وجه الدلالة من هذين الحديثين: أن فيهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب للجمعة خطبتين، وقد قال: ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 26، والهداية للمرغيناني 1 / 83، وتبيين الحقائق 1 / 220. (¬2) ينظر: عارضة الأحوذي 2 / 294، والقوانين الفقهية ص (86) . (¬3) ينظر: المغني 3 / 173، وشرح الزركشي 2 / 177، والإنصاف 2 / 386. (¬4) تقدم تخريجه ص (31) . (¬5) تقدم تخريجه ص (32) .

«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬1) (¬2) . ويرد على هذا الاستدلال ما ورد عليه في المسألة السابقة من أن هذا مجرد فعل، وهو لا يدل على الوجوب، ولكن يجاب عنه بما أجيب عنه هناك. 3 - أن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين من صلاة الظهر، فكل خطبة مكان ركعة، فالإخلال بإحداهما كالإخلال بإحدى الركعتين (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يمكن مناقشته بأن اعتبار الخطبتين بدل عن ركعتين من الظهر لم يثبت كما تقدم (¬4) فلا يصح الاستدلال به، والله أعلم. أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة: - أولا: من السنة: ما رواه جابر بن سمرة - رضي الله عنه - «أن رسول الله ¬

(¬1) تقدم تخريجه من حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - ص (32) . (¬2) ينظر: المغني 3 / 173. (¬3) ينظر: التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 2 / 185، والمغني 3 / 173، وشرح الزركشي 2 / 177، وكشاف القناع 2 / 31. (¬4) ص (34 - 35) .

- صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائما خطبة واحدة، فلما أسنَّ جعلها خطبتين يجلس جلسة» (¬1) . قال في المبسوط بعد سياقه له: " ففي هذا دليل أنه يجوز الاكتفاء بالخطبة الواحدة " (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه لم يثبت هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في تخريجه في الهامش؛ لعدم العثور عليه في كتب السنة المعروفة، وإنما ثبت من حديث جابر كما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب خطبتين، والله أعلم. ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: 1 - ما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في ¬

(¬1) هكذا أورد هذا الحديث السرخسي في المبسوط 2 / 26 مستدلا به، ولم يذكر من خرجه، ولم أعثر عليه فيما بين يدي من كتب السنة المعروفة، وقد ذكر بن العربي في عارضة الأحوذي 2 / 294 من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بهذا المعنى، ولم يذكره من خرجه، ولم أعثر عليه أيضا، وضعفه فقال: " وهذا الحديث ضعيف، يرويه الحسن بن عمارة "، وأشار إليه الترمذي بعد سياق حديث بن عمر - رضي الله عنهما - المتقدم في أدلة أصحاب القول الأول. (¬2) المبسوط 2 / 26.

الجمعة أنه خطب فلم يجلس حتى فرغ (¬1) . وجه الدلالة: أن عليا - رضي الله عنه - لم يجلس في أثناء خطبته، فدل على أنه اكتفى بخطبة واحدة؛ لأنه لو خطب خطبتين لفصل بينهما بجلسة. مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الأول: أنه مُتكلم في سنده كما في تخريجه. الثاني: على القول بصحته فإنه ليس فيه تصريح بأنه اكتفى بخطبة واحدة، وإنما غاية ما فيه أنه لم يجلس حتى فرغ، فيحتمل أنه اكتفى بالسكوت اليسير بينهما دون الجلوس ثم استفتح الثانية كالأولى، والله أعلم. ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب من كان يخطب قائما 2 / 112، وعبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجمعة - باب الخطبة قائما 3 / 189 - 190، الأثر رقم (5267) مع قصة، وكلاهما أخرجه من طريق أبي إسحاق السبيعي - وهو ممن رأى عليا ولم يسمع منه - كما في تهذيب التهذيب 8 / 63، فيكون الأثر منقطعا، وقال بعضهم أنه اختلط بآخره، ولم يعرف أن ابن صالح - الراوي عنه - سمع منه قبل الاختلاط. وقال في الجوهر النقي عن سند ابن أبي شيبة: " وهذا سند صحيح على شرط الجماعة ". (ينظر: الجوهر النقي بهامش سنن البيهقي 3 / 198، وإعلاء السنن 8 / 55) .

2 - ما روي عن المغيرة (¬1) بن شعبة - رضي الله عنه - أنه لم يجلس بين الخطبتين (¬2) . وتوجيه الاستدلال كالذي قبله. ويناقش - إن ثبت - بالوجه الثاني من الوجهين الذين نوقش بهما ما قبله، وبأنه فعل صحابي، وهو مختلف في الاحتجاج به، والله أعلم. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل باشتراط خطبتين للجمعة؛ لقوة أكثر أدلتهم. ¬

(¬1) هو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، أسلم عام الخندق، وشهد الحديبية، وكان موصوفا بالدهاء، ولاه عمر - رضي الله عنه - على البصرة، ثم الكوفة، ثم أمره عثمان - رضي الله عنه - عليها، ثم عزله، وشهد اليمامة، وفتوح الشام والقادسية وغيرها، وتوفي سنة 50 هـ. (ينظر: أسد الغابة 4 / 406، والإصابة 6 / 131) . (¬2) هكذا ذكره عنه ابن قدامة في المغني 3 / 176، والزركشي في شرح الخرقي 2 / 176، والزيلعي في تبيين الحقائق 2 / 220 مستدلين به، ولم يعزوه لأحد ولم أعثر عليه صريحا فيما بين يدي من كتب الآثار، وقد أخرج عنه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب من كان يخطب قائما 2 / 113 من طريق عبد الملك بن عمير قال: " كان المغيرة يخطب في الجمعة قائما، ولم يكن له إلا مؤذن واحد "، وليس بصريح.

الفصل الثاني شروط الخطبة

[الفصل الثاني شروط الخطبة] [المبحث الأول النية] الفصل الثاني شروط الخطبة وفيه ثمانية مباحث: المبحث الأول: النية. المبحث الثاني: حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة. المبحث الثالث: أن تكون بعد دخول وقت الجمعة. المبحث الرابع: تقديمها على الصلاة. المبحث الخامس: القيام. المبحث السادس: الجهر. المبحث السابع: كونها باللغة العربية. المبحث الثامن: الموالاة.

المبحث الأول: النية اختلف الفقهاء في اشتراط النية لخطبة الجمعة، أي نية الخطيب، وذلك على قولين: القول الأول: أنها شرط لصحة الخطبة. وبهذا قال بعض الشافعية (¬1) وبه قال الحنابلة (¬2) . القول الثاني: أنها ليست بشرط، فتصح الخطبة بدون نية. وهذا هو القول المعتمد عند الشافعية (¬3) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بالسنة، والمعقول: أولا: من السنة: ما رواه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى ¬

(¬1) ينظر فتح العزيز من المجموع 4 / 595، ومغني المحتاج 1 / 288. (¬2) ينظر: الفروع 2 / 113، والإنصاف 2 / 389، والمبدع 2 / 159، وكشاف القناع 2 / 33. (¬3) ينظر مغني المحتاج 1 / 288.

الله عليه وسلم - قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. . .» الحديث (¬1) . فهو شامل بعمومه لخطبة الجمعة، لأنها عبادة من العبادات (¬2) . ثانيا: من المعقول: القياس على الصلاة، بجامع أن كلا منهما فرض يشترط فيه الطهارة، والستر، والموالاة (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق، فليس كل ما يشترط للصلاة يشترط للخطبة، ومن ذلك الطهارة، وستر العورة - كما سيأتي إن شاء الله تعالى -. دليل أصحاب القول الثاني: أن خطة الجمعة أذكار، وأمر بمعروف، ونهي عن المنكر، ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه - باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 1 / 2، وفي كتاب العتق - باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه 3 / 119، وفي كتاب الأيمان - باب النية في الأيمان 7 / 231، ومسلم في صحيحه في كتاب الإمارة باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الأعمال بالنيات " 3 / 1515 -1516. (¬2) وممن صرح بالاستدلال به على هذه المسألة البهوتي في كشاف القناع 2 / 33. (¬3) مغني المحتاج 1 / 288.

ودعاء، وقراءة، ولا تشترط النية في شيء من ذلك، لأنه ممتاز بصورته منصرف إلى الله - تعالى - بحقيقته، فلا يفتقر إلى نية تصرفه إليه (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هذه الأشياء وإن كانت لا تشترط النية لكل منها بانفراده إلا أنها تكون بمجموعها عبادة متكاملة، وهي خطبة الجمعة، فتشترط لها النية، كالصلاة مثلا فإنها أقوال وأفعال تكون بمجموعها عبادة، وأما القول بأنه ممتاز بصورته منصرف إلى الله بحقيقته فلا يحتاج إلى نية، فإنه لو قيل به لسرى في بقيه العبادات، وهذا لا قائل به. الترجيح: الراجح في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل باشتراط النية لخطبة الجمعة؛ لما استدلوا به من عموم حديث عمر - رضي الله عنه -. ¬

(¬1) المرجع السابق.

المبحث الثاني حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة

[المبحث الثاني حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة] [تمهيد] المبحث الثاني حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة وفيه تمهيد، ومطلبان: التمهيد: في أقوال الفقهاء في العدد الذي تنعقد به الجمعة إجمالا. المطلب الأول: اشتراط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة. المطلب الثاني: استمرار الحضور حتى نهاية الخطبة. التمهيد أقوال الفقهاء في العدد الذي تنعقد به الجمعة إجمالا الكلام على شرط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة يتطلب التمهيد له بأقوال الفقهاء في أقل عدد تنعقد به الجمعة على سبيل الإجمال. وقد اختلفوا في ذلك - بعد إجماعهم على اشتراط الجماعة لها (¬1) - على أقوال أهمها ثلاثة، وهي: - ¬

(¬1) وممن نقل هذا الإجماع: النووي في المجموع 4 / 504، 508، وابن حجر في فتح الباري2 / 308، والشوكاني في نيل الأوطار 3 / 226، 230.

الأول: أنها تنعقد بثلاثة، وهذا هو قول الحنفية (¬1) وهو رواية عن الإمام أحمد (¬2) واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (¬3) (¬4) . الثاني: أنها لا تنعقد إلا بأربعين، وهذا هو قول الشافعية (¬5) وهو الرواية المشهورة عن الإمام أحمد، والمذهب عند أصحابه، وعليه أكثرهم (¬6) . ¬

(¬1) على خلاف بينهم هل يعتبر الإمام منهم؟ فقال أبو حنيفة ومحمد: ثلاثة سوى الإمام، وقال أبو يوسف: اثنان سوى الإمام، ينظر: مختصر الطحاوي ص (35) ، وبدائع الصنائع 2 / 268، والهداية للمرغيناني 1 / 83. (¬2) وهناك روايات أخرى عن الإمام أحمد، حيث بلغت الروايات عنه في هذه المسألة سبع روايات، ينظر: الفروع 2 / 99، والإنصاف 2 / 378، والمبدع 2 / 152. (¬3) هو شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله الحراني، ثم الدمشقي، تقي الدين، أبو العباس، قدم مع والده من حران إلى دمشق في صغره، وأخذ عنه وعن غيره من علمائها، وبرع في مختلف العلوم، وامتحن وأوذي وحبس عدة مرات، وصنف مصنفات كثيرة وجليلة منها: منهاج السنة، والسياسية الشرعية، وتوفي سنة 728 هـ. (ينظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2 / 387، والمقصد الأرشد 1 / 132) . (¬4) الاختيارات ص (79) . (¬5) ينظر: الأم 1 / 190، والمجموع 4 / 502، وروضة الطالبين 2 / 7. (¬6) ينظر: المغني 2 / 204، والفروع 2 / 99، والمحرر 1 / 142، والإنصاف 2 / 378.

المطلب الأول اشتراط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة

الثالث: أنها لا تنعقد إلا بعدد تتقرَّى بهم القرية، ولا تنعقد بالثلاثة والأربعة ونحوهم، وهو المشهور عند المالكية (¬1) . وليست هذه المسألة مقصودة بالبحث، فلا أرى الإطالة بتفصيل الأدلة والمناقشات فيها، والأظهر - حسب ما تبين لي - هو القول الأول، والله أعلم. [المطلب الأول اشتراط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة] المطلب الأول اشتراط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة اختلف الفقهاء في اشتراط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة، وذلك على قولين: القول الأول: يشترط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة. وبهذا قال المالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: بداية المجتهد 1 / 158، والكافي لابن عبد البر 1 / 149، والقوانين الفقهية ص (85) . (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 134، ومواهب الجليل 2 / 165 - 166، والفواكه الدواني 1 / 306. (¬3) ينظر: الوجيز 1 / 62، والمجموع 4 / 507، وروضة الطالبين 2 / 27، ومغني المحتاج 1 / 283، 287. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والمغني 3 / 210، والفروع 2 / 111، والمحرر 1 / 148، والإنصاف 2 / 390.

القول الثاني: لا يشترط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة. وهذا القول منسوب إلى الإمام أبي حنيفة (¬1) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: - أولا: من السنة: ما رواه مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) » (¬2) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصلاة كما صلى، ولم يخطب وحده، وإنما خطب بحضرة العدد الذين تنعقد بهم الجمعة (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: ¬

(¬1) لم أطلع على قول للحنفية فيما بين يدي من كتبهم، وقد نسب هذا القول لأبي حنيفة القاضي عبد الوهاب في الإشراف 1 / 134، وابن قدامة في المغني 3 / 210 رواية. (¬2) تقدم تخريجه ص (32) . (¬3) ينظر: الإشراف 1 / 134، ومواهب الجليل 2 / 166.

الأول: أن هذا استدلال بالفعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب. الثاني: أن هذا الدليل - على تقدير القول بأنه يدل على الوجوب - لا يقتضي اكتمال العدد الذي تنعقد به الجمعة، وإنما يتحقق بحضور عدد يستمع الخطبة. ثانيا: من المعقول: 1 - أن الغرض من خطبة الجمعة الوعظ والتذكير، وذلك ينافي كون الخطيب وحده (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بالوجه الثاني من وجهي مناقشة الدليل السابق، من أن ذلك لا يتطلب اكتمال العدد الذي تنعقد به الجمعة، فيتحقق غرض الوعظ والتذكير بحضور أيّ عدد. 2 - أن الخطبة ذكر جعل شرطا في صحة الجمعة وانعقادها، فوجب أن يكون من شرطه اجتماع العدد، كتكبيرة الإحرام (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: ¬

(¬1) ينظر: المرجعان السابقان. (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 134، والمغني 3 / 210، والبدع 2 / 159، وكشاف القناع 2 / 34.

الأول: أن اعتبار الخطبة شرطا في صحة الجمعة محل خلاف بين الفقهاء، فمنهم من لا يعتبرها شرطا - كما تقدم - فلا يلزمه هذا الدليل. الثاني: أنه قياس مع الفارق، فإن تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة، وقد ثبت اشتراط العدد فيها - أي الصلاة - بأدلة خاصة، بخلاف الخطبة فليست جزء من الصلاة، والله أعلم. دليل صاحب القول الثاني: أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة، فلم يشترط له العدد، كالأذان (¬1) . مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الأذان ليس بشرط، وإنما مقصوده الإعلام، والإعلام للغائبين، والخطبة مقصودها التذكير والموعظة، وذلك يكون للحاضرين، كما أنها مشتقة من الخطاب، والخطاب إنما يكون للحاضرين (¬2) . الترجيح: بعد التأمل في أدلة القولين في المسألة اتضح أنها جميعا محل ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 210. (¬2) ينظر المرجع السابق.

المطلب الثاني استمرار حضور العدد حتى نهاية الخطبة

للمناقشة كما هو مبين، ولكن الذي يظهر - والله أعلم بالصواب - هو أنه يجب حضور الخطبة جماعة يتحقق بهم مقصودها من الوعظ والتذكير، لكن لا يجب اكتمال العدد الذي تنعقد به الجمعة. [المطلب الثاني استمرار حضور العدد حتى نهاية الخطبة] المطلب الثاني استمرار حضور العدد حتى نهاية الخطبة اختلف القائلون في المطلب السابق باشتراط حضور العدد للخطبة هل يجب أن يكون الحضور لجميع الخطبة، أو يكفي حضور بعضها، فلو انفضوا أو بعضهم في أثنائها لم تصح؟ وذلك على قولين: القول الأول: يشترط حضور القدر الواجب منها، فإن انفضوا في أثنائها لم يعتد بالركن المفعول حال غيبتهم. وبهذا قال الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) . ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 507، وروضة الطالبين 2 / 7 - 8، ومغني المحتاج 1 / 283. (¬2) ينظر: المغني 3 / 210، والفروع 2 / 111، والإنصاف 2 / 390، وكشاف القناع 2 / 34.

على اختلاف بينهم في وجوب توفر أركان في الخطبتين جميعا - كما سيأتي - إن شاء الله - في المسألة المتعلقة بذلك، وما سيأتي من باقي الشروط. القول الثاني: يشترط حضور جميع الخطبة. وهذا هو الظاهر من قول المالكية حيث أطلقوا القول باشتراط حضور العدد الذي تنعقد به الجمعة للخطبة (¬1) . ولم أطلع على أدلة صريحة لأصحاب القولين، ولعل أصحاب القول الأول يستدلون بأن القدر الواجب من الخطبة - وهي شروطها - هي التي لا تصح إلا بها، فلو أخلّ الخطيب بشيء منها لم تصح، فيكون استماع العدد الذي تنعقد به الجمعة إليها واجبا ليتحقق المقصود من هذا الواجب، وهو الاستماع للتذكر والاتعاظ. وأما القول الثاني فلم يتبين لي الوجه فيه. وأما الترجيح فإن القول باشتراط حضور العدد للقدر الواجب من الخطبة هو الأظهر، ولكن لا يلزم اكتمال العدد الذي تنعقد به الجمعة - كما تقدم في المطلب السابق - والله تعالى أعلم بالصواب. ¬

(¬1) ينظر: الإشراف 1 / 134، ومواهب الجليل 2 / 165.

المبحث الثالث أن تكون بعد دخول وقت الجمعة

[المبحث الثالث أن تكون بعد دخول وقت الجمعة] المبحث الثالث أن تكون بعد دخول وقت الجمعة ذهب أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنه يشترط في خطبة الجمعة أن تكون بعد دخول وقت صلاة الجمعة، فإن وقعت أو جزء منها قبله لم تجزئ. فقد قال بذلك الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) . وقال به ابن حزم (¬5) أيضا. وبناء على ذلك لا بد من تفصيل القول في أول وقت صلاة الجمعة، وخلاف الفقهاء فيه حتى يتبين المراد. ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 262، والهداية للمرغيناني 1 / 83، ومجمع الأنهر 1 / 166، والفتاوي الهندية 1 / 146. (¬2) ينظر: الفواكه الدواني 1 / 305 -306، والشرح الكبير للدردير 1 / 372، والشرح الصغير له 1 / 178. (¬3) ينظر: الوجيز 1 / 64، والمجموع 4 / 514، 522، وروضة الطالبين 2 / 62، ومغني المحتاج 1 / 278. (¬4) ينظر: شرح الزركشي 2 / 180، والفرع 2 / 109، والإنصاف 2 / 387، والمبدع 2 / 157، وكشاف القناع 2 / 31. (¬5) ينظر: المحلى 5 / 85.

وقد اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه يبدأ بعد زوال الشمس كوقت الظهر. وبهذا قال الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والإمام أحمد في رواية عنه (¬4) وابن حزم (¬5) . القول الثاني: إنه يبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح. وبهذا قال الإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه، وهي المذهب عند أصحابه، وعليها أكثرهم (¬6) . القول الثالث: أنه يبدأ في الساعة السادسة قبل الزوال، أي في الجزء السادس من الزمن الواقع بين طلوع الشمس إلى الزوال. ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 42، وتبيين الحقائق 1 / 219، والفتاوى الهندية 1 / 146. (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 134، والكافي لابن عبد البر 1 / 250، والفواكه الدواني 1 / 305. (¬3) ينظر: الأم 1 / 223، وحلية العلماء 2 / 272، وروضة الطالبين 2 / 3، والمجموع 4 / 509، 511. (¬4) ينظر: الفروع 2 / 96، والإنصاف 2 / 376، والمبدع 2 / 147. (¬5) ينظر: المحلى 5 / 65. (¬6) ينظر: الهداية لأبي خطاب 1 / 52، والمغني 3 / 239، والمحرر 1 / 143، والفروع 2 / 96، والإنصاف 2 / 375، والمبدع 2 / 147.

وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه، واختارها بعض أصحابه (¬1) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: أولا: من السنة: 1 - ما رواه أنس (¬2) بن مالك - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة حين - تميل الشمس» (¬3) . 2 - ما رواه سلمة (¬4) بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: ¬

(¬1) ينظر: الفروع 2 / 96، والإنصاف 2 / 375، والمبدع 2 / 148. (¬2) هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الخزرجي، الأنصاري، النجاري، يكنى بأبي حمزة، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن المكثرين من الرواية عنه، نزل البصرة، وتوفي فيها سنة 91، وقيل: 92 هـ. (ينظر: أسد الغابة 1 / 127، والإصابة 1 / 71) . (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس 1 / 217. (¬4) هو سلمة بن الأكوع، واسم الأكوع: سنان بن عبد الله الأسلمي، يكنى بأبي مسلم، كان ممن يبايع تحت الشجرة، سكن المدينة ثم انتقل إلى الربذة، وغزا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات، وتوفي سنة 64، وقيل: 74 هـ. (ينظر: أسد الغابة 2 / 333، والإصابة 3 / 118) .

«كنا نجمع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس» (¬1) . وكل من الحديثين واضح الدلالة. 3 - ما روته عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان الناس مهنة أنفسهم (¬2) وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم) (¬3) . وجه الدلالة: أن المقصود بالرواح في الحديث ما بعد الزوال، ودليل ذلك أنهم كان يصيبهم العرق والغبار ونحوهما، وذلك بعد اشتداد الحر في وقت مجيئهم من العوالي (¬4) (¬5) وذلك لا يكون إلا بعد الزوال. ¬

(¬1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس 2 / 589، حديث رقم (860) . (¬2) يعني خدم أنفسهم. (ينظر: النهاية، مادة " مهن "، وفتح الباري 2 / 388) . (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس 1 / 217، معلقا بصيغة الجزم. (¬4) العوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة، والنسب إليها علوي، على غير قياس، وأدناها على أربعة أميال من المدينة، وأبعدها من جهة نجد ثمانية. (ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة " علا " 3 / 295) . (¬5) ينظر: فتح الباري 2 / 387.

4 - ما رواه جابر (¬1) بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا زالت الشمس صلى الجمعة، فنرجع وما نجد فيئا (¬2) نستظل به» (¬3) . وهذا الحديث واضح الدلالة. مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه ضعيف كما في تخريجه. ثانيا: من آثار الصحابة: 1 - ما روي أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان يصلي إذا زالت الشمس (¬4) . 2 - ما روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يصلي الجمعة إذا زالت الشمس (¬5) . ¬

(¬1) هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري يكنى بأبي عبد الله، وقيل بأبي عبد الرحمن، شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي، قيل: شهد بدرا وأحدا، وقيل: لا، وشهد ما بعدهما، وتوفي سنة 74 هـ، وقيل: 77 هـ بالمدينة. (ينظر أسد الغابة 1 / 256، والإصابة 1 / 212) . (¬2) قال الفيومي: " فاء الظل يفيء فيئا: رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق ". (ينظر: المصباح المنير 2 / 486) . (¬3) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2 / 184، وعزاه للطبراني في الأوسط، وقال: " في إسناده يحيى بن سليمان ضعفه ابن خراش ". (¬4) ذكره ابن حجر في فتح الباري 2 / 387 وعزاه لابن أبي شيبة ولم أعثر عليه في مصنفه - حسب إطلاعي - وقال - أي ابن حجر -: " إسناده قوي ". (¬5) أخرجه البخاري في صحيحه معلقا بصيغة التمريض في كتاب الجمعة - باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس 1 / 217.

3 - ما روي أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كان يصلي الجمعة بعدما تزول الشمس (¬1) . 4 - ما روي عن النعمان (¬2) بن بشير - رضي الله عنه - أنه كان يصلي الجمعة بعدما تزول الشمس (¬3) . 5 - ما روي أن عمرو (¬4) بن حريث - رضي الله عنه - كان يصلي الجمعة إذا زالت الشمس (¬5) . ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب من كان يقول: وقتها زوال الشمس 2 / 108، وقال ابن حجر في الفتح 2 / 387: " إسناده صحيح ". (¬2) هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري، الخزرجي، قيل: إنه أول مولود في الإسلام من الأنصار، ولم يصحح أكثر أهل العلم بالحديث سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - وصححه ابن عبد البر، كان أميرا لمعاوية على الكوفة، وتوفي سنة 64 هـ. (ينظر: الاستيعاب 3 / 550، والإصابة 3 / 559) . (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في الكتاب والباب السابقين 2 / 108، وقال ابن حجر في فتح الباري 2 / 387: " إسناده صحيح ". (¬4) هو عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله القرشي، المخزومي، يكنى بأبي سعيد، الكوفي، صحابي صغير، توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن اثنتي عشرة سنة وتولى إمرة الكوفة وتوفي سنة 85 هـ. (ينظر: الإصابة 4 / 292، أسد الغابة 4 / 98) . (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في الكتاب والباب السابقين 2 / 108، وقال ابن حجر في الفتح 2 / 387: " إسناده صحيح ".

ثالثا: من المعقول: أن صلاة الجمعة بدل عن صلاة الظهر، والبدل له حكم المبدل (¬1) . أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة. أولا: من السنة: 1 - ما رواه سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: «كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به» (¬2) . وجه الدلالة: أن الحديث دل على أن صلاتهم كانت قبل الزوال؛ لأنها لو كانت بعده لما انصرفوا إلا وللحيطان ظل يستظل به (¬3) . مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنه دليل على أن صلاتهم بعد ¬

(¬1) ينظر: منهاج الطالبين 1 / 116، وحاشية قليوبي 1 / 116. (¬2) أخرجه البخاري بهذا اللفظ في صحيحه في كتاب المغازي - باب غزوة الحديبية 5 / 65، ومسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب صلاة الجمعة حيت تزول الشمس 2 / 589، حديث رقم (860) . (¬3) ينظر: نيل الأوطار 3 / 361.

الزوال؛ لأن النفي للظل الذي يستظل به لا لأصل الظل، بدليل قوله: (ثم نرجع نتتبع الفيء) (¬1) فهذا صريح بوجود الفيء لكنه قليل، لأن حيطانهم قصيرة، وبلادهم متوسطة من الشمس، فلا يظهر الفيء الذي يستظل به إلا بعد الزوال بزمنٍ طويلٍ (¬2) . 2 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس» (¬3) . وجه الدلالة: أن جابرا - رضي الله عنه - ذكر أنهم يصلون الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيريحونها عند الزوال، فدل على أنهم يصلون قبله (¬4) . مناقشة هذا الدليل: نُوقش من وجهين: الوجه الأول: أن في الحديث إخبارا بأن الصلاة والرواح كانا حين الزوال (¬5) . ¬

(¬1) أخرجها مسلم في صحيحه في الكتاب والباب السابقين 2 / 589. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 512. (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس 2 / 588، الحديث رقم (858) . (¬4) ينظر نيل الأوطار 3 / 261. (¬5) ينظر: المجموع 4 / 512.

وأجيب عنه: بأنه - أي الحديث - يدل على أن إراحة الجمال فقط عند الزوال، وأما الصلاة فهي قبل ذلك بدليل قوله: (ثم نذهب إلى جمالنا. . .) (¬1) . ورُدَّ ذلك: بأن المراد بقوله: (حين الزوال) الزوال وما يدانيه، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله» (¬2) . الوجه الثاني: أن ذلك محمول على شدة المبالغة في التبكير بعد الزوال (¬3) بدليل ما سبق من أدلة القول الأول. 3 - ما رواه سهل (¬4) بن سعد - رضي الله عنه - قال: «ما ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) هذا جزء من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في إمامة جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - والذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1 / 333، وأبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب ما جاء في المواقيت 1 / 107، الحديث رقم (393) ، والترمذي في سننه في أبواب الصلاة - باب ما جاء في المواقيت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - 1 / 100، الحديث (149) ، وقال: " حسن صحيح "، كما صححه النووي في المجموع 3 / 23 وغيره. (¬3) ينظر: شرح النووي على مسلم 6 / 149. (¬4) هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري، الساعدي، يكنى بأبي العباس، قيل: كان اسمه حزنا فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - سهلا، وكان عمره حين توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة سنة، وعاش حتى أدرك الحجاج، وتوفي سنة 88 هـ، وقيل: 91 هـ. (ينظر: أسد الغابة 2 / 366، والإصابة 3 / 140) .

كنَّا نقيل ولا نتغدَّى إلى بعد الجمعة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» (¬1) . وجه الدلالة: أن الغداء والقيلولة محلهما قبل الزوال، والحديث يدل على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبلهما (¬2) . مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغداء في هذا اليوم إلى ما بعد الصلاة بم لأنهم نُدِبوا إلى التبكير، فلو اشتغلوا بذلك خافوا التبكير أو الصلاة (¬3) . هذه أبرز أدلتهم من السنة. ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم - 1 - ما رواه عبد الله (¬4) بن سيدان قال: " شهدت الجمعة مع ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ.) 1 / 225، ومسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب الجمعة حين تزول الشمس 1 / 588، الحديث رقم (859) . (¬2) ينظر: الشرح الكبير لابن قدامة 1 / 466. (¬3) ينظر: شرح النووي على مسلم 6 / 149. (¬4) هو عبد الله بن سيدان السلمي المطرود، الرقي، مولى بني سليم، قال عنه البخاري: لا يتابع على حديثه، وقال اللالكائي: مجهول لا حجة فيه. (ينظر: الجرح والتعديل 5 / 68، وطبقات ابن سعد 7 / 438، وميزان الاعتدال 2 / 437) .

أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره (¬1) . 2 - ما روي أن عبد الله (¬2) بن مسعود - رضي الله عنه - صلى الجمعة ضحى وقال: " خشيتُ عليكم الحر " (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الصلوات - باب من كان يقيل بعد الجمعة ويقول هي أول النهار 2 / 107، وعبد الرزاق في كتاب الجمعة - باب وقت الجمعة 3 / 175 دون ذكر لفعل عثمان، الدارقطني في كتاب الجمعة - باب صلاة الجمعة قبل نصف النهار 2 / 17، وقال العظيم آبادي في التعليق المغني عليه بهامشه: " الحديث رواته ثقات إلا عبد الله بن سيدان فَمُتَكَلَّمٌ فيه ". قال النووي في المجموع 4 / 512 عن هذا الحديث: " ضعيف باتفاقهم، لأن ابن سيدان ضعيف عندهم "، كما ضعفه الألباني في إرواء الغليل 3 / 61. (¬2) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، يكنى بأبي عبد الرحمن، أسلم قديما، وشهد المشاهد كلها، ولازم النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عنه كثيرا، وتوفي سنة 32 هـ. (ينظر: أسد الغابة 3 / 256، والإصابة 4 / 129) . (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الصلوات - باب من كان يقيل بعد الجمعة 2 / 107، وقال ابن حجر في الفتح 2 / 387: " عبد الله بن سلمة صدوق إلا أنه ممن تغير لما كبر ". وينظر أيضا تقريب التهذيب 2 / 420.

3 - ما روي عن معاوية (¬1) بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أنه صلى الجمعة ضحى (¬2) . مناقشة هذه الآثار: تناقش بأنها ضعيفة الأسانيد كما في تخريجها، فلا تصلح للاحتجاج. دليل أصحاب القول الثالث: استُدل له بما رواه أبو هريرة (¬3) - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اغتسل يوم الجمعة ¬

(¬1) هو معاوية بن صخر بن حرب بن أمية القرشي، الأموي، يكنى بأبي عبد الرحمن، أسلم في فتح مكة، وولاه عمر على الشام بعد وفاة أخيه يزيد، ثم أقره عثمان، ثم انفرد بها في خلافة علي، ثم تولى الخلافة بعد تنازل الحسن، ولم يزل خليفة حتى توفي سنة 59، وقيل: 60 هـ. (ينظر: أسد الغابة 4 / 385، والإصابة 6 / 112) . (¬2) أخرج ابن أبي شيبة في الكتاب والباب السابقين 2 / 107، وقال ابن حجر في الفتح 2 / 387: " سعيد بن سويد ذكره ابن عدي في الضعفاء "، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 2 / 145: " قال البخاري: لا يُتابع في حديثه ". (¬3) اختُلف في اسمه، وقد صحح النووي في كتابه " تهذيب الأسماء واللغات " أن اسمه: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وكُني بأبي هريرة واشتهر بذلك لأنه كان يحمل هرة معه، لَزِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأكثر من الرواية عنه، وولي إمرة المدينة، ثم البحرين، وتوفي سنة 57 هـ. (ينظر: الإصابة 7 / 199، وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 270) .

غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قَرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قَرّب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرَّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قَرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر» (¬1) . وجه الدلالة: دل الحديث على أن أول وقت الجمعة من السادسة، إذ بانتهاء الخامسة يدخل الإمام، وهذا قبل الزوال؛ لأن الزوال لا يكون إلا بعد تمام السادسة. مناقشة هذا الدليل: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن الساعة الأولى جُعِلَتْ للتأهب بالاغتسال وغيره، فيكون المجيء من أول الثانية، فتكون أولى بالنسبة للمجيء وثانية بالنسبة للنهار، وعلى هذا يكون آخر الخامسة أول الزوال (¬2) . وأجيب: بأن هذا مخالف لظاهر الحديث، ولا دليل عليه. ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجمعة - باب فضل الجمعة 1 / 212 - 213، ومسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب الطيب والسواك يوم الجمعة 2 / 582، الحديث رقم (850) . (¬2) ينظر: فتح الباري 2 / 368.

الوجه الثاني: أن الساعات ست، بدليل ما جاء في رواية (أن في الرابعة بطة، وفي الخامسة دجاجة، وفي السادسة بيضة) ، وفي رواية أخرى (أن في الرابعة دجاجة، وفي الخامسة عصفورا، وفي السادسة بيضة) (¬1) . وأجيب: بأنهما شاذتان؛ لمخالفتهما سائر الروايات في الصحيحين وغيرهما (¬2) . الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول؛ لقوة أدلتهم، وضعف أدلة المخالفين من حيث الدلالة، وبعضها من حيث الثبوت أيضا، ولأنه أحوط، خاصة بالنسبة للنساء فإنهن قد يصلين عند سماع الأذان، فتكون صلاتهن قبل دخول وقت الظهر، لكن إن فُعِلت في بعض الأحيان في الساعة الخامسة أو السادسة فلا بأس، وخاصة عند الح اجة لما استدل به أصحاب القول الثالث. ¬

(¬1) أحرجهما النسائي في سننه في كتاب الجمعة - باب التبكير إلى الجمعة 1 / 100، وقال النووي في المجموع 4 / 539: " وإسناد الروايتين صحيحان ". (¬2) ينظر: المجموع 4 / 539.

فبناءً على ذلك لا تجزئ الخطبة عند الحنفية، والمالكية، والشافعية، والإمام أحمد في رواية، وابن حزم إلا بعد الزوال، فإن خطب قبله أو ابتدأ الخطبة لم تجزئ ولو كانت الصلاة بعده، وتجزئ على المشهور عند الحنابلة ولو كانت في أول النهار بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، وتجزئ على الرواية الثالثة عن الإمام أحمد إذا كانت في آخر الضحى في الساعة السادسة، وقد ذكرتُ الراجح في ذلك - والله أعلم -.

المبحث الرابع تقديمها على الصلاة

[المبحث الرابع تقديمها على الصلاة] المبحث الرابع تقديمها على الصلاة ذهب أصحاب المذاهب الأربعة إلى أن تقديم الخطبة على الصلاة شرط من شروط صحتها، وأنها لو أخِّرت عن الصلاة فإنها لا تصح. فقد قال بذلك الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) . قال في الإنصاف مبينا عدم الخلاف في ذلك عند الحنابلة: " ويشترط تقدمهما [يعني الخطبتين] على الصلاة بلا نزاع " (¬5) . بل قال في مغني المحتاج: ". . . بالإجماع إلا من شدَّ " (¬6) . ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 36، وبدائع الصنائع 1 / 262، ومجمع الأنهر 1 / 166، والهداية للمرغيناني 1 / 83، والفتاوى الهندية 1 / 146. (¬2) ينظر: المدونة 1 / 156، والفواكه الدواني 1 / 306، والشرح الصغير 1 / 178. (¬3) ينظر: الوجيز 1 / 64، وحلية العلماء 2 / 276، والمجموع 4 / 514، وروضة الطالبين 2 / 26، ومغني المحتاج 1 / 285. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 180، والنكت بهامش المحرر 1 / 147، والإنصاف 2 / 389، والمبدع 2 / 157، وكشاف القناع 2 / 31. (¬5) الإنصاف 2 / 389. (¬6) مغني المحتاج 1 / 285.

الأدلة: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول. أولا: من السنة: حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬1) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بالصلاة كما كان يصلي، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يخطب قبل الصلاة، فيجب أن نفعل كفعله اقتداءً به (¬2) . قال في المجموع: " وثبتت صلاته - صلى الله عليه وسلم - بعد خطبتين " (¬3) . ثانيا: من المعقول: 1 - أن الخطبة شرط لصحة الجمعة، والشرط لا يتأخر عن ¬

(¬1) سبق تخريجه ص (32) ، وممن صرح بالاستدلال به على هذه المسألة الشربيني في مغني المحتاج 1 / 285. (¬2) وممن استدل بفعله - صلى الله عليه وسلم - على لك: السرخسي في المبسوط 2 / 36، والكاساني في بدائع الصنائع 1 / 262، والنووي في المجموع 4 / 514، والشربيني في مغني المحتاج 1 / 285، والزركشي في شرح الخرقي 2 / 180، وبرهان الدين ابن مفلح في المبدع 2 / 157، والبهوتي في كشاف القناع 2 / 31. (¬3) المجموع 4 / 514.

المشروط له، بل يشترط أن يكون سابقا عليه (¬1) . لكن هذا لا يلزم في كل الأحوال، فقد يكون الشرط مصاحبا للمشروط. 2 - أن الجمعة فريضة تؤدى جماعة، فأُخِّرت فيها الصلاة عن الخطبة ليدركها المتأخر (¬2) . ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 262، ومجمع الأنهر 1 / 166، والمجموع 4 / 513 - 514، ومغني المحتاج 1 / 285، والمبدع 2 / 157، وكشاف القناع 2 / 31. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 514، ومغني المحتاج 1 / 285، والمبدع 2 / 157، وكشاف القناع 2 / 31.

المبحث الخامس القيام

[المبحث الخامس القيام] المبحث الخامس: القيام اختلف الفقهاء في اشتراط القيام للخطيب حال الخطبة، وذلك على ثلاثة أقوال: - القول الأول: أن قيام الخطيب حال الخطبة شرط مع القدرة عليه وهذا هو القول الصحيح والمشهور عند الشافعية (¬1) وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها بعض أصحابه (¬2) . قال في الجامع لأحكام القرآن: " وعلى هذا جمهور الفقهاء وأئمة العلماء " (¬3) . بل قال النووي (¬4) " وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على ¬

(¬1) ينظر: الوجيز 1 / 64، وحلية العلماء 2 / 276، والمهذب والمجموع معه 4 / 514، وروضة الطالبين 2 / 26، ومغني المحتاج 1 / 287. (¬2) ينظر في: شرح الزركشي 2 / 174، والمغني 3 / 171، والفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 397، والمبدع 2 / 163. (¬3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 18 / 114. (¬4) هو يحيى بن شرف بن مري الحزامي، النووي، يكنى بأبي زكريا، محيي الدين، ولد في نوى عام 631 هـ، وتعلم في دمشق، وأقام بها زمنا طويلا، يعد أستاذ المتأخرين من الشافعية، صنف مصنفات جليلة ومتنوعة، منها: شرح صحيح مسلم، ورياض الصالحين، وتوفي سنة 676 هـ. (ينظر: تذكرة الحفاظ 4 / 1470، وطبقات الشافعية للسبكي 5 / 165) .

أن الخطبة لا تكون إلا قائما لمن أطاقه (¬1) . ولكن هذه الدعوى - أي دعوى الإجماع - مردودة بما سيأتي من قول أصحاب القول الثاني. القول الثاني: أن قيام الخطيب حال الخطبة سنة. وبهذا قال الحنفية (¬2) وبعض المالكية (¬3) وهو وجه عند الشافعية (¬4) ولكن قال عنه في المجموع: " وهو شاذ ضعيف أو باطل " (¬5) . وهو الرواية المشهورة عن الإمام أحمد، والصحيح من المذهب عند أصحابه، وعليه جمهورهم (¬6) . ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 150. (¬2) ينظر: المبسوط 2 / 62، والهداية للمرغيناني 1 / 83، وبدائع الصنائع 1 / 263، ورؤوس المسائل للزمخشري ص (184) ، والفتاوى الهندية 1 / 146. (¬3) ينظر: الفواكه الدواني 1 / 307، وشرح الخرشي 2 / 79، ومواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 166. (¬4) ينظر في: المجموع 4 / 514، وروضة الطالبين 2 / 26. (¬5) المجموع 4 / 514. (¬6) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والتمام 1 / 223، وشرح الزركشي 2 / 174، والمغني 123 / 171، والفروع 2 / 119، والمحرر 1 / 151، والإنصاف 2 / 397، والمبدع 2 / 162.

القول الثالث: أن قيام الخطيب حال الخطبة واجب، فإن خطب جالسا مع القدرة على القيام فقد أساء، وتجزئه. وبهذا قال أكثر المالكية (¬1) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة، والمعقول. أولا: من الكتاب: قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] (¬2) . وجه الدلالة: أن الله - تعالى - أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائما، وقد قال - تعالى -: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (¬3) مع قوله - تعالى -: ¬

(¬1) ينظر الإشراف 1 / 133، ومواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 166، وحاشية الدسوقي 1 / 379. (¬2) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (11) . (¬3) سورة الأحزاب، جزء من الآية رقم (21) .

{وَاتَّبِعُوهُ} [الأعراف: 158] (¬1) وقوله - تعالى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] (¬2) مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬3) (¬4) . مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنه حكاية فعل، وذلك لا يدل على الوجوب بل على الاستحباب (¬5) . وأما التأسي به واتباعه وأخذ ما جاء به - صلى الله عليه وسلم - فهو حسب صيغة ما جاء، فما جاء بصيغة الأمر وجب العمل به، وما جاء بصيغة الاستحباب أو مجرد فعل كهذا فإنه يستحب العمل به ولا يجب، وأما الأمر بالصلاة كما صلى فإن الخطبة ليست صلاة، وفي الاستدلال به على الوجوب خلاف كما تقدم. ثانيا: من السنة: 1 - ما رواه جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: «كان ¬

(¬1) سورة الأعراف، جزء من الآية رقم (158) . (¬2) سورة الحشر، جزء من الآية رقم (7) . (¬3) تقدم تخريجه من حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - ص (32) . (¬4) ذكر هذا الاستدلال النووي في شرح صحيح مسلم 6 / 152. (¬5) وممن ذكر ذلك الزركشي في شرح الخرقي 2 / 174.

النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائما، فمن قال: إنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فلقد والله صليتُ معه أكثر من ألفي صلاة» (¬1) . قال النووي: " وفي هذه الرواية دليل لمذهب الشافعي والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصح من القادر على القيام إلا قائما في الخطبتين " (¬2) . ثم قال - أي النووي - على قوله: «ألفي صلاة» : " المراد الصلوات الخمس لا الجمعة " (¬3) . ولا شك أن هذا الحديث يدل على مواظبته - صلى الله عليه وسلم - على القيام حال الخطبة. 2 - ما رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم، كما تفعلون الآن» (¬4) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (31- 32) . (¬2) شرحه على صحيح مسلم 6 / 149. (¬3) المرجع السابق 6 / 150. (¬4) تقدم تخريجه ص (31) .

3 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عير الشام. . .» الحديث (¬1) . وفي لفظ: «بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائم يوم الجمعة إذ قدمت عير إلى المدينة. . .» الحديث (¬2) . وجه الدلالة من الحديثين: قال في التمام بعد الاستدلال بهما: " وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تعلق بالقرينة وجب الاقتداء به؛ لقوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ} [الأعراف: 158] (¬3) (¬4) . ولم يبيّن القرينة، ولعل المواظبة الكاملة التي دل عليها حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قرينة مع ما سبق. 4 - ما رواه طاوس (¬5) قال: 11 خطب رسول الله - صلى الله ¬

(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب في قوله - تعالى -: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا (2 / 590، الحديث رقم (836) . (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه في الكتاب والباب السابقين 2 / 590. (¬3) سورة الأعراف، جزء من الآية رقم (158) . (¬4) التمام 1 / 233 - 234. (¬5) هو طاوس بن كيسان الحميري، مولى بحير بن ريسان، يكنى بأبي عبد الرحمن، عالم اليمن، قال عنه ابن حبان: " كان من عباد أهل اليمن، ومن سادات التابعين، وقد حج أربعين حجة، وهو حجة باتفاق "، وتوفي سنة 101 هـ. (ينظر: طبقات ابن سعد 5 / 537، وتهذيب التهذيب 5 / 8) .

عليه وسلم - قائما، وأبو بكر قائما، وعمر قائما، وعثمان قائما، وأول من جلس على المنبر معاوية بن أبي سفيان " (¬1) . وفيه دلالة على مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه على القيام حال الخطبة. ولكن هذا مرسل كما هو واضح؛ لأن طاوس تابعي. قال في فتح الباري - في معرض استدلاله بهذه الأدلة وتوجيهها -: " وبمواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على القيام، وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين، فلو كان القعود مشروعا في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس " (¬2) . ثالثا: من آثار الصحابة: 1 - تقدم ما رواه طاوس عن أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -، وقد ورد بلفظ: " لم يكن أبو بكر ولا عمر يقعدون على المنبر يوم الجمعة، وأول من قعد معاوية " (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب من كان يخطب قائما 2 / 112. (¬2) فتح الباري 2 / 401. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب من كان يخطب قائما 2 / 112.

2 - ما روي عن كعب (¬1) بن عجرة - رضي الله عنه - أنه دخل المسجد وعبد الرحمن (¬2) بن أم الحكم يخطب قاعدا، فقال: " انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا، وقال الله - تعالى -: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] (¬3) " (¬4) . وفي رواية: " ما رأيتُ كاليوم قط إماما يؤم المسلمين يخطب وهو جالس "، يقول ذلك مرتين (¬5) . وقد وجه النووي الاستدلال به بتوجيهه للآية فيما سبق. ¬

(¬1) هو كعب بن عجرة بن أمية بن عدي البلوي، المدني، حليف الأنصار، يكنى بأبي محمد، صحابي مشهور، شهد الحديبية والمشاهد كلها، ونزلت فيه قصة الفدية، وسكن الكوفة، مات بالمدينة بعد الخمسين. (ينظر: الإصابة 5 / 304، وأسد الغابة 4 / 243) . (¬2) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي، اشتهر بأمه، وهي أخت معاوية بن أبي سفيان، ولاه خاله الكوفة بعد موت زياد في سنة 57 هـ، فأساء السيرة، فعزله. مات في أول خلافة عبد الملك، ذكره البخاري وغيره من التابعين. (ينظر: الإصابة: 3 / 71، ط دار الكتاب العربي) . (¬3) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (11) . (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب في قوله - تعالى - وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا 2 / 591، الحديث رقم (684) . (¬5) هذه الرواية ذكرها ابن حجر في الفتح 2 / 401 وعزاها إلى ابن خزيمة ولم أعثر عليها في صحيحه.

ولا شك أن إنكار كعب هذا مع هذا الوصف الذميم، وتعليله بخطبته جالسا مع الاستدلال بالآية يدل على ما فهمه الصحابة - رضي الله عنهم - من المواظبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده من الوجوب، والرواية الثانية تدل على أن عليه عمل المسلمين قاطبة مع عدم العذر. قال ابن العربي المالكي عن الاستدلال بكل ما سبق: " وملازمة النبي - صلى الله عليه وسلم- والصحابة القيام أصل في الوجوب، والعمدة قول الله - تعالى -: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] فذمهم، وذلك دليل على الوجوب المختص به، ولا سيما وقد قلنا إنه عوض عن الركعتين، والقيام واجب في العوض فوجب في المعوض (¬1) . لكن القول بأن الخطبتين بدل عن الركعتين محل نظر سبق بيانه عدة مرات (¬2) . رابعا: من المعقول: أن الخطبة أحد فرضي الجمعة، فوجب فيها القيام والقعود، كالصلاة (¬3) . ¬

(¬1) ينظر: عارضة الأحوذي 2 / 295 - 296. (¬2) ينظر ص (34 - 35) . (¬3) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 514.

أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة، والمعقول. أولا: من الكتاب: قول الله - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] الآية (¬1) . وجه الدلالة: أن الله - تعالى - أطلق الذكر في الآية ولم يقيده بحال القيام، والمقصود يحصل بدونه، فدل على عدم اشتراط القيام حال الخطبة (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن الله - سبحانه وتعالى - بيّن بعد هذه الآية أن هذا الذكر في حال القيام، وذلك في قوله: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] (¬3) فكأنه تقييد لما قبله. ¬

(¬1) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (9) . (¬2) ينظر: شرح الزركشي على الخرقي 2 / 174. (¬3) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (11) .

الوجه الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بهذا الذكر قائما وواظب على ذلك، وكذلك الخلفاء كما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول، وذلك بيان لإطلاق الآية. ثانيا: من السنة: 1 - ما روي أن رجالا أتوا سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - وقد امتروا (¬1) في المنبر مِمَّ عُوده؟ فسألوه عن ذلك، فقال: «والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيتُهُ أول يوم وضِعَ، وأول يوم جلس عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فلانة - امرأة قد سماها سهل - مُرِي غلامك النجار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمتُ الناس، فأمرته، فعملها من طرفاء الغابة (¬2) ثم جاء بها فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه ¬

(¬1) قال ابن حجر: من المماراة، وهي المجادلة. (ينظر: فتح الباري 2 / 397) . (¬2) قال ابن حجر: " في رواية سفيان عن أبي حازم " من أثل الغابة " ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء، وقيل يشبه الطرفاء، وهو أعظم منه، والغابة - بالمعجمة وتخفيف الموحدة - موضع من عوالي المدينة جهة الشام، وأصلها كل شجر ملتف. (ينظر: فتح الباري 2 / 399) .

وسلم - فأمر بها فوُضِعتْ هاهنا، ثم رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عليها، وكبَّر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى (¬1) فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنما صنعتُ هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي» (¬2) . الشاهد من الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أجلس عليهن إذا كلمتُ الناس» . والحديث واضح الدلالة حسب قولهم. مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنه يحتمل أن تكون الإشارة إلى الجلوس أول ما يصعد، وبين الخطبتين (¬3) . 2 - ما رواه أبو سعيد الخدري (¬4) - رضي الله عنه - قال: ¬

(¬1) قال ابن حجر: " القهقرى - بالقصر - المشي إلى الخلف ". (ينظر: فتح الباري 2 / 400) . (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب الخطبة على المنبر 1 / 220. (¬3) ينظر: فتح الباري 2 / 401. (¬4) هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري، الخزرجي، الخدري، مشهور بكنيته أبي سعيد، استصغره النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فرده، وشهد ما بعدها، وكان من حفاظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المكثرين، توفي سنة 64هـ، وقيل غير ذلك. (ينظر: أسد الغابة 5 / 211، والإصابة 3 / 85) .

«إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس ذات يومٍ على المنبر وجلسنا حوله» الحديث (¬1) . وهذا الحديث واضح الدلالة حسب قولهم. مناقشة هذا الدليل: نوقش بأن هذا في غير خطبة الجمعة، فلا دليل فيه (¬2) . ثالثا: من آثار الصحابة: 1 - ما روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه كان يخطب قاعدا (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن المشهور عنه - رضي الله عنه - القيام حال الخطبة كما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول وغيرها، وإنما فعل ذلك لعارض حيث كان يصيبه رعدة لكبر ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب يستقبل الإمام القوم. 1 / 221، وفي كتب أخر مطولا. (¬2) ينظر: فتح الباري 2 / 401. (¬3) هكذا استدل به السرخسي في المبسوط 2 / 26، والكاساني في بدائع الصنائع 1 / 263، وقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجمعة - باب الخطبة قائما 3 / 188، 189، الأثر رقم (5262) ، ورقم (5266) بأن ذلك حينما كبر وأصبح تصيبه رعدة بسبب ذلك.

سنه، ولم يثبت عنه أيضا أنه كان يخطب عند جلوسه في هذه الرعدة كما في بعض الآثار (¬1) . 2 - ما روي عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أنه كان يخطب وهو قاعد (¬2) . مناقشة هذا الدليل: نوقش بأن جلوسه كان لعذر، فقد روي عنه أنه خطب جالسا لما كثر شحم بطنه ولحمه (¬3) (¬4) . وقد أورد في فتح الباري وجه الاحتجاج بهذين الأثرين وأجاب عنه حيث قال: " وأما من احتجَّ بأنه لو كان شرطا ما صلى من أنكر ذلك مع القاعدة، فجوابه: أنه محمول على أن من صنع ذلك خشي الفتنة، أو أن الذي قعد قعد باجتهاد كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر، وقد أنكر ذلك ابن مسعود ثم إنه صلى خلفه فأتم معه، واعتذر بأن الخلاف شر " (¬5) . ¬

(¬1) تقدم تخريجها ص (80) . (¬2) تقدم تخريجه عن طاوس ص (80) . (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن الشعبي في كتاب الصلوات - باب من كان يخطب قائما 2 / 113. (¬4) ينظر: فتح الباري 2 / 401. (¬5) ينظر: المرجع السابق.

رابعا: من المعقول: 1 - أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة، فلم يكن من شرطه القيام، قياسا على الأذان، والإقامة (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قد ورد من الأدلة على القيام في الخطبة والمواظبة عليه، والإنكار على تركه كما تقدم في أدلة القول الأول ما لم يرد في الأذان والإقامة، فلا يصح القياس. 2 - أن الخطبة ذكر ليس من شرطه الاستقبال، فلم يجب له القيام، كالأذان (¬2) . ويناقش بما نوقش به ما قبله. أدلة أصحاب القول الثالث: الظاهر أنهم يستدلون على الوجوب بما استدل به أصحاب القول الأول. وأما الإجزاء عند عدم القيام مع عدم العذر فاستدلوا عليه بما يلي: - ¬

(¬1) ينظر رؤوس المسائل الخلافية للعكبري 1 / 329، والمبدع 2 / 162، وكشاف القناع 2 / 36. (¬2) ينظر: المغني 3 / 171.

1 - ما استدل به أصحاب القول السابق من أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة لأجلها، فلم يكن من صحته القيام كالأذان، والإقامة (¬1) . ويناقش بما تقدم مناقشته به. 2 - أن الغرض من القيام أن يشاهد الناس الخطيب ويتمك نوا من سماع الخطبة، فلم يؤثر الإخلال به، كالصعود على المنبر (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن الصعود على المنبر عندهم - أي المالكية - سنة وليس بواجب (¬3) بل هو سنة بالإجماع (¬4) كما سيأتي، فهم قاسوا أمرا واجبا على سنة، فلا يصح. الوجه الثاني: أنه قد جاء في القيام من الأدلة ما لم يأت في الصعود على المنبر، فلا يقاس عليه. ¬

(¬1) ينظر: الإشراف 1 / 133. (¬2) ينظر: المرجع السابق. (¬3) ينظر: مواهب الجليل 2 / 172. (¬4) نقله النووي في المجموع 4 / 527.

الترجيح: بعد استعراض الأقوال في المسألة وأدلتها والمناقشات الواردة عليها تبين أن الأدلة فعلية في الجملة، ولكنها دالة على المواظبة، ليس من النبي - صلى الله عليه وسلم - فحسب بل ومن خلفائه من بعده، حتى ورد الإنكار الشديد على من قعد، فالذي يظهر من ذلك - والله أعلم بالصواب - رجحان القول الأول القائل بأن قيام الخطيب حال الخطبة شرط مع القدرة عليه.

المبحث السادس الجهر بالخطبة

[المبحث السادس الجهر بالخطبة] المبحث السادس الجهر بالخطبة اختلف الفقهاء في اشتراط جهر الخطيب بالخطبة، وذلك على قولين: القول الأول: أنه يشترط جهر الخطيب بالخطبة بحيث يسمعه العدد المعتبر إن لم يكن مانع. وبهذا قال المالكية (¬1) وهو الصحيح عند الشافعية (¬2) . وبه قال الحنابلة (¬3) . القول الثاني: أنه لا يشترط الجهر بالخطبة، فلو خطب سرا أجزأ. وبهذا قال الحنفية (¬4) والشافعية في وجه عندهم (¬5) ¬

(¬1) ينظر: مواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 172، والفواكه الدواني 1 / 306، بلغة السالك والشرح الصغير بهامشه 1 / 178. (¬2) ينظر: الوجيز 1 / 64، وحلية العلماء 2 / 279، وروضة الطالبين 2 / 27، والمجموع 4 / 523، ومغني المحتاج 1 / 387. (¬3) ينظر: شرح الزركشي 2 / 180، الفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 390، وكشاف القناع 2 / 33. (¬4) ينظر: الفتاوى الهندية 1 / 146، ومراقي الفلاح ص (103) . (¬5) ينظر: روضة الطالبن 2 / 27، والمجموع 4 / 523.

لكن قال عنه النووي: " وهو غلط " (¬1) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة، والمعقول. أولا: من الكتاب: 1 - قول الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] الآية (¬2) . وجه الدلالة: أن الله - تعالى - أمر بالسعي إلى ذكره، ويدخل في ذكره الخطبة كما تقدم، وإنما أمرهم ليستمعوا ويتعظوا ويتذكروا، وهذا لا يحصل إلا مع الجهر بها، فدل على أن الجهر مأمور به، فهو واجب على الخطيب. 2 - قول الله - تعالى -: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] الآية (¬3) . وجه الدلالة: أن الله - تعالى - أنَّبَهُمْ على ترك الخطبة ¬

(¬1) ينظر المرجعان السابقان. (¬2) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (9) . (¬3) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (11) .

والانفضاض للتجارة، فدل على وجوب الاستماع للخطبة لمن حضرها وعدم الانصراف لغير عذر، فاقتضى ذلك ضمنا الأمر بالجهر بها، والأصل في الأمر الوجوب. ثانيا: من السنة: ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة أنصتْ والإمام يخطب فقد لغوت» (¬1) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالإنصات للخطبة، وحرم السلام حالها، وهذا لا يكون له فائدة إلا إذا كان الإمام يجهر بها، فاقتضى ذلك وجوب الجهر بالخطبة. ثالثا: من المعقول: أن المقصود من الخطبة وعظ الناس وتذكيرهم، وهذا لا يحصل إلا مع الجهر بها، فدل ذلك على اشتراطه (¬2) . ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب. 1 / 224، ومسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة 2 / 583، الحديث رقم (851) . (¬2) ينظر: مغني المحتاج 1 / 387، وكشاف القناع 2 / 33.

دليل أصحاب القول الثاني: لم أطلع على دليلٍ لهم، ولكن لعلهم يستدلون بأن الوارد مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وإنما على الاستحباب. ولكن يناقش هذا بأنه وإن كان مجرد فعل إلا أنه لا يتحقق المقصود من الخطبة بدونه مطلقا، وهو الوعظ والتذكير، فيكون وجوبه مستمدًا من أصل وجوب الخطبة ذاتها، والله أعلم. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بأن الجهر بالخطبة شرط لصحتها؛ لقوة ما استدلوا به، ولأن الخطبة واجبة وشرط لصحة الجمعة كما تقدم، والجهر وسيلة لأدائها وتحقيق المقصود منها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

المبحث لسابع كونها باللغة العربية

[المبحث لسابع كونها باللغة العربية] المبحث السابع كونها باللغة العربية اتفق الفقهاء كما هو واضح من كلامهم الآتي على أن الأولى أن تكون الخطبة باللغة العربية، ولكنهم اختلفوا في اشتراط ذلك باستثناء قراءة القرآن فيها عند من يقول بأنها ركن كما سيأتي، وهذا الخلاف على ثلاثة أقوال: القول الأول: يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها، إلا إذا كان السامعون جميعا لا يعرفون العربية فإنه يخطب بلغتهم. وهذا الوجه الصحيح عند الشافعية (¬1) وبه قال بعض الحنابلة (¬2) . القول الثاني: يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها ولو كان السامعون لا يعرفون العربية. وبهذا قال المالكية (¬3) وهو المذهب والمشهور عند ¬

(¬1) ينظر: حلية العلماء 2 / 279، والمجموع 4 / 521 - 522، وروضة الطالبين 2 / 26، 30، مغني المحتاج 1 / 286 لكنهم قيدوا الجواز إذا كان السامعون لا يعرفون العربية بمدة التعلم، أي حتى يتعلموا اللغة العربية. (¬2) ينظر: الفروع 2 / 113، 117. (¬3) ينظر: الفواكه الدواني 1 / 306، بلغة السالك والشرح الصغير بهامشه 1 / 178.

الحنابلة (¬1) . القول الثالث: يستحب أن تكون بالعربية. وهذا هو الظاهر من إطلاق الحنفية لجواز الخطبة بغير العربية (¬2) وهو وجه عند الشافعية (¬3) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على عدم الجواز مع القدرة على العربية بما يلي: القياس على قراءة القرآن، فكما أنها لا تجزئ بغير العربية، فكذلك خطبة الجمعة (¬4) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بما نقله في الفروع عن القاضي (¬5) وهو قوله: " إن لفظ القرآن دليل النبوة وعلامة الرسالة ¬

(¬1) ينظر: الفروع 2 / 113، والإنصاف 2 / 390، والمبدع 2 / 159، وكشاف القناع 2 / 34. (¬2) ينظر: مراقي الفلاح ص (102) . (¬3) ينظر: المجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 2 / 26. (¬4) ينظر: الفروع 2 / 113، والمبدع 2 / 159، وكشاف القناع 2 / 34. (¬5) المقصود به عند الإطلاق إلى أثناء المائة الثامنة كما هنا حسب ما ذكره ابن بدران في المدخل ص (204) محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الحنبلي، البغدادي، المعروف بأبي يعلى، شيخ الحنابلة وإمامهم في عصره، تفقه على ابن حامد وغيره، وصنف مصنفات منها: العدة في أصول الفقه، والأحكام السلطانية، وتوفي سنة 447 هـ. (ينظر: طبقات الحنابلة 2 / 193، والمنهج الأحمد 2 / 105) .

ولا يحصل بالعجمية، والخطبة المقصود بها الوعظ والتذكير وحمد الله والصلاة على رسوله، ولأن القرآن الاعتبار فيه باللفظ والنظم دون المعنى، والخطبة يجزئ فيها المعنى " (¬1) . ثانيا: واستدلوا على الجواز مع عدم القدرة على العربية بما يلي: أن المقصود بالخطبة الوعظ والتذكير، وذلك يحصل بغير العربية (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه إذا كان هذا هو المقصود فإنها تجوز مع القدرة إذا كان المستمعون لا يعرفون العربية، فيكون الدليل حجة عليهم. أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، والآثار، والمعقول. ¬

(¬1) الفروع 2 / 113. (¬2) ينظر: كشاف القناع 2 / 34.

أولا: من السنة: ما رواه مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬1) (¬2) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصلاة كما صلى، وقد كان يخطب باللغة العربية، فيجب أن نفعل كما فعل. مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن الخطبة ليست من الصلاة، كما أن الاستدلال بهذا الحديث على الوجوب محل نظر كما تقدم أكثر من مرة. ثانيا: من الآثار: أن السلف والخلف كانوا يخطبون بالعربية، فيجب اتباعهم في ذلك (¬3) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (32) . (¬2) استدل به النووي في المجموع 4 / 522. (¬3) ينظر: مغني المحتاج 1 / 286.

ثالثا: من المعقول: أن الخطبة ذكر مفروض، فشرط فيه العربية، كالتشهد، وتكبيرة الإحرام (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بالفرق بين الخطبة وبين التشهد وتكبيرة الإحرام، حيث لم ترد الخطبة بلفظ مخصوص، بل المقصود حصول الوعظ بأي لفظ كان، بخلاف التشهد وتكبيرة الإحرام، والله أعلم. دليل أصحاب القول الثالث: أن المقصود هو الوعظ، وهو حاصل بكل اللغات (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن حصوله باللغة العربية أبلغ وأكثر فائدة وتأثيرا، ولذلك اختارها الله - تعالى - لكتابه وشرعه، وهي التي كان يخطب بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه والمسلمون من بعدهم، فهي المتعينة، والله أعلم. الترجيح: الذي يظهر في هذه المسألة بعد التأمل في الأقوال وأدلتها - والله أعلم بالصواب - هو رجحان القول باشتراط أن تكون خطبة ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 521 - 522، ومغني المحتاج 1 / 286. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 522.

الجمعة باللغة العربية، لكن إن كان جميع الحاضرين لا يعرفونها، فإن للإمام بعد أن يأتي بها باللغة العربية أن يأتي بها بلغتهم، لما استدل به أصحاب القولين الأول والثاني من الأدلة، ولأن في ذلك خروجا من الخلاف وتحقيقا للمقصود، وهذا ما أفتى به سماحة الشيخ محمد (¬1) بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - (¬2) واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة (¬3) واختار فضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - القول الأول (¬4) . ¬

(¬1) هو سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مفتي المملكة العربية السعودية في وقته، ولد في الرياض عام 1311هـ، وتعلم فيها، وفقد بصره وهو صغير فتابع الدراسة وحفظ كتاب الله ومتون العلم، ثم تصدر للإفتاء وعين مفتيا للملكة، ثم رئيسا للجامعة الإسلامية، وللمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ولتعليم البنات، أملى من تأليفه عددا من الكتب منها: تحكيم القوانين، والجواب المستقيم، وتوفي في الرياض عام 1389 هـ. (ينظر: مشاهير علماء نجد ص (169 - 184) ، والأعلام (5 / 306) . (¬2) فتاوى ورسائل سماحته 3 / 19. (¬3) مجلة البحوث الإسلامية، العدد (15) ، ص (84) . (¬4) ينظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع 5 / 78.

المبحث الثامن الموالاة في الخطبة

[المبحث الثامن الموالاة في الخطبة] [تمهيد] المبحث الثامن الموالاة في الخطبة وفيه تمهيد، ومطلبان: التمهيد: في معنى الموالاة، وضابطها هنا. المطلب الأول: الموالاة بين أجزاء الخطبة. المطلب الثاني: الموالاة بين الخطبة والصلاة. التمهيد معنى الموالاة وضابطها هنا معنى الموالاة: المتابعة بين أجزاء الشيء. قال في اللسان: " والى بين الأمر موالاة وولاء: تابع، وتوالى الشيء: تتابع، والموالاة: المتابعة، وافعل هذه الأشياء على الولاء: أي متتابعة. . . . " (¬1) . وقال في مختار الصحاح: " يقال: والى بينهما ولاء بالكسر أي تابع، وافعل هذه الأشياء على الولاء، أو متتابعة، وتوالى عليهم شهران، تتابع " (¬2) . ¬

(¬1) لسان العرب، مادة " ولي " 15 / 412. (¬2) مختار الصحاح، مادة " ولي " ص (306) .

المطلب الأول الموالاة بين أجزاء الخطبة

وقال في المصباح: " والاه موالاة وولاء من باب قاتل: تابعه، وتوالت الأخبار: تتابعت " (¬1) فبناء على ذلك يكون معنى موالاة الخطبة المتابعة بين أجزائها بدون فاصل طويل. وأما ضابطها هنا فهو عدم الفصل الطويل عادة، قال في المغني: " والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة " (¬2) . [المطلب الأول الموالاة بين أجزاء الخطبة] المطلب الأول الموالاة بين أجزاء الخطبة اختلف الفقهاء في اشتراط الموالاة بين أجزاء الخطبة على قولين: القول الأول: أنها شرط، فإن حصل فصل طويل عادة وجب الاستئناف. وبهذا قال المالكية (¬3) وهو القول الصحيح عند الشافعية (¬4) ¬

(¬1) المصباح المنير، مادة " ولي " 2 / 672. (¬2) المغني 3 / 181. (¬3) ينظر مواهب الجليل 2 / 166، والفواكه الدواني 1 / 307. (¬4) ينظر الوجيز 1 / 62، والمجموع 4 / 507، وروضة الطالبين 2 / 8، ومغني المحتاج 1 / 288.

والقول الصحيح عند الحنابلة (¬1) . القول الثاني: أنها ليست شرطا، فلا يجب الاستئناف ولو طال الفصل. وهذا قول للشافعية (¬2) وقول للحنابلة (¬3) . الأدلة: دليل أصحاب القول الأول: أن المقصود من الخطبة الوعظ والتذكير واستمالة القلوب، ومع عدم الموالاة لا يتحقق ذلك على الوجه المطلوب لانفصال بعض الكلام عن بعض (¬4) . دليل أصحاب القول الثاني: أن الغرض من الخطبة الوعظ والتذكير، وهذا يحصل مع تفريق الكلمات (¬5) . ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 181، وشرح الزركشي 2 / 180، والفروع 2 / 112، والنكت بهامش المحرر 1 / 146، والمبدع 2 / 159، والإنصاف 9 / 38. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 507، وروضة الطالبين 2 / 8، ومغني المحتاج 1 / 288. (¬3) ينظر: الإنصاف 9 / 38. (¬4) ينظر: مغني المحتاج 1 / 288. (¬5) المرجع السابق.

مناقشة هذا الدليل: يناقش بعدم التسليم بحصول ذلك لكل الحاضرين وعلى الوجه المطلوب كما تقدم في دليل أصحاب القول الأول. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل باشتراط الموالاة بين أجزاء الخطبة لما يلي: 1 - قوة دليله العقلي، وضعف دليل القول الثاني. 2 - أن الخطبة شيء واحد، والشيء الواحد يجب الترابط بين أجزائه كالوضوء، والصلاة، ونحوهما. 3 - أن عدم الموالاة قد يؤدي إلى تعدد الخطب في الجمعة أكثر مما ورد وخاصة إذا تعددت موضوعات الخطبة، وتقدم أن المشروع فيها خطبتان. 4 - أن عدم الموالاة يؤدي إلى السآمة والملل من قبل السامعين.

المطلب الثاني الموالاة بين الخطبة والصلاة

[المطلب الثاني الموالاة بين الخطبة والصلاة] المطلب الثاني الموالاة بين الخطبة والصلاة اختلف الفقهاء في اشتراط الموالاة بين خطبة الجمعة وصلاتها، وذلك على قولين: القول الأول: أنها شرط، فإن حصل فصل طويل وجب استئناف الخطبة. وبهذا قال المالكية (¬1) وهو القول الجديد للإمام الشافعي، والصحيح عند أصحابه (¬2) . وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة (¬3) . القول الثاني: أنها ليست شرطا، فلا يجب استئناف الخطبة ولو طال الفصل. وهو القول القديم للإمام الشافعي (¬4) وقول الحنابلة (¬5) . ¬

(¬1) ينظر: مواهب الجليل 2 / 166، والفواكه الدواني 1 / 307. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 507، وروضة الطالبين 2 / 8، ومغني المحتاج 1 / 288. (¬3) ينظر: المغني 3 / 181، وشرح الزركشي 2 / 180، والفروع 2 / 112، والإنصاف 2 / 389، والمبدع 2 / 159، وكشاف القناع 2 / 33. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 507، وروضة الطالبين 2 / 8، ومغني المحتاج 1 / 288. (¬5) ينظر: الإنصاف 2 / 389.

الأدلة: دليل أصحاب القول الأول: أن الخطبة والصلاة في الجمعة شبيهتان بصلاة الجمع، فلم يجر التفريق بينهما (¬1) . أما أصحاب القول الثاني فلم أطلع على دليل لهم فيما بين يدي من كتبهم. الترجيح: الراجح في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل باشتراط الموالاة بين خطبة الجمعة وصلاتها، لما استدلوا به، ولأن الخطبة للجمعة فهي تسمى " خطبة الجمعة "، وهذا يتطلب اتصالها بالصلاة وإلا لم تكن لها. ¬

(¬1) ينظر: الفواكه الدواني 1 / 307، ومغني المحتاج 1 / 288.

الفصل الثالث أركان خطبة الجمعة

[الفصل الثالث أركان خطبة الجمعة] [التهميد] الفصل الثالث أركان خطبة الجمعة (¬1) وفيه تمهيد، وستة مباحث: التمهيد: وفيه خلاف الفقهاء في وجوب توفر أركان في الخطبة إجمالا. المبحث الأول: حمد الله - تعالى -. المبحث الثاني: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. المبحث الثالث: الموعظة. المبحث الرابع: قراءة شيء من القرآن. المبحث الخامس: حكم ترتيب هذه الأركان عند من قال بها. المبحث السادس: الإتيان بهذه الأركان في كل خطبة من الخطبتين عند من قال بها. ¬

(¬1) هذه الأمور اختلف من قال بلزوم الإتيان بها وعدم صحة الخطبة بدونها في تسميتها فبعضهم يسميها أركانا، ومنهم: الغزالي في الوجيز 1 / 63، والنووي في روضة الطالبين 2 / 24، وفي المنهاج، والشربيني في شرحه مغني المحتاج 1 / 285، والزركشي في شرح الخرقي 2 / 178، ومنهم من يسميها شروطا، ومنهم: أبو الخطاب في الهداية 1 / 52، وابن قدامة في المغني 3 / 173، والمرداوي في الإنصاف 2 / 387، ومنهم من يسميها فروضا، ومنهم: النووي في المجموع 4 / 519، والمؤدى واحد، ولكني غلبت تسميتها أركانا تبعا لمن سماها، ولأن إطلاق الركن عند الفقهاء ينطبق عليها.

التمهيد خلاف الفقهاء في وجوب توفر أركان في خطبة الجمعة إجمالا من المناسب قبل الكلام على ما ذكره بعض الفقهاء من أركان لخطبة الجمعة بالتفصيل التمهيد له بذكر الخلاف في مبدأ إيجاب توفر أركان لها وما تحصل به؛ لأن ما بعده من تفصيل القول في كل ركن على حدة ينبني عليه، وهذا الخلاف على ثلاثة أقوال: القول الأول: ليس لها أركان، بل تحصل بما يقع عليه اسم الخطبة عرفا. وبهذا قال أبو يوسف (¬1) ومحمد بن الحسن (¬2) صاحبا أبي ¬

(¬1) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، لزم أبا حنيفة، وغلب عليه الرأي، وكان له فضل كبير في نشر المذهب الحنفي، وولي قضاء بغداد، وهو أول من صنف في مذهب الحنفية، ومن مصنفاته: الخراج، والأمالي، وتوفي سنة 182 هـ. (ينظر: تذكرة الحفاظ 1 / 292، وشذرات الذهب 1 / 298) . (¬2) هو محمد بن الحسن بن فرقد، الشيباني بالولاء، نشأ بالكوفة ولزم أبا حنيفة وأخذ عنه، ونشر مذهبه، وولاه الرشيد قضاء بغداد بعد أبي يوسف، وصنف مصنفات منها: الجامع الكبير، والصغير والمبسوط، وتوفي سنة 189 هـ. (ينظر: سير أعلام النبلاء 9 / 134، والفوائد البهية ص (163) .

حنيفة (¬1) والإمام مالك في رواية عنه، وهو المشهور من مذهب أصحابه (¬2) . وهو الظاهر من قول شيخ الإسلام ابن تيمية - عليه رحمة الله - حيث جاء في الاختيارات: " ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت، بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود " (¬3) . واختاره الشيخ السعدي (¬4) - رحمه الله - حيث قال في معرض كلامه على الخطبتين: " والصواب أنه إذا خطب خطبة يحصل بها المقصود والموعظة أن ذلك كاف وإن لم يلتزم بتلك المذكورات، ¬

(¬1) ينظر المبسوط 2 / 30، وبدائع الصنائع 1 / 262، والهداية للمرغيناني 1 / 83، وتبيين الحقائق 2 / 220. (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 131، بداية المجتهد 1 / 161، والكافي لابن عبد البر 1 / 251، والقوانين الفقهية ص (86) ، والفواكه الدواني 1 / 306. (¬3) الاختيارات ص (79) . (¬4) هو عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي، الناصري، التميمي، علامة القصيم في زمانه، كان حافظا ذكيا حريصا على طلب العلم منذ الصغر، أخذ الحديث عن إبراهيم الجاسر، والفقه والنحو عن محمد الشبل، ومختلف العلوم عن صالح بن عثمان القاضي، فصار علامة زمانه، وألف مؤلفات جليلة منها: تفسير الكريم المنان، والإرشاد إلى معرفة الأحكام، وتوفي سنة 1376 هـ. (ينظر: النعت الأكمل ص (428) ، ومشاهير علماء نجد ص (392) .

نعم من كمال الخطبة الثناء على الله وعلى رسوله. . . " (¬1) . وقال عندما سئل عن اشتراط الأركان الأربعة في كل من الخطبتين: " اشتراط الفقهاء والأركان الأربعة في كل من الخطبتين فيه نظر، وإذا أتى في كل خطبة بما يحصل به المقصود من الخطبة الواعظة الملينة للقلوب فقد أتى بالخطبة، ولكن لا شك أن حمد الله، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقراءة شيء من القرآن من مكملات الخطبة، وهي زينة لها " (¬2) . وبه قال ابن حزم (¬3) . القول الثاني: لا تحصل إلا بتوفر أركان فيها منها: حمد الله، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقراءة آية، والوصية بتقوى الله. وبهذا قال الشافعية في المشهور من مذهبهم (¬4) وهو ¬

(¬1) المختارات الجلية ص (70) . (¬2) الفتاوى السعدية ص (193) . (¬3) ينظر المحلى 5 / 57. (¬4) ينظر الوجيز 1 / 63، وحلية العلماء 2 / 277، والمجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 2 / 24، ومغني المحتاج 1 / 285.

المذهب عند الحنابلة (¬1) . ولهم أقوال أخرى وتفصيلات سيأتي الكلام عليها عند ذكر كل ركن على حدة - إن شاء الله تعالى -. القول الثالث: ليس لها أركان، بل تحتمل بذكر الله - تعالى - على قصد الخطبة، قل الذكر أو كثر، حتى لو سبح أو هلل أو حمد الله - تعالى - أجزأ. وبهذا قال الإمام أبو حنيفة (¬2) . والإمام مالك في رواية عنه (¬3) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول. أولا: من السنة: ما رواه مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - أن رسول الله ¬

(¬1) ينظر: الهداية لأبي خطاب 1 / 52، والفروع 2 / 109، والمحرر 1 / 146، والمغني 3 / 173، وشرح الزركشي 2 / 175، والإنصاف 2 / 387 - 388. (¬2) ينظر: المبسوط 2 / 30، وبدائع الصنائع 1 / 262، والهداية للمرغيناني 1 / 83، وتبيين الحقائق 1 / 220. (¬3) ينظر: الإشراف 1 / 131.

- صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬1) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن نصلي كما صلى، ويدخل في ذلك الخطبة للجمعة، ولم يكن يقتصر فيها على تسبيحة أو تسبيحتين (¬2) . ثانيا: من المعقول: 1 - أنه إذا وجب اسم الخطبة وجب الرجوع إلى العادة والعرف، والعرب تفرق بين الخطبة وغيرها، ولا تسمي من قال: سبحان الله، ولا إله إلا الله، وإن كرر خاطبا (¬3) . مناقشة هذين الدليلين: أن المتأمل فيهما يتضح له أنهما عبارة عن رد على القول الثالث، وهو قول الإمام أبي حنيفة، وليس فيهما دلالة واضحة على القول الأول، والله أعلم. ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (32) . (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 132. (¬3) ينظر: المرجع السابق، والمبسوط 2 / 30، والهداية للمرغيناني 1 / 83، وتبيين الحقائق 1 / 220، وشرح النووي على صحيح مسلم 6 / 150، ورؤوس المسائل الخلافية للعكبري 1 / 331.

2 - أن المشروط هو الخطبة، والخطبة في المتعارف اسم لما يشتمل على تحميد الله، والثناء عليه، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والدعاء للمسلمين، والوعظ والتذكير لهم، فينصرف المطلق إلى المتعارف (¬1) . أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة. أولا: من الكتاب: قول الله - تعالى -: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (¬2) . وجه الدلالة: أن الله أمر بالسعي إلى ذكره وهو الخطبة، وقد فسره بفعله كما سيأتي، فيجب الرجوع إلى تفسيره (¬3) . ثانيا: من السنة: 1 - ما رواه جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: «كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قصدا، وخطبته قصدا، يقرأ آيات من القرآن، ويُذكّر الناس» (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 262. (¬2) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (9) . (¬3) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 262، والمغني 3 / 175. (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة - الحديث رقم (866) .

2 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس، يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله» (¬1) . وغيرهما من الأحاديث الواردة في هذا المعنى. مناقشة هذه الأدلة: تناقش من ثلاثة وجوه: الأول: أن هذا مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، بل على الاستحباب على القول الراجح (¬2) ولم يرد ما ¬

(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه في الكتاب والباب السابقين 2 / 593، الحديث رقم (867) . (¬2) ينظر في هذه المسألة: المحصول للرازي 3 / 346 وما بعدها، والإحكام للآمدي 1 / 173 - 185، ورجح الاستحباب، والتمهيد لأبي الخطاب 2 / 317 - 329، وشرح الكوكب المنير 2 / 187 - 188، وشرح العضد لابن الحاجب 2 / 23، ورجح الاستحباب، وإرشاد الفحول لشوكاني ص (36 - 38) ، ورجح الاستحباب أيضا، وفصل الكلام في المسألة ورجح الندب الأشقر في كتابه أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالتها على الأحكام الشرعية 2 / 323 - 381.

يؤيد حمله على الوجوب. الثاني: أن الاستدلال بهذه الأدلة على الركنية قد يتحقق لو كان هناك تصريح بمداومته - صلى الله عليه وسلم - على الإتيان بهذه الأمور في جميع خطبه، ولكن ذلك لم يكن هنا؛ لأن عبارة: " كان. . . " لا تدل على الدوام على أصح القولين، وإنما تدل على التكرار والعادة الماضية، فلا تصلح دليلا على وجوب الفعل حتى عند من يقول: إن المواظبة دليل الوجوب، فلو قال قائل: " كان زيد يقري الضيف " فإنه يدل على أن عادته وغالب أحواله، لا أنه لا يتخلف عن ذلك البتة (¬1) . الثالث: أن من أهل العلم من يقول: إن المداومة - على تقدير ثبوتها هنا - لا تدل على الوجوب (¬2) وهو الأظهر. أدلة أصحاب القول الثالث: استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة - رضي الله عنهم -: ¬

(¬1) ينظر أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالتها على الأحكام الشرعية 2 / 507 - 510. (¬2) ينظر المرجع السابق 2 / 477، 510.

أولا: من الكتاب: قول الله - تعالى -: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] (¬1) . وجه الدلالة: أن الواجب في الآية هو ذكر الله، وذكر الله - تعالى - معلوم لا جهالة فيه، فلم يكن مجملا، لأنه تطاوع العمل من غير بيان يقترن به، فتقييده بذكر طويل لا يجوز إلا بدليل (¬2) . مناقشة هذا الوجه: يناقش بأنه لا إشكال في معرفة ذكر الله - تعالى - عموما، ولكنه غير محدد المقدار، فيرجع إلى ما يناسب مقصود الشارع من الخطبة وما يسمى خطبة عرفا، لأن ما لم يرد تحديده في الشرع يرجع فيه إلى العرف، والله أعلم. ثانيا: من السنة: 1 - ما رواه البراء (¬3) بن عازب - رضي الله عنه - قال: «جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا ¬

(¬1) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (9) . (¬2) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 262، وذكر معناه في المبسوط 2 / 31. (¬3) هو البراء ين عازب بن الحارث الأنصاري، الأوسي، الحارثي، يكنى بأبي عمارة، رده النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر لصغره، وأول مشاهده أحد، وقيل: الخندق، وشهد ما بعدها، وشهد الجمل وصفين والنهروان مع علي؛ وتوفي أيام مصعب بن الزبير. (ينظر: أسد الغابة 1 / 171، والاستيعاب 1 / 155) .

رسول الله، علمني عملا يدخلني الجنة، فقال: لئن أقصرت الخطبة لقد أعرضت (¬1) المسألة» الحديث (¬2) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى كلام الأعرابي خطبه مع قلته، فدل على أن اسم الخطبة يقع على ذلك وأمثاله، وليس على الكلام الطويل فقط (¬3) فتصح به الجمعة. مناقشة هذا الدليل: نوقش بأن تسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - لكلام الأعرابي هذا خطبة أسلوب من أساليب العرب غير الخطبة الشرعية المعروفة؛ لأن السؤال لا يسمى خطبة شرعا، ولذلك لو ألقى مسألة على الحاضرين لم يكف ذلك بالاتفاق (¬4) . 2 - ما رواه عدي (¬5) بن حاتم - رضي الله عنه - «أن رجلا خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (من يطع الله ¬

(¬1) قال الليث: أعرضت الشيء: جعلته عريضا. ومعنى الحديث: جئت بالخطبة قصيرة، وبالمسألة واسعة كبيرة. (ينظر: اللسان، مادة " عرض " 7 / 166) . (¬2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4 / 299. (¬3) ينظر: المغني 3 / 175. (¬4) ينظر المرجع السابق. (¬5) هو عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي، ولد الجواد المشهور، يكنى بأبي طريف، صحابي شهير، أسلم سنة 9، وقيل 10 هـ وكان نصرانيا، وكان ممن ثبت في الردة، وحضر فتوح العراق وحروب علي، ومات سنة 80، وقيل: 86 هـ. (ينظر: الإصابة 4 / 288، أسد الغابة 3 / 392) .

ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله) » (¬1) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه خطيبا بهذا القدر القليل من الكلام، فدل على أن خطبة الجمعة تحصل بمثل ذلك (¬2) . مناقشة هذا الدليل: نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن الصحيح من أقوال أهل العلم كما ذكر النووي أن إنكار النبي - صلى الله عليه وسلم- على الرجل كان بسبب اختصاره حيث قال: " والصواب أن سبب النهي أن الخطبة شأنها البسط والإيضاح، واجتناب الإشارات والرموز " (¬3) وقد ساق - أي النووي - الأدلة على أن الإنكار ليس لأجل التشريك في الضمير، وبهذا يكون الحديث دليلا عليهم لا لهم. ¬

(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 594، الحديث رقم (870) . (¬2) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263. (¬3) شرح صحيح مسلم 6 / 159 - 160.

الوجه الثاني: أنه ليس في الحديث ما يدل على أن الرجل اقتصر على هذا القدر، فيحتمل أن هذا مطلع خطبته، وأن الراوي ذكر منها ما أنكره النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، والله أعلم. 3 - ما ورد من الأحاديث في الحث على تقصير الخطبة، ومن أبرزها ما روي عن عمار (¬1) - رضي الله عنه - أنه خطب فأوجز، فقيل له: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست (¬2) فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة (¬3) من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرا» (¬4) . ¬

(¬1) عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي، يكنى بأبي اليقظان، مولى بني مخزوم، صحابي جليل، من السابقين الأولين، شهد المشاهد كلها واليمامة، واستعمله عمر على الكوفة، وقتل مع علي بصفين سنة 37 هـ. (ينظر: الإصابة 4 / 273، وطبقات ابن سعد 3 / 246) . (¬2) قال النووي: أي أطلت كثيرا. (¬3) قال ابن الأثير: أي إن ذلك ما يعرف به فقه الرجل، وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له، (ينظر النهاية، مادة " مأن " 4 / 290) . (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 594، الحديث رقم (869) .

وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ندب في هذا الحديث تقصير الخطبة، وقول: (الحمد لله) مثلا كلمة وجيزة تحتها معان جمة تشتمل على قدر الخطبة وزيادة، والمتكلم بقوله: (الحمد لله) كالذاكر لذلك كله، فيكون ذلك خطبة لكنها وجيزة، ويتحقق بها ما ندب إليه من التقصير (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن تقصير الخطبة المندوب إليه بهذا الحديث وأمثاله ليس إلى هذا الحد بالاقتصار على (الحمد لله) مثلا، فإن هذا لا يسمى خطبة لا شرعا ولا لغة ولا عرفا، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في خطبته آيات من القرآن، ويُذكّر الناس، ويحمد الله ويثني عليه، إلى غير ذلك في خطبته كما تقدم في حديثي جابر بن سمرة وجابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - (¬2) ولكنه لا يطيل إطالة مملة، ولا يمكن أن يندب إلى شيء ويخالفه بفعله، والله أعلم. الوجه الثاني: على تقدير التسليم بأن قول (الحمد لله) ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 31. (¬2) تقدم تخريجهما ص (113 - 114) .

يسمى خطبة بناء على ما يتضمنه من المعاني، فإن ذلك مما نهى عنه الشارع لاختصاره الشديد كما ذكر النووي في الوجه الأول من مناقشة الدليل السابق. ثالثا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: 1 - ما روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن لما استخلف خطب في أول جمعة، فلما قال: " الحمد لله "، أرتج عليه، فقال: " أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال، وإن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المكان مقالا، وستأتيكم الخطب من بعد، وأستغفر الله لي ولكم "، ونزل وصلى بهم الجمعة (¬1) . وجه الدلالة: أن عثمان - رضي الله عنه - قد اقتصر على هذا الذكر القليل في خطبة الجمعة، وكان ذلك بمحضر من المهاجرين والأنصار، وصلوا خلفه، وما أنكروا عليه صنيعه مع أنهم كانوا موصوفين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان هذا إجماعا من الصحابة - رضي الله عنهم - على أن الشرط هو ¬

(¬1) لم أطلع على هذا الأثر فيما بين يدي من كتب الآثار، وإنما أورده بعض الفقهاء في كتبهم مستدلا به، ومنهم: الكاساني في بدائع الصنائع 1 / 262، والسرخسي في المبسوط 2 / 30 - 31، والزيلعي في تبيين الحقائق 1 / 220، والحطاب في مواهب الجليل 2 / 165 وغيرهم، ولم يعزوه لأحد.

مطلق ذكر الله - تعالى -، ومطلق ذكر الله - تعالى - مما ينطلق عليه اسم الخطبة لغة، وإن كان لا ينطلق عليه عرفا (¬1) . مناقشة هذا الدليل: تكلم ابن العربي بكلام جيد جدا في مناقشة هذا الأثر، وأنه كذب حيث قال: " وحكى المؤرخون عن عثمان كذبة عظيمة: أنه صعد المنبر فأرتج منه، فقال كلاما منه: وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال، فيالله والعقول إن قلنا اليوم لا يرتج عليه، فكيف عثمان! لا سيما وأقوى أسباب الحصر في الخطبة أنه لا يدري ما يرمي السامعين ويميل قلوبهم؛ لأنه يقصد الظهور عندهم، ومن كان خطبته لله فليس يحصر عن حمد وصلاة وحض على خير، وتحذير من شر، أي شيء كان، ولم يخلق من تحصير إلا من كان له غرض غير الحق، فربما أعانه عليه بالفصاحة فتنة، وربما خلق له العي تعجيزا " (¬2) . 2 - ما روي عن الحجاج (¬3) أنه لما أتى العراق صعد المنبر ¬

(¬1) بدائع الصنائع 1 / 262. (¬2) ينظر: عارضة الأحوذي 2 / 296، ونقله عن الحطاب في مواهب الجليل 2 / 165. (¬3) هو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي، الأمير الأموي الشهير، ولي إمرة العراق لعبد الملك بن مروان عشرين سنة، وقاتل عبد الله بن الزبير في الحجاز، وبنى مدينة واسط، وكان قائدا داهية، وخطيبا فصيحا، ومات سنة 95 هـ. (ينظر: سير أعلام النبلاء 4 / 343، وتهذيب التهذيب 2 / 210) .

فقال: " الحمد لله "، فأرتج عليه، فقال: " يا أيها الناس قد هالني كثرة رؤوسكم، وإحداقكم إلي بأعينكم، وإني لا أجمع عليكم بين الشح والعي، إن لي نعما في بني فلان فإذا قضيتم الصلاة فانتهبوها "، ونزل وصلى معه من بقي من الصحابة كابن عمر، وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - (¬1) . وجه الدلالة: أن ابن عمر وأنسا - رضي الله عنهم - صليا مع الحجاج مع اقتصاره في خطبته على هذا الكلام القليل، ولو كان غير مجزئ لأنكرا عليه ولم يصليا معه، لعدم الخطبة المجزئة. مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه على تقدير ثبوته فإنه تقرير صحابة، وهو مختلف بالاحتجاج به، لا سيما وقد خالف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم، حيث كان يخطب بأكثر من ذلك، ويذكر الناس، كما خالف العرف. الترجيح: عند ال تأمل في الأقوال والأدلة في هذه المسألة يتضح أن الأظهر من الأقوال فيها - والله أعلم بالصواب - هو القول بأنه ليس لخطبة الجمعة أركان معينة بعينها غير تحصيل مقصودها وهو ¬

(¬1) لم أطلع على هذا الأثر فيما بين يدي من كتب الآثار، وقد ذكره مستدلا به السرخسي في المبسوط 2 / 31.

الوعظ والتذكير، فتحصل بما يطلق عليه خطبة في العرف؛ لأن المأمور به هو ذكر الله وتذكير الناس، ولم يرد تحديده في الشرع، وأما ما ذكره أصحاب القول الثاني فهو مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، كما أن القول بالركنية يقتضي بطلان الخطبة التي لا تشتمل على الأركان أو أحدها، وبالتالي بطلان صلاة الجمعة بأكملها، لأن الخطبة شرط لها كما تقدم في أول البحث، والقول بالبطلان دون دليل صريح وواضح الدلالة فيه صعوبة بالغة.

المبحث الأول حمد الله تعالى

[المبحث الأول حمد الله تعالى] المبحث الأول حمد الله - تعالى - اختلف الفقهاء في حمد الله - تعالى - في خطبة الجمعة هل هو ركن، أو لا؟ وذلك على قولين: القول الأول: أنه سنة. وبهذا قال الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) وهو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن سعدي كما تقدم (¬3) . وبه قال ابن حزم (¬4) . القول الثاني: أنه ركن، فلا تصح الخطبة إلا به. وبهذا قال الشافعية (¬5) والحنابلة (¬6) قال في الإنصاف: ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263، والفتاوى الهندية 1 / 146، ومراقي الفلاح ص (103) . (¬2) ينظر: المدونة 1 / 156، والإشراف 1 / 132، والفواكه الدواني 1 / 306. (¬3) ص (109) . (¬4) ينظر: المحلى 5 / 57. (¬5) ينظر: الحاوي 3 / 57، والوجيز 1 / 63، وحلية العلماء 2 / 277، والمجموع 4 / 519، وروضة الطالبين 2 / 24، ومغني المحتاج 1 / 285. (¬6) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 175، والمغني 3 / 173، والفروع 2 / 109، والمحرر 1 / 146، والإنصاف 2 / 387.

" بلا نزاع "، يعني عند الحنابلة (¬1) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: لم أعثر على تصريح لهم بدليل، ولكن ظاهر كلامهم الاستدلال بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - الآتي في أدلة أصحاب القول الثاني، فحملوه على الاستحباب؛ لكونه مجرد فعل، والله أعلم. أدلة أصحاب القول الثاني: 1 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «كانت خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة: يحمد الله ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك - وقد علا صوته واشتدّ غضبه. . .» الحديث (¬2) . قال النووي: " فيه دليل للشافعي - رضي الله عنه - أنه يجب حمد الله - تعالى - في الخطبة، ويتعين لفظه، ولا يقوم غيره ¬

(¬1) الإنصاف 2 / 387. (¬2) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 592، الحديث رقم (867 / 44) .

مقامه " (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هذا مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، بل على الاستحباب، كما أن لفظ: (كان. . . .) لا يدل على المداومة، وإن دل عليها فإنها لا تدل على الوجوب، كما تقدم بيانه (¬2) . 2 - ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل كلامٍ لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» (¬3)) (¬4) . ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 156. (¬2) ص (114 - 115) . (¬3) قال الرازي في المختار: جذم الرجل صار أجذم: وهو المقطوع اليد. (مختار الصحاح، مادة " جذم " (42) . (¬4) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الأدب - باب الهدي في الكلام 4 / 261 الحديث رقم (4840) ، وقال: " رواه يونس، وعقيل، وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا "، وابن ماجه في كتاب النكاح - خطبة النكاح 1 / 610، الحديث رقم (1894) ، بلفظ (أقطع) ، وقال السندي: " الحديث حسنه ابن الصلاح والنووي "، والإمام أحمد في مسنده 2 / 359، والدارقطني في سننه في كتاب الصلاة 1 / 229، الحديث رقم (1) . وقال: " تفرد به قرة. وأرسله غيره عن الزهري. وقرة ليس بقوي في الحديث، والمرسل هو الصواب "، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب ما يستدل به على وجوب التحميد في خطبة الجمعة 3 / 209.

مناقشة هذا الدليل: يناقش من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن في ثبوته كلاما لأهل العلم كما في تخريجه. الوجه الثاني: على تقدير ثبوته فإنه ليس ظاهر في الدلالة على الوجوب؛ لأنه يفيد النقص، وغير الصحيح لا يوصف بالنقص وإنما يوصف بعدم الإجزاء. الوجه الثالث: على تقدير ثبوته لو دل على وجوب التحميد لدل على وجوبه في كل أمر ذي بال، ولا نعلم أحدا يقول بذلك (¬1) . الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية حمد الله - تعالى - في الخطبة؛ لعدم ثبوت ما يدل على الركنية، وإنما الذي ثبت هو مجرد الفعل، وهو لا يدل على الركنية وإنما على الاستحباب كما ذكرت. ¬

(¬1) ذكر هذا الوجه صاحب الجوهر النقي بهامش سنن الكبرى للبيهقي 3 / 208.

المبحث الثاني الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

[المبحث الثاني الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم] المبحث الثاني الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - اختلف الفقهاء في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الجمعة هل هي ركن، أو لا؟ وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنها سنة. وبهذا قال الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) وبعض الحنابلة (¬3) وذكره في المغني احتمالا (¬4) واختاره ابن سعدي - رحمه الله - كما تقدم (¬5) . القول الثاني: أنها ركن، فلا تصح الخطبة إلا بها. " وبهذا قال الشافعية (¬6) وهو المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم (¬7) . ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263، والفتاوى الهندية 1 / 146، ومراقي الفلاح ص (103) . (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 132، والفواكه الدواني 1 / 306. (¬3) ينظر: الإنصاف 2 / 387، والمبدع 2 / 158. (¬4) المغني 3 / 174. (¬5) ص (109) . (¬6) ينظر: الحاوي 3 / 57 - 58، والوجيز 1 / 63، وحلية العلماء 2 / 277، والمجموع 4 / 519، وروضة الطالبين 2 / 24 - 25، ومغني المحتاج 1 / 285. (¬7) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 175، والمغني 3 / 173 - 174، والفروع 2 / 109، والمحرر 1 / 146، والإنصاف 2 / 387.

القول الثالث: أنها واجبة، وليست بركن يشترط الإتيان به. وهذا مروي عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث جاء في الاختيارات: " ويجب في الخطبة أن يشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وأوجب أبو العباس في موضع آخر الشهادتين، وتردد في وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة، وقال في موضع آخر: ويحتمل - وهو الأشبه - أن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - فيها واجبة. . . " (¬1) . الأدلة: دليل أصحاب القول الأول: الظاهر أنهم يستدلون على السنية بما استدل به أصحاب القول الثاني، وأما عدم الركنية والوجوب فاستدلوا عليه بما يلي: 1 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر الصلاة عليه في خطبته، ولو كانت ركنا أو واجبا لذكره (¬2) . ¬

(¬1) الاختيارات ص (79 - 80) ، ونقله عنه تلميذه ابن مفلح في الفروع 2 / 109، والمرداوي في الإنصاف 2 / 387، ونقل - أي المرداوي - عن المجد أنه اختار الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يشهد أنه عبد الله ورسوله، فالواجب عنده ذكر الشهادة للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة لا لفظ الصلاة. (¬2) ينظر: مغني المحتاج 1 / 285، والمغني 3 / 174، والمبدع 2 / 158.

2 - أن الأصل عدم الركنية والوجوب، فيعمل به (¬1) . أدلة أصحاب القول الثاني. استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: أولا: من السنة. ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - في ذكر إسراء النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر فيه قول الله - تعالى -: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4] (¬2) قال: «فلا أُذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي» (¬3) . وهذا واضح الدلالة. مناقشة هذا الدليل: يناقش من ثلاثة وجوه: ¬

(¬1) ينظر: المبدع 2 / 158. (¬2) سورة الشرح، الآية رقم (4) . (¬3) هكذا ذكره الزركشي في شرحه 2 / 175 مستدلا به، وذكره ابن قدامة في المغني 3 / 174 بمعناه، وقد عزاه الزركشي للخلال في كتاب العلم وكتاب السنة، ولم أعثر عليه فيما بين يدي من كتب السنة، وقد أخرج البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب ما يستدل به على وجوب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة 3 / 209 عن مجاهد في قوله: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) قال: لا أذكر إلا ذكرت أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ".

الوجه الأول: أن مبنى الاستدلال على ثبوت الدليل، وهذا مما لم يتحقق لي في هذا الحديث كما في تخريجه. الوجه الثاني: على تقدير ثبوته فقد نوقش الاستدلال بـ وَرَفَعْنَا بأنه خبر لا عموم فيه، وقد أريد به كلمة الشهادة ونحوها، فلا يلزم إرادة غير ذلك، فإن قيل: تجعل خبرا بمعنى الأمر، رُدَّ بأن جعل الأمر فيه للوجوب يلزم منه مخالفة الإجماع، إذ لا يعلم أحد يقول بوجوب ذكره - عليه الصلاة والسلام - كلما ذكر الله - تعالى - وإن جعل للاستحباب بطل الاستدلال (¬1) . الوجه الثالث: على تقدير ثبوته فإنه يدل على الشهادة لا على الصلاة. ثانيا: من المعقول: أن الخطبة عبادة افتقرت إلى ذكر الله - تعالى - فافتقرت إلى ذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - كالأذان، والتشهد، والصلاة (¬2) . ¬

(¬1) ذكر هذا الوجه ابن التركماني في الجوهر النقي بهامش السنن الكبرى للبيهقي 3 / 309. (¬2) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 516، ومغني المحتاج 1 / 285، وشرح الزركشي 2 / 175، والمغني 3 / 174، والمبدع 2 / 158، وكشاف القناع 2 / 32.

مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هذا وإن كان حاصلا في بعض العبادات فهو غير مطرد، فمثلا الوضوء تشرع له التسمية ولا تشرع له الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك الذكاة وغيرهما، حتى الأذان يشرع فيه ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا الصلاة عليه. وأما القول الثالث فلم أطلع على دليل له، إلا أن يكون ما قاله أصحاب القول الثاني في دليلهم العقلي، وقد تمت مناقشته، والله أعلم. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الجمعة، لعدم ثبوت ما يدل على ركنيتها أو وجوبها حسب اطلاعي، ولما استدلوا به.

المبحث الثالث الموعظة

[المبحث الثالث الموعظة] المبحث الثالث: الموعظة اختلف الفقهاء في اشتمال خطبة الجمعة على الموعظة هل هو ركن من أركانها، أم لا؟ على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنها ركن، فلا بد من اشتمالها على الموعظة، ولا يتعين لفظ الوصية بتقوى الله - تعالى - بل يقوم مقامه أي وعظ كان، ولا يكفي ذم الدنيا والتحذير من الاغترار بها. وبهذا قال الإمام الشافعي وجمهور أصحابه (¬1) وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الميل إلى ذلك، حيث جاء في الاختيارات: " ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت، بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا. . . وأما الأمر بتقوى الله فالواجب إما معنى ذلك، وهو الأشبه من أن يقال الواجب لفظ التقوى " (¬2) . كما اختاره ابن سعدي كما تقدم (¬3) . ¬

(¬1) ينظر: الحاوي 3 / 57 - 58، والوجيز 1 / 64، والمجموع 4 / 519، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 285. (¬2) الاختيارات ص (79 -80) . (¬3) ص (109) .

القول الثاني: أنها ركن فلا بد من اشتمالها على الموعظة، وتحين في ذلك لفظ الوصية بتقوى الله - تعالى -. وبهذا قال الشافعية في وجه عندهم (¬1) لكن قال عنه النووي: " وهذا ضعيف أو باطل " (¬2) . وهو المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم، وقطع به كثير منهم (¬3) . القول الثالث: أنها سنة. وبهذا قال الحنفية (¬4) والمالكية (¬5) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على الركنية بأدلة من السنة، والمعقول: ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 519 - 520، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 285. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 520. (¬3) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 177 - 178، والفروع 2 / 109 - 110، والمحرر 1 / 147، والإنصاف 2 / 388، والمبدع 2 / 158. (¬4) ينظر: الفتاوى الهندية 1 / 147، ومراقي الفلاح ص (103) . (¬5) ينظر: الإشراف 1 / 132.

فمن السنة: ما جاء في حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: «كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خطبتان، يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويذكِّر الناس» (¬1) . فالشاهد من الحديث قوله: (ويذكِّر الناس) . قال النووي: " فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقرآن " (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هذا مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، بل على الاستحباب، وأن لفظ: (كان. . .) لا يدل على المداومة، وإن دل عليها فإنها لا تدل على الوجوب كما تقدم (¬3) . ومن المعقول: أن المقصود من خطبة الجمعة الموعظة، فلا يجوز الإخلال بها (¬4) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (32) . (¬2) ينظر: شرح صحيح مسلم 6 / 150، وقد استدل به على ذلك أيضا الشيرازي في المهذب 4 / 516، والزركشي في شرح الخرقي 2 / 177. (¬3) ص (114 - 115) . (¬4) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 516، ومغني المحتاج 1 / 285، وشرح الزركشي 2 / 177، والمبدع 2 / 158، وكشاف القناع 2 / 32.

ثانيا: واستدلوا على عدم تعين لفظ الوصية بتقوى الله - تعالى - بما يلي: أن الغرض هو الوعظ والحمل على طاعة الله - تعالى - فيكفي ما دل على الموعظة طويلا كان أو قصيرا، كأطيعوا الله وراقبوه، ولا يتعين لفظ التقوى (¬1) . ثالثا: واستدلوا على أنه لا يكفي في الوعظ ذم الدنيا والتحذير من الاغترار بها بما يلي: أن ذلك قد يتواصى به منكرو الشرائع والبعث، فلا بد من الحمل على طاعة الله، والمنع من معصيته (¬2) . أدلة أصحاب القول الثاني: أولا: استدلوا على الركنية بما استدل به أصحاب القول الأول. ثانيا: استدلوا على تعين الوصية بتقوى الله - تعالى - بأدلة من الكتاب، والمعقول. فمن الكتاب: قول الله - تعالى -: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131] الآية (¬3) . ¬

(¬1) ينظر: مغني المحتاج 1 / 285. (¬2) ينظر المرجع السابق، والمجموع 4 / 520. (¬3) سورة النساء، جزء من الآية رقم (131) .

وجه الدلالة: أن الموعظة جاءت في هذه الآية بلفظ التقوى، فيتعين هذا اللفظ في خطبة الجمعة (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه غير ظاهر الدلالة، فلا ارتباط بين لفظ التقوى في هذه الآية وبين تعينه في خطبة الجمعة، والله أعلم. ومن المعقول: أن لفظ التقوى يتعين في خطبة الجمعة كلفظ الحمد، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن تعين لفظ الحمد والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة محل خلاف، فمن الفقهاء من يقول: لا يتعين (¬3) . الوجه الثاني: على القول بتعين لفظ الحمد والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد نوقش بأن لفظ الحمد والصلاة تعبدنا به في مواضع، وأما لفظ الوصية فلم يرد نص بالأمر به ولا بتعينه (¬4) . ¬

(¬1) هكذا جاء في الاختيارات الاستدلال بهذه الآية ص (80) . (¬2) ينظر: المجموع 4 / 520، ومغني المحتاج 1 / 285. (¬3) ينظر: المجموع 4 / 519. (¬4) ينظر المرجع السابق 4 / 520.

دليل أصحاب القول الثالث: أن المطلوب للجمعة هو الخطبة، واسم الخطبة يقع على الكلام المجتمع أو الوصف وإن لم يشتمل على الموعظة، فلا تكون ركنا يجب الإتيان به (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه وإن كان ذلك خطبة إلا أن لها مقصدا، لا بد أن تحققه، وهو هنا الوعظ، فإذا لم تحقق مقصدها لم تكن الخطبة المطلوبة. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بأن الوعظ ركن في خطبة الجمعة يجب الإتيان به، ولكن لا يتعين لفظ الوصية بتقوى الله - تعالى - بل يتحقق بما يفيد الموعظة بحسب الحال وحاجة المخاطبين ومصلحتهم، وهذا باب واسع، لما استدل به أصحاب هذا القول، ولأن هذا هو منهج النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن القيم - رحمه الله -: " وكان مدار خطبته على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه ¬

(¬1) ينظر: الإشراف 1 / 132.

ومواقع رضاه، فعلى هذا كان مدار خطبه. . . وكان يخطب كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم " (¬1) . وكلام ابن القيم هذا يدل على أن الضابط في الوعظ هو كل ما يدعو إلى رضوان الله وجنته من الاستقامة على دينه والتمسك بشريعته في العبادات والمعاملات والقضايا الاجتماعية ونحوها، ويحذر من موارد سخطه وعقابه، في كل وقت بما يناسبه ويناسب حال السامعين، والله أعلم. ¬

(¬1) ينظر: زاد المعاد 1 / 188.

المبحث الرابع قراءة شيء من القرآن

[المبحث الرابع قراءة شيء من القرآن] [المطلب الأول حكم قراءة شيء من القرآن في الخطبة] المبحث الرابع قراءة شيء من القرآن وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: حكم قراءة شيء من القرآن في الخطبة. المطلب الثاني: أقل مقدار القراءة. المطلب الثالث: قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة، والسجود له. المطلب الأول حكم قراءة شيء من القرآن في الخطبة اتفق أصحاب المذاهب على مشروعيتها كما هو ظاهر من أقوالهم الآتية، قال النووي: " مشروعة بلا خلاف " (¬1) ولكنهم اختلفوا في اشتراطها على قولين: القول الأول: أنها سنة. ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 160.

وبهذا قال الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية في وجه عندهم (¬3) والإمام أحمد في رواية عنه، وبها أخذ بعض أصحابه (¬4) كما اختاره ابن سعدي كما تقدم (¬5) . القول الثاني: أنها ركن، فلا تصح الخطبة إلا بها. وبهذا قال الإمام الشافعي، وهو الوجه المشهور عند أصحابه (¬6) والإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه، وهو الصحيح من المذهب عند أصحابه، وعليها أكثرهم (¬7) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263، ومجمع الأنهر 1 / 168، والفتاوى الهندية 1 / 147. (¬2) ينظر: الشرح الصغير 1 / 181، وحاشية الدسوقي 1 / 382، والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 2 / 172. (¬3) ينظر: المجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 286. (¬4) ينظر: المغني 3 / 176، والفروع 2 / 110، والإنصاف 2 / 388، والمبدع 2 / 158. (¬5) ص (109) . (¬6) ينظر: الأم 1 / 230، والحاوي 3 / 57 - 58، وحلية العلماء 2 / 277 - 278، والمجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 286. (¬7) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 176، والمغني 3 / 174، والفروع 2 / 110، والمحرر 1 / 147، والإنصاف 2 / 387.

استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة: أولا: من الكتاب: 1 - قول الله - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] الآية (¬1) . وجه الدلالة: أن الله - تعالى - أمر بالذكر مطلقا عن قيد القراءة، فلا تُجعل شرطا بخبر الواحد، لما يترتب عليه من نسخ الكتاب بخبر الواحد، وهو غير صالح لذلك، ولكن يصلح مكملا له (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هذا لا يُعدُّ نسخا، لأن النسخ رفع للحكم الذي تضمنه النص، وإبطال للعمل به، وليس هذا حاصلا هنا. 2 - قول الله - عز وجل -: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] (¬3) . وجه الدلالة: أن هذه نزلت في الخطبة، وسمَّاها الله - تعالى ¬

(¬1) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (9) . (¬2) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263. (¬3) سورة الأعراف، الآية رقم (204) .

- قرآنا لما فيها من قراءة القرآن، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يُبلِّغ أصحابه ما أنزل الله عليه في خطبته (¬1) . ولكن فيما نزلت فيه الآية خلاف، هذا أحد الأقوال فيها. ثانيا: من السنة: ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ في خطبته {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] (¬2) (¬3) . وهذا واضح الدلالة على فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه لم يثبت لعدم الاطلاع على سند له، ولكن يغني عنه ما استدل به أصحاب القول الثاني كما سيأتي. أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول. أولا: من السنة: ما ورد من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن ذلك: ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 26. (¬2) سورة البقرة، جزء من الآية رقم (281) . (¬3) ذكره مستدلا به الشرنبلالي في مراقي الفلاح ص (103) ، ولم يعزه لأحد، ولما عثر عليه فيما بين يدي من كتب الحديث.

1 - ما رواه جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: «كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خطبتان، يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويُذكِّر الناس» (¬1) . قال النووي: " فيه دليل للشافعي في أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقرآن " (¬2) . 2 - ما روته أم هشام (¬3) بنت حارثة بن النعمان - رضي الله عنها - قالت: «ما أخذتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] (¬4) إلا عن لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم» -) ، وعن عمرة (¬5) . ¬

(¬1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيها من الجلسة 2 / 589، الحديث رقم (862) . (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 150. (¬3) هي أم هشام بنت حارثة بن النعمان بن يفع بن زيد الأنصارية، أسلمت وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وروت عنه، وروت عنها أختها لأمها عمرة بنت عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن سعد بن زرارة وغيرهما، وتزوجها عمارة بن الحبحاب. (ينظر: أسد الغابة 5 / 625، والإصابة 4 / 504) . (¬4) سورة (ق) ، الآية رقم (1) . (¬5) هي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة بن عدس الأنصارية، كانت في حجر عائشة، وثّقها ابن معين، والعجلي، وابن حبان، وقال عمر بن عبد العزيز: ما بقي أحد أعلم بحديث عائشة من عمرة: توفيت سنة 98 هـ. (ينظر: طبقات ابن سعد 8 / 480، وتهذيب التهذيب 12 / 438) .

بنت عبد الرحمن عن أختٍ لعمرة (¬1) قالت: «أخذتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] (¬2) من فِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة» (¬3) . وهذا واضح الدلالة، قال النووي: " وفيه دليل للقراءة في الخطبة " (¬4) . 3 - ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تَشَزَّنَ (¬5) الناس للسجود، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنما هي توبة نبي، ولكني ¬

(¬1) الظاهر أنها أم هشام السابقة، لأنها أخت عمرة لأمها، وقد روت عنها كما تقدم في ترجمتها. (¬2) سورة (ق) ، الآية رقم (1) . (¬3) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 595، الحديث رقم (872) ، قال النووي في شرحه 6 / 161: " هذا صحيح يحتج به، ولا يضر عدم تسميتها؛ لأنها صحابية، والصحابة كلهم عدول ". (¬4) شرح صحيح مسلم 6 / 161. (¬5) التشزن: هو التأهب والتهيؤ للشيء، والاستعداد له. (ينظر: النهاية، مادة " شزن " 2 / 471) .

رأيتكم تشزنتم للسجود، فنزل فسجد فسجدوا» (¬1) . وهذا - أيضا - واضح الدلالة. 4 - ما رواه صفوان (¬2) بن يعلى عن أبيه «أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] » (¬3) (¬4) . وهذا - أيضا - واضح الدلالة، قال النووي: " فيه القراءة في الخطبة " (¬5) . ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - أبواب قراءة القرآن وتحزيبه وترتيله - باب السجود في (ص) 2 / 59 - 60، الحديث رقم (1410) وسكت عنه، والدارقطني في كتاب الصلاة - باب سجود القرآن 1 / 408، الحديث رقم (7) ، والبيهقي في كتاب الصلاة - باب سجدة (ص) 2 / 318 وقال: هذا حسن الإسناد صحيح "، والحاكم في كتاب الجمعة 1 / 284 - 285، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ". وقال النووي في المجموع 4 / 518: " صحيح، رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة ". (¬2) هو صفوان بن يعلى التميمي، المكي، حليف لقريش، روى عن أبيه، وروى عنه عطاء بن أبي رباح وغيره، ووثقه ابن حجر وغيره. (ينظر: الجرح والتعديل 4 / 423، التقريب (1 / 369) . (¬3) سورة الزخرف، جزء من الآية رقم (77) . (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 594 - 595، الحديث رقم (871) . (¬5) شرح صحيح مسلم 6 / 160.

مناقشة هذه الأدلة: تناقش بأنها مجرد أفعال، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الاستحباب، وأن لفظ (كان. . .) لا يدل على المداومة، وإن دلَّ عليها فإنها لا تدل على الوجوب كما تقدم بيانه (¬1) . ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: ما رواه ربيعة (¬2) بن عبد الله بن الهدير أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد، وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: " يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه "، ولم يسجد عمر - رضي الله عنه - (¬3) . ¬

(¬1) ص (114- 115) . (¬2) هو ربيعة بن عبد الله بن الهدير، ويقال: ابن ربيعة بن الهدير بن عبد العزى التميمي، المدني، ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وروى عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وغيرهما، قال عنه الدارقطني: تابعي كبير قليل السند، توفي سنة 93 هـ. (ينظر: الاستيعاب 1 / 514، والإصابة 1 / 523، وتهذيب التهذيب 3 / 257) . (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه في أبواب سجود القرآن وسننها - باب من رأى أن الله - عز وجل - لم يوجب السجود 2 / 33 - 34.

وهذا واضح الدلالة. مناقشة هذا الدليل: يناقش بما سبق من مناقشة الأحاديث من أنه مجرد فعل، فلا يدل على الوجوب. ثالثا: من المعقول: أن الخطبة فرض في الجمعة، فتجب فيها قراءة القرآن، كالصلاة (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق، فلا يشترط في الخطبة ما يشترط في الصلاة من استقبال القبلة وغيرها، إلا أنه تجوز فيها مخاطبة الإمام للمأمومين، ومخاطبتهم له عند الحاجة كما سيأتي - إن شاء الله - في موضعه. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية قراءة شيء من القرآن في خطبة الجمعة؛ لعدم ورود ما يدل على الركنية، وإنما الوارد هو مجرد الفعل، والفعل المجرد كما ذكرت يدل على الاستحباب. ¬

(¬1) ينظر: الكافي لابن قدامة 1 / 221، والمبدع 1 / 158، وكشاف القناع 2 / 32.

المطلب الثاني أقل مقدار للقراءة

[المطلب الثاني أقل مقدار للقراءة] المطلب الثاني أقل مقدار للقراءة اختلف الفقهاء - سواء من قال بالسنية أو الركنية - في أقل مقدار من القرآن يقرأ في خطبة الجمعة، وذلك على أربعة أقوال: القول الأول: يجزئ ما دون آية إذا استقل بمعنى، ولا يجزئ ما لا يستقل ولو كان آية كاملة. وبهذا قال بعض الحنابلة (¬1) . القول الثاني: أقله آية، سواء كانت طويلة أو قصيرة. وبهذا قال المالكية (¬2) والإمام الشافعي وأصحابه (¬3) والإمام أحمد في رواية عنه، وهو الصحيح من المذهب عند أصحابه، وعليه أكثرهم (¬4) . القول الثالث: أن أقله ثلاث آيات أو آية طويلة. ¬

(¬1) ينظر: شرح الزركشي 2 / 179، والفروع 2 / 110، والإنصاف 2 / 388. (¬2) ينظر: الشرح الصغير للدردير 1 / 181. (¬3) ينظر: الأم 1 / 231، والمجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 286. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 179، والمغني 3 / 175، والفروع 2 / 110، والإنصاف 2 / 387، والمبدع 2 / 158، وقال بعضهم: لا بد أن تستقل بمعنى.

وهذا هو الظاهر من مذهب الحنفية (¬1) جاء في الفتاوى الهندية: " ومقدار ما يقرأ فيها [يعني خطبة الجمعة] من القرآن ثلاث آيات قصار أو آية طويلة " (¬2) . القول الرابع: يجزئ ما دون آية مطلقا. وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه، وبها أخذ بعض أصحابه (¬3) . الأدلة: دليل أصحاب القول الأول: أصحاب هذا القول نظروا إلى المعنى، فما لم يستقل بمعنى لا يحصل به المقصود من القراءة، فلا فائدة منه فلا يجزئ ولو كان آية كاملة، وما استقل بمعنى أجزأ ولو كان دون آية (¬4) . أدلة أصحاب القول الثاني: 1 - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتصر في قراءته في ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 26، والفتاوى الهندية 1 / 147. (¬2) الفتاوى الهندية 1 / 147. (¬3) ينظر: شرح الزركشي 2 / 179، والكافي لابن قدامة 1 / 221، والفروع 2 / 110، والإنصاف 2 / 388. (¬4) ينظر: شرح الزركشي 2 / 179.

خطبة الجمعة على أقل من آية (¬1) . 2 - أن الحكم لا يتعلق بما دون الآية، بدليل منع الجنب من قراءتها دون ما هو أقل منها (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن قراءة الجنب لما دون آية محل خلاف، فمن الفقهاء من يرى منع قراءته، بل هو رواية عن الإمام أحمد، وأخذ بها بعض أصحابه (¬3) . دليل أصحاب القول الثالث: أن فرض قراءة القرآن في الصلاة يتأدى بثلاث آيات قصار أو آية طويلة، فسنة القراءة في الخطبه تتأدى بهذا القدر من باب أولى (¬4) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بعدم التسليم بأن المفروض في الصلاة قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة، بل المفروض هو قراءة الفاتحة بعينها. ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 175، والشرح الكبير 2 / 183. (¬2) ينظر: المغني 3 / 175، والمبدع 2 / 158، وكشاف القناع 2 / 32. (¬3) ينظر: الفروع 1 / 201، والإنصاف 1 / 243، والمبدع 1 / 187 - 188. (¬4) ينظر: المبسوط 2 / 26.

المطلب الثالث قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة والسجود له

دليل أصحاب القول الرابع: أنه ليس في قراءة القرآن في الخطبة على المنبر شيء موقت، فما شاء الخطيب قرأ، ولو كان دون الآية (¬1) . الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بأن أقل مقدار لقراءة القرآن في خطبة الجمعة هو ما يستقل بمعنى، سواء كان آية أو أقل؛ لقوة ما استدلوا به، ولعدم ورود دليل على التجديد، وقد تقدم في المطلب السابق ترجيح السنية، فيكون المقصود في هذا الترجيح أقل مقدار للإتيان بالسنة. [المطلب الثالث قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة والسجود له] المطلب الثالث قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة والسجود له اختلف الفقهاء في حكم قراءة الخطيب في خطبة الجمعة لآية فيها سجود تلاوة، والسجود إذا قرأ، وذلك على قولين: ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 176.

القول الأول: يباح قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة، والسجود له. وبهذا قال الحنفية (¬1) والإمام الشافعي وأصحابه (¬2) والحنابلة (¬3) وابن حزم (¬4) . القول الثاني: يكره قراءة ما فيه سجود تلاوة في الخطبة، ويكره السجود له. وبهذا قال الإمام مالك، وأصحابه (¬5) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: ¬

(¬1) ينظر: الحجة على أهل المدينة 1 / 218، وبدائع الصنائع 1 / 192 - 193، وفتح القدير 2 / 27. (¬2) ينظر: الأم 1 / 231، والمجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 26، ومغني المحتاج 1 / 216. (¬3) ينظر: المغني 3 / 180، والفروع 2 / 112. (¬4) ينظر: المحلى 5 / 60. (¬5) ينظر: الموطأ 1 / 206، والمنتقى شرح الموطأ 1 / 351، الشرح الكبير للدردير 1 / 301، وحاشية العدوي 1 / 320.

أولا: من السنة: ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تَشَزَّنَ الناس للسجود، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تَشَزَّنتم للسجود، فنزل فسجد فسجدوا» (¬1) . وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - واضح ومتكرر. ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنه -: 1 - ما رواه ربيعة بن عبد الله بن الهدير عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد، وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: " يا أيها الناس إنا نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه "، ولم يسجد عمر - رضي الله عنه - (¬2) . ¬

(¬1) سبق تخريجه ص (147) . (¬2) سبق تخريجه ص (147) .

وجه الدلالة: أن عمر - رضي الله عنه - قرأ السجدة في خطبة الجمعة ونزل فسجد، وفعله هذا كان مع حضور الصحابة - رضي الله عنهم-، ولم ينكر عليه أحد منهم، فدل ذلك على إباحة قراءة ما فيه سجود تلاوة في خطبة الجمعة والسجود لذلك (¬1) . مناقشة هذا الدليل: نوقش بأن ذلك مما لم يتبع عليه عمر - رضي الله عنه -، ولا عمله أحد من بعده (¬2) . والإجابة عن هذه المناقشة: يجاب عنها بأن دليل الإباحة ليس مقصورا على فعل عمر - رضي الله عنه -، بل ثبت من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم في حديث أبي سعيد. كما أنه لا يسلم بأنه لم يعمله أحد بعده، بل فعله غيره من الصحابة والتابعين كما سيأتي. 2 - ما روي أن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قرأ سجدة (ص) وهو على المنبر فنزل فسجد، ثم عاد إلى مجلسه (¬3) . ¬

(¬1) ينظر: فتح الباري 2 / 559. (¬2) ينظر: المنتقى شرح موطأ مالك 1 / 351. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب السجدة تقرأ على المنبر ما يفعله صاحبها 2 / 18.

3 - ما رواه صفوان (¬1) بن محرز قال: " بينا الأشعري (¬2) يخطب يوم الجمعة إذ قرأ السجدة الآخرة من سورة الحج، قال: نزل عن المنبر فسجد، ثم عاد إلى مجلسه " (¬3) . 4 - ما روي عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه قرأ على المنبر {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] (¬4) ثم نزل إلى القرار فسجد بها (¬5) . ¬

(¬1) هو صفوان بن محرز بن زياد المازني، وقيل: الباهلي، قال أبو حاتم: جليل، ووثقه العجلي، وابن سعد وغيرهما، وقال ابن حجر: ثقة عابد، توفي سنة 74 هـ. (ينظر: طبقات ابن سعد 7 / 147، وتهذيب التهذيب 4 / 430، وتقريب التهذيب 1 / 368) . (¬2) ظاهره أن المقصود به الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب والباب السابقين 2 / 18. (¬4) سورة الانشقاق، الآية رقم (1) . (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب والباب السابقين 2 / 18، وفي باب من كان يسجد في المفصَّل 2 / 8، وعبد الرزاق في مصنفه في كتاب فضائل القرآن - باب كم في القرآن من سجدة 2 / 340، وفي كتاب الجمعة - باب القراءة على المنبر 3 / 193، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب الصلاة - باب السجدة في (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) 2 / 316.

5 - ما روي عن عقبة (¬1) بن عامر - رضي الله عنه - أنه قرأ على المنبر السجدة فنزل (¬2) . وهذه الآثار واضحة الدلالة. ثالثا: من المعقول: أن سجود التلاوة حال خطبة الجمعة سنة وجد سببها، ولا يطول الفصل بها، فاستُحِبَّ فعلها كحمد الله - سبحانه وتعالى - إذا عطس، وتشميت العاطس (¬3) . أدلة أصحاب القول الثاني: 1 - أن الخطيب إذا قرأ في الخطبة ما فيه سجود تلاوة فإنه بين أمرين إما أن يسجد، وفي هذا إخلال بنظام الخطبة، وإما ألا يسجد، فيدخل في الوعيد الوارد في قول الله - تعالى -: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] (¬4) فلذا يكره له قراءتها، والسجود ¬

(¬1) عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني، يكنى بأبي حماد، من المهاجرين قديما، وهو أحد من جمع القرآن، ولي إمرة مصر لمعاوية، وتوفي سنة 58 هـ، وقيل غير ذلك. (ينظر: طبقات ابن سعد 4 / 343، وتهذيب التهذيب 7 / 242) . (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب السجدة تقرأ على المنبر ما يفعله صاحبها 2 / 19. (¬3) ينظر: المغني 3 / 181. (¬4) سورة الانشقاق، الآية رقم (21) .

لها (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أنه اجتهاد في مقابل نص، وهو ما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو مردود. الوجه الثاني: عدم التسليم بإخلاله بنظام الخطبة؛ لأنه عمل يسير متعلق بها، كما أنه أولى من تكليم المأموم للخطيب وتكليم الخطيب للمأموم الذي ورد من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث إنه - أي التكليم - لأمر لا علاقة له بالخطبة. 2 - أن السجود حال الخطبة يسبب التخليط على الناس، وذلك بأن يتوهموا أن الإمام قد فرغ من الخطبة وقام إلى الصلاة، فيكره (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: ما تقدم في مناقشة الدليل السابق أنه اجتهاد في مقابل النص، فهو مردود. ¬

(¬1) ينظر: حاشية الدسوقي 1 / 301. (¬2) ينظر: المنتقى شرح موطأ مالك 1 / 351.

الوجه الثاني: عدم التسليم بتسببه في التخليط؛ لأن الناس مأمورون بالإنصات واستماع الخطبة، فإذا قرأ الخطيب ما فيه سجود علموا إن نزوله للسجود وليس لفراغه. 3 - أن سجود التلاوة صلاة تطوع، فلا يشتغل بها في أثناء الخطبة، كصلاة ركعتين (¬1) . مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن صلاة ركعتين لم يوجد سببها، ويطول الفصل بها، بخلاف السجود (¬2) . الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بإباحة قراءة ما فيه سجود تلاوة في خطبة الجمعة، والسجود لذلك؛ لقوة ما استدلوا به، وعدم قيام الدليل على خلافه. ولكن ينبغي للإمام أن ينبه المأمومين إذا أراد السجود ويتأكد ذلك إذا كان هناك من لا يراه لبعد أو حائل حتى لا يحصل تشويش على الناس. ¬

(¬1) ذكر هذا الدليل لهم ابن قدامة في المغني 3 / 181. (¬2) ينظر: المغني 3 / 181.

المبحث الخامس حكم ترتيب هذه الأركان عند من قال بها

[المبحث الخامس حكم ترتيب هذه الأركان عند من قال بها] المبحث الخامس حكم ترتيب هذه الأركان عند من قال بها اختلف من قال بركنية هذه الأمور الأربعة، وهي الحمد، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والموعظة، وقراءة شيء من القرآن في خطبة الجمعة، وهم الشافعية والحنابلة كما تقدم في حكم ترتيبها، وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يشترط الترتيب في هذه الأركان، ولكن يستحب، فله التقديم والتأخير، وصفته: أن يبدأ بالحمد، ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم الموعظة، ثم قراءة القرآن. وهذا هو الوجه الصحيح عند الشافعية كما ذكر النووي (¬1) وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة (¬2) . القول الثاني: يشترط الترتيب في هذه الأركان على الصفة ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 2 / 30 - 31، ومغني المحتاج 1 / 286 - 287، 288. (¬2) ينظر: المغني 3 / 180، والإنصاف 2 / 389، المبدع 2 / 159، وكشاف القناع 2 / 33.

التي ذكر أصحاب القول الأول، فلا يجوز التقديم والتأخير. وهذا وجه عند الشافعية (¬1) وقول لبعض الحنابلة (¬2) . القول الثالث: يشترط ترتيب الحمد، ثم الصلاة، ثم الوصية، ولا ترتيب بين القراءة وغيرها. وبهذا قال بعض الشافعية (¬3) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: 1 - أن المقصود من الخطبة الوعظ والتذكير، وهذا حاصل مع عدم الترتيب (¬4) . 2 - أنه لم يرد نص في اشتراط الترتيب، فلا يلزم (¬5) . أدلة أصحاب القول الثاني: لم أطلع على أدلة صريحة لهم، ولكن الظاهر أنهم يستدلون ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 522، ومغني المحتاج 1 / 287. (¬2) ينظر: الإنصاف 2 / 389. (¬3) ينظر: المجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 2 / 30، ومغني المحتاج 1 / 286 - 287. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 522، ومغني المحتاج 1 / 288، وكشاف القناع 2 / 33. (¬5) ينظر: المجموع 4 / 522، ومغني المحتاج 1 / 288.

بما يلي: أولا: الاستدلال على البداءة بالحمد بما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل كلام لا يُبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» (¬1) . وهذا واضح الدلالة. مناقشة هذا الدليل: يناقش بما سبقت مناقشته به في مسألة اشتراط الحمد في الخطبة (¬2) . ثانيا: الاستدلال على التثنية بالصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن كل عبادة ذكر الله - تعالى - فيها يذكر فيها رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعده كالأذان، والتشهد، وغيرهما. مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد ذكر الله - تعالى - غير مطرد في جميع العبادات، فمنها ما يشرع فيها ذكر الله دون ذكر رسوله كالوضوء، والذكاة. ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (127) . (¬2) ص (128) .

الوجه الثاني: أنه ليس ظاهر الدلالة على وجوب الترتيب. وأما الوصية والقراءة فلم يظهر لي دليلهم عليهما. أما أصحاب القول الثالث فالظاهر أنهم يستدلون على اشتراط البدء بالحمد، ثم الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما سبق الاستدلال به لأصحاب القول الثاني عليه. وأما الوصية والقراءة فلم يظهر لي دليل لهم عليهما. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية ترتيب الأمور الأربعة: الحمد، ثم الصلاة، ثم الوصية، ثم القراءة؛ لقوة ما استدلوا به، ولأن الأصل عدم وجوب الترتيب.

المبحث السادس

[المبحث السادس] الإتيان بهذه الأركان في كل خطبة من الخطبتين عند من قال بها اتفق من قال بركنية هذه الأربعة، وهي: الحمد، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والوصية، وقراءة شيء من القرآن في خطبة الجمعة، وهم الشافعية، والحنابلة على أن الحمد ركن في كل خطبة من الخطبتين (¬1) . واختلفوا في غيره من الأركان، وذلك كما يلي: اختلفوا في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - على قولين: القول الأول: أنها ركن في كل منهما. وبهذا قال الشافعية في الصحيح والمشهور عندهم (¬2) والحنابلة (¬3) . القول الثاني: أنها ركن في إحداهما من غير تعيين. ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 286، وشرح الزركشي 2 / 177، والمغني 3 / 173، والإنصاف 2 / 387. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25. (¬3) ينظر: شرح الزركشي 2 / 177، والإنصاف 2 / 387، وكشاف القناع 2 / 32.

وهذا وجه عند الشافعية (¬1) لكن قال عنه النووي: " شاذ مردود " (¬2) . وسيأتي دليل أصحاب القول الأول. أما أصحاب القول الثاني فلم أطلع على قول لهم، لكن قولهم ضعيف كما ذكر النووي. واختلفوا في الوصية بتقوى الله - تعالى - على قولين: القول الأول: أنها ركن في كل منهما. وبهذا قال الشافعية (¬3) وهو المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم (¬4) . القول الثاني: أنها ركن في الثانية فقط. وبهذا قال بعض الحنابلة (¬5) . الأدلة: استدل أصحاب القول الأول في الركنين بما يلي: ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 520. (¬3) ينظر المرجع السابق، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 286. (¬4) ينظر: شرح الزركشي 2 / 177، والمغني 3 / 173 - 174، والإنصاف 2 / 388. (¬5) ينظر: الإنصاف 2 / 387.

أن كل خطبة من خطبتي الجمعة منفصلة عن الأخرى، فيجب أن تستقل بأركانها، ومنها الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والوصية بتقوى الله - تعالى - (¬1) . وأما الأقوال الأخرى فلم أطلع على أدلة لها. ولا شك أن ما استدل به أصحاب القول الأول فيه قوة، مما يرجح قولهم. واختلفوا في قراءة القرآن على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنها ركن في كل منهما. وهذا وجه مشهور عند الشافعية (¬2) وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم (¬3) . القول الثاني: أنها ركن في الأولى فقط. وهذا وجه عند الشافعية (¬4) وبه قال بعض الحنابلة (¬5) . ¬

(¬1) ينظر: مغني المحتاج 1 / 286. (¬2) ينظر: حلية العلماء 2 / 278، والمجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25. (¬3) ينظر: الكافي لابن قدامة 1 / 221، وشرح الزركشي 2 / 178، والفروع 2 / 110، والإنصاف 2 / 387، والمبدع 2 / 158. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25. (¬5) ينظر: شرح الزركشي 2 / 178، والفروع 2 / 110، والإنصاف 2 / 388.

القول الثالث: أنها ركن في إحداهما من غير تعيين. وبهذا قال الإمام الشافعي، وهو الوجه الصحيح عند أصحابه (¬1) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: 1 - أن كل خطبة من خطبتي الجمعة منفصلة عن الأخرى، فيجب أن تستقل بأركانها، ومنها قراءة القرآن (¬2) . 2 - أن ما وجب في إحدى الخطبتين وجب في الأخرى، كسائر الفروض (¬3) . 3 - أن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين، فكانت قراءة القرآن في كل واحدة منهما شرطا كالركعتين (¬4) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن قيام الخطبتين مقام الركعتين لم يثبت عليه دليل كما تقدم (¬5) . ¬

(¬1) ينظر: الأم 1 / 231، وحلية العلماء 2 / 278، والمجموع 4 / 520، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 286. (¬2) ينظر: مغني المحتاج 1 / 286. (¬3) ينظر: الكافي لابن قدامة 1 / 221. (¬4) ينظر: المغني 3 / 174، والمبدع 2 / 158. (¬5) ص (34 - 35) .

دليل أصحاب القول الثاني: ما رواه الشعبي (¬1) قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال: (السلام عليكم) ، ويحمد الله، ويثني عليه، ويقرأ سورة، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، ثم ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه» (¬2) . وجه الدلالة: ظاهر الحديث يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قرأ في الخطبة الأولى فقط، ووعظ في الثانية، وهذا يدل على أن محل قراءة القرآن في الخطبة الأولى (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أنه مرسل، لأن الشعبي تابعي، فهو لم يولد إلا في خلافة عمر - رضي الله عنه - كما في ترجمته، فلا يصلح ¬

(¬1) هو عامر بن شراحبيل الهمذاني، الكوفي، علامة التابعين، يكنى بأبي عمرو، ولد في خلافة عمر، وكان إماما، حافظا، فقيها، ثبتا، قال فيه الحبّال: كان واحد زمانه في فنون العلم، توفي سنة 103هـ وقيل غير ذلك. (ينظر تذكرة الحفاظ 1 / 79، وتهذيب التهذيب 5 / 65) . (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب الإمام إذا جلس على المنبر يسلم 2 / 114، وعبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجمعة - باب تسليم الإمام إذا صعد 3 / 193 مختصرا وهو مرسل. (¬3) ينظر: المغني 3 / 174.

للاحتجاج. الوجه الثاني: على تقدير ثبوته فإنه ليس بظاهر الدلالة، فليس فيه أنه لم يقرأ في الثانية، وقوله: " ثم يقوم فيخطب " محتمل للقراءة أثناءها. أما أصحاب القول الثالث فلم أطلع على دليل لهم، ولعلهم يستدلون بأن المطلوب هو قراءة القرآن في الخطبة، وذلك حاصل بالقراءة في أي واحدة من الخطبتين. لكن هذا غير ظاهر لما ذكره أصحاب القول الأول من استقلال كل منهما عن الأخرى. الترجيح: تقدم ترجيح سنية قراءة القرآن في خطبة الجمعة، ولكن بناء على قول من قال بركنيتها الذين اختلفوا هنا فإن الأدلة مع أصحاب القول الأول، والله أعلم.

الفصل الرابع سنن خطبة الجمعة

[الفصل الرابع سنن خطبة الجمعة] [المبحث الأول السنن لها] [المطلب الأول الطهارة] [المسألة الأولى الطهارة من الحدث الأكبر (الجنابة) ] الفصل الرابع سنن خطبة الجمعة وفيه مبحثان: المبحث الأول: السنن لها. المبحث الثاني: السنن فيها.

المبحث الأول السنن لخطبة الجمعة يسن للخطيب عند الخطبة وأثناءها عدد من السنن تتمثل في المطالب التالية: المطلب الأول: الطهارة. المطلب الثاني: ستر العورة، وإزالة النجاسة. المطلب الثالث: التجمل. المطلب الرابع: أن تكون على منبر أو موضع عال. المطلب الخامس: استقبال الخطيب للناس. المطلب السادس: استقبال الناس للخطيب. المطلب السابع: السلام على الناس. المطلب الثامن: الجلوس على المنبر حتى يفرغ المؤذن. المطلب التاسع: الاعتماد على قوس أو عصا أو سيف أو نحوها. المطلب العاشر: رفع الصوت بها زيادة على القدر الواجب. المطلب الحادي عشر: الجلسة بين الخطبتين.

المطلب الأول: الطهارة وفيها مسألتان: المسألة الأولى: الطهارة من الحدث الأكبر (الجنابة) . المسألة الثانية: الطهارة من الحدث الأصغر. المسألة الأولى: الطهارة من الحدث الأكبر (الجنابة) اختلف الفقهاء في اشتراط طهارة الخطيب حال الخطبة من الحدث الأكبر، وذلك على قولين: القول الأول: لا تشترط الطهارة من الحدث الأكبر للخطيب حال الخطبة، بل تستحب. وبهذا قال الإمام أبو حنيفة وأكثر أصحابه (¬1) وهو الظاهر من قول المالكية، حيث أطلقوا القول بصحة الخطبة مع الحدث (¬2) ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263، وتبيين الحقائق 1 / 220، والفتاوى الهندية 1 / 146. (¬2) ينظر: التفريع 1 / 231، والكافي لابن عبد البر 1 / 251، والإشراف 1 / 133 - 134.

وهو قول للشافعية (¬1) وهو رواية عن الإمام أحمد، والمذهب عند أصحابه (¬2) . القول الثاني: تشترط الطهارة من الحدث الأكبر. وبهذا قال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (¬3) وهو القول الجديد للإمام الشافعي، والصحيح عند أصحابه، بل ذكر بعضهم أن خطبة الجنب لا تصح قولا واحدا (¬4) وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها بعض أصحابه (¬5) بل قال في المغني: " والأشبه بأصول المذهب اشتراط الطهارة من الجنابة، فإن أصحابنا قالوا يشترط قراءة آية فصاعدا، وليس ذلك للجنب. . . . " (¬6) . الأدلة: دليل أصحاب القول الأول: ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 515، وروضة الطالبين 2 / 27. (¬2) ينظر: شرح الزركشي 2 / 181، والمغني 3 / 177، والفروع 2 / 114، والمبدع 2 / 159 - 160، والإنصاف 2 / 391 - 392، وكشاف القناع 2 / 34. (¬3) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 515، وروضة الطالبين 2 / 27، ومغني المحتاج 1 / 288. (¬5) ينظر: شرح الزركشي 2 / 181، والمغني 3 / 177، والفروع 2 / 114، والمبدع 2 / 159 - 160، والإنصاف 2 / 391 - 392. (¬6) المغني 3 / 177.

أن الخطبة من باب الذكر، والجنب لا يمنع من ذكر الله - تعالى - (¬1) . دليل أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: أولا: من السنة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب متطهرا (¬2) وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬3) (¬4) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن الخطبة وإن كانت شرطا للصلاة وأمرا مرتبطا بها إلا أنها ليست بصلاة يشترط لها ما يشترط للصلاة. الوجه الثاني: أن هذا مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، بل على الاستحباب. ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263. (¬2) لم أطلع على حديث صريح بذلك، ولعل النووي أخذه من استقراء حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم. (¬3) تقدم تخريجه من حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - ص 32) . (¬4) ذكر هذا الدليل النووي في المجموع 4 / 515 - 516.

ثانيا: من المعقول: 1 - أن الخطبة بمنزلة شطر الصلاة كما جاء في بعض الآثار (¬1) ولهذا لا تجوز في غير وقت الصلاة، فيشترط لها الطهارة كما تشترط للصلاة (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن الآثار الواردة في أن الخطبة بمنزلة شطر الصلاة لم يثبت شيء منها حسب اطلاعي. الوجه الثاني: أن اعتبارها بالصلاة غير سديد، فهي تؤدى حال استدبار القبلة، ولا يفسدها الكلام بخلاف الصلاة (¬3) . 2 - أن قراءة القرآن في الخطبة واجبة، ولا تحسب قراءة الجنب، فلا تصح خطبته (¬4) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن وجوب قراءة القرآن في الخطبة محل خلاف كما تقدم (¬5) فمن الفقهاء من يرى أنها سنة. ¬

(¬1) تقدم ذلك عن عمر، وابنه عبد الله، وعائشة - رضي الله عنهم - ص (34 - 35) . (¬2) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263. (¬3) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 515، وروضة الطالبين 2 / 27. (¬5) ص (141 - 142) .

المسألة الثانية الطهارة من الحدث الأصغر

الترجيح: بعد التأمل في أدلة القولين في المسألة تبين أنه ليس هناك أدلة واضحة على اشتراط الطهارة الكبرى لخطبة الجمعة، فيكون الظاهر عدم اشتراطها، بل تستحب؛ لأن الأصل عدم الاشتراط، وهذا إذا كان الخطيب خارج المسجد - وإن كان فيه بعد -، فإن كان داخله فإنه يحرم عليه اللبث فيه للخطبة، فإن فعل صحت الخطبة مع الإثم، لأن الخلل حصل بأمر خارج عن الخطبة (¬1) والله أعلم بالصواب. [المسألة الثانية الطهارة من الحدث الأصغر] المسألة الثانية: الطهارة من الحدث الأصغر اختلف الفقهاء في اشتراط طهارة الخطيب حال الخطبة من الحدث الأصغر، وذلك على قولين: القول الأول: لا تشترط الطهارة من الحدث الأصغر للخطيب حال الخطبة، بل تستحب. ¬

(¬1) ينظر: كشاف القناع 2 / 34.

وبهذا قال الإمام أبو حنيفة وأكثر أصحابه (¬1) والمالكية (¬2) وهو القول القديم للإمام الشافعي (¬3) ورواية عن الإمام أحمد، وهي المذهب عند أصحابه، وعليها أكثرهم (¬4) . القول الثاني: تشترط الطهارة من الحدث الأصغر للخطيب حال الخطبة. وبهذا قال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (¬5) والإمام الشافعي في الجديد، وهو الصحيح عند أصحابه (¬6) وهو رواية عن الإمام أحمد، واختارها بعض أصحابه (¬7) . ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263، والهداية للمرغيناني 1 / 83، وتبيين الحقائق 1 / 220، وفتاوى قاضيخان 1 / 180، والفتاوى الهندية 1 / 146. (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 133 - 134، والتفريع 1 / 231، والكافي لابن عبد البر 1 / 251. (¬3) ينظر: حلية العلماء 2 / 277، والمجموع 4 / 515، 522 - 523، وروضة الطالبين 2 / 27، ومغني المحتاج 1 / 288. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والمغني 3 / 177، وشرح الزركشي 2 / 180، والفروع 2 / 114، والمحرر 1 / 150، والإنصاف 2 / 391. (¬5) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263. (¬6) ينظر: حلية العلماء 2 / 277، والمجموع 4 / 515، وروضة الطالبين 2 / 27. (¬7) ينظر: المغني 3 / 177، وشرح الزركشي 2 / 180، والفروع 2 / 114، والإنصاف 2 / 392.

الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على عدم الاشتراط بما يلي: 1 - أن الخطبة من باب الذكر، والمحدث لا يمنع من ذكر الله - تعالى - (¬1) . 2 - أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة، فلم يكن من شرطه الطهارة، كالأذان (¬2) . 3 - أن الخطبة ذكر ليس من شرطه استقبال القبلة، فلم يكن من شرطه الطهارة، كالتلبية، والشهادتين (¬3) . 4 - أن الخطبة لو افتقرت إلى الطهارة لافتقرت إلى استقبال القبلة، كالصلاة (¬4) . ثانيا: واستدلوا على الاستحباب بأدلة من السنة، والمعقول. أولا: من السنة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي عقيب الخطبة، ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263. (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 134، والمغني 3 / 177، والمبدع 2 / 159 - 160، وكشاف القناع 2 / 34. (¬3) ينظر: الإشراف 1 / 134. (¬4) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 515.

لا يفصل بينهما بطهارة (¬1) فدل على أنه كان متطهرا (¬2) . ثانيا: من المعقول: 1 - أن الطهارة مستحبة للأذان، فالخطبة أولى (¬3) . 2 - أن الخطيب لو لم يكن متطهرا لاحتاج إلى الطهارة بين الصلاة والخطبة، فيفصل بينهما، وربما شق على الحاضرين (¬4) . دليل أصحاب القول الثاني: استدلوا من السنة، والمعقول: أولا: من السنة: استدلوا بما استدل به أصحاب القول الأول من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يفصل بين الخطبة والصلاة بطهارة (¬5) فدل على أنه كان متطهرا (¬6) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هذا مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، بل على الاستحباب كما تقدم. ¬

(¬1) لم أطلع على حديث في ذلك، ولعله أخذ ذلك عن استقراء حاله - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم. (¬2) ينظر: المغني 3 / 177. (¬3) المرجع السابق. (¬4) المرجع السابق. (¬5) لعله مأخوذ من استقراء حاله - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم. (¬6) ذكر الاستدلال بذلك برهان الدين ابن مفلح في المبدع 2 / 159.

ثانيا: من المعقول: 1 - ما استدلوا به على الاشتراط في المطالب السابقة من أن الخطبة بمنزلة شطر الصلاة، كما جاء في بعض الآثار، ولهذا لا تجوز غير وقت الصلاة، فيشترط لها الطهارة كما تشترط للصلاة (¬1) . ويناقش بما تقدم مناقشته به في المطالب السابقة. 2 - أن الخطبة ذكر شرط في الجمعة، فشرط فيه الطهارة، كتكبيرة الإحرام (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الإحرام جزء من الصلاة، فيشترط لها ما يشترط لسائر الصلاة، بخلاف الخطبة فليست كذلك. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بعدم اشتراط الطهارة من الحدث الأصغر للخطيب حال الخطبة، بل إنها مستحبة، لقوة ما استدلوا به وخاصة ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مجرد فعل. ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 26، وبدائع الصنائع 1 / 263. (¬2) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 515، والمبدع 2 / 159.

المطلب الثاني ستر العورة وإزالة النجاسة

[المطلب الثاني ستر العورة وإزالة النجاسة] المطلب الثاني ستر العورة وإزالة النجاسة لم يتطرق كثير من الفقهاء - فيما اطلعت عليه - للكلام على اشتراط ستر العورة وإزالة النجاسة للخطيب حال الخطبة، ومنه الحنفية، والمالكية، ولعل ذلك عائد إلى وضوح الحكم فيه عندهم؛ لكونه يأخذ حكم الطهارة من الحدث الأكبر، وقد تقدم أنه سنة. وأما عند الشافعية، والحنابلة فيجري في ذلك الخلاف الذي جرى في الطهارة من الحدث الأصغر في المطلب السابق، وهو كما يلي: القول الأول: لا يشترط ستر العورة وإزالة النجاسة للخطيب حال الخطبة، بل يسنّ. وهذا هو القول القديم للإمام الشافعي (¬1) وهو رواية عن الإمام أحمد، والمذهب عند أصحابه، وعليه أكثرهم (¬2) كما تقدم في الطهارة الصغرى، قال في الإنصاف: " وحكم ستر العورة ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 515، وروضة الطالبين 2 / 27. (¬2) ينظر: الفروع 2 / 111، والإنصاف 2 / 391 - 393، وكشاف القناع 2 / 34.

المطلب الثالث التجمل

وإزالة النجاسة حكم الطهارة الصغرى في الإجزاء وعدمه " (¬1) . القول الثاني: يشترط ستر العورة وإزالة النجاسة للخطيب حال الخطبة. وهذا هو القول الجديد للإمام الشافعي، والصحيح عند أصحابه (¬2) ورواية عن الإمام أحمد، واختارها بعض أصحابه (¬3) . ولم يصرحوا بأدلة على ذلك، والظاهر أنهم يستدلون بما استدلوا به على اشتراط الطهارة من الحدث الأصغر، فاكتفوا بذكرها هناك، والظاهر فيها رجحان السنية كما ظهر هناك، والله أعلم. [المطلب الثالث التجمل] [المسألة الأولى لبس أحسن ثيابه] المطلب الثالث: التجمل (¬4) وفيها مسألتان: المسألة الأولى: لبس أحسن ثيابه. المسألة الثانية: لون الثياب التي يتجمل بها. ¬

(¬1) الإنصاف 2 / 393. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 515، وروضة الطالبين 2 / 27، ومغني المحتاج 1 / 288. (¬3) ينظر: الفروع 2 / 111، والإنصاف 2 / 392 - 393. (¬4) تعرضت لهذه المسألة مع أنها مما لا يختص بالخطيب، لتأكيد أهل العلم عليها في حق الخطيب أكثر من غيره كما سيأتي.

المسألة الأولى: لبس أحسن ثيابه: لا خلاف في استحباب لبس أحسن الثياب للجمعة كما ذكر في المغني (¬1) وقد ثبتت أحاديث كثيرة في ذلك منها: 1 - ما رواه أبو سعيد وأبو هريرة - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اغتسل يوم الجمعة، واستن، ومسّ من طيب إن كان عنده، ولبس أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد، ولم يتخط رقاب الناس، ثم ركع ما شاء الله أن يركع، وأنصت إذا خرج الإمام كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها» (¬2) . 2 - ما رواه أبو أيوب (¬3) - رضي الله عنه - قال: سمعت ¬

(¬1) المغني 3 / 224. (¬2) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الطهارة - باب في الغسل يوم الجمعة 1 / 94 - 95، الحديث رقم (343) ، والإمام أحمد في مسنده 5 / 177، وقال النووي في المجموع 4 / 537: " رواه أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داود في سننه وغيرهما بأسانيد حسنة ". (¬3) هو خالد بن زيد بن كُلَيب الأنصاري، يكنى بأبي أيوب، من كبار الصحابة، شهد بدرا، ونزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة عنده، مات غازيا الروم سنة خمسين، وقيل بعدها. (ينظر: الإصابة 1 / 405، وتقريب التهذيب (1633) .

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من اغتسل يوم الجمعة، ومسّ من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد، ثم يركع إن بدا له، ولم يؤذ أحدا، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما» (¬1) . 3 - ما رواه عبد الله (¬2) بن سلام - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما على أحدكم إن وجد أو ما على أحدكم إن وجدتم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته» (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5 / 420، وابن خزيمة في صحيحه كتاب الجمعة - باب فضل إنصات المأموم عند خروج الإمام. 3 / 138، الحديث رقم (1775) وقال الأرنؤوط في هامش زاد المعاد 1 / 381: " وإسناده حسن ". (¬2) هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، ثم الأنصاري، من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، يكنى بأبي يوسف، حليف الخزرج، قيل: كان اسمه الحصين فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله، أسلم أول ما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكان يهوديا، روى عدة أحاديث، ومات سنة 43 هـ. (ينظر: الإصابة 4 / 80، وأسد الغابة 3 / 176) . (¬3) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب اللبس للجمعة 1 / 282 - 283، الحديث رقم (1078) ، وابن ماجه في سننه في كتاب إقامة الصلاة - باب ما جاء في الزينة 1 / 348، الحديث رقم (1095) ، وقال في الزوائد: " وإسناده صحيح ورجاله ثقات ".

قال في المغني: " والإمام في هذا ونحوه آكد من غيره؛ لأنه المنظور إليه من بين الناس " (¬1) . وقد نص الشافعية (¬2) والحنابلة (¬3) على أنه يسنّ له أن يعتم ويرتدي اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. ودليل الاعتمام: ما رواه عمرو بن حريث - رضي الله عنه - قال: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس وعليه عمامة سوداء» (¬4) . ودليل الارتداء ببرد: ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - برد يلبسه في العيدين والجمعة» (¬5) . ومع ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - في الاعتمام والارتداء أثناء الخطبة إلا أن هذا يحمل على أن هذه هي أحسن ¬

(¬1) المغني 3 / 230، ومثله قال في المهذب مع المجموع 4 / 537. (¬2) ينظر: الحاوي: 3 / 54، والمجموع 4 / 538، وروضة الطالبين 2 / 45. (¬3) ينظر: المغني 3 / 229، والمبدع 2 / 170، وكشاف القناع 2 / 42. (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب جواز دخول مكة بغير إحرام 2 / 990، الحديث رقم (1359) . (¬5) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب ما يستحب من الارتداء ببرد 3 / 247.

ثيابهم في وقتهم، وإلا فلا تلزم بعينها؛ لأن المقصود هو التجمل في الأحاديث التي تقدمت، ومن المعلوم أن لكل بلد ثيابا خاصة، ولكل زمان ثياب خاصة، تعتبر هي أحسن الثياب عند الناس فيه، والواقع شاهد بذلك. وأما أن يتخذ الخطيب لباسا معينا يختلف به عن الناس، ويلتزم به وينكر عليه لو تركه فهذا مما لا أصل له، قال ابن القيم (¬1) - رحمه الله - مبينا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته ومنكرا لما يُتخذ من ذلك في وقته: " ولم يكن يلبس لباس الخطباء اليوم لا طرحة (¬2) ولا زيقا (¬3) واسعا (¬4) وقال في موضع ¬

(¬1) هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، الدمشقي، يكنى بأبي عبد الله، ويعرف بـ " ابن قيم الجوزية "، تفقه على شيخ الإسلام ابن تيمية حتى صار من أبرز تلاميذه، وامتحن وأوذي مرارا، له مصنفات نفيسة في فنون متعددة منها: زاد المعاد، وإعلام الموقعين، وتوفي سنة 751 هـ. (ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 2 / 447، والمقصد الأرشد 2 / 374) . (¬2) قال في القاموس: " الطرحة: الطيلسان "، وسيأتي، ولم أطلع على من فسرها بغير ذلك، ولعل بينهما تشابها شديدا ففسر كل واحد بالآخر، والله أعلم. (القاموس المحيط، مادة " طرح " 1 / 246) . (¬3) قال في اللسان: الزيق: ما كُفَّ من جانب الجيب، وزيق القميص ما أحاط بالعنق. (لسان العرب، مادة " زيق " 10 / 150 - 151) . (¬4) زاد المعاد 1 / 189.

المسألة الثانية لون الثياب التي يتجمل بها

آخر: " ولا طيلسان (¬1) ولا طرحة " (¬2) . [المسألة الثانية لون الثياب التي يتجمل بها] المسألة الثانية: لون الثياب التي يتجمل بها اختلف الفقهاء في لون الثياب التي يفضل للخطيب التجمل بها أثناء خطبة الجمعة، وذلك على قولين: القول الأول: الأفضل له لبس البياض. وبهذا قال الحنابلة (¬3) . القول الثاني: يخير بين البياض والسواد. ¬

(¬1) قال في اللسان: " الطيلسان ضرب من الأكسية، وهو فارسي معرب "، وقال في المصباح: الطيلسان من لباس العجم. (ينظر: لسان العرب، مادة " طلس " 6 / 125، والمصباح المنير، مادة " طلس " 1 / 375) . (¬2) زاد العاد 1 / 429. (¬3) ينظر: المغني 3 / 229، والفروع 2 / 104، والإنصاف 2 / 408، والمبدع 2 / 170، وكشاف القناع 2 / 42.

وبهذا قال الحنفية (¬1) والشافعية (¬2) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: 1 - ما رواه سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «البسوا ثياب البيض فإنها أطهر وأطيب» (¬3) . 2 - ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير ثيابكم البياض، ألبسوها ¬

(¬1) ينظر: مراقي الفلاح ص (103) . (¬2) ينظر: الحاوي 3 / 54، والمجموع 4 / 538، وروضة الطالبين 2 / 45. (¬3) أخرجه النسائي في سننه في كتاب الجنائز - باب أي الكفن خير 4 / 35، الحديث رقم (1896) ، وفي كتاب الزينة - باب الأمر بلبس البيض من الثياب 8 / 205، الحديثان (5322، 5323) ، وابن ماجه في كتاب اللباس - باب البياض من الثياب 2 / 1181، الحديث (3067) ، والإمام أحمد في مسنده 5 / 10، 12، 17، 19، 21، والبيهقي في السنن الكبرى، في كتاب الجنائز - باب استحباب البياض في الكفن 3 / 402 - 403. والحاكم في مستدركه في كتاب الجنائز - باب الكفن في ثياب البيض أطهر وأطيب 1 / 354 - 355، وصححه، ووافقه الذهبي في تلخيصه، وصححه النووي في المجموع 4 / 537.

أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم» (¬1) . فهذا العموم يدخل فيه الخطيب حال خطبة الجمعة، بل هو أولى لما سبق من الحث على تحسين الثياب، ومن تحسينها بياضها. أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا على البياض بما استدل به أصحاب القول الأول. واستدلوا على السواد بحديث عمرو بن حريث - رضي الله عنه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس وعليه عمامة سوداء» (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن ذلك في غير خطبة الجمعة، بل في فتح مكة؛ لما جاء في حديث جابر - رضي الله عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الطب - باب في الأمر بالكحل 4 / 8، الحديث رقم (3878) ، وفي كتاب اللباس - باب في البياض 4 / 51، الحديث رقم (4061) ، والترمذي في أبواب الجنائز - باب ما جاء ما يستحب من الأكقان 2 / 232، الحديث رقم (999) وقال: " حديث حسن صحيح "، وابن ماجه في كتاب الجنائز - باب ما جاء فيما يستحب في الكفن 1 / 473، الحديث رقم (1472) ، وفي كتاب اللباس - باب البياض من الثياب 2 / 1181، الحديث رقم (3566) ، والإمام أحمد في مسنده 1 / 247، 274، 328، 355، 363. (¬2) تقدم تخريجه ص (186) .

سوداء بغير إحرام» (¬1) قال ابن القيم بعد أن ذكر ذلك واستدل به على جواز لبس السواد أحيانا: " والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يلبسه لباسا راتبا، ولا كان شعاره في الأعياد والجمع والمجامع العظام البتة، وإنما اتفق له لبس العمامة السوداء يوم الفتح دون سائر الصحابة، ولم يكن سائر لباسه يومئذ السواد، بل كان لواؤه أبيض " (¬2) . الوجه الثاني: أن فعله هذا لبيان الجواز جمعا بينه وبين أدلة القول الأول. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بأن الأفضل للخطيب في الجمعة لبس البياض، لعموم ما استدلوا به، وعموم أدلة استحباب لبس أحسن الثياب المتقدمة في الأمر الأول. هذا ما لم يكن هناك حاجة تدعو إلى لبس غيره كبرد أو غيره، فإنه يلبس ما يدفع حاجته ويقيه من الضرر. ¬

(¬1) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحج - باب جواز دخول مكة بغير إحرام 2 / 990، الحديث رقم (1358) . (¬2) زاد المعاد 3 / 459.

المطلب الرابع أن تكون على منبر أو موضع عال

[المطلب الرابع أن تكون على منبر أو موضع عال] [تمهيد] المطلب الرابع أن تكون على منبر أو موضع عال وفيها تمهيد، وثلاث مسائل: التمهيد في تعريف المنبر أو ما يقوم مقامه. المسألة الأولى: حكم اتخاذه. المسأله الثانية: حكم الخطبة عليه. المسألة الثالثة: مكانه، ومكان الوقوف عليه. التمهيد: تعريف المنبر. المنبر: مأخوذ من النبر، وهو الارتفاع. قال في القاموس: " نبر الحرف ينبره: همزه، والشيء رفعه، ومنه المنبر بكسر الميم " (¬1) . وقال في اللسان: " النبر بالكلام الهمز، قال: وكل شيء رفع شيئا فقد نبره. . . والنبرة وسط النقرة، وكل شيء ارتفع من شيء نبره لانتباره. . . وكل ما رفعته فقد نبرته تنبره نبرا، وانتبر الجرح ارتفع وورم. . . والمنبر مرقاة الخاطب، سمي منبرا لارتفاعه ¬

(¬1) القاموس المحيط، مادة " نبر " 2 / 142.

المسألة الأولى حكم اتخاذ المنبر

وعلوه، وانتبر الأمير، ارتفع فوق المنبر " (¬1) . وقال النووي: " المنبر - بكسر الميم - مشتق من النبر، وهو الارتفاع " (¬2) . وقال في المصباح: " النبر في الكلام الهمز، وكل شيء رفع فقد نبر، ومنه المنبر لارتفاعه، وكسرت الميم على التشبيه بالآلة " (¬3) . والمفهوم من جملة كلام الفقهاء أن المنبر هو ما يتخذ على يمين المحراب من مرتفع يتكون من درجات ليقوم عليه الخطيب أثناء الخطبة. [المسألة الأولى حكم اتخاذ المنبر] المسألة الأولى: حكم اتخاذ المنبر: أجمع الفقهاء على استحباب اتخاذ المنبر، وممن نقله النووي حيث قال في شرح مسلم: ". . . فيه استحباب اتخاذ المنبر، وهو سنة مجمع عليها " (¬4) . ¬

(¬1) لسان العرب، مادة " نبر " 5 / 189. (¬2) تحرير ألفاظ التنبيه المسمى بـ " لغة الفقه " ص (85) . (¬3) المصباح المنير، مادة " نبر " 2 / 590. (¬4) شرح مسلم 6 / 152.

وقال في المبدع: " واتخاذه سنة مجمع عليها " (¬1) . الأدلة: من الأدلة على ذلك ما يلي: 1 - ما روي «أن رجالا أتوا سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - وقد امتروا في المنبر مم عوده؟ فسألوه عن ذلك، فقال: (والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى فلانة - امرأة قد سماها سهل - مري غلامك النجار أن يعمل لي أعوادا أجلس عليهن إذا كلمت الناس، فأمرته، فعملها من طرفاء الغابة، ثم جاء بها فأرسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بها فوضعت هاهنا، ثم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى عليها، وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي» (¬2) . ¬

(¬1) المبدع 2 / 161، ومثله قال البهوتي في كشاف القناع 2 / 35. (¬2) تقدم تخريجه ص (84 - 85) ، وتفسير غريبه.

قال عنه في فتح الباري: " وفيه استحباب اتخاذ المنبر، لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه " (¬1) . 2 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «كان جذع يقوم إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار (¬2) حتى نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليه» (¬3) . 3 - ما رواه عبد الله بن عمر وأبو هريرة - رضي الله عنهم - أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» (¬4) . قال عنه النووي: ". . . فيه استحباب اتخاذ المنبر " (¬5) . ¬

(¬1) فتح الباري 2 / 400. (¬2) قال في مختار الصحاح: العشار - بالكسر -: جمع عشراء كفقهاء، وهي الناقة التي أتى عليها وقت الحمل عشرة أشهر. (مختار الصحاح، مادة " عشر " ص (182) . (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجمعة - باب الخطبة على المنبر 1 / 220. (¬4) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب التغليظ في ترك الجمعة 2 / 591، الحديث رقم (865) . (¬5) شرح صحيح مسلم 6 / 152.

المسألة الثانية حكم الخطبة على المنبر أو ما يقوم مقامه

هذا طرف من الأحاديث الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اتخاذ المنبر، ثم توارثته الأمة من بعده حتى زمننا الحاضر. قال الزركشي الحنبلي (¬1) - رحمه الله -: " وقد ثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ منبرا، وخطب عليه، ولذلك توارثته الأمة بعده " (¬2) . [المسألة الثانية حكم الخطبة على المنبر أو ما يقوم مقامه] المسألة الثانية: حكم الخطبة على المنبر أو ما يقوم مقامه ذهب أصحاب المذاهب الأربعة - الحنفية (¬3) والمالكية (¬4) ¬

(¬1) هو محمد بن عبد الله الزركشي الحنبلي، شمس الدين، أخذ الفقه عن موفق الدين عبد الله قاضي الديار المصرية وغيره، وكان إماما في المذهب، وصنف مصنفات نفيسة منها: شرح الخرقي، وشرح قطعة من المحرر، ومن الوجيز، وتوفي سنة 772 هـ. (ينظر: شذرات الذهب 6 / 224، والسحب الوابلة 3 / 966) . (¬2) شرح الزركشي على الخرقي 2 / 165. (¬3) ينظر: الفتاوى الهندية 1 / 147، ومراقي الفلاح ص (103) . (¬4) ينظر: مواهب الجليل 2 / 172، وبلغة السالك 1 / 181.

والشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) - إلى استحباب الخطبة للجمعة على منبر أو ما يقوم مقامه من موضع عال. بل نقل النووي وغيره (¬3) إجماع أهل العلم على ذلك. قال النووي في المجموع: " أجمع العلماء على أنه يستحب كون الخطبة على منبر " (¬4) . الأدلة: أولا: الأدلة من السنة: بالإضافة إلى ما سبق من الأدلة على مشروعية اتخاذ المنبر في الأمر السابق فهي - أيضا - تدل على استحباب الخطبة عليه استدلوا بما يلي: 1 - ما رواه السائب (¬5) بن يزيد - رضي الله عنه - قال: ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 527، وروضة الطالبين 2 / 31، ومغني المحتاج 1 / 288. (¬2) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 165، المغني 3 / 160، والفروع 2 / 118، والمحرر 1 / 150، والإنصاف 2 / 395، وكشاف القناع 2 / 35. (¬3) ومنهم الزركشي 2 / 165، والبهوتي في كشاف القناع 2 / 35. (¬4) المجموع 4 / 527. (¬5) هو السائب بن يزيد ين سعيد بن ثمامة الكندي، يعرف بابن أخت النمر، صحابي صغير، له أحاديث قليلة، وحج به في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة، مات سنة 91 هـ وقيل قبل ذلك، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة. (ينظر: الإصابة 3 / 62، وأسد الغابة 2 / 257) .

«كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر. . .» الحديث (¬1) . فالشاهد هنا قوله: «إذا جلس الإمام على المنبر» يعني ليخطب بعد الأذان عليه. 2 - ما روته أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: «لقد كان تنورنا (¬2) وتنور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدا سنتين أو سنة وبعض سنة، وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] (¬3) إلا عن لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس» (¬4) . وهذا واضح الدلالة. 3 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «جاء ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب الأذان يوم الجمعة 1 / 219. (¬2) قال في المصباح: التنور: الذي يخبز فيه، ووافقت لغة العرب العجم، وقال أبو حاتم: ليس بعربي صحيح، والجمع التنانير. (المصباح المنير، مادة " تنر " 1 / 77) . (¬3) سورة (ق) ، الآية رقم (1) . (¬4) تقدم تخريجه ص (146) ، وهذا اللفظ أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 595، الحديث رقم (873) .

رجل (¬1) والنبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يوم الجمعة يخطب، فقال له: أركعت ركعتين؟ قال: لا، فقال: فاركع» (¬2) . وهذا - أيضا - واضح الدلالة. هذا طرف من الأحاديث الكثيرة الدالة على استحباب الخطبة على المنبر. ثانيا: من المعقول: 1- أن الخطبة على المنبر أبلغ في إعلام الحاضرين الذي يتحقق به مقصود الخطبة (¬3) . 2 - أن الإمام إذا كان على منبر شاهده الناس، وإذا شاهدوه كان أبلغ في وعظهم (¬4) . ¬

(¬1) ذكر ابن حجر في فتح الباري 2 / 407 أن اسمه سليك الغطفاني، وقد جاء ذلك في إحدى روايات مسلم. (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب إذا رأى الإمام رجال جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين 1 / 223، بدون لفظ (على المنبر) وهو محل الشاهد، وأخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب التحية والإمام يخطب 2 / 596، الحديث رقم (875) . (¬3) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 525 - 526، والمجموع 4 / 527، ومغني المحتاج 1 / 289، وشرح الزركشي 2 / 165، وكشاف القناع 2 / 35. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 527.

المسألة الثالثة مكان المنبر ومكان الوقوف عليه

[المسألة الثالثة مكان المنبر ومكان الوقوف عليه] المسألة الثالثة: مكان المنبر ومكان الوقوف عليه وفيها أمران: الأمر الأول: مكان المنبر. الأمر الثاني: مكان الوقوف عليه. الأمر الأول: مكان المنبر: ذهب أصحاب المذاهب الأربعة - الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) - إلى أن السنة كون المنبر على يمين المحراب، أي على يمين مستقبل القبلة إذا كان في المحراب. الدليل: أن منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على يمين محرابه، ¬

(¬1) ينظر: مراقي الفلاح ص (103) . (¬2) ينظر: البيان والتحصيل 1 / 341. (¬3) ينظر: الحاوي 3 / 52، وروضة الطالبين 2 / 31، ومغني المحتاج 1 / 288. (¬4) ينظر: المغني 3 / 161، والفروع 2 / 118، والإنصاف 2 / 395، والمبدع 2 / 161، وكشاف القناع 2 / 35.

فيسن الاقتداء به (¬1) . هذا إذا وقف على المنبر، أما إذا وقف على الأرض فإنه يقف على يسار المحراب، خلاف المنبر (¬2) . الأمر الثاني: مكان الوقوف على المنبر: قال بعض الشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) إنه يقف على الدرجة التي تلي المستراح. واستدلوا بالسنة، والمعقول: ¬

(¬1) ذكر ذلك الرافعي في فتح العزيز مع المجموع 4 / 596، والحنابلة في المراجع السابقة، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير بهامش المجموع 4 / 596: " لم أجده حديثا ولكنه كما قال فالمستند فيه إلى المشاهدة، ويؤيده حديث سهل بن سعد في البخاري في قصة عمل المرأة المنبر قال: (فاحتمله النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضعه حيث ترون) . (¬2) ينظر: الفروع والإنصاف 2 / 395، وكشاف القناع 2 / 35. (¬3) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 526، والمجموع 4 / 526، وروضة الطالبين 2 / 31، ومغني المحتاج 1 / 289. (¬4) ينظر: الفروع 2 / 118، والإنصاف 2 / 395، والمبدع 2 / 161، وكشاف القناع 2 / 35.

أولا: من السنة: فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكر صاحب المهذب وغيره (¬1) . وقال في الفروع مبينا موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء من بعده: " وكان منبره - عليه السلام - ثلاث درجات، يقف على الثالثة التي تلي مكان استراحة، ثم وقف أبو بكر على الثانية، ثم عمر على الأولى تأدبا، ثم وقف عثمان مكان أبي بكر، ثم علي موقف النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم زمن معاوية قلعه مروان وزاد فيه ست درج، فكان الخلفاء يرتقون ستا يقفون مكان عمر " (¬2) . لم أعثر على تخريج هذا الفعل فيما بين يدي من كتب السنة، لكن ذكره النووي في المجموع شرحا لكلام صاحب المهذب دون ذكر لمن أخرجه فقال: " وأما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقف على الدرجة التي تلي المستراح فهذا الحديث موجود في أكثر النسخ وليس موجودا في بعض النسخ ¬

(¬1) المهذب مع المجموع 4 / 526، ومغني المحتاج 1 / 289. (¬2) الفروع 2 / 118، كما ذكر ذلك أيضا المرداوي في الإنصاف 2 / 395، والبهوتي في كشاف القناع 2 / 35.

المقابلة بأصل المصنف، وهو حديث صحيح " (¬1) . وقد ذكر بعض الشافعية إشكالا على الاستدلال بذلك، وهو أنه روي أن أبا بكر نزل عن موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - درجة، وعمر درجة أخرى، وعثمان أخرى، ووقف علي - رضي الله عنه - في موقف النبي - صلى الله عليه وسلم -. لكن أجابوا عنه بأن كلا منهم له قصد صحيح، وليس بعضهم حجة على بعض، والمختار هو موافقة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لعموم الأمر بالاقتداء به (¬2) . ثانيا: من المعقول: أن وقوف الخطيب على المستراح أمكن له، فيستحب (¬3) . وقد ذكر بعض الشافعية أنه يستحب للخطيب أن يقف في يمين المنبر إذا كان واسعا (¬4) . ¬

(¬1) المجموع 4 / 526. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 529 - 530، ومغني المحتاج 1 / 289. (¬3) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 526. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 527، وروضة الطالبين 2 / 33، ومغني المحتاج 1 / 289.

المطلب الخامس استقبال الخطيب للناس

[المطلب الخامس استقبال الخطيب للناس] [المسألة الأولى استقبال الناس واستدبار القبلة] المطلب الخامس استقبال الخطيب للناس وفيه مسألتان: المسألة الأولى: استقبال الناس واستدبار القبلة. المسألة الثانية: أن يقصد تلقاء وجهه فلا يلتفت. المسألة الأولى: استقبال الناس واستدبار القبلة: اختلف الفقهاء في حكم استقبال الخطيب الناس واستدبار القبلة أثناء الخطبة، وذلك على قولين: القول الأول: أن ذلك سنة. وبهذا قال الحنفية (¬1) وهو المشهور عند الشافعية (¬2) والصحيح من المذهب عند الحنابلة (¬3) . ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263، والفتاوى الهندية 1 / 146، ومجمع الأنهر 1 / 168، ومراقي الفلاح ص (103) . (¬2) ينظر: الحاوي 3 / 54، والوجيز 1 / 64، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 289 - 290. (¬3) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والمغني 3 / 178، والفروع 2 / 121، والمحرر 1 / 151، والمبدع 2 / 162، والإنصاف 2 / 396، وكشاف القناع 2 / 37.

القول الثاني: أنه واجب، فلو استدبرهم واستقبل القبلة لم يصح. وبهذا قال بعض الشافعية (¬1) وبعض الحنابلة (¬2) . القول الثالث: أنه واجب، لكن لو استدبرهم واستقبل القبلة أجزأ. وبهذا قال بعض الشافعية (¬3) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على الاستحباب بأدلة من السنة، والمعقول: فمن السنة: فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن القيم - رحمه الله -: " وكان وجهه - صلى الله عليه وسلم - قبلهم في وقت الخطبة " (¬4) ومما روي في ذلك ما يلي: ¬

(¬1) ينظر: روضة الطالبين 2 / 32، وفتح الباري 2 / 402. (¬2) ينظر: الفروع 2 / 121، والإنصاف 2 / 396، والمبدع 2 / 163. (¬3) ينظر: فتح الباري 2 / 402. (¬4) ينظر: زاد المعاد 1 / 430.

1 - ما رواه الشعبي قال «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه فقال: (السلام عليكم) ويحمد الله، ويثني عليه، ويقرأ سورة، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، ثم ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه» (¬1) . الشاهد قوله: " استقبل الناس بوجهه ". ولكن هذا الحديث مرسل كما تقدم في تخريجه. 2 - ما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كان إذا دنا من منبره سلم على من عند المنبر، ثم يصعد، فإذا استقبل الناس بوجهه سلم عليهم ثم قعد» (¬2) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (169) . (¬2) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - جماع أبواب آداب الخطبة - باب الإمام يسلم على الناس إذا صعد المنبر قبل أن يجلس 3 / 205، وقال: " تفرد به عيسى به عبد الله بن الحكم بن النعمان بن بشير أبو موسى الأنصاري، قال أبو سعد: قال أبو أحمد بن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه "، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2 / 184: " رواه الطبراني في الأوسط وفيه عيسى بن عبد الله الأنصاري وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات ". وذكره الرافعي في فتح العزيز 4 / 597، وقال ابن حجر في التلخيص بهامش المجموع 4 / 597: ابن عدي (يعني أخرجه) من حديث ابن عمر، أورده في ترجمة عيسى الأنصاري، وضعفه وكذا ضعفه به ابن حبان ".

ولكن هذا ضعيف أيضا كما في تخريجه. ومن المعقول: أن الخطيب يعظ الناس بخطبته، ويوصيهم بتقوى الله - سبحانه - ومراقبته، فكان إقباله عليهم أبلغ في الانتفاع بها (¬1) . ثانيا: واستدلوا على الصحة مع الاستدبار بما يلي: أن المقصود هو سماع الخطبة، وهو حاصل مع الاستدبار، كالأذان فإن من سننه استقبال القبلة، ويجزئ مع استدبارها (¬2) . أما أصحاب القولين الثاني والثالث فلم أطلع على أدلة لهم، ولكن لعلهم يستدلون على الوجوب بفعل النبي - صلى الله عليه سلم - ومواظبته، ولكن هذا مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، وإنما على الاستحباب. ¬

(¬1) ينظر: الحاوي 3 / 54. (¬2) ينظر: الحاوي 3 / 55، وينظر في أوله المغني 3 / 178، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 37.

المسألة الثانية أن يقصد تلقاء وجهه فلا يلتفت

واستدل أصحاب القول الثاني على عدم الإجزاء بأن في الاستدبار تركا للجهة المشروعة، فلا تجزئ الخطبة (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن استقبال الجهة لا دليل على وجوبه، وإنما الوارد فيه فعل مجرد، وهو لا يدل على الوجوب كما أسلفت. وأما أصحاب القول الثالث فلعلهم يستدلون على الإجزاء بما استدل به أصحاب القول الأول، والله أعلم. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية استقبال الخطيب للناس واستدبار القبلة أثناء الخطبة؛ لما استدلوا به. [المسألة الثانية أن يقصد تلقاء وجهه فلا يلتفت] المسألة الثانية: أن يقصد تلقاء وجهه فلا يلتفت: اختلف الفقهاء في قصد الخطيب تلقاء وجهه أثناء الخطبة، وعدم الالتفات، وذلك على قولين: ¬

(¬1) ينظر: المبدع 2 / 163.

القول الأول: يسن قصد تلقاء وجهه. وبه قال الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) . القول الثاني: يسن الالتفات في بعض الخطبة. وهذا منسوب إلى الإمام أبي حنيفة (¬3) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: أولا: من السنة: فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك (¬4) . ويظهر أنهم أخذوا ذلك من حديثي ابن عمر - رضي الله عنهما - والشعبي المتقدمين في المسألة الأولى. ¬

(¬1) ينظر: الأم 1 / 230، والحاوي 3 / 55، والمجموع 4 / 528، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 289. (¬2) ينظر: المغني 3 / 178، والفروع 2 / 119، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36. (¬3) نسبه إليه النووي في المجموع 4 / 528. (¬4) وممن استدل بذلك ابن قدامة في المغني 3 / 178، وبرهان الدين ابن مفلح في المبدع 2 / 163، والبهوتي في كشاف القناع 2 / 36.

ثانيا: من المعقول: 1 - أنه إذا قصد وجهه عم الحاضرين سماعه، وإذا التفت يمينا قصر عن سماع يسرته، وإذا التفت شمالا قصر عن سماع يمنته (¬1) . 2 - أن في إعراضه عمن أقبل إليه وقصد بوجهه إليه قبح عشرة، وسوء أدب (¬2) . دليل صاحب القول الثاني: استدل له النووي بأنه يسن الالتفات في بعض الخطبة قياسا على الأذان (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق، فإن الأذان إعلام لغير الحاضرين، فيحتاج فيه إلى الالتفات لإعلام من على اليمين والشمال، أما الخطبة فهي خطاب للحاضرين في المسجد، فلا حاجة فيه للالتفات؛ لحصول الإبلاغ بدونه. قال النووي عن هذا القول ودليله: " وهذا غريب، لا ¬

(¬1) ينظر: الأم 1 / 230، والحاوي 3 / 55، ومعناه في المغني 3 / 178، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36. (¬2) ينظر: الأم 1 / 230، والحاوي 3 / 55. (¬3) ينظر: المجموع 4 / 528.

المطلب السادس استقبال الناس للخطيب

أصل له " (¬1) . الترجيح: الذي يظهر - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بأنه يسن أن يقصد الخطيب تلقاء وجهه أثناء الخطبة فلا يلتفت؛ لقوة أدلته، وخاصة العقلية، وضعف القول الثاني. وسيأتي - إن شاء الله - في المبحث الخامس بدعية الالتفات والكلام عليه. [المطلب السادس استقبال الناس للخطيب] المطلب السادس استقبال الناس للخطيب اختلف الفقهاء في حكم استقبال الناس للخطيب أثناء الخطبة، وذلك على قولين: القول الأول: يسن للناس استقباله. وبهذا قال الحنفية (¬2) والمالكية في قول ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 528. (¬2) ينظر: المبسوط 2 / 30، وبدائع الصنائع 1 / 263، وفتاوى قاضي خان 1 / 181، والفتاوى الهندية 1 / 147، ومجمع الأنهر 1 / 171.

لهم (¬1) والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3) . قال في المغني: " قال ابن المنذر (¬4) هذا كالإجماع " (¬5) . القول الثاني: يجب على الناس استقباله. وهذا قول للمالكية، قال بعضهم: إنه المذهب، وقيل: المذهب الأول (¬6) . القول الثالث: لا يسن للناس استقباله، وإنما يستقبلون القبلة. ¬

(¬1) ينظر: الشرح الصغير للدردير 1 / 180، ومواهب الجليل 2 / 166. (¬2) ينظر: الحاوي 3 / 46 - 47، والوجيز 1 / 64، والمجموع 4 / 528، وروضة الطالبين 2 / 28، ومغني المحتاج 1 / 287. (¬3) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والمغني 3 / 172، والفروع 2 / 121، والمحرر 1 / 151، والإنصاف 2 / 396، وكشاف القناع 2 / 37. (¬4) هو محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، يكنى بأبي بكر، نزل مكة، يعد من كبار الشافعية، قال عنه الذهبي: كان غاية في معرفة الاختلاف الدليل، وكان مجتهدا لا يقلد أحدا، له مصنفات منها: الإشراف على مذاهب أهل العلم، والإجماع، توفي سنة 319 هـ. (ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 2 / 126، وطبقات الشافعية للإسنوي 2 / 197) . (¬5) المغني 3 / 172، وقال ابن حجر في الفتح 2 / 402: " قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء ". (¬6) ينظر: مواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 166، والفواكه الدواني 1 / 310، عارضة الأحوذي 2 / 297 - 298.

وبهذا قال الحسن البصري، وسعيد (¬1) بن المسيب (¬2) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدل أصحاب هذا القول بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: أولا: من السنة: فعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثناء خطبته وإقراره السكوتي لذلك، قال ابن القيم - رحمه الله - بعد أن ذكر المنبر: ". . . وكان إذا جلس عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير الجمعة، أو خطب قائما في الجمعة استدار أصحابه إليه بوجوههم " (¬3) . ¬

(¬1) هو سعيد بن المسيب بن حزن القرشي، المخزومي، من كبار التابعين وفقهائهم، قال فيه قتادة: ما رأيت أحدا قط أعلم بالحلال والحرام منه، وثقه أبو زرعة، وابن حبان، وغيرهما، وتوفي سنة 93 هـ، وقيل 94 هـ. (ينظر: طبقات ابن سعد 2 / 379، وتهذيب التهذيب 4 / 84) . (¬2) نقل ذلك عنهما ابن قدامة في المغني 3 / 172، ولم أعثر عليه فيما بين يدي من كتب الآثار. (¬3) زاد المعاد 1 / 430.

ومن الأحاديث الواردة في هذا الفعل ما يلي: 1 - ما رواه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله. . .» الحديث (¬1) . وجه الدلالة: أن جلوسهم حوله - صلى الله عليه وسلم - لسماع كلامه، وهذا يقتضي نظرهم إليه غالبا (¬2) . 2 - ما رواه عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا» (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه ضعيف الإسناد كما في ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (85) . (¬2) ينظر: فتح الباري 2 / 402. (¬3) أخرجه الترمذي في سننه في أبواب الجمعة - باب ما جاء في استقبال الإمام إذا خطب 2 / 10، الحديث رقم (507) ، وقال عنه: " حديث منصور لا نعرفه إلا من حديث محمد بن الفضيل بن عطية، ومحمد بن الفضيل بن عطية ذاهب الحديث عند أصحابنا. ولا يصح في هذا الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء " قال ابن حجر في الفتح 2 / 42: " يعني صريحا ". وقال ابن حجر في التلخيص بهامش المجموع 4 / 601 عنه: " وفيه محمد بن الفضل بن عطية وهو ضعيف، وقد تفرد به الدارقطني، وابن عدي وغيرهما ".

تخريجه. 3 - ما رواه عدي (¬1) بن ثابت عن أبيه عن جده قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم» (¬2) . وهذا واضح الدلالة كالذي قبله، ولكن في ثبوته كلام كما في تخريجه. ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: 1 - ما روي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يستقبله بوجهه حتى يفرغ ¬

(¬1) هو عدي بن ثابت الأنصاري، الكوفي، وثقه الإمام أحمد، والنسائي، والعجلي، وقد رمي بالتشيع، قيل: كان إمام مسجد الشيعة وقاصهم، مات سنة 116 هـ. (ينظر: سير أعلام النبلاء 5 / 188، وتهذيب التهذيب 7 / 165) . (¬2) أخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب إقامة الصلاة - باب ما جاء في استقبال الإمام وهو يخطب 1 / 360، الحديث رقم (1136) ، وقال في الزوائد: " رجال إسناده ثقات لأنه مرسل "، وابن أبي شيبة مرسلا في كتاب الصلوات - باب من كان يستقبل الإمام يوم الجمعة 2 / 117، وقال ابن حجر في التلخيص بهامش المجموع 4 / 602: " ووالد عدي لا صحبة له إلا أن يراد بأبيه جده أبو أبيه فله صحبة على رأي بعض الحفاظ المتأخرين ". وقال محقق شرح الزركشي 2 / 167 عما رواه ابن أبي شيبة: " بسند صحيح عن عدي بن ثابت مرسلا ".

من خطبته (¬1) . 2 - ما روي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله (¬2) . 3 - ما روي عن عدي بن ثابت أنه كان يستقبل الإمام بوجهه إذا قام يخطب، فقيل له عن ذلك، فقال: " رأيت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلونه " (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب يستقبل الإمام القوم. 1 / 221، مختصرا معلقا بصيغة الجزم، والبيهقي بسنده بهذا اللفظ في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب يحول الناس وجوههم إلى الإمام ويسمعون الذكر 3 / 199، وقال ابن حجر في الفتح 2 / 402: " بإسناده صحيح "، وابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب من كان يستقبل الإمام يوم الجمعة 2 / 118 مختصرا. (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب يستقبل الإمام القوم. 1 / 221، مختصرا معلقا بصيغة الجزم، والبيهقي بسنده بهذا اللفظ في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب يحول وجوههم إلى الإمام ويسمعون الذكر 3 / 199، وعبد الرزاق في مصنفه في باب الجمعة - باب استقبال الناس 3 / 217، الأثر رقم (5391) مختصرا. (¬3) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب يوم الجمعة - باب يحول الناس وجوههم إلى الإمام يسمعون الذكر 3 / 198 - 199 وفي لفظ له: هكذا كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكون حديثا مرسلا، قال في الجوهر النقي بهامشه: " هذا مسند وليس بمرسل، لأن الصحابة كلهم عدول فلا تضرهم الجهالة ".

4 - وعن الزهري (¬1) أنه سئل عن استقبال الناس الإمام يوم الجمعة فقال: " كذا كانوا يفعلون " (¬2) . وظاهره أنه يقصد الصحابة - رضي الله عنهم - فيكون بمعنى ما قبله، ويؤيده. ثالثا: من المعقول: 1 - أن الخطيب يعظ الناس، ولهذا استقبلهم بوجهه وترك استقبال القبلة، فيسن لهم أن يستقبلوه بوجوههم؛ لتظهر فائدة الوعظ، وتعظيم الذكر (¬3) . 2 - أن الإسماع والاستماع للخطبة كليهما واجب، وهذا وإن كان يحصل مع عدم الاستقبال إلا أنه لا يتكامل إلا به، فيسن (¬4) . ¬

(¬1) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، القرشي، يكنى بأبي بكر، كان من أبرز حفاظ التابعين، وفقهائهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: حفظ الزهري الإسلام نحوا من سبعين سنة، توفي سنة 123هـ، وقيل غير ذلك. (ينظر: طبقات ابن سعد 2 / 388، وتذكرة الحفاظ 1 / 108. (¬2) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجمعة - باب من استقبل الناس 3 / 117، والأثر رقم (5390) . (¬3) ينظر: المبسوط 2 / 30، والحاوي 3 / 47. (¬4) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263، والمغني 3 / 173.

3 - أن الخطيب مقبل على الناس، فكان من الأدب إقبالهم عليه (¬1) . دليل أصحاب القول الثاني: أن الإمام ترك استقبال القبلة واستقبل الناس، ليكون أبلغ في وعظهم، فيجب عليهم أن يستقبلوه إجابة له وطاعة (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن القصد هو الوعظ كما جاء في مضمون الدليل، وهو الذي تجب على الناس إجابته وطاعة الإمام فيه، وهذا حاصل مع عدم الاستقبال، أما الاستقبال فهو وسيلة إلى حصول هذا القصد على وجه الكمال، والكمال ليس واجبا، فليس في عدم الاستقبال عدم إجابة وطاعة، لأنه غير مقصود لذاته. دليل صاحبي القول الثالث: لم أطلع على أدلة لهما، ولعله يستدل لهما بما يلي: ¬

(¬1) ينظر: مواهب الجليل 2 / 166، والحاوي 3 / 47، والمجموع 4 / 528، ومغني المحتاج 1 / 287. (¬2) ينظر: مواهب الجليل 2 / 166.

1 - أن المقصود هو سماع الخطبة، وهذا حاصل مع عدم استقبال الخطيب. مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه وإن كان السماع يحصل مع عدم الاستقبال إلا أنه مع الاستقبال أكمل وأدعى للاستفادة، وأبعد عن الغفلة، فيسن. 2 - أن سماع الخطبة عبادة، فاستقبال القبلة فيها أفضل كحال الدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن الكريم. مناقشة هذا الدليل: يناقش بالفرق، وذلك أن حال سماع الخطبة يكون الإنسان بحاجة إلى غيره وهو الخطيب للاستماع والاستفادة، بخلاف حال الدعاء والذكر والتلاوة فهو بحاجة إلى التفرغ لما هو مشتغل به. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية استقبال الخطيب أثناء الخطبة؛ لما استدلوا به، لكن إذا كان في استقباله مشقة وحرج أثناء ذلك لشدة زحام أو غيره كما هو الحال في كثير من المساجد الآن فلا بأس بتركه، قال في المبسوط: " وينبغي للرجل أن يستقبل

الخطيب بوجهه إذا أخذ في الخطبة. . . ولكن الرسم الآن أن القوم يستقبلون القبلة، ولم يؤمروا بترك هذا لما يلحقهم من الحرج في تسوية الصفوف بعد فراغه، لكثرة الزحام إذا استقبلوه بوجوههم في حالة الخطبة " (¬1) . ¬

(¬1) المبسوط 2 / 30.

المطلب السابع السلام على الناس

[المطلب السابع السلام على الناس] [المسألة الأولى السلام إذا دخل المسجد] المطلب السابع السلام على الناس وفيه مسألتان: المسألة الأولى: السلام إذا دخل المسجد. المسألة الثانية: السلام إذا صعد المنبر. المسألة الأولى: السلام على الناس إذا دخل المسجد: ظاهر كلام أصحاب المذاهب الأربعة - الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) - اتفاقهم على أنه يسنّ ¬

(¬1) لم أطلع على كلام صريح لهم في ذلك إلا أنه يفهم من كلامهم على السلام بعد صعود المنبر الذي سيأتي ومن قول ابن قدامة في المغني 3 / 161: " وقال مالك، وأبو حنيفة: لا يسن السلام عقيب الاستقبال، لأنه قد سلم حال خروجه "، ولذلك قلت في مطلع كلامي: " ظاهر كلام. ". (¬2) ينظر: مواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 171. (¬3) ينظر: الوجيز 1 / 64، والمجموع 4 / 527، وروضة الطالبين 2 / 31، ومغني المحتاج 1 / 289. (¬4) ينظر: المغني 3 / 161، والفروع 2 / 118، والإنصاف 2 / 396، والمبدع 2 / 161، وكشاف القناع 2 / 35.

المسألة الثانية السلام على الناس إذا صعد المنبر

للخطيب أن يسلم على من حوله إذا دخل وقبل أن يصعد المنبر. الأدلة: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول. أولا: من السنة: ما رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلَّم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلَّم» (¬1) . لكنه ضعيف الإسناد كما في تخريجه. ثانيا: من المعقول: أن دخول الخطيب على الناس إقبال منه عليهم، فيسنّ له السلام عليهم، كالإقبال في سائر الأحوال (¬2) . [المسألة الثانية السلام على الناس إذا صعد المنبر] المسألة الثانية: السلام على الناس إذا صعد المنبر: اختلف الفقهاء في حكم الخطيب على الناس إذا صعد ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (206) . (¬2) ينظر: مغني المحتاج 1 / 289.

المنبر واستقبلهم، وذلك على قولين: القول الأول: أنه يسن سلامه عليهم. وبهذا قال الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) . قال في الإنصاف: " بلا نزاع " (¬3) يعني عند الحنابلة. القول الثاني: لا يشرع السلام عليهم. وبهذا قال الحنفية (¬4) والمالكية (¬5) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: أولا: من السنة: 1 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: ¬

(¬1) ينظر: الحاوي 3 / 53، والوجيز 1 / 64، وحلية العلماء 2 / 278، والمجموع 4 / 527، وروضة الطالبين 2 / 31، ومغني المحتاج 1 / 289. (¬2) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والمغني 3 / 161، والفروع 2 / 118، والمحرر 1 / 151، والإنصاف 2 / 395 - 396، وكشاف القناع 2 / 35. (¬3) الإنصاف 2 / 396. (¬4) ينظر: البناية 2 / 810، وحاشية ابن عابدين 2 / 150، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق بهامشه 1 / 220، ومراقي الفلاح ص (104) . (¬5) ينظر: الإشراف 1 / 133، ومواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 171، والمنتقى شرح الموطأ 1 / 189.

«كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر سلم» (¬1) . 2 - ما رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلَّم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلَّم» (¬2) . 3 - ما رواه الشعبي قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال: (السلام عليكم، ويحمد ال له، ويثني عليه، ويقرأ سورة، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب، ثم ينزل، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه» (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب إقامة الصلاة - باب ما جاء في الخطبة يوم الجمعة 1 / 325، الحديث رقم (1109) ، وقال البوصيري في الزوائد 1 / 370: " هذا إسناد ضعيف لضعف ابن لهيعة "، والبيهقي في كتاب الجمعة - باب الإمام يسلم على الناس إذا صعد المنبر قبل أن يجلس 3 / 204 - 205، وقال ابن حجر في التلخيص بهامش المجموع 4 / 598: " إسناده ضعيف "، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1 / 183. (¬2) تقدم تخريجه ص (206) ، وبيان ضعفه، وقال النووي في المجموع 4 / 526 عنه وعن الذي قبله: " وإسنادهما ليس بقوي ". (¬3) تقدم تخريجه ص (169) .

وهذه الأحاديث واضحة الدلالة. مناقشة هذه الأدلة: تناقش بأنها متكلم في صحتها كما في تخريجها. ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: 1 - تقدم في حديث الشعبي فعل ذلك عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -. 2 - ما روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه كان إذا صعد المنبر سلَّم، فأطال قدر ما يقرأ إنسان أم الكتاب (¬1) . ثالثا: من المعقول: أنه استقبال بعد استدبار، فيسنّ له التسليم، كما لو استدبر قوما ثم عاد فاستقبلهم (¬2) . أدلة أصحاب القول الثاني: 1 - أن عمل أهل المدينة المتصل بينهم عدم التسليم في هذه الحال، فلو كان عندهم شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب الإمام إذا جلس على المنبر يسلم 2 / 114. (¬2) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 526، ومغني المحتاج 1 / 289 ورؤوس المسائل الخلافية للعكبري 1 / 335، والمبدع 2 / 161 - 162، وكشاف القناع 2 / 35.

يعدلوا عنه (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن مبناه على الاحتجاج بعمل أهل المدينة، وهذا أصل من أصول المالكية لا يوافقون عليه. 2 - أن صعود الخطيب على المنبر اشتغال بافتتاح عبادة، فلم يشترط فيه السلام، كسائر العبادات (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن أصحاب القول الأول لم يقولوا بالاشتراط، وإنما قالوا بالسنية، ثم إن الخطيب لم يشتغل بالافتتاح حتى الآن وإن كان قد صعد. 3 - أن الخطبة ذكر يتقدّم الصلاة، فلم يشرع له السلام، كالأذان، والإقامة (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن سبب التسليم ليس لكون الخطبة ذكرا متقدما على الصلاة، وإنما لأجل الدخول والإقبال على الحاضرين، وهذا لا يتحقق في الأذان والإقامة. 4 - القياس على الخطبة الثانية، فكما أنها لا تفتتح بالتسليم فكذلك الأولى (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: الإشراف 1 / 133، والمنتقى شرح الموطأ 1 / 189. (¬2) ينظر: المرجعان السابقان. (¬3) ينظر: الإشراف 1 / 133. (¬4) المرجع السابق.

مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق، فالخطيب في الأولى قد دخل على الناس من خارج المسجد واستقبلهم فاقتضى عموم الأدلة التسليم، بخلاف الثانية فهو بينهم، ولم يحصل منه استقبال جديد، فلم يكن هناك ما يقتضي التسليم. هذه المناقشات بناء على القول بأن الأحاديث التي استدلَّ بها أصحاب القول الأول لا تصلح جميعها للاستدلال، ولا يعضد بعضها بعضا، وإلا فإن من جعلها أو بعضها صالحة للاستدلال إنه يرد هذه الأدلة بأنها أدلة عقلية في مقابل نص، فلا يلتفت إليها. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية سلام الخطيب على الناس إذا صعد المنبر؛ لما استدلوا به، ولعموم الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة في الحث على إفشاء السلام.

المطلب الثامن الجلوس على المنبر حتى يفرغ المؤذن

[المطلب الثامن الجلوس على المنبر حتى يفرغ المؤذن] المطلب الثامن الجلوس على المنبر حتى يفرغ المؤذن اختلف الفقهاء في حكم جلوس الخطيب على المنبر بعد صعوده وقبل البدء في الخطبة حتى يفرغ المؤذن، وذلك على قولين: القول الأول: أن هذا الجلوس سنة. وبهذا قال الحنفية (¬1) والمالكية في المشهور عندهم (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) . بل ذكر ابن عقيل الحنبلي (¬5) إجماع الصحابة - رضي الله ¬

(¬1) ينظر: الفتاوى الهندية 1 / 147، ومراقي الفلاح ص (103) . (¬2) ينظر: الكافي لابن عبد البر 1 / 251، والإشراف 1 / 133، ومواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 171، والفواكه الدواني 1 / 307. (¬3) ينظر: الحاوي 3 / 53، والمجموع 4 / 527، وروضة الطالبين 2 / 31، ومغني المحتاج 1 / 289. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 167، والمغني 3 / 162، والفروع 2 / 118، والإنصاف 2 / 396، وكشاف القناع 2 / 35. (¬5) هو علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي، الحنبلي، يكنى بأبي الوفاء، مقرئ، فقيه، أصولي، واعظ، وأحد الأئمة المجتهدين، قال فيه السلفي: ما رأت عيناي مثل الشيخ أبي الوفاء ابن عقيل، له مصنفات منها الفنون، توفي سنة 513 هـ. (ينظر: طبقات الحنابلة 2 / 259، والمقصد الأرشد 2 / 245) .

عنهم - عليه (¬1) . القول الثاني: أن هذا الجلوس واجب. وبهذا قال بعض المالكية، وأنكر هذا القول بعضهم (¬2) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول. أولا: من السنة: 1 - ما رواه السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: «كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر» . . .) الحديث (¬3) . وهذا واضح الدلالة. 2 - ما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ - أراه قال: المؤذن -، ثم يقوم فيخطب، ¬

(¬1) ذكر ذلك ابن مفلح في الفروع 2 / 118، والبهوتي في كشاف القناع 2 / 35 وغيرهما. (¬2) ينظر: مواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 171، وممن أنكره ابن عرفة. (¬3) تقدم تخريجه ص (197) وهو في صحيح البخاري.

ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب» (¬1) . وهذا واضح الدلالة. مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه ضعيف الإسناد، فلا يصلح للاحتجاج، ولكن كما قال النووي (¬2) يغني عنه حديث السائب - الذي قبله - ". ثانيا: من المعقول: 1 - أن الخطيب بجلوسه بعد الصعود يستريح من تعب الصعود، ويتمكن من الكلام التمكن التام (¬3) . 2 - أن في الجلوس بعد الصعود زيادة وقار، فيسنّ (¬4) . وأما أصحاب القول الثاني فلم أطلع على دليل لهم، والظاهر أنهم يستدلون بحديث السائب الذي استدل به أصحاب القول الأول، لكنه مجرد فعل، فلا يدل على الوجوب، بل على السنية ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب الجلوس إذا صعد المنبر 1 / 286، الحديث رقم (286) ، وقال النووي في المجموع 4 / 526: " بإسناد ضعيف ". (¬2) المجموع 4 / 526. (¬3) ينظر: مغني المحتاج 1 / 289، والمبدع 2 / 162، وكشاف القناع 2 / 35 - 36. (¬4) ينظر: مواهب الجليل 2 / 171.

المطلب التاسع اعتماد الخطيب على قوس أو عصا أو سيفا أو نحوها

الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية جلوس الخطيب على المنبر بعد صعوده حتى يفرغ المؤذن؛ لقوة ما استدلوا به، وخاصة حديث السائب - رضي الله عنه -. [المطلب التاسع اعتماد الخطيب على قوس أو عصا أو سيفا أو نحوها] [المسألة الأولى حكم الاعتماد على قوس أو عصا أو سيف أو نحوها] المطلب التاسع اعتماد الخطيب على قوس أو عصا أو سيفا أو نحوها وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: حكم الاعتماد على قوس، أو عصا، أو سيف، أو نحوها. المسألة الثانية: اليد التي يمسك بها ذلك. المسألة الثالثة: ما يفعل بيديه إذا لم يعتمد على شيء. المسألة الأولى: حكم اعتماد الخطيب على قوس، أو عصا، أو سيف، أو نحوها: وفيها أمران: الأمر الأول: حكم الاعتماد على قوس أو عصا أو نحوهما. الأمر الثاني: حكم الاعتماد على سيف.

الأمر الأول: حكم اعتماد الخطيب على قوس، أو عصا، أو نحوهما: اختلف الفقهاء في حكم اعتماد الخطيب أثناء خطبة الجمعة على قوس، أو عصا، وذلك على قولين: القول الأول: يسنّ اعتماده على ذلك. وبهذا قال المالكية (¬1) والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3) . القول الثاني: يكره الاعتماد على ذلك. وبه قال الحنفية (¬4) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: ¬

(¬1) ينظر: المدونة 1 / 156، والبيان والتحصيل 1 / 341، ومواهب الجليل 2 / 172، والشرح الصغير 1 / 181، والفواكه الدواني 1 / 307. (¬2) ينظر: الأم 1 / 230، والحاوي 3 / 53 - 54، والوجيز 1 / 64، والمجموع 4 / 528، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 290. (¬3) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والمغني 3 / 179، والفروع 2 / 119، والمحرر 1 / 151، والإنصاف 2 / 397، والمبدع 2 / 163. (¬4) ينظر: حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص (334) .

استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: أولا: من السنة: 1 - ما رواه الحكم (¬1) بن حَزْنٍ الكُلَفِيُّ قال: «وفدتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابع سبعة، أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر بنا، أو أمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دُون، فأقمنا بها أياما شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام مُتوكئا على عصا، أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: أيها الناس إنكم لن تطيقوا، أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به ولكن سددوا وابشروا» (¬2) . ¬

(¬1) هو الحكم بن حزْن الكُلفي، التميمي، صحابي، قليل الحديث، قال مسلم: " لم يرو عنه إلا شعيب (يعني ابن زريق) . (ينظر: طبقات ابن سعد 5 / 516، أسد الغابة 2 / 31) . (¬2) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب الرجل يخطب على قوس 1 / 287، الحديث رقم (1096) ، والإمام أحمد في 4 / 212، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب الإمام يعتمد على عصا أو قوس أو ما أشبههما إذا خطب 3 / 206، وابن خزيمة في صحيحه في كتاب جماع أبواب صلاة العيدين - باب الاعتماد على القسي أو العصي على المنبر في الخطبة 2 / 352. وقال عنه النووي في المجموع 4 / 526: " حديث حسن رواه أبو داود وغيره بأسانيد حسنة "، وقال ابن حجر في التلخيص بهامش المجموع 4 / 602: " وإسناده حسن "، كما حسنه الألباني في إرواء الغليل 3 / 78، وتوصل محمد بن عبد الوهاب العبدلي في تحفة الأريب بما جاء في العصا للخطيب ص (8) إلى تصحيحه.

2 - ما رواه عبد الله (¬1) بن الزبير - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب بمِخْصَرَةٍ (¬2) في يده» (¬3) . 3 - ما روى عطاء (¬4) بن أبي رباح أنه سُئِل: أكان النبي - ¬

(¬1) هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي، الأسدي، أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وهو أول مولود في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين، حنكه النبي صلى الله عليه وسلم وسماه، بويع بالخلافة بعد يزيد، وأطاعه أهل الحجاز والعراق واليمن، وجدد بناء الكعبة، وقتل سنة 73هـ. (ينظر: أسد الغابة 3 / 161، والإصابة 4 / 69) . (¬2) قال في المصباح: الْمِخْصَرَةُ - بكسر الميم - قضيب أو عنزة ونحوه يشير به الخطيب إذا خاطب الناس. (ينظر المصباح المنير، مادة " خصر " 1 / 171) . (¬3) أخرجه البزار كما في كشف الأستار 1 / 306 - 307، وأبو الشيخ الأصبهاني في أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ص (128) ، وابن سعد في الطبقات 1 / 277، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف لكن قال العبدلي في تحفة الأريب ص (9) : " وحديثه يصح في الشواهد والمتابعات "، ثم قال عن الحديث: " حسن لغيره يشهد له حديث الحكم بن حزن الكلفي ". (¬4) هو عطاء بن أبي رباح القرشي، المكي، ولد في خلافة عمر، وقيل: في خلافة عثمان، وكان أحد الفقهاء المجتهدين، له آراء فقهية كثيرة، لقي كثيرا من الصحابة وأخذ عنهم، وانتهت إليه الفتوى في مكة، وتوفي سنة 114 هـ. (ينظر: تذكرة الحفاظ 1 / 98، وتهذيب التهذيب 7 / 199) .

صلى الله عليه وآله وسلم - يقوم إذا خطب على عصا؟ قال: " نعم، كان يعتمد عليه اعتمادًا " (¬1) . وهذا وإن كان مرسلا فقد جعله بعض المحدِّثين شاهدًا لحديث الحكم بن حزن المتقدم، فلهذا ذكرته. 4 - ما رواه البراء بن عازب - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نُووِلَ يوم العيد قوسًا فخطب عليه» (¬2) . 5 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة قبل الخطبة في العيدين بغير أذان ولا إقامة، قال: ثم خطب الرجال وهو متكئ على ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجمعة - باب اعتماد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على العصا 3 / 183، رقم (5243) ، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب الإمام يعتمد على عصا أو قوس أو ما يشبهها إذا خطب 3 / 206، وقال الألباني في إرواء الغليل 3 / 78: " وهو مرسل صحيح "، وجعله شاهدا لحديث الحكم بن حزن، لكن ذكر العبدلي في تحفة الأريب ص (19) أنه مرسل، والمرسل من قسم الضعيف، ولا يصلح في الشواهد والمتابعات، لأن التابعي قد يكون أخذه عن تابعي آخر فأكثر. (¬2) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب يخطب على قوس 1 / 298، رقم (1145) ، وجعله ابن حجر شاهدًا لحديث الحكم بن حزن المتقدم كما في التلخيص مع المجموع 4 / 602، وقال عنه: " وصححه ابن السكن "، وضعَّفه العبدلي في تحفة الأريب ص (17) .

قوس» . . . " الحديث (¬1) . وهما وإن كانا في خطبة العيد إلا أن بعض أهل العلم (¬2) استدل بها للجمعة أيضا، ولعل وجه ذلك أن كليهما قيام لوعظ الناس وتذكيرهم، فما يسنّ في أحدهما يسنّ في الأخرى ولاتفاقهما في كثير من الأحكام. هذه هي أبرز وأصح الأحاديث الواردة في سنية اعتماد الخطيب على قوس أو عصا - حسب اطلاعي -، وقد ذكر صاحب " تحفة الأريب بما جاء في العصا للخطيب " اثني عشر حديثا في ذلك من أبرزها ما ذكرت، والباقي شاذ أو ضعيف لإرسال أو غيره، أو موضوع. وقد جعل ابن القيم فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا قبل اتخاذ المنبر، أما بعده فلم يعتمد على شيء (¬3) لكن ليس في الأحاديث السابقة دلالة على ذلك، والله أعلم. ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 3 / 314، وقال الألباني في إرواء الغليل 3 / 99: " بسند صحيح على شرط مسلم "، وقد أخرجه البخاري في صحيحه وغيره بلفظ: " وهو يتوكأ على بلال " لكن حكم العبدلي في تحفة الأريب ص (11) على هذه الرواية بالشذوذ. (¬2) ومنهم الألباني في إرواء الغليل 3 / 78، والعبدلي في تحفة الأريب ص (9) . (¬3) ينظر: زاد المعاد 1 / 429.

ثانيا: من المعقول: 1 - أن في الاعتماد على قوس أو عصا أو نحوهما شغلا عن مس اللحية والعبث باليد (¬1) . 2 - أن اعتماد الخطيب على القوس أو العصا أو نحوهما أعون له، وأمكن لروعه، وأهدأ لجوارحه (¬2) . دليل أصحاب القول الثاني: أن الاعتماد على القوس والعصا ونحوهما خلاف السنة، فيكره (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه ثبت في السنة الاعتماد على ذلك كما في أدلة أصحاب القول الأول. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - القول الأول القائل بسنية اعتماد الخطيب على قوس أو عصا ¬

(¬1) ينظر: البيان والتحصيل 1 / 341، ومواهب الجليل 2 / 172، والفواكه الدواني 1 / 307. (¬2) ينظر: الحاوي 3 / 54، والمهذب مع المجموع 4 / 526، والمغني 3 / 179، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36. (¬3) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص (334) .

أو نحوهما في خطبة الجمعة، لقوة ما استدلوا به، وخاصة حديث الحكم بن حزن الذي حسَّنه بعض العلماء المحققين في علم الحديث كالنووي وابن حجر كما في تخريجه. وهذا ما اختاره سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - حيث قال في تقرير له في ذكر فوائد حديث الحكم ابن حزن: " منها شرعية الاعتماد في الخطبة على قوس، أو عصا، وذلك لكونه أرفق للخطيب وأثبت له، ولا سيما إذا كان يطول وقوفه أو مقصود مهم، فكونه معتمدا على قوس أوعصا هو السنة، وخص القوس والعصا لأنهما يستصحبان عادة زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تستصحب العصا عندنا " (¬1) . الأمر الثاني: اعتماد الخطيب على سيف: اختلف الفقهاء في حكم اعتماد الخطيب على سيف أثناء خطبة الجمعة، وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يشرع الاعتماد على السيف مطلقا. ¬

(¬1) فتاوى ورسائل سماحته 3 / 21.

وبهذا قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - (¬1) . القول الثاني: يسنّ الاعتماد على السيف مطلقا كالقوس ونحوهما. وبهذا قال المالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) . القول الثالث: يسنّ الاعتماد على السيف في البلاد التي فتحت عنوة دون البلاد التي فتحت صلحًا. وبهذا قال الحنفية (¬5) . الأدلة: دليل صاحب القول الأول: استدل بعدم فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك (¬6) . دليل أصحاب القول الثاني: أن في الاعتماد على السيف إشارة إلى أن هذا الدين فتح ¬

(¬1) ينظر: زاد المعاد 1 / 429. (¬2) ينظر: الشرح الصغير 1 / 181، والفواكه الدواني 1 / 307. (¬3) ينظر: المجموع 4 / 528، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 290. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والمغني 3 / 179، والفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 397، وكشاف القناع 2 / 36. (¬5) ينظر: مراقي الفلاح (103) ، وحاشية الطحطاوي عليه ص (334) . (¬6) ينظر: زاد المعاد 1 / 429.

به، وقام به، ولهذا يسنّ أن يكون ذلك في يده اليسرى كعادة من يريد الجهاد به (¬1) . مناقشة هذا الدليل: ناقشه ابن القيم بأنه جهل قبيح من وجهين: الوجه الأول: أن المحفوظ أنه - صلى الله عليه وسلم - توكأ على العصا والقوس. الوجه الثاني: أن الدين قام بالوحي، وأما السيف فلمحق أهل الضلال والشرك، ومدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي كان يخطب فيها إنما فُتحت بالقرآن، ولم تُفتح بالسيف (¬2) . أدلة أصحاب القول الثالث: استدلوا على سنية الاعتماد على السيف في البلاد التي فتحت عنوة بما يلي: أن الخطيب إذا اعتمد على السيف في هذه البلاد فإنه يُري أهلها أنها فُتِحَتْ بالسيف، وأنهم إذا رجعوا عن الإسلام فذلك باقٍ بأيدي المسلمين، يقاتلونهم به حتى يرجعوا إلى الإسلام (¬3) . ¬

(¬1) ينظر: مغني المحتاج 1 / 290، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36. (¬2) ينظر: زاد المعاد 1 / 190، وفتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم 3 / 21. (¬3) مراقي الفلاح ص (103) .

مناقشه هذا الدليل: يناقش بالوجه الثاني من مناقشة دليل القول السابق من أن الإسلام انتشر بالوحي، وبقاؤهم على الإسلام يكون بنشر الإسلام بينهم، لا بفرضه عليهم بحد السيف. وأما قولهم بعدم مشروعية الاعتماد على السيف في البلاد التي فتحت صلحا فالظاهر أنهم يستدلون بما استدل به صاحب القول الأول. الترجيح: الراجح في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول الذي قال به ابن القيم - رحمه الله -، وهو عدم مشروعية اعتماد الخطيب في الجمعة على السيف؛ لقوة دليله، وعدم قيام الدليل على سنيته. وهو ما اختاره سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - حيثما قال بعد الكلام على سنية الاعتماد على القوس والعصا: ". . . وأما السيف فليس بمشروع. . . " (¬1) . ¬

(¬1) فتاوى ورسائل سماحته 3 / 21.

المسألة الثانية اليد التي يمسك بها الخطيب القوس أو العصا أو نحوهما

[المسألة الثانية اليد التي يمسك بها الخطيب القوس أو العصا أو نحوهما] المسألة الثانية: اليد التي يمسك بها الخطيب القوس، أو العصا، أو نحوهما: اختلف القائلون بسنية اعتماد الخطيب على قوس، أو عصا، أو نحوهما أثناء خطبة الجمعة في اليد التي يمسك بها ذلك، على ثلاثة أقوال: القول الأول: يمسكه بما شاء من يديه، والأخرى بحرف المنبر أو يرسلها. وهذا هو المشهور من المذاهب عند الحنابلة (¬1) . القول الثاني: يمسكه بيسراه، والأخرى بحرف المنبر. وبهذا قال الشافعية (¬2) وهو توجيه لصاحب الفروع من الحنابلة (¬3) . القول الثالث: يمسكه بيمناه. وبهذا قال المالكية (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: الفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 397، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 528، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 290. (¬3) الفروع 2 / 119. (¬4) ينظر: الفواكه الدواني 1 / 307.

الأدله: لم أطلع على دليل لأصحاب القول الأول، والظاهر أنهم يستدلون بعدم ورود ما يدل على التحديد، فيبقى الخيار في ذلك للخطيب؛ لأنه أعرف بما يناسبه ويُمَكِّنه. دليل أصحاب القول الثاني: ما تقدم في الفرع الثاني من المسألة السابقة بالنسبة للاعتماد على السيف من أن الاعتماد عليه إشارة إلى أن هذا الدين قام بالسيف، فيسنّ أن يكون في اليد اليسرى كعادة من يريد الجهاد (¬1) . وقد سبق هناك مناقشة ذلك. ولم أطلع على دليل لهم بالنسبة للقوس والعصا ونحوهما. دليل أصحاب القول الثالث: لم أطلع على دليل صريح لهم، ولكن ظاهر كلامهم الاستدلالي على ذلك بأن من الحكم في الاعتماد على القوس والعصا ونحوهما الابتعاد عن العبث باللحية ونحوها أثناء ¬

(¬1) ينظر: مغني المحتاج 1 / 290.

الخطبة، والغالب استخدام اليد اليمنى في ذلك (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن ما ذكروه غير منضبط، فقد يحصل العبث باليسار، بل إن من الناس من يكون عمله باليسار أكثر وأجود من اليمين. الترجيح: المتأمل لهذه المسألة يجد أنه ليس فيها أدلة واضحة وصريحة، ولهذا فالذي يظهر رجحانه فيها - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول، وهو التخيير؛ لما ذكرت. ¬

(¬1) ينظر: الفواكه الدواني 1 / 307.

المسألة الثالثة ما يفعل الخطيب بيديه إذا لم يعتمد على شيء

[المسألة الثالثة ما يفعل الخطيب بيديه إذا لم يعتمد على شيء] المسألة الثالثة: ما يفعل الخطيب بيديه إذا لم يعتمد على شيء: إذا لم يعتمد الخطيب أثناء خطبة الجمعة على قوس أو عصا أو نحوهما كما تقدم فقال الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) له أن يمسك يده الشمال بيده اليمين، أو يرسلهما. الدليل: أن الغرض هو الخشوع أثناء الخطبة، وعدم العبث، فما يرى الخطيب أنه يحقق له ذلك من الإمساك أو الإرسال يفعله (¬3) . [المطلب العاشر رفع الصوت بها زيادة على القدر الواجب] المطلب العاشر رفع الصوت بها زيادة على القدر الواجب تقدم في الشروط الكلام على الجهر بخطبة الجمعة، وبقي الكلام على رفع الصوت بها زيادة على الجهر وهو المقصود ¬

(¬1) ينظر: الحاوي 3 / 54، والمجموع 4 / 528، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 290. (¬2) ينظر: المغني 3 / 280، والفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 397، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36. (¬3) ينظر: روضة الطالبين 2 / 32 والمجموع 4 / 528.

بالبحث في هذه المسألة. وقد ذهب أصحاب المذاهب الأربعة - الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) - إلى أن رفع الصوت بالخطبة زيادة على القدر الواجب، وحسب الطاقة سنة من سنن الخطبة. الأدلة: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: أولا: من السنة: 1 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن ¬

(¬1) ينظر: الفتاوى الهندية 1 / 147، ومراقي الفلاح، ص (103) . (¬2) ينظر: مواهب الجليل، والتاج والإكليل بهامشه 2 / 172، والشرح الصغير وبلغة السالك معه 1 / 181. (¬3) ينظر: الأم 1 / 230، والحاوي 3 / 55، والمجموع 4 / 528، وشرح النووي على صحيح مسلم 6 / 156. (¬4) ينظر: المغني 3 / 178، والفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 397، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36.

بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد، فإِن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، كل بدعة ضلالة، ثم يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دين أو ضياعا (¬1) فإليَّ وعليَّ» (¬2) . قال النووي: " يستدل به على أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة، ويرفع صوته، ويجزل كلامه " (¬3) . 2 - ما رواه النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: «أنذركم النار، أنذركم النار، حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا، قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه» (¬4) . ¬

(¬1) قال النووي: قال أهل اللغة: الضياع - بفتح الضاد - العيال، قال ابن قتيبة: أصله مصدر ضاع يضيع ضياعا، المراد من ترك أطفالا وعيالا ذوي ضياع، فأوقع المصدر موضع الاسم. (ينظر: شرح صحيح مسلم 6 / 155) . (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 592، الحديث رقم (867) . (¬3) شرح صحيح مسلم 6 / 155 - 156. (¬4) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4 / 268، 272، والبيهقي في كتاب الجمعة - باب رفع الصوت بالخطبة 3 / 207. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2 / 187 - 188 وقال: " ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ".

المطلب الحادي عشر الجلسة بين الخطبتين

قال في إعلاء السنن: " دلالته على بعض ألفاظ الخطبة، ورفع الصوت فيها ظاهرة " (¬1) . ثانيا: من المعقول: أن رفع الصوت بالخطبة أبلغ في إعلام الناس، فيتحقق المقصود بها (¬2) . - ومع ما سبق من سنية الجهر بالخطبة زيادة عن القدر الواجب إلا أن ذلك تيسر في وقتنا الحاضر بفضل الله - تعالى - ثم بفضل وجود مكبرات الصوت، فما على الخطيب لتطبيق هذه السنة إلا الاعتناء بهذه الأجهزة ومراعاة وضعها عند الإلقاء. [المطلب الحادي عشر الجلسة بين الخطبتين] [المسألة الأولى حكم الجلوس بين الخطبتين] المطلب الحادي عشر الجلسة بين الخطبتين وفيه مسألتان: المسألة الأولى حكم الجلوس بين الخطبتين. المسألة الثانية مقدار هذا الجلوس. ¬

(¬1) إعلاء السنن 8 / 57. (¬2) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 526، وكشاف القناع 2 / 36.

المسألة الأولى: حكم الجلوس بين الخطبتن: اختلف الفقهاء في حكم جلوس الخطيب بين الخطبتين الأولى والثانية، وذلك على قولين: القول الأول: أن الجلوس بين الخطبتين سنة. وبهذا قال الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) وهو وجه عند الشافعية (¬3) لكن قال عنه النووي: " وهو شاذ ومردود " (¬4) وهو الرواية المشهورة عن الإمام أحمد، والصحيح من المذهب عند أصحابه، وعليه جمهورهم، وقطع به كثير منهم (¬5) . ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 26، والهداية للمرغيناني 1 / 83، وبدائع الصنائع 1 / 263، وتبيين الحقائق 1 / 220، والفتاوى الهندية 1 / 147. (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 133، والكافي لابن عبد البر 1 / 251، ومواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 171، والفواكه الدواني 1 / 307. (¬3) ينظر: المجموع 4 / 515، وروضة الطالبين 2 / 27. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 515، وروضة الطالبين 2 / 27. (¬5) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والتمام 1 / 235، وشرح الزركشي 2 / 176، والمغني 3 / 176، والفروع 2 / 118 - 119، والمحرر 1 / 151، والإنصاف 2 / 397.

القول الثاني: أن الجلوس بين الخطبتين شرط لصحتهما. وهو الوجه الصحيح والمشهور عند الشافعية (¬1) ورواية عن الإمام أحمد، واختارها بعض أصحابه (¬2) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة، والمعقول: أولا: من الكتاب: قول الله - سبحانه وتعالى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] الآية (¬3) . وجه الدلالة: أن الله - تعالى - أمر بالذكر مطلقا عن قيد الجلسة بين الخطبتين، فلا تجعل شرطا بخبر الواحد؛ لأنه يصير ¬

(¬1) ينظر: الأم 1 / 199، والوجيز 1 / 64، وحلية العلماء 2 / 276، والمجموع 4 / 514، وروضة الطالبين 2 / 27، ومغني المحتاج 1 / 287. (¬2) ومنهم أبو بكر النجاد، ينظر التمام 1 / 235، وشرح الزركشي 2 / 177، والفروع 2 / 119، والمبدع 2 / 162، والإنصاف 2 / 397. (¬3) سورة الجمعة، جزء من الآية رقم (9) .

ناسخا لحكم الكتاب، ولا يصلح ناسخا له ولكن يصلح مكملا له، فيقال: إن قدر ما ثبت بالكتاب يكون فرضا، وما ثبت بخبر الواحد يكون سنة عملا بهما بقدر الإمكان (¬1) . مناقشة هذا الاستدلال: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن الاستدلال بالإطلاق له نصيب من القوة، لكن بناء على أن خبر الواحد لا يكون ناسخا للكتاب الذي هو رأي الحنفية فيه نظر، وهو قول مرجوح. الوجه الثاني: أنه ليس فيه نسخ، وإنما هو تقييد لمطلق، والله أعلم. ثانيا: من السنة: 1 - ما رواه جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: «كان - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، ويجلس بين الخطبتين، ويقرأ آيات، ويذكّر الناس» (¬2) . وفي رواية: «ثم يقعد قعدة لا يتكلم» الحديث (¬3) . ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263. (¬2) تقدم تخريجه ص (145) . (¬3) أخرجها أبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب الخطبة قائما 1 / 286 الحديث رقم (1095) وغيره وقال الألباني في إرواء الغليل 2 / 71: " وسندها جيد ".

2 - ما رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين يقطع بينهما» (¬1) . وفي رواية: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب قائما، ثم يقعد، ثم يقوم، كما تفعلون الآن» (¬2) . وكلاهما واضح الدلالة. ثالثا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: 1 - ما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه خطب فلم يجلس حتى فرغ (¬3) . وجه الدلالة: أن عليا - رضي الله عنه - ترك الجلسة بين الخطبتين، ولو كانت شرطا لما تركها. مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه متكلم في سنده كما تقدم عند تخريجه (¬4) . ¬

(¬1) أخرجها البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة 1 / 223. (¬2) تقدم تخريجها ص (31) . (¬3) تقدم تخريجه ص (42) . (¬4) ص (42) .

2 - ما روي عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أنه خطب فلم يجلس بين الخطبتين (¬1) . ووجه الدلالة كالذي قبله. مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه لم يتحقق ثبوته كما تقدم عند تخريجه (¬2) وإن ثبت فهو فعل صحابي، وهو مختلف في الاحتجاج به. 3 - ما روي عن عبد الله (¬3) بن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يخطب خطبة واحدة، فلما ثقل - أي أسن - جعلها خطبتين وقعد بينهما (¬4) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (43) . (¬2) ص (43) . (¬3) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفقه في الدين وتعليمه التأويل، فكان يسمى " حبر الأمة "، ولاه علي على البصرة، وتوفي سنة 68 هـ. (ينظر: أسد الغابة 3 / 192، والإصابة 4 / 90) . (¬4) هكذا ذكره الكاساني في بدائع الصنائع 1 / 263 مستدلا به لهذا القول، ولم يعزه لشيء من كتب السنة والآثار، ولم أطلع عليه فيما بين يدي منها، وذكره في التمام 1 / 235 حديثا ولم يعزه أيضا، ولم أطلع عليه فيما بين يدي من كتب السنة بهذا اللفظ.

وجه الدلالة: أن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان لا يجلس، فلما أسن جلس، فهذا دليل على أن الجلسة للاستراحة وليست بشرط للخطبة (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه لم يتحقق لي ثبوته؛ لعدم الاطلاع على سنده، وعلى تقدير ثبوته فهو فعل صحابي، وهو مختلف في الاحتجاج به. رابعا: من المعقول: 1 - أن الجلسة بين الخطبتين جلسة ليس لها ذكر مشروع، فلم تكن واجبة، كالجلسة الأولى أي قبل الخطبة (¬2) . 2 - أن الخطبتين ذكران يتقدمان الصلاة، فلم يكن الجلوس بينهما شرطا، كالأذان والإقامة (¬3) . 3 - أن الجلسة بين الخطبتين قعود على المنبر قبل خطبته، فلم تكن شرطا كالجلسة الأولى (¬4) . 4 - أن الغرض بهذه الجلسة الفصل بين الخطبتين والإعلام ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263. (¬2) ينظر: المغني 3 / 176، والمبدع 2 / 162. (¬3) ينظر: الإشراف 1 / 133، ورؤوس المسائل الخلافية للعكبري 1 / 329 - 330. (¬4) ينظر: الإشراف 1 / 133.

بالفراغ من الأولى، وذلك لا يوجب كونه شرطا كقوله: «اذكروا الله يذكركم» (¬1) . 5 - الغرض من الخطبة هو الوعظ والتذكير، وهو يتحقق بدون هذه الجلسة، فلا تكون شرطا (¬2) . دليل أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: أولا: من السنة: ما رواه مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - أن النبي - صلى عليه وسلم - قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬3) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالصلاة كما صلى، وقد جلس بين الخطبتين في الجمعة وواظب على ذلك كما في حديثي جابر بن سمرة وعبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - كما تقدم في أدلة القول الأول، فيجب أن نفعل كما فعل (¬4) . ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) شرح الزركشي 2 / 176. (¬3) تقدم تخريجه ص (32) ، وممن استدلوا به لهذا القول النووي في شرح مسلم 6 / 150، وابن حجر في فتح الباري 2 / 406. (¬4) ينظر: فتح الباري 2 / 406.

مناقشة هذا الدليل: يناقش من ثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن خطبة الجمعة ليست جزءا من الصلاة كما تقدم أكثر من مرة. الوجه الثاني: على تقدير التسليم بأنها من الصلاة فإن هذا الحديث لا يدل على وجوب كل ما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، فإن من أفعاله ما هو سنة باتفاق. الوجه الثالث: إذا كانت المواظبة تدل على الشرطية فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد واظب على الجلسة الأولى، فيلزم القول بشرطيتها، وهم - أي الشافعية - لا يقولون بذلك كما سيأتي (¬1) . الإجابة عن هذا الوجه: أجيب عنه بأن جل الروايات عن ابن عمر ليس فيها الجلسة الأولى، وإنما وردت في رواية ضعيفة، فلم تثبت المواظبة عليها بخلاف التي بين الخطبتين (¬2) . وأما ما استدلوا به من مواظبته - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث ابن عمر، وجابر بن سمرة - رضي الله عنهم - فإنه مجرد فعل، والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، بل على الاستحباب، ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) المرجع السابق.

والله أعلم. ثانيا: من المعقول: أن الخطبة أحد فرضي الجمعة، فوجب فيها القيام والقعود، كالصلاة (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه لا يلزم من التماثل في الحكم المماثلة في الأفعال وإلا لزم القول بوجوب الركوع والسجود وغيرهما من أركان الصلاة في الخطبة. كما أنه يلزمكم - أي الشافعية - بناء على هذا القول بوجوب الأولى حال الأذان؛ لأنها قعود بعد دخول الإمام للخطبة. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بأن الجلسة بين الخطبتين سنة؛ لقوة ما استدلوا به، وعدم قيام الدليل على الشرطية. ¬

(¬1) ينظر: المهذب مع المجموع 4 / 514.

المسألة الثانية مقدار الجلسة بين الخطبتين

[المسألة الثانية مقدار الجلسة بين الخطبتين] المسألة الثانية: مقدار الجلسة بين الخطبتين: اختلف الفقهاء في مقدار الجلسة بين الخطبتين سواء من قال بسنيتها ومن قال بشرطيتها - بعد اتفاقهم على أنها خفيفة - وذلك على أربعة أقوال: القول الأول: أنها بقدر قراءة سورة الإخلاص. وبهذا قال بعض المالكية (¬1) وبه قال الشافعية (¬2) وجماعة من الحنابلة (¬3) . القول الثاني: أنها بقدر قراءة ثلاث آيات. وهذا هو ظاهر الرواية عند الحنفية (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: الكافي لابن عبد البر 1 / 250، وبلغة السالك 1 / 180، ومواهب الجليل 2 / 171 - 172. (¬2) ولكنهم اختلفوا في قدر الواجب منه، ففي وجه أنه بقدر الطمأنينة، وهذا هو الصحيح والمشهور عندهم، والوجه الثاني: يشترط كونه قدر سورة الاخلاص. ينظر: المجموع 4 / 514 - 515، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 290. (¬3) ينظر: الفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 397، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36. (¬4) ينظر: الفتاوى الهندية 1 / 147، ومراقي الفلاح ص (103) ، ومجمع الأنهر والدر المنتقى بهامش 1 / 168.

القول الثالث: أنها بقدر تمكن الخطيب في موضع جلوسه واستقرار كل عضو منه في موضعه. بهذا قال بعض الحنفية (¬1) . القول الرابع: أنها بقدر الجلسة بين السجدتين. وبهذا قال بعض المالكية (¬2) . وهذه الأقوال لم أطلع على أدلة لها فيما بين يدي من كتب أصحابها، وليس في الأحاديث الواردة فيها والتي تقدمت في المطالب السابقة لها، والظاهر - والله أعلم - أنها جلسة خفيفة للاستراحة والفصل بين الخطبتين، وأنه لا تقدير لها، بل بحسب اجتهاد الخطيب فيها، ولذلك لم يقدرها أكثر الفقهاء في كتبهم وخاصة الحنابلة بل يقتصرون على قولهم بأنها جلسة خفيفة (¬3) ومما يؤيد عدم التقدير ما يلي: 1 - عدم تقديرها في الأحاديث الصحيحة كحديثي ابن عمر وجابر بن سمرة - رضي الله عنهم -. ¬

(¬1) ينظر: المراجع السابقة. (¬2) ينظر: الفواكه الدواني 1 / 307، ومواهب الجليل 2 / 171. (¬3) ومنهم أبو الخطاب في الهداية 1 / 52، وابن قدامة في المغني 3 / 176، وغيرهما.

2 - أن في تقديرها حرجا ومشقة على الإمام، حيث سيقوم فيها بحساب المقدر، إما بقراءة سورة الإخلاص، أو ثلاث آيات، أو الذكر بين السجدتين. 3 - أن التقدير ينافي أصل مشروعيتها، حيث إنها مشروعة للاستراحة والفصل، وحساب المقدار يشغل عن ذلك.

المبحث الثاني السنن في خطبة الجمعة

[المبحث الثاني السنن في خطبة الجمعة] [المطلب الأول تقصيرها] [المسألة الأولى تقصير الخطبتين معا] المبحث الثاني السنن في خطبة الجمعة يسن في خطبة الجمعة عدد من السنن تتمثل في ستة مطالب هي: المطلب الأول: تقصيرها. المطلب الثاني: أن تكون فصيحة بليغة مؤثرة مرتبة. المطلب الثالث: قراءة سورة (ق) فيها. المطلب الرابع: الدعاء للمسلمين في الخطبة الثانية. المطلب الخامس: الدعاء لولاة أمور المسلمين في الخطبة الثانية. المطلب السادس: ختم الخطبة الثانية بالاستغفار.

المطلب الأول تقصير خطبة الجمعة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تقصير الخطبتين معا. المسألة الثانية: تقصير الثانية أكثر من الأولى. المسألة الأولى: تقصير الخطبتين معا: ذهب أصحاب المذاهب الأربعة - الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) - إلى أن يسنّ للخطيب في الجمعة تقصير الخطبتين بقدر لا يحصل به الإخلال بأركانها، ويفوت به ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 263، والفتاوى الهندية 1 / 147، ومجمع الأنهر 1 / 168، ومراقي الفلاح ص (103) ، وقد حدد بعضهم ذلك بقدر سورة من طوال المفصَّل. (¬2) ينظر: القوانين الفقهية ص (86) ، والشرح الصغير وبلغة السالك معه 1 / 180 - 181، والتاج والإكليل بهامش المواهب 2 / 166. (¬3) ينظر: الوجيز 1 / 64، والمجموع 4 / 528 - 529، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 289. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، والمغني 3 / 179، والفروع 2 / 119، والمحرر 1 / 151، والإنصاف 2 / 397، وكشاف القناع 2 / 36.

المقصود منها حسب ما يراه أصحاب كل مذهب في ذلك كما تقدم عند الكلام على الأركان. قال النووي: " ويكون قصرها معتدلا، ولا يُبالغ بحيث يمحقها " (¬1) . الأدلة: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: أولا: من السنة: 1 - ما روي عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه خطب فأوجز، فقيل له: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزتَ، فلو كنت تنفستَ، فقال: إني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإِن من البيان لسحرًا» (¬2) . وفي رواية: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإقصار الخطب» (¬3) . ¬

(¬1) المجموع 4 / 529. (¬2) تقدم تخريجه ص (119) من صحيح مسلم. (¬3) أخرجها أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب إقصار الخطب 1 / 289، الحديث رقم (1106) ، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب ما يستحب من القصد في الكلام وترك التطويل 3 / 308، وقال الألباني في إرواء الغليل 3 / 79: " بسند حسن في المتابعات والشواهد ".

2 - ما رواه جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال: «كنت أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت صلاته قصدا، وخطبته قصدا» (¬1) . وفي رواية: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هي كلمات يسيرات» (¬2) . قال في نيل الأوطار: " وفيه أن الوعظ في الخطبة مشروع، وأن إقصار الخطبة أولى من إطالتها " (¬3) . 3 - ما رواه عبد الله (¬4) بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيل الصلاة، ويقصر ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (113) من صحيح مسلم. (¬2) أخرجها أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب إقصار الخطب 1 / 289، الحديث رقم (1107) ، وقال في نيل الأوطار 3 / 266: " رجال إسناده ثقات ". (¬3) نيل الأوطار 3 / 266. (¬4) هو عبد الله بن علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي، شهد الحديبية، وبايع بيعة الرضوان، وشهد خيبر وما بعدها، ولم يزل بالمدينة حتى قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحول إلى الكوفة، وتوفي بها سنة 86، وقيل: 87 هـ. (ينظر: طبقات ابن سعد 4 / 301، وأسد الغابة 3 / 121) .

الخطبة» (¬1) . قال في نيل الأوطار بعد ذكر هذه الأحاديث الثلاثة: " فيها مشروعية إقصار الخطبة، ولا خلاف في ذلك " (¬2) . هذه هي أبرز وأصح الأحاديث الواردة في تقصير الخطبة من قوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله. ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: 1 - تقدم في الحديث الأول فعل عمار - رضي الله عنه -. 2 - ما روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: " إن قصر الخطبة وطول الصلاة مَئِنَّةٌ من فقه الرجل " (¬3) . ثالثا: من المعقول: أن إطالة الخ طبة تؤدي إلى ملل الناس، فيسن تقصيرها حتى ¬

(¬1) أخرجه النسائي في سننه في كتاب الجمعة - باب ما يستحب من تقصير الخطبة 3 / 108 - 109، الحديث رقم (1414) ، وقال في نيل الأوطار 3 / 269: " قال العراقي في شرح الترمذي: " إسناده صحيح ". (¬2) نيل الأوطار 3 / 270. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب الخطبة تطول أو تقصر 2 / 114، وقال الألباني في إرواء الغليل 3 / 79: " وقال المنذري بعدما عزاه للطبراني: " بإسناد صحيح "، ووافقه، وذكره الهيثمي في مجع الزوائد 2 / 190 مرفوعا وقال: " رواه البزار، وروى الطبراني بعضه موقوفا في الكبير، ورجال الموقوف ثقات ".

المسألة الثانية تقصير الخطبة الثانية أكثر من الأولى

لا يحصل ذلك (¬1) . ومع هذه الأدلة على سنية تقصير الخطبة وخاصة الأدلة من السنة إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مواظبا على هذا، وإنما كان يفعله في أكثر الأحيان، وإذا لم يكن هناك حاجة تستدعي التطويل، فإن كان هناك حاجة أطال، قال ابن القيم - رحمه الله -: " وكان يقصر خطبته أحيانا، ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس، وكانت خطبته العارضة أطول من الراتبة " (¬2) . [المسألة الثانية تقصير الخطبة الثانية أكثر من الأولى] المسألة الثانية: تقصير الخطبة الثانية أكثر من الأولى: ذكر بعض الفقهاء أن من السنن في خطبتي الجمعة أن تكون الخطبة الثانية أقصر من الأولى. وممن ذكر ذلك المالكية (¬3) والحنابلة (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 528. (¬2) زاد المعاد 1 / 191. (¬3) ينظر: الشرح الصغير وبلغة السالك معه 1 / 180 - 181، والتاج والإكليل بهامش المواهب 2 / 166. (¬4) ينظر: المستوعب 3 / 30، والفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 397، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36.

الدليل: القياس على الإقامة مع الأذان، فكما أن السنة في الأذان أن يكون شفعا والإقامة وترا، فتكون الإقامة أقصر، فكذلك خطبتا الجمعة (¬1) . كما يمكن الاستدلال لذلك بالقياس على ركعتي الصلاة، فالسنة أن تكون الثانية أقصر من الأولى؛ لما جاء في حديث عبد الله (¬2) بن أبي قتادة عن أبيه «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب، ويُسمعنا الآية، ويطوِّل في الركعة الأولى ما لا يطوِّل في الركعة الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح» (¬3) . ¬

(¬1) ينظر: الفروع 2 / 119، والمبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 36. (¬2) هو عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري، السلمي، المدني، يكنى بأبي إبراهيم، وثقه ابن سعد، والنسائي، وابن حبان، وابن حجر، وتوفي سنة 95 هـ. (ينظر: تهذيب التهذيب 5 / 360، وتقريب التهذيب 1 / 441) . (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأذان - باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب 1 / 189، ومسلم في كتاب الصلاة - باب القراءة في الظهر والعصر 1 / 333، الحديثان (154، 155) .

المطلب الثاني أن تكون الخطبة فصيحة بليغة مؤثرة مرتبة

[المطلب الثاني أن تكون الخطبة فصيحة بليغة مؤثرة مرتبة] المطلب الثاني أن تكون الخطبة فصيحة بليغة مؤثرة مرتبة أن تكون الخطبة فصيحة، بليغة، مؤثرة، مرتبة ذكر بعض الفقهاء صفات يسن للخطيب أن يميز بها خطبته، وأن يأخذها في الاعتبار عند إعداد الخطبة وإلقائها، لتكون أكثر تأثيرًا وتحقيقًا للمقصود، منها ما ذكرت في العنوان ومنها أيضًا الترسل، والبيان، والإعراب، واجتناب الألفاظ الغريبة، وعدم العجلة والتمطيط. وممن ذكر هذه الصفات الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) . ولا شك أن غيرهم من الفقهاء يوافقونهم على ذلك وإن لم يصرحوا به، ولعل عدم التصريح به لكونه أمرًا واضحًا ومعلومًا، والله أعلم. وما أجود ما قاله صاحب الحاوي في هذا الشأن حيث قال: " المقصود بالخطبة شيئان: الموعظة، والإِبلاغ، ويقصد بموعظته ثلاثة أشياء: إيراد المعنى الصحيح، واختيار اللفظ الفصيح، ¬

(¬1) ينظر: الأم 1 / 230، والحاوي 3 / 55، والوجيز 1 / 64، والمجموع 4 / 528، وروضة الطالبين 2 / 31، ومغني المحتاج 1 / 289. (¬2) ينظر: المغني 3 / 180، وكشاف القناع 2 / 36.

واجتناب ما يقدح في فهم السامع من تمطيط الكلام ومده، أو العجلة فيه عن إبانة لفظه، أو ركب ما يستنكر من غريب الكلام وإعرابه، ولا يطيل إطالة تضجر، ولا يقصر تقصيرا يبتر، ويعتمد في كل زمان على ما يليق بالحال " (¬1) . الأدلة: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: أولا: من السنة: 1 - ما روته عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسرد الكلام كسردكم هذا، كان كلامه فصلا بينا، يحفظه كل من سمعه» ، وفي لفظ: «. . . لكن كان إذا تكلم تكلم فصلا، يبينه، يحفظه كل من سمعه» (¬2) . 2 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «كان في ¬

(¬1) الحاوي 3 / 55. (¬2) أخرجه بلفظيه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب ما يستحب من تبيين الكلام وترتيله، وترك العجلة فيه 3 / 207، وقال: " وبهذا الإسناد رواه وكيع بن الجراح وأبو أسامة عن الثوري: أخبرنا أبو الحسن بن عبدان، قال: قال أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي: أسامة عن القاسم والزهري صحيحان جميعا ".

كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ترتيل أو ترسيل» (¬1) . فعموم هذين الحديثين يشمل كلامه - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الجمعة. ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: الأثر الذي استدلوا به هنا هو في تجنب الكلام البعيد عن أفهام الحاضرين، وما لا يعرفونه، وهو ما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: " حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّبَ الله ورسوله " (¬2) . ثالثا: من المعقول: أن الخطبة إذا لم تتصف بهذه الصفات فإنها لا تقع في النفوس موقعًا كاملا، ولا يحصل مقصودها (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في الكتاب والباب السابقين 3 / 207. (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب العلم - باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا 1 / 41. (¬3) ينظر: المجموع 4 / 528.

المطلب الثالث قراءة سورة (ق) في الخطبة

[المطلب الثالث قراءة سورة (ق) في الخطبة] المطلب الثالث قراءة سورة (ق) في الخطبة ذكر بعض الفقهاء أنه يستحب للخطيب في خطبة الجمعة قراءة سورة (ق) (¬1) . الأدلة: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول. أولا: من السنة: 1 - ما روته أم هشام بنت حارثة بن النعمان - رضي الله عنها - قالت: «ما حفظت (ق) إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بها كل جمعة، قالت: وكان تنورنا وتنور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدًا» (¬2) . وفي لفظ: «وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] (¬3) إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس» (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: روضة الطالبين 2 / 25، وشرح النووي على صحيح مسلم 6 / 161، ومغني المحتاج 1 / 286. (¬2) تقدم تخريجه ص (145) من صحيح مسلم. (¬3) سورة (ق) ، الآية رقم (1) . (¬4) تقدم تخريجها ص (146) .

2 - ما روته عمرة بنت عبد الرحمن عن أخت لعمرة قالت: «أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] (¬1) من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة» (¬2) . قال النووي: " وفيه استحباب قراءة (ق) أو بعضها في كل خطبة " (¬3) . وقال ابن القيم - رحمه الله - أيضا مشيرا إلى فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا: " حُفِظَ من خطبه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكثر أن يخاطب بالقرآن وسورة ق " (¬4) . ثانيا: من المعقول: أن سورة (ق) مشتملة على البعث، والموت، والمواعظ الشديدة، والزواجر الأكيدة، فاستحب قراءتها في الخطبة (¬5) . فلما ثبت فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك، وتكراره له استحب للخطيب فعل ذلك في بعض الأحيان اقتداء به، والله أعلم. ¬

(¬1) سورة (ق) ، الآية رقم (1) . (¬2) تقدم تخريجه ص (146) من صحيح مسلم. (¬3) شرح صحيح مسلم 6 / 161. (¬4) زاد المعاد 1 / 424. (¬5) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 161، ومغني المحتاج 1 / 286.

المطلب الرابع الدعاء للمسلمين في الخطبة الثانية

[المطلب الرابع الدعاء للمسلمين في الخطبة الثانية] المطلب الرابع الدعاء للمسلمين في الخطبة الثانية اختلف الفقهاء في حكم دعاء الخطيب للمسلمين في الخطبة الثانية من خطبتي الجمعة، وذلك على قولين: القول الأول: أنه سنة. وبهذا قال الحنفية (¬1) والشافعية في قول لهم وصححه بعضهم (¬2) والحنابلة (¬3) قال في الإنصاف: " وهذا بلا نزاع " (¬4) . يعني عند الحنابلة. القول الثاني: أنه ركن من أركان الخطبة الثانية. وهذا هو القول الصحيح عند الشافعية (¬5) قال النووي: ¬

(¬1) ينظر: الفتاوى الهندية 1 / 147، ومراقي الفلاح (103) . (¬2) ينظر: حلية العلماء 2 / 277، والمجموع 4 / 521، وروضة الطالبين 2 / 25، ومغني المحتاج 1 / 286. (¬3) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 52، وشرح الزركشي 2 / 190، المغني 3 / 181، والفروع 2 / 119، والمحرر 1 / 152، والإنصاف 2 / 397، وكشاف القناع 2 / 37. (¬4) الإنصاف 2 / 397. (¬5) ينظر: حلية العلماء 2 / 277، والحاوي 3 / 58، والوجيز 1 / 64، والمجموع 4 / 521، وروضة الطالبين 2 / 25، واختلفوا فيما يكفي على قولين: الأول: ما يقع عليه اسم الدعاء، والثاني: يجب أن يكون متعلقًا بأمور الآخرة.

" وهو الصحيح المختار " (¬1) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على السنية بأدلة من السنة، والمعقول. من السنة: ما رواه سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات كل جمعة» (¬2) . وهذا واضح الدلالة، لكن في ثبوته كلام كما في تخريجه. ومن المعقول: أن الدعاء للمسلمين مسنون في غير خطبة الجمعة، ففيها أولى (¬3) . ¬

(¬1) المجموع 4 / 521. (¬2) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2 / 190 وقال: " رواه البزار والطبراني في الكبير، وقال البزار: لا نعلمه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد، وفي إسناد البزار يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف ". كما ذكره ابن حجر في بلوغ المرام ص (492) ، وقال: " رواه البزار بإسناد لين ". قال في إعلاء السنن 8 / 59: " قلت: ولكن الحافظ لم يضعف الإسناد، بل لينه، وهو يدل على أن السمتي فيه ضعف يسير، ولما رواه شاهد ". (¬3) ينظر: المبدع 2 / 163، وكشاف القناع 2 / 37.

ثانيا: واستدلوا على عدم الركنية بما يلي: 1 - أن الدعاء للمسلمين ليس ركنا يجب الإتيان به في غير خطبة الجمعة، فكذلك فيها، كالتسبيح (¬1) . 2 - أن الأصل عدم الوجوب، ومقصود الخطبة الوعظ (¬2) . دليل أصحاب القول الثاني: أن الدعاء للمسلمين في خطبة الجمعة قد نقله الخلف عن السلف، فيكون ركنا فيها (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: لم يذكروا مَنْ مِنَ السلف ثبت عنه ذلك، ولم أطلع على شيء فيه. الوجه الثاني: على تقدير ثبوته عن أحد منهم فإنه إن كان من الصحابة فمختلف في الاحتجاج بقوله، وإن كان ممن دونهم فليس بحجة بالاتفاق، خاصة وأن ذلك في إثبات ركن يتعلق به صحة الجمعة. ¬

(¬1) ينظر: مغني المحتاج 1 / 286. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 521. (¬3) ينظر: مغني المحتاج 1 / 286.

المطلب الخامس الدعاء لولاة أمور المسلمين في الخطبة الثانية

الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بسنية الدعاء للمسلمين في الخطبة الثانية من خطبتي الجمعة، والأولى في آخرها، لما استدلوا به، ويؤيد السنية بأن الساعة ساعة ترجى فيها إجابة الدعاء، والدعاء للمسلمين من أعظم الأمور وأهمها وأكثرها فائدة للإسلام والمسلمين في هذا الوقت. قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله - في تقرير له موضحا ما ينبغي أن يتضمنه الدعاء: " ويكون دعاؤه للمسلمين بالأمور الهامة من نصرة الإسلام والمسلمين، وكبت أعداء الدين، ونحو ذلك " (¬1) . [المطلب الخامس الدعاء لولاة أمور المسلمين في الخطبة الثانية] المطلب الخامس الدعاء لولاة أمور المسلمين في الخطبة الثانية وفيه مسألتان: المسألة الأولى: الدعاء لولاة أمور المسلمين عامة بدون تعيين. ¬

(¬1) فتاوى ورسائل سماحته 3 / 21.

المسألة الثانية: الدعاء لولي أمر بعينه. المسألة الأولى: الدعاء لولاة أمور المسلمين عامة بدون تعيين: الدعاء لولاة أمور المسلمين عامة وبدون تعيين بالصلاح والإعانة على الحق، والقيام بالعدل، ونحو ذلك في الخطبة الثانية من خطبتي الجمعة مستحب كما ذكر النووي حيث قال: " فأما الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك، ولجيوش الإسلام فمستحب بالاتفاق " (¬1) . المسألة الثانية: الدعاء لولي أمر بعينه: كما أن للناس حقوقا على ولي الأمر، فكذلك له عليهم حقوق أعظمها وأهمها محبته، وطاعته في غير معصية الله، والدعاء له بالصلاح والهداية والتوفيق والإعانة ونحو ذلك مما فيه منفعة له ولعموم رعيته وللمسلمين عامة، وعلى هذا المنهج كان ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 521، وروضة الطالبين 2 / 33.

سلفنا الصالح من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا حتى وإن نالهم شيء منهم كما حصل للإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما، وقد كان الإمام أحمد يقول: " لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها لإمام عادل، لأن في صلاحه صلاحا للمسلمين " (¬1) وقال: " إني لأدعو له بالتوفيق والتسديد " (¬2) وذلك اتباعا لما يعلمونه من شرع الله - عز وجل -، وإيمانا منهم بما يحصل من طاعته وصلاحه من اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، واستتباب الأمن، وأداء الحقوق، وقيام مصالح الناس وحياتهم على الوجه السوي، وما يحصل بضدِّ ذلك من الأضرار والمفاسد التي لا يعلم قدرها إلا الله - عز وجل -، ولا يعرف ذلك إلا من جربه. وخطبة الجمعة من الأوقات التي تُرجى فيها إجابة الدعاء؛ لأنها تحصل في الساعة التي لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه على أرجح الأقوال - في نظري -، كما أنها تحصل في مجمع من الناس يؤمنون عليها، وقد يكون منهم من هو مستجاب الدعوة، فهل يشرع في الخطبة الثانية الدعاء له بعينه؟ ¬

(¬1) ينظر: الفروع 2 / 120، والإنصاف 2 / 398. (¬2) ينظر: الفروع 2 / 120، والمبدع 2 / 164.

اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه مستحب. وبهذا قال بعض المالكية (¬1) وبعض الحنابلة (¬2) وعبارة صاحب المغني توحي بأنه يميل إليه حيث قال: " وإن دعا لسلطان المسلمين فحسن " (¬3) وكذا صاحب الإنصاف حيث قال عنه: " وما هو ببعيد " (¬4) . القول الثاني: أنه جائز. وبهذا قال بعض الشافعية، واختاره النووي (¬5) وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة (¬6) . القول الثالث: أنه غير مشروع، بل ذهب بعضهم إلى ما هو أبعد من ذلك فقال ببدعيته. ¬

(¬1) ينظر: مواهب الجليل 2 / 165. (¬2) ينظر: المغني 3 / 181، والفروع 2 / 120، والإنصاف 2 / 398، والمبدع 2 / 164. (¬3) المغني 3 / 181. (¬4) الإنصاف 2 / 398. (¬5) ينظر: المجموع 4 / 521، وروضة الطالبين 2 / 32 - 33، ومغني المحتاج 1 / 290. (¬6) ينظر: شرح الزركشي 2 / 182، والمغني 3 / 181، والفروع 2 / 120، والإنصاف 3 / 397، والمبدع 2 / 164، وكشاف القناع 2 / 37.

وبهذا قال بعض المالكية (¬1) وبعض الشافعية (¬2) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من آثار الصحابة، والمعقول: أولا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: ما رواه ضبة (¬3) بن محصن أن أبا موسى الأشعري (¬4) - رضي الله عنه - " كان إذا خطب فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو لعمر، وأبي بكر، وأنكر عليه ضبة البداية بعمر قبل الدعاء لأبي بكر، ورفع ذلك إلى عمر، ¬

(¬1) ينظر: مواهب الجليل 2 / 165. (¬2) ينظر: الأم 1 / 233، والمجموع 4 / 521، وروضة الطالبين 2 / 32 - 33. (¬3) هو ضبة بن محصن العنزي، البصري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: قليل الحديث، وقال الأزدي: ثقة مشهور. (ينظر: طبقات ابن سعد 7 / 103، وتهذيب التهذيب 4 / 442) . (¬4) هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري، مشهور بكنيته أبي موسى، قيل: إنه هاجر إلى الحبشة وقدم المدينة بعد فتح خيبر، واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض اليمن، ثم عمر على البصرة، ثم عثمان على الكوفة، وكان أحد الحكمين بصفين، ثم اعتزل الفتنة، وتوفي سنة 42 هـ. (ينظر: طبقات ابن سعد 2 / 344، والإصابة 4 / 119) .

فقال لضبة: أنت أوفق منه وأرشد " (¬1) . وهو واضح الدلالة لكن لم يتحقق لي ثبوته. ثانيا: من المعقول: 1 - أن إمام المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففي الدعاء له دعاء لهم، وذلك مستحب غير مكروه (¬2) . دليل أصحاب القول الثاني: أن الدعاء للمعين يجوز في الصلاة على الصحيح، ففي الخطبة أولى (¬3) . وهذا الدليل لا مخالفة فيه لما ذكره أصحاب القول الأول. دليل أصحاب القول الثالث: ما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه قيل له: الذي يدعو الناس به في الخطبة يومئذ أبلغك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عمن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا إنما أحدث، ¬

(¬1) ذكره بهذا اللفظ مستدلا به ابن قدامة في المغني 3 / 181، وأشار إليه باختصار برهان الدين ابن مفلح في المبدع 2 / 164، والبهوتي في الكشاف 2 / 37، ولم يذكروا من أخرجه، ولم أطلع عليه في ما بين يدي من كتب السنة والآثار. (¬2) ينظر: المغني 3 / 181، والمبدع 2 / 164، وكشاف القناع 2 / 37. (¬3) ينظر: شرح الزركشي 2 / 182.

إنما كانت الخطبة تذكيرا (¬1) . وهو واضح الدلالة على قولهم. مناقشه هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أنه متكلم في صحته كما في تخريجه. الوجه الثاني: على تقدير ثبوته فقد فعله الصحابة - رضي الله عنه - كما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول، وهو مقدم على قول عطاء (¬2) . الترجيح: الراجح في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل باستحباب الدعاء لولي الأمر بعينه في خطبة الجمعة؛ لما استدلوا به، ولما في ذلك من المصالح العظيمة له وللعباد والبلاد وأهمها جمع الكلمة، ووحدة الصف، وتأكيد محبته وطاعته في قلوب عامة الناس، وتشهد لذلك قواعد الشريعة العامة، ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب ما يكره من الدعاء لأحد بعينه، أو على أحد بعينه في الخطبة 3 / 217، وذكره الإمام الشافعي في الأم 1 / 233، وقال النووي في المجموع 4 / 518: " وهو إسناد صحيح إلا عبد المجيد فوثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وضعفه أبو حاتم الرازي، والدارقطني ". (¬2) ينظر: المغني 3 / 181.

وعقيدة السلف الصالح ومنهجهم. وهذا إذا لم يأمر بذلك ولي الأمر، فإن أمر بذلك فإن المسألة إلى الوجوب؛ للأدلة المتظاهرة من الكتاب والسنة على وجوب طاعته في غير معصية الله، ولأنه لا يأمر بذلك إلا لمصلحة ظاهرة يراها تستدعي ذلك.

المطلب السادس ختم الخطبة الثانية بالاستغفار

[المطلب السادس ختم الخطبة الثانية بالاستغفار] المطلب السادس ختم الخطبة الثانية بالاستغفار ذكر كثير من الفقهاء أن من سنن خطبتي الجمعة أن يختم الثانية بالاستغفار كقوله: " أستغفر الله لي ولكم ". وممن ذكر ذلك الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) . الأدلة: 1 - ما رواه سمرة بن جندب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات في كل جمعة» (¬4) . 2 - ما رواه ابن شهاب الزهري قال: " بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كان يبدأ فيجلس على المنبر، فإذا سكت المؤذن قام فخطب الخطبة الأولى، ثم جلس شيئا يسيرا، ثم قام ¬

(¬1) ينظر: مراقي الفلاح ص (103) . (¬2) ينظر: مواهب الجليل والتاج والإكليل بهامش 2 / 172، والشرح الصغير 1 / 181. (¬3) ينظر: الحاوي 3 / 58، والمجموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 33، ومغني المحتاج 1 / 290. (¬4) تقدم تخريجه وبيان الحكم عليه وأن في صحته كلاما ص (274) .

الفصل الخامس مسائل متفرقة في خطبة الجمعة

فخطب الخطبة الثانية، حتى إذا قضاها استغفر ثم نزل فصلى» (¬1) . قال في إعلاء السنن: " قلت: دلالته على استغفاره - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة ظاهرة، وبهذا بطل حمل بعض الناس حديث سمرة على الاستغفار خارج الخطبة " (¬2) . ومع ما في هذين الحديثين من ضعف - كما في تخريجهما - فإن كلام ابن القيم - رحمه الله - يوحي بصلاحيتها للاحتجاج عنده، حيث قال في معرض كلامه على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته: " وكان يختم خطبته بالاستغفار " (¬3) . [الفصل الخامس مسائل متفرقة في خطبة الجمعة] [المبحث الأول التقصير في إعدادها بالاعتماد على خطب مدونة قديما ونحو] ذلك ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في مراسيله ص (125) ، وقال في إعلاء السنن 8 / 60: " وفي آثار السنن: هو مرسل جيد " ووافقه على ذلك، وقال أيضا - أعني صاحب إعلاء السنن -: " فالحق أن مراسيل الزهري مختلف فيها، ضعفها بعضهم، واحتج بها بعضهم، ومثله يكون حسنا صالحا للاحتجاج كما ذكرناه في المقدمة. " لكن على كل الأحوال فإن المرسل يعد عند أهل العلم من أقسام الحديث الضعيف، والله أعلم. (¬2) إعلاء السنن 8 / 59. (¬3) زاد المعاد 1 / 187.

الفصل الخامس مسائل متفرقة في خطبة الجمعة وفيه ثلاثة عشر مبحثا: المبحث الأول: التقصير في إعدادها، بالاعتماد على خطب مدونة قديما، ونحو ذلك. المبحث الثاني: إخراجها عن مقصودها الشرعي. المبحث الثالث: صلاة الخطيب تحية المسجد عند دخوله وقبل صعود المنبر. المبحث الرابع: دعاء الخطيب عند صعود المنبر وقبل جلوسه حال الأذان. المبحث الخامس: الخطبة من صحيفة. المبحث السادس: الكلام فيها. المبحث السابع: الدق بالسيف على المنبر. المبحث الثامن: الإشارة باليد. المبحث التاسع: التفات الخطيب يمينا وشمالا.

المبحث العاشر: قول الخطيب في آخر الأولى: " ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة " ونحوه، والمداومة عليه. المبحث الحادي عشر: المبالغة في الإسراع في الثانية، وخفض الصوت بها. المبحث الثاني عشر: رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة. المبحث الثالث عشر: ختم الثانية بقوله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] والمداومة على ذلك.

المبحث الأول التقصير في إعداد الخطبة بالاعتماد على خطب مدونة قديما ونحو ذلك يعتمد بعض الخطباء على كتب مدونة قديما، يقرءونها بنصها، وبعضهم يقرؤها من الكتب المدونة فيها مباشرة، وغالب ما فيها لا يتناسب مع هذا العصر وما جد فيه من قضايا، وذلك إما عجزا عن إعداد الخطبة، وإما تكاسلا. ولا شك أن هذا تقصير في إعداد الخطبة، وخطأ يجب تصحيحه. جاء في السنن والمبتدعات: " ومن التكاسل والجهل والتقصير اعتمادهم على قراءة ما في الدواوين القديمة وإن كانت لا توافق عصرنا ولا حالنا، وإن كان فيها ما يخالف الشريعة، وقراءتهم للأحاديث الموضوعة والضعيفة الواهية كأحاديث فضل رجب ونصف شعبان وغيرها من غير تبيانها للناس، وهذا تدليس بل وغش للمسلمين " (¬1) . والمشروع في الخطبة أن تكون بما تقتضيه حاجة المخاطبين ¬

(¬1) السنن والمبتدعات ص (76) .

ويناسب العصر وقضاياه حتى تتم الفائدة المنشودة منها، وهذا هو هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته الذي هو خير الهدي. قال ابن القيم - رحمه الله -: " وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم " (¬1) . وتجدر الإشارة إلى أن هذا قد قل في بلادنا - ولله الحمد - بفضل الله - تعالى - ثم جهود حكومتنا - وفقها الله - في هذا الشأن بما تبذله وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من إقامة دورات للأئمة والخطباء، ووضع ضوابط لتعيين الخطباء من ضمنها القدرة الجيدة على إعداد الخطبة، كما أن الوزارة الآن بصدد جمع بعض الخطب المتميزة وتنقيحها وطباعتها وتوزيعها على من ليس لديهم القدرة التامة على إعداد الخطب، أسأل الله أن يثيبهم ويسدد خطاهم. ¬

(¬1) زاد المعاد 1 / 189.

المبحث الثاني إخراجها عن مقصودها الشرعي

[المبحث الثاني إخراجها عن مقصودها الشرعي] المبحث الثاني إخراجها عن مقصودها الشرعي المقصود الشرعي من خطبة الجمعة هو الثناء على الله - تعالى - وتمجيده، وتعليم الناس قواعد الإسلام، ووعظهم وتذكيرهم، وحثهم على طاعة الله، وتحذيرهم من موارد غضبه وعقابه، وبيان جزاء المطيع وعقوبة العاصي، وبيان الأخطاء المنتشرة في المجتمع وسبل معالجتها، والبدع والتحذير منها، ونحو ذلك. قال ابن القيم - رحمه الله - ملخصا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- في خطبه: " وكان مدار خطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والمسألة بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه، فعلى هذا كان مدار خطبه " (¬1) . وقال في موضع آخر: " وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام، وشرائعه، ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي " (¬2) . ¬

(¬1) زاد المعاد 1 / 188. (¬2) المرجع السابق 1 / 427.

هذا ملخص هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة الذي أرسله ربه إلى الناس ليقتدوا ويتأسوا به في أقواله وأفعاله، فهديه هو المقصود الشرعي من الخطبة، وقد تقدم في أركان الخطبة أن الوعظ ركن من أركانها حسب ما ظهر رجحانه (¬1) . وإذا كان الأمر كذلك فلا يشرع للخطيب أن يخرج بخطبته عن هذا المنهج النبوي، والمقصود الشرعي، بل عليه أن يلتزم به، فلا يخرج عنه إلى مقاصد أخرى كالموضوعات التي يخالف منهج السلف الصالح، أو التي تثير الفتنة والخلاف والعداوة بين المسلمين، أو الدخول في قضايا لا علاقة لعامة الناس بها، أو ليس فيها فائدة تذكر، أو نحو ذلك. كما يدخل في إخراج الخطبة عن مقصودها الشرعي الاهتمام بالمحسنات الشكلية والبلاغية مع إهمال المضمون. وفي هذا كله يقول ابن القيم - رحمه الله - أيضا موضحا منهج النبي ومنهج أصحابه ومن بعدهم من السلف أكثر مما سبق: " ومن تأمل خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل ¬

(¬1) ص (139) .

جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والمسألة بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم، ثم طال العهد، وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها، وزينوها بما زينوها به، فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها، وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر، وعلم البديع، فنقص بل عدم حظ القلوب منها، وفات المقصود بها " (¬1) . ما أعظمه من منهج!! وما أحوجنا إلى الالتزام به!! لكي تؤدي الخطب المقصود منها، وتصل إلى قلوب الناس، فتستنير وتحيا حياة طيبة، وفق شرع الله - تعالى- ومنهج نبيه - صلى الله عليه وسلم -، والسلف الصالح. ¬

(¬1) زاد المعاد 1 / 423 - 424.

المبحث الثالث صلاة الخطيب تحية المسجد بعد دخوله وقبل صعود المنبر

[المبحث الثالث صلاة الخطيب تحية المسجد بعد دخوله وقبل صعود المنبر] المبحث الثالث صلاة الخطيب تحية المسجد بعد دخوله وقبل صعود المنبر اختلف الفقهاء في الخطيب في الجمعة إذا دخل يريد الخطبة هل يصلي تحية المسجد قبل صعود المنبر كغيره، أو تسقط عنه؛ وذلك على قولين: القول الأول: أن السنة في حقه أن يصعد المنبر حال دخوله، ولا تشرع له تحية المسجد. وبهذا قال المالكية (¬1) وهو المذهب عند الشافعية (¬2) وبه قال الحنابلة (¬3) . القول الثاني: تسن له تحية المسجد عند دخوله وقبل صعود المنبر كغيره. وبهذا قال بعض الشافعية (¬4) لكنه ضعيف، بل قال عنه النووي: " غريب، وشاذ، ومردود، فإنه خلاف ظاهر المنقول ¬

(¬1) ينظر: المنتقى شرح الموطأ 1 / 189، والفواكه الدواني 1 / 313. (¬2) ينظر: الحاوي 3 / 52، والمجموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 33، ومغني المحتاج 1 / 189. (¬3) ينظر: الفروع 2 / 123، والإنصاف 2 / 416، وكشاف القناع 2 / 46. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 33.

عن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين، ومن بعدهم " (¬1) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: أولا: من السنة: ما رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من الجلوس، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه ثم سلم» (¬2) . وفي حديث آخر لابن عمر - رضي الله عنهما - أيضا قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج يوم الجمعة فقعد على المنبر أذن بلال» (¬3) . ¬

(¬1) روضة الطالبين 2 / 33. (¬2) تقدم تخريجه ص (206) . (¬3) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب الإمام يجلس على المنبر حتى يفرغ المؤذن عن الأذان ثم يقوم فيخطب 3 / 205.

هكذا استدل أصحاب هذا القول بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بصعوده المنبر عند دخوله مباشرة، ولم ينقل عنه صلاة تحية المسجد قبله (¬1) والحديث الأول تقدم بيان ضعفه عند تخريجه، والثاني لم أطلع على كلام لأهل العلم عليه، وكأنهم أخذوا ذلك من استقراء حاله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا ما يفهم من كلام ابن القيم - رحمه الله - حيث قال: " وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس، فإذا اجتمعوا خرج إليه وحده. . . فإذا دخل المسجد سلم عليهم، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم " (¬2) . ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: ما رواه ثعلبة (¬3) بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج ¬

(¬1) ومن هؤلاء النفراوي في الفواكه الدواني 1 / 313، والنووي في المجحموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 33، والفروع 2 / 123، والإنصاف 2 / 416. (¬2) زاد المعاد 1 / 429. (¬3) هو ثعلبة بن أبي مالك القرظي المدني، حليف الأنصار، له رؤية، قال أبو حاتم هو من التابعين، وقال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. (ينظر: طبقات ابن سعد 5 / 79، وتهذيب التهذيب 2 / 25) .

عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون (قال ثعلبة) : " جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا، فلم يتكلم منا أحد " (¬1) . قال في المنتقى شرح الموطأ: " فإذا خرج عمر وجلس على المنبر " يقتضي استقراره للعمل وتتبعه الأخبار عند اتصال خروجه على الناس بارتقاء المنبر، ولا يفصل بينهما بركوع ولا غيره، وهذه السنة أن يدخل الإمام إلى المسجد فيرقى المنبر بإثر دخوله ولا يركع " (¬2) . ثالثا: من المعقول: القياس على الحاج إذا دخل المسجد الحرام يريد الطواف، فتسقط تحية المسجد عن الخطيب بسبب الاشتغال بالخطبة كما تسقط في حق الحاج إذا دخل المسجد الحرام بسبب الطواف (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الجمعة - باب ما جاء في الإنصاب يوم الجمعة والإمام يخطب 1 / 103، الحديث رقم (7) ، واللفظ له، وابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب 2 / 124، وعبد الرزاق في مصنفه في كتاب الجمعة - باب جلوس الناس حين يخرج الإمام 3 / 208، الأثر رقم (5352) ، وقال في المبدع 2 / 176: " بسند جيد ". (¬2) المنتقى شرح الموطأ 1 / 189. (¬3) ينظر: المجموع 4 / 529.

دليل أصحاب القول الثالث: لم أطلع على دليل لهم فيما بين يدي من كتبهم، والظاهر لهم يستدلون بعموم ما ورد من المسألة لتحية المسجد، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن الخطيب لا يدخل في هذا " العموم بدليل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول. الترجيح: الراجح في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بعدم مشروعية تحية المسجد للخطيب يوم الجمعة إذا دخل للخطبة؛ لقوة ما استدلوا به. ¬

(¬1) أخرجه من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - البخاري في صحيحه في كتاب الكسوف - باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى 2 / 50.

المبحث الرابع دعاء الخطيب عند صعود المنبر وقبل جلوسه حال الأذان

[المبحث الرابع دعاء الخطيب عند صعود المنبر وقبل جلوسه حال الأذان] المبحث الرابع دعاء الخطيب عند صعود المنبر وقبل جلوسه حال الآذان من الأمور التي لا تشرع قيام الخطيب بالدعاء عند صعود المنبر وقبل جلوسه للأذان، فهذا من البدع المحدثة التي تفعل في بعض البلدان. وممن ذكرها من البدع الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) . كما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية (¬3) وتلميذه ابن القيم (¬4) . جاء في الاختيارات: " ودعاء الإمام بعد صعوده المنبر لا أصل له " (¬5) . الدليل: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يفعل ذلك. قال ابن القيم: " وكان منبره ثلاث درجات، فإذا استوى عليه واستقبل الناس أخذ المؤذن في الأذان فقط، ولم يقل شيئا قبله ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 290. (¬2) ينظر: الفروع 2 / 125، وكشاف القناع 2 / 37. (¬3) الاختيارات ص (80) . (¬4) زاد المعاد 1 / 189، 429. (¬5) الاختيارات ص (80) .

ولا بعده " (¬1) . وقال في موضع آخر: " فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم، ولم يدع مستقبل القبلة، ثم يجلس ويأخذ بلال في الأذان " (¬2) . وأوضح دليل اطلعت عليه على ذلك ما رواه ابن عمر -، رضي الله عنهما - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ - أراه قال: المؤذن - ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب» (¬3) . إلا أن هذا الحديث فيه ضعف كما تقدم في تخريجه، ولعلهم أخذوا ما ذكروه من استقراء الأحاديث الواردة في خطبة الجمعة ومفهومها، والله أعلم. ¬

(¬1) زاد المعاد 1 / 189. (¬2) المرجع السابق 1 / 429. (¬3) سبق تخريجه ص (230) .

المبحث الخامس الخطبة من صحيفة

[المبحث الخامس الخطبة من صحيفة] المبحث الخامس الخطبة من صحيفة من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب في الجمعة وغيرها من غير صحيفة، بل يخطب مباشرة، لأنه أمي، وهذا ما أفاده ظاهر الأحاديث، وكذلك الخلفاء ومن بعدهم، ولم يظهر تدوين الخطبة وقراءتها على الناس إلا بعدهم وفي القرون المتأخرة، وذلك لأسباب مختلفة ومتعددة منها قلة الجرأة، وقلة العلم، والرغبة في إتقان الخطبة وترتيبها على نسق معين، بل وصل الحال في بعض الفترات إلى عدم القدرة عند البعض على إعداد الخطبة والاستعانة بما جمع من الخطب في بعض الكتب. وقد قال بعض فقهاء الحنابلة: إنه لا يشرع قراءة خطبة الجمعة من صحيفة إلا لمن لا يحسن الخطبة بدونها (¬1) . ¬

(¬1) ينظر: الفروع 2 / 117، والمبدع 2 / 161، ونقلا ذلك عن ابن عقيل، وأبي المعالي، وشرح منتهى الإرادات 1 / 299. وينظر أيضا: إرشادات لتحسين خطبة الجمعة ص (70) .

الدليل: القياس على القراءة في الصلاة، فهي تصح من المصحف على الصحيح من المذهب لمن لا يحسن القراءة عن ظهر قلب، فكذلك خطبة الجمعة (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق، حيث إن أهم مانع من القراءة من المصحف لمن يحسن القراءة عن ظهر قلب في الصلاة هو ما يؤدي إليه من كثرة الحركة والانشغال، وهذا لا محذور فيه حال الخطبة، والله أعلم. - والأظهر هنا أن الحاجة داعمة في أكثر الأحيان إلى الخطبة من صحيفة، لما في ذلك من إتقان للخطبة، وحسن ترتيب وتسلسل للمعلومات، وضبط لنصوص الكتاب والسنة التي تتضمنها الخطبة، وعدم تشعب الموضوع والخروج عنه، وضبط لمقدارها بحيث لا يسترسل الخطيب فيطيل ويترك السنة، كما أن في ذلك تقييدا لعواطف الخطيب التي قد تجره مع شدة الحماس أثناء الإلقاء إلى قول ما لا يناسب وما لا مصلحة في ذكره للسامعين، إلى غير ذلك من المصالح الكثيرة، والله أعلم. ¬

(¬1) ينظر: المرجع السابق.

المبحث السادس الكلام في الخطبة

[المبحث السادس الكلام في الخطبة] [المطلب الأول حكم السلام في الخطبة] [المسألة الأولى حكم كلام الخطيب] المبحث السادس الكلام في الخطبة وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم السلام في الخطبة. المطلب الثاني: وقت المنع من الكلام في الخطبة. المطلب الأول حكم الكلام في الخطبة وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: حكم كلام الخطيب. المسألة الثانية: حكم كلام الحاضر للخطبة. المسألة الثالثة: ما يستثنى من التحريم أو الكراهة عند من يقول بهما. المسألة الأولى: حكم كلام الخطيب: اختلف الفقهاء في حكم كلام الخطيب في خطبة الجمعة بغير الخطبة، وذلك على قولين: القول الأول: أن ذلك لا يجوز إلا لمصلحة، فيباح.

وبهذا قال المالكية (¬1) وبعض الشافعية (¬2) وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم (¬3) . القول الثاني: أن ذلك يباح مطلقا. وبهذا قال الشافعية في القول الصحيح عندهم، وعليه جمهورهم (¬4) وبعض الحنابلة (¬5) . القول الثالث: أنه يكره إلا لمصلحة. وبهذا قال الحنفية (¬6) وبعض الحنابلة (¬7) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على عدم الجواز إذا لم يكن هناك مصلحة ¬

(¬1) ينظر: الشرح الكبير للدردير 1 / 386، والشرح الصغير له 1 / 182. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 3 / 28. (¬3) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 53، والمحرر 1 / 152، والمستوعب 3 / 42، والفروع 2 / 127، والإنصاف 2 / 417، والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 47. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 2 / 28. (¬5) ينظر: المغني 3 / 196، والفروع 2 / 172، والمبدع 2 / 176. (¬6) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 265، والفتاوى الهندية 1 / 147. (¬7) ينظر: الفروع 2 / 127، والمبدع 2 / 176.

بعموم الأدلة الدالة على تحريم الكلام حال الخطبة والتي ستأتي، ومن أبرزها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» (¬1) . وجه الدلالة: أنه إذا كان المستمع مأمورا بالإنصات للاستماع ويحرم عليه السلام فذلك الخطيب مأمور بمواصلة الخطبة إذا لم تكن هناك حاجة؛ لكيلا يفوت على المستمع فائدة الاستماع. ثانيا: استدلوا على الإباحة عند الحاجة بما ورد من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصحابة لذلك، ومنه: 1 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «جاء رجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع» (¬2) وفي ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (93) . (¬2) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين 1 / 223، ومسلم في كتاب الجمعة - باب التحية والإمام يخطب 2 / 596، الحديث رقم (875) ، وتقدم تخريجه بهذا اللفظ، وفي بعض الروايات: أن الرجل هو سليك الغطفافي.

رواية: «فصل ركعتين» (¬1) . قال النووي عن هذا الحديث برواياته: " وفي هذه الأحاديث أيضا جواز الكلام في الخطبة لحاجة " (¬2) . 2 - ما رواه بريدة (¬3) - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنبر فحملهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله ورسوله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15] (¬4) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» (¬5) . ¬

(¬1) أخرجها البخاري في الكتاب السابق - باب من جاء، والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين 1 / 223، ومسلم في الكتاب والباب السابقين. (¬2) شرح صحيح مسلم 6 / 164. (¬3) هو بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أحد فشهد معه المشاهد، وشهد الحديبية وبيعة الرضوان، سكن المدينة، ثم تحول إلى البصرة، تم خرج غازيا إلى خراسان فأقام بمرو حتى توفي زمن يزيد بن معاوية. (ينظر: طبقات ابن سعد 4 / 241، وأسد الغابة 1 / 175) . (¬4) سورة التغابن، جزء من الآية رقم (15) . (¬5) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة - باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث 1 / 290، الحديث رقم (1109) ، والنسائي في كتاب الجمعة - باب نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة. 3 / 108، الحديث رقم (1413) ، وابن ماجه في كتاب اللباس - باب لبس الأحمر للرجال 2 / 1190، الحديث رقم (36) ، والإمام أحمد في مسنده 5 / 354، وغيرهم. وقال عنه ابن عبد الهادي في التنقيح 2 / 1217: " إسناد هذا الحديث على شرط مسلم ".

3 - ما رواه عبد الله (¬1) بن بسر قال: «جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: اجلس فقد آذيت» (¬2) . قال ابن القيم مبينا ذلك: " وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض، أو السؤال من أحد أصحابه فيجيبه تم يعود إلى خطبته فيتمها، وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة. . . وكان يدعو الرجل في خطبته: تعال يا فلان، اجلس يا فلان، صل يا فلان " (¬3) . ¬

(¬1) هو عبد الله بن بسر المازني، الحمصي، صحابي صغير، ولأبيه صحبة، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم عن أبيه وأخيه، وصلى إلى القبلتين، ومات سنة 88 وقيل 96هـ وله مائة سنة، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة. (ينظر: الإصابة 4 / 103، وأسد الغابة 3 / 125) . (¬2) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة 1 / 292، الحديث رقم (1118) ، والنسائي في كتاب الجمعة - باب النهي عن تخطي رقاب الناس. 3 / 103، الحديث رقم (1399) ، وقال الأرناؤوط في هامش زاد المعاد 1 / 427: " إسناده حسن ". (¬3) زاد المعاد 1 / 427 - 428.

ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: ما رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: " بينما عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ قال: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت، فقال: والوضوء أيضا!! ، وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل " (¬1) . وفي رواية: إذ دخل عثمان بن عفان (¬2) . والدلالة واضحة، والمُنْكَر عليه عثمان - رضي الله عنه - وبمحضر من الصحابة، ولم يُنْكِروا على عمر كلامه في الخطبة. أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بما استدل به أصحاب القول الأول على الجواز عند الحاجة، وهي حديث جابر، وبريدة، وعبد الله بن بسر، وأثر ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب فضل الغسل يوم الجمعة. واللفظ له، ومسلم في أول كتاب الجمعة 2 / 850، الحديث رقم (845) . (¬2) أخرجها مسلم في الكتاب السابق.

عمر مع عثمان - رضي الله عنهم - وحملوها على الجواز للخطيب مطلقا. مناقشة هذا الاستدلال: يناقش بأنها محمولة على الحاجة كما ذكر أصحاب القول الأول، وأيضا النووي في المجموع (¬1) ويؤيد ذلك أن المواقف التي تكلم فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر - رضي الله عنه - مواقف حاجة، فهي إما أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو شفقة على ضعيف، أو نحو ذلك. أدلة أصحاب القول الثالث: أن خطبة الجمعة شرعت منظومة كالأذان، والكلام يقطع النظم إلا إذا كان الكلام أمرا بالمعروف فلا يكره (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنها إذا كانت كالأذان في أنها منظومة فإن الإسلام يفسدها، ولا يكون مكروها فقط. كما استدلوا بالإباحة عند الحاجة بما استدل به أصحاب القول الأول عليها. ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 522. (¬2) ينظر: المبسوط 2 / 27، وبدائع الصنائع 1 / 265.

المسألة الثانية حكم كلام الحاضر للخطبة

الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المطلب - والله أعلم بالصواب - القول الأول القائل بعدم جواز كلام الخطيب حال الخطبة بما ليس منها إلا عند الحاجة ولا سيما ما ورد فيه نص، لقوة ما استدلوا به، ووجاهته. [المسألة الثانية حكم كلام الحاضر للخطبة] [الأمر الأول حكم كلامه إذا كان يسمع الخطبة] المسألة الثانية: حكم كلام الحاضر للخطبة: وفيها خمسة أمور: الأمر الأول: حكم كلامه إذا كان يسمع الخطبة. الأمر الثاني: حكم كلامه إذا كان لا يسمع الخطبة. الأمر الثالث: حكم رد السلام وتشميت العاطس. الأمر الرابع: حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. الأمر الخامس: حكم التأمين على الدعاء. الأمر الأول: حكم كلام الحاضر للخطبة إذا كان يسمعها: اختلف الفقهاء في حكم كلام الحاضر للخطبة إذا كان يسمعها، وذلك على قولين:

القول الأول: يحرم الكلام، ويجب الإنصات، وتباح مخاطبة الإمام لحاجة. وبهذا قال الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) وهو القول القديم للإمام الشافعي (¬3) وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة (¬4) . وبه قال ابن حزم (¬5) . القول الثاني: لا يحرم الكلام، ولكنه يستحب الإنصات. وهو القول الجديد للإمام الشافعي، والصحيح والمشهور عند أصحابه (¬6) ورواية عند الإمام أحمد (¬7) . ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 128، وبدائع الصنائع 1 / 263، والفتاوى الهندية 1 / 147، وعبر بعضهم بالكراهة، والظاهر أنه يقصدون كراهة التحريم. (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 132، والكافي لابن عبد البر 1 / 251، والبيان والتحصيل 1 / 385، والقوانين الفقهية ص (86) ، ومواهب الجليل 2 / 178. (¬3) ينظر: الحاوي 3 / 41، وحلية العلماء 2 / 285، والمجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 2 / 28، ومغني المحتاج 1 / 287. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 53، والمغني 3 / 153، والفروع 2 / 124، والمحرر 1 / 152، والإنصاف 2 / 417. (¬5) ينظر: المحلى 5 / 61 - 62. (¬6) ينظر: الحاوي 3 / 42، وحلية العلماء 2 / 285، والمجموع 4 / 522، وروضة الطالبين 2 / 28. (¬7) ينظر: المغني 3 / 193، والفروع 2 / 125.

الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على تحريم الكلام إذا لم يكن مخاطبة للإمام لحاجة بأدلة من الكتاب، والسنة، وآثار الصحابة، والمعقول: - فمن الكتاب: قول الله - تعالى -: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] الآية (¬1) . فقد ورد عن بعض التابعين أنها نزلت في شأن الخطبة (¬2) وقد أمر بالاستماع والإنصات، ومطلق المسألة للوجوب (¬3) وذلك يقتضي تحريم الكلام. مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنها محمولة على الاستحباب جمعا بين الأدلة، إن سلم بأن المراد الخطبة (¬4) . الإجابة عن هذه المناقشة: يجاب بأن هذا الحمل مخالف لظاهر الآية المؤيدة بالأحاديث الآتية، والجمع بين الأحاديث يكون بإبقائها على ظاهر دلالتها وقصر ما ورد فيه الكلام على الحاجة ¬

(¬1) سورة الأعراف، جزء من الآية رقم (204) . (¬2) ومنهم مجاهد وعطاء كما ذكر الطبراني في تفسيره 9 / 165. (¬3) بدائع الصنائع 1 / 264. (¬4) ينظر: المجموع 4 / 525، ومغني المحتاج 1 / 287.

حسب ما يدل عليه مضمونها. - من السنة: ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» (¬1) . ومعنى " فقد لغوت " أي قلت اللغو، وهو الكلام الملغي الساقط الباطل المردود، وقيل: معناه قلت غير الصواب، وقيل: تكلمت بما لا ينبغي (¬2) . ونقل في الفتح عن بعضهم قوله: " اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام " (¬3) . قال النووي: " ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة، ونبه بهذا على ما سواه؛ لأنه إذا قال: أنصت، وهو في الأصل أمر بمعروف، وسماه لغوا، فغيره من الكلام أولى " (¬4) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (93) . (¬2) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 138، وفتح الباري 2 / 414، ونيل الأوطار 3 / 273، وذكروا أقوالا أخرى. (¬3) فتح الباري 2 / 414. (¬4) ينظر: شرح صحيح مسلم 6 / 138.

مناقشة هذا الدليل: نوقش من وجهين: الأول: أن المراد باللغو الكلام الفارغ، ومنه لغو اليمين فلا يدل على تحريم الكلام (¬1) . الإجابة عن هذه المناقشة: يجاب عنها بأنه قد ورد في بعض الأحاديث ما يرد ذلك، ويفيد التحريم، ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه سلم - قال: (ومن لغا أو تخطى كانت له ظهرا) (¬2) . وفي لفظ: «ومن تكلم فلا جمعة له» (¬3) هذا بالإضافة إلى ما سيأتي من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - من تشبيهه بالحمار يحمل أسفارا. الثاني: أن معنى قوله: «فقد لغوت» أي أمرت بالإنصات من لا يجب عليه (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 525. (¬2) أخرجه ابن خزيمة في كتاب الجمعة - باب ذكر الخبر المفسر. 3 / 156، الحديث رقم (1810) ، وقال الأرنؤوط في هامش زاد المعاد 1 / 430: " وسنده حسن ". (¬3) أخرجه أحمد في المسند 1 / 93 لكن قال الأرنؤوط في هامش زاد المعاد 1 / 430: " إسناده ضعيف لجهالة مولى امرأة عطاء الخرساني، لكن يشهد له ما رواه ابن خزيمة. "، يعني ما تقدم تخريجه قبله. (¬4) نقله ابن حجر في فتح الباري 2 / 414 - 415 عن ابن التين عن بعض من قال بجواز الكلام.

الإجابة عن هذه المناقشة: أجيب عنها بأن هذا جمود؛ لأن الإنصات لم يختلف في مطلوبيته، فكيف يكون من أمر بما طلبه الشارع لاغيا؟ بل النهي عن الكلام مأخوذ من الحديث بدلالة الموافقة؛ لأنه جعل قوله: (أنصت) مع كونه أمرا بمعروف لغوا، فغيره من الكلام أولى أن يسمى لغوا (¬1) . 2 - ما رواه أُبي (¬2) بن كعب - رضي الله عنه - قال: «قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة (تبارك) وهو قائم، فذكرنا بأيام الله، وأبو الدرداء (¬3) أو أبو ذر (¬4) يغمزني، ¬

(¬1) ينظر: فتح الباري 2 / 415. (¬2) هو أبي بن كعب بن قيس الأنصاري، الخزرجي، سيد القراء، شهد العقبة وبدرا وما بعدها، قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أقرؤكم أبي) ، وقال عمر: " أبي سيد المسلمين "، توفي سنة 22، وقيل 30هـ، وقيل غير ذلك. (ينظر: أسد الغابة 1 / 49، والإصابة 1 / 16) . (¬3) هو عويمر بن مالك بن زيد قيس الخزرجي الأنصاري، مشهور بكنيته أبي الدرداء، تأخر إسلامه قليلا، ثم أسلم وحسن إسلامه، وكان فقيها عاقلا، حكيما، ولي قضاء دمشق في خلافة عثمان، وتوفي قبل مقتل عثمان بسنتين. (ينظر: طبقات ابن سعد 7 / 391، والإصابة 5 / 46) . (¬4) اختلف في اسمه وأسم أبيه، فقيل: هو جندب بن جنادة، وقال ابن حجر: هو المشهور، وصححه ابن الأثير، وهو من بني غفار، وكان من كبار الصحابة وفضلائهم، أسلم قديما ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فصحبه، وتوفي سنة 31 هـ، وقيل غير ذلك. (ينظر: أسد الغابة 5 / 186، والإصابة 7 / 60) .

فقال: متى أنزلت هذه السورة؟ فإني لم أسمعها إلا الآن، فأشار إليه أن اسكت، فلما انصرفوا قال: سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني، فقال: إنه ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت، فذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، وأخبره بالذي قال له أبي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صدق أُبي» (¬1) . ووجه الدلالة فيه في تسمية الكلام حال الخطبة لغوا. مناقشة هذا الدليل: نوقش بأن المراد نقص جمعته بالنسبة إلى الساكت (¬2) . الإجابة عن هذه المناقشة: يجاب عنها بأن هذا مخالف لظاهر الحديث، ثم إنه إذا كان الكلام ينقص الجمعة فهذا يدل على تحريمه ووجوب الإنصات؛ لأن ترك المستحب لا ينقصها، وإنما يفوت به أجر فعل المستحب، والله أعلم. ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب إقامة الصلاة - باب ما جاء في الاستماع للخطبة 1 / 353، الحديث رقم (1111) ، وقال في الزوائد: " إسناده صحيح رجاله ثقات "، وأحمد في مسنده 5 / 143، 198، وصححه الألباني في إرواء الغليل 3 / 80 - 81، وصحيح سنن ابن ماجه 1 / 183 وغيرهما. وقال الأرنؤوط في هامش زاد المعاد 1 / 431: " وإسناده حسن ". وروي من رواية أبي الدرداء - رضي الله عنه -. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 525.

3 - ما رواه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو، وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله - عز وجل - إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله - عز وجل - يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] » (¬1) (¬2) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل المنصت لخطبة الجمعة هو الحاصل على تكفير الذنوب، والمتكلم فيها لاغيا، وهذا يدل على وجوب الإنصات، وتحريم الكلام؛ لأن الإنسان مأمور بتحصيل فائدة العبادة والبعد عما يفسدها. ¬

(¬1) سورة الأنعام، جزء من الآية رقم (161) . (¬2) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب الكلام والإمام يخطب 1 / 291، الحديث رقم (1113) ، والإمام أحمد في مسنده 2 / 214، والبيهقي في كتاب الجمعة - باب الإنصات للخطبة 3 / 219، وصححه، وقال النووي في المجموع 4 / 525: " حديث صحيح "، وقال الألباني في إرواء الغليل 3 / 80: " وإسناده جيد "، وقال في نيل الأوطار 3 / 272: " قال العراقي: وإسناده جيد "، وقال الأرنؤوط في هامش زاد المعاد 1 / 430: " وإسناده حسن ".

4 - ما رواه عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا، والذي يقول له: أنصت، ليس له جمعة» (¬1) . وجه الدلالة: يدل على وجوب الإنصات وتحريم الكلام من وجهين: الأول: أنه شبه المتكلم بالحمار، ومعلوم أن ذلك صفة ذم ونقص لا يوصف بها تارك الندب. الثاني: نفي أن تكون له جمعة، وقد علمنا أنها جمعة، فلما استعار له لفظ نفي الإجزاء وعدم الصحة دل على تأكيد منعه وشدة تحريمه (¬2) . ومن آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: 1 - ما روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1 / 230، وابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب 2 / 125، وقال ابن حجر في بلوغ المرام ص (79) : " لا بأس بإسناده "، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2 / 184: " رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير، وفيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الناس ووثقه النسائي في رواية ". (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 132.

قال: " كفى لغوا إذا صعد الإمام المنبر أن تقول لصاحبك أنصت " (¬1) . وهذا الأثر واضح الدلالة كما تقدم في الأحاديث. 2 - ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه قال للذي سأله عن كلامه مع صاحبه: " أما أنت فلا جمعة لك، وأما صاحبك فحمار " (¬2) . وتوجيه الاستدلال كما تقدم في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. ومن المعقول: 1 - أن الإباحة للكلام وترك الإنصات أثناء الخطبة استخفاف بالخطيب، وإبطال لمعنى الخطبة، وإزالة لفائدتها، وذلك أوفى ما وصف بأنه محرم (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب في الكلام إذا صعد المنبر وخطب 2 / 124، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 2 / 186: " رواه الطبراني: في الكبير، ورجاله رجال الصحيح "، وقال في نيل الأوطار 3 / 272 - 273: " قال العراقي: ورجاله ثقات محتج بهم في الصحيح، قال: وهو إن كان موقوفا فمثله لا يقال من قبل الرأي، فحكمه الرفع ". (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب والباب السابقين 2 / 125، وابن حزم في المحلى 5 / 63. (¬3) ينظر: المبسوط 2 / 28، والإشراف 1 / 132 - 133.

2 - أن الصلاة قربة وطاعة، وقد حرمت لأجل الخطبة، فلأن يحرم الكلام أولى (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن مبناه على القول بتحريم الصلاة أثناء الخطبة، وهذا قول مرجوح، لمخالفته للأحاديث على مشروعية تحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب. 3 - أنه لا يجوز أن يتعلق على الخاطب إظهار الخطبة إلا على الحاضرين وجوب استماعها، ألا ترى أنه لما حُظِرَ لشاهد كتمان الشهادة كان ذلك علما على إيجاب استماعها (¬2) . 4 - أن الخطبتين بدل ركعتين، فحرم الكلام بينهما، كالصلاة (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بعدم التسليم بأنهما بدل ركعتين؛ لعدم ثبوت ذلك كما تقدم (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: الإشراف 1 / 132. (¬2) ينظر: الحاوي 3 / 42. (¬3) ينظر: المجموع 4 / 525. (¬4) ص (34 - 35) .

كما أن القياس لا يصح، لأن الصلاة تفسد بالكلام بخلاف الخطبة (¬1) . ثانيا: واستدلوا على إباحة مخاطبة الإمام لحاجة بما يلي: 1 - ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «أصابت الناس سنة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه، وما نرى في السماء قَزَعة (¬2) فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيتُ المطر يتحادر على لحيته - صلى الله عليه وسلم -، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي، أو قال: غيره، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! تهدَّم البناء، وغرق المال فادع الله لنا، فرفع يده فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 525. (¬2) قال النووي: هي بفتح القاف والزاي، وهي القطعة من السحاب. (شرح صحيح مسلم 6 / 192) .

فما يشير بيده إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجَوْبة (¬1) وسال الوادي قناةُ (¬2) شهرا، ولم يجئ أحد، من ناحية إلا حَدَّثَ بالجود» (¬3) . وهذا واضح الدلالة، وفي خطبتين. 2 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «جاء أعرابي والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة فقال: أصليت يا فلان؛ قال: لا، قال: قم فاركع» (¬4) . قال النووي عنه برواياته المختلفة: " وفي هذه الأحاديث أيضا جواز الكلام في الخطبة لحاجة، وفيها جوازه للخطيب وغيره " (¬5) . ¬

(¬1) قال النووي: هي بفتح الجيم وإسكان الواو وبالباء الموحدة، وهي الفجوة، ومعناه تقطع السحاب عن المدينة وصار مستديرًا حولها وهي خالية منه. (المرجع السابق 6 / 194) . (¬2) قال النووي: قناة بفتح القاف اسم لواد من أودية المدينة، وعليه زروع لهم. (المرجع السابق) . (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة 1 / 224 بهذا اللفظ، وفي مواضع آخر، ومسلم في كتاب الاستسقاء - باب الدعاء في استسقاء 2 / 612، الحديث رقم (897) . (¬4) تقدم تخريجه ص (304) . (¬5) شرح صحيح مسلم 6 / 164.

أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: أولا: من السنة: 1 - حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في قصة الأعرابي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - واستسقائه في يوم الجمعة المتقدم قبل قليل. وجه الدلالة: أن الأعرابي تكلم أثناء الخطبة، ولم ينكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولو حرم عليه لأنكره (¬1) . مناقشه هذا الدليل: نوقش بأن الاستدلال به على جواز الكلام في الخطبة مطلقا فيه نظر؛ لأنه استدلال بالأخص على الأعم، فيمكن أن يخص عموم المسألة بالإنصات بمثل ذلك كأمر عارض في مصلحة عامة، كما خص بعضهم رد السلام لوجوبه (¬2) . 2 - ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - «أن رجلا قام والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول ¬

(¬1) ينظر: مغني المحتاج 1 / 287، والمغني 3 / 195. (¬2) ينظر: فتح الباري 2 / 415.

الله! متى الساعة؟ فأعرض النبي - صلى الله عليه وسلم - وأومأ له بالسكوت، فلم يقبل، وأعاد الكلام، فلما كان في الثالثة قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ويحك، ما أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله، قال: إنك مع من أحببت» (¬1) . ووجه الدلالة كالذي قبله. ويناقش بما نوقش به الذي قبله. ثانيا: من المعقول: 1 - أنه لو كان الإنصات للخطبة واجبا كان إبلاغهما برفع الصوت واجبا، فلما لم يجب على الإمام إبلاغها لم يجب على المأموين الإنصات لها (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن الجهر بها واجب على الإمام كما تقدم أما رفع الصوت فلم يجب دفعا للمشقة، ثم هذا يستقيم على القول بوجوب الإنصات مع عدم السماع، هذا مرجوح كما سيأتي - إن شاء الله -. ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة - باب مناقب عمر بن الخطاب 4 / 200، وفي موضع آخر، ومسلم في كتاب البر والصلة - باب المرء مع من أحب 4 / 2032، الحديث رقم (2639) . (¬2) ينظر: الحاوي 3 / 43.

2 - أن الخطبة عبادة لا يفسدها الكلام، فوجب أن لا يحرم فيها الكلام، كالطواف، والصيام. مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الكلام في الخطبة يفوت المقصود منها، وهو الاستماع والاتعاظ، بخلاف الطواف والصيام (¬1) . الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بتحريم الكلام على الحاضرين لخطبة الجمعة إلا مخاطبة الإمام لحاجة؛ لقوة ما استدلوا به، وجمعه بين الأحاديث الواردة في ذلك، وتحقيقه المقصود من الخطبة وهو الاتعاظ. ¬

(¬1) ينظر المرجع السابق.

الأمر الثاني حكم كلام الحاضر للخطبة إذا كان لا يسمعها

[الأمر الثاني حكم كلام الحاضر للخطبة إذا كان لا يسمعها] الأمر الثاني: حكم كلام الحاضر للخطبة إذا كان لا يسمعها: (¬1) اختلف الفقهاء في حكم الكلام للحاضر لخطبة الجمعة إذا لم يسمعها لبعد أو غيره، وذلك على قولين: القول الأول: يحرم عليه الكلام. وبهذا قال بعض الحنفية (¬2) وبه قال المالكية (¬3) وهو قول للشافعية (¬4) والمذهب عند الحنابلة وعليه أكثرهم (¬5) وبه قال ابن حزم (¬6) . القول الثاني: يجوز له الكلام. ¬

(¬1) هذه المسألة كان لها وجود كثير في السابق قبل وجود مكبرات الصوت، وأما الآن بعد وجود المكبرات - ولله الحمد - فقد قلت، وإن كانت قد توجد عند انقطاع الكهرباء ونحو ذلك. (¬2) ينظر: المبسوط 2 / 28، وبدائع الصنائع 1 / 264، والفتاوى الهندية 1 / 147. (¬3) ينظر: الكافي لابن عبد البر 1 / 251، ومواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 178، والمنتقى شرح الموطأ 1 / 188. (¬4) ينظر: الحاوي 3 / 44، والمجموع 4 / 423 - 424، وروضة الطالبين 2 / 91. (¬5) ينظر: المغني 3 / 196، والفروع 2 / 124 - 125، والإنصاف 2 / 417، والمبدع 2 / 175. (¬6) ينظر: المحلى 5 / 61.

وبهذا قال بعض الحنفية (¬1) وهو القول الصحيح عند الشافعية (¬2) ورواية عن الإمام أحمد (¬3) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: أولا: من السنة: عموم ما تقدم في الأمر السابق من الأدلة الدالة على تحريم الكلام في خطبة الجمعة، ومن أبرزها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» (¬4) وحديث عبد الله بن عمرو، فقالوا: إنها عامة تشمل من يسمع الخطبة ومن لا يسمعها (¬5) . ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: ما روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه كان ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 264. (¬2) ينظر: المجموع 4 / 423 - 424، وروضة الطالبين 2 / 29. (¬3) ينظر: الفروع 2 / 125، والإنصاف 2 / 417، والمبدع 2 / 175. (¬4) تقدم تخريجه ص (93) . (¬5) ينظر: المنتقى شرح الموطأ 1 / 188، والمغني 3 / 196.

يقول في خطبته، قلَّما يدع ذلك إذا خطب: " إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا، فإن للمنصت الذي لا يسمع في الحظ مثل ما للسامع مع المنصت، فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف. . . " (¬1) الأثر. وهذا واضح الدلالة. ثالثا: من المعقول: أن المأمور به في الخطبة شيئان الاستماع والإنصات، فمن قرب من الإمام فقد قدر عليهما، ومن بعد عنه فقد قدر على أحدهما وهو الإنصات، فيجب عليه أن يأتي بما قدر عليه (¬2) . أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بما استدلوا به في الأمر السابق على جواز الكلام في الخطبة للسامع، فقالوا: إذا كان يجوز مع السماع فمع عدمه من باب أولى. وقد تقدمت مناقشته هناك. ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى في كتاب الجمعة - باب الإنصات للخطبة وإن لم يسمعها 3 / 220. (¬2) ينظر: المبسوط 2 / 82، وبدائع الصنائع 1 / 264.

ومن الأدلة أيضا: أن الإنصات ليس مقصودا لذاته، بل ليتوصل به إلى الاستماع، فإذا سقط عنه فرض الاستماع سقط عنه الإنصات أيضا (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن الإنصات ليس للاستماع فقط، بل له ولعدم التشويش على غيره من الحاضرين ليستمعوا، فإذا سقط الاستماع لتعذره للبعد بقي التشويش على الحاضرين ممن يمكنهم الاستماع لقربهم من الخطيب. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بتحريم الكلام في خطبة الجمعة لغير السامع لها، لقوة ما استدلوا به وخاصة عموم الأدلة، ولأنه يؤدي إلى التشويش، وقد يجر إلى كلام مكروه أو محرم في المسجد، كما قد يحصل معه إهانة له، ويُجَرِّئ السفهاء على ابتذاله. ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 264.

الأمر الثالث حكم رد السلام وتشميت العاطس

[الأمر الثالث حكم رد السلام وتشميت العاطس] الأمر الثالث: حكم رد السلام، وتشميت العاطس: اختلف الفقهاء في حكم رد السلام وتشميت العاطس في خطبة الجمعة إذا حصل موجبه، وذلك على أربعة أقوال: القول الأول: يحرم. وبهذا قال أكثر الحنفية (¬1) وبه قال المالكية (¬2) وهو الوجه الصحيح عند الشافعية (¬3) ورواية عن الإمام أحمد (¬4) . القول الثاني: يجوز. وبهذا قال أبو يوسف في رواية عنه (¬5) وهو وجه عند الشافعية (¬6) والرواية الصحيحة عن الإمام أحمد، والصحيح عند ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 28، وبدائع الصنائع 1 / 264، والفتاوى الهندية 1 / 147، وعبر بعضهم بالكراهة والظاهر أنه يعني كراهة التحريم. (¬2) ينظر: بداية المجتهد 1 / 161، والقوانين الفقهية ص (86) . (¬3) ينظر: المجموع 4 / 523 - 524، وروضة الطالبين 2 / 28 - 29، ومغني المحتاج 1 / 287 - 288. (¬4) ينظر: الفروع 2 / 126، والإنصاف 2 / 418، والمبدع 2 / 176. (¬5) ينظر: المبسوط 2 / 29، وبدائع الصنائع 1 / 264. (¬6) ينظر: الحاوي 3 / 61، والمجموع 4 / 523 - 524، وروضة الطالبين 2 / 28 - 29.

أصحابه (¬1) وبه قال ابن حزم (¬2) . القول الثالث: يحرم على من يسمع الخطبة، ويجوز لمن لا يسمعها. وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه، وهو قول لبعض أصحابه (¬3) . القول الرابع: لا يجوز رد السلام، ويجوز تشميت العاطس. وهذا قول للشافعية (¬4) قال عنه في حلية العلماء: " وليس بشيء " (¬5) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 198 - 199، والفروع 2 / 125، والمستوعب 3 / 42، والإنصاف 2 / 418، والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 48. (¬2) ينظر: المحلى 5 / 62. (¬3) ينظر: المغني 3 / 199، والفروع 2 / 126، والإنصاف 2 / 418. (¬4) ينظر: الحاوي 3 / 61، وحلية العلماء 2 / 285، والمجموع 4 / 524، وروضة الطالبين 2 / 29. (¬5) حلية العلماء 2 / 285.

أولا: من السنة: 1 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المشهور الذي تقدم مرارا، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» (¬1) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى الأمر بالمعروف حال الخطبة لغوا، مع أنه أمر مطلوب شرعا، وفيه فائدة متعدية للآخرين وهي منع التشويش عليهم، فكذلك رد السلام وتشميت العاطس، بل هو أولى. 2 - ما رواه أُبَيُّ بن كعب - رضي الله عنه - قال: «قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة (تبارك) وهو قائم، فذكرنا بأيام الله، وأبو الدرداء، أو أبو ذر يغمزني، فقال: متى أُنزلت هذه السورة؟ فإني لم أسمعها إلا الآن، فأشار إليه أن اسكت، فلما انصرفوا قال: سألتُك متى أُنزلت هذه السورة فلم تخبرني، فقال: إنه ليس لك من صلاتك إلا ما لغوتَ، فذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك، وأخبره بالذي قال له أُبي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (93) .

صدق أُبي» (¬1) . وجه الدلالة: أن ما طلبه أبو الدرداء أو أبو ذر من أبي بن كعب - رضي الله عنهما - من تاريخ المنزل، فقد كان فرضا عليهم، ليعرفوا الناسخ من المنسوخ، وقد جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اللغو في حالة الخطبة، فكذلك رد السلام وتشميت العاطس (¬2) . ثانيا: من المعقول: 1 - أن تشميت العاطس يترتب عليه ترك الاستماع المفروض والإنصات، والتشميت ليس بفرض، فلا يجوز ترك الفرض لأجله، وكذا رد السلام في هذه الحالة ليس بفرض، لأنه يرتكب بسلامه مأثما، فلا يجب الرد عليه كما في حالة الصلاة (¬3) . 2 - أن السلام في حال الخطبة لم يقع تحية، فلا يستحق الرد (¬4) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (315) . (¬2) ينظر: المبسوط 2 / 29. (¬3) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 264. (¬4) المرجع السابق.

3 - أن رد السلام مما يمكن تحصيله في كل حالة، أما سماع الخطبة فلا يتصور إلا في هذه الحالة، فكانت إقامته أحق، ونظيره ما قاله بعض الفقهاء من أن الطواف تطوعا بمكة في حق الآفاقي أفضل من صلاة التطوع، والصلاة في حق المكي أفضل من الطواف (¬1) . واستدلوا على تحريمهما على من لم يسمع بما يلي: أن وجوب الإنصات شامل لهم، فيكون المنع من رد السلام وتشميت العاطس ثابتا في حقهم، كالسامعين (¬2) . أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بأدلة من السنة، والمعقول: أولا: من السنة: 1 - ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس» (¬3) . ¬

(¬1) المرجع السابق. (¬2) ينظر: المغني 3 / 199. (¬3) أخرجه البخاري في صحيحه في الجنائز - باب الأمر باتباع الجنائز 2 / 70، ومسلم في كتاب السلام - باب من حق المسلم للمسلم رد السلام 4 / 1704 لحديث رقم (2162) .

2 - ما رواه البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، ورد السلام، وإجابة الداعي، وإبرار المقسم، وتشميت العاطس، ونصر المظلوم» . . .) الحديث (¬1) . وجه الدلالة من هذين الحديثين ونحوهما مما جاء في معناهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر برد السلام وتشميت العاطس، وهذا الأمر عام، فيشمل بعمومه الرد والتشميت حال خطبة الجمعة. مناقشة هذا الاستدلال: يناقش بأن هذا محمول على حال غير الخطبة جمعا بين ذلك وبين ما ورد في تحريم الكلام حال الخطبة والأمر بالإنصات. 3 - ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «جاء رجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع» (¬2) . ¬

(¬1) أخرجه البخاري في صحيحه في الكتاب والباب السابقين. (¬2) تقدم تخريجه ص (304) .

قال في فتح الباري: " واستدل به على جواز رد السلام وتشميت العاطس في حال الخطبة، لأن أمرهما أخف وزمنهما أقصر، ولا سيما رد السلام فإنه واجب " (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن هناك فرقا بين الصلاة والرد والتشميت، فالصلاة يفوت بها الاستماع على المصلى وحده، أما الرد والتشميت فيفوت بهما الاستماع على الراد والمشمت ومن حولهما من الحاضرين، فضررهما أبلغ. ثانيا: من المعقول: 1 - أن رد السلام فرض والاستماع سنة، فلا يترك الفرض لفعل سنة (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن رد السلام إنما يكون فريضة إذا كان تحية، وفي حال الخطبة المسلم ممنوع من السلام، فلا يكون جوابه فرضا (¬3) . ¬

(¬1) ينظر: فتح الباري 2 / 412. (¬2) ينظر المبسوط 2 / 29، وبدائع الصنائع 1 / 264. (¬3) ينظر المبسوط 2 / 29.

الوجه الثاني: عدم التسليم بأن الاستماع للخطبة سنة، بل هو واجب كما تقدم. 2 - أن رد السلام وتشميت العاطس واجب، فوجب الإتيان به في الخطبة، كتحذير الضرير (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه وإن كان الرد والتشميت واجبا فإنه لا يصل إلى مماثلة تحذير الضرير من الهلكة؛ لأن الضرر المترتب على ترك التحذير أعظم من الضرر المترتب على ترك واجب الرد والتشميت، فلا يصح القياس. أدلة أصحاب القول الثالث: أولا: استدلوا على التحريم على من يسمع بما استدل به أصحاب القول الأول. ثانيا: واستدلوا على جواز الرد والتشميت لمن لا يسمع بما يلي: أن الإنصات واجب، فلم يجز الكلام المانع منه من غير ضرورة للأمر بالإنصات، بخلاف من لم يسمع فإنه لم يؤمر بالإنصات، فله الرد والتشميت (¬2) . ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 199، والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 48. (¬2) ينظر: المغني 3 / 199.

الأمر الرابع حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكره الخطيب

مناقشة هذا الدليل: يناقش بعدم التسليم بأن من لم يسمع لم يؤمر بالإنصات، بل إن عموم الأدلة تشمله كما تقدم. دليل أصحاب القول الرابع: أن السلام قد وضعه المسلم في غير موضعه باختياره، فلم يستحق الرد عليه، والعاطس عطس بغير اختياره فلم يكن منسوبا إلى وضعه في غير موضعه، فاستحق التشميت (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن ليس المانع عدم الاستحقاق للاختيار، وإنما المانع هو عموم الأحاديث المانعة من الكلام في هذه الحال؛ لما يترتب عليه من ترك الإنصات والتشويش على السامعين. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بتحريم رد السلام وتشميت العاطس في خطبة الجمعة، لقوة ما استدلوا به، وعدم استقامة أدلة الأقوال الأخرى. وقد أفتى بعدم جواز رد السلام فيها فضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - (¬2) . [الأمر الرابع حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكره الخطيب] والجهر بها ¬

(¬1) ينظر: الحاوي 3 / 61. (¬2) ينظر: فتاوى فضيلته 1 / 126 المنشورة ضمن سلسلة كتاب الدعوة رقم (4) .

الأمر الرابع: حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكره الخطيب والجهر بها: اختلف الفقهاء في حكم صلاة المستمع على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكره الخطيب في الخطبة، والجهر بها، وذلك على قولين: القول الأول: تجوز الصلاة عليه سرا. وهذا مروي عن أبي يوسف من الحنفية (¬1) وبه قال الحنابلة (¬2) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (¬3) . القول الثاني: لا تجوز الصلاة عليه. وبهذا قال الحنفية، وهو ظاهر الرواية عندهم (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 29، وبدائع الصنائع 1 / 264. (¬2) ينظر: الفروع 2 / 125، والإنصاف 2 / 418، والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 48. (¬3) ينظر: الاختيارات ص (80) . (¬4) ينظر: المبسوط 2 / 28 - 29، وبدائع الصنائع 1 / 264؛ والفتاوى الهندية 1 / 147.

الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: 1 - أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - سرا لا يشغل عن سماع الخطبة، ففي فعله إحراز للفضيلتين: الصلاة والاستماع (¬1) . 2 - أن الخطيب إذا قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] (¬2) فهو يبلغ الحاضرين أمرا، فيجب عليهم امتثاله (¬3) . دليل أصحاب القول الثاني: 1 - أن حال الخطبة كحال الصلاة في المنع من الكلام، فكما أن الإمام لو قرأ قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] (¬4) في صلاته لم يشتغل الحاضرون بالصلاة عليه، فكذلك إذا قرأها في الخطبة (¬5) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بعدم التسليم بأن حال الخطبة ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 264، وفتح القدير 2 / 38. (¬2) سورة الأحزاب جزء من الآية رقم (56) . (¬3) ينظر: المبسوط 2 / 29. (¬4) سورة الأحزاب جزء من الآية رقم (56) . (¬5) ينظر: المبسوط 2 / 29.

كحال الصلاة في المنع من الكلام، بل الخطبة أخف حيث يجوز فيها مخاطبة الإمام لحاجة، وما كان لضرورة من تحذير ضرير ونحوه، ولا يؤثر ذلك في صحتها، بخلاف الصلاة. 2 - أن إحراز فضيلة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يمكن في كل وقت، وإحراز ثواب سماع الخطبة يختص بهذه الحالة، فكان السماع أفضل (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن في الرد سرا جمعا بين الأمرين تحصيل فضيلة الصلاة والاستماع، وعدم التشويش على الحاضرين. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بجواز الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - سرا عند ذكره في خطبة الجمعة؛ لقوة ما استدلوا به، ولما في ذلك من الجمع بين الأدلة التي ورد فيها الأمر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره، والتي ورد فيها تحريم الكلام في خطبة الجمعة. ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 1 / 264.

الأمر الخامس حكم التأمين على الدعاء والجهر به

وأما رفع الصوت بها فغير مشروع، جاء في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية: " والسنة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي عليه سرا، كالدعاء، أما رفع الصوت بها قدام بعض الخطباء فمكروه أو محرم اتفاقا " (¬1) . [الأمر الخامس حكم التأمين على الدعاء والجهر به] الأمر الخامس: حكم التأمين على الدعاء والجهر به: لا إشكال في جواز التأمين على دعاء الخطيب في خطبة الجمعة، والجهر به عند من يقول بعدم حرمة الكلام حال الخطبة وهم الشافعية في القول الصحيح عندهم كما تقدم (¬2) ومن يقول بجواز الكلام حال الدعاء وهم الحنابلة في وجه عندهم (¬3) . وأما من قال بتحريم الكلام حال الخطبة مطلقا فلم أطلع على قول لهم في ذلك إلا الحنابلة في الصحيح عندهم فإنهم قالوا: يسن التأمين سرا (¬4) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث ¬

(¬1) الاختيارات ص (80) . (¬2) ص (303) . (¬3) ينظر: الفروع 2 / 125، والإنصاف 2 / 418. (¬4) ينظر: الفروع 2 / 125، والإنصاف 2 / 418، وكشاف القناع 2 / 48، وشرح منتهى الإرادات 1 / 304.

جاء في الاختيارات: " والسنة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي عليه سرا، كالدعاء " (¬1) . فيتلخص في المطلب بناء على ما ظهر لي مما تقدم قولان: الأول: يجوز التأمين سرا لا جهرا، وهو القول الصحيح عند الحنابلة، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. الثاني: يجوز التأمين جهرا، وهو مقتضى قول الشافعية في الصحيح عندهم، ووجه عند الحنابلة. الأدلة: دليل أصحاب القول الأول: أن الحاضر للخطبة يشغل غيره عن الاستماع إذا جهر بالتأمين، فيؤمّن سرا (¬2) . وأما أصحاب القول الثاني فقد تقدمت أدلة الشافعية على قولهم باستحباب الإنصات للخطبة وعدم تحريم الكلام، ومناقشتها، وسيأتي دليل القائلين بجواز الكلام حال الدعاء من الحنابلة ومناقشته - إن شاء الله - (¬3) . ¬

(¬1) الاختيارات ص (80) . (¬2) منتهى الإرادات 1 / 304. (¬3) ص (357 - 361) .

المسألة الثالثة ما يستثنى من تحريم الكلام أو كراهته في خطبة الجمعة

الترجيح: هذه المسألة لم أطلع على أقوال صريحة فيها سوى قول الحنابلة، كما أنه ليس فيها أدلة واضحة، ولكن قول الحنابلة بالتأمين سرا قول وسط فيه إدراك لفضيلة التأمين على الدعاء، وعدم تشويش على السامعين ومخالفة للأمر بالإنصات، فهو الأظهر في المسألة كما تقدم في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم. [المسألة الثالثة ما يستثنى من تحريم الكلام أو كراهته في خطبة الجمعة] عند من يقول بهما المسألة الثالثة: ما يستثنى من تحريم الكلام أو كراهته في خطبة الجمعة عند من يقول بهما: استثنى من قال من الفقهاء في المسألتين السابقتين بتحريم الكلام أو كراهته حال خطبة الجمعة للإمام والحاضر ما كان لأمر واجب ناجز، كتحذير ضرير من الوقوع في بئر، أو من يخاف عليه من نار، أو حية، أو حريق، أو نحوه مما يقتل أو يضر (¬1) . ¬

(¬1) ينظر: المجموع 4 / 523، وروضة الطالبين 2 / 28، ومغني المحتاج 1 / 287، والمغني 3 / 198، والإنصاف 2 / 418، والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 47.

المطلب الثاني وقت المنع من الكلام في الخطبة

الدليل: أن التحذير من هذه الأشياء يجوز في نفس الصلاة مع فسادها به، ففي الخطبة أولى (¬1) . كما يمكن الاستدلال لذلك بالقاعدة المشهورة " الضرورات تبيح المحظورات " (¬2) . [المطلب الثاني وقت المنع من الكلام في الخطبة] [المسألة الأولى حكم الكلام بعد صعود الخطيب المنبر وقبل الشروع في] الخطبة وبعد الفراغ منها وقبل الشروع في الصلاة المطلب الثاني وقت المنع من الكلام في الخطبة تقدم في المطلب الأول بيان حكم الكلام أثناء كلام الإمام حال خطبة الجمعة، وأنه محرم على القول الراجح إلا في حالات معينة تم بيانها في موضعها، وهذا هو المحل الذي يقصده غالب الفقهاء بالتحريم عند كلامهم على الكلام حال الخطبة. وهناك أحوال يلحقها بعضهم بذلك وحالات يخرجونها منه تتمثل في المسائل التالية: ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 198؛ والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 47. (¬2) تنظر في: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص (85) ، والأشباه والنظائر للسيوطي ص (84) .

المسألة الأولى: حكم الكلام بعد صعود الخطيب المنبر وقبل الشروع في الخطبة، وبعد الفراغ منها وقبل الشروع في الصلاة. المسألة الثانية: حكم الكلام بين الخطبتين. المسألة الثالثة: حكم الكلام إذا سكت الخطيب للتنفس. المسألة الرابعة: حكم الكلام إذا شرع الخطيب في الدعاء. المسألة الأولى حكم الكلام بعد صعود الخطيب المنبر وقبل الشروع في الخطبة، وبعد الفراغ منها وقبل الشروع في الصلاة: اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: يجوز الكلام في الحالتين. وبهذا قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3) وهو المذهب عند الحنابلة، وعليه أكثرهم (¬4) . ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 29، والهداية للمرغيناني 1 / 85، وبدائع الصنائع 1 / 264. (¬2) ينظر: الإشراف 1 / 133، ومواهب الجليل 2 / 178، والفواكه الدواني 1 / 309. (¬3) ينظر: الحاوي 3 / 43، والمجموع 4 / 523، وروضة الطالبين 2 / 28، ومغني المحتاج 1 / 287. (¬4) ينظر: الهداية لأبي الخطاب 1 / 53، والمغني 3 / 199، والمستوعب 3 / 43، والفروع وتصحيحه بهامشه 2 / 124، والإنصاف 2 / 419.

القول الثاني: لا يجوز الكلام في الحالتين. وبهذا قال الإمام أبو حنيفة (¬1) . القول الثالث: يكره الكلام في الحالتين. وبهذا قال بعض الحنابلة (¬2) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على جواز الكلام بعد صعود المنبر وقبل الشروع في الخطبة بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: فمن السنة: 1 - ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المُهَجِّر (¬3) كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون ¬

(¬1) ينظر: المبسوط 2 / 29، وبدائع الصنائع 1 / 264، وتبيين الحقائق 1 / 323؛ وعبر بعضهم بالكراهة والظاهر أنه يقصد كراهة التحريم، بدليل ما يذكرونه من أدلة. (¬2) ينظر: الفروع وتصحيحه بهامشه 2 / 124، والإنصاف 2 / 419. (¬3) التهجير: التبكير إلى كل شيء، والمبادرة إليه، والمُهَجِّر إلى الصلاة المبكر إليها. (ينظر: النهاية في غريب الحديث، مادة " هجر " 5 / 246) .

الذكر» (¬1) . قال في فتح الباري: " وفيه إشارة إلى أن منع الكلام من ابتداء الإمام في الخطبة؛ لأن الاستماع لا يتجه إلا إذا تكلم " (¬2) . 2 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المشهور والذي تقدم مرارا: «إذا قلتَ لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت» (¬3) . وجه الدلالة: أن قوله: «والإمام يخطب» جملة حالية تُخرِج ما قبل الخطبة من حين خروج الخطيب وما بعده إلى أن يشرع في الخطبة (¬4) وكذلك ما بعدها إلى إقامة الصلاة. ومن آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: ما رواه ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يصلون الجمعة حتى يخرج عمر، ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (67) بغير هذا اللفظ، وقد أخرجه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة - باب الاستماع إلى الخطبة يوم الجمعة 1 / 223. (¬2) ينظر: فتح الباري 2 / 407. (¬3) تقدم تخريجه ص (93) . (¬4) ينظر: فتح الباري 2 / 414، والإشراف للقاضي عبد الوهاب 1 / 133، وشرح النووي على صحيح مسلم 6 / 139، ونيل الأوطار 3 / 273، والمغني 3 / 200.

فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون، قال ثعلبة: " جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد، قال ابن شهاب: " فخروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام " (¬1) . قال في المغني: " وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم " (¬2) بل عده في الحاوي إجماعا فعليا من الصحابة - رضي الله عنهم - على أن تحريم الكلام يبدأ ببدء الخطبة (¬3) . ومن المعقول: 1 - أن النهي عن الكلام إنما هو لأجل الإنصات واستماع الخطبة، فيقتصر على حالة الخطبة (¬4) . 2 - أن ما قبل الشروع في الخطبة ليس فيه خطبة، فيباح الكلام فيه، أشبه ما قبل صعود المنبر (¬5) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (295) . (¬2) المغني 3 / 200. (¬3) الحاوي 3 / 43. (¬4) ينظر: المبسوط 2 / 30، وبدائع الصنائع 1 / 264، والإشراف للقاضي عبد الوهاب 1 / 133، والمغني 3 / 200. (¬5) ينظر: الإشراف للقاضي عبد الوهاب 1 / 133.

ثانيا: واستدلوا على جواز الكلام بعد الفراغ من الخطبة وقبل الشروع في الصلاة بالسنة، والمعقول: فمن السنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدم قبل قليل: (إذا قلتَ لصاحبك: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت) (¬1) . ووجه الدلالة: أن قوله: (والإمام يخطب) دليل على أن التحريم مقتصر على حال الخطبة، فبعد الفراغ منها لا يشمله التحريم كما تقدم. ومن المعقول: الدليل الأول من الدليلين السابقين وهو أن النهي لأجل الإنصات والاستماع، فما بعد الفراغ لا حاجة فيه إلى ذلك؛ لعدم الخطبة. أدلة صاحب القول الثاني: استدل بأدلة من السنة، وآثار الصحابة، والمعقول: أولا: من السنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي استدل به ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (93) .

أصحاب القول الأول، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة يكتبون الأول فالأول، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشا، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ويستمعون الذكر» (¬1) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن طي الصحف عند خروج الإمام، وإنما يطوون الصحف إذا طوى الناس الكلام، لأنهم إذا تكلموا يكتبون عليهم؛ لقوله - تعالى -: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه يحمل قوله: «فإذا خرج الإمام» على البدء بالخطبة بعد خروجه، وليس فور خروجه؛ لأن الوقت الواقع بين الخروج والشروع في الخطبة قليل وهو وقت الأذان فقط، فيكون الخطيب قد شرع في الخطبة عند خروجه، كما أن الحديث في بيان الوقت الذي يؤجر الإنسان على المجيء فيه لصلاة الجمعة، وليس في تحديد الوقت الذي يبدأ فيه الإنصات. ¬

(¬1) تقدم تخريجه ص (347) . (¬2) سورة (ق) ، الآية رقم (18) .

ثانيا: من آثار الصحابة - رضي الله عنهم -: ما روي عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - أنهما كانا يكرهان الصلاة والكلام يوم الجمعة بعد خروج الإمام (¬1) . وهذا واضح الدلالة. مناقشة ذلك: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أنه أثر عن صحابيين، وهو مختلف في الاحتجاج به. الوجه الثاني: أنه قد خالفهما غيرهما من الصحابة، بل أكثرهم (¬2) كما تقدم في أدلة أصحاب القول الأول. ثالثا: من المعقول: أن الخطيب إذا خرج للخطبة كان مستعدا لها، والمستعد للشيء كالشارع فيه، ولهذا ألحق الاستعداد بالشروع في أمر الصلاة، فكذلك في الخطبة (¬3) . ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب الصلوات - باب في الكلام إذا صعد الإمام المنبر وخطب 2 / 124. (¬2) ينظر: المغني 3 / 200. (¬3) ينظر: المبسوط 2 / 30، وبدائع الصنائع 1 / 264.

مناقشة هذا الدليل: نوقش بأنه قياس مع الفارق، وذلك أن الصلاة تمتد، وربما لا يمكنه قطعها حتى يأخذ الإمام في الخطبة ويفوت سماع أولها، بخلاف الكلام فيمكن قطعه متى شاء (¬1) . وأما أصحاب القول الثالث فلم أطلع على دليل لهم، وقد يستدل لهم بما روي عن ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - وقد سبقت مناقشته. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بجواز الكلام بعد صعود الخطيب المنبر وقبل شروعه في الخطبة، وبعد الفراغ منها وقبل الصلاة؛ لقوة ما استدلوا به ولا سيما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الثاني فهو واضح الدلالة. ¬

(¬1) ينظر: الحاوي 3 / 43، ومغني المحتاج 1 / 288.

المسألة الثانية حكم الكلام بين الخطبتين

[المسألة الثانية حكم الكلام بين الخطبتين] المسألة الثانية: حكم الكلام بين الخطبتين: اختلف الفقهاء في حكم الكلام في الجلسة بين الخطبتين، وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: يجوز الكلام في هذه الحال. وبهذا قال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (¬1) وهو قول للشافعية (¬2) والوجه الصحيح عند الحنابلة (¬3) . القول الثاني: يحرم الكلام في هذه الحال. وبهذا قال الإمام أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن من أصحابه (¬4) والمالكية (¬5) وهو قول للشافعية (¬6) ووجه عند ¬

(¬1) ينظر: مراقي الفلاح ص (104) . (¬2) ينظر: المجموع 4 / 523، وروضة الطالبين 2 / 28، ومغني المحتاج 1 / 287. (¬3) ينظر: المغني 3 / 200 وذكره احتمالا، والفروع وتصحيحه بهامشه 2 / 124 - 125، والإنصاف 2 / 417، والمبدع 2 / 176. (¬4) ينظر: المبسوط 2 / 29، وبدائع الصنائع 1 / 264، ومراقي الفلاح ص (104) . (¬5) ينظر: الفواكه الدواني 1 / 209، مواهب الجليل والتاج والإكليل بهامشه 2 / 178، 179، والمنتقى شرح الموطأ 1 / 188. (¬6) ينظر: المجموع 4 / 523، وروضة الطالبين 2 / 28.

الحنابلة (¬1) . القول الثالث: يكره الكلام في هذه الحالة. وهو وجه عند الحنابلة (¬2) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: استدلوا بالسنة، والمعقول: أولا: من السنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المشهور: «إذا قلت لصاحبك: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت» (¬3) . وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف المتكلم حال خطبة الإمام باللغو، وهذا لا ينطبق على حال جلوسه - أي الإمام - بين الخطبتين؛ لأنه لا يخطب، فيباح. ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 200 وذكره احتمالا، والفروع وتصحيحه بهامشه 2 / 124 - 125، والإنصاف 2 / 417، والمبدع 2 / 176. (¬2) ينظر: الفروع وتصحيحه 2 / 124 - 125؛ والإنصاف 2 / 417، والمبدع 2 / 176. (¬3) تقدم تخريجه ص (93) .

ثانيا: من المعقول: أن الإمام بين الخطبتين غير خاطب ولا متكلم، فيباح الكلام، أشبه ما قبل الخطبة وما بعدها (¬1) . دليل أصحاب القول الثاني: أن الجلوس بين الخطبتين سكوت يسير في أثناء الخطبتين، فلا يجوز الكلام فيه، أشبه السكوت للتنفس (¬2) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه قياس مع الفارق، فالسكوت للتنفس أقل من السكوت بين الخطبتين في العادة، وليس فيه جلوس، وهو عارض لا يعلم به الحاضر إلا بعد فوات أكثره أو جميعه، بخلاف السكوت بين الخطبتين، فلا يصح القياس. وأما أصحاب القول الثالث فلم أطلع على دليل لهم. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بجواز الكلام بين الخطبتين؛ لقوة ما استدلوا به. ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 200. (¬2) ينظر: المغني 3 / 200.

المسألة الثالثة حكم الكلام إذا سكت الخطيب للتنفس

[المسألة الثالثة حكم الكلام إذا سكت الخطيب للتنفس] المسألة الثالثة حكم الكلام إذا سكت الخطيب للتنفس اختلف الفقهاء في حكم الكلام إذا سكت الخطيب للتنفس، وذلك على قولين: القول الأول: يحرم الكلام في هذه الحالة. وهذا هو القول المشهور عند الحنابلة (¬1) . القول الثاني: يجوز الكلام في هذه الحالة. وهذا احتمال عند الحنابلة (¬2) . الأدلة: دليل أصحاب القول الأول: يمكن الاستدلال لهم بأن السكوت للتنفس سكوت عارض قليل، لا يقصد به فعل شيء مشروع، ولا الفصل بين أجزاء الخطبة، والخاطب في حاله يعد مستمرا في خطبته شرعا وعرفا وحكما، فيحرم الكلام، كما لو كان الخطيب يتكلم. ¬

(¬1) ينظر: الفروع 2 / 124، والإنصاف 2 / 418. (¬2) ينظر: المرجعان السابقان.

المسألة الرابعة حكم الكلام إذا شرع الخطيب في الدعاء

دليل أصحاب القول الثاني: يمكن الاستدلال لهم بأن الخطيب في حال السكوت للتنفس ليس بمتكلم، فلا يجب الإنصات والاستماع؛ لعدم الموجب، كما هو الحال قبل الخطبة، وبعدها. مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن الخطيب وإن كان لا يتكلم في حال التنفس إلا أنه في حكم المتكلم، لأنه لا يقصد السكوت باختياره، وإنما هو مجبر على السكوت العارض، وأما القياس على ما قبل الخطبة وبعد الفراغ منها فهو قياس مع الفارق؛ لأنه قبلها لم يشرع فيها، وبعدها قد فرغ، ولا يعد خاطبا في الحالين لا حقيقة ولا حكما، بخلاف حال السكوت للتنفس كما تقدم. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بتحريم الكلام إذا سكت الخطيب للتنفس، لما ذكرت من الاستدلال. [المسألة الرابعة حكم الكلام إذا شرع الخطيب في الدعاء] المسألة الرابعة حكم الكلام إذا شرع الخطيب في الدعاء: تقدم الكلام على مشروعية الدعاء في خطبة الجمعة، وإذا

قيل بمشروعيته فدعا الخطيب فهل ينتهي وقت تحريم الكلام، فيجوز، أم لا، فيحرم كسائر أجزاء الخطبة؟ اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: يحرم الكلام في حال الدعاء مطلقا. وهذا هو الظاهر من قول الحنفية، والمالكية، وأحد القولين للشافعية، حيث قالوا بتحريم الكلام على الحاضر حال الخطبة، ولم يستثنوا شيئا منها كما تقدم (¬1) . وهو الصحيح من المذهب عند الحنابلة (¬2) . القول الثاني: يجوز الكلام في حال الدعاء مطلقا. وهذا هو الظاهر من القول الصحيح عند الشافعية، حيث قالوا باستحباب السكوت حال الخطبة كما تقدم (¬3) . وهو وجه عند الحنابلة (¬4) . ¬

(¬1) ص (302 - 303) . (¬2) ينظر: المغني 3 / 201، والفروع 2 / 125، والإنصاف 2 / 418، والمبدع 2 / 175 - 176. (¬3) ص (303) . (¬4) ينظر: المغني 3 / 200، والفروع 2 / 125، والإنصاف 2 / 418، والمبدع 2 / 176، وكشاف القناع 2 / 48.

القول الثالث: يجوز إذا كان الدعاء غير مشروع، ويحرم إذا كان مشروعا. وهذا احتمال عند الحنابلة (¬1) . الأدلة: دليل أصحاب القول الأول: أن الدعاء تابع للخطبة، فيثبت له ما ثبت لها، ومن ذلك تحريم الكلام، كالتطويل في الموعظة (¬2) . دليل أصحاب القول الثاني: أن الخطيب إذا شرع في الدعاء فقد فرغ من الخطبة وشرع في غيرها، فيجوز الكلام، أشبه ما لو نزل (¬3) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بعدم التسليم بفراغ الإمام من الخطبة بشروعه في الدعاء، بل لا يزال في الخطبة ويطلق عليه أنه يخطب، وأما القياس على ما بعد النزول فهو قياس مع الفارق، فما بعد النزول لا يسمى خطيبا، وينزل من المنبر ويشرع في ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 201، والإنصاف 2 / 418، والمبدع 2 / 176. (¬2) ينظر: المغني 3 / 201. (¬3) ينظر: المغني 3 / 200.

الصلاة، بخلاف حال الدعاء فإنه يسمى خطيبا، ولا يزال قائما على المنبر يتكلم. دليل أصحاب القول الثالث: استدلوا على التحريم إذا كان الدعاء مشروعا بما استدل به أصحاب القول الأول. واستدلوا على الجواز إذا كان الدعاء غير مشروع بأن الدعاء في هذه الحالة لا حرمة له، فلا يجب الإنصات له (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن عموم الأدلة الدالة على تحريم الكلام لم تفرق بين كلام وكلام، فتبقى على العموم. الوجه الثاني: أن المشروعية وعدمها مما تختلف فيها الآراء والاجتهادات، فقد يرى الحاضر أن ما يدعو به الإمام ليس بمشروع ويرى غيره أنه مشروع، بل واجب، ويكون الحق مع الإمام، فيقع في المحرم ويشوش على من يرى أنه مشروع. ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 201.

الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بتحريم الكلام حال دعاء الخطيب مطلقا، لقوة ما استدلوا به، ولعموم الأدلة الدالة على تحريم الكلام على الحاضر حال الخطبة، فهي لم تفرق بين الدعاء وغيره، وبين المشروع وغيره، خاصة وأن الخطيب لا يمكن أن يدعو بشيء مجمع على عدم مشروعيته، فهذا بعيد جدا، بل قد يدعو بشيء مختلف في مشروعيته.

المبحث السابع الدق بالسيف على المنبر

[المبحث السابع الدق بالسيف على المنبر] المبحث السابع الدق بالسيف على المنبر تقدم في مسألة اعتماد الخطيب على قوس أو عصا أو سيف بيان عدم مشروعية الاعتماد على السيف، وأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) . وعلى قول من قال بمشروعيته فإنه لا يشرع الدق به على المنبر، بل قالوا: إنه بدعة (¬2) . قال النووي: " يكره في الخطبة أشياء، منها ما يفعله بعض جهلة الخطباء من الدق بالسيف على درج المنبر في صعوده، وهذا باطل لا أصل له، وبدعة قبيحة " (¬3) . الدليل: ظاهر كلامهم عدم ورود الدليل على مشروعيته، والعبادات توقيفية، وبناء عليه يستدل لهم بعموم حديث عائشة - رضي الله عنها - المشهور: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (¬4) . ¬

(¬1) ص (238 - 241) . (¬2) ينظر: المجموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 290، وتنبيه الغافلين لابن النحاس ص (268) ، والفروع 2 / 122، وسبل السلام 2 / 59. (¬3) المجموع 4 / 529. (¬4) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب البيوع - باب النجش ومن قال: لا يجوز ذلك البيع 3 / 24، وفي مواضع أخر معلقا بصيغة الجزم، ووصله مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور 3 / 1244، وله ألفاظ أخرى في الصحيحين وغيرهما.

المبحث الثامن إشارة الخطيب باليد أثناء الخطبة

وهذا العمل لا أعلم له وجودا في وقتنا الحاضر، وقد ذكرته استكمالا للبحث، ولذكر السابقين له. [المبحث الثامن إشارة الخطيب باليد أثناء الخطبة] المبحث الثامن إشارة الخطيب باليد أثناء الخطبة قد يتحمس الخطيب أثناء إلقاء الخطبة، ويدفعه مضمون الكلام إلى الانفعال، فيدفعه ذلك إلى الإشارة باليد تعبيرا عما يتكلم عنه، وقد ذكر بعض الفقهاء أن ذلك غير مشروع، وإنما المشروع الإشارة بالإصبع (¬1) بل صرح بعض أهل العلم بأنه - أي رفع اليد - بدعة، وهذا إن كان بقصد، فإن كان بدون قصد فلا مؤاخذة فيه (¬2) . الدليل على عدم المشروعية: حديث عمارة بن رويبة (¬3) - رضي الله عنه - أنه رأى بشر بن ¬

(¬1) ينظر: روضة الطالبين 2 / 33، وكشاف القناع 2 / 36. (¬2) ينظر: تنبيه الغافلين لابن النحاس ص (268) . (¬3) هو عمارة بن رويبة الثقفي، أبو زهرة، من بني جشم بن ثقيف، صحابي، سكن الكوفة، وتأخر إلى بعد السبعين، روى عنه ابنه أبو بكر وأبو إسحاق السبيعي. (ينظر: أسد الغابة 4 / 49، وتقريب التهذيب (4845) .

مروان (¬1) على المنبر رافعا يديه، فقال: «قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة» (¬2) . قال النووي: " هذا فيه أن السنة أن لا يرفع اليد في الخطبة " (¬3) . وفيه أيضا مشروعية الإشارة بالإصبع عند ذكر الله، وأشار إلى ذلك ابن القيم - رحمه الله - حيث قال في بيان هديه - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الجمعة: " وكان يشير بأصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى. . . . " (¬4) . ¬

(¬1) هو بشر بن مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشي، الأموي، من أمراء بني أمية، ولي إمرة البصرة والكوفة لأخيه عبد الملك سنة 74 هـ، وكان سمحا جوادا، وتوفي سنة 75هـ. (ينظر: سير أعلام النبلاء 4 / 145، والأعلام 2 / 55) . (¬2) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 595 الحديث رقم (874) . (¬3) شرح صحيح مسلم 6 / 162. (¬4) زاد المعاد 1 / 428.

المبحث التاسع التفات الخطيب يمينا وشمالا أثناء الخطبة

[المبحث التاسع التفات الخطيب يمينا وشمالا أثناء الخطبة] المبحث التاسع التفات الخطيب يمينا وشمالا أثناء الخطبة تقدم في الكلام على السنن أن السنة في حق الخطيب أن يقصد تلقاء وجهه أثناء الخطبة (¬1) . وقد نص بعض الفقهاء على أن الالتفات يمينا وشمالا في حقه غير مشروع، بل عده بعضهم من البدع - وإن كان ذلك فيه بعد -، وخاصة ما يفعله بعض الخطباء عند الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2) . قال النووي: ". . . ولا يفعل ما يفعله بعض الخطباء في هذه الأزمان من الالتفات يمينا وشمالا في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيرها، فإنه باطل لا أصل له، واتفق العلماء على كراهة هذا الالتفات، وهو معدود من البدع المنكرة " (¬3) . والظاهر من الكلام أن قصده بالكراهة كراهة التحريم. ¬

(¬1) ص (208) وما بعدها. (¬2) ينظر: الحاوي 3 / 55، والمجموع 4 / 528، وروضة الطالبين 2 / 32، ومغني المحتاج 1 / 289 - 290، والمغني 3 / 178، وكشاف القناع 2 / 36. (¬3) المجموع 4 / 528.

المبحث العاشر قول الخطيب في آخر الخطبة الأولى ادعوا الله وأنتم موقنون

الأدلة: أن هذا خلاف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان يقصد تلقاء وجهه إذا قام في الخطبة (¬1) وقد تقدمت الأحاديث في ذلك (¬2) . كما تقدم بعض الأدلة العقلية في عدم مشروعية الالتفات (¬3) . وهذا - فيما يظهر لي - إذا قصد الالتفات ولم يكن هناك حاجة، أما إذا فعله بدون قصد، أو كان هناك حاجة فلا بأس كما تقدم في الإشارة باليد، والله أعلم. [المبحث العاشر قول الخطيب في آخر الخطبة الأولى ادعوا الله وأنتم موقنون] بالإجابة لله ونحو ذلك والمداومة عليه ¬

(¬1) ينظر: المغني 3 / 178، وكشاف القناع 2 / 36. (¬2) ص (205 - 206) . (¬3) ص (207) .

المبحث العاشر قول الخطيب في آخر الخطبة الأولى: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة لله ونحو ذلك، والمداومة عليه اعتاد بعض الخطباء قول " فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45] (¬1) أو «ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة» (¬2) أو «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (¬3) ونحو ذلك في آخر الخطبة الأولى من خطبتي الجمعة، والمداومة على ذلك حتى صار عند الناس كالفرض ينكرون على تاركه. وقد ذكر بعض أهل العلم أن ذلك - أي المداومة - من البدع (¬4) . ¬

(¬1) سورة النحل، جزء من الآية رقم (45) . (¬2) أخرجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الترمذي في أبواب الدعاء - باب رقم (66) ، 5 / 179 - 180، الحديث رقم (3545) ، وقال: " حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه "، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 1 / 108. (¬3) أخرجه من طريق أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه ابن ماجه في كتاب الزهد - باب ذكر التوبة 2 / 1419 - 1420، الحديث رقم (4250) . وحسنه الألباني في صحيح الجامع 1 / 578. (¬4) ينظر: الشرح الصغير للدردير بهامش البلغة 1 / 182، والسنن والمبتدعات ص (77) ، ورسالة إلى الخطباء ص (23) .

المبحث الحادي عشر المبالغة في الإسراع في الخطبة الثانية وخفض الصوت

ولكن إن قاله الخطيب في بعض الأحيان لا على أنه سنة يقوم بتطبيقها فلا بأس، والله أعلم. الدليل: ظاهر كلامهم أنهم يستدلون على ذلك بأن المداومة على ذلك يفهم منها أنه عمل مشروع بدليل، ولم يرد دليل على مشروعيته، والعبادات توقيفية، لا تشرع إلا بدليل. وقد تقدم حديث عائشة - رضي الله عنها (¬1) . - الذي يعد أصلا في تحريم الابتداع. [المبحث الحادي عشر المبالغة في الإسراع في الخطبة الثانية وخفض الصوت] بها ¬

(¬1) ص (362) .

المبحث الحادي عشر المبالغة في الإسراع في الخطبة الثانية، وخفض الصوت بها تقدم في السنن أن من سنن الخطبة أن يترسل فيها الخطيب ولا يعجل، وأن يرفع بها صوته قدر الإمكان، وذكرت الأدلة هناك (¬1) . وبعض الخطباء يخالف هذا في الخطبة الثانية، فيسرع، ويخفض الصوت فيها، وقد ذكر بعض الفقهاء أن ذلك من البدع، فيحرم (¬2) . قال النووي: " ويكره في الخطبة أمور ابتدعها الجهلة. . . ومنها: مبالغتهم في الإسراع في الخطبة الثانية " (¬3) . وقال: ". . . ومنها مبالغتهم في الإسراع في الخطبة الثانية، وخفض الصوت بها " (¬4) . وظاهر السياق أن المقصود بالكراهة كراهة التحريم. ¬

(¬1) ص (245) . (¬2) ينظر: المجموع 4 / 529، وروضة الطالبين 2 / 33، ومغني المحتاج 1 / 290، وتنبيه الغافلين ص (268) . (¬3) روضة الطالبين 2 / 33. (¬4) المجموع 4 / 529.

الدليل: ظاهر كلامهم الاستدلال بأن ذلك خلاف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي تقدم بيانه في السنن (¬1) وحكم الخطبتين واحد، بل قال بعض الفقهاء: إنه يسن رفع الصوت بالخطبة الثانية أكثر من الأولى (¬2) وهذا أيضا لا دليل عليه. ¬

(¬1) ص (268) وما بعدها. (¬2) ينظر ذلك في الفتاوى الهندية 1 / 147.

المبحث الثاني عشر رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة

[المبحث الثاني عشر رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة] المبحث الثاني عشر رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة تقدم الكلام على الدعاء في خطبة الجمعة، وأن أقل الأقوال فيه السنية، وهو ما ظهر رجحانه (¬1) . وقد اختلف الفقهاء في حكم رفع اليدين أثناء هذا الدعاء، وذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه مكروه في غير دعاء الاستسقاء، والمشروع الإشارة بالإصبع. وهذا هو الصحيح من الوجهين عند الحنابلة (¬2) . وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث جاء في الاختيارات: " ويكره للإمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة، وهو أصح الوجهين لأصحابنا " (¬3) . القول الثاني: أنه بدعة في غير دعاء الاستسقاء، والمشروع الإشارة بالإصبع. ¬

(¬1) ص (357) وما بعدها. (¬2) ينظر: الفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 398، وكشاف القناع 2 / 37، واختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية ص (80) . (¬3) الاختيارات ص (80) .

وهذا منسوب إلى أكثر المالكية، والشافعية (¬1) وبه قال بعض الحنابلة (¬2) . القول الثالث: أنه مباح مطلقا. وهذا منسوب إلى بعض المالكية (¬3) وبه قال بعض الحنابلة (¬4) . الأدلة: أدلة أصحاب القول الأول: أولا: استدلوا على الكراهة في غير دعاء الاستسقاء ومشروعية الإشارة بالإصبع بما يلي: 1 - ما روي عن عمارة بن رؤيبة - رضي الله عنه - «أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال: (قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يزيد ¬

(¬1) نسبه إليهم - أي إلى أكثر المالكية، والشافعية - ابن مفلح في الفروع 2 / 119، والبهوتي في الكشاف 2 / 37، ونسب إليهم النووي في شرح صحيح مسلم 6 / 162 القول بأن السنة ألا يرفع اليد، ولم يصرح بالبدعة. (¬2) ومن أشهر من قال بذلك منهم المجد كما في الفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 398. (¬3) نسبه إليهم النووي في شرح صحيح مسلم 6 / 162. (¬4) ينظر: الفروع 2 / 119، والإنصاف 2 / 398.

على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة» (¬1) . 2 - ما رواه سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: «ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شاهرا يديه قط يدعو على منبره ولا على غيره، ولكن رأيته يقول هكذا، وأشار بالسبابة، وعقد الوسطى والإبهام» (¬2) . قال في نيل الأوطار: " والحديثان المذكوران في الباب يدلان على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء. . . " (¬3) وقال ابن القيم - رحمه الله - عن الإشارة بالإصبع: " وكان يشير بإصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه " (¬4) . ثانيا: واستدلوا على عدم الكراهة في دعاء الاستسقاء بما يلي: ما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «أصابت الناس سنة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبينما ¬

(¬1) سبق تخريجه ص (363) . (¬2) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة - باب رفع اليدين على المنبر 1 / 289، الحديث رقم (1105) ، وقال الألباني في إرواء الغليل 3 / 77: " بإسناد حسن ". (¬3) ينظر: نيل الأوطار 3 / 271. (¬4) زاد المعاد 1 / 428.

النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب في يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله، هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه، وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته - صلى الله عليه وسلم -، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي، أو قال: غيره، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يده فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير بيده في ناحية من السحاب إلا انفرجت وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال الوادي قناة شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود» (¬1) . وهذا واضح الدلالة. أدلة أصحاب القول الثاني: أولا: استدلوا على البدعية في غير دعاء الاستسقاء ومشروعية الإشارة بالإصبع بحديث عمارة بن رويبة - رضي الله عنه - الذي استدل به أصحاب القول الأول، حيث شدد عمارة ¬

(¬1) سبق تخريجه ص (321) .

في إنكاره على بشر بقوله: " قبح الله هاتين اليدين "، ثم ذكر حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، والإنكار بهذه الصيغة لا يكون إلا على فعل أمر شديد الحرمة يصل إلى حد البدعة. مناقشة هذا الاستدلال: يناقش بأن الحجة في الحديث هي فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا في قول عمارة - رضي الله عنه -، وقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس - رضي الله عنه - رفع اليدين في الاستسقاء في خطبة الجمعة وقد عممه بعض الفقهاء في القول الثالث فقالوا بالجواز مطلقا، فلذلك يبعد القول بالبدعية. ثانيا: واستدلوا على القول بالجواز في حال الاستسقاء بما استدل به أصحاب القول الأول من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. دليل أصحاب القول الثالث: استدلوا بحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - الذي استدل به أصحاب القولين الأول والثاني على الجواز في حال دعاء الاستسقاء، فحملوه على العموم في الاستسقاء وغيره، فقالوا

المبحث الثالث عشر ختم الخطبة الثانية بقوله تعالى إن الله يأمر

بالجواز مطلقا (¬1) . مناقشة هذا الاستدلال: نوقش بأن هذا الرفع كان لعارض الاستسقاء (¬2) فيختص بهذه الحالة، حيث لم يرد رفعه في غيرها. الترجيح: الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب - هو القول الأول القائل بكراهة رفع اليدين حال الدعاء في خطبة الجمعة في غير الاستسقاء، لما استدلوا به، ويبعد القول بالبدعة لحديث أنس - رضي الله عنه - الذي قال بعض الفقهاء بعمومه، ولما جاء في بعض الأحاديث من رفع اليدين حال الدعاء في بعض الأحوال في غير خطبة الجمعة، فكأن أصحاب القول الأول توسطوا في المسألة. [المبحث الثالث عشر ختم الخطبة الثانية بقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ] بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ. . . والمداومة عليه ¬

(¬1) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم 6 / 162. (¬2) ينظر المرجع السابق.

المبحث الثالث عشر ختم الخطبة الثانية بقوله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] والمداومة عليه دأب كثير من الخطباء على ختم الخطبة الثانية بقول الله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] (¬1) والمداومة على ذلك. وقد ذكر بعض الفقهاء أن أول من قرأ ذلك عمر بن عبد العزيز (¬2) - رحمه الله - بدلا عما كان يختم به بنو أمية خطبتهم (¬3) . وقال بعض الفقهاء: إن ذلك غير مشروع (¬4) بل عده البعض من البدع (¬5) وهذا فيه نظر. ¬

(¬1) سورة النحل، الآية (90) . (¬2) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، أمير المؤمنين، يكنى بأبي حفص، ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده، وكان زاهدا عادلا ورعا، مات في رجب سنة 101 هـ، وله أربعون سنة. (ينظر: طبقات ابن سعد 5 / 330، وسير أعلام النبلاء 5 / 114) . (¬3) وممن ذكره الصاوي في بلغة السالك 1 / 181. (¬4) ينظر المرجع السابق. (¬5) ومنهم الشقيري في السنن والمبتدعات ص (78) .

الدليل: أن عمل أهل المدينة على خلاف ذلك، فلا يشرع (¬1) . مناقشة هذا الدليل: يناقش بأن عمل أهل المدينة ليس حجة تبنى عليه الأحكام على القول الراجح من قولي أهل العلم (¬2) فلا يصح الاحتجاج به. كما يمكنهم الاستدلال لذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يختم خطبته بالاستغفار كما تقدم في السنن (¬3) وممن ذكر ذلك ابن القيم - رحمه الله -. - ومع ذلك فقد تناقل علماء الدعوة السلفية من آل الشيخ وتلامذتهم - رحم الله الجميع - في نجد الختم بذلك، ولا شك أن لهم مستندا فيه وإن كنتُ لم أطلع عليه رغم البحث الطويل، كما أن الآية تشتمل على أوامر ونواهي عظيمة تفيد السامعين، ولا أستطيع البت في المسألة بحكم؛ لعدم اطلاعي على دليل ظاهر، والله أعلم. ¬

(¬1) ينظر: بلغة السالك 1 / 181. (¬2) ينظر: أصول السرخسي 1 / 314، والإحكام للآمدي 1 / 243، والعدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى 4 / 1142، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب 3 / 273. (¬3) ص (284) وما بعدها.

الخاتمة

[الخاتمة] الخاتمة الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده وأشكره على توفيقه في البدء والختام، وأصلي وأسلم على خير الأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام. أما بعد، فلا يخفى أن كل باحث يطرق موضوعا لا بد أن يتوصل فيه إلى بعض النتائج، وقد توصلت في هذا البحث إلى نتائج كثيرة، منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص، ومن أبرزها ما يلي: أولا: من أبرز النتائج العامة: 1 - أن أكثر الأدلة التي استدل بها الفقهاء على خطبة الجمعة وأحكامها أفعال مجردة، وأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - المجردة لا تدل على الوجوب، وإنما على الاستحباب كما هو معلوم في أصول الفقه، ولذلك ترجح في أكثر المسائل السنية، حتى فيما يعتبره كثير من الفقهاء شروطا وأركانا؛ لأن القول بالشرط والركن لا بد أن يعتمد على أدلة صحيحة وصريحة؛ لما يترتب عليه من بطلان الخطبة بفقده، وبطلان الصلاة بناء عليه؛ لأن الخطبة شرط لصحتها.

2 - أن أعظم المقاصد الشرعية من خطبة الجمعة هو الوعظ والتذكير، بما فيه صلاح الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، فيجب أن تدور حوله الخطبة. 3 - عند تطبيق هذه الأحكام على واقع كثير من الخطب اليوم يتضح وجود تقصير واضح، وسنن مهجورة، وأخطاء ظاهرة. ثانيا: ومن أبرز النتائج الخاصة: 1 - أن خطبة الجمعة شرط لصحة الصلاة، وأن الشرط خطبتان، لا خطبة واحدة. 2 - أنه يشترط لخطبة الجمعة: النية، وحضور جماعة يتحقق بهم المقصود من الوعظ والتذكير - وإن لم يكونوا بالعدد الذي تنعقد به الجمعة - للقدر الواجب من الخطبة، وأن تكون بعد دخول وقت الجمعة وهو زوال الشمس إن لم تكن حاجة في بعض الأحيان وإلا جازت في الساعة الخامسة أو السادسة، وأن تقدم على الصلاة، والقيام مع القدرة، والجهر بها، وأن تكون باللغة العربية للقادر عليها ما لم يكن السامعون جميعا غير عرب فتجزئ بلغتهم، والموالاة بين أجزائها، وبينها وبين الصلاة. 3 - أنه ليس لخطبة الجمعة أركان معينة بعينها، بل تحصل بما يطلق عليه خطبة في العرف، ويحصل به مقصودها الشرعي وهو

الوعظ والتذكير، فلا يعد الحمد لله، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقراءة شيء من القرآن أركانا، بل هي سنن، وأما الموعظة فهي ركن لكونها المقصود الشرعي الأعظم من الخطبة كما أسلفت. وأقل مقدار لقراءة القرآن هو ما يستقل بمعنى، سواء كان آية أو أقل، ويباح قراءة ما فيه آية سجود في الخطبة. كما يسن ترتيب الأمور الأربعة المتقدمة، وهي أركان في كل من الخطبتين عند من قال بركنيتها. 4 - أنه لا يشترط لخطبة الجمعة الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر، ولا ستر العورة وإزالة النجاسة، ولا الجلسة بين الخطبتين، بل يسن ذلك لها، ومقدار الجلسة بقدر قراءة سورة الإخلاص. كما يسن لها التجمل بلبس أحسن الثياب، والأفضل البياض، وأن تكون على منبر أو موضع عال، والسنة كون المنبر على يمين المحراب، ويقف الخطيب على الدرجة التي تلي المستراح، وأن يستقبل الخطيب الناس بوجهه، ويقصد تلقاء وجهه ولا يلتفت، وأن يستقبل الناس الخطيب ما لم يكن هناك حرج ومشقة، وأن يسلم على من حوله إذا دخل وقبل أن يصعد المنبر، ويسلم على الناس إذا صعد المنبر واستقبلهم، وأن يجلس

على المنبر حتى يفرغ المؤذن، وأن يعتمد على قوس أو عصا ونحوهما، ولا يشرع الاعتماد على السيف، ويكون بما شاء من يديه، فإن لم يعتمد على شيء فهو بالخيار بين إمساك يده الشمال باليمين أو يرسلهما، وأن يرفع صوته بالخطبة زيادة على القدر الواجب وحسب الطاقة. 5 - أنه يسن في خطبة الجمعة التقصير، وتكون الثانية أقصر من الأولى، وأن تكون فصيحة بليغة مؤثرة مرتبة، وأن يقرأ فيها سورة (ق) في أكثر الأحيان، وأن يدعو للمسلمين في الثانية، وأن يدعو لولاة أمور المسلمين عامة، ولولي أمر البلد بعينه ما لم يأمر بذلك فيجب، وأن يختم الثانية بالاستغفار. 6 - أن على الخطيب في الجمعة الاعتناء بإعداد الخطبة وعدم الاعتماد على دواوين قديمة أو نحو ذلك، وألا يخرجها عن مقصودها الشرعي من الوعظ والتذكير والثناء على الله وتمجيده، والحث على طاعته والتحذير من معصيته إلى غير ذلك، ولا تشرع له تحية المسجد عند دخوله، ولا الدعاء عند صعود المنبر وقبل جلوسه للأذان بل هو بدعة، ولا يشرع له الخطبة من صحيفة إن أحسن بدونها. ولا يجوز للخطيب الكلام بغير الخطبة إلا لمصلحة، كما لا يجوز الكلام للحاضر إلا مخاطبة الإمام لحاجة سواء سمع الخطبة أم

لا، حتى رد السلام وتشميت العاطس، وأما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكره الخطيب والتأمين على الدعاء فيجوز سرا، ويستثنى من التحريم ما كان لأمر واجب ناجز كتحذير ضرير ونحوه، ويجوز الكلام بعد دخول الخطيب وقبل الشروع في الخطبة، وبين الخطبتين وبعدها وقبل الصلاة، ولا يجوز حال التنفس والدعاء. ولا يشرع للخطيب الدق بالسيف على المنبر، ولا قصد الإشارة باليد أثناء الخطبة بل بالإصبع، ولا قصد الالتفات يمينا وشمالا في أثنائها، ولا المداومة على قوله في آخر الأولى: " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة " ونحو ذلك، ولا المبالغة في الإسراع في الخطبة الثانية وخفض الصوت بها، كما لا يشرع رفع اليدين حال الدعاء في الخطبة إلا في الاستسقاء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

فهرس المصادر والمراجع

[فهرس المصادر والمراجع] خامسا: فهرس المصادر والمراجع أولا: كتب التفسير: 1 - أحكام القرآن لابن العربي: أبي بكر محمد بن عبد الله، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 2 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: أبي عبد الله محمد الأنصاري، دار إحياء التراث العربي، (بيروت - لبنان) . 3 - جامع البيان في تفسير القرآن للطبري: أبي جعفر محمد بن جرير، الطبعة الرابعة، دار المعرفة، (بيروت - لبنان) . ثانيا: كتب الحديث وعلومه: 4 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل / للشيخ ناصر الدين الألباني، إشراف: زهير الشاويش، الطبعة الأولى 1399 هـ، المكتب الإسلامي. 5 - إعلاء السنن للتهانوي، ظفر أحمد العثماني، الناشر إدارة القرآن والعلوم الإسلامية (كراتشي - باكستان) . 6 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام لابن حجر: أحمد بن علي بن حجر تصحيح وتعليق: محمد حامد الفقي، دار البخاري - القصيم، الطبعة الأولى 1409 هـ. 7 - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر: أحمد بن علي بن محمد، مطبوع بحاشية المجموع للنووي، الناشر: دار الفكر (بيروت - لبنان) . 8 - الجوهر النقي لابن التركماني: علاء الدين علي بن عثمان،

مطبوع بحاشية السنن الكبرى للبيهقي، الناشر: دار الفكر، (بيروت - لبنان) . 9 - سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني: محمد بن إسماعيل، الطبعة الرابعة 1379 هـ، دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) . 10 - سنن الترمذي، ويسمى الجامع الصحيح للترمذي: أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية 1403 هـ، دار الفكر (بيروت - لبنان) ، الناشر: دار الكتب العلمية، (بيروت - لبنان) . 11 - سنن الدارقطني للدارقطني: علي بن عمر، طبعة سنة 1386هـ الناشر: عبد الله هاشم يماني المدني بالمدينة المنورة. 12 - سنن أبي داود لأبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي، (بيروت - لبنان) . 13 - السنن الكبرى للبيهقي: أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي، دار الفكر، (بيروت - لبنان) . 14 - سنن ابن ماجه لابن ماجه: محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر، (بيروت - لبنان) . 15 - سنن النسائي: للنسائي: أحمد بن شعيب، ترقيم وفهرسة عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الأولى المفهرسة 1406 هـ، طبع دار البشائر الإسلامية (بيروت - لبنان) ، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية (حلب - سورية) . 16 - شرح النووي على صحيح مسلم للنووي: أبي زكريا يحيى بن شرف، دار الفكر (بيروت - لبنان) .

17 - صحيح البخاري للبخاري: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل، طبعت بالأفست عن طبعة دار الكتب العامرة باستانبول، الناشر: دار الكتب العلمية (بيروت - لبنان) . 18 - صحيح سننابن ماجه للألباني: محمد ناصر الدين، إشراف زهير الشاويش، الطبعة الثالثة 1408 هـ، المكتب الإسلامي بيروت، الناشر: مكتب التربية العربي لدول الخليج العربي بالرياض. 19 - صحيح مسلم لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الطبعة الثانية 1392 هـ، الناشر: دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) . 20 - عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي: أبي بكر محمد بن عبد الله، دار الكتب العلمية (بيروت - لبنان) . 21 - فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني، تصحيح سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 22 - الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبه: أبي بكر عبد الله بن محمد، تحقيق: عامر العمري الأعظمي، الناشر: مختار أحمد الندوي السلفي، الدار السلفية (بومباي - الهند) . 23 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي: علي بن أبي بكر، الناشر دار الكتاب العربي، (بيروت - لبنان) . 24 - المراسيل لأبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، مراجعة وفهرسة د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، مطبوع مع سلسلة الذهب فيما رواه الإمام الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، الطبعة الأولى 1406هـ، دار المعرفة (بيروت - لبنان) .

25 - المستدرك على الصحيحين في الحديث للحاكم: أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري، دار الفكر (بيروت - لبنان) . 26 - المصنف لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الثانية 1403 هـ، طبع المجلس العلمي بجوهانسبرج - جنوب أفريقيا، وكراتشي - باكستان، وسملك - الهند توزيع المكتب الإسلامي. 27 - المنتقى شرح موطأ مالك للباجي: أبي الوليد سليمان بن خلف، الطبعة الأولى 1314 هـ، مطبعة السعادة بمصر. 28 - الموطأ / للإمام مالك بن أنس، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) . 29 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني: محمد بن علي، دار القلم (بيروت - لبنان) . ثالثا: كتب الفقه: كتب الفقه الحنفي: 30 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني: علاء الدين أبي بكر بن مسعود، الطبعة الثانية 1402 هـ، الناشر: دار الكتاب العربي (بيروت - لبنان) . 31 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي: فخر الدين عثمان بن علي، الطبعة الثانية، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 32 - حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح للطحطاوي: أحمد بن محمد بن إسماعيل، الطبعة الثالثة، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق سنة 1318 هـ، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) .

33 - الحجة على أهل المدينة لمحمد بن حسن الشيباني، الطبعة الثانية 1403هـ، الناشر عالم الكتب. 34 - فتاوى قاضيخان لحسن الأوزجندي، مطبوع بهامش الجزء الأول والثاني والثالث من الفتاوى الهندية، الطبعة الثالثة 1400 هـ، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) . 35 - الفتاوى الهندية / للشيخ نظام ومجموعة من علماء الهند، الطبعة الثالثة 1400 هـ، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) . 36 - فتح القدير لابن الهمام: كمال الدين محمد بن عبد الواحد، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) . 37 - المبسوط للسرخسسي: شمس الدين محمد بن أحمد، الطبعة الثالثة 1398 هـ، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 38 - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لدماد أفندي: عبد الله بن محمد بن سليمان، الناشر دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) . 39 - مختصر الطحاوي للطحاوي: أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني، الطبعة الأولى 1406 هـ، الناشر دار إحياء العلوم (بيروت - لبنان) . 40 - مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح للشرنبلالي: حسن بن عمار بن علي، دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 41 - الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني: أبي الحسن علي بن أبي بكر، الطبعة الثانية 1397هـ، الناشر: دار الفكر (بيروت - لبنان) . كتب الفقه المالكي: 42 - الإشراف على مذاهب الخلاف / للقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي، مطبعة الإدارة.

43 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد: أبي الوليد محمد بن أحمد الطبعة الرابعة 1398 هـ، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 44 - بلغة الطالب لأقرب المسالك للصاوي: أحمد بن محمد، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) 1398 هـ. 45 - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة لأبي الوليد بن رشد القرطبي، تحقيق الأستاذ أحمد الجبابي وغيره، طبع دار الغرب الإسلامي (بيروت - لبنان) 1405 هـ. 46 - التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق: محمد بن يوسف العبدري مطبوع بهامش مواهب الجليل، الطبعة الثانية 1398 هـ، الناشر دار الفكر (بيروت - لبنان) . 47 - التفريع لابن الجلاب: أبي القاسم عبيد الله بن الحسين بن الحسن دراسة وتحقيق د حسين بن سالم الدهمان، الطبعة الأولى 1408 هـ دار الغرب الإسلامي (بيروت - لبنان) . 48 - جواهر الإكليل شرح مختصر الخليل للآبي: صالح بن عبد السميع، الناشر دار الفكر (بيروت - لبنان) . 49 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدسوقي: شمس الدين محمد بن عرفة، الناشر دار الفكر (بيروت - لبنان) . 50 - الشرح الصغير على مختصر خليل للدردير: أحمد بن محمد، مطبوع بهامش بلغة السالك، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 51 - الشرح الكبير على مختصر خليل للدردير: أحمد بن محمد، مطبوع بهامش حاشية الدسوقي، الناشر دار الفكر (بيروت - لبنان) . 52 - الفواكه الدواني للنفراوي: أحمد بن غنيم بن سالم، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) .

53 - القوانين الفقهية لابن جزي: محمد بن أحمد، الدار العربية للكتاب، ليبيا - تونس. 54 - الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر: أبي عمر يوسف بن عبد الله، تحقيق محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني، الطبعة الأولى 1398 هـ، الناشر مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 55 - المدونة الكبرى / للإمام مالك بن أنس، رواية سحنون التنوخي، تصوير الطبعة الأولى، مطبعة السعادة. بمصر 1323 هـ، الناشر دار صادر (بيروت - لبنان) . 56 - مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب: أبي عبد الله محمد بن محمد، الطبعة الثانية 1398 هـ، دار الفكر (بيروت - لبنان) . كتب الفقه الشافعي: 57 - الأم / للإمام الشافعي: أبي عبد الله محمد بن إدريس، الطبعة الثانية، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 58 - الحاوي الكبير للماوردي: أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب، تحقيق د محمود مطرجي ومن معه، الناشر دار الفكر (بيروت - لبنان) 1414 هـ. 59 - حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء للشاشي القفال: أبي بكر محمد بن أحمد، تحقيق د ياسين أحمد إبراهيم درادكة، الطبعة الأولى 1988 م، الناشر مكتبة الرسالة الحديثة (عمان - الأردن) . 60 - روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي: أبي زكريا يحيى بن شرف، المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان) . 61 - فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي: أبي القاسم عبد الكريم بن محمد، مطبوع بحاشية المجموع للنووي، دار الفكر (بيروت - لبنان) .

62 - المجموع شرح المهذب للنووي: أبي زكريا يحيى بن شرف الناشر دار الفكر (بيروت - لبنان) . 63 - مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج لمحمد الخطيب الشربيني، الناشر دار الفكر (بيروت - لبنان) . 64 - المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي: أبي إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزآبادي، مطبوع مع شرحه المجموع، الناشر دار الفكر (بيروت - لبنان) . 65 - الوجيز في فقه الإمام الشافعي لأبي حامد الغزالي، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . كتب الفقه الحنبلي: 66 - الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية اختارها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد البعلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 67 - الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة: أبي المظفر يحيى بن محمد، طبع ونشر المؤسسة السعيدية بالرياض. 68 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل للمرداوي: علاء الدين أبي الحسن على بن سليمان تصحيح وتحقيق: محمد الفقي، الطبعة الأولى 1376 هـ، دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) . 69 - تصحيح الفروع للمرداوي: علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان، مطبوع بحاشية الفروع لابن مفلح، الطبعة الثالثة 1402 هـ عالم الكتب (بيروت - لبنان) .

70 - التمام لما صح في الروايتين والثلاث والأربع عن الإمام. . . للقاضي أبي الحسن: محمد بن محمد بن الحسين، تحقيق د عبد الله بن محمد الطيار، ود عبد العزيز بن محمد المدالله (الحجيلان) ، الطبعة الأولى 1414 هـ، دار العاصمة بالرياض. 71 - رؤوس المسائل الخلافية بين جمهور الفقهاء للعكبري: أبي المواهب الحسين بن محمد، تحقيق خالد بن سعد الخشلان (رسالة دكتوراه) مطبوعة بالحاسب الآلي. 72 - زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم: أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي، تحقيق شعيب وعبد القادر الأرنؤوط، الطبعة الثانية 1401 هـ، الناشر مؤسسة الرسالة (بيروت - لبنان) . 73 - شرح الزركشي على مختصر الخرقي للزركشي: محمد بن عبد الله تحقيق الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرينطبع شركة العبيكان بالرياض. 74 - الشرح الكبير على المقنع لابن قدامة: أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد المقدسي، مطبوع بحاشية المغني، دار الكتاب العربي (بيروت - لبنان) . 75 - الشرح الممتع على زاد المستنقع للشيخ محمد بن صالح العثيمين، جمع وترتيب وتخريج د سليمان بن عبد الله أباالخيل، ود خالد بن علي المشيقح، الطبعة الأولى 1416هـ، مؤسسة آسام بالرياض. 76 - شرح منتهى الإرادات للبهوتي: منصور بن يونس، عالم الكتب (بيروت - لبنان) . 77 - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، الطبعة الأولى

1399 - هـ، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة. 78 - الفتاوى السعدية / للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي، نشر المؤسسة السعيدية بالرياض. 79 - فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الجزء الأول، سلسلة كتاب الدعوة، رقم (4) مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية. 80 - الفروع لابن مفلح: شمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح، مراجعة عبد الستار أحمد فراج، الطبعة الثالثة، عالم الكتب (بيروت - لبنان) . 81 - الكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل لابن قدامة: موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد، الطبعة الثانية، طبع ونشر المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان) . 82 - كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي: منصور بن يونس، عالم الكتب (بيروت - لبنان) . 83 - المبدع في شرح المقنع لابن مفلح: أبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله، الطبعة الأولى، طبع ونشر المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان) . 84 - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية / جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي وابنه محمد، طبع إدارة المساحة العسكرية بالقاهرة، 1404 هـ، توزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية. 85 - المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل للشيخ مجد الدين أبي البركات ابن تيمية، الناشر دار الكتاب العربي (بيروت - لبنان) .

86 - المستوعب للسامري: نصير الدين محمد بن عبد الله، دراسة وتحقيق: د مساعد بن قاسم الفالح، الطبعة الأولى 1413 هـ، الناشر مكتبة المعارف بالرياض. 87 - المغني على مختصر الخرقي لابن قدامة: موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد، تحقيق د عبد الله بن عبد المحسن التركي، ود عبد الفتاح محمد الحلو، الطبعة الأولى 1407 هـ، هجر للطباعة والنشر، بالقاهرة. 88 - الهداية لأبي الخطاب: محفوظ بن أحمد الكلوذاني، تحقيق إسماعيل الأنصاري، وصالح السليمان العمري، مراجعة ناصر السليمان العمري، الطبعة الأولى 1390 هـ، طبع في مطابع القصيم. كتب الفقه الظاهري: 89 - المحلى لابن حزم: أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، الناشر دار الآفاق الجديدة (بيروت - لبنان) . رابعا: كتب أصول الفقه والقواعد الفقهيه: 90 - الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: علي بن محمد، تعليق الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الطبعة الثانية 1402 هـ، المكتب الإسلامي (بيروت - لبنان) . 91 - إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني: محمد بن علي، دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 92 - الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان لابن نجيم: زين العابدين بن إبراهيم، طبعة عام 1400 هـ، دار الكتب العلمية (بيروت - لبنان) .

93 - الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية للسيوطي: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار إحياء الكتاب العربي، عيسى البابي الحلبي وشركاه. 94 - أصول السرخسي للسرخسي: أبي بكر محمد بن أحمد، تحقيق أبي الوفاء الأفغاني، عنيت بنشره لجنة إحياء المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن - الهند، دار المعرفة بيروت 1393 هـ. 95 - أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودلالتها على الأحكام الشرعية للأشقر: محمد بن سليمان، الطبعة الأولى 1398 هـ، مكتبة المنار الإسلامية في الكويت. 96 - بيان المختصر، شرح مختصر ابن الحاجب للأصفهاني: شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد، تحقيق د محمد مظهر بقا، الطبعة الأولى 1406 هـ، دار المدني بجدة، وهو من مطبوعات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 97 - التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب: محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، دراسة وتحقيق د مفيد محمد أبو عمشة، الطبعة الأولى 1406 هـ، دار المدني بجدة، وهو من مطبوعات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 98 - شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، أو المختصر المبتكر شرح المختصر في أصول الفقه، لابن النجار: محمد بن أحمد، تحقيق كل من: د محمد الزحيلي، ود نزيه حماد، طبعة عام 1400 هـ دار الفكر بدمشق، وهو أيضا من مطبوعات مركز

البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. 99 - العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى: محمد بن الحسين الفراء، تحقيق وتعليق وتخريج د أحمد بن علي سير المباركي، الطبعة الثانية 1410 هـ. 100 - المحصول في علم أصول الفقه للرازي: فخر الدين محمد بن عمر، دراسة وتحقيق د طه جابر فياض العلواني، الطبعة الأولى 1400 هـ، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. خامسا: كتب اللغة والغريب: 101 - تحرير ألفاظ التنبيه، أو لغة الفقهاء للنووي: أبي زكريا يحيى بن شرف، تحقيق عبد الغني الدقر، الطبعة الأولى 1408 هـ، دار القلم (دمشق - سورية) . 102 - التعريفات للجرجاني؛ علي بن محمد، الطبعة الأولى 1408 هـ، دار الكتب العلمية (بيروت - لبنان) . 103 - تهذيب اللغة للأزهري: أبي منصور محمد بن أحمد، تحقيق الأستاذ عبد العظيم محمود، ومراجعة محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، مطابع سجل العربي في القاهرة. 104 - حلية الفقهاء لابن فارس: أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازي، تحقيق د عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطعبة الأولى 1403 هـ، الشركة المتحدة للتوزيع (بيروت - لبنان) . 105 - القاموس المحيط للفيروزآبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب، المؤسسة العربية للطباعة والنشر (بيروت - لبنان) دار الجيل.

106 - لسان العرب لابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم بن علي، الناشر: دار صادر، (بيروت - لبنان) . 107 - مختار الصحاح للرازي: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، إخراج دائرة المعاجم في مكتبة لبنان ببيروت. 108 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي للفيومي: أحمد بن محمد بن علي، المكتبة العلمية (بيروت - لبنان) . 109 - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، توزيع دار الباز بمكة المكرمة. سادسا: كتب التاريخ والرجال والطبقات: 110 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر: أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد، مطبوع بهامش الإصابة، الطبعة الأولى، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية. 111 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير: علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني، دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) . 112 - الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: أحمد بن علي، دار الكتب العلمية (بيروت - لبنان) . 113 - الأعلام للزركلي: خير الدين الزركلي، الطبعة الخامسة 1980 هـ، الناشر دار العلم للملايين، (بيروت - لبنان) . 114 - تذكرة الحفاظ للذهبي: شمس الدين أبي عبد الله محمد الذهبي، دار إحياء التراث العربي (بيروت - لبنان) .

115 - تقريب التهذيب لابن حجر: أحمد بن علي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية 1395 هـ، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 116 - تهذيب الأسماء واللغات للنووي: أبي زكريا يحيى بن شرف، طبع المطبعة المنيرية، الناشر دار الكتب العلمية (بيروت - لبنان) . 117 - تهذيب التهذيب لابن حجر: أحمد بن علي، الطبعة الأولى 1325 هـ، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية (حيدر آباد - الدكن - الهند) . 118 - الجرح والتعديل لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، الطبعة الأولى 1372 هـ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، (حيدر آباد - الدكن - الهند) . 119 - ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 120 - السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة لابن حميد: محمد بن عبد الله النجدي ثم المكي، تحقيق وتقديم وتعليق د بكر عبد الله أبو زيد، ود عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الطبعة الأولى 1416 هـ، مؤسسة الرسالة (بيروت - لبنان) . 121 - سير أعلام النبلاء للذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد، تحقيق شعيب الأرنؤوط وجماعة، الناشر مؤسسة الرسالة 1401 هـ وما بعدها. 122 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد: أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، دار الكتب العلمية (بيروت - لبنان) .

123 - طبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسين: محمد بن محمد بن الحسين الفراء، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 124 - طبقات الشافعية للسبكي: عبد الوهاب بن تقي الدين، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . 125 - طبقات الشافعية للإسنوي: عبد الرحيم الإسنوي، تحقيق كمال يوسف الحوت، الطبعة الأولى 1407 هـ، طبع ونشر دار الكتب العلمية (بيروت - لبنان) . 126 - الطبقات الكبرى لابن سعد: محمد بن سعد بن منيع، الناشر دار صادر (بيروت - لبنان) . 127 - المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لابن مفلح: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله) تحقيق د عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الطبعة الأولى 1410 هـ، مطبعة المدني بالقاهرة، الناشر مكتبة الرشد بالرياض. 128 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد للعليمي: أبي اليمن مجير الدين عبد الرحمن بن محمد، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثانية 1404 هـ، عالم الكتب (بيروت - لبنان) . 129 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي: أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان، تحقيق محمد علي البجاوي، الناشر دار المعرفة (بيروت - لبنان) . سابعا: كتب وبحوث متنوعة: 130 - الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ، الطبعة الخامسة 1375 هـ، الناشر دار الاعتصام.

131 - إرشادات لتحسين خطبة الجمعة لمحمد عبد القادر أبو فارس، نشر وتوزيع دار الفرقان (عمان - الأردن) . 132 - تحفة الأريب بما جاء في العصا للخطيب لمحمد بن عبد الوهاب بن علي الوصابي العبدلي، الطبعة الأولى 1409 هـ، الناشر مكتبة التوعية الإسلامية لإحياء التراث الإسلامي بالقاهرة. 133 - تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين وتحذير السالكين من أعمال الهالكين لابن النحاس: أحمد بن محمد الدمشقي، مطابع الرياض بالرياض. 134 - الخطبة في الإسلام وإعداد الخطيب الداعية للدكتور مصلح سيد بيومي، الطبعة الثانية 1408 هـ، الناشر مكتبة المجد العربي بالقاهرة. 135 - رسالة إلى الخطباء لإسماعيل بن مرشود الرميح، الطبعة الأولى 1414 هـ، الناشر دار طويق بالرياض. 136 - السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات لعبد السلام خضر الشقيري، الطبعة الثانية 1403هـ، الناشر مكتبة ابن تيمية. 137 - مجلة البحوث الإسلامية، مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء في الرياض، العدد الخامس عشر.

§1/1