خصائص التفكير الفقهي عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الجزء الأول)

عبد الوهاب بن إبراهيم أبو سليمان

خصائص التفكير الفقهي عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب

خصائص التفكير الفقهي عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب تأليف: عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان بسم الله الرحمن الرحيم إن أهمية الدعوة السلفية التي نهض بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والتي تركت آثارا فكرية واضحة في كثير من المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر، استقطبت الباحثين ووجهت أنظار المفكرين، فاستقلت بدراسات موسعة وبحوث علمية مختلفة، والجانب العقدي منها والمتمثل في حياة الشيخ نفسه وإنتاجه العلمي فيها كان له منها النصيب الأوفى، وهذا عائد إلى طبيعة دعوته والأولوية التي تصدى لها وركز عليها في دعوته، وهو تصحيح العقيدة الإسلامية لدى المسلمين. فبسلامتها يسلم للمرء كل شيء، وبفسادها يضيع كل شيء. وإذا كان هذا هو الجانب الأهم في دعوته، فالجانب الثاني المهم هو تصحيح المسار الفقهي التشريعي بين المسلمين، والجوانب الإصلاحية التي نادى بها في هذا المجال! وخصائص تفكيره تجاه مسائله، وهذا لم يتجه إليه أكثر الباحثين، وهذه الدراسة تهتم بصورة خاصة بالخصائص الفكرية في اتجاهه الفقهي للتعرف على طبيعة دعوته واتجاهاته. وهذه بمثابة مقدمة من شأنها أن تجلي حقيقة هذه الدعوة في المجال الفقهي والتشريعي. ويركز البحث هنا على:- أولا: الحالة الفقهية في العالم الإسلامي بعامة ونجد بخاصة. ثانيا: الروافد الفكرية في تكوين الشخصية العلمية في الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ثالثا: الخصائص والمميزات الفقهية عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ويعتمد البحث في هذا الجانب منه على فحص وبحث التراث العلمي الذي ورثنا عنه بطريقة استقرائية واستنتاجية في نفس الوقت، مهتما بالخصائص والموضوعات الرئيسية دون الوقوف لدى المسائل الجزئية إلا بالقدر الذي توضح فيه الفكرة الأساسية.

الحالة الفقهية في العالم الإسلامي بعامة ونجد بخاصة: إن الباحثين في الفقه الإسلامي يختلفون في تسمية المراحل التي مر بها الفقه الإسلامي تطورا وركودا، إلا أنهم يجمعون على أن الفقه الإسلامي دخل طور الشيخوخة والهرم منذ القرن الخامس الهجري، حيث بدأ في التدهور والضعف والاعتماد الكلي على ما خلفه الفقهاء قبلهم من تراث فقهي وثروة علمية دون أن تكون لهم فيه مساهمة بزيادة أو تجديد. يعنون العلامة محمد بن الحسن الحجري الثعالبي الفاسي هذه الفترة في تاريخ الفقه الإسلامي بقوله: "القسم الرابع: في الطور الرابع للفقه وهو طور الشيخوخة والهرم القريب من العدم". ثم يذكر الظواهر العلمية الفقهية والأسباب التي أدت إليها بقوله: "هذا الطور مبدأه من أول القرن الخامس الهجري إلى وقتنا هذا الذي هو القرن الرابع عشر، وذلك أنه وصل إلى منتهى قوته في القرون الأربعة السابقة وتم نضجه فزاد بعد حتى احترق وذهبت عينه، ولم يبق إلا مرقه في القرن الخامس وما بعده إلى أن صار الآن أثرا بعد عين، ذلك لأسباب منها: قصور الهمم عن الاجتهاد إلى الاقتصار على الترجيح في الأقوال المذهبية والاختيار منها ... ثم قصروا عن ذلك في هذه الأزمان واقتصروا على النقل عمن تقدم فقط، وانصرفت همتهم بشرح كتب المتقدمين وتفهمها ثم اختصارها، وفكرة الاختصار ثم التباري فيه مع جميع الفروع الكثيرة في اللفظ القليل هو الذي أوجب الهرم وأفسد الفقه بل العلوم كلها ... إذ صاروا قراء كتب لا محصلي علوم، ثم في الأخير قصروا عن الشرح، واقتصروا على التحشية والقشور ومن اشتغل بالحواشي ما حوى شيئا"1. والفقه، أصبح يعنى في العصور المتأخرة تعلما وتعلما، حفظ متون معينة وترديد

_ 1 الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي, خرج أحاديثه وعلق عليه عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري (المدينة المنورة المكتبة العلمية 1397هـ/1977م ص163) .

عباراتها دون مجاوزة لها إلى غيرها من كتب الفقه فضلا عن الكتاب والسنة. عكف الحنفية على كنز الدقائق، لحافظ الدين عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي المتوفى سنة 710 هـ. وعكف المالكية على مختصر خليل، تأليف العلامة الشيخ خليل بن إسحاق المالكي المتوفى سنة 767 هـ. وعكف الشافعية على متن منهاج الطالبين، تأليف شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، المتوفى سنة 926 هـ. وعكف الحنابلة على كتاب المقنع في فقه الإمام أحمد، من تأليف موفق الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن قدامة، المتوفى سنة 620 هـ. هذه الكتب وما يدور في فلكها هي محور الدراسة والتعليم والتأليف، وكثيرا ما يعني استنباط الأحكام مباشرة من الكتاب والسنة الزيغ والانحراف، فيتصدى لأي محاولة من هذا القبيل بالنقد الشديد، نظرا لسد الفقهاء باب الاجتهاد وإصرارهم على قفله، ومن لم يتبين منهم هذا المبدأ كفقهاء الحنابلة وقولهم باستمرار الاجتهاد وفتح بابه لمن أوتي القدرة العلمية المؤهلة. فقد كان هذا منهم نظريا أكثر منه عمليا، يبرز هذا المعنى ما ذكره أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي في أقسام المجتهدين في عبارته التالية: "والمجتهد أربعة أقسام: مجتهد مطلق، ومجتهد في مذهب إمامه أو في مذهب إمام غيره، ومجتهد في نوع من العلم، ومجتهد في مسألة منه أو مسائل" وفي معرض حديثه عن المجتهد المطلق وتعريفه له يقول: "وهو الذي إذا استقل بإدراكه للأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية العامة والخاصة، وأحكام الحوادث منها مع حفظه لأكثر الفقه ولا يقلد أحدا ولا يتقيد بمذهب أحد.. ومن زمن طويل عدم المجتهد المطلق، مع أنه الآن أيسر منه في الزمن الأول لأن الحديث والفقه قد دونا، وكذا ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات والآثار، وأصول الفقه، والعربية وغير ذلك، لكن الهمم قاصرة والرغبات فاترة، ونار الجد والحذر خامدة اكتفاء بالتقليد، واستعفاء من التعب الوكيد، وهربا من الأثقال، وأربا في تمشية الحال وبلوغ

الآمال، ولو بأقل الأعمال، وهو فرض كفاية قد أهملوه وملوه ولم يعقلوه ليفعلوه"1. هذه هي الحالة العلمية الفقهية التي كانت تعيشها البلاد الإسلامية عموما. وهنا نريد من خلال هذه الصورة أن نتلمس ما كانت عليه الحالة العلمية والفقهية في مسقط رأس شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب خصوصا؛ لندرك مدى تأثره بها. من الطبيعي أن تكون تلك الصورة للحالة العلمية والفقهية في العالم الإسلامي صادقة تماما على نجد، فتعيش التخلف الفكري الفقهي الذي يعيشه العالم الإسلامي صورة مطابقة، وهذا الجانب العلمي وإن لم يتعرض له الكثير من الدارسين لهذا الجزء في جزيرة العرب، فقد تعرض له البحاثة الفقيه الشيخ عبد الله البسام، وأعطى صورة وافية لما كانت عليه الحالة العلمية والفقهية فيها بقوله: "منذ عرفنا علماء نجد حتى قيام الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله تعالى- فإن علمهم يكاد ينحصر في الفقه، أي: في المسائل الفروعية الفقهية، والمذهب السائد لديهم هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فعلمهم لا يكاد يخرج عن تحقيق هذا النوع من العلم؛ فعلوم التفسير والحديث والتوحيد مشاركتهم فيها قليلة جدا، وعلوم اللسان لا يهتمون منها إلا بعلم النحو في مختصرات كتبه التي يتعلمون فيها ما يقوم ألسنتهم عن اللحن، وماعدا هذا فيعتبرون تعلمه مضيعة للوقت ومشغلة عما هو أولى منه، ويندر منهم من يتعدى الفقه إلى غيره من العلوم فيشارك في تحصيله مشاركة قليلة. أما فقه الإمام أحمد فهم يجيدونه إجادة تامة، ويعنون به عناية فائقة، حيث يدرسون كتبه دراسة إمعان، ويبحثونها بحث تحقيق وتدقيق2. وفيما يتصل بالوسط العائلي للشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإنه عاش وسطا علميا متشبعا بالفقه في عائلة توارثت القضاء، فوالده الشيخ عبد الوهاب تولى قضاء العيينة

_ 1 صفة الفتوى والمستفتي, الطبعة الأولى (بيروت: منشورات المكتب الإسلامي 1380) ص16,17. 2 علماء نجد خلال ستة قرون, الطبعة الأولى (مكة المكرمة- مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة 1398 جـ1 ص17) .

ثم حريملاء، وكذلك جده من قبل الشيخ سلمان بن علي، انتهت إليهم الرئاسة في العلم والفقه في نجد1. في هذا الوسط العلمي العام والخاص المتميز بمظهر فقهي معين يدور في آفاق تقليدية محدودة وإطارات فكرية ملتزمة، عاش الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته العلمية الأولى وتدرج في مراحلها. وفي مثل هذه الأجواء التي تحكم فيها الانغلاق التام، ليس بالوسع أن يتكون بين أحضانها فقيه يتمتع بحرية فكرية واجتهاد محلق، بل سيكون بالضرورة وقانون الحياة صورة عصره ومرآة جيله، فقيها تقليديا متمسكا بحرفية النصوص لا يتجاوزها ولا إلى الكتاب والسنة. والشيخ محمد بن عبد الوهاب عضو في ذلك المجتمع وجزء من تلك البيئة، يتأثر بها ويتجاوب فكرا وشعورا بإيجابياتها وسلبياتها. ولكن إلى أي مدى كان منه هذا التجاوب استقبالا أو رفضا؟ إن التاريخ يثبت أنه لم يكن هناك أي صدى وتأثير لتلك البيئة العلمية والاجتماعية على تفكير الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بل كان أقوى من أن يتأثر بسلبياتها أو يخضع لمؤثراتها، فأفلت منها ومن أغلالها وأثقالها، فتميز بتفكير منطلق وعقلية مستقلة بدأت تتبين ملامحها في مرحلة شبابه. الروافد الفكرية في تكوين الشخصية العلمية للشيخ محمد بن عبد الوهاب: إن أول ما يثير فضول الباحث قبل أي شيء آخر، هو التعرف على المصادر العلمية والروافد الفكرية التي أسهمت في تكوين شخصيته العلمية والفقهية بصورة متباينة عن أبناء جيله وفقهاء عصره. إننا لا نجده بين مشائخه الذين تتلمذ عليهم في صباه ومدارج شبابه، غير أن العلاقة والتأثر بشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، وتلميذه شمس الدين أبي عبد الله ابن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية واضح قوي.

_ 1 عثمان بن عبد الله بن بشر, عنوان المجد في تاريخ نجد الطبعة الثانية (الرياض: وزارة المعارف السعودية, 1391 جـ1 ص114) .

وإذا كانت كافة الدلائل تشير إلى هذا فإنه مما يستحق البحث تحديد الفترة التي تعرف بها على فكر هذين العالمين الجليلين، هل حدث له هذا أيام طلبه العلم ببلدته العيينة وقبل رحيله إلى الحجاز والبصرة، أم أن اهتمامه بفكرهما جاء صدى ونتيجة تنقله واحتكاكه بالعلماء في تلك البلاد؟ إن هذه التساؤلات تبدو للوهلة الأولى غير ذات جدوى، ولكن الباحث كما يهمه أن يعرف مصدر هذا الاستقلال الفكري الجديد، يهمه أن يعرف متى وكيف ظهر، وهل هو ذاتي صادر من داخل رغبة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ أم هو بعامل خارجي شجعه على تبنيه والتحمس له؟ إن المؤرخين للشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يحققوا هذه النقطة كما ينبغي ولهذا جاءت رواياتهم متضاربة. 1- ففريق لم ينوه عن هذه الصلة قصدا ولا استطرادا: ويتبين هذا من عرض نصوصهم لحياته العلمية. يذكر المؤرخ عثمان بن بشر في معرض حديثه عن نشأته وحياته العلمية قوله: "وكان رحمه الله في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه، وكان الشرك إذ ذاك قد مشى في نجد وغيرها.. فلما تحقق الشيخ- رحمه الله- معرفة التوحيد ومعرفة نواقضه وما وقع فيه كثير من الناس من هذه البدع المضلة صار ينكر هذه الأشياء ولما رأى أنه لا يغني القول، ولم يتلق الرؤساء الحق بالقبول، تجهز من بلد العيينة إلى حج بيت الله الحرام، فلما قضى حجه سار إلى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فلما وصلها وجد فيها الشيخ العالم عبد الله بن إبراهيم بن سيف من رؤساء بلد المجمعة، القرية المعروفة في ناحية سدير من نجد ... فأخذ الشيخ عنه، قال الشيخ: كنت عنده يوما فقال لي: أتريد أن أريك سلاحا أعددته للمجمعة، قلت: نعم، فأدخلني منزلا فيه كتب كثيرة فقال: هذا الذي أعددت لها، ثم إنه مضى به إلى الشيخ العلامة محمد حياة السندي المدني فأخبره بالشيخ محمد وعرفه به وبأهله، فأخذ عنه،

وحكى أن الشيخ وقف يوما عند الحجرة النبوية عند أناس يدعون ويستغيثون عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فرآه محمد حياة السندي فأتى إلى الشيخ وقال ما تقول، قال: إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون، فأقام في المدينة ما شاء، ثم خرج منها إلى نجد1. وهنا لم يحدد هذا المؤرخ الجليل تأثر الشيخ بكتاب أو عالم معين، وإنما شمل وعمم دون الإشارة إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. ومن الكتاب والمؤرخين الذين تتجه كتاباتهم هذا الاتجاه الأستاذ أحمد عبد الغفور العطار فيقول: "ولما تجاوز محمد سن الطفولة زاد شغفه بالعلم، واستظهر أحاديث من الصحيحين والأمهات، وكلما تقدمت به السن تقدم في علمه وربا عقله، وما كاد يتم العشرين من عمره حتى صار عالما مرموقا في بلده.. "2. 2- وفريق آخر أثبت تعرفه وتعلقه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم منذ صباه وقبل مغادرته مسقط رأسه تحديدا وتعيينا، ومن هؤلاء عبد الله بن سعد الرويشد، ففي معرض حديثه عن نشأة الإمام العلمية يقول: "تعلم على والده فدرس القرآن وحفظه على يديه، وعليه تعلم علوم العربية والفقه الحنبلي، وهكذا نشأ نشأة صالحة وظهرت عليه مخايل الذكاء والنجابة منذ صباه، وأكثر من قراءة القرآن والاطلاع على الكتب المتداولة، وظهرت بوادر ألمعيته واتقاد ذهنه، وأعجب بكتب ابن تيمية وابن القيم ومال إليها. ورأى كثيرا مما نعاه ابن تيمية على أهل عصره من البدع والضلالات ماثلا أمام عينيه في معتقدات وأعمال أهل عصره وبخاصة العامة منهم، ولما بلغ السادسة عشرة من عمره رآه والده أهلا للإمامة في الصلاة، فقدمه إماما للناس في المسجد"3. في هذا الاتجاه يسير أحمد بن حجر بن محمد آل أبو طامي فيقول: "درس على والده الفقه الحنبلي والتفسير والحديث، وكان في صغره مكبا على كتب

_ 1 عنوان المجد جـ1 ص19، 20، 21. 2 محمد بن عبد الوهاب, الطبعة الرابعة - بيروت: منشورات مكتبة العرفان 1392/1972م ص32. 3 الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ: مصر مكتبة عيسى البابي الحلبي جـ1 ص11.

التفسير والحديث والعقائد، فكان يعتني بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، ويكثر من مطالعة كتبهما.. ولما آب الشيخ من رحلته الطويلة وراء العلم والتحصيل لازم أباه واشتغل عليه في علم التفسير والحديث وغيرهما، وعكف على كتب الشيخين؛ شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم رحمهما الله، فزادته تلك الكتب القيمة علما ونوراً وبصيرة، ونفخت فيه روح العزيمة، ورأى الشيخ بثاقب نظره ما بنجد وبالأقطار التي رحل إليها من العقائد الضالة والعادات الفاسدة، فصمم على القيام بالدعوة"1. 3. وممن يذهبون إلى أن لرحلة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى البلاد الحجازية والبصرة دورا كبيرا في دعوته الاصلإحية، وأن احتكاكه بالعلماء السلفيين في مكة المكرمة والمدينة المنورة والبصرة أثر في اتجاهه العلمي؛ إذ أثار فيه نوازع الصلاح الديني والاجتماعي، فعاد إلى بلاده وهو ممتلئ حماسا لإعادة أهل بلاده إلى الدين الإسلامي الصحيح، وكان هذا أحد الآثار المباركة لارتحاله خارج نجد. وممن تبنى هذا الموقف الدكتور عبد الله صالح العثيمين إذ يقول في هذا الصدد: "وبالرغم من أن محمد بن عبد الوهاب كان قد حضر - بدون شك - دروس عدة من العلماء في المسجد النبوي، فإن صلته بالشيخين عبد الله بن سيف ومحمد حياة كانت أوثق من صلته بسواهما من العلماء، وكان لهذين العالمين الجليلين أثر كبير على الشيخ محمد لا بالنسبة لتحصيله العلمي فقط، إنما بالنسبة لاتجاهه الإصلاحي أيضا، وقد أتت صلته بهما في مرحلة من مراحل عمره القابلة للتأثر والتوجيه، وكانت معرفته بابن سيف أسبق من معرفته بالسندي، وإن كان تأثير هذا الأخير عليه أعمق- فيما يبدو- من الأول. وكان ابن سيف عالما بالفقه الحنبلي والحديث الشريف، وقد أجاز محمد بن عبد الوهاب في كل ما حواه ثبت الشيخ عبد الباقي أبي المواهب الحنبلي قراءة وتعلما وتعليما، وكان من المعجبين بالإمام المشهور ابن تيمية، ولا شك أنه شجع تلميذه على قراءة كتب هذا العالم الجليل، وكان أيضا مدركا للحالة التي وصلت إليها الأوضاع في نجد من الناحيتين الدينية والاجتماعية، وكان يرى أن إصلاحها لا يتم إلا بالتعليم.

_ (م) الشيخ محمد بن عبد الوهاب - عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه (مكة المكرمة. مطبعة الحكومة, 1395) ص15، 18.

أما محمد حياة السندي فكان حجة في الحديث وعلومه، وصاحب مؤلفات مشهورة في هذا الحقل، وكان أستاذا لعدد من الطلاب الذين أصبح بعضهم دعاة إصلاح أو شخصيات علمية مشهورة في مناطق إسلامية مختلفة، وكان من المعارضين للتعصب للمذاهب الفقهية، ومن الداعين للاجتهاد في ميدان الشريعة، وبالإضافة إلى ذلك كان من أشد المحاربين للبدع في الدين والأعمال التي قد تؤدي إلى الشرك ... " ويستمر الدكتور العثيمين في تأكيده هذه النقطة فيقول: "وحين اقتنع الشيخ محمد بكفاية المدة التي قضاها متعلما في المدينة، عاد إلى العيينة، ومن الممكن ملاحظة أمور كان لها تأثير في نفسه في أثناء إقامته في المدينة، منها: المناخ التعليمي الذي كان حافزا على الدراسة ومهيئا لمعرفة أنواع من العلوم، ومنها: بدؤه قراءة كتب ابن تيمية المهمة وتتلمذه على محمد حياة السندي المحارب للبدع والتعصب المذهبي والداعي إلى الاجتهاد، وكان ذلك في مرحلة هامة من مراحل تكوينه الفكري"1. والذي يبدو أن هذا التضارب بين الروايات السابقة هو نتيجة الاجتهاد الفردي حول هذه النقطة، دون أن يؤيد أحد من أولئك الكتاب والمؤرخين ما دونه بشيء من التوثيق العلمي التاريخي. إلا أنه من الممكن اعتبار ما كتبه المؤرخ عثمان بن بشر الرواية المعتمدة الموثقة لاعتبارات متعددة أهمها: أنه أقدم المصادر التاريخية وأقربها تاريخا لحياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حتى قيل عن تاريخه بـ "أنه المصدر الوحيد لما وقع في نجد من الحوادث منذ فجر النهضة الإصلاحية وظهور الدعوة السلفية إلى ما قبل وفاة الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله ابن محمد بن سعود بخمس عشرة سنة"2 أي من سنة ألف ومائة وثمان وخمسين من الهجرة إلى سنة ألف ومائتين وسبع وستين، كما أنه اعتنى في سوابقه بذكر حوادث ما قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من منتصف القرن التاسع الهجري إلى نهاية سنة ألف ومائة وست وخمسين من الهجرة3. فهو كتاب متخصص ووثيقة تاريخية صحيحة

_ 1 الشيخ محمد بن عبد الوهاب, حياته وفكره (الرياض: دار العلوم) ص33,34,35. 2 عنوان المجد تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ, جـ1 , ص7. 3 انظر المصدر نفسه جـ1 , ص2.

في تاريخ الدعوة السلفية، ومن ثم ستكون رواية ابن بشر موضع الفحص والدراسة في تعرف الشيخ محمد بن عبد الوهاب على فكر ابن تيمية. لم يرد في رواية ابن بشر في تاريخ نشأة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ما يشير إلى توجيه خاص من أحد ممن تلقى العلم على أيديهم إلى دراسة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وإنما تشير إلى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدافع شخصي ورغبة ذاتية تولدت عنده إلى إعادة الإسلام إلى صفائه ونقائه كما عاشه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان هذا نتيجة انكبابه على كتب التفسير والحديث وكثرة ملازمته لهما وتأمله لمعانيهما، والمقارنة بين ما جاء فيهما من عقيدة وتشريع، وبين ما عليه العمل بين المسلمين من انحراف عن جادة الإسلام عقيدة وتشريعا. وهذا هو الذي تشير إليه عبارة المؤرخ عثمان بن بشر في قوله السابق: ".. وكان رحمه الله في صغره كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث وكلام العلماء في أصل الإسلام، فشرح الله صدره في معرفة التوحيد وتحقيقه ومعرفة نواقضه المضلة عن طريقه.."1 الخ عبارته، وهو في هذا المنحنى والاتجاه يختلف عن الكثيرين من بني جيله وعصره؛ إذ كانت الأهمية القصوى والتركيز الشديد على دراسة الفقه المذهبي وحفظ نصوصه، وبذلك يكون قد فتح الشيخ محمد بن عبد الوهاب لنفسه آفاقا أوسع هيأته بالفعل لدعوته الإصلاحية التي انتدب نفسه لها. وأما تعرفه على فكر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم خاصة، فمن المهم عرض الحقائق التالية بين يدي هذا الموضوع: أولا: إن الصلة بين نجد والشام كانت قوية، حيث كانت الأخيرة بالنسبة لبلاد نجد مركزا تجاريا وعلميا في آن واحد، وكان لهذا أثره العلمي الكبير، فالعدد الكبير من علماء نجد تلقوا علومهم وإجازاتهم من علماء الحنابلة بالشام، "وصار من هؤلاء التلاميذ النجديين علماء كبار كالشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة تلميذ مؤلف الإنصاف الشيخ على ابن سليمان المرداوي، وصاحب جمع الجوامع الشيخ يوسف بن عبد الهادي، ومن العلماء النجديين الذين تلقوا العلم على حنابلة الشام الشيخ أبو نمي ابن راجح تلميذ الشيخ مرعي

_ 1 المصدر نفسه, جـ1 , ص19.

ابن يوسف مؤلف الغاية (غاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى) ، وكذلك الشيخ زامل بن سلطان تلميذ الشيخ موسى الحجاوي مؤلف الإقناع. فأمثال هؤلاء العلماء النجديين الكبار بلغوا في العلم مبلغا كبيرا، وانتهت إليهم الرئاسة العلمية في بلدان نجد، وهم قد اعتنقوا المذهب الحنبلي، فأثروا في أهل بلادهم، فصار جمهور النجديين حنابلة"1. ثانيا: إن ابن تيمية وابن القيم أعلام مشهورون وفقهاء نابهون في المذهب الحنبلي اجتهاداتهم وترجيحاتهم المشهورة، فالتعرف على فكرهم من قبل طالب العلم والتمذهب بالمذهب الحنبلي أمر بديهي وحقيقة ميسورة. ثالثا: إن الاتصال الفكري بين الحنابلة في الشام والحنابلة في نجد قوي ووثيق، إذ كانت مؤلفات الشاميين تصل إلى نجد بصورة مستمرة، وكان لهؤلاء تآليف عن شيخ الإسلام ابن تيمية في اجتهاداته وجهاده للبدع والخرافات، مما جعله رمزا لبطولة العلماء وكفاح المخلصين في وسط الحنابلة أين كانوا، ولعل في (سابقة) التي ذكرها ابن بشر ما يشير إلى هذا المعنى إذ يقول: "وفي سنة ثلاث وثلاثين وألف توفي الشيخ العالم العلامة مرعي بن يوسف الحنبلي المقدسي الأزهري. كانت له اليد الطولى في معرفة الفقه وغيره، صنف مصنفات عديدة في فنون من العلوم.. فمنها دليل الطالب.. وصنف غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى.. وذكر لي شيخنا عثمان بن منصور أنه بيضها مرتين، واحدة أرسلها إلى نجد وواحدة أرسلها إلى الشام، فلهذا نجد في بعض النسخ منها زيادة ونقصانا عن الأخرى.. وصنف مرعي غير ذلك مصنفات كثيرة منها: كتاب بهجة الناظرين في العالم العلوي والسفلي، وصفة الجنة والنار وكتاب المرجان في الناسخ والمنسوخ من القرآن، وكتاب الدرة المضيئة في مناقب ابن تيمية.."2. ونخلص من هذا إلى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد تعرف على فكر ابن تيمية وابن القيم من قبل رحلته إلى الحجاز والشام؛ إذ أن هذين العلمين كانا من أشهر أعلام

_ 1 عبد الله البسام, جـ1 ص19-20. 2 السوابق, ص197,198.

الحنابلة في الوسط العلمي للحنابلة، ولم تكن شهرتهم لدى علماء الحنابلة بنجد بأقل من أي وسط حنبلي آخر. إلا أن انتماء الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودراسته للمذهب الحنبلي سهل له التعرف على فكر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في وقت مبكر جدا أثناء طلبه للعلم في بلاده مسقط رأسه، ووقوفه على جهادهما ما قوى فيه العزيمة للدعوة إلى الإسلام الصحيح عقيدة وشريعة، فرحل إلى ما رحل من أقطار وهو متشبع بفكر الدعوة الإصلاحية التي أصبح يعيشها فكراً، ووطن نفسه للدعوة لها جهرا، وأن احتكاكه بعلماء السلف بمكة المكرمة والمدينة المنورة زاد من حماسه لها وتفانيه في سبيلها. فأعطته دفعة قوية للاستمرار في اتجاهاته الفكرية العقدية والفقهية، وضاعفت من ملازمته وعكوفه على كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، فتشبع بمنهجهما أسلوبا وفكرا، فورث عنهما خصائصهما العلمية واتجاهاتهما المنهجية والنزعة الاجتهادية. يتفق السلف والخلف من فقهاء الحنابلة على وجوب الاجتهاد في من تحققت فيه شروطه يقول القاضي أبو يعلى الفراء من متقدمي الحنابلة في كتابه العدة "مسألة في صفة المفتي في الأحكام الذي يحرم عليه التقليد"، ثم يذكر هذه الصفة بقوله: "الذي يحرم عليه التقليد فيها أن يكون عارفا بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومجمله ومحكمه، وعامه وخاصه، ومطلقه ومقيده، وهو المعرفة بما قصد به بيان الأحكام الحلال والحرام، فأما ما قصد به أخبار الأولين وقصص النبيين والوعد والوعيد فلا حاجة به إليه،.. ويعرف أيضا المتقدم والمتأخر، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفسر، والعام والخاص للمعنى الذي ذكرناه، ويحتاج أن يعرف إجماع أهل الأعصار عصراً بعد عصر؛ لأنه يكون الأصل ما أجمعوا عليه فيرد الفرع إليه، ويحتاج أن يعرف من لغة العرب والإعراب ما يفهم عن الله تعالى وعن رسوله معنى خطابهما، وأن يكون عارفا باستنباط معاني الأصول والطرق الموصلة إليها، ليحكم في الفروع بحكم أصولها، ويكون عارفا بمراتب الأدلة، وما يجب تقديمه منها. فإذا كان بهذه الصفة وجب عليه أن يعمل في الأحكام باجتهاده وحرام عليه تقليد غيره"1.

_ 1 أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد الفرا, العمدة في أصول الفقه. مصور.

ويأتي شيخ الإسلام ابن تيمية ليقرر هذا المبدأ ويؤكده في أكثر من مؤلف فينقل نص القاضي أبي يعلى فيقره لفظا ومضمونا1، ويعرض هذا الموضوع في فتاويه بأسلوبه وطريقته الخاصة فيقول: "نقل عن غير واحد الإجماع أنه لا يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا كان قد اجتهد واستدل وتبين له الحق الذي جاء به الرسول، فهذا لا يجوز له تقليد من قال خلاف ذلك بلا نزاع"2. كما يقرر هذا المبدأ من الحنابلة المتأخرين، أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الفتوحي فيقول: "ويحرم تقليد على مجتهد أداه اجتهاده إلى حكم "3 وهكذا فإن نصوص الحنابلة متواترة على وجوب الاجتهاد ممن استوفى شروطه وتحققت فيه مؤهلاته. وإذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية يدعو المؤهلين من الفقهاء إلى الاجتهاد وتحريم التقليد، فقد مارسه تأسيسا وترجيحا، بل إن اجتهاداته الفقهية معروفة لدى فقهاء المذاهب الأخرى، وترجيحاته في إطار المذهب الحنبلي مشهورة بين فقهائه معلومة لديهم. ولا شك أن الاجتهاد الفقهي إحدى خصائص التفكير الفقهي عند شيخ الإسلام ابن تيمية، والتي كان لها تأثير كبير على فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب. إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يدع الاجتهاد، ولكنه يدعو إليه عندما تختلف الآراء وتتعارض الأقوال، فحينئذ يتوجب الرجوع إلى الكتاب والسنة يستخلص منها الحكم الذي تطمئن إليه نفسه. ففي جوابه عن سؤال وجه إليه بخصوص الروايات المختلفة عن الإمام أحمد أو تعدد الأقوال عن أصحابه واستدلال كل بدليل يقول: "إذا اختلف كلام أحمد وكلام أصحابه فنقول: في محل النزاع التراد إلى الله والرسول

_ 1 المسودة, تحقيق محيي الدين عبد الحميد (مصر: مطبعة المدني) ص514. 2 فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية, جـ19ص262. 3 شرح الكوكب المنير, الطبعة الأولى (مصر: مطبعة السنة المحمدية 1372-1953) ص406.

لا إلى كلام أصحابه، ولا إلى الراجح المرجح من الروايتين والقولين، خطأ قطعا1، وقد يكون صوابا، وقولك: إذا استدل كل منهما بدليل فالأدلة الصحيحة لا تتناقض بل يصدق بعضها بعضا، لكن قد يكون أحدهما أخطأ الدليل لأنه إما استدل بحديث لم يصح، وإما لأنه فهم من كلمة صحيحة مفهوما مخطأ. وبالجملة فمتى رأيت الاختلاف فرده إلى الله والرسول، فإذا تبين لك الحق فاتبعه، فإن لم يتبين واحتجت إلى العمل فقلد من تثق بعلمه ودينه.. "2. والشيخ محمد بن عبد الوهاب وإن لم يؤثر عنه اجتهادات لم يسبق إليها إلا أن منحاه منحى اجتهادي، بمعنى أنه يسلم بالرأي إذا كان يعتمد على استدلال قوي مبني على فهم سليم. وهذا هو الموقف الذي أعلنه ونثره في مؤلفاته ومراسلاته إلى كل من يرغب الوقوف على حقيقة أمره. فمن ذلك كتابه إلى عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الذي جاء فيه: "ولا خلاف بيني وبينكم أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم، وإنما الشأن إذا اختلفوا، هل يجب علي أن أقبل الحق ممن جاء به وأرد المسألة إلى الله والرسول مقتديا بأهل العلم؟ أو أنتحل بعضهم من غير حجة وأزعم أن الصواب في قوله؟ فأنتم على هذا الثاني وهو الذي ذمه الله وسماه شركاً، وهو اتخاذ العلماء أرباباً، وأنا على الأول أدعو إليه وأناظر عليه، فإن كان عندكم حق رجعنا إليه وقبلناه منكم، وإن أردت النظر في أعلام الموقعين فعليك بالمناظرة التي في أثنائه عقدها بين مقلد وصاحب حجة، وإن ألقي في ذهنك أن ابن القيم مبتدع وأن الآيات التي استدل بها ليس هذا معناها فاضرع إلى الله واسأله أن يهديك لما اختلفوا فيه من الحق، وتجرد إلى الله ناظراً أو مناظراً وطلب كلام أهل العلم في زمانه"3 وعلى أساس هذا المبدأ كان اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب وترجيحه لاختيارات شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر الأحيان، وترجيحه لغيرها أحيانا أخرى. على أن ما خلفه من تراث علمي يشير إلى معرفته بعلم أصول الفقه الذي يعتبر

_ 1 هذا هو نص العبارة ولعل ثمة سقط. 2 مؤلفات محمد بن عبد الوهاب, مختصر سيرة الرسول والفتاوى, ص27، 32 - 33. 3 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب, الرسائل الشخصية القسم الخاص, ص254.

شرطا أساسيا في بلوغ درجة الاجتهاد حتى قيل (لا ثقة بفقه لا يعتمد على أصول) ، ومظاهر هذا عنده تتجلى في أمرين اثنين: الأول: مناقشته لأهم المسائل والقواعد الأصولية. الثاني: تلخيصه وعرضه لبعض المسائل الأصولية من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ولا يستطيع الخوض فيها إلا عالم متمرس بمسائله عارف بقوانينه، وفي كلا الحالين لا يمكن أن يقتحم أسوار هذا العلم إلا عالم ذو دراية وممارسة له. ففي مناقشته لنسخ القرآن بالسنة يتعرض لهذا الموضوع من خلال الأمثلة التي يوردها العلماء في هذا الصدد، فيقول: "ثبت أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب وأن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها فقال طائفة هذا نسخ للقرآن، فإن أرادوا النسخ العام الذي هو تقييد المطلق فصحيح، وإن أرادوا النسخ الذي هو رفع الحكم فضعيف، فإنه لم يثبت أن الله أراد بقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 1. تحليل ذلك، فإن قيل هو عام بين الدليل المخصص أن الله لم يرد تلك الصورة كقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} 2 الآية لم يرد به الأمة، وقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 3 لم يرد الحامل ولا التي لم يدخل بها، ولم يثبت أن السنة نسخت القرآن، قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} 4 الآية، فالقرآن لا ينسخه إلا مثله، وقال كثير: السنة خصصت القرآن وهم أكثر وأفضل من أولئك، وقد يقال: السنة فسرت القرآن، ولهذا في حديث معاذ وكلام عمر وابن مسعود وغيرهما أن يحكم بكتاب الله فإن لم يوجد فبسنة رسول الله، فلو كان في السنة ما يقدم على دلالة القرآن لم يكن كذلك بل السنة تفسر المراد منه.. "5. وفي موضوع التعارض والتعادل والترجيح الذي هو ثمرة أصول الفقه ونقطة

_ 1 سورة النساء آية: 24. 2 سورة النور آية: 2. 3 سورة البقرة آية: 228. 4 سورة البقرة آية: 106. 5 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب, ملحق المصنفات, ص75-76.

الارتكاز فيه، يلخص موقف ابن القيم في معضلة من معضلاته بتقرير الفاهم وأسلوب العالم فيقول: "قال ابن القيم في أعلام الموقعين: إذا قال الصحابي قولا فإما أن يخالفه صحابي آخر أو لا، فإن خالفه مثله لم يكن قول أحدهما حجة على الآخر، وإن خالفه أعلم منه كالخلفاء الراشدين أو بعضهم، فهل يكون الشق الذي فيه الخلفاء أو بعضهم حجة على الآخرين؟ فيه قولان للعلماء. هما روايتان عن أحمد، والصحيح أنه أرجح، فإن كان الأربعة في شق فلا شك أنه الصواب، وإن كان أكثرهم في شق، فالصواب فيه أغلب، وإن كانوا اثنين واثنين، فشق أبي بكر وعمر أقرب إلى الصواب، فإن اختلفا، فالصواب مع أبي بكر.."1. وقد استغرق هذا البحث خمسا وثلاثين صفحة، وقدم لإثباته والاستدلال له ستة وأربعين وجها. كما نفذ من هذا البحث إلى بحث الاحتجاج بفتوى التابعي2. النزعة المذهبية: وهذا الجزء من البحث يقودنا إلى التعرف على موقفه من قضيتين هامتين هما: اختلاف المذاهب الفقهية أولا، والتقيد بها ثانيا. والحقيقة المسلمة أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ينتمي إلى أسرة عريقة في المذهب الحنبلي؛ إذ غالب أفرادها من الفقهاء والقضاة الحنابلة، ولكنه يتميز عنها بأنه أضاف إلى حنبليته عنصراً جديداً: هو ما اكتسبه من دراسته وعكوفه على التراث العلمي لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، فأمدته بخصائص فكرية وفقهية خاصة برزت بنتائجها وآثارها على مواقفه من كثير من القضايا الفقهية. وقبل التعرف على موقفه خاصة من تلك القضيتين اللتين كانتا ولا تزالان مثار جدل وخصومة يحسن أن نتعرف قبل ذلك على موقف سلفه أعني شيخ الإسلام ابن تيمية خاصة حتى يتضح مدى عمقها وتأثره بها في نفسه. أما فيما يتصل بالقضية الأولى: اختلاف المذاهب الفقهية فقد ألف ابن تيمية كتاب

_ 1 المصدر نفسه القسم الثاني (الفقه) , جـ2 ص5. 2 المصدر نفسه, القسم الثاني (الفقه) , جـ2 ص35.

(رفع الملام عن الأئمة الأعلام) ، وهذا الكتاب بهذا العنوان يعتبر فريدا في صياغته فريدا في موضوعه، فلئن شاركته كتب أخرى موضوعا إلا أنه مؤلف أساسا وبالذات للدفاع عن الأئمة، وعرض الأسباب التي أدت إلى اختلافهم، ليلتمس لدى القارئ والدارس الأعذار عما قد تحدثه نفسه من إدانتهم في التفرق والاختلاف، وفي نفس الوقت يعرفنا قدر هؤلاء الأئمة والجهد المخلص الذي بذلوه في فهم الكتاب والسنة، وأقتبس هنا جزءا من مقدمة هذا الكتاب لندرك مدى إنصاف ابن تيمية للأئمة الفقهاء وتقديره للتراث العلمي الذي تركوه، فيقول: "وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عن الأمة قبولا عاما، يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته دقيق ولا جليل. فإنهم متفقون اتفاقا يقينيا على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد أن يكون له من عذر في تركه، وجميع الأعذار ثلاثة أصناف: أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول. والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ.1. وهذا اعتراف بفضل الأئمة وإنصاف لهم وتقدير لجهودهم العلمية، وهو أقصى المطلوب، ومن ثم فلم يؤثر عن الإمام ابن تيمية قول أو تأليف يمس جانب الأئمة أو يعرض بهم، بل إنه عند الاختلاف يناقش الدليل مناقشة علمية هادئة. ويؤكد ابن تيمية هذا المبدأ في مؤلفاته وكتاباته في أكثر من موضع من هذا قوله: "وقد اتفق الصحابة على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم في مسائل تنازعوا فيها كمسائل في العبادات، والمناكح، والمواريث، والعطاء، والسياسة وغير ذلك.. وهم الأئمة الذين ثبت بالنصوص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة، ودل

_ 1 رفع الملام عن الأعلام بنهاية الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. الطبعة الأولى, جـ12-ص299- 300.

الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم، وتنازعوا في مسائل علمية اعتقادية كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل الموت مع بقاء الجماعة والألفة.. ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ. فالمذاهب والطرائق والسياسات للعلماء والمشايخ والأمراء إذا قصدوا بها وجه الله تعالى دون الأهواء ليكونوا مستمسكين بالملة والدين الجامع الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم من الكتاب والسنة بحسب الإمكان بعد الاجتهاد التام هي لهم من بعض الوجوه بمنزلة الشرع والمناهج للأنبياء على عبادتهم الله وحده لا شريك له، ويثابون على طاعة الله ورسوله فيما تمسكوا به من شرعة رسوله ومنهاجه، كما يثاب كل نبي على طاعة الله في شرعه ومنهاجه. ثم يتحدث في عبارة واضحة عن الموقف الذي يجب أن يتخذه المسلم بالنسبة للأئمة ومذاهبهم فيقول: "فمن ذمهم ولامهم على ما لم يؤاخذهم الله عليه فقد اعتدى، ومن أراد أن يجعل أقوالهم وأفعالهم بمنزلة قوق المعصوم وفعله وينتصر لها بغير هدى فقد اعتدى واتبع هواه بغير هدى من الله، ومن فعل ما أمر به بحسب حاله من اجتهاد يقدر عليه أو تقليد إذا لم يقدر على الاجتهاد وسلك في تقليده مسلك العدل فهو مقتصد؛ إذ الأمر مشروط بالقدرة {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} 1 2. ولقد جاء موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب متطابقا مع موقف شيخه ابن تيمية في هذه القضية، مقدرا لجهود الأئمة الفقهاء، ومعتزا بانتسابه إليهم وانتمائه إلى جمهورهم. هذا ما أعلنه صراحة وأعرض هنا له بعض هذه المواقف التي تكشف عن هذا الجانب في تفكيره. في ختام إجابته على عبد العزيز الحصين عن مسائل شرعية يقول: "فينبغي للمؤمن أن يجعل همه ومقصده معرفة أمر الله ورسوله في مسائل الخلاف

_ 1 سورة البقرة آية: 286. 2 مجموعة فتاوى ابن تيمية، جـ19 , ص122.

والعمل بذلك، ويحترم أهل العلم ويوقرهم ولو أخطأوا، ولكن لا يتخذهم أربابا من دون الله، هذا طريق المنعم عليهم، أما اطراح كلامهم وعدم توقيرهم فهو طريق المغضوب عليهم..) 1. كما جاء في افتتاحية خطابه إلى علماء مكة: "إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام، نصر الله بهم سيد الأنام وتابعي الأئمة الأعلام ... " إلى أن يقول: " وأنا أخبركم بما نحن عليه خبرا لا أستطيع أن أكذب بسبب أن مثلكم لا يروج عليه الكذب على أناس متظاهرين بمذهبهم عند الخاص والعام، فنحن ولله الحمد متبعون غير مبتدعين على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وحتى من البهتان الذي أشاع الأعداء أنى ادعى الاجتهاد ولا أتبع الأئمة، فإن بان لكم أن هدم البناء على القبور، والأمر بترك دعوة الصالحين لما أظهرناه، وتعلمون أعزكم الله أن المطاع في كثير من البلدان لو تبين بالعمل بهاتين المسألتين أنها تكبر على العامة الذين درجوا هم وإياهم على ضد ذلك، فإن كان الأمر كذلك فهذه كتب الحنابلة عندكم بمكة مثل (الإقناع) و (غاية المنتهى) و (الإنصاف) التي عليها اعتماد المتأخرين وهو عند الحنابلة (كالتحفة) و (النهاية) عند الشافعية، وهم ذكروا في باب الجنايز هدم البنا على القبور ... وبعضهم يحكي الإجماع على ذلك، فإن كانت المسألة إجماعا فلا كلام، وإن كانت مسألة اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، فمن عمل بمذهبه في محل ولايته لا ينكر عليه ... "2. وفي رسالة له إلى أحمد بن محمد العديلي البكبكي، صاحب اليمن جاء في افتتاحيته قوله: " سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: لفانا (وافانا) كتابكم وسر الخاطر بما ذكرتم فيه من سؤالكم، وما بلغنا على البعد من أخباركم وسؤالكم عما نحن عليه وما دعونا الناس إليه، فأردنا أن نكشف عنكم الشبهة بالتفصيل ونوضح لكم القول الراجح بالدليل، ونسأل الله أن يسلك بنا وبكم أحسن منهج وسبيل ... " إلى أن يقول:

_ 1 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب, القسم الثالث, مختصر سيرة الرسول والفتاوى, (فتاوى ومسائل) , ص97. 2 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب. القسم الخامس, الرسائل الشخصية ص40.

"وأما ما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس، وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى.."1. كما بعث إلى إسماعيل الجراعي باليمن خطابا يوضح فيه موقفه من كتب المتأخرين فيقول: "وأما المتأخرون رحمهم الله فكتبهم عندنا، فنعمل بما وافق النص منها وما لا يوافق النص لا نعمل به". وفي كتابه إلى عبد الله بن عبد الله الصنعاني يقول: "وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل، إمام أهل السنة. ولا ننكر على أهل المذاهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها..2. ولقد دلل الشيخ محمد بن عبد الوهاب على هذا عمليا بمؤلفاته الفقهية التي تنتمي معنى ومضمونا إلى المذهب الحنبلي. وينفرد المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر3 برواية تحمل الكثير من الدلالات للباحث في هذا الصدد، فقد جاء في معرض الحديث عن مؤلفاته العلمية قوله: "واختصر من الشرح الكبير والإنصاف مجلدا لبيان الخلاف، وأمر بالقراءة فيه، فلما سمع بذلك المنتسبون للعلم من أهل نجد كذبوا عليه أنه طعن في كتب المذهب كالإقناع والمنتهى التي على قول واحد، فأخذ من شرح الإقناع نبذة في أحكام الصلاة والزكاة والصيام من باب آداب المشي إلى الصلاة إلى باب ما يفسد الصوم، وأمر بالقراءة فيها

_ 1المصدر نفسه. 2المصدر نفسه, ص107. 3هو الشيخ عثمان بن عبد الله بن عثمان بن أحمد بن بشر النجدي الحنبلي, ولد في بلدة جلاجل من بلدان سدير بنجد سنة 1210, وتوفي بها سنة 1290هـ. صنف مؤلفات عديدة هي: سهيل في ذكر الخيل, الإشارة في منازل السبع السيارة, بغية الحاسب, الخصائص ومبدأ النقائص في الطفيليين, والثقلاء، وفهرس طبقات الحنابلة لابن رجب على حروف المعجم, وكتاب عنوان المجد في تاريخ نجد. انظر ترجمته للشيخ عبد الرحمن ابن عبد اللطيف آل الشيخ في تصديره لكتاب بعنوان المجد في تاريخ نجد، ص11 طبعة وزارة المعارف السعودية عام 1391هـ.

وتعليم العامة ما يلزمهم معرفته من أحكام صلاتهم وصيامهم وتكذيبا لأولئك فيما قالوه ... "1. ومن جملة هذه الوثائق والمواقف تتحدد مبادئ الشيخ محمد بن عبد الوهاب نحو المذهبية واختلاف الفقهاء في العبارات التالية:- أولا: اتباعه لمذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيباني. ثانيا: اعتبار اجتهادات الفقهاء المتقدمين منهم والمتأخرين ما لم تخرج عن آفاق الكتاب والسنة. ثالثا: إذا تعارضت أقوالهم وتباينت أحكامهم فالمرجع في ذلك هو الكتاب والسنة. ونستطيع في عبارة موجزة أن نطلق على هذا الموقف المعتدل المنصف بأنه (الاجتهاد في التقليد) . وهذه المبادئ والأسس أخذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب بها نفسه في فتاواه ومؤلفاته. ومن النماذج الكثيرة المتعددة التي تبين التزامه هذه الأسس والمبادئ سؤاله عن العروض وإجزائها في الزكاة إذا أخرجت بقيمتها. والمسألة الثانية عن صحة المضاربة بها في الشركة. وفي الجواب عن هاتين المسألتين يقول: "فأما المسألة الأولى ففيها روايتان عن أحمد، إحداهما: المنع؛ لقوله: "في كل أربعين شاة شاة"، و "في مائتي درهم خمسة دراهم" وأشباهه. والثانية: يجوز قال أبو داود: سئل أحمد عن رجل باع ثمر نخلة فقال: عشره على الذي باعه فهل يخرج تمراً أو ثمنه؟ قال: إن شاء أخرج تمرا وإن شاء أخرج من الثمن. وإذا أثبت هذا فقد قال بكل من الروايتين جماعة وصار نزاع فيها فوجب ردها إلى الله ورسوله، قال البخاري في صحيحه في أبواب الزكاة (باب العروض في الزكاة) وقيل طاوس قال معاذ لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خبيص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وقال

_ 1 المصدر نفسه, ص116.

صلى الله عليه وسلم: "وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله" ثم ذكر في الباب أدلة غير هذا فصار الصحيح أنه يجوز. واستدلال من منعه بقوله: في كل أربعين شاة شاة وأمثاله لا يدل على ما أرادوا؛ لأن المراد هو المقصود وقد حصل كما أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر المستجمر بثلاثة أحجار - بل نهى أن ينقص عن ثلاثة أحجار - لم يجمدوا على مجرد اللفظ بل قالوا: إذا استجمر بحجر واحد له ثلاث شعب أجزأه. ولهذا نظائر أنه يؤمر بالشيء فإذا جاء مثله أو أبلغ منه جاز. وأما المسألة الثانية: فعن أحمد أن المضاربة لا تصح بالعروض، واختاره جماعة ولم يذكروا على ذلك حجة شرعية نعلمها، وعن أحمد أنه يجوز، وتجعل قيمة العروض وقت العقد رأس المال، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن المضاربة بالمتاع فقال جائز، واختاره جماعة، وهو الصحيح؛ لأن القاعدة في المعاملات أن لا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله لقوله: "وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها" 1. الأمثلة على هذا الاتجاه الفكري واضحة في مؤلفاته وفتاواه، وهو يعطي معنى الاعتزاز بالتراث الفقهي مع المحافظة على الاستقلال الفكري والشخصية العلمية. النزعة الانتخابية: يأتي انسجاما مع المبادئ والمواقف السابقة ظاهرة فكرية أخرى في التفكير الفقهي لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ذلك هو انتخاب الآراء واختيار الأقوال حسب الأصول والأسس السابقة التي اتخذ منها ميزانا ومقياسا للترجيح، ليس هذا فحسب بل إنها واضحة أيضا في مؤلفاته عامة والفقهية خاصة، ولن يكون أقل إثباتا على هذا الاتجاه اختياره لشخصية شيخ الإسلام تقي الدين، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية مثلا محتذى به، وعنوانا يعتز به من بين أمثلة كثيرة من علماء السلف الصالح. أما انتخابه لقول من الأقوال وترجيحه له ولو خالف المذهب الحنبلي فهو ما توفرت عليه مؤلفاته الفقهية وفتاواه.

_ 1 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب, القسم الثالث, مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والفتاوى, ص94.

على أنه من الجلي الواضح في هذا الصدد ميله الكبير إلى اختيارات شيخ الإسلام تقي الدين، أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، ولم يمنعه إنصافه في كثير من الأحيان اختياره لآراء أخرى سواء في إطار المذهب الحنبلي أو المذاهب الأخرى، من ذلك اختياره تقديم بينة الداخل إذا تداعى خصمان والكل معه بينة في قوله: "إذا تداعيا عينا والكل معه بينة قدمت بينة الداخل لقول أهل المدينة"1. وفي السؤال عن جواز إخراج الجدد في الزكاة يجيب بقوله: "فهذه المسألة أنواع، أما إخراجها عن جدد مثلها فقد صرحوا بجوازه فقالوا: إذا زادت القيمة بالغش، أخرج ربع العشر مما قيمته كقيمته، وأما إخراج المغشوش عن الخالص مع تساوي القيمة كما ذكر في السؤال، فهذه هي التي ذكر بعض المتأخرين المنع منها، وبعضهم يجيز ذلك، وهو الصحيح، بدليل ما تقدم في إخراج القيمة أنه مجزئ فإن إخراج المغشوش يجيزه من لا يجيز القيمة، بل قال الشيخ تقي الدين، نصاب الأثمان هو المتعارف في كل زمن من خالص ومغشوش وصغير وكبير.."2. وغير هذا كثير منثور في كتبه الفقهية وفتاواه. أما في مجال التأليف فإن السمة البارزة لنشاطاته في هذا المجال أنه عمد إلى مؤلفات هامة في موضوعها ذات اهتمامات خاصة في فروع علمية متعددة، لخصها وبسطها للقارئ لتكون سهلة التناول قريبة الفهم، ويهمنا هنا من هذه المؤلفات ما يقع في إطار الدراسات الفقهية. وقع اختياره على تلخيص كتابين من أهم كتب المذهب الحنبلي هما كتاب "الشرح الكبير " من تأليف شمس الدين، أبي الفرج، عبد الرحمن ابن أبي عمر بن قدامة المقدسي، المتوفى سنة 682، وكتاب "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" الأول منها مدونة واسعة في الفقه الحنبلي، يعني مؤلفه إلى ذكر اختلاف الآراء مع سرد الدليل لكل قول، والآخر يعرض لآراء الفقهاء الحنابلة عموما في المسائل التي بحثها. ويلاحظ بشكل ملموس أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب أعطى اهتماما خاصا لآراء

_ 1 المصدر نفسه, ص128. 2 المصدر نفسه, ص96.

شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الكتاب، إذ عرضها بشكل بارز مميز دون غيرها، واختارها بالتدوين عن بقية الآراء تجسيدا لتقديره وقناعته بآرائه. كما تجلت نزعته الانتخابية بشكل بارز ودقيق في تلخيصه لموضوع أصولي هام وهو حجية قول الصحابي من كتاب أعلام الموقعين، وسنعرض بالدراسة والتحليل لهذين الكتابين في دراسة مؤلفاته الفقهية إن شاء الله. وكل هذه الاتجاهات والأعمال تدل بوضوح على عمق وأصالة هذه النزعة فيه. المرونة الفقهية: الفقه الإسلامي في حد ذاته نظام تشريعي كامل، يفترض سلوكا وتصرفات معينة وفق فلسفة تشريعية خاصة، وهو من قبل الأفراد التزام المسلم المكلف بسلوك وتصرف خاضع لأحكام الإباحة أو التحريم، أو الوجوب أو الندب أو الكراهة، وهذا هو مجال تباين الآراء، واختلاف الفقهاء. ومن ثم يقاس تفاوت أحكامهم وتباين آرائهم بما يتناسب والرؤية الاجتماعية لها يسرا وسهولة أو عنتا وصعوبة، فيحكم عليها بالمرونة أو التشدد. وقد لازم كلمة (فقه) و (فقيه) في العصور المتأخرة في أذهان العامة معنى التشدد والتزمت، كما أن كلمة (حنبلي) و (حنابلة) مفهوم التعصب والتزمت الديني في كامل معناه. وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب كما هو فقيه فهو ينتمي إلى المذهب الحنبلي دما وفكرا ونضالا، وهي صفات تضفي على شخصيته كثيرا في تلك الظلال والانطباعات. وإذا جاز أن ينطبق مثل هذا القول على العامة، فإنه لا يمكن أن يجد سبيله إلى أذهان المتعلمين والدارسين، فالدراسات العلمية كشفت عن مرونة فقهية تشريعية عند الحنابلة وبين علمائهم ما عز نظيرها عند غيرهم في المذاهب الأخرى. جاء في كتاب (مصادر الحق في الفقه الإسلامي) العنوان التالي: "المذهب الحنبلي أبعد المذاهب تطورا في تصحيح الشروط" ثم يستطرد بعد ذلك قائلا: "ولعل أبعد تطور للفقه الإسلامي في مسألة اقتران الشرط بالعقد كان في مذهب

الإمام أحمد بن حنبل لاسيما إذا استكملنا هذا المذهب بما أضافه إليه ابن تيمية، وهو من أكبر فقهائه. فالمذهب الحنبلي كالمذهب المالكي تخطى مبدأ وحدة الصفقة، ولم يتقيد بهذا المبدأ كما تقيد به المذهبان الحنفي والشافعي، ومن ثم استطاع أن يسير أشواطا بعيدة في هذا التطور. والحنابلة كالمالكية، الأصل عندهم في الشرط أن يكون صحيحا ويصح معه العقد، بل هم يسيرون في هذا الأصل إلى مدى أبعد من المالكية في تصحيح الشروط.. أما الجمع بين شرطين في العقد فممنوع في مذهب أحمد ... والشرطان المنهي عنهما الشرطان اللذان فيهما منفعة لأحد المتعاقدين دون أن يقتضيهما العقد أو يلائماه، بقول ابن تيمية: إن الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل على تحريمه نص أو قياس عند من يقول به.."1. إلى أن يقول: "ونرى من ذلك أن ابن تيمية لا يجعل الشرط فاسدا إلا إذا كان منافيا للمقصود من العقد، وهذا طبيعي، وإلا إذا كان مناقضا لشرع فيحل حراما، وهذا أشبه في الفقه الغربي بالشرط الذي يخالف القانون، أو النظام العام، ولم يعرض ابن تيمية لتحريم اجتماع الشرطين ولا لتحريم اجتماع البيعتين في بيعة أو اجتماع البيع والسلف ومن ثم يكون تطور الفقه الإسلامي في تصحيح الشروط قد وصل على يد ابن تيمية إلى غاية تقرب مما وصل إليه الفقه الغربي الحديث"2. والشيخ محمد بن عبد الوهاب ورث خصائص هذه المدرسة في قمه تطورها فكرا والمتمثلة في تفكير شيخ الإسلام ابن تيمية. وتبدو مظاهر المرونة الفقهية واضحة عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جانبين رئيسيين: الأول: موقفه من آراء مخالفيه في الفروع. الثاني: مسائل الأحكام والفتاوى.

_ 1 عبد الرزاق السنهوري, مصادر الحق في الفقه الإسلامي, الطبعة الثالثة (جامعة الدول العربية: معهد البحوث والدراسات العربية 1967 , ج3 , ص161,166. 2 المصدر نفسه, جـ3, ص172.

أما الجانب الأول فموقفه من مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها وجه الصواب أنه لا يجوز الإنكار على المخالف أو الاعتراض عليه، وهذا النوع من الاختلاف هو الذي يمكن أن ينطبق عليه الحديث "اختلاف أمتي رحمة" وعلى العكس من ذلك- ما تبين فيه وجه الصواب. ففي جوابه عن قولهم "لا إنكار في مسائل الاجتهاد ولا على من قلد مجتهدا حيا أو ميتا؟ يقول: فإن أراد القائل مسائل الخلاف فهذا باطل يخالف إجماع الأمة، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف وأخطأ كائنا من كان ولو كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه، فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ ينبه على خطئه وينكر عليه، وإن أريد بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب، فهذا كلام صحيح لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفا لمذهبه أو لعادة الناس، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم لا يجوز أن ينكر إلا بعلم، وهذا كله داخل في قوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} 1. إلى أن يقول: (فإذا رأيتم من يعمل ببعض هذه الأقوال المذكورة بالمنع2 مع كونه قد اتقى الله ما استطاع لم يحل لأحد الإنكار عليه اللهم إلا أن يتبين الحق فلا يحل لأحد أن يتركه لقول أحد من الناس، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلفون في بعض المسائل من غير نكير ما لم يتبين النص. فينبغي للمؤمن أن يجعل همه وقصده معرفة أمر الله ورسوله في مسائل الخلاف، والعمل بذلك، ويحترم أهل العلم ويوقرهم ولو أخطئوا، لكن لا يتخذهم أربابا من دون الله، هذا طريق المنعم عليهم، وأما اطراح كلامهم وعدم توقيرهم فهو طريق المغضوب عليهم واتخاذهم أربابا من دون الله، وإذا قيل: قال الله قال رسوله قال: هم أعلم منا بهذا هو طريق الضالين"3.

_ 1 سورة الإسراء آية: 36. 2 لعل هذه الكلمة (بالمنع) لا معنى لها هنا, وهذا واضح من سياق الكلام. 3 المصدر نفسه جـ2 , ص4.

أما الجانب الثاني: فلعل الأهم من سرد مسائل جزئية الاستدلال بالقواعد الأصولية الاستنباطية التي قررها وأكدها والتي تدخل تحتها فروع ومسائل لا حصر لها، ففي رسالته المعنونة بـ "أربع قواعد تدور عليها الأحكام" يقرر في القاعدة الثانية ما نصه: "القاعدة الثانية: أن كل شيء سكت عنه الشارع فهو عفو لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه، أو يستحبه أو يكرهه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} 1 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" 2. وهو في هذا الاتجاه في تأسيس الأحكام يقتفي آثار كبار فقهاء المسلمين أمثال ابن تيمية والشاطبي وغيرهم من الأئمة الذين أثبتوا أفقا واسعا في تفكيرهم الفقهي، فالحكم هو العفو فيما سكت عنه الشارع، فسكوته ليس نسيانا وإنما هو منفذ رحمة وعطف من الله جل وعلا، وبعد تقرير الشيخ للقواعد الأربع التي بدأها أولا بتحريم القول على الله بلا علم. وثانيا: بأن ما سكت عنه الشارع فهو عفو، وثالثا: التمسك بالدليل الواضح والانصراف عن المتشابه، ورابعا: أن بين الحلال والحرام أمور متشابهة يقدم عليها أمثلة فقهية ويدلل على صحتها بمسائل يقول في نهايتها: "وهذه القواعد تدخل في جميع أنواع العلوم الدينية عامة وفي علم الفقه من كتاب الطهارة إلى باب الإقرار خاصة"3. وفي المسألة السابقة صحة المضاربة بالعروض، يعلل لها بقوله: "لأن القاعدة في المعاملات أن لا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله" لقوله: (وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها) . وهذا الاتجاه الفقهي المرن يغطي كل مسائل المعاملات من هذا النمط، كما تتجلى هذه المرونة بأوضح صورها في تبنيه واختياره لآراء ابن تيمية الذي أبدى مرونة فقهية منقطعة النظير في مجال العقود بالذات.

_ 1 سورة المائدة آية: 101. 2 المصدر نفسه, ص3,4,5,10. 3 المصدر نفسه, مختصر سيرة الرسول والفتاوى ص94.

وكل هذه الحقائق تثبت أن (الحنبلية الفقهية) عنوان المرونة ومظهر مشرف على اتساع الأفق الفقهي وتطوره. هذه جملة من أبرز خصائص التفكير لمدرسة شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الفقهية، وهي تبدو منسجمة متوافقة، ففيها المذهبية المعتدلة وفيها الإنصاف والتقدير الكامل لتراث السلف في غير ما إفراط أو تفريط وهي المدرسة التي أعجب بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وانصهر في بوتقتها، وكان لها أكبر الأثر على أعماله الفكرية، وهو ما نحاول تبيينه في الدراسة التالية. مؤلفاته الفقهية: "مختصر الإنصاف والشرح الكبير": يعتبر هذا الكتاب أكبر مؤلف بين مؤلفاته الفقهية، وهو يستدعي وقفة خاصة ودراسة موضوعية لاستخراج بعض الحقائق التي تهمنا في موضوع هذا البحث. إن النسخة المطبوعة التي قامت جامعة الإمام محمد بن سعود بضمها إلى مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، جاءت خلوا من مقدمة الكتاب أو خطبة الكتاب، وهي التي عادة ما يوضح فيها المؤلف الباعث على تأليفه، والمنهج الذي يسير عليه والتعريف بالمصطلحات المدونة في ثناياه. اعتمد المحققون في طبع هذه النسخة على نسختين، نسخة مطبوعة بالمطبعة السلفية بمصر، وأخرى مخطوطة بالمكتبة السعودية بالرياض برقم 465/86. وبخلو هذا الكتاب عن جزء هام فيه يترك المجال مفتوحا للباحثين لتلمس أهداف وتبين منهج المؤلف استنتاجا أو استقراء، وقد أثبت المحققون لهذا الكتاب العبارة التي وجدوها مدونة على غلاف النسخة المخطوطة بالمكتبة السعودية وهي كالتالي: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا منقول من الشرح الكبير والإنصاف أول كل باب من الشرح وآخر كل باب من الإنصاف ... "1. ويذكر المحققون في مقدمة الكتاب أن مؤلفات الشيخ رحمه الله على قسمين: منها ما ألفه ابتداء، ومنها ما اختصره من أصوله المطولة لتيسير الانتفاع به، وقد اتجهت الرغبة منه- رحمه الله- إلى اختصار كتابين من أشهر وأوسع ما صنفت في الفقه الحنبلي لما رأى

_ 1 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب القسم الثاني (الفقه) جـ1 ,ص5.

في زمنه من الحاجة لذلك هذا الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ومؤلفه الفقيه علاء الدين علي بن سلمان المرداوي الحنبلي (817- 885 هـ) . والثاني: الشرح الكبير، ومؤلفه شمس الدين، أبو الفرج، عبد الرحمن ابن أبي عمر بن قدامة، المقدسي (597- 682 هـ) . وتم ما أراده رحمه الله بمختصر لطيف بدأ كل باب منه بما اختاره من الشرح وختمه بما استدركه من الإنصاف1. إن هذين الكتابين يمثل كل واحد منهما مرحلة معينة في تطور المذهب الحنبلي حتى وصل إلى ما وصل إليه عند المتأخرين. أما كتاب الشرح الكبير فهو شرح لكتاب المقنع، من تأليف موفق الدين أبي عبد الله محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة (541- 620 هـ) . وقد ذكر المؤلف في مقدمته بأنه اعتمد في جمعه على كتاب المغني من تأليف موفق الدين ابن قدامة السابق، وزاد فيه من غيره ما لم يجده فيه من الفروع والروايات، ولم يترك من كتاب المغني إلا شيئا يسيرا. والمعروف أن كتاب المغني كتاب حجة واستدلال، وهو موسوعة في أقوال أئمة السلف وعلماء الأمصار أصحاب المذاهب المختلفة ومسائل الإجماع، نحا فيه مؤلفه منحى المجتهدين في اتباع الدليل، فمن ثم جاء بكتاب الشرح صورة كاملة لكافة ملامح ومميزات كتاب المغني، وسلك في معالجة المسائل والبحوث الفقهية مسلك عمه الموفق في كتاب المغنى، فهو يذكر المسألة من المقنع فيجعلها كالترجمة، ثم يذكر مذهب الموافق فيها والمخالف لها ويذكر ما لكل من دليله ثم يستدل ويعلل للمختار، ويزيف دليل المخالف، فمسلكه مسلك الاجتهاد إلا أنه اجتهاد مقيد في مذهب أحمد"2. وهو معدود في طبقة المتوسطين من الحنابلة. أما كتاب الإنصاف لأبي سليمان المرداوي فهو أيضا شرح لكتاب المقنع، ضم بين دفتيه كل ما قيل في المذهب الحنبلي من أقوال ووجوه وروايات، ثم بين فيه الصحيح من المذهب والراجح من الأقوال دون التعرض للدليل، وقد بين في مقدمة الكتاب المصادر الفقهية التي اعتمدها والمنهج الذي سلكه في الترجيح بشكل مفصل مفيد. ومما جاء في هذا قوله:

_ 1 المصدر نفسه, جـ1 , ص4. 2 عبد القادر بن بدران, المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (مصر إدارة الطباعة المنيرية) ص222.

"إن طريقتي في هذا الكتاب النقل عن الإمام أحمد والأصحاب، أعزو إلى كل كتاب ما نقلت منه وأضيف إلى كل عالم ما أروي عنه، فإن كان المذهب ظاهرا أو مشهورا، أو قد اختاره جمهور الأصحاب وجعلوه منصورا، فهذا لا إشكال فيه، وإن كان بعض الأصحاب يدعي خلافه.."1. ويتحدث ابن بدران عن خصائص هذا الكتاب بقوله: "وطريقته فيه أنه يذكر في المسألة أقوال الأصحاب، ثم يجعل المختار ما قاله الأكثر منهم، سلك في ذلك مسلك قاضي عجلون في تصحيحه لمنهاج النووي وغيره من كتب التصحيح، فسار كتابه مغنيا للمقلد عن سائر كتب المذهب.."2 وهو معدود في طبقة المتأخرين. ومن طبيعة الكتابين يتضح أن الأول يهتم بالاختلاف وتعدد الروايات في دائرة الفقه الإسلامي عامة، وينتهي بالاختيار والترجيح، وهو مسلك اجتهادي واسع، يفتح للقارئ مجالات وآفاقا متعددة من التفكير وكسر القيود الفكرية المذهبية، وهو المرتبة الأعلى في التفكير الإسلامي ومطمح كل فقيه لم ينلها مع الاعتراف على مدى الأجيال والعصور الإسلامية إلا عدد محدود، بينما يهتم الكتاب الثاني (الإنصاف) بعرض الروايات والأقوال المتعددة في نطاق المذهب الحنبلي حتى آخر مراحل تطوره، والترجيح بينها، وهذا لا يتيح للباحث تلك الآفاق وإنما يفتح له مجالات التفكير في حدود محصورة تأخذ بيده في النهاية إلى درجة الاجتهاد المذهبي. فكلا الكتابين يؤهلان الباحث الطموح في النهاية إلى الخروج عن ربقة التقليد المحض إلى آفاق الاجتهاد المحدود واللامحدود. ومن هنا نستطيع أن نستخلص هدف الشيخ محمد بن عبد الوهاب من تأليفه لهذا الكتاب، ذلك هو فتح مجال للتفكير الفقهي المنطلق بين تلاميذه حتى تتسع صدورهم لمذاهب غيرهم فيجنبهم هذه العصبيات المذهبية، وهي وسيلة مجدية مثمرة في التخفيف من غلوائها في عصور سيطرت فيها على تفكير العالم الإسلامي فأثرت على علاقاتهم العلمية والاجتماعية والسياسية فكان لها أسوأ الآثار. منهجه وأسلوبه: عنون كتابه هذا بـ (مختصر الإنصاف والشرح الكبير) ، والاختصار تقريب الشيء

_ 1 أبو سليمان علاء الدين المرداوي, الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف الطبعة الأولى 1974 جـ1 , ص16. 2 ابن بدران, ص222.

ويكون بتقليل المسائل وحذف بعضها أو بتقليل الألفاظ مع تأدية المعنى كاملا كما يكون أحيانا بكلتا الطريقتين معا تقليل المسائل والألفاظ مع استكمال المعنى. يقول موفق الدين ابن قدامة: "وفائدة الاختصار التقريب والتسهيل على من أراد تعلمه وحفظه فإن الكلام يختصر ليحفظ"1. وتصرف الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الشرح الكبير بتقليل العبارات وحذف التعليلات، والأدلة أحيانا، والاستغناء بالبعض منها أحيانا كثيرة، وحذف بعض الأقوال، أما المسائل والموضوعات الفقهية التي وردت بعنوان مستقل في الشرح الكبير فإنه لم يتصرف فيها بالحذف، بل أوردها مدمجة مع بعضها البعض دون تمييز بينها في التبويب، الأمر الذي خالف به صنيع مؤلف كتاب الشرح الكبير (الأصل) . والأسلوب الذي اتبعه في اختصاره أسلوب محكم متماسك لا يشعر القارئ فيه بفجوة أو بتر للأفكار والمعاني. وبنظرة فاحصة على المسائل التي تذكر في نهاية الأبواب الفقهية المعنونة بخط بارز في هذه العبارة "ومن هنا إلى آخر الباب من الإنصاف" فليست في الحقيقة اختصارا من هذا الكتاب (الإنصاف) بالمعنى الدقيق المعروف والذي سبق بيانه، فالباحث يدرك من تتبعه لها ومقابلتها مع ما في الإنصاف أنها مسائل مختارة من مواضيع مختلفة من كل باب جرى عرضه، يربط بينها أمران موضوع الباب واختيارات الشيخ تقي الدين ابن تيمية، بالإضافة إلى أنه لم ينقل من الإنصات شيئا في أربعة وعشرين بابا فقهيا، تتبين من الرجوع إلى الكتاب نفسه. وإن هذه الأمور مجتمعة ترجح أن يكون مقصود المؤلف بهذه العنونة "ومن هنا إلى آخر الباب من الإنصاف" هو مجرد الإشارة إلى مصدر المسائل المدونة تحتها لا غير، وإذا جاء عنوان الكتاب بـ "مختصر الإنصاف والشرح الكبير" فهو من قبيل التغليب. وإلا فما جاء نقله من الإنصاف هو بالأصالة تجميع لاختيارات شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في موضوعات فقهية خاصة من كتاب الإنصاف تشير إلى الجانب الاجتهادي في شخصيته العلمية.

_ 1 المغني, المدينة المنورة، منشورات المكتبة السلفية جـ1 , ص4 تصوير.

وهذا يدل على منتهى الإقناع والإخلاص والتقدير من الشيخ محمد بن عبد الوهاب لآراء شيخ الإسلام ابن تيمية، يسلك نفس هذا المنهج ويتخذ مثل هذا الموقف بالنسبة لآراء ابن تيمية في كتابه (كتاب الطهارة) ؛ إذ كثيرا ما ينوه عن اختياراته دون تجاوز. وإذا كان قد نقم عليه خصومه ووجدوا لهم طريقا في الطعن عليه بادعائه الاجتهاد ونبذ المذاهب متمثلا هذا في تأليفه المختصر والإنصاف وغيره من المؤلفات الفقهية، فلأنها تحمل آراء شيخ الإسلام ابن تيمية واختياراته وللاعتبار الخاص الذي ميزه به دون باقي الفقهاء مما أثار حفائظهم عليه. وكان رد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب كما جاء في رواية المؤرخ ابن بشر تأليفه (كتاب آداب المشي إلى الصلاة) . كتاب آداب المشي إلى الصلاة: جاء هذا الكتاب خلوا من مقدمة التأليف التي من خلالها نتبين هدف المؤلف ومنهجه فيه، ومن أجل هذا كانت رواية ابن بشر السابقة هي مفتاح هذا الكتاب وفيها الغناء في إشباع فضول وتطلع الباحث. ألف الشيخ هذا الكتاب بعد تأليفه كتاب (مختصر الإنصاف والشرح الكبير) جوابا لخصومه، وردا لدعواهم الباطلة في نبذ المذهب الحنبلي، وكان جوابا عمليا دامغا، فقد استخلصه من كتاب معتمد في المذهب الحنبلي هو (كشاف القناع عن متن الإقناع) تأليف الشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، وهو في الحقيقة اختصار منه لمجموع الأبواب التي حواها هذا الكتاب ابتداء من باب آداب المشي إلى الصلاة إلى باب ما يفسد الصوم. وفي هذا الكتاب يلتزم في عرض الأحكام المذهب الحنبلي كما هو في كتاب كشاف الإقناع، تأكيدا لالتزامه وتحقيقا في انتسابه له، فإنه في هذه المرة لم يحاول أن يخص آراء شيخ الإسلام ابن تيمية بالذكر كما عهدنا صنيعه في كتاب (مختصر الإنصاف والشرح الكبير) و (كتاب الطهارة) . ومنهجه في هذا الكتاب عرض المسائل المختلفة في الموضوع الفقهي في عبارة

مختصرة على أنه وإن كان اختصارا من الكشاف فإنه لم يخل من ذكر أدلة الأحكام في أسلوب موجز، لا يحرم الدارس من معرفة الحكم مع الدليل المستنبط منه. وهذه أحسن الأحوال التي يكون عليها التقليد الفقهي فهو تقليد ولكن تقليد المتبصر المدرك للدليل الذي يعتمد عليه الحكم، وتدرج بالمقلد إلى أفق أوسع. وهذا الأسلوب يشير إلى المنزع الاجتهادي في تفكير الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ إذ أنه الأسلوب الذي لم يحد عنه في التأليف الفقهي، فإننا نجده في مؤلفات ورسائل فقهية أخرى. كتاب الطهارة: عرض فقهي كامل لأحكام وأبواب الطهارة في أسلوب واضح مبسط اعتنى فيه بذكر الخلاف في إطار المذهب الحنبلي حينا، والإشارة إلى بعض المذاهب اتفاقا أو اختلافا أحيانا أخرى، ووجه اهتماما خاصا بالتنويه عن اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، كما لم تفته الإشارة إلى ذكر أدلة المسائل الفقهية كثيرا. وأسلوب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذا الكتاب أو الرسالة شكلا ومضمونا يأتي منسجما ومتجانسا مع مؤلفاته الأخرى، ولذا فإنه لم يصعب على المحققين تبينه، إذ أن اسمه لم يرد في صلب المخطوطة، فقد جاء في مقدمة التحقيق قولهم: "فهذا كتاب الطهارة للإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - استندنا في نسبته إليه إلى فهارس المكتبة السعودية المدون فيها باسمه تحت رقم 520/86 حيث لم يرد في صلب المخطوطة ما يشير إلى ذلك إلا عبارة نعتقد أن فيها شيئا من التحريف، حيث قال في نهاية المخطوطة، ولهذا سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولعل صحة العبارة: وعن هذا سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ثم إن أسلوب المخطوطة يتطابق تماما مع أساليب كتاباته وتصانيفه ورسائله رحمه الله، وخاصة كثرة الإشارة إلى اختيارات شيخ الإسلام"1. كتاب شروط الصلاة وأركانها: هو استكمال للتأليف في موضوع الصلاة، فيكون هذا الكتاب كالتتمة للموضوع

_ 1 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب, القسم الثاني (الفقه) جـ2 , ص3.

السابق وهو في نفسه موضوع تمهيدي سابق على (كتاب آداب المشي إلى الصلاة) ، ولهذا فإنه يمكن اعتبار الكتب الثلاثة (كتاب الطهارة، وكتاب شروط الصلاة وأركانها، وكتاب آداب المشي إلى الصلاة) مؤلفا واحدا في موضوع فقهي واحد. مبحث الاجتهاد والخلاف عنوان هذا الكتاب يختلف عن موضوعه؛ إذ أن محتواه هو حجية قول الصحابي والاختلاف في ذلك، وهذا العنوان أثبته المصححان كما وجداه على النسخة الأصلية ويتحدثان عن هذا في قولهم: "وقد كتب على الصفحة الأولى منها بخط الناسخ هذه العبارة: هذه الرسالة تأليف الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي وهي مبحث الاجتهاد والخلاف". ويبدو أن المصححين غير مقتنعين بسلامة هذا العنوان، وما دوناه هو أداء للأمانة العلمية، ولا شك أن مضمون الرسالة يمثل جزء من العنوان، فلعل لهذه الرسالة بقية فيتطابق العنوان والمحتوى. وموضوع حجية قول الصحابي من الموضوعات الأصولية التي شغلت حيزا كبيرا في هذا العلم، وأنتج القول به وعدمه اختلافا بين الفقهاء لخصه الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كتاب إعلام الموقعين لابن القيم، وهو تلخيص مركز متين بأسلوب سهل مبسط توصل فيه إلى نفس النتائج التي توصل إليها ابن القيم، وذلك: (أن الصحابي إذا لم يخالفه في قوله صحابي آخر واشتهر بينهم فإنه يعتبر حجة) ، وذكر ستة وأربعين وجها ودليلا على هذه النتيجة، ثم نفذ من ذلك إلى بحث حجية قول التابعي، وفي نهايته يعرض رأيه بأسلوب هادئ متزن في قوله: "وقد اختلف السلف: فمنهم من يقول: يجب اتباع التابعي فيما أفتى به كذلك، ومن تأمل كتب الأئمة ومن بعدهم، وجدها مشحونة بالاحتجاج بتفسير التابعي". وينتقل من هذا الموضوع إلى بحث أمور هامة تتعلق بالفتوى والمفتي، ما خلاصته أن على المفتي الجواب عن المسألة بقدر الإمكان فإن لم يأمن غائلة الفتوى وخاف أن يترتب عليها شيء أكبر من الإمساك عنها، أمسك ترجيحا لدفع أعلى المفسدتين. كما له العدول عن جواب المستفتي عما سأله عنه إلى ما هو أنفع منه1.

_ 1 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، القسم الثاني (الفقه) جـ2 , ص36، 37.

ومن أهم النقاط التي تعرض لها خلال هذا العرض مسألة جديرة أن يعيها المنتصبون للإفتاء وذلك في قوله: "ومن فقه المفتي إذا سأله عن شيء فمنعه أن يدله على ما هو عوض منه، ورأيت شيخنا يتحرى ذلك في فتاواه، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يشتري صاعا من التمر الجيد بصاعين من الرديء ثم دله على الطريق المباح"1. وهذه دقائق لا يدركها إلا الراسخون في العلم وفهم المجتمع. من خلال الدراسات السابقة للتراث الفكري الفقهي لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، تجلت لنا خصائصه الفكرية في هذا الجانب متميزة بتقدير التراث الفقهي، تعطيه حقه من التقدير في غير مبالغة أو مغالاة تؤدي إلى الجمود وذوبان الشخصية، فهو متمذهب وهو حنبلي ولكنه بعيد عن الجمود، فالواجب في نظره اتباع العلماء في إجماعهم، فإذا اختلفوا فالمرجع والمرجح هو الكتاب والسنة مع مرونة فقهية في تطبيق أحكامها، فالأحكام على العفو والإباحة ما لم يرد دليل صريح بالتحريم، ولا اعتراض على المخالف في مسائل الاجتهاد. إنها صورة مثالية تأخذ من التراث وتستفيد منه وتعتمد عليه في اعتدال لا جمود، واجتهاد يتمشى وروح الشريعة الإسلامية، ومرونة لا يغير ملامحها الشريعية بواقعية تعيش ظروف عصرها. إن هذه النوعية من الفقه والفقهاء هي ضالة العصر المنشودة، وهي أيضا المثل الوسط الذي لا يجمد على القديم لدرجة العبادة والتقديس، ولا يتمرد عليه لحد الإنكار والجمود. إن الأمة الإسلامية لو اهتدت إلى إيجاد جيل من الفقهاء يحمل هذه الخصائص والصفات، فإنها ستعيد للفقه الإسلامي إشراقه وحيويته ودوره في حياتنا الحاضرة ولم يعدم الإسلام عبر قرونه تقديم نماذج متجددة من هذه الأمثلة لإبقائه حيا متجددا، مهما تقادم الزمن، والله يقضي بالحق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

_ 1 المرجع السابق.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... مصادر البحث ابن قدامة، موفق الدين محمد المغني، المدينة المنورة: منشورات المكتبة السلفية، تصوير. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، الطبعة الأولى، الرياض. رفع الملام عن الأئمة الأعلام، الطبعة الأولى. ابن حمدان، أحمد صفة المفتي والمستفتي الطبعة الأولى، بيروت، منشورات المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى. ابن عبد الوهاب، محمد، مؤلفات محمد بن عبد الوهاب، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود. ابن بدران، عبد القادر المدخل إلى مذهب الإمام أحمد مصر: إدارة المطبعة المنيرية. ابن بشر، عثمان بن عبد الله عنوان المجد في تاريخ نجد، الطبعة الثانية الرياض: وزارة المعارف السعودية. السوابق: الطبعة الثانية. الرياض: وزارة المعارف السعودية.

أبو طامي، أحمد بن حجر بن محمد الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه. مكة المكرمة: مطبعة الحكومة، 1395هـ. المسودة، تحقيق محيي الدين بعد الحميد مصر: مطبعة المدني. البسام، عبد الله علماء نجد خلال ستة قرون، الطبعة الأولى. بيروت: منشورات المكتب الإسلامي، 1380 هـ. الحجوي، محمد بن الحسن الثعالبي الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي تحقيق: عبد العزيز بن عبد الفتاح القاري المدينة المنورة: المكتبة العلمية 1397 هـ /1977م. الرويشد، عبد الله بن سعد الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ مصر: مكتبة عيسى البابي الحلبي. السنهوري، عبد الرزاق مصادر الحق في الفقه الإسلامي، الطبعة الثالثة جامعة الدول العربية: معهد البحوث والدراسات العربية 1967 م. العطار، أحمد عبد الغفور محمد بن عبد الوهاب الطبعة الرابعة.

بيروت: منشورات مكتبة العرفان 1392هـ/1972م. العثيمين، عبد الله صالح الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره الرياض: دار العلوم الفراء، أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد العدة في أصول الفقه، مصورة خاصة الفتوحي، أحمد بن عبد العزيز الكوكب المنير مصر: مطبعة السنة المحمدية 1372هـ/1953م. المرداوي، أبو سليمان علاء الدين الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. الطبعة الأولى 1974م.

§1/1